الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي

( 4762 ) فَصْلٌ : وَإِنْ عَيَّنَ رَجُلًا أَنْ يَحُجَّ ، فَأَبَى أَنْ يَحُجَّ ، بَطَلَ التَّعْيِينُ ، وَيَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ إنْسَانٌ ثِقَةٌ سِوَاهُ ، وَيُصْرَفُ الْبَاقِي إلَى الْوَرَثَةِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُعَيَّنُ : اصْرِفُوا الْحِجَّةَ إلَى مَنْ يَحُجُّ ، وَادْفَعُوا الْفَضْلَ إلَيَّ ، لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ لِي .
لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُوصِيَ لَهُ بِالزِّيَادَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَحُجَّ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ، لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا .

( 4763 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ قَالَ : حُجُّوا عَنِّي حِجَّةً .
فَمَا فَضَلَ رُدَّ إلَى الْوَرَثَةِ ) أَمَّا إذَا أَوْصَى بِحِجَّةٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ ، فَإِنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ يَحُجُّ إلَّا قَدْرُ نَفَقَةِ الْمِثْلِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ .
وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، إنَّمَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ نَائِبٌ فَمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُوصِي ، وَمَا بَقِيَ رَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ .
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُوصِي ، وَلَيْسَ عَلَى النَّائِبِ إتْمَامُ الْمُضِيِّ إلَى الْحَجِّ عَنْهُ .
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْتَأْجِرُ إلَّا ثِقَةً بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ ، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا أُعْطِيَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ .
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ قَبْضِ الْأَجِيرِ لَهُ ، فَهُوَ مِنْ مَالِهِ ، وَيَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْحَجِّ .
وَإِنْ قَالَ : حُجُّوا عَنِّي .
وَلَمْ يَقُلْ : حِجَّةً وَاحِدَةً .
لَمْ يُحَجَّ عَنْهُ إلَّا حِجَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ .
فَإِنْ عَيَّنَ مَعَ هَذَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ .
فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرُ نَفَقَتِهِ مِنْ بَلَدِهِ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ .
فَإِنْ أَبَى الْحَجَّ إلَّا بِزِيَادَةٍ تُصْرَفُ إلَيْهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ أَقَلُّ قَدْرٍ يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ غَيْرُهُ .
وَإِنْ أَبَى الْحَجَّ ، وَكَانَ وَاجِبًا ، اُسْتُنِيبَ غَيْرُهُ بِأَقَلِّ مَا يُمْكِنُ اسْتِنَابَتُهُ بِهِ .
وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا احْتَمَلَ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لَهَا جِهَةً ، فَإِذَا لَمْ تَقْبَلْهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِيعُوا عَبْدِي لَفُلَانٍ بِمِائَةٍ .
فَأَبَى شِرَاءَهُ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ ، وَيُسْتَنَابَ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْقُرْبَةَ وَالتَّعْيِينَ ، فَإِذَا بَطَلَ التَّعْيِينُ ، لَمْ

تَبْطُلْ الْقُرْبَةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِيعُوا عَبْدِي لَفُلَانٍ ، وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ .
فَلَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِغَيْرِهِ ، وَيُتَصَدَّقُ بِهِ .

( 4764 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ حِجَّةً ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
كَمَا لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ عَلَيَّ .
لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ نَفْسِهِ .
وَإِنْ قَالَ : حُجَّ عَنِّي بِمَا شِئْت .
صَحَّ ، وَلَهُ مَا شَاءَ ، إلَّا أَنْ لَا يُجِيزَ الْوَرَثَةُ ، فَلَهُ الثُّلُثُ .

( 4765 ) فَصْلٌ : إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ بِمِائَةٍ ، وَلِعَمْرٍو بِتَمَامِ الثُّلُثِ ، وَلَسَعْدً بِثُلُثِ مَالِهِ .
فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ ، أُمْضِيَتْ عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي .
وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ ، فَلَا شَيْءَ لِعَمْرٍو ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِالْفَضْلِ ، وَلَا فَضْلَ .
وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ ، قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ ؛ لَسَعْدٍ السُّدُسُ ، وَلِزَيْدٍ مِائَةٌ ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِعَمْرٍو ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ ، فَلَا شَيْءَ لِعَمْرٍو ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِالزِّيَادَةِ ، وَلَا زِيَادَةَ .
وَلَا تُمْنَعُ الْمُزَاحَمَةُ بِهِ ، وَلَا يُعْطَى شَيْئًا ، كَوَلَدِ الْأَبِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، فِي مُزَاحَمَةِ الْجَدِّ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الثُّلُثِ فَضْلٌ عَنْ الْمِائَةِ ، أَنْ يُرَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ زَيْدًا إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ بِالْإِجَازَةِ ، فَمَعَ الرَّدِّ يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ ، كَسَائِرِ الْوَصَايَا .
وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ امْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ الْحَجِّ ، وَكَانَتْ الْحِجَّةُ وَاجِبَةً ، اُسْتُنِيبَ ثِقَةٌ غَيْرُهُ فِي الْحَجِّ بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ ، وَتَمَامُ الْمِائَةِ لِلْوَرَثَةِ ، وَلِعَمْرٍو مَا فَضَلَ .
وَإِنْ كَانَتْ الْحِجَّةُ تَطَوُّعًا ، فَفِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِهَا وَجْهَانِ ، ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى .

فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ، وَلِعَمْرٍو بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ ، قُوِّمَ الْعَبْدُ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ حَالُ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ ، وَدُفِعَ إلَى زَيْدٍ ، وَدُفِعَ بَقِيَّةُ الثُّلُثِ إلَى عَمْرٍو .
فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ ، بَطَلَتْ وَصِيَّةُ عَمْرٍو .
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، أَوْ رَدَّ زَيْدٌ وَصِيَّتَهُ ، بَطَلَتْ وَلَمْ تَبْطُلْ وَصِيَّةُ عَمْرٍو .
وَهَكَذَا إنْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ .
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، قَوَّمْنَا التَّرِكَةَ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي بِدُونِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ لَوْ كَانَ حَيًّا ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ ، فَهُوَ لِعَمْرٍو ، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ .
وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِ عَبْدَيْهِ : أَنْتَ مُدَبَّرٌ .
ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ : أَنْتَ مُدَبَّرٌ فِي زِيَادَةِ الثُّلُثِ عَنْ قِيمَةِ الْأَوَّلِ .
ثُمَّ بَطَلَ تَدْبِيرُ الْأَوَّلِ لِرُجُوعِهِ فِيهِ ، أَوْ خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا .

( 4767 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ، فَقُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ ، فَلِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى لَيْسَ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ، أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ مُشَاعٌ ، فَقُتِلَ الْمُوصِي ، وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ ، هَلْ لِلْوَصِيِّ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ لَا ؟ فَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَمَالِكٍ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، لَا يُدْخِلُ الدِّيَةَ فِي وَصِيَّتِهِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَكْحُولٍ ، وَشَرِيكٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَدَاوُد .
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ .
وَقَالَ مَالِكٌ : فِي دِيَةِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَهَا الْمَوْتُ ، فَلَا يَجُوزُ وُجُوبُهَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَجِبَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ الثَّابِتَةُ لَهُ ، فَكَيْفَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكٌ ؟ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَ إنَّمَا يُوصِي بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ ، لَا بِمَالِ وَرَثَتِهِ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِهِ ، وَنَفْسِهِ لَهُ ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا ، وَلِأَنَّ بَدَلَ أَطْرَافِهِ فِي حَالَ حَيَاتِهِ لَهُ ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلِهَذَا نَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ ، وَيُجَهَّزُ مِنْهَا إنْ كَانَ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ ، وَإِنَّمَا يَزُولُ مِنْ أَمْلَاكِهِ مَا اسْتَغْنَى عَنْهُ ، فَأَمَّا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ فَلَا .
وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مِلْكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، كَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً فَسَقَطَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِحَيْثُ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ ، وَيُجَهَّزُ ، فَكَذَلِكَ دِينُهُ ؛

لِأَنَّ تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ مِنْ حَاجَتِهِ ، فَأَشْبَهَتْ قَضَاءَ دِينِهِ .
( 4768 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُعَيَّنٍ ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَدِيَتِهِ ، وَعَلَى الْأُخْرَى ، يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ دُونَ دِيَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَالِهِ .

( 4769 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى ، ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا قَبْلَ الْمَوْتِ ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : إنَّ الْوَصِيَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يُخْلِفُهُ مِنْ التِّلَادِ وَالْمُسْتَفَادِ وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْجَمِيعِ .
هَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَرَبِيعَةَ ، وَمَالِكٍ لَا يَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهِ إلَّا مَا عَلِمَ ، إلَّا الْمُدَبَّرَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ ، فَدَخَلَ فِي وَصِيَّتِهِ كَالْمَعْلُومِ .

مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَهُ إلَى آخَرَ ، فَهُمَا وَصِيَّانِ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ : قَدْ أَخْرَجْت الْأَوَّلَ ) مَعْنَى أَوْصَى إلَى رَجُلٍ .
أَيْ جَعَلَ لَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فِيمَا كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ ، وَاقْتِضَائِهَا ، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ ، وَاسْتِرْدَادِهَا ، وَتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ ، وَالْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الَّذِينَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ ، وَالنَّظَرُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا ، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا لَهُمْ الْحَظُّ فِيهِ .
فَأَمَّا مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ ، كَالْعُقَلَاءِ الرَّاشِدِينَ ، وَغَيْرِ أَوْلَادِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَسَائِرِ مَنْ عَدَا الْأَوْلَادَ ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمُوصِي عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِنَائِبِهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ خِلَافًا .
وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ قَالَا : لِلْجَدِّ وِلَايَةٌ عَلَى ابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَادَةً وَتَعْصِيبًا ، فَأَشْبَهَ الْأَبَ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ لَهَا وِلَايَةً ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ ، فَأَشْبَهَتْ الْأَبَ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِوَاسِطَةٍ ، فَأَشْبَهَ الْأَخَ وَالْعَمَّ وَفَارَقَ الْأَبَ ، فَإِنَّهُ يُدْلِي بِنَفْسِهِ ، وَيَحْجُبُ الْجَدَّ ، وَيُخَالِفُهُ فِي مِيرَاثِهِ وَحَجْبِهِ ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِهِ ، وَلَا قِيَاسُهُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَلِي ؛ لِأَنَّهَا قَاصِرَةٌ لَا تَلِي النِّكَاحَ بِحَالٍ ، فَلَا تَلِي مَالَ غَيْرِهَا ، كَالْعَبْدِ ، وَلِأَنَّهَا لَا تَلِي بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ ، فَكَذَلِكَ بِالنَّسَبِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ ، ثُمَّ أَوْصَى إلَى آخَرَ ، فَهُمَا وَصِيَّانِ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ : قَدْ

أَخْرَجْت الْأَوَّلَ أَوْ قَدْ عَزَلْته ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِبِشْرٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لَبَكْرٍ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ عَزْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَانَا وَصِيَّيْنِ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَيْهِمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً .
فَأَمَّا إنْ أَخْرَجَ الْأَوَّلَ انْعَزَلَ ، وَكَانَ الثَّانِي هُوَ الْوَصِيَّ ، كَمَا لَوْ عَزَلَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ إلَى الثَّانِي .

( 4771 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ إلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ إلَى إنْسَانٍ بِتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا ، أَوْ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ ، أَوْ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِهِ حَسْبُ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُ مَا جَعَلَ إلَيْهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ إلَى إنْسَانٍ بِتَفْرِيقِ وَصِيَّتِهِ ، وَإِلَى آخَرَ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ ، وَإِلَى آخَرَ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِهِ ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا جَعَلَ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَمَتَى أَوْصَى إلَيْهِ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِيرُ وَصِيًّا فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ تَنْتَقِلُ مِنْ الْأَبِ بِمَوْتِهِ ، فَلَا تَتَبَعَّضُ ، كَوِلَايَةِ الْجَدِّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ ، فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى مَا أُذِنَ فِيهِ ، كَالْوَكِيلِ ، وَوِلَايَةُ الْجَدِّ مَمْنُوعَةٌ .
ثُمَّ تِلْكَ وِلَايَةٌ اسْتَفَادَهَا بِقَرَابَتِهِ ، وَهِيَ لَا تَتَبَعَّضُ ، وَالْإِذْنُ يَتَبَعَّضُ ، فَافْتَرَقَا .

( 4772 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ إلَى رَجُلَيْنِ مَعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَيَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا ، فَيَقُولَ : أَوْصَيْت إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ .
لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا مُنْفَرِدًا ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَصَرُّفَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ .
وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَيْهِمَا لِيَتَصَرَّفَا مُجْتَمِعَيْنِ ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إلَيْهِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ .
وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ لَا أَعْلَمُ فِيهِمَا خِلَافًا .
وَإِنْ أَطْلَقَ ، فَقَالَ : أَوْصَيْت إلَيْكُمَا فِي كَذَا .
فَلَيْسَ لَأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ : لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوِلَايَةَ لَا تَتَبَعَّضُ ، فَمَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ بِهَا كَالْأَخَوَيْنِ فِي تَزْوِيجِ أُخْتِهِمَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٌ يُسْتَحْسَنُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، فَيُبِيحُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ : كَفَنِ الْمَيِّتِ ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ ، وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا ، وَشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ مِنْ الْكُسْوَةِ وَالطَّعَامِ ، وَقَبُولِ الْهِبَةِ لَهُ ، وَالْخُصُومَةِ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدَّعَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَشُقُّ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهَا وَيَضُرُّ تَأْخِيرُهَا ، فَجَازَ الِانْفِرَادُ بِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ ، كَالْوَكِيلَيْنِ .
وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ نَقُولُ بِهِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِمَا بِاجْتِمَاعِهِمَا ، فَلَيْسَتْ مُتَبَعِّضَةً ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ ، أَوْ صَرَّحَ لِلْوَصِيَّيْنِ بِأَنْ لَا يَتَصَرَّفَا إلَّا مُجْتَمِعَيْنِ .
ثُمَّ يَبْطُلُ مَا قَالَهُ بِهَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ، وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة بِهِمَا أَيْضًا ، وَإِذَا تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا ، أَقَامَ

الْحَاكِمُ أَمِينًا مُقَامَ الْغَائِبِ .

( 4773 ) فَصْلٌ : فِي مَنْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، وَمَنْ لَا تَصِحُّ ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الرَّجُلِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْعَدْلِ إجْمَاعًا .
وَلَا تَصِحُّ إلَى مَجْنُونٍ ، وَلَا طِفْلٍ ، وَلَا وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَى كَافِرٍ .
بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالطِّفْلَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمَا ، فَلَا يَلِيَانِ عَلَى غَيْرِهِمَا ، وَالْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ .
وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، وَإِسْحَاقُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَمْ يُجِزْهُ عَطَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ قَاضِيَةً ، فَلَا تَكُونُ وَصِيَّةً ، كَالْمَجْنُونِ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى إلَى حَفْصَةَ .
وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ ، وَتُخَالِفُ الْقَضَاءَ ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْكَمَالُ فِي الْخِلْقَةِ وَالِاجْتِهَادِ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ .
وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْأَعْمَى .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ ، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ .
وَهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُمْ ، مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ ، وَالْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ كَالْبَصِيرِ .
وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ ، فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَّا بِإِذْنٍ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَلِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ وَالِيًا ، كَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ

الشَّافِعِيِّ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ .
وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ الْعَشْرَ .
وَأَمَّا الْكَافِرُ ، فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى مُسْلِمٍ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا الْعَدَالَةِ ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، كَالْمَجْنُونِ وَالْفَاسِقِ .
وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ .
فَمَعَ الْكُفْرِ أَوْلَى .
وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالنَّسَبِ ، فَيَلِي الْوَصِيَّةَ ، كَالْمُسْلِمِ .
وَالثَّانِي ، لَا تَصِحُّ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، كَفَاسِقِ الْمُسْلِمِينَ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ .
وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَى الْمُسْلِمِ ، فَتَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَرِكَتُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا .
وَأَمَّا الْعَبْدُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ : تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ : تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ ، وَلَا تَصِحُّ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَصِحُّ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَرَثَتِهِ رَشِيدٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدٍ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى ابْنِهِ بِالنَّسَبِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْوَصِيَّةَ ، كَالْمَجْنُونِ .
وَلَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ ، فَصَحَّ أَنْ يُوصَى إلَيْهِ كَالْحُرِّ .
وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالْمَرْأَةِ .

وَالْخِلَافُ فِي الْمَكَاتِبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَالْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ .
وَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً عِنْدَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ .
وَأَمَّا الْفَاسِقُ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ لَا تَصِحُّ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : إذَا كَانَ مُتَّهَمًا ، لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ .
وَقَالَ الْخِرَقِيِّ : إذَا كَانَ الْوَصِيُّ خَائِنًا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَمِينًا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ، وَعَلَى الْحَاكِمِ عَزْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، كَالْعَدْلِ ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ ، فَلَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، كَالْمَجْنُونِ .
وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ ، لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَأَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا .
( 4774 ) فَصْلٌ : وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْوَصِيِّ حَالَ الْعَقْدِ وَالْمَوْتِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَفِي الْآخَرِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ حَسْبُ ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ .
وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا شُرُوطٌ لِعَقْدٍ ، فَتُعْتَبَرُ حَالَ وُجُودِهِ ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ .
فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لَهُ ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الْإِرْثِ ، وَخُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ لِلنُّفُوذِ وَاللُّزُومِ ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ اللُّزُومِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا ، فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ الْعَقْدِ ، وَلَا يَنْفَعُ وُجُودُهَا بَعْدَهُ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، لَوْ كَانَتْ الشُّرُوطُ كُلُّهَا مُنْتَفِيَةً ، أَوْ بَعْضُهَا حَالَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ

وُجِدَتْ حَالَةَ الْمَوْتِ لَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ .

( 4775 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : أَوْصَيْت إلَى زَيْدٍ ، فَإِنْ مَاتَ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَى عَمْرٍو صَحَّ ذَلِكَ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا ، إلَّا أَنَّ عَمْرًا وَصِيٌّ بَعْدَ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ : { أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ ، فَإِنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ } .
وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَى التَّأْمِيرِ .
وَإِنْ قَالَ : أَوْصَيْت إلَيْك ، فَإِذَا كَبِرَ ابْنِي كَانَ وَصِيِّي .
صَحَّ ؛ لِذَلِكَ ، فَإِذَا كَبِرَ ابْنُهُ صَارَ وَصِيَّهُ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : وَصَّيْت لَك فَانٍ تَابَ ابْنِي عَنْ فِسْقِهِ ، أَوْ قَدِمَ مِنْ غَيْبَتِهِ ، أَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ، أَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ ، أَوْ صَالَحَ أُمَّهُ ، أَوْ رَشَدَ ، فَهُوَ وَصِيِّي .
صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ، وَيَصِيرُ وَصِيًّا عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّرُوطِ .

( 4776 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ خَائِنًا ، جُعِلَ مَعَهُ أَمِينٌ ) ظَاهِرُ هَذَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ إلَى الْفَاسِقِ ، وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَدْلًا فَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ إلَى الْخِيَانَةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا ، وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَ ذَلِكَ .
قَالَ : إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّهَمًا ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ .
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي مَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِمَوْضِعٍ لِلْوَصِيَّةِ ، فَقَالَ لِلْآخَرِ : أَعْطِنِي .
لَا يُعْطِيهِ شَيْئًا ، لَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعٍ لِلْوَصِيَّةِ .
فَقِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ الْمَرِيضُ قَدْ رَضِيَ بِهِ ؟ فَقَالَ : وَإِنْ رَضِيَ بِهِ .
فَظَاهِرُ هَذَا إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ .
وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ وَكَلَامَ أَحْمَدَ فِي إبْقَائِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ، عَلَى أَنَّ خِيَانَتَهُ طَرَأَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ خِيَانَتُهُ مَوْجُودَةً حَالَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ ، لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ عَلَى يَتِيمٍ فِي حَيَاتِهِ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ وَأَمَانَةٌ ، وَالْفَاسِقُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِمَا .
فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ فَاسِقًا ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَا وَصِيَّ لَهُ ، وَيَنْظُرُ فِي مَالِهِ الْحَاكِمُ .
وَإِنْ طَرَأَ فِسْقُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ ، زَالَتْ وِلَايَتُهُ وَأَقَامَ الْحَاكِمُ مُقَامَهُ أَمِينًا .
هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي .
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ : لَا تَزُولُ وِلَايَتُهُ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ يَنْظُرُ مَعَهُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ حِفْظُ الْمَالِ بِالْأَمِينِ ، وَتَحْصِيلُ نَظَرِ الْوَصِيِّ بِإِبْقَائِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ، فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ .
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَالِ بِالْأَمِينِ ، تَعَيَّنَ إزَالَةُ يَدِ الْفَاسِقِ الْخَائِنِ وَقَطْعُ تَصَرُّفِهِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ

قَوْلِ الْمُوصِي الْفَاسِدِ .
وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفِسْقِ الطَّارِئِ وَبَيْنَ الْمُقَارِنِ ، فَبَعِيدٌ ؛ فَإِنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ ، كَاعْتِبَارِهَا فِي الِابْتِدَاءِ ، سِيَّمَا إذَا كَانَتْ لِمَعْنًى يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدَّوَامِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّفْرِيقِ ، لَكَانَ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الدَّوَامِ أَوْلَى ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفِسْقَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمُوصِي ، مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ ، وَأَوْصَى إلَيْهِ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ مَعَ فِسْقِهِ ، فَيُشْعِرُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ الشَّفَقَةِ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَخِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَرَأَ الْفِسْقُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، وَالِاعْتِبَارُ بِرِضَاهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَى وَاحِدٍ ، جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ ، وَلَوْ وَصَّى إلَى اثْنَيْنِ ، لَمْ يَجُزْ لِلْوَاحِدِ التَّصَرُّفُ .

( 4777 ) فَصْلٌ : وَأَمَّا الْعَدْلُ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ النَّظَرِ ، لِعِلَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ ، فَإِنْ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ إلَيْهِ ، وَيَضُمُّ إلَيْهِ الْحَاكِمُ أَمِينًا ، وَلَا يُزِيلُ يَدَهُ عَنْ الْمَالِ ، وَلَا نَظَرَهُ ؛ لِأَنَّ الضَّعِيفَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ وَالْأَمَانَةِ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ .
وَهَكَذَا إنْ كَانَ قَوِيًّا ، فَحَدَثَ فِيهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ ، ضَمَّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ يَدًا أُخْرَى ، وَيَكُون الْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ دُونَ الثَّانِي ، وَهَذَا مُعَاوِنٌ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيِّ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي يُوسُفَ .
وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا .

( 4778 ) فَصْلٌ : وَإِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُ الْوَصِيِّ بِجُنُونٍ ، أَوْ كُفْرٍ ، أَوْ سَفَهٍ ، زَالَتْ وِلَايَتُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصَ إلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ ، فَيُقِيمُ أَمِينًا نَاظِرًا لِلْمَيِّتِ فِي أَمْرِهِ وَأَمَرَ أَوْلَادَهُ مِنْ بَعْدِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُخْلِفْ وَصِيًّا .
وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ ، ثُمَّ عَادَ فَكَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ جَامِعًا لِشُرُوطِ الْوَصِيَّةِ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ مَوْجُودَةٌ حَالَ الْعَقْدِ وَالْمَوْتِ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَتَغَيَّرْ حَالُهُ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ مِنْهَا حَالَةٌ لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ ، فَاعْتُبِرَتْ الشُّرُوطُ فِيهَا .
فَأَمَّا إنْ زَالَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَانْعَزَلَ ، ثُمَّ عَادَ ، فَكَمَّلَ الشُّرُوطَ ، لَمْ تَعُدْ وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ ، فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ .

( 4779 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، كَالتَّوْكِيلِ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَ الْوَقْتِ .
وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَبُولِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ ، فَصَحَّ قَبُولُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ ، وَمَتَى قَبِلَ صَارَ وَصِيًّا ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ ، مَعَ الْقُدْرَة وَالْعَجْزِ ، فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، بِمَشْهَدٍ مِنْهُ وَفِي غَيْبَتِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِحَالٍ ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَيَاتِهِ إلَّا بِحَضْرَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْتِزَامِ وَصِيَّتِهِ ، وَمَنَعَهُ بِذَلِكَ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، فِي " الْإِرْشَادِ " رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ ، لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِذَلِكَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ ، فَكَانَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ، كَالْوَكِيلِ .

( 4780 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ ، وَالْوَكَالَةُ تَجُوزُ بِجُعْلٍ ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ .
وَقَدْ نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، فِي الرَّجُلِ يُوصِي إلَى الرَّجُلِ ، وَيَجْعَلُ لَهُ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً ، فَلَا بَأْسَ .
وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ ، وَمُقَاسَمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ .

( 4781 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى مَنْ يَشَاءُ ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : أَذِنْت لَك أَنْ تُوصِيَ إلَى مَنْ شِئْت ، أَوْ كُلُّ مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْهِ ، أَوْ فَهُوَ وَصِيٌّ صَحَّ ، وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى مَنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاجْتِهَادِهِ وَاجْتِهَادِ مَنْ يَرَاهُ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ وَصَّى إلَيْهِمَا مَعًا .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِتَوْلِيَةٍ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوصِيَ ، كَالْوَكِيلِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ ، كَالْوَكِيلِ إذَا أُمِرَ بِالتَّوْكِيلِ ، وَالْوَكِيلُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
فَأَمَّا إنْ أَوْصَى إلَيْهِ ، وَأَطْلَقَ ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِيصَاءِ وَلَا نَهَاهُ عَنْهُ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَانَ لَهُ الْوَصِيَّةُ ، كَالْأَبِ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْخِرَقِيِّ ؛ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِتَوْلِيَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ ، كَالْوَكِيلِ ، وَيُخَالِفُ الْأَبَ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ .

( 4782 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ كَانَا وَصِيَّيْنِ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ، أُقِيمَ مُقَامَ الْمَيِّتِ أَمِينٌ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْوَصِيَّةُ إلَى اثْنَيْنِ ، فَمَتَى أَوْصَى إلَيْهِمَا مُطْلَقًا ، لَمْ يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، أَوْ جُنَّ ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ ، أَقَامَ الْحَاكِمُ مُقَامَهُ أَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ هَذَا الْبَاقِي مِنْهُمَا وَحْدَهُ .
فَإِنْ أَرَادَ الْحَاكِمُ رَدَّ النَّظَرِ إلَى الْبَاقِي مِنْهُمَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَجْهًا فِي جَوَازِهِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَوْ كَانَ لَهُ لِمَوْتِ الْمُوصِي عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ ، كَانَ لَهُ رَدُّهُ إلَى وَاحِدٍ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَيَكُونُ نَاظِرًا بِالْوَصِيَّةِ مِنْ الْمُوصِي ، وَالْأَمَانَةِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِم .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ هَذَا وَحْدَهُ ، فَوَجَبَ ضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ .
وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُمَا جَمِيعًا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْصِبَ مَكَانَهُمَا .
وَهَلْ لَهُ نَصْبُ وَاحِدٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الْوَصِيَّانِ ، صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُوصِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لَاكْتُفِيَ بِوَاحِدٍ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَيًّا ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهَا وَحْدَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَا مَعًا .
وَالثَّانِي ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَ إلَّا اثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ ، فَلَمْ يَقْتَنِعْ بِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَيًّا .
فَأَمَّا إنْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْوَصِيَّةِ ، لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَهُ أَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا لَهُ النَّظَرُ بِالْوَصِيَّةِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ .
وَإِنْ مَاتَا مَعًا ، أَوْ

خَرَجَا عَنْ الْوَصِيَّةِ ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ وَاحِدًا يَتَصَرَّفُ .
وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ تَغْيِيرًا لَا يُزِيلُهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ ، كَالْعَجْزِ عَنْهَا لِضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَكَانَا مِمَّنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا ، فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا أَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا يَكْفِي ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُمَا يَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَحْدَهُ ؛ لِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَنَحْوِهِ ، فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ أَمِينًا .
وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ لَيْسَ لَأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ عَلَى الِانْفِرَادِ ، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَ مَنْ ضَعُفَ عَنْهَا أَمِينًا ، يَتَصَرَّفُ مَعَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَيَصِيرُونَ ثَلَاثَةً ؛ الْوَصِيَّانِ وَالْأَمِينُ مَعَهُمَا ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ .

( 4783 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ عِنْدَ مَنْ يُجْعَلُ الْمَالُ مِنْهُمَا ، لَمْ يُجْعَلْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمَا ، وَجُعِلَ فِي مَكَان تَحْتَ أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَأْمَنْ أَحَدَهُمَا عَلَى حِفْظِهِ ، وَلَا التَّصَرُّفِ فِيهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يُجْعَلُ عِنْدَ أَعْدَلِهِمَا .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا .
وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فِي مُرَادِهِ بِكَلَامِهِ ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا أَرَادَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوصًى إلَيْهِ عَلَى الِانْفِرَادِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا .
وَلَنَا ، أَنَّ حِفْظَ الْمَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوصَى بِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ لَأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ ، كَالتَّصَرُّفِ .
وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحِفْظِ بَعْضِهِ ، لَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي بَعْضِهِ .

( 4784 ) فَصْلٌ : لَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، كَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إلَى بَعْضٍ ، فَيَقْبَلُونَ الْوَصِيَّةَ ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ أَوْصَى إلَى عُمَرَ .
وَأَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سِتَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ عُثْمَانُ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَالْمِقْدَادُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَمُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَآخَرُ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ وَصِيًّا لَرَجُلٍ .
وَفِي وَصِيَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : إنْ حَدَثَ بِي حَادِثُ الْمَوْتِ مِنْ مَرَضِي هَذَا ، أَنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ثُمَّ إلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ .
وَلِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَأَمَانَةٌ ، فَأَشْبَهَتْ الْوَدِيعَةَ وَالْوَكَالَةَ فِي الْحَيَاةِ .
وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ تَرْكَ الدُّخُولِ فِيهَا أَوْلَى ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ ، وَهُوَ لَا يَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَرَى تَرْكَ الِالْتِقَاطِ ، وَتَرْكُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ ، تَحَرِّيًا لِلسَّلَامَةِ ، وَاجْتِنَابًا لِلْخَطَرِ .
وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ : { إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي ، فَلَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ .
} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

( 4785 ) فَصْلٌ : فَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ لَا وَصِيَّ لَهُ ، وَلَا حَاكِمَ فِي بَلَدِهِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ ، وَيَبِيعَ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهِ ، فَإِنَّ صَالِحًا نَقَلَ عَنْهُ ، فِي رَجُلٍ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ ، لَا قَاضِيَ بِهَا ، مَاتَ وَخَلَّفَ جَوَارِيَ وَمَالًا أَتَرَى لَرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْعَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ أَمَّا الْمَنَافِعُ وَالْحَيَوَانُ ، فَإِنْ اُضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ قَاضٍ ، فَلَا بَأْسَ ، وَأَمَّا الْجَوَارِي فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَلَّى بِيعَهُنَّ حَاكِمٌ مِنْ الْحُكَّامِ .
وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِ الْإِمَاءِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ فَرْجٍ ، وَأَجَازَ بَيْعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَة .

( 4786 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ مَالٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ ، وَأَبْوَابِ الْبِرِّ ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا ، إنَّمَا أُمِرَ بِتَنْفِيذِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ : إذَا قَالَ الْمُوصِي : جَعَلْت لَك أَنْ تَضَعَ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت ، أَوْ حَيْثُ رَأَيْت .
فَلَهُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمُوصِي .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَخْذَهُ مِنْهُ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ الَّذِينَ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ ذَلِكَ ، أَوْ عَادَتُهُ الْأَخْذُ مِنْ مِثْلِهِ ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ إعْطَاءَ وَلَدِهِ وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ إذَا كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ دُونَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّفْرِيقِ ، وَقَدْ فَرَّقَ فِي مَنْ يَسْتَحِقُّ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهِ .

( 4787 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يُخْرِجُ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ .
نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْزَاءِ التَّرِكَةِ ، فَجَازَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ ، كَمَا يَدْفَعُ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ .
وَالْأُخْرَى ، يَدْفَعُ إلَيْهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، وَلَا يُعْطِيهِمْ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ حَتَّى يُخْرِجُوا ثُلْثَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ .
نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ فِي يَدَيْهِ مَالٌ ، لَمْ يَمْلِكْ اسْتِيفَاءَهُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا ، فَلِلْمُوصِي أَنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِ إخْرَاجِهِمْ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ ، مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ أَجْنَاسًا ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عِوَضًا عَنْ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 4788 ) فَصْلٌ : إذَا عَلِمَ الْوَصِيُّ أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا ، إمَّا بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهَا ، فَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يَقْضِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمَيِّتِ يُصَدِّقُهُ ؟ قَالَ : يَكُونُ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ مَنْ أَقَرَّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ .
وَقَالَ فِي مَنْ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ : إنْ أَنَا مِتّ ، فَادْفَعْهَا إلَى ابْنِي الْكَبِيرِ .
وَلَهُ ابْنَانِ ، أَوْ قَالَ : ادْفَعْهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ .
فَقَالَ : إنْ دَفَعَهَا إلَى أَحَدِ الِابْنَيْنِ ، ضَمِنَ لِلْآخَرِ قَدْرَ حِصَّتِهِ ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْآخَرِ ، ضَمِنَ .
وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّ ، وَلَمْ يُقِرُّوا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقَرَّ عِنْدِي وَأَذِنَ لِي ، إثْبَاتُ وِلَايَةٍ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ ، وَلَا شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ بِالْوِلَايَةِ .
وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُد ، فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنَّ لَفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا ، يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يُنْفِذَهُ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْ لَمْ يُنْفِذْهُ .
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ يُصَدِّقُونَ الْوَصِيَّ أَوْ الْمُدَّعِيَ ، أَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ، جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَمُوَافِقَةً لِلدَّلِيلِ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَإِنْ عِلْمَ الْمُوصَى إلَيْهِ لَرَجُلٍ حَقًّا عَلَى الْمَيِّتِ ، فَجَاءَ الْغَرِيمُ يُطَالِبُ الْوَصِيَّ ، وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَسْتَحْلِفَهُ أَنَّ مَالِي فِي يَدَيْك حَقٌّ .
فَقَالَ : لَا يَحْلِفُ .
وَيُعْلِمُ الْقَاضِيَ بِالْقَضِيَّةِ ، فَإِنْ أَعْطَاهُ الْقَاضِي فَهُوَ أَعْلَمُ .
فَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ ، وَأَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ قَبُولُهَا ، وَقَضَاءُ ، الدَّيْنِ بِهَا ، مِنْ غَيْرِ حُضُورِ حَاكِمٍ ؟ فَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، قَالَ : لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِدَعْوَاهُ ، إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَوَّزَ الدَّفْعَ

بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَهُ حُجَّةٌ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ أُخَرَ : إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بَيِّنَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ ، فَأَمَّا إنْ صَدَّقَهُمْ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ .
قُبِلَ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ .

( 4789 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، عَبْدَيْنِ ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا ، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ ، وَالْآخَرِ ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ، عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ .
وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ ، عَتَقَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلْكِ الْمَيِّتِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ ، فَضُرِبَ فِي ثَلَاثَةٍ ، فَأُخِذَ ثُلُثُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ، ضَرَبْنَاهُ فِي ثَلَاثَةٍ ، فَصَيَّرْنَاهُ سِتَّمِائَةٍ ، فَصَارَ الْعِتْقُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ .
وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي الْآخَرِ إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ .
وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَابِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُضْرَبَ فِي ثَلَاثَةٍ ، لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَحْكَامٍ أَرْبَعَةٍ ؛ مِنْهَا أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ ، لَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا ثُلُثُ الْمَالِ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ .
وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .
، وَحُكِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ ، فِي مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ : أُجِيزُهُ بِرُمَّتِهِ ، شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ لَا أَرُدُّهُ .
وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ يُخَالِفُ الْأَثَرَ وَالنَّظَرَ ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ { عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ ، فَدَعَا بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً .
وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْعَطَايَا وَالصَّدَقَاتِ .
الثَّانِي ، أَنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ ، كَمَّلْنَا الثُّلُثَ فِي

وَاحِدٍ بِالْقُرْعَةِ ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَمَّلْنَا الْعِتْقَ فِي بَعْضِهِمْ بِالْقُرْعَةِ ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورِ .
الثَّالِثُ ، أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا جُزْءٌ مِنْ عَبْدٍ ، عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ خَاصَّةً ، وَرُقَّ بَاقِيهِ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْعِتْقِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الرَّابِعُ ، إثْبَاتُ الْقُرْعَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا ؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِمْرَانَ ، وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَعْبُدِ الَّذِينَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ .
فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ ، فَإِنَّ الْعَبِيدَ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمْ ، وَكَانَ لَهُمْ ثُلْثٌ صَحِيحٌ ، كَسِتَّةِ أَعْبُدٍ ، قِيمَةُ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْمَالِ ، جَعَلْنَا كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ثُلُثًا ، وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ ، وَسَهْمَيْ رِقٍّ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاَللَّذَانِ يَقَعُ لَهُمَا سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ يُعْتَقَانِ ، وَيُرَقُّ الْآخَرُونَ .
وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كَسْرٌ ، كَمَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ ، أَقْرَعْت بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ، فَأَيُّهُمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ ، ضَرَبْت قِيمَتَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ، فَمَهْمَا بَلَغَ نَسَبْت إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا ، فَمَهْمَا خَرَجَ بِالنِّسْبَةِ ، فَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُعْتَقُ مِنْهُ .
فَقِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، إذَا وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ، ضَرَبْتهمَا فِي ثَلَاثَةٍ ، صَارَتْ سِتَّمِائَةٍ ، وَنَسَبْت مِنْهَا قِيمَةَ الْعَبْدَيْنِ مَعًا ، وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ ، تَجِدُهَا خَمْسَةَ أَسْدَاسِهَا ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ .
وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ ، عَتَقَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ .
وَتَمَامُ شَرْحِ ذَلِكَ يَأْتِي فِي بَابِ الْعِتْقِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( 4790 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ لِرَجُلٍ ، وَلَمْ يُسَمِّ الْعَبْدَ ، كَانَ لَهُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ ، إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِلَّا مَلَكَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ، كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ ، تَصِحُّ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَجْهُولِ تَصِحُّ فِيمَا مَضَى .
وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَاخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ ، فَرُوِيَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ إِسْحَاقَ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ ، أَنَّهُ يُعْطَى أَحْسَنَهُمْ .
يَعْنِي يُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا أَحَبُّوا مِنْ الْعَبِيدِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ مَالِكٌ قَوْلًا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِعَبْدٍ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدْ ، فَلَهُ ثُلُثُهُمْ .
وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَلَهُ رُبْعُهُمْ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا أَوْصَى بِعَشْرٍ مِنْ إبِلِهِ ، وَهِيَ مِائَةٌ ، يُعْطَى عُشْرَهَا ، وَالنَّخْلُ ، وَالرَّقِيقُ ، وَالدَّوَابُّ عَلَى ذَلِكَ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْطَى عَشْرَةً بِالْعَدَدِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ لَفْظُهُ ، وَلَفْظُهُ هُوَ الْمُقْتَضِي ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ ، وَلَكِنْ يُعْطَى وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، فَلَيْسَ وَاحِدٌ بِأَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقُرْعَةِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْهُمْ .
وَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ ، يُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مِنْ عَبِيدِهِ مَا شَاءُوا ، مِنْ صَحِيحٍ أَوْ مَعِيبٍ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْعَبْدِ فَأَجْزَأَ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى عَبِيدِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ .
تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فَمَاتُوا كُلُّهُمْ إلَّا وَاحِدًا ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ ، لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْبَاقِي .
وَإِنْ تَلِفَ رَقِيقُهُ جَمِيعُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ،

أَوْ قُتِلُوا ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ ، وَلَا رَقِيقَ لَهُ حِينَئِذٍ .
وَإِنْ تَلِفُوا بَعْدَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْوَرَثَةِ ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ عِنْدَ الْوَرَثَةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ .
وَإِنْ قَتَلَهُمْ قَاتِلٌ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ ، مَبْنِيًّا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لَك بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي .
وَلَا عَبِيدَ لَهُ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِلَا شَيْءٍ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لَك بِمَا فِي كِيسِي .
وَلَا شَيْءَ فِيهِ ، أَوْ بِدَارِي .
وَلَا دَارَ لَهُ ، فَإِنْ اشْتَرَى قَبْلَ مَوْتِهِ عَبِيدًا ، احْتَمَلَ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَاطِلَةً ، فَلَمْ تَصِحَّ .
كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لَك بِمَا فِي كِيسِي .
وَلَا شَيْءَ فِيهِ ، ثُمَّ جَعَلَ فِي كِيسِهِ شَيْئًا .
وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْتَضِي عَبْدًا مِنْ الْمَوْجُودِينَ لَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِأَلْفٍ لَا يَمْلِكُهُ ، ثُمَّ مَلَكَهُ ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبِيدِهِ ، ثُمَّ مَلَكَ عَبِيدًا آخَرِينَ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي رَجُلٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ : اُعْطُوا فُلَانًا مِنْ كِيسِي مِائَةَ دِرْهَمٍ .
فَلَمْ يُوجَدْ فِي كِيسِهِ شَيْءٌ .
يُعْطَى مِائَةَ دِرْهَمٍ .
فَلَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إعْطَاءَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَظَنَّهَا فِي الْكِيسِ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْكِيسِ ، أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهِ .
فَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ ، أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَبْدٌ ، وَيُعْطَى إيَّاهُ .

( 4791 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى الرَّجُلُ بِعَبْدٍ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، وَيُشْتَرَى لَهُ عَبْدٌ أَيُّ عَبْدٍ كَانَ .
وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ ، أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا ، وَلَا قُرْعَةَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الرَّقِيقَ إلَى نَفْسِهِ ، وَلَا جَعَلَهُ وَاحِدًا مِنْ عَدَدٍ مَحْصُورٍ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ مَنْ يُسَمَّى عَبْدًا ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدٍ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ مَا شَاءُوا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى .
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ذَكَرًا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } .
وَالْمَعْطُوفُ يُغَايِرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا .
وَلِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْعَبْدِ إلَّا الذَّكَرُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شِرَاءُ أَمَةٍ ، فَلَا تَنْصَرِفُ وَصِيَّتُهُ إلَّا إلَى الذَّكَرِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِأَمَةٍ أَوْ جَارِيَةٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أُنْثَى ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ خُنْثَى مُشْكِلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ رَقِيقِهِ ، أَوْ بِرَأْسٍ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ، دَخَلَ فِي وَصِيَّتِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى .

( 4792 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ ، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَيَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ ، وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ .
} يُرِيدُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ ، وَالصِّغَارَ وَالْكِبَارَ .
وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أُنْثَى كَبِيرَةً ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَتَنَاوَلُ عُرْفُهُمْ إلَّا الْإِنَاثَ ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا مَا يُسَمَّى فِي عُرْفِهِمْ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ إرَادَةُ مَا يَتَعَارَفُونَهُ .
وَإِنْ وَصَّى بِكَبْشٍ ، لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الذَّكَرَ الْكَبِيرَ مِنْ الضَّأْنِ .
وَالتَّيْسُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الذَّكَرِ الْكَبِيرِ مِنْ الْمَعْزِ .
وَإِنْ وَصَّى بِعَشْرَةٍ مِنْ الْغَنَمِ ، يَتَنَاوَلُ عَشْرَةً مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، وَالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ .

( 4793 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِجَمَلٍ ، لَمْ يَكُنْ إلَّا ذَكَرًا .
وَإِنْ وَصَّى بِنَاقَةٍ ، لَمْ تَكُنْ إلَّا أُنْثَى .
وَإِنْ قَالَ : عَشْرَةً مِنْ إبِلٍ ، وَقَعَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنْ قَالَ : عَشْرَةً بِالْهَاءِ ، فَهُوَ لِلذُّكُورِ ، وَإِنْ قَالَ عَشْرٌ ، فَهُوَ لِلْإِنَاثِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ فِي الْعَشَرَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ لِلْمُذَكَّرِ بِالْهَاءِ ، وَلِلْمُؤَنَّثِ بِغَيْرِهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَسَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ } .
وَإِنْ قَالَ : أَعْطُوهُ بَعِيرًا .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، هُوَ لِلذَّكَرِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لَهُ وَحْدَهُ .
وَالثَّانِي ، هُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا .
تَقُولُ الْعَرَبُ : حَلَبْت الْبَعِيرَ .
تُرِيدُ النَّاقَةَ ، فَالْجَمَلُ فِي لِسَانِهِمْ كَالرَّجُلِ مِنْ بَنِي آدَمَ ، وَالنَّاقَةُ كَالْمَرْأَةِ ، وَالْبَكْرَةُ كَالْفَتَاةِ .
وَكَذَلِكَ الْقَلُوصُ وَالْبَعِيرُ كَالْإِنْسَانِ .

( 4794 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثَوْرٍ فَهُوَ ذَكَرٌ .
وَإِنْ وَصَّى بِبَقَرَةٍ ، فَهِيَ أُنْثَى .
وَإِنْ وَصَّى بِدَابَّةٍ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ، يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي الْعُرْفِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَإِنْ قَرَنَ بِهِ مَا يَصْرِفُهُ إلَى أَحَدِهِمَا ، مِثْلُ إنْ قَالَ : دَابَّةٌ يُقَاتِلُ عَلَيْهَا ، أَوْ يُسْهَمُ لَهَا .
انْصَرَفَ إلَى الْخَيْلِ .
وَإِنْ قَالَ : دَابَّةٌ يَنْتَفِعُ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا ، خَرَجَ مِنْهُ الْبِغَالُ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسْلَ لَهَا ، وَخَرَجَ مِنْهُ الذُّكُورُ كَذَلِكَ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِحِمَارٍ ، فَهُوَ ذَكَرٌ .
وَإِنْ وَصَّى بِأَتَانٍ ، فَهِيَ أُنْثَى .
وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، إذَا كَانَ لَهُ أَعْدَادٌ مِنْ جِنْسِ مَا وَصَّى لَهُ بِهِ ، فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ بِالْقُرْعَةِ ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ، يُعْطِهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا ، وَلَا يَسْتَحِقُّ ، لِلدَّابَّةِ سَرْجًا ، وَلَا لِلْبَعِيرِ رَحْلًا ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ .

( 4795 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى بِكَلْبٍ يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا ، وَتُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ ، فَتَصِحُّ فِي الْمَالِ ، وَفِي غَيْرِ الْمَالِ ، مِنْ الْحُقُوقِ ، وَلِأَنَّهُ تَصِحُّ هِبَتُهُ ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ، كَالْمَالِ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ، سَوَاءٌ قَالَ : كَلْبًا مِنْ كِلَابِي ، أَوْ قَالَ مِنْ مَالِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ابْتِيَاعُ الْكَلْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ ، بِخِلَافِ الشَّاةِ .
فَإِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ، فَلَهُ ثُلُثُهُ .
وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ ، فَقَدْ قِيلَ : لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ الْكَلْبِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ الْكَلْبِ ؛ لِكَوْنِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ .
وَقِيلَ : لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ ثُلُثُهُ .
وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ ثُلُثَا التَّرِكَةِ لِلْوَرَثَةِ ، وَلَيْسَ فِي التَّرِكَةِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ الْمُوصَى بِهِ .
وَإِنْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِكِلَابِهِ ، وَلَآخِرَ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ الثُّلُثُ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْكِلَابِ ثُلُثُهَا ، وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثَيْ الْمَالِ قَدْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ فِي حَقِّ الْكِلَابِ .
وَلَوْ وَصَّى بِثُلْثِ مَالِهِ ، وَلَمْ يُوصِي بِالْكِلَابِ ، دُفِعَ إلَيْهِ ثُلُثُ الْمَالِ ، وَلَمْ يَحْتَسِبْ بِالْكِلَابِ عَلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ .
وَإِذَا قَسَمَتْ الْكِلَابُ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ ، أَوْ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُوصًى لَهُمَا بِهَا ، قُسِمَتْ عَلَى عَدَدِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي بَعْضِهَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِيهِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِكَلْبٍ ، وَلِلْمُوصِي كِلَابٌ يُبَاحُ اتِّخَاذُهَا ، كَكِلَابِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ ، فَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِالْقُرْعَةِ ، أَوْ مَا أَحَبَّ

الْوَرَثَةُ ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .
وَإِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ ، وَكَلْبٌ لِلْهِرَاشِ ، فَلَهُ الْكَلْبُ الْمُبَاحُ .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَنَحْوِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِكَلْبٍ مَا أَحَبَّ الْوَرَثَةُ دَفْعَهُ إلَيْهِ .
وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِكَلْبِ الْهِرَاشِ ، وَلَا كَلْبٍ غَيْرِ الْكِلَابِ الثَّلَاثَةِ .
وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْجَرْوِ الصَّغِيرِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَرْبِيَتِهِ لِلصَّيْدِ أَوْ لِلْمَاشِيَةِ .
وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ .
وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِنْزِيرٍ ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ كَالْأَسَدِ ، وَالنَّمِرِ ، وَالذِّئْبِ ؛ لِأَنَّهَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا ، وَلَا تَصِحُّ بِشَيْءٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهَا .

( 4796 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِطَبْلِ حَرْبٍ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً .
وَإِنْ كَانَ بِطَبْلِ لَهْوٍ ، لَمْ تَصِحَّ ؛ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ بِهِ .
وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ إذَا فُصِلَ صَلَحَ لِلْحَرْبِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي الْحَالِ مَعْدُومَةٌ .
فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا جَمِيعًا ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ قَائِمَةٌ بِهِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِطَبْلٍ ، وَأَطْلَقَ ، وَلَهُ طَبْلَانِ ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، انْصَرَفَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى مَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ .
وَإِنْ كَانَ لَهُ طُبُولٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِهَا ، فَلَهُ أَخْذُهَا بِالْقُرْعَةِ ، أَوْ مَا شَاءَ الْوَرَثَةُ ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ وَصَّى بِدُفٍّ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَعْلِنُوا النِّكَاحَ ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ .
} وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمِزْمَارٍ ، وَلَا طُنْبُورٍ ، وَلَا عُودٍ مِنْ عِيدَانِ اللَّهْوِ ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ الْأَوْتَارُ أَوْ لَمْ تَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ الْأَوْتَارُ .

( 4797 ) فَصْلٌ : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِقَوْسٍ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، فَإِنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مُبَاحَةً ، سَوَاءٌ كَانَ قَوْسَ نَشَّابٍ ، وَهُوَ الْفَارِسِيُّ ، أَوْ نَبْلٍ وَهُوَ الْعَرَبِيُّ ، أَوْ قَوْسٍ يَمَجْرَى ، أَوْ قَوْسَ زُنْبُورٍ ، أَوْ جُوخٍ ، أَوْ نَدْفٍ أَوْ بُنْدُقٍ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَوْسٌ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْقِسِيِّ ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ .
وَإِنْ كَانَتْ لَهُ هَذِهِ جَمِيعُهَا ، وَكَانَ فِي لَفْظِهِ أَوْ حَالِهِ قَرِينَةٌ تُصْرَفُ إلَى أَحَدِهَا ، انْصَرَفَ إلَيْهِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : قَوْسًا يَنْدِفُ بِهِ ، أَوْ يَتَعَيَّشُ بِهِ ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَهَذَا يَصْرِفُهُ إلَى قَوْسِ النَّدْفِ .
وَإِنْ قَالَ : يَغْزُو بِهِ .
خَرَجَ مِنْهُ قَوْسُ النَّدْفِ ، وَالْبُنْدُقِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ نَدَّافًا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ ، أَوْ بُنْدُقَانِيًّا لَا عَادَةَ لَهُ بِالرَّمْيِ بِشَيْءٍ سِوَاهُ ، أَوْ يَرْمِي بِقَوْسٍ غَيْرِهِ لَا يَرْمِي بِسِوَاهُ ، انْصَرَفْت الْوَصِيَّةُ إلَى الْقَوْسِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ عَادَةً ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُوصِي أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَهُ بِمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ .
وَإِنْ انْتَفَتْ الْقَرَائِنُ ، فَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ ، أَنَّ لَهُ وَاحِدًا مِنْ جَمِيعِهَا بِالْقُرْعَةِ ، أَوْ مَا يَخْتَارُهُ الْوَرَثَةُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهَا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَتَنَاوَلُ قَوْسَ النَّدْفِ ، وَلَا الْبُنْدُقِ ، وَلَا الْعَرَبِيَّةَ فِي بَلَدٍ لَا عَادَةَ لَهُمْ بِالرَّمْيِ بِهَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَرَبِيَّةَ ، وَيَكُونُ لَهُ وَاحِدٌ مِمَّا عَدَا هَذِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْقَوْسِ فِي الْعَادَةِ بَيْنَ غَيْرِ أَهْلِهَا حَتَّى يَصِفَهَا ، فَيَقُولَ : قَوْسُ الْقُطْنِ ، أَوْ النَّدْفِ ، أَوْ قَوْسُ الْبُنْدُقِ .
وَأَمَّا الْعَرَبِيَّةُ فَلَا يَتَعَارَفُهَا غَيْرُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعَرَبِ ، فَلَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُوصِي غَالِبًا .
وَيُعْطَى الْقَوْسَ مَعْمُولَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى قَوْسًا إلَّا كَذَلِكَ .
وَلَا يَسْتَحِقُّ وَتَرَهَا

؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهَا دُونَهُ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ يُعْطَاهَا بِوَتَرِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِهِ ، فَكَانَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا .

( 4798 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعُودٍ ، وَلَهُ عُودُ لَهْوٍ وَغَيْرِهِ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَنْصَرِفُ إلَى عُودِ اللَّهْوِ ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِعَدَمِ النَّفْعِ الْمُبَاحِ فِيهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عِيدَانُ قِسِيٍّ ، أَوْ عُودٌ يَتَبَحَّرُ بِهِ ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْعِيدَانِ الْمُبَاحَةِ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، وَانْصَرَفَتْ إلَيْهَا ؛ لِعَدَمِ غَيْرِهَا ، وَتَعَيُّنِهَا مَعَ إبَاحَتِهَا .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِجَرَّةِ فِيهَا خَمْرٌ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْجَرَّةِ ، وَبَطَلَتْ فِي الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ فِي الْجَرَّةِ نَفْعًا مُبَاحًا ، وَالْخَمْرُ لَا نَفْعَ فِيهِ مُبَاحٌ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الْمُبَاحَةُ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِخَمْرٍ وَخَلٍّ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِخَمْرٍ فِي جَرَّةٍ لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ الْخَمْرُ ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ .

( 4799 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، فَتَلِفَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ .
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا الْمُوصَى بِهِ ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِمَّنْ عَلِمْنَا قَوْلَهُ ، عَلَى أَنَّ الْمُوصَى بِهِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ .
كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، فَقَالَ : أَجْمَعَ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ ، فَهَلَكَ ذَلِكَ الشَّيْءُ ، أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي سَائِرِ مَالِ الْمَيِّتِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْوَصِيَّةِ لَا غَيْرُ ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ بِمُعَيَّنٍ ، وَقَدْ ذَهَبَ ، فَذَهَبَ حَقُّهُ ، كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ، وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ ، وَلَا تَفْرِيطِهِمْ ، فَلَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا .
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ سِوَاهُ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ لِتَعْيِينِهِ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَذَلِكَ يَمْلِكُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَإِذْنِهِمْ ، فَكَانَ حَقُّهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الْمَالِ ، وَحُقُوقُهُمْ فِي سَائِرِ الْمَالِ دُونَهُ ، فَأَيُّهُمَا تَلِفَ حَقُّهُ لَمْ يُشَارِكْ الْآخَرَ فِي حَقِّهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ وَقَبَضَهُ ، وَكَالْوَرَثَةِ إذَا اقْتَسَمُوا ، ثُمَّ تَلِفَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي مَنْ خَلَّفَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَوَصَّى لَرَجُلٍ بِالْعَبْدِ ، فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ : فَالْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ ، فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ هَلَكَ ، فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْهُ ، إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ أَوْ ثُلُثِ دَارٍ ، فَاسْتُحِقَّ الثُّلُثَانِ مِنْهُ ، فَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ مُوصًى بِهِ ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ، فَاسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ ، فَهَلَكَ عَبْدَانِ ، أَوْ اُسْتُحِقَّا ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ مِنْ الْبَاقِي بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَقَدْ شَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ .

( 4801 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا ، قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ ، لَا وَقْتَ الْأَخْذِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قِيمَةِ الْمُوصَى بِهِ وَخُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ ، أَوْ عَدَمِ خُرُوجِهَا ، بِحَالَةِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهَا حَالُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَالِ فِيهَا .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
فَيُنْظَرُ ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ ثُلُثَ التَّرِكَةِ ، أَوْ دُونَهُ ، نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَاسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ كُلَّهُ .
فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَ مُعَادِلًا لِسَائِرِ الْمَالِ ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ، أَوْ هَلَكَ الْمَالُ كُلُّهُ سِوَاهُ ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ، لَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ .
فَإِنْ كَانَ حِينَ الْمَوْتِ زَائِدًا عَنْ الثُّلُثِ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ مِنْهُ قَدْرُ ثُلُثِ الْمَالِ .
فَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهُ .
وَإِنْ كَانَ ثُلُثَيْهِ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ .
وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَالِ وَثُلُثَهُ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ خُمُسَاهُ .
فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ زَادَ ، أَوْ نَقَصَ سَائِرُ الْمَالِ أَوْ زَادَ ، فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ سِوَى مَا كَانَ لَهُ حِينَ الْمَوْتِ .
فَلَوْ وَصَّى بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَلَهُ مِائَتَانِ ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ كُلُّهُ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حِينَ الْمَوْتِ مِائَتَيْنِ ، لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ .
فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَزِدْ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ عَنْ ثُلُثِهِ شَيْئًا ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ ، لَا يُزَادُ حَقُّهُ عَنْ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ نَقَصَ الْعَبْدُ أَوْ زَادَ .
أَوْ نَقَصَ الْمَالُ أَوْ زَادَ .

( 4802 ) فَصْلٌ : وَالْعَطَايَا فِي مَرَضِهِ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ حِينَ الْمَوْتِ .
نَقَلَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ ، فِي مَنْ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَعَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفٌ ، فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَأَنْفَقَ الدَّرَاهِمَ : عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ .
فَاعْتَبَرَ مَالَهُ حِينَ الْمَوْتِ مِنْ الْعَبْدِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِينَ الْمَوْتِ إلَّا الْعَبْدُ ، لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا ثُلُثُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَتْلَفْ الْأَلْفُ ، لَعَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ .
وَلَوْ زَادَ مَالُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى بَلَغَ أَلْفَيْنِ ، لَعَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ .
وَإِنْ كَسَبَ الْعَبْدُ شَيْئًا ، كَانَ كَسْبُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ ، عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى .
وَإِنْ تَلَفَ مِنْ التَّرِكَةِ شَيْءٌ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ عَلَى الْوَرَثَةِ ، حُسِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ .

( 4803 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ ، وَسَائِرِ مَالِهِ دِينٌ أَوْ غَائِبٌ ، فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَخْذُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ أَوْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَ ، فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْمُعَيَّنِ كُلِّهِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ لِلْوَصِيِّ ثُلُثَ الْمُعَيَّنِ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُدَبَّرِ .
وَقِيلَ : لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاؤُهُ فِي التَّرِكَةِ ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَرَثَةِ مِثْلُهُ ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ .
وَهَذَا وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الثُّلُثَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ مُسْتَقِرٌّ ، فَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي وَقْفِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُخْلِفْ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ .
وَلِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ سَائِرُ الْمَالِ ، لَوَجَبَ تَسْلِيمُ ثُلُثِ الْمُعَيَّنِ إلَى الْوَصِيِّ ، وَلَيْسَ تَلَفُ الْمَالِ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ وَتَسْلِيمِهَا ، وَلَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثِ الْمُسْتَقِرِّ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْوَرَثَةُ بِشَيْءٍ ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ مُعْسِرًا مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ دَفْعِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا ، وَبَيْنَ جَعْلِ وَصِيَّتِهِ بِثُلُثِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَعَدَلَ إلَى الْمُعَيَّنِ .
وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ ، فَيَنْفَرِدَ بِالتَّرِكَةِ عَلَى تَقْدِيرِ تَلَفِ الْبَاقِي قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْوَرَثَة ، فَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ : إنْ رَضِيتُمْ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَعُودُوا إلَى مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا لَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ ، فَوَقَعَ لَازِمًا ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِمُشَاعٍ .
وَمَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ جَعْلَ حَقِّهِ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ إشَاعَةٌ ، وَإِبْطَالٌ لِمَا عَيَّنَهُ ، فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ مَا عَيَّنَهُ الْمُوصِي لِلْمُوصَى لَهُ ، وَنَقْلُ حَقِّهِ

إلَى مَا لَمْ يُوصِ بِهِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِمُشَاعٍ ، لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ إلَى مُعَيَّنٍ ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْمُعَيَّنِ الْحَاضِرِ ، وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ أَوْ حَضَرَ مِنْ الْغَائِبِ شَيْءٌ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ مِنْ الْمُوصَى بِهِ ، كَذَلِكَ حَتَّى يَكْمُلَ لِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ ، أَوْ يَأْخُذَ الْمُعَيَّنَ كُلَّهُ .
فَلَوْ خَلَّفَ تِسْعَةً عَيْنًا ، وَعِشْرِينَ دَيْنًا وَابْنًا ، وَوَصَّى بِالتِّسْعَةِ لَرَجُلٍ ، فَلِلْوَصِيِّ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةٌ ، وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَصِيِّ ثُلُثُهُ ، فَإِذَا اُقْتُضِيَ ثُلُثُهُ فَلَهُ مِنْ التِّسْعَةِ وَاحِدٌ ، حَتَّى يَقْتَضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، فَيَكْمُلُ لَهُ التِّسْعَةُ .
وَإِنْ جَحَدَ الْغَرِيمُ ، أَوْ مَاتَ ، أَوْ يَئِسَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الدِّينِ ، أَخَذَ الْوَرَثَةُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ الْعَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ تِسْعَةً ، فَإِنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَيْنِ ، وَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ ثُلُثَهَا ، وَيَبْقَى ثُلُثُهَا مَوْقُوفًا ، كُلَّمَا اُسْتُوْفِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَصِيِّ مِنْ الْعَيْنِ قَدْرُ ثُلُثِهِ ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ ، كُمِّلَ لِلْمُوصَى لَهُ سِتَّةٌ ، وَهِيَ ثُلُثُ الْجَمِيعِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ ، أَخَذَ الْوَصِيُّ ثُلُثَهَا ، وَأَخَذَ الِابْنُ نِصْفَهَا ، وَبَقِيَ سُدُسُهَا مَوْقُوفًا ، فَمَتَى اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ مِثْلَيْهِ ، كَمُلَتْ الْوَصِيَّةُ .

( 4804 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ الْعَيْنِ ، فَوَصَّى لَرَجُلٍ بِثُلُثِهِ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَصِيَّةِ ، فَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَهُ ثُلُثُهُ ، وَلِلِابْنِ ثُلُثَاهُ .
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ فِي الْآخَرِ : هُوَ أَحَقُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَصِيَّتَهُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْحَاضِرِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاؤُهُ فِي الدَّيْنِ ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَرِكَةٌ فِي الْعَيْنِ ، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ دُونَهُمْ ، كَمَا لَوْ كَانَ شَرِيكُهُ فِي الدَّيْنِ وَصِيًّا آخَرَ ، أَوْ كَمَا لَوْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِالْعَيْنِ ، وَلَهُ وَلِآخَرَ بِالدَّيْنِ ، فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ بِوَصِيَّةِ الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ ، كَذَا هَاهُنَا .

( 4805 ) فَصْلٌ : وَلَوْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَلَهُ مِائَتَانِ دَيْنًا ، وَعَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً ، وَوَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِ الْعَبْدِ ، اقْتَسَمَا ثُلُثَ الْعَبْدِ نِصْفَيْنِ ، وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ رُبْعُهُ ، وَلَهُ وَلِلْآخَرِ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ رُبُعِ مَا اُسْتُوْفِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ كُمِّلَ لِلْوَصِيَّيْنِ نِصْفُ الْعَبْدِ .
وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعُ الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ هُوَ ثُلُثُ الْمَالِ .
وَإِنْ اُسْتُوْفِيَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قُسِمَا بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ رُبُعُ الْمِائَتَيْنِ وَرُبُعُ الْعَبْدِ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْعَبْدِ ، رُبْعُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ الْمَالِ ، وَالْجَائِزُ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِمَا ، فَرَدَدْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِ ، وَهِيَ رُبُعُ الْمَالِ كُلِّهِ لِصَاحِبِ ثُلُثِهِ ، وَرُبْعُ الْعَبْدِ لِصَاحِبِ ثُلُثِهِ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ سِوَى مَا قُلْنَاهُ ، تَرَكْنَاهَا لِطُولِهَا ، وَهَذَا أَسَدُهَا ، إنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ أَلَا أَنَّنَا أَدْخَلْنَا النَّقْصَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَكَمَّلْنَا لَهُمَا الثُّلُثَ ، وَإِنْ أُجِيزَ لَهُمَا أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَقِيَ مِنْ وَصِيَّتِهِ ، وَهُوَ رُبُعُهَا ، فَيُكَمَّلُ ثُلُثُ الْمَالِ لِصَاحِبِهِ ، وَثُلُثُ الْعَبْدِ لِلْآخِرِ .

( 4806 ) فَصْلٌ : وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ ، وَتَرَكَ عَشْرَةً عَيْنًا ، وَعَشْرَةً دَيْنًا عَلَى أَحَدِ ابْنَيْهِ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَوَصَّى لِأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ وَالِابْنَ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَقْتَسِمَانِ الْعَشَرَةَ الْعَيْنَ نِصْفَيْنِ ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَدِينِ ثُلُثَا دَيْنِهِ ، وَيَبْقَى لَهُمَا عَلَيْهِ ثُلُثُهُ ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ ، قَسَمَتْ الْعَشَرَةُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا ، لِلْمُوصِي خُمُسَاهَا أَرْبَعَةٌ ، وَلِلِابْنِ سِتَّةٌ ، وَسَقَطَ عَنْ الْمَدِينِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دَيْنِهِ ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ رُبُعُهُ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى قُسِمَ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا ، كَمَا قُسِمَ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرُّبُعِ ، وَهُوَ ثُمُنَانِ ، وَيَبْقَى سِتَّةُ أَثْمَانٍ ، لِكُلِّ ابْنٍ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ ، فَصَارَ نَصِيبُ الْوَصِيِّ وَالِابْنِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ أَثْمَانٍ ، لِلِابْنِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْوَصِيِّ سَهْمَانِ ، فَلِذَلِكَ قَسَمْنَا الْعَيْنَ وَمَا حُصِلَ لَهُمَا مِنْ الدَّيْنِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا ، وَسَقَطَ عَنْ الْمَدِينِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَثْمَانٍ ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ النِّصْفِ الَّذِي عَلَيْهِ .

( 4807 ) فَصْلٌ : وَنَمَاءُ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا إنْ كَانَ مُتَّصِلًا كَالسَّمْنِ ، وَتَعْلِيمِ صَنْعِهِ ، فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعَيْنِ ، وَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ .
وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، فَهُوَ لَهُ ، يَصِيرُ إلَى وَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ .
وَمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ ، فَيَنْبَنِي عَلَى الْمَلِكِ فِي الْمُوصَى لَهُ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ .
وَالْآخَرُ هُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ، فَيَكُونُ النَّمَاءُ لِمَنْ الْمِلْكُ لَهُ .

( 4808 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى بِوَصَايَا فِيهَا عَتَاقَةٌ ، فَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْكُلِّ ، تُحَاصُوا فِي الثُّلُثِ ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ ) أَمَّا إذَا خَلَتْ الْوَصَايَا مِنْ الْعِتْقِ ، وَتَجَاوَزَتْ الثُّلُثَ ، وَرَدَّ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ ، فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى مِثَالِ مَسَائِلِ الْعَوْلِ إذَا زَادَتْ الْفُرُوضُ عَنْ الْمَالِ .
فَلَوْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ، وَلِآخَرَ بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ، وَوَصَّى بِفِدَاءِ أَسِيرٍ بِثَلَاثِينَ ، وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ ، وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ ، جَمَعْت الْوَصَايَا كُلَّهَا فَوَجَدْتهَا ثَلَاثَمِائَةٍ ، وَنَسَبْت مِنْهَا الثُّلُثَ ، فَتَجِدُهُ ثُلُثَهَا ، فَتُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَةِ ، وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْخَمْسِينَ إلَى ثُلُثِهَا ، وَلِفِدَاءِ الْأَسِيرِ عَشْرَةٌ ، وَلِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ سِتَّةٌ ، وَثُلُثَانِ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا عِتْقٌ ، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنْ يُقَسَّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَصَايَا بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَتُسَاوَوْا فِيهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَيُبْدَأُ بِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ ، قُسِّمَ بَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ .
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ ، وَمَسْرُوقٌ ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقًّا لِآدَمِيٍّ ، فَكَانَ آكَدَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فَسْخٌ ، وَيَلْحَقُ

غَيْرَهُ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ أَقْوَى بِدَلِيلِ سِرَايَتِهِ وَنُفُوذِهِ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ .
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَالشَّافِعِيِّ كَالرِّوَايَتَيْنِ .

( 4809 ) فَصْلٌ : وَالْعَطَايَا الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ ، كَقَوْلِهِ : إذَا مِتّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا .
أَوْ أَعْتِقُوا فُلَانًا .
وَنَحْوَهُ ، وَصَايَا حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْوَصَايَا فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا .
وَالْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِ الْعِتْقِ مِنْهَا ، بِخِلَافِ الْعَطَايَا الْمُنَجَّزَةِ ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ مِنْهَا فَالْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْفِعْلِ ، وَالْمُؤَخَّرَةُ تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ ، فَتَتَسَاوَى كُلُّهَا .

( 4810 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ، لَزِمَ الْوَارِثَ إعْتَاقُهُ ، فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ ، كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بِالْعَطِيَّةِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ الْحَاكِمُ ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ حِينَ أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَتَقَ ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ ، وَهَؤُلَاءِ نُوَّابٌ عَنْهُ ، وَلِهَذَا لَزِمَهُمْ إعْتَاقُهُ كُرْهًا .
وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِ إلَى غَيْرِ الْوَارِثِ ، كَانَ الْإِعْتَاقُ ، إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُوصِي فِي إعْتَاقِهِ ، فَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ ، كَالْوَكِيلِ فِي الْحَيَاةِ .

( 4811 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَلْفِ دِرْهَمٍ تُنْفَقُ عَلَيْهِ ، فَمَاتَ الْفَرَسُ ، كَانَتْ الْأَلْفُ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ أُنْفِقَ بَعْضُهَا ، رُدَّ الْبَاقِي إلَى الْوَرَثَةِ ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لِلْوَصِيَّةِ جِهَةً ، فَإِذَا فَاتَتْ ، عَادَ الْمُوصَى لَهُ إلَى الْوَرَثَةِ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدِ زَيْدٍ يُعْتَقُ ، فَمَاتَ الْعَبْدُ ، أَوْ لَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ .
وَإِنْ أُنْفِقَ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ مَاتَ الْفَرَسُ ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ شِرَائِهِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي السَّبِيلِ ، أَيُجْعَلُ فِي الْحَجِّ مِنْهَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَ : لَا إنَّمَا يَعْرِفُ النَّاسُ السَّبِيلَ الْغَزْوَ .

( 4812 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : يَخْدِمُ عَبْدِي فُلَانًا سَنَةٌ ، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ .
صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، فَإِنْ قَالَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ : لَا أَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ .
أَوْ قَالَ : قَدْ وَهَبْت الْخِدْمَةَ لَهُ .
لَمْ يُعْتَقْ فِي الْحَالِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ وَهَبَ الْخِدْمَةَ لِلْعَبْدِ ، عَتَقَ فِي الْحَالِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَوْقَعِ الْعِتْقَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ ، فَلَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ ، كَمَا لَوْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ .

( 4813 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لِعَمِّهِ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَلِخَالِهِ بِعُشْرِهِ ، فَرُدَّتْ وَصِيَّتَهُمَا ، فَتَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ ، فَأَصَابَ الْخَالَ سِتَّةٌ ، فَاضْرِبْ الَّذِي أَصَابَهُ فِي وَصِيَّتِهِ ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فِي عَشْرَةٍ ، تَكُنْ سِتِّينَ ، وَاقْسِمْهُ عَلَى الْفَاضِلِ بَيْنَهُمَا ، يَخْرُجْ بِالْقَسْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَهِيَ الثُّلُثُ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت قَدْ أَصَابَ الْخَالَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ وَصِيَّتِهِ ، يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ خُمُسَاهُ ، وَهِيَ تَعْدِلُ مَا أَصَابَ الْخَالَ ، فَزِدْ عَلَى مَا أَصَابَ الْخَالَ مِثْلَ نِصْفِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُهُ ، يَصِرْ تِسْعَةً ، فَهِيَ لِلَّذِي أَصَابَ الْعَمَّ .
وَإِنْ قَالَ : أَصَابَ الْعَمَّ الرُّبُعُ ، فَقَدْ أَصَابَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِ ، وَبَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ نِصْفُ سُدُسٍ ، يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ وَصِيَّةِ الْخَالِ ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ ، وَلِلْعَمِّ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهَا ، اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَنِصْفٌ ، وَالْمَالُ كُلُّهُ تِسْعُونَ .
وَإِنْ قَالَ : أَصَابَ الْخَالَ خُمُسُ الْمَالِ ، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ خُمُسَاهُ لِلْعَمِّ ، فَيَكُونُ الْحَاصِلُ لِلْخَالِ خُمُسَا وَصِيَّتِهِ أَيْضًا .
وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ ، وَوَصِيَّةُ الْعَمِّ مِثْلُ ثُلُثَيْهَا ، دِينَارَانِ وَثُلُثَانِ ، وَالثُّلُثُ كُلُّهُ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ ، وَالْمَالُ كُلُّهُ عِشْرُونَ .
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا وَصِيَّةٌ بِسُدُسِ الْمَالِ ، وَأَصَابَ الْخَالَ سِتَّةٌ ، فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ وَصِيَّتِهِ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ وَصِيَّتِهِ ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الثُّلُثِ ، يَبْقَى مِنْهُ عُشْرٌ تَعْدِلُ مَا حُصِلَ لِلْعَمِّ وَهُوَ سِتَّةٌ ، وَالثُّلُثُ سِتُّونَ .
وَإِنْ أَصَابَ صَاحِبَ السُّدُسِ عُشْرُ الْمَالِ ، فَقَدْ أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ خُمْسُهُ ، يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا عُشْرُهُ ، فَهُوَ وَصِيَّةُ الْخَالِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ وَصِيَّتِهِ سِتَّةٌ ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ سِتِّينَ كَمَا ذَكَرْنَا .
نَوْعٌ آخَرُ ، خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ ، وَوَصَّى لِعَمِّهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا ثُلُثَ وَصِيَّةِ خَالِهِ

، وَلِخَالِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا رُبْعَ وَصِيَّةِ عَمِّهِ ، فَاضْرِبْ مَخْرَجَ الثُّلُثِ فِي مَخْرَجِ الرُّبُعِ ، يَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، اُنْقُصْهَا سَهْمًا ، يَبْقَى أَحَدَ عَشَرَ ، فَهِيَ نَصِيبُ ابْنٍ ، اُنْقُصْهَا سَهْمَيْنِ ، يَبْقَى تِسْعَةٌ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْخَالِ .
وَإِنْ نَقَصْتهَا ثَلَاثَةً ، بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْعَمِّ .
وَبِالْجَبْرِ تَحْمِلُ مَعَ الْعَمِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ، وَمَعَ الْخَالِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ ، ثُمَّ تَزِيدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ دِينَارًا ، وَعَلَى الدَّنَانِيرِ دِرْهَمًا ، يَبْلُغُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبًا ، اُجْبُرْ ، وَقَابِلْ ، وَأَسْقِطْ الْمُشْتَرَكَ ، يَبْقَى مَعَك دِينَارَانِ ، تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ، فَاقْلِبْ وَحَوِّلْ ، تَصِرْ الدَّرَاهِمُ ثَمَانِيَةً ، وَالدَّنَانِيرُ تِسْعَةً ، كَمَا قُلْنَا .
وَإِنْ أَوْصَى لِعَمِّهِ بِعَشْرَةٍ إلَّا رُبُعَ وَصِيَّةِ خَالِهِ ، وَلِخَالِهِ بِعَشْرَةٍ إلَّا خُمْسَ وَصِيَّةِ عَمِّهِ ، فَاضْرِبْ مَخْرَجَ الرُّبْعِ فِي مَخْرَجِ الْخُمُسِ ، يَكُنْ عِشْرِينَ ، اُنْقُصْهَا سَهْمًا ، تَكُنْ تِسْعَةَ عَشَرَ ، فَهِيَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْخَالِ أَرْبَعَةً ، وَانْقُصْهَا سَهْمًا ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ ، اضْرِبْهَا فِي الْعَشَرَةِ ، ثُمَّ فِيمَا مَعَ الْعَمِّ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ ، يَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ ، اقْسِمْهَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ ، يَخْرُجْ سَبْعَةٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ ، جُزْءًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ عَمِّهِ ، وَاجْعَلْ مَعَ الْعَمِّ خَمْسَةً ، وَانْقُصْهَا سَهْمًا ، وَاضْرِبْهَا فِي عَشَرَةٍ ، ثُمَّ فِي أَرْبَعَةٍ ، تَكُنْ مِائَةٍ وَسِتِّينَ ، وَاقْسِمْهَا ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ خَالِهِ .
طَرِيقٌ آخَرُ ، تَنْقُصُ مِنْ الْعَشَرَةِ رُبْعَهَا ، وَتَضْرِبُ الْبَاقِيَ فِي الْعِشْرِينَ ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ ، وَتَنْقُصُ مِنْهَا خُمُسَهَا ، وَتَضْرِبُ الْبَاقِيَ فِي عِشْرِينَ ، وَتَقْسِمُهَا ، وَبِالْجَبْرِ ، تَجْعَلُ ، وَصِيَّةَ الْخَالِ سِتًّا ، وَوَصِيَّةَ الْعَمِّ عَشْرَةً إلَّا رُبْعَ شَيْءٍ ، فَخُذْ خُمُسَهَا ، فَزِدْهُ عَلَى الشَّيْءِ ،

وَهُوَ سَهْمَانِ إلَّا نِصْفَ عُشْرِ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ عَشْرَةً ، فَأَسْقِطْ الْمُشْتَرَكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، تَصِرْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ، مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ ، إذَا أَسْقَطْت رُبْعَهَا مِنْ الْعَشَرَةِ ، بَقِيَتْ سَبْعَةٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا .
وَإِنْ وَصَّى لِعَمِّهِ بِعَشْرَةٍ إلَّا نِصْفَ وَصِيَّةِ خَالِهِ ، وَلِخَالِهِ بِعَشْرَةٍ إلَّا ثُلُثَ وَصِيَّةِ جَدِّهِ ، وَلِجَدِّهِ بِعَشْرَةٍ إلَّا رُبْعَ وَصِيَّةِ عَمِّهِ ، فَوَصِيَّةُ عَمِّهِ سِتَّةٌ وَخُمُسَانِ ، وَوَصِيَّةُ خَالِهِ سَبْعَةٌ وَخُمُسٌ ، وَوَصِيَّةُ جَدِّهِ ثَمَانِيَةٌ وَخُمُسَانِ ، وَبَابُهَا أَنْ تَضْرِبَ الْمَخَارِجَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ، فَتَضْرِبَ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ ، فِي أَرْبَعَةٍ ، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، تَزِيدُهَا وَاحِدًا تَكُنْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَنْقُصُ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُ وَاحِدًا فِي ثَلَاثَةٍ ، ثُمَّ تَزِيدُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ، تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي عَشْرَةٍ ، تَكُنْ مِائَةً وَسِتِّينَ ، وَاقْسِمْهَا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَخْرُجْ بِالْقَسْمِ سِتَّةٌ وَخُمُسَانِ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْعَمِّ وَانْقُصْ الثَّلَاثَةَ وَاحِدًا يَبْقَى اثْنَانِ ، وَاضْرِبْهَا فِي الْأَرْبَعَةِ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً ، زِدْهَا وَاحِدًا ، وَاضْرِبْهَا فِي اثْنَيْنِ ، ثُمَّ فِي عَشْرَةٍ تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِينَ ، وَاقْسِمْهَا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ اُنْقُصْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَاحِدًا ، وَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ ، ثُمَّ زِدْهَا وَاحِدًا تَكُنْ سَبْعَةً ، اضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ ، ثُمَّ فِي عَشْرَةٍ ، تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشْرَةً ، مَقْسُومَةً عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ .
طَرِيقٌ آخَرُ ، تَجْعَلُ مَعَ الْعَمِّ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ ، وَمَعَ الْخَالِ دِينَارَيْنِ ، وَمَعَ الْجَدِّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ تَضُمُّ إلَى مَا مَعَ الْعَمِّ دِينَارًا ، وَإِلَى مَا مَعَ الْخَالِ دِرْهَمًا ، وَتُقَابِلُ مَا مَعَ أَحَدِهِمَا بِمَا مَعَ الْآخَرِ ، وَتُسْقِطُ الْمُشْتَرَكَ ، فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ ، تَعْدِلُ دِينَارًا وَدِرْهَمًا ،

فَأَسْقِطْ لَفْظَةَ الْأَشْيَاءِ ، وَاجْعَلْ مَكَانَهَا دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا ، ثُمَّ قَابِلْ مَا مَعَ الْخَالِ بِمَا مَعَ الْجَدِّ بَعْدَ الزِّيَادَةِ ، وَهُوَ دِينَارَانِ ، وَدِرْهَمٌ مَعَ الْخَالِ ، لِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبْعِ دِرْهَمٍ ، وَرُبْعُ دِينَارٍ مَعَ الْجَدِّ ، فَإِذَا أَسْقَطْت الْمُشْتَرَكَ بَقِيَ دِرْهَمَانِ وَرُبْعٌ مُعَادِلَةٌ لِلدِّينَارِ ؛ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ ، فَابْسُطْ الْكُلَّ أَرْبَاعًا ، تَصِرْ سَبْعَةَ أَرْبَاعٍ مِنْ الدِّينَارِ ، تَعْدِلُ تِسْعَةً مِنْ الدَّرَاهِمِ ، فَاقْلِبْ ، وَاجْعَلْ الدَّرَاهِمَ سَبْعَةً ، وَالدِّينَارَ تِسْعَةً ، ثُمَّ ارْجِعْ إلَى مَا فَرَضْت ، فَتَجِدُ مَعَ الْعَمِّ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِسِتَّةَ عَشَرَ ، وَمَعَ الْخَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَمَعَ الْجَدِّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، وَالْعَشَرَةُ الْكَامِلَةُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ، وَالسِّتَّةَ عَشَرَ مِنْهَا سِتَّةٌ وَخُمُسَانِ ، وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ سَبْعَةٌ وَخُمُسٌ ، وَالْأَحَدُ وَعِشْرُونَ ثَمَانِيَةٌ وَخُمُسَانِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ ، وَوَصِيَّةُ الْجَدِّ عَشَرَةٌ إلَّا رُبْعَ مَا مَعَ الْأَخِ ، وَوَصِيَّةُ الْأَخِ عَشْرَةٌ إلَّا خُمُسَ مَا مَعَ الْعَمِّ ، فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ تَجْعَلُ مَعَ الْعَمِّ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ ، وَمَعَ الْخَالِ دِينَارَيْنِ ، وَمَعَ الْجَدِّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ، وَمَعَ الْأَخِ أَرْبَعَةَ أَفْلُسٍ ، ثُمَّ تُقَابِلُ مَا مَعَ الْعَمِّ بِمَا مَعَ الْخَالِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَتَجْعَلُ الْأَشْيَاءَ دِينَارًا وَدِرْهَمًا ، ثُمَّ تُقَابِلُ مَا مَعَ الْخَالِ بِمَا مَعَ الْجَدِّ ، فَتَجْعَلُ الدِّينَارَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَفَلْسًا ، ثُمَّ تُقَابِلُ مَا مَعَ الْجَدِّ بِمَا مَعَ الْأَخِ ، فَتُخْرِجُ الْفَلْسَ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ، وَالدَّرَاهِمَ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ ، وَالدِّينَارَ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَعَ الْعَمِّ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ ، وَمَعَ الْخَالِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ ، وَمَعَ الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ وَتِسْعِينَ ، وَمَعَ الْأَخِ مِائَةً وَأَرْبَعَةً ، إذَا زِدْت عَلَى مَا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا اسْتَثْنَيْته مِنْهُ ، صَارَ مَعَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَ عَشْرَةَ ، وَهِيَ الْعَشَرَةُ الْكَامِلَةُ ،

فَصَارَتْ وَصِيَّةُ الْعَمِّ سِتَّةً وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ جُزْءًا ، وَوَصِيَّةُ الْخَالِ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ، وَوَصِيَّةُ الْجَدِّ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا .
وَوَصِيَّةُ الْأَخِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ جُزْءًا ، وَبِطَرِيقِ الْبَابِ ، تَضْرِبُ الْمَخَارِجَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ، تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ ، تَنْقُصُهَا وَاحِدًا ، يَبْقَى مِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ ، فَهَذَا الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَنْقُصُ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهُ فِي ثَلَاثَةٍ ، ثُمَّ تَزِيدُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ، تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ ، تَنْقُصُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي خَمْسَةٍ ، تَكُنْ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ ، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ الْعَمِّ تَضْرِبُهَا فِي عَشْرَةٍ ، ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ ، تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ جُزْءًا ، ثُمَّ تَنْقُصُ الثَّلَاثَةَ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ، وَتَزِيدُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي خَمْسَةٍ ، تَكُنْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ ، تَنْقُصُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ ، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ الْخَالِ ، ثُمَّ تَنْقُصُ الْأَرْبَعَةَ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي خَمْسَةٍ ، تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَتَزِيدُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ ، تَكُنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، تَنْقُصُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ ، تَكُنْ ثَلَاثَةً وَتِسْعِينَ ، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ الْجَدِّ ثُمَّ تَنْقُصُ الْخَمْسَةَ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً ، تَزِيدُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ .
تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ، تَنْقُصُهَا وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةٍ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْأَخِ .
وَفِي ذَلِكَ تَضْرِبُ الْعَدَدَ الَّذِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَتَقْسِمُهُ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ ، فَالْخَارِجُ بِالْقَسْمِ هُوَ وَصِيَّتُهُ ، وَلَوْ وَصَّى لِعَمِّهِ بِعَشْرَةٍ وَنِصْفِ وَصِيَّةِ خَالِهِ ، وَلِخَالِهِ بِعَشْرَةٍ وَثُلُثِ وَصِيَّة ، عَمِّهِ ، كَانَتْ وَصِيَّةُ الْعَمِّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَوَصِيَّةُ

الْخَالِ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَبَابُهَا أَنْ تَضْرِبَ أَحَدَ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الْآخَرِ ، وَتَنْقُصَهُ وَاحِدًا ، فَهُوَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَزِيدَ مَخْرَجَ النِّصْفِ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبَهُ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ ، ثُمَّ فِي عَشْرَةٍ ، تَكُنْ تِسْعِينَ ، مَقْسُومَةً عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، ثُمَّ تَزِيدُ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهُ فِي مَخْرَجِ النِّصْفِ ، ثُمَّ فِي عَشْرَةٍ ، تَكُنْ ثَمَانِينَ ، مَقْسُومَةً عَلَى خَمْسَةٍ .
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا آخَرُ ، وَوَصَّى لِلْخَالِ بِعَشْرَةٍ وَرُبْعِ وَصِيَّتِهِ وَوَصَّى لَهُ بِعَشْرَةٍ وَرُبْعِ وَصِيَّةِ الْعَمِّ ، ضَرَبْت الْمَخَارِجَ ، وَنَقَصْتهَا وَاحِدًا ، تَكُنْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ ، فَهِيَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَزِيدُ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا ، وَتَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ تِسْعَةً ، فَزِدْهَا وَاحِدًا ، وَاضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ ، تَكُنْ أَرْبَعِينَ ، ثُمَّ فِي عَشْرَةٍ ، ثُمَّ اقْسِمْهَا تَخْرُجْ سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَتِسْعَةَ أَجْزَاءٍ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْعَمِّ ، ثُمَّ تَصْنَعُ فِي الْبَاقِينَ كَمَا ذَكَرْنَا ، فَتَكُونُ وَصِيَّةُ الْخَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ جُزْءًا ، وَوَصِيَّةُ الثَّالِثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ، وَإِنْ شِئْت بَعْدَ مَا عَمِلْت وَصِيَّةَ الْعَمِّ ، فَاضْرِبْ الزَّائِدَ مِنْ وَصِيَّتِهِ فِي اثْنَيْنِ ، فَهُوَ وَصِيَّةُ الْخَالِ ، وَاضْرِبْ الزَّائِدَ عَنْ الْعَشَرَةِ مِنْ وَصِيَّةِ الْخَالِ فِي ثَلَاثَةٍ ، فَهِيَ وَصِيَّةُ الْعَمِّ ، وَمَتَى عَرَفْت مَا مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، أَمْكَنَك مَعْرِفَةُ مَا مَعَ الْآخَرِينَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ هَذَا الْفَنِّ يَكْفِي ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ ، قَلِيلَةٌ ، وَفُرُوعَهُ كَثِيرَةٌ طَوِيلَةٌ ، وَغَيْرُهَا أَهَمُّ مِنْهَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا لِمَا يُرْضِيهِ ، إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ .

كِتَابُ الْفَرَائِضِ رَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ ؛ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ، وَسُنَّةٌ قَائِمَةٌ ، وَفَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ ، وَعَلِّمُوهُ ، فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ ، وَهُوَ يُنْسَى ، وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْتَزَعُ مِنْ أُمَّتِي } .
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ ، وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ ، حَتَّى يَخْتَلِفَ الرَّجُلَانِ فِي الْفَرِيضَةِ ، فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا .
} وَرَوَى سَعِيدٌ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ ؛ فَإِنَّهَا مِنْ دِينِكُمْ .
وَعَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ ، وَاللَّحْنَ ، وَالسُّنَّةَ ، كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ .
وَقَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَلْيَتَعَلَّمْ الْفَرَائِضَ .
وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك فِي أُحُدٍ شَهِيدًا ، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا ، وَلَا يُنْكَحَانِ إلَّا وَلَهُمَا مَالٌ .
قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَمِّهِمَا ، فَقَالَ : { أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ

الثُّلُثَيْنِ ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَك .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ ، فِي " مُسْنَدِهِ " ( 4814 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَرِثُ أَخٌ ، وَلَا أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ ، مَعَ ابْنٍ ، وَلَا مَعَ ابْنِ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ ، وَلَا مَعَ أَبٍ ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا ، بِحَمْدِ اللَّهِ ، وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَغَيْرُهُ .
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ ، فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } الْآيَةَ .
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، أَوْ مِنْ الْأَبِ ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ : { وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } .
وَهَذَا حُكْمُ الْعَصَبَةِ ، فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ ، خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْبَنَاتُ ، وَالْأُمُّ ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى مِيرَاثِهِمْ مَعَهُمَا ، بَقِيَ مَا عَدَاهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ بِثَلَاثَةٍ ؛ بِالِابْنِ ، وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَبِالْأَبِ .
وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَبِالْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ، } وَلِأَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ ، يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ .

( 4815 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يَرِثُ أَخٌ وَلَا أُخْتٌ لِأُمٍّ ، مَعَ وَلَدٍ ، ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى ، وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ ، وَلَا مَعَ أَبٍ ، وَلَا مَعَ جَدٍّ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ ، ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ ، يَسْقُطُونَ بِأَرْبَعَةٍ ؛ بِالْوَلَدِ ، وَوَلَدِ الِابْنِ ، وَالْأَبِ ، وَالْجَدِّ أَبِ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ، أَجْمَعَ عَلَى هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ ، فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ هَذَا ، إلَّا رِوَايَةً شَذَّتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ ، فِي أَبَوَيْنِ ، وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ ، لِلْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَلِلْأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ ، وَقِيلَ عَنْهُ : لَهُمَا ثُلُثُ الْبَاقِي .
وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا .
فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ بِالْجَدِّ ، فَكَيْفَ يُوَرِّثُ وَلَدَ الْأُمِّ مَعَ الْأَبِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ يَسْقُطُونَ بِالْجَدِّ ، فَكَيْفَ يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } .
وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَخُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَفِي قِرَاءَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : " وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ " ، وَالْكَلَالَةُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ : مَنْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ، وَلَا وَالِدٌ ، فَشَرَطَ فِي تَوْرِيثِهِمْ عَدَمَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ ، وَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ الْأَبَ وَالْجَدَّ .

( 4816 ) فَصْلٌ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكَلَالَةِ ، فَقِيلَ : الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ ، مَا عَدَا الْوَالِدَيْنِ ، وَالْمَوْلُودِينَ .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : الْكَلَالَةُ مَنْ عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ .
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ : وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ عَنْ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْإِكْلِيلِ الَّذِي يُحِيطُ بِالرَّأْسِ وَلَا يَعْلُو عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّ الْوَرَثَةَ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْمَيِّتِ مِنْ حَوْلِهِ ، لَا مِنْ طَرَفَيْهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ ، كَإِحَاطَةِ الْإِكْلِيلِ بِالرَّأْسِ .
فَأَمَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ فَهُمَا طَرَفَا الرَّجُلِ ، فَإِذَا ذَهَبَا كَانَ بَقِيَّةُ النَّسَبِ كَلَالَةً .
قَالَ الشَّاعِرُ : فَكَيْفَ بِأَطْرَافِي إذَا مَا شَتَمْتنِي وَمَا بَعْدَ شَتْمِ الْوَالِدَيْنِ صُلُوحُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ نَفْسِهِ ، الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ .
يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ .
وَقِيلَ : الْكَلَالَةُ قَرَابَةُ الْأُمِّ .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ الَّذِي أَنْشَدْنَاهُ ، عَنَى أَنَّكُمْ وَرِثْتُمْ الْمُلْكَ عَنْ آبَائِكُمْ لَا عَنْ أُمَّهَاتِكُمْ .
وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ كَلَالَةٌ ، وَيُسَمَّى وَارِثُهُ كَلَالَةً .
وَالْآيَتَانِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَالَةِ فِيهِمَا الْمَيِّتُ .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اسْمَ الْكَلَالَةِ يَقَعُ عَلَى الْإِخْوَةِ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا .
وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ جَابِرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْف الْمِيرَاثُ ؟ إنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ .
فَجَعَلَ الْوَارِثَ هُوَ الْكَلَالَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَجَابِرٍ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ .
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَالَةِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ زَيْدٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ،

وَالْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ .
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ .
وَالصَّحِيحُ عَنْهُمَا كَقَوْلِ الْجَمَاعَةَ .

( 4817 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ ، لَهُنًّ مَا فَضَلَ ، وَلَيْسَتْ لَهُنًّ مَعَهُنَّ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ ) الْعَصَبَةَ هُوَ الْوَارِثُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ مَا فَضَلَ عَنْهُ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ .
وَإِنْ انْفَرَدَ أَخَذَ الْكُلَّ .
وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ ، سَقَطَ .
وَالْمُرَادُ بِالْأَخَوَاتِ هَاهُنَا الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، أَوْ مِنْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ مَعَ الْوَلَدِ ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَزَيْدٍ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَمُعَاذٍ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَمَنْ تَابَعَهُ ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً ، فَقَالَ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ : لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ .
فَقِيلَ لَهُ : إنَّ عُمَرَ قَضَى بِخِلَافِ ذَلِكَ ، جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ .
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ ؟ يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } .
فَإِنَّمَا جَعَلَ لَهَا الْمِيرَاثَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْوَلَدِ .
وَالْحَقُّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فِي بِنْتٍ ، وَبِنْتِ ابْنٍ ، وَأُخْتٍ : لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَغَيْرُهُ .
وَاحْتِجَاجُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَلَدِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ، فَإِنَّ مَا تَأْخُذُ مَعَ الْبِنْتِ لَيْسَ بِفَرْضٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّعْصِيبِ ، كَمِيرَاثِ الْأَخِ .
وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ثُبُوتِ مِيرَاثِ الْأَخِ مَعَ الْوَلَدِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَهُوَ

يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } .
وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُط الْأَخُ ؛ لِاشْتِرَاطِهِ فِي تَوْرِيثِهِ مِنْهَا عَدَمَ وَلَدِهَا ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُبِينُ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِلْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ ، وَبِنْتِ الِابْنِ الْبَاقِيَ عَنْ فَرْضِهِمَا ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، وَلَوْ كَانَتْ ابْنَتَانِ وَبِنْتُ ابْنٍ ، لَسَقَطَتْ بِنْتُ الِابْنِ ، وَكَانَ لِلْأُخْتِ الْبَاقِي ، وَهُوَ الثُّلُثُ .
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُمٌّ فَلَهَا السُّدُسُ ، وَيَبْقَى لِلْأُخْتِ السُّدُسُ .
فَإِنْ كَانَ بَدَلُ الْأُمِّ زَوْجٌ ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ، وَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ ، وَبَقِيَ لِلْأُخْتِ نِصْفُ السُّدُسِ .
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُمٌّ ، عَالَتْ الْمَسْأَلَةُ ، وَسَقَطَتْ الْأُخْتُ .

( 4818 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَبَنَاتُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ بَنَاتٌ ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ فِي إرْثِهِنَّ ، وَحَجْبِهِنَّ لِمَنْ يَحْجُبُهُ الْبَنَاتُ ، وَفِي جَعْلِ الْأَخَوَاتِ مَعَهُنَّ عُصُبَاتٌ ، وَفِي أَنَّهُنَّ إذَا اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ بَنَاتُ الِابْنِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } .
وَوَلَدُ الْبَنِينَ أَوْلَادٌ ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا بَنِي آدَمَ } يُخَاطِبُ بِذَلِكَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ : { يَا بَنِي إسْرَائِيلَ } يُخَاطِبُ بِذَلِكَ مَنْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ .

( 4819 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ كُنَّ بَنَاتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ ، فَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ ، وَلَيْسَ لِبَنَاتِ الِابْنِ شَيْءٌ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبهُنَّ فِيمَا بَقِيَ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ ، إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ فَرْضَهُمَا النِّصْفُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } .
فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لَيْسَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ .
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَخِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ : " أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ " وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَخَوَاتِ : { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } .
وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرِثُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ النِّصْفَ فَلِلِاثْنَتَيْنِ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ ، كَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ ، وَكُلُّ عَدَدٍ يَخْتَلِفُ فَرْضُ وَاحِدِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ فَلِلِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِثْلُ فَرْضِ الْجَمَاعَةِ ، كَوَلَدِ الْأُمِّ ، وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، أَوْ مِنْ الْأَبِ ، فَأَمَّا الثَّلَاثُ مِنْ الْبَنَاتِ فَمَا زَادَ ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرَضَهُنَّ الثُّلُثَانِ ، وَأَنَّهُ ثَابِتٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } .
وَاخْتُلِفَ فِيمَا ثَبَتَ بِهِ فَرْضُ الِابْنَتَيْنِ ، فَقِيلَ : ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ ، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ ، وَفَوْقَ صِلَةٌ ، كَقَوْلِهِ : { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ } .
أَيْ اضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ .
وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، أَرْسَلَ إلَى أَخِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ : " أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ " .
وَهَذَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ ، وَبَيَانٌ لِمَعْنَاهَا ، وَاللَّفْظُ إذَا فُسِّرَ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالْمُفَسَّرِ لَا بِالتَّفْسِيرِ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ قِصَّةُ بِنْتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَسُؤَالُ أُمِّهِمَا عَنْ شَأْنِهِمَا فِي مِيرَاثِ أَبِيهِمَا .
وَقِيلَ : بَلْ ثَبَتَ بِهَذِهِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ .
وَقِيلَ : بَلْ ثَبَتَ بِالتَّنْبِيهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
وَقِيلَ : بَلْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ .
وَقِيلَ : بِالْقِيَاسِ .
وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا حُكْمٌ قَدْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ ، وَتَوَارَدَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّهَا ، فَلَا يَضُرُّنَا أَيُّهَا أَثْبَتَهُ .
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَنَاتِ الصُّلْبِ مَتَى اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ ، سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ ، مَا لَمْ يَكُنْ بِإِزَائِهِنَّ ، أَوْ أَسْفَلِ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ يَعْصِبُهُنَّ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْأَوْلَادِ إذَا كَانُوا نِسَاءً إلَّا الثُّلُثَيْنِ ، قَلِيلَاتٍ كُنَّ أَوْ كَثِيرَاتٍ ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْرُجْنَ عَنْ كَوْنِهِنَّ نِسَاءً مِنْ الْأَوْلَادِ ، وَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ لِوَلَدِ الصُّلْبِ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُنَّ شَيْءٌ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكْنَ بَنَاتِ الصُّلْبِ ؛ لِأَنَّهُنَّ دُونَ دَرَجَتِهِنَّ ، فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ ، كَأَخِيهِنَّ ، أَوْ ابْنِ عَمِّهِنَّ ، أَوْ أَنْزَلَ مِنْهُنَّ كَابْنِ أَخِيهِنَّ ، أَوْ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ ، أَوْ ابْنِ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ ، عَصَبَهُنَّ فِي الْبَاقِي ، فَجُعِلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَزَيْدٍ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَبِهِ قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ إلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ وَمَنْ تَبِعَهُ ؛ فَإِنَّهُ خَالَفَ الصَّحَابَةَ فِي سِتِّ مَسَائِلَ مِنْ الْفَرَائِضِ ، هَذِهِ إحْدَاهُنَّ ، فَجَعَلَ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ دُونَ أَخَوَاتِهِ .

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ مِنْ الْأَوْلَادِ لَا يَرِثْنَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ انْفَرَدْنَ ، وَتَوْرِيثُهُنَّ هَاهُنَا يُفْضِي إلَى تَوْرِيثِهِنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَهَؤُلَاءِ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ ؛ بِدَلِيلِ تَنَاوُلِهِ لَهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَنَاتٌ .
وَعَدَمُ الْبَنَاتِ لَا يُوجِبُ لَهُمْ هَذَا الِاسْمَ .
وَلِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَقْتَسِمُونَ الْمَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ ، يَجِبُ أَنْ يَقْتَسِمَا الْفَاضِلَ عَنْهُ ، كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ ، وَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَخَوَاتِ وَمَا ذَكَرُوهُ فَهُوَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِلْفَرْضِ .
فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ بِالتَّعْصِيبِ ، فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِأَوْلَادِ الصُّلْبِ ، وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثَمَّ ، وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ بِمَا إذَا خَلَّفَ ابْنًا وَسِتَّ بَنَاتٍ ، فَإِنَّهُنَّ يَأْخُذْنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ .
وَإِنْ كُنَّ ثَمَانِيًا ، أَخَذْنَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ .
وَإِنْ كُنَّ عَشْرًا ، أَخَذْنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ .
وَكُلَّمَا زِدْنَ فِي الْعَدَدِ ، زَادَ اسْتِحْقَاقُهُنَّ .

( 4820 ) فَصْلٌ : وَابْنُ ابْنِ الِابْنِ يَعْصِبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَخَوَاتِهِ ، وَبَنَاتِ عَمِّهِ ، وَبَنَاتِ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِ ، عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَيَعْصِبُ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ عَمَّاتِهِ ، وَبَنَاتِ عَمِّ أَبِيهِ ، وَمَنْ فَوْقَهُنَّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُنَّ ذَوَاتَ فَرْضٍ ، وَيُسْقِطُ مَنْ هُوَ أُنْزَلُ مِنْهُ ، كَبَنَاتِهِ ، وَبَنَاتِ أَخِيهِ ، وَبَنَاتِ ابْنِ عَمِّهِ .
فَلَوْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ خَمْسَ بَنَاتِ ابْنٍ .
بَعْضُهُنَّ أَنْزَلُ مِنْ بَعْضٍ ، لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ ، وَعَصَبَةٌ ، كَانَ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ ، وَلِلثَّانِيَةِ السُّدُسُ ، وَسَقَطَ سَائِرُهُنَّ ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ .
فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعُلْيَا أَخُوهَا ، أَوْ ابْنُ عَمِّهَا ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَسَقَطَ سَائِرُهُنَّ .
فَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّانِيَةِ عَصَبهَا ، وَكَانَ لِلْعُلْيَا النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّالِثَةِ ، فَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ ، وَلِلثَّانِيَةِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّابِعَةِ فَلِلْعُلْيَا النِّصْفُ ، وَلِلثَّانِيَةِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ .
وَإِنْ كَانَ مَعَ الْخَامِسَةِ ، فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ .
وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْ الْخَامِسَةِ ، فَكَذَلِكَ .
وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بَنِي الِابْنِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثَيْنِ .

( 4821 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَبَنَاتُ ابْنٍ ، فَلِابْنَةِ الصُّلْبِ النِّصْفُ ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسِ ، تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ لِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ النِّصْفَ ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ ، أَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ الثَّانِي ، أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ بِنْتُ ابْنٍ ، أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ ، فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِبَنَاتِ الِابْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ ، تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ .
وَهَذَا أَيْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { : فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } .
فَفَرَضَ لِلْبَنَاتِ كُلِّهِنَّ الثُّلُثَيْنِ .
وَبَنَاتُ الصُّلْبِ ، وَبَنَاتُ الِابْنِ كُلُّهُنَّ نِسَاءٌ مِنْ الْأَوْلَادِ ، فَكَانَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ بِفَرْضِ الْكِتَابِ ، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ .
وَاخْتُصَّتْ بِنْتُ الصُّلْبِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ لَهَا ، وَالِاسْمُ مُتَنَاوِلٌ لَهَا حَقِيقَةً ، فَيَبْقَى لِلْبَقِيَّةِ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ .
وَقَدْ رَوَى هُذَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيُّ قَالَ : { سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ابْنَةٍ ، وَابْنَةِ ابْنٍ ، وَأُخْتٍ ، فَقَالَ : لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ .
فَأَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ ، وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى ، فَقَالَ : { لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ } ، وَلَكِنْ أَقْضِي فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِابْنِهِ النِّصْفُ ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ ، تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ .
فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ : لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ الْحَبْرُ فِيكُمْ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِنَحْوِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ ، إذَا كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ فَإِنَّهُ يَعْصِبهُنَّ فِيمَا بَقِيَ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، إلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ فِي مَنْ تَابَعَهُ ، فَإِنَّهُ خَالَفَ الصَّحَابَةَ فِيهَا .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي انْفَرَدَ فِيهَا عَنْ الصَّحَابَةِ ، فَقَالَ : لِبَنَاتِ الِابْنِ الْأَضَرُّ بِهِنَّ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ السُّدُسُ ، فَإِنْ كَانَ السُّدُسُ أَقَلَّ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُنَّ بِالْمُقَاسَمَةِ ، فَرَضَهُ لَهُنَّ ، وَأَعْطَى الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ لَهُنَّ بِالْمُقَاسَمَةِ أَقَلَّ ، قَاسَمَ بِهِنَّ .
وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَا يَعْصِبُهَا أَخُوهَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ ، إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ فِي الْمُقَاسَمَةِ إذَا كَانَ أَضَرَّ بِهِنَّ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُنَّ السُّدُسَ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَلِأَنَّهُ يُقَاسِمُهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَهُمَا ، فَقَاسَمَهَا مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ أَضَرَّ بِهِنَّ .
وَأَصِلُهُ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ فَاسِدٌ ، كَمَا قَدَّمْنَا .

( 4822 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ بَنَاتِ ابْنِ الِابْنِ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ، حُكْمُ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ ، فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَفِي أَنَّهُ مَتَى اسْتَكْمَلَ مَنْ فَوْقَ السُّفْلَى الثُّلُثَيْنِ ، سَقَطَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَعْصِبُهَا ، سَوَاءٌ كَمَّلَ الثُّلُثَانِ لِمَنْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ لِلْعُلْيَا ، أَوْ الَّتِي تَلِيهَا .
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ مَعَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ .
وَقَدْ مَثَّلْنَا ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي أُخَرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ .

( 4823 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، إذَا لَمْ يَكُنْ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَإِنْ كَانَ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ ، فَلِلْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ ، وَلَيْسَ لِلْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ شَيْءٌ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
فَإِنْ كَانَتْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ ، فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ، وَلِلْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ ، تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ فَيَعْصِبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كُلُّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ خِلَافِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ تَبِعَهُ ، لِسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ فِي وَلَدِ الْأَبِ إذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ دُونَ الْإِنَاثِ .
فَإِنْ كَانَتْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَبَوَيْنِ ، وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ مِنْ أَبٍ ، جَعَلَ لِلْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ الْأَضَرَّ بِهِنَّ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ السُّدُسِ ، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لِلذُّكُورِ .
كَفِعْلِهِ فِي وَلَدِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ ، عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ وَشَرْحُهُ ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ حُجَّتِهِ وَجَوَابِهَا ، بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ .
فَأَمَّا فَرْضُ الثُّلُثَيْنِ لِلْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا ، وَالنِّصْفِ لِلْوَاحِدَةِ الْمُفْرَدَةِ ، فَثَابِتٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } .
وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ، وَوَلَدُ الْأَبِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَرَوَى جَابِرٌ

، قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلِي أَخَوَاتٌ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرًا اشْتَكَى وَعِنْدَهُ سَبْعُ أَخَوَاتٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَخَوَاتِك } .
فَبَيَّنَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ .
وَمَا زَادَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فِي حُكْمِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ، فَالثَّلَاثُ أُخْتَانِ فَصَاعِدًا .
وَأَمَّا سُقُوطُ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ ، بِاسْتِكْمَالِ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا فَرَضَ لِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَيْنِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ، لَمْ يَبْقَ مِمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَخَوَاتِ شَيْءٌ يَسْتَحِقُّهُ وَلَدُ الْأَبِ ، فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، فَلَهَا النِّصْفُ بِنَصِّ الْكِتَابِ ، وَبَقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ الْمَفْرُوضَةِ لِلْأَخَوَاتِ سُدُسٌ ، يُكَمَّلُ بِهِ الثُّلُثَانِ ، فَيَكُونُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ .
وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ : لَهُنَّ السُّدُسُ ، تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْأَبِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا ، فَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَلَا يُفَارِقُ وَلَدُ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَلَدَ الِابْنِ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ ، إلَّا فِي أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ يَعْصِبُهَا ابْنُ أَخِيهَا وَمَنْ هُوَ أَنْزَلُ مِنْهَا ، وَالْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ لَا يَعْصِبُهَا إلَّا أَخُوهَا ، فَلَوْ اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ، وَثَمَّ أَخَوَاتٌ مِنْ أَبٍ وَابْنِ أَخٍ لَهُنَّ ، لَمْ يَكُنْ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ شَيْءٌ ، وَكَانَ الْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ ابْنٌ ، وَابْنَ الْأَخِ لَيْسَ بِأَخٍ .

( 4824 ) فَصْلٌ : أَرْبَعَةٌ مِنْ الذُّكُورِ يَعْصِبُونَ أَخَوَاتِهِمْ ، فَيَمْنَعُونَهُنَّ الْفَرْضَ ، وَيَقْتَسِمُونَ مَا وَرِثُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَهُمْ الِابْنُ ، وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ نَزَلَ ، وَالْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ .
وَسَائِرُ الْعُصُبَاتِ يَنْفَرِدُ الذُّكُورُ بِالْمِيرَاثِ دُونَ الْإِنَاثِ ، وَهُمْ بَنُو الْأَخِ وَالْأَعْمَامِ ، وَبَنُوهُمْ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فَهَذِهِ الْآيَةُ تَنَاوَلَتْ الْأَوْلَادَ ، وَأَوْلَادَ الِابْنِ .
وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
فَتَنَاوَلَتْ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ ، وَوَلَدَ الْأَبِ .
وَإِنَّمَا اشْتَرَكُوا ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كُلَّهُمْ وُرَّاثٌ ، فَلَوْ فُرِضَ لِلنِّسَاءِ فَرْضٌ أَفْضَى إلَى تَفْضِيلِ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ، أَوْ مُسَاوَاتِهَا إيَّاهُ ، أَوْ إسْقَاطِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَكَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ أَعْدَلَ وَأَوْلَى .
وَسَائِرُ الْعُصُبَاتِ لَيْسَ أَخَوَاتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ ، فَإِنَّهُنَّ لَسْنَ بِذَوَاتِ فَرْضٍ ، وَلَا يَرِثْنَ مُنْفَرِدَاتٍ ، فَلَا يَرِثْنَ مَعَ إخْوَتِهِنَّ شَيْئًا .
وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، بِحَمْدِ اللَّهِ وَمِنَّتِهِ .

( 4825 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا أَخٌ وَاحِدٌ أَوْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ، وَلَا وَلَدُ ابْنٍ .
فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ، أَوْ أَخَوَانِ ، أَوْ أُخْتَانِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا السُّدُسُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ : حَالٌ تَرِثُ فِيهَا الثُّلُثَ بِشَرْطَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، عَدَمُ الْوَلَدِ ، وَوَلَدِ الِابْنِ ، مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ .
وَالثَّانِي ، عَدَمُ الِابْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانُوا ، ذُكُورًا وَإِنَاثًا ، أَوْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا ، فَلَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ الثُّلُثُ .
بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
الْحَالُ الثَّانِي ، لَهَا السُّدُسُ ، إذَا لَمْ يَجْتَمِعْ الشَّرْطَانِ ، بَلْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ ، أَوْ وَلَدُ ابْنٍ ، أَوْ اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ .
فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إلَّا ثَلَاثَةٌ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } .
وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ .
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً فِي لِسَانِ قَوْمِكَ ، فَلَمْ تَحْجُبُ بِهِمَا الْأُمَّ ؟ فَقَالَ : لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا كَانَ قَبْلِي ، وَمَضَى فِي الْبُلْدَانِ ، وَتَوَارَثَ النَّاسُ بِهِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ عُثْمَانَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ تَمَّ قَبْلَ مُخَالِفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلِأَنَّ كُلَّ حَجْبٍ تَعَلَّقَ بِعَدَدٍ كَانَ أَوَّلُهُ اثْنَيْنِ ، كَحَجْبِ الْبَنَاتِ بَنَاتِ الِابْنِ ، وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ ، وَالْإِخْوَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاثْنَيْنِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي أَخٍ وَأُخْتٍ .
وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَجْعَلُ

الِاثْنَيْنِ جَمْعًا حَقِيقَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ مَجَازًا ، فَيَصْرِفُ إلَيْهِ بِالدَّلِيلِ .
وَلَا فَرْقَ فِي حَجْبِهَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إخْوَةً } .
وَهَذَا يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً } .
فَفَسَّرَهُمْ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
الْحَالُ الثَّالِثُ ، إذَا كَانَ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ ، أَوْ امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ ، فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي ، بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ .
وَهَذِهِ يَأْتِي ذِكْرُهَا ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( 4826 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ ، أَوْ وَلَدِ الِابْنِ ، إلَّا السُّدُسُ ، فَإِنْ كُنَّ بَنَاتٍ كَانَ لَهُ مَا فَضَلَ .
يَعْنِي ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، كَانَ لَهُ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَنْ يُفْرَضَ لَهُ السُّدُسُ ، فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ؛ حَالٌ يَرِثُ فِيهَا بِالْفَرْضِ ، وَهِيَ مَعَ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَمَنْ مَعَهُ .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } .
الْحَالُ الثَّانِيَةُ ، يَرِثُ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ الْمُجَرَّدِ ، وَهِيَ مَعَ غَيْرِ الْوَلَدِ ، فَيَأْخُذُ الْمَالَ إنْ انْفَرَدَ .
وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ غَيْرُ الْوَلَدِ ، كَزَوْجٍ ، أَوْ أُمٍّ ، أَوْ جَدَّةٍ ، فَلِذِي الْفَرْضِ فَرْضُهُ ، وَبَاقِي الْمَالِ لَهُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } .
فَأَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَيْهِمَا ، ثُمَّ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ ، فَكَانَ الْبَاقِي لِلْأَبِ ، ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } .
فَجَعَلَ لِلْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ السُّدُسَ ، وَلَمْ يَقْطَعْ إضَافَةَ الْمِيرَاثِ إلَى الْأَبَوَيْنِ ، وَلَا ذَكَرَ لِلْإِخْوَةِ مِيرَاثًا ، فَكَانَ الْبَاقِي كُلُّهُ لِلْأَبِ .
الْحَالُ الثَّالِثَةُ ، يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ ؛ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ ، وَهِيَ مَعَ إنَاثِ الْوَلَدِ ، أَوْ وَلَدِ الِابْنِ ، فَلَهُ السُّدُسُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } .
وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبِ السُّدُسُ مَعَ الْبِنْتِ بِالْإِجْمَاعِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ بِالتَّعْصِيبِ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْأَبُ أَوْلَى رَجُلٍ بَعْدَ الِابْنِ وَابْنِهِ .
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى

هَذَا كُلِّهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ اخْتِلَافٌ نَعْلَمُهُ .

( 4827 ) فَصْلٌ : وَالْجَدُّ كَالْأَبِ فِي أَحْوَالِهِ الثَّلَاثِ ، وَلَهُ حَالٌ رَابِعٌ مَعَ الْإِخْوَةِ يُذْكَرُ فِي بَابِهِ ، وَيَسْقُطُ بِالْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِهِ ، فَيَسْقُطُ بِهِ ، كَالْإِخْوَةِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جَدٍّ يَسْقُطُ بِابْنِهِ ؛ لِكَوْنِهِ يُدْلِي بِهِ .
وَيَنْقُصُ الْجَدُّ عَنْ رُتْبَةِ الْأَبِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ ، أَوْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ، فَيُفْرَضُ لِلْأُمِّ فِيهِمَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَبَاقِيهِ لِلْجَدِّ ، بِخِلَافِ الْأَبِ .

( 4828 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ ، فَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ ، فَلَهُ الرُّبُعُ ، وَلِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَرْبَعًا ، إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ ذُو فَرْضٍ ، لَا يَرِثَانِ بِغَيْرِهِ .
وَفَرْضُ الزَّوْجِ النِّصْفُ مَعَ عَدَمِ وَلَدِ الْمَيِّتَةِ وَوَلَدِ ابْنِهَا ، وَالرُّبُعُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ .
وَفَرْضُ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ مَعَ عَدَمِ وَلَدِ الزَّوْجِ وَوَلَدِ ابْنِهِ ، وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ الْوَاحِدُ وَالْأَرْبَعُ سَوَاءٌ .
بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } .
وَإِنَّمَا جَعَلَ لِلْجَمَاعَةِ مِثْلَ مَا لِلْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الرُّبُعُ ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ ، لَأَخَذْنَ جَمِيعَ الْمَالِ ، وَزَادَ فَرْضُهُنَّ عَلَى فَرْضِ الزَّوْجِ .
وَمِثْلُ هَذَا فِي الْجَدَّاتِ لِلْجَمَاعَةِ مِثْلُ مَا لِلْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ لَوْ أَخَذَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ السُّدُسَ ، لَأَخَذْنَ النِّصْفَ ، فَزِدْنَ عَلَى مِيرَاثِ الْجَدِّ .
فَأَمَّا سَائِرُ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ ، كَالْبَنَاتِ ، وَبَنَاتِ الِابْنِ ، وَالْأَخَوَاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ كُلِّهِنَّ ، فَإِنَّ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ مِثْلَ مَا لِلِاثْنَتَيْنِ ، عَلَى مَا ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَزِدْنَ عَلَى فَرْضِ ؛ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ الَّذِي يَرِثُ فِي دَرَجَتِهِنَّ لَا فَرْضَ لَهُ ، إلَّا وَلَدَ الْأُمِّ ، فَإِنَّ ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ ، وَقَرَابَةِ الْأُمِّ الْمُجَرَّدَةِ .

( 4829 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ .
وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ .
وَابْنُ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ إذَا كَانَ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ .
وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ .
وَابْنُ الْعَمِّ وَإِنْ سَفَلَ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ هَذَا فِي مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ ، وَهُمْ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ ، وَآبَائِهِ ، وَأَوْلَادِهِمْ ، وَلَيْسَ مِيرَاثُهُمْ مُقَدَّرًا ، بَلْ يَأْخُذُونَ الْمَالَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ لَا يَسْقُطُ بِهِمْ أَخَذُوا الْفَاضِلَ عَنْ مِيرَاثِهِ كُلِّهِ ، وَأَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ ، وَيَسْقُطُ بِهِ مَنْ بَعُدَ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } .
وَأَقْرَبُهُمْ الْبَنُونَ ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ، يُسْقِطُ قَرِيبُهُمْ بَعِيدَهُمْ ، ثُمَّ الْأَبُ ، ثُمَّ آبَاؤُهُ وَإِنْ عَلَوْا ، الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ ، ثُمَّ بَنُو الْأَبِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ، الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ .
وَيَسْقُطُ الْبَعِيدُ بِالْقَرِيبِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَرِيبُ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ وَحْدَهُ .
فَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى ؛ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِ بِالْأُمِّ ، فَلِهَذَا قَالَ : ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ .
لِأَنَّهُمَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأَبِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ ابْنِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا ، وَمَهْمَا بَقِيَ مِنْ بَنِي الْأَخِ أَحَدٌ ، وَإِنْ سَفَلَ ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ ، وَالْعَمُّ مِنْ وَلَدِ الْجَدِّ .
فَإِذَا انْقَرَضَ الْإِخْوَةُ

وَبَنُوهُمْ ، فَالْمِيرَاثُ لِلْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنِيهِمْ ، عَلَى هَذَا النَّسَقِ ، إنْ اسْتَوَتْ دَرَجَتُهُمْ قُدِّمَ مَنْ هُوَ لِأَبَوَيْنِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قُدِّمَ الْأَعْلَى ، وَإِنْ كَانَ لِأَبٍ ، وَمَهْمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَإِنْ سَفَلَ ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَامَ مِنْ وَلَدِ الْجَدِّ ، وَأَعْمَامَ الْأَبِ مِنْ وَلَدِ أَبِ الْجَدِّ ، فَإِذَا انْقَرَضُوا ، فَالْمِيرَاثُ لِأَعْمَامِ الْأَبِ عَلَى هَذَا النَّسَقِ ، ثُمَّ لِأَعْمَامِ الْجَدِّ ، ثُمَّ بَنِيهِمْ ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا ، لَا يَرِثُ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ ؛ لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ .

( 4830 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ ، أُعْطِيَ الزَّوْجُ النِّصْفَ ، وَالْأُمُّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ .
وَإِذَا كَانَتْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ ، أُعْطِيت الزَّوْجَةُ الرُّبُعَ ، وَالْأُمُّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ .
هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تُسَمَّيَانِ الْعُمَرِيَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِيهِمَا بِهَذَا الْقَضَاءِ ، فَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عُثْمَانُ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُلُثَ الْمَالِ كُلَّهُ لِلْأُمِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لَهَا الثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ ، وَلَيْسَ هَاهُنَا وَلَدٌ وَلَا إخْوَةٌ .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٌ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ ، وَكَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا لِلْأُمِّ ثُلُثَ الْمَالِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ ، لَفَضَّلْنَاهَا عَلَى الْأَبِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ ، لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ .
وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } .
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } .
وَالْأَبُ هَاهُنَا عَصَبَةٌ ؛ فَيَكُونُ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَهُ جَدٌّ ، وَالْحُجَّةُ مَعَهُ لَوْلَا انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا جَمَعَتْ أَبَوَيْنِ وَذَا فَرْضٍ ، كَانَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ بِنْتٌ وَيُخَالِفُ الْأَبُ الْجَدَّ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي دَرَجَتِهَا ، وَالْجَدَّ أَعْلَى مِنْهَا .
وَمَا ذَهَبَ

إلَيْهِ ابْنُ سِيرِينَ تَفْرِيقٌ فِي مَوْضِعٍ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهِ ، ثُمَّ إنَّهُ مَعَ الزَّوْجِ يَأْخُذُ مِثْلَيْ مَا أَخَذَتْ الْأُمُّ ، كَذَلِكَ مَعَ الْمَرْأَةِ ، قِيَاسًا عَلَيْهِ .

قَالَ : ( 4831 ) مَسْأَلَةٌ ( وَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَإِخْوَةٌ مِنْ أُمٍّ وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْأُخُوَّةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَسَقَطَ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ) .
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى الْمُشْرَكَةَ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَاثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَعَصَبَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ .
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُشْرَكَةَ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ شَرَكَ فِيهَا بَيْنَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ الْأُمِّ فِي فَرْضِ وَلَدِ الْأُمِّ ، فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، وَتُسَمَّى الْحِمَارِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْقَطَ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَيْسَتْ أُمُّنَا وَاحِدَةً ؟ فَشَرَكَ بَيْنَهُمْ .
وَيُقَالُ : إنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ ذَلِكَ فَسُمِّيَتْ الْحِمَارِيَّةَ لِذَلِكَ .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا إلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثَ ، وَسَقَطَ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَقَدْ تَمَّ الْمَالُ بِالْفُرُوضِ .
وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَالْعَنْبَرِيُّ ، وَشَرِيكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ ، وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، أَنَّهُمْ شَرَكُوا بَيْنَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ ، فَقَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَإِسْحَاقُ ؛ لِأَنَّهُمْ سَاوَوْا وَلَدَ

الْأُمِّ فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي يَرِثُونَ بِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ يُسَاوُوهُمْ فِي الْمِيرَاثِ ؛ فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَقَرَابَتُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إنْ لَمْ تَزِدْهُمْ قُرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسْقِطَهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَبَعْضُ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ لِعُمَرَ وَقَدْ أَسْقَطَهُمْ : هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا ، فَمَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إلَّا قُرْبًا فَشَرَكَ بَيْنَهُمْ .
وَحَرَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا قِيَاسًا ، فَقَالَ : فَرِيضَتُهُ جَمَعَتْ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَوَلَدَ الْأُمِّ ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَإِذَا وَرِثَ وَلَدُ الْأُمِّ ، وَجَبَ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَوْجٌ .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى الْخُصُوصِ ، فَمَنْ شَرَكَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ ، فَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْأُخْرَى ، وَهِيَ قَوْلُهُ : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
يُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ سَائِرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، وَهُمْ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ ، بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ } .
وَمَنْ شَرَكَ فَلَمْ يُلْحِقْ الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ عَصَبَةٌ لَا فَرْضَ لَهُمْ ، وَقَدْ تَمَّ الْمَالُ بِالْفُرُوضِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطُوا ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ وَلَدِ الْأُمِّ ابْنَتَانِ .
وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَمِائَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ ،

لَكَانَ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ ، وَلِلْمِائَةِ السُّدُسُ الْبَاقِي ، لِكُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ عُشْرِهِ ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَفْضُلَهُمْ الْوَاحِدُ هَذَا الْفَضْلَ كُلَّهُ ، لِمَ لَا يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ إسْقَاطُهُمْ ؟ وَقَوْلُهُمْ : تَسَاوَوْا فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ .
قُلْنَا : فَلِمَ لَمْ يُسَاوُوهُمْ فِي الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؟ وَعَلَى أَنَّا نَقُولُ : إنْ سَاوَوْهُمْ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ فَقَدْ فَارَقُوهُمْ فِي كَوْنِهِمْ عَصَبَةً مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْفُرُوضِ .
وَهَذَا الَّذِي افْتَرَقُوا فِيهِ هُوَ الْمُقْتَضِي لِتَقْدِيمِ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَتَأْخِيرِ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ .
فَإِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ ذَوِي الْفُرُوضِ ، وَتَأْخِيرِ الْعَصَبَةِ ، وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْقَدْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَشِبْهِهَا ، فَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ وَإِنْ سَقَطَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ كَغَيْرِهِ ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي زَوْجٍ وَأُخْتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتٍ مِنْ أَبٍ مَعَهَا أَخُوهَا ، إنَّ الْأَخَ يَسْقُطُ وَحْدَهُ ، فَتَرِثُ أُخْتُهُ السُّبْعَ ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهَا مَعَ وُجُودِهِ كَقَرَابَتِهَا مَعَ عَدَمِهِ ، وَهُوَ لَمْ يَحْجُبْهَا ، فَهَلَّا عَدُّوهُ حِمَارًا ، وَوَرَّثُوهَا مَعَ وُجُودِهِ كَمِيرَاثِهَا مَعَ عَدَمِهِ ؟ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقِيَاسِ طَرْدِيٌّ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ ، قَالَ الْعَنْبَرِيُّ : الْقِيَاسُ مَا قَالَ عَلِيٌّ ، وَالِاسْتِحْسَانُ مَا قَالَ عُمَرُ .
قَالَ الْخَبْرِيُّ : وَهَذِهِ وَسَاطَةٌ مَلِيحَةٌ ، وَعِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، إلَّا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الشَّرْعِ ، فَإِنَّهُ وَضْعٌ لِلشَّرْعِ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ دَلِيل ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الْمُعَارِضِ ، فَكَيْفَ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا يُخَالِفُ ظَاهَرَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَمِنْ الْعَجَبِ ذَهَابُ الشَّافِعِيِّ إلَيْهِ هَاهُنَا ، مَعَ تَخْطِئَتِهِ الذَّاهِبِينَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَقَوْلُهُ : مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَعَ .
وَمُوَافَقَتُهُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْلَى .

( 4832 ) فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَ مَكَان وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ عَصَبَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ سَقَطَ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَلَمْ يُوَرِّثْهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْنَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُسَاوُوا وَلَدَ الْأُمِّ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُمْ أَخَوَاتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَبٍ ، فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ ، وَعَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى عَشْرَةٍ ، فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ ، إلَّا فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ تَابَعَهُ ، مِمَّنْ لَا يَرَى الْعَوْلَ ، فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ النَّقْصَ عَلَى الْأَخَوَاتِ غَيْرِ وَلَدِ الْأُمِّ ، فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ سُقُوطُ الْأَخَوَاتِ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ ، كَمَا لَوْ كَانُوا إخْوَةً ، وَسَنُبَيِّنُ أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُ ذَلِكَ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( 4833 ) فَصْلٌ : إذَا قِيلَ امْرَأَةٌ خَلَّفَتْ أُمًّا ، وَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا زَوْجٌ وَالْآخَرُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ وَثَلَاثَةَ إخْوَةٍ مُفْتَرِقِينَ ، فَقُلْ : هَذِهِ الْمُشْرَكَةُ ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَسَقَطَ الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبِ .
وَمَنْ شَرَكَ جَعَلَ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ التُّسْعَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ تُسْعًا .

( 4834 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأُمٍّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْإِخْوَةِ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ ، وَلِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ، وَلِلْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ السُّدُسُ ) أَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ ، فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، إلَّا رِوَايَةً شَذَّتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ فَضَّلَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } .
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ } .
فَسَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَقَوْلُهُ : { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } .
مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ لَبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ بِشَيْءٍ أَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِهِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى ، فَالْمُرَادُ بِهَا وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ، وَوَلَدُ الْأَبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفَ وَلِلِاثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ، وَجَعَلَ الْأَخَ يَرِثُ أُخْتَهُ الْكَلَّ ثُمَّ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلٍ شَاذٍّ ، وَتَوْرِيثُ وَلَدِ الْأُمِّ هَاهُنَا الثُّلُثَ وَالْأُمِّ السُّدُسَ وَالزَّوْجِ النِّصْفَ ، تَسْمِيَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا أَيْضًا .
وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوضٌ يَضِيقُ الْمَالُ عَنْهَا ، فَإِنَّ النِّصْفَ لِلزَّوْجِ ، وَالنِّصْفَ لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، يَكْمُلُ الْمَالُ بِهِمَا ، وَيَزِيدُ ثُلُثُ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَسُدُسُ الْأُمِّ ، وَسُدُسُ الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ ، فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ بِثُلُثَيْهَا ، وَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةِ أَسْهُمٍ ، فَتَعُولُ إلَى عَشْرَةٍ ، وَتُسَمَّى أُمَّ الْفُرُوخِ ؛ لِكَثْرَةِ عَوْلِهَا ، شَبَّهُوا أَصْلَهَا بِالْأُمِّ ، وَعَوْلَهَا بِفُرُوخِهَا ، وَلَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَسْأَلَةٌ تَعُولُ

بِثُلُثَيْهَا سِوَى هَذِهِ وَشِبْهِهَا ، وَلَا بُدَّ فِي أَمِّ الْفُرُوخِ مِنْ زَوْجٍ وَاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ، مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ ، وَاثْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ ، أَوْ الْأَبِ ، أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ ، وَالْأُخْرَى مِنْ وَلَدِ الْأَبِ ، فَمَتَى اجْتَمَعَ فِيهَا هَذَا ، عَالَتْ إلَى عَشْرَةٍ ، وَمَعْنَى الْعَوْلِ أَنْ تَزْدَحِمَ فُرُوضٌ لَا يَتَّسِعُ الْمَالُ لَهَا ، كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ فُرُوضِهِمْ ، كَمَا يُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ ؛ لِضِيقِ مَالِهِ عَنْ وَفَائِهِمْ ، وَمَالُ الْمَيِّتِ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ إذَا لَمْ يَفِ لَهَا ، وَالثُّلُثُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْوَصَايَا إذَا عَجَزَ عَنْهَا .
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَالْعَبَّاسِ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَزَيْدٍ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُهُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَطَائِفَةً شَذَّتْ يَقِلُّ عَدَدُهَا .
نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَدَاوُد ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَا تَعُولُ الْمَسَائِلُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ ، فِي زَوْجٍ ، وَأُخْتٍ ، وَأُمٍّ : مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ الْمَسَائِلَ لَا تَعُولُ ، إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجَ عَدَدًا أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَالٍ نِصْفًا ، وَنِصْفًا ، وَثُلُثًا ، هَذَانِ نِصْفَانِ ذَهَبَا بِالْمَالِ ، فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ ؟ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الْمُبَاهَلَةِ لِذَلِكَ ، وَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ عَائِلَةٍ حَدَثَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ لِلْمَشُورَةِ فِيهَا ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ أَرَى أَنْ تَقْسِمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى

قَدْرِ سِهَامِهِمْ .
فَأَخَذَ بِهِ عُمَرُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى خَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَرَوَى الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، قَالَ : لَقِيت زُفَرَ بْنَ أَوْسٍ الْبَصْرِيَّ ، فَقَالَ : نَمْضِي إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ نَتَحَدَّثُ عِنْدَهُ ، فَأَتَيْنَاهُ ، فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَهُ ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ ، أَنَّهُ قَالَ : سُبْحَانَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجَ عَدَدًا ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِي مَالٍ نِصْفًا ، وَنِصْفًا ، وَثُلُثًا ، ذَهَبَ النِّصْفَانِ بِالْمَالِ ، فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ ، وَأَيْمُ اللَّهِ ، لَوْ قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ ، وَأَخَّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ ، مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ أَبَدًا ، فَقَالَ زُفَرُ : فَمَنْ الَّذِي قَدَّمَهُ اللَّهُ ، وَمِنْ الَّذِي أَخَّرَهُ اللَّهُ ؟ فَقَالَ : الَّذِي أَهْبَطَهُ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ ، فَذَلِكَ الَّذِي قَدَّمَهُ اللَّهُ ، وَاَلَّذِي أَهْبَطَهُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مَا بَقِيَ ، فَذَلِكَ الَّذِي أَخَّرَهُ اللَّهُ .
فَقَالَ زُفَرُ : فَمَنْ أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ ؟ قَالَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ .
فَقُلْت : أَلَا أَشَرْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : هِبْتُهُ ، وَكَانَ امْرَأً مَهِيبًا .
قَوْلُهُ : مَنْ أَهْبَطَهُ مِنْ فَرِيضَةٍ إلَى فَرِيضَةٍ ، فَذَلِكَ الَّذِي قَدَّمَهُ اللَّهُ .
يُرِيدُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرْضٌ ، ثُمَّ يُحْجَبُ إلَى فَرْضٍ آخَرَ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ ، وَأَمَّا مَنْ أَهْبَطَهُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مَا بَقِيَ ، يُرِيدُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتَ ، فَإِنَّهُنَّ يُفْرَضُ لَهُنَّ ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُنَّ إخْوَتُهُنَّ ، وَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ ، فَكَانَ لَهُمْ مَا بَقِيَ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، فَكَانَ مَذْهَبُهُ ، أَنَّ الْفُرُوضَ إذَا ازْدَحَمَتْ رُدَّ النَّقْصُ عَلَى الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ .
وَلَنَا ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَوْ انْفَرَدَ أَخَذَ فَرْضَهُ ، فَإِذَا ازْدَحَمُوا وَجَبَ أَنْ يَقْتَسِمُوا عَلَى قَدْرِ الْحُقُوقِ ، كَأَصْحَابِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، كَمَا فَرَضَ

لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَفَرَضَ لِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ، .
كَمَا فَرَضَ الثُّلُثَ لِلْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأُمِّ ، فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ فَرْضِ بَعْضِهِمْ ، مَعَ نَصِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْوَفَاءُ بِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي النَّقْصِ عَلَى قَدْرِ الْحُقُوقِ ، كَالْوَصَايَا ، وَالدُّيُونِ ، وَقَدْ يَلْزَمُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى قَوْلِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا زَوْجٌ ، وَأُمٌّ ، وَأَخَوَانِ مِنْ أُمٍّ ، فَإِنْ حَجَبَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ خَالَفَ مَذْهَبَهُ فِي حَجْبِ الْأُمِّ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ ، وَإِنْ نَقَصَ الْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ ، رَدَّ النَّقْصَ عَلَى مَنْ لَمْ يُهْبِطْهُ اللَّهُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مَا بَقِيَ ، وَإِنْ أَعَالَ الْمَسْأَلَةَ ، رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ .
وَتَرَكَ مَذْهَبَهُ ، وَلَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ قَائِلًا بِمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْقَوْلِ بِالْعَوْلِ ، بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ .

( 4835 ) فَصْلٌ : حَصَلَ خِلَافُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلصَّحَابَةِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ ، اشْتَهَرَ قَوْلُهُ فِيهَا ؛ أَحَدُهَا ، زَوْجٌ وَأَبَوَانِ .
وَالثَّانِيَةُ ، امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ ، لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي عِنْدَهُمْ ، وَجَعَلَ هُوَ لَهَا ثُلُثَ الْمَالِ فِيهَا .
وَالثَّالِثَةُ ، أَنَّهُ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ .
وَالرَّابِعَةُ ، لَمْ يَجْعَلْ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً .
وَالْخَامِسَةُ ، أَنَّهُ لَا يُعِيلُ الْمَسَائِلَ .
فَهَذِهِ الْخَمْسُ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيهَا ، وَاشْتَهَرَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهَا ، وَشَذَّتْ عَنْهُ رِوَايَاتٌ سِوَى هَذِهِ ، ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِيمَا مَضَى .

( 4836 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَإِذَا كَانَا ابْنَا عَمٍّ ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ ، فَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .
يُرْوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَيْدٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْمَالُ لِلَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ .
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَعَطَاءٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةٍ لِأَبٍ وَفَضَلَهُ هَذَا بِأُمٍّ ، فَصَارَ كَأَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ ، أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ ، وَالْآخَرُ لِأَبٍ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ ، كَانَ ابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْلَى ، فَإِذَا كَانَ قُرْبُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ وَلَدِ الْجَدَّةِ قَدَّمَهُ ، فَكَوْنُهُ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ أَوْلَى .
وَلَنَا ، أَنَّ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ يُفْرَضُ لَهُ بِهَا ، إذَا لَمْ يَرِثْ بِالتَّعْصِيبِ ، وَهُوَ إذَا كَانَ مَعَهُ أَخٌ مِنْ أَبَوَيْنِ ، أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ عَمٍّ ، وَمَا يُفْرَضُ لَهُ بِهِ ، لَا يُرَجَّحُ بِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجًا ، وَيُفَارِقُ الْأَخَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْعَمَّ وَابْنِ الْعَمَّ ، إذَا كَانَا مِنْ أَبَوَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْرَضُ لَهُ بِقَرَابَةِ أُمِّهِ شَيْءٌ ، فَرَجَحَ بِهِ ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِي إحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ تَرْجِيحٌ وَفَرْضٌ .
( 4837 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ لِأَبٍ ، فَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ .
وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ مِنْ أَبَوَيْنِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ ، وَابْنُ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ ، فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ، لِلْأَخِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ .
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ .

( 4838 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ ، أَحَدُهُمَا أَخٌ مِنْ أُمٍّ ، وَبِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ ، فَلِلْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَسَقَطَتْ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأُمِّ بِالْبِنْتِ .
وَلَوْ كَانَ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ ابْنَ عَمٍّ مِنْ أَبَوَيْنِ ، أَخَذَ الْبَاقِي كُلَّهُ كَذَلِكَ .
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَاقِي لِلْأَخِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ بِنْتٌ تَحْجُبُ قَرَابَةَ الْأُمِّ .
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَنَّ الْبَاقِيَ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَيْسَ بِأَخٍ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَبٍ ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ مِيرَاثًا وَاحِدًا ، فَإِذَا كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ يَحْجُبُ إحْدَاهُمَا ، سَقَطَ مِيرَاثُهُ .
كَمَا لَوْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ ، سَقَطَ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، وَلَمْ يَرِثْ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ، بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمُشْرَكَةِ .
وَلَنَا ، عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ الْبِنْتَ تُسْقِطُ الْمِيرَاثَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ، فَيَبْقَى التَّعْصِيبُ مُنْفَرِدًا ، فَيَرِثُ بِهِ ، وَفَارَقَ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ ؛ فَإِنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَمْ يُرَجَّحْ بِهَا ، وَلَا يُفْرَضُ لَهَا ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مَا يَحْجُبُهَا .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُفْرَضُ لَهُ بِهَا فَإِذَا كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ يَحْجُبُهَا ، سَقَطَتْ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ ، أَخٌ مِنْ أَبٍ ، وَبِنْتٌ ، لَحَجَبَتْ الْبِنْتُ قَرَابَةَ الْأُمِّ ، وَلَمْ تَرِثْ بِهَا شَيْئًا ، فَكَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ ، وَلَوْلَا الْبِنْتُ لَوَرِثَ لِكَوْنِهِ أَخًا مِنْ أُمٍّ السُّدُسَ ، فَإِذَا حَجَبَتْهُ الْبِنْتُ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ ، وَجَبَ أَنْ تَحْجُبَهُ فِي كُلِّ حَالٍ .
لِأَنَّ الْحَجْبَ بِهَا لَا بِالْأَخِ مِنْ الْأَبِ .
مَا ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يُنْتَقَضُ بِالْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، مَعَ الْبِنْتِ ، وَبِابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ زَوْجًا وَمَعَهُ مَنْ يَحْجُبُ

بَنِي الْعَمِّ .
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرِثُ مِيرَاثًا وَاحِدًا ، بَلْ يَرِثُ بِقَرَابَتِهِ مِيرَاثَيْنِ كَشَخْصَيْنِ ، فَصَارَ كَابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ زَوْجٌ ، وَفَارَقَ الْأَخَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ إلَّا مِيرَاثًا وَاحِدًا ، فَإِنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا تَرِثُ بِهَا مُفْرَدَةً .
( 4839 ) فَصْلٌ : فَحَصَلَ خِلَافُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَسَائِلَ سِتٍّ ، هَذِهِ إحْدَاهُنَّ ، وَالثَّانِيَةُ ، فِي بِنْتٍ وَبَنَاتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ ، الْبَاقِي عِنْدَهُ لِلِابْنِ دُونَ أَخَوَاتِهِ .
الثَّالِثَةُ ، فِي أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ ، الْبَاقِي عِنْدَهُ لِلْأَخِ دُونَ أَخَوَاتِهِ .
الرَّابِعَةُ ، بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ وَبَنَاتُ ابْنٍ ، عِنْدَهُ لِبَنَاتِ الِابْنِ الْأَضَرُّ بِهِنَّ مِنْ السُّدُسِ أَوْ الْمُقَاسَمَةِ .
الْخَامِسَةُ ، أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ ، لِلْأَخَوَاتِ عِنْدَهُ الْأَضَرُّ بِهِنَّ مِنْ ذَلِكَ .
السَّادِسَةُ ، كَانَ يَحْجُبُ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمَّ بِالْكُفَّارِ وَالْعَبِيدِ وَالْقَاتِلِينَ ، وَلَا يُوَرِّثُهُمْ .

( 4840 ) فَصْلٌ : ابْنُ ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ ، وَابْنُ ابْنِ عَمٍّ آخَرُ ، لِلْأَخِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا .
وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ ، الْكُلُّ لِلْأَخِ ، وَسَقَطَ الْآخَرُ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَ أَخٍ لِأُمٍّ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ بِقَرَابَةِ الْأُخُوَّةِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَإِنْ كَانَ عَمَّانِ ؛ أَحَدُهُمَا خَالٌ لِأُمٍّ ، لَمْ يُرَجَّحْ بِخُؤُولَتِهِ .
وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُود وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يُرَجَّحُ بِهَا .
وَالثَّانِي ، يُرَجَّحُ بِهَا عَلَى الْعَمِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَبٍ ، فَيَأْخُذُ الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ ، وَالْآخَرُ ابْنُ الْجَدِّ لَا غَيْرُ .
وَإِنْ كَانَ الْعَمُّ الْآخَرُ مِنْ أَبَوَيْنِ ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِجَدَّةٍ ، وَهُمَا ابْنَا الْجَدِّ .
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا خَالٌ أَوْ ابْنَيْ ابْنَيْ عَمٍّ ، أَحَدُهُمَا خَالٌ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ ، فَلَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَهُمْ .

( 4841 ) فَصْلٌ : ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا زَوْجٌ .
فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ الْجَمِيعِ .
فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَخًا مِنْ أُمٍّ ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأَخِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ ، وَتُرَجَّحُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى ثَلَاثَةٍ .
وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ ، الْبَاقِي لِلْأَخِ ، فَتَكُونُ مِنْ اثْنَيْنِ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ .
ثَلَاثَةُ بَنِي عَمٍّ ، أَحَدُهُمْ زَوْجٌ ، وَالْآخَرُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأَخِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، يُضْرَبُ فِيهَا الثَّلَاثَةُ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ تِسْعَةٌ ، وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ يَبْقَى سِتَّةُ بَيْنَهُمْ ، عَلَى ثَلَاثَةٍ فَيَحْصُلُ لِلزَّوْجِ أَحَدَ عَشَرَ ، وَهِيَ النِّصْفُ وَالتُّسْعُ ، وَلِلْأَخِ خَمْسَةٌ ، وَهِيَ السُّدُسُ وَالتُّسْعُ ، وَلِلثَّالِثِ التُّسْعُ سَهْمَانِ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ ، فَالْبَاقِي كُلُّهُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ وَالثَّالِثُ مِنْ أَبَوَيْنِ ، فَالثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ، لِلزَّوْجِ الثُّلُثَانِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ سُدُسٌ .
وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَجْعَلُ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ لِلَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ .

( 4842 ) فَصْلٌ : أَخَوَانِ مِنْ أُمٍّ ، أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ .
فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ .
وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ، لِابْنِ الْعَمِّ خَمْسَةٌ ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ .
وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ ، أَحَدُهُمْ ابْنُ عَمٍّ ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ .
وَإِنْ كَانَ اثْنَانِ مِنْهُمْ ابْنَيْ عَمٍّ ، فَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ .

( 4843 ) فَصْلٌ : ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ ، أَحَدُهُمْ ابْنُ عَمٍّ ، وَثَلَاثَةُ بَنِي عَمٍّ ، أَحَدُهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ ، فَاضْمُمْ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ عَدَدٍ إلَى الْعَدَدِ الْآخَرِ ، يَصِيرُ مَعَك أَرْبَعَةُ بَنِي عَمٍّ ، وَأَرْبَعَةُ إخْوَةٍ ، فَهُمْ سِتَّةٌ فِي الْعَدَدِ ، وَفِي الْأَحْوَالِ ثَمَانِيَةٌ ، ثُمَّ اجْعَلْ الثُّلُثَ لِلْإِخْوَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ ، وَالثُّلُثَيْنِ عَلَى بَنِي الْعَمِّ عَلَى أَرْبَعَةٍ ، فَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، لَكُلِّ أَخٍ مُفْرَدٍ سَهْمٌ ، وَلِكُلِّ ابْنِ عَمٍّ مُفْرَدٍ سَهْمَانِ ، وَلِكُلِّ ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ ثَلَاثَةٌ ، فَيَحْصُلُ لَهُمَا النِّصْفُ ، وَلِلْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ النِّصْفُ وَعَلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ لِلْإِخْوَةِ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي لِابْنَيْ الْعَمِّ اللَّذَيْنِ هُمَا أَخَوَانِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ أُصُولِ سِهَامِ الْفَرَائِضِ الَّتِي تَعُولُ مَعْنَى أُصُولِ الْمَسَائِلِ الْمَخَارِجُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا فُرُوضُهَا ، وَأُصُولُ الْمَسَائِلِ كُلُّهَا سَبْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمَحْدُودَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ ؛ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ ، وَالثُّمُنُ ، وَالثُّلُثَانِ ، وَالثُّلُثُ ، وَالسُّدُسُ .
وَمَخَارِجُ هَذِهِ الْفُرُوضِ مُفْرَدَةٌ خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ ، وَالنِّصْفُ مِنْ اثْنَيْنِ ، وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ ، وَالثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، وَالرُّبُعُ مَعَ السُّدُسِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَالثُّمُنُ مَعَ السُّدُسِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، فَصَارَتْ سَبْعَةً .
وَهَذِهِ الْفُرُوضُ نَوْعَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ .
وَالثَّانِي ، الثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا .
وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْضٌ مُفْرَدٌ فَأَصْلُهَا مِنْ مَخْرَجِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْضَانِ يُؤْخَذُ أَحَدُهُمَا مِنْ مَخْرَجِ الْآخَرِ فَأَصْلُهَا مِنْ مَخْرَجِ أَقَلِّهِمَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْضَانِ مِنْ نَوْعَيْنِ لَا يُؤْخَذُ أَحَدُهُمَا مِنْ مَخْرَجِ الْآخَرِ ، فَاضْرِبْ أَحَدَ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الْآخَرِ ، أَوْ وَفِّقْهُ ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ، وَفِيهَا يَكُونُ الْعَوْلُ ؛ لِأَنَّ الْعَوْلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَسْأَلَةٍ تَزْدَحِمُ فِيهَا الْفُرُوضُ ، وَلَا يَتَّسِعُ الْمَالُ لَهَا فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا نِصْفٌ وَفَرْضٌ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ ، وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ ، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ ، تَكُنْ سِتَّةً ، وَهَكَذَا سَائِرُهَا .
وَالْمَسَائِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ؛ عَادِلَةٌ ، وَعَائِلَةٍ ، وَرَدٌّ .
فَالْعَادِلَةُ ، الَّتِي يَسْتَوِي مَالُهَا وَفُرُوضُهَا .
وَالْعَائِلَةُ الَّتِي تَزِيدُ فُرُوضُهَا عَنْ مَالِهَا .
وَالرَّدُّ الَّتِي يَفْضُلُ مَالُهَا عَنْ فُرُوضِهَا وَلَا عَصَبَةَ فِيهَا .

وَسَنَذْكُرُ أَمْثِلَةَ هَذِهِ الْأَضْرُبِ فِي هَذَا الْبَابِ ، بِعَوْنِ اللَّهِ .

( 4844 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَمَا فِيهِ نِصْفٌ وَسُدُسٌ ، أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ ، أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثَانِ ، فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِلَى تِسْعَةٍ وَإِلَى عَشْرَةٍ ، وَلَا تَعُولُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ نِصْفٌ وَسُدُسٌ .
فَإِنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ ، وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي مَخْرَجِ السُّدُسِ وَهُوَ السِّتَّةُ ، فَكَانَ أَصْلُهُمَا جَمِيعًا سِتَّةً ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ سُدُسٌ وَثُلُثٌ أَوْ ثُلُثَانِ ، فَأَصْلُهُمَا مِنْ مَخْرَجِ السُّدُسِ ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ اجْتَمَعَ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ أَوْ الثُّلُثُ ، فَإِنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ ، وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ .
وَلَا وَفْقَ بَيْنَهُمَا ، فَاضْرِبْ أَحَدَ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الْآخَرِ ، تَكُنْ سِتَّةً ، وَيَصِيرُ كُلُّ كَسْرٍ بِعَدَدِ مَخْرَجِ الْآخَرِ وَيَدْخُلُ الْعَوْلُ هَذَا الْأَصْلَ ، لِازْدِحَامِ الْفُرُوضِ فِيهِ ، وَهُوَ أَكْثُرهَا عَوْلًا .
وَالْعَوْلُ زِيَادَةٌ فِي السِّهَامِ ، وَنُقْصَانٌ فِي أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ ؛ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ ، زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ مِنْ أُمٍّ ، بِنْتٌ وَأُمٌّ وَعَمٌّ ، أَوْ عَصَبَةٌ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ ، أَبَوَانِ وَبِنْتَانِ وَبِنْتٌ وَأَبَوَانِ ، بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأَبَوَانِ أَوْ جَدٌّ وَجَدَّةٌ ، الْعَوْلُ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَبَوَيْنِ وَالْأُخْرَى مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ ، أَوْ أُخْتٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ ، زَوْجٌ وَأُخْتٌ وَجَدَّةٌ أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ ، سِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَأُمُّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ .
عَوْلُ ثَمَانِيَةٍ : زَوْجٌ وَأُخْتٌ وَأُمٌّ ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ ، تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُبَاهَلَةِ .
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُخْتٌ أُخْرَى مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ ،

أَوْ أَخٌ مِنْ أُمٍّ فَهِيَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ أَيْضًا .
عَوْلُ تِسْعَةٍ : زَوْجٌ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ ، تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ ، وَتُسَمَّى الْغَرَّاءَ ، زَوْجٌ وَأُمٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ .
كَذَلِكَ .
عَوْلُ عَشْرَةٍ : زَوْجٌ وَأُمٌّ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ تَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ ، وَتُسَمَّى أُمَّ الْفُرُوخِ ، لِكَثْرَةِ عَوْلِهَا ، لِأَنَّهَا عَالَتْ بِثُلُثَيْهَا ، فَشَبَّهُوا الْأَصْلَ بِالْأُمِّ ، وَالْعَوْلَ بِالْفَرْخِ .
وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى شُرَيْحٍ ، فَقَالَ : إنَّ امْرَأَتِي مَاتَتْ ، وَلَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا ، فَكَمْ لِي مِنْ مِيرَاثِهَا ؟ قَالَ : لَكَ النِّصْفُ ، فَمَنْ خَلَّفَتْ ؟ قَالَ : خَلَّفَتْ أُمَّهَا وَأُخْتَيْهَا مِنْ أَبِيهَا وَأُخْتَيْهَا مِنْ أُمِّهَا وَأَبًا .
قَالَ : لَك ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ عَشَرَةٍ .
فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَقَالَ : أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ قَاضِيكُمْ ؟ قَالَ : لِي النِّصْفُ فَوَاَللَّهِ مَا أَعْطَانِي نِصْفًا وَلَا ثُلُثًا .
فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ : أَلَا إنَّك تَرَانِي قَاضِيًا ظَالِمًا ، وَأَنَا أَرَاك رَجُلًا فَاجِرًا ، تَكْتُمُ الْقِصَّةَ وَتُذِيعُ الْفَاحِشَةَ .
وَمَتَى عَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى تِسْعَةٍ أَوْ إلَى عَشَرَةٍ ، لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ إلَّا امْرَأَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعُولَ الْمَسْأَلَةُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فُرُوضٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا .
وَطَرِيقُ الْعَمَلِ فِي الْعَوْلِ ، أَنْ تَأْخُذَ الْفُرُوضَ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَتَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ ، فَمَا بَلَغَتْ السِّهَامُ فَإِلَيْهِ يَنْتَهِي ، فَنَقُولُ فِي زَوْجٍ وَأُمٍّ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ : لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ ، وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ ، صَارَتْ عَشَرَةً .

( 4845 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمَا فِيهِ رُبُعٌ وَسُدُسٌ ، أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثٌ ، أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثَانِ ، فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَإِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَلَا تَعُولُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ ، وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ ، وَلَا وَفْقَ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ، كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الرُّبُعِ سُدُسٌ فَبَيْنَ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُوَافَقَةٌ ، فَإِذَا ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَلَا بُدَّ فِي هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُبُعٍ ، وَلَا يَكُونُ فَرْضًا لَغَيْرِهِمَا .
وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ ؛ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَخَمْسَةُ بَنِينَ ، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ ، يَبْقَى خَمْسَةٌ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ .
زَوْجٌ وَابْنَتَانِ وَأُخْتٌ وَعَصَبَةٌ .
امْرَأَةٌ وَأُخْتَانِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ وَعَصَبَةٌ .
امْرَأَةٌ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَسَبْعَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ .
الْعَوْلُ زَوْجٌ وَابْنَتَانِ وَأُمٌّ تَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ .
امْرَأَةٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ .
زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ .
تَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ .
امْرَأَةٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ .
امْرَأَةٌ وَأُمٌّ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ .
تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ .
ثَلَاثُ نِسْوَةٍ وَجَدَّتَانِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانٍ لِأَبٍ .
تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَيَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ سَهْمٌ ، وَتُسَمَّى أُمَّ الْأَرَامِلِ ، وَيُعَايَلُ بِهَا ، فَيُقَال : سَبْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ، اقْتَسَمْنَ مَالَ مَيِّتٍ بِالسَّوِيَّةِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ سَهْمٌ .
وَهِيَ هَذِهِ ، وَلَا يَعُولُ هَذَا الْأَصْلُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْمُلَ هَذَا الْأَصْلُ بِفُرُوضٍ مِنْ غَيْرِ عُصْبَةٍ وَلَا عَوْلٍ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَعُولَ إلَّا عَلَى

الْأَفْرَادِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا فَرْضًا يُبَايِنُ سَائِرَ فُرُوضِهَا ، وَهُوَ الرُّبْعُ ، فَإِنَّهُ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ فَرْدٌ ، وَسَائِرُ فُرُوضِهَا يَكُونُ زَوْجًا فَالسُّدُسُ اثْنَانِ ، وَالثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَالثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ ، وَالنِّصْفُ سِتَّةٌ .
وَمَتَى عَالَتْ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ، لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ فِيهَا إلَّا رَجُلًا .

مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمَا كَانَ فِيهِ ثُمُنٌ وَسُدُسٌ ، أَوْ ثُمُنٌ وَسُدُسَانِ ، أَوْ ثُمُنٌ وَثُلُثَانِ ، فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَلَا تَعُولُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّك تَضْرِبُ مَخْرَجَ الثُّمُنِ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثَيْنِ ، أَوْ فِي وَفْقِ مَخْرَجِ السُّدُسِ ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، وَلَمْ نَقُلْ : وَثُلُثٌ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الثُّمُنِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلزَّوْجَةِ مَعَ الْوَلَدِ ، وَلَا يَكُونُ الثُّلُثُ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا وَلَدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِوَلَدِ الْأُمِّ ، وَالْوَلَدُ يُسْقِطُهُمْ ، أَوْ الْأُمِّ بِشَرْطِ عَدَمِ الْوَلَدِ .
وَمَسَائِلُ ذَلِكَ : امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنٌ أَوْ ابْنَانِ ، أَوْ بَنُونَ وَبَنَاتٌ .
امْرَأَةٌ وَابْنَتَانِ وَأَمٌّ وَعَصَبَةٌ .
ثَلَاثُ نِسْوَةٍ وَأَرْبَعُ جَدَّاتٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ بِنْتًا وَأُخْتٌ .
امْرَأَةٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَجَدَّةٌ ، وَعَصَبَةٌ .
الْعَوْلُ : امْرَأَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ .
تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَتُسَمَّى الْبَخِيلَةَ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأُصُولِ عَوْلًا ، لَمْ تَعُلْ إلَّا بِثُمُنِهَا ، وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ ، لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْهَا عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا .
وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ .
يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَ لَهَا الثَّمَنُ ، ثَلَاثَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، صَارَ لَهَا بِالْعَوْلِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَهِيَ التُّسْعُ .
وَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِي هَذَا الْأَصْلِ إلَّا رَجُلًا ؛ لِأَنَّ فِيهَا ثُمُنًا ، وَلَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ مَعَ الْوَلَدِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُولَ هَذَا الْأَصْلُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَإِنَّهُ يَحْجُبُ الزَّوْجَيْنِ وَالْأُمَّ بِالْوَلَدِ ، وَالْكَافِرِ ، وَالْقَاتِلِ ، وَالرَّقِيقِ ، وَلَا يُوَرِّثُهُ .
فَعَلَى قَوْلِهِ ، إذَا كَانَتْ امْرَأَةٌ وَأُمٌّ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَوَلَدٌ كَافِرٌ ، فَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ

وَعِشْرُونَ ، وَلِلْأُمِّ وَالْمَرْأَةِ السُّدُسُ ، وَالثُّمُنُ سَبْعَةٌ ، فَتَعُولُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ .

( 4847 ) فُصُولٌ : وَإِذَا لَمْ تَنْقَسِمْ سِهَامُ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِمْ قِسْمَةً صَحِيحَةً ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً ، إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ سِهَامَهُمْ بِنِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ، فَيُجْزِئُكَ ضَرْبُ وَفْقِ عَدَدِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ ، فَإِذَا أَرَدْت الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مَنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ لَهُ إنْ كَانَ وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَسَّمْته عَلَيْهِمْ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت : إذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ فَلِوَاحِدِهِمْ بَعْدَ التَّصْحِيحِ مِثْلُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ قَبْلَ التَّصْحِيحِ ، أَوْ وَفْقَهُ إنْ كَانَ وَافَقَ ، مِثَالُ ذَلِكَ ، زَوْجٌ ، وَأُمٌّ ، وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ ، بَقِيَ لِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ ، لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا تُوَافِقُهُمْ ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا ؛ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تِسْعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ سِتَّةً ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَانِ .
وَلَوْ كَانَ الْإِخْوَةُ سِتَّةً ، وَافَقَتْهُمْ سِهَامُهُمْ بِالنِّصْفِ ، فَرَدُّهُمْ إلَى نِصْفِهِمْ ثَلَاثَةٌ ، وَتَعْمَلُ فِيهَا كَعَمَلِكِ فِي الْأُولَى سَوَاءً ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِخْوَةِ سَهْمٌ ، وَهُوَ وَفْقُ سِهَامِ جَمَاعَتِهِمْ .

( 4848 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الْكَسْرُ عَلَى فَرِيقَيْنِ ، لَمْ تَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يَكُونَ الْعَدَدَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ ، فَيُجْزِئُكَ ضَرْبُ أَحَدِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَمِثَالُ ذَلِكَ ، زَوْجٌ ، وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ ، وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ ، وَلِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ ، فَتَضْرِبُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَطَرِيقُ الْقِسْمَةِ فِيهَا مِثْلُ طَرِيقِهَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ سَوَاءً .
وَلَوْ كَانَ الْإِخْوَةُ سِتَّةً ، وَافَقُوا سَهْمَهُمْ بِالنِّصْفِ ، رَجَعُوا إلَى ثَلَاثَةٍ .
وَكَانَ الْعَمَلُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً الْقِسْمُ الثَّانِي ، أَنْ يَكُونَ الْعَدَدَانِ مُتَنَاسِبَيْنِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يَنْتَسِبُ إلَى الْآخَرِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ، كَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ، فَيُجْزِئُكَ ضَرْبُ الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَمِثَالُهُ مَا لَوْ كَانَ الْجَدَّاتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتًّا ، فَإِنَّ عَدَدَ الْأَخَوَاتِ نِصْفُ عَدَدِ الْجَدَّاتِ ، فَاجْتَزِئْ بِعَدَدِهِنَّ ، وَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ .
وَلَوْ كَانَ عَدَدُ الْإِخْوَةِ سِتَّةً ، وَافَقَتْهُمْ سِهَامُهُمْ بِالنِّصْفِ ، وَرَجَعُوا إلَى ثَلَاثَةٍ ، وَعَمِلْت عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ ، أَنْ يَكُونَ الْعَدَدَانِ مُتَبَايِنَيْنِ ، لَا يُمَاثِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، وَلَا يُنَاسِبُهُ ، وَلَا يُوَافِقُهُ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْجَدَّاتِ أَرْبَعًا وَالْإِخْوَةِ ثَلَاثَةً ، فَإِنَّك تَضْرِبُ عَدَدَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَمَتَى ضَرَبْته هَاهُنَا كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ ، فَإِذَا ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ كَانَتْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ .
وَإِنْ وَافَقَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ سِهَامَهُ دُونَ الْآخَرِ ، أَخَذْت وَفْقَ الْمُوَافِقِ وَضَرَبْته فِيمَا لَمْ يُوَافِقْ ، وَعَمِلْت عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ وَافَقَا

جَمِيعًا سِهَامَهُمَا ، رَدَدْتهمَا إلَى وَفْقِهِمَا ، وَعَمِلْت فِي الْوَقْفَيْنِ عَمَلَك فِي الْعَدَدَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ ، أَنْ يَكُونَ الْعَدَدَانِ مُتَّفِقَيْنِ بِنِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثٍ ، أَوْ رُبُعٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ، فَإِنَّك تَرُدُّ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ إلَى وَفْقِهِ ، ثُمَّ تَضْرِبُهُ فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَمِثَالُهُ ، أَنْ تَكُونَ الْإِخْوَةُ تِسْعَةً ، وَالْجَدَّاتُ سِتًّا ، فَيَتَّفِقَانِ بِالثُّلُثِ ، فَتَرُدَّ الْجَدَّاتِ إلَى ثُلُثِهِنَّ اثْنَيْنِ ، وَتَضْرِبَهُمَا فِي عَدَدِ الْإِخْوَةِ ، تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، ثُمَّ تَضْرِبَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً ، وَمِنْهَا تَصِحُّ .

( 4849 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الْكَسْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْيَازٍ ، نَظَرْت ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً كَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ وَثَلَاثَةِ أَعْمَامٍ ، ضَرَبْت أَحَدَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ التَّصْحِيحِ مِثْلُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ .
وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً ، كَجَدَّتَيْنِ وَخَمْسِ بَنَاتٍ وَعَشْرَةِ أَعْمَامٍ ، اجْتَزَأْت بِأَكْثَرِهَا ، وَهِيَ الْعَشَرَةُ ، فَضَرَبْتهَا فِي الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ سِتِّينَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ .
وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةً ، ضَرَبْت بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ، تَكُنْ ثَلَاثِينَ ، ثُمَّ ضَرَبْتهَا فِي الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِينَ .
وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً ، كَسِتِّ جَدَّاتٍ وَتِسْعِ بَنَاتٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ عَمًّا ، ضَرَبْت وَفْقَ عَدَدٍ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ، فَمَا بَلَغَ وَافَقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّالِثِ ، وَضَرَبْت وَفْقَهُ فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ ثُمَّ اضْرِبْ مَا مَعَك فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ .
وَإِنْ تَمَاثَلَ اثْنَانِ مِنْهَا وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ ، أَوْ وَافَقَهُمَا ، ضَرَبْت أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ ، أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ كَانَ مُوَافِقًا ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ .
وَإِنْ تَنَاسَبَ اثْنَانِ ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ ، ضَرَبْت أَكْثَرَهُمَا فِي جَمِيعِ الثَّالِثِ ، أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ كَانَ مُوَافِقًا ، ثُمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنْ تَوَافَقَ اثْنَانِ ، وَبَايَنَهُمَا الثَّالِثُ ، ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ، ثُمَّ فِي الثَّالِثِ ، وَإِنْ تَبَايَنَ اثْنَانِ ، وَوَافَقَهُمَا الثَّالِثُ ، كَأَرْبَعَةِ أَعْمَامٍ ، وَسِتِّ جَدَّاتٍ ، وَتِسْعِ بَنَاتٍ ، أَجْزَأَكَ ضَرْبُ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ فِي الْآخِرِ ، ثُمَّ تَضْرِبُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَيُسَمَّى هَذَا الْمَوْقُوفَ الْمُقَيَّدَ ؛ لِأَنَّك إذَا أَرَدْت وَقْفَ أَحَدِهِمَا ، لَمْ يَقِفْ إلَّا السِّتَّةُ ، وَلَوْ وَقَفْت غَيْرَهَا ، مِثْلُ أَنْ تَقِفَ التِّسْعَةَ .

وَتَرُدَّ السِّتَّةَ إلَى الِاثْنَيْنِ لَدَخَلَا فِي الْأَرْبَعَةِ ، وَأَجْزَأَك ضَرْبُ الْأَرْبَعَةِ فِي التِّسْعَةِ ، وَلَوْ وَقَفْت الْأَرْبَعَةَ ، رَدَدْت السِّتَّةَ إلَى ثَلَاثَةٍ ، وَدَخَلْت فِي التِّسْعَةِ وَأَجْزَأَك ضَرْبُ الْأَرْبَعَةِ فِي التِّسْعَةِ .
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْأَعْدَادُ الثَّلَاثَةُ مُتَوَافِقَةً ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى الْمَوْقُوفَ الْمُطْلَقَ ، وَفِي عَمَلِهَا طَرِيقَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَهُوَ طَرِيقُ الْكُوفِيِّينَ .
وَالثَّانِي ، طَرِيقُ الْبَصْرِيِّينَ ، وَهُوَ أَنْ تَقِفَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ ، وَتُوَافِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرَيْنِ ، وَتَرُدَّهُمَا إلَى وَفْقِهِمَا ، ثُمَّ تَنْظُرَ فِي الْوَقْفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْمَوْقُوفِ .
وَإِنْ كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ ، ضَرَبْت أَكْثَرَهُمَا ، وَإِنْ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ ، ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ، ثُمَّ فِي الْمَوْقُوفِ ، وَإِنْ كَانَا مُتَوَافِقَيْنِ ، ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ، ثُمَّ فِي الْمَوْقُوفِ ، فَمَا بَلَغَ ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ وَمِثَالُ ذَلِكَ : عَشْرُ جَدَّاتٍ وَاثْنَا عَشَرَ عَمًّا وَخَمْسَ عَشْرَةَ بِنْتًا ، فَقِفْ الْعَشَرَةَ ، تُوَافِقُهَا الِاثْنَا عَشَرَ بِالنِّصْفِ ، فَتَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ ، وَتُوَافِقُهَا الْخَمْسَ عَشْرَةَ بِالْأَخْمَاسِ ، فَتَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةٍ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ ، فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي الْعَشَرَةِ ، تَكُنْ سِتِّينَ ، ثُمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ، تَكُنْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ .
وَإِنْ وَقَفْت الِاثْنَا عَشَرَ ، رَجَعَتْ الْعَشَرَةُ إلَى نِصْفِهَا خَمْسَةً ، وَالْخَمْسَ عَشْرَةَ إلَى ثُلُثِهَا خَمْسَةً ، وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ ، فَتَضْرِبُ خَمْسَةً فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَكُنْ سِتِّينَ ، وَإِنْ وَقَفْت الْخَمْسَ عَشْرَةَ ، رَجَعَتْ الْعَشَرَةُ إلَى اثْنَيْنِ ، وَاَلْاِثْنَا عَشَرَ إلَى أَرْبَعَةٍ ، وَدَخَلَ الِاثْنَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ ، فَتَضْرِبُهَا فِي الْخَمْسَ عَشْرَةَ ، تَكُنْ سِتِّينَ فِي الْمَسْأَلَةِ .

( 4850 ) فَصْلٌ مَعْرِفَةُ الْمُوَافَقَةِ ، وَالْمُنَاسَبَةِ ، وَالْمُبَايَنَةِ .
الطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُلْقِيَ أَقَلَّ الْعَدَدَيْنِ مِنْ أَكْثَرِهِمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، فَإِنْ فَنِيَ بِهِ فَالْعَدَدَانِ مُتَنَاسِبَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْنَ بِهِ ، وَلَكِنْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ ، أَلْقَيْتهَا مِنْ الْعَدَدِ الْأَقَلِّ ، فَإِنْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ أَلْقَيْتهَا مِنْ الْبَقِيَّةِ الْأُولَى ، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ تُلْقِي كُلَّ بَقِيَّةٍ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا ، حَتَّى يَصِلَ إلَى عَدَدٍ يُفْنِي الْمُلْقَى مِنْهُ ، غَيْرَ الْوَاحِدِ ، فَأَيُّ بَقِيَّةٍ فَنِيَ بِهَا غَيْرُ الْوَاحِدِ ، فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ بِجُزْءٍ ، وَتِلْكَ الْبَقِيَّةُ إنْ كَانَتْ اثْنَيْنِ فَبِالْأَنْصَافِ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً فَبِالْأَثْلَاثِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً فَبِالْأَرْبَاعِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ ، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، فَيُجْزِئُ ذَلِكَ ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ ، فَالْعَدَدَانِ مُتَبَايِنَانِ .
وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى تَنَاسُبِ الْعَدَدَيْنِ ، أَنَّك مَتَى زِدْت عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلَهُ أَبَدًا ، سَاوَى الْأَكْثَرَ ، وَمَتَى قَسَمْت الْأَكْثَرَ عَلَى الْأَقَلِّ ، انْقَسَمَ قِسْمَةً صَحِيحَةً ، وَمَتَى نَسَبْت الْأَقَلَّ إلَى الْأَكْثَرِ ، انْتَسَبَ إلَيْهِ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي النِّصْفِ فَمَا دُونَهُ .

( 4851 ) فَصْلٌ : فِي مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ ، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَمُوتَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ إنْسَانٌ قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَةِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ نَظَرْت ؛ فَإِنْ كَانَ وَرَثَةُ الْأَوَّلِ يَرِثُونَ الثَّانِيَ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنْ الْأَوَّلِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُمَا جَمِيعًا ، وَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي أَصْحَابِ الْفُرُوضِ ، فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ ، كَرَجُلٍ مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ وَثَلَاثَةِ بَنِينَ وَبِنْتٍ ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ ، فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الْأُوَلِ سَهْمًا مِثْلَ سَهْمِ الْبِنْتِ ، وَكَنِصْفِ سَهْمِ ابْنٍ ، وَكَذَلِكَ لَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاقْسِمْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَرَثَةِ الثَّانِي ، وَلَا تَنْظُرْ إلَى الْأَوَّلِ ، فَلَوْ ، خَلَّفَ رَجُلٌ خَمْسَةَ بَنِينَ وَخَمْسَ بَنَاتٍ ، فَمَاتَ مِنْهُمْ ابْنٌ ، ثُمَّ بِنْتٌ ، ثُمَّ ابْنٌ ، ثُمَّ بِنْتٌ ، ثُمَّ ابْنٌ ، ثُمَّ بِنْتٌ ، قَسَّمْت الْمِيرَاثَ عَلَى الِابْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ ، وَالْبِنْتَيْنِ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَلَمْ يُنْظَرْ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ .
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْأُولَى دُونَ مَا بَقِيَ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ امْرَأَةٌ لِلْمَيِّتِ لَيْسَتْ أُمًّا لَهُمْ ، فَإِنَّك تَعْزِلُ لَهَا الثُّمُنَ ، وَتَقْسِمُ الْبَاقِيَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أُمًّا لَهُمْ إلَّا أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَهُمْ ، أَوْ بَعْدَ بَعْضِهِمْ ، وَلَمْ تُخَلِّفْ وَارِثًا غَيْرَهُمْ ، قَسَّمْت الْمِيرَاثَ كُلَّهُ عَلَى الْبَاقِينَ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
وَلَمْ يُنْظَرْ فِي مِيرَاثِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ إلَيْهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ، فَإِنَّك تَقْسِمُ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ تَنْظُرُ مَا صَارَ لِلْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْهَا ، فَإِنْ انْقَسَمَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ فَقَدْ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى ، وَمِثَالُ ذَلِكَ ، امْرَأَةٌ وَبِنْتٌ مِنْ غَيْرِهَا وَأَخٌ ، مَاتَتْ الْبِنْتُ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَعَمًّا .
فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ ،

لِلْمَرْأَةِ سَهْمٌ ، وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ ، وَيَبْقَى لِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ ، وَمَسْأَلَةُ الْمَيِّتَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِزَوْجِهَا سَهْمٌ ، وَلِابْنَتِهَا سَهْمَانِ ، وَيَبْقَى سَهْمٌ لِلْأَخِ الْأَوَّلِ ، فَصَارَ لَهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَصَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ .
وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَتِهِ ، وَافَقْت بَيْنَ سِهَامِهِ وَمَسْأَلَتِهِ .
فَإِنْ اتَّفَقَا ، رَدَدْت مَسْأَلَتَهُ إلَى وَفْقِهَا ، ثُمَّ ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي .
مِثَالُ ذَلِكَ ، إذَا خَلَفَتْ الْبِنْتُ زَوْجًا وَابْنَتَيْنِ ، فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، تُوَافِقُهَا سِهَامُهَا بِالرُّبُعِ ، فَتَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةٍ ، تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةٍ ، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، لِلْمَرْأَةِ سَهْمٌ مِنْ الْأُولَى فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ ، وَلَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ سَهْمٌ فِي سَهْمٍ ، تَكُنْ عَشْرَةً ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي سَهْمٍ ، وَلِلِابْنَتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ .
وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ سِهَامُهُ مَسْأَلَتَهُ ، ضَرَبْت الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي الثَّانِيَةِ .
وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي ، فَإِنْ مَاتَ ثَالِثٌ ، عَمِلْت مَسْأَلَتَهُ ، وَنَظَرْت سِهَامَهُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ ، فَإِنْ انْقَسَمَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ ، صَحَّتْ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَيَانِ ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ ، وَافَقْت بَيْنَ مَسْأَلَتِهِ وَسِهَامِهِ ، وَضَرَبْت وَفْقَ سِهَامِ مَسْأَلَتِهِ إنْ وَافَقَتْ ، أَوْ جَمِيعِهَا ، إنْ لَمْ تُوَافِقْ ، فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَيَانِ ، وَعَمِلَتْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ فِي

الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَمَا بَعْدَهُ .

( 4852 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَرَدْت قَسَمْت الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَرَارِيطِ الدِّينَارِ ، فَإِنَّهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ بَلَدِنَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا ، فَإِنْ كَانَتْ السِّهَامُ كَثِيرَةً فَلَكَ فِي قَسْمِهَا طَرِيقَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَنْظُرَ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ الْعَدَدُ ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَكَّبَ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ ، فَانْسُبْ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا ، وَخُذْ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ ، فَمَا كَانَ فَهُوَ لِكُلِّ قِيرَاطٍ .
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ قَسَمْته عَلَيْهَا ، فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ فَاضْرِبْهُ فِي الْعَدَدِ الْآخَرِ ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُهُ .
مِثَالُ ذَلِكَ ، سِتُّمِائَةِ أَرَدْت قِسْمَتَهَا ، فَإِنَّك تَعْلَمُ أَنَّهَا مُتَرَكِّبَةٌ مِنْ ضَرْبِ عِشْرِينَ فِي ثَلَاثِينَ ، فَانْسُبْ الْعِشْرِينَ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَكُنْ نِصْفَهَا ، وَثُلُثَهَا ، فَخُذْ نِصْفَ الثَّلَاثِينَ ، وَثُلُثَهَا ، خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، فَهُوَ سَهْمُ الْقِيرَاطِ .
وَإِنْ قَسَّمْت الثَّلَاثِينَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، خَرَجَ بِالْقَسَمِ سَهْمٌ وَرُبُعٌ ، فَاضْرِبْهَا تَكُنْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، كَمَا قُلْنَا .
وَالثَّانِي ، أَنْ تَنْظُرَ عَدَدًا إذَا ضَرَبْته فِي الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ سَاوَى الْمَقْسُومَ أَوْ قَارَبَهُ ، فَإِذَا بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ ضَرَبْتهَا فِي عَدَدٍ آخَرَ ، حَتَّى يَبْقَى أَقَلُّ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَجْمَعُ الْعَدَدَ الَّذِي ضَرَبْته إلَيْهِ ، وَتُنْسَبُ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ مِنْ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ، فَتَضُمُّهَا إلَى الْعَدَدِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَهْمَ الْقِيرَاطِ .
مِثَالُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا ، أَنْ تَضْرِبَ عِشْرِينَ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، تَكُنْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ ، ثُمَّ تَضْرِبَ خَمْسَةً فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ ، وَتَضُمَّ الْخَمْسَةَ إلَى الْعِشْرِينَ ، فَيَكُونَ ذَلِكَ سِهَامَ الْقِيرَاطِ .
فَإِذَا عَرَفْت سِهَامَ الْقِيرَاطِ فَانْظُرْ كُلَّ مَنْ لَهُ سِهَامٌ ، فَأَعْطِهِ بِكُلِّ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ

الْقِيرَاطِ قِيرَاطًا ، فَإِنْ بَقِيَ لَهُ مِنْ السِّهَامِ مَا لَا يَبْلُغُ قِيرَاطًا ، فَانْسُبْهُ إلَى سِهَامِ الْقِيرَاطِ ، وَأَعْطِهِ مِنْهُ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ ، فَإِنْ كَانَ فِي سِهَامِ الْقِيرَاطِ كَسْرٌ ، بَسَطْتهَا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ سِهَامٌ بِعَدَدِ مَبْلَغِ السِّهَامِ ، فَلَهُ بِعَدَدِ مَخْرَجِ الْكَسْرِ قَرَارِيطُ ، وَتَضْرِبُ بَقِيَّةَ سِهَامِهِ فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ ، وَتَنْسُبهَا مِنْهَا .
مِثَالُ ذَلِكَ ، زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ ، مَاتَتْ الْأُمُّ ، وَخَلَّفَتْ أُمًّا ، وَزَوْجًا ، وَأُخْتًا مِنْ أَبَوَيْنِ ، وَأُخْتَيْنِ مِنْ أَبٍ ، وَأُخْتَيْنِ مِنْ أُمٍّ .
فَالْأُولَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ عِشْرِينَ ، فَتَضْرِبُ وَفْقَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى ، تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ ، وَسَهْمُ الْقِيرَاطِ سِتَّةٌ وَرُبْعٌ ، فَابْسُطْهَا أَرْبَاعًا ، تَكُنْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، فَهَذِهِ سِهَامُ الْقِيرَاطِ ، فَلِلْبِنْتِ مِنْ الْأُولَى أَرْبَعَةٌ فِي عَشَرَةٍ ، تَكُنْ أَرْبَعِينَ ، فَلَهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ ، تَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ ، اضْرِبْهَا فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ تَكُنْ سِتِّينَ ، وَاقْسِمْهَا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، تَكُنْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ ، فَصَارَ لَهَا سِتَّةٌ وَخُمُسَانِ ، وَلِلْأَبِ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ، فَلَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ ، وَابْسُطْ السَّهْمَ الْبَاقِيَ أَرْبَاعًا ، تَكُنْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ خُمُسٍ ، وَلِزَوْجِ الْأُولَى ثَلَاثُونَ ، فَلَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ ، وَابْسُطْ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ .
تَكُنْ عِشْرِينَ ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ ، وَلِأُمِّ الثَّانِيَةِ سَهْمَانِ ، اُبْسُطْهُمَا أَرْبَاعًا ، تَكُنْ خُمُسَ قِيرَاطٍ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ خُمُسِ قِيرَاطٍ ، وَكَذَلِكَ لِكُلِّ أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ ، وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأَبِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ سِتَّةٌ ، اُبْسُطْهَا أَرْبَاعًا ، تَكُنْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ قِيرَاطٍ ، وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ خُمُسٍ .

( 4853 ) فَصْلٌ : فِي قِسْمَةِ التَّرِكَات ، إنْ أَمْكَنَ أَنْ تُنْسَبَ سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْمَسْأَلَةِ ، ثُمَّ تُعْطِيهِ مِنْ التَّرِكَةِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ ، فَحَسَنٌ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ ، زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ ، وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا ، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ ، وَهِيَ خُمُسُ الْمَسْأَلَةِ ، فَلَهُ خُمُسُ التَّرِكَةِ ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثُلُثَا خُمُسِ الْمَسْأَلَةِ ، فَلَهُ ثُلُثَا الثَّمَانِيَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ مِثْلُ مَا لِلْأَبَوَيْنِ كِلَيْهِمَا ، وَإِنْ شِئْت ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي التَّرِكَةِ ، وَقَسَمْت ذَلِكَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ ، وَإِنْ شِئْت قَسَمْت التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ ، ثُمَّ ضَرَبْت الْخَارِجَ بِالْقَسْمِ فِي سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ لَهُ .
وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَدَدًا أَصَمَّ ، عَمِلْت بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فِي السِّهَامِ كَسْرٌ ، بَسَطْتهَا مِنْ جِنْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْقَسْمِ عَلَى قَرَارِيطِ الدِّينَارِ .
وَلَك فِي قَسْمِ التَّرِكَةِ فِي مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ ، أَنْ تَقْسِمَ التَّرِكَةَ أَوْ الْقَرَارِيطَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَمَا حَصَلَ لِلْمَيِّتِ الثَّانِي ، قَسَمْته عَلَى مَسْأَلَتِهِ ، ثُمَّ تَفْعَلُ بِالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهُمَا كَذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّرِكَةِ مُوَافَقَةٌ ، فَخُذْ وَفْقَيْهِمَا ، وَاعْمَلْ بِهِمَا مَا ذَكَرْنَا .

( 4854 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ سِهَامًا مِنْ عَقَارٍ ، فَاضْرِبْ أَصْلَ سِهَامِ الْعَقَارِ فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ سِهَامُ الْعَقَارِ ، وَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي السِّهَامِ الْمَوْرُوثَةِ مِنْ الْعَقَارِ ، وَاضْرِبْ سِهَامَ الشُّرَكَاءِ فِي أَصْلِ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ : زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ ، وَالتَّرِكَةُ رُبُعٌ ، وَسُدُسُ دَارٍ ، الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، وَأَصْلُ سِهَامِ الْعَقَارِ اثْنَا عَشَرَ ، فَاضْرِبْهَا فِي الثَّمَانِيَةِ ، تَكُنْ سِتَّةً وَتِسْعِينَ ، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةٍ مَضْرُوبَةٌ فِي السِّهَامِ الْمَوْرُوثَةِ ، وَهِيَ خَمْسَةٌ ، تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَلِلْأُخْتِ كَذَلِكَ ، فَانْسُبْهَا مِنْ الدَّارِ .
تَكُنْ ثُمُنَهَا وَرُبُعَ ثُمُنِهَا ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ فِي خَمْسَةٍ ، تَكُنْ عَشَرَةً ، وَهِيَ نِصْفُ سُدُسِ الدَّارِ ، وَثُمُنُ سُدُسِهَا .
وَإِنْ شِئْت قُلْت : هِيَ نِصْفُ ثُمُنِهَا ، وَثُلُثُ ثُمُنِهَا .
وَإِنْ شِئْت بَسَطْت الرُّبُعَ وَالسُّدُسَ مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ ، وَهِيَ عَشْرَةٌ ، وَقَسَمْتهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ ، فَلِلْأُمِّ رُبُعُهَا ، وَهُوَ قِيرَاطَانِ وَنِصْفٌ ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيرَاطٍ ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ .

( 4855 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَيُرَدُّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ ، إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا إلَّا ذَوِي فُرُوضٍ ، وَلَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالَ ، كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْجَدَّاتِ ، فَإِنَّ الْفَاضِلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ فُرُوضِهِمْ ، إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، وَشُرَيْحٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابِهِ .
قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ .
وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ ، إلَّا أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ عَلَى بِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتٍ ، وَلَا عَلَى أُخْتٍ مِنْ أَبٍ مَعَ أُخْتٍ مِنْ أَبَوَيْنِ ، وَلَا عَلَى جَدَّةٍ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى وَلَدٍ مَعَ الْأُمِّ ، وَلَا عَلَى الْجَدِّ مَعَ ذِي سَهْمٍ .
وَاَلَّذِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ أَظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَصَحُّ ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي السِّهَامِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ عَالَتْ ، لَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَالرَّدُّ يَنْبَغِي أَنْ يَنَالَهُمْ أَيْضًا .
فَأَمَّا الزَّوْجَانِ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى زَوْجٍ .
وَلَعَلَّهُ كَانَ عَصَبَةً ، أَوْ ذَا رَحِمٍ ، فَأَعْطَاهُ لِذَلِكَ ، أَوْ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَنَّ أَهْلَ الرَّدِّ كُلَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } .
وَالزَّوْجَانِ خَارِجَانِ مِنْ ذَلِكَ .
وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ

إلَى أَنَّ الْفَاضِلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ فَوْقَ فَرْضِهِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي الْأُخْتِ : { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } .
وَمَنْ رَدَّ عَلَيْهَا جَعَلَ لَهَا الْكُلَّ ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى .
فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا ، كَالزَّوْجِ .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } .
وَهَؤُلَاءِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَقَدْ تَرَجَّحُوا بِالْقُرْبِ إلَى الْمَيِّتِ ، فَيَكُونُونَ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
لِأَنَّهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَذُو الرَّحِمِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجَانِبِ ، عَمَلًا بِالنَّصِّ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ } .
وَفِي لَفْظٍ : { مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَإِلَيَّ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَارِثِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَهَذَا عَامٌ فِي جَمِيعِ الْمَالِ ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ ، لَقِيطَهَا ، وَعَتِيقَهَا ، وَالْوَلَدَ الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ } .
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ .
فَجَعَلَ لَهَا مِيرَاثَ وَلَدِهَا الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ كُلَّهُ ، خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ مِيرَاثُ غَيْرِهَا مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ بِالْإِجْمَاعِ ، بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ ، وَلِأَنَّهَا مِنْ وُرَّاثِهِ بِالرَّحِمِ ، فَكَانَتْ أَحَقَّ بِالْمَالِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، كَعَصَبَاتِهِ .
فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } .
فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهَا زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } .
لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَبِ السُّدُسُ ، وَمَا فَضَلَ عَنْ الْبِنْتِ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ ، وَقَوْلُهُ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } .
لَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ مَا فَضَلَ إذَا

كَانَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى ، وَكَذَلِكَ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ إذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ ، وَالْبِنْتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً ، كَذَا هَاهُنَا تَسْتَحِقُّ النِّصْفَ بِالْفَرْضِ ، وَالْبَاقِيَ بِالرَّدِّ ، وَأَمَّا الزَّوْجَانِ فَلَيْسَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ .

( 4856 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَإِذَا كَانَتْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ ، وَأُخْتٌ لِأُمٍّ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَمَا بَقِيَ يُرَدُّ عَلَيْهِنَّ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِنَّ .
فَصَارَ الْمَالُ بَيْنَهُنَّ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ، لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْمَالِ ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ الْخُمُسُ ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ الْخُمُسُ .
طَرِيقُ الْعَمَلِ فِي الرَّدِّ أَنْ تَأْخُذَ سِهَامَ أَهْلِ الرَّدِّ مِنْ أَصْلِ مَسْأَلَتِهِمْ ، وَهِيَ أَبَدًا تَخْرُجُ مِنْ سِتَّةٍ ، إذْ لَيْسَ فِي الْفُرُوضِ كُلِّهَا مَا لَا يُؤْخَذُ فِي السِّتَّةِ إلَّا الرُّبُعُ وَالثُّمُنُ .
وَلَيْسَ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَدَدَ سِهَامِهِمْ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ ، كَمَا صَارَتْ السِّهَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَائِلَةِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَضْرِبُ فِيهَا الْعَدَد الَّذِي انْكَسَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُهُ ، فَكَذَا هَاهُنَا إذَا انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ ضَرَبْته فِي عَدَدِ سِهَامِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ .
وَيَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أُصُولٍ ؛ أَوَّلُهَا : أَصْلُ اثْنَيْنِ ؛ كَجَدَّةٍ ، وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ، أَصْلُهَا اثْنَانِ ، ثُمَّ تُقَسِّمُ الْمَالَ عَلَيْهِمَا ، فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَالِ ، فَإِنْ كَانَ الْجَدَّاتُ ثَلَاثًا فَلَهُنَّ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ .
اضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ اثْنَانِ ، تَصِيرُ سِتَّةً ؛ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ ، أَصْلُ ثَلَاثَةٍ : أُمٌّ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ ، وَأُمٍّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً ضَرَبْت عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ مَسْأَلَتِهِمْ ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ، صَارَتْ تِسْعَةً ، وَمِنْهَا تَصِحُّ ، ثَلَاثُ جَدَّاتٍ ، وَأَرْبَعَةُ إخْوَةٍ مِنْ أُمٍّ ، لِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ ، يُوَافِقُهُمْ بِالنِّصْفِ ، يَرْجِعُ عَدَدُهُمْ إلَى اثْنَيْنِ ، تَضْرِبُهُمَا فِي عَدَدِ الْجَدَّاتِ ،

ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ .
أَصْلُ أَرْبَعَةٍ : أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ أَوْ أُمٍّ ، أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ ، أَوْ جَدَّةٌ .
بِنْتٌ ، وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ .
بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ .
فَإِنْ كَانَ بَنَاتُ الِابْنِ أَرْبَعًا ضَرَبْتهنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ، صَارَتْ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ .
أَصْلُ خَمْسَةٍ : ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ ، لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ، وَلِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ السُّدُسُ ، وَلِلْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ .
أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ .
أُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ .
وَلَا تَزِيدُ مَسَائِلُ الرَّدِّ أَبَدًا عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ سَهْمًا لَكَمُلَ الْمَالُ ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ يُرَدُّ .
ثَلَاثُ جَدَّاتٍ وَبِنْتٌ وَأَرْبَعُ بَنَاتِ ابْنٍ .
أَصْلُهَا مِنْ خَمْسَةٍ ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتِّينَ .
وَمَتَى كَانَ الرَّدُّ عَلَى حَيِّزٍ وَاحِدٍ ، فَلَهُ جَمِيعُ الْمَالِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ ، كَأَنَّهُ عَصَبَةٌ ، فَإِنْ كَانَ شَخْصًا وَاحِدًا ، فَالْمَالُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةً ، قَسَّمْته عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِهِمْ ، كَالْبَنِينَ ، وَالْإِخْوَةِ .
( 4857 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ، أَعْطَيْته فَرْضَهُ مِنْ أَصْلِ مَسْأَلَتِهِ ، وَقَسَّمْت الْبَاقِيَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَلَى فَرِيضَةِ أَهْلِ الرَّدِّ ، فَإِنْ انْقَسَمَ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ .
وَلَا يَتَّفِقُ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ امْرَأَةٌ لَهَا الرُّبُعُ ، وَمَسْأَلَةُ أَهْلِ الرَّدِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ كَامْرَأَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ .
أَوْ أَمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ .
أَوْ جَدَّةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ .
فَلِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، يَبْقَى ثَلَاثَةٌ عَلَى فَرِيضَةِ أَهْلِ الرَّدِّ ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ ، فَتَصِحُّ عَلَيْهَا ، وَيَصِحُّ الْجَمِيعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، فَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى عَدَدٍ مِنْهُ ، ضَرَبْته فِي أَرْبَعَةٍ كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ ، تَصِحُّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَإِنْ لَمْ

يَنْقَسِمْ فَأَصْلُ مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ عَلَى فَرِيضَةِ أَهْلِ الرَّدِّ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُوَافِقَهَا أَيْضًا .
فَاضْرِبْ فَرِيضَةَ الرَّدِّ فِي فَرِيضَةِ الزَّوْجِ ، فَمَا بَلَغَ فَإِلَيْهِ تَنْتَقِلُ الْمَسْأَلَةُ ، فَإِذَا أَرَدْت الْقِسْمَةَ فَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَرِيضَةُ الرَّدِّ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ سِهَامُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ مَضْرُوبَةٌ فِي فَاضِلِ فَرِيضَةِ الزَّوْجِ ، فَمَا بَلَغَ فَهُوَ لَهُ إنْ كَانَ وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَسَّمْته عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ ضَرَبْته ، أَوْ وَفْقَهُ فِيمَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَتَصِحُّ عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِ التَّصْحِيحِ .
وَهَذَا يَنْحَصِرُ فِي أُصُولٍ خَمْسَةٍ ؛ أَحَدُهَا ، زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَأَخٌ لِأُمٍّ ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَأَصْلُ مَسْأَلَتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ ، لَهُ سَهْمٌ يَبْقَى سَهْمٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ .
وَهِيَ اثْنَانِ ، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ يَكُنْ أَرْبَعَةً ، وَلَا يَقَعُ الْكَسْرُ فِي هَذَا الْأَصْلِ إلَّا عَلَى فَرِيقٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْجَدَّاتُ ، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ فِي أَرْبَعَةٍ ، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ .
الْأَصْلُ الثَّانِي ، زَوْجَةٌ وَجَدَّةٌ وَأَخٌ لِأُمٍّ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى ثَمَانِيَة ، وَلَا يَكُونُ الْكَسْرُ إلَّا عَلَى الْجَدَّاتِ أَيْضًا .
الْأَصْلُ الثَّالِثُ ، زَوْجٌ وَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ ، مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ ، وَكَذَلِكَ زَوْجَةٌ ، وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ، وَأُخْتٌ لِأَبٍ ، أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ جَدَّاتٌ ، وَمِثْلُهَا زَوْجَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ ، أَوْ جَدَّةٌ الْأَصْلُ الرَّابِعُ ، زَوْجَةٌ وَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ ، أَوْ أُمٌّ ، أَوْ جَدَّةٌ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ .
الْأَصْلُ الْخَامِسُ ، زَوْجَةٌ وَبِنْتَانِ وَأُمٌّ ، مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى أَرْبَعِينَ ، وَكَذَلِكَ زَوْجَةٌ وَبِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأُمٌّ

، أَوْ جَدَّةٌ .
أُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ ، أَوْ أَخَوَاتٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ ، أَوْ أُمٌّ ، أَوْ جَدَّةٌ أُخْتَانِ مِنْ أَبَوَيْنِ ، أَوْ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ ، أَوْ جَدَّةٌ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا انْكَسَرَتْ سِهَامُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ ضَرَبْته فِيمَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَمِثَالُ ذَلِكَ ، أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ بِنْتًا وَأَرْبَعُ عَشْرَةَ جَدَّةً ، مَسْأَلَةُ الزَّوْجَاتِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، فَتَضْرِبُ فِيهَا فَرِيضَةَ الرَّدِّ وَهِيَ خَمْسَةٌ ، تَكُنْ أَرْبَعِينَ ، لِلزَّوْجَاتِ فَرِيضَةُ أَهْلِ الرَّدِّ خَمْسَةٌ ، عَلَى أَرْبَعَةٍ ، لَا تَصِحُّ .
وَلَا تُوَافِقُ ، وَيَبْقَى خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ ، لِلْجَدَّاتِ خُمُسُهَا سَبْعَةٌ ، عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، تُوَافِقُ بِالْأَسْبَاعِ ، فَيَرْجِعْنَ إلَى اثْنَيْنِ ، وَيَبْقَى لِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ ، تُوَافِقُهُنَّ بِالْأَسْبَاعِ ، فَيَرْجِعْنَ إلَى ثَلَاثٍ ، وَالِاثْنَانِ ثُمَّ تَدْخُلَانِ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثًا فِي أَرْبَعٍ ، تَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ ، ثُمَّ فِي أَرْبَعِينَ ، تَكُنْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ ، وَمَتَى كَانَ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ ، أَخَذَ الْفَاضِلَ كُلَّهُ ، كَأَنَّهُ عَصَبَةٌ ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْمَسْأَلَةُ .
وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فَرِيقٌ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الرَّدِّ ، كَالْبَنَاتِ ، أَوْ الْأَخَوَاتِ ، قَسَّمْت الْفَاضِلَ عَلَيْهِمْ ، كَأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ .
فَإِنْ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ ، ضَرَبْت عَدَدَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ .

بَابُ الْجَدَّاتِ ( 4858 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِلْجَدَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ السُّدُسُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمٌّ .
وَحَكَى غَيْرُهُ رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهَا ، فَقَامَتْ مَقَامَهَا ، كَالْجَدِّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ ، قَالَ : { جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ ، تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا ، فَقَالَ : مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ ، وَمَا أَعْلَمُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ، وَلَكِنْ ارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ .
فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ .
فَقَالَ : هَلْ مَعَك غَيْرُك ؟ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، فَأَمْضَاهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ ، جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى ، فَقَالَ : مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ ، فَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إلَّا فِي غَيْرِك ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ هُوَ ذَاكَ السُّدُسُ ، فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ لَكُمَا ، وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا .
} رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَأَمَّا الْجَدُّ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَهَا شَيْئًا .
وَلِأَنَّ الْجَدَّةَ تُدْلِي بِالْأُمِّ ، فَسَقَطَتْ بِهَا ، كَسُقُوطِ الْجَدَّ بِالْأَبِ ، وَابْنُ الِابْنِ بِهِ .
فَأَمَّا أُمُّ الْأَبِ ،

فَإِنَّهَا أَيْضًا إنَّمَا تَرِثُ مِيرَاثَ أُمٍّ ؛ لِأَنَّهَا أُمٌّ ، وَلِذَلِكَ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ ، وَلَوْ كَانَ مِيرَاثُهَا مِنْ جِهَتِهِ مَا وَرِثَتْ مَعَ وُجُودِهِ .

( 4859 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَكَذَلِكَ إنْ كَثُرْنَ ، لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مِيرَاثَ الْجَدَّاتِ السُّدُسُ ، وَإِنْ كَثُرْنَ ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ ، وَأَنَّ عُمَرَ شَرَكَ بَيْنَهُمَا .
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَى سَعِيدٌ ، ثنا سُفْيَانُ ، وَهُشَيْمٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : جَاءَتْ الْجَدَّتَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعْطَى أُمَّ الْأُمِّ الْمِيرَاثَ دُونَ أُمِّ الْأَبِ .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ، أَعْطَيْت الَّتِي إنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا ، وَمَنَعْت الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَرِثَهَا ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا .
وَلِأَنَّهُنَّ ذَوَاتُ عَدَدٍ لَا يُشْرِكُهُنَّ ذَكَرٌ ، فَاسْتَوَى كَثِيرُهُنَّ وَوَاحِدَتُهُنَّ ، كَالزَّوْجَاتِ .
وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا .
يُرِيدُ بِهِ التَّحَرُّزَ مِنْ زِيَادَتِهِنَّ بِالرَّدِّ ، فَإِنَّهُنَّ يَأْخُذْنَ فِي الرَّدِّ زِيَادَةً عَلَى السُّدُسِ ، عَلَى مَا قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ .

( 4860 ) فَصْلٌ : وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَوْرِيثِ جَدَّتَيْنِ ؛ أُمِّ الْأُمِّ ، وَأُمِّ الْأَبِ .
وَكَذَلِكَ إنْ عَلَتَا وَكَانَتَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً ، كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ أُمَّ أُمِّ الْأَبِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهَا فَلَا تَرِثُهُ ، وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْخَبَرَ .
وَلَنَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى ثَلَاثَ جَدَّاتٍ .
وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ أُمُّ أُمِّ الْأَبِ ، أَوْ مَنْ هِيَ أَعْلَى مِنْهَا .
وَمَا ذَكَرَهُ دَاوُد فَهُوَ قِيَاسٌ ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِأُمِّ الْأُمِّ ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا .
وَقَوْلُهُ : لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْخَبَرِ .
قُلْنَا : وَكَذَلِكَ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا ؛ فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى تَوْرِيثِ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِنَّ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَوْفٍ ، وَرَبِيعَةَ وَابْنِ هُرْمُزٍ ، وَمَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ، وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا نَعْلَمُ وَرِثَ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدَّتَيْنِ .
وَحُكِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ ، فَعَابَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ سَعْدٌ أَتَعِيبُنِي وَأَنْتَ تُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ ؟ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ ، إذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، إلَّا مَنْ أَدْلَتْ بِأَبٍ غَيْرِ وَارِثٍ ، كَأُمِّ أَبِ الْأُمِّ .

قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ : وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ إلَّا شَاذًّا .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابُهُ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، فَإِنَّهُ سَمَّى ثَلَاثَ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ .
ثُمَّ قَالَ : " وَإِنْ كَثُرْنَ فَعَلَى ذَلِكَ " .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الزَّائِدَةَ جَدَّةٌ أَدْلَتْ بِوَارِثٍ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَ ، كَإِحْدَى الثَّلَاثِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى سَعِيدٌ ، عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ ، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمَّ .
} وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَرَوَى سَعِيدٌ أَيْضًا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنْ الْجَدَّاتِ ثَلَاثًا ، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْدِيدِ بِثَلَاثٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الْوَارِثَاتِ هِيَ أُمُّ الْأُمَّ وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهَا ، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ ، وَأُمُّ الْجَدِّ وَأُمَّهَاتُهَا .
وَلَا تَرِثُ أُمُّ أَبِ الْجَدِّ ، وَلَا كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ آبَاءٍ .
وَهَؤُلَاءِ الْجَدَّاتُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِنَّ .
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْجَدَّةَ الْمُدْلِيَةَ بِأَبٍ غَيْرِ وَارِثٍ لَا تَرِثُ ، وَهِيَ كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ ، كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : تَرِثُ .
وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ ، لَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ بِهِ قَائِلًا ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ فَإِنَّهَا تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ ، فَلَمْ تَرِثْ ، كَالْأَجَانِبِ ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ ، أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ ، السُّدُسُ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا ، أُمُّ أُمِّ أُمٍّ ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ ، وَأُمُّ

أَبِي أُمٍّ ، السُّدُسُ لِلثَّلَاثِ الْأُوَلِ ، إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ ، فَإِنَّهُ لِلْأُولَيَيْنِ .
وَعِنْدَ دَاوُد هُوَ لِلْأُولَى وَحْدَهَا .
وَلَا تَرِثُ الرَّابِعَةُ إلَّا فِي قَوْلٍ شَاذٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ ، أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ ، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أَبٍ ، وَأُمُّ أَبِي أَبِي أَبٍ ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أُمٍّ ، وَأُمُّ أَبِي أُمِّ أُمٍّ ، وَأُمُّ أَبِي أَبِي أُمٍّ ، وَأُمُّ أَبِي أُمِّ أَبٍ .
السُّدُسُ لِلْأُولَى عِنْدَ دَاوُد وَلِلْأُولَيَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ .
وَلِلثَّلَاثِ الْأُوَلِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُوَافِقِيهِ .
وَلِلْأَرْبَعِ الْأُوَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ .
وَتَسْقُطُ الْأَرْبَعُ الْبَاقِيَاتُ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ .
وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَرِثُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إلَّا وَاحِدَةٌ .
وَلَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إلَّا اثْنَتَانِ ، وَهُمَا اللَّتَانِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي الْخَبَرِ ، إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا عَلَوْنَ دَرَجَةً ، زَادَ فِي عَدَدِهِنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَاحِدَةً .

( 4861 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ كَانَ الْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ ) أَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْجَدَّتَيْنِ أُمَّ الْأُخْرَى ، فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْقُرْبَى وَتَسْقُطُ الْبُعْدَى بِهَا ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِهَتَيْنِ وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، فَالْمِيرَاثُ لَهَا ، وَتَحْجُبُ الْبَعْدِي فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَشَرِيكٍ أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمَا .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنْ كَانَتَا مِنْ جِهَتَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ لِلْقُرْبَى .
يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْجَدَّتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمَّ الْأَبِ وَالْأُخْرَى أُمَّ الْجَدِّ ، سَقَطَتْ أُمُّ الْجَدِّ بِأُمِّ الْأَبِ .
وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ .
فَأَمَّا الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَهَلْ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ؟ فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّهَا تَحْجُبُهَا ، وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلْقُرْبَى .
وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ هُوَ بَيْنَهُمَا .
وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْأَبَ الَّذِي تُدْلِي بِهِ الْجَدَّةُ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ، فَالَّتِي تُدْلِي بِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْجُبَهَا ، وَبِهَذَا فَارَقَتْهَا الْقُرْبَى مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ، فَإِنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ .
وَهِيَ تَحْجُبُ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا جَدَّةُ قُرْبَى ، فَتَحْجُبُ الْبُعْدَى ، كَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ، وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثًا وَاحِدًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا اجْتَمَعْنَ فَالْمِيرَاثُ

لِأَقْرَبِهِنَّ ، كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ وَالْبَنَاتِ .
وَكُلُّ قَبِيلٍ إذَا اجْتَمَعُوا فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِمْ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْأَبَ لَا يُسْقِطُهَا .
قُلْنَا : لِأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ مِيرَاثَهُ ، إنَّمَا يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْأُمَّهَاتِ ، لِكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتٍ .
وَلِذَلِكَ أَسْقَطَتْهُنَّ الْأُمُّ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مَسَائِلُ : مِنْ ذَلِكَ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ ، الْمَالُ لِلْأُولَى ، إلَّا فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ بَيْنَهُمَا .
أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أُمٍّ ، الْمَالُ لِلْأُولَى فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هُوَ بَيْنَهُمَا .
أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ جَدٍّ ، الْمَالُ لِلْأُولَيَيْنِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ ، إلَّا فِي قَوْلِ شَرِيكٍ وَمُوَافِقِيهِ هُوَ بَيْنَهُنَّ .
أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبِي أَبٍ ، هُوَ لِلْأُولَيَيْنِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ .

( 4862 ) فَصْلٌ : إذَا اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ مَعَ أُخْرَى ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ، لِذَاتِ الْقَرَابَتَيْنِ ثُلُثَاهُ ، وَلِلْأُخْرَى ثُلُثُهُ .
كَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُرَنِيُّ ، وَلَعَلَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي تَوْرِيثِ الْمَجُوسِ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ .
وَهَذَا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ، وَزُفَرَ وَشَرِيكٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ : السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْقَرَابَتَيْنِ إذَا كَانَتَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَمْ يَرِثْ بِهِمَا جَمِيعًا ، كَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا شَخْصٌ ذُو قَرَابَتَيْنِ ، تَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً ، وَلَا يُرَجَّحُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ .
فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا أَوْ زَوْجًا ، وَفَارَقَ الْأَخَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، فَإِنَّهُ رَجَحَ بِقَرَابَتَيْهِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّرْجِيحِ بِالْقَرَابَةِ الزَّائِدَةِ وَالتَّوْرِيثِ بِهَا ؛ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِهِمَا جَمِيعًا ، بَلْ إذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا وُجِدَ الْآخَرُ ، وَهَا هُنَا قَدْ انْتَفَى التَّرْجِيحُ فَيَثْبُتُ التَّوْرِيثُ .
وَصُورَةُ ذَلِكَ ، أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِ الْمَرْأَةِ بِنْتَ بِنْتِهَا ، فَيُولَدَ لَهُمَا وَلَدٌ ، فَتَكُونَ الْمَرْأَةُ أُمَّ أُمِّ أُمِّهِ ، وَهِيَ مِنْ أُمِّ أَبِي أَبِيهِ .
وَإِنْ تَزَوَّجَ ابْنُ بِنْتِهَا بِنْتَ بِنْتِهَا ، فَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمُّ أُمِّ أَبِيهِ .
وَإِنْ أَدْلَتْ الْجَدَّةُ بِثَلَاثِ جِهَاتٍ ، تَرِثُ بِهِنَّ ، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى وَارِثَةٌ عِنْدَ مَنْ لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ .

( 4863 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَالْجَدَّةُ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيُّ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إذَا كَانَ ابْنُهَا حَيًّا وَارِثًا ، فَإِنَّ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ وَأَبَا الطُّفَيْلِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَّثُوهَا مَعَ ابْنِهَا .
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالْعَنْبَرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : لَا تَرِثُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ جَابِرٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ .
وَلَا خِلَافَ فِي تَوْرِيثِهَا مَعَ ابْنِهَا إذَا كَانَ عَمًّا أَوْ عَمَّ أَبٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْلِي بِهِ .
وَاحْتَجَّ مَنْ أَسْقَطَهَا بِابْنِهَا بِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ ، فَلَا تَرِثُ مَعَهُ ، كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ ، وَأُمِّ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّدُسَ ، أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا ، وَابْنُهَا حَيٌّ .
} أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ : ( أَوَّلُ جَدَّةٍ أُطْعِمَتْ السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا ) وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّدُسَ أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا .
وَلِأَنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْأُمِّ ، لَا مِيرَاثَ الْأَبِ ، فَلَا يُحْجَبْنَ بِهِ كَأُمَّهَاتِ الْأُمِّ .
مَسَائِلُ ذَلِكَ : أُمُّ أَبٍ وَأَبٍ ، لَهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لَهُ .
وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ ، الْكُلُّ لَهُ دُونَهَا .
أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَأَبٍ ، السُّدُسُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ .
وَعَلَى الثَّانِي السُّدُسُ لِأُمِّ

الْأُمِّ ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ .
وَقِيلَ : لِأُمِّ الْأُمِّ نِصْفُ السُّدُسِ ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ عَدَمَ لَمْ يَكُنْ لِأُمِّ الْأُمِّ إلَّا نِصْفُ السُّدُسِ ، فَلَا يَكُونُ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ إلَّا مَا كَانَ لَهَا مَعَ عَدَمِهِ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنْ نِصْف مِيرَاثِهَا ، وَلَا يَأْخُذُونَ مَا حَجَبُوهَا عَنْهُ ، بَلْ يَتَوَفَّرُ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ ، كَذَا هَاهُنَا .
ثَلَاثُ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ وَأَبٍ ، السُّدُسُ بَيْنَهُنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَلِأُمِّ الْأُمِّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَعَلَى الثَّالِثِ لِأُمِّ الْأُمِّ ثُلُثُ السُّدُسِ ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ .
وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُتَحَاذِيَاتِ جَدَّاتٌ ، لَمْ يَحْجُب إلَّا أُمَّهُ .
أَبٌ وَأَمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أُمٍّ ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأَبِ .
وَمَنْ حَجَبَ الْجَدَّةَ بِابْنِهَا أَسْقَطَ أُمَّ الْأَبِ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ ، فَقِيلَ : السُّدُسُ كُلُّهُ لِأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الَّتِي تَحْجُبُهَا أَوْ تُزَاحِمُهَا قَدْ سَقَطَ حُكْمُهَا ، فَصَارَتْ كَالْمَعْدُومَةِ .
وَقِيلَ : بَلْ لَهَا نِصْفُ السُّدُسِ عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ مَعَ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ، فَكَانَ لَهَا نِصْفُ السُّدُسِ .
وَقِيلَ : لَا شَيْءَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِأُمِّ الْأَبِ ، ثُمَّ انْحَجَبَتْ أُمُّ الْأَبِ بِالْأَبِ ، فَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَبِ .

( 4864 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَالْجَدَّاتُ الْمُتَحَاذِيَاتُ أَنْ تَكُنَّ أُمَّ أُمِّ أُمٍّ ، وَأُمَّ أُمِّ أَبٍ وَأُمَّ أَبِي أَبٍ ، وَإِنْ كَثُرْنَ فَعَلَى ذَلِكَ ) يَعْنِي بِالْمُتَحَاذِيَاتِ الْمُتَسَاوِيَاتِ فِي الدَّرَجَةِ ، بِحَيْثُ لَا تَكُونُ وَاحِدَةٌ أَعْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَا أَنْزَلَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ إنَّمَا يَرِثْنَ كُلُّهُنَّ إذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَمَتَى كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ ، فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ ، فَإِذَا قِيلَ : تَرَكَ جَدَّتَيْنِ وَارِثَتَيْنِ عَلَى أَقْرَبِ الْمَنَازِلِ .
فَهُمَا أُمُّ أُمِّهِ وَأُمُّ أَبِيهِ .
وَإِنْ قِيلَ : تَرَكَ ثَلَاثًا .
فَهُنَّ كَمَا قَالَ الْخِرَقِيِّ أُمُّ أُمِّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ وَأُمُّ أَبِي أَبٍ ، وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ، وَاثْنَتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَهُمَا أُمُّ أُمِّهِ وَأُمُّ أَبِيهِ ، كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ ، وَفِي دَرَجَتِهِنَّ أُخْرَى مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ غَيْرِ وَارِثَةٍ ، وَهِيَ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ ، وَلَا يَرْتُ أَبَدًا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ الَّتِي كُلُّ نَسَبِهَا أُمَّهَاتٌ لَا أَبَ فِيهِنَّ .
فَاحْفَظْ ذَلِكَ .
فَإِنْ قِيلَ : تَرَكَ أَرْبَعًا .
فَهُنَّ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ ، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أَبٍ ، وَأُمُّ أَبِي أَبِي أَبٍ .
وَفِي دَرَجَتِهِنَّ أَرْبَعٌ غَيْرُ وَارِثَاتٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ ، إلَّا أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ لَا يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ ، وَهُنَّ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ .
وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ تَوْرِيثَهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ كُلَّمَا زَادَ دَرَجَةً زَادَتْ جَدَّةٌ ، وَيَرِثُ فِي الدَّرَجَةِ الْخَامِسَةِ خَمْسٌ ، وَفِي السَّادِسَةِ سِتٌّ ، وَفِي السَّابِعَةِ سَبْعٌ ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا ، وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ " وَإِنْ كَثُرْنَ فَعَلَى ذَلِكَ " .
يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى تَوْرِيثِ الْجَدَّاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَثُرْنَ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ وَإِنْ كَثُرْنَ فَلَا يَرِثُ إلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ .
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَرِثُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ ؛

وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ، وَاثْنَتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَهُمَا أُمُّ أُمِّهِ وَأُمُّ أَبِيهِ وَأُمَّهَاتُهُمَا .
وَلَا تَرِثُ جَدَّةٌ فِي نَسَبِهَا أَبٌ بَيْنَ أُمَّيْنِ ، وَلَا ثَلَاثَةُ آبَاءٍ .
وَإِنْ أَرَدْت تَنْزِيلَ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ وَغَيْرِهِنَّ ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَيِّتِ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى جَدَّتَيْنِ ، أُمَّ أُمِّهِ وَأُمَّ أَبِيهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ جَدَّتَيْنِ فَهُمَا أَرْبَعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَمَانٍ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ أَرْبَعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَيَكُونُ لِوَلَدِهِمَا ثَمَانٍ .
وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا عَلَوْنَ دَرَجَةً تَضَاعَفَ عَدَدُهُنَّ ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُنَّ إلَّا ثَلَاثٌ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

مَنْ يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ( 4865 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَيَرِثُ مِنْ الرِّجَال الِابْنُ ، ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَالْأَبُ ، ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا ، وَالْأَخُ ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ، وَالْعَمُّ ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ ، وَالزَّوْجُ ، وَمَوْلَى النِّعْمَةِ .
وَمِنْ النِّسَاءِ الْبِنْتُ ، وَبِنْتُ الِابْنِ ، وَالْأُمُّ ، وَالْجَدَّةُ ، وَالْأُخْتُ ، وَالزَّوْجَةُ ، وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ ) فَهَؤُلَاءِ مُجْمَعٌ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ ، وَأَكْثَرُهُمْ ثَبَتَ تَوْرِيثُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَالِابْنُ ثَبَتَ مِيرَاثُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ .
وَالْأَبَوَانِ ثَبَتَ مِيرَاثُهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ } .
وَالْجَدُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ قَوْله تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ .
} كَمَا دَخَلَ ابْنُ الِابْنِ فِي عُمُومِ : ( أَوْلَادِكُمْ ) .
وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثَبَتَ مِيرَاثُهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ } .
وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ، وَالْأَبُ ، ثَبَتَ إرْثُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ } .
وَأَمَّا ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ ، وَالْعَمُّ وَابْنُهُ ، وَعَمُّ الْأَبِ وَابْنُهُ ، فَثَبَتَ مِيرَاثُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ .
} وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ وَلَدُ الْأُمِّ ، وَلَا الْعَمُّ لِلْأُمِّ ، وَلَا ابْنُهُ ، وَلَا الْخَالُ ، وَلَا أَبُو الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْعُصُبَاتِ ، وَأَمَّا الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَالْمَوْلَاةُ ، فَثَبَتَ إرْثُهُمَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
وَالْجَدَّةُ أَطْعَمَهَا ، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّدُسَ .
وَالزَّوْجُ ثَبَتَ إرْثُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } .
وَالزَّوْجَةُ ثَبَتَ إرْثُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ

مِمَّا تَرَكْتُمْ } .
( 4866 ) فَصْلٌ : وَجَمِيعُهُمْ ضَرْبَانِ ؛ ذُو فَرْضٍ ، وَعَصَبَةٌ .
فَالذُّكُورُ كُلُّهُمْ عَصَبَاتٌ إلَّا الزَّوْجَ ، وَالْأَخَ مِنْ الْأُمِّ ، وَإِلَّا الْأَبَ ، وَالْجَدَّ مَعَ الِابْنِ .
وَالْإِنَاثُ كُلُّهُنَّ إذَا انْفَرَدْنَ عَنْ إخْوَتِهِنَّ ذَوَاتُ فَرْضٍ ، إلَّا الْمَوْلَاةَ الْمُعْتِقَةَ ، وَإِلَّا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ .
وَعَدَدُ الْعَصَبَاتِ ؛ الِابْنُ ، وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ، وَالْأَبُ ، وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ، وَالْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَابْنَاهُمَا وَإِنْ نَزَلَا ، وَالْعَمَّانِ كَذَلِكَ ، وَابْنَاهُمَا وَإِنْ نَزَلَا ، وَعَمَّا الْأَبِ ، وَابْنَاهُمَا كَذَلِكَ أَبَدًا ، وَمَوْلَى النِّعْمَةِ .
وَعَدَدُ الْإِنَاثِ ؛ الْبَنَاتُ ، وَبَنَاتُ الِابْنِ ، وَالْأُمُّ ، وَالْجَدَّةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَإِنْ عَلَتْ ، وَالْأَخَوَاتُ مِنْ الْجِهَات الثَّلَاثِ .
وَالْأَخُ مِنْ الْأُمَّ ، وَالزَّوْجُ ، وَالزَّوْجَةُ .
وَمَنْ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ خَمْسَةٌ ؛ الزَّوْجَانِ ، وَالْأَبَوَانِ ، وَوَلَدُ الصُّلْبِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَمُتُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ يَحْجُبُهُمْ ، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْوَارِثِ إنَّمَا يَمُتُّ بِوَاسِطَةٍ سِوَاهُ ، فَيَسْقُطُ بِمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْمَيِّتِ مِنْهُ .

مِيرَاثِ الْجَدِّ رَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ ابْنَ ابْنِ ابْنِي مَاتَ ، فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ ؟ قَالَ : لَك السُّدُسُ .
فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ ، فَقَالَ : إنَّ لَك سُدُسًا آخَرَ .
فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ ، فَقَالَ : إنَّ لَك السُّدُسَ الْآخَرَ طُعْمَةً .
} قَالَ قَتَادَةُ : فَلَا نَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ وَرَّثَهُ .
قَالَ قَتَادَةُ أَقَلُّ شَيْءٍ وَرِثَ الْجَدُّ السُّدُسَ .
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أَيُّكُمْ يَعْلَمُ مَا وَرَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَدَّ ؟ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ : أَنَا ، وَرَّثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّدُسَ .
قَالَ : مَعَ مَنْ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي .
قَالَ : لَا دَرَيْت .
قَالَ : فَمَا يُغْنِي إذًا ، } رَوَاهُ سَعِيدٌ ، فِي " سُنَنِهِ " .
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ ، لَا يَحْجُبُهُ عَنْ الْمِيرَاثِ غَيْرُ الْأَبِ ، وَأَنْزَلُوا الْجَدَّ فِي الْحَجْبِ وَالْمِيرَاثِ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ ، إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ .
أَحَدُهَا ، زَوْجٌ وَأَبَوَانِ .
وَالثَّانِيَةُ ، زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ ، لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي فِيهِمَا مَعَ الْأَبِ ، وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ .
وَالثَّالِثَةُ ، اخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ .
وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي إسْقَاطِهِ بَنِي الْإِخْوَةِ وَوَلَدَ الْأُمِّ ، ذَكَرَهُمْ وَأُنْثَاهُمْ .
وَذَهَبَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ ، كَمَا يُسْقِطُهُمْ الْأَبُ .
وَبِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ ، وَعَائِشَةَ ، وَأُبَيُّ

بْنِ كَعْبٍ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، وَأَبِي مُوسَى ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ .
وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالْمُزَنِيُّ ، وَابْنُ شُرَيْحٍ ، وَابْنُ اللَّبَّانِ ، وَدَاوُد ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُوَرَّثُونَهُمْ مَعَهُ ، وَلَا يَحْجُبُونَهُمْ بِهِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ؛ لِأَنَّ الْأَخَ ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ الْجَدُّ ، كَالِابْنِ .
وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ ، فَلَا يُحْجَبُونَ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ ، وَمَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَا يُحْجَبُونَ ؛ وَلِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَتَسَاوُونَ فِيهِ ، فَإِنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ ، الْجَدُّ أَبُوهُ ، وَالْأَخُ ابْنُهُ ، وَقَرَابَةُ الْبُنُوَّةِ لَا تَنْقُصُ عَنْ قَرَابَةِ الْأُبُوَّةِ ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ أَقْوَى ؛ فَإِنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْأَبِ ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشَجَرَةٍ أَنْبَتَتْ غُصْنًا ، فَانْفَرَقَ مِنْهُ غُصْنَانِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ ، وَمَثَّلَهُ زَيْدٌ بِوَادٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ ، انْفَرَقَ مِنْهُ جَدْوَلَانِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْوَادِي .
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، وَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ } .
وَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ ، بِدَلِيلِ الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ ؛ أَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَهُ قَرَابَةُ إيلَادٍ وَبَعْضِيَّةٍ

كَالْأَبِ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّ الْفُرُوضَ إذَا ازْدَحَمَتْ سَقَطَ الْأَخُ دُونَهُ ، وَلَا يُسْقِطُهُ أَحَدٌ إلَّا الْأَبُ ، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ يَسْقُطُونَ بِثَلَاثَةٍ ، وَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ ، كَالْأَبِ ، وَهُمْ يَنْفَرِدُونَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيُسْقِطُ وَلَدَ الْأُمِّ ، وَوَلَدُ الْأَبِ يَسْقُطُونَ بِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ ، وَكَانُوا عَصَبَةً .
وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي الْمُشْرَكَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ ابْنِ ابْنِهِ ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، وَيُمْنَعُ مِنْ دَفْعِ زَكَاتِهِ إلَيْهِ ، كَالْأَبِ سَوَاءً ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى قُوَّتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي تَقْدِيمِ الْأَخَوَاتِ ؛ لِأَنَّ فُرُوضَهُنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَجِبُ أَنْ تَلْحَقَ بِهِنَّ فُرُوضُهُنَّ ، وَيَكُونُ لِلْجَدِّ مَا بَقِيَ .
فَالْجَوَابُ ، أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدِينَ ، وَفِي الذُّكُورِ مَعَ الْإِنَاثِ .
أَوْ نَقُولُ : هُوَ حُجَّةٌ فِي الْجَمِيعِ ، وَلَا فَرْضَ لِوَلَدِ الْأَبِ مَعَ الْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُمْ كَلَالَةٌ ، وَالْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَارِثِ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مَعَهُ إذًا فَرْضٌ .
حُجَّةٌ أُخْرَى ، قَالُوا : الْجَدُّ أَبٌ ، فَيَحْجُبُ وَلَدَ الْأَبِ ، كَالْأَبِ الْحَقِيقِيِّ .
وَدَلِيلُ كَوْنِهِ أَبًا قَوْله تَعَالَى : { مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ } وَقَوْلُ يُوسُفَ : { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } .
وَقَوْلُهُ : { كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } وَقَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا .
} وَقَالَ : { سَامُ أَبُو الْعَرَبِ ، وَحَامُ أَبُو الْحَبَشِ } .
وَقَالَ : { نَحْنُ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ، لَا نَقَفُوا أُمَّنَا ، وَلَا نَنْفِي مِنْ أَبِينَا } .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : إنَّا بَنِي نَهْشَلٍ لَا نَدَّعِي لِأَبٍ عَنْهُ وَلَا

هُوَ بِالْأَبْنَاءِ يَشْرِينَا فَوَجَبَ أَنْ يَحْجُبَ الْإِخْوَةَ ، كَالْأَبِ الْحَقِيقِيِّ ، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ يَقُومُ مَقَامَ أَبِيهِ فِي الْحَجْبِ ، وَكَذَلِكَ أَبُو الْأَبِ يَقُومُ مَقَامَ ابْنِهِ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا ، وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا .
وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا إيلَادًا وَبَعْضِيَّةً وَجُزْئِيَّةً ، وَهُوَ يُسَاوِي الْأَبَ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ ، فَيُسَاوِيهِ فِي هَذَا الْحَجْبِ .
يُحَقِّقُهُ أَنَّ أَبَا الْأَبِ وَإِنْ عَلَا يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ قَرَابَةُ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَاحِدَةً ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْجَدِّ مُسَاوِيًا لِبَنِي الْأَخِ ، لِتَسَاوِي دَرَجَةِ مَنْ أَدْلَيَا بِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِوُضُوحِهِ .
( 4867 ) فَصْلٌ : اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِهِمْ مَعَهُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ ، فَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْرِضُ لِلْأَخَوَاتِ فُرُوضَهُنَّ ، وَالْبَاقِيَ لِلْجَدِّ ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَهُ ذَلِكَ مِنْ السُّدُسِ ، فَيَفْرِضَهُ لَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ، وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ ، فَرَضَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، وَقَاسَمَ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ فِيمَا بَقِيَ ، إلَّا أَنْ تَنْقُصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ السُّدُسِ ، فَنَفْرِضَهُ لَهُ .
فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ كُلُّهُمْ عَصَبَةً ، قَاسَمَهُمْ الْجَدُّ إلَى السُّدُسِ .
فَإِنْ اجْتَمَعَ وَلَدُ الْأَبِ وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْجَدِّ ، سَقَطَ وَلَدُ الْأَبِ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمُقَاسَمَةِ ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ .
وَإِنْ انْفَرَدَ وَلَدُ الْأَبِ ، قَامُوا مَقَامَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْجَدِّ .
وَصَنَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْأَخَوَاتِ كَصُنْعِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَاسَمَ بِهِ الْإِخْوَةَ إلَى الثُّلُثِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَصْحَابُ فَرَائِضَ ، أَعْطَى أَصْحَابَ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ ، ثُمَّ صَنَعَ صَنِيعَ زَيْدٍ فِي إعْطَاءِ الْجَدِّ الْأَحَظَّ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي أَوْ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ ،

وَعَلِيٌّ يُقَاسِمُ بِهِ بَعْدَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ بِنْتًا أَوْ بَنَاتٍ فَلَا يَزِيدُ الْجَدُّ عَلَى الثُّلُثِ ، وَلَا يُقَاسِمُ بِهِ .
وَقَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ ، الشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ الْمِقْسَمِ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ .
وَذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، مَسْرُوقٌ ، وَعَلْقَمَةُ ، وَشُرَيْحٌ .
وَأَمَّا مَذْهَبُ زَيْدٍ فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ ، وَسَنَشْرَحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ .
وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَأَهْلُ الشَّامِ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71