كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا كَمَا هُوَ كَثِيرٌ أَوْ غَالِبٌ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ مَا ذَكَرَ فِي قَرْيَةٍ أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ أَمَّا فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ كَبَغْدَادَ فَلَا ؛ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ وَإِلَى مَا قَالَهُ يُشِيرُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْقَرْيَةِ

( قَوْلُهُ لَوْ قَالَ مَعْزُولٌ كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا ) أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أَوْ عَقَدْت نِكَاحَ فُلَانَةَ عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِعْت كَذَا عَلَى مَحْجُورِي بِالْحُكْمِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا أَصْلٌ مُطَّرِدٌ يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَصَحَّ مِنْهُ وَمَنْ إلَّا فَلَا كَمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ كُنْت أَعْتَقْته قَبْلَ الْبَيْعِ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ وَيُخَالِفُ الْمُرْضِعَةَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا إلَخْ ) وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الرَّضَاعَ مِنْ فِعْلِ الْوَلَدِ فَجَازَتْ شَهَادَتُهَا فِيهِ وَالْحُكْمُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ لَمْ يُقْبَلْ ) كَمَا لَوْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّ هَذَا قَضَى فِي حَالِ وِلَايَتِهِ وَبَقِيَتْ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ ، وَهِيَ أَنْ يُضِيفَ الْحُكْمَ لِغَيْرِهِ وَيَكْذِبَ لِيَصِلَ صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى حَقِّهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ صَرِيحًا وَقِيَاسُ مَا قُبِلَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالْمَسَاطِيرِ الْمُكْتَتَبَةِ الَّتِي يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْضَهَا ، وَإِنْ اسْتَوْفَى عِوَضًا عَمَّا ضَاعَ وَلَمْ يَسْتَوْفِ تَوَصُّلًا إلَى الْحَقِّ الْجَوَازُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ هُنَا مَنْدُوحَةً عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَنْسُبَهُ لِمُبْهَمٍ ر ( قَوْلُهُ حَكَمْت بِطَلَاقِ نِسَاءِ الْقَرْيَةِ ) وَعِتْقِ عَبِيدِهِمْ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرَ فِي الْخَادِمِ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَزَادَ فَقَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَسْأَلْ فَإِنْ سَأَلَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَنْ السَّبَبِ فَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ إذَا كَانَ قَدْ حَكَمَ بِنُكُولِهِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّهُ

يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ يَعْنِي فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مُقَابَلَتِهَا بِمِثْلِهَا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ بِالْيَدِ قَالَا وَلَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ قَدْ حَكَمَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ وَخَرَجَ مِنْ هَذَا تَخْصِيصُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُسْأَلُ عَنْ مُسْتَنَدِهِ أَيْ سُؤَالَ اعْتِرَاضٍ أَمَّا سُؤَالُ مَنْ يَطْلُبُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ الْإِبْدَاءُ لِيَجِدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ التَّخَلُّصَ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ نَقْضًا لِحُكْمِ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يُبَيِّنَ السَّبَبَ ( قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ مَا ذَكَرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) إذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا فَأَنْكَرَا لَمْ يُلْتَفَتْ لِإِنْكَارِهِمَا وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَاكِمِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا كَانَ إنْكَارُهُمَا بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَالَ شَيْخُنَا : يُؤْخَذُ مِنْ تَقْيِيدِ مَا قَبْلَهَا أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ

( وَإِنْ قَالَ الْمَعْزُولُ ) لِلْأَمِينِ ( أَعْطَيْتُك الْمَالَ ) أَيَّامَ قَضَائِي لِتَحْفَظَهُ ( لِفُلَانٍ فَقَالَ الْأَمِينُ بَلْ ) أَعْطَيْتنِيهِ لِأَحْفَظَهُ ( لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ ) لَكِنْ هَلْ يَغْرَمُ الْأَمِينُ لِمَنْ عَيَّنَهُ هُوَ قَدْرَ ذَلِكَ ، فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ ( أَوْ قَالَ ) لَهُ الْأَمِينُ ( لَمْ تُعْطِنِي ) شَيْئًا ( بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ
( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ ) أَيْ بِلَا يَمِينٍ كَمَا لَوْ قَالَ صَرَفْت مَالَ الْوَقْفِ إلَى جِهَتِهِ الْعَامَّةِ أَوْ فِي عِمَارَتِهِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْحَالُ ( قَوْلُهُ أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ ( قَوْلُهُ وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ ، وَإِنْ شَهِدَا ) أَيْ اثْنَانِ ( بِحُكْمٍ مِنْ حُكْمٍ بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ يَشْهَدَانِ عَلَى أَنْ فَعَلَ الْقَاضِي

( فَصْلٌ فِي جَوَازِ تَتَبُّعِ الْقَاضِي حُكْمَ مَنْ قَبْلَهُ ) مِنْ الْقُضَاةِ الصَّالِحِينَ لِلْقَضَاءِ ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ السَّدَادُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ وَعَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الْبَابِ الْآتِي ( فَإِنْ تَظَلَّمَ ) شَخْصٌ ( عِنْدَهُ بِمَعْزُولٍ أَوْ نَائِبِهِ سَأَلَهُ ) عَمَّا يُرِيدُ مِنْهُ وَلَا يُسَارِعُ إلَى إحْضَارِهِ فَقَدْ يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ

( فَإِنْ ادَّعَى ) بِأَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي ( مُعَامَلَةً ) أَوْ إتْلَافَ مَالٍ أَوْ عَيْنًا أَخَذَهَا بِغَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ ( أَحْضَرَهُ ) وَفَصَلَ خُصُومَتَهُ مِنْهُ ( كَغَيْرِهِ وَكَذَا ) لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ ( رِشْوَةً ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ ( أَوْ حُكْمًا بِعَبْدَيْنِ مَثَلًا ) أَيْ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَخْذِ ) أَيْ لِأَخْذِ الْمَالِ الْمَحْكُومِ بِهِ ( مِنْهُ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى الْمَعْزُولِ ) بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ الْمَعْزُولُ ( حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ خِيَانَةً وَلِعُمُومِ خَبَرِ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَقِيلَ بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ التَّحْلِيفِ وَالِابْتِذَالِ بِالْمُنَازَعَاتِ ، وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَغَيْرِهِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ تَصْحِيحُ النَّوَوِيِّ فِيهِ وَالصَّوَابُ الثَّانِي فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ ، وَهَذَا فِيمَنْ عُزِلَ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ أَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ وَشَاعَ جَوْرُهُ وَخِيَانَتُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا

( قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى مُعَامَلَةً أَحْضَرَهُ كَغَيْرِهِ ) أَفَادَ قَوْلُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُرْسِلَ وَكِيلَهُ وَلَا يَحْضُرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ جَازِمًا بِهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ قَالَ ) يَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ ، وَهَذَا فِيمَنْ إلَخْ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ مِثْلُ هَذَا فِي طَلَبِ إحْضَارِهِ فَإِنْ انْعَزَلَ لِمَا طَرَأَ لَهُ مِنْ عَمًى أَوْ صَمَمٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ عَزَلَهُ بِلَا سَبَبٍ لَمْ يَحْضُرْ حَتَّى يَسْتَفْسِرَهُ ، وَإِنْ عَزَلَهُ لِظُهُورِ فِسْقِهِ وَجَوْرِهِ وَارْتِشَائِهِ أَحْضَرَهُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ إحْضَارِهِ لِلدَّعْوَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَسَائِرِ النَّاسِ

( وَلَوْ قَالَ ) الْمُتَظَلِّمُ ( بَقِيَ عَلَى أَمِينِ الْمَعْزُولِ شَيْءٌ ) بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ ( فَقَالَ ) الْأَمِينُ ( أَخَذْته أُجْرَةً ) لِعَمَلِي ( وَقَدْ اعْتَادَ ) أَخْذَهَا بَلْ أَوْ لَمْ يَعْتَدْهُ ( فَفِيهِ خِلَافُ مَنْ عَمِلَ ) لِغَيْرِهِ ( وَلَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً ) هَلْ يَسْتَحِقُّهَا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ حُوسِبَ الْأَمِينُ فَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَالَ أَخَذْته أُجْرَةَ عَمَلِي فَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ لَمْ يَنْفَعْهُ تَصْدِيقُهُ بَلْ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَلْ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا أَوْ لَا بَلْ يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِجَرَيَانِ ذِكْرِ الْأُجْرَةِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً هَلْ يَسْتَحِقُّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا الْبِنَاءُ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى رَاكِبُ الدَّابَّةِ إعَارَتَهَا وَالْمَالِكُ إجَارَتَهَا وَعَلَى التَّشْبِيهِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَضِيَّتُهُ الْأَخْذُ بِتَرْجِيحِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَالتَّشْبِيهُ أَقْرَبُ مِنْ الْبِنَاءِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ مَعَ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَفْرُوضَةٌ بِخِلَافِهَا فِي الْمُنَظَّرِ بِهَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَبْنِ عَلَى تِلْكَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ ، وَإِنَّمَا بَنَى عَلَيْهَا تَوْجِيهَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَالَ عَقِبَهُ ، وَهَذَا يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ إلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَ الثَّانِي

( قَوْلُهُ فَفِيهِ خِلَافُ مَنْ عَمِلَ وَلَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً ) هَلْ يَسْتَحِقُّهَا فَالرَّاجِحُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهَا ( قَوْلُهُ بَلْ يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَالتَّشْبِيهُ أَقْرَبُ مِنْ الْبِنَاءِ ) الْمَذْهَبُ مَا اقْتَضَاهُ الْبِنَاءُ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ ظَاهِرٌ قَالَ شَيْخُنَا ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا الْأَصْلُ فِي وَضْعِ يَدِ الشَّخْصِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الدَّابَّةِ وَادَّعَى إعَارَتَهَا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ وَادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ فَصُدِّقَ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ اشْتَغَلَتْ ظَاهِرًا بِمُقْتَضَى وَضْعِ الْيَدِ وَيُرِيدُ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا فَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا مَا يَقْتَضِي شُغْلَ ذِمَّةٍ بَلْ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الشَّخْصِ بِبَدَنِهِ لِغَيْرِهِ التَّبَرُّعُ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ ( قَوْلُهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَفْرُوضَةٌ ) مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلَّ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَتِهَا

( فَرْعٌ لَوْ ادَّعَى ) شَخْصٌ ( عَلَى قَاضٍ ) بَاقٍ عَلَى قَضَائِهِ مُعَامَلَةً أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ ( حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ ) فَصْلًا لِلْخُصُومَةِ ( أَوْ ) ادَّعَى عَلَيْهِ ( أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِ ) فِي حُكْمِهِ ( أَوْ عَلَى الشَّاهِدِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ زُورًا لَمْ يَحْلِفْ ) وَاحِدٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ شَرْعًا وَلَوْ فُتِحَ بَابُ تَحْلِيفِهِمَا لَتَعَطَّلَ الْقَضَاءُ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ ( وَلَمْ يُفِدْ ) فِي ذَلِكَ ( إلَّا الْبَيِّنَةُ ) فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ إنَابَةِ الشَّرْعِ وَمَحَلُّ عَدَمِ سَمَاعِهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
( قَوْلُهُ أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ إلَخْ ) قَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَدَّعِي أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً تَمْنَعُ نُفُوذَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى قَبُولُ دَعْوَاهُ وَسَمَاعُ بَيِّنَتِهِ غ ( قَوْلُهُ لِتَعَطُّلِ الْقَضَاءِ إلَخْ ) عَلَّلَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ الشَّرْعِ وَالدَّعْوَى عَلَى النَّائِبِ كَالدَّعْوَى عَلَى الْمُسْتَنِيبِ وَالدَّعْوَى عَلَى الشَّرْعِ لَا تُسْمَعُ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( الْبَابُ الثَّانِي فِي جَامِعِ آدَابِ الْقَضَاءِ ) وَغَيْرِهَا ( وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ فِي آدَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهَا أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْإِمَامُ ) إذَا وَلَّاهُ الْقَضَاءَ فِي بَلَدٍ كِتَابَ الْعَهْدِ ( بِالْوِلَايَةِ وَيَعِظُهُ ) فِيهِ وَيَذْكُرُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لِأَنَسٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
( الْبَابُ الثَّانِي فِي جَامِعِ آدَابِ الْقَضَاءِ ) ( قَوْلُهُ مِنْهَا أَنْ يَكْتُبَ ) أَيْ نَدْبًا ( قَوْلُهُ الْإِمَامُ ) مِثْلُ الْإِمَامِ قَاضِي الْإِقْلِيمِ إذَا وَلَّى نَائِبًا مِنْ عَمَلٍ مِنْ إقْلِيمِهِ ( قَوْلُهُ بِالْوِلَايَةِ ) قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً حَتَّى يَتَذَكَّرَ بِهَا إنْ نَسِيَ أَنَّهُ وَلَّاهُ عَمَلَ كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ بِهِ مَا اخْتَلَّ عَلَيْهِ مِنْ شَرْطٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ إلَخْ ) وَعُمَرَ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا بَعَثَهُ قَاضِيًا إلَى الْكُوفَةِ

( وَيُشْهِدُ ) وُجُوبًا ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْوِلَايَةِ ( لِلْبَعِيدِ ) مِنْ مَحَلِّهَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ يَبْعَثُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَا يَنْتَشِرُ الْخَبَرُ إلَيْهِ فَلْيُشْهِدْ ( شَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ ) يُخْبِرَانِ بِهَا وَعِنْدَ إشْهَادِهِمَا يَقْرَآنِ الْكِتَابَ أَوْ يَقْرَؤُهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ قَرَأَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدَانِ فِيهِ وَلَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يَكْتُبْ كَفَى فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشُّهُودِ ( وَلَوْ اسْتَفَاضَ ) الْخَبَرُ ( كَفَى ) عَنْ الْإِشْهَادِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ آكَدُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ الْخُلَفَاءِ الْإِشْهَادُ فَلَا يَقْبَلُ فِي الْوِلَايَةِ قَوْلَ مُدَّعِيهَا فَلَوْ صَدَّقَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ فَفِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ وَجْهَانِ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ عَدَمُ وُجُوبِهَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَنْكَرَ تَوْلِيَتَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَعَلَّ وُجُوبَهَا أَشْبَهُ وَفِي الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ مَا يُعَضِّدُهُ ( وَلَا يَعْتَمِدُ الْكِتَابَ وَحْدَهُ ) أَيْ بِلَا إشْهَادٍ وَاسْتِفَاضَةٍ لِإِمْكَانِ تَحْرِيفِهِ
( قَوْلُهُ شَاهِدَيْنِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : عِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَدَارُ عَلَى الْأَخْبَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِوَاحِدٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ا هـ وَيُؤَيِّدُهُ الْوَجْهُ الْآتِي أَنَّهُمْ إذَا صَدَّقُوهُ لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ كَفَى عَنْ الْإِشْهَادِ ) وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا ( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) : أَيْ وَغَيْرُهُ لَعَلَّ وُجُوبَهَا أَشْبَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِحَقٍّ عَلَيْهِمْ وَلَا نَعْدَمُ لَهُ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ دَلِيلًا

( وَ ) مِنْهَا ( أَنْ يَسْأَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ ) لِلْبَلَدِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَنْ فِيهِ ( عَنْ ) حَالِ ( مَنْ فِي الْبَلَدِ مِنْ الْعُدُولِ وَالْعُلَمَاءِ ) لِيَدْخُلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِحَالِ مَنْ فِيهِ فَيَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَإِنْ تَعَسَّرَ فَفِي الطَّرِيقِ فَإِنْ تَعَسَّرَ فَحِينَ يَدْخُلُ

( وَ ) أَنْ ( يَدْخُلَ ) يَوْمَ ( الِاثْنَيْنِ ) { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فِيهِ } ( فَإِنْ تَعَسَّرَ فَالْخَمِيسُ أَوْ السَّبْتُ ) كَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِلَّا فَالسَّبْتُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ صَبِيحَةَ الْيَوْمِ
( قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِلَّا فَالسَّبْتُ ) فَبَيَّنَ تَقْدِيمَ الْخَمِيسِ عَلَى السَّبْتِ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ صَبِيحَةَ الْيَوْمِ ) لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ { اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ } قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِمَا يُذْكَرُ مَرْفُوعًا { بِوَرِكِ لِأُمَّتِي فِي سَبْتِهَا وَخَمِيسِهَا } وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ : لَا أَصْلَ لَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا } حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

( وَ ) أَنْ يَدْخُلَ ( فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ) فَفِي مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِهَا } وَلِأَنَّهَا أَهْيَبُ لَهُ

( وَ ) أَنْ ( يَنْزِلَ وَسَطَ الْبَلَدِ ) لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَكَأَنَّهُ حَيْثُ اتَّسَعَتْ خُطَّتُهُ وَالْإِنْزَالُ حَيْثُ تَيَسَّرَ قَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَوْضِعٌ يَعْتَادُ الْقُضَاةُ النُّزُولَ فِيهِ
( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ

( ثُمَّ ) إذَا دَخَلَ ( إنْ شَاءَ قَرَأَ الْعَهْدَ فَوْرًا ، وَإِنْ شَاءَ وَاعَدَ النَّاسَ لِيَوْمٍ ) يَحْضُرُونَ فِيهِ لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شُهُودٌ شَهِدُوا ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ وَأَنْ يَبْحَثَ عَنْ الشُّهُودِ وَالْمُزَكِّينَ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَالْأَحْوَطُ السِّرُّ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ

( وَ ) أَنْ ( يَتَسَلَّمَ دِيوَانَ الْحُكْمِ ) ، وَهُوَ مَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَهُ ( مِنْ الْمَحَاضِرِ ) ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ ( وَالسِّجِلَّاتِ ) ، وَهِيَ مَا يَشْمَلُ عَلَى الْحُكْمِ ( وَحُجَجِ الْأَيْتَامِ وَأَمْوَالِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ ) مِنْ الْحُجَجِ الْمُودَعَةِ فِي الدِّيوَانِ كَحُجَجِ الْأَوْقَافِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ فَيَتَسَلَّمُهَا لِيَحْفَظَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا

( ثُمَّ ) يَبْحَثُ ( عَنْ الْمَحْبُوسِينَ ) هَلْ يَسْتَحِقُّونَ الْحَبْسَ أَوْ لَا وَقُدِّمَ عَلَى مَا يَأْتِي ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ وَقُدِّمَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْهُمْ أَيْضًا كُلُّ مَا كَانَ أَهَمَّ مِنْهُ كَالنَّظَرِ فِي الْمَحَاجِيرِ الْجَائِعِينَ الَّذِينَ تَحْتَ نَظَرِهِ وَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي التَّرِكَاتِ وَغَيْرِهَا وَمَا أَشْرَفَ مِنْ الْأَوْقَافِ وَأَمْلَاكِ مَحَاجِيرِهِ عَلَى السُّقُوطِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْفَوْرُ فِي تَدَارُكِهِ ( وَ ) أَنْ ( يَكْتُبَ ) فِي رِقَاعٍ ( أَسْمَاءَهُمْ وَمَا حُبِسَ بِهِ ) كُلٌّ مِنْهُمْ ( وَ ) مَنْ حُبِسَ ( لَهُ ) فَإِنْ بَعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا لِيَكْتُبَ ذَلِكَ كَفَى وَإِنْ بَعَثَ أَمِينَيْنِ فَهُوَ أَحْوَطُ ( فَيُنَادِي ) بِأَنْ يَأْمُرَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْبَحْثِ عَنْهُمْ مَنْ يُنَادِي أَلَا ( مَنْ لَهُ حَبِيسٌ فَلْيَحْضُرْ ) يَوْمَ كَذَا فَإِذَا جَلَسَ لِذَلِكَ وَحَضَرَ النَّاسُ صُبَّتْ الرِّقَاعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَأْخُذُ رُقْعَةً رُقْعَةً وَيَنْظُرُ فِي الِاسْمِ الْمُثْبَتِ فِيهَا ( وَيُحْضِرُ الْمَحْبُوسِينَ وَاحِدًا وَاحِدًا ) بِحَسَبِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّقَاعِ فَيَسْأَلُهُمْ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ مَعَ خُصُومِهِمْ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِمْ ( فَمَنْ اعْتَرَفَ ) مِنْهُمْ ( بِحَقٍّ طُولِبَ ) بِهِ ( وَإِنْ أَوْفَى ) الْحَقَّ أَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( نُودِيَ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ لَهُ غَرِيمًا آخَرَ .
ثُمَّ ) إذَا لَمْ يَحْضُرْ لَهُ غَرِيمٌ ( يُطْلَقُ ) مِنْ الْحَبْسِ بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَرِيمٍ آخَرَ ( وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ وَمَنْ لَمْ يُوفِ ) الْحَقَّ ( وَلَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ رُدَّ ) إلَى الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لَوْ أُنْشِئَتْ الْمُحَاكَمَةُ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فَاسْتِمْرَارُهُ أَوْلَى ( وَإِنْ قَالَ حُبِسْت بِكَلْبٍ ) مَثَلًا ( أَتْلَفْته أَمْضَاهُ ) أَيْ حُكْمَ الْمَعْزُولِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ التَّغْرِيمَ بِذَلِكَ كَالْمُنْعَزِلِ ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ ( ، وَإِنْ

قَالَ ظُلِمْت ) بِالْحَبْسِ وَأَنْكَرَ خَصْمُهُ ( طُولِبَ خَصْمُهُ بِالْبَيِّنَةِ ) أَنَّهُ حَبَسَهُ بِحَقٍّ ( وَصُدِّقَ ) هُوَ ( بِيَمِينِهِ ) أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا إنْ لَمْ يُقِمْ خَصْمُهُ بَيِّنَةً فَيُطْلَقُ مِنْ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ ( وَلَوْ كَانَ ) خَصْمُهُ ( غَائِبًا ) عَنْ الْبَلَدِ ( طُولِبَ بِكَفِيلٍ أَوْ يُرَدُّ ) إلَى الْحَبْسِ وَتَبِعَ فِي مُطَالَبَتِهِ بِكَفِيلٍ الرَّوْضَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّافِعِيُّ إنَّمَا فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُطْلَقُ مِنْهُ وَتَرْجِيحُ رَدِّهِ إلَيْهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا رُدَّ إلَيْهِ أَوْ أُطْلِقَ بِكَفِيلٍ ( كَتَبَ لِخَصْمِهِ ) لِيَحْضُرَ عَاجِلًا فَيَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أُطْلِقَ ) كَالْمَحْبُوسِ ظُلْمًا ( وَمَنْ قَالَ لَا أَدْرِي فِيمَ حُبِسْت ) أَوْ لَا خَصْمَ لِي ( نُودِيَ عَلَيْهِ ) لِطَلَبِ الْخَصْمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ حَلَفَ ) عَلَى مَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ بِلَا خَصْمٍ خِلَافُ الظَّاهِرِ ( وَأُطْلِقَ ) ، وَإِنْ حَضَرَ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْحَقِّ أَوْ بِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَذَاكَ وَإِلَّا أُطْلِقَ بَعْدَ حَلِفِهِ ( وَحَالُ الْمُنَادَاةِ ) عَلَيْهِ لِطَلَبِ خَصْمِهِ ( يُرَاقَبُ وَلَا يُحْبَسُ ) وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ ( وَمَنْ حُبِسَ تَعْزِيرًا أَطْلَقَهُ ) مِنْ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ هَلْ كَانَ يُدِيمُ حَبْسَهُ أَوْ لَا ( أَوْ يَرُدُّهُ ) إلَيْهِ ( إنْ رَأَى ذَلِكَ ) بِأَنْ بَانَتْ عِنْدَهُ خِيَانَتُهُ

قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَالنَّظَرِ فِي الْمَحَاجِيرِ إلَخْ ) وَخُصُومَةٍ حَاصِلَةٍ وَفَصْلِ مُعْضِلَةٍ أَشْكَلَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ ( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ التَّغْرِيمَ بِذَلِكَ كَالْمُنْعَزِلِ ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لَا يَرَى التَّغْرِيمَ وَالْمَعْزُولُ يَرَاهُ ( قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ مِنْ الْحَبْسِ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( قَوْلُهُ وَالرَّافِعِيُّ إنَّمَا فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُطْلَقُ مِنْهُ ) ، وَهُوَ الصَّوَابُ غ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَارٍ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ كَتَبَ لِخَصْمِهِ لِيَحْضُرَ عَاجِلًا ) أَوْ يُوَكِّلَ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْأَبْوَابِ أَنْ يُقَالَ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لَا إلَيْهِ نَفْسِهِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ إذْ لَا يَكْتُبُ إلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَالْغَرَضُ إعْلَامُهُ كَيْفَ اتَّفَقَ وَلَوْ بِإِبْلَاغِ عَدْلٍ فِيمَا أَرَاهُ ( قَوْلُهُ أَوْ يَرُدُّهُ إلَيْهِ إنْ رَأَى ذَلِكَ ) فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ لَوْ قَالَ حَبَسَنِي تَعْزِيرًا لِلَّذِي كَانَ مِنِّي فَقَدْ اسْتَوْفَى حَبْسُ التَّعْزِيرِ بِعَزْلِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ مُدَّةَ حَبْسِهِ مَعَ بَقَاءِ نَظَرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُعَزَّرُ لِذَنْبٍ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ وَحَكَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الْمُحِيطِ لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى

( ثُمَّ ) يَبْحَثُ ( عَنْ الْأَوْصِيَاءِ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَبْدَأُ هُنَا بِمَنْ شَاءَ بِلَا قُرْعَةٍ بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِينَ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِمْ لَهُمْ وَفِي هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ ( فَيُنَفِّذُ ) الْقَاضِي أَيْ يُقَرِّرُ مَا قَضَى لَهُمْ بِهِ ( وَمَنْ عُرِفَ فِسْقُهُ ) مِنْهُمْ ( انْعَزَلَ ) فَيُنْزَعُ الْمَالُ مِنْهُ ( أَوْ ضَعْفُهُ ) عَنْ الْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ( أَعَانَهُ بِآخَرَ أَوْ شَكَّ فِي عَدَالَتِهِ قَرَّرَهُ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَمَانَةُ وَقِيلَ يُنْزَعُ الْمَالُ مِنْهُ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ لَكِنْ رَجَّحَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلَ ( ثُمَّ إنَّ فَرَّقَ ) الْوَصِيُّ ( الْوَصِيَّةَ ، وَهِيَ لِمُعَيَّنِينَ لَمْ يُبْحَثْ ) عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ يُطَالِبُونَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْصَلَهُمْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانُوا أَهْلًا لِلْمُطَالَبَةِ فَإِنْ كَانُوا مَحْجُورِينَ فَلَا لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلِيٌّ غَيْرُ الْقَاضِي .
( أَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ ، وَهُوَ عَدْلٌ أَمْضَاهُ ) أَيْ تَصَرُّفَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا ( ضَمِنَهُ ) أَيْ مَا فَرَّقَهُ ( لِتَعَدِّيهِ ) بِتَفْرِيقِهِ بِلَا وِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ ( وَإِنْ فَرَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ لِمُعَيَّنِينَ نَفَذَ ) تَفْرِيقُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَخْذُهَا بِلَا وَاسِطَةٍ فَلَا يَضْمَنُهُ نَعَمْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْوَصِيِّ لَوْ فَوَّضَ إلَى اجْتِهَادِهِ التَّسَاوِي وَالتَّفْضِيلَ وَكَانَ فَاسِقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالتَّفْرِيقِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ فَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْأَجْنَبِيِّ ( أَوْ لِعَامَّةٍ ) أَيْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ ( ضَمِنَ ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ أُمَنَاءِ الْقَاضِي ) الْمَنْصُوبِينَ عَلَى الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا ( فَيَنْعَزِلُ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَيُعْزَلُ ( مَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ )

وَيُعِينُ الضَّعِيفَ بِآخَرَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ ( وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ ) الْأُمَنَاءَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُمْ ( وَيُعَوِّضُ ) عَنْهُمْ بِآخَرِينَ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأُمَنَاءَ يُوَلَّوْنَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ وَأُخِّرُوا عَنْ الْأَوْصِيَاءِ ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِمْ أَبْعَدُ ؛ لِأَنَّ نَاصِبَهُمْ الْقَاضِي ، وَهُوَ لَا يُنَصَّبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ ( ثُمَّ ) يَبْحَثُ ( عَنْ الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ ) وَمُتَوَلِّيهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَعَنْ الْخَاصَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَؤُولُ لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيَنْظُرُ هَلْ آلَتْ إلَيْهِمْ وَهَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ مِنْهُمْ لِصِغَرٍ أَوْ نَحْوِهِ ( وَ ) عَنْ ( اللُّقَطَةِ ) الَّتِي لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ يَجُوزُ وَلَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ( وَ ) عَنْ ( الضَّوَالِّ فَتُحْفَظُ ) هَذِهِ الْأَمْوَالُ ( فِي بَيْتِ الْمَالِ مُفْرَدَةً ) عَنْ أَمْثَالِهَا ( وَلَهُ خَلْطُهَا بِمِثْلِهَا ) فَإِذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ غَرِمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ لِلُّقَطَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي جَوَازِ خَلْطِهَا نَظَرٌ إذَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِمُلَّاكِهَا وَلَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ ( وَقُدِّمَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ) مِمَّا ذُكِرَ ( الْأَهَمُّ ) فَالْأَهَمُّ

( قَوْلُهُ ثُمَّ عَنْ الْأَوْصِيَاءِ ) لِتَوَلِّيهِمْ مَالَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ النَّظَرُ فِيهِمْ أَوْلَى وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا كَانَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ فِي عَمَلِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُمْ فِي غَيْرِهِ وَلَّاهُ لِبَعْضِ مَنْ يَعْرِفُهُ غ فَالتَّصَرُّفُ بِالِاسْتِنْمَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ لِقَاضِي بَلَدِهِمْ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُمْ فِي الْمَالِ وَالنِّكَاحِ إلَّا الصَّغِيرَ قَالَ النَّاشِرِيُّ وَسَأَلْت عَنْ وَقْفٍ فِي بَلَدٍ عَلَى قِرَاءَةٍ عَلَى قَبْرٍ فِي بَلَدٍ أُخْرَى وَلِكُلِّ بَلَدٍ قَاضٍ فَمَنْ نَاظَرَهُ مِنْهُمَا فَأُجِبْت بِأَنَّهُ قَاضِي بَلَدِ الْمَيِّتِ قِيَاسًا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَعَلْت الْمَيِّتَ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ الْحُكْمُ ظُهُورًا كُلِّيًّا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا ( قَوْلُهُ فَيُنْزَعُ الْمَالُ مِنْهُ ) وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فِي الْأَمَانَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ شَكَّ فِي عَدَالَتِهِ قَرَّرَهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْغُنْيَةِ إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ إلَى ) كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ بَلْ هُوَ ظَاهِرُ ( كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ جَزْمًا ا هـ وَهَلْ لِلْقَاضِي إعْضَادُهُ عِنْدَ الرِّيبَةِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ خَلَلٍ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَالرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ وَفَسَادُ الزَّمَنِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ .
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ أَهْلًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ قَدْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( قَوْلُهُ أَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ ) أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ أَمْضَاهُ ) فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ طَالِبُهُ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ ) ،

وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ خَفِيًّا ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْأُمَنَاءِ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالرُّويَانِيُّ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بَعْدَ تَصَفُّحِ حَالَ الْأَوْصِيَاءِ وَالْأُمَنَاءِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ حَالَ كُلِّ أَمِينٍ وَوَصِيٍّ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَمَنْ يَلِي عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْتَامِ لِيَكُونَ حُجَّةً فِي الْجِهَتَيْنِ فَإِنْ وُجِدَ ذَكَرَهُ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَارَضَ بِهِ وَعَمِلَ بِأَحْوَطِهِمَا ا هـ وَفِي الْحَاوِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَكْشِفَ عَنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ مَا لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَى الْفِسْقِ وَالْخِيَانَةِ فَإِنَّهُ يَلِي بِنَفْسِهِ ( تَنْبِيهٌ ) إذَا فَعَلَ الْأَمِينُ مَا لَا يَجُوزُ جَهْلًا لَمْ يَنْعَزِلْ وَيُرَدُّ فِعْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُهُ غَرِمَهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْأَوْقَافِ ) فَإِنْ قَالَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ صَرَفْت الْغَلَّةَ لِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ مَثَلًا صُدِّقَ ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ حَلَّفَهُ أَوْ إلَى أَهْلِهِ وَهُمْ مُعَيِّنُونَ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَهُمْ طَلَبُ حِسَابِهِ أَوْ غَيْرُ مُعَيِّنِينَ فَهَلْ يُحَاسَبُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ لَهُ مُحَاسَبَتُهُ إنْ اتَّهَمَهُ

( وَيَسْتَخْلِفُ ) فِيمَا إذَا عَرَضَتْ حَادِثَةٌ ( حَالَ شُغْلِهِ بِهَذِهِ ) الْمُهِمَّاتِ مَنْ يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِيهِ ( ثُمَّ بَعْدَمَا ذُكِرَ يُرَتِّبُ أَمْرَ الْكِتَابِ وَالْمُزَكُّونَ وَالْمُتَرْجِمِينَ ) وَالْمُسْتَمِعِينَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وَقَدْ { كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتَّابٌ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ } ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي هَذَا الْأَدَبِ ( كَوْنُ الْكَاتِبِ مُسْلِمًا ) ذَكَرًا حُرًّا مُكَلَّفًا ( عَدْلًا ) فِي الشَّهَادَةِ لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ ( عَارِفًا بِكُتُبِ الْمَحَاضِرِ ) وَنَحْوِهَا لِئَلَّا يُفْسِدَهَا حَافِظًا لِئَلَّا يَغْلَطَ فَلَا يَكْفِي الْكَافِرُ وَلَا الْأُنْثَى وَلَا الْعَبْدُ وَلَا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَلَا الْفَاسِقُ وَلَا غَيْرُ الْعَارِفِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا غَيْرُ الْحَافِظِ ( وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ فَقِيهًا ) بِمَا زَادَ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ ( عَفِيفًا عَنْ الطَّمَعِ ) لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ ( جَيِّدُ الْخَطِّ وَالضَّبْطِ ) لِلْحُرُوفِ لِئَلَّا يَقَعَ الْغَلَطُ وَالِاشْتِبَاهُ حَاسِبًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَقَاسِمِ وَالْمَوَارِيثِ فَصِيحًا عَالِمًا بِلُغَاتِ الْخُصُومِ وَافِرَ الْعَقْلِ لِئَلَّا يُخْدَعَ وَذُكِرَ وُفُورِ الْعَقْلِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( وَ ) أَنْ ( يَجْلِسَ ) كَاتِبُهُ ( بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُمْلِيَهُ ) مَا يُرِيدُ ( وَلِيَرَى كِتَابَهُ ) أَيْ مَا يَكْتُبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُهُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِينَ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَأْتِي ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي التَّرْجَمَةِ فِي إسْمَاعِ الْقَاضِي الْأَصَمِّ كَلَامَ الْخَصْمِ ( مُتَرْجِمَانِ وَمُسْمِعَانِ بِلَفْظٍ ) أَيْ مَعَ لَفْظِ ( الشَّهَادَةِ ) بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَشْهَدُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَا ( وَ ) مَعَ ( عَدَالَتِهِمَا ) فِي الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُتَرْجِمَ وَالْمُسْمِعَ يَنْقُلَانِ إلَيْهِ قَوْلًا لَا يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَسْمَعُهُ فَأَشْبَهَا الشَّاهِدَ وَمِنْ هُنَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ

إنْ تَضَمَّنَ حَقًّا لَهُمَا وَيُجْزِئُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْمُتَرْجِمِينَ وَالْمُسْمِعِينَ ( فِي الْمَالِ ) أَوْ حَقِّهِ ( رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِي غَيْرِهِ ) كَنِكَاحٍ وَعِتْقٍ ( رَجُلَانِ وَلَوْ فِي زِنًا ) كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ ( وَ ) لَوْ كَانَتْ التَّرْجَمَةُ ( عَنْ شَاهِدَيْنِ ) فَيَكْفِي رَجُلَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ ( وَلَا يَضُرُّهُمَا الْعَمَى ؛ لِأَنَّهُمَا يُفَسِّرَانِ اللَّفْظَ ) وَذَلِكَ ( لَا ) يَسْتَدْعِي ( مُعَايَنَةً ) بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَرَى مَنْ يُتَرْجِمُ الْأَعْمَى كَلَامَهُ وَمِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ الْمُسْمِعَانِ ( فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ أَصَمَّ كَفَاهُ ) فِي نَقْلِ كَلَامِ خَصْمِهِ أَوْ الْقَاضِي إلَيْهِ ( مُسْمِعٌ وَاحِدٌ ) ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَلَا يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَكَالْأَصَمِّ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ لُغَةَ خَصْمِهِ أَوْ الْقَاضِي .
( فَرْعٌ لِلْقَاضِي ) ، وَإِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ ( أَخَذَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ ) مِنْ نَفَقَتِهِمْ ( وَكِسْوَتِهِمْ ) وَغَيْرِهِمَا ( مِمَّا يَلِيقُ ) بِحَالِهِمْ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِيَتَفَرَّغَ لِلْقَضَاءِ وَلِخَبَرِ { أَيُّمَا عَامِلٍ اسْتَعْمَلْنَاهُ وَفَرَضْنَا لَهُ رِزْقًا فَمَا أَصَابَ بَعْدَ رِزْقِهِ فَهُوَ غُلُولٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ وَكِسْوَتَهُمْ كَانَ أَوْلَى ( إلَّا أَنْ تَعَيَّنَ ) لِلْقَضَاءِ ( وَوَجَدَ كِفَايَةً ) لَهُ وَلِعِيَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْكِفَايَةِ ( وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ ) أَيْ الْأَخْذِ ( لِمُكْتَفٍ ) لَمْ يَتَعَيَّنْ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمُكْتَفِي وَلِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ صَالِحٌ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ

( قَوْلُهُ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ) وَعَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ وَاِتَّخَذَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ الْكُتَّابَ ؛ وَلِأَنَّ اشْتِغَالَ الْحَاكِمِ بِالْكِتَابَةِ يَقْطَعُهُ عَنْ الْحُكْمِ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَقِيهًا بِمَا زَادَ إلَخْ ) وَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ مُرَادَهُمْ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَحْكَامِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ ( قَوْلُهُ عَفِيفًا عَنْ الطَّمَعِ ) الْغَرَضُ أَنْ يَكُونَ عَلِيَّ الْهِمَّةِ شَرِيفَ النَّفْسِ غَيْرَ مُتَطَلِّعٍ إلَى طَمَعٍ وَرِعًا ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ مُتَرْجِمَانِ ) قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي اتِّخَاذُهُ عَلَى أَيِّ لُغَةٍ فَإِنَّ اللُّغَاتِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُحِيطَ الشَّخْصُ بِجَمِيعِهِمَا وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يَتَّخِذُ مِنْ كُلِّ لُغَةٍ اثْنَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ مُشِقٌّ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ اللُّغَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي عَمَلِهِ وَفِيهِ عُسْرٌ أَيْضًا ( قَوْلُهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) قِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِتَرْجَمَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ وَحْدَهُنَّ لِقَوْلِهِمْ مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ تُقْبَلُ فِيهِ تَرْجَمَتُهَا وَجَعَلَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ الضَّابِطَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِقْرَارُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ .
وَقَالَ الدَّبِيلِيُّ : وَكُلُّ أَصْلٍ عَلَى حَسَبِ شُهُودِ أَصْلِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الدَّبِيلِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ سَاكِنَةً ثُمَّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هَذَا مَا تَحَرَّرَ لِي وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الزَّبِيلَيْ بِالزَّايِ تَصْحِيفٌ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّهُمَا الْعَمَى إلَخْ ) مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ سُكُوتًا فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالتَّرْجَمَةِ قَطْعًا إذَا احْتَمَلَ الِالْتِبَاسَ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَالْمُرَادُ إذَا تَكَلَّمَ غَيْرُ الْمُتَرْجِمِ عَنْهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي

يَتَكَلَّمُ بِهَا الْمُتَرْجِمُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ لِلْقَاضِي أَخْذُ كِفَايَتِهِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الَّذِي يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ جَوَامِكَ فِي نَظَرِ الْأَوْقَافِ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَتُسْتَرَدُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَفَّذْنَا قَضَاءَهُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ فَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ قَطْعًا لَا تَوَقُّفَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ تَوَلَّى التَّدْرِيسَ بِالشَّوْكَةِ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَامَكِيَّتَهُ وَلْيُقَسْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الَّذِي يَنْفُذُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) أَيْ جَعَالَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ وَكِسْوَتُهُمْ كَانَ أَوْلَى ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ) ، وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْكِفَايَةِ فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ بِبَدَلٍ كَعِتْقِ عَبْدٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَلَى عِوَضٍ ( قَوْلُهُ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمُكْتَفِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ ) لِمَا مَرَّ فِي بَابِهَا ( وَلَا ) يَجُوزُ ( أَنْ يُرْزَقَ ) الْقَاضِي ( مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ ) مِنْ الْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ وَفَارَقَ نَظِيرُهُ فِي الْمُؤَذِّنِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُورِثُ فِيهِ تُهْمَةً وَلَا مَيْلًا ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَا يَخْتَلِفُ وَفِي الْمُفْتِي بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْهُ وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَجَّحَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ جَوَازَهُ وَأَسْقَطَهُ النَّوَوِيُّ ثَمَّ وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْمُحْتَاجِ وَمَا هُنَا فِي غَيْرِهِ

( قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَعْمَلُهُ الْغَيْرُ عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْغَيْرِ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْمُحْتَاجِ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِذَا تَعَذَّرَ رِزْقُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْتَزِقَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُ النَّظَرُ عَنْ اكْتِسَابِ الْمَادَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْتَزِقَ مِنْ الْخُصُومِ ، وَإِنْ كَانَ يَقْطَعُهُ النَّظَرُ عَنْ اكْتِسَابِ الْمَادَّةِ مَعَ صِدْقِ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ الِارْتِزَاقُ مِنْهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ الْخَصْمَانِ قَبْلَ التَّحَاكُمِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ رِزْقُهُ عَلَى الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ بِهِ مُتَّهَمًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَنْ إذْنِ الْإِمَامِ لِتَوَجُّهِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ وَالرَّابِعُ أَنْ لَا يَجِدَ الْإِمَامُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْخَامِسُ أَنْ يَعْجِزَ الْإِمَامُ عَنْ دَفْعِ رِزْقِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَالسَّادِسُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرْزَقُهُ مِنْ الْخُصُومِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ عَلَيْهِمْ وَلَا مُضِرٍّ بِهِمْ فَإِنْ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ أَثَّرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ وَالسَّابِعُ أَنْ لَا يَسْتَزِيدَ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَالثَّامِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْمَأْخُوذِ مَشْهُورًا يَتَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُ الْخُصُومِ وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْمُطَالَبَاتِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَنْ زَمَانِ النَّظَرِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ فَإِنْ فَاضَلَ فِيهِ بَيْنَهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ تَفَاضَلُوا فِي الزَّمَانِ فَيَجُوزُ ا هـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ وَتَعَذَّرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا بِالْقَضَاءِ أَنْ يَجُوزَ لِأَهْلِ عَمَلِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ رِزْقًا سَوَاءٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمْ لَا

إذْ لَا سَبِيلَ إلَى التَّعْطِيلِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الِاسْتِجْعَالِ مِنْ أَعْيَانِ الْخُصُومِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ

( وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَثَمَنُ الْوَرَقِ ) الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْمَحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ وَنَحْوَهُمَا ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَا هُوَ أَهَمُّ ( فَعَلَى ) مَنْ لَهُ الْعَمَلُ مِنْ ( الْمُدَّعِي ) وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ( إنْ شَاءَ ) كِتَابَةَ مَا جَرَى فِي خُصُومَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يُعْلِمُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتُبْ مَا جَرَى فَقَدْ يَنْسَى شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَحُكْمَ نَفْسِهِ ( وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ خَيْلٍ وَغِلْمَانٍ وَدَارٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ ) عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ( كَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِزَمَنِ النُّبُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِلنَّصْرِ بِالرُّعْبِ ) فِي الْقُلُوبِ فَلَوْ اقْتَصَرَ الْيَوْمُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُطِعْ وَتَعَطَّلَتْ الْأُمُورُ ( وَيُرْزَقُ ) الْإِمَامُ أَيْضًا ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ وَالْمُفْتِي وَالْمُحْتَسِبِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ ) لِلصَّلَاةِ ( وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ( وَالْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَكُتَّابِ الصُّكُوكِ ) وَقَوْلُهُ ( وَنَحْوِ ذَلِكَ ) أَيْ كَالْمُسْمِعِينَ وَالْمُزَكِّينَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ يُعَيِّنْ ) أَيْ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ ( قَاسِمًا وَلَا كَاتِبًا ) وَلَا مُقَوِّمًا وَلَا مُتَرْجِمًا وَلَا مُسْمِعًا وَلَا مُزَكِّيًا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِئَلَّا يُغَالُوا بِالْأُجْرَةِ

( قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ إلَخْ ) أُجْرَةُ كَاتِبِ الصُّكُوكِ تَكُونُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ حِصَصُهُمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَأْصِيلًا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا قَوْلُهُ وَيُرْزَقُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ إلَخْ ) قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا خَفَاءَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ

( وَ ) مِنْ الْآدَابِ أَنْ ( يَتَّخِذَ الْقَاضِي ) لِلْقَضَاءِ ( مَجْلِسًا فَسِيحًا ) أَيْ وَاسِعًا لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِضِيقِهِ الْحَاضِرُونَ ( نَزِهًا عَمَّا يُؤْذِي ) مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَرِيحٍ وَنَحْوِهَا فَيَجْلِسُ فِي الصَّيْفِ حَيْثُ يَلِيقُ وَفِي الشِّتَاءِ وَزَمَنِ الرِّيَاحِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَارِزًا أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ مَنْ يَرَاهُ وَيَصِلُ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ هَذَا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اتَّخَذَ ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ ( وَ ) أَنْ ( يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ ) كَدِكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ ( وَ ) أَنْ ( يَتَمَيَّزَ ) عَنْ غَيْرِهِ ( بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ ) وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ ( وَ ) أَنْ ( يَسْتَقْبِلَ ) الْقِبْلَةَ ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ( وَ ) أَنْ ( لَا يَتَّكِئَ ) بِغَيْرِ عُذْرٍ ( وَيُكْرَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَاجِدِ ) أَيْ اتِّخَاذُهَا مَجَالِسَ لَهُ صَوْنًا لَهَا عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً وَقَدْ يَحْتَاجُ لِإِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً ( لَا ) الْحُكْمُ ( فِيمَا اتَّفَقَ حَالَ دُخُولِهِ ) لَهَا أَيْ وَقْتَ حُضُورِهِ فِيهَا الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَهَا فَلَا يُكْرَهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَا فِيمَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِيهَا لِلْحُكْمِ ( فَإِنْ جَلَسَ ) لَهُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونِهَا ( مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ ) بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا ( وَوَقَّفَ غَيْرَ الْخَصْمَيْنِ ) السَّابِقَيْنِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ( خَارِجَهُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَمْ يُمَكِّنْ الْخُصُومَ مِنْ

الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهَا بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيُنَصِّبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ ( وَلَا يَقْضِي ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ ( فِي حَالِ تَغَيُّرِ الْخُلُقِ بِنَحْوِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَامْتِلَاءٍ ) أَيْ شِبَعٍ ( مُفْرِطَيْنِ وَمَرَضٍ مُؤْلِمٍ وَخَوْفٍ مُزْعِجٍ وَحُزْنٍ وَفَرَحٍ شَدِيدَيْنِ وَمُدَافَعَةِ خُبْثٍ ) وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، وَهُوَ غَضْبَانُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ { لَا يَقْضِي الْقَاضِي } وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ { لَا يَقْضِي الْقَاضِي ، وَهُوَ غَضْبَانُ مَهْمُومٌ وَلَا مُصَابٌ مَحْزُونٌ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ } قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ وَغَيْرِهِ لَمْ يَبْعُدُ نَقْلُهُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَاعْتَمَدَهُ وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْغَضَبَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْغَضَبِ لِحَظِّ النَّفْسِ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ ( فَإِنْ قَضَى ) مَعَ تَغَيُّرِ خُلُقِهِ ( نَفَذَ ) قَضَاؤُهُ لِقَضِيَّةِ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورَةِ ( وَيُكْرَهُ ) لَهُ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ ( حَاجِبٌ ) أَيْ نَصْبُهُ ( حَيْثُ لَا زَحْمَةَ ) لِخَبَرِ { مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ حَجَبَهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ { أَيُّمَا أَمِيرٍ احْتَجَبَ عَنْ النَّاسِ فَأَهَمَّهُمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فَإِنْ

لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ وَالْبَوَّابُ ، وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ كَالْحَاجِبِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَهُوَ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا مَنْ وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِلِ النَّاسِ أَيْ ، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِاسْتِحْبَابِهِ

( قَوْلُهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ) ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ أَوْ أَعْتَدِي أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ اغْنَنِي بِالْعِلْمِ وَزَيِّنِّي بِالْحِلْمِ وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى وَجَمِّلْنِي بِالْعَافِيَةِ حَتَّى لَا أَنْطَلِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا فِيمَا اتَّفَقَ إلَخْ ) حُكْمُ نِيَّتِهِ كَحُكْمِ الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ صَوْنًا لَهَا عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَحُدُودَكُمْ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ } ( قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي فِي حَالِ تَغَيُّرِ الْخُلُقِ إلَخْ ) الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ بِحَيْثُ يَكُونُ سَاكِنَ النَّفْسِ مُعْتَدِلَ الْأَحْوَالِ لِيَقْدِرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي النَّوَازِلِ وَيُحْتَرَزُ مِنْ الزَّلَلِ فِي الْأَحْكَامِ ( قَوْلُهُ بِنَحْوِ غَضَبٍ ) إذَا كَانَ الْغَضَبُ يُخْرِجُهُ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ ذِكْرُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ ، وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا مُتَغَيِّرُ الْحَالِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي حَالَةٍ مُزْعِجَةٍ كَالْغَضَبِ وَقَوْلُهُ وَفِي نَصِّ الْأُمِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَوْ فَرَّقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ ) فِي قَوَاعِدِهِ إلْزَامُ الْحُكْمِ فِي الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ لَا يُكْرَهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ لَا

يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ) لَا جُرْمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْفَرْقَ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهَذَا غَرِيبٌ ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجِبُ فِي الْحَاجِبِ ثَلَاثَةٌ الْعَدَالَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْأَمَانَةُ وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْمَنْظَرِ جَمِيلَ الْمَخْبَرِ عَارِفًا بِمَقَادِيرِ النَّاسِ بَعِيدًا مِنْ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ مُعْتَدِلَ الْأَخْلَاقِ بَيْنَ الشَّرِسَةِ وَاللِّينِ قَوْلُهُ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِاسْتِحْبَابِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ إذَا قَعَدَ وَيُقَدِّمُ الْخُصُومَ وَيُؤَخِّرُهُمْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا بَلْ لَوْ قِيلَ إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَمْ يَبْعُدْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَدْلًا أَمِينًا عَفِيفًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهُ الظَّاهِرُ وَاسْتَحَبَّ الْمَاوَرْدِيُّ كَوْنَهُ حَسَنَ الْمَنْظَرِ جَمِيلَ الْمَخْبَرِ عَارِفًا بِمَقَادِيرِ النَّاسِ بَعِيدًا مِنْ الْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ خَيْرَانَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ كَهْلًا سِتِّيرًا أَيْ كَثِيرَ السَّتْرِ عَلَى النَّاسِ

( فَصْلٌ وَيُشْهِدُ الْقَاضِي ) وُجُوبًا شَاهِدَيْنِ ( بِإِقْرَارٍ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لِمَنْ سَأَلَ ) هـ ذَلِكَ ( أَوْ بِحَلِفٍ ) مِنْ الْمُدَّعِي ( بَعْدَ نُكُولٍ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِمَا سَبَقَ لِنِسْيَانٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( أَوْ بِحَلِفِ مُدَّعًى عَلَيْهِ ) ، وَهُوَ السَّائِلُ فِي هَذِهِ فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي لِيَكُونَ الْإِشْهَادُ حُجَّةً لَهُ فَلَا يُطَالِبُهُ خَصْمُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( ، وَإِنْ سَأَلَهُ أَحَدُهُمَا كَتْبَ مَحْضَرٍ بِمَا جَرَى ) لِيَحْتَجَّ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَثَمَّ ) أَيْ وَعِنْدَ الْقَاضِي ( قِرْطَاسٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ أَتَى بِهِ السَّائِلُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ ) ذَلِكَ ( وَلَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِالشُّهُودِ لَا الْكِتَابِ ) وَلِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَانُوا يَحْكُمُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ الْمُحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ } وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قِرْطَاسٌ وَلَا أَتَى بِهِ السَّائِلُ لَمْ يُسْتَحَبَّ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ لَا تُنَافِيهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَقَطْ ( وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا ثَبَتَ ) عِنْدَهُ ( إنْ سَأَلَ ) فِيهِ ( فَيَقُولُ حَكَمْت لَهُ بِكَذَا أَوْ نَفَّذْت الْحُكْمَ ) بِهِ ( أَوْ أَلْزَمْت خَصْمَهُ الْحَقَّ ) أَوْ نَحْوَهَا ( وَلَا يَجُوزُ ) لَهُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ ( قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ ) نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ ، وَهُوَ وَلِيُّهُ فَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سُؤَالِ أَحَدٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَيُسْتَحَبُّ ) إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ ( أَنْ يُعْلِمَ الْخَصْمَ بِأَنَّ الْحُكْمَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ) لِيَكُونَ أَطْيَبَ لِقَلْبِهِ وَأَبْعَدَ عَنْ التُّهْمَةِ ( وَهَلْ يَحْكُمُ عَلَى مَيِّتٍ بِإِقْرَارِهِ

حَيًّا ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْخَالِي عَنْ الْمُعَارِضِ وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ ( وَجْهَانِ ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ ( وَلَوْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا ) بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ( أَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَاقْتِضَاءُ الْبَيِّنَةِ صِحَّةَ الدَّعْوَى فَصَارَ كَقَوْلِهِ سَمِعْت الْبَيِّنَةَ وَقَبِلْتهَا ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْإِلْزَامُ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ وَكَذَا لَوْ كَتَبَ عَلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ صَحَّ وُرُودُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْته قَبُولَ مِثْلِهِ وَالْتَزَمْت الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ تَصْحِيحُ الْكِتَابِ وَإِثْبَاتُ الْحُجَّةِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَوَقَعَ فِي نُسَخٍ غَيْرِ مُعْتَمَدَةٍ أُلْزِمْت بَدَلَ الْتَزَمْت وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَيُشْهِدُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إلَخْ ) لِئَلَّا يُنْكِرَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَيْضًا ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتَ حَقِّهِ ( قَوْلُهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ ذَلِكَ ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ الْحُكُومَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ التَّسْجِيلُ جَزْمًا كَمَا قَطَعَ بِهِ الزَّبِيلِيُّ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ الْغَائِبُ حِفْظًا لِحَقِّهِ وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ فَسُنَّ ر ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَخْ ) ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ) مِنْ الْمُهِمِّ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ وَدَفْعِ الْحُكْمِ : أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ طَرِيقٍ قَوِيَّةٍ ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ الْكَامِلَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْمَالِ أَوْ الْيَمِينِ مَعَ الْيَدِ أَوْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عِلْمِهِ بِشَرْطِهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقْدِمَ عَلَى حُكْمٍ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ وَهِيَ طَرِيقٌ خَامِسٌ ، وَهِيَ إيمَانُ الْمُدَّعِي مَعَ ظُهُورِ اللَّوْثِ وَأَمَّا دَفْعُ الْحُكْمِ فَأَسْهَلُ مِنْ الْحُكْمِ وَلَهُ أَسْبَابٌ مِنْهَا يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ ؛ وَلِذَلِكَ يُكْتَفَى فِيهِ بِالظُّهُورِ وَتَنْدَفِعُ بِهِ الدَّعْوَى وَالْيَمِينُ فِي مَوَاضِعَ لَا يَكْفِي مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ لِمَا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ الْقُوَّةِ الزَّائِدَةِ وَالْأَهَمُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ وَأَهْلِيَّةَ الْمُتَصَرِّفِ وَالْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّصَرُّفَ صَادِرٌ فِي

مَحَلِّهِ وَهَذَا نَافِعٌ فِي الصُّوَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَإِذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ فَحُكْمُ حَاكِمٍ بِمُوجِبِ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَأَنَّ صِيغَتَهُ هَذِهِ صَحِيحًا حَتَّى لَا يَحْكُمَ بَعْدَهُ بِبُطْلَانِهَا مَنْ يَرَى الْإِبْطَالَ وَلَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّةِ وَقْفِهِ ذَلِكَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا لِمَا وَقَفَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فَإِذَا ثَبَتَ حُكْمٌ حِينَئِذٍ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَالرَّافِعُ لِلْخِلَافِ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَ ( قَوْلُهُ فَيَظْهَرُ الْجَزْمُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لَهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي إلَخْ ) لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فُلَانًا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بِعِتْقِهِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ

( وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ مَا يَحْكُمُ بِهِ وَمَنْ يَحْكُمُ لَهُ لَكِنْ يَجُوزُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِظَالِمٍ ) يُرِيدُ مَا لَا يَجُوزُ وَيَحْتَاجُ إلَى مُلَايَنَتِهِ ( أَنْ يُلَايِنَهُ كَمَا إذَا عَارَضَ الظَّالِمَ الدَّاخِلَ بَيِّنَةُ خَارِجٍ بِبَيِّنَةٍ فَاسِقَةٍ ) وَطَلَب الْحُكْمَ بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ ( فَلَهُ إنْ خَافَهُ أَنْ يَكْتُبَ ) شَيْئًا ( مُوهِمًا يَدْفَعُهُ بِهِ فَيَقُولُ حَكَمْت بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ فِي مُعَارَضَةِ بَيِّنَةِ فُلَانٍ الدَّاخِلِ وَفُلَانٍ الْخَارِجِ وَقَرَّرْت الْمَحْكُومَ بِهِ فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَسَلَّطْته عَلَيْهِ ) وَمَكَّنْته مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا قَوْلَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ الْخَصْمُ بِأَنَّ الْحُكْمَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَذَكَرَهُ هُنَا فِي الطَّرَفِ الثَّالِثِ .
( ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ إنْ سَأَلَ ) الْإِشْهَادَ بِحُكْمِهِ أَوْ كَتْبَ سِجِلٍّ بِهِ ( يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِالْحُكْمِ لَا الْكَتْبُ ) بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَالْوُقُوفِ وَأَمْوَالِ الْمَصَالِحِ ( كَمَا سَبَقَ ) فِي نَظِيرِهِ فِي كَتْبِ الْمَحْضَرِ وَيَأْتِي فِي اسْتِحْبَابِهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ ثَمَّ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ ( وَيَكْتُبُ ) الْكَاتِبُ ( فِي الْمَحْضَرِ حُضُورَ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِيَ وَيَصِفُ الْجَمِيعَ ) أَيْ الثَّلَاثَةَ ( بِمَا يُمَيِّزُهُمْ وَكَذَا ) يَكْتُبُ ( فِي السِّجِلِّ ) ذَلِكَ ( وَ ) يُكْتَبُ فِيهِمَا ( دَعْوَى الْمُدَّعِي وَإِقْرَارَ خَصْمِهِ أَوْ إنْكَارَهُ وَإِحْضَارَهُ الشُّهُودَ وَيُسَمِّيهِمْ ) وَقَوْلُهُ ( وَيَكْتُبُ حِلْيَتَهُمْ ) أَيْ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى كَتْبِ حِلْيَةِ الْخَصْمَيْنِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ الشُّهُودَ وَعَدَمِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْخَصْمَيْنِ ( وَالنَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي هَذَا ) أَيْ فِي كَتْبِ الْحِلْيَةِ إذَا كَانَتْ أَحَدَ الشُّهُودِ أَوْ الْخُصُومِ ( كَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ) فَيَجُوزُ إذَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ حِلْيَتِهَا (

فَإِنْ كَانَ ) الْقَاضِي ( يَعْرِفُ الْخَصْمَيْنِ فَكَتَبَ حِلْيَتَهُمَا ) طُولًا وَقِصَرًا وَسُمْرَةً وَشُقْرَةً وَنَحْوَهَا ( مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَيَكْتُبُ ) مَعَ مَا ذُكِرَ ( سَمَاعُ الشَّهَادَةِ بِسُؤَالِهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( فِي مَجْلِسِ حُكْمِ الْقَاضِي وَثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ ) عِنْدَهُ ( وَيُؤَرِّخُ ) مَا يَكْتُبُهُ ( وَيَكْتُبُ ) الْقَاضِي ( عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ عَلَامَتَهُ ) مِنْ الْحَمْدَلَةِ وَغَيْرِهَا .
( وَيَجُوزُ إبْهَامُ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكْتُبُ ) وَأَحْضَرَ ( عَدْلَيْنِ ) شَهِدَا بِمَا ادَّعَاهُ ( وَإِنْ اكْتَفَى عَنْ الْمَحْضَرِ بِكَتْبِهِ عَلَى شَاهِدَيْ الصَّكِّ شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا وَعَلَامَتُهُ جَازَ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي كِتَابٌ فِيهِ خَطُّ الشَّاهِدَيْنِ وَكَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِمَا شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ وَأَثْبَتَ عَلَامَتَهُ فِي رَأْسِ الْكِتَابِ وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ الْمَحْضَرِ جَازَ ، وَإِنْ كَتَبَ الْمَحْضَرَ وَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْكِتَابَ جَازَ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَحْضَرٍ يُذْكَرُ فِيهِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
ا هـ .
( وَفِي السِّجِلِّ يَحْكِي ) الْكَاتِبُ ( صُورَةَ الْحَالِ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ ) لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ ( وَأَنْفَذَهُ بِسُؤَالِ الْمَحْكُومِ لَهُ ) وَقَدْ بَيَّنَ الْأَصْلُ صُورَتَيْ الْمَحْضَرِ وَالسِّجِلِّ ( وَيَجْعَلُ مِنْ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّانِ نُسْخَتَيْنِ لِتَبْقَى عِنْدَهُ ) فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ ( وَاحِدَةٌ ) لِلْأَمْنِ مِنْ التَّزْوِيرِ ( مَخْتُومَةً مُعَنْوَنَةً بِاسْمِ أَصْحَابِهَا ) وَيَجْعَلُ الْأُخْرَى عِنْدَ ذِي الْحَقِّ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ لِيُلْقِيَ بِهَا الشُّهُودُ وَالْحَاكِمُ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَيُذَكِّرَهُمْ لِئَلَّا يَنْسَوْا ( وَتُوضَعُ ) الَّتِي عِنْدَ الْقَاضِي ( فِي الْقِمَطْرِ ) ، وَهُوَ السَّفَطُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ وَيَكُونُ ( بَيْنَ يَدَيْهِ ) إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ( وَيَخْتِمُ عِنْدَ قِيَامِهِ .
وَهُوَ يَنْظُرُ وَيَحْمِلُ مَعَهُ ) إلَى مَوْضِعِهِ ( وَيَجْمَعُ أُسْبُوعًا ) بِأَنْ يَدْعُوَ بِهِ فِي الْيَوْمِ

الثَّانِي وَيَنْظُرُ فِي الْخَتْمِ وَيَفُكُّ ، وَهُوَ يَنْظُرُ وَيَضَعُ فِيهِ كُتُبَ الْيَوْمِ الثَّانِي كَمَا ذُكِرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأُسْبُوعُ ( ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ جَعَلَهَا إضْبَارَةً ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ هِيَ الرَّبْطَةُ مِنْ الْوَرَقِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالرِّزْمَةِ وَبِالْحُزْمَةِ تَقُولُ ضَبَرْت الْكُتُبَ أَضْبِرُهَا ضَبْرًا إذَا ضَمَمْت بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَجَعَلْتهَا رَبْطَةً وَاحِدَةً وَيُسَمَّى أَيْضًا كُلُّ شَيْءٍ مُجْتَمِعٍ ضِبَارَةً بِكَسْرِ الضَّادِ وَجَمْعُهُ ضَبَائِرُ ( وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا خُصُومَةَ أُسْبُوعِ كَذَا وَيُؤَرِّخُ ) بِأَنْ يَكْتُبَ مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ تَكْثُرْ ( جَمَعَهَا فِي السَّنَةِ ) بِأَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ ثُمَّ يَعْزِلَهَا فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ يَجْمَعُهَا ( وَيَكْتُبُ ) عَلَيْهَا ( خُصُومَاتُ سَنَةِ كَذَا ) لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ ( وَيَحْتَاطُ فِي حِفْظِهَا ) بِأَنْ يَجْعَلَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُهُ غَيْرُهُ ( وَيَتَوَلَّى الْأَخْذَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ ) إذَا احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَيَنْظُرُ أَوَّلًا إلَى خَتْمِهِ وَعَلَامَتِهِ ( وَ ) يَتَوَلَّى ( رَدَّهَا مَكَانَهَا )
( قَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِعَارِضٍ وَقَوْلُهُ بَيِّنَةَ خَارِجٍ مَفْعُولٌ لَهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْفَتَى إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِالْحُكْمِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ قَدْ يُنْكِرُ مِنْ بَعْدُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَوْ قَدْ يَنْسَى أَوْ يُعْزَلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( قَوْلُهُ فِي الْقِمَطْرِ ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ السَّفَطُ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ

وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ ( يَجْمَعَ ) الْقَاضِي بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ( الْعُلَمَاءَ ) الْمُوَافِقِينَ لَهُ وَالْمُخَالِفِينَ ( الْأُمَنَاءَ لِلْمُشْكِلَةِ ) مِنْ الْمَسَائِلِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ ( وَيُشَاوِرُهُمْ ) فِي الْحُكْمِ فِيهَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ لِيَأْخُذَ بِالْأَرْجَحِ عِنْدَهُ مِنْ مَجْمُوعِ أَدِلَّتِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ { الْمُسْتَشِيرُ مُعَانٌ وَالْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْخُصُومِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ عَالَمٍ وَلَا عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُضِلُّهُ وَإِذَا حَضَرُوا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ مَا عِنْدَهُمْ إذَا سَأَلَهُمْ ( وَلَا يَبْتَدِرُونَ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يَجِبُ نَقْضُهُ ) كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) أَنْ ( يُؤَدِّبَ مَنْ أَسَاءَ ) الْأَدَبَ ( بِمَجْلِسِهِ ) مِنْ الْخُصُومِ ( بِتَكْذِيبِ شَاهِدٍ وَإِظْهَارِ تَعَنُّتٍ لِخَصْمٍ ) كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَسَأُحْضِرُهَا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا إيذَاءً وَتَعَنُّتًا ( فَيَزْجُرُهُ ) وَيَنْهَاهُ ( ثُمَّ ) إنْ عَادَ ( يُهَدِّدُهُ ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ ( يُعَزِّرُهُ ) بِمَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ تَوْبِيخٍ وَإِغْلَاظِ قَوْلٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَنَفْيٍ لِيَنْكَفَّ ( فَإِنْ اجْتَرَأَ عَلَى الْقَاضِي ) كَأَنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ تَجُورُ أَوْ تَمِيلُ أَوْ ظَالِمٌ ( فَلَهُ تَعْزِيرٌ ) لَهُ ( وَعَفْوٌ ) عَنْهُ ( وَهُوَ أَوْلَى إنْ لَمْ يُسْتَضْعَفْ ) أَيْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ضَعْفِهِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ أَوْلَى لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ( وَيُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ ) وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ ( بِنَفْسِهِ ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحَابِي فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى مَنْ يُحَابِيهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ وَرُبَّمَا خَافَ خَصْمُ مُعَامِلِهِ مِيلَهُ إلَيْهِ

فَلَا يَرْفَعُهُ لَهُ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَتَهُ مَعَ إبْعَاضِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَمَا قَالَهُ لَا يَأْتِي مَعَ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ ( لَا تَوْكِيلَ لَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ ) فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ وَكِيلِهِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا عُرِفَ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ أَبْدَلَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) مَنْ يُوَكِّلُهُ ( عَقَدَ ) بِنَفْسِهِ ( لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ وَقَعَتْ لِمَنْ عَامَلَهُ خُصُومَةٌ أَنَابَ ) نَدْبًا ( غَيْرَهُ ) فِي فَصْلِهَا خَوْفَ الْمَيْلِ إلَيْهِ ( وَيُوَكِّلُ فِي نَحْوِ ) أَمْرِ ( ضَيَاعِهِ ) مِنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَنَحْوِهَا كَمَا يُوَكِّلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ

( قَوْلُهُ : وَيُشَاوِرُهُمْ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ ) وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فَإِنَّ الْعُلُومَ مَوَاهِبُ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى الصَّغِيرِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَ الْكَبِيرِ وَقَدْ { شَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ } وَهُمْ بِلَا شَكٍّ دُونَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ النَّدْبِ فِي الْمُجْتَهِدِ الَّذِي لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ أَوْ التَّخْرِيجِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ فَإِنْ قَصَّرَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيُتَّجَهُ وُجُوبُ إحْضَارِ فُقَهَاءِ مَذْهَبِهِ ا هـ فَلَعَلَّهُمْ يُنَبِّهُونَهُ عَلَى نَصٍّ لِإِمَامِهِ أَوْ قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْ نَقْلٍ خَاصٍّ فِيهَا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ أَوْ تَرْجِيحٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ جَمَاعَةٌ : مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُمْ الَّذِينَ تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُمْ الْقَضَاءَ وَقَالَ آخَرُونَ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْإِفْتَاءُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيُشَاوِرُ الْأَعْمَى وَالْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ لَكِنْ لَا تَحْضُرُ الْمَرْأَةُ الْمَجْلِسَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا يُشَاوِرُ مَنْ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ لَا دُونَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ قَالَ الْقَاضِي وَإِذَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ تَكُونُ الْمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةً وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةٌ قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِنَفْسِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ مُحَابَاةٍ فَلَوْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمُحَابَاةِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلنَّدْبِ وَكَذَا مَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَتَعَاطَاهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُخَالِفْ النَّدْبَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَتَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمُحَابَاةِ ( قَوْلُهُ أَنَابَ غَيْرَهُ ) قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِخْلَافِ

( فَصْلٌ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الرِّشْوَةُ ) أَيْ قَبُولُهَا ، وَهِيَ مَا يُبْذَلُ لَهُ لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ { لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْمَالَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ حَرَامٌ أَوْ بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ تَوْقِيفُهُ عَلَى الْمَالِ إنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ ( وَلِمَنْ لَا رِزْقَ لَهُ ) فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْقَضَاءِ وَكَانَ عَمَلُهُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ ( أَنْ يَقُولَ ) لِلْخَصْمَيْنِ ( لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا إلَّا بِأُجْرَةٍ ) أَوْ بِرِزْقٍ بِخِلَافِ الْمُتَعَيِّنِ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَوْسَعُ وَفِيهِ حَقٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَلَا تُهْمَةَ فِي أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَخْذِ مِنْ الْخُصُومِ وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَتِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ وَجْهًا ضَعِيفًا انْتَهَى .
وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ ( وَيَأْثَمُ مَنْ أَرْشَى ) الْقَاضِي لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( لَا ) مَنْ أَرْشَاهُ ( لِلْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ ) حَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِدُونِهَا فَلَا يَأْثَمُ ، وَإِنْ حَرُمَ الْقَبُولُ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ ( وَالْمُتَوَسِّطُ ) بَيْنَ الْمُرْتَشِي وَالرَّاشِي ( كَمُوَكِّلِهِ ) مِنْهُمَا فِيمَا ذُكِرَ ( وَيَحْرُمُ ) عَلَيْهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ ) عِنْدَهُ وَلَوْ عُهِدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِخَبَرِ { هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوِيَ { هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ } وَرُوِيَ { هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ } وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى

الْمَيْلِ إلَيْهِ وَيَنْكَسِرُ بِهَا قَلْبُ خَصْمِهِ وَمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سَبَبُهُ خَلَلٌ وَقَعَ فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ ( وَكَذَا ) هَدِيَّةُ ( مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ ) عِنْدَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( إنْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ ) قَبْلَ الْقَضَاءِ لِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ أَنَّهَا تُكْرَهُ لَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ ( فَلَا يَمْلِكُهَا ) لَوْ قَبِلَهَا ؛ لِأَنَّهُ قَبُولُ مُحَرَّمٍ ( وَيَرُدُّهَا ) عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ هَدِيَّةَ إبْعَاضِهِ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ وَذَكَرَ فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ ( وَتَحِلُّ ) لَهُ مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ ( فِي غَيْرِ ) مَحَلِّ ( وِلَايَتِهِ ) إذْ لَيْسَ سَبَبُهَا الْعَمَلَ ظَاهِرًا ( وَلَا تَحْرُمُ ) عَلَيْهِ ( مِمَّنْ يَعْتَادُ ) هَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ( إنْ لَمْ تَرِدْ عَلَى الْمُعْتَادِ ) لِذَلِكَ ( وَ ) لَكِنْ ( الْأَوْلَى ) لَهُ ( أَنْ يَرُدَّ ) هَا ( أَوْ يُثِيبَ ) عَلَيْهَا ( أَوْ يَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ) إنْ قَبِلَهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْبَلُهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا } أَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْمُعْتَادِ فَكَمَا لَوْ لَمْ تَعَهَّدَ مِنْهُ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَقَضَيْتُهُ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ : نَقْلًا عَنْ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الذَّخَائِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزِّيَادَةُ حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَالزَّائِدُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بِالْوِلَايَةِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَجَعَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْقِيَاسَ فَإِنْ زَادَ فِي الْمَعْنَى كَأَنْ أَهْدَى مَنْ عَادَتُهُ قُطْنًا حَرِيرًا

فَقَدْ قَالُوا يَحْرُمُ أَيْضًا لَكِنْ هَلْ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ أَمْ يَصِحُّ مِنْهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتَادِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ : فِي الْحَلَبِيَّاتِ لِلْقَاضِي قَبُولُهَا مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ تَحْرُمُ الرِّشْوَةُ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ الْمَالُ إنْ بُذِلَ لِغَرَضٍ آجِلٍ فَصَدَقَةٌ أَوْ عَاجِلٍ ، وَهُوَ مَالٌ فَهِبَةٌ بِشَرْطِ الثَّوَابِ أَوْ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ وَاجِبٍ مُتَعَيِّنٍ فَرِشْوَةٌ أَوْ مُبَاحٍ فَإِجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ أَوْ تَوَدُّدٍ مُجَرَّدٍ أَوْ تَوَسُّلٍ بِجَاهِهِ إلَى أَغْرَاضِهِ فَهَدِيَّةٌ إنْ كَانَ جَاهُهُ بِالْعِلْمِ أَوْ النَّسَبِ ، وَإِنْ كَانَ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْعَمَلِ فَرِشْوَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَتَحْرُمُ هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ ) قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ : وَمِمَّا يَنْقَدِحُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالُ اسْتِعَارَةِ الْقَاضِي مِنْ رَعِيَّتِهِ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَيَظْهَرُ الْمَنْعُ فِي الْمَنَافِعِ الْمُقَابِلَةِ بِالْأَمْوَالِ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا وَدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَا يُقَابَلُ غَالِبًا وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِبَذْلِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ كَاسْتِعَارَةِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَرَدَّدَ السُّبْكِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيمَا لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ تَدْرِيسٍ مَدْرَسَتَهُ لِلْقَاضِي وَكَانَ لِلتَّدْرِيسِ مَعْلُومٌ فَقَالَ يُحْتَمَلُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ طَلَبَ الْقَاضِي التَّدْرِيسَ مِنْ غَيْرِ مَعْلُومٍ أُجِيبَ إلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ وَيَأْخُذَ الْمَعْلُومَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا قَالَ وَهَذَا فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ أَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ مَنْعٌ قَالَ ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَشَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ فَهُوَ كَالْهَدِيَّةِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَبْرَأهُ مِنْهُ قَالَ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ قَالَ بَلْ يَصِحُّ وَعَلَى الْقَاضِي الِاجْتِهَادُ فِي عَدَمِ الْمَيْلِ قُلْت وَلَوْ وَفَّى عَنْهُ دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَطْعًا فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ بِشَرْطِ

عَدَمِ الرُّجُوعِ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا قُلْته بَحْثًا ع وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنِهِ جَازَ وَقَوْلُهُ جَازَ قَطْعًا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَكَذَا قَوْلُهُ جَازَ وَكَتَبَ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ لِمَحْجُورِهِ كَالْهَدِيَّةِ لَهُ ( قَوْلُهُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ ) يَلْتَحِقُ بِمَنْ لَهُ خُصُومَةٌ مَا إذَا كَانَ أَحَسَّ بِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِخُصُومَةٍ تَأْتِي فَتَحْرُمُ أَيْضًا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لِيَشْمَلَ ذَلِكَ غ ر ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُلَخِّصًا لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْهَدِيَّةُ مِنْ الرَّعَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنْ كَانَتْ لِطَلَبٍ آجِلٍ أَوْ عَاجِلٍ هُوَ مَالٌ أَوْ مَوَدَّةٌ فَجَائِزٌ وَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ مُسْتَحَبٌّ ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْلِ شَفَاعَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الشَّفَاعَةُ فِي مَحْظُورٍ لِطَلَبِ مَحْظُورٍ أَوْ إسْقَاطِ حَقٍّ أَوْ مَعُونَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَقَبُولُهَا حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مُبَاحٍ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّ شَرْطَ الْهَدِيَّةِ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُهْدِي هَذِهِ الْهَدِيَّةُ جَزَاءُ شَفَاعَتِك فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ أَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهَا الشَّافِعُ وَأَمْسَكَ الْمُهْدِي عَنْ ذِكْرِ الْجَزَاءِ فَإِنْ كَانَ مُهْدِيًا لَهُ قَبْلَ الشَّفَاعَةِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْقَبُولُ وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ الْقَبُولُ إنْ لَمْ يُكَافِئْهُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَافَأَهُ لَمْ يُكْرَهْ ا هـ قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ هَدِيَّةَ إبْعَاضِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي التَّبْصِرَةِ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيِّ لَيْسَ لِلْقَاضِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ إلَّا مِمَّنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَدِيمًا وَلَا حُكُومَةَ أَوْ مِنْ ذِي رَحِمِهِ وَلَا حُكُومَةَ لَهُ ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّا قُلْنَاهُ حَيْثُ عَدَّاهُ لِغَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ فِي مَحَلِّ

وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ وَإِلَّا جَازَتْ كَمَا لَوْ خَرَجَ الْقَاضِي مِنْ عَمَلِهِ فَأَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ .
( قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الْمُعْتَادِ ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَادَ عَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ إهْدَاءَ ثِيَابِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَأَهْدَى الْحَرِيرَ وَنَحْوَهُ فَتَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ بِالْوِلَايَةِ جَزَمَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَ فِي الْمَطْلَبِ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِهْدَاءِ إلَيْهِ فِي حَالَةٍ تُرَشِّحُهُ لِلتَّضَادِّ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُهُ عَنْ قُرْبٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ تِلْكَ الْحَالَةَ إهْدَاءٌ إلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ الْقَوْلُ بِإِبَاحَةِ الْقَبُولِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ قَالَ وَخَبَرُ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ وَسَكَتُوا عَمَّا ثَبَتَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ تَصْرِيحًا وَكَلَامُهُ مُلَوِّحٌ بِثُبُوتِهَا بِمَرَّةٍ ؛ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ لَمْ تُعْهَدْ مِنْهُ الْهَدِيَّةُ وَالْعَهْدُ صَادِقٌ بِمَرَّةٍ ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ يُهْدِي ؛ لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِالدَّوَامِ ر ( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ : نَقْلًا عَنْ الْمَذْهَبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَجَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْقِتَالَ فِيهِ نَظَرٌ ) فَإِنَّ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يُطْرَدَانِ فِيمَا تَمَيَّزَ فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْحَرَامُ هُنَا شَائِعٌ وَعِنْدَ احْتِمَالِ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ يُغَلَّبُ الْحَرَامُ فَسُنَّ .
( قَوْلُهُ فَقَدْ قَالُوا يَحْرُمُ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ : فِي الْحَلَبِيَّاتِ إلَخْ ) وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَدِّقُ عَارِفًا بِأَنَّهُ الْقَاضِي

وَلَا الْقَاضِي عَارِفًا بِعَيْنِهِ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَالْهَدِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ إنَّمَا يَبْغِي ثَوَابَ الْآخِرَةِ قَالَهُ فِي التَّوْشِيحِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَقٌّ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ قَطْعًا وَحَكَى عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ حَكَى فِي الْفُنُونِ أَنَّ قَبُولَ الصَّدَقَةِ جَائِزٌ مَعَ الْفَقْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ لَهُ حُكُومَةٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُكْرَهَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِجِهَةٍ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا انْتَهَى وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَاجِبَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَفِي التَّطَوُّعِ فَسُنَّ ( قَوْلُهُ لِلْقَاضِي قَبُولًا ) ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَالْمُتَصَدِّقُ فِي الْحَقِيقَةِ دَافِعٌ لِلَّهِ مُقْرِضٌ لَهُ وَالْفَقِيرُ يَأْخُذُ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْ الْمُتَصَدِّقِ

( وَلَيْسَ لَهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَالَ الْخُصُومَةِ وَلَا ) حُضُورُ ( وَلِيمَتِهِمَا ) وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْوِلَايَةِ لِخَوْفِ الْمَيْلِ ( وَيُجِيبُ غَيْرَهُمَا اسْتِحْبَابًا إنْ عَمَّ ) الْمُولِمُ ( النِّدَاءَ ) لَهَا ( وَلَمْ تَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عَنْ الْحُكْمِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَتْهُ عَنْهُ فَيَتْرُكُهَا فِي حَقِّ الْجَمِيعِ ( وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ ) تَخْصِيصَهُ بِهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ ( وَيُكْرَهُ ) لَهُ ( حُضُورُ وَلِيمَةٍ اُتُّخِذَتْ لَهُ ) خَاصَّةً ( أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ وَدُعِيَ فِيهِمْ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اُتُّخِذَتْ لِلْجِيرَانِ أَوْ لِلْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مِنْهُمْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ حُضُورِهِ لَهَا فِيمَا إذَا اُتُّخِذَتْ لَهُ أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ التَّهْذِيبِ وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّ ذَلِكَ كَالْهَدِيَّةِ ، وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ( وَلَا يُضِيفُ ) الْقَاضِي ( أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْآخَرِ لِخَبَرِ { لَا يُضِيفُ أَحَدُكُمْ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مَعَهُ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ لَكِنْ ذَكَرَ لَهُ مُتَابِعًا وَلَا يَلْتَحِقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ ( وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ وَ ) أَنْ ( يَزِنَ عَنْهُ ) مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا ( وَ ) أَنْ ( يَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَزُورَ الْقَادِمِينَ وَلَوْ ) كَانُوا ( مُتَخَاصِمِينَ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعْمِيمُ أَتَى بِمُمْكِنِ كُلِّ نَوْعٍ وَخَصَّ مَنْ عَرَفَهُ وَقَرُبَ مِنْهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَائِمِ إذَا كَثُرَتْ بِأَنَّ أَظْهَرَ الْأَغْرَاضِ فِيهَا الثَّوَابُ لَا الْإِكْرَامُ وَفِي الْوَلَائِمِ بِالْعَكْسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّفْسُ لَا تَكِنُّ إلَيْهِ وَلِعَدَمِ إيضَاحِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يُسَوَّى أَوْ يُتْرَكُ كَإِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنَّ فِي مَعْنَاهُ كُلَّ ذِي وِلَايَةٍ عَامَّةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَعِيَّتِهِ ا هـ جَزَمَ بِهِ فِي غُنْيَتِهِ وَهُوَ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ حُضُورُ وَلِيمَةٍ اُتُّخِذَتْ لَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا : مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ حُضُورِ وَلِيمَةِ اُتُّخِذَتْ لَهُ خَاصَّةً هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الضِّيَافَةَ كَالْهَدِيَّةِ إذْ الْوَلِيمَةُ هُنَا وُجِدَ لَهَا سَبَبٌ فِي الْخَارِجِ أُحِيلَتْ عَلَيْهِ فَضَعُفَ تَخْصِيصُهُ بِهَا وَلَا كَذَلِكَ الضِّيَافَةُ فَأُحِيلَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى الْوِلَايَةِ فَقَطْ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مَعَهُ ) إلَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالْعَادَةِ أَنَّ ضِيَافَتَهُمَا لِأَجْلِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَهَلْ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدٍ بِالْإِهْدَاءِ لَهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا مَنْعُهُ وَمَنْ أَهْدَى لِوَالِي خَرَاجٍ أَوْ صَدَقَةٍ مَثَلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ فَكَمُهَادَاةِ سَائِرِ النَّاسِ وَإِلَّا فَإِنْ قَبِلَ أَخْذَ الْحَقِّ مِنْهُ حَرُمَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ قَدَّمَهُ ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يُكَافِئَهُ وَهَلْ يَرُدُّهَا لِلْمُهْدِي أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا فَإِنْ كَانَ بِلَا سَبَبٍ فَإِنْ كَافَأَهُ حَلَّتْ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهَا وَهَلْ تَقَرُّ مَعَهُ أَوْ تُرَدُّ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ إنْ كَانَ لِلْعَامِلِ رِزْقٌ يَكْفِيهِ أُخِذَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا أَقَرَّتْ بِيَدِهِ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا ( قَوْلُهُ بِأَنْ أَظْهَرَ الْأَغْرَاضَ فِيهَا إلَخْ ) وَلِأَنَّ فِي الْوَلَائِمِ ظِنَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْعِيَادَةِ وَحُضُورِ الْجَنَائِزِ

( فَرْعٌ شَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهَا مِنْهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ) شَهَادَةُ الزُّورِ ( بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ ( أَوْ بِتَيَقُّنٍ ) لِلْقَاضِي مِنْهُ ( بِأَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ ) أَنَّهُ ( زَنَى فِي بَلَدٍ ) يَوْمَ كَذَا وَقَدْ ( رَآهُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي غَيْرِهِ فَيُعَزِّرُهُ بِمَا يَرَاهُ ) مِنْ تَوْبِيخٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَنَحْوِهَا ( وَيُشْهِرُهُ ) بِأَنْ يَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي سُوقِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ تَحْذِيرًا عَنْهُ وَتَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ وَلَا يَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا لِاحْتِمَالِ زُورِهَا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ
( قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ إلَخْ ) أَنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا إلَخْ ) نَعَمْ تَنْدَفِعُ شَهَادَةُ الزُّورِ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ إنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ ؛ لِأَنَّهُ جَرْحٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْجَارِحُ سَبَبَ الْجَرْحِ تَوَقَّفْنَا فِي الْحُكْمِ لِأَجَلٍ

( فَصْلٌ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَفُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ وَمَمْلُوكٍ ) لَهُمْ ( وَمُكَاتَبٍ لَهُمْ وَلَا ) لِشُرَكَائِهِمْ ( فِيمَا لَهُمْ فِيهِ شَرِكَةٌ ) لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَلَوْ قَالَ وَمَمْلُوكٍ لَهُمْ وَلَوْ مُكَاتَبًا كَانَ أَوْلَى قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ فِي قَضَائِهِ لَلشَّرِيك فِي صُورَةٍ يُشَارِكُ فِيهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ وَمَا قَالَهُ هُوَ مُرَادُهُمْ ( وَيَنْفُذُ ) قَضَاؤُهُ ( عَلَيْهِمْ ) كَمَا تَنْفُذُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ فِيمَا عَدَا الْفُرُوعَ وَالْأُصُولَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ نُفُوذُ قَضَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ أَخَذْنَا بِهِ وَهَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ حُكْمٌ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ حُكْمٌ ( لَا عَلَى بَعْضٍ لِبَعْضٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَائِهِ لِبَعْضِهِ فَأَشْبَهَ بَعْضَهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ( وَيَقْضِي لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ ) إذَا وَقَعَتْ لَهُ أَوْ لَهُمْ خُصُومَةٌ ( نَائِبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ ( أَوْ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَمَمْلُوكٍ لَهُمْ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا الْأُولَى حُكْمُهُ لِرَقِيقِهِ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ قَبْلَ رِقِّهِ بِأَنْ يَجْنِيَ مُلْتَزِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ يَنْقُضَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَيَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَرَقَّ وَقَالَ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ قَالَ وَيُوقَفُ الْمَالُ إلَى عِتْقِهِ فَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَالْأَظْهَرُ كَوْنُهُ فَيْئًا الثَّانِيَةُ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ الْخَارِجُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا قُلْنَا إنَّ كَسْبَهُ لَهُ دُونَ الْوَارِثِ وَكَانَ الْوَارِثُ حَاكِمًا فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ بِطَرِيقِهِ الثَّالِثَةُ : الْعَبْدُ الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ .
الرَّابِعَةُ : الْعَبْدُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِلَّذِي وَرِثَهُ الْحُكْمُ لَهُ بِكَسْبِهِ .
الْخَامِسَةُ : إذَا كَانَ عَبْدُ الْحَاكِمِ وَكِيلًا فِي دَعْوَى فَطَلَبَ الْحُكْمَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ حَكَمَ لَهُ مَالِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُوَكِّلِ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَيْسَتْ كَيَدِ الْمِلْكِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحُكْمِ لِأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا كَانَ عَبْدُ الْحَاكِمِ وَكِيلًا ( قَوْلُهُ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ ) وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ لَهُمْ فَالْحُكْمُ أَوْلَى وَشَمِلَ تَحْلِيفَهُ إيَّاهُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ إلَخْ ) خَرَجَ مَا لَوْ حَكَمَ لَهُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِهِ ( قَوْلُهُ وَهَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ حُكْمٌ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا ) وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الْإِقْرَارِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَسْتَوْفِي مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَسْتَوْفِي مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ وَتَبِعَهُ

فِي الْخَادِمِ

( وَلَا ) يَقْضِي ( عَلَى عَدُوٍّ ) لَهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ( وَفِي ) جَوَازِ ( حُكْمِهِ بِشَهَادَةِ ابْنٍ ) لَهُ ( لَمْ يُعَدِّلْهُ شَاهِدَانِ وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَصْمُ لَا الشَّاهِدُ وَالثَّانِي لَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ فَإِنْ عَدَّلَهُ شَاهِدَانِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ وَكَابْنِهِ فِي ذَلِكَ سَائِرُ أَبْعَاضِهِ ( وَلَهُ اسْتِخْلَافُهُ ) أَيْ بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَنَفْسِهِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُ حُكْمِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ وَقِيلَ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ( وَ ) لَهُ أَنْ ( يَحْكُمَ لِيَتِيمٍ وَصَّى بِهِ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي أَمْرَ الْأَيْتَامِ كُلِّهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا فَلَا تُهْمَةَ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَشْهَدُ لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِتَرْجِيحِهِ

( قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي عَلَى عَدُوٍّ ) وَلَوْ لِعَدُوٍّ أَيْضًا ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِعَدُوِّهِ عَلَى عَدُوِّهِ وَجْهًا وَاحِدًا ( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا نَعَمْ ) أَصَحُّهُمَا لَا ( قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَنْفِيذُ حُكْمِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِيَتِيمٍ وَصَّى بِهِ إلَيْهِ ) يَحْكُمُ لِمَحْجُورِهِ بِالْحُكْمِ وَإِنْ تَضَمَّنَ اسْتِيلَاءَهُ عَلَى الْمَالِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَتَصَرُّفَهُ فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ حُكْمُهُ عَلَى مَنْ فِي جِهَتِهِ مَالُ وَقْفٍ هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْأَوْقَافِ الَّتِي شُرِطَ فِيهَا النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ أَوْ صَارَ فِيهَا النَّظَرُ لَهُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِانْقِرَاضِ نَاظِرِهَا الْخَاصِّ لَهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا وَمُوجِبِهَا وَإِنْ تَضَمَّنَ الْحُكْمَ لِنَفْسِهِ فِي الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِلْإِمَامِ الْحُكْمُ بِانْتِقَالِ مِلْكٍ إلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ بِجِهَةِ الْإِمَامَةِ وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فِي جَامَكِيَّتِهِ وَنَحْوِهَا ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا إذَا شَهِدَ عَلَى شَخْصٍ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَى بَيْتِ الْمَالِ بِمَا يَقْتَضِي قَتْلَهُ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْمَنْعَ ( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِتَرْجِيحِهِ ) وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَحْجُورِهِ بِالْحُكْمِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي الَّذِي لَيْسَ بِوَصِيٍّ تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَالِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَإِنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ وَصِيَّتِهِ تَبْقَى وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ وَضَعُفَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَاكِمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَوْ شَهِدَ بِالْمَالِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَقَبِلْنَا شَهَادَتَهُ بِخِلَافِ

الْوَصِيِّ يَشْهَدُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ بِالْمَالِ لِمَنْ هُوَ مُوصًى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُهُ عَلَى مَنْ فِي جِهَتِهِ مَالٌ لِوَقْفٍ هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ غَيْرِ الْحُكْمِ ع وَالظَّاهِرُ تَفَقُّهًا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِجِهَةِ وَقْفٍ كَانَ نَاظِرُهَا الْخَاصُّ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَمِثْلُهُ مَدْرَسَةٌ وَهُوَ مُدَرِّسُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ وَالْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالنَّظَرِ فَكَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَصَرَّحَ شُرَيْحٌ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِي الْغَنِيمَةِ بِالْغُلُولِ إلَّا إذَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ ع وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ : لَوْ كَانَ الْقَاضِي أَحَدَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ أَحَدُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ مَعَ غَاصِبٍ أَجْنَبِيٍّ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَصِيرُ بَعْضِ الْوَقْفِ إلَيْهِ إذْ قَدْ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلٌ فِيمَا يُنْقَضُ مِنْ قَضَائِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَلْنُقَدِّمْ ) عَلَيْهِ ( قَوَاعِدَ ) فَنَقُولُ ( الْمُعْتَمَدُ ) فِيمَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي ( الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ ) وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُقَالُ الْإِجْمَاعُ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسُ يُرَدُّ إلَى أَحَدِهِمَا ( وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إنْ لَمْ يَنْتَشِرْ ) فِي الصَّحَابَةِ ( حُجَّةً ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْخَطَأِ فَأَشْبَهَ التَّابِعِيَّ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ يُسَاوِيهِ فِي أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ ( لَكِنْ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ ) عَلَى الْآخَرِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ( فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ ) فِي شَيْءٍ ( كَاخْتِلَافِ ) سَائِرِ ( الْمُجْتَهِدِينَ ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فَقَالَ : رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتُّ سَجَدَاتٍ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْت بِهِ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ تَوْقِيفًا انْتَهَى .
وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ حُجَّةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ( فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ فِي الصَّحَابَةِ وَوَافَقُوهُ فَإِجْمَاعٌ حَتَّى فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ) كَغَيْرِهِ ( مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ ) وَإِنْ خَالَفُوهُ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ ( فَإِنْ سَكَتُوا ) بِأَنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ أَوْ لَمْ يُنْقَلْ سُكُوتٌ وَلَا قَوْلٌ ( فَحُجَّةٌ ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَوْلُ مُجَرَّدَ فَتْوَى أَمْ حُكْمًا مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ خَالَفُوهُ لَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ هَذَا ( إنْ انْقَرَضُوا ) وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفُوهُ لِأَمْرٍ يَبْدُو لَهُمْ ( وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ ) ، وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ

الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ بَعْدَ تَأْثِيرِهِ ( وَغَيْرُهُ ) ، وَهُوَ مَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ ( فَالْجَلِيُّ كَإِلْحَاقِ الضَّرْبِ بِالتَّأْفِيفِ ) فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } وَمَا فَوْقَ الذَّرَّةِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } وَمِنْهُ مَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ كَخَبَرِ { إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ عَلَيْكُمْ } ( وَهُوَ كَالْمَنْصُوصِ ) فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا ( وَغَيْرُهُ الْجَلِيُّ مَا يَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ ) لِلْأَصْلِ فَمِنْهُ مَا الْعِلَّةُ فِيهِ مُسْتَنْبَطَةٌ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ وَمِنْهُ قِيَاسُ الشَّبَهِ ، وَهُوَ أَنْ تُشْبِهَ الْحَادِثَةُ أَصْلَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوْصَافِ بِأَنْ تُشَارِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَالْأَوْصَافِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ ، وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ كَالْعَبْدِ يُشَارِكُ الْحُرَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالْمَالِ فِي بَعْضِهَا فَيَلْحَقُ بِمَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ أَكْثَرُ ( وَالْحَقُّ ) الَّذِي أَمَرَ الْمُجْتَهِدُ بِإِصَابَتِهِ ( مَعَ أَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْفُرُوعِ ) .
قَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أَوْ فِي الْأُصُولِ ( وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ مَأْجُورٌ لِقَصْدِهِ ) الصَّوَابَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } ( فَقَطْ ) أَيْ لَا لِاجْتِهَادِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَأِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ ( فَإِنْ بَانَ لِلْقَاضِي الْخَطَأُ فِي حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ نَظَرْت فَإِنْ خَالَفَ ) فِيهِ ( قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَإِجْمَاعٍ أَوْ ظَنِّيًّا مُحْكَمًا ) أَيْ وَاضِحَ الدَّلَالَةِ ( كَخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ نُقِضَ ) وُجُوبًا ( حُكْمُهُ ) أَيْ حُكْمُ الْمُخْطِئِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مُخَالَفَةِ

الْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي الْبَقِيَّةِ ( وَعَلَيْهِ إعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ بِانْتِقَاضِهِ ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَحَاصِلُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَإِعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ بِصُورَةِ الْحَالِ لِيَتَرَافَعَا إلَيْهِ فَيَنْقُضُهُ سَوَاءٌ أَعَلِمَا أَنَّهُ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَوَهَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْحُكْمَ ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَتَأْوِيلُهَا مُتَعَيِّنٌ انْتَهَى .
وَمِنْ ثَمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ إلَى مَا قَالَهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ تَتَبُّعُ قَضَاءِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ وَفِي تَعْبِيرِهِمْ بِنَقَضَ وَانْتُقِضَ مُسَامَحَةً إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ( وَإِنْ بَانَ لَهُ ) الْخَطَأُ ( بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَجَّحَهُ ) أَيْ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ ( اعْتَمَدَهُ مُسْتَقْبَلًا ) أَيْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ ( وَلَا يَنْقُضُ بِهِ حُكْمًا ) ؛ لِأَنَّ الظُّنُونَ الْمُتَقَارِبَةَ لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا فَلَوْ نَقَضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلِشِقِّ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شَرَكَ الشَّقِيقَ فِي الْمُشْرِكَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِحِرْمَانِهِ وَلَمْ يَنْقُضْ الْأَوَّلَ وَقَالَ ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي .
( وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَ ) مُدَّةِ ( الْعِدَّةِ أَوْ بِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَ ) بِنَفْيِ بَيْعِ ( الْعَرَايَا وَمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثْقَلِ ) أَيْ فِي الْقَتْلِ بِهِ ( وَ ) صِحَّةِ ( بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَ ) نِكَاحِ ( الْمُتْعَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَجَرَيَانِ

التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ( نُقِضَ ) قَضَاؤُهُ ( كَالْقَضَاءِ بِاسْتِحْسَانِ فَاسِدٍ ) وَذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي عِصْمَةِ النُّفُوسِ فِي الرَّابِعَةِ وَفِي جَعْلِ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا مُطْلَقًا أَوْ حَيًّا كَذَلِكَ فِي الْأُولَى وَالْحَاكِمُ الْمُخَالِفُ جَعَلَهُ فِيهَا مَيِّتًا فِي النِّكَاحِ دُونَ الْمَالِ وَلِظُهُورِ الْأَخْبَارِ فِي خِلَافِ حُكْمِهِ فِي الْبَقِيَّةِ وَبُعْدِهَا عَنْ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي عِنْدَهُ وَقِيلَ لَا يُنْقَضُ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا وَاقْتَصَرَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ نَفْسِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ { وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَاسِدُ أَنْ يُسْتَحْسَنَ شَيْءٌ لِأَمْرٍ هَجَسَ فِي النَّفْسِ أَوْ لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ مُتَابَعَتُهُ وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ الشَّيْءُ بِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ } فَيَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَلَا يُنْقَضُ ، وَهُوَ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ فَاسِدٌ ( لَا ) إنْ قَضَى بِصِحَّةِ ( النِّكَاحِ بِالْأُولَى ) أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقٍ فَلَا يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ هُنَا وَفِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ زِيَادَتِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ ( وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَبِلَهُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ ) لِلْقَضَاءِ ( نُقِضَ أَحْكَامُهُ ) كُلُّهَا ( وَإِنْ أَصَابَ ) فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ( قُلْت لَعَلَّهُ ) فِيمَا إذَا ( لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فَإِنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ ( فَرْعٌ

) لَوْ ( كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمٍ لَا يُنْقَضُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ ) بَلْ رَأَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ ( أَعْرَضَ عَنْهُ ) وَلَا يُنْفِذُهُ كَمَا لَا يَنْقُضُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ ثُمَّ حَكَى عَنْ السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ عَكْسِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ وَتَرَافُعَ خُصَمَاءِ الْحَادِثَةِ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَمْضِي حُكْمُهُ الْأَوَّلُ ، وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ أَمَّا لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِحُكْمٍ يُنْقَضُ فَيَعْرِضُ عَنْهُ جَزْمًا وَيَنْقُضُهُ بِطَرِيقِهِ ( وَلَوْ اُسْتُقْضِيَ مُقَلَّدٌ ) لِلضَّرُورَةِ ( فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ

( قَوْلُهُ فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ إلَخْ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُنْتَشِرَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَوْ كَانَ تَابِعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ غ ( قَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ ) الدَّافَّةُ الْجَيْشُ يَدُفُّونَ نَحْوَ الْعَدُوِّ وَالدَّفِيفُ الدَّبِيبُ صِحَاحٌ وَقَامُوسٌ ( قَوْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا ) كَأَنْ اسْتَنَدَ إلَى نَصٍّ فَبَانَ مَنْسُوخًا أَوْ إلَى عُمُومٍ فَبَانَ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ خُصَّتْ بِدَلِيلٍ ( قَوْلُهُ وَإِجْمَاعُ ) قَالَ الكوهكيلوني وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ لِلضَّرُورَةِ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ ( قَوْلُهُ أَوْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ ) أَوْ دَلَالَةُ الْعَامِّ ( قَوْلُهُ نُقِضَ ) كَأَنْ يَقُولَ نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته أَوْ فَسَخْته أَوْ هُوَ بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَوْ رَجَعْت عَنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا مِمَّا بِهِ يَحْصُلُ النَّقْضُ بِ " نَقَضْتُهُ " أَوْ فَسَخْته أَوْ أَبْطَلْته وَفِي هَذَا بَاطِلٌ وَنَحْوُهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نَقْضٌ وَقَدْ قَضَى شُرَيْحٌ فِي زَوْجٍ وَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ تَشْبِيهًا لَهُ بِالشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ وَجَدْت هَذَا فَنَقْضُهُ عَلَيَّ وَدَفَعَ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا .
( قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ ) كَأَنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ أَوْ بِنَصٍّ فَبَانَ نُسْخَةً أَوْ بِعُمُومِ نَصٍّ ثُمَّ بَانَ خُرُوجُ تِلْكَ الصُّورَةِ بِدَلِيلٍ مُخَصِّصٍ وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِاجْتِهَادِهِ مَا إذَا كَانَ مُقَلِّدًا وَحَكَمَ بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ :

تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَا يَأْتِي هُنَا خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْإِبْضَاعِ ( قَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ فَقَوْلُهُمْ نَقَضَهُ أَيْ أَظْهَرَ نَقْضَهُ ( قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِنَفْيِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَبِنَفْيِ صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَبِنَفْيِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَبِنَفْيِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهَا كَمَا لَا يُنْقَضُ نِكَاحٌ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ وَقَدْ قَطَعَ فِي الْحَاوِي بِنَقْضِ الْحُكْمِ فِيهَا ، وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيُوَافِقُ قَوْلَ الرُّويَانِيِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ بِلَا وَلِيٍّ لَكِنَّهُ يُنْسَبُ النَّقْضُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَحَذَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَصْحِيحِ الرُّويَانِيِّ وَكَتَبَ شَيْخُنَا صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ الْعَدَدِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ بِنَقْضِ الْحُكْمِ فِيهَا وَيُقَاسُ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ ) كَالتَّحْلِيفِ بِالْمُصْحَفِ ( قَوْلُهُ قُلْت لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ ) قَدْ جَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ عَكْسِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ إلَخْ ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْفُونِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْحِجَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ( تَنْبِيهٌ ) صِيغَةُ تَنْفِيذِهِ حُكْمَ غَيْرِهِ نَفَّذْت حُكْمَ فُلَانٍ الْقَاضِي أَوْ أَمْضَيْته وَفِي هَذَا الْحُكْمِ صَحِيحٌ أَوْ جَائِزٌ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَنْفُذُ (

قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُفْتِيَ مُقَلِّدٌ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ ) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ فَإِنْ فَعَلَ نُقِضَ لِفَقْدِ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ اتِّسَاعُ حُكْمِهِ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَلَوْ مُقَلِّدًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى إلَخْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ بِالتَّقْلِيدِ

( فَصْلٌ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي ) الصَّادِرُ مِنْهُ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ ( ظَاهِرًا ) لَا بَاطِنًا ( فَلَا ) يَحِلُّ ( حَرَامًا وَلَا عَكْسُهُ ) فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ بِظَاهِرَيْ الْعَدَالَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ الْحِلُّ بَاطِنًا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهُمَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ إنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ } ( وَيُنْتَهَضُ ) حُكْمُهُ الْمَذْكُورُ ( شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّ مَحْكُومٌ لَهُ بِمُزَوَّجَةٍ ) مِنْ غَيْرِهِ ( وَطِئَهَا ) لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ وَطْئًا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ وَقِيلَ يُحَدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ ) مِنْهُ ( جَهْدُهَا ) فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَحَمَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا رُبِطَتْ وَوُطِئَتْ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا .
( وَلِلْأَوَّلِ ) فِيمَا إذَا حَكَمَ بِطَلَاقِهَا بِشَاهِدَيْ زُورٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِثَانٍ ( وَطْؤُهَا ) بَاطِنًا ( لَا إنْ وَطِئَهَا الثَّانِي وَلَوْ عَالِمًا ) بِالْحَالِ أَوْ نَكَحَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَوَطِئَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا ( حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ) لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ وَطْؤُهُ لَهَا حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ ( مَكْرُوهٌ ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَالْحَدِّ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ فِي وَطْئِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ

فِيهِ كَظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ صَادِقٍ فَيَنْفُذُ الْحُكْمُ فِيهِ بَاطِنًا أَيْضًا قَطْعًا إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ كَمَا سَيَأْتِي لِتَتَّفِقَ الْكَلِمَةُ وَيَتِمَّ الِانْتِفَاعُ وَقِيلَ لَا لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ ( وَلَوْ قَضَى حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ) أَوْ بِالْإِرْثِ بِالرَّحِمِ ( حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ ) بِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْعُهُ مِنْ الْأَخْذِ بِذَلِكَ وَلَا مِنْ الدَّعْوَى بِهِ إذَا أَرَادَهَا اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالِاجْتِهَادُ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى غَيْرِهِ ( وَلَوْ شَهِدَ ) شَاهِدٌ ( بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي لَا الشَّاهِدُ ) كَشَافِعِيٍّ شَهِدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ( قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ وَلَهَا حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِنَفْسِ الْجِوَارِ ، وَهُوَ جَائِزٌ ثَانِيهِمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( فَرْعٌ لَوْ قَالَ خَصْمَانِ لِقَاضٍ حَكَمَ بَيْنَنَا فُلَانٌ بِكَذَا فَانْقُضْهُ وَاحْكُمْ بَيْنَنَا لَمْ يُجِبْهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إلَخْ ) وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ } الْآيَةَ { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا قِصَاصًا أَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا أَنَّهُ مَا قَتَلَ فَقَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَأَخْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ إنْ صَدَقَ حَرُمَ قَتْلُهُ فَدَلَّ عَلَى نُفُوذِ الْحُكْمِ فِي الظَّاهِرِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ إلَخْ ) وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى حُرَّةٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ لَهُ بِهَا بِشَهَادَةِ زُورٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ بِذَلِكَ وَقَضَى بِالزَّوْجِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَوَافَقَ عَلَى أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْقِصَاصَ لَا تَحِلُّ لَهُ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا وَافَقَ عَلَيْهِ غ ( قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ ) أَيْ بِالتَّرْجِيحِ وَكَتَبَ أَيْضًا الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَدَمُ الْحَدِّ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ جَهْدُهَا ) فَإِذَا قَصَدَهَا قَالَ كَثِيرٌ جُعِلَ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبُضْعِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا دَفْعُهُ ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ مِمَّنْ يَرَى الْإِبَاحَةَ فَكَيْفَ يَسُوغُ دَفْعُهُ وَقَتْلُهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلدَّفْعِ وَالْمُوجِبَ انْتِهَاكُ الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا لِوِصَالِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى بُضْعِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ بَلْ يَجِبُ فَسُنَّ .
( قَوْلُهُ وَلِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا إلَخْ ) وَيَبْقَى التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا لَا النَّفَقَةُ لِلْحَيْلُولَةِ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيّ إلَخْ ) ، وَهُوَ

الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فِي الْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْيَمِينِ عَنْ مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي دَعْوَى الذَّمِّ عَنْ مَيْلِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا حَلَّلَ خَمْرًا فَأَتْلَفَهَا عَلَيْهِ شَافِعِيٌّ لَا يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهَا بِالتَّخَلُّلِ فَتَرَافَعَا إلَى حَنَفِيٍّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِطَرِيقِهِ فَقَضَى عَلَى الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَطَالَبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِقَادِ الْقَاضِي دُونَ اعْتِقَادِهِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَكَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ جَازَ لِلشَّافِعِي فِي الْبَاطِنِ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ كَالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا بِغَيْرِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَرْعُهُ عَلَى الرَّأْيِ الْمَرْجُوحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَعْلِيلِهِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلَ فَقَدْ نَقَلَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ عَنْ الْجُمْهُورِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْيَمِينِ عَنْ مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي دَعْوَى الدَّمِ عَنْ مَيْلِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي النُّفُوذِ بَاطِنًا بَيْنَ مَا يُنْقَضُ وَمَا لَا يُنْقَضُ وَفِيهِ نَظَرٌ لَكِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ ا هـ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِد تَخْصِيصُهُمْ النُّفُوذَ بِمَا لَا يُنْقَضُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ

ثَانِيهِمَا أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْآخِذِ إلَخْ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا عِنْدَك وَعَلَى مَذْهَبِك فَهِيَ شَهَادَةٌ بِالْجَوَازِ

( فَصْلٌ مَنْثُورٌ ) مَسَائِلُهُ ( يُسْتَحَبُّ ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يَبْحَثَ ) أَيْ يَسْأَلَ ( أَصْدِقَاءَهُ ) الْأُمَنَاءَ ( عَنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيَجْتَنِبَهَا وَأَنْ يَرْكَبَ ) فِي مَسِيرِهِ ( إلَى مَجْلِسِ ) وَفِي نُسْخَةٍ مَوْضِعِ ( حُكْمِهِ وَ ) أَنْ ( يُسَلِّمَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى النَّاسِ وَإِذَا دَخَلَ ) عَلَيْهِمْ ( وَ ) أَنْ ( يَدْعُوَ بِالتَّوْفِيقِ ) وَالتَّسْدِيدِ ( إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ وَ ) أَنْ ( يَقِفَ عِنْدَهُ أَمِينٌ مَمْسُوحٌ ) ذَكَرَهُ لِأَجْلِ النِّسَاءِ ( يُرَتِّبُ الْخُصُومَ ) وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَسْمُوحِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْخَصِيِّ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْقَاضِي ( تَعْيِينُ وَقْتٍ لِلْحُكْمِ ) فِيهِ بِحَسَبِ حَاجَةِ النَّاسِ وَدَعَاوِيهِمْ ( وَأَنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ ( يَسْمَعَ الدَّعْوَى فِي غَيْرِهِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ إذَا اتَّفَقَ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ ( وَيُعْذَرُ ) فِي عَدَمِ سَمَاعِهَا ( لِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ ) كَصَلَاةٍ وَحَمَّامٍ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ دِرَّةً ) لِلتَّأْدِيبِ ( وَسِجْنًا ) لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا كَمَا اتَّخَذَهُمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ { حَبَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( خَشِيَ ) الْقَاضِي ( هَرَبَ خَصْمٍ مِنْ حَبْسِهِ فَنَقَلَهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ جَازَ وَلَا يُمْنَعُ ) الْمَحْبُوسُ ( مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِنِسَائِهِ ) فِي الْحَبْسِ ( إنْ أَمْكَنَ ) فِيهِ ( فَإِنْ امْتَنَعْنَ ) مِنْ ذَلِكَ ( أُجْبِرَتْ أَمَتُهُ ) عَلَيْهِ ( لَا زَوْجَتُهُ ) الْحُرَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلَا الْأَمَةِ ( إلَّا إنْ رَضِيَ سَيِّدُهَا ) بِذَلِكَ فَتُجْبَرُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الْمَحْبُوسِ مِمَّا ذُكِرَ خَالَفَهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ثَمَّ ( وَيُجَابُ الْخَصْمُ إلَى مُلَازَمَةِ خَصْمِهِ ) بَدَلًا عَنْ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهَا أَخَفُّ ( فَإِنْ اخْتَارَ الْغَرِيمُ الْحَبْسَ عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَشَقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا الْعِبَادَةُ

أُجِيبَ ) فَيُحْبَسُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ( وَهَلْ يُحْبَسُ مَرِيضٌ وَمُخَدَّرَةٌ وَابْنُ سَبِيلٍ ) مَنْعًا لَهُمْ مِنْ الظُّلْمِ ( أَوْ ) لَا يُحْبَسُونَ بَلْ ( يُوَكَّلُ بِهِمْ ) لِيَتَرَدَّدُوا وَيَتَجَمَّلُوا ( وَجْهَانِ ) أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ ( وَيُحْبَسُ الْوَكِيلُ وَأَبُو الطِّفْلِ وَقَيِّمُهُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ لَا غَيْرِهَا وَلَا يُحْبَسُ صَبِيٌّ وَ ) لَا ( مَجْنُونٌ ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا ( وَلَا مُكَاتَبٌ بِالنُّجُومِ ) أَيْ بِسَبَبِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ ( وَلَا عَبْدٌ جَانٍ ) جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا ( وَلَا سَيِّدُهُ ) لِيُؤَدِّيَ أَوْ يَبِيعَ ( بَلْ يُبَاعُ ) عَلَيْهِ ( إنْ ) وُجِدَ رَاغِبٌ ( وَ ) امْتَنَعَ ( مِنْ بَيْعٍ وَفِدَاءٍ ) لَهُ ( وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى الْمَحْبُوسِ ) كَمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْجَلَّادِ عَلَى الْمَجْلُودِ ( وَ ) أُجْرَةُ ( الْوَكِيلِ ) أَيْ الْمُوَكَّلِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِهِ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ ( عَلَى مَنْ وُكِّلَ بِهِ ) بِضَمِّ الْوَاوِ ( إنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ )

( فَصْلٌ مَنْثُورٌ مَسَائِلُهُ ) قَوْلُهُ كَمَا اتَّخَذَهُمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَهِيَ أَهْيَبُ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَبْسُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا حَبْسُ الْجَانِي عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ وَمِنْهَا الْمُمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ الْحَالِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَمِنْهَا حَبْسُ التَّعْزِيرِ دَرْءًا عَنْ الْمَعَاصِي وَمِنْهَا حَبْسُ كُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ تَصَرُّفٍ وَاجِبٍ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا أَوْ أَقَرَّ بِإِحْدَى عَيْنَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهَا وَمِنْهَا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالتَّعْزِيرِ إنْ رَأَى ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ غَيْرُهُ أَمِينًا أَوْ خَائِنًا فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْقَيِّمُ وَالْوَلِيُّ وَالْوَكِيلُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَسَيِّدُهُ وَالْمُكَاتَبُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ بِالْحَبْسِ وَالْأَصْلُ فِي حُقُوقِ الْفَرْعِ ( قَوْلُهُ نَقَلَهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ ) أَوْ قَيَّدَهُ إنْ أَمْكَنَ فِيهِ أَيْ ، وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ الْمَصْلَحَةُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعْنَ أُجْبِرَتْ أَمَتُهُ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْقَاضِي : وَإِنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ فِي الْحَبْسِ فَرَضِيَتْ لَمْ تُمْنَعْ فَإِنْ امْتَنَعَتْ وَكَانَتْ حُرَّةً لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَلَا تُحْبَسُ ظُلْمًا إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا لُزُومُ الْمَنْزِلِ ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً فَرَضِيَ السَّيِّدُ أُجْبِرَتْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ سَيِّدُهَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ طَلَبَ امْرَأَتَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِيَقْضِيَ

حَاجَتَهُ مِنْهَا أُجْبِرَتْ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِهِ مَسْكَنًا وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّبِيلِيُّ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِصَدَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ بِدُيُونِ النَّاسِ فَدَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْحَبْسِ يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ خَالِيًا يَصْلُحُ أَنْ يَخْلُوَ لِرَجُلٍ بِامْرَأَتِهِ لِحَاجَتِهِ فِيهِ ، وَإِنْ قَالَ لَهَا كُونِي مَعِي فِي الْحَبْسِ لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَهُ فِي الْأَوْقَاتِ إذَا اسْتَدْعَاهَا ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهَا ( قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ) لَا مُخَالَفَةَ ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فِيمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ وَمَا هُنَا إذَا لَمْ يَرَهَا فِيهِ ( قَوْلُهُ أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ ) أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا ( قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الْوَكِيلُ إلَخْ ) الْمُرَادُ بِحَبْسِ الْأُمَنَاءِ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ مَا إذَا كَانُوا قَدْ فَرَّطُوا فِيهِ أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ بِحَيْثُ لَزِمَهُمْ ضَمَانُهُ ع

( الطَّرَفُ ) الثَّانِي فِي ( مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ ، وَهُوَ الْحُجَّةُ وَإِقْرَارُهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعِي ( فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَكَذَا عِلْمُهُ ) أَيْ الْقَاضِي بِصِدْقِ الْمُدَّعِي ( وَلَوْ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ) سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا أَمْ فِي غَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ ، وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ ظَنًّا فَبِالْعِلْمِ أَوْلَى لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَلَوْ رَامَ الْبَيِّنَةَ نَفْيًا لِلرِّيبَةِ كَانَ أَحْسَنَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَيْسَ لَنَا مِنْ الْحُجَجِ مَا لَا يَلْزَمُ مَعَهُ الْحُكْمُ إلَّا هَذَا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ عِلْمُهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وَحَكَمْت عَلَيْك بِعِلْمِي فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْفُذْ الْحُكْمُ ( لَا ) فِي ( حَدٍّ ) وَتَعْزِيرٍ ( لِلَّهِ ) تَعَالَى لِنَدْبِ السَّتْرِ فِي أَسْبَابِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِذَا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ النَّادِرَةِ مَعَ فِسْقِهِ الظَّاهِرِ وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ قَطْعًا .
( وَلَا يَقْضِي ) الْقَاضِي ( بِخِلَافِ عِلْمِهِ ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ) كَأَنْ عَلِمَ إبْرَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَلَا يُقْضَى بِهَا فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُقْضَى فِي هَذِهِ بِعِلْمِهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّاشِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي ) فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( حَكَمْت بِكَذَا ) أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أَوْ نَحْوُهُ ( قُبِلَ قَطْعًا ، وَإِنْ كَانَتْ التُّهْمَةُ مُمْكِنَةً ) كَمَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ وَإِنْ كَانَتْ التُّهْمَةُ مُمْكِنَةً ( وَإِذَا ذَكَرَ )

وَفِي نُسْخَةٍ تَذَكَّرَ ( حُكْمًا ) لَهُ ( بِحُجَّةٍ ) لِأَحَدٍ وَطُلِبَ مِنْهُ إمْضَاؤُهُ ( وَجَبَ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ ) كَمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ الْحُكْمُ بِهِ ابْتِدَاءً ( وَلَيْسَ هُوَ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ ( حُكْمًا بِعِلْمٍ ) أَيْ يَقِينٍ ( وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ أَنْ يَرَى الْقَاضِي رَجُلًا يُقْرِضُ رَجُلًا مَالًا أَوْ يُقِرُّ لَهُ بِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمِهِ ) أَوْ فِيهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَيَحْكُمُ فِيهِ بِظَنِّهِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ بِقَرِينَةِ تَمْثِيلِهِمْ لِلْقَضَاءِ بِهِ بِمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَقَدْ رَآهُ الْقَاضِي أَقْرَضَهُ ذَلِكَ أَوْ سَمِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِذَلِكَ إذْ رُؤْيَةُ الْإِقْرَاضِ وَسَمَاعُ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَقْتَ الْقَضَاءِ فَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّمَا يَقْضِي بِالْعِلْمِ فِيمَا يَسْتَيْقِنُهُ لَا مَا يَظُنُّهُ اخْتِيَارًا لَهُ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ مَا يَسْتَيْقِنُهُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّنِّ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ بَعْدَ الدَّعْوَى فَالْحُكْمُ بِهِ لَا بِالْعِلْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا نَعَمْ إنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ سِرًّا فَهُوَ حُكْمٌ بِالْعِلْمِ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ .
وَالْأَصْلُ قَدَّمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ ذِكْرِ الْحَاكِمِ حُكْمَهُ وَهُوَ أَنْسَبُ لِتَعَلُّقِ تِلْكَ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يُمْضِهِ وَلَوْ كَانَ بِسِجِلٍّ فِي حِفْظِهِ ) أَيْ حِرْزِهِ لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَمُشَابَهَةِ الْخَطِّ ؛ وَلِأَنَّ قَضَاءَهُ فِعْلُهُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْعِلْمِ هُوَ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْإِنْسَانِ ؛ وَلِهَذَا يَأْخُذُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بِالْعِلْمِ ( وَكَذَا الشَّاهِدُ ) لَا يَشْهَدُ بِمَضْمُونِ خَطِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ وَبَعْدَ احْتِمَالِ التَّزْوِيرِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْهُ لِذَلِكَ ( بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ ) فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِلشَّخْصِ اعْتِمَادًا عَلَى الْخَطِّ

الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ لِعَمَلِ الْعُلَمَاءِ بِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَقَدْ يُتَسَاهَلُ فِي الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَمِنْ الْفَرْعِ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّاوِيَ يَقُولُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ يَرْوِي كَذَا وَلَا يَقُولُ الشَّاهِدُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِكَذَا ( وَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ ) لِلشَّخْصِ ( بِإِجَازَةٍ أَرْسَلَهَا ) إلَيْهِ ( الْمُحَدِّثُ بِخَطِّهِ إنْ عَرَفَ ) هُوَ ( خَطَّهُ ) اعْتِمَادًا عَلَى الْخَطِّ فَيَقُولُ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ كِتَابَةً أَوْ فِي كِتَابِهِ أَوْ كَتَبَ إلَيَّ بِكَذَا ( وَيَصِحُّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَجَزْتُك مَرْوِيَّاتِي ) أَوْ مَسْمُوعَاتِي أَوْ نَحْوَهُمَا ( بَلْ ) لَوْ ( قَالَ أَجَزْت الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَنْ أَدْرَكَ زَمَانِي ) أَوْ كُلَّ أَحَدٍ أَوْ نَحْوَهُ ( صَحَّ لَا ) بِقَوْلِهِ أَجَزْت ( أَحَدَ هَؤُلَاءِ ) الثَّلَاثَةِ مَثَلًا مَرْوِيَّاتِي أَوْ نَحْوَهَا ( أَوْ ) أَجَزْتُك أَحَدَ ( هَذِهِ الْكُتُبِ ) لِلْجَهْلِ بِالْمَجَازِ لَهُ فِي الْأُولَى وَبِالْمَجَازِ فِي الثَّانِيَةِ ( وَلَا ) بِقَوْلِهِ أَجَزْت ( مَنْ سَيُولَدُ ) لِي مَرْوِيَّاتِي مَثَلًا لِعَدَمِ الْمَجَازِ لَهُ وَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ ( وَتَكْفِي ) الرِّوَايَةُ ( بِكِتَابَةٍ وَنِيَّةٍ جَائِزَةٍ ) كَمَا تَكْفِي بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ مَعَ سُكُوتِهِ وَإِذَا كَتَبَ الْإِجَازَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا وَقَوْلُهُ ( بِلَا لَفْظٍ ) إيضَاحٌ

( قَوْلُهُ وَكَذَا عِلْمُهُ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُسْتَنَدُ عِلْمِهِ التَّوَاتُرَ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالتَّوَاتُرِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَنَازَعَتْهُ فِي التَّوَاتُرِ الْخَاصِّ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْحُكْمِ الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ أَوْ يَنْقُصُ عَنْهُ ا هـ قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ كُلَّ مَا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ بِهِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ بَلْ بَابُ الْقَضَاءِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ عَدْلَيْنِ فَمَتَى تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ لِلشَّاهِدِ بِهَا جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهَا فَلَوْ عَلِمَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ قَضَى بِعِلْمِهِ بِالْإِسْلَامِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ ( قَوْلُهُ وَحَدُّ قَذْفٍ ) وَإِعْسَارٍ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَنْفُذْ الْحُكْمُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَهُ وَجْهٌ فِي النَّظَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَيْهِ وَشَرَطَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَوْنَ الْحَاكِمِ بِهِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي قَدْ عَلِمْت وَحَكَمْت بِعِلْمِي ا هـ وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ع ( قَوْلُهُ لَا فِي حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ فِيهِ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ كَالرِّدَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ قَالَ وَكَذَا إذَا اعْتَرَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ وَلَوْ اعْتَرَفَ

سِرًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَنْ يَكُونَ بِحُضُورِ النَّاسِ قَالَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ فَقَدْ أَفْتَيْت فِيهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ بِالْإِسْلَامِ وَيُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ فَقَالَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ تَرَتُّبَ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ عَلَيْهِ إنَّمَا وَقَعَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ نُفُوذَ حُكْمِهِ بِحَالٍ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ ) لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِهِ لَكَانَ قَاطِعًا بِبُطْلَانِ حُكْمِهِ وَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي زِنَا الْمَقْذُوفِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَمْ يُقِمْ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً عَلَى زِنَاهُ وَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحُدَّهُ فَاَلَّذِي أَجَبْت بِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُجِيبُهُ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاذِفَ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالشُّهَدَاءِ كَاذِبٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } وَإِذَا كَانَ كَاذِبًا أَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ وَإِنَّمَا لَا يَقْضِي عَلَى خِلَافِ عِلْمِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ فَيَقْضِي فِيهَا عَلَى خِلَافِ عِلْمِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ا هـ فِيهِ نَظَرٌ فَسُنَّ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدْ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ عِلْمِهِ حُكْمُهُ بِخِلَافِ عَقِيدَتِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ فِيهِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُبْرَمُ مِنْ حَاكِمٍ بِمَا يَعْتَقِدُهُ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا ذَكَرَ حُكْمًا لَهُ بِحُجَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ

إمْضَاؤُهُ ) مَا الْمُرَادُ بِالتَّذَكُّرِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى إمْضَاءِ الْحَاكِمِ وَالْحُكْمُ وَأَدَاءُ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ هَلْ هُوَ التَّذَكُّرُ لِلْحُكْمِ وَالتَّحَمُّلُ مُفَصَّلًا أَوْ يَكْفِي التَّذَكُّرُ الْإِجْمَالِيُّ وَهُوَ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَصْلَ الْوَاقِعَةِ دُونَ تَفَاصِيلِهَا إنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا عِبْرَةَ بِالتَّذَكُّرِ الْإِجْمَالِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَطُّ مَحْفُوظًا عَنْهُ لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ وَالتَّحْرِيفِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ وَذَكَرَ أَصْلَ الْقَضِيَّةِ دُونَ تَفَاصِيلِهَا فَهُوَ قَرِيبٌ يَحْتَمِلُ حَدًّا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْجَزْمِ بِانْتِفَاءِ الرِّيَبِ وَالشُّكُوكِ غ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْخَادِمِ أَطْلَقَ التَّذَكُّرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَذَكُّرِ الْقَضِيَّةِ بِتَفَاصِيلِهَا وَلَا يَكْفِي تَذَكُّرُ الْحَادِثَةِ عَلَى الْإِجْمَالِ وَبِهِ صَرَّحَ الْجَاجَرْمِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ عَرَفَ صِحَّةَ خَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ حُكْمِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِخَطِّهِ ، وَإِنْ صَحَّ فِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِخَطِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ .
( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلُ أَنْ يَرَى الْقَاضِي رَجُلًا يُقْرِضُ رَجُلًا إلَخْ ) أَوْ يُقِرُّ عِنْدَهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ يَدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا أَوْ يَدَّعِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ قَتَلَهُ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ أَمَتِي وَتُصَدِّقُهُ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إذَا رَأَى الْحَاكِمُ رَجُلًا يَتَصَرَّفُ فِي دَارِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِالْمِلْكِ قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ : وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ بِهِ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ وَقَدْ يُقَالُ بَابُ الْقَضَاءِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ ؛ وَلِذَلِكَ

يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ عَدْلَيْنِ فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ إذْ السَّمَاعُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَكَذَا فِيمَا تَكْفِي فِيهِ الِاسْتِفَاضَةُ عَلَى الرَّاجِحِ فَمَتَى تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا تَسُوغُ الشَّهَادَةُ لِلشَّاهِدِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهَا كَمُشَاهَدَةِ الْقَرْضِ وَالْإِبْرَاءِ وَاسْتِصْحَابِ حُكْمِهِمَا وَكَمُشَاهَدَةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلَا مُعَارِضٍ وَكَخِبْرَةِ بَاطِنِ الْمُقِرِّ وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَالَةِ وَطُرُقِ الْإِمْلَاكِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ نَعَمْ لَا يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الظُّنُونِ وَمَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ بِلَا أَسْبَابٍ لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا ، وَأَمَّا كُلُّ سَبَبٍ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الشَّهَادَةِ وَشَرَعَهَا بِهِ فَالْأَشْبَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إذَا عَلِمَهَا الْحَاكِمُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ مَا يَسْتَيْقِنُهُ إلَخْ ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ مَا إذَا ظَنَّ أَصْلَ اللُّزُومِ وَفِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَحَقَّقَ أَصْلُ اللُّزُومِ وَإِنَّمَا نَشَأَ الظَّنُّ مِنْ جِهَةِ اسْتِصْحَابِ بَقَائِهِ لِجَوَازِ الْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَهَذَا كَالشَّهَادَةِ لَا يَشْهَدُ بِمَا ظَنَّهُ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ إلَّا أَنْ يَنْشَأَ الظَّنُّ مِنْ اسْتِصْحَابٍ مَعَ تَحَقُّقِ أَصْلِ اللُّزُومِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ ) مُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا الْعَمَلُ بِمَا يُوجَدُ مِنْ السَّمَاعِ وَالْإِجَازَةِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِهَا مَكْتُوبًا فِي الطِّبَاقِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ السَّمَاعَ وَلَا الْإِجَازَةَ وَلَمْ تَكُنْ الطَّبَقَةُ مَحْفُوظَةً عِنْدَهُ ا هـ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَيُرْوَى بِخَطِّهِ الْمَحْفُوظِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ عِنْدَهُ

( فَرْعٌ لَوْ وَجَدَ ) إنْسَانٌ ( بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ ) أَنَّ لَهُ ( دَيْنًا عَلَى شَخْصٍ ) أَوْ أَنَّهُ أَدَّى لِفُلَانٍ كَذَا ( وَعَرَفَ أَمَانَتَهُ فَلَهُ الْحَلِفُ ) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِمَادًا عَلَى ذَلِكَ ( وَكَذَا ) لَوْ وَجَدَ ( خَطَّ نَفْسِهِ ) بِذَلِكَ ( كَمَا ذَكَرَهُ ) الْأَصْلُ فِي الدَّعَاوَى ( وَاشْتُرِطَ ) فِيهِ ( هُنَا أَنْ يَتَذَكَّرَ ) ذَلِكَ ( لِإِمْكَانِ الْيَقِينِ ) بِخِلَافِهِ فِي خَطِّ مُوَرِّثِهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِغَيْرِ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ وَبِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَظِيمٌ وَعَامٌّ بِخِلَافِ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ وَيُبَاحُ بِغَالِبِ الظَّنِّ وَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَامٍّ وَتَعْبِيرُهُ بِمُوَرِّثِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِأَبِيهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ خَطُّ مُكَاتَبِهِ الَّذِي مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابَةِ وَخَطُّ مَأْذُونِهِ الْقِنِّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَطُّ مُعَامِلِهِ فِي الْقِرَاضِ وَشَرِيكِهِ فِي التِّجَارَةِ كَذَلِكَ عَمَلًا بِالظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ وَكَذَا الْخَطُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْإِخْبَارُ مِنْ عَدْلٍ مِثْلِهِ ( وَيَنْبَغِي ) أَيْ يُسْتَحَبُّ ( لِلشَّاهِدِ أَنْ يُثْبِتَ حِلْيَةَ مُقِرِّ جَهْلِهِ وَالتَّارِيخَ وَمَوْضِعَ تَحَمُّلِهِ ) لِلشَّهَادَةِ ( وَنَحْوَ ذَلِكَ ) كَمَنْ كَانَ مَعَهُ حِينَئِذٍ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى التَّذَكُّرِ عِنْدَ الْأَدَاءِ .
( وَلَوْ شَهِدَا ) عِنْدَهُ ( أَنَّك حَكَمْت بِكَذَا ) وَلَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ ( لَمْ يُؤَثِّرْ ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِقَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِالْحَقِّ بَعْدَ تَجْدِيدِ دَعْوَى ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِعْلُهُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْيَقِينِ هُوَ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْإِنْسَانِ كَمَا مَرَّ ( بِخِلَافِهِ فِي الرِّوَايَةِ بَلْ يَجُوزُ ) لِلرَّاوِي إذَا نَسِيَهَا أَنْ يَقُولَ ( أَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنِّي ) بِكَذَا كَمَا وَقَعَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي رِوَايَتِهِ خَبَرٌ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمِعَهُ مِنْهُ رَبِيعَةُ

بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ نَسِيَ سُهَيْلٌ ذَلِكَ فَكَانَ يَرْوِيهِ عَنْهُ فَيَقُولُ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي أَنِّي حَدَّثْته عَنْ أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِلْمُسَاهَلَةِ فِيهَا كَمَا مَرَّ وَإِذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الْقَاضِي فَحَقُّهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ وَلَا يَقُولَ لَمْ أَحْكُمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ تَوَقَّفَ وَشَهِدَا ) عَلَى حُكْمِهِ ( عِنْدَ ) قَاضٍ ( غَيْرِهِ نَفَذَ ) بِشَهَادَتِهِمَا حُكْمُ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ تَوَقُّفُهُ لَا ) إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَوْ بِعِلْمِهِ ( إنْكَارُهُ ) ذَلِكَ فَلَا يُنْفِذُهُ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِأَحَدٍ ( أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْقَاضِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( عِنْدَ قَاضٍ ) آخَرَ ( أَنَّك حَكَمْت لِي ) بِكَذَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الشَّهَادَةِ .
( وَلَوْ كَانَ مَعْزُولًا أَوْ فِي غَيْرِ ) مَحَلِّ ( وِلَايَتِهِ سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ ) عَلَيْهِ بِذَلِكَ ( لَا إقْرَارُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بَعْدَ عَزْلِهِ وَلَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( وَلَا يَحْلِفُ ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا لَا يَحْلِفُ الشَّاهِدُ إذَا أَنْكَرَ الشَّهَادَةَ أَمْ فِي غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَنْكُلُ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَك أَنْ تَقُولَ سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاضِي مَعْزُولًا أَوْ غَيْرَهُ بِذَلِكَ لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ الدَّعَاوَى الْمُلْزِمَةِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا التَّدَرُّعُ إلَى إلْزَامِ الْخَصْمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلْيُقِمْهَا فِي وَجْهِ الْخَصْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ عَلَى الْقَاضِي بَيِّنَةً وَلَا يُطَالَبُ بِيَمِينٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّك شَاهِدِي انْتَهَى ( وَهَلْ لَهُ ) أَيْ لِمُدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الْقَاضِي حُكْمَهُ ( تَحْلِيفُ خَصْمِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُكْمَهُ ) أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مِنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى لَوْ أَقَرَّ

بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ حَلِفٌ
( قَوْلُهُ وَعَرَفَ أَمَانَتَهُ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ اشْتِرَاطُ الْأَمَانَةِ لَا يَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ الْأُولَى لَوْ بِيعَ الشِّقْصُ بِصُرَّةٍ فِضَّةٍ وَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهَا كَذَا وَنَكَلَ الْمُشْتَرِي جَازَ لِلشَّفِيعِ الْحَلِفُ اعْتِمَادًا عَلَى نُكُولِهِ الثَّانِيَةُ لَوْ نَازَعَ الْمُشْتَرِيَ شَخْصٌ فِي الْبَيْعِ وَادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ الثَّالِثَةُ إذَا أَنْكَرَ الْمُودِعُ التَّلَفَ وَتَأَكَّدَ ظَنُّهُ بِنُكُولِ الْمُودِعِ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ فِي الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الْوُثُوقَ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ بِكَوْنِهِ بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ فِي التَّذْكِرَةِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ بَلْ يُؤَدِّيهِ مِنْ التَّرِكَةِ ( قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَيْدٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الرَّاجِحُ

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْإِكْرَامِ ) لَهُمَا ( وَ ) جَوَابُ ( السَّلَامِ ) عَلَيْهِمَا ( وَالنَّظَرُ ) إلَيْهِمَا ( وَغَيْرُهُ ) مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ كَاسْتِمَاعٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ وَقِيَامٍ لَهُمَا فَلَا يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ الْآخَرِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ إقَامَةِ حُجَّتِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ إذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْك الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْت مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُبَيَّنَ لَك الْقَضَاءُ } وَعَطْفُ مَا بَعْدَ الْإِكْرَامِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ( فَإِنْ سَلَّمَ ) عَلَيْهِ ( أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرُ أَوْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا ) مَعًا إذَا سَلَّمَ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَحْدَهُ فِي الْحَالِ ثَانِيهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ ثَالِثُهَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي الْحَالِ وَلَمْ يَحْكِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَجْهًا بَلْ عَزَاهُ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا .
وَالْمُخْتَارُ مَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا لَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَا بِهِ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا ذَلِكَ هُنَا حَذَرًا مِنْ التَّخْصِيصِ وَتَوَهُّمِ الْمَيْلِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ

حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ ( وَيَرْفَعُ فِي الْمَجْلِسِ ) جَوَازًا ( مُسْلِمًا عَلَى كَافِرٍ ) بِأَنْ يُجْلِسَ مَثَلًا الْمُسْلِمَ أَقْرَبَ إلَيْهِ كَمَا جَلَسَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَنْبِ شُرَيْحٍ فِي خُصُومَةٍ لَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ وَقَالَ لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجْلِسِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ .
وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ أَيْ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْت الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ ( وَلِيُقْبِلَ عَلَيْهِمَا ) بِقَلْبِهِ ( وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ بِلَا مَزْحٍ ) مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا تَسَارٍّ ( وَلَا نَهْرٍ وَلَا صِيَاحٍ ) عَلَيْهِمَا ( مَا لَمْ يَتْرُكَا أَدَبًا ) فَإِنْ تَرَكَا أَدَبًا نَهَرَهُمَا وَصَاحَ عَلَيْهِمَا وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَمَيَّزَا وَلِيَكُونَ اسْتِمَاعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَسْهَلَ وَإِذَا جَلَسَا تَقَارَبَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ فَيَتَبَاعَدَانِ ( وَلَا يَتَعَنَّتُ شُهُودًا ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ لِمَ تَشْهَدُونَ وَمَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ ( وَلَا يُلْزِمُهُمْ ) بِهَا وَلَا بِمَنْعِهَا ( وَلَا يُلَقِّنُ أَحَدًا ) مِنْهُمْ وَلَا مِنْ الْخَصْمَيْنِ حُجَّتَهُ ( وَلَا يُشَكِّكُ ) أَحَدًا مِنْهُمْ وَذِكْرُ مَنْعِ إلْزَامِهِ الشُّهُودَ بِالشَّهَادَةِ وَمَنْعِ تَشْكِيكِهِ الْخَصْمَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا يَحْمِلُ ) أَحَدًا مِنْهُمْ ( عَلَى الْجَرَاءَةِ ) كَأَنْ يُجْزِئَ الْمَائِلَ إلَى النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَيْهَا أَوْ إلَى التَّوَقُّفِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا ( لَكِنْ يُرْشِدُ إلَى

الْإِنْكَارِ فِي حُقُوقِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فِي حُدُودِ ( اللَّهِ تَعَالَى ) كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ ( وَلَوْ عَلِمَ ) الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدُ ( كَيْفَ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ جَازَ ) لَمْ يُصَحِّحْ الْأَصْلُ شَيْئًا فِي الْأُولَى فَالتَّصْحِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ .
وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْلِمَهُ احْتِجَاجًا وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الدَّعْوَى أَصْلٌ وَالشَّهَادَةَ تَبَعٌ ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ ) مِنْ الْمُدَّعِي ( عَنْ صِفَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُدَّعَاةِ ) كَأَنْ يَقُولَ أَهِيَ صَحِيحَةٌ أَمْ مُكَسَّرَةٌ ( وَنُدِبَ ) لَهُ ( نَدْبُهُمَا ) أَيْ الْخَصْمَيْنِ بَعْدَ ظُهُورِ وَجْهِ الْحُكْمِ ( إلَى صُلْحٍ يُرْجَى وَيُؤَخَّرُ لَهُ الْحُكْمُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ بِرِضَاهُمَا ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَيَا وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِذَا وَقَفَا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ جَلَسَا وَالْمُرَادُ حَضَرَا ( بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ ) حَتَّى يَتَكَلَّمَا ( وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي ) مِنْكُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ هَيْبَةِ الْقُدُومِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي إذَا عَرَفَهُ تَكَلَّمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : تَبِعَ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَابْنُ شَدَّادٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ ؛ لِأَنَّهُ مَيْلٌ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ تَرَكَهُ لِذَلِكَ ( وَهَذَا ) الْقَوْلُ صُدُورُهُ ( مِنْ الْأَمِينِ ) الْوَاقِفِ عَلَى رَأْسِهِ ( أَوْلَى وَيُطَالَبُ ) جَوَازُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِجَوَابِ الدَّعْوَى ) ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ ( فَلَوْ

أَقَرَّ ) بِالْمُدَّعَى ( أَوْ حَلَفَ ) الْمُدَّعِي الْيَمِينَ ( الْمَرْدُودَةَ ) عَلَيْهِ ( ثَبَتَ ) الْمُدَّعَى ( بِغَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ ) ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ حُكْمًا عَلَى وُجُوبِ الْحَقِّ جَلِيَّةٌ إذْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَالْبَيِّنَةُ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَلِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَيَحْكُمُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اُخْرُجْ مِنْ حَقِّهِ أَوْ كَلَّفْتُك الْخُرُوجَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ أَلْزَمْتُك بِهِ .
( وَإِنْ أَنْكَرَ سَكَتَ ) الْقَاضِي ( أَوْ قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ ) نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْكُتُ بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى ، وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى ، وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ انْتَهَى وَلَوْ عَبَّرَ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ إذَا كَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ أَوْ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِلِعَانِهِ ( فَإِنْ قَالَ ) لِي بَيِّنَةٌ وَأَقَامَهَا فَذَاكَ ، وَإِنْ قَالَ ( يَحْلِفُ ) خَصْمِي وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ ( حَلَفَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْلِفُ وَيُقِرُّ فَيَسْتَغْنِي الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ حَلَفَ أَقَامَهَا وَأَظْهَرَ كَذِبَهُ فَلَهُ فِي طَلَبِ تَحْلِيفِهِ مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ غَرَضٌ ( ثُمَّ ) بَعْدَ حَلِفِ خَصْمِهِ ( إنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ ) بِأَنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَأَقَرَّهُ ( سُمِعَتْ ، وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي أَصْلًا ) لَا حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ أَوْ نَسِيَ ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ ( فَلَوْ

قَالَ شُهُودِي فَسَقَةٌ ) أَوْ عَبِيدٌ ( فَجَاءَ بِعُدُولٍ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ ) أَوْ عِتْقٍ ( قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ) ( قَوْلُهُ وَطَلَاقَةُ وَجْهٍ ) أَيْ وَدُخُولٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا جَاءَ مَعًا وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي إلَّا خَصْمٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْقَاضِي وَدَخَلَ فِي حَاجَتِهِ فَإِنْ حَضَرَ بِطَلَبِ إحْضَارِ خَصْمِهِ أَدْخَلَهُ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقَامَ دَعْوَى وَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي خُصُومٌ فَدَخَلَ مَعَ أَحَدِهِمْ وَتَأَخَّرَ الْبَاقُونَ لَمْ يُمْنَعْ ذَلِكَ وَفِي الْأُمِّ وَإِذَا قُدِّمَ الَّذِي جَاءَ أَوَّلًا وَخَصْمُهُ وَكَانَ لَهُ خُصُومٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا مَعَهُ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَسْتَمِعَ إلَّا مِنْهُ وَمِنْ خَصْمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَرَغَا أَقَامَهُ وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ كَبِيرُ أَخْذٍ قَالَ وَفِي النَّصِّ الْإِشَارَةُ إلَى مَا قَرَّرْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْقَاضِي مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فَعَرَضَتْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ فَطَلَبَ لَهَا لَمْ يَحْرُمْ لَكِنْ الْأَوْلَى لِلْقَاضِي إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَعَ خَصْمٍ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ طَلَبِهِ ذَلِكَ الْوَقْفَ حَتَّى تَنْفَصِلَ الْخُصُومَةُ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَقِيَامٌ لَهُمَا ) أَيْ إمَّا أَنْ يَقُومَ لَهُمَا أَوْ يَتْرُكَهُ لَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عِنْدِي أَنَّهُ يُكْرَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا شَرِيفًا وَالْآخَرُ وَضِيعًا فَإِذَا قَامَ عَلِمَا أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ لِلشَّرِيفِ فَتَرْكُ الْقِيَامِ لَهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَأَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَعَلَى هَذَا جَرَى سُنَنُ الْحُكَّامِ الْمَاضِينَ فَإِنْ دَخَلَ ذُو هَيْئَةٍ فَقَامَ لَهُ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي خُصُومَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لِخَصْمِهِ كَقِيَامِهِ لَهُ أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِمَجِيئِهِ مُخَاصِمًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ ، وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ ضِيَافَةِ الْخَصْمَيْنِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يُعْتَادُ الْقِيَامُ لَهُ دُونَ

الْآخَرِ فَيَنْبَغِي تَرْكُ الْقِيَامِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ وَلِلْخَصْمِ أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا هُوَ لِلْكَبِيرِ فَلَا تَحْصُلُ التَّسْوِيَةُ قَالَ وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ) ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ } قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ نَزَلَتْ فِي الْخَصْمَيْنِ يَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَيَلْوِي عَنْ أَحَدِهِمَا وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ ( تَنْبِيهٌ ) فِي الْأَمْثِلَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْقَلْبِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ فَإِنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَلْبِهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُلْحِنَ بِحُجَّتِهِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْقَلْبِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ فَإِنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَلْبِهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُلْحِنَ بِحُجَّتِهِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَمَجْلِسٌ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُمَا قَائِمَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ لَا يَسْتَمِعُ الدَّعْوَى وَهُمَا قَائِمَانِ حَتَّى يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ ا هـ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَدَبُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرُ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ وَيُوَجِّهُهُ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ قَامَ بِالسُّنَّةِ عَنْ الْآخَرِ فَجَوَابُ الْحَاكِمِ رَدٌّ عَلَى الْمُسَلِّمِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْآخَرِ حُكْمًا .
ا هـ .
وَالصَّحِيحُ مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ ) فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ

إلَى الْأَصْحَابِ غَلَطٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ التَّابِعُ لِلْقَاضِي .
ا هـ .
جَزَمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ ) فَإِذَا حَضَرَ جَمَاعَةٌ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ كَفَى عَنْ سَلَامِ الْبَاقِينَ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ إلَخْ ) نَعَمْ لَوْ وَكَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَحَضَرَ الْأَرْبَعَةُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ الْخَصْمَانِ عَلَى السَّوَاءِ وَجَلَسَ الْوَكِيلَانِ فِي مَجْلِسٍ دُونَهُمَا أَوْ جَلَسَ الْخَصْمَانِ وَقَامَ الْوَكِيلَانِ أَنَّهُ يَجُوزُ غ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْلِسُ مَثَلًا الْمُسْلِمَ أَقْرَبَ إلَيْهِ ) فَإِنْ تَحَاكَمَا مِنْ قِيَامٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ قُدِّمَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْقِفِ وَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ فِي حَالِ دُخُولِهِمَا جَمِيعًا بِخُطُوَاتٍ مَثَلًا ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَفِي الْإِبَانَةِ لِلْفُورَانِيِّ نَقْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْجَمْعَيْنِ ( قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْوُجُوبُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ لَكِنْ صَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّهُ فِي الْجَوَازِ وَعِبَارَتُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُرْفَعَ الْمُسْلِمُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُرْتَدًّا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا يُخَفْ فِيهِ سَبِيلٌ وَلَوْ

اعْتَبَرْنَاهُ لِرَفْعِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ .
وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْوُجُوبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْت الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ الْمُدَّعِي وَالشَّاهِدُ كَيْفَ تُصَحَّحُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ جَازَ ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَطْلَقَ دَعْوَاهُ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي نَدْبًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَضِيَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فَيَقُولُ تَكَلَّمَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ لِيَتَكَلَّمَ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا قَالَ وَعِنْدَنَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَعَمِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي قَضِيَّتَيْنِ وَلَا سَابِقَ مِنْهُمَا فَيَقُولُ لِيَتَكَلَّمْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا بِرِضَا الْآخَرِ بِتَقْدِيمِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ وَلَمْ يَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُمَا لِتَعَبٍ وَنَحْوِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ السُّكُوتُ لِلتَّأَهُّبِ فِي الْكَلَامِ تَوَقَّفَ حَتَّى تَسْكُنَ نُفُوسُهُمَا فَيَتَكَلَّمَا ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي ) أَيْ وَعَرَفَ بِالْقَرِينَةِ كَذِبَ الْمُدَّعِي كَأَنْ ادَّعَى الذِّمِّيُّ اسْتِئْجَارَ الْأَمِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ أَوْ كَنْسِ بَيْتِهِ أَوْ الْمَعْرُوفُ بِالتَّعَنُّتِ وَجَرِّ ذَوِي الْأَقْدَارِ بِمَجْلِسِ الْقُضَاةِ وَاسْتِحْلَافِهِمْ

لِيَفْتَدُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ .
( قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ وَحَلَّفَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ بِغَيْرِ حُكْمٍ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا عِنْدِي مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ عَلَى صُورَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَنْقُولٌ قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ يَحْلِفُ حَلَفَ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ أَوْ النَّظَرِ أَوْ الْوَكَالَةِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِئَلَّا يَحْلِفَ ثُمَّ يَرْفَعُهُ لِحَاكِمٍ يَرَى مَنْعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَيَأْذَنُ لَهُ مُوَكِّلُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ يَأْذَنُ السَّيِّدُ لِلْمَأْذُونِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَا الْغُرَمَاءُ إنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ أَوْ يَأْذَنُ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ قُلْت قَدْ يُقَالُ الْمُطَالَبَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي فَلَا يُرْفَعُ غَرِيمُهُ إلَّا لِمَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُفَصِّلَ أَمْرَهُ عِنْدَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ يَضْطَرُّ عِنْدَ تَيَسُّرِ الْبَيِّنَةِ إلَى قَاضٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ ع وَقَوْلُهُ اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي أَصْلًا ) أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ شَهِدَا لَهُ بِذَلِكَ أَوْ لَا بَيِّنَةَ لِي أَصْلًا وَعَرَفْت بَاطِنَ الْحَالِ وَظَاهِرَهُ ( قَوْلُهُ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَائِهِ قُبِلَتْ ) هَذَا إنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ هِيَ الَّتِي نُسِبَ إلَيْهَا ذَلِكَ أَمَّا لَوْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ هَذِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ جَهِلْتهَا

أَوْ نَسَبْتهَا فَالْوَجْهُ قَبُولُهَا وَقَوْلُهُ فَالْوَجْهُ قَبُولُهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ وَيُقَدَّمُ ) وُجُوبًا ( السَّابِقُ ) لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ جَاءُوا مُتَرَتِّبِينَ وَعُرِفَ السَّابِقُ ( وَالْعِبْرَةُ بِالْمُدَّعِي ) أَيْ بِسَبْقِهِ لَا بِسَبْقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَإِنْ جُهِلَ ) السَّابِقُ ( أَوْ اسْتَوَوْا ) فِي مَجِيئِهِمْ ( أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمْ وَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ( فَإِنْ كَثُرُوا ) وَعَسِرَ الْإِقْرَاعُ ( كَتَبَ الرِّقَاعَ ) أَيْ كَتَبَ فِيهَا أَسْمَاءَهُمْ وَصُبَّتْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لِيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً ( وَيَدَّعِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ ) فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَتِّبَ ثِقَةً يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ يَوْمَ قَضَائِهِ لِيَعْرِفَ تَرْتِيبَهُمْ وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسْبَقُ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ ( وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ ) أَيْ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ( إلَّا بِدَعْوَى ) وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنْ كَانَ لَهُ دَعْوَى أُخْرَى انْتَظَرَ فَرَاغَهُمْ أَوْ حَضَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ

( قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ وُجُوبًا بِالسَّابِقِ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ مَا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَهَذَا لَا تَوَقُّفَ فِيهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ( قَوْلُهُ وَالْعِبْرَةُ بِالْمُدَّعِي ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ الْمُدَّعِي خَصْمُهُ فَلَوْ سَبَقَ الْمُدَّعِي وَتَأَخَّرَ خَصْمُهُ قَبْلَ حُضُورِ خَصْمِهِ الْآخَرِ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَى الْقَاضِي فَصْلُ الْخُصُومَاتِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْمَدْرَسِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي رِزْقًا فَجَعَلَا لَهُ رِزْقًا جَازَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ لَهُ تَقْدِيمَ مَنْ جَعَلَ لَهُ رِزْقًا ، وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا ( قَوْلُهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ) أَيْ وُجُوبًا وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ ( قَوْلُهُ وَيَدَّعِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَحَتُّمُهُ لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الْمَيْلِ وَالْمُحَابَاةِ وَقَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَاقِينَ ) وَلِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الَّذِي يَلِيهِ سَبَقَهُ

( وَيُسْتَحَبُّ ) لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ عِنْدَهُ ( تَقْدِيمُ مُسَافِرِينَ مُسْتَوْفِزِينَ ) أَيْ مُتَهَيِّئِينَ لِلسَّفَرِ وَخَائِفِينَ مِنْ انْقِطَاعِهِمْ عَنْ رُفْقَتِهِمْ إنْ تَأَخَّرُوا عَنْ الْمُقِيمِينَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ ( وَ ) تَقْدِيمِ ( نِسَاءٍ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ رَأَى الْقَاضِي تَقْدِيمَهُنَّ طَلَبًا لِسَتْرِهِنَّ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسَاءُ ( مُدَّعًى عَلَيْهِمْ ) فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمْ كَذَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُدَّعِينَ أَيْ كَنَظِيرِهِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْفَرْعِ ( بِدَعَاوٍ ) أَيْ بِدَعَاوِيهِمْ ( إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً ) بِحَيْثُ ( لَا تَضُرُّ ) بِالْمُقِيمِينَ فِي الْأُولَى وَبِالرِّجَالِ فِي الثَّانِيَةِ إضْرَارًا بَيِّنًا ( فَإِنْ طَالَتْ فَوَاحِدَةٌ ) يُقَدَّمُ بِهَا مَنْ ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَقَدْ يَقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَيُؤَخَّرُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ كَذَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ مَمْنُوعٌ بَلْ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يَسْمَعَ فِي عَدَدٍ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ أَيْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ النِّسَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ هَذَا كُلُّهُ إنْ قَلَّ الْمُسَافِرُونَ أَوْ النِّسَاءُ وَالْإِقْدَامُ بِالسَّبْقِ ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ كَمَا فِي بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ بَعْضِهِ الْآخَرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُقِيمَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ بِدَعَاوِيهِنَّ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً وَإِلَّا فَبِوَاحِدَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِينَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخَنَاثَى مِثْلُهُنَّ وَإِذَا قَدَّمْنَا بِوَاحِدَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّقْدِيمُ بِالدَّعْوَى وَجَوَابِهَا وَفَصَلَ الْحُكْمَ فِيهَا نَعَمْ إنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِانْتِظَارِ بَيِّنَةٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا

سَمِعَ دَعْوَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ بِبَيِّنَةٍ فَيَشْتَغِلَ حِينَئِذٍ بِإِتْمَامِ حُكُومَتِهِ إذْ لَا وَجْهَ لِتَعْطِيلِ الْخُصُومِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَنَا الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا إلَى الدَّعْوَى لَمْ تُقْطَعْ ) دَعْوَاهُ بَلْ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ ثُمَّ يَدَّعِيَ إنْ شَاءَ ( وَإِلَّا ادَّعَى مَنْ بَعَثَ ) مِنْهُمَا ( الْعَوْنَ ) خَلْفَ الْآخَرِ وَكَذَا مَنْ أَقَامَ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ أَحْضَرَ الْآخَرَ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ اسْتَوَوْا أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ادَّعَى ( وَالْمُدَرِّسُ وَالْمُفْتِي فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ ) وَفَرْضِ الْعَيْنِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى ( يُقَدَّمَانِ بِالسَّبْقِ ) إنْ كَانَ ثَمَّ سَبْقٌ ( أَوْ بِالْقُرْعَةِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ سَبْقٌ ( وُجُوبًا ) أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ فَالتَّقْدِيمُ بِالْمَشِيئَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفْتِي مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ

( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ مُسَافِرِينَ ) وَلَوْ سَفَرَ نُزْهَةٍ ( قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِالتَّخَلُّفِ ) وَلِأَنَّهُ قَدْ خُفِّفَ عَنْهُمْ بِالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فَلْيُسَامَحُوا بِالتَّقْدِيمِ ( قَوْلُهُ فَقَدَّمَ نِسَاءً ) وَلَوْ عَجَائِزَ ( قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا تَضُرُّ إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ النِّسَاءِ بِالْمُسَافِرِينَ فِيمَا ذُكِرَ جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يَقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ إلَخْ ) حَتَّى لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ يَتَخَلَّفُ لَا مَحَالَةَ لِبَقِيَّةِ دَعَاوِيهِ وَحُقُوقِهِ فَلَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِهِ بِوَاحِدَةٍ بَلْ إمَّا أَنْ يُقَدَّمَ بِالْكُلِّ أَوْ لَا يُقَدَّمُ بِشَيْءٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُسَافِرِ الَّذِي شَدَّ رَحْلَهُ وَخَافَ الضَّرَرَ وَالِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُسَافِرِ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُقِيمٌ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَوْ لَا يَخْشَى التَّخَلُّفَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ لِكَثْرَةِ الرِّفَاقِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ وَقُرْبِ مَقْصِدِهِ وَأَنْ يُقَدِّمَ الْمُسَافِرَ لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمُسَافِرِ لِنُزْهَةٍ وَبَطَالَةٍ ( قَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ إنْ قَلَّ الْمُسَافِرُونَ أَوْ النِّسَاءُ إلَخْ ) لَمْ يُبَيِّنْ أَحَدٌ الْكَثْرَةَ وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مِثْلَ الْمُقِيمِينَ أَوْ أَكْثَرَ كَالْحَجِيجِ بِمَكَّةَ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ تُفْهِمُ اعْتِبَارَ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لَا اعْتِبَارَ الْمُسَافِرِينَ بِأَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَسُنَّ د وَقَوْلُهُ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ تُفْهِمُ اعْتِبَارَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْإِقْدَامُ بِالسَّبْقِ ) شَمِلَ قَوْلَهُ وَالْإِحَالَةُ الْمُسَاوَاةُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخَنَاثَى مِثْلُهُنَّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ) هُوَ الصَّحِيحُ ( تَنْبِيهٌ ) : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُقَدَّمُ

بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّ لِلْقَاضِي تَقْدِيمَ الْمَرِيضِ الْمَسْبُوقِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِالصَّبْرِ إنْ كَانَ مَطْلُوبًا وَلَا يُقَدِّمُهُ إنْ كَانَ طَالِبًا ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُجْبَرٌ وَالطَّالِبَ مُجْبَرٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ مُتَعَهِّدِ الْمَرِيضِ بِالْمَرِيضِ ا هـ قِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الْمَرِيضِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي إلَخْ ( قَوْلُهُ يُقَدَّمَانِ بِالسَّبْقِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ وُجُوبًا ) يَأْتِي فِيهِمَا مَا مَرَّ فِي الْقَاضِي فَيُقَدَّمُ السَّابِقُ وَالْقَارِعُ بِدَرْسٍ وَاحِدٍ وَفَتْوَى وَاحِدَةٍ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ يَأْتِي هُنَا

( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي الْبَحْثِ عَنْ ) حَالِ ( الشُّهُودِ ) وَتَزْكِيَتِهِمْ ( لَا يَجُوزُ ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يَتَّخِذَ شُهُودًا مُعَيَّنِينَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُمْ ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ إذْ قَدْ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ غَيْرُهُمْ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ ضَاعَ الْحَقُّ وَلِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ( بَلْ مَنْ عُرِفَ عَدَالَتُهُ ) وَقَدْ شَهِدَ عِنْدَهُ ( قَبْلَهُ ) وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْدِيلٍ ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ ( أَوْ ) عُرِفَ ( فِسْقُهُ رَدَّهُ ) وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَحْثٍ ( وَإِنْ جَهِلَهُ ) أَيْ جَهِلَ ( استزكاه ) هـ أَيْ طَلَبَ تَزْكِيَتَهُ وُجُوبًا وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ شَرْطِهَا كَمَا لَوْ طَعَنَ الْخَصْمُ وَلَا يَكْتَفِي بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ أَوْ مِنْ حَالِ مَنْ بِدَارِنَا الْإِسْلَامُ وَيَكْتَفِي بِقَوْلِ الشَّاهِدِ أَنَا مُسْلِمٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنَا حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ ( وَلَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِعَدَالَتِهِمَا ) الْأَنْسَبُ بِعَدَالَتِهِ بِأَنْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الاستزكاء ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ وَالتَّعْدِيلُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ ( كَقَوْلِهِ ) لِلشَّاهِدِ ( قَبْلَ ) أَدَاءِ ( الشَّهَادَةِ أَنْتَ عَدْلٌ فِيمَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيَّ ) فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الاستزكاء لِذَلِكَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ تَعْدِيلٌ لِلشَّاهِدِ رُدَّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ مِنْ قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فَكَيْفَ يُجْعَلُ ذَلِكَ تَعْدِيلًا فَلَوْ صَدَّقَهُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ حَكَمَ بِإِقْرَارِهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الشَّاهِدِ ( فَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ) الْعَادِلَةُ عَلَيْهِ ( وَأَقَرَّ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَأَقَرَّ وَعِبَارَةُ

الْأَصْلِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ ( قَبْلَ الْحُكْمِ ) عَلَيْهِ ( لَا بَعْدَهُ فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى مُسْتَنِدًا إلَى الشَّهَادَةِ وَإِنْ وَقَعَ إقْرَارُهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَالِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ فِيمَا قَالَهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَدَّمْته عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فِي بَابِ الزِّنَا مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا سَبْقُهُمَا

( قَوْلُهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ قَوْمًا مَعَ قَبُولِ غَيْرِهِمْ لَمْ يَحْرُمْ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ لَمْ يُكْرَهْ ( قَوْلُهُ بَلْ مَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ قَبِلَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا مَحَلُّهُ فِي قَاضٍ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْدِيلٍ وَلَوْ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ) وَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءِ فِي التَّعْدِيلِ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ أَصْلِهِ وَفِيهِمَا وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ عِنْدَنَا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ لِأَصْلِهِ وَلَا لِفَرْعِهِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ أَصْلِهِ وَلَا فَرْعِهِ إذَا عُلِمَ عَدَالَتُهُ وَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِهَا وَقَوْلُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ عِنْدَنَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ أَخْطَأَ فِي شَهَادَتِهِ ) ذَكَرَ تَصْوِيرًا لِلْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِعَدَالَتِهِمَا بَاقِيًا عَلَى الْإِنْكَارِ أَمَّا لَوْ قَالَ هُمَا عَدْلَانِ فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَلَيَّ أَوْ صَادِقَانِ فِيهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَزْكِيَةٍ لِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَهِدَ بِهِ وَاحِدٌ فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ أَيْ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَازِيرِهِ .
( فَرْعٌ ) قَالَ الْهَرَوِيُّ لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَنَا مَجْرُوحٌ قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ الْجَرْحُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَمَحَلُّ هَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ ( قَوْلُهُ هُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْهَرَوِيِّ ) وَأَقَرَّهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ

( فَصْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مُزَكُّونَ ) وَهُمْ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ ( عُقَلَاءُ ) أَيْ وَأَقَرَّ الْعُقُولَ لِئَلَّا يُخْدَعُوا ( بَرِيئُونَ مِنْ الشَّحْنَاءِ ) وَالْعَصَبِيَّةِ فِي النَّسَبِ وَالْمَذْهَبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْمِلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى جَرْحِ عَدْلٍ أَوْ تَزْكِيَةِ فَاسِقٍ ( وَأَنْ يُخْفِيَهُمْ ) لِئَلَّا يُشْتَهَرُوا فِي النَّاسِ بِالتَّزْكِيَةِ وَلِئَلَّا يُسْتَمَالُوا أَوْ يَتَوَقَّفُوا عَنْ جَرْحِ مَنْ يُخَافُ شَرُّهُ ( وَ ) أَنْ يَكُونَ لَهُ ( أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ ) الْأَوْلَى مَسَائِلَ ( وَهُمْ رُسُلُهُ إلَيْهِمْ ) أَيْ إلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا وَرُبَّمَا فُسِّرُوا فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ بِالْمُزَكِّينَ ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ وَبَاحِثُونَ ( وَيَكْتُبُ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَيَكْتُبُ نَدْبًا إذَا أَرَادَ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ إلَى الْمُزَكِّينَ ( اسْمَ الشَّاهِدِ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ ) مِنْ كُنْيَةٍ وَوَلَاءٍ وَاسْمِ أَبٍ وَجَدٍّ وَحِلْيَةٍ وَحِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لِئَلَّا يُشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ ( وَاسْمَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَ ) اسْمَ الْمَشْهُودِ ( عَلَيْهِ ) فَقَدْ يَكُونُ الشَّاهِدُ بَعْضَ الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَدُوَّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
( وَكَذَا قَدْرُ الْمَالِ ) الْمَشْهُودِ بِهِ فَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ فَيَكْتُبُ ( لِكُلِّ مُزَكٍّ نُسْخَةً ) بِذَلِكَ وَيُرْسِلُهَا ( عَلَى يَدِ صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ سِرًّا ) بِأَنْ يُخْفِيَهَا عَنْ غَيْرِ مَنْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ أَرْسَلَهُ إلَيْهِ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَسْعَى الْمَشْهُودُ لَهُ فِي التَّزْكِيَةِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الْجَرْحِ ( فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِجَرْحٍ ) مِنْ الْمُزَكِّينَ ( تَوَقَّفَ ) عَنْ الْحُكْمِ ( وَكَتَمَهُ ) أَيْ الْجَرْحَ ( وَقَالَ ) لِلْمُدَّعِي ( زِدْنِي ) فِي الشُّهُودِ ( أَوْ ) عَادُوا إلَيْهِ ( بِتَعْدِيلٍ دَعَا مُزَكَّيَيْنِ لِيَشْهَدَا ) عِنْدَهُ بِهِ ( مُشِيرِينَ إلَيْهِ لِيَأْمَنَ ) بِذَلِكَ ( الْغَلَطَ ) مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَوْلِهِمْ لَا بِقَوْلِ أَرْبَابِ

الْمَسَائِلِ ؛ لِأَنَّهُمْ الْأَصْلُ وَأُولَئِكَ رُسُلٌ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَةٍ فَلَا تُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ عَلَى مَا يَأْتِي ( وَ ) لَكِنْ ( مَنْ نَصَّبَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَسَائِلِ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى أَنْ يُنْهَى إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْقَاضِي ( وَحْدَهُ ) ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَالْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْقَاضِي صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَشَهِدَ بِمَا بَحَثَهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَمَا تَقَرَّرَ هُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ رَافِعًا بِهِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ أَوْ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
وَاعْتَذَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ بِالْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ لَا يُكَلَّفُونَ الْحُضُورَ ( وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ فِيمَنْ نُصِّبَ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( عِلْمُهُ بِذَلِكَ ) وَاتِّصَافُهُ بِسَائِرِ صِفَاتِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَاتُ الْقُضَاةِ ( وَفِي الْمُزَكِّي صِفَاتُ الشُّهُودِ مَعَ الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ ) أَيْ بِسَبَبِهِمَا ( وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَدِّلُ خَبِيرًا بِالْبَاطِنِ ) أَيْ بِبَاطِنِ حَالِ مَنْ يُعَدِّلُهُ بِصُحْبَةٍ وَجِوَارٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهَا فَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُمَا إنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا فَأَتَيَا بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا قَالَ بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ قَالَ هَلْ كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا قَالَ لَا قَالَ هَلْ عَامَلْتهمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا أَمَانَاتُ الرِّجَالِ قَالَ لَا قَالَ هَلْ صَاحَبْتهمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ قَالَ

لَا قَالَ فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ وَهَذَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِفْلَاسِ .
( وَ ) أَنْ ( يَعْلَمَ الْقَاضِي مِنْهُ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الْحَالِ فِي كُلِّ تَزْكِيَةٍ خَفِيَّةٍ أَيْ يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : إلَّا إذَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْخِبْرَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي خِبْرَةِ الْبَاطِنِ التَّقَادُمُ فِي مَعْرِفَتِهَا لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمُتَدَاعِيَانِ بِالتَّأْخِيرِ الطَّوِيلِ بَلْ يَكْتَفِي ( بِشِدَّةِ الْفَحْصِ عَنْ الشَّخْصِ وَلَوْ غَرِيبًا يَصِلُ ) الْمُزَكِّي بِفَحْصِهِ ( إلَى ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنُهُ خَبِيرًا بِبَاطِنِهِ ( فَحِينَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ ) مِنْ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ حَالِهِ ( شَهِدَ بِهَا ) إقَامَةً لِخِبْرَتِهِمْ مَقَامَ خِبْرَتِهِ كَمَا أُقِيمَ فِي الْجَرْحِ رُؤْيَتُهُمْ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ ( وَيَعْتَمِدُ ) الْمُزَكِّي ( فِي الْجَرْحِ الْمُعَايَنَةَ ) بِأَنْ يَرَاهُ يَزْنِي أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( وَالسَّمَاعُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ يَقْذِفُ ) شَخْصًا ( أَوْ يُقِرَّ ) عَلَى نَفْسِهِ ( بِكَبِيرَةٍ ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَتَعْبِيرُهُ بِكَبِيرَةٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ ( وَكَذَا إنْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ وَتَوَاتَرَ أَوْ اسْتَفَاضَ ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ مِنْ عَدَدٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَوَاتُرٌ وَلَا اسْتِفَاضَةٌ لَكِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِشَرْطِهِ .
( وَلِيُبَيِّنَ ) فِي تَجْرِيحِهِ غَيْرَهُ ( سَبَبَ الْجَرْحِ ) مِنْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَقَدْ يَظُنُّ الشَّاهِدَانِ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ عِنْدَ الْقَاضِي جَرْحًا وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْجَرْحِ مِنْ غَيْرِ

ذِكْرِ سَبَبِهِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَصْلًا حَتَّى تُقَدَّمَ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّوْقِيفُ عَنْ الْعَمَلِ بِهَا إلَى بَيَانِ السَّبَبِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي جَرْحِ الرَّاوِي وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِي عَدَمِ الْفَرْقِ وَقْفَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ الْمُزَكِّي فِي الْجَرْحِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ نَعَمْ وَثَانِيهِمَا ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ لَا ، ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ اعْتِمَادُ الثَّانِي ( فَإِنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ زِنًا لَمْ يُجْعَلْ قَاذِفًا ) ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ لِعُذْرِهِ ( لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ ) عَنْ شَهَادَتِهِ ( وَالْجَوَابُ مِنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) أَوْ عَيْنٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا لَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ قَاذِفًا ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى السَّتْرِ فَهُوَ مُقَصِّرٌ ( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ ) لِقِيَامِهِ بِأَحَدِ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَقُومُ بِالْآخَرِ ( وَلَا وَالِدُهُ وَ ) لَا ( وَلَدُهُ ) كَالْحُكْمِ لَهُمَا ( وَإِنْ جُهِلَ مُزَكٍّ زَكَّى ) فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمَا آخَرَانِ مَجْهُولَانِ وَزَكَّى الْآخَرَيْنِ مُزَكِّيَانِ لِلْقَاضِي جَازَ .
( وَلَا يَكْفِي ) فِي ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ( رُقْعَةُ مُزَكٍّ بِالتَّزْكِيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَمَدُ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا مَرَّ ( بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مَعَهَا ) إنْ كَانَ الْقَاضِي يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْمُزَكِّينَ فَإِنْ وُلِّيَ بَعْضُهُمْ الْحُكْمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَلْيَكُنْ كِتَابُهُ كَكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ وَالرَّسُولَانِ كَشَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ ( وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فُرُوعٌ فَلَا يَشْهَدُونَ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْمُزَكِّينَ ) هَذَا جَارٍ عَلَى بَحْثِ الْأَصْلِ السَّابِقِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ ( فَرْعٌ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ ) أَنْ يَقُولَ ( أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ ) أَوْ مَرَضِيٌّ أَوْ مَقْبُولُ

الْقَوْلِ أَوْ نَحْوُهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ وَلِي ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا قَوْله تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ وَلَا قَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ مِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ أَيْضًا

قَوْلُهُ وَكَذَا قَدْرُ الْمَالِ ) لَوْ قَالَ وَمَا شَهِدُوا بِهِ لَكَانَ أَعَمَّ لِيَتَنَاوَلَ النِّكَاحَ وَالْقَتْلَ وَغَيْرَهُمَا ( قَوْلُهُ وَيُرْسِلُهَا عَلَى يَدِ صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْوَاجِبُ طَلَبُ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ لِيُرَتِّبَ الْحُكْمَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُ وَسَوَاءٌ طَلَبَ الْبَيَانَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ لَا يَسْتَرِيبُ فَقِيهٌ فِي أَنَّ كِتَابَةَ ذَلِكَ لَيْسَ أَمْرًا مُسْتَحَقًّا فَلَوْ اتَّفَقَ الْهُجُومُ عَلَى السُّؤَالِ لَفْظًا لَمَا امْتَنَعَ غَيْرَ أَنَّ الْأَحْسَنَ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْمَاضِينَ لِخُبْثِ الزَّمَانِ .
وَقَالَ أَيْضًا كِتَابَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الاستزكاء ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ اعْتِبَارَهُ لِيُنْجِزَ الْحُكْمَ وَلَا يَقِفَ عَلَى اسْتِكْشَافِ عَدَاوَةٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا شَرِكَةٍ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا فَذَاكَ لَيْسَ مِنْ الاستزكاء فِي شَيْءٍ حَتَّى لَوْ أَغْفَلَهُ وَثَبَتَتْ الْعَدَالَةُ بَقِيَ عَلَى الْقَاضِي النَّظَرُ فِيمَا وَرَاءَ التَّعْدِيلِ وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْأَحْسَنَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَجَرَى الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى السُّؤَالِ بِاللَّفْظِ وَاعْتَبَرَ فِيهِ تَرْتِيبًا حَسَنًا فَقَالَ كَيْفِيَّةُ سُؤَالِ الْبُعُوثِ أَنْ يَسْأَلُوا أَوَّلًا عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فَإِنْ وَجَدُوهُمْ مَجْرُوحِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ عَدَلُوا سَأَلُوا عَمَّنْ شَهِدُوا لَهُ فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مَا يَمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ لَهُ لَمْ يَسْأَلُوا عَمَّا عَدَاهُ وَإِنْ ذَكَرَ جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ لَهُ فَيَسْأَلُوا عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا يَمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ لَمْ يَسْأَلُوا عَمَّا عَدَاهُ ، وَإِنْ ذَكَرُوا جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ لَهُ فَيَسْأَلُوا عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا يَمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ لَمْ يَسْأَلُوا عَمَّا عَدَاهُ ، وَإِنْ ذَكَرُوا جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ ذَكَرُوا حَقِيقَةَ

الْعَدُوِّ الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهِ وَعَلَى الرُّسُلِ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا عَرَفُوهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ إنْ اجْتَمَعَتْ وَافْتَرَقَتْ ( قَوْلُهُ وَمَا تَقَرَّرَ هُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ إلَخْ ) هُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ وَالْمُعَدِّلُونَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ ثَلَاثُ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ الْحَاكِمُ التَّعْدِيلَ يُسْتَحَبُّ اثْنَانِ وَيُكْتَفَى بِوَاحِدٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَيَجُوزُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ يُخْبِرُ حَاكِمًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ قَبِلْتهَا وَيُخْبِرُ بِهَا الْحَاكِمَ .
الضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ لِاثْنَيْنِ اذْهَبَا وَتَفَحَّصَا بِأَنْفُسِكُمَا فَيَذْهَبَانِ وَيَبْحَثَانِ عَنْ الْحَالِ وَيُخْبِرَانِ الْحَاكِمَ فَهَذَانِ يَشْهَدَانِ بِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَرْطٌ .
الضَّرْبُ الثَّالِثُ : إذَا جَاءَ اثْنَانِ إلَى الْمُعَدِّلِ فَشَهِدَا بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ فَطَرِيقُ ذَلِكَ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا تَجُوزُ إلَّا عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَصْلِ أَوْ مَرَضِهِ .
ا هـ ( قَوْلُهُ وَاعْتَذَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ لَا يُكَلَّفُونَ الْحُضُورَ ) وَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُحْضِرَهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ فَصَارَ هَذَا عُذْرًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ عَلَى شَهَادَةِ الْمَسْئُولِينَ كَالْمَرَضِ وَالْغَيْبَةِ فِي شَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ عَلَى شَاهِدٍ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ أَيْ بِسَبَبِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتِمُّ مَقْصُودُ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَدِّلُ خَبِيرًا بِالْبَاطِنِ ) أَيْ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ وَقَرِيبٍ مِنْهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُخْفِي أَسْبَابَ الْفِسْقِ غَالِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِبَاطِنِ حَالِهِ وَهَذَا كَمَا

أَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَشْغُوفٌ بِإِخْفَاءِ الْمَالِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ تُعْتَبَرُ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَزَوَّجُ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ خُفْيَةً فَيُولَدُ لَهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْخِبْرَةُ فِي التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُخْفُونَ عَوْرَاتِهِمْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الظَّنِّ أَمَّا الْجَرْحُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يَظُنُّ الشَّاهِدُ إلَخْ ) وَلِهَذَا أَنَّ مَالِكًا يُفَسِّقُ الْحَنَفِيَّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ وَنَحْوِهِ وَنَحْنُ لَا نُفَسِّقُهُ ، وَإِنْ حَدَّدْنَاهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ سُؤَالُهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ هَذَا إذَا سَمِعَ الْقَاضِي الْجَرْحَ لَا مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ أَمَّا إذَا سَمِعَهُ مِنْهُمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ مِنْ أَيْنَ تَشْهَدُونَ بَلْ يَسْمَعُ ذَلِكَ كَمَا يَسْمَعُ شَهَادَتَهُمْ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَنَا مَجْرُوحٌ قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ قَالَ الْهَرَوِيُّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ قَالَ رَجُلٌ لِلْحَاكِمِ لَا تَقْبَلْ شَهَادَتِي لِأَنِّي جُرِّحْت أَوْ جَرَحْت نَفْسِي لَمْ يَرُدَّهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ إلَخْ ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْعَارِفِ أَمَّا الْعَامِّيُّ إذَا شَهِدَ بِالْعَدَالَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُمْ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَمُعْظَمُ شَهَادَةِ الْعَوَامّ يَشُوبُهَا غُرَّةٌ وَجَهْلٌ ، وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فَيَتَعَيَّنُ الِاسْتِفْصَالُ فِيهَا ثُمَّ رَأَيْت الْمَاوَرْدِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ

بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ شَرَطُوا كَوْنَ الشَّاهِدِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ .
( قَوْلُهُ وَثَانِيهِمَا ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ لَا ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ لَمْ يُجْعَلْ قَاذِفًا ) ، وَإِنْ عَلِمَ فِيهِ جَارِحًا غَيْرَ الزِّنَا ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُزَكِّيَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ ) يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ أَنْ يُزَكِّيَا اثْنَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانَ فِي شَاهِدَيْ الْفَرْعِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي عَقِبَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ غَلِطَ فِيهَا قَوْمٌ فَلْتَعْرِفْ ر ( قَوْلُهُ وَلَا وَالِدُهُ إلَخْ ) هَلْ يَحِلُّ لَهُ إذَا كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى ذَلِكَ ، وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ أَبُوهُ قَالَ ابْنُ رِفْعَةَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْفَاسِقِ بَاطِنًا إذَا ادَّعَى لِلْأَدَاءِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْإِقْدَامُ ا هـ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا شَهِدَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَالْعَدُوُّ عَلَى غَيْرِهِ وَالْفَاسِقُ بِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْحَقِّ وَالْحَاكِمُ لَا يَشْعُرُ بِمَانِعِ الشَّهَادَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى إيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِلتُّهْمَةِ ، وَهِيَ مَانِعَةٌ لِلْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ قَدْحِهَا فِي ظَنِّهِ رَهْنًا لَا إثْمَ عَلَى الْحَاكِمِ لِتَوَفُّرِ ظَنِّهِ وَلَا لِخَصْمٍ لِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَا لِشَاهِدٍ لِمَعُونَتِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ بَلْ الصَّحِيحُ الْجَوَازُ نَظَرًا إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ نَظَائِرُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَقُولُ يُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِالْوُجُوبِ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْعُ اسْتِحْلَالِ بُضْعٍ أَوْ دَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَدِّلِ عَدَاوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْعَدْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ لِوُجُودِ الْعَدَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ

قَالَ الْمُعَدِّلُ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ التَّعْمِيمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِانْتِفَاءِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ يَنْبَغِي إنْ لَاحَظْنَا مَا بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمُزَكِّي اُتُّجِهَ اشْتِرَاطُ لِي فَقَطْ أَوْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةٍ اُتُّجِهَ اشْتِرَاطٌ عَلَيْهِ فَقَطْ وَيُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يُسَمِّيهِ أَوْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ مِنْ قَرَابَةٍ اُتُّجِهَ اشْتِرَاطٌ لَهُ فَقَطْ وَيُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يُسَمِّيهِ وَإِنْ لُوحِظَ الِاحْتِيَاطُ اشْتِرَاطُ لِي وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ .
ا هـ .

( فَصْلُ يُسْتَحَبُّ ) لِلْقَاضِي ( قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا ارْتَابَ بِهِمْ ) أَوْ تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ ( وَيَسْأَلُهُمْ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمْ ( عَنْ زَمَانِ التَّحَمُّلِ ) لِلشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَغَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً ( وَ ) عَنْ ( مَكَانِهِ ) مَحَلَّةً وَسِكَّةً وَدَارًا أَوْ صِفَةً أَوْ صَحَّحْنَا ( وَ ) عَنْ ( مَنْ حَضَرَ ) مَعَهُ مِنْ الشُّهُودِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيَسْأَلُهُ أَتُحْمَلُ وَحْدَهُ أَمْ مَعَ غَيْرِهِ ( وَ ) عَنْ ( مَنْ كَتَبَ ) شَهَادَتَهُ مَعَهُ ( وَبِأَيِّ مِدَادٍ كَتَبُوا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِحِبْرٍ أَوْ بِمِدَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ وَإِذَا جَاءَ بِهِ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ ( فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ ) وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ ( وَعَظَهُمْ ) وَحَذَّرَهُمْ ( فَإِنْ أَصَرُّوا ) عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يُفَصِّلُوا ( وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( الْقَضَاءُ ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى مِنْ رِيبَةٍ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ الاستزكاء وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ وَإِلَّا فَإِنْ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ قَضَى وَإِلَّا اسْتَزْكَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فَجْأَةً قَبْلَ أَنْ يَفْهَمُوا عَنْهُ ذَلِكَ فَيَحْتَالُوا فَيَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَكَانٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا صَنَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ ) بِهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ ( فَلَا يُفَرِّقُهُمْ وَلَوْ طَلَبَ ) مِنْهُ ( الْخَصْمُ ) تَفْرِيقَهُمْ ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَضًّا مِنْهُمْ

( فَصْلٌ قَوْلُهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى صَدَّقَهُمْ ) قِيلَ أَوَّلُ مَنْ فَرَّقَ الشُّهُودَ دَانْيَالَ وَقِيلَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ إلَخْ ) مَحَلُّ عَدَمِ تَعَيُّنِ التَّفْصِيلِ عَلَى الشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ حَقٌّ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْصِلْ لَفَاتَ بِذَلِكَ حَقُّ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ لَا مَحَالَةَ غ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فَجْأَةً إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَصْلُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لِزِيَادَةِ عِلْمِ الْجَارِحِ ( إلَّا إنْ شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِتَوْبَتِهِ مِمَّا جَرَحَ بِهِ ) فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُولَى ؛ لِأَنَّ مَعَهَا حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ ( وَلَوْ عُدِّلَ ) الشَّاهِدُ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى ( وَطَالَ ) بَيْنَهُمَا ( زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي ) بِاجْتِهَادِهِ ( طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا ) ؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ ( وَلَوْ عَدَّلَ فِي مَالٍ قَلِيلٍ فَهَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ ) أَيْ بِتَعْدِيلِهِ الْمَذْكُورِ ( فِي ) شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ ( الْكَثِيرِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ ( وَجْهَانِ ) قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ فَمَنْ قُبِلَ فِي دِرْهَمٍ يُقْبَلُ فِي أَلْفٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ ( وَلَوْ عُدِّلُوا عِنْدَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا ) أَيْ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا عَادَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( إذْ لَيْسَ هَذَا قَضَاءً بِعِلْمٍ ) بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ وَقِيلَ يَعْمَلُ بِهَا إنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالتَّرْجِيحُ مَعَ التَّعْلِيلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ مُحْتَجًّا لَهُ بِقَوْلِ الْأَصْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَسَوَاءٌ مَا عَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا وَمَا عَلِمَهُ فِي غَيْرِهِمَا وَمَا قَالَهُ مَرْدُودٌ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ( وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى

( قَوْلُهُ تَقَدُّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ ) لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّلِ وَلِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَالْمُعَدِّلُ نَافٍ وَالْإِثْبَاتُ أَوْلَى مِنْ النَّفْيِ وَيُشَبَّهُ ذَلِكَ بِمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَقِّ وَبَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ الثَّانِيَةُ بِتَوْبَتِهِ مِمَّا جُرِحَ بِهِ ) فَتُقَدَّمُ الْأُولَى كَأَنْ جَرَّحَهُ اثْنَانِ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِأُخْرَى فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَتَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنْ يَعْرِفَ الْمُعَدِّلَانِ مَا جَرَى مِنْ جَرْحِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَكَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ ظَاهِرٌ فِيهِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عُدِّلُوا وَطَالَ زَمَنٌ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الشُّهُودِ الْمُرَتَّبِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمَّا هُمْ فَلَا يَجِبُ طَلَبُ التَّعْدِيلِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْطُلْ ) الْمَرْجِعُ فِي قُرْبِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ فَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ( قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ) ( وَهُوَ جَائِزٌ ) بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } ، وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا ، وَهُوَ غَائِبٌ وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ لَك أَنْ تَأْخُذِي أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْك أَوْ نَحْوَهُ وَلَمْ يَقُلْ خُذِي وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأُسَيْفِعِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا فَإِنَّا بَايِعُوا مَالِهِ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا ؛ وَلِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ بِأَعْظَمَ مِنْ الصِّغَرِ وَالْمَوْتِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الدَّفْعِ فَإِذَا جَازَ الْحُكْمُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَيِّتِ فَلْيَجُزْ عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا ( حَتَّى فِي الْعُقُوبَةِ ) لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحْدِ قَذْفٍ ( لَا ) فِي الْعُقُوبَةِ ( لِلَّهِ ) تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ ( وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) خَمْسَةٌ ( الْأَوَّلُ ) فِي ( الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا عَلَى الْغَائِبِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّعَى ) وَقَدْرِهِ وَنَوْعِهِ ( وَوَصْفِهِ وَقَوْلُهُ إنِّي مُطَالَبٌ بِالْمَالِ ) فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يَكُونَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُدَّعِي ( بَيِّنَةٌ ) أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ .
( وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ ) فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ ( جُحُودَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَرْطٌ ، وَهِيَ لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ فَلَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ عَلَى مَا يَأْتِي ( وَ ) لَكِنْ ( لَوْ لَمْ يَذْكُرْ جُحُودًا وَلَا إقْرَارًا سُمِعَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ وَلَا إقْرَارَهُ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى السَّاكِتِ فَلْتُجْعَلْ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ ( فَإِنْ ذَكَرَ إقْرَارَهُ ) وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ ( لِيَكْتُبَ لَهُ ) الْحَاكِمُ بِهِ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ ( لَمْ تُسْمَعْ ) لِمَا مَرَّ ( أَوْ لِيَسْتَوْفِيَ

لَهُ ) الْحَاكِمُ حَقَّهُ ( مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ ) لِلْغَائِبِ ( سُمِعَتْ ) وَوَفَّاهُ حَقَّهُ فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ ، وَهُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِهَا وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ إرَادَةِ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ ( وَيُسْتَحَبُّ ) لِلْقَاضِي ( نَصْبُ مُسَخَّرٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ( يُنْكِرُ ) عَنْ الْغَائِبِ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُهُ كَذِبًا قَالَ : وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ فَذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ( فَرْعٌ ) لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهَا أَوْ أَبْرَأَنِي فِيهَا وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجَتْ إلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَنِي وَيَجْحَدَ الْقَبْضَ أَوْ الْإِبْرَاءَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لَمْ يُجِبْهُ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ ( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي التَّحْلِيفِ وَبَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ ) وَتَعْدِيلِهَا (

يَحْلِفُ وُجُوبًا ) يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ ( مُدَّعٍ عَلَى غَائِبٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ ) عَلَيْهِ ( بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ ) يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ ( مَا بَرِئَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ ) بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ احْتِيَاطًا لَهُ إذْ لَوْ حَضَرَ أَوْ كَمَّلَ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي الْحَلِفِ طَلَبُ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ فِي الْيَمِينِ لِصِدْقِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَلَوْ اقْتَصَرَ ) فِي حَلِفِهِ ( عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَفَى ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ لُزُومِ تَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ ( وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَأَقَامَ ) بِمَا ادَّعَاهُ ( بَيِّنَةً انْتَظَرَ بُلُوغَ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ ) لِتَعَذُّرِ تَحْلِيفِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ ( وَيُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينَيْنِ أَحَدُهُمَا لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالْأُخْرَى ) بَعْدَهَا ( لِنَفْيِ الْمُسْقِطِ ) مِنْ إبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ ( ادَّعَى وَكِيلُ غَائِبٍ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَحْلِفْ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ بِحَالٍ ( وَيُعْطِي الْحَقَّ ) الَّذِي ادَّعَاهُ أَيْ يُعْطِيهِ لَهُ الْقَاضِي ( إنْ كَانَ ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( هُنَاكَ مَالٌ ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ خِلَافُهُ إنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ

وَقَدْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَاكَ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ ( أَوْ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ ) لَهُ ( أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك ) الْغَائِبُ عَمَّا ادَّعَيْته عَلَيَّ ( لَمْ يُؤَخَّرْ الْحُكْمُ لِيَمِينِهِ ) عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ بَعْدَ حُضُورِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ ( بَلْ ) يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ ثُمَّ ( يُثْبِتُ ) هُوَ ( الْإِبْرَاءَ أَوْ يُسَلِّمُ ) الْحَقَّ عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَلْ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحَقِّ ثُمَّ يُثْبِتُ الْإِبْرَاءَ ( وَكَذَا إنْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَحَدِ ( صَبِيٍّ مَالًا ) وَادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ ( فَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ عَيْنًا ) بَدَلَهَا مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ وَقَدْرِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ الْحَقَّ ( وَيَحْلِفُ ) لَهُ ( الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ ) عَاقِلًا .
( وَلَوْ سَأَلَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ ) الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ ( أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ) أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ ( أُجِيبَ ) إلَيْهِ ( وَقَالَ ) صَوَابُهُ قَالَهُ ( الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ ) مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحِ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَرَضِيَ بِهِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ وَقَالَ فَفِي الْبَحْرِ : أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْخُصُومَةِ وَلَا يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْلِيفِهِ هُنَا تَحْلِيفُهُ ثَمَّ ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ هُنَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ يَقْتَضِي اعْتِرَافُهُ بِهَا سُقُوطَ مُطَالَبَتِهِ بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْوَكِيلِ ( وَلَوْ

قَالَ ) شَخْصٌ لِآخَرَ ( أَنْتَ وَكِيلُهُ ) أَيْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَادَّعَى عَلَيْك وَأُقِيمُ بِهِ بَيِّنَةً ( فَأَنْكَرَ ) الْوَكَالَةَ ( أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ ) أَنِّي وَكِيلٌ ( لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ) بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لَهُ فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بِهَا قَبْلَ دَعْوَاهُ وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُخَاصَمَ فَلْيَعْزِلْ نَفْسَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ وَلَا يَقُولُ لَسْت بِوَكِيلٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَةٍ قَدْ تَقُومُ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَيَكْفِي اعْتِرَافُ الْخَصْمِ بِهَا حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي .
وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ تَخَاصُمَهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ نَقَلَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُ الْوَكِيلِ إثْبَاتَ الدَّيْنِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ أَوْ تَسْلِيمَ الْمَالِ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُبْرِئُهُ مِنْهُ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ) ( قَوْلُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ) وَالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْخَصْمِ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِالنَّفَقَةِ وَأَبُو سُفْيَانَ لَيْسَ بِحَاضِرٍ وَلَمْ يُنْتَظَرْ حُضُورُهُ وَهَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَأَبُو سُفْيَانَ حَاضِرٌ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ وَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَغِيبَ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ يَسْتَتِرَ فَلَا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَبِي سُفْيَانَ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بَلْ إفْتَاءً ا هـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا هُوَ الْمُتَّضِحُ وَكَيْفَ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ وَلَمْ يُحَلِّفْهَا وَلَمْ يُقَدِّرْ مَا حَكَمَ بِهِ لَهَا وَتُجْرِي دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِحُكْمِهِ عَلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا الرُّعَاةَ وَحُكْمِهِ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ بِأَنْ يَقْسِمَ أَوْلِيَاءُ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ( قَوْلُهُ وَحَدُّ قَذْفٍ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَنْ لَهُ إسْقَاطُ حَدِّ الْقَذْفِ بِاللِّعَانِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَقْضِي بِالْأَمْرِ اللَّازِمِ وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ ) فَلَا يُرَدُّ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ لِشَاهِدٍ وَالْيَمِينِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْبَيِّنَةِ وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَيْ وَلَوْ شَاهِدًا أَوْ يَمِينًا فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي

اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَالَ هِيَ صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي وَلَوْ ادَّعَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فِي عِلْمِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَوَّلًا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ حَدَّثَ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ صَدَرَتْ صَحِيحَةً فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْقَاضِي حَكَمَ بِهَا وَلَوْ سَافَرَ الْقَاضِي بَعْدَهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ الَّتِي هِيَ فِي عَمَلِهِ وَالْمُدَّعِي مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِالدَّعْوَى فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَصَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِتِلْكَ الدَّعْوَى الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِي الْإِرْسَالِ وَالنُّكُولِ أَوْ رَدِّ الْيَمِينِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِحَلِفِ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ مَعَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت هَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَسْتَقِلُّ بِالْمُهِمَّاتِ النَّاجِزَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ مِمَّا يَفُوتُ فَإِذَا وُجِدَتْ الْحُجَّةُ أَوْ جَدَّ الدَّعْوَى ع .
( قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ ) ، وَإِنْ قَالَ أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ فَسُنَّ ر د ( قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ لِمَا مَرَّ ) أَيْ أَوْ إنْ قَالَ لَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ ( قَوْلُهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ ) أَيْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مَنْ لَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ لِسَفَهٍ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ ) كَمُفْلِسٍ يُقِرُّ بِدَيْنٍ مُعَامَلَةً بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ إنَّهُ مُقِرٌّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا تُقْصَدُ لَهُ الدَّعْوَى ، وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا

عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً لَا يَضُرُّهُ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الشَّارِحِ ، وَهُوَ جَلِيٌّ إلَى قَوْلِهِ انْتَهَى وَمُرَادُهُ بِالثَّلَاثِ هَذِهِ وَالْمَكْتُوبُ يَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا تَتِمَّةٌ لَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى قَالَ وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ شَاهِدَةٌ إلَخْ ) وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَلَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ عَلَى الْأَرْجَحِ بَلْ لَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ عَلَى الْأَشْبَهِ لِاحْتِمَالِ الْجُحُودِ ا هـ مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ عَنْهُ وَكِيلًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْمُخْتَارُ النَّصْبُ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَسْتَدْعِي جَوَابًا وَقَدْ تَعَذَّرَ جَوَابُ الْغَائِبِ فَالْمَنْصُوبُ يَقُومُ مَقَامَهُ مُنْكِرًا أَنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِ الْغَائِبِ الْإِنْكَارُ ( قَوْلُهُ فَرْعٌ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ إلَى آخِرِهِ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ لِلْقَاضِي كَانَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ عَلَيَّ كَذَا وَقَدْ قَضَيْته وَالْآنَ مُنْكِرٌ الْقَضَاءَ وَلِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا عَلَى ذَلِكَ لِتَحْكُمَ بِهِ أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ وَحَكَمَ بِهَا ( الطَّرَفُ الثَّانِي ) قَوْلُهُ وَمَجْنُونٍ ) فِي مَعْنَاهُ الْأَخْرَسُ الَّذِي لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ ( قَوْلُهُ إنَّ مَا ادَّعَاهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ مَا فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى سَيِّدِهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا أَطْلَقَهَا وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ حِسْبَةً عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَطَلَبَا الْحُكْمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحْلِيفِ ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ

بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ إذْ لَاحَظَ فِي حُكْمِهِ جِهَةَ الْحِسْبَةِ مُعْرِضًا فِيهِ عَنْ الطَّلَبِ وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فس وَالْمُدَّعَى بِهِ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا فَلَا يُحَلِّفُ فِيهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُحَلِّفُ فِي كُلِّ دَعْوَى عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا وَلَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ مَيِّتٍ دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِمْ عَلَى غَائِبٍ وَرَامُوا بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُحَلِّفُهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْمُسْقِطَاتِ كَمَا يُحَلِّفُ مُوَرِّثَهُمْ عَلَى الْبَتِّ وَهَذَا وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ ) أَيْ الْآنَ أَوْ فِي وَقْتِي هَذَا .
( قَوْلُهُ انْتَظَرَ بُلُوغَ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَى وَلِيُّ الصَّبِيِّ دَيْنًا لِلصَّبِيِّ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَدَّعِيهِ قَدْرَ دَيْنِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ بَلْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ لَكِنَّهُ فَرَضَ تِلْكَ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ هُوَ الَّذِي ادَّعَى لَهُ خَاصَّةً وَهَذِهِ فِيمَا إذَا كَانَا صَبِيَّيْنِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَوَجَّهَتْ فِي دَعْوَى أُخْرَى ا هـ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ قَيِّمَ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ وَلَكِنْ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطٍ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخِّرُ الِاسْتِيفَاءَ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى نَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يُتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا إذْ لَا بُدَّ مَعَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْيَمِينِ وَهَذَا ظَاهِرٌ

لَا يَخْفَى وَكَتَبَ أَيْضًا وَبِهَذَا عُلِمَ ضَعْفُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ يُونُسَ مِنْ بَيْعِ عَيْنٍ مَرْهُونَةٍ لِمَيِّتٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ أَثْبَتَهُ وَكِيلُ غَائِبِينَ وَوَلِيُّ قَاصِرِينَ وَوُقِفَ الْيَمِينُ إلَى الْحُضُورِ وَالْبُلُوغِ ( قَوْلُهُ ادَّعَى وَكِيلُ غَائِبٍ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَحْلِفْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مَمْنُوعٌ وَأَنَّ إيجَابَهُ لِلتَّحْلِيفِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِيمَا لَوْ أَقَامَ قَيِّمُ الطِّفْلِ بَيِّنَةً عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَقَالَ يُؤَخَّرُ مُسْتَحِقُّ الطِّفْلِ إلَى بُلُوغِهِ وَتَكُونُ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ حَقِّهِ وَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ الْغَائِبِ الَّذِي يُمْكِنُ حُضُورُهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ هَذَا مِنْ الْعَجَائِبِ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى هُنَا عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُدَّعَى لَهُ وَيَحْلِفَ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ .
ا هـ .
وَهَلْ الْمُرَادُ الْغَيْبَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ وَقَالَ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مَمْنُوعٌ إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا ضَعِيفٌ وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا لَوْ ادَّعَى وَكِيلُهُ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى غَائِبٍ فَيَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ ( قَوْلُهُ وَيُعْطَى الْحَقَّ الَّذِي ادَّعَاهُ ) أَيْ وَحَكَمَ بِهِ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَالٌ ) إطْلَاقُهُ لَفْظَ الْمَالِ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَإِذَا كَانَ لِلْغَائِبِ دَيْنٌ فَلِلْقَاضِي قَبْضُهُ وَوَفَاءُ دَيْنِ الْغَائِبِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَأَفْتَى بِهِ وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَلَا يُحْجَرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا لَهُمْ فِي الذِّمَمِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِمْ فِي الذِّمَمِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَفَّى مِنْ

مَالِ الْحَاضِرِ وَالْغُرَمَاءُ لَا يَدَّعُونَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّفْلِيسِ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَرُدُّهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التَّفْلِيسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا لَهُمْ فِي الذِّمَمِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَاهُ صَارَ أَمَانَةً وَقَدْ يَحْصُلُ تَلَفٌ فَيَفُوتُ عَلَيْهِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ مَضْمُونٌ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمِنَ هَذَا الْمَحْذُورَ عِبَارَةَ الْقَاضِي فِي فَتْوَاهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ إذَا كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي إيفَاءَهُ مِنْهُ أَوْ فَاءَ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ قَبْضُ دُيُونِ الْغَائِبِينَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ يَنْقُلُهُ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْأَمَانَةِ فَبَقَاؤُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ أَغْبَطُ لِصَاحِبِهِ أَمَّا حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَإِنَّهُ يَسْتَخْرِجُ دَيْنَهُ لِيُوفِيَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَا يُقَالُ فِي تَوْفِيَةِ الْحَاكِمِ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ حَجَرَ عَلَى الْمَدْيُونِ ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ إلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ لِأَنَّا نَقُولُ وَكَذَلِكَ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ تَحْجِيرٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُرِيدُ الْوَفَاءَ مِنْ هَذَا الْكِيسِ الْمَخْصُوصِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِهِ إذَا حَضَرَ يُخَيَّرُ فَإِذَا غَابَ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَلَهُ فِعْلُ مَا كَانَ الْمَدْيُونِ يَفْعَلُهُ وَصَارَتْ الْخِيرَةُ الَّتِي لِلْمَدْيُونِ لِلْحَاكِمِ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالُوا يَجُوزُ الظَّفْرُ مِنْ مَالِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ أَمَّا إذَا غَابَ وَثَبَتَ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَرَفَعَ غَرِيمٌ غَرِيمَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الدَّيْنَ وَيُوَفِّيَ بِهِ الْمُدَّعِي فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِوَفَاءِ الْمُدَّعِي لَا يَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ يَقْبِضُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُقِيمُهُ لِذَلِكَ ثُمَّ يُقْبِضُهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ قَالَ

شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُحْمَلُ هُنَاكَ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ قَالَ الْغَزِّيِّ وَالْمَالُ الْغَائِبُ الَّذِي فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي كَالْحَاضِرِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَطْلَقَ الْقُضَاةُ عَلَى الْمَالِ الْحَاضِرِ وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ الْحَاضِرِ حَقٌّ فَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ عَبْدًا جَانِيًا وَهُنَاكَ فَضْلٌ فَهَلْ نَقُولُ لِلْقَاضِي بِطَلَبِ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُرْتَهِنَ وَالْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِأَخْذِ مُسْتَحِقِّهِمَا بِطَرِيقِهِ لِيُوَفِّيَ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ لِمُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ وَالْأَرْجَحُ إجَابَةُ الْمَدِينِ لِذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَقْتَضِ الْحَالُ إجْبَارَ الْحَاضِرِ عَلَى دَفْعِ مُقَابِلِهِ لِلْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ كَمَا فِي الزَّوْجَةِ تَدَّعِي بِصَدَاقِهَا الْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَنَّ مَالَهُ حَاضِرٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُوَفِّيهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ يُجْبَرَانِ وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْغَائِبِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُسْمَعُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْغَائِبَ تَسْلِيمُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلًا وَحَيْثُ قُلْنَا يُجْبَرَانِ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الزَّوْجَيْنِ ( قَوْلُهُ فَقَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك ) أَيْ أَوْ اسْتَوْفَاهُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ صَبِيٌّ مَالًا إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ انْتِظَارِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فِيمَا مَرَّ وَاضِحٌ فَإِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ وَلِيَّ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطٍ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ

بُلُوغِهِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى نَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يُتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ وَحْدَهَا ( قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأهُ ) أَوْ أَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ أَوْ أَنَّهُ عَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الْوَكِيلُ لَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُ الْوَكِيلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي ) إلَى الْقَاضِي ( يَجُوزُ ) لِلْقَاضِي ( أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ ) عَلَى الْغَائِبِ ( وَيُنْهِي ) الْأَمْرَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَحْكُمَ وَيَسْتَوْفِيَ ( وَأَنْ يَحْكُمَ ) عَلَيْهِ بِالْحَقِّ ( وَيُنْهِي ) الْأَمْرَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يُوَفَّى عَنْهُ مِنْهُ ( لَا مَا حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ ) فَلَا يُنْهَى الْأَمْرُ فِيهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ لِيَقْضِيَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْعُدَّةِ : لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ كَالشَّاهِدِ وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ عِلْمِهِ إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عَنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَبِمَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْأَصَحُّ مَا فِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ جَازَ لَهُ الْإِنْهَاءُ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَكْسُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ ( فَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ وَسَأَلَ إنْهَاءَ ) الْحُكْمِ ( إلَى قَاضِي بَلَدِهِ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ بِحُكْمِهِ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ ) بِذَلِكَ كِتَابًا أَوَّلًا ثُمَّ يَشْهَدَ ( وَيَقُولَ ) فِيهِ ( بَعْدَ ذِكْرِ الْبَيِّنَةِ ) الْمَسْبُوقَةِ بِالدَّعْوَى أَيْ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَضَرَ فُلَانٌ وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِ كَذَا بِكَذَا وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَ ( حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحَكَمْت لَهُ بِالْمَالِ وَسَأَلَ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ ) إلَيْك بِذَلِكَ ( فَكَتَبْت لَهُ ) وَأَشْهَدْت بِهِ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ) فِيهِ حَكَمْت ( بِشَاهِدَيْنِ ) ، وَإِنْ ( لَمْ يَصِفْهُمَا بِعَدَالَةٍ وَ ) لَا ( غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ بِهَا ) أَيْ

بِشَهَادَتِهِمَا ( تَعْدِيلٌ ) لَهُمَا ( وَأَنْ يَقُولَ ) حَكَمْت بِكَذَا ( بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ ) فَقَدْ يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِعِلْمِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ شُهُودِ الْحُكْمِ وَلَا شُهُودِ الْحَقِّ وَلَا ذِكْرُ أَصْلِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا ( وَلِيَقْرَأَ الْكِتَابَ ) الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى الشُّهُودِ وَيَقْرَأُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ أَوْ عَلَى حُكْمِي الْمُبَيَّنِ فِيهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الشَّامِلِ لَوْ اقْتَصَرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ أَجْزَأَ لَكِنْ حَكَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِصِيغَةٍ قِيلَ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدُ أَنَّ وَقْتَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا فِي الْكِتَابِ ( فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ ) عَلَيْهِمَا وَجَهِلَا مَا فِيهِ ( وَأَشْهَدَهُمَا عَلَى مَا أَنَّ فِيهِ حُكْمَهُ ) أَوْ أَنَّهُ قَضَى بِمَضْمُونِهِ ( لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَفْصِلَ ) لَهُمَا ( مَا حَكَمَ بِهِ ) وَلَا يَكْفِي أَيْضًا مَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يُشْهِدَهُمَا عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ أَوْ مَا فِيهِ خَطُّهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُكْتَبُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَحْقِيقِهِ ( وَلَوْ حَكَمَ بِحُضُورِهِمَا وَلَمْ يُشْهِدْهُمَا فَلَهُمَا الشَّهَادَةُ بِحُكْمِهِ ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْشَاءَ الْحُكْمِ بِحُضُورِهِمَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ إلَّا مَا مَرَّ عَنْ الشَّامِلِ ( وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَطْلُبُ ) وُجُوبًا ( تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ الْحَامِلِينَ لِلْكِتَابِ وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُ الْكَاتِبِ إيَّاهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ كَتَعْدِيلِ الْمُدَّعِي شُهُودَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ عَدَالَتُهُمْ لَثَبَتَتْ بِقَوْلِهِمْ وَالشَّاهِدُ لَا يُزَكِّي نَفْسَهُ ( وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ ) لِآخَرَ ( يَسْتَحِقُّ فُلَانٌ عَلَيَّ مَا فِي هَذِهِ الْقُبَالَةِ وَأَنَا عَالِمٌ بِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا إنْ

حَفِظَهَا ) ، وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَهَمُّ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَجَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِالْمَنْعِ حَتَّى يَقْرَأَهُ وَيُحِيطَ بِمَا فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَضْمُونِ الْقُبَالَةِ مُفَصِّلًا أَمَّا الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا فِيهَا مُبْهَمًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قَطْعًا كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ الْمُبْهَمَةِ ( وَيُسْتَحَبُّ ) لِلْقَاضِي ( خَتْمُ الْكِتَابِ ) حِفْظًا لِمَا فِيهِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ { وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } فَصَارَ خَتْمُ الْكُتُبِ سُنَّةً مُتَّبَعَةً وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا خَوْفًا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ .
( وَ ) أَنْ ( يَتْرُكَ مَعَهُمَا ) نُسْخَةً ( أُخْرَى ) غَيْرَ مَخْتُومَةٍ ( يُطَالِعَانِهَا ) عِنْدَ الْحَاجَةِ ( وَ ) أَنْ ( يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ نَقْشَ الْخَتْمِ ) أَيْ الْخَاتَمِ الَّذِي يَخْتِمُ بِهِ ( وَأَنْ يُثْبِتَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي الْعُنْوَانِ أَيْضًا ) كَمَا يُثْبِتُهُمَا فِي بَاطِنِ الْكِتَابِ ( فَإِنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ ) الْحَقَّ بَعْدَ أَنْ أَحْضَرَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ( شَهِدَا ) عِنْدَهُ ( بِأَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ وَخَتْمُهُ وَحَكَمَ بِمَا فِيهِ لِفُلَانٍ عَلَى هَذَا وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا ) ، وَإِنْ لَمْ يَقُولَا وَأَشْهَدَنَا بِهِ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُهُمَا الْكِتَابَ وَالْخَتْمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِحُكْمِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ ( فَرْعٌ التَّعْوِيلُ عَلَى ) شَهَادَةِ ( الشُّهُودِ فَلَوْ شَهِدُوا بِخِلَافِ مَا فِي

الْكِتَابِ ) أَوْ بَعْدَ أَنْ ضَاعَ أَوْ انْمَحَى أَوْ انْكَسَرَ الْخَتْمُ كَمَا فَهِمْت بِالْأَوْلَى ( عُمِلَ بِشَهَادَتِهِمْ ) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ كَمَا مَرَّ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ تَذْكِرَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جَرَى رَسْمُ الْقُضَاةِ بِهِ ( وَيَشْهَدُ بِهِ ) أَيْ بِمَا فِيهِ ( رَجُلَانِ وَلَوْ فِي مَالٍ ) أَوْ زِنًا أَوْ هِلَالِ رَمَضَانَ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ فَضِّ الْكِتَابِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فَضَّهُ الْقَاضِي أَمْ غَيْرُهُ لَكِنْ الْأَدَبُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدُوا بَعْدَ فَضِّ الْقَاضِي لَهُ وَقِرَاءَتِهِمْ الْكِتَابَ ( فَرْعٌ لَوْ كَتَبَ إلَى ) قَاضٍ ( مُعَيَّنٍ ) بِحُكْمٍ أَوْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ( فَشَهِدُوا عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّهَادَةِ ( سَوَاءٌ عَاشَ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ مَاتَا ) ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِمَا تَحَمَّلُوهُ عَنْ الْكَاتِبِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَوْتِ الْكَاتِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَكَالْمَوْتِ الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَخَرَسٍ وَنَحْوِهَا ( وَلَوْ فَسَقَ الْكَاتِبُ أَوْ ارْتَدَّ ) ثُمَّ وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الثَّانِي ( أَمْضَى حُكْمَهُ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ ( لَا إنْ كَانَ ) الْإِنْهَاءُ ( إنْهَاءَ ) سَمَاعِ ( بَيِّنَةٍ ) فَلَا يَقْبَلُهَا وَلَا يُحْكَمُ بِهَا كَمَا لَوْ فَسَقَ الشَّاهِدُ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الْحُكْمِ ؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا مُشَبَّهَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الْفَرْعِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَ فِسْقِ الْأَصْلِ أَوْ رِدَّتِهِ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَجْرَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي غَيْرِ الْفِسْقِ وَالرِّدَّةِ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ ( فَرْعٌ يَنْبَغِي ) أَيْ يُنْدَبُ ( أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَ ) الْمَحْكُومِ ( عَلَيْهِ وَ ) أَنْ ( يَصِفَهُمَا بِمَا يُمَيَّزَانِ بِهِ ) مِنْ كُنْيَةٍ وَوَلَاءٍ وَاسْمِ أَبٍ وَجَدٍّ

وَحِلْيَةٍ وَحِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ ( فَإِنْ شَهِدَا عَلَى الْمَوْصُوفِ ) بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ ( فَأَنْكَرَ الِاسْمَ وَالنَّسَبَ ) وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمَوْصُوفُ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ أَمَّا إذَا شَهِدَا عَلَى عَيْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ حَكَمَ عَلَيْهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ ( فَلَوْ قَالَ ) لَا أَحْلِفُ عَلَى أَنِّي لَسْت الْمَوْصُوفَ بَلْ ( أَحْلِفُ ) عَلَى ( أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي ) شَيْءٌ ( لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّعَرُّضُ لِمَا أَنْكَرَهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الصَّغِيرِ قَالَ وَلَوْ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ كَفَاهُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ قَالَ هُوَ اسْمِي وَلَسْت الْخَصْمَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ ) لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ ( يُعَاصِرُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ ) الَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ ( حَكَمَ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ .
( فَإِنْ وُجِدَ ) ، وَهُوَ ( مَيِّتٌ ) بَعْدَ الْحُكْمِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ ( وَقَدْ عَاصَرَهُ وَقَعَ الْإِشْكَالُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَاصِرْهُ وَاعْتُبِرَتْ مُعَاصَرَتُهُ لَهُ لِتَمَكُّنِ مُعَامَلَتِهِ لَهُ وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اعْتِبَارِ الْمُعَاصَرَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الدَّيْنِ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُعَاصِرْهُ بِمُعَامَلَةٍ مَعَ مُوَرِّثِهِ مَثَلًا قَالَ ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى إمْكَانِ صُدُورِ الْمُدَّعَى بِهِ مَعَ الْمَيِّتِ ( أَوْ حَاضِرًا حَضَرَ فَإِنْ أَنْكَرَ ) الْحَقَّ ( كَتَبَ ) الْحَاكِمُ الثَّانِي ( إلَى الْأَوَّلِ ) بِمَا وَقَعَ مِنْ الْإِشْكَالِ ( لِيَأْخُذَ مِنْ الشُّهُودِ مَا يَدْرَأُ ) أَيْ يَدْفَعُ ( الْإِشْكَالَ فِيهِ ) أَيْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ

اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ بِهِ وَخَلَصَ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَثْبَتَ الْقَاضِي اسْمَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَنَسَبَهُ وَصِفَتَهُ كَمَا مَرَّ ( أَمَّا لَوْ حَكَمَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى مُبْهَمٍ ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ الِاسْمِ رَجُلٌ وَأَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقِرَّ ) بِالْحَقِّ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) ذَلِكَ الْحُكْمُ لِبُطْلَانِهِ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ لَزِمَهُ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْإِنْهَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ شَرَعَ فِي الْإِنْهَاءِ بِالْمُشَافَهَةِ فَقَالَ ( فَإِنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا بِالْحُكْمِ وَالْمُنْهَى ) لَهُ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَحْكُمْ ) الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَإِخْبَارِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ كَانَ الْمُنْهَى فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالْمُنْهَى إلَيْهِ فِي غَيْرِهِ .
( فَلَهُ الْحُكْمُ إذَا رَجَعَ وِلَايَتَهُ ) أَيْ إلَيْهَا أَيْ مَحَلِّهَا ( وَهُوَ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِمَا كَانَ تَنَادِيًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ ) بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي طَرَفِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَنَادَى الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَأَخْبَرَهُ بِمَا حَكَمَ ( أَوْ كَانَا قَاضِيَ بَلَدٍ أَوْ أَنْهَى إلَيْهِ نَائِبَهُ فِي الْبَلَدِ وَعَكْسُهُ ) بِأَنْ أَنْهَى إلَيْهِ مُنِيبَهُ ( أَوْ خَرَجَ الْقَاضِي إلَى قَرْيَةٍ لَهُ فِيهَا نَائِبٌ فَأَخْبَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ) بِحُكْمِهِ ( أَمْضَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابِ وَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ فِي الْأَخِيرَةِ مَحَلُّ وِلَايَتِهِمَا ( وَلَوْ دَخَلَ النَّائِبُ ) بَلَدَ مُنِيبِهِ ( فَأَنْهَى ) إلَيْهِ ( حُكْمَهُ لَمْ يُقْبَلْ ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْهَى فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( أَوْ أَنْهَى إلَيْهِ الْقَاضِي ) حُكْمَهُ ( نَفَّذَهُ ) إذَا عَادَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( وَكَانَ حُكْمًا بِعِلْمٍ .
) ( فَرْعٌ لَهُ أَنْ يُشَافِهَ بِالْحُكْمِ وَالِيًا غَيْرَ قَاضٍ لِيَسْتَوْفِيَ ) الْحَقَّ مِمَّنْ لَزِمَهُ ( وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ فِي غَيْرِ ) مَحَلِّ (

وِلَايَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الْوَلِيِّ مُشَافَهَةً كَشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الْإِمَامُ خِلَافَ ذَلِكَ قَالَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ سَمَاعُ قَوْلِ الْقَاضِي كَمَا لَيْسَ إلَيْهِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ ( وَلَا يَكْتُبُ إلَيْهِ إلَّا إنْ فُوِّضَ إلَيْهِ ) مِنْ الْإِمَامِ ( نَظَرُ الْقَضَاءِ ) أَيْ تَوْلِيَةُ مَنْ يَرَاهُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ ( وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ ) فَلَهُ مُكَاتَبَتُهُ كَمَا يَجُوزُ مُكَاتَبَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَاتِبْهُ فِيمَا عَدَا هَذَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَمَنْصِبُ سَمَاعِهَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ لَكِنَّهُ خَالَفَ فِيهِ فِي الرَّوْضَةِ فَصَحَّحَ فِيهَا قُبَيْلَ الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْقُضَاةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ

( قَوْلُهُ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَيُنْهِي ) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ { وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَعْرَابِ ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ وَرِّثْ امْرَأَةَ أَشْيَمَ بِسُكُونِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الضَّبَابِيِّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَوَرِثَهَا } رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو لِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي بَلَدٍ وَخَصْمٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ وَلَا حَمْلُ الْخَصْمِ إلَى بَلَدِ الْبَيِّنَةِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ ( تَنْبِيهٌ ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي عَمَلِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِكِتَابِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَالِمًا بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَوَّلِ وَبِصِحَّةِ أَحْكَامِهِ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْجُمْهُورَ جَوَّزُوا الْكِتَابَ الْمُطْلَقَ وَالْكِتَابَ إلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ غَالِبَ قُضَاةِ الْبِلَادِ الْمُتَبَاعِدَةِ وَالْأَقْطَارِ الْمُتَنَائِيَةِ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَالِ بَعْضٍ شَيْئًا فَيَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِالْكِتَابِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ فَطَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ إنْهَاءَ الْأَمْرِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَضِيَّةَ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إذَا كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُجِيبُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ .
( قَوْلُهُ لَا مَا حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلَ لَا وَلَوْ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْعُدَّةِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا عَالِمٌ بِكَذَا إخْبَارٌ عَنْ عِلْمِ

نَفْسِهِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ بَلْ لَوْ شَهِدَ بِهِ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي غَيْرِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَسَأَلَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ ) هَذَا إذَا عَلِمَ بَلَدَهُ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ كَتَبَ الْكِتَابَ مُطْلَقًا إلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ ) ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ بِإِقْرَارِهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا فِي صِحَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهَلْ يَقُومُ حُكْمُهُ مَقَامَهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ ( قَوْلُهُ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ ) وَجَرَى عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ وَمِنْهُمْ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَأَصْلُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَلَوْ كَتَبَ كَاتِبٌ إقْرَارًا أَوْ كَتَبَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَأَشَارَ إلَى مَجْمُوعَةٍ فَقَالَ الْإِقْرَارُ الْمُثْبِتُ فِي هَذَا الذِّكْرِ إقْرَارِي وَأَنَا مُعْتَرِفٌ بِجَمِيعِ مَا أُثْبِتُهُ فِي هَذِهِ الْأَسْطُرِ فَالْوَجْهُ عِنْدَنَا ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ وَجَوَازُ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ إذَا أَشَارَ الشُّهُودُ إلَى الذِّكْرِ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذًا بِتَفْصِيلِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَجَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِالْمَنْعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَطْعًا ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ نَقْشَ الْخَتْمِ ) كُلُّ مَا يَرَاهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ شَرْطًا فِي الْقَبُولِ يُؤْتَى بِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنْ لَمْ يُرِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ وَهَذَا وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَنَ عَلَى حُكْمِ الْقَصْدِ ع قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدُوا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ إلَخْ ) يَنْبَغِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَنْ يُرَاجِعَ الْقَاضِي الْكَاتِبَ فِيمَا كَتَبَ بِهِ وَأَشْهَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70