الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي

( 2951 ) فَصْلٌ : وَالْمَبِيعُ بِصِفَةٍ ، أَوْ رُؤْيَةٍ ، مُتَقَدِّمَةٍ ، مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ ؛ لِأَنَّهُ ؛ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ ، فَجَرَى مَجْرَى الْمَكِيلِ ، وَالْمَوْزُونِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِعَيْنِهِ ، فَمَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ، إلَّا أَنْ يَطْلُبَهُ ، فَيَمْنَعَهُ الْبَائِعُ ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ حِينَ عَطِبَ .
وَلَوْ حَبَسَهُ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ ، فَهُوَ غَاصِبٌ ، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الرَّهْنِ .

( 2952 ) فَصْلٌ : وَقَبْضُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ ، فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا ، أَوْ مَوْزُونًا ، بِيعَ كَيْلًا ، أَوْ وَزْنًا ، فَقَبْضُهُ بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : التَّخْلِيَةُ فِي ذَلِكَ قَبْضٌ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى ، أَنَّ الْقَبْضَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيز ؛ لِأَنَّهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ ، فَكَانَ قَبْضًا لَهُ ، كَالْعَقَارِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا بِعْت فَكِلْ ، وَإِذَا ابْتَعْت فَاكْتَلْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ ؛ صَاعُ الْبَائِعِ ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَهَذَا فِيمَا بِيعَ كَيْلًا .
وَإِنْ بِيعَ جُزَافًا ، فَقَبْضُهُ نَقْلُهُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : كَانُوا { يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جُزَافًا ، أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ ، } .
وَفِي لَفْظٍ { : كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ جُزَافًا ، فَبُعِثَ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ } .
وَفِي لَفْظٍ { : كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ } .
رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ .
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْكَيْلَ إنَّمَا وَجَبَ فِيمَا بِيعَ بِالْكَيْلِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا سَمَّيْت الْكَيْلَ فَكِلْ } .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، فَقَبْضُهَا بِالْيَدِ .
وَإِنْ كَانَ ثِيَابًا ، فَقَبْضُهَا نَقْلُهَا .
وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا ، فَقَبْضُهُ تَمْشِيَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ ،

فَقَبْضُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشْتَرِيهِ لَا حَائِلَ دُونَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي بَابِ الرَّهْنِ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ ، فَقَبْضُهُ أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْ رَاهِنِهِ مَنْقُولًا ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ ، فَقَبْضُهُ تَخْلِيَةُ رَاهِنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُرْتَهِنِهِ لَا حَائِلَ دُونَهُ .
وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُطْلَقٌ فِي الشَّرْعِ ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، كَالْإِحْرَازِ ، وَالتَّفَرُّقِ .
وَالْعَادَةُ فِي قَبْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا ذَكَرْنَا .

( 2953 ) فَصْلٌ وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَقْبِيضَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي ، وَالْقَبْضُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ ، فَكَانَ عَلَى الْبَائِعِ ، كَمَا أَنَّ عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ سَقْيَهَا ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الَّذِي يَعُدُّ الْمَعْدُودَاتِ .
وَأَمَّا نَقْلُ الْمَنْقُولَاتِ ، وَمَا أَشْبَهَهُ ، فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .

فَصْلٌ : وَيَصِحُّ الْقَبْضُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ بِاخْتِيَارِ الْبَائِعِ ، وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ ، فَمَتَى وُجِدَ بَعْدَهُ وَقَعَ مَوْقِعَهُ ، كَقَبْضِ الثَّمَنِ .

( 2955 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ اشْتَرَى مَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ) قَدْ ذَكَرْنَا الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ ، وَالْخِلَافَ فِيهِ .
وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ إذَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا ، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، كَالسَّلَمِ ، وَلَمْ أَعْلَمْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْبَتِّيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِبَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ بِالسُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ الْمُجْمِعَةِ عَلَى الطَّعَامِ ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ .
وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَيُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَكَمِ ، وَحَمَّادٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ .
اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَاحْتَجُّوا بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ .
} وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ .
} وَرُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ ، قَالَ : انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوهُ ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ

يَضْمَنُوهُ } .
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، كَغَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ ، أَوْ كَالْمَكِيلِ ، وَالْمَوْزُونِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، قَالَ { : كُنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ ، فَنَأْخُذُ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرَ ، وَنَبِيعُهَا بِالدَّنَانِيرِ ، فَنَأْخُذُ بَدَلَهَا الدَّرَاهِمَ ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ ، إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ } .
وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ .
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ - يُعْنَى لِعُمَرَ - فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : بِعْنِيهِ .
فَقَالَ : هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ لَك يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت } .
وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ بِالْهِبَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ جَمَلَهُ ، وَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ ، ثُمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ .
كَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنَافِعِ .
وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ ، فَصَحَّ بَيْعُهُ ، كَالْمَالِ فِي يَدِ مُودِعِهِ ، أَوْ مُضَارِبِهِ .
فَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ ، فَقَدْ قِيلَ : لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا إلَّا حَدِيثُ الطَّعَامِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا بِمَفْهُومِهِ ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ الطَّعَامَ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ فِيمَا سِوَاهُ .
وَقَوْلُهُمْ : لَمْ يَتِمَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ ، مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِلْمِلْكِ مُتَحَقِّقٌ ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَخَلُّفُ الْقَبْضِ ، وَالْيَدُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَالِ الْمُودَعِ ، وَالْمَوْرُوثِ ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الصَّدَاقِ ،

وَعِوَضِ الْخُلْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
( 2956 ) فَصْلٌ : وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِبَائِعِهِ ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِيهِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ ، فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ ، وَلَا أَخْذُ بَدَلِهِ ، وَإِنْ تَرَاضَيَا ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ لَمْ يُقْبَضْ .
فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ ، جَازَ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ .
وَإِنْ كَانَ فِي سَلَمٍ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .

( 2957 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ عِوَضٍ مُلِكَ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا .
وَالْأُجْرَةُ ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ ، إذَا كَانَا مِنْ الْمَكِيلِ ، أَوْ الْمَوْزُونِ ، أَوْ الْمَعْدُودِ ، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ ، جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، كَعِوَضِ الْخُلْعِ ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ ، وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ ، وَقَدْ وُجِدَ .
لَكِنَّ مَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ ؛ تَحَرُّزًا مِنْ الْغَرَرِ .
وَمَا لَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ الْغَرَرُ ، انْتَفَى الْمَانِعُ ، فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْمَهْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَوَافَقَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ : لِأَنَّهُ يُخْشَى رُجُوعُهُ بِانْتِقَاضِ سَبَبِهِ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، أَوْ انْفِسَاخُهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ ، أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ ، أَوْ انْفِسَاخُهُ بِسَبَبِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا .
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ .
وَهَذَا التَّعْلِيلُ بَاطِلٌ بِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَإِنَّ قَبْضَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَأَمَّا مَا مُلِكَ بِإِرْثٍ ، أَوْ وَصِيَّةٍ ، أَوْ غَنِيمَةٍ ، وَتَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَهُوَ كَالْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ .
وَإِنْ كَانَ لَإِنْسَانٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَدِيعَةٌ ، أَوْ عَارِيَّةٌ ، أَوْ مُضَارَبَةٌ ، أَوْ جَعَلَهُ وَكِيلًا فِيهِ ، جَازَ لَهُ بَيْعُهُ مِمَّنْ

هُوَ فِي يَدِهِ ، وَمِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا ، لَا يُخْشَى انْفِسَاخُ الْمِلْكِ فِيهَا ، فَجَازَ بَيْعُهَا ، كَاَلَّتِي فِي يَدِهِ .
وَإِنْ كَانَ غَصْبًا ، جَازَ بَيْعُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ مَعَهُ ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْعَارِيَّةِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ ؛ وَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ اسْتِنْقَاذِهِ ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ عَاجِزٌ ، لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ وَالشَّارِدِ .
وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ ، صَحَّ الْبَيْعُ ؛ لِإِمْكَانِ قَبْضِهِ .
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِنْقَاذِهِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ ، وَالْإِمْضَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ لِكَوْنِهِ مَظْنُونَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَبْضِهِ .
وَيَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ ؛ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَبْضِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ فَرَسًا ، فَشَرَدَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا ، أَوْ غَائِبًا بِالصِّفَةِ ، فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ .
( 2958 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ ، وَعَلَيْهِ لِعَمْرٍو مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ سَلَمًا ، فَقَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو : اذْهَبْ فَاقْبِضْ الطَّعَامَ الَّذِي لِي مِنْ غَرِيمِي لِنَفْسِك .
فَفَعَلَ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ .
وَهَلْ يَصِحُّ لِزَيْدٍ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ ، فَأَشْبَهَ قَبْضَ وَكِيلِهِ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ نَائِبًا لَهُ فِي الْقَبْضِ ، فَلَمْ يَقَعْ لَهُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يَصِيرُ مِلْكًا لِزَيْدِ ، وَعَلَى الثَّانِي ، يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو : اُحْضُرْ اكْتِيَالِي مِنْهُ لِأَقْبِضَهُ لَك .
فَفَعَلَ ، لَمْ يَصِحَّ .
وَهَلْ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أُولَاهُمَا ، أَنَّهُ يَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَدْ وُجِدَ مِنْ

مُسْتَحِقِّهِ ، فَصَحَّ الْقَبْضُ لَهُ ، كَمَا لَوْ نَوَى الْقَبْضَ لِنَفْسِهِ .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا قَبَضَهُ لِعَمْرٍو ، صَحَّ .
وَإِنْ قَالَ : خُذْهُ بِهَذَا الْكَيْلِ الَّذِي قَدْ شَاهَدْته فَأَخَذَهُ بِهِ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَاهَدَ كَيْلَهُ ، وَعَلِمَهُ ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ كَيْلِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً .
وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ .
وَهَذَا دَاخِلٌ فِيهِ .
وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ جُزَافًا .
وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو : اُحْضُرْنَا حَتَّى أَكْتَالَهُ لِنَفْسِي ، ثُمَّ تَكْتَالُهُ أَنْتَ .
وَفَعَلَا ، صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ .
وَإِنْ اكْتَالَهُ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَمْرٌو بِذَلِكَ الْكَيْلِ الَّذِي شَاهَدَهُ ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ تَرَكَهُ زَيْدٌ فِي الْمِكْيَالِ ، وَدَفَعَهُ إلَى عَمْرٍو لِيُفْرِغَهُ لِنَفْسِهِ ، صَحَّ ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْكَيْلِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ ، وَلَا مَعْنَى لِابْتِدَاءِ الْكَيْلِ هَاهُنَا ، إذْ لَا يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَا يَصِحُّ ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ .
وَهَذَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ ، وَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَهُ فِي الْمِكْيَالِ جَرْيٌ لِصَاعَيْهِ فِيهِ .
وَلَوْ دَفَعَ زَيْدٌ إلَى عَمْرٍو دَرَاهِمَ ، فَقَالَ : اشْتَرِ لَك بِهَا مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي لَك عَلَيَّ .
فَفَعَلَ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَ زَيْدٍ لَا يَكُونُ عِوَضُهَا لِعَمْرٍو .
فَإِنْ اشْتَرَى الطَّعَامَ بِعَيْنِهَا ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ ، فَهُوَ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ عَلَى مَا تَبَيَّنَ .
وَإِنْ قَالَ : اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا ، ثُمَّ أَقْبِضْهُ لِنَفْسِك ، فَفَعَلَ ، صَحَّ الشِّرَاءُ ، وَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ لِنَفْسِهِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ .
وَإِنْ قَالَ : اقْبِضْهُ لِنَفْسِك فَفَعَلَ ، جَازَ .
نَصَّ أَحْمَدُ

عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ ، وَهَكَذَا جَمِيعُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ ، إذَا حَصَلَ الطَّعَامُ فِي يَدِ عَمْرٍو لِزَيْدٍ ، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ ، وَيَقْبِضَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا ، جَازَ أَنْ يَقْبَلَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَيَقْبِضَ مِنْهَا ، فَكَذَا هَاهُنَا .

( 2959 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ طَعَامًا ، فَقَبَضَاهُ ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرِ نَصِيبَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، كَرِهَا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مِنْ شَرِيكِهِ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ، قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَهُ مُنْفَرِدًا ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ .
وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ لَهُمَا ، يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَجْنَبِيٍّ ، فَجَازَ بَيْعُهُ لِشَرِيكِهِ ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ .
فَإِنْ تَقَاسَمَاهُ ، وَتَفَرَّقَا ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِذَلِكَ الْكَيْلِ الَّذِي كَالَهُ ، لَمْ يَجُزْ .
كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا ، فَاكْتَالَهُ ، وَتَفَرَّقَا ، ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ الْكَيْلِ .
وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَقَدَّمَتَا .

( 2960 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالشَّرِكَةُ فِيهِ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ كَالْبَيْعِ ) .
وَجُمْلَتُهُ ، أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيهِ ، وَلَا تَوْلِيَتُهُ ، وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ هَذَا كُلُّهُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ، الْأَوَّلِ ، فَجَازَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَالْإِقَالَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذِهِ أَنْوَاعُ بَيْعٍ ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَالتَّوْلِيَةَ بَيْعُ جَمِيعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ .
وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ .
وَفَارَقَ الْإِقَالَةَ ، فَإِنَّهَا فَسْخٌ لِلْبَيْعِ ، فَأَشْبَهَتْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ .
وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا رَهْنُهُ وَلَا دَفْعُهُ أُجْرَةً ، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إقْبَاضِهِ .
( 2961 ) فَصْلٌ : وَأَمَّا التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَجَائِزَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّا بِأَسْمَاءٍ ، كَمَا اخْتَصَّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ بِأَسْمَاءٍ .
فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَشْرِكْنِي فِي نِصْفِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ .
فَقَالَ : أَشْرَكْتُك .
صَحَّ ، وَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ قَالَ : وَلِّنِي مَا اشْتَرَيْته بِالثَّمَنِ فَقَالَ : وَلَّيْتُك .
صَحَّ ، إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لَهُمَا .
فَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا ، لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِالرَّقْمِ .
وَلَوْ قَالَ : أَشْرِكْنِي فِيهِ .
أَوْ قَالَ : الشَّرِكَةُ فِيهِ .
فَقَالَ : أَشْرَكْتُك .
أَوْ قَالَ : وَلِّنِي مَا اشْتَرَيْت .
وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ ، صَحَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي ابْتِيَاعَ جُزْءٍ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ

، وَالتَّوْلِيَةُ ابْتِيَاعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ، فَإِذَا أُطْلِقْ اسْمُهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَقِلْنِي .
فَقَالَ : أَقَلْتُك .
وَفِي حَدِيثٍ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ، { أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إلَى السُّوقِ ، فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : أَشْرِكْنَا ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَك بِالْبَرَكَةِ .
فَيُشْرِكُهُمْ ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ ، فَيَبْعَثُ بِهَا إلَى الْمَنْزِلِ .
} ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَشْرِكْنِي فَأَشْرَكَهُ انْصَرَفَ إلَى نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهَا بِإِطْلَاقِهَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ .
فَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا فَاشْتَرَكَا فِيهِ ، فَقَالَ لَهُمَا رَجُلٌ : أَشْرِكَانِي فِيهِ .
فَقَالَا : أَشْرَكْنَاك .
احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاكِهِمَا لَوْ كَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ ، فَكَذَلِكَ حَالَ الِاجْتِمَاعِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يُفِيدُ التَّسَاوِي ، وَلَا يَحْصُلُ التَّسَاوِي إلَّا بِجَعْلِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا .
وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ إشْرَاكَ الْوَاحِدِ إنَّمَا اقْتَضَى النِّصْفَ ؛ لِحُصُولِ التَّسْوِيَةِ بِهِ .
وَإِنْ شَرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا ، كَانَ لَهُ النِّصْفُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ .
وَإِنْ قَالَ : أَشْرِكَانِي فِيهِ .
فَشَرَكَهُ أَحَدُهُمَا ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ حِصَّةِ الَّذِي شَرَكَهُ وَهُوَ الرُّبْعُ ، وَعَلَى الْآخَرِ لَهُ السُّدُسُ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشَّرِكَةِ مِنْهُمَا يَقْتَضِي طَلَبَ ثُلُثِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِيَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُمَا .
فَإِذَا أَجَابَهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ فِيمَا طَلَبَ مِنْهُ .
وَإِنْ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا : أَشْرَكْنَاك .
انْبَنَى عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ .
فَإِنْ قُلْنَا : يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِنْ صَاحِبِهِ .
فَأَجَازَهُ ، فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِي

نِصْفِهِ أَوْ فِي ثُلُثِهِ ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا : أَشْرِكْنِي فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ فَأَشْرَكَهُ ، فَإِنْ قُلْنَا : يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِنْ صَاحِبِهِ ، فَأَجَازَهُ .
فَلَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَلَهُمَا نِصْفُهُ ، وَإِلَّا فَلَهُ نِصْفُ حِصَّةِ الَّذِي شَرَكَهُ .
وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَقِيَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : أَشْرِكْنِي فِي هَذَا الْعَبْدِ .
فَقَالَ : قَدْ أَشْرَكَتْك .
فَلَهُ نِصْفُهُ .
فَإِنْ لَقِيَهُ آخَرُ فَقَالَ : أَشْرِكْنِي فِي هَذَا الْعَبْدِ .
وَكَانَ عَالِمًا بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ ، فَلَهُ رُبْعُ الْعَبْدِ ، وَهُوَ نِصْفُ حِصَّةِ الَّذِي شَرَكَهُ ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِلْإِشْرَاكِ رَجَعَ إلَى مَا مَلَكَهُ الْمُشَارِكُ .
وَهُوَ النِّصْفُ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ ، فَهُوَ طَالِبٌ لِنِصْفِ الْعَبْدِ ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ لِهَذَا الَّذِي طَلَبَ مِنْهُ الْمُشَارَكَةَ .
فَإِذَا قَالَ لَهُ : أَشْرَكْتُكَ فِيهِ .
احْتَمَلَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : أَحَدَهَا ، أَنْ يَصِيرَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ كُلِّهِ ، وَلَا يَبْقَى لِلَّذِي شَرَكَهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ نِصْفَ الْعَبْدِ ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ .
فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ : بِعْنِي نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ ، فَقَالَ : بِعْتُك .
وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي .
الثَّانِي ، أَنْ يَنْصَرِفَ قَوْلُهُ : أَشْرَكْتُكَ فِيهِ .
إلَى نِصْفِ نَصِيبِهِ ، وَنِصْفِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَيَنْفُذَ فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ ، وَيَقِفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي بَيْعَ بَعْضِ نَصِيبِهِ ، وَمُسَاوَاةَ الْمُشْتَرِي لَهُ .
فَلَوْ بَاعَ جَمِيعَ نَصِيبِهِ ، لَمْ يَكُنْ شَرِكَةً ، وَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ مَا طَلَبَ مِنْهُ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ لَا يَكُونَ لِلثَّانِي إلَّا الرُّبْعُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ : أَشْرَكْتُكَ .
لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْإِيجَابُ النَّاقِلُ لِلْمِلْكِ ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الْعَبْدِ ، فَيَنْصَرِفُ إيجَابُهُ إلَى نِصْفِ مِلْكِهِ .
وَعَلَى هَذَيْنِ

الْوَجْهَيْنِ ، لِطَالِبِ الشَّرِكَةِ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَبَ النِّصْفَ ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ جَمِيعُهُ ، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِوُقُوفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ .
فِي الْوَجْهِ الثَّانِي ، فَيُجِيزُهُ الْآخَرُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الشَّرِكَةُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ شِرَاءَ النِّصْفِ ، فَأُجِيبَ فِي الرُّبْعِ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ : بِعْنِي نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ ، قَالَ : بِعْتُك رُبْعَهُ .

( 2962 ) فَصْلٌ : وَلَوْ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ الطَّعَامِ ، فَقَبَضَ نِصْفَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : بِعْنِي نِصْفَ هَذَا الْقَفِيزِ .
فَبَاعَهُ ، انْصَرَفَ إلَى النِّصْفِ الْمَقْبُوضِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَهُوَ النِّصْفُ الْمَقْبُوضُ .
وَإِنْ قَالَ : أَشْرِكْنِي فِي هَذَا الْقَفِيزِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، فَفَعَلَ ، لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ ، إلَّا فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ ، فَيَكُونُ النِّصْفُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبْعُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ .
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَالصَّحِيحُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، أَنَّهُ تَنْصَرِفُ الشَّرِكَةُ إلَى النِّصْفِ كُلِّهِ ، فَيَكُونُ تَابِعًا لِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، فَلَا يَصِحُّ فِي الرُّبْعِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْبُوضِ .
وَهَلْ يَصِحُّ فِي الْمَقْبُوضِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
( 2963 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الْحَوَالَةُ ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُشْتَرِي الطَّعَامِ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ مِثْلُ الَّذِي اشْتَرَاهُ ، فَيَقُولَ لِغَرِيمِهِ : اذْهَبْ فَاقْبِضْ الطَّعَامَ الَّذِي اشْتَرَيْته لِنَفْسِك .
فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْرِيعَ هَذَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

( 2964 ) فَصْلٌ : إذَا كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ آخَرَ طَعَامٌ مِنْ قَرْضٍ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : كُنَّا نَبِيعُ الْأَبْعِرَةَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ ، فَنَأْخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَمَا لَا يَصِحُّ فِي السَّلَمِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
فَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، جَازَ ، وَلَا يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ .
فَإِنْ أَعْطَاهُ مُعَيَّنًا مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ ، مِثْلُ أَنْ أَعْطَاهُ بَدَلَ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا ، جَازَ .
وَلَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ أَعْطَاهُ مُعَيَّنًا ، لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ ، جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الشَّعِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِك .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الذِّمَّةِ ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَالسَّلَمِ .

( 2965 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِغَرِيمِهِ : بِعْنِي هَذَا عَلَى أَنْ أَقْضِيَك دَيْنَك مِنْهُ .
فَفَعَلَ ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؟ يَنْبَنِي عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ ، هَلْ تُبْطِلُهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ : اقْضِنِي حَقِّي عَلَى أَنْ أَبِيعَك كَذَا وَكَذَا .
فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْقَضَاءُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ قَبَّضَهُ حَقَّهُ .
وَإِنْ قَالَ : اقْضِنِي أَجْوَدَ مِنْ مَالِي ، عَلَى أَنْ أَبِيعَك كَذَا وَكَذَا .
فَالْقَضَاءُ وَالشَّرْطُ بَاطِلَانِ ، وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِمَالِهِ .

( 2966 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقَالَةُ ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، الْإِقَالَةُ بَيْعٌ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْإِقَالَةِ .
فَعَنْهُ أَنَّهَا فَسْخٌ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَالثَّانِيَةُ ، أَنَّهَا بَيْعٌ .
وَهِيَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَادَ إلَى الْبَائِعِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، فَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ بَيْعًا كَذَلِكَ الثَّانِي ، وَلِأَنَّهُ نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضِ ، عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي ، فَكَانَ بَيْعًا ، كَالْأَوَّلِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ .
بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا .
فَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا ، بَلْ تَجُوزُ فِي السَّلَمِ ، وَفِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَيَثْبُتُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، حَتَّى يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ الَّذِي تَقَايَلَا فِيهِ بِالشُّفْعَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْإِقَالَةَ هِيَ الدَّفْعُ وَالْإِزَالَةُ .
يُقَالُ : أَقَالَك اللَّهُ عَثْرَتَك .
أَيْ أَزَالَهَا .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ ، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَفِي إجْمَاعِهِمْ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ } ، مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيلَ الْمُسْلِمَ جَمِيعَ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا ، وَلِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا كَالْإِسْقَاطِ ، وَلِأَنَّهَا تَتَقَدَّرُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَتَقَدَّرُ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ بِلَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ ، فَكَانَ فَسْخًا ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
وَيَدُلُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَا كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، كَالرَّدِّ بِالْبَيْعِ وَالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ ،

وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ لَا تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْحَقَائِقِ .
( 2967 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قُلْنَا : هِيَ فَسْخٌ جَازَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَيْلٍ ثَانٍ ، وَيَقُومُ الْفَسْخُ مَقَامَ الْبَيْعِ فِي إيجَابِ كَيْلٍ ثَانٍ ، كَقِيَامِ فَسْخِ النِّكَاحِ مَقَامَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ .
وَلَنَا أَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ ، فَجَازَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَالتَّدْلِيسِ ، وَالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ ، أَوْ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ .
وَفَارَقَ الْعِدَّةَ ، فَإِنَّهَا اُعْتُبِرَتْ لِلِاسْتِبْرَاءِ ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فِي كُلِّ فُرْقَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
فَإِنْ قُلْنَا : هِيَ بَيْعٌ .
لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ .
وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ إنْ كَانَتْ فَسْخًا ؛ لِأَنَّهَا رَفْعٌ لِلْعَقْدِ ، وَإِزَالَةٌ لَهُ ، وَلَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةِ ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْفُسُوخِ .
وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَأَقَالَ ، لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا ، اُسْتُحِقَّتْ بِهَا الشُّفْعَةُ ، وَحَنِثَ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْبَيْعِ بِفِعْلِهَا ، كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ .
وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ ، سَوَاءٌ قُلْنَا : هِيَ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ ؛ لِأَنَّهَا خُصَّتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ، كَالتَّوْلِيَةِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ .
وَأَقَلَّ مِنْهُ إذَا قُلْنَا : إنَّهَا بَيْعٌ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ .
فَإِنْ قُلْنَا : لَا تَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، فَأَقَالَ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ ، لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ ، وَكَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا لِلْمُشْتَرِي .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهَا تَصِحُّ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ اقْتَضَى مِثْلَ الثَّمَنِ ، وَالشَّرْطُ يُنَافِيهِ ، فَبَطَلَ ،

وَبَقِيَ الْفَسْخُ عَلَى مُقْتَضَاهُ ، كَسَائِرِ الْفُسُوخِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمَاثُلُ ، فَبَطَلَ ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ .
وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِقَالَةِ رَدُّ كُلِّ حَقٍّ إلَى صَاحِبِهِ ، فَإِذَا شَرَطَ زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا ، أَخْرَجَ الْعَقْدَ عَنْ مَقْصُودِهِ ، فَبَطَلَ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَيْهِ .
وَيُفَارِقُ سَائِرَ الْفُسُوخِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا مِنْهُمَا ، بَلْ يَسْتَقِلُّ بِهِ أَحَدُهُمَا ، فَإِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِدُونِهِ .
وَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ الْفَسْخِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ إلَّا بِرِضَاهُمَا ، وَإِنَّمَا رَضِيَ بِهَا أَحَدُهُمَا مَعَ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ ، فَإِذَا أَبْطَلْنَا شَرْطَهُ فَاتَ رِضَاهُ ، فَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ ؛ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهَا .

( 2968 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمِنْ اشْتَرَى صُبْرَةَ طَعَامٍ ، لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى يَنْقُلَهَا ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى حُكْمَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ؛ إبَاحَةُ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جُزَافًا مَعَ جَهْلِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِهَا ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ : { كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالرُّؤْيَةِ ، فَصَحَّ بَيْعُهُ ، كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ .
وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ مُشَاهَدَةِ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ ؛ لِكَوْنِ الْحَبِّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ، وَلَا يُمْكِنُ بَسْطُهَا حَبَّةً حَبَّةً ، وَلِأَنَّ الْحَبَّ تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ فِي الظَّاهِرِ ، فَاكْتُفِيَ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ ، فَإِنَّ نَشْرَهُ لَا يَشُقُّ ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ أَجْزَاؤُهُ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهَا مَعَ الْمُشَاهَدَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا اشْتَرَى بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ ، وَهُوَ الرُّؤْيَةُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : بِعْتُك نِصْفَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ، أَوْ ثُلُثَهَا ، أَوْ جُزْءًا مِنْهَا مَعْلُومًا .
جَازَ ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُ جُمْلَتِهِ ، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ ، كَالْحَيَوَانِ .
وَلِأَنَّ جُمْلَتَهَا مَعْلُومَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، فَكَذَلِكَ جُزْؤُهَا .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَلَا يَصِحُّ هَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الصُّبْرَةُ مُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً ، مِثْلَ صُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ ، لَمْ يَصِحَّ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهَا جُزْءًا مُشَاعًا ، فَيَسْتَحِقُّ مِنْ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا بِقِسْطِهِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْمُثَمَّنَاتِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا جُزَافًا .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَجُوزُ فِي الْأَثْمَانِ لِأَنَّ لَهَا خَطَرًا وَلَا يَشُقُّ وَزْنُهَا وَلَا عَدَدُهَا ، فَأَشْبَهَ الرَّقِيقَ وَالثِّيَابَ .

وَلَنَا ، أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، فَأَشْبَهَ الْمُثَمَّنَاتِ وَالنُّقْرَةَ وَالْحَلْيَ .
وَيَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ .
أَمَّا الرَّقِيقُ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ إذَا شَاهَدَهُمْ وَلَمْ يَعُدَّهُمْ ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ إذَا نَشَرَهَا وَرَأَى جَمِيعَ أَجْزَائِهَا .
الْحَكَمُ الثَّانِي ، أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الصُّبْرَةَ جُزَافًا ، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا حَتَّى يَنْقُلَهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ نَقْلِهَا .
اخْتَارَهَا الْقَاضِي .
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَقِّ تَوْفِيَةٍ ، فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ الْحَاضِرَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ { : إنْ كُنَّا لَنَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ .
} وَعُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ ، قَالَ { : قَدِمَ زَيْتٌ مِنْ الشَّامِ ، فَاشْتَرَيْت مِنْهُ أَبْعِرَةً ، وَفَرَغْت مِنْ شِرَائِهَا ، فَقَامَ إلَيَّ رَجُلٌ فَأَرْبَحَنِي فِيهَا رِبْحًا ، فَبَسَطْت يَدِي لِأُبَايِعَهُ ، فَإِذَا رَجُلٌ يَأْخُذُنِي مِنْ خَلْفِي ، فَنَظَرْت فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ : لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَنْقُلَهُ إلَى رَحْلِك ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ } .
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ قَبْضَهَا نَقْلُهَا .
كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ فِي الشَّرْعِ لَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ ، كَمَا قُلْنَا فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْرَازِ ، وَالْعَادَةُ فِي قَبْضِ الصُّبْرَةِ النَّقْلُ ( 2969 ) فَصْلٌ : وَلَا يَحِلُّ لِبَائِعِ الصُّبْرَةِ أَنْ يَغُشَّهَا ؛ بِأَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى دِكَّةٍ ، أَوْ رَبْوَةٍ ، أَوْ حَجَرٍ يُنْقِصُهَا ، أَوْ يَجْعَلَ الرَّدِيءَ فِي بَاطِنِهَا أَوْ الْمَبْلُولَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لِمَا رَوَى

أَبُو هُرَيْرَةَ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا .
فَقَالَ : يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ ؟ ثُمَّ قَالَ : مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي عَلِمَ بِهِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ ، وَأَخْذِ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ .
وَإِنْ بَانَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ أَوْ بَانَ بَاطِنُهَا خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهَا ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَهُ .
وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ ، فَلَهُ الْفَسْخُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَوَزَنَهَا بِصَنْجَةٍ ثُمَّ وَجَدَ الصَّنْجَةَ زَائِدَةً ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ بِمِكْيَالٍ ، ثُمَّ وَجَدَهُ زَائِدًا .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بَاعَ مَا يَعْلَمُ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ بِالِاحْتِمَالِ .

( 2970 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ عَرَفَ مَبْلَغَ شَيْءٍ ، لَمْ يَبِعْهُ صُبْرَةً ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا ، فِي مَوَاضِعَ .
وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَإِسْحَاقُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ .
قَالَ مَالِكٌ : لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ ، فَإِنَّ بَكْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ جُزَافًا ، وَقَدْ عَرَفَ كَيْلَهُ ، وَقُلْت لَهُ : إنَّ مَالِكًا يَقُولُ : إذَا بَاعَ الطَّعَامَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ رَدَّهُ .
قَالَ : هَذَا تَغْلِيظٌ شَدِيدٌ ، وَلَكِنْ لَا يُعْجِبُنِي إذَا عَرَفَ كَيْلَهُ ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ ، فَإِنْ بَاعَهُ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَسَاءَ .
وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ، بِذَلِكَ بَأْسًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْبَيْعُ مَعَ جَهْلِهِمَا بِمِقْدَارِهِ ، فَمَعَ الْعِلْمِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، مَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ عَرَفَ مَبْلَغَ شَيْءٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ } .
قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مُجَازَفَةً ، وَهُوَ يَعْلَمُ كَيْلَهُ .
} وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ مَالِكٌ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَعْدِلُ إلَى الْبَيْعِ جُزَافًا مَعَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ ، إلَّا لِلتَّغْرِيرِ بِالْمُشْتَرِي وَالْغِشِّ لَهُ ، وَلِذَلِكَ أَثَرٌ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
فَصَارَ كَمَا لَوْ دَلَّسَ الْعَيْبَ .
فَإِنْ بَاعَ مَا عَلِمَ كَيْلَهُ صُبْرَةً ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ ، أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لَازِمٌ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ لَهُمَا ، وَلَا

تَغْرِيرَ مِنْ أَحَدِهِمَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَا كَيْلَهُ أَوْ جَهِلَاهُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ أَحْمَدُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ؛ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ .
وَلِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ أَبْعَدُ مِنْ التَّغْرِيرِ .
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً يَعْلَمُ تَصْرِيَتَهَا .
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ ، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ ، وَالْإِمْضَاءِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ ، وَغَدْرٌ مِنْ الْبَائِعِ ، فَصَحَّ الْعَقْدُ مَعَهُ ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ .
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ .

( 2971 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِكَيْلِهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ بِذَلِكَ الْكَيْلِ ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ .
فَإِنْ قَبَضَهُ بِاكْتِيَالِهِ ، تَمَّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِهِ جُزَافًا .
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا ، كَالَهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا رَدَّ الْفَضْلَ ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا أَخَذَ النَّقْصَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي قَدْرِهِ مَعَ يَمِينِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ ، وَبَقَاءُ الْحَقِّ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ قَبْلَ كَيْلِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ عَلَقَةً ، فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ ، بِغَيْرِ كَيْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ كَيْلِهِ .
وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ قَفِيزًا ، فَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ ، أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ ، بِالْكَيْلِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي حَقِّهِ بَعْدَ قَبْضِهِ ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ كِيلَ لَهُ .
وَالثَّانِي ، لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَعْضِ ، كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَإِنْ قَبَضَهُ بِالْوَزْنِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ جُزَافًا .
فَأَمَّا إنْ أَعْلَمَهُ بِكَيْلِهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهُ مُجَازَفَةً ، عَلَى أَنَّهُ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ ، سَوَاءٌ كَانَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ الْحَكَمِ ، قَالَ { : قَدِمَ طَعَامٌ لِعُثْمَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِنَا إلَى عُثْمَانَ ، نُعِينُهُ عَلَى طَعَامِهِ .
فَقَامَ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ عُثْمَانُ : فِي هَذِهِ الْغِرَارَةِ كَذَا وَكَذَا ، وَابْتَعْتهَا بِكَذَا وَكَذَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَمَّيْت الْكَيْلَ فَكِلْ } .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ أَنَّ فِي كُلِّ قَارُورَةٍ مَنًّا ، فَأَخَذَ بِذَلِكَ ، وَلَا يَكْتَالُهُ ، فَلَا يُعْجِبْنِي ؛ لِقَوْلِهِ لِعُثْمَانَ : " إذَا سَمَّيْت الْكَيْلَ فَكِلْ " قِيلَ لَهُ : إنَّهُمْ يَقُولُونَ : إذَا فُتِحَ فَسَدَ .
قَالَ : فَلِمَ لَا تَفْتَحُونَ وَاحِدًا وَتَزِنُونَ الْبَاقِيَ ؟ ( 2972 ) فَصْلٌ : وَلَوْ كَالَ طَعَامًا ، وَآخَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، فَهَلْ لِمَنْ شَاهَدَ الْكَيْلَ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ ثَانٍ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، نَصَّ عَلَيْهِمَا .
إحْدَاهُمَا ، لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلٍ ؛ لِأَنَّهُ شَاهَدَ كَيْلَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كِيلَ لَهُ .
وَالثَّانِيَةُ ، يَحْتَاجُ إلَى كَيْلٍ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ، فَاحْتَاجَ إلَى كَيْلٍ ؛ لِلْأَخْبَارِ ، وَالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ طَعَامًا ، فَاكْتَالَاهُ ، ثُمَّ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّةَ شَرِيكِهِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا ، فَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : إذَا اشْتَرَيَا غَلَّةً أَوْ نَحْوَهَا ، وَحَضَرَاهَا جَمِيعًا ، وَعَرَفَا كَيْلَهَا ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ : بِعْنِي نَصِيبَك ، وَأُرْبِحُك ، فَهُوَ جَائِزٌ .
وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ هَذَا الْمُشْتَرِي الْكَيْلَ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِكَيْلٍ .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَا بُدَّ مِنْ كَيْلِهِ .
وَوَجْهُهَا مَا تَقَدَّمَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَمَعْنَى الْكَيْلِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي قَدْرِهِ إلَى قَوْلِ الْقَابِضِ ، إذَا كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ كَذِبَهُ ، بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكِلْ بِحَضْرَتِهِ .
وَالظَّاهِرُ .
أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَيْلِ حَقِيقَتَهُ دُونَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ ، مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي

، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ ، إلَّا مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ .
وَإِنْ بَاعَهُ لِلثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى أَنَّهُ صُبْرَةٌ ، جَازَ ، وَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى كَيْلٍ ثَانٍ ، وَالْقَبْضُ فِيهِ بِنَقْلِهِ ، كَسَائِرِ الصُّبَرِ .

( 2973 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ يَشْتَرِي الْجَوْزَ ، فَيَعُدُّ فِي مِكْتَلٍ أَلْفَ جَوْزَةٍ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْجَوْزَ كُلَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمِعْيَارِ ، قَالَ : لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ أَعْكَامًا كَيْلًا ، وَقَالَ لِلْبَائِعِ : كِلْ لِي عِكْمًا مِنْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا مَا بَقِيَ عَلَى هَذَا الْكَيْلِ .
أَكْرَهُ هَذَا ، حَتَّى يَكِيلَهَا كُلَّهَا .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : كَانَ أَصْحَابُنَا يَكْرَهُونَ هَذَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي الْعُكُومِ يَخْتَلِفُ ، فَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ فَلَا يُعْلَمُ مَا فِي بَعْضِهَا بِكَيْلِ الْبَعْضِ ، وَالْجَوْزُ يَخْتَلِفُ عَدَدُهُ ، فَيَكُونُ فِي أَحَدِ الْمِكْتَلَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ ، فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِالْكَيْلِ ، كَمَا لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ ، وَلَا الْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ .

( 2974 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَاذَا اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَكِيلَةٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ .
صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مِقْدَارَ ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِحُّ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ ، وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ مَجْهُولَةٌ ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْمُبْتَاعِ بِرَقْمِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ ؛ لِإِشَارَتِهِ إلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ ، وَهُوَ أَنْ تُكَالَ الصُّبْرَةُ ، وَيُقَسَّطَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قُفْزَانِهَا ، فَيَعْلَمُ مَبْلَغُهُ ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مُرَابَحَةً ، لِكُلِّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي الْحَالِ ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ ، فَصَحَّ كَالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ ، وَجَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّمْرِ .

( 2975 ) فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ قَفِيزًا .
أَوْ قَالَ : عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ .
وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، صَحَّ .
وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشَاهَدٍ ، وَلَا مَوْصُوفٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمَبِيعَ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا أَشْبَهَ إذَا بَاعَ نِصْفَهَا ، وَمَا ذَكَرَهُ قِيَاسٌ ، وَهُوَ لَا يَحْتَجُّ بِالْقِيَاسِ ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّهُ إذَا شَاهَدَ الْجُمْلَةَ ، فَقَدْ شَاهَدَ الْمَبِيعَ ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا .

( 2976 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ ، و " كُلَّ " لِلْعَدَدِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ مِنْهَا مَجْهُولًا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ، كَمَا يَصِحُّ فِي الْإِجَارَةِ ، كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةِ ، وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ الْأُخْرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ .
عَلَى أَنْ أَزِيدَك قَفِيزًا ، أَوْ أَنْقُصَكَ قَفِيزًا .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَزِيدُهُ أَمْ يَنْقُصُهُ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ أَزِيدَك قَفِيزًا .
لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ مَجْهُولٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَزِيدُك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الْأُخْرَى .
أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ يُعْلَمُ بِهَا ، صَحَّ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ ، بِعْتُك هَذِهِ ، وَقَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ .
وَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنْ أَنْقُصَكَ قَفِيزًا .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ ، بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ ، إلَّا قَفِيزًا ، كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ ، وَشَيْءٍ مَجْهُولٍ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ ، عَلَى أَنْ أَزِيدَك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ لِأُخْرَى .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي التَّفْصِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَفِيزًا وَشَيْئًا بِدِرْهَمٍ ، وَالشَّيْءُ لَا يَعْرِفَانِهِ ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمَا بِكَمِّيَّةِ مَا فِي الصُّبْرَةِ مِنْ الْقُفْزَانِ .
وَلَوْ قَصَدَ أَنِّي أَحُطُّ ثَمَنَ قَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ لَا أَحْتَسِبُ بِهِ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا .
وَإِنْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَعْلُومًا قَدْرُ قُفْزَانِهَا لَهُمَا ، أَوْ قَالَ : هَذِهِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ بِعْتُكهَا كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ ، عَلَى أَنْ أَزِيدَك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ .
أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ يُعْلَمُ بِهَا صَحَّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِعْتُك كُلَّ قَفِيرٍ وَعُشْرِ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ .
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْقَفِيزُ ، أَوْ جَعَلَهُ هِبَةً ، لَمْ يَصِحَّ .
وَإِنْ أَرَادَ أَنِّي لَا أَحْسُبُ عَلَيْك بِثَمَنِ قَفِيزٍ مِنْهَا ، صَحَّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَلِمَا

جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ عَلِمَا مَا يَنْقُصُ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ أَنْقُصَك قَفِيزًا .
صَحَّ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ ، بِعْتُك تِسْعَةَ أَقْفِزَةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَكُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسْعٍ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّهُ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ .
وَلَا يَصِحُّ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى الْجَهَالَةِ .

( 2977 ) فَصْلٌ : وَلَوْ بَاعَ مَا لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ ، كَالْأَرْضِ وَالثَّوْبِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ ، فَفِيهِ نَحْوٌ مِنْ مَسَائِلِ الصُّبَرِ .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ ، أَوْ هَذِهِ الدَّارَ ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ ، أَوْ هَذَا الْقَطِيعَ ، بِأَلْفٍ .
صَحَّ إذَا كَانَ مُشَاهَدًا .
أَوْ قَالَ : بِعْتُك نِصْفَهُ ، أَوْ ثُلُثَهُ ، أَوْ رُبْعَهُ ، بِكَذَا .
صَحَّ أَيْضًا .
فَإِنْ قَالَ : بِعْتُكَهُ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ ، أَوْ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ .
صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصُّبْرَةِ ، وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك مِنْ الثَّوْبِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ ، أَوْ مِنْ الْقَطِيعِ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ .
وَإِنْ بَاعَهُ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ شِيَاهَ الْقَطِيعِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيَمِ ، فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَيَّ التَّنَازُعِ ، بِخِلَافِ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا مُتَسَاوِيَةٌ .
وَإِنْ بَاعَهُ ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ ، أَوْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْهَا ، يُرِيدَانِ بِذَلِكَ قَدْرًا غَيْرَ مُشَاعٍ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ كَذَلِكَ .
وَإِنْ أَرَادَا مُشَاعًا مِنْهَا ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ عَدَدَ ذُرْعَانِهَا صَحَّ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا ، وَمَوْضِعُهُ مَجْهُولٌ .
وَلَنَا أَنَّ عَشَرَةً مِنْ مِائَةٍ عُشْرُهَا ، وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك عُشْرَهَا .
صَحَّ .
فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : بِعْتُك عَشْرَةً مِنْ مِائَةٍ .
وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ مُسْلَمٍ ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرٍ ، كَمَا أَنَّ الْمِكْيَالَ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرٍ ، فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى جُمْلَةٍ كَانَ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْهَا .
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا قَدْرًا مِنْهَا غَيْرَ مُشَاعٍ ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ .
وَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَ الدَّارِ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ، وَأَجْزَاءَ الْأَرْضِ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً وَلَا مُشَاعَةً .
وَإِنْ قَالَ :

بِعْتُك مِنْ الدَّارِ مِنْ هَاهُنَا إلَى هَاهُنَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ .
وَإِنْ قَالَ : عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هَاهُنَا إلَى هَاهُنَا إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي الذِّرَاعُ .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ يَخْتَلِفُ ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ لَا يُعْلَمُ حَالَ الْعَقْدِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ .
وَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ نَصِيبِهِ مِنْهَا ، أَوْ قَالَ : نَصِيبًا مِنْهَا أَوْ سَهْمًا .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ .
وَإِنْ عَلِمَا ذَلِكَ صَحَّ .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك نِصْفَ دَارِي مِمَّا يَلِي دَارَكَ .
لَمْ يَصِحَّ ، نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا .

( 2978 ) فَصْلٌ : وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ، لَمْ يَصِحَّ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا بَاعَهُ عَبْدًا مِنْ عِيدَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ .
صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ الْغَرَرُ .
وَلَنَا أَنَّ مَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ وَقِيمَتُهُ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ بَعْضِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا مُشَاعًا ، كَالْأَرْبَعَةِ ، وَمَا لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ ، لَا يَصِحُّ بِشَرْطِهِ ، كَالْأَرْبَعَةِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا ، فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ يُمْكِنُ قَبْلَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ مَا قَالُوهُ يَبْطُلُ بِالْأَرْبَعَةِ .

( 2979 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ الثَّوْبِ حُكْمُ الْأَرْضِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْتُك مِنْ هَذَا الثَّوْبِ ، مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ .
صَحَّ .
فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقُصُهُ الْقَطْعُ ، قَطَعَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقُصُهُ الْقَطْعُ ، وَشَرْطَ الْبَائِعُ أَنْ يَقْطَعَهُ لَهُ ، أَوْ رَضِيَ بِقَطْعِهِ هُوَ وَالْمُشْتَرِي ، جَازَ .
وَإِنْ تَشَاحَّا فِي ذَلِكَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ ، كَمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْأَرْضِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ .
لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بِضَرَرٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ الْحَيَوَانِ .
وَلَنَا ، أَنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ ، وَلُحُوقُ الضَّرَرِ لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إذَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ نِصْفًا مِنْ الْحَيَوَانِ مُشَاعًا ، وَفَارَقَ نِصْفَ الْحَيَوَانِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ مُفْرَدًا ، إلَّا بِإِتْلَافِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ .

( 2980 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ .
فَبَانَ أَحَدَ عَشَرَ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، الْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ ، وَإِنَّمَا بَاعَ عَشَرَةً ، وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ ، وَإِنَّمَا اشْتَرَى الْكُلَّ ، وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الشَّرِكَةِ أَيْضًا .
وَالثَّانِيَةُ ، الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ، كَالْعَيْبِ ، ثُمَّ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ زَائِدًا وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْعَشَرَةِ ، فَإِنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا ، وَإِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ زَائِدًا ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَقِسْطِ الزَّائِدِ ، فَإِنْ رَضِيَ بِالْأَخْذِ أَخَذَ الْعَشَرَةَ ، وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ بِالذِّرَاعِ .
وَهَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَهُ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي الْمُشَارَكَةِ .
وَالثَّانِي ، لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ بِهَذَا الثَّمَنِ .
فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ لَهُ فِيهِ كَانَ زِيَادَةً ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الْفَسْخَ ، وَلِأَنَّ هَذَا الضَّرَرَ حَصَلَ بِتَغْرِيرِهِ وَإِخْبَارِهِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَلَّطَ بِهِ عَلَى فَسْخِ عَقْدِ الْمُشْتَرِي .
فَإِنْ بَذَلَهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ ، أَوْ طَلَبَهَا الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ ، لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ الْقَبُولُ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّرَاضِي مِنْهُمَا ، فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ ، جَازَ ، فَإِنْ بَانَ تِسْعَةً ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَالثَّانِيَةُ ، الْبَيْعُ صَحِيحٌ ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْسَاكِ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ

الثَّمَنِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ ، أَوْ الْفَسْخِ .
بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ : إنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ لِمُشْتَرِيهِ إلَّا الْفَسْخُ أَوْ إمْسَاكُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ .
وَلَنَا أَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا فِي الْقَدْرِ ، فَكَانَ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، كَالصُّبْرَةِ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ فَبَانَتْ خَمْسِينَ ، وَسَنُبَيِّنُ أَنَّ الْمَعِيبَ لَهُ إمْسَاكُهُ ، وَأَخْذُ أَرْشِهِ ، فَإِنْ أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ ، فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرِّضَا بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِبَيْعِهَا بِهَذَا الثَّمَنِ كُلِّهِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ .
فَإِنْ بَذَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ الَّذِي رَضِيَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا فَرَضِيَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
( 2981 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرِ ، رَدَّ الزَّائِدَ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَتَى سَمَّى الْكَيْلَ فِي الصُّبْرَةِ لَا يَكُونُ قَبْضُهَا إلَّا بِالْكَيْلِ ، فَإِذَا كَالَهَا فَوَجَدَهَا قَدْرَ حَقِّهِ ، أَخَذَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً رَدَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً ، أَخَذَهَا بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ ، وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ إذَا وَجَدَهَا نَاقِصَةً ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَهُ الْخِيَارُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا ، فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ ، كَغَيْرِ الصُّبْرَةِ ، وَكَنُقْصَانِ الصِّفَةِ .
الثَّانِي ، لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَاقِي مِنْ الْكَيْلِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ .

( 2982 ) فَصْلٌ : إذَا بَاعَ الْأَدْهَانَ فِي ظَرْفِهَا جُمْلَةً ، وَقَدْ شَاهَدَهَا ، جَازَ ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا لَا تَخْتَلِفُ ، فَهُوَ كَالصُّبْرَةِ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْعَسَلِ ، وَالدِّبْسِ ، وَالْخَلِّ ، وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ .
وَإِنْ بَاعَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ ، أَوْ بَاعَهُ رِطْلًا مِنْهَا ، أَوْ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ بَاعَةُ جُزْءًا مُشَاعًا ، أَوْ أَجْزَاءً ، أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ مَعَ الظَّرْفِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ ، أَوْ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ، جَازَ .
وَإِنْ بَاعَهُ السَّمْنَ وَالظَّرْفَ ، كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ مَبْلَغَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ .
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا ذَلِكَ ، جَازَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ الظَّرْفَ ، كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ ، وَمَا فِيهِ كَذَلِكَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى ظَرْفَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا سَمْنٌ فِي الْآخَرِ زَيْتٌ ، كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، فَيَدْخُلُ عَلَى غَرَرٍ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَفَرِّدًا يَصِحُّ لِذَلِكَ .
فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَهُمَا ، كَالْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَجْزَاءِ ، وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا .
وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ ، عَلَى أَنْ يَزِنَ الظَّرْفَ ، فَيَحْتَسِبَ عَلَيْهِ بِوَزْنِهِ ، وَلَا يَكُونُ مَبِيعًا ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ زِنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الدُّهْنَ عَشَرَةً وَالظَّرْفَ رِطْلًا ، كَانَ مَعْنَاهُ : بِعْتُك عَشْرَةَ أَرْطَالٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا .
وَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ زِنَةَ الظَّرْفِ وَالدُّهْنِ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ .
وَسَوَاءٌ جَهِلَا زِنَتَهُمَا جَمِيعًا ، أَوْ زِنَةَ أَحَدِهِمَا ؛ لِذَلِكَ .

( 2983 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَجَدَ فِي ظَرْفِ السَّمْنِ رَبًّا ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : إنْ كَانَ سَمَّانًا ، وَعِنْدَهُ سَمْنٌ أَعْطَاهُ بِوَزْنِهِ سَمْنًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سَمْنٌ ، أَعْطَاهُ بِقَدْرِ الرَّبِّ مِنْ الثَّمَنِ .
وَأَلْزَمَهُ شُرَيْحٌ بِقَدْرِ الرَّبِّ سَمْنًا بِكُلِّ حَالٍ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : إنْ شَاءَ أَخَذَ الَّذِي وَجَدَهُ ، لَا يُكَلَّفُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِقَدْرِ الرَّبِّ سَمْنًا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ الْمَكِيلَ نَاقِصًا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً ، فَوَجَدَ تَحْتَهَا رَبْوَةً ، أَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ ، فَبَانَتْ تِسْعَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَوْجُودَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَا هَاهُنَا .
فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَأْخُذُ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّمْنِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يُعْطِيَهُ سَمْنًا ، سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إعْطَائِهِ سَمْنًا ، جَازَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْمُصَرَّاةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
التَّصْرِيَةُ : جَمْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ .
يُقَالُ : صَرَّى الشَّاةَ ، وَصَرَى اللَّبَنَ فِي ضَرْعِ الشَّاةِ ، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ .
وَيُقَالُ : صَرَى الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ ، وَصَرَى الطَّعَامَ فِي فِيهِ ، وَصَرَى الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ .
إذَا تَرَكَ الْجِمَاعَ .
وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ : رَأَتْ غُلَامًا قَدْ صَرَى فِي فِقْرَتِهْ مَاءَ الشَّبَابِ عُنْفُوَانَ شِرَّتِهْ وَمَاءُ صَرًى ، وَصَرٍّ ، إذَا طَالَ اسْتِنْقَاعُهُ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : أَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ ، يُقَالُ : صَرَّيْتُ الْمَاءَ .
وَيُقَالُ لِلْمُصَرَّاةِ : الْمُحَفَّلَةُ .
وَهُوَ مِنْ الْجَمْعِ أَيْضًا ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَجَامِعُ النَّاسِ مَحَافِلُ وَالتَّصْرِيَةُ حَرَامٌ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ التَّدْلِيسَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تُصِرُّوا } .
وَقَوْلِهِ { : مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، فِي سُنَنِهِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : { بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خَلَابَةٌ ، وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ .
} رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، { : وَلَا يَحِلُّ خَلَابَةٌ لِمُسْلِمٍ .
} ( 2984 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا اشْتَرَى مُصَرَّاةً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَهَا أَوْ يَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ ) .
الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ ( 2985 ) ، الْأَوَّلُ ، أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، لَمْ يَعْلَمْ تَصْرِيَتَهَا ، ثُمَّ عَلِمَ .
فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إلَى أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً ، فَوَجَدَهَا أَقَلَّ لَبَنًا مِنْ أَمْثَالِهَا لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهَا ،

وَالتَّدْلِيسُ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، كَمَا لَوْ عَلَفَهَا فَانْتَفَخَ بَطْنُهَا ، فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا حَامِلٌ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، إنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ هَذَا تَدْلِيسٌ بِمَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهِ ، فَوَجَبَ بِهِ الرَّدُّ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ شَمْطَاءَ ، فَسَوَّدَ شَعْرَهَا .
وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِتَسْوِيدِ الشَّعْرِ ، فَإِنَّ بَيَاضَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَالْكِبَرِ ، وَإِذَا دَلَّسَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، وَأَمَّا انْتِفَاخُ الْبَطْنِ ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَمْلِ ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ يُخَالِفُ النَّصَّ ، وَاتِّبَاعُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى .
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي وَجْهٍ ؛ لِلْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ انْقِطَاعَ اللَّبَنِ لَمْ يُوجَدْ ، وَقَدْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ ، فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ رِضًى ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا ، ثُمَّ طَلَبَتْ الْفَسْخَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِالتَّدْلِيسِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ سَوَّدَ شَعْرَهَا عَالِمًا بِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ ، وَبَقَاءُ اللَّبَنِ عَلَى حَالِهِ نَادِرٌ بَعِيدٌ

، لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمٌ ، وَالْأَصْلُ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ .
وَلَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَصَارَ لَبَنُهَا عَادَةً ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى كَثْرَتِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَهُ الرَّدُّ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِلْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ التَّدْلِيسَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ ، فَأَثْبَتِ الرَّدَّ ، كَمَا لَوْ نَقَصَ اللَّبَنُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الرَّدَّ جُعِلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِنَقْصِ اللَّبَنِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، فَامْتَنَعَ الرَّدُّ ، وَلِأَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يُوجَدْ ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ صِفَةُ الْمَبِيعِ عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ التَّدْلِيسُ ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ضَرَرٌ .
( 2986 ) الْفَصْلُ الثَّانِي ، أَنَّهُ إذَا رَدَّ ، لَزِمَهُ رَدُّ ، بَدَلِ اللَّبَنِ .
وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مِنْ جَوَّزَ رَدَّهَا ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ ، وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَذَهَبَ مَالِكٍ ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ : " وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ " .
وَفِي بَعْضِهَا : " وَرَدَّ مَعَهَا مِثْلَيْ أَوْ مِيلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا " فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَجَعَلَ تَنْصِيصَهُ عَلَى التَّمْرِ ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي الْمَدِينَةِ ، وَنَصَّ عَلَى الْقَمْحِ ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدٍ آخَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مُتْلَفٍ ، فَكَانَ مُقَدَّرًا بِقِيمَتِهِ ، كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ .
وَلَنَا ، الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى التَّمْرِ فَقَالَ { : إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا

مِنْ تَمْرٍ } .
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ { : مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا ، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ } وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمِ ، رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : وَرَدَّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ } وَفِي لَفْظٍ لَهُ : { طَعَامًا لَا سَمْرَاءَ } يَعْنِي لَا يَرُدُّ قَمْحًا .
وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ هَاهُنَا التَّمْرُ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ ، مُقَيَّدٌ فِي الْآخَرِ ، فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُطْلَقُ فِيمَا هَذَا سَبِيلُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ .
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَطْرَحُ الظَّاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ إذْ لَا قَائِلَ بِإِيجَابِ مِثْلِ لَبَنِهَا أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا ، ثُمَّ قَدْ شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي ، وَخَالَفَتْهُ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ .
وَقِيَاسُ أَبِي يُوسُفَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَدِّرَ الشَّرْعُ ، بَدَلَ هَذَا الْمُتْلَفِ ، قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ ، وَدَفْعًا لِلتَّنَازُعِ ، كَمَا قَدَّرَ بَدَلَ الْآدَمِيِّ وَدِيَةَ أَطْرَافِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الصَّاعَ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبَهُ ، لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ : أَحَدُهَا ، أَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الْأَثْمَانُ لَا التَّمْرُ .
الثَّانِي ، أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، مَعَ اخْتِلَافِ لَبَنِهَا .
الثَّالِثُ ، أَنَّ لَفْظَهُ لِلْعُمُومِ ، فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مُصَرَّاةٍ ، وَلَا يَتَّفِقُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ لَبَنِ كُلِّ مُصَرَّاةٍ صَاعًا ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، فَيَتَعَيَّنُ إيجَابُ الصَّاعِ ؛ لِأَنَّهُ الْقِيمَةُ الَّتِي عَيَّنَ الشَّارِعُ إيجَابَهَا ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا ، وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّاعُ مِنْ التَّمْرِ جَيِّدًا ، غَيْرَ مَعِيبٍ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِطْلَاقِ الشَّارِعِ ، فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، كَالصَّاعِ الْوَاجِبِ فِي الْفِطْرَةِ .

وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَجْوَدِ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُنْ مِنْ أَدْنَيْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَيِّدِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ التَّمْرِ مِثْلَ قِيمَةِ الشَّاةِ ، أَوْ أَقَلَّ ، أَوْ أَكْثَرَ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَلَيْسَ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ بَدَلُ اللَّبَنِ ، قَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِهِ ، كَمَا قَدَّرَ فِي يَدَيْ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ ، وَفِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ قِيمَتَهُ مَرَّتَيْنِ ، مَعَ بَقَاءِ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ .
وَإِنْ عَدِمَ التَّمْرَ فِي مَوْضِعِهِ ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ عَيْنٍ أَتْلَفَهَا ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا .
( 2987 ) فَصْلٌ : وَإِنْ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ قَبْلَ حَلْبِهَا ، مِثْلُ أَنْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ ، أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، فَلَهُ رَدُّهَا ، وَلَا شَيْءَ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ إنَّمَا وَجَبَ بَدَلًا لِلَّبَنِ الْمُحْتَلَبِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا ، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ سَخِطَهَا ، فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ } .
وَلَمْ يَأْخُذْ لَهَا لَبَنًا هَاهُنَا ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ شَيْءٍ مَعَهَا .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
وَأَمَّا لَوْ احْتَلَبَهَا وَتَرَك اللَّبَنَ بِحَالِهِ ثُمَّ رَدَّهَا ، رَدَّ لَبَنهَا ، وَلَا يُلْزِمُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فَرَدَّهُ ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ .
فَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ قَبُولَهُ ، وَطَلَبَ التَّمْرَ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، إذَا كَانَ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ .
وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ بِالْحَلْبِ ، وَكَوْنُهُ فِي الضَّرْعِ أَحْفَظَ لَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْمُبْدَلِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْبَدَلُ ، كَسَائِرِ الْمُبْدَلَاتِ مَعَ أَبْدَالِهَا .
وَالْحَدِيثُ الْمُرَادُ بِهِ رَدُّ التَّمْرِ حَالَةَ

عَدَمِ اللَّبَنِ ؛ لِقَوْلِهِ { : فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ } .
وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى .
وَقَوْلُهُمْ إنَّ الضَّرْعَ أَحْفَظُ لَهُ .
لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْ إبْقَاؤُهُ فِي الضَّرْعِ عَلَى الدَّوَامِ ، وَبَقَاؤُهُ يَضُرُّ بِالْحَيَوَانِ .
وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ قَدْ تَغَيَّرَ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِلْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ بِالْحُمُوضَةِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ .
وَالثَّانِي ، يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِإِسْلَامِ الْمَبِيعِ ، وَبِتَغْرِيرِ الْبَائِعِ ، وَتَسْلِيطِهِ عَلَى حَلْبِهِ ، فَلَمْ يَمْنَعُ الرَّدَّ ، كَلَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ .

( 2988 ) فَصْلٌ : وَإِذَا رَضِيَ بِالتَّصْرِيَةِ فَأَمْسَكَهَا ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ ، رَدَّهَا بِهِ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَيْبٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَعْرَجَ ، فَرَضِيَ بِعَيْبِهِ ، ثُمَّ أَصَابَ بِهِ بَرَصًا .
وَإِذَا رَدَّ لَزِمَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ عِوَضَ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُعِلَ عِوَضًا لَهُ فِيمَا إذَا رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ ، فَيَكُونُ عِوَضًا لَهُ مُطْلَقًا .
( 2989 ) فَصْلٌ : وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَاحْتَلَبَهَا ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا ، فَلَهُ الرَّدُّ ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ حَالَ الْعَقْدِ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَبَنٌ حَالَ الْعَقْدِ ، إلَّا أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَخْلُو الضَّرْعُ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْعَادَةِ ، فَهُوَ تَابِعٌ لِمَا حَدَثَ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ، وَكَانَ قَائِمًا بِحَالِهِ ، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ ؟ يُبْنَى عَلَى رَدِّ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ ، وَقَدْ سَبَقَ .
فَإِنْ قُلْنَا : لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ، كَانَ بَقَاؤُهُ كَتَلَفِهِ .
وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ ؟ يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَتَلِفَ مِنْهُ جُزْءٌ أَوْ تَعَيَّبَ .
وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ .
وَالْأَصْلُ ضَمَانُ مَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ بِمِثْلِهِ ، إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ فِي لَبَنِ التَّصْرِيَةِ بِالنَّصِّ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، فِي هَذَا الْفَصْلِ ، نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرْنَا .

( 2990 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْخِيَارِ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُدَّتِهِ .
فَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ قَبْلِ مُضِيِّهَا ، وَلَا إمْسَاكُهَا بَعْدَهَا ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ .
قَالَ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا ، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَالُوا : فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَدَّرَهَا الشَّارِعُ لِمَعْرِفَةِ التَّصْرِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ قَبْلَ مُضِيِّهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَبَنُهَا لَبَنُ التَّصْرِيَةِ ، وَفِي الثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَبَنُهَا نَقَصَ ؛ لِتَغَيُّرِ الْمَكَانِ وَاخْتِلَافِ الْعَلَفِ ، وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثِ ، فَإِذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ اسْتَبَانَتْ التَّصْرِيَةُ ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَلَا يَثْبُتُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : عِنْدِي مَتَى ثَبَتَتْ التَّصْرِيَةُ ، جَازَ لَهُ الرَّدُّ ، قَبْلَ الثَّلَاثَةِ وَبَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، فَمَلَكَ الرَّدَّ بِهِ إذَا تَبَيَّنَهُ ، كَسَائِرِ التَّدْلِيسِ .
وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ .
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فَائِدَةُ التَّقْدِيرِ فِي الْخَبَرِ بِالثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ إلَّا بِهَا ، فَاعْتَبَرَهَا لِحُصُولِ الْعِلْمِ ظَاهِرًا ، فَإِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهَا ، أَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا فَالِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَهَا ، كَمَا فِي سَائِرِ التَّدْلِيسِ .
وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى ، أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ ، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى تَمَامِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَحَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا ؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا .
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَقِيبَهَا .
وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا ، وَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ أَوْلَى ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ ، وَسَائِرِ التَّدْلِيسِ .

( 2991 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرَى نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً ) جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّصْرِيَةِ بَيْنَ الشَّاةِ وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ ، وَشَذَّ دَاوُد ، فَقَالَ : لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَصْرِيَةِ الْبَقَرَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ { : لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ } .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُمَا بِخِلَافِهِمَا ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِيهِمَا بِالنَّصِّ ، وَالْقِيَاسُ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ .
وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ { : مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
} وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً } .
وَلَمْ يُفَصِّلْ ، وَلِأَنَّهُ تَصْرِيَةٌ بِلَبَنٍ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، أَشْبَهَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ ، وَالْخَبَرُ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَصْرِيَةِ الْبَقَرِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ نَفْعًا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ .
مَمْنُوعٌ .
ثُمَّ هُوَ هَاهُنَا ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ .

( 2992 ) فَصْلٌ : إذَا اشْتَرَى مُصَرَّاتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، فَرَدَّهُنَّ ، رَدَّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةٍ صَاعًا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فِي الْجَمِيعِ صَاعٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ } .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْلِهِ { : مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً و مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً } .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ .
وَلِأَنَّ مَا جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الشَّيْءِ فِي صَفْقَتَيْنِ ، وَجَبَ إذَا كَانَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَأَرْشِ الْعَيْبِ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْوَاحِدَةِ .

( 2993 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، كَالْأَمَةِ وَالْأَتَانِ وَالْفَرَسِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا ، يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ { : مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً و مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً } .
وَلِأَنَّهُ تَصْرِيَةٌ بِمَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِهِ ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ ، كَتَصْرِيَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَذَلِكَ أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ يُرَادُ لِلرَّضَاعِ ، وَيُرَغِّبُ فِيهَا ظِئْرًا وَيُحَسِّنُ ثَدْيَهَا ، وَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ كَثْرَةَ لَبَنِهَا ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ ، مَلَكَ الْفَسْخَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَمَا ثَبَتَ بِاشْتِرَاطِهِ ، وَلَا مَلَكَ الْفَسْخَ بِعَدَمِهِ .
وَلِأَنَّ الْأَتَانَ وَالْفَرَسَ يُرَادَانِ لِوَلَدِهِمَا .
وَالثَّانِي : لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ ، وَلَا يُقْصَدُ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَكْثَرُ ، وَاللَّفْظُ الْعَامُ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ فِي رَدِّهَا بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ، وَلَا يَجِبُ فِي لَبَنِ غَيْرِهَا ، وَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَامًّا وَخَاصًّا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَيُحْمَلُ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَامِّ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ الْخَاصُّ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، إذَا رَدَّهَا لَمْ يَلْزَمْ بَدَلُ لَبَنِهَا ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ لَا يُبَاعُ عَادَةً ، وَلَا يُعَاوَضُ عَنْهُ .

( 2994 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ تَدْلِيسٍ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ ، مِثْلُ أَنْ يُسَوِّدَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ، أَوْ يُجَعِّدَهُ ، أَوْ يُحَمِّرَ وَجْهَهَا ، أَوْ يُضْمِرَ الْمَاءَ عَلَى الرَّحَا ، وَيُرْسِلَهُ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي ، يُثْبِتُ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ بِمَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهِ فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ ، كَالتَّصْرِيَةِ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَسْوِيدِ الشَّعْرِ .
وَقَالَ فِي تَجْعِيدِهِ : لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَ الْعَبْدِ ، لِيَظُنَّهُ كَاتِبًا أَوْ حَدَّادًا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَدْلِيسٌ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ، أَشْبَهَ تَسْوِيدَ الشَّعْرِ ، وَأَمَّا تَسْوِيدُ الْأَنَامِلِ ، فَلَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِكَوْنِهِ كَاتِبًا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَلَغَ بِالدَّوَاةِ ، أَوْ كَانَ غُلَامًا لِكَاتِبٍ يُصْلِحُ لَهُ الدَّوَاةَ ، فَظَنُّهُ كَاتِبًا ، طَمَعٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ فَسْخًا ، فَإِنْ حَصَلَ هَذَا مِنْ غَيْرِ تَدْلِيسٍ ، مِثْلُ أَنْ يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، أَوْ احْمَرَّ وَجْهُ الْجَارِيَةِ لِخَجَلٍ أَوْ تَعَبٍ ، أَوْ تَسَوَّدَ شَعْرُهَا بِشَيْءِ وَقَعَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْقَاضِي : لَهُ الرَّدُّ أَيْضًا ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالْمُشْتَرِي ، وَالضَّرَرُ وَاجِبُ الدَّفْعِ ، سَوَاءٌ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ ، فَأَشْبَهَ الْعَيْبَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِحُمْرَةِ وَجْهِهَا بِخَجَلٍ أَوْ تَعَبٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، فَيَتَعَيَّنُ ظَنُّهُ مِنْ خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ طَمَعًا ، فَأَشْبَهَ سَوَادَ أَنَامِلِ الْعَبْدِ .

فَصْلٌ : فَإِنْ عَلَفَ الشَّاةَ فَمَلَأَ خَوَاصِرَهَا ، وَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا حَامِلٌ ، أَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَ الْعَبْدِ أَوْ ثَوْبَهُ ، يُوهِمُ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ حَدَّادٌ ، أَوْ كَانَتْ الشَّاةُ عَظِيمَةَ الضَّرْعِ خِلْقَةً ، فَظَنَّ أَنَّهَا كَثِيرَةَ اللَّبَنِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلْجِهَةِ الَّتِي ظَنَّهَا ؛ فَإِنَّ امْتِلَاءَ الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ لَأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَسَوَادَ أَنَامِلِ الْعَبْدِ قَدْ يَكُونُ لِوَلَغٍ بِالدَّوَاةِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ شَارِعًا فِي الْكِتَابَةِ ، أَوْ غُلَامًا لِكَاتِبٍ ، فَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ مِنْ بَابِ الطَّمَعِ ، فَلَا يُثْبِتُ خِيَارًا .

( 2996 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَرَادَ إمْسَاكَ الْمُدَلِّسِ ، وَأَخْذَ الْأَرْشِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِي الْمُصَرَّاةِ أَرْشًا ، وَإِنَّمَا خَيَّرَهُ فِي شَيْئَيْنِ ، قَالَ { : إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ } .
وَلِأَنَّ الْمُدَلِّسَ لَيْسَ بِعَيْبٍ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ أَجْلِهِ عِوَضًا .
وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِتَلَفٍ ، فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الرَّدُّ فِيمَا لَا أَرْشَ لَهُ ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُدَلِّسِ .
وَإِنْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالتَّدْلِيسِ ، فَلَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ أَرْشِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ ، وَأَخْذُ الثَّمَنِ .
وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَإِنْ عَلِمَ التَّدْلِيسَ ، فَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ ، بَطَلَ رَدُّهُ ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ .
وَإِنْ أَخَّرَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَأَخُّرِ رَدِّ الْمَعِيبِ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( 2997 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً ثَيِّبًا ، فَأَصَابَهَا ، أَوْ اسْتَغَلَّهَا ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ ، كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ، وَالْوَطْءَ كَالْخِدْمَةِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ خَمْسَةٌ : ( 2998 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ، أَنَّ مَنْ عَلِمَ بِسِلْعَتِهِ عَيْبًا ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا ، حَتَّى يُبَيِّنَهُ لِلْمُشْتَرِي .
فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ فَهُوَ آثِمٌ عَاصٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا ، وَإِنْ كَذِبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ } .
وَقَالَ { : مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ ، لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ ، وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ } .
رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْد أَهْل الْعِلْمِ ، كَرِهُوا الْغِشَّ ، وَقَالُوا : هُوَ حَرَامٌ .
فَإِنْ بَاعَهُ ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ .
وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ .
وَلَنَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّصْرِيَةِ ، وَصَحَّحَ الْبَيْعَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي الْمُصَرَّاةِ ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا .

( 2999 ) الْفَصْلُ الثَّانِي ، أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ، لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالْفَسْخِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ وَكَتَمَهُ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا خِلَافًا .
وَإِثْبَاتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ بِالتَّصْرِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالْعَيْبِ .
وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ ؛ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ اشْتَرَى مَمْلُوكًا فَكَتَبَ : هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا ، أَوْ أَمَةً ، لَا دَاءَ بِهِ ، وَلَا غَائِلَةَ ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ } .
فَثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ اقْتَضَى السَّلَامَةَ .
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ ، وَالْعَيْبُ حَادِثٌ أَوْ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا ، فَمَتَى فَاتَتْ فَاتَ بَعْضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُهُ بِالْعِوَضِ ، وَكَانَ لَهُ الرَّدُّ ، وَأَخْذُ الثَّمَنِ كَامِلًا .

( 3000 ) فَصْلٌ : خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي ، فَمَتَى عَلِمَ الْعَيْبَ ، فَأَخَّرَ الرَّدَّ ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ ، حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا .
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، هُوَ عَلَى التَّرَاخِي .
وَالثَّانِيَةُ ، هُوَ عَلَى الْفَوْرِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، فَمَتَى عَلِمَ الْعَيْبَ ، فَأَخَّرَ رَدَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ ، بَطَلَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ ، فَأُسْقِطَ خِيَارُهُ ، كَالتَّصَرُّفِ فِيهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، كَالْقِصَاصِ ، وَلَا نُسَلِّمُ دَلَالَةَ الْإِمْسَاكِ عَلَى الرِّضَا بِهِ .
( 3001 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ ، أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْمَبِيعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَالِهِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ ، أَوْ يَكُونَ قَدْ زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ ، أَوْ جُعِلَتْ لَهُ فَائِدَةٌ ، فَذَلِكَ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا ، أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً ، كَالسِّمَنِ ، وَالْكِبَرِ ، وَالتَّعَلُّمِ ، وَالْحَمْلِ قَبْلَ الْوَضْعِ ، وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا بِنَمَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ .
الْقِسْمُ الثَّانِي ، أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً ، وَهِيَ نَوْعَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ ، كَالْكُسْبِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " أَوْ اسْتَغَلَّهَا " .
يَعْنِي أَخَذَ غَلَّتَهَا ، وَهِيَ مَنَافِعُهَا الْحَاصِلَةُ مِنْ جِهَتِهَا ، كَالْخِدْمَةِ ، وَالْأُجْرَةِ ، وَالْكُسْبِ ، وَكَذَلِكَ مَا يُوهَبُ أَوْ يُوصَى لَهُ بِهِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهَا { ، أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا ، فَاسْتَغَلَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ اسْتَغَلَّ غُلَامِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالشَّافِعِيُّ ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ مُسْلِمٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ فِيهِ { : الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ } .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ .
النَّوْعُ الثَّانِي ، أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ ، كَالْوَلَدِ ، وَالثَّمَرَةِ ، وَاللَّبَنِ ، فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا ، وَيَرُدُّ الْأَصْلَ دُونَهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانَ النَّمَاءُ ثَمَرَةً لَمْ يَرُدَّهَا ، وَإِنْ كَانَ وَلَدًا رَدَّهُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ حُكْمٌ ، فَسَرَى إلَى وَلَدِهَا كَالْكِتَابَةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : النَّمَاءُ الْحَادِثُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ الْأَصْلِ بِدُونِهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبِهِ ، فَلَا يُرْفَعُ الْعَقْدُ مَعَ بَقَاءِ مُوجِبِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَكَالْكُسْبِ .
وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ ، فَجَازَ رَدُّ الْأَصْلِ بِدُونِهِ ، كَالْكُسْبِ وَالثَّمَرَةِ عِنْدَ مَالِكٍ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ النَّمَاءَ مُوجَبُ الْعَقْدِ .
غَيْرُ صَحِيحٍ ، إنَّمَا مُوجَبُهُ الْمِلْكُ ، وَلَوْ كَانَ مُوجَبًا لِلْعَقْدِ لَعَادَ إلَى الْبَائِعِ بِالْفَسْخِ .
وَقَوْلُ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ ، فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِحُكْمِ رَدِّ الْأُمِّ .
وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرَهُ بِنَقْلِ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ ، وَالْبَيْعِ ، وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ بِوُجُودِهِ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَ ، فَهَذَا نَذْكُرُ حُكْمَهُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

الْفَصْلُ الرَّابِعُ ، إنْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ ، فَلَهُ رَدُّهَا ، وَلَيْسَ مَعَهَا شَيْءٌ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ؛ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَإِسْحَاقُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَجْرِي مَجْرَى الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ عُقُوبَةٍ ، أَوْ مَالٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الرَّدَّ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا .
وَقَالَ شُرَيْحٌ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : يَرُدُّهَا ، وَمَعَهَا أَرْشٌ .
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ : نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهَا .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : حُكُومَةٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : عَشَرَةُ دَنَانِيرَ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : مَهْرُ مِثْلِهَا .
وَحُكِيَ نَحْوُ قَوْلِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَخَ صَارَ وَاطِئًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، لِكَوْنِ الْفَسْخِ رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَعْنَى لَا يُنْقِصُ عَيْنَهَا ، وَلَا قِيمَتَهَا ، وَلَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ ، فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ ، كَالِاسْتِخْدَامِ ، وَكَوَطْءِ الزَّوْجِ .
وَمَا قَالُوهُ يَبْطُلُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ ، وَوَطْءُ الْبِكْرِ يُنْقِصُ ثَمَنَهَا .
وَقَوْلُهُمْ : يَكُونُ وَاطِئًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ .
لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ ، لَا مِنْ أَصْلِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ ، وَلَا يُوجِبُ رَدَّ الْكُسْبِ ، فَيَكُونُ وَطْؤُهُ فِي مِلْكِهِ .

( 3003 ) فَصْلٌ : وَلَوْ اشْتَرَى مُزَوَّجَةً ، فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الرَّدَّ .
بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ .
فَإِنْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي ، فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاقِيًا فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَطْءِ السَّيِّدِ .
وَقَدْ اسْتَحْسَنَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا ، وَبَيْنَ وَطْءِ السَّيِّدِ .
وَإِنْ زَنَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْهَا ، فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهَا حُكْمُ الزِّنَى فِي يَدِ الْمُشْتَرِي .

( 3004 ) الْفَصْلُ الْخَامِسُ ؛ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْسَاكَ الْمَعِيبِ ، وَأَخْذَ الْأَرْشِ ، فَلَهُ ذَلِكَ .
وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَيْسَ لَهُ إلَّا الْإِمْسَاكُ ، أَوْ الرَّدُّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْشٌ ، إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ رَدُّ الْمَبِيعِ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِمُشْتَرِي الْمُصَرَّاةِ الْخِيَارَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ ، أَوْ الرَّدِّ .
وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّدَّ ، فَلَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ، كَاَلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، فَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ .
وَلِأَنَّهُ فَاتَ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِعِوَضِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، فَبَانَتْ تِسْعَةً ، أَوْ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ فَأَمَّا الْمُصَرَّاةُ فَلَيْسَ فِيهَا عَيْبٌ ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْخِيَارَ بِالتَّدْلِيسِ ، لَا لِفَوَاتِ جُزْءٍ ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَرْشًا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ عَلَيْهِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَمَعْنَى أَرْشِ الْعَيْبِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ صَحِيحًا ، ثُمَّ يُقَوَّمَ مَعِيبًا ، فَيُؤْخَذُ قِسْطُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ ، فَنِسْبَتُهُ إلَى الثَّمَنِ نِسْبَةُ النُّقْصَانِ بِالْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ ، مِثَالُهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَعِيبُ صَحِيحًا بِعَشَرَةٍ ، وَمَعِيبًا بِتِسْعَةِ ، وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَقَدْ نَقَصَهُ الْعَيْبُ عُشْرَ قِيمَتِهِ ، فَيُرْجَعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ .
وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَضْمُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ ، فَفَوَاتُ جُزْءٍ مِنْهُ يُسْقِطُ عَنْهُ ضَمَانَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا .
وَلِأَنَّنَا لَوْ ضَمَّنَّاهُ نَقْصَ الْقِيمَةِ ، أَفْضَى إلَى اجْتِمَاعِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْمُشْتَرِي ، فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ ،

فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ عَشَرَةً ، فَأَخَذَهَا ، حَصَلَ لَهُ الْمَبِيعُ ، وَرَجَعَ بِثَمَنِهِ .
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ : " أَوْ يَأْخُذَ مَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ " .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، فَقَالَ : يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت .

( 3005 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا ، فَأَرَادَ رَدَّهَا ، كَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا ) يَعْنِي الْأَمَةَ الْبِكْرَ إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهَا ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَعَهَا أَرْشَ النَّقْصِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ رَدِّهَا رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يَرُدُّهَا ، وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْعَيْبِ .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَإِسْحَاقُ .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يَرُدُّهَا ، وَيَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا .
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا نَقَصَ قِيمَتَهَا بِالْوَطْءِ ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا بِكْرًا عَشَرَةً ، وَثَيِّبًا ثَمَانِيَةً ، رَدَّ دِينَارَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ ، بِخِلَافِ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَقَالَ شُرَيْحٌ ، وَالنَّخَعِيُّ : يَرُدُّ عُشْرَ ثَمَنِهَا .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : يَرُدُّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ .
وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ رَدَّهَا بِأَنَّ الْوَطْءَ نَقَصَ عَيْنَهَا وَقِيمَتَهَا ، فَلَمْ يَمْلِكْ رَدَّهَا ، كَمَا [ إذَا ] اشْتَرَى عَبْدًا فَخَصَاهُ ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا لِاسْتِعْلَامٍ ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ ، كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ .

( 3006 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ مَبِيعٍ كَانَ مَعِيبًا ، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ ، قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ ، فَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ ، وَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ .
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالشَّعْبِيِّ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ ، وَفِي الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إضْرَارٌ بِهِ ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَهُ الرَّدُّ ، يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ، وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ .
وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ ، وَلَهُ الْأَرْشُ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ : يَرُدُّهُ وَنُقْصَانَ الْعَيْبِ .
وَقَالَ الْحَكَمُ : يَرُدُّهُ .
وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ شَيْئًا .
وَلَنَا ، حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَدِّهَا بَعْدَ حَلْبِهَا ، وَرَدِّ عِوَضِ لَبَنِهَا .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الثَّوْبِ ، إذَا كَانَ بِهِ عَوَارٌ ، بِرَدِّهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ لَبِسَهُ .
وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ وَأَرْشِهِ ، وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ ، كَمَا لَوْ كَانَ حُدُوثُهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمَبِيعِ .
وَلِأَنَّ الْعَيْبَيْنِ قَدْ اسْتَوَيَا ، وَالْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ بِهِ ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُدَلِّسْ ، فَكَانَ رِعَايَةُ جَانِبِهِ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ جَائِزًا قَبْلَ حُدُوثِ الْعَيْبِ الثَّانِي ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ ، وَالْقِيَاسُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَصْلٍ ، وَلَيْسَ لِمَا ذَكَرُوهُ أَصْلٌ ، فَيَبْقَى الْجَوَازُ بِحَالِهِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِجُمْلَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ أَجْزَاؤُهُ .
وَإِنْ

زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، رَدَّهُ وَلَا أَرْشَ مَعَهُ ، عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ ، مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً ، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ ، ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا ، فَالْحَمْلُ عَيْبٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ دُونَ غَيْرِهِنَّ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَيُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ .
فَإِنْ وَلَدَتْ ، فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي .
وَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ ، فَذَلِكَ عَيْبٌ أَيْضًا .
وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ وَمَاتَ الْوَلَدُ ، جَازَ رَدُّهَا ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْعَيْبُ ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا بَاقِيًا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا دُونَ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ .
وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " مَسَائِلِهِمَا " : لَهُ الْفَسْخُ فِيهَا ، دُونَ وَلَدِهَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَلَدَتْ حُرًّا ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا دُونَ وَلَدِهَا .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا ، فَرَّقَ اللَّه بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ الضَّرَرِ بِأَخْذِ الْأَرْشِ ، أَوْ بِرَدِّ وَلَدِهَا مَعَهَا ، فَلَمْ يَجُزْ ارْتِكَابُ مَنْهِيِّ الشَّرْعِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ، كَمَا لَوْ أَرَادَ الْإِقَالَةَ فِيهَا دُونَ وَلَدِهَا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ .
قُلْنَا : قَدْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِأَخْذِ الْأَرْشِ ، أَمَّا إذَا وَلَدَتْ حُرًّا ، فَلَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِهِ مَعَهَا بِحَالٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حَيَوَانًا غَيْرَ الْآدَمِيِّ ، فَحَدَثَ بِهِ حَمْلٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ .
وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْوَضْعِ ، وَلَمْ تَنْقُصْهُ الْوِلَادَةُ ، فَلَهُ إمْسَاكُ الْوَلَدِ وَرَدُّ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا جَائِزٌ .
وَلَا فَرْقَ

بَيْنَ حَمْلِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ بَعْدَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَاهَا حَامِلًا ، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فَرَدَّهَا ، رَدَّ الْوَلَدَ مَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَمِنَتْ الشَّاةُ .
فَإِنْ تَلِفَ الْوَلَدُ ، فَهُوَ كَتَعَيُّبِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ .
فَإِنْ قُلْنَا : لَهُ الرَّدُّ .
فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، إنْ اخْتَارَ رَدَّ الْأُمِّ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ ؛ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِلْوَلَدِ .
وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ .
وَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ ، فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ ، حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا حُكْمَ لَهُ .
وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِي .
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ حِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِي ، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَلَا قِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا .
وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( 3007 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ كَاتِبًا أَوْ صَانِعًا ، فَنَسِيَ ذَلِكَ عِنْد الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ، فَذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، يَرُدُّهُ ، وَلَا يَرُدُّ ، مَعَهُ شَيْئًا .
وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ ، وَيُمْكِنُ عَوْدُهُ بِالتَّذَكُّرِ .
قَالَ : وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ سَمِينًا فَهَزِلَ .
وَالْقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ ؛ فَإِنَّ الصِّيَاغَةَ وَالْكِتَابَةَ مُتَقَوِّمَةٌ تَضْمَنُ فِي الْغَصْبِ ، وَتَلْزَمُ بِشَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ ، فَأَشْبَهَتْ الْأَعْيَانَ وَالْمَنَافِعَ ، مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، وَالْعَقْلِ ، وَإِمْكَانُ الْعَوْدِ مُنْتَقِضٌ بِالسِّنِّ ، وَالْبَصَرِ ، وَالْحَمْلِ .
وَلَعَلَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَرَادَ بِهِ ، إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ .

( 3008 ) فَصْلٌ : وَإِذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ ضَمَانِهِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ .
فَأَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ ، فَمَا أَصَابَهُ فِيهَا فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، إلَّا فِي الْجُنُونِ ، وَالْجُذَامِ ، وَالْبَرَصِ ، فَإِنْ ظَهَرَ إلَى سَنَةٍ ثَبَتَ الْخِيَارُ ؛ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ ، عَنْ عُقْبَةَ { ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عُهْدَةَ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } .
وَأَنَّهُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .
وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَكُونُ فِيهِ الْعَيْبُ ، ثُمَّ يَظْهَرُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ ظَهَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْخِيَارُ ، كَسَائِرِ الْمَبِيعِ ، أَوْ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّنَةِ ، وَحَدِيثُهُمْ لَا يَثْبُتُ ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يَثْبُتُ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَلْقَ عُقْبَةَ .
وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ .
وَالدَّاءُ الْكَامِنُ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَإِنَّمَا النَّقْصُ بِمَا ظَهَرَ لَا بِمَا كَمَنَ .

( 3009 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ دَلَّسَ الْعَيْبَ ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ ، كَامِلًا .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَبِيعِ ) مَعْنَى دَلَّسَ الْعَيْبَ : أَيْ كَتَمَهُ عَنْ الْمُشْتَرِي ، مَعَ عِلْمِهِ بِهِ .
أَوْ : غَطَّاهُ عَنْهُ ، بِمَا يُوهِمُ الْمُشْتَرِيَ عَدَمَهُ .
مُشْتَقٌّ مِنْ الدُّلْسَةِ ، وَهِيَ الظُّلْمَةُ .
فَكَأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتُرُ الْعَيْبَ .
وَكِتْمَانُهُ جَعْلُهُ فِي ظُلْمَةٍ ، فَخَفِيَ عَنْ الْمُشْتَرِي ، فَلَمْ يَرَهُ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ .
وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا عَلِمَ بِهِ فَكَتَمَهُ ، وَمَا سَتَرَ ، فَكُلَاهُمَا تَدْلِيسٌ حَرَامٌ ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .
فَإِذَا فَعَلَهُ الْبَائِعُ ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ، فَلَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ ، وَأَخْذُ ثَمَنِهِ كَامِلًا ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَادِثُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ، كَوَطْءِ الْبِكْرِ ، وَقَطْعِ الثَّوْبِ ، أَوْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ آخَرَ ، مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ جَانٍ ، أَوْ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ ، أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا لِلْمَبِيعِ ، أَوْ مَذْهَبًا لَجَمِيعِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا ، فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ إبَاقَهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْبَائِعِ : يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ ، بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ ، وَيَتْبَعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ حَيْثُ كَانَ .
وَهَذَا يُحْكَى عَنْ الْحَكَمِ ، وَمَالِكٍ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ .
وَظَاهِرُ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ ، أَوْ لَمْ يُدَلِّسْهُ ، فَإِنَّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ ، وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ اللَّبَنِ ، بَلْ ضَمِنَهُ بِصَاعٍ مِنْ التَّمْرِ ، مَعَ كَوْنِهِ قَدْ نَهَى عَنْ التَّصْرِيَةِ ، وَقَالَ { : بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خَلَابَةٌ ، وَلَا تَحِلُّ الْخَلَابَةُ لِمُسْلِمٍ }

.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْخَرَاجُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ؛ لِكَوْنِهِ جَعَلَ الضَّمَانَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْخَرَاجِ لَهُ .
فَلَوْ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ لَكَانَ الْخَرَاجُ لَهُ ؛ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ ، أَوْ إجْمَاعٍ ، أَوْ قِيَاسٍ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا ، وَالْقِيَاسُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَصْلٍ ، وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا أَصْلًا .
وَلَا يُشْبِهُ هَذَا التَّغْرِيرَ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدَ الْأَمَةِ ، وَهَاهُنَا لَوْ كَانَ التَّدْلِيسُ مِنْ وَكِيلِ الْبَائِعِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ .

( 3010 ) فَصْلٌ : فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ ؛ وَهِيَ النَّقَائِصُ الْمُوجِبَةُ لِنَقْصِ الْمَالِيَّةِ فِي عَادَاتِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا صَارَ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ ، فَمَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهَا يَكُونُ عَيْبًا ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ فِي عُرْفِ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ ، وَهُمْ التُّجَّارُ .
فَالْعُيُوبُ فِي الْخِلْقَةِ ؛ كَالْجُنُونِ ، وَالْجُذَامِ ، وَالْبَرَصِ ، وَالْعَمَى ، وَالْعَوَرِ ، وَالْعَرَجِ ، وَالْعَفَلِ ، وَالْقَرْنِ ، وَالْعِتْقِ ، وَالرَّتَقِ ، وَالْقَرَعِ ، وَالصَّمَمِ ، وَالطَّرَشِ ، وَالْخَرَسِ ، وَسَائِرِ الْمَرَضِ ، وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ ، وَالْحَوَلِ ، وَالْخُوصِ ، وَالسُّبُلِ ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْأَجْفَانِ ، وَالتَّخْنِيثِ ، وَكَوْنِهِ خُنْثَى ، وَالْخِصَاءِ ، وَالتَّزَوُّجِ فِي الْأَمَةِ ، وَالْبَخَرِ فِيهَا .
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ .
وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَارِيَةِ تُشْتَرَى وَلَهَا زَوْجٌ أَنَّهُ عَيْبٌ .
وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُعْسِرًا ، وَالْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَوَدِ ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ صَارَتْ كَالْمُسْتَحِقَّةِ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ فِي الْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ ، وَمُسْتَحِقَّةً لِلْإِتْلَافِ بِالْقِصَاصِ ، وَالزِّنَى وَالْبَخَرُ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبِ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْفِرَاشِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ وَمَالِيَّتَهُ ، فَإِنَّهُ بِالزِّنَى يَتَعَرَّضُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَالتَّعْزِيرِ ، وَلَا يَأْمَنُهُ سَيِّدُهُ عَلَى عَائِلَتِهِ وَحَرِيمِهِ ، وَالْبَخَرُ يُؤْذِي سَيِّدَهُ ، وَمَنْ جَالَسَهُ وَخَاطَبَهُ أَوْ سَارَّهُ .
وَأَمَّا السَّرِقَةُ ، وَالْإِبَاقُ ، وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ ، فَهِيَ عُيُوبٌ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي جَاوَزَ الْعَشْرَ .
وَقَالَ

أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ : فِي الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ : لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِ حَتَّى يَحْتَلِمَ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، مِنْ التَّكْلِيفِ ، وَوُجُوبِ الْحُدُودِ ، بِبُلُوغِهِ ، فَكَذَلِكَ هَذَا .
وَلَنَا ، أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ يَتَحَرَّزُ مِنْ هَذَا عَادَةً ، كَتَحَرُّزِ الْكَبِيرِ ، فَوُجُودُهُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهِ ، وَالسَّرِقَةَ وَالْإِبَاقَ لِخُبْثٍ فِي طَبْعِهِ ، وَحُدَّ ذَلِكَ بِالْعَشْرِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْدِيبِ الصَّبِيِّ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ عِنْدَهَا ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ لِبُلُوغِهَا .
فَأَمَّا مَنْ دُونَ ذَلِكَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْهُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ ، وَعَدَمِ تَثَبُّتِهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ، أَوْ يَسْكَرُ مِنْ النَّبِيذِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ ، فَهُوَ كَالزِّنَى .
وَكَذَلِكَ الْحُمْقُ الشَّدِيدُ ، وَالِاسْتِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ ، وَرُبَّمَا تَكَرَّرَ فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ ، وَلَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا فِي الْكَبِيرِ دُونَ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى فِعْلِهِ .
وَعَدَمُ الْخِتَانِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ وَقْتُهُ ، وَلَا فِي الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ : هُوَ عَيْبٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ أَلَمٍ ، فَأَشْبَهَتْ الْعَبْدَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ فِي حَقِّهَا ، وَالْأَلَمُ فِيهِ يَسِيرٌ لَا يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْكَبِير .
فَأَمَّا الْعَبْدُ الْكَبِيرُ ، فَإِنْ كَانَ مَجْلُوبًا مِنْ الْكُفَّارِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَتِنُونَ ، فَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَهُوَ كَدِينِهِمْ .
وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا مَوْلِدًا ؛ فَهُوَ عَيْبٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَهُوَ خِلَافُ الْعَادَةِ .
( 3011 )

فَصْلٌ : وَالثُّيُوبَةُ لَيْسَتْ عَيْبًا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْجَوَارِي الثُّيُوبَةُ ، فَالْإِطْلَاقُ لَا يَقْتَضِي خِلَافَهَا ، وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، لَيْسَ بِعَيْبٍ ، إذْ لَيْسَ فِي الْمَحَلِّ مَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَالِيَّةِ ، وَلَا نَقْصًا ، وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ مُخْتَصٌّ بِهِ .
وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَالصِّيَامُ ؛ لِأَنَّهُمَا يَزُولَانِ قَرِيبًا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا .
وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْبَائِنِ .
وَأَمَّا عِدَّةُ الرَّجْعِيَّةِ فَهِيَ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ ، وَلَا يُؤْمَنُ ارْتِجَاعُهُ لَهَا .
وَمَعْرِفَةُ الْغِنَاءِ وَالْحِجَامَةِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ ، فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ ، أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ مُحَرَّمٌ .
وَلَنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي عَيْنِهَا ، وَلَا قِيمَتِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا كَالصِّنَاعَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغِنَاءَ مُحَرَّمٌ ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ ، فَالْمُحَرَّمُ اسْتِعْمَالُهُ ، لَا مَعْرِفَتُهُ ، وَالْعُسْرُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَرُدُّ بِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصِ ، وَعَمَلُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ عَمَلِهِ بِالْأُخْرَى ، وَالْكُفْرُ لَيْسَ بِعَيْبٍ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } .
وَلَنَا ، أَنَّ الْعَبِيدَ يَكُونُ فِيهِمْ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْأَصْلُ فِيهِمْ الْكُفْرُ ، فَالْإِطْلَاقُ لَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ ، وَكَوْنُ الْمُؤْمِنِ خَيْرًا مِنْ الْكَافِرِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْكُفْرِ عَيْبًا ، كَمَا أَنَّ الْمُتَّقِيَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } .
وَلَيْسَ عَدَمُ ذَلِكَ عَيْبًا .
وَكَوْنُهُ وَلَدَ زِنًا لَيْسَ بِعَيْبٍ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ

لِلِافْتِرَاشِ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ .
وَلَنَا أَنَّ النَّسَبَ فِي الرَّقِيقِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يُشْتَرَوْنَ مَجْلُوبِينَ ، غَيْرَ مَعْرُوفِي النَّسَبِ .
وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ لَا تُحْسِنُ الطَّبْخَ أَوْ الْخَبْزَ أَوْ نَحْوَ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حِرْفَةٌ ، فَلَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا ، كَسَائِرِ الصَّنَائِعِ ، وَكَوْنُهَا لَا تَحِيضُ ، لَيْسَ بِعَيْبٍ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ عَيْبٌ إذَا كَانَ لِكِبَرٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْمِلُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي الْحَيْضَ ، وَلَا عَدَمَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ فَوَاتُهُ عَيْبًا ، كَمَا لَوْ كَانَ لِغَيْرِ الْكِبَرِ .

( 3012 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ صِفَةً مَقْصُودَةً مِمَّا لَا يُعَدُّ فَقْدُهُ عَيْبًا ، صَحَّ اشْتِرَاطُهُ ، وَصَارَتْ مُسْتَحَقَّةً ، يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَ عَدَمِهَا ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ مُسْلِمًا ، فَيَبِينُ كَافِرًا ، أَوْ يَشْتَرِطَ الْأَمَةَ بِكْرًا أَوْ جَعْدَةً أَوْ طَبَّاخَةً ، أَوْ ذَاتَ صَنْعَةٍ ، أَوْ لَبَنٍ ، أَوْ أَنَّهَا تَحِيضُ ، أَوْ يَشْتَرِطَ فِي الدَّابَّةِ أَنَّهَا هِمْلَاجَةٌ ، أَوْ فِي الْفَهْدِ أَنَّهُ صَيُودٌ ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا .
فَمَتَى بَانَ خِلَافَ مَا اشْتَرَطَهُ ، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ ، وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ ، أَوْ الرِّضَا بِهِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ .
لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا خِلَافًا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ ، فَصَارَ بِالشَّرْطِ مُسْتَحِقًّا .
فَأَمَّا إنْ شَرَطَ صِفَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ ، فَبَانَتْ بِخِلَافِهَا ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا سَبْطَةً فَبَانَتْ جَعْدَةً ، أَوْ جَاهِلَةً ، فَبَانَتْ عَالِمَةً ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا .
وَإِنْ شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً ، أَوْ ثَيِّبًا ، فَبَانَتْ بِكْرًا ، فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَصْدًا صَحِيحًا ، وَهُوَ أَنَّ طَالِبَ الْكَافِرَةِ أَكْثَرُ ؛ لِصَلَاحِيَتِهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهَا ، أَوْ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَكْلِيفهَا الْعِبَادَاتِ .
وَقَدْ يَشْتَرِطُ الثَّيِّبَ ؛ لِعَجْزِهِ عَنْ الْبِكْرِ ، أَوْ لِيَبِيعَهَا لِعَاجِزٍ عَنْ الْبِكْرِ .
فَقَدْ فَاتَ قَصْدُهُ .
وَقِيلَ : لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ زِيَادَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبِكْرِ ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي .
وَاسْتَبْعَدَ كَوْنَهُ يَقْصِدُ الثُّيُوبَةَ ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْبِكْرِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ ، فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ ، وَالِاشْتِرَاطُ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، فَيَصِيرُ بِالدَّلِيلِ قَرِيبًا .
وَإِنْ شَرَطَ الشَّاةَ لَبُونًا ، صَحَّ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ ، فَلَمْ يَجُزْ شَرْطُهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَمْرٌ مَقْصُودٌ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَيَوَانِ ، وَيَأْخُذُ

قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ ، فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ ، كَالصِّنَاعَةِ فِي الْأَمَةِ ، وَالْهَمْلَجَةِ فِي الدَّابَّةِ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَحُزْ بَيْعُهُ مُفْرَدًا ؛ لِلْجَهَالَةِ ، وَالْجَهَالَةُ تَسْقُطُ فِيمَا كَانَ بَيْعًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ ، صَحَّ بَيْعُهَا مَعَهُ ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ بَيْعُ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا مُفْرَدَيْنِ .
وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْتَلِفُ ، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ .
وَإِنْ شَرَطَهَا غَزِيرَةَ اللَّبَنِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ .
وَإِنْ شَرَطَهَا حَامِلًا صَحَّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ .
لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا حُكْمَ لَهُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رِيحٌ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهَا ، فَصَحَّ شَرْطُهُ ، كَالصِّنَاعَةِ ، وَكَوْنِهَا لَبُونًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا قَبْلُ أَنَّ لِلْحَمْلِ حُكْمًا ، وَلِذَلِكَ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَةِ بِأَرْبَعِينَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا .
وَمَنَعَ أَخْذَ الْحَوَامِلِ فِي الزَّكَاةِ ، وَمَنَعَ وَطْءَ الْحَبَالَى الْمَسْبِيَّاتِ ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعَ حَمْلِهَا ، وَأَرْخَصَ لَهَا الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا ، وَمَنَعَ مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْهَا ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ حَمْلِهَا .
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي اللِّعَانِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَاعَنَهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا ، فَانْتَفَى عَنْهُ وَلَدُهَا ، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا تَضَعُ الْوَلَدَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، لَمْ يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَصِحُّ فِي الْمُرْتَفِعَاتِ .
وَيَصِحُّ فِي غَيْرِهِنَّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ

بَاعَهَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْمُرْتَفِعَاتِ .
وَإِنْ شَرَطَهَا حَائِلًا ، فَبَانَتْ حَامِلًا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ ، فَهُوَ عَيْبٌ يَثْبُتُ الْفَسْخُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا ، فَهُوَ زِيَادَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ فَسْخًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُهَا لِسَفَرٍ ، أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ الْحَمْلِ .
وَإِنْ شَرَطَ الْبَيْضَ فِي الدَّجَاجَةِ ، فَقَدْ قِيلَ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ عَلَيْهِ ، يُعْرَفُ بِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْعَادَةِ ، فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ الشَّاةِ لَبُونًا .
وَإِنْ اشْتَرَطَ الْهَزَارَ أَوْ الْقُمْرِيَّ مُصَوِّتًا ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يَصِحُّ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ صِيَاحَ الطَّيْرِ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ .
وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ .
وَالْأَوْلَى جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَقْصِدًا صَحِيحًا ، وَهُوَ عَادَةٌ لَهُ وَخِلْقَةٌ فِيهِ ، فَأَشْبَهَ الْهَمْلَجَةَ فِي الدَّابَّةِ ، وَالصَّيْدَ فِي الْفَهْدِ .
وَإِنْ شَرَطَ فِي الْحَمَامِ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ ذَكَرَهَا .
فَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ ، وَالْقَصْدُ مِنْهُ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عَادَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ ، وَفِيهِ قَصْدٌ صَحِيحٌ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ وَحَمْلِ الْكُتُبِ ، فَجَرَى مَجْرَى الصَّيْدِ فِي الْفَهْدِ ، وَالْهَمْلَجَةِ فِي الدَّابَّةِ ، وَإِنْ شَرَطَ فِي الْجَارِيَةِ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْغِنَاءَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ ، كَالزِّنَى .
وَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَبْشِ كَوْنَهُ نَطَّاحًا ، وَفِي الدِّيكِ كَوْنَهُ مُقَاتِلًا ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ ، فَجَرَى مَجْرَى الْغِنَاءِ فِي الْجَارِيَةِ .
وَإِنْ شَرَطَ فِي الدِّيكِ أَنَّهُ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ ، لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَإِنْ شَرَطَ

كَوْنَهُ يَصِيحُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ ، جَرَى مَجْرَى اشْتِرَاطِ التَّصْوِيتِ فِي الْقُمْرِيِّ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا .

( 3013 ) فَصْلٌ : وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إلَى رِضَى الْبَائِعِ ، وَلَا حُضُورِهِ ، وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ ، قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، افْتَقَرَ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ دُونَ رِضَاهُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ، افْتَقَرَ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ ، أَوْ حُكْمِ حَاكِمٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ تَمَّ عَلَى الثَّمَنِ ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِرِضَاهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ مُسْتَحِقٍّ لَهُ ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ ، وَلَا حُضُورِهِ كَالطَّلَاقِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ ، كَقَبْلِ الْقَبْضِ .

( 3014 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهَا ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ ، كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مِلْكَهُ مِنْهَا بِمِقْدَارِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، أَوْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهَا ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ : ( 3015 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ، أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَعِيبًا فَبَاعَهُ ، سَقَطَ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ .
فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ ، فَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ ، نَظَرْنَا ، فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ رِضًا بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ ، فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي فَسَخَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ بِبَيْعِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ بِعَيْبِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُ ظَلَامَتِهِ بِرَدِّهِ ، فَمَلَكَ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ فَسْخَ الثَّانِيَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ ، أَوْ كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ، وَلَا نُسَلِّمُ سُقُوطَ حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ زَالَ الْمَانِعُ ، فَظَهَرَ جَوَازُ الرَّدِّ ، كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِغَيْبَةِ الْبَائِعِ ، أَوْ لِمَعْنًى سِوَاهُ .
وَسَوَاءٌ رَجَعَ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ ، أَوْ بِإِقَالَةٍ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ شِرَاءٍ ثَانٍ ، أَوْ مِيرَاثٍ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : إنْ رَجَعَ بِغَيْرِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْأَوَّلِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا ، لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ بِبَيْعِهِ ، وَلَمْ يَزُلْ بِفَسْخِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ قَائِمٌ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِتَعَذُّرِهِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ .
فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَهَا

الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهَا الْأَوَّلِ ، فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي ، ثُمَّ لِلثَّانِي رَدُّهُ .
وَفَائِدَةُ الرَّدِّ هَاهُنَا ، اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ الثَّانِي أَكْثَرُ .

( 3016 ) الْفَصْلُ الثَّانِي ، أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْمَعِيبَ ، ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَ أَرْشِهِ .
فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ سَوَاءٌ بَاعَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ .
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ بِفِعْلِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ بِبَيْعِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ ، كَمَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ بَاعَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ ، فَلَا أَرْشَ لَهُ ؛ لِرِضَاهُ بِهِ مَعِيبًا ، وَإِنْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ ، فَلَهُ الْأَرْشُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوَفِّهِ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ الْعَقْدُ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِهِ نَاقِصًا ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ .
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ بِكُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ بَاعَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ ؛ لِأَنَّنَا خَيَّرْنَاهُ ابْتِدَاءً بَيْنَ رَدِّهِ ، وَإِمْسَاكِهِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ ، فَبَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إمْسَاكِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْ الْمَبِيعِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِبَيْعِهِ ، وَلَا رِضَاهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، وَسَلَّمَ إلَيْهِ تِسْعَةً ، فَبَاعَهَا الْمُشْتَرِي .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّهُ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ .
لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّ ظَلَامَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ ، وَلَمْ يَسْتَدْرِكْهَا مِنْهُ ، وَإِنَّمَا ظُلِمَ الْمُشْتَرِي ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِذَلِكَ مِنْ الظَّالِمِ لَهُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي رُجُوعِ بَائِعِ الْمَعِيبِ بِالْأَرْشِ ، رِوَايَتَيْنِ ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَجَهْلِهِ بِهِ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَرْشَ ، فَإِذَا عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَرَدَّهُ بِهِ ، أَوْ أَخَذَ أَرْشَهُ مِنْهُ ، فَلِلْأَوَّلِ أَخْذُ أَرْشِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذَا امْتَنَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي

رَدُّهُ بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .

( 3017 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ ، إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ ، فَلَهُ الْأَرْشُ ، لِمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَبِيعِ ، وَفِي الْأَرْشِ لِمَا بَاعَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ ، وَإِنْ أَرَادَ رَدَّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ .
وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً ، أَوْ عَيْنَيْنِ يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ ، كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ ، وَزَوْجَيْ خُفٍّ ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ ، أَوْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ، وَامْتِنَاعِ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ ، كَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ .
وَبِهَا قَالَ شُرَيْحٌ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ ؛ وَفِيمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّهُ ، إلَّا أَنْ يَرُدَّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ ، أَوْ نَقْصِ الْقِيمَةِ ، بِغَيْرِ شَيْءٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ مَا إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يُسْقِطُ عَنْ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى .
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ لَا يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْأُخْرَى عَيْبًا ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا كَانَتَا مَعِيبَتَيْنِ ، فَهَلْ لَهُ رَدُّ الْبَاقِيَةِ فِي مِلْكِهِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ عَيْنَيْنِ .

وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوْلَى .

( 3018 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ ، فَوَجَدَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا ، وَكَانَا مِمَّا لَا يَنْقُصُهُمَا التَّفْرِيقُ ، أَوْ مِمَّا لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا ، كَالْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِ ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا جَمِيعًا ، أَوْ إمْسَاكُهُمَا وَأَخْذُ الْأَرْشِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ ، فَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ ، إحْدَاهُمَا ، لَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا ، أَوْ أَخْذُ الْأَرْشِ مَعَ إمْسَاكِهِمَا .
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يُبَعِّضُ الصَّفْقَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ كَانَا مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ ، وَإِمْسَاكُ الصَّحِيحِ .
وَهَذَا قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْمَعِيبِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ رَدَّ الْجَمِيعَ .
وَفَارَقَ مَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ ، فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا .
وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ ، أَوْ تَعَيَّبَ ، أَوْ وَجَدَ بِالْآخَرِ أَوْ بِهِمَا عَيْبًا ، فَأَرَادَ رَدَّهُ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِ ، لِأَنَّ قِيمَةَ التَّالِفِ إذَا زَادَتْ ، زَادَ قَدْرُ مَا يَغْرَمُهُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعَانِ بَاقِيَيْنِ مَعِيبَيْنِ ، لَمْ يُوجَدْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يَمْنَعُ رَدَّهُ ، فَأَرَادَ رَدَّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ .
فَقَالَ الْقَاضِي : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سِوَى الْمَنْعِ مِنْ رَدِّ أَحَدِهِمَا .
وَالْقِيَاسُ ، أَنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، إذْ لَوْ كَانَ إمْسَاكُ أَحَدِهِمَا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ فِيمَا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ ، لَمَنَعَ مِنْهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا .

( 3019 ) فَصْلٌ : إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا فَوَجَدَاهُ مَعِيبًا ، أَوْ اشْتَرَطَا الْخِيَارَ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا .
فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ ، حَكَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى .
إحْدَاهُمَا ، لِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ .
وَالْأُخْرَى ، لَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً غَيْرَ مُتَشَقِّصٍ ، فَإِذَا رَدَّهُ مُشْتَرِكًا ، رَدَّهُ نَاقِصًا ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ .
وَوَجْهُ الْأُولَى ، أَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِشِرَائِهِ ، وَالشَّرِكَةُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا ، فَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مُشَقَّصَةً ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ .

( 3020 ) فَصْلٌ : وَإِذَا وَرِثَ اثْنَانِ عَنْ أَبِيهِمَا خِيَارَ عَيْبٍ ، فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا ، سَقَطَ حَقُّ الْآخَرِ مِنْ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ وَحْدَهُ ، تَشَقَّصَتْ السِّلْعَةُ عَلَى الْبَائِعِ ، فَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى وَاحِدٍ غَيْرَ مُشَقَّصَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ رَدُّ بَعْضِهَا إلَيْهِ مُشَقَّصًا ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، فَإِنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا مُنْفَرِدًا ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ مَا بَاعَهُ إيَّاهُ ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ .

( 3021 ) فَصْلٌ : وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا ، فَلَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِمَا .
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا ، رَدَّ عَلَى الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ ، وَيَبْقَى نَصِيبُ الْغَائِبِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَقْدُمَ .
وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَاعَ الْعَيْنَ كُلَّهَا بِوَكَالَةِ الْآخَرِ ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَاضِرُ الْوَكِيلَ أَوْ الْمُوَكَّلَ .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ هَذَا .
فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ، وَإِمْسَاكَ نَصِيبِ الْآخَرِ ، جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ بِرَدِّهِ تَشْقِيصٌ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مُشَقَّصًا قَبْلَ الْبَيْعِ .

( 3022 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اشْتَرَى حُلِيَّ فِضَّةٍ بِوَزْنِهِ دَرَاهِمَ ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا ، فَلَهُ رَدُّهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَاضُلِ فِيمَا يَجِبُ التَّمَاثُلُ فِيهِ .
فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَعَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَرُدُّهُ ؛ وَيَرُدُّ ، أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ، يَأْخُذُ ثَمَنَهُ ، وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَاضُلِ ، فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ ، وَرَفْعٌ لَهُ ، فَلَا تَبْقَى الْمُعَاوَضَةُ ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْأَرْشَ عِوَضًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْر بَيْعٍ ، وَكَمَا لَوْ فَسَخَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ .
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ، وَيُطَالِبُ بِقِيمَةِ الْحُلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إهْمَالُ الْعَيْبِ ، وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ ، كَهَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ تَلِفَ الْحَلْيُ ، فَإِنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ ، وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ ؛ فَإِنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَسْخِ .
وَعِنْدِي ، أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا فَسَخَ ، وَجَبَ رَدُّ الْحَلْيِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ بِتَلَفٍ أَوْ عَجْزٍ ، وَلَيْسَ فِي رَدِّهِ وَرَدِّ أَرْشِهِ تَفَاضُلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ زَالَتْ بِالْفَسْخِ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُقَابِلٌ ، وَإِنَّمَا هَذَا الْأَرْشُ بِمَنْزِلَةِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ قِيمَتَهُ إذَا زَادَتْ عَلَى وَزْنِهِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهُ ، أَفْضَى إلَى التَّفَاضُلِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ عِوَضٌ عَنْهُ ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، وَلَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِمَّا فِيهِ الرِّبَا بِمِثْلِهِ ، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا يَنْقُصُ قِيمَتَهُ دَوَّنَ كَيْلِهِ ، لَمْ يَمْلِكْ

أَخْذَ أَرْشِهِ ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّفَاضُلِ .
وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَلْيِ بِالدَّرَاهِمِ .

( 3023 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ إعْتَاقِهِ لَهَا أَوْ مَوْتِهَا فِي مِلْكِهِ ، فَلَهُ الْأَرْشُ ) وَجُمْلَتُهُ ، أَنَّهُ إذَا زَالَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمَبِيعِ بِعِتْقٍ ، أَوْ وَقْفٍ ، أَوْ مَوْتٍ ، أَوْ قَتْلٍ ، أَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ ، لَاسْتِيلَادِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ ، فَلَهُ الْأَرْشُ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْمَقْتُولِ خَاصَّةً : لَا أَرْشَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَيْبٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ فِيهِ ، فَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، وَالْبَيْعُ لَنَا فِيهِ مَنْعٌ ، وَمَعَ تَسْلِيمِهِ فَإِنَّهُ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ فِيهِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ ، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّهَا كَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ إمْكَانِ الرَّدِّ ؛ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ إلَيْهِ .
وَالثَّانِيَةُ لَهُ الْأَرْشُ وَهِيَ أَوْلَى .
وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي غَيْرهَا ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَهُ ، وَإِمْكَانُ الرَّدِّ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ عِنْدَنَا ؛ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ الْهِبَةِ .
وَإِنْ أَكَلَ الطَّعَامَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ ، فَأَتْلَفَهُ ، رَجَعَ بِأَرْشِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلَكَ الْعَيْنَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ .
وَلَنَا أَنَّهُ مَا اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتَهُ ، وَلَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى .
( 3024 ) فَصْلٌ : وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ ، فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ : أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي ؛ لِقَوْلِهِ فِي مَنْ بَاعَ الْمَعِيبَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ : لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا

بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ .
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ ، أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَ الْمَبِيعِ ، وَالْمُطَالَبَةَ بِأَرْشِهِ ، وَهَذَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إمْسَاكِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهِ .
وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوفِهِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ .
وَلِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضُ الْجُزْءِ الْفَائِتِ بِالْعَيْبِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَصَرُّفِهِ فِيمَا سِوَاهُ ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، فَأَقْبَضَهُ تِسْعَةً ، فَتَصَرَّفَ فِيهَا .

( 3025 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اسْتَغَلَّ الْمَبِيعَ ، أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ ، أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا دَالًّا عَلَى الرِّضَا بِهِ ، قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ ، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ مَعِيبًا .
وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ ، بَطَلَ خِيَارُهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَكَانَ الْحَسَنُ ، وَشُرَيْحٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي ، يَقُولُونَ : إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً ، فَعَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ ، لَزِمَتْهُ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، فَأَمَّا الْأَرْشُ ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا يَسْتَحِقُّهُ أَيْضًا .
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْشِ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَنَا أَقُولُ : إذَا اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ ، وَأَرَادَ نُقْصَانَ الْعَيْبِ ، فَلَهُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا إنْ احْتَلَبَ اللَّبَنَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ ، لَمْ يَسْقُطْ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُ ، فَمَلَكَ اسْتِيفَاءَهُ مِنْ الْمَبِيعِ الَّذِي يُرِيدُ رَدَّهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَنْظُرَ سَيْرَهَا ، أَوْ لِيَسْقِيَهَا ، أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا .
وَإِنْ اسْتَخْدَمَ الْأَمَةَ لِيَخْتَبِرَهَا ، أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ ، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرِضًا بِالْمَبِيعِ ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ .
وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِخْدَامًا كَثِيرًا ، بَطَلَ رَدُّهُ ، فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَا تَخْتَصُّ الْمِلْكَ ، لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : إنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَاسْتَخْدَمَهُ بِأَنْ يَقُولَ : نَاوِلْنِي هَذَا الثَّوْبَ .
يَعْنِي بَطَلَ خِيَارُهُ .
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : مَنْ قَالَ هَذَا ؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا هَذَا ؟ لَيْسَ هَذَا بِرِضًى حَتَّى يَكُونَ شَيْءٌ يَبِينُ .
وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِي بُطْلَانِ الْخِيَارِ بِالِاسْتِخْدَامِ رِوَايَتَانِ .
وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ

هَاهُنَا .

( 3026 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ ، فَلَهُ أَخْذُ أَرْشِهِ .
فَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْعَبْدِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ الْإِبَاقِ قَبْلَ الْبَيْعِ ، فَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَهَلْ يَمْلِكُ رَدَّهُ وَرَدَّ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَالْأَرْشُ الَّذِي أَخَذَهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ كَانَ آبِقًا ، فَلَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْأَرْشِ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ : لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ أَرْشِهِ ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ ، إلَّا أَنْ يَهْلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَدِّهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَعِيبٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ ظَلَامَتَهُ فِيهِ ، فَكَانَ لَهُ أَرْشُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، وَفِي الْبَيْعِ اسْتَدْرَكَ ظَلَامَتِهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .

( 3027 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا فَأَخَذَ أَرْشَهُ ، فَهُوَ لَهُ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي الرِّقَابِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّقَبَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ ، فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا صَادَفَ الرَّقَبَةَ الْمَعِيبَةَ ، وَالْجُزْءُ الَّذِي أَخَذَ بَدَلَهُ مَا تَنَاوَلَهُ عِتْقٌ ، وَلَا كَانَ مَوْجُودًا ، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ ، إنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، جُعِلَ مُقَابِلًا لِلْجُزْءِ الْفَائِتِ ، فَلَمَّا لَمْ يُحَصِّلْ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الْمَبِيعِ ، رَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَلِهَذَا رَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، لَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
وَكَلَامُ أَحْمَدَ ، فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، يُحْمَلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ ، لَا عَلَى وُجُوبِهِ .
قَالَ الْقَاضِي : إنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِهَا ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَرْشُ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ ، فَكَانَ لَهُ ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِعِتْقِهِ .

( 3028 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي ، وَكَانَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الْأَرْشُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ ، هَلْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْعَقْدِ ، أَوْ حَدَثَ عِنْد الْمُشْتَرِي ؟ لَمْ يَخْلُ مِنْ قِسْمَيْنِ ؛ أَحَدِهِمَا ، أَنْ لَا يَحْتَمِلَ إلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا ، كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ ، وَالشَّجَّةِ الْمُنْدَمِلَةِ ، الَّتِي لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ مِثْلِهَا ، وَالْجُرْحِ الطَّرِيِّ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ قَدِيمًا .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يَدَّعِي ذَلِكَ ، بِغَيْرِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ ، وَكَذِبَ خَصْمِهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِحْلَافِهِ .
وَالثَّانِي ، أَنْ يَحْتَمِلَ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، كَالْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ وَالرَّفْوِ ، وَنَحْوِهِمَا ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ ، أَوْ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ ، وَاسْتِحْقَاقُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلُزُومُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ .
وَالثَّانِيَةُ ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ، فَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ ، إنْ أَجَابَ إنَّنِي بِعْتُهُ بَرِيئًا مِنْ الْعَيْبِ ، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ، عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الرَّدِّ ، حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ، وَيَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا عَلَى الْبَتِّ ، لَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ فَسْخِ الْبَيْعِ ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .

( 3029 ) فَصْلٌ : وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ كَانَ بِهِ ، فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ ، عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ ، فَأَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ ، وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الرَّدَّ ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، كَخِيَارِ الشَّرْطِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ .
وَهُوَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ ، لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى غَيْرِهِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
فَإِنْ أَنْكَرَهُ الْوَكِيلُ فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، فَنَكِلَ عَنْهَا ، فَرُدَّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ ، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدِهِمَا ، لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى إقْرَارِهِ .
وَالثَّانِي ، لَهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ .

( 3030 ) فَصْلٌ : وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ، ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي : إنَّمَا هِيَ ثَيِّبٌ .
أَرَيْت النَّسَاءَ الثِّقَاتِ ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ .
فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ، وَقَالَ : مَا أَصَبْتهَا بِكْرًا .
خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ .

( 3031 ) فَصْلٌ : وَإِنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ فِيهَا ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَهَا سِلْعَتَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَنَحْوَهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَنْ صَرَفَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ، ثُمَّ رَجَعَ بِدِرْهَمٍ ، فَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ : لَيْسَ هَذَا دِرْهَمِي يَحْلِفُ الصَّيْرَفِيُّ : بِاَللَّهِ لَقَدْ وَفَّيْتُكَهُ ، وَيَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُنْكِرٌ كَوْنَ هَذِهِ سِلْعَتَهُ ، وَمُنْكِرٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
فَأَمَّا إنْ جَاءَ لِيَرُدَّ السِّلْعَةَ بِخِيَارٍ ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ ، فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِهِ .

( 3032 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا ، مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ ، فَكَسَرَهُ ، فَوَجَدَهُ فَاسِدًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ ، كَبَيْضِ الدَّجَاجِ ، رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ ، كَجَوْزِ الْهِنْدِ ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّدِّ وَأَخْذِ الثَّمَنِ ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْكَسْرِ ، أَوْ يَأْخُذُ مَا بَيْنَ صَحِيحِهِ وَمَعِيبِهِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ ، كَالْبِطِّيخِ ، وَالرُّمَّانِ ، وَالْجَوْزِ ، وَالْبَيْضِ ، فَكَسَرَهُ فَبَانَ عَيْبُهُ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَائِعِ تَدْلِيسٌ ، وَلَا تَفْرِيطٌ ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِعَيْبِهِ ، وَكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ إلَّا بِكَسْرِهِ ، فَجَرَى مَجْرَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ .
وَالثَّانِيَةُ ، يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ اقْتَضَى السَّلَامَةَ مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا بَانَ مَعِيبًا ، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَ الْمَعِيبِ ، دُونَ الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ صَحِيحًا ، فَلَا مَعْنًى لِإِيجَابِ الثَّمَنِ كُلِّهِ ، وَكَوْنُهُ لَمْ يُفَرِّطْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ لَهُ ثَمَنُ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ ؛ بِدَلِيلِ الْعَيْبِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُ فِي الْعَبْدِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ مَكْسُورًا ، كَبِيضِ الدَّجَاجِ الْفَاسِدِ ، وَالرُّمَّانِ الْأَسْوَدِ ، وَالْجَوْزِ الْخَرِبِ ، وَالْبِطِّيخِ التَّالِفِ ، رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَيَّنَ بِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ؛ لِكَوْنِهِ وَقَعَ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ ، كَالْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ .
الثَّانِي ، أَنْ

يَكُونَ مِمَّا لِمَعِيبِهِ قِيمَةٌ ، كَجَوْزِ الْهِنْدِ ، وَبَيْضِ النَّعَامِ ، وَالْبِطِّيخِ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ ، وَنَحْوِهِ ، فَإِذَا كَسَرَهُ نَظَرْت ، فَإِنْ كَانَ كَسْرًا لَا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ بِدُونِهِ ، فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ أَرْشِ الْكَسْرِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ ، وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ عَيْبِهِ ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ صَحِيحِهِ وَمَعِيبِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : عِنْدِي لَا أَرْشَ عَلَيْهِ لِكَسْرِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِطَرِيقِ اسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ ، حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تُعْلَمُ لَهُ صِحَّتُهُ مِنْ فَسَادِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ .
أَنَّهُ نَقْصٌ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ ، فَلَزِمَ رَدُّ أَرْشِهِ ، كَلَبَنِ الْمُصَرَّاةِ إذَا حَلَبَهَا ، وَالْبِكْرِ إذَا وَطِئَهَا ، وَبِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَبْطُلُ مَا ذَكَرَهُ ، فَإِنَّهُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ ، بَلْ هَاهُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ مِنْ الْبَائِعَ ، وَالتَّصْرِيَةُ حَصَلَتْ بِتَدْلِيسِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ بِدُونِهِ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُتْلِفُ الْمَبِيعَ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَيْضًا .
وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْكَسْرِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ ، بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ .
وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ، وَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا لَا يُبْقِي لَهُ قِيمَةً ، فَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ ، لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ ، وَقَدْرُ أَرْشِ الْعَيْبِ قِسْطُ مَا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَيُقَوَّمُ الْمَبِيعُ صَحِيحًا ، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعِيبًا غَيْرَ مَكْسُورٍ ، فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ .
عَلَى مَا مَضَى

شَرْحُهُ .

( 3033 ) فَصْلٌ : وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَنَشَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقُصُهُ النَّشْرُ ، رَدَّهُ ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُهُ النَّشْرُ ، كالهسنجاني ، الَّذِي يُطْوَى طَاقَيْنِ مُلْتَصِقَيْنِ ، جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى جَوْزِ الْهِنْدِ ، عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ ، فِيمَا إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ ، أَوْ زَادَ ، كَنَشْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ .
وَإِنْ أَحَبَّ أَخْذَ أَرْشِهِ ، فَلَهُ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ .

( 3034 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ ، فَلَهُ أَرْشُهُ لَا غَيْرُ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ لَهُ رَدَّهُ .
وَأَخْذَ زِيَادَتِهِ بِالصَّبْغِ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ ، فَلَا تَمْنَعُ الرَّدَّ ، كَالسَّمْنِ وَالْكُسْبِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةٌ ، فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهَا ، كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ .
وَفَارَقَ السَّمْنَ وَالْكُسْبَ ، فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ عَنْ السَّمْنِ عِوَضًا ، وَالْكُسْبُ لِلْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّهُ ، وَلَا يُعَاوَضُ عَنْهُ .
وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ : أَنَا آخُذُهُ ، وَأُعْطِي قِيمَةَ الصَّبْغِ .
لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ ، فَلَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ الْأَرْشِ ، كَمَا لَوْ سَمِنَ عَبْدُهُ ، أَوْ كَسَبَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهُ ، إلَّا بِرَدِّ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مَعَهُ ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ رَدِّهِ ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ ، فَطَلَبَ الْبَائِعُ أَخْذَهُ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ .
وَالْأَصْلُ لَا نُسَلِّمُهُ ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الْأَرْشِ إذَا أَرَادَهُ بِكُلِّ حَالٍ .

( 3035 ) فَصْلٌ : يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ ، عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا ، مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ : لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ ، فَمَنَعَ صِحَّةَ بَيْعِهِ ، كَالرَّهْنِ ، بَلْ حَقُّ الْجِنَايَةِ آكَدُ ؛ لِأَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ حَقٌّ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي الْجَانِي ، يَمْلِكُ أَدَاءَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْبَيْعَ ، كَالزَّكَاةِ ، أَوْ حَقٌّ يَثْبُتُ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ بَيْعَهُ ، كَالدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ ، أَوْ تَصَرُّفٌ فِي الْجَانِي ، فَجَازَ ، كَالْعِتْقِ .
وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ قِصَاصًا ، فَهُوَ تُرْجَى سَلَامَتُهُ وَيُخْشَى تَلَفُهُ ، فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ .
أَمَّا الرَّهْنُ ، فَإِنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ ، لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إبْدَالَهُ ، ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ بِرِضَاهُ ، وَثِيقَةً لِلدَّيْنِ ، فَلَوْ أَبْطَلَهُ بِالْبَيْعِ ، سَقَطَ حَقُّ الْوَثِيقَةِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَتَى بَاعَهُ ، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ ، أَوْ الْقَوَدِ ، فَعُفِيَ عَنْهُ إلَى مَالٍ ، فَعَلَى السَّيِّدِ فِدَاؤُهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ ، وَيَزُولُ الْحَقُّ عَنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ بِبَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ الْخِيرَةَ ، بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَفِدَائِهِ .
فَإِنْ بَاعَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ ؛ لِإِخْرَاجِ الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِهِ .
وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ ، إذْ الرُّجُوعُ عَلَى غَيْرِهِ ، هَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ الْتَزَمَ فِدَاءَهُ ، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ : أَنَا أَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ الرَّهْنِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْجَانِي ، فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهُ

، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُعْسِرًا ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ رَقَبَةِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَمْلِكُ نَقْلَ حَقِّهِ عَنْ رَقَبَتِهِ بِفِدَائِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ ، فَيَبْقَى الْحَقُّ فِي رَقَبَتِهِ بِحَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي .
وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ ، إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي رَقَبَتِهِ ، فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ ، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ مُسْتَوْعِبَةً لِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ، فَأَخَذَ بِهَا ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَيْضًا ، لِأَنَّ أَرْشَ مِثْلِ هَذَا جَمِيعُ ثَمَنِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَوْعِبَةٍ لِرَقَبَتِهِ ، رَجَعَ بِقَدْرِ أَرْشِهِ .
وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِعَيْبِهِ ، رَاضِيًا بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ .
فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فِدَاءَهُ ، فَلَهُ ذَلِكَ ، وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الْخِيرَةِ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَفِدَائِهِ ، وَحُكْمُهُ فِي الرُّجُوعِ بِمَا فَدَاهُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ حُكْمُ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ .
فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، بَيْنَ الرَّدِّ وَأَخْذِ الْأَرْشِ ، فَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ ، وَهُوَ قِسْطُ قِيمَتِهِ مَا بَيْنَهُ جَانِيًا وَغَيْرَ جَانٍ ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ تَلَفَهُ كَانَ بِمَعْنًى اُسْتُحِقَّ عِنْدَ الْبَائِعِ ، فَجَرَى مَجْرَى إتْلَافِهِ إيَّاهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَلِفَ عِنْد الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، فَلَمْ يُوجِبْ الرُّجُوعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا ، فَمَاتَ بِدَائِهِ ، أَوْ مُرْتَدًّا ، فَقُتِلَ بِرِدَّتِهِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَا يَصِحُّ

قِيَاسُهُمْ عَلَى إتْلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ ، فَمَا اشْتَرَكَا فِي الْمُقْتَضِي .
وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِقَطْعِ يَدِهِ ، فَقُطِعَتْ عِنْد الْمُشْتَرِي ، فَقَدْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَطْعِ دُونَ حَقِيقَتِهِ ، فَهَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ رَدَّهُ بِعَيْبِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَمَتَى اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ ؛ وَلَا أَرْشٌ ، كَسَائِرِ الْمَعِيبَاتِ ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
( 3036 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ الْمُرْتَدِّ حُكْمُ الْقَاتِلِ ، فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ، فَإِنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ ؛ لِاحْتِمَالِ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ .
وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ إذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى قُدِرَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : هُوَ كَالْقَاتِلِ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ قِنٌّ ، يَصِحُّ إعْتَاقُهُ ، وَيَمْلِكُ اسْتِخْدَامَهُ ، فَصَحَّ بَيْعُهُ ، كَغَيْرِ الْقَاتِلِ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَى حَالِ قَتْلِهِ ، وَيَعْتِقُهُ فَيَنْجَرُّ بِهِ وَلَاءُ أَوْلَادِهِ ، فَجَازَ بَيْعُهُ ، كَالْمَرِيضِ الْمَأْيُوسِ مِنْ بُرْئِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَإِتْلَافُهُ وَإِذْهَابُ مَالِيَّتِهِ ، وَحَرُمَ إبْقَاؤُهُ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ ، وَهَذِهِ الْمَنْفَعَةُ الْيَسِيرَةُ مُفْضِيَةٌ بِهِ إلَى قَتْلِهِ لَا يَتَمَهَّدُ بِهَا مَحِلًّا لِلْبَيْعِ ، كَالْمَنْفَعَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْمَيْتَةِ ؛ لِسَدِّ بَثْقٍ ، أَوْ إطْعَامِ كَلْبٍ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، فَإِنَّهُ كَانَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ ذَلِكَ فِيهِ ، وَانْحِتَامُ إتْلَافِهِ لَا يَجْعَلُهُ تَالِفًا ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ أَحْكَامَ الْحَيَاةِ ، مِنْ التَّكْلِيفِ وَغَيْرِهِ ، لَا تَسْقُطُ عَنْهُ ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمَوْتَى لَهُ ، مِنْ إرْثِ مَالِهِ ، وَنُفُوذِ وَصِيَّتِهِ وَغَيْرِهَا ، وَلِأَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ ، لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلَا

نَصَّ فِي هَذَا وَلَا إجْمَاعَ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ ، فِيمَا مَضَى ، وَلَا فِي الْحَالِ ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا التَّحَتُّمَ يُمْكِنُ زَوَالُهُ ؛ لِزَوَالِ مَا ثَبَتَ بِهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ بِهِ ، أَوْ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ زَوَالُهُ ، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ تَحَقُّقُ تَلَفِهِ ، وَذَلِكَ يَجْعَلُهُ كَالْمَرِيضِ الْمَأْيُوسِ مِنْ بُرْئِهِ ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ .

( 3037 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ ، إذَا كَانَ قَصْدُهُ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَالِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّ السَّيِّدَ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ ، أَوْ جَارِيَتَهُ ، وَلَهُ مَالٌ مَلَّكَهُ إيَّاهُ مَوْلَاهُ ، أَوْ خَصَّهُ بِهِ ، فَهُوَ لِلْبَائِعِ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ بَاعَ عَبْدًا ، وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ لِلْبَائِعِ ، فَإِذَا بَاعَ الْعَبْدَ اخْتَصَّ الْبَيْعُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا .
وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ كَانَ لَهُ ؛ لِلْخَبَرِ ، وَرَوَى ذَلِكَ نَافِعٌ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
قَالَ الْخِرَقِيِّ : إذَا كَانَ قَصْدُهُ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَالِ .
هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ .
وَمَعْنَاهُ ، أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِالْبَيْعِ شِرَاءَ مَالِ الْعَبْدِ ، إنَّمَا يَقْصِدُ بَقَاءَ الْمَالِ لِعَبْدِهِ ، وَإِقْرَارَهُ فِي يَدِهِ ، فَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ ، صَحَّ اشْتِرَاطُهُ ، وَدَخَلَ فِي الْبَيْعِ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا ، مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ .
قَالَ الْبَتِّيُّ : إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَمَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ رَغْبَةُ الْمُبْتَاعِ فِي الْعَبْدِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ ، فَأَشْبَهَ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ ، وَالتَّمْوِيهَ بِالذَّهَبِ فِي السُّقُوفِ ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا بِالشِّرَاءِ ، جَازَ اشْتِرَاطُهُ إذَا وُجِدَتْ

فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ ، مِنْ الْعِلْمِ بِهِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ رَبًّا ، كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْعَيْنَيْنِ الْمَبِيعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْصُودٌ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ضَمَّ إلَى الْعَبْدِ عَيْنًا أُخْرَى وَبَاعَهُمَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : هَذَا يَنْبَنِي عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ ، فَإِنْ قُلْنَا : لَا يَمْلِكُ .
فَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ صَارَ مَبِيعًا مَعَهُ ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَإِنْ قُلْنَا : يَمْلِكُ .
اُحْتُمِلَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي الْبَيْعِ لَا أَصْلٌ ، فَأَشْبَهَ طَيَّ الْآبَارِ .
وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا الشَّرْطَ الَّذِي يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِهِ قَصْدَ الْمُشْتَرِي دُونَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاحْتِمَالُ الْجَهَالَةِ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ ، كَمَا ذَكَرْنَا ، كَاللَّبَنِ فِي ضَرْعِ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ ، وَالْحَمْلِ فِي بَطْنِهَا ، وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِهَا ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ مَبِيعٌ ، وَيَحْتَمِلُ فِيهِ الْجَهَالَةَ وَغَيْرَهَا ، لِمَا ذَكَرْنَا .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ هَاهُنَا ، وَإِنَّمَا اسْتِبْقَاءُ الْمُشْتَرِي عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ عَنْهُ إلَى الْبَائِعِ .
وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ .

( 3038 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ، وَاشْتَرَطَ مَالُهُ ، ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ ، رَدَّ مَالَهُ مَعَهُ .
وَقَالَ دَاوُد : يَرُدُّ الْعَبْدَ دُونَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ، فَأَشْبَهَ النَّمَاءَ الْحَادِثَ عِنْدَهُ .
وَلَنَا أَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي ، لَا تَحْصُلُ بِدُونِ الْبَيْعِ ، فَيَرُدُّهَا بِالْفَسْخِ ، كَالْعَبْدِ ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ ذَا مَالٍ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ ، فَأَخْذُ مَالِهِ يَنْقُصُ قِيمَتَهُ ، فَلَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ حَتَّى يَدْفَعَ مَا يُزِيلُ نَقْصَهُ .
فَإِنْ تَلِفَ مَالُهُ ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْد الْمُشْتَرِي ، هَلْ يَمْنَعُ الرَّدَّ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، فَإِنْ قُلْنَا : يَرُدُّهُ .
فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ .
قَالَ أَحْمَدُ : فِي رَجُلٍ اشْتَرَى أَمَةً مَعَهَا قِنَاعٌ ، فَاشْتَرَطَهُ ، وَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ ، وَقَدْ تَلِفَ الْقِنَاعُ : غَرِمَ قِيمَتَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
( 3039 ) فَصْلٌ : وَمَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الْجَارِيَةِ مِنْ الْحُلِيِّ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
فَأَمَّا الثِّيَابُ فَقَالَ أَحْمَدُ : مَا كَانَ يَلْبَسهُ عِنْد الْبَائِع ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا يَلْبَسُهَا فَوْقَ ثِيَابِهِ ، أَوْ شَيْئًا يُزَيِّنُهُ بِهِ ، فَهُوَ لِلْبَائِعِ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ .
يَعْنِي أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي يَلْبَسُهَا عَادَةً لِلْخِدْمَةِ وَالْبِذْلَةِ ، تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ، دَوَّنَ الثِّيَابِ الَّتِي يَتَجَمَّلُ بِهَا ؛ لِأَنَّ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا مَعَهُ ، وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِهَا مَصْلَحَتُهُ وَحَاجَتُهُ ، إذْ لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهَا ، فَجَرَتْ مَجْرَى مَفَاتِيحِ الدَّارِ ، بِخِلَافِ ثِيَابِ الْجَمَالِ ، فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْعَادَةِ ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا حَاجَةُ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا يُلْبِسُهَا إيَّاهُ لِيُنْفِقَهُ بِهَا ، وَهَذِهِ حَاجَةُ السَّيِّدِ ، لَا حَاجَةُ الْعَبْدِ ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهَا ، فَجَرَتْ

مَجْرَى السُّتُورِ فِي الدَّارِ وَالدَّابَّةِ الَّتِي يَرْكَبُهُ عَلَيْهَا ، مَعَ دُخُولِهَا فِي الْخَبَرِ ، وَبَقَائِهَا عَلَى الْأَصْلِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَر : مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً ، زَيَّنَهَا بِثِيَابٍ ، فَلِلَّذِي اشْتَرَاهَا مَا عَلَيْهَا ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الَّذِي بَاعَهَا .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَالنَّخَعِيُّ وَلَنَا ، الْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ .
وَلِأَنَّ الثِّيَابَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا لَفْظُ الْبَيْعِ ، وَلَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا مَعَهُ ، أَشْبَهَ سَائِرَ مَالِ الْبَائِعِ .
وَلِأَنَّهُ زِينَةٌ لِلْمَبِيعِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَيَّنَ الدَّارَ بِبِسَاطٍ أَوْ سِتْرٍ .

( 3040 ) فَصْلٌ : وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا ، إذَا لَمْ يُمَلِّكْهُ سَيِّدُهُ .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ : يَمْلِكُ ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } .
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ } .
فَأَضَافَ الْمَالَ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ .
وَلَنَا ، قَوْله تَعَالَى { : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } .
وَلِأَنَّ سَيِّدَهُ يَمْلِكُ عَيْنَهُ وَمَنَافِعَهُ ، فَمَا حَصَلَ بِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ ، كَبَهِيمَتِهِ .
فَأَمَّا إنَّ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ شَيْئًا ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يَمْلِكُهُ .
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : وَالسَّيِّدُ يُزَكِّي عَمَّا فِي يَدِ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ .
وَقَالَ : وَالْعَبْدُ لَا يَرِثُ ، وَلَا مَالَ لَهُ فَيُورَثُ عَنْهُ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ ، فَلَمْ يَمْلِكْ ، كَالْبَهِيمَةِ .
وَالثَّانِي ، يَمْلِكُ .
وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ؛ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حَيٌّ ، فَمَلَكَ كَالْحُرِّ ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِي النِّكَاحِ ، فَمَلَكَ فِي الْمَالِ كَالْحُرِّ ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهُ ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ ، وَمَا ذَكَرُوهُ تَعْلِيلٌ بِالْمَانِعِ ، وَلَا يَثْبُتُ اعْتِبَارُهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ الْمُقْتَضِي فِي الْأَصْلِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْبَهِيمَةِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهَا ، وَإِنَّمَا انْتَفَى مِلْكُهَا لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لَهُ ، لَا لِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً ، وَكَوْنُهَا مَمْلُوكَةً عَدِيمُ الْأَثَرِ ، فَإِنَّ سَائِرَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً مِنْ الصَّيُودِ وَالْوُحُوشِ ، لَا تُمَلَّكُ ، وَكَذَلِكَ الْجَمَادَاتُ ، وَإِذَا بَطَلَ كَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ مَانِعًا ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْمُقْتَضِي ، لَزِمَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ .
وَاَللَّه أَعْلَمُ

.

مَسْأَلَةٌ قَالَ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ ، وَرَبِيعَةُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهَا فَجَازَ مِنْ بَائِعِهَا ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِمِثْلِ ثَمَنِهَا .
وَلَنَا ، مَا رَوَى غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ أَيْفَعَ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهَا قَالَتْ : دَخَلْت أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَامْرَأَتُهُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : إنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ ، ثُمَّ اشْتَرَيْته مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ لَهَا : بِئْسَ مَا شَرَيْت ، وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ : أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَقُولُ مِثْلَ هَذَا التَّغْلِيظِ وَتُقْدِمُ عَلَيْهِ ، إلَّا بِتَوْقِيفٍ سَمِعَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَرَى مَجْرَى رِوَايَتِهَا ذَلِكَ عَنْهُ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ السِّلْعَةَ ، لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ .
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَالَ : أَرَى مِائَةً بِخَمْسِينَ بَيْنَهُمَا حَرِيرَةٌ .
يَعْنِي خِرْقَةَ حَرِيرٍ جَعَلَاهَا فِي بَيْعِهِمَا .
وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ لِمَا

قَدَّمْنَاهُ فَأَمَّا بَيْعُهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَرِيعَةً .
وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ حَالَةِ الْبَيْعِ ، فَإِنْ نَقَصَتْ ، مِثْلُ إنْ هَزَلَ الْعَبْدُ ، أَوْ نَسِيَ صِنَاعَةً ، أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ ، أَوْ بَلِيَ جَازَ لَهُ شِرَاؤُهَا بِمَا شَاءَ لِأَنَّ نَقْصَ الثَّمَنِ لِنَقْصِ الْمَبِيعِ لَا لِلتَّوَسُّلِ إلَى الرِّبَا .
وَإِنْ نَقَصَ سِعْرُهَا ، أَوْ زَادَ لِذَلِكَ أَوْ لِمَعْنًى حَدَثَ فِيهَا ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِحَالِهَا .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ .
( 3042 ) فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِعَرْضٍ ، أَوْ كَانَ بَيْعُهَا الْأَوَّلُ بِعَرْضٍ ، فَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ جَازَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا كَانَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا ، وَلَا رِبَا بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ .
فَأَمَّا إنْ بَاعَهَا بِنَقْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا .
فَجَازَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَرْضٍ ، أَوْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ .
وَهَذَا أَصَحُّ .
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( 3043 ) فَصْلٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ .
قَالَ الشَّاعِرُ أَنِدَّانِ أَمْ نَعْتَانِ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ مُيِّزَتْ مَضَارِبُهُ فَقَوْلُهُ : نَعْتَانِ .
أَيْ نَشْتَرِي عِينَةً مِثْلَمَا وَصَفْنَا .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ

سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ } .
وَهَذَا وَعِيدٌ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الْعِينَةُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّجُلِ الْمَتَاعُ ، فَلَا يَبِيعُهُ إلَّا بِنَسِيئَةٍ ، فَإِنْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ فَلَا بَأْسَ .
وَقَالَ : أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تِجَارَةٌ غَيْرُ الْعِينَةِ لَا يَبِيعُ بِنَقْدٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا كَرِهَ النَّسِيئَةَ لِمُضَارَعَتِهَا الرِّبَا ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْبَائِعَ بِنَسِيئَةٍ يَقْصِدُ الزِّيَادَةَ بِالْأَجَلِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِينَةُ اسْمًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِلْبَيْعِ بِنَسِيئَةٍ جَمِيعًا ، لَكِنَّ الْبَيْعَ بِنَسِيئَةٍ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ اتِّفَاقًا ، وَلَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تِجَارَةٌ غَيْرُهُ .
.

( 3044 ) فَصْلٌ وَإِنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَقْدٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَسِيئَةً ، فَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ السِّلْعَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَّخِذُهُ وَسِيلَةً إلَى الرِّبَا ، فَأَشْبَهَ مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ ، أَوْ بِسِلْعَةٍ أُخْرَى ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا نَسِيئَةً ، جَازَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ شِرَاؤُهَا بِجِنْسِ الثَّمَنِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ مُوَاطَأَةٍ ، أَوْ حِيلَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حِلُّ الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِيهِ ، وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ ، وَلِأَنَّ التَّوَسُّلَ بِذَلِكَ أَكْثَرُ ، فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ مَا دُونَهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( 3045 ) فَصْلٌ : وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا : لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ .
لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِوَكِيلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ ، سَوَاءٌ كَانَ أَبَاهُ ، أَوْ ابْنَهُ ، أَوْ غَيْرَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْبَائِعِ وَيَشْتَرِي لِنَفْسِهِ ، فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ

( 3046 ) فَصْلٌ وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ طَعَامًا قَبْلَ قَبْضِهِ ، لَمْ يَجُزْ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَطَاوُسٍ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَأَجَازَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ وَالشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ : إذَا لَمْ يَكُنْ لَك فِي ذَلِكَ رَأْيٌ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ قَالَ : بِعْت تَمْرًا مِنْ التَّمَّارِينَ ، كُلَّ سَبْعَةِ آصُعٍ بِدِرْهَمٍ ، ثُمَّ وَجَدْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَمْرًا يَبِيعُهُ أَرْبَعَةَ آصُعٍ بِدِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَيْت مِنْهُ ، فَسَأَلْت عِكْرِمَةَ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : لَا بَأْسَ ، أَخَذْت أُنْقَصَ مِمَّا بِعْت .
ثُمَّ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرْته بُقُولِ عِكْرِمَةَ فَقَالَ : كَذَبَ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ مَا بِعْت مِنْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ بِمِكْيَالٍ ، فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ بِمِكْيَالٍ ، إلَّا وَرِقًا أَوْ ذَهَبًا ، فَإِذَا أَخَذْت وَرِقَك ، فَابْتَعْ مِمَّنْ شِئْت مِنْهُ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَرَجَعْت ، فَإِذَا عِكْرِمَةُ قَدْ طَلَبَنِي ، فَقَالَ : الَّذِي قُلْت لَك هُوَ حَلَالٌ هُوَ حَرَامٌ .
فَقُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : إنَّ فَضَلَ لِي عِنْدَهُ فَضْلٌ ؟ قَالَ : فَأَعْطِهِ أَنْتَ الْكَسْرَ ، وَخُذْ مِنْهُ الدِّرْهَمَ وَوَجْهُ ذَلِكَ ، أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً ، فَحَرُمَ كَمَسْأَلَةِ الْعِينَةِ ، فَعَلَى هَذَا ، كُلُّ شَيْئَيْنِ حَرُمَ النَّسَاءُ فِيهِمَا ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ أَحَدُهُمَا عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ ، إذَا كَانَ الْبَيْعُ نِسَاءً .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا .
وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ .
وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي جَوَازُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ حِيلَةً وَلَا قَصَدَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ

، فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ قَدِمْت عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، فَقُلْت لَهُ : إنِّي أَجُذُّ نَخْلِي ، وَأَبِيعُ مِمَّنْ حَضَرَنِي التَّمْرَ إلَى أَجَلٍ ، فَيَقْدَمُونَ بِالْحِنْطَةِ ، وَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ الْأَجَلُ ، فَيُوقِفُونَهَا بِالسُّوقِ ، فَأَبْتَاعُ مِنْهُمْ وَأُقَاصُّهُمْ .
قَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْك عَلَى رَأْيٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الطَّعَامَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ أَوَّلَ لُزُومِهِ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ الْأُوَلُ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا ، وَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِالثَّمَنِ طَعَامًا ، وَلَكِنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي طَعَامًا بِدَرَاهِمَ ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَفَاءً ، أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ ، لَكِنْ قَاصَّهُ بِهَا ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ .

( 3047 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمَنْ بَاعَ حَيَوَانًا ، أَوْ غَيْرَهُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ، لَمْ يَبْرَأْ ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ ، فَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ : لَا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا سَمَّى .
وَقَالَ شُرَيْحٌ : لَا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا أَرَاهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ .
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَإِسْحَاقَ .
لِأَنَّهُ مُرْفَقٌ فِي الْبَيْعِ ، لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ ، فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْجَهْلِ ، كَالْخِيَارِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَنَحْوُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ زِيدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ ، بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَأَصَابَ بِهِ زَيْدٌ عَيْبًا ، فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ ، فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ : تَحْلِفُ أَنَّك لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ ؟ فَقَالَ : لَا .
فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَبَاعَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اُشْتُهِرَتْ ، فَلَمْ تُنْكَرْ ، فَكَانَتْ إجْمَاعًا .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَجَازَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيُخَرَّجُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ، { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهِمَا ، وَتَوَخَّيَا ، وَلْيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ } فَدَلَّ هَذَا عَلَى

أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ ، وَلِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ لَا تَسْلِيمَ فِيهِ ، فَصَحَّ مِنْ الْمَجْهُولِ ، كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ ، فَمَا ثَبَتَ فِي أَحَدِهِمَا ثَبَتَ فِي الْآخَرِ ، وَقَوْلُ عُثْمَانَ قَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفُ لَا يَبْقَى حُجَّةً .
( 3048 ) فَصْلٌ فَإِنْ قُلْنَا : لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ .
فَشَرْطُهُ لَمْ يُفْسِدْ الْبَيْعَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ ، فَأَجْمَعُوا عَلَى صِحَّتِهِ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ .
فَعَلَى هَذَا لَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّهَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ ، فَيَدْخُلُ فِيهَا هَذَا الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا رَضِيَ بِهَذَا الثَّمَنِ عِوَضًا عَنْهُ بِهَذَا الشَّرْطِ ، فَإِذَا فَسَدَ الشَّرْطُ فَاتَ الرِّضَى بِهِ ، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ التَّرَاضِي بِهِ .

( 3049 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا مُرَابَحَةً ، فَعَلِمَ أَنَّهُ زَادَ فِي رَأْسِ مَالِهِ ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ وَحَطَّهَا مِنْ الرِّبْحِ مَعْنَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، هُوَ الْبَيْعُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحٍ مَعْلُومٍ ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيَقُولُ : رَأْسُ مَالِي فِيهِ أَوْ هُوَ عَلَيَّ بِمِائَةٍ بِعْتُك بِهَا ، وَرِبْحُ عَشَرَةٍ ، فَهَذَا جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ كَرَاهَةً .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك بِرَأْسِ مَالِي فِيهِ وَهُوَ مِائَةٌ ، وَأَرْبَحُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا ، أَوْ قَالَ : ده يازده .
أَوْ ده داوزده .
فَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ ، وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمَسْرُوقٍ ، وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يَجُوزُ .
لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ حَالَ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِمَا يَخْرُجُ بِهِ فِي الْحِسَابِ .
وَرَخَّصَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَشُرَيْحٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مَعْلُومٌ وَالرِّبْحَ مَعْلُومٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : وَرِبْحُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ .
وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَرِهَاهُ ، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْجَهَالَةِ ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا أَوْلَى .
وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالْجَهَالَةُ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِالْحِسَابِ ، فَلَمْ تَضُرَّ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ صُبْرَةً كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ بِهِ فِي الْحِسَابِ ، فَمَجْهُولٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا عُدْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ، فَنَقُولُ : مَتَى بَاعَ شَيْئًا بِرَأْسِ مَالِهِ ، وَرِبْحِ عَشَرَةٍ ، ثُمَّ عَلِمَ بِتَنْبِيهٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ تِسْعُونَ ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ فَلَمْ

يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، كَالْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا زَادَ فِي رَأْسِ الْمَالِ ، وَهُوَ عَشَرَةٌ ، وَحَطَّهَا مِنْ الرِّبْحِ ، وَهُوَ دِرْهَمٌ ، فَيَبْقَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَخْذِ بِكُلِّ الثَّمَنِ ، أَوْ يَتْرُكُ قِيَاسًا عَلَى الْمَعِيبِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَمَا قَدَّرَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِذَا بَانَ رَأْسُ مَالِهِ قَدْرًا مَبِيعًا بِهِ وَبِالزِّيَادَةِ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَيْهَا ، وَالْمَعِيبُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ ، ثُمَّ الْمَعِيبُ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، إلَّا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ ، وَهَاهُنَا رَضِيَ فِيهِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ الْمُقَرَّرِ .
وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ ؟ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ .
نَقَلَهُ حَنْبَلٌ ، وَحُكِيَ ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِي ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَأْمَنُ الْجِنَايَةَ فِي هَذَا الثَّمَنِ أَيْضًا ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بِعَيْنِهِ ؛ لِكَوْنِهِ حَالِفًا ، أَوْ وَكِيلًا ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَهُ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ ، فَإِذَا حَصَلَ لَهُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ ، فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ ، فَبَانَ صَحِيحًا ، أَوْ أُمِّيٌّ ، فَبَانَ صَانِعًا أَوْ كَاتِبًا أَوْ وُكِّلَ فِي شِرَاءٍ مُعَيَّنٍ بِمِائَةٍ ، فَاشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ .
وَأَمَّا الْبَائِعُ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ .
( 3050 ) فَصْلٌ وَإِذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِثَمَنِ السِّلْعَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا ، لَمْ

تَتَغَيَّرْ ، أَخْبَرَ بِثَمَنِهَا ، وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، أَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، لَمْ يُجَزِّئْهُ ، وَيُخْبِرُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، لَا غَيْرُ .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ، لَا يَكُونُ عِوَضًا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ ، وَيُخْبِرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَحِقَ بِالْعَقْدِ ، وَأَخْبَرَ بِهِ فِي الثَّمَنِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ .
فَإِنْ تَغَيَّرَ سِعْرُهَا دُونَهَا ، فَإِنْ غَلَتْ ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِيهَا وَإِنْ رَخُصَتْ ، فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِدُونِ الْإِخْبَارِ بِهِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ ، لَمْ يَرْضَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ ، فَكِتْمَانُهُ تَغْرِيرٌ بِهِ .
فَإِنْ أَخْبَرَ بِدُونِ ثَمَنِهَا ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالتَّغْرِيرِ .
فَصْلٌ : فَأَمَّا إنْ تَغَيَّرَتْ السِّلْعَةُ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدِهِمَا ، أَنْ تَتَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ ، وَهِيَ نَوْعَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ تَزِيدَ لِنَمَائِهَا ، كَالسَّمْنِ ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ ، أَوْ يَحْصُلُ مِنْهَا نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ ، وَالْكَسْبِ ، فَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً ، أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ .
وَإِنْ أَخَذَ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ ، أَوْ اسْتَخْدَمَ الْأَمَةَ ، أَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ ، أَخْبَرَ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَبْيِينُ الْحَالِ .
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَبْيِينُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْغَلَّةِ يَأْخُذُهَا : لَا بَأْسَ أَنْ

يَبِيعَ مُرَابَحَةً ، وَفِي الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ .
وَلَنَا أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ بِالْمُشْتَرِي ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ بِدُونِ ذِكْرِهِ ، كَالْغَلَّةِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُوجَبَاتِ الْعَقْدِ .
النَّوْعُ الثَّانِي ، أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا عَمَلًا ، مِثْلُ أَنْ يَقْصُرَهَا ، أَوْ يَرْفُوَهَا ، أَوْ يُجَمِّلَهَا أَوْ يَخِيطَهَا ، فَهَذِهِ مَتَى أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ ، سَوَاءٌ عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِلَهُ .
هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : يُبَيِّنُ مَا اشْتَرَاهُ وَمَا لَزِمَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ فِيمَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ الْأُجْرَةَ إلَى الثَّمَنِ ، وَيَقُولَ : تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا .
لِأَنَّهُ صَادِقٌ .
وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَالْحَكَمُ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَلَنَا أَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمُشْتَرِي ، فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَا تَحَصَّلَتْ بِهِ لِأَجْلِ الصِّنَاعَةِ ، لَا يَرْغَبُ فِيهِ ؛ لِعَدَمِ رَغْبَتِهِ فِي ذَلِكَ ، فَأَشْبَهَ مَا يَنْقُصُ الْحَيَوَانَ فِي مُؤْنَتِهِ ، وَكِسْوَتِهِ ، وَعَلَى الْمُبْتَاعِ فِي خَزْنِهِ .
الضَّرْبُ الثَّانِي ، أَنْ يَتَغَيَّرَ بِنَقْصٍ ، كَنَقْصِهِ بِمَرَضٍ ، أَوْ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ ، أَوْ تَلَفِ بَعْضِهِ ، أَوْ بِوِلَادَةٍ ، أَوْ عَيْبٍ ، أَوْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ ، كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ الْمَوْجُودِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ ، أَوْ الْجِنَايَةِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ

يَحُطُّ أَرْشَ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي ، لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْبِ عِوَضُ مَا فَاتَ بِهِ ، فَكَانَ ثَمَنُ الْمَوْجُودِ هُوَ مَا بَقِيَ .
وَفِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَحُطُّهُ مِنْ الثَّمَنِ ، كَأَرْشِ الْعَيْبِ .
وَالثَّانِي ، لَا يَحُطُّهُ كَالنَّمَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَحُطُّهُمَا مِنْ الثَّمَنِ ، وَيَقُولُ : تَقَوَّمَ عَلَيَّ بِكَذَا ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ ، وَأَقْرَبُ إلَى الْبَيَانِ وَنَفْيِ التَّغْرِيرِ بِالْمُشْتَرِي وَالتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ ، وَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا .
وَقِيَاسُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ عَلَى النَّمَاءِ وَالْكَسْبِ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضُ نَقْصِهِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ جُزْءٍ مِنْهُ بَاعَهُ ، وَكَقِيمَةِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا ، وَالنَّمَاءُ وَالْكَسْبُ زِيَادَةٌ لَمْ يَنْقُصْ بِهَا الْمَبِيعُ وَلَا هِيَ عِوَضٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَأَمَّا إنْ جَنَى الْمَبِيعُ ، فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي ، لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ، لِأَنَّ هَذَا الْأَرْشَ لَمْ يَزِدْ بِهِ الْمَبِيعُ قِيمَةً وَلَا ذَاتًا ، وَإِنَّمَا هُوَ مُزِيلٌ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ وَالْعَيْبِ الْحَاصِلِ بِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ ، فَأَشْبَهَ الدَّوَاءَ الْمُزِيلَ لِمَرَضِهِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي .
فَأَمَّا الْأَدْوِيَةُ ، وَالْمُؤْنَةُ ، وَالْكِسْوَةُ ، وَعَمَلُهُ فِي السِّلْعَةِ بِنَفْسِهِ ، أَوْ عَمَلُ غَيْرِهِ لَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ فِي الثَّمَنِ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ ، فَحَسَنٌ .

فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً ، أَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا ، فَتَقَاسَمَاهُ ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً ، بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ فِيهِ ، فَذَلِكَ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ الَّتِي لَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ ، وَأَشْبَاهِ هَذَا ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً ، حَتَّى يُخْبِرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
فَقَالَ : كُلُّ بَيْعٍ اشْتَرَاهُ جَمَاعَةٌ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ ، لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمْ مُرَابَحَةً ، إلَّا أَنْ يَقُولَ : اشْتَرَيْنَاهُ جَمَاعَةً ، ثُمَّ اقْتَسَمْنَاهُ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا وَسَيْفًا ، أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ، فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا مَعِيبًا رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، فِيمَا اشْتَرَاهُ اثْنَانِ فَتَقَاسَمَاهُ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِمَا اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهُ ، فَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى الْمَبِيعِ طَرِيقُهُ الظَّنُّ وَالتَّخْمِينُ ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِيهِ كَثِيرٌ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ أَمَانَةٌ ، فَلَمْ يَجُزْ هَذَا فِيهِ ، فَصَارَ هَذَا كَالْخَرْصِ الْحَاصِلِ بِالظَّنِّ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ مَا يَجِبُ التَّمَاثُلُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ ، وَكَوْنِهِ لَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى التَّقْوِيمِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ لَاتَّخَذَهُ النَّاسُ طَرِيقًا لِإِسْقَاطِهَا ، فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَهَاهُنَا لَهُ طَرِيقٌ ، وَهُوَ

الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ ، أَوْ بَيْعُهُ مُسَاوِمَةً .
الْقَسَمُ الثَّانِي ، أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُتَمَاثِلَاتِ الَّتِي يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ ، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ الْمُتَسَاوِي ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْجُزْءِ مَعْلُومٌ يَقِينًا ، وَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ .
وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَأَخَذَهُمَا عَلَى الصِّفَةِ ، وَأَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ، لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَالَهُ فِي أَحَدِهِمَا ، أَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ ، كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمَا ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا .
وَلِأَنَّ الثَّمَنَ وَقَعَ عَلَيْهِمَا مُتَسَاوِيًا لِتَسَاوِي صِفَتِهِمَا فِي الذِّمَّةِ ، فَهُمَا كَقَفِيزَيْنِ مِنْ صُبْرَةٍ .
وَإِنْ حَصَلَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى الصِّفَةِ ، جَرَتْ مَجْرَى الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ .

( 3053 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً ، حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ ، أَوْ ابْنِهِ ، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً ، حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا اشْتَرَاهُ عَقْدًا صَحِيحًا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَنَا ، أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُمْ ؛ لِكَوْنِهِ يُحَابِيهِمْ وَيَسْمَحُ لَهُمْ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ ، وَفَارَقَ الْأَجْنَبِيَّ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِ .
وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالشِّرَاءِ مِنْ مُكَاتَبِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ مُرَابَحَةً ، حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ غُلَامِ دُكَّانِهِ الْحُرِّ ، فَقَالَ الْقَاضِي : إذَا بَاعَهُ سِلْعَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً لَمْ يَجُزْ .
وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً .
وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِغُلَامِ دُكَّانِهِ ، بَلْ مَتَى فَعَلَ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَانَ حَرَامًا وَتَدْلِيسًا ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ .

( 3054 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُخْبِرَ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ ، جَازَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةٌ ، وَلَا تَغْرِيرٌ بِالْمُشْتَرِي فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِيهِ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ يَطْرَحُ الرِّبْحَ مِنْ الثَّمَنِ وَيُخْبِرُ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ .
وَأَعْجَبَ أَحْمَدَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ ، يُبَيِّنُ أَمْرَهُ .
يَعْنِي يُخْبِرُ أَنَّهُ رَبِحَ فِيهِ مَرَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَهُ ، أَوْ يُخْبِرَ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ .
وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ تُضَمُّ فِيهَا الْعُقُودُ فَيُخْبِرُ بِمَا تَقُومُ عَلَيْهِ ، كَمَا تُضَمُّ أُجْرَةُ الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ .
وَقَدْ اسْتَفَادَ بِهَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي تَقْرِيرَ الرِّبْحِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَمِنَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ أَحَدُ نَوْعَيْ النَّمَاءِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ .
فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا طَرَحَ الرِّبْحَ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي يَقُولُ : تَقُومُ عَلَى بِخَمْسَةٍ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : اشْتَرَيْته بِخَمْسَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ ، وَالْكَذِبُ حَرَامٌ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ ضَمَّ أُجْرَةَ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ إلَى الثَّمَنِ وَأَخْبَرَ بِهِ .
وَلَنَا ، مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ ضَمِّ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فَشَيْءٌ بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ لَا نُسَلِّمُهُ ، ثُمَّ لَا يُشْبِهُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ وَالنَّمَاءَ لَزِمَاهُ فِي هَذَا الْبَيْعِ الَّذِي يَلِي الْمُرَابَحَةَ وَهَذَا

الرِّبْحُ فِي عَقْدٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا الشِّرَاءِ فَأَشْبَهَ الْخَسَارَةَ فِيهِ ، وَأَمَّا تَقْرِيرُ الرِّبْحِ ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ لَزِمَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ الْعَيْبُ ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُهُ ثُمَّ قَدْ ذَكَرْنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ طَرْحُ النَّمَاءِ وَالْغَلَّةِ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّهَا حَصَلَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ أَخْبَرَ أَنَّهَا تَقَوَّمَتْ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ .
وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ ، أَخْبَرَ أَنَّهَا تَقَوَّمَتْ عَلَيْهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَظِيرِ هَذَا .
وَعَلَى هَذَا يَطْرَحُ الرِّبْحَ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي كَيْفَمَا كَانَ ، فَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ ، وَلَكِنْ اشْتَرَاهَا ثَانِيَةً بِخَمْسَةٍ أَخْبَرَ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْعَقْدِ الَّذِي يَلِي الْمُرَابَحَةَ .
وَلَوْ خَسِرَ فِيهَا ، مِثْلُ إنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ ، ثُمَّ بَاعَهَا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ ، أَخْبَرَ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَضُمَّ الْخَسَارَةَ إلَى الثَّمَنِ الثَّانِي فَيُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( 3055 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ مَا قُلْنَا : إنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَيُبَيِّنَهُ .
فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِهِ ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِهِ وَبَيْنَ الرَّدِّ ، إلَّا فِي الْخَبَرِ بِزِيَادَةِ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ فِيهِ .
وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَمْرَهُ ، فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ حَالًا

وَبَيْنَ الْفَسْخِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، وَقَدْ تَكُونُ ذِمَّتُهُ دُونَ ذِمَّةِ الْبَائِعِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ الرِّضَى بِذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ يَعْنِي وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُسْتُهْلِكَ ، حَبَسَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِقَدْرِ الْأَجَلِ .
وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَقَعَ عَلَى الْبَائِعِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ بِذَلِكَ عَلَى صِفَتِهِ ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَرْضَ بِبَيْعِهِ إلَّا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى رِضَاهُ ، بَلْ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ .
كَذَا هَاهُنَا ( 3056 ) فَصْلٌ : فَإِنْ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ ، أَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ ، أَوْ بِثَمَنٍ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ ، وَأَشْبَاهِ هَذَا ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ ، وَبَيْنَ الرِّضَى بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبَايَعَا بِهِ ، كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا ذَلِكَ .

( 3057 ) فَصْلٌ وَإِنْ ابْتَاعَ اثْنَانِ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ ، وَبُذِلَ لَهُمَا فِيهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ فِيهِ بِذَلِكَ السِّعْرِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ فِي الْمُرَابَحَةِ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ يَبِيعُهُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ الَّذِي كَانَ أُعْطِيَهُ قَدْ كَانَ أَحْرَزَهُ .
ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ الْأَوَّلَ بِعَشَرَةٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهُ الثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ ، فَصَارَ مَجْمُوعُهُمَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ .

( 3058 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ .
بِالرَّقْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ : بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ .
وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ مِقْدَارَهُ ، أَوْ مَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا بِمَا اشْتَرَيْته بِهِ وَقَدْ عَلِمَا قَدْرَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا ، لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ .
قَالَ أَحْمَدُ وَالْمُسَاوَمَةُ عِنْدِي أَسْهَلُ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ تَعْتَرِيهِ أَمَانَةٌ وَاسْتِرْسَالٌ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَبْيِينِ الْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَلَا يُؤْمَنُ هَوَى النَّفْسِ فِي نَوْعِ تَأْوِيلٍ أَوْ غَلَطٍ فَيَكُونُ عَلَى خَطَرٍ وَغَرَرٍ وَتَجَنُّبُ ذَلِكَ أَسْلَمُ وَأَوْلَى .

فَصْلٌ ( 3059 ) وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ هُوَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ مِنْ غَيْر نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَحُكْمُهُ فِي الْإِخْبَارِ بِثَمَنِهِ وَتَبْيِينُ مَا يَلْزَمُهُ تَبْيِينُهُ حُكْمُ الْمُرَابَحَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ، وَلَفْظِ التَّوْلِيَةِ .

( 3060 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ وَإِنْ أَخْبَرَ بِنُقْصَانٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ ، أَوْ إعْطَاؤُهُ مَا غَلِطَ بِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّ وَقْتَ مَا بَاعَهَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ شِرَاءَهَا بِأَكْثَرَ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ فِي الْمُرَابَحَةِ : رَأْسُ مَالِي فِيهِ مِائَةٌ ، وَأَرْبَحُ عَشَرَةً .
ثُمَّ عَادَ فَقَالَ : غَلِطْت ، رَأْسُ مَالِي فِيهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْغَلَطِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ ثَانِيًا .
وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ ، قُبِلَ قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَدُوقًا ، جَازَ الْبَيْعُ .
قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ فَقَدْ ائْتَمَنَهُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ يَمِينِهِ ، كَالْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِرَقِيِّ لَمْ يَتْرُكْ ذِكْرَ مَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ فِي إثْبَاتِ دَعْوَاهُ ؛ لِكَوْنِهِ يَقْبَلُ مُجَرَّدَ دَعْوَاهُ ، بَلْ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا ، فَعَلِمَ أَنَّهُ زَادَ فِي رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارٍ ، كَذَلِكَ عِلْمُ غَلَطِهِ هَاهُنَا يَحْصُلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَكَوْنُ الْبَائِعِ مُؤْتَمَنًا لَا يُوجِبُ قَبُولَ دَعْوَاهُ فِي الْغَلَطِ ، كَالْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ إذَا أَقَرَّا بِرِبْحٍ ثُمَّ قَالَا : غَلِطْنَا أَوْ نَسِينَا .
وَالْيَمِينُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا ، إنَّمَا هِيَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِغَلَطِ نَفْسِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ ، لَا عَلَى إثْبَاتِ غَلَطِهِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ، وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ

لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالثَّمَنِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ .
فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ ؛ لِإِقْرَارِهِ بِكَذِبِهَا وَلَنَا أَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ ، شَهِدَتْ بِمَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ ، فَتُقْبَلُ ، كَسَائِرِ الْبَيِّنَاتِ .
وَلَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِخِلَافِهَا ؛ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ يَكُونُ لِغَيْرِ الْمُقِرِّ وَحَالَةَ إخْبَارِهِ بِثَمَنِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارٌ .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ ، وَقُلْنَا : لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، فَادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ غَلَطَهُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ طَلَبَ يَمِينَهُ ، فَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ فَيَسْتَغْنِي بِالْإِقْرَارِ عَنْ الْيَمِينِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ بِهِ رَدُّ السِّلْعَةِ أَوْ زِيَادَةٌ فِي ثَمَنِهَا فَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ ، كَمَوْضِعِ الْوِفَاقِ .
وَلَيْسَ هُوَ هَاهُنَا مُدَّعِيًا ، إنَّمَا هُوَ مُدَّعَى عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَالَ الْخِرَقِيِّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَنَّ وَقْتَ مَا بَاعَهَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ شِرَاءَهَا أَكْثَرُ .
وَهَذَا صَحِيحٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ عَالِمًا بِأَنَّ ثَمَنَهَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ ، لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَاطَى شَيْئًا عَالِمًا بِالْحَالِ ، فَلَزِمَهُ ، كَمُشْتَرِي الْمَعِيبِ عَالِمًا بِعَيْبِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ يَلْزَمُهُ بِالْعِلْمِ فَادَّعَى عَلَيْهِ ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ .
فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ حَلَفَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ قَبُولِهِ بِالثَّمَنِ وَالزِّيَادَةِ الَّتِي غَلِطَ بِهَا وَحَطِّهَا مِنْ الرِّبْحِ ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَرِبْحِ عَشَرَةٍ ، ثُمَّ إنَّهُ غَلِطَ بِعَشَرَةٍ ، لَا يَلْزَمُهُ حَطُّ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ

بِرِبْحِ عَشَرَةٍ فِي هَذَا الْمَبِيعِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهَا .
وَكَذَلِكَ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ زَادَ فِي رَأْسِ مَالِهِ ، لَا يَنْقُصُ الرِّبْحَ مِنْ عَشَرَةٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِرِبْحِ عَشَرَةٍ ، فَأَمَّا إنْ قَالَ : وَأَرْبَحُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا .
أَوْ قَالَ : ده يازده .
لَزِمَهُ حَطُّ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْغَلَطِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ فِي الصُّورَتَيْنِ .
وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ ، فَإِذَا بَانَ أَكْثَرَ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الْتِزَامِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ، كَالْمَعِيبِ .
وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهَا بِمِائَةٍ وَأَحَدٍ وَعِشْرِينَ ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَهُ خَيْرًا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ كَبَائِعِ الْمَعِيبِ إذَا رَضِيَهُ الْمُشْتَرِي .
وَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَتَرَاضَيَا بِهِ .

( 3061 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُوَاضَعَةِ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ بِرَأْسِ مَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ : بِعْتُك هَذَا بِهِ وَأَضَعُ عَنْك كَذَا فَإِنْ قَالَ : بِوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ كُرِهَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُرَابَحَةِ وَصَحَّ وَيَطْرَحُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا .
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً لَزِمَهُ تِسْعُونَ ، وَيَكُونُ الْحَطُّ عَشَرَةً .
وَقَالَ قَوْمٌ : يَكُونُ الْحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَجُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ ، وَتَبْقَى تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ .
وَهَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ حَطًّا مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ ، وَهُوَ غَيْرُ مَا قَالَهُ .
فَأَمَّا إنْ قَالَ بِوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ ، كَانَ الْوَضِيعَةُ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَيَكُونُ الْبَاقِي تِسْعِينَ وَعَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ قَالَ : الْحَطُّ هَاهُنَا عَشَرَةٌ مِثْلُ الْأُولَى .
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : لِكُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا يَكُونُ الدِّرْهَمُ مِنْ غَيْرِهَا .
فَكَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا ، وَإِذَا قَالَ : مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا .
كَانَ الدِّرْهَمُ مِنْ الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : آخُذُ مِنْ الْعَشَرَةِ تِسْعَةً ، وَأَحُطُّ مِنْهَا دِرْهَمًا .

( 3062 ) فَصْلٌ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ سِلْعَةٍ بِعَشَرَةٍ ، وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهَا بِعِشْرِينَ ، ثُمَّ بَاعَاهَا مُسَاوَمَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ عَنْهَا ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مِلْكَيْهِمَا فِيهَا .
وَإِنْ بَاعَاهَا مُرَابَحَةً أَوْ مُوَاضَعَةً أَوْ تَوْلِيَةً ، فَكَذَلِكَ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَالْحَكَمِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا بَاعَهَا ، فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قُلْت : أَعْطَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى الْآخَرُ ؟ فَقَالَ : وَإِنْ أُلْبِسَ الثَّوْبُ بَيْنَهُمَا السَّاعَةَ سَوَاءً فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مِثْلَ الَّذِي يَمْلِكُ صَاحِبُهُ .
وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَحْمَدَ .
رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ رَأْسِ الْمَالِ ، فَيَكُونُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا .
وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ .
وَقِيلَ : هَذَا وَجْهٌ خَرَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ بِرِوَايَةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمَبِيعِ وَمِلْكُهُمَا مُتَسَاوٍ فِيهِ فَكَانَ مِلْكُهُمَا كَعِوَضِهِ مُتَسَاوِيًا .
كَمَا لَوْ بَاعَاهُ مُسَاوَاةً .

( 3063 ) فَصْلٌ : وَمَتَى بَاعَاهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا ، وَلَا يَعْلَمَانِهِ أَوْ جَهِلَا رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمُرَابَحَةِ ، أَوْ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ التَّوْلِيَةِ أَوْ جَهِلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا أَوْ جَهِلَ قَدْرَ الرِّبْحِ أَوْ قَدْرَ الْوَضِيعَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالثَّمَنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ، فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ .
وَلَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ، كَالْإِقْرَارِ .
وَلَنَا أَنَّ قَدْرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِمِائَةٍ بَعْضُهَا ذَهَبٌ وَقَوْلُهُ : إنَّهُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ .
لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، صَحَّ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمِائَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .

( 3064 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ ، تَحَالَفَا ، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ وَإِلَّا انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُبْتَدِئُ بِالْيَمِينِ الْبَائِعُ .
وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ .
( 3065 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك بِعِشْرِينَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ بِعَشَرَةٍ وَلِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ ، حُكِمَ بِهَا .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالُفًا .
وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ .
وَعَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَزُفَرُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَشَرَةً زَائِدَةً ، يُنْكِرُهَا الْمُشْتَرِي ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ، أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ .
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إمَامِنَا ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ } رَوَاهُ سَعِيدٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ وَاحِدًا ، وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَخَذَ بِهِ وَإِنْ أَبَى حَلَفَ أَيْضًا وَفُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا ، تَحَالَفَا وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَقْدًا بِعِشْرِينَ ، يُنْكِرُهُ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَقْدًا بِعَشَرَةٍ يُنْكِرُهُ الْبَائِعُ ، وَالْعَقْدُ بِعَشَرَةٍ غَيْرُ

الْعَقْدِ بِعِشْرِينَ فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِمَا ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ .
( 3066 ) الْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالْيَمِينِ الْبَائِعُ ، فَيَحْلِفُ مَا بِعْتُهُ بِعَشَرَةٍ ، وَإِنَّمَا بِعْته بِعِشْرِينَ .
فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ ، وَإِلَّا يَحْلِفُ مَا اشْتَرَيْته بِعِشْرِينَ وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِعَشَرَةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ فِي جَنْبَتِهِ أَقْوَى وَلِأَنَّهُ يُقْضَى بِنُكُولِهِ وَيَنْفَصِلُ الْحُكْمُ ، وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى فَصْلِ الْخُصُومَةِ كَانَ أَوْلَى وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ } وَفِي لَفْظٍ { فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَعْنَاهُ : إنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ أَقْوَى جَنْبَةً لِأَنَّهُمَا إذَا تَحَالَفَا عَادَ الْمَبِيعُ إلَيْهِ ، فَكَانَ أَقْوَى ، كَصَاحِبِ الْيَدِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ ، فَيَتَسَاوَيَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَالْبَائِعُ إذَا نَكَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي ، يَحْلِفُ الْآخَرُ ، وَيُقْضَى لَهُ ، فَهُمَا سَوَاءٌ .
( 3067 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ الْمُشْتَرِي عَنْ الْيَمِينِ ، قُضِيَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي ، وَقُضِيَ لَهُ .
وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا ، لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ ، فَتَنَازُعُهُمَا ، وَتَعَارُضُهُمَا لَا يَفْسَخُهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ ، لَكِنْ إنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ صَاحِبُهُ أُقِرَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ .
هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ الْفَسْخُ عَلَى الْحَاكِمِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَأَحَدُهُمَا ظَالِمٌ ، وَإِنَّمَا

يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ فِي الْحُكْمِ ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ ، وَجَهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ } وَظَاهِرُهُ اسْتِقْلَالُهُمَا بِذَلِكَ ، وَفِي الْقِصَّةِ ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْإِمَارَةِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِعْتُك بِعِشْرِينَ أَلْفًا .
قَالَ الْأَشْعَثُ اشْتَرَيْت مِنْك بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا اخْتَلَفَ الْبَيْعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ ، وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ } قَالَ : فَإِنِّي أَرُدُّ الْبَيْعَ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَحْلَفَ الْبَائِعُ ثُمَّ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ } وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُفْسَخُ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ ، فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُشْبِهُ النِّكَاحَ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الِاسْتِقْلَالَ بِالطَّلَاقِ وَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ ، فَقَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْفَسْخَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ ، فَهُوَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ فَسْخُ عَقْدٍ بِالتَّحَالُفِ فَوَقَعَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، كَالْفَسْخِ بِاللِّعَانِ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ ظَالِمًا لَمْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْبَاطِنِ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ إمْضَاءُ الْعَقْدِ ، وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ ،

فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ظَالِمًا ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ لِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ ، كَمَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ فِي الْبَاطِنِ بِحَالٍ .
وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْبَاطِنِ بِحَالٍ ، لَمَا أَمْكَنَ فَسْخُهُ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا رَجَعَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ وَمَتَى عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ مُنِعَ مِنْهُ .
وَلِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُمَا الْفَسْخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، فَانْفَسَخَ بِفَسْخِهِ فِي الْبَاطِنِ ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ إنْ فَسَخَهُ الصَّادِقُ مِنْهُمَا ، انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ لِذَلِكَ .
وَإِنْ فَسَخَهُ الْكَاذِبُ عَالِمًا بِكَذِبِهِ ، لَمْ يَنْفَسِخْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفَسْخُ ، فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَاحِبِهِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا رَجَعَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ مِنْهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِدَعْوَى الْعَيْبِ ، وَلَا عَيْبَ فِيهِ .

( 3068 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً تَحَالَفَا وَرَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ الثَّمَنَ عَلَى مَا قَالَ الْبَائِعُ .
فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، مَعَ يَمِينِهِ فِي الصِّفَةِ وَجُمْلَتُهُ ؛ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ بَعْدَ تَلَفِهَا فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، مِثْلُ مَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأُخْرَى ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ .
اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ { وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ } فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ التَّحَالُفُ عِنْدَ تَلَفِهَا وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى نَقْلِ السِّلْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَاسْتِحْقَاقِ عَشَرَةٍ فِي ثَمَنِهَا ، وَاخْتَلَفَا فِي عَشَرَةٍ زَائِدَةٍ الْبَائِعُ يَدَّعِيهَا وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهَا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
وَتَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْقِيَاسِ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عُمُومُ قَوْلِهِ : { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ } وَقَالَ أَحْمَدُ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ : { وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ } إلَّا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ أَخْطَأَ رُوَاةُ الْحَلِفِ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ لَمْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ ، وَلَكِنَّهَا فِي حَدِيثِ مَعْنٍ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ فَيُشْرَعُ الْيَمِينُ ، كَحَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى يَبْطُلُ بِحَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَتَلَفِهَا وَقَوْلُهُمْ : تَرَكْنَاهُ لِلْحَدِيثِ قُلْنَا : لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَحَالَفَا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ .
قَالَ ابْنُ

الْمُنْذِرِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ .
وَعَلَى أَنَّهُ إذَا خُولِفَ الْأَصْلُ لِمَعْنًى ، وَجَبَ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ بِتَعَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى ، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ بَلْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ التَّحَالُفَ إذَا ثَبَتَ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ ثَمَنِهَا لِلْمَعْرِفَةِ بِقِيمَتِهَا ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ ، فَمَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْلَى .
فَإِذَا تَحَالَفَا ، فَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ ، لَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى فَسْخِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ ، كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي حَالِ بَقَاءِ السِّلْعَةِ ، وَيَرُدُّ الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَيَدْفَعُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ السِّلْعَةِ إلَى الْبَائِعِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَتُسَاوَيَا بَعْدَ التَّقَابُضِ ، تَقَاصَّا .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ التَّحَالُفُ وَلَا الْفَسْخُ ، فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي يَمِينِ الْبَائِعِ وَلَا فَسْخِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِذَلِكَ الرُّجُوعُ إلَى مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ ، فَلَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ لَهُ الْيَمِينُ وَلَا الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشْرَعَ لِتَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ لِلْمُشْتَرِي .
وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ السِّلْعَةِ ، رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا ، مَوْصُوفًا بِصِفَاتِهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَارِمِ .

( 3069 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَقَايَلَا الْمَبِيعَ ، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ .

( 3070 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ .
فَقَالَ : بَلْ هُوَ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ بِأَلْفٍ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ عِوَضَيْ الْعَقْدِ ، فَيَتَحَالَفَانِ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ بَيْعَ الْعَبْدِ الزَّائِدِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى شِرَاءَهُ مُنْفَرِدًا .

( 3071 ) فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ ، فَقَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ .
قَالَ : بَلْ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُنْكِرُهُ ، مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا عَلَى عَيْنٍ يُنْكِرُهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
فَإِنْ حَلَفَ الْبَائِعُ : مَا بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ .
أُقِرَّتْ فِي يَدِهِ ، إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ ، وَرُدَّتْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُدَّعِيهَا قَدْ قَبَضَهَا .
وَأَمَّا الْعَبْدُ ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، أُقِرَّ فِي يَدِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ ، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِهِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُهُ إذَا بَذَلَ لَهُ ثَمَنَهُ ، لِاعْتِرَافِهِ بِبَيْعِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ ثَمَنَهُ ، فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى ثَمَنِهِ ، فَمَلَكَ الْفَسْخَ ، كَمَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي .
وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ، ثَبَتَ الْعَقْدَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَافَيَانِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ دُونَ الْآخَرِ ثَبَتَ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ دُونَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ .

( 3072 ) فَصْلٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ رُجِعَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا لَا يَعْقِدَانِ إلَّا بِهِ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ ، رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ هُوَ الْأَغْلَبَ ، وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْمُعَامَلَةِ بِهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَدَّهُمَا إلَيْهِ مَعَ التَّسَوِّي ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا ، وَتَسْوِيَةً بَيْنَ حَقَّيْهِمَا ، وَفِي الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ مَيْلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَكَانَ التَّوَسُّطُ أَوْلَى ، وَعَلَى مُدَّعِي ذَلِكَ الْيَمِينُ ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ خَصْمُهُ مُحْتَمِلٌ ، فَتَجِبُ الْيَمِينُ لِنَفْيِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ ، كَوُجُوبِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا نَقْدَانِ مُتَسَاوِيَانِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَالَفَا ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَتَرَجَّحْ قَوْلُ أَحَدِهِمَا ، فَيَتَحَالَفَانِ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ .

( 3073 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَوْ رَهْنٍ ، أَوْ فِي قَدْرِهِمَا ، أَوْ فِي شَرْطِ خِيَارٍ ، أَوْ ضَمِينٍ ؛ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَتَحَالَفَانِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَحَالَفَا ، قِيَاسًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ .
وَالثَّانِيَةُ ، الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ ، كَأَصْلِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .

( 3074 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ، أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ ، فَقَالَ : بِعْتُك بِخَمْرٍ ، أَوْ خِيَارٍ مَجْهُولٍ .
فَقَالَ : بَلْ بِعْتنِي بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ ، أَوْ خِيَارِ ثَلَاثٍ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ تَعَاطِي الْمُسْلِمِ الصَّحِيحَ أَكْثَرُ مِنْ تَعَاطِيه لِلْفَاسِدِ .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك مُكْرَهًا .
فَأَنْكَرَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ ، وَصِحَّةُ الْبَيْعِ .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
نَصَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْعَقْدِ ، وَاخْتَلَفَا فِيمَا يُفْسِدُهُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّغَرَ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ .
وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَيُفَارِقُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ إكْرَاهٍ لِوَجْهَيْنِ ؛ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ .
وَهَا هُنَا الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ .
وَالثَّانِي أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ لَا يَتَعَاطَى إلَّا الصَّحِيحَ .
وَهَا هُنَا مَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مُكَلَّفًا .
وَإِنْ قَالَ : بِعْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ .
فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ حَالُ جُنُونٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ .
وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا ، فَهُوَ كَالصَّبِيِّ .
وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ : بِعْتُك ، وَأَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي فِي التِّجَارَةِ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
نَصَّ عَلَيْهِ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ إلَّا عَقْدًا صَحِيحًا .

( 3075 ) فَصْلٌ : وَإِنْ مَاتَ الْمُتَبَايِعَانِ ، فَوَرَثَتُهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُمَا ، فِي أَخْذِ مَالِهِمَا ، وَإِرْثِ حُقُوقِهِمَا ، فَكَذَلِكَ مَا يَلْزَمُهُمَا ، أَوْ يَصِيرُ لَهُمَا .

( 3076 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّسْلِيمِ ، فَقَالَ الْبَائِعُ : لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ الثَّمَنَ .
وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ .
وَالثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ ، أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، ثُمَّ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ .
فَإِنْ كَانَ عَيْنًا ، أَوْ عَرْضًا بِعَرْضٍ ، جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ ، فَيَقْبِضُ مِنْهُمَا ، ثُمَّ يُسَلِّمُ إلَيْهِمَا .
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ .
وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ، وَمَنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ، كَالْمُرْتَهِنِ .
وَلَنَا ، أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِقْرَارُ الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ ، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى ، سِيَّمَا مَعَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالذِّمَّةِ ، وَتَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَوْلَى ؛ لِتَأَكُّدِهِ ، وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ فِي ثَمَنِهِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ ، وَيُخَالِفُ الرَّهْنَ ؛ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةُ عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَالتَّسْلِيمُ هَاهُنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةُ عَقْدِ الْبَيْعِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا ، فَقَدْ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِعَيْنِهِ أَيْضًا ، كَالْمَبِيعِ ، فَاسْتَوَيَا ، وَقَدْ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَقٌّ ، قَدْ اُسْتُحِقَّ قَبْضُهُ ، فَأُجْبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إيفَاءِ صَاحِبِهِ حَقَّهُ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ؛ أَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِقْرَارُ الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ هُوَ الْمَبِيعُ ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ .
وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، وَأَوْجَبْنَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71