الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي

وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا ، وَزَيْنَبُ يَتَنَاوَلُ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ تَعَيَّنَتْ الزَّوْجَةُ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الطَّلَاقِ ، وَخِطَابُ غَيْرِهَا بِهِ عَبَثٌ ، كَمَا إذَا قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ .
ثُمَّ لَوْ تَنَاوَلَهَا بِصَرِيحِهِ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ عَنْهَا دَلِيلٌ ، فَصَارَ ظَاهِرًا فِي غَيْرِهَا ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ : " أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ " .
لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا إلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا وَحْدَهُ ، وَلَمَّا قَالَ حَسَّانُ ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا سُفْيَانَ : فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ لَمْ يَنْصَرِفْ شَرُّهُمَا إلَّا إلَى أَبِي سُفْيَان وَحْدَهُ ، وَخَيْرُهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ .
وَهَذَا فِي الْحُكْمِ ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَدِينُ فِيهِ ، فَمَتَى عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ ، لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ .
وَلَوْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ بِيَمِينِهِ ظُلْمًا ، أَوْ يَتَخَلَّصَ بِهَا مِنْ مَكْرُوهٍ ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ إلَيْهَا .
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ زَوْجَتَهُ ، وَلَا الْأَجْنَبِيَّةَ ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الطَّلَاقِ ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهَا وَيَصْلُحُ لَهَا ، وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهَا ، فَوَقَعَ بِهِ ، كَمَا لَوْ نَوَاهَا .

( 5869 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ ؛ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ ، فَقَالَ : يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، أَوْ نَوَى الْمُجِيبَةَ وَحْدَهَا ، طَلُقَتْ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ دُونَ غَيْرِهَا .
وَإِنْ قَالَ : مَا خَاطَبْت بِقَوْلِي : أَنْتِ طَالِقٌ .
إلَّا حَفْصَةَ ، وَكَانَتْ حَاضِرَةً ، طَلُقَتْ وَحْدَهَا .
وَإِنْ قَالَ : عَلِمْت أَنَّ الْمُجِيبَةَ عَمْرَةُ ، فَخَاطَبْتهَا بِالطَّلَاقِ ، وَأَرَدْت طَلَاقَ حَفْصَةَ .
طَلُقَتَا مَعًا ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْت الْمُجِيبَةَ حَفْصَةَ فَطَلَّقْتهَا .
طَلُقَتْ حَفْصَةُ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَفِي عَمْرَةَ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، تَطْلُقُ أَيْضًا .
وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ ، وَهِيَ مَحِلٌّ لَهُ ، فَطَلُقَتْ ، كَمَا لَوْ قَصَدَهَا .
وَالثَّانِيَةُ ، لَا تَطْلُقُ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ، فِي رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ ، فَقَالَ : فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ .
فَالْتَفَتَتْ ، فَإِذَا هِيَ غَيْرُ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا ، قَالَ : قَالَ إبْرَاهِيمُ : يَطْلُقَانِ .
وَالْحَسَنُ يَقُولُ : تَطْلُقُ الَّتِي نَوَى .
قِيلَ لَهُ : مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ : تَطْلُقُ الَّتِي نَوَى .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ تَطْلُقْ ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتَ طَاهِرٌ .
فَسَبَقَ لِسَانُهُ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَخْتَلِفُ كَلَامُ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِالطَّلَاقِ ، فَطَلُقَتْ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهَا ، وَلَا تَطْلُقُ الْمَنْوِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِالطَّلَاقِ ، وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِطَلَاقِهَا ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُجِيبَةَ عَمْرَةُ ، فَإِنَّ الْمَنْوِيَّةَ تَطْلُقُ بِإِرَادَتِهَا بِالطَّلَاقِ ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ

لَمْ تَطْلُقْ بِالِاعْتِرَافِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِمَا لَا يُوجِبُ لَا يُوجِبُ ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَةَ مَقْصُودَةٌ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، فَطَلُقَتْ كَمَا لَوْ عِلْمَ الْحَالَ .
( 5870 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَشَارَ إلَى عَمْرَةَ ، فَقَالَ : يَا حَفْصَةُ ، أَنْتِ طَالِقٌ .
وَأَرَادَ طَلَاقَ عَمْرَةَ ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى نِدَاءِ حَفْصَةَ ، طَلُقَتْ عَمْرَةُ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ إلَّا طَلَاقَهَا ، وَإِنَّمَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا أَرَادَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَاهِرٌ .
فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى أَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِنْ أَتَى بِاللَّفْظِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهَا عَمْرَةُ ، طَلُقَتَا مَعًا ، عَمْرَةُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا ، وَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا ، وَحَفْصَةُ بِنِيَّتِهِ ، وَبِلَفْظِهِ بِهَا .
وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهَا حَفْصَةُ ، طَلُقَتْ حَفْصَةُ ، وَفِي عَمْرَةَ رِوَايَتَانِ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .

( 5871 ) فَصْلٌ : وَإِنْ لَقِيَ أَجْنَبِيَّةً ، ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ، فَقَالَ : فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِذَا هِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالطَّلَاقِ غَيْرَهَا ، فَلَمْ يَقَعْ ، كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ قَصَدَ زَوْجَتَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، فَطَلُقَتْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : عَلِمْت أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ، وَأَرَدْت طَلَاقَ زَوْجَتِي .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ زَوْجَتِهِ ، احْتَمَلَ ؛ وَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَصَدَ امْرَأَتَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَطْلُقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِالطَّلَاقِ ، وَلَا ذَكَرَ اسْمَهَا مَعَهُ .
وَإِنْ عَلِمَهَا أَجْنَبِيَّةً ، وَأَرَادَ بِالطَّلَاقِ زَوْجَتَهُ ، طَلُقَتْ .
وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ ، لَمْ تَطْلُقْ .

( 5872 ) فَصْلٌ : وَإِنْ لَقِيَ امْرَأَتَهُ ، فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ تَنَحِّي يَا مُطَلَّقَةُ .
أَوْ لَقِيَ أَمَتَهُ ، فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً ، فَقَالَ : أَنْتِ حُرَّةٌ ، أَوْ تَنَحِّي يَا حُرَّةُ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ، فِيمَنْ لَقِيَ امْرَأَتَهُ ، فَقَالَ : تَنَحِّي يَا مُطَلَّقَةُ ، أَوْ يَا حُرَّةُ .
وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا ، فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ : لَا يَقَعُ بِهِمَا طَلَاقٌ وَلَا حُرِّيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِمَا ذَلِكَ ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِمَا شَيْءٌ ، كَسَبْقِ اللِّسَانِ إلَى مَا لَمْ يُرِدْهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَعْتِقَ الْأَمَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ النَّاسِ مُخَاطَبَةُ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا بِقَوْلِهِ : يَا حُرَّةُ .
وَتَطْلُقُ الزَّوْجَةُ ؛ لِعَدَمِ الْعَادَةِ بِالْمُخَاطَبَةِ بِقَوْلِهِ : يَا مُطَلَّقَةُ .

( 5873 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا غَيْرُ الصَّرِيحِ ؛ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ ، أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ ، وَبَتَّةٌ ، وَبَتْلَةٌ ، وَحَرَامٌ .
يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
قَالَ الْقَاضِي ، فِي " الشَّرْحِ " : وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، وَالْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الطَّلَاقِ فِي الْعُرْفِ ، فَصَارَتْ كَالصَّرِيحِ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذِهِ كِنَايَةٌ لَمْ تُعْرَفْ بِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ بِهَا ، وَلَا اخْتَصَّتْ بِهِ ، فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِهَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ ، كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ ، وَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ ، فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ ، فَإِنْ وُجِدَتْ فِي ابْتِدَائِهِ ، وَعَرِيَتْ عَنْهُ فِي سَائِرِهِ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَقَعُ ، فَلَوْ قَالَ : أَنْتَ بَائِنٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ ، وَعَرِيَتْ نِيَّتُهُ حِينَ قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ ، لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي صَاحَبَتْهُ النِّيَّةُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ .
وَلَنَا أَنَّ مَا تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ يَكْتَفِي فِيهِ بِوُجُودِهَا فِي أَوَّلِهِ ، كَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، فَأَمَّا إنْ تَلَفَّظَ بِالْكِنَايَةِ غَيْرَ نَاوٍ ، ثُمَّ نَوَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ ، وَكَمَا لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ بِالْغُسْلِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ .

( 5874 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَوْ قِيلَ لَهُ : أَلِك امْرَأَةٌ ؟ فَقَالَ : لَا .
وَأَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
وَلَوْ قَالَ : قَدْ طَلَّقْتهَا .
وَأَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ) إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ إذَا أَرَادَ الْكَذِبَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مَا لِي امْرَأَةٌ .
كِنَايَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ ، وَإِذَا نَوَى الْكَذِبَ فَمَا نَوَى الطَّلَاقَ ، فَلَمْ يَقَعْ .
وَهَكَذَا لَوْ نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تَخْدُمُنِي ، أَوْ تُرْضِينِي ، أَوْ أَنِّي كَمَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْكِنَايَةِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ طَلَاقَهَا ، طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ صَحِبَتْهَا النِّيَّةُ .
وَبِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : لَا تَطْلُقُ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ هُوَ كَاذِبٌ فِيهِ ، وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مُحْتَمِلُ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فَلَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : أَنْتِ بَائِنٌ .
وَغَيْرَهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ .
فَأَمَّا إنْ قَالَ : طَلَّقْتهَا .
وَأَرَادَ الْكَذِبَ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ ، يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
وَإِنْ قَالَ : خَلَّيْتهَا ، أَوْ أَبَنْتهَا .
افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
( 5875 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قِيلَ لَهُ : أَطَلَّقْت امْرَأَتك ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
أَوْ قِيلَ لَهُ : امْرَأَتُك طَالِقٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ .
وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَاخْتِيَارِ الْمُزَنِيّ ؛ لِأَنَّ نَعَمْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ ، وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ صَرِيحٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ : أَلِفُلَانٍ عَلَيْك أَلْفٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
وَجَبَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ قِيلَ لَهُ :

طَلَّقْت امْرَأَتَك ؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ .
وَقَالَ : أَرَدْت الْإِيقَاعَ .
وَقَعَ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنِّي عَلَّقْت طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ .
قُبِلَ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ مَاضٍ .
أَوْ قِيلَ لَهُ : أَلَك امْرَأَةٌ ؟ فَقَالَ : قَدْ طَلَّقْتهَا .
ثُمَّ قَالَ : إنَّمَا أَرَدْت أَنِّي طَلَّقْتهَا فِي نِكَاحٍ آخَرَ .
دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُ ، لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ ، وَإِنْ كَانَ وُجِدَ ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ .

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : حَلَفْت بِالطَّلَاقِ .
أَوْ قَالَ : عَلَيَّ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ .
وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي الْحُكْمِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَأَبُو الْخَطَّابِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ ، فِي الرَّجُلِ يَقُولُ : حَلَفْت بِالطَّلَاقِ .
وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ : هِيَ كِذْبَةٌ ، لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : لَهُ حَلَفْت .
لَيْسَ بِحَلِفٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ الْحَلِفِ ، فَإِذَا كَانَ كَاذِبًا فِيهِ ، لَمْ يَصِرْ حَالِفًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : حَلَفْت بِاَللَّهِ .
وَكَانَ كَاذِبًا .
وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي الْحُكْمِ .
وَحَكَى فِي زَادِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْمَيْمُونِي ، عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : حَلَفْت بِالطَّلَاقِ .
وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ ، يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ ، وَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ : يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ .
أَيْ فِي الْحُكْمِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ، فَجَعَلَهُ كِنَايَةً عَنْهُ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ : يُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ .
أَمَّا الَّذِي قَصَدَ الْكَذِبَ ، فَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ ، فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَسَائِرِ الْكِنَايَات .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ ، فِي مَنْ قَالَ : حَلَفْت بِالطَّلَاقِ .
وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ ، فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .

( 5877 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا وَهَبَ زَوْجَتَهُ لِأَهْلِهَا ، فَإِنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ ، يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَلَا شَيْءَ ) هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَطَاءٌ ، وَمَسْرُوقٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَكْحُولٌ ، وَمَالِكٌ ، وَإِسْحَاقُ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّخَعِيّ : إنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَالْحَسَنِ : إنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ .
وَقَالَ رَبِيعَةُ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، وَأَبُو الزِّنَادِ ، وَمَالِكٌ : هِيَ ثَلَاثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا كَقَوْلِهِ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ ، قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا .
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَاخْتَلَفَا هَاهُنَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا .
وَلَنَا ، عَلَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إذَا لَمْ يَقْبَلُوهَا ، أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْبُضْعِ ، فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبُولِ ، كَقَوْلِهِ : اخْتَارِي ، وَأَمْرُك بِيَدِك .
وَكَالنِّكَاحِ .
وَعَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، كَقَوْلِهِ : اخْتَارِي .
وَعَلَى أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ ، أَنَّهَا طَلْقَةٌ لِمَنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ ، فَكَانَتْ رَجْعِيَّةً ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَوْلُهُ : إنَّهَا وَاحِدَةٌ .
مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ ، أَوْ نَوَى وَاحِدَةً ، فَأَمَّا إنْ نَوَى ثَلَاثًا ، أَوْ اثْنَتَيْنِ ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ فِي عَدَدِهَا كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ .
وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ ، أَوْ تَكُونَ ثَمَّ دَلَالَةُ حَالٍ ، لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ ، وَالْكِنَايَاتُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ كَذَلِكَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيَنْبَغِي

أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ مِنْ الَّذِي يَقْبَلُ أَيْضًا ، كَمَا تُعْتَبَرُ فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ إذَا قَالَ لَهَا : اخْتَارِي ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ؛ فَإِنَّ صِيغَةَ الْقَبُولِ أَنْ يَقُولَ أَهْلُهَا : قَبِلْنَاهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَالْحُكْمُ فِي هِبَتِهَا لِنَفْسِهَا ، أَوْ لِأَجْنَبِيِّ ، كَالْحُكْمِ فِي هِبَتِهَا لِأَهْلِهَا .

( 5878 ) فَصْلٌ : فَإِنْ بَاعَ امْرَأَتَهُ لِغَيْرِهِ ، لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ ، وَإِنْ نَوَى .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : تَطْلُقُ ، وَاحِدَةً ، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَقْتَضِي خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهَا .
وَلَنَا ، أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ بِعِوَضٍ ، وَالطَّلَاقُ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ لَا يَقْتَضِي الْعِوَضَ ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَقَوْلِهِ : أَطْعِمِينِي ، وَاسْقِينِي .

( 5879 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ لَهَا : أَمْرُك بِيَدِك .
فَهُوَ بِيَدِهَا ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ، مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْهَا ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ بِنَفْسِهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَى الْمَرْأَةِ ، وَيَجْعَلَهُ إلَى اخْتِيَارِهَا ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ ، فَاخْتَرْنَهُ .
وَمَتَى جَعَلَ أَمَرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ، فَهُوَ بِيَدِهَا أَبَدًا ، لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي : هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَلَا طَلَاقَ لَهَا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ لَهَا ، فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْمَجْلِسِ ، كَقَوْلِهِ : اخْتَارِي .
وَلَنَا ، قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ، قَالَ : هُوَ لَهَا حَتَّى تُنَكِّلَ .
وَلَا نَعْرِفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا .
وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَوْكِيلٍ فِي الطَّلَاقِ ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَفَارَقَ قَوْلَهُ : اخْتَارِي .
فَإِنَّهُ تَخْيِيرٌ .
فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجُ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهَا ، أَوْ قَالَ : فَسَخْت مَا جَعَلْت إلَيْك .
بَطَلَ .
وَبِذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا ذَلِكَ ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ ، كَمَا لَوْ طَلُقَتْ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَوْكِيلٌ ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ ، وَكَمَا لَوْ خَاطَبَ بِذَلِكَ أَجْنَبِيًّا .
وَقَوْلُهُمْ : تَمْلِيكٌ .
لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا يَنُوبُ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْهُ ، فَإِذَا اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِيهِ كَانَ تَوْكِيلًا

لَا غَيْرَ ، ثُمَّ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ ، فَالتَّمْلِيكُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَبُولِ بِهِ ، كَالْبَيْعِ .
وَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَوْكِيلٍ ، وَالتَّصَرُّفُ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ .
وَإِنْ رَدَّتْ الْمَرْأَةُ مَا جُعِلَ إلَيْهَا بَطَلَ ، كَمَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِفَسْخِ الْوَكِيلِ .
( 5880 ) فَصْلٌ : وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ ، مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ إيقَاعَ طَلَاقِهَا فِي الْحَالِ ، أَوْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا .
وَمَتَى رَدَّتْ الْأَمْرَ الَّذِي جُعِلَ إلَيْهَا ، بَطَلَ ، وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمَسْرُوقٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ قَتَادَةُ : إنْ رَدَّتْ ، فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَوْكِيلٌ ، أَوْ تَمْلِيكٌ لَمْ يَقْبَلْهُ الْمُمَلَّكُ ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ، كَسَائِرِ التَّوْكِيلِ وَالتَّمْلِيكِ ، فَأَمَّا إنْ نَوَى بِهَذَا تَطْلِيقَهَا فِي الْحَالِ ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَبُولِهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : حَبْلُك عَلَى غَارِبِك .

( 5881 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي .
فَوَاحِدَةٌ ، تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ) .
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي .
فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا أَمَرَهَا يَقْتَضِي زَوَالَ سُلْطَانِهِ عَنْهَا ، وَإِذَا قَبِلَتْ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ ، وَجَبَ أَنْ يَزُولَ عَنْهَا ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الرَّجْعَةِ .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ : إذَا لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا قُبِلَ مِنْهُ ، إذَا أَرَادَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَالَ سُلْطَانِهِ عَنْهَا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِثَلَاثٍ .
وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا يَزُولُ سُلْطَانُهُ عَنْهَا بِوَاحِدَةٍ ، فَاكْتُفِيَ بِهَا .
وَلَنَا أَنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ ، وَلَا نَوَتْ ذَلِكَ ، فَلَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا ، كَمَا لَوْ أَتَى الزَّوْجَ بِالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ .
( 5882 ) فَصْلٌ : وَهَذَا إذَا لَمْ تَنْوِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ نَوَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَقَعَ مَا نَوَتْ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الثَّلَاثَ بِالتَّصْرِيحِ ، فَتَمْلِكُهَا بِالْكِنَايَةِ ، كَالزَّوْجِ .
وَهَكَذَا إنْ أَتَتْ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِنَايَاتِ ، فَحُكْمُهَا فِيهَا حُكْمُ الزَّوْجِ ، إنْ كَانَتْ مِمَّا يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ مِنْ الزَّوْجِ ، وَقَعَ بِهَا الثَّلَاثُ إذَا أَتَتْ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ ، نَحْوُ قَوْلِهَا : لَا يَدْخُلْ عَلَيَّ .
وَنَحْوِهَا ، وَقَعَ مَا نَوَتْ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ لَهَا : أَمْرُك بِيَدِك .
فَقَالَتْ : لَا يَدْخُلْ عَلَيَّ إلَّا بِإِذْنٍ .

تَنْوِي فِي ذَلِكَ ، إنْ قَالَتْ : وَاحِدَةً ، فَوَاحِدَةٌ ، وَإِنْ قَالَتْ : أَرَدْت أَنْ أَغِيظَهُ .
قُبِلَ مِنْهَا .
يَعْنِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَأَتَى بِهَذِهِ الْكِنَايَاتِ ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْوَكِيلُ الطَّلَاقَ .
ثُمَّ إنْ طَلَّقَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ ثَلَاثًا ، أَوْ بِكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ .
طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَإِنْ كَانَ بِكِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ ، وَقَعَ مَا نَوَاهُ .

( 5883 ) فَصْلٌ : وَقَوْلُهُ : أَمْرُك بِيَدِك .
وَقَوْلُهُ : اخْتَارِي نَفْسَك كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ ، يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ ، كَمَا فِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ ، فَإِنْ عَدَمَ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ ، فَيَفْتَقِرُ إلَى مَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ سَائِرُ الْكِنَايَاتِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهَا .
وَهُوَ أَيْضًا كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ، إنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَفْتَقِرُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ إلَى نِيَّتِهَا ، إذَا نَوَى الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّتِهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ تَكَلَّمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَلَّمَتْ ، وَقَالَ : لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ بَائِنٌ .
وَإِنْ نَوَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَخْيِيرٌ ، وَالتَّخْيِيرُ لَا يَدْخُلُهُ عَدَدٌ ، كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مُوقِعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ ، فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّتِهَا ، كَالزَّوْجِ .
وَعَلَى أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ إذَا نَوَتْ ، أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَارُ نَفْسَهَا بِالْوَاحِدَةِ ، وَبِالثَّلَاثِ ، فَإِذَا نَوَيَاهُ وَقَعَ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ .

( 5884 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ، وَقَالَ : لَمْ أَجْعَلْ إلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةً .
لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ ، وَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ ) وَمِمَّنْ قَالَ : الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ عُثْمَانُ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَفُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ .
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٌ ، وَالزُّهْرِيُّ .
وَعَنْ عُمَرَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ ، وَالْقَاسِمُ ، وَرَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ نَوَى ثَلَاثًا ، فَلَهَا أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ ، لَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثَةً ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَى وَاحِدَةً ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَخْيِيرِ ، فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ فِيهِ ، كَقَوْلِهِ : اخْتَارِي .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ ، فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت .
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : أَرَدْت وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيه اللَّفْظُ ، وَلَا يَدِنْ فِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ، وَالْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ تَقْتَضِي ثَلَاثًا .

( 5885 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا جَعَلَهُ فِي يَدِ غَيْرِهَا ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ غَيْرِهَا ، صَحَّ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ جَعَلَهُ بِيَدِهَا ، فِي أَنَّهُ بِيَدِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ .
وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ .
وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ : أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك أَوْ قَالَ : جَعَلْت لَك الْخِيَارَ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِي .
أَوْ قَالَ : طَلِّقْ امْرَأَتِي .
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ : ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَخْيِيرٍ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : اخْتَارِي .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَوْكِيلٌ مُطْلَقٌ ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْهَا ، وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا كَالْمَرْأَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ إلَّا بِيَدِ مَنْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ ، وَهُوَ الْعَاقِلُ ، فَأَمَّا الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ بِأَيْدِيهِمْ ، فَإِنْ فَعَلَ ، فَطَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : يَصِحُّ .
وَلَنَا أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ ، فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُمْ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُمْ فِي الْعِتْقِ .
وَإِنْ جَعَلَهُ فِي يَدِ كَافِرٍ ، أَوْ عَبْدٍ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لِنَفْسِهِ ، فَصَحَّ تَوْكِيلُهُمَا فِيهِ .
وَإِنْ جَعَلَهُ فِي يَدِ امْرَأَةٍ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا فِي الْعِتْقِ ، فَصَحَّ فِي الطَّلَاقِ ، كَالرَّجُلِ .
وَإِنْ جَعَلَهُ فِي يَدِ صَبِيٍّ يَعْقِلُ الطَّلَاقَ ، انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِهِ لِزَوْجَتِهِ ، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ هَاهُنَا عَلَى اعْتِبَارِ وَكَالَتِهِ بِطَلَاقِهِ ، فَقَالَ : إذَا قَالَ الصَّبِيُّ : طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا .
فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا حَتَّى يَعْقِلَ الطَّلَاقَ ، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لِهَذَا الصَّبِيِّ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا ، أَكَانَ يَجُوزُ طَلَاقُهُ

؟ فَاعْتَبَرَ طَلَاقَهُ بِالْوَكَالَةِ بِطَلَاقِهِ لِنَفْسِهِ .
وَهَكَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ بِيَدِهَا ، لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي امْرَأَةٍ صَغِيرَةٍ قَالَ لَهَا : أَمْرُك بِيَدِك .
فَقَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي .
لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ مِثْلُهَا يَعْقِلُ .
وَهَذَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ التَّوْكِيلِ ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا إذَا عَقَلَتْ الطَّلَاقَ ، وَقَعَ طَلَاقُهَا .
وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الصَّبِيِّ إذَا طَلَّقَ .
وَفِي الصَّبِيِّ رِوَايَةٌ أُخْرَى : لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ حَتَّى يَبْلُغَ ، فَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي هَذِهِ ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 5886 ) فَصْلٌ : فَإِنْ جَعَلَهُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ ، أَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ ، صَحَّ ، وَلَيْسَ لَأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الِانْفِرَادِ ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِمَا جَمِيعًا .
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَإِنْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً ، وَالْآخَرُ ثَلَاثًا ، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ، وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَلَنَا ، أَنَّهُمَا طَلَّقَا جَمِيعًا وَاحِدَةً ، مَأْذُونًا فِيهَا ، فَصَحَّ لَوْ جَعَلَ إلَيْهِمَا وَاحِدَةً .

( 5887 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ : أَمْرُك بِيَدِك ، وَاخْتَارِي نَفْسَك .
بِالشُّرُوطِ ، وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى أَجْنَبِيٍّ ، صَحَّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا وَمُعَلَّقًا ؛ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : اخْتَارِي نَفْسَك ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك ، شَهْرًا ، أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَمْرُك بِيَدِك .
أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك يَوْمًا .
أَوْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ : [ إذَا ] كَانَ سَنَةٌ ، أَوْ أَجَلٌ مُسَمًّى .
فَأَمْرُك بِيَدِك .
فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ .
فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا ، وَلَيْسَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْرٌ .
وَقَالَ أَيْضًا : إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَقَالَ لِأَبِيهَا : إنْ جَاءَك خَبَرِي إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَإِلَّا فَأَمْرُ ابْنَتِك إلَيْك .
فَلَمَّا مَضَتْ السُّنُونَ لَمْ يَأْتِ خَبَرُهُ ، فَطَلَّقَهَا الْأَبُ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا جَعَلَ إلَى الْأَبِ ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ ، وَرُجُوعُهُ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِ .
وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ فَوَّضَ أَمْرَ الطَّلَاقِ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ ، فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ ، كَالتَّوْكِيلِ الصَّرِيحِ ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ إلَى مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ ، عَلَى حَسَبِ مَا جَعَلَهُ إلَيْهِ ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ ، وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلرُّجُوعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ ، كُرِهَ لِلْمَرْأَةِ التَّزَوُّجُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الزَّوْجَ رَجَعَ فِي الْوَكَالَةِ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ .
وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ .
فَإِنْ غَابَ الْوَكِيلُ ، كُرِهَ لِلزَّوْجِ الْوَطْءُ ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ طَلَّقَ ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَحْمَدُ أَيْضًا ؛ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ .
وَحَمَلَهُ الْقَاضِي أَيْضًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، فَحُمِلَ الْأَمْرُ فِيهِ

عَلَى الْيَقِينِ .
وَقَوْلُ أَحْمَدَ : رُجُوعُهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهِ .
مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ قَدْ رَجَعَ ، إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ ، قُبِلَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ .

( 5888 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَوْ خَيَّرَهَا ، فَاخْتَارَتْ فُرْقَتَهُ مِنْ وَقْتِهَا ، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ عَلَى الْفَوْرِ ، إنْ اخْتَارَتْ فِي وَقْتِهَا ، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَهُ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ : هُوَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَلَهَا الِاخْتِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ، مَا لَمْ يَفْسَخَ أَوْ يَطَأْ .
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ { بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ لَمَّا خَيَّرَهَا : إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا ، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَجِّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك .
} وَهَذَا يَمْنَعُ قَصْرَهُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا إلَيْهَا ، فَأَشْبَهَ أَمْرُك بِيَدِك .
وَلَنَا ، أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ .
رَوَى النَّجَّادُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ : قَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ ، فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ ، أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا .
وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَابِرٍ ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ ، فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَلِأَنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ ، كَخِيَارِ الْقَبُولِ .
فَأَمَّا الْخَبَرُ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَخِلَافُنَا فِي الْمُطْلَقِ .
وَأَمَّا أَمْرُك بِيَدِك ، فَهُوَ تَوْكِيلٌ ، وَالتَّوْكِيلُ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
( 5889 ) فَصْلٌ : وَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهَا .
أَيْ عَقِيبَ كَلَامِهِ

، مَا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَا فِيهِ إلَى غَيْرِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ إلَى كَلَامٍ غَيْرِهِ ، بَطَلَ خِيَارُهَا .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : اخْتَارِي .
فَلَهَا الْخِيَارُ مَا دَامُوا فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ ، فَإِنْ طَالَ الْمَجْلِسُ ، وَأَخَذُوا فِي كَلَامٍ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَمْ تَخْتَرْ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَنَحْوِهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ ، فَقِيلَ عَنْهُ : إنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ .
وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْفَوْرِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : الْخِيَارُ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْكَلَامِ أَنْ تُجَاوِبَهُ وَيُجَاوِبَهَا ، إنَّمَا هُوَ جَوَابُ كَلَامٍ ، إنْ أَجَابَتْهُ مِنْ سَاعَتِهِ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ ، تَأَخَّرَ قَبُولُهُ عَنْ أَوَّلِ حَالِ الْإِمْكَانِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا ، فَإِنْ قَامَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا ، بَطَلَ خِيَارُهَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا دُونَ قِيَامِهِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ .
وَعِنْدَنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ ، فَبَطَلَ بِقِيَامِهِ ، كَمَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا .
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا ، أَوْ مَشَى ، بَطَلَ الْخِيَارُ ، وَإِنْ قَعَدَ ، لَمْ يَبْطُلْ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ ، أَنَّ الْقِيَامَ يُبْطِلُ الْفِكْرَ وَالِارْتِيَاءَ فِي الْخِيَارِ ، فَيَكُونُ إعْرَاضًا ، وَالْقُعُودَ بِخِلَافِهِ .
وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ ، أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ ، لَمْ يَبْطُلْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْفِكْرَةَ .
وَإِنْ تَشَاغَلَ أَحَدُهُمَا بِالصَّلَاةِ ، بَطَلَ الْخِيَارُ .
وَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ فَأَتَمَّتْهَا ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
وَإِنْ أَضَافَتْ إلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ، بَطَلَ خِيَارُهَا .
وَإِنْ أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا ، أَوْ قَالَتْ : بِسْمِ اللَّهِ .
أَوْ سَبَّحَتْ شَيْئًا يَسِيرًا ، لَمْ يَبْطُلْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِعْرَاضٍ .
وَإِنْ قَالَتْ :

اُدْعُ لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَسَارَتْ ، بَطَلَ خِيَارُهَا .
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ .

( 5890 ) فَصْلٌ : فَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ مَتَى شَاءَتْ ، أَوْ فِي مُدَّةٍ ، فَلَهَا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ .
وَإِذَا قَالَ : اخْتَارِي إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت .
فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تُفِيدُ جَعْلَ الْخِيَارِ لَهَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ .
وَإِنْ قَالَ : اخْتَارِي الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ .
فَلَهَا ذَلِكَ ، فَإِنْ رَدَّتْ الْخِيَارَ فِي الْأَوَّلِ ، بَطَلَ كُلُّهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَا تُعَجِّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك .
وَنَحْوُهُ ، فَلَهَا الْخِيَارُ عَلَى التَّرَاخِي ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خِيَارَهَا لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ .
وَإِنْ قَالَ : اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ ، وَاخْتَارِي نَفْسَك غَدًا .
فَرَدَّتْهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، لَمْ يَبْطُلْ فِي الثَّانِي .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَبْطُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ فِي زَمَنَيْنِ ، فَلَمْ يَبْطُلْ أَحَدُهُمَا بِرَدِّ الْآخِرِ ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ ، فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا بَطَلَ أَوَّلُهُ بَطَلَ مَا بَعْدَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا خِيَارَانِ ، وَإِنَّمَا هُوَ خِيَارٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمَيْنِ ، وَفَارَقَ مَا إذَا قَالَ : اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ ، وَاخْتَارِي نَفْسك غَدًا .
فَإِنَّهُمَا خِيَارَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ثَبَتَ بِسَبَبٍ مُفْرَدٍ .
وَلَوْ خَيَّرَهَا شَهْرًا ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ .
وَلَنَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَا جَعَلَ لَهَا فِي هَذَا الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي عَقْدٍ ثَانٍ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي سِلْعَةٍ مُدَّةً ، ثُمَّ فَسَخَ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ .
وَلَوْ لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا ، أَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا ، وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ

الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ سِوَاهُ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ .
وَالْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ : أَمْرُك بِيَدِك .
فِي هَذَا كُلِّهِ ، كَالْحُكْمِ فِي التَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَخْيِيرٍ .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : اخْتَارِي ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك ، الْيَوْمَ وَبَعْدَ الْغَدِ ، فَرَدَّتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، لَمْ يَبْطُلْ بَعْدُ فِي غَدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَبْطُلْ أَحَدُهُمَا بِبُطْلَانِ الْآخِرِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّمَانُ مُتَّصِلًا وَاللَّفْظُ وَاحِدًا ، فَإِنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ ، فَبَطَلَ كُلُّهُ بِبُطْلَانِ بَعْضِهِ .
وَإِنْ قَالَ : لَك الْخِيَارُ يَوْمًا .
أَوْ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا .
فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينَ نَطَقَ بِهِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِكْمَالُ يَوْمٍ بِتَمَامِهِ إلَّا بِذَلِكَ .
وَإِنْ قَالَ شَهْرًا .
فَمِنْ سَاعَةِ نَطَقَ إلَى اسْتِكْمَالِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ .
وَإِنْ قَالَ : الشَّهْرَ .
أَوْ الْيَوْمَ .
أَوْ السَّنَةَ .
فَهُوَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ .

( 5891 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لَفْظَةَ التَّخْيِيرِ لَا تَقْتَضِي بِمُطْلَقِهَا أَكْثَرَ مِنْ تَطْلِيقَةٍ رَجْعِيَّةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعُمَرَ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنٌ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ ، لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يَقْتَضِي زَوَالَ سُلْطَانِهِ عَنْهَا ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْنُونَةِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : هِيَ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا تَبِينُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ .
وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَإِنَّ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْهُمْ قَالُوا : إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا .
رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهِ .
وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُطْلَقٌ ، فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، وَذَلِكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، لَمْ يُكَمَّلْ بِهَا الْعَدَدُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً .
وَيُخَالِفُ قَوْلَهُ : أَمْرُك بِيَدِك ، فَإِنَّهُ لِلْعُمُومِ ، فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ ، فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا ، لَكِنْ إنْ جَعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَهَا مَا جَعَلَ إلَيْهَا ، سَوَاءٌ جَعَلَهُ بِلَفْظِهِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : اخْتَارِي مَا شِئْت .
أَوْ اخْتَارِي الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ إنْ شِئْت .
فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ .
فَإِنْ قَالَ : اخْتَارِي مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت .
فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ، وَلَيْسَ لَهَا اخْتِيَارُ الثَّلَاثِ بِكَمَالِهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ ، فَقَدْ جَعَلَ لَهَا اخْتِيَارَ بَعْضِ الثَّلَاثِ ، فَلَا يَكُونُ لَهَا اخْتِيَارُ الْجَمِيعِ ، أَوْ جَعَلَهُ نِيَّتَهُ ، وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ

بِقَوْلِهِ : اخْتَارِي .
عَدَدًا ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَا نَوَاهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : اخْتَارِي كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ ، فَيَرْجِعُ فِي قَدْرِ مَا يَقَعُ بِهَا إلَى نِيَّتِهِ ، كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا ، أَوْ اثْنَتَيْنِ ، أَوْ وَاحِدَةً ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا ، فَطَلُقَتْ أَقَلَّ مِنْهَا ، وَقَعَ مَا طَلَّقْته ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا جَمِيعًا ، فَيَقَعُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ ، كَالْوَكِيلَيْنِ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثَلَاثًا .

( 5892 ) فَصْلٌ : وَإِنْ خَيَّرَهَا ، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا ، أَوْ رَدَّتْ الْخِيَارَ ، أَوْ الْأَمْرَ ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَزَيْدٍ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَعَنْ الْحَسَنِ : تَكُونُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ .
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ .
قَالَ : فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا ، فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : انْفَرَدَ بِهَذَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، أَنَّ التَّخْيِيرَ كِنَايَةٌ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ ، فَوَقَعَ بِهَا بِمُجَرَّدِهَا ، كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ .
وَكَقَوْلِهِ : انْكِحِي مَنْ شِئْت .
وَلَنَا ، قَوْلُ عَائِشَةَ : قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكَانَ طَلَاقًا ، وَقَالَتْ : { لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ ، بَدَأَ بِي ، فَقَالَ : إنِّي لَمُخْبِرُك خَبَرًا ، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَجِّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك .
ثُمَّ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } .
حَتَّى بَلَغَ : { فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا } .
فَقُلْت : فِي أَيِّ هَذَا اسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ .
قَالَتْ : ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْت .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
} قَالَ مَسْرُوقٌ : مَا أُبَالِي خَيَّرْت امْرَأَتِي وَاحِدَةً ، أَوْ مِائَةً ، أَوْ أَلْفًا ، بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي ، وَلِأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ اخْتَارَتْ النِّكَاحَ ، فَلَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ ، كَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ .
فَأَمَّا

إنْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي فَيَفْتَقِرُ إلَى نِيَّتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُ كِنَايَةٍ مِنْهَا .
فَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَنْوِ فَمَا فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِعَهُ ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ تَنْوِ هِيَ ، فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ ، فَمَا أَوْقَعَتْهُ ، فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الطَّلَاقِ ، فَلَمْ يُطَلِّقْ .
وَإِنْ نَوَيَا جَمِيعًا ، وَقَعَ مَا نَوَيَاهُ مِنْ الْعَدَدِ إنْ اتَّفَقَا فِيهِ ، وَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا أَقَلَّ مِنْ الْآخِرِ ، وَقَعَ الْأَقَلُّ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا ، فَلَمْ يَقَعْ .

( 5893 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : أَمْرُك بِيَدِك ، أَوْ اخْتَارِي .
فَقَالَتْ : قَبِلْت .
لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ أَمْرَك بِيَدِك .
تَوْكِيلٌ ، فَقَوْلُهَا فِي جَوَابِهِ : قَبِلْت .
يَنْصَرِفُ إلَى قَبُولِ الْوَكَالَةِ ، فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ : أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك .
فَقَالَ : قَبِلْت .
وَقَوْلُهُ : اخْتَارِي .
فِي مَعْنَاهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ : أَخَذْت أَمْرِي .
نَصَّ عَلَيْهِمَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ ، إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَمْرُك بِيَدِك .
فَقَالَتْ : قَبِلْت .
لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى تَبِينَ .
وَقَالَ : إذَا قَالَتْ : أَخَذْت أَمْرِي .
لَيْسَ بِشَيْءٍ .
قَالَ : وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : اخْتَارِي .
فَقَالَتْ : قَبِلْت نَفْسِي .
أَوْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي .
كَانَ أَبْيَنَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ قَالَتْ : اخْتَرْت .
وَلَمْ تَقُلْ : نَفْسِي .
لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِنْ نَوَتْ .
وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ : اخْتَارِي .
وَلَمْ يَقُلْ : نَفْسَك .
وَلَمْ يَنْوِهِ ، لَمْ تَطْلُقْ ، مَا لَمْ تَذْكُرْ نَفْسَهَا ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ أَوْ جَوَابِهَا مَا يَصْرِفُ الْكَلَامَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّفْسِيرِ ، فَإِذَا عَرِيَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ .
وَإِنْ قَالَتْ : اخْتَرْت زَوْجِي .
أَوْ اخْتَرْت الْبَقَاءَ عَلَى النِّكَاحِ .
أَوْ رَدَدْت الْخِيَارَ ، أَوْ رَدَدْت عَلَيْك سَفِهْتَك .
بَطَلَ الْخِيَارُ .
وَإِنْ قَالَتْ : اخْتَرْت أَهْلِي .
أَوْ أَبَوَيَّ .
وَنَوَتْ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصْلُحُ كِنَايَةً مِنْ الزَّوْجِ ، فِيمَا إذَا قَالَ : الْحَقِي بِأَهْلِك .
فَكَذَلِكَ مِنْهَا .
وَإِنْ قَالَتْ : اخْتَرْت الْأَزْوَاجَ .
فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحِلُّونَ إلَّا بِمُفَارِقَةِ هَذَا الزَّوْجِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ كِنَايَةً مِنْهُ فِي قَوْلِهِ : انْكِحِي مَنْ شِئْت .
( 5894 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَرَّرَ ، لَفْظَةَ الْخِيَارِ ، فَقَالَ : اخْتَارِي ، اخْتَارِي ، اخْتَارِي .
فَقَالَ : أَحْمَدُ إنْ كَانَ إنَّمَا يُرَدِّدُ عَلَيْهَا لِيُفْهِمَهَا ، وَلَيْسَ نِيَّتُهُ ثَلَاثًا ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ ثَلَاثًا ، فَهِيَ

ثَلَاثٌ ، فَرَدَّ الْأَمْرَ إلَى نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَبِلَتْ ، وَقَعَ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ كَرَّرَ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ، فَتَكَرَّرَ ، كَمَا لَوْ كَرَّرَ الطَّلَاقَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ ، فَإِذَا قَصَدَهُ قُبِلَ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ .
وَإِنْ أَطْلَقَ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي ، وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَ التَّخْيِيرِ لَا يَزِيدُ بِهِ الْخِيَارُ ، كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : اخْتَارِي .
فَقَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي .
هِيَ وَاحِدَةٌ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ : اخْتَارِي ، اخْتَارِي ، اخْتَارِي .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا .
وَنَحْوُهُ قَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَةَ الْوَاحِدَةَ تَقْتَضِي طَلْقَةً ، فَإِذَا تَكَرَّرَتْ اقْتَضَتْ ثَلَاثًا ، كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ .

( 5895 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لُزُوجَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَك .
وَنَوَى عَدَدًا ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى .
وَإِنْ أَطْلَقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ، لَمْ يَمْلِكْ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا ، فَقَالَ : طَلِّقْ زَوْجَتِي .
فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَك .
وَنَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ، فَهِيَ ثَلَاثٌ ، وَإِنْ كَانَ نَوَى وَاحِدَةً ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا ، فَأَيُّهُمَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا احْتَمَلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَنَاوَلَ الْيَقِينَ ، وَهُوَ الْوَاحِدَةُ .
فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ، أَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَجْلِسِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إذَا قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ، تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ لِلطَّلَاقِ إلَيْهَا ، فَتَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ ، كَقَوْلِهِ : اخْتَارِي .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي الطَّلَاقِ ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، كَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَكَقَوْلِهِ : أَمْرُك بِيَدِك .
وَفَارَقَ : اخْتَارِي .
فَإِنَّهُ تَخْيِيرٌ .
وَمَا ذَكَرَهُ يَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِ : أَمْرُك بِيَدِك .
وَلَهَا أَنْ تُوقِعَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ ، وَبِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : لَيْسَ لَهَا أَنْ تُوقِعَهُ بِالْكِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَيْهَا بِلَفْظِ الصَّرِيحِ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُوقِعَ غَيْرَ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ ، وَقَدْ أَوْقَعَتْهُ ، فَوَقَعَ ، كَمَا لَوْ أَوْقَعَتْهُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ .
وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ فِي شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ إيقَاعُهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ مِنْ جِهَتِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ : بِعْ دَارِي .
جَازَ لَهُ بَيْعُهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً ، وَقَعَ .

نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْتَثِلْ أَمَرَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ ثَلَاثٍ ، فَمَلَكَتْ إيقَاعَ وَاحِدَةٍ ، كَالْمُوَكَّلِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَهَبْتُك هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ الثَّلَاثَةَ .
فَقَالَتْ : قَبِلْت وَاحِدًا مِنْهُمْ .
صَحَّ .
كَذَا هَاهُنَا .
وَإِنْ قَالَ : طَلِّقِي وَاحِدَةً .
فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا ، وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِمَا يَصْلُحُ قَبُولًا ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ .
فَقَالَ : قَبِلْت الْبِيعَةَ فِي جَمِيعِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا وَقَّعَتْ طَلَاقًا مَأْذُونًا فِيهِ ، وَغَيْرَهُ ، فَوَقَعَ الْمَأْذُونُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك .
فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَضَرَائِرَهَا .
فَإِنْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك .
فَقَالَتْ : أَنَا طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمُنْجَزِ ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ .
وَحُكْمُ تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ ، كَحُكْمِهَا فِيمَا مَا ذَكَرْنَاهُ كُلِّهِ .

( 5896 ) فَصْلٌ : نَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقَ السُّنَّةِ .
قَالَتْ : قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا .
هِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا .
إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِلَفْظٍ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ ، وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا سِيَّمَا وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الصَّحِيحِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ، فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ .

( 5897 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا بِعِوَضٍ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا عِوَضَ لَهُ ، فِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيمَا جَعَلَ لَهَا ، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْوَطْءِ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَتْ امْرَأَتُهُ : اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي ، وَأُعْطِيك عَبْدِي هَذَا .
قَبَضَ الْعَبْدَ ، وَجَعَلَ أَمَرَهَا بِيَدِهَا ، فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا لَمْ يَطَأْهَا أَوْ يَنْقُضْهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَلْزَمُ بِدُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ التَّمْلِيكُ بَعُوضٍ لَا يَلْزَمُ ، مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبُولُ كَالْبَيْعِ .

( 5898 ) فَصْلٌ : إذَا اخْتَلَفَا ، فَقَالَ الزَّوْجُ : لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ وَأَمْرُك بِيَدِك .
وَقَالَتْ : بَلْ نَوَيْت .
كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، مَا لَمْ يَكُنْ جَوَابَ سُؤَالٍ ، أَوْ مَعَهَا دَلَالَةُ حَالٍ .
وَإِنْ قَالَ : لَمْ تَنْوِ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِك .
وَقَالَتْ : بَلْ نَوَيْت .
فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ قَالَتْ : قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي .
وَأَنْكَرَ وُجُودَ الِاخْتِيَارِ مِنْهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُهُ عِلْمُهُ ، وَيُمْكِنُهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ الدَّارِ ، فَادَّعَتْهُ ، فَأَنْكَرَهُ .

( 5899 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
وَأَطْلَقَ ، فَهُوَ ظِهَارٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ : عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ يَمِينٌ .
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَقَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جُوَيْبِرٍ ، عَنْ الضَّحَّاكِ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالُوا فِي الْحَرَامِ : يَمِينٌ .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } .
ثُمَّ قَالَ : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .
وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحَلَالِ ، أَشْبَهَ تَحْرِيمَ الْأَمَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلزَّوْجَةِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ ، فَوَجَبَتْ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي .
فَأَمَّا إنْ نَوَى غَيْرَ الظِّهَارِ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ، أَنَّهُ ظِهَارٌ ، نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ .
وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا .
وَمِمَّنْ قَالَ : إنَّهُ ظِهَارٌ ؛ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو قِلَابَةَ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ ، وَالْبَتِّيُّ .
رَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي الْحَرَامِ ، أَنَّهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا .
وَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِهَا ، فَكَانَ ظِهَارًا ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي .
وَعَنْ أَحْمَدَ ؛ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ ، كَانَ طَلَاقًا .
وَقَالَ : إذَا قَالَ : مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ ،

أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا ، وَلَا أُفْتِي بِهِ .
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ، يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ .
وَنَقَلَ عَنْهُ الْبَغَوِيّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَمْرُك بِيَدِك .
فَقَالَتْ : أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ .
فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ .
فَجَعَلَهُ مِنْهَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ ، فَكَذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ .
وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَاقُ ثَلَاثٍ ؛ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى .
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ نَوْعُ تَحْرِيمٍ ، فَصَحَّ أَنْ يُكَنَّى بِهِ عَنْهُ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ .
فَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ ، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ مَعَهُ ، لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ .
وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ .
وَنَوَى بِهِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إذَا قُلْنَا : إنَّ الرَّجْعَةَ مُحَرَّمَةٌ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا تَحْرُمُ بِهِ الزَّوْجَةُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، فَحُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا .
فَهِيَ وَاحِدَةٌ .
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالزُّهْرِيِّ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَالشَّعْبِيِّ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ هُوَ كَاذِبٌ فِيهِ .
وَهَذَا يَبْطُلُ بِالظِّهَارِ ؛ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ ، وَقَدْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ ، وَلِأَنَّ هَذَا إيقَاعٌ لِلطَّلَاقِ

فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : أَنْتِ بَائِنٌ .
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ إذَا نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا .
فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : إنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
وَنَوَى يَمِينًا ، ثُمَّ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، قَالَ : هُوَ يَمِينٌ ، وَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْيَمِينَ كَانَتْ يَمِينًا .
وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَعُمَرُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةُ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ ، فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا .
وَقَالَ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .
وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك تَبْتَغِي مَرْضَاتِ أَزْوَاجِكَ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } .
فَجَعَلَ الْحَرَامَ يَمِينًا .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ : نَوَى يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ نَوَى بِقَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
تَرْكَ وَطْئِهَا ، وَاجْتِنَابَهَا ، وَأَقَامَ ذَلِكَ مُقَامَ قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك .

( 5900 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ .
فَهُوَ طَلَاقٌ .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ .
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، أُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ .
كُنْت أَقُولُ : إنَّهَا طَالِقٌ ، يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ .
وَهَذَا كَأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ قَوْلِهِ : إنَّهُ طَلَاقٌ .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ، فَلَمْ يَصِرْ طَلَاقًا بِقَوْلِهِ : أُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ .
كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَكِنْ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ .
وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الْجَمَاعَةُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، فَكَانَ طَلَاقًا ، كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا ، وَقَالَ : هَذَا طَلَاقُك .
وَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ ، إنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ ، وَالتَّحْرِيمُ يَتَنَوَّعُ إلَى تَحْرِيمٍ بِالظِّهَارِ ، وَإِلَى تَحْرِيمٍ بِالطَّلَاقِ ، فَإِذَا بَيَّنَ بِلَفْظِهِ إرَادَةَ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ ، وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ ، وَفَارَقَ قَوْلَهُ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ، وَهُوَ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ ، فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ ذَلِكَ طَلَاقًا ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
ثُمَّ إنْ قَالَ : أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ .
أَوْ نَوَى بِهِ ثَلَاثًا ، فَهِيَ ثَلَاثٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الَّتِي لِلِاسْتِغْرَاقِ ، تَفْسِيرًا لِلتَّحْرِيمِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الطَّلَاقُ كُلُّهُ ، وَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الطَّلَاقِ ، فَوَقَعَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ .
وَعَنْهُ : لَا يَكُونُ ثَلَاثًا حَتَّى يَنْوِيَهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ لَمْ تَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَكُونُ لِغَيْرِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي أَكْثَرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ .
وَإِنْ قَالَ : أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا .
فَهُوَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ مُنَكَّرًا ، فَيَكُونُ

طَلَاقًا وَاحِدًا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ؛ إذَا قَالَ : أَعْنِي طَلَاقًا .
فَهِيَ وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ ، إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ .

( 5901 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ، لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ، فَلَمْ يَصْلُحْ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ ، كَمَا لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهٌ بِمَنْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَالطَّلَاقُ يُفِيدُ تَحْرِيمًا غَيْرَ مُؤَبَّدٍ ، فَلَمْ تَصْلُحْ الْكِنَايَةُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ .
وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ : أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ .
لَمْ يَصِرْ طَلَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الْكِنَايَةُ بِهِ عَنْهُ .

( 5902 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ .
وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ، كَانَ طَلَاقًا ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِيهِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ ، وَيَقَعُ بِهِ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ مَا نَوَاهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ ، وَهَذَا حُكْمُهَا .
وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهَا ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا ، كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ ظِهَارًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ ، أَوْ كَظَهْرِ أُمِّي .
وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا ، لَا تَحْرِيمَهَا ، وَلَا طَلَاقَهَا ، فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَا نَوَاهُ بِهِ .
وَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا أَوْ يَمِينًا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ، يَكُونُ ظِهَارًا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، فَإِنَّ تَشْبِيهَهَا بِهِمَا يَقْتَضِي التَّشْبِيهَ بِهِمَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي اشْتَهَرَا بِهِ ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } .
وَالثَّانِي ، يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، فَإِذَا أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ ، ثَبَتَ بِهِ أَقَلُّ الْحُكْمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، فَلَا نُثْبِتُهُ بِالشَّكِّ ، وَلَا نَزُولُ عَنْ الْأَصْلِ إلَّا بِيَقِينٍ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، هُوَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سَوَاءً .

( 5903 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا طَلَّقَهَا بِلِسَانِهِ ، وَاسْتَثْنَى شَيْئًا بِقَلْبِهِ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِاللَّفْظِ مِنْ قَرِينَةٍ ، أَوْ اسْتِثْنَاءٍ ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ؛ أَحَدُهَا ، مَا لَا يَصِحُّ نُطْقًا وَلَا نِيَّةً ، وَذَلِكَ نَوْعَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، مَا يَرْفَعُ حُكْمَ اللَّفْظِ كُلَّهُ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا .
أَوْ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَلْزَمُك .
أَوْ : لَا تَقَعُ عَلَيْك .
فَهَذَا لَا يَصِحُّ بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ حُكْمَ اللَّفْظِ كُلَّهُ ، فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ لَغْوًا ، فَلَا يَصِحُّ هَذَا فِي اللُّغَةِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالصِّفَةُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ .
الضَّرْبُ الثَّانِي ، مَا يُقْبَلُ لَفْظًا ، وَلَا يُقْبَلُ نِيَّةً ، لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ ، فَهَذَا يَصِحُّ لَفْظًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَلَا يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
وَيَسْتَثْنِيَ بِقَلْبِهِ : إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ .
فَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ نَصٌّ فِيمَا تَنَاوَلَهُ ، لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِالنِّيَّةِ مَا ثَبَتَ بِنَصِّ اللَّفْظِ ، فَإِنَّ اللَّفْظَ أَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ ، وَلَوْ نَوَى بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ ، كَانَ مُسْتَعْمِلًا لِلَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَوَقَعَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَلَغَتْ نِيَّتُهُ .
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ، أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا لَوْ قَالَ : نِسَائِي طَوَالِقُ .
وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ : إلَّا فُلَانَةَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِسَائِي اسْمٌ عَامٌّ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْعُمُومُ بِإِزَاءِ الْخُصُوصِ كَثِيرًا ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْبَعْضَ صَحَّ ، وَقَوْلُهُ : ثَلَاثًا .
اسْمُ عَدَدٍ لِلثَّلَاثِ ، لَا يَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ عَدَدِ

غَيْرِهَا ، وَلَا يَحْتَمِلُ سِوَاهَا بِوَجْهٍ ، فَإِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ اثْنَتَيْنِ ، فَقَدْ أَرَادَ بِاللَّفْظِ مَالًا يَحْتَمِلُهُ ، وَإِنَّمَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ ، فَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ فَلَا ، فَإِنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِهِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ ، كَانَ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا تَعْمَلُ فِي نِكَاحٍ ، وَلَا طَلَاقٍ ، وَلَا بَيْعٍ .
وَلَوْ قَالَ : نِسَائِي الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ .
أَوْ قَالَ لَهُنًّ : أَرْبَعَتُكُنَّ طَوَالِقُ .
وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُنَّ بِالنِّيَّةِ ، لَمْ يُقْبَلْ ، عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَا يَدِينِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ مَا لَا يَحْتَمِلُ .
الضَّرْبُ الثَّالِثُ ، مَا يَصِحُّ نُطْقًا ، وَإِذَا نَوَاهُ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ مِثْلُ تَخْصِيصِ اللَّفْظِ الْعَامِ ، أَوْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازِهِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : نِسَائِي طَوَالِقُ .
يُرِيدُ بَعْضَهُنَّ ، أَوْ يَنْوِي بِقَوْلِهِ : طَوَالِقُ .
أَيْ مِنْ وَثَاقٍ ، فَهَذَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ لَفْظًا .
وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ كَلَامَهُ بِمَا بَيَّنَ مُرَادَهُ ، وَإِنْ كَانَ بِنِيَّتِهِ ، قُبِلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِ ، وَاسْتِعْمَالَهُ فِي الْخُصُوصِ ، وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ ، شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ ، وَيَكُونُ اللَّفْظُ بِنِيَّتِهِ مُنْصَرِفًا إلَى مَا أَرَادَهُ ، دُونَ مَا لَمْ يُرِدْهُ .
وَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ : إحْدَاهُمَا ، يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ .
وَأَرَادَ بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَهَا .
وَالثَّانِيَةُ ، لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَمِنْ شَرْطِ هَذَا أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولُ : نِسَائِي طَوَالِقُ .
يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ بَعْضَهُنَّ ،

فَأَمَّا إنْ كَانَتْ النِّيَّةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ اللَّفْظِ ، فَقَالَ : نِسَائِي طَوَالِقُ .
ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ نَوَى بِقَلْبِهِ بَعْضَهُنَّ ، لَمْ تَنْفَعْهُ النِّيَّةُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِجَمِيعِهِنَّ .
وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ ، وَنَوَى بَعْدَ طَلَاقِهِنَّ ، أَيْ مِنْ وَثَاقٍ ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَالنِّيَّةُ الْأَخِيرَةُ نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ ، لَا لَفْظَ مَعَهَا ، فَلَا تَعْمَلُ .
وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ تَخْصِيصُ حَالٍ دُونَ حَالٍ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ يَصِلُهُ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ ، أَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ شَهْرٍ .
فَهَذَا يَصِحُّ إذَا كَانَ نُطْقًا ، بِغَيْرِ خِلَافٍ .
وَإِنْ نَوَاهُ ، وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ دُيِّنَ .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
قَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، فِي مَنْ حَلَفَ لَا تَدْخُلُ الدَّارَ ، وَقَالَ : نَوَيْت شَهْرًا .
يُقْبَلُ مِنْهُ .
أَوْ قَالَ : إذَا دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَنَوَى تِلْكَ السَّاعَةَ ، وَذَلِكَ الْيَوْمَ .
قُبِلَتْ نِيَّتُهُ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، لَا تُقْبَلُ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَنَوَى فِي نَفْسِهِ إلَى سَنَةٍ ، تَطْلُقْ .
لَيْسَ يُنْظَرُ إلَى نِيَّتِهِ .
وَقَالَ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَالَ : نَوَيْت إنْ دَخَلْت الدَّارَ .
لَا يُصَدَّقُ .
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ ، بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي الْقَبُولِ ، عَلَى أَنَّهُ يَدِينِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ ، عَلَى الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا ، أَنَّ إرَادَةَ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ شَائِعٌ كَثِيرٌ ، وَإِرَادَةَ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ غَيْرُ سَائِغٍ ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : هَذَا كُلُّهُ مِنْ جُمْلَةِ التَّخْصِيصِ .

( 5904 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ : طَلِّقْنِي .
فَقَالَ : نِسَائِي طَوَالِقُ .
وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ .
بِغَيْرِ خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌ .
إنْ قَالَتْ لَهُ : طَلِّقْ نِسَاءَك .
فَقَالَ : نِسَائِي طَوَالِقُ .
فَكَذَلِكَ .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّ السَّائِلَةَ لَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْعَامَ يُقْصَرُ عَلَى سَبَبِهِ الْخَاصِّ ، وَسَبَبُهُ سُؤَالُ طَلَاقِ مَنْ سِوَاهَا .
وَلَنَا ، أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌ فِيهَا ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ غَيْرُ مُقْتَضَاهُ ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ ، كَالصُّورَةِ الْأُولَى ، وَالْعَمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْحُكْمِ هُوَ اللَّفْظُ ، فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ فِي خُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ أَخَصَّ مِنْ السَّبَبِ ، لَوَجَبَ قَصْرُهُ عَلَى خُصُوصِهِ ، وَاتِّبَاعُ صِفَةِ اللَّفْظِ دُونَ صِفَةِ السَّبَبِ ، فَإِنْ أَخْرَجَ السَّائِلَةَ بِنِيَّتِهِ ، دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَقُبِلَ فِي الْحُكْمِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ دَلِيلٌ عَلَى نِيَّتِهِ ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى .
قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ جَوَابٌ لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لِنَفْسِهَا ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ مِنْ وَجْهَيْنِ .
وَلِأَنَّهَا سَبَبُ الطَّلَاقِ ، وَسَبَبُ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعُمُومِ بِالتَّخْصِيصِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَطْلُقَ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ ، وَالْعَامُّ يَحْتَمِل التَّخْصِيصَ .

( 5905 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ .
ثُمَّ قَالَ : إنَّمَا أَرَدْتُ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ ، لَكِنْ سَبَقَ لِسَانِي إلَى الشَّرْطِ .
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ ، فَلَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : قَدْ طَلَّقْتُهَا .
فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : كَذَبْتُ ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ طَلَاقَهَا عِنْدَ الشَّرْطِ .
دُيِّنَ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ .

( 5906 ) فَصْلٌ : وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ : وَاسْتَثْنَى شَيْئًا بِقَلْبِهِ .
يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى بِلِسَانِهِ صَحَّ ، وَلَمْ يَقَعْ مَا اسْتَثْنَاهُ .
وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً .
أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ .
مِنْهُمْ ؛ الثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ ، وَيَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ ، فَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً .
وَقَعَ الثَّلَاثُ .
وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ .
لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ إيقَاعِهِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْفَعُهُ لَوْ صَحَّ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بَاطِلٌ بِمَا سَلَّمَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمُطَلَّقَات ، وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ رَفْعًا لِمَا وَقَعَ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَمَا صَحَّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ ، وَلَا الْإِعْتَاقِ ، وَلَا فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَا الْإِخْبَارِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِالْكَلَامِ ، فَهُوَ يَمْنَعُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ ، فَقَوْلُهُ : { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } .
عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ .
وَقَوْلُهُ : { إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } .
تَبَرُّؤٌ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً .
عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَتَيْنِ لَا غَيْرُ ، وَحَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا ، وَيُشَبَّهُ بِهِ أَسْمَاءٌ وَأَفْعَالٌ وَحُرُوفٌ ؛ فَالْأَسْمَاءُ غَيْرُ وَسِوَى ، وَالْأَفْعَالُ لَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَعَدَا ، وَالْحُرُوفُ حَاشَا وَخَلَا ، فَبِأَيِّ كَلِمَةٍ اسْتَثْنَى بِهَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ .

( 5907 ) فَصْلٌ : وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
فَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ .
وَقَعَ ثَلَاثٌ .
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ .
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِقْرَارِ .
وَذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ إنَّمَا أَجَازُوهُ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ ، وَحَكَيْنَا ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ .
فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً .
وَقَعَ اثْنَتَانِ .
وَإِنْ قَالَ : إلَّا اثْنَتَيْنِ .
وَقَعَ ثَلَاثٌ .
وَإِنْ قَالَ : طَلْقَتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَقَعُ طَلْقَةٌ .
وَالثَّانِي ، طَلْقَتَانِ ؛ بِنَاءً عَلَى اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ ، هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ ثَلَاثٌ .
بِغَيْرِ خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِرَفْعِ بَعْضِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرْفَعَ جَمِيعُهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا .
وَقَعَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ عَادَ إلَى الْخَمْسِ ، فَقَدْ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ ، وَإِنْ عَادَ إلَى الثَّلَاثِ الَّتِي يَمْلِكُهَا ، فَقَدْ رَفَعَ جَمِيعَهَا .
وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ .
وَإِنْ قَالَ : خَمْسًا إلَّا طَلْقَةً .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ نَطَقَ بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا .
وَالثَّانِي ، يَقَعُ اثْنَتَانِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا مَلَكَهُ مِنْ الطَّلْقَاتِ ، وَهِيَ الثَّلَاثُ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَلْغُو ، وَقَدْ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ الثَّلَاثِ ، فَيَصِحُّ ، وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَقَعُ اثْنَتَانِ ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى الثَّلَاثِ ، فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ .

( 5908 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ الْجُمْلَة الْأَخِيرَةَ بِكَمَالِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا ، فَيَصِيرُ ذِكْرُهَا وَاسْتِثْنَاؤُهَا لَغْوًا ، وَكُلُّ اسْتِثْنَاءٍ أَفْضَى تَصْحِيحُهُ إلَى الْغَايَةِ وَإِلْغَاءِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَطَلَ ، كَاسْتِثْنَاءِ الْجَمِيعِ ، وَلِأَنَّ إلْغَاءَهُ وَحْدَهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ مَعَ إلْغَاءِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْجَمِيعِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ، يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَجْعَلُ الْجُمْلَتَيْنِ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، فَيَصِيرُ مُسْتَثْنِيًا لَوَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ : عَلَيَّ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا إلَّا خَمْسِينَ .
صَحَّ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً .
فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يُخَرَّجُ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ ؛ بِنَاءً عَلَى اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ، إلَّا طَلْقَةً .
أَوْ قَالَ : طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً .
فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى سَوَاءً .
وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِغَيْرِ وَاوٍ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ ، أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إلَّا طَلْقَةً ، لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَرْفٌ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَكَوْنَ الطَّلْقَةِ الْأَخِيرَةِ مُفْرَدَةً عَمَّا قَبْلَهَا ، فَيَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهَا وَحْدَهَا فَلَا يَصِحُّ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ .
لَمْ يَصِحّ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهِ ، فَهُوَ رَفْعٌ لِجَمِيعِهَا ، وَإِنْ عَادَ إلَى

الثَّلَاثِ الَّتِي يَمْلِكُهَا ، فَهُوَ رَفْعٌ لِأَكْثَرِهَا ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَجْعَلُ الْجُمْلَتَيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ يَصِحُّ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً .
احْتَمَلَ أَنْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى الرَّابِعَةِ ، فَقَدْ بَقِيَ بَعْدَهَا ثَلَاثٌ ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْجَمِيعِ .

( 5909 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ اشْتَرَاكَ الْمَعْطُوفِ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، فَيَصِيرُ مُسْتَثْنِيًا لَثَلَاثٍ مِنْ ثَلَاثٍ .
وَهَذَا وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالثَّانِي ، يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي طَلْقَةٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَقَلَّ جَائِزٌ ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، فَيَلْغُو وَحْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ اثْنَتَيْنِ ، وَيَلْغُو فِي الثَّالِثَةِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ جَائِزٌ .
وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً .
فَفِيهِ الْوَجْهَانِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا .
احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَيْضًا ؛ أَحَدُهُمَا ، يَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يُكَمَّلُ ، فَيَكُونُ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَكْثَرِ ، فَيَلْغُو .
وَالثَّانِي ، يَصِحُّ فِي طَلْقَةٍ ، فَتَقَعُ طَلْقَتَانِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَإِلَّا وَاحِدَةً .
كَانَ عَاطِفًا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ ، فَيَصِحُّ الْأَوَّلُ ، وَيَلْغُو الثَّانِي ؛ لِأَنَّنَا لَوْ صَحَّحْنَاهُ لَكَانَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَكْثَرِ ، فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَتَانِ ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ أَنْ يَصِحَّ فِيهِمَا ، فَتَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ، إلَّا وَاحِدَةً .
كَانَ مُسْتَثْنِيًا مِنْ الْوَاحِدَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَاحِدَةً ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْغُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي ، وَيَصِحَّ الْأَوَّلُ ، فَيَقَعَ بِهِ طَلْقَتَانِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ طَلْقَةٍ فِي حَقِّهَا ؛ لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا ،

فَيُقْبَلَ ذَلِكَ فِي إيقَاعِ طَلَاقِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي نَفْيِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا .
وَقَعَ بِهِ ثَلَاثٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ .
وَقَعَ بِهِ ثَلَاثٌ ، فَكُمِّلَ النِّصْفُ فِي الْإِثْبَاتِ ، وَلَمْ يُكَمَّلْ فِي النَّفْيِ .

( 5910 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ .
وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ إلَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهَا ، وَهِيَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً .
فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا أَجَزْنَا اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ ، فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَتَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ اسْتِثْنَاءَ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ ، وَهِيَ أَكْثَرُهَا ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ عَلَيْهِمَا ، بَلْ وَصَلَهُمَا بِأَنْ اسْتَثْنَى مِنْهَا طَلْقَةً ، فَصَارَ عِبَارَةً عَنْ وَاحِدَةٍ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُهَا ، وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهَا جَمِيعُهَا .
وَإِنْ قَالَ : ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً .
لَمْ يَصِحَّ ، وَوَقَعَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ ، بَقِيَ اثْنَتَانِ ، لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُمَا مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَى ، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا وَجْهًا آخَرَ ، أَنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ يَلْغُو ؛ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ ، فَيَرْجِعُ قَوْلُهُ : إلَّا وَاحِدَةً إلَى الثَّلَاثِ الْمُثْبَتَةِ ، فَيَقَعُ مِنْهَا طَلْقَتَانِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ، فَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْ الثَّلَاثِ الْمَنْفِيَّةِ طَلْقَةً ، كَانَ مُثْبِتًا لَهَا ، فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهَا مِنْ الثَّلَاثِ الْمُثْبَتَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إثْبَاتًا مِنْ إثْبَاتٍ .
وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 5911 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَغِيبَ شَمْسُ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمُشْتَرَطَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
فِي شَهْرٍ عَيَّنَهُ ، كَشَهْرِ رَمَضَانَ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ ، وَذَلِكَ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَهُوَ شَهْرُ شَعْبَانَ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ، فَلَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الِاحْتِمَالِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ جَعَلَ الشَّهْرَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ ، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ طَلَقَتْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِذَا دَخَلَتْ أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْهَا طَلَقَتْ .
فَأَمَّا إنْ قَالَ : إنْ لَمْ أَقْضِكَ حَقَّكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ قَبْلَ قَضَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَاهُ فِي آخِرِهِ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ ، وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الْحِنْثِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يُمْنَعُ .
وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ عَلَى فِعْلٍ يَفْعَلُهُ ، يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَ فِعْلِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ ، لِأَنَّ الْحِنْثَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ ، وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ طَلَاقَهُ لَمْ يَقَعْ ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَجْلِ الْيَمِينِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ : لَا فَعَلْتُ كَذَا .
وَلَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ لَوَجَبَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ .
( 5912 ) فَصْلٌ : وَمَتَى جَعَلَ زَمَنًا ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، أَوْ غَدًا ، أَوْ فِي سَنَةِ كَذَا ، أَوْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت فِي آخِرِهِ ، أَوْ أَوْسَطِهِ ، أَوْ يَوْمِ كَذَا مِنْهُ ، أَوْ فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ .
قُبِلَ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ

تَعَالَى .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ ، أَوْ غُرَّةِ رَمَضَانَ ، أَوْ فِي رَأْسِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، أَوْ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، أَوْ اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ ، أَوْ مَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ .
طَلَقَتْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ : أَرَدْتُ أَوْسَطَهُ ، أَوْ آخِرَهُ .
لَا ظَاهِرًا ، وَلَا بَاطِنًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ .
وَإِنْ قَالَ : بِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ ، أَوْ انْسِلَاخِهِ ، أَوْ نَفَادِهِ ، أَوْ مُضِيِّهِ .
طَلَقَتْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ نَهَارِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، أَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ .
طَلَقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ النَّهَارِ وَالْيَوْمِ .
وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ ، أَوْ صِيَامَ يَوْمٍ ، لَزِمَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ رَمَضَانُ ، أَوْ إلَى رَمَضَانَ ، أَوْ إلَى هِلَالِ رَمَضَانَ ، أَوْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ، طَلَقَتْ سَاعَةَ يَسْتَهِلُّ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مِنْ السَّاعَةِ إلَى الْهِلَالِ ، فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، طَلَقَتْ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ .

( 5913 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي زَمَنٍ ، أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ ، تَعَلَّقَ بِهَا ، وَلَمْ يَقَعْ حَتَّى تَأْتِيَ الصِّفَةُ وَالزَّمَنُ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَأَبِي هَاشِمٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ، وَرَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ : إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ ، تَأْتِي لَا مَحَالَةَ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، أَوْ دَخَلَ رَمَضَانُ .
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ مُؤَقَّتًا بِزَمَانٍ ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا شَهْرًا .
وَلَنَا ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ ، فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَأْسِ السَّنَةِ .
قَالَ : يَطَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ السَّنَةِ .
وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالصِّفَاتِ ، فَمَتَى عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهَا ، كَالْعِتْقِ ، فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوهُ .
وَقَدْ احْتَجَّ أَحْمَدُ بُقُولِ أَبِي ذَرٍّ : إنَّ لِي إبِلًا يَرْعَاهَا عَبْدٌ لِي ، وَهُوَ عَتِيقٌ إلَى الْحَوْلِ .
وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ ، فَلَمْ يَقَعْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ .
وَلَيْسَ هَذَا تَوْقِيتًا لِلنِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيتٌ لِلطَّلَاقِ .
وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ، كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ ، وَالطَّلَاقُ يَجُوزُ فِيهِ التَّعْلِيقُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرِ كَذَا ، أَوْ سَنَةِ كَذَا .
فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ : فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا .
وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي أَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَقَعُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ .
إيقَاعٌ فِي الْحَالِ ، وَقَوْلُهُ : إلَى شَهْرِ كَذَا .
تَأْقِيت لَهُ غَايَةٌ ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ ، فَبَطَلَ التَّأْقِيتُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَنَا ، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيتًا لِإِيقَاعِهِ ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : أَنَا خَارِجٌ إلَى سَنَةٍ .
أَيْ بَعْدَ سَنَةٍ .
وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ .
وَقَدْ تَرَجَّحَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُ جَعَلَ لِلطَّلَاقِ غَايَةً ، وَلَا غَايَةَ لِآخِرِهِ ، وَإِنَّمَا الْغَايَةُ لِأَوَّلِهِ .
وَالثَّانِي ، أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَمَلٌ بِالْيَقِينِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ أَخْذٌ بِالشَّكِّ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْحَالِ إلَى سَنَةِ كَذَا .
وَقَعَ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ الْيَوْمِ إلَى سَنَةٍ .
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، فَيَقْتَضِي أَنَّ طَلَاقَهَا مِنْ الْيَوْمِ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنَّ عَقْدَ الصِّفَةِ مِنْ الْيَوْمِ ، وَوُقُوعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ .
لَمْ يَقَعْ إلَّا بَعْدَهَا .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت تَكْرِيرَ وُقُوعِ طَلَاقِهَا مِنْ حِينِ لَفَظْتُ بِهِ إلَى سَنَةٍ ، طَلَقَتْ مِنْ سَاعَتِهَا ثَلَاثًا ، إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ الْيَوْمِ إلَى سَنَةٍ .
يُرِيدُ التَّوْكِيدَ ، وَكَثْرَةَ الطَّلَاقِ ، فَتِلْكَ طَالِقٌ مِنْ سَاعَتِهَا .

( 5915 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَوَّلِ الشَّهْرِ .
طَلَقَتْ فِي آخِرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ أَوَّلُهُ ، وَإِنْ قَالَ : فِي أَوَّلِ آخِرِهِ ، طَلَقَتْ فِي أَوَّلِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ آخِرُهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْأُولَى : تَطْلُقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ .
وَفِي الثَّانِيَةِ : تَطْلُقُ بِدُخُولِ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ نِصْفَانِ ، أَوَّلٌ ، وَآخِرٌ ، فَآخِرُ أَوَّلِهِ يَلِي أُولَ آخِرِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ .
وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ كَقَوْلِنَا ، وَهُوَ أَصَحُّ ؛ فَإِنَّ مَا عَدَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لَا يُسَمَّى أُولَ الشَّهْرِ ، وَيَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَا يُسَمَّى أَوْسَطُ الشَّهْرِ آخِرَهُ وَلَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُصْرَفَ كَلَامُ الْحَالِفِ إلَيْهِ ، وَلَا يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ .

( 5916 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ .
فَإِنَّ ابْتِدَاءَ السَّنَةِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } .
فَإِنْ حَلَفَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ ، فَإِذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَقَعَ طَلَاقُهُ .
وَإِنْ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ ، عَدَدْتَ مَا بَقِيَ مِنْهُ ، ثُمَّ حَسَبْتَ بَعْدُ بِالْأَهِلَّةِ ، فَإِذَا مَضَتْ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا نَظَرْتَ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ، فَكَمَّلَتْهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ هِلَالَيْنِ .
فَإِنْ تَفَرَّقَ كَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخِرُ ، أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ كُلُّهَا بِالْعَدَدِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي مَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، فَاعْتَرَضَ الْأَيَّامُ .
قَالَ : يَصُومُ سِتِّينَ يَوْمًا .
وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ شَهْرٍ ، فَصَامَ شَهْرَيْنِ ، فَكَانَا ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا ، أَجْزَأَهُ ؛ وَذَلِكَ إنَّهُ لَمَّا صَامَ نِصْفَ شَهْرٍ ، وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ الثَّانِي مِنْ نِصْفِهِ أَيْضًا ، فَوَجَبَ أَنْ يُكَمِّلَهُ بِالْعَدَدِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي السَّنَةِ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ أَحَدَ عَشَرَ بِالْأَهِلَّةِ ، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُتِمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّانِي ، بَلْ يُتِمُّهُ مِنْ آخِرِ الشُّهُورِ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ بِقَوْلِي : سَنَةً .
إذَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ .
قُبِلَ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ .
وَإِنْ قَالَ : إذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَرَّفَهَا فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ ، انْصَرَفَتْ إلَى السَّنَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، الَّتِي آخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا .
قُبِلَ ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ اسْمٌ لَهَا حَقِيقَةً

.

( 5917 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً .
فَهَذِهِ صِفَةٌ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، فَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ صِفَةً ، جَازَ ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ عَقِيبَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَجَلٍ ثَبَتَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، ثَبَتَ عَقِيبَهُ ، كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُكِ سَنَةً .
فَيَقَعُ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّنَةَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ ، فَتَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا ، وَتَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ ، وَالثَّالِثَةُ فِي أَوَّلِ الثَّالِثَةِ ، إنْ دَخَلَتَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ ، لِكَوْنِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، أَوْ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّةِ الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَعِدَّةِ الثَّانِيَةِ ، أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ أَنْ بَانَتْ ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَبَانَتْ مِنْهُ ، وَدَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ بَائِنٌ ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ .
فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي أَثْنَائِهَا ، اقْتَضَى قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَقِيبَ تَزْوِيجِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي جَعَلَهَا ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ ، وَمَحَلًّا لَهُ ، وَكَانَ سَبِيلُهُ أَنْ تَقَعَ فِي أَوَّلِهَا ، فَمَنَعَ مِنْهُ كَوْنُهَا غَيْرَ مَحَلٍّ لِطَلَاقِهِ ؛ لِعَدَمِ نِكَاحِهِ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا عَادَتْ الزَّوْجِيَّةُ ، وَقَعَ فِي أَوَّلِهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : تَطْلُقُ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ .
وَعَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ ، تَنْحَلُّ الصِّفَةُ بِوُجُودِهَا فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ ، فَلَا تَعُودُ بِحَالٍ .
وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى دَخَلْت السَّنَةُ الثَّالِثَةُ ، ثُمَّ نَكَحَهَا ، طَلَقَتْ عَقِيبَ تَزْوِيجِهَا ، ثُمَّ طَلَقَتْ الثَّالِثَةَ بِدُخُولِ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ .
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ، لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِ الرَّابِعَةِ ، ثُمَّ تَطْلُقُ الثَّالِثَةَ بِدُخُولِ الْخَامِسَةِ .
وَعَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ ، قَدْ انْحَلَّتْ الصِّفَةُ .
وَاخْتُلِفَ فِي مَبْدَإِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ؛ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، أَنَّ

أَوَّلَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ حِينِ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ حِينَ يَمِينِهِ .
وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : ابْتِدَاءُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوَّلُ الْمُحَرَّمِ ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ الْمَعْرُوفَةُ ، فَإِذَا عَلَّقَ مَا يَتَكَرَّرُ عَلَى تَكَرُّرِ السِّنِينَ ، انْصَرَفَ إلَى السِّنِينَ الْمَعْرُوفَةِ ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ } .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ؛ قُبِلَ ؛ لِأَنَّهَا سَنَةٌ حَقِيقَةً .
وَإِنْ قَالَ : نَوَيْت أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّنِينَ أَوَّلُ السَّنَةِ الْجَدِيدَةِ مِنْ الْمُحَرَّمِ .
دُيِّنَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ .

( 5918 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْتُ هِلَالَ رَمَضَانَ طَلَقَتْ بِرُؤْيَةِ النَّاسِ لَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَرَاهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى رُؤْيَةِ زَيْدٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ الرُّؤْيَةَ لِلْهِلَالِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعِلْمُ بِهِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالِ فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا } .
وَالْمُرَادُ بِهِ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ ، وَحُصُولُ الْعِلْمِ ، فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إلَى عُرْفِ الشَّرْعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا صَلَّيْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ ، لَا إلَى الدُّعَاءِ .
وَفَارَقَ رُؤْيَةَ زَيْدٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ، لَكِنْ ثَبَتَ الشَّهْرُ بِتَمَامِ الْعَدَدِ طَلَقَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ طُلُوعَهُ بِتَمَامِ الْعَدَدِ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ إذَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي .
قُبِلَ ؛ لِأَنَّهَا رُؤْيَةٌ حَقِيقَةً .
وَتَتَعَلَّقُ الرُّؤْيَةُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، فَإِنْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ هِلَالَ الشَّهْرِ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ ، وَلِأَنَّنَا جَعَلْنَا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ عِبَارَةً عَنْ دُخُولِ أَوَّلِ الشَّهْرِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقْ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رُؤْيَةً ، وَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ إذَا رَأَيْتُهُ أَنَا بِعَيْنِي .
فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى أَقْمَرَ ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ لَيس بِهِلَالٍ .
وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ قَمَرًا ، فَقِيلَ : بَعْدَ ثَالِثَةٍ .
وَقِيلَ : إذَا اسْتَدَارَ .
وَقِيلَ : إذَا بَهَرَ ضَوْءُهُ .

( 5919 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ .
يَعْتَزِلُهَا إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَقَبْلَ الْعَشْرِ ، أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَهَا فِي السَّبْعَ عَشْرَةَ ، إلَّا أَنَّ الْمُثْبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ .
إنَّمَا أَمَرَهُ بِاجْتِنَابِهَا فِي الْعَشْرِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ ، وَيُمْكِنُ أَنَّ هَذَا مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ إلَى آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ .

( 5920 ) فَصْلٌ : وَإِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ ، ثُمَّ قَالَ : عَجَّلْتُ لَك تِلْكَ الطَّلْقَةَ .
لَمْ تَتَعَجَّلْ ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى تَغْيِيرِهَا سَبِيلٌ .
وَإِنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ طَلَاقٍ سِوَى تِلْكَ الطَّلْقَةِ ، وَقَعَتْ بِهَا طَلْقَةٌ ، فَإِذَا جَاءَ الزَّمَنُ الَّذِي عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ ، وَهِيَ فِي حِبَالِهِ ، وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ .

( 5921 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَقْدَمَ ؛ لِأَنَّ إذَا اسْمُ زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ، فَمَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقْتَ قُدُومِ زَيْدٍ .
وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ فِي غَد لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ طَلَاقَهَا بِقُدُومِ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ ، فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُوجَدَ .
وَإِنْ مَاتَتْ غَدْوَةً .
وَقَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهَا ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي أَوْقَعَ طَلَاقَهَا فِيهِ لَمْ يَأْتِ ، وَهِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ ، فَلَمْ تَطْلُقْ ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ دُخُولِ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ .
فَقَدِمَ لَيْلًا ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ ، فَتَطْلُقْ وَقْتَ قُدُومِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يُسَمَّى يَوْمًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } .
وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ غَدْوَةً ، وَقَدِمَ زَيْدٌ ظُهْرًا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، نَتَبَيَّنُ أَنَّ طَلَاقَهَا وَقَعَ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .
طَلَقَتْ مِنْ أَوَّلِهِ فَكَذَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ .
فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ بِطُلُوعِ فَجْرِهِ .
وَالثَّانِي ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ قُدُومُ زَيْدٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ ، فَلَمْ يَقَعْ ، بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ مَجِيءُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَهَا هُنَا شَرْطَانِ ، فَلَا يُؤْخَذُ بِأَحَدِهِمَا .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا ، إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ مُعَرَّفًا بِفِعْلٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَيَقَعُ فِي أَوَّلِهِ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ الَّذِي نُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ .
فَكَذَلِكَ .
وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ غَدْوَةً ، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ ، أَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ

، كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ .
فَقَدِمَ فِيهِ ، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ شَرْطٌ ، فَلَا يَتَقَدَّمُهُ الْمَشْرُوطُ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ .
فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ قَبْلَ قُدُومِهِ بِالِاتِّفَاقِ .
وَكَمَا لَوْ قَالَ : إذَا قَدِمَ زَيْدٌ .
وَالثَّانِي ، أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ .

( 5922 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا .
طَلَقَتْ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَقَتْ الْيَوْمَ فَهِيَ طَالِقٌ غَدًا .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ تَطْلُقَ الْيَوْمَ ، وَتَطْلُقَ غَدًا .
طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْيَوْمَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ .
طَلَقَتْ الْيَوْمَ ، وَلَمْ تَطْلُقْ غَدًا ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمَانَ كُلَّهُ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ غَدًا ، طَلَقَتْ الْيَوْمَ وَاحِدَةً ، وَأُخْرَى غَدًا ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يُكَمَّلُ فَيَصِيرُ طَلْقَةً تَامَّةً .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَبَاقِيَهَا غَدًا .
احْتَمَلَ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَطْلُقَ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ : نِصْفَهَا ، كُمِّلَتْ الْيَوْمَ كُلُّهَا ، فَلَمْ يَبْقَ لَهَا بَقِيَّةٌ تَقَعُ غَدًا ، وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَهُ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا الِاحْتِمَالَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، ذَكَرَ أَصْحَابُهُ فِيهَا الْوَجْهَيْنِ .

( 5923 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ .
فَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مُحَالٍ ، فَلَغَا الشَّرْطُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ .
كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ لَا سُنَّة لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَة : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .
وَقَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ " : لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ إذَا جَاءَ غَدٌ فِي الْيَوْمِ ، وَلَا يَأْتِي غَدٌ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْيَوْمِ وَذَهَابِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .

( 5924 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ : يَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلْقَةَ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ ، فَلَغَتْ الصِّفَةُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَة : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .
أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَلْزَمُكِ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الِاسْتِبَاحَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي ، فَلَمْ يَقَعْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِيَوْمَيْنِ .
فَقَدِمَ الْيَوْمَ ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَهَذَا طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَحِيلٍ فَلَغَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَلَبْت الْحَجَرَ ذَهَبًا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ .
فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَرَأَيْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ ، فِي " جُزْءٍ مُفْرَدٍ " ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ .
طَلَقَتْ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّ أَمْسِ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ ، وَقَبْلَ تَزْوِيجِهَا مُتَصَوِّرُ الْوُجُودِ ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ، وَهَذَا الْوَقْتُ قَبْلَهُ ، فَوَقَعَ فِي الْحَالِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ .
وَإِنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أُمْسِ ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ .
إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ ، مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَقَعَ فِي الْحَالِ .
وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا هُوَ ، أَوْ زَوْجٌ قَبْلَهُ ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ

الَّذِي ذَكَرَهُ ، وَكَانَ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ ، قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ ، وَقَعَ طَلَاقُهُ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُقْبَلُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوُجُودَ .
وَإِنْ أَرَادَ أَنِّي كُنْتُ طَلَّقْتُك أَمْسِ .
فَكَذَّبَتْهُ ، لَزِمَتْهُ الطَّلْقَةُ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِهَا ؛ لِأَنَّهَا اعْتَرَفَتْ أَنَّ أَمْسِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِدَّتِهَا .
وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُرَادَهُ ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ ؛ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُطَلِّقِ ، إنْ قُلْنَا : لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ .
لَمْ يَلْزَمْهُ هَاهُنَا شَيْءٌ .
وَإِنْ قُلْنَا بِوُقُوعِهِ ثَمَّ ، وَقَعَ هَاهُنَا .

( 5925 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ .
فَقَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ ، تَبَيَّنَّا أَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ قَبْلَ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ عَقْدِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَزُفَرُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ : يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ قُدُومِ زَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّهْرَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَلَا يَسْبِقُ الطَّلَاقُ شَرْطَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي زَمَنٍ عَلَى صِفَةٍ ، فَإِذَا حَصَلَتْ الصِّفَةُ وَقَعَ فِيهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ ، أَوْ قَبْلَ مَوْتِكَ بِشَهْرٍ .
فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خَاصَّةً يُسَلِّمُ ذَلِكَ ، وَلَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ جَعَلَ الشَّهْرَ شَرْطًا ، وَلَيْسَ فِيهِ حَرْفُ شَرْطٍ .
وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ ، لَمْ يَقَعْ ، بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى صِفَةٍ كَانَ وُجُودُهَا مُمْكِنًا ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا .
وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ مَعَ مُضِيِّ الشَّهْرِ ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ .
فَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِيَوْمٍ ، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الْخُلْعِ بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ صَحِيحًا ، وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهَا بَائِنًا .
وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَبَطَلَ الْخُلْعُ ، وَلَهَا الرُّجُوعُ بِالْعِوَضِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَصِحُّ خُلْعُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ بِيَوْمٍ ، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ ، لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ قَدْ وَقَعَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا ، فَلَمْ يَرِثْهُ صَاحِبُهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ، فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّوَارُثَ

، مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ .
فَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ .
فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ .
فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي الْمَاضِي .
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِشَهْرٍ وَسَاعَةٍ ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، وَلَمْ يَتَوَارَثَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ، وَيَمُوتَ فِي عِدَّتِهَا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي .
وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا ، طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ ، فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ .
وَإِنْ قَالَ : قَبْلَ مَوْتِكَ أَوْ مَوْتِ زَيْدٍ .
فَكَذَلِكَ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ ، أَوْ قَبْلَ دُخُولِكِ الدَّارَ .
فَقَالَ الْقَاضِي : تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ، سَوَاءٌ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا .
} وَلَمْ يُوجَدْ الطَّمْسُ فِي الْمَأْمُورِينَ .
وَلَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ : اسْقِنِي قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَكَ .
فَسَقَاهُ فِي الْحَالِ ، عُدَّ مُمْتَثِلًا وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قُبَيْلَ مَوْتِي ، أَوْ قُبَيْلَ قُدُومِ زَيْدٍ .
لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي يَلِي الْمَوْتَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصْغِيرٌ يَقْتَضِي الْجُزْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي يَبْقَى .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ .
فَقَالَ الْقَاضِي : تَتَعَلَّقُ الصِّفَةُ بِأَوَّلِهِمَا مَوْتًا ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالثَّانِي يُفْضِي إلَى وُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ ، وَاعْتِبَارُهُ بِالْأَوَّلِ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ فَكَانَ أَوْلَى .

( 5926 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ لَهَا : إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِذَا طَلَّقَهَا لَزِمَهُ اثْنَتَانِ ، إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا : إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَأُخْرَى بِالصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَطْلِيقَهَا شَرْطًا لِوُقُوعِ طَلَاقِهَا ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، بَانَتْ بِالْأُولَى ، وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، وَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا ، فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهَا إلَّا بَائِنًا ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِبَائِنٍ .
( 5927 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : عَنَيْتُ بِقَوْلِي هَذَا ، أَنَّكِ تَكُونِينَ طَالِقًا بِمَا أَوْقَعْتُهُ عَلَيْكِ .
وَلَمْ أُرِدْ إيقَاعَ طَلَاقٍ سِوَى مَا بَاشَرْتُكِ بِهِ .
دُيِّنَ .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يُقْبَلُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِشَرْطِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ إخْبَارَهُ إيَّاهَا بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ بِهَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ، يُقْبَلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ ، فَقُبِلَ ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَالَ أَرَدْتُ بِالثَّانِي التَّأْكِيدَ أَوْ إفْهَامَهَا .

( 5928 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَخَرَجَتْ ، طَلَقَتْ بِخُرُوجِهَا ، ثُمَّ طَلَقَتْ بِالصِّفَةِ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ .
وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا : إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَخَرَجَتْ ، طَلَقَتْ بِالْخُرُوجِ ، وَلَمْ تَطْلُقْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِطَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُحْدِثْ عَلَيْهَا طَلَاقًا ؛ لِأَنَّ إيقَاعَهُ الطَّلَاقَ بِالْخُرُوجِ كَانَ قَبْلَ تَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِتَطْلِيقِهَا ، فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ ، فَلَمْ يَقَعْ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَخَرَجَتْ ، طَلَقَتْ بِالْخُرُوجِ ، ثُمَّ تَطْلُقُ الثَّانِيَةَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا .

( 5929 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لَهَا : كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَهَذَا حَرْفٌ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَإِذَا قَالَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَعَ بِهَا طَلْقَتَانِ ، إحْدَاهُمَا بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَالْأُخْرَى بِالصِّفَةِ .
وَلَا تَقَعُ ثَالِثَةٌ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَقَعْ بِإِيقَاعِهِ بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : كُلَّمَا طَلَّقْتُك .
يَقْتَضِي كُلَّمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ الطَّلَاقَ .
وَهَذَا يَقْتَضِي تَجْدِيدَ إيقَاعِ طَلَاقٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ بِهَذَا الْقَوْلِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا بَعْدَ عَقْدِ الصِّفَةِ : إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَخَرَجَتْ ، طَلَقَتْ بِالْخُرُوجِ طَلْقَةً ، وَبِالصِّفَةِ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا ، وَلَمْ تَقَعْ الثَّالِثَةُ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : كُلَّمَا أَوْقَعْت عَلَيْكِ طَلَاقًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ ، أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بِصِفَةٍ عَقَدَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ : إذَا أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مِنْهُ .
وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا بِشَرْطٍ ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَهُوَ الْمُوقِعُ لِلطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ : إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ ، أَوْ بِصِفَةٍ عَقَدَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا .
فَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ خَرَجَتْ ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ بِالْخُرُوجِ ، ثُمَّ وَقَعْت الثَّانِيَةُ بِوُقُوعِ الْأُولَى ، ثُمَّ وَقَعْت الثَّالِثَةُ بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، وَقَدْ عَقَدَ الصِّفَةَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَكَيْفَمَا وَقَعَ يَقْتَضِي

وُقُوعَ أُخْرَى .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ ثَلَاثًا ؛ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَاثْنَتَيْنِ بِالصِّفَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهُ لَهَا يَشْتَمِلُ عَلَى الصِّفَتَيْنِ ؛ هُوَ تَطْلِيقٌ مِنْهُ ، وَهُوَ وُقُوعُ طَلَاقِهِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَاحِدَةً ، فَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ بِكَوْنِهِ طَلَّقَهَا ، وَذَلِكَ طَلَاقٌ مِنْهُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا ، فَتَطْلُقُ بِهِ الثَّالِثَةَ .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا .
فَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا ، فَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً فِي جَمِيعِ هَذَا .
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا .

( 5930 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا طَلَّقْتُك طَلَاقًا أَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَكِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ اثْنَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا بِالْمُبَاشَرَةِ .
وَالْأُخْرَى بِالصِّفَةِ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةُ بِعِوَضٍ ، أَوْ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا ، فَلَا تَقَعُ بِهَا ثَانِيَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالطَّلْقَةِ الَّتِي بَاشَرَهَا بِهَا ، فَلَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا ، فَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ، طَلَقَتْ الثَّالِثَةَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قِيلَ : تَطْلُقُ ، وَقِيلَ : لَا تَطْلُقُ .
وَاخْتِيَارِي أَنَّهَا تَطْلُقُ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَا تَطْلُقُ الثَّالِثَةَ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْقَعْنَاهَا ، لَمْ يَمْلِكْ الرَّجْعَةَ ، وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ طَلَاقِهَا ، فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ ، فَيَقْطَعُهُ بِمَنْعِ وُقُوعِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يُكَمَّلْ بِهِ الْعَدَدُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي مَدْخُولٍ بِهَا ، فَيَقَعُ بِهَا الَّتِي بَعْدَهَا كَالْأُولَى ، وَامْتِنَاعُ الرَّجْعَةِ هَاهُنَا لِعَجْزِهِ عَنْهَا ، لَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ عَقِيبَهَا ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَقَعُ ، وَإِنْ امْتَنَعْت الرَّجْعَةُ ؛ لِعَجْزِهِ عَنْهَا .
وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ ، أَوْ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا ، لَمْ يَقَعْ بِهَا إلَّا الطَّلْقَةُ الَّتِي بَاشَرَهَا بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقٌ أَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَتَك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ صِفَةٍ ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا .
وَعِنْدَهُمْ لَا تَطْلُقُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا طَلَّقْتُك طَلَاقًا أَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
ثُمَّ طَلَّقَهَا ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا .
وَقَالَ الْمُزَنِيّ : لَا تَطْلُقُ .
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ .

فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لُزُوجَتِهِ : إذَا طَلَّقْتُك ، أَوْ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا .
فَلَا نَصَّ فِيهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَاثْنَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ .
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : تَطْلُقُ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَيَلْغُو الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ .
وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ ، فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : لَا تَطْلُقُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ يَقْتَضِي وُقُوعَ ثَلَاثٍ قَبْلَهَا ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُقُوعَهَا ، فَإِثْبَاتُهَا يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا ، فَلَا تَثْبُتُ ، وَلِأَنَّ إيقَاعَهَا يُفْضِي إلَى الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ وَقَعَ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ ، فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا ، وَمَا أَفْضَى إلَى الدَّوْرِ وَجَبَ قَطْعُهُ مِنْ أَصْلِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ ، فِي مَحَلٍّ لِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْقِدْ هَذِهِ الصِّفَةَ ، وَلِأَنَّ عُمُومَاتِ النُّصُوصِ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } .
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ النُّصُوصِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الطَّلَاقَ لِمَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَمْنَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَيُبْطِلُ شَرْعِيَّتَهُ ، فَتَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ؛ فَإِنَّا إنْ قُلْنَا : لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ ، فَلَهُ وَجْهٌ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ ، وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ فِي الْمَاضِي ، فَلَمْ يَقَعْ ،

كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِيَوْمٍ .
فَقَدِمَ فِي الْيَوْمِ ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الطَّلْقَةَ الْوَاقِعَةَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ ، وَلَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ قَبْلَ شَرْطِهِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمْتَنِعُ وُقُوعُ الطَّلْقَةِ الْمُبَاشَرَةِ ، وَلَا يُفْضِي إلَى دَوْرٍ وَلَا غَيْرِهِ .
وَإِنْ قُلْنَا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ ، فَوَجْهُهُ أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِمَا يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِهِ ، فَلَغَتْ الصِّفَةُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تُنْقِصُ عَدَدَ طَلَاقِك ، أَوْ لَا تَلْزَمُك .
أَوْ قَالَ لِلْآيِسَةِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .
أَوْ قَالَ : لِلْبِدْعَةِ .
وَبَيَانُ اسْتِحَالَتِهِ ، أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ مَشْرُوطَهُ ، وَلِذَلِكَ لَوْ أَطْلَقَ لَوَقَعَ بَعْدَهُ ، وَتَعْقِيبُهُ بِالْفَاءِ فِي قَوْله : فَأَنْتِ طَالِقٌ .
يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَقِيبَهُ ، وَكَوْنُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بَعْدَهُ قَبْلَهُ مُحَالٌ ، لَا يَصِحُّ الْوَصْفُ بِهِ ، فَلَغَتْ الصِّفَةُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تَلْزَمُك .
ثُمَّ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ بِقَوْلِهِ : إذَا انْفَسَخَ نِكَاحُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا .
ثُمَّ وُجِدَ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا ؛ مِنْ رَضَاعٍ ، أَوْ رِدَّةٍ ، أَوْ وَطْءِ أُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا بِشُبْهَةٍ ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ ، وَلَا خِلَافَ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ .
قَالَ الْقَاضِي : مَا ذَكَرُوهُ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ جُمْلَةً .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قُبَيْلَ وُقُوعِ طَلَاقِي بِك وَاحِدَةً .
أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ثَلَاثًا إنَّ طَلَّقْتُك غَدًا وَاحِدَةً .
فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْقَةَ الْمُوَقَّعَةَ يَقْتَضِي وُقُوعُهَا وُقُوعَ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا مَعَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِوُقُوعِ الطَّلْقَةِ الْمُوَقَّعَةِ دُونَ مَا تَعَلَّقَ بِهَا ؛

لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهَا تَابِعٌ ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْمَتْبُوعِ لِامْتِنَاعِ حُصُولِ التَّبَعِ ، فَيَبْطُلُ التَّابِعُ وَحْدَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ : إذَا أَعْتَقْت سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ .
وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَحَدُهُمَا ، فَإِنَّ سَالِمًا يَعْتِقُ وَحْدَهُ ، وَلَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا أَدَّى إلَى عِتْقِ الْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ : فَغَانِمٌ حُرٌّ قَبْلَهُ ، أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ .
أَوْ تَطْلُقُ .
كَذَا هَاهُنَا .

( 5932 ) فَصْلٌ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " ، وَأَبُو الْخَطَّابِ : هُوَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ ، أَيِّ شَرْطٍ كَانَ ، إلَّا قَوْلَهُ : إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَنَحْوَهُ ، فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ .
وَإِذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ .
وَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِنَّهُ طَلَاقُ سُنَّةٍ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حَلِفًا عُرْفًا ، فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَلِأَنَّ فِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْقَسَمِ ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُمْلَةً غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ دُونَ الْجَوَابِ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : وَاَللَّهِ ، وَبِاَللَّهِ ، وَتَاللَّهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " هُوَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ يَقْصِدُ بِهِ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ ، أَوْ الْمَنْعَ مِنْهُ ، كَقَوْلِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
أَوْ عَلَى تَصْدِيقِ خَبَرِهِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ .
فَأَمَّا التَّعْلِيقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ ، أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ ، أَوْ إنْ لَمْ يَقْدَمْ السُّلْطَانُ .
فَهُوَ شَرْطٌ مَحْضٌ لَيْسَ بِحَلِفٍ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ الْقَسَمُ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ حَلِفًا تَجَوُّزًا ، لِمُشَارَكَتِهِ الْحَلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ الْحَثُّ ، أَوْ الْمَنْعُ ، أَوْ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ ، نَحْوُ قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ ، أَوْ لَا أَفْعَلُ ، أَوْ لَقَدْ فَعَلْت ، أَوْ لَمْ أَفْعَلْ .
وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى ، لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ حَلِفًا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ ، عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ ، وَتَطْلُقُ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ .
وَإِنْ قَالَ :

كُلَّمَا كَلَّمْت أَبَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ ، فَكَانَ حَلِفًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً ، ثُمَّ كُلَّمَا أَعَادَهُ مَرَّةً طَلَقَتْ ، حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ يُوجَدُ بِهَا شَرْطُ الطَّلَاقِ ، وَيَنْعَقِدُ شَرْطُ طَلْقَةٍ أُخْرَى .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : لَيْسَ ذَلِكَ بِحَلِفٍ ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِتَكْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ لِلْكَلَامِ ، فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لَاحِقًا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ ، فَكَانَ حَلِفًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَوْلُهُ : إنَّهُ تَكْرَارٌ لِلْكَلَامِ .
حُجَّةٌ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ تَكْرَارَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ مَرَّةً أُخْرَى ، فَإِذَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ حَلِفًا ، فَوُجِدَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَدْ وُجِدَ الْحَلِفُ مَرَّةً أُخْرَى ، وَأَمَّا التَّأْكِيدُ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمُكَرَّرُ إذَا قَصْدَهُ ، وَهَا هُنَا إنْ قَصَدَ إفْهَامَهَا ، لَمْ يَقَعْ بِالثَّانِي شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ .
يَعْنِي بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَهَا ، فَأَمَّا إنْ كَرَّرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا ، بَانَتْ بِطَلْقَةٍ ، وَلَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْهَا ، فَإِذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ ثَلَاثًا ، بَانَتْ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ، وَلَمْ تَطْلُقْ بِالثَّالِثَةِ ، فَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ لَهَا ، أَوْ قَالَ لَهَا : إنْ تَكَلَّمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، لَمْ تَطْلُقْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهَا إنَّمَا كَانَ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا .

( 5933 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : كُلَّمَا حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا ، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثًا ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ، فَإِذَا أَعَادَهُ مَرَّةً ثَالِثَةً ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا بَائِنٌ ، فَلَمْ تَكُنْ إعَادَةُ هَذَا الْقَوْلِ حَلِفًا بِطَلَاقِهَا .
وَهِيَ غَيْرُ زَوْجِهِ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، فَإِنَّ شَرْطَ طَلَاقِهِمَا الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِنْ جَدَّدَ نِكَاحَ الْبَائِنِ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : إنْ تَكَلَّمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَقَدْ قِيلَ : يَطْلُقَانِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهَذَا حَالِفًا بِطَلَاقِهَا ، وَقَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِإِعَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ ، فَطَلَقَتَا حِينَئِذٍ ، يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَذِهِ الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا ؛ لِأَنَّهَا حِينَ إعَادَتِهِ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ بَائِنٌ ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ الصِّفَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ لَأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، وَحَلَفَ بِطَلَاقِهَا .
وَلَكِنْ تَطْلُقُ الْمَدْخُولُ بِهَا حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ ، وَحَلَفَ بِطَلَاقِ هَذِهِ حِينَئِذٍ ، فَكَمَّلَ شَرْطَ طَلَاقِهَا .
فَطَلَقَتْ وَحْدَهَا .

( 5934 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ ، حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ ، فَقَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ أَعَادَهُ ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا حَلِفٌ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ وَحْدَهَا فَلَمْ يُوجَدْ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا .
وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ عَمْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهِمَا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ طَلَاقَهَا عَلَى الْحَلِفِ بِطَلَاقِهِمَا ، وَلَمْ تَطْلُقْ حَفْصَةُ لِأَنَّهُ مَا حَلَفَ بِطَلَاقِهِمَا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ طَلَاقَهَا عَلَيْهِ .
فَإِنْ قَالَ بَعْدَ هَذَا : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا ، فَعَمْرَةُ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِهِمَا ، إنَّمَا حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ وَحْدَهَا .
فَإِنْ قَالَ بَعْدَ هَذَا : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا ، فَحَفْصَةُ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ حَفْصَةُ .
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ .

( 5935 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك ، فَضَرَّتُك طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ طَلَقَتْ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُ لِلثَّانِيَةِ هُوَ حَلِفٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى ، وَذَلِكَ شَرْطُ وُقُوعِ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ إنْ أَعَادَ لِلْأُولَى ، طَلَقَتْ ، ثُمَّ كُلَّمَا أَعَادَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَامْرَأَةٍ طَلَقَتْ ، حَتَّى يَكْمُلَ لِلثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ ، ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ لِلْأُولَى لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَلِفًا بِطَلَاقِهَا .
وَلَوْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَامْرَأَةٍ ، ثُمَّ أَعَادَهُ لَهَا ، لَمْ تَطْلُقْ بِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَلِفٍ بِطَلَاقِهَا ، إنَّمَا هُوَ حَلِفٌ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا ، وَلَمْ يُعَلَّقْ عَلَى ذَلِكَ طَلَاقًا .
وَإِنْ قَالَ لِلْأُولَى ؛ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ ضَرَّتِك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ .
طَلَقَتْ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لِلثَّانِيَةِ حَلِفٌ بِطَلَاقِهَا ، وَشَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْأُولَى .
ثُمَّ إنْ أَعَادَهُ لِلْأُولَى .
طَلَقَتْ الثَّانِيَةُ ، ثُمَّ كُلَّمَا أَعَادَهُ لَامْرَأَةٍ مِنْهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، طَلَقَتْ الْأُخْرَى .
فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، فَطَلَقَتْ مَرَّةً ، بَانَتْ ، وَلَمْ تَطْلُقْ صَاحِبَتُهَا بِإِعَادَةِ ذَلِكَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ بِطَلَاقِهَا ، لِكَوْنِهَا بَائِنًا ، فَهِيَ كَسَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ .
إنْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا : إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِ ضَرَّتِك ، فَهِيَ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ .
لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا .
ثُمَّ إنَّ أَعَادَ ذَلِكَ لِإِحْدَاهُمَا ، طَلَقَتْ الْأُخْرَى ، ثُمَّ إنْ أَعَادَهُ لِلْأُخْرَى ، طَلَقَتْ صَاحِبَتُهَا ، ثُمَّ كُلَّمَا أَعَادَهُ لَامْرَأَةٍ ، طَلَقَتْ الْأُخْرَى ، إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا دُونَ الثَّلَاثِ ، فَإِنَّهَا إذَا بَانَتْ صَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ .
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَامْرَأَةٍ ابْتِدَاءً ، ثُمَّ أَعَادَهُ لَهَا

، طَلَقَتْ ضَرَّتُهَا بِكُلِّ إعَادَةٍ مَرَّةً ، حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ .
وَإِنْ قَالَ لَامْرَأَةٍ : إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِ ضَرَّتِك ، فَهِيَ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى : إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ .
ثُمَّ إنْ قَالَ لِلْأُولَى مِثْلَ مَا قَالَ لَهَا ، أَوْ قَالَ لِلثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا قَالَ لَهَا طَلَقَتْ الثَّانِيَةُ ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ ، وَلَا يَقَعُ بِالْأُولَى بِهَذَا طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ .
وَلَوْ قَالَ لِلْأُولَى : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ ضَرَّتِك فَهِيَ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ الْأُولَى ، ثُمَّ مَتَى أَعَادَ أَحَدَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ مَرَّةً أُخْرَى ، طَلَقَتْ الْأُولَى مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ ، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ بِهَذَا طَلَاقٌ .
وَلَوْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا : إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِك ، فَضَرَّتُك طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى : إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِ ضَرَّتِك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَّقَ طَلَاقَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْحَلِفِ بِطَلَاقِ الْأُولَى ، وَلَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِهَا .
وَلَوْ أَعَادَ ذَلِكَ لَهُمَا ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ لِلثَّانِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ لِلْأُولَى ، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ .

( 5936 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَقَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ حَفْصَةَ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ عَمْرَةُ .
وَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ زَيْنَبَ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ حَفْصَةُ .
ثُمَّ مَتَى أَعَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَقَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ، فَنِسَائِي طَوَالِقُ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ حَفْصَةَ ، فَنِسَائِي طَوَالِقُ .
طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ .
فَقَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ بَعْدَ تَعْلِيقِهِ طَلَاقَ نِسَائِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا ، فَطَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً ، وَلَمَّا قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ حَفْصَةَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ .
فَقَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ وَزَيْنَبَ ، فَطَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً بِحَلِفِهِ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ، وَلَمْ يَقَعْ بِحَلِفِهِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَنِثَ بِهِ مَرَّةً فَلَا يَحْنَثُ ثَانِيَةً .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ : إنْ - كُلَّمَا ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ " كُلَّمَا " تَقْتَضِي التَّكْرَارَ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا حَلَفْت بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ ، فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ .
ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً ، طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ بِإِعَادَتِهِ حَالِفٌ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَحَلِفُهُ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَرْطٌ لَطَلَاقِهِنَّ جَمِيعًا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ ، فَأَنْتُن طَوَالِقُ .
ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً ؛ لِأَنَّ " إنْ " لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ .
وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِحْدَاهُنَّ : إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً أُخْرَى

.
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا حَلَفْت بِطَلَاقِكُنَّ ، فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ .
ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً .
وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِحْدَاهُنَّ : إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ .
وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِلِاثْنَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ، طَلَقَ الْجَمِيعُ طَلْقَةً طَلْقَةً .

( 5937 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لُزُوجَتِهِ : إنْ حَلَفْت بِعِتْقِ عَبْدِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك ، فَعَبْدِي حُرٌّ .
طَلَقَتْ .
ثُمَّ إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ حَلَفْت بِعِتْقِك ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
عَتَقَ الْعَبْدُ .
وَإِنْ قَالَ لَهُ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ امْرَأَتِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
ثُمَّ قَالَ لَهَا : إنْ حَلَفْت بِعِتْقِ عَبْدِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
عَتَقَ الْعَبْدُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ حَلَفْت بِعِتْقِك ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ، عَتَقَ الْعَبْدُ .

( 5938 ) فَصْلٌ : وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ اسْتِعْمَالَ الْقَسَمِ ، جَوَابًا لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَأَقُومَنَّ .
وَقَامَ ، لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ حَنِثَ .
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ شُرَيْحٌ : يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِنْ قَامَ ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ طَلَاقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ ، فَوَقَعَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ حَلِفٌ بَرَّ فِيهِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ أَخَاك لَعَاقِلٌ .
وَكَانَ أَخُوهَا عَاقِلًا ، لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا ، حَنِثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ إنَّ أَخَاك لَعَاقِلٌ ، وَإِنْ شُكَّ فِي عَقْلِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا أَكَلْتُ هَذَا الرَّغِيفَ .
فَأَكَلَهُ ، حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا أَكَلْته .
وَكَانَ صَادِقًا ، لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا ، حَنِثَ كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ مَا أَكَلْته .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا أَبُوك لَطَلَّقْتُك .
وَكَانَ صَادِقًا ، لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا طَلَقَتْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَأُكْرِمَنَّك .
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِعِتْقِ عَبْدِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ لَأَقُومَنَّ .
طَلَقَتْ الْمَرْأَةُ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِ امْرَأَتِي ، فَعَبْدِي حُرٌّ .
ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَقَدْ صُمْت أَمْسِ .
عَتَقَ الْعَبْدِ .

( 5939 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : إنْ طَلَّقْت حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ : إنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ .
طَلَقَتَا مَعًا ؛ حَفْصَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَعَمْرَةُ بِالصِّفَةِ ، وَلَمْ تَزِدْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى طَلْقَةٍ .
وَإِنْ بَدَأَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ حَفْصَةُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ حَفْصَةَ طَلَقَتْ عَمْرَةُ بِالصِّفَةِ ؛ لِكَوْنِهِ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى طَلَاقِ حَفْصَةَ ، وَلَمْ يَعُدْ عَلَى حَفْصَةَ طَلَاقٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ فِي عَمْرَةَ طَلَاقًا ، إنَّمَا طَلَقَتْ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ عَلَى تَعْلِيقِهِ طَلَاقَهَا .
وَإِنْ بَدَأَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ حَفْصَةُ ؛ لِكَوْنِ طَلَاقِهَا مُعَلَّقًا عَلَى طَلَاقِ عَمْرَةَ ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا تَطْلِيقٌ مِنْهُ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا طَلَاقًا ، بِتَعْلِيقِهِ طَلَاقَهَا عَلَى تَطْلِيقِ عَمْرَةَ ، بَعْدَ قَوْلِهِ : إنْ طَلَّقْت حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ .
وَمَتَى وُجِدَ التَّعْلِيقُ وَالْوُقُوعُ مَعًا ، فَهُوَ تَطْلِيقٌ .
فَإِنْ وُجِدَا مَعًا بَعْدَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِطَلَاقِهَا ، وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِطَلَاقِهَا .
وَطَلَاقُ عَمْرَةَ هَاهُنَا مُعَلَّقٌ بِطَلَاقِهَا ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ .
وَلَوْ قَالَ لِعَمْرَةَ : كُلَّمَا طَلَّقْت حَفْصَةَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِحَفْصَةَ : كُلَّمَا طَلَّقْت عَمْرَةَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ حَفْصَةُ طَلْقَةً وَاحِدَةً .
وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ ابْتِدَاءً ، لَمْ يَقَعْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءً ، فَإِنَّهُ بَدَأَ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ عَمْرَةَ عَلَى تَطْلِيقِ حَفْصَةَ ، ثُمَّ ثَنَّى بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ حَفْصَةَ عَلَى تَطْلِيقِ عَمْرَةَ .
وَلَوْ قَالَ لِعَمْرَةَ : إنْ طَلَّقْتُك ، فَحَفْصَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِحَفْصَةَ : إنْ طَلَّقْتُك ، فَعَمْرَةُ طَالِقٌ .
ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ ، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ عَمْرَةُ

طَلْقَةً .
وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً ؛ لِأَنَّهَا عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا .
ذَكَر هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْقَاضِي ، فِي " الْمُجَرَّدِ " .
وَلَوْ قَالَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ : كُلَّمَا طَلَّقْت ضَرَّتَكِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ الثَّانِيَةُ طَلْقَةً .
وَإِنْ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً طَلْقَةً .
وَإِنْ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ ، طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ الْأُولَى طَلْقَةً ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .

( 5940 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ : إنْ طَلَّقْت زَيْنَبَ فَعَمْرَة طَالِقٌ ، وَإِنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ ، وَإِنْ طَلَّقْت حَفْصَةَ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ .
ثُمَّ طَلَّقَ زَيْنَبَ ، طَلَقَتْ عَمْرَةُ ، وَلَمْ تَطْلُقْ حَفْصَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ فِي عَمْرَةَ طَلَاقًا بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِ حَفْصَةَ بِتَطْلِيقِهَا ، وَإِنَّمَا طَلَقَتْ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ عَلَى ذَلِكَ ، فَيَكُونُ وُقُوعًا لِلطَّلَاقِ ، وَلَيْسَ بِتَطْلِيقِ .
وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ حَفْصَةُ ، وَلَمْ تَطْلُقْ زَيْنَبُ لِذَلِكَ .
وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ ، طَلَقَتْ زَيْنَبُ ، ثُمَّ طَلَقَتْ عَمْرَةُ ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِي زَيْنَبَ طَلَاقًا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ طَلَاقَ عَمْرَةَ بِطَلَاقِهَا ، فَإِنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَطْلِيقِ حَفْصَةَ ، ثُمَّ طَلَّقَ حَفْصَةَ ، وَالتَّعْلِيقُ مَعَ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ تَطْلِيقٌ ، وَقَدْ وُجِدَ التَّعْلِيقُ وَشَرْطُهُ مَعًا بَعْدَ تَعْلِيقِهِ طَلَاقَ عَمْرَةَ بِتَطْلِيقِهَا ، فَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِزَيْنَبِ تَطْلِيقًا ، فَطَلَقَتْ بِهِ عَمْرَةُ ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا .
وَإِنْ قَالَ لِزَيْنَبِ : إنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ : إنْ طَلَّقْت حَفْصَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِحَفْصَةَ : إنْ طَلَّقْت زَيْنَبَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ طَلَّقَ زَيْنَبَ ، طَلَقَ الثَّلَاثُ ؛ زَيْنَبُ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَحَفْصَةُ بِالصِّفَةِ ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِحَفْصَةَ تَطْلِيقٌ لَهَا ، وَتَطْلِيقُهَا شَرْطُ طَلَاقِ عَمْرَةَ ، فَتَطْلُقُ بِهِ أَيْضًا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَطْلِيقٌ لِحَفْصَةَ ، أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا طَلَاقًا ، بِتَعْلِيقِهِ طَلَاقَهَا عَلَى تَطْلِيقِ زَيْنَبَ ، بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِ عَمْرَةَ بِتَطْلِيقِهَا ، وَتَحَقُّقِ شَرْطِهِ ، وَالتَّعْلِيقُ مَعَ شَرْطِهِ تَطْلِيقٌ ، وَقَدْ وُجِدَا مَعًا بَعْدَ جَعْلِ تَطْلِيقِهَا صِفَةً لِطَلَاقِ عَمْرَةَ .
وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ هِيَ وَزَيْنَبُ ، وَلَمْ تَطْلُقْ حَفْصَةُ .
وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ ، طَلَقَتْ هِيَ وَعَمْرَةُ ، وَلَمْ تَطْلُقْ

زَيْنَبُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَإِنْ قَالَ لِزَيْنَبِ : إنَّ طَلَّقْتُك فَضَرَّتَاكِ طَالِقَتَانِ ، ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ لِحَفْصَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ طَلَّقَ زَيْنَبَ ، طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي غَيْرِ زَيْنَبَ طَلَاقًا ، إنَّمَا طَلَقَتَا بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِطَلَاقِهَا .
وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ ، طَلَقَتْ زَيْنَبُ طَلْقَةً ، وَطَلَقَتْ عَمْرَةُ وَحَفْصَةُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَطَلَقَتْ زَيْنَبُ وَحَفْصَةُ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً ، وَطَلَاقُ زَيْنَبَ تَطْلِيقٌ لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِهَا بِصِفَةٍ أَحْدَثَهَا بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهِمَا بِتَطْلِيقِهَا ، فَعَادَ عَلَى عَمْرَةَ وَحَفْصَةَ بِذَلِكَ طَلْقَتَانِ ، وَلَمْ يَعُدْ عَلَى زَيْنَبَ بِطَلَاقِهِمَا طَلَاقٌ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهَا طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِالْمُبَاشَرَةِ ، فَطَلَقَتْ بِهَا ضَرَّتَاهَا ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقٌ ، لِأَنَّهُ بِصِفَةٍ أَحْدَثَهَا فِيهِمَا بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِطَلَاقِهِمَا ، فَعَادَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ ، فَكَمُلَ لَهَا ثَلَاثٌ ، وَطَلَقَتْ عَمْرَةُ طَلْقَتَيْنِ ، وَاحِدَةً بِتَطْلِيقِ حَفْصَةَ ، وَأُخْرَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى زَيْنَبَ ؛ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ لِزَيْنَبِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَطَلَقَتْ زَيْنَبُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا بِالصِّفَةِ ، لَيْسَ بِتَطْلِيقٍ فِي حَقِّهَا .
وَإِنْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ : كُلَّمَا طَلَقَتْ إحْدَى ضَرَّتَيْك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَى ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا ، وَطَلَقَتْ الثَّانِيَةُ طَلْقَتَيْنِ ، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهُ لِلْأُولَى شَرْطٌ لِطَلَاقِ ضَرَّتَيْهَا ، وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِمَا تَطْلِيقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا ، لِكَوْنِهِ وَاقِعًا بِصِفَةٍ أَحْدَثَهَا بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا

بِطَلَاقِهِمَا ، فَعَادَ عَلَيْهَا مِنْ تَطْلِيقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً ، فَكَمُلَ لَهَا الثَّلَاثُ ، وَعَادَ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ طَلَاقِ الثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ لِذَلِكَ ، وَلَمْ يَعُدْ عَلَى الثَّالِثَةِ مِنْ طَلَاقِهِمَا الْوَاقِعِ بِالصِّفَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَطْلِيقٍ فِي حَقِّهَا .
وَإِنْ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ طَلَقَتْ أَيْضًا طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا ، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَةً .
وَإِنْ طَلَّقَ الثَّالِثَةَ ، طَلَقَتْ الْأُولَى طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ طَلْقَةً طَلْقَةً .

( 5941 ) فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ .
ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ قُمْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
فَقَامَ ، طَلَقَتْ الْمَرْأَةُ ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ قُمْتَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ .
فَقَامَ الْعَبْدُ ، طَلَقَتْ الْمَرْأَةُ ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالصِّفَةِ إنَّمَا يَكُونُ تَطْلِيقًا مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَالْوُقُوعُ بَعْدَ قَوْلِهِ : إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ .
وَفِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْوُقُوعُ وَحْدَهُ ، فَكَانَتْ الصِّفَةُ سَابِقَةً ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَعْتَقْتُك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ .
ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ لَمْ أَضْرِبْك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَطَلَقَتْ الْمَرْأَةُ .

( 5942 ) فَصْلٌ : وَمَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى صِفَاتٍ ، فَاجْتَمَعْنَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَقَعَ بِكُلِّ صِفَةٍ مَا عُلِّقَ عَلَيْهَا ، كَمَا لَوْ وُجِدَتْ مُفْتَرِقَةً ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ ، فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ كَلَّمْت طَوِيلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ كَلَّمْت أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَكَلَّمَتْ رَجُلًا أُسُودَ طَوِيلًا ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ وَلَدْتِ بِنْتًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ وَلَدْتِ سَوْدَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَوَلَدَتْ بِنْتًا سَوْدَاء ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً ، طَلَقَتْ اثْنَتَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، وَفِي الرُّمَّانَةِ نِصْفَانِ ، فَتَطْلُقُ بِأَكْلِهِمَا طَلْقَتَيْنِ ، وَبِأَكْلِ الرُّمَّانَةِ طَلْقَةً .
فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ : نِصْفَ رُمَّانَةٍ .
نِصْفًا مُفْرَدًا عَنْ الرُّمَّانَةِ الْمَشْرُوطَةِ ، أَوْ كَانَتْ مَعَ الْكَلَامِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَأْكُلَ مَا نَوَى تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ .

( 5943 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إنْ دَخَلَ الدَّارَ رَجُلٌ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ ، وَإِنْ دَخَلَهَا طَوِيلٌ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ ، وَإِنْ دَخَلَهَا أَسْوَدُ فَثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ ، وَإِنْ دَخَلَهَا فَقِيهٌ فَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ .
فَدَخَلَهَا فَقِيهٌ طَوِيلٌ أَسْوَدُ ، عَتَقَ مِنْ عَبِيدِهِ عَشَرَةٌ .
وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ : إنْ طَلَّقْت امْرَأَةً مِنْكُنَّ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ ، وَإِنْ طَلَّقْت اثْنَتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ ، وَإِنْ طَلَّقْت ثَلَاثَةً ، فَثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ ، وَإِنْ طَلَّقْت أَرْبَعًا ، فَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ أَحْرَارٌ ، ثُمَّ طَلَّقَ الْأَرْبَعَ مُجْتَمِعَاتٍ أَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ عَتَقَ مِنْ عَبِيدِهِ عَشَرَةٌ ؛ بِالْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ ، وَبِالِاثْنَتَيْنِ اثْنَانِ ، وَبِالثَّلَاثِ ثَلَاثَةٌ ، وَبِالْأَرْبَعِ أَرْبَعَةٌ ؛ لِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ فِيهِنَّ .
وَلَوْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِلَفْظَةِ " كُلَّمَا " ، فَقَدْ قِيلَ : يَعْتِقُ عَشَرَةٌ أَيْضًا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعْتِقُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ فِيهِنَّ أَرْبَعَ صِفَاتٍ ، هُنَّ أَرْبَعٌ ، فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ ، وَهُنَّ أَرْبَعَةُ آحَادٍ ، فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ أَرْبَعَةٌ ، وَهُنَّ اثْنَتَانِ وَاثْنَتَانِ ، فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ أَرْبَعَةٌ ، وَفِيهِنَّ ثَلَاثٌ ، فَيَعْتِقُ بِهِنَّ ثَلَاثَةٌ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت : يَعْتِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ ، وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ ؛ لِأَنَّ فِيهَا صِفَتَيْنِ هِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ مَعَ الْأُولَى اثْنَتَانِ ، وَيَعْتِقُ بِالثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ مَعَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ ، وَيَعْتِقُ بِالرَّابِعَةِ سَبْعَةٌ ؛ لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ صِفَاتٍ ، هِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ مَعَ الثَّالِثَةِ اثْنَتَانِ ، وَهِيَ مَعَ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبْلَهَا أَرْبَعٌ .
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ لَا يَعْتَبِرُ صِفَةَ طَلَاقِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْأُولَى ، وَلَا صِفَةَ التَّثْنِيَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ، وَلَفْظُ " كُلَّمَا " يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَيَجِبُ تَكْرَارُ الطَّلَاقِ بِتَكْرَارِ

الصِّفَاتِ .
وَقِيلَ : يَعْتِقُ سَبْعَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ التَّثْنِيَةِ قَدْ وُجِدَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّهَا تُوجَدُ بِضَمِّ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ .
وَقِيلَ : يَعْتِقُ عِشْرُونَ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الثَّلَاثِ وُجِدَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِضَمِّ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى الرَّابِعَةِ ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا عَدُّوا الثَّانِيَةَ مَعَ الْأُولَى فِي صِفَةِ التَّثْنِيَةِ مَرَّةً ، ثُمَّ عَدُّوهَا مَعَ الثَّالِثَةِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَعَدُّوا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي صِفَةِ التَّثْلِيثِ مَرَّتَيْنِ ، مَرَّةً مَعَ الْأُولَى ، وَمَرَّةً مَعَ الرَّابِعَةِ ، وَمَا عُدَّ فِي صِفَةٍ مَرَّةً ، لَا يَجُوزُ عَدُّهُ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ مَرَّةً أُخْرَى .
وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ : كُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً ، لَمْ تَطْلُقْ إلَّا اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرُّمَّانَةَ نِصْفَانِ .
وَلَا يُقَالُ : إنَّهَا تَطْلُقُ ثَالِثَةً ، بِأَنْ يُضَمَّ الرُّبْعُ الثَّانِي إلَى الرُّبْعِ الثَّالِثِ فَيَصِيرَانِ نِصْفًا ثَالِثًا ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا ، لَمْ تُضَمَّ الْأُولَى إلَى الرَّابِعَةِ ، فَيَصِيرَانِ اثْنَتَيْنِ .
وَعَلَى سِيَاقِ هَذَا الْقَوْلِ ، يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ؛ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ ، وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ ، وَثَمَانِيَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَعَ مَا قَبْلَهَا ثَلَاثَةٌ ، وَهِيَ مَعَ ضَمِّهَا إلَى الْأُولَى اثْنَتَانِ ، وَمَعَ ضَمِّهَا إلَى الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ ، فَفِيهَا صِفَةُ التَّثْنِيَةِ مَرَّتَانِ ، وَيَعْتِقَ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ فِيهَا ثَمَانِي صِفَاتٍ ، هِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ مَعَ مَا قَبْلَهَا أَرْبَعٌ ، وَفِيهَا صِفَةُ التَّثْلِيثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ ، هِيَ مَعَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ ، وَمَعَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ ، وَمَعَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ ، فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ تِسْعَةٌ ، وَفِيهَا صِفَةُ التَّثْنِيَةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ ، هِيَ مَعَ الْأُولَى اثْنَتَانِ ، وَهِيَ مَعَ الثَّانِيَةِ

اثْنَتَانِ ، وَهِيَ مَعَ الثَّالِثَةِ اثْنَتَانِ ، فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ سِتَّةٌ ، وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَمَا نَعْلَمُ بِهَذَا قَائِلًا .
وَهَذَا مَعَ الْإِطْلَاقِ .
فَأَمَّا إنْ نَوَى بِلَفْظِهِ غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ ، مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ : اثْنَتَيْنِ .
غَيْرَ الْوَاحِدَةِ ، فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَاهُ ، وَمَتَى لَمْ يُعَيِّنْ الْعَبِيدَ الْمُعْتَقِينَ ، أُخْرِجُوا بِالْقُرْعَةِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَامْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِي طَالِقٌ ، وَكُلَّمَا أَعْتَقْت اثْنَيْنِ فَامْرَأَتَانِ طَالِقَتَانِ .
ثُمَّ أَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، طَلَقَ الْأَرْبَعُ ، عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، يَطْلُقُ ثَلَاثٌ ، وَيَخْرُجْنَ بِالْقُرْعَةِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَجَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيَّ حُرَّةٌ ، وَكُلَّمَا أَعْتَقْت اثْنَيْنِ فَجَارِيَتَانِ حُرَّتَانِ ، وَكُلَّمَا أَعْتَقْت ثَلَاثَةً فَثَلَاثٌ أَحْرَارٌ ، وَكُلَّمَا أَعْتَقْت أَرْبَعَةً فَأَرْبَعٌ أَحْرَارٌ ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَرْبَعَةً ، عَتَقَ مِنْ جَوَارِيهِ بِعَدَدِ مَا طَلَّقَ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ أَعْتَقَ خَمْسًا فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، يَعْتِقُ مِنْ جَوَارِيهِ هَاهُنَا خَمْسَ عَشْرَةَ .
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، يَعْتِقُ إحْدَى وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْخَامِسِ عَتَقَ بِهِ سِتٌّ ، لِكَوْنِهِ وَاحِدًا ، وَهُوَ مَعَ مَا قَبْلَهُ خَمْسَةٌ ، وَلَمْ يُمْكِنْ عَدُّهُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ قَدْ عُدَّ فِي ذَلِكَ مَرَّةً ، فَلَا يُعَدُّ ثَانِيَةً .

( 5944 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَلَمْ يَنْوِ وَقْتًا ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهَا فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ حَرْفَ " إنْ " مَوْضُوعٌ لِلشَّرْطِ ، لَا يَقْتَضِي زَمَنًا ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ الْمُعَلَّقَ بِهِ مِنْ ضَرُورَتِهِ الزَّمَانُ ، وَمَا حَصَلَ ضَرُورَةً لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَا يَقْتَضِي تَعْجِيلًا ، فَمَا عُلِّقَ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ .
فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَلَمْ يَنْوِ وَقْتًا ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا ، كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِتَأْخِيرِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَفُتْ الْوَقْتُ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَلِمْنَا حِنْثَهُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ ، إذْ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهِ مَا يَتَّسِعُ لِتَطْلِيقِهَا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ .
فَأَيُّ الثَّلَاثَةِ مَاتَ أَوَّلًا ، وَقَعَ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهُ لِحَفْصَةَ عَلَى وَجْهٍ تَنْحَلُّ بِهِ يَمِينُهُ ، إنَّمَا يَكُونُ فِي حَيَاتِهِمْ جَمِيعًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَعْتِقْ عَبْدِي ، أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَوَّلِهِمْ مَوْتًا .
فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ وَقْتًا بِلَفْظِهِ ، أَوْ بِنِيَّتِهِ ، تَعَيَّنَ ، وَتَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا قَالَ : إنْ لَمْ أَضْرِبْ فُلَانًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّمَانَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ فِيهِ تَعَيَّنَ بِنِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، فَصَارَ

كَالْمُصَرِّحِ بِهِ فِي لَفْظِهِ ؛ فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى } .
( 5945 ) فَصْلٌ : وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ، وَرَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ : لَا يَطَأُ حَتَّى يَفْعَلَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَ ذَلِكَ .
وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَرَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ : يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ، لَمْ يَقَعْ فِيهِ طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ ، فَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ فِيهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَوْلُهُمْ : الْأَصْلُ عَدَمُ الْفِعْلِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ .
قُلْنَا : هَذَا الْأَصْلُ لَمْ يَقْتَضِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَقْتَضِ حُكْمَهُ ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ وَطْئِهِ لَمْ يَضُرَّ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نَاجِزًا ، وَعَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَاهُنَا إنَّمَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ بَعْدَهُ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ .

( 5946 ) فَصْلٌ : إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَتْ ، لَمْ يَرِثْهَا ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ أَبَانَهَا مِنْهُ ، فَلَمْ يَرِثْهَا ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نَاجِزًا عِنْدَ مَوْتِهَا .
وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ ، إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك .
وَمَاتَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا ، وَرِثَتْهُ ، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَطْلُقُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ، فَأَشْبَهَ طَلَاقَهُ لَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ .
وَنَحْوُ هَذَا قَالَ عَطَاءٌ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ .
وَيَتَخَرَّجُ لَنَا أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ أَيْضًا .
وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنِ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِهِ فِي الْمَرَضِ ، فَلَمْ تَرِثْهُ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِهَا ، فَفَعَلَتْهُ فِي مَرَضِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَفَ إنْ لَمْ تَأْتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَلَمْ تَفْعَلْ ، فَإِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَمَاتَ ، وَرِثَتْهُ ، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلِهَا ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْهُ فَقَدْ حَقَّقَتْ شَرْطَ الطَّلَاقِ ، فَلَمْ تَرِثْهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَدَخَلَتْهَا .
وَإِذَا عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، فَامْتَنَعَ ، كَانَ الطَّلَاقُ مِنْهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَجَّزَهُ فِي الْحَالِ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، فَمَنَعَهُ مِيرَاثَهُ ، وَلَمْ يَمْنَعْهَا ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ابْتِدَاءً ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ أَخَّرَ الطَّلَاقَ اخْتِيَارًا مِنْهُ حَتَّى وَقَعَ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ ، فَصَارَ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ .
فَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَحَسَنٌ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَهُ كَفِعْلِهَا لِمَا حَلَفَ عَلَيْهَا لِتَتْرُكَهُ ، وَإِنْ كَانَ

مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ مِيرَاثُهَا بِتَرْكِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ مَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ فِعْلِهِ ، فَفَعَلَتْهُ .

( 5947 ) فَصْلٌ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ وَقْتًا بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ ، فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا ؛ فَإِنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِدُونِ تَقْيِيدِهِ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّاعَةِ : { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } .
وَقَالَ : { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ } .
وَلَمَّا قَالَ : { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي ؛ فَإِنَّ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي نَوْبَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ ، وَتَأَخَّرَ الْفَتْحُ إلَى سَنَةِ ثَمَانٍ .
وَلِذَلِكَ رُوِيَ { عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْ لَيْسَ كُنْت تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ بَلَى ، فَأَخْبَرْتُك أَنَّك آتِيهِ الْعَامَ ؟ .
قُلْت : لَا .
قَالَ : فَإِنَّك آتِيهِ ، وَمُطَوِّفٌ بِهِ } .
وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ .

( 5948 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ .
وَلَمْ يُطَلِّقْهَا ، طَلَقَتْ إذَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ مَا لَا يَتَّسِعُ لِتَطْلِيقِهَا فِيهِ ، عَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَحَكَى الْقَاضِي فِيهَا وَجْهَيْنِ ؛ هَذَا ، وَوَجْهًا آخَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَابْنِ سُرَيْجٍ ، لِأَنَّ مَحِلَّ الطَّلَاقِ الْيَوْمُ ، وَلَا يُوجَدُ شَرْطُ طَلَاقِهَا إلَّا بِخُرُوجِهِ ، فَلَا يَبْقَى مِنْ مَحِلِّ طَلَاقِهَا مَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ خُرُوجَ الْيَوْمِ يَفُوتُ بِهِ طَلَاقُهَا ، فَوَجَبَ وُقُوعُهُ قَبْلَهُ فِي آخِرِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْيَوْمِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ ؛ إنْ فَاتَنِي طَلَاقُك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ .
فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ مَا لَا يَتَّسِعُ لِتَطْلِيقِهَا ، فَقَدْ فَاتَهُ طَلَاقُهَا فِيهِ ، فَوَقَعَ حِينَئِذٍ ، كَمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي آخِرِ حَيَاةِ أَوَّلِهِمَا مَوْتًا .
وَمَا ذَكَرُوهُ بَاطِلٌ بِمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْيَوْمِ ؛ فَإِنَّ مَحِلَّ طَلَاقِهَا يَفُوتُ بِمَوْتِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك الْيَوْمَ ، أَوْ إنْ لَمْ اشْتَرِ لَك الْيَوْمَ ثَوْبًا .
فَفِيهِ الْوَجْهَانِ .
وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا ، إذَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمَ مَا لَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِيهِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ طَلَقَتْ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ .
وَفِي مَحِلِّ وُقُوعِهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، فِي آخِرِ الْيَوْمِ .
وَالثَّانِي ، بَعْدَ خُرُوجِهِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، إنْ لَمْ أُطَلِّقْك .
فَهُوَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ .
لِأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ طَلَاقِهَا شَرْطًا لِطَلَاقِهَا الْيَوْمَ ، وَالشَّرْطُ

يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ .

( 5949 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : [ إنْ ] لَمْ أَبِعْك الْيَوْمَ ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ الْيَوْمَ .
وَلَمْ يَبِعْهُ حَتَّى خَرَجَ الْيَوْمُ ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ ، أَوْ مَاتَ ، أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ ، أَوْ الْمَرْأَةُ ، فِي الْيَوْمِ ، طَلَقَتْ زَوْجَتُهُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بَيْعُهُ ، وَإِنْ دَبَّرَهُ ، أَوْ كَاتَبَهُ ، لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ .
وَمَنْ مَنَعَ بَيْعَهُمَا قَالَ : يَقَعُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ ، كَمَا لَوْ مَاتَ .
وَإِنْ وَهَبَ الْعَبْدَ لَإِنْسَانٍ ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَيْهِ ، فَيَبِيعُهُ ، فَلَمْ يَفُتْ بَيْعُهُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ .
وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَوْمِ ، فَكَاتَبَ الْعَبْدَ ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَجْزُهُ ، فَلَمْ يُعْلَمْ فَوَاتُ الْبَيْعِ ، فَإِنْ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَقَعَ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ ، لِأَنَّهُ فَاتَ بَيْعُهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ) .
( وَقَعَ بِهَا الثَّلَاثُ فِي الْحَالِ ، إذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ } .
وَقَالَ : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا } .
فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الصِّفَةِ ، وَالصِّفَةُ عَدَمُ تَطْلِيقِهِ لَهَا ، فَإِذَا مَضَى بَعْدَ يَمِينِهِ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ ، فَلَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَقَدْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ ، فَيَقَعُ طَلْقَةٌ ، وَتَتْبَعُهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ ، إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا ، بَانَتْ بِالْأُولَى ، وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ .
فَأَمَّا إنْ قَالَ : إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
أَوْ : مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
أَوْ : أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا عَلَى قَوْل أَبِي بَكْرٍ فِي " مَتَى " ، فَإِنَّهُ يَرَاهَا لِلتَّكْرَارِ ، فَيَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِهَا مِثْلُ " كُلَّمَا " إلَّا أَنَّ " مَتَى " و " أَيَّ وَقْتٍ " يَقْتَضِيَانِ الطَّلَاقَ عَلَى الْفَوْرِ فَمَتَى مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَالِ .
وَأَمَّا " إذَا " فَفِيهَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، هِيَ عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّهَا اسْمُ وَقْتٍ فَهِيَ كَمَتَى .
وَالثَّانِي ، أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي ؛ لِأَنَّهَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ ، فَهِيَ كَإِنْ .
فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ : إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَلَمْ يَنْوِ وَقْتًا ، لَمْ تَطْلُقْ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا .
وَإِنْ قَالَ : مَتَى لَمْ أَحْلِفْ بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
أَوْ : أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أَحْلِفْ بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ ، طَلَقَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، وَلَا الثَّانِيَةِ ؛ لِكَوْنِهِ حَلَفَ

عَقِيبَيْهِمَا ، وَحَنِثَ فِي الثَّالِثَةِ .
وَإِنْ سَكَتَ بَيْنَ كُلِّ يَمِينَيْنِ سُكُوتًا يُمْكِنْهُ الْحَلِفُ فِيهِ ، طَلَقَتْ ثَلَاثًا .
وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بِلَفْظَةِ إذَا ، وَقُلْنَا : هِيَ عَلَى الْفَوْرِ .
فَهِيَ كَمَتَى ، وَإِلَّا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً فِي آخِرِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا .

( 5951 ) فَصْلٌ : وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْمَلَةُ لِلشَّرْطِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهَا سِتَّةٌ ؛ إنْ ، وَإِذَا ، وَمَتَى ، وَمَنْ ، وَأَيُّ وَكُلَّمَا .
فَمَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِإِيحَادِ فِعْلٍ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، مِثْلُ قَوْلِهِ : إنْ خَرَجْت ، وَإِذَا خَرَجْت ، وَمَتَى خَرَجْت ، وَأَيَّ حِينٍ ، وَأَيَّ زَمَانٍ ، وَأَيَّ وَقْتٍ خَرَجْت ، وَكُلَّمَا خَرَجْت ، وَمَنْ خَرَجَتْ مِنْكُنَّ ، وَأَيَّتُكُنَّ خَرَجَتْ فَهِيَ طَالِقٌ .
فَمَتَى وُجِدَ الْخُرُوجُ طَلَقَتْ .
وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، سَقَطْت الْيَمِينُ .
فَأَمَّا إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالنَّفْيِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ ، كَانَتْ " إنْ " عَلَى التَّرَاخِي ، وَمَتَى ، وَأَيُّ ، وَمَنْ ، وَكُلَّمَا ، عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مَتَى دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
يَقْتَضِي أَيَّ زَمَانٍ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَذَلِكَ شَائِعٌ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ ، فَأَيَّ زَمَنٍ دَخَلَتْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ .
وَإِذَا قَالَ : مَتَى لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِذَا مَضَى عَقِيبَ الْيَمِين زَمَنٌ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ ، وُجِدَتْ الصِّفَةُ ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِوَقْتِ الْفِعْلِ ، فَيُقَدَّرُ بِهِ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ السُّؤَالُ بِهِ ، فَيُقَالُ : مَتَى دَخَلْت ؟ أَيْ : أَيَّ وَقْتٍ دَخَلْت .
وَأَمَّا " إنْ " فَلَا تَقْتَضِي وَقْتًا ، فَقَوْلُهُ : إنْ لَمْ تَدْخُلِي .
لَا يَقْتَضِي وَقْتًا ، إلَّا ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي وَقْتٍ ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ .
وَأَمَّا إذَا ، فَفِيهَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، هِيَ عَلَى التَّرَاخِي .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَنَصَرَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ شَرْطًا بِمَعْنَى إنْ ، قَالَ الشَّاعِرُ : اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّك بِالْغِنَى وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ فَجَزَمَ بِهَا كَمَا يَجْزِمُ بِأَنْ ، وَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَتَى وَإِنْ ، وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْأَمْرَيْنِ ، فَالْيَقِينُ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، فَلَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ

الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لَزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ، فَتَكُونُ كَمَتَى .
وَأَمَّا الْمُجَازَاةُ بِهَا فَلَا تُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا ، فَإِنَّ مَتَى يُجَازَى بِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ : مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ و " مَنْ " يُجَازَى بِهَا أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ " أَيُّ " وَسَائِرُ الْحُرُوفِ ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا كُلَّمَا ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي " مَتَى " أَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِد أَيْ : فِي كُلِّ وَقْتٍ .
وَلِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، وَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيه ؛ لِأَنَّهَا اسْمُ زَمَنٍ بِمَعْنَى أَيَّ وَقْتٍ ، وَبِمَعْنَى إذَا ، فَلَا تَقْتَضِي مَا لَا يَقْتَضِيَانِهِ ، وَكَوْنُهَا تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ فِي بَعْضِ أَحْيَانِهَا ، لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ ، مِثْلُ إذَا وَأَيَّ وَقْتٍ ، فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْأَمْرَيْنِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ .
وَإِذَا جَاءَك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } .
{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا } .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : قَوْمٌ إذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ سَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا وَكَذَلِكَ أَيَّ وَقْتٍ وَأَيَّ زَمَانٍ ، فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلتَّكْرَارِ ، وَسَائِرُ الْحُرُوفِ يُجَازَى بِهَا ، إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْرَارِ وَغَيْرِهِ ، لَا تُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، كَذَلِكَ مَتَى .

( 5952 ) فَصْلٌ : وَهَذِهِ الْحُرُوفُ إذَا تَقَدَّمَ جَزَاؤُهَا عَلَيْهَا ، لَمْ تَحْتَجْ إلَى حَرْفٍ فِي الْجَزَاءِ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ .
وَإِنْ تَأَخَّرَ جَزَاؤُهَا ، احْتَاجَتْ فِي الْجَزَاءِ إلَى حَرْفِ الْفَاءِ إذَا كَانَ جُمْلَةً مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ ، كَقَوْلِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ ، فَتَرْبِطُ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَشَرْطِهِ ، وَتَدُلُّ عَلَى تَعْقِيبِهِ بِهِ .
فَإِنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ .
وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِدُخُولِ الدَّارِ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَلَّقُ بِالْفَاءِ ، وَهَذِهِ لَا فَاءَ فِيهَا ، فَيَكُونُ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أُتِيَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْلِيقَ بِهِ ، وَإِنَّمَا حَذَفَ الْفَاءَ وَهِيَ مُرَادَةٌ ، كَمَا يُحْذَفُ الْمُبْتَدَأُ تَارَةً ، وَيُحْذَفُ الْخَبَرُ أُخْرَى ، لِدَلَالَةِ بَاقِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَحْذُوفِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذْفُ الْفَاءِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ .
فَقَدَّمَ الشَّرْطَ ، وَمُرَادُهُ التَّأْخِيرُ ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى فَائِدَةٍ ، وَتَصْحِيحُهُ عَنْ الْفَسَادِ ، وَجَبَ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا تَصْحِيحُهُ ، وَفِيمَا ذَكَرُوهُ إلْغَاؤُهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ .
وَقَعَ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ .
وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ ؛ لَأَنْ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُك الدَّارَ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ زَنَى ، وَإِنْ سَرَقَ " .
وَقَالَ : " صِلْهُمْ وَإِنْ قَطَعُوك ،

وَأَعْطِهِمْ وَإِنْ حَرَمُوك " .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الشَّرْطَ ، دُيِّنَ .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
فَإِذَا قَالَ : إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُخْرَى .
فَمَتَى دَخَلَتْ الْأُولَى طَلَقَتْ ، سَوَاءٌ دَخَلَتْ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ تَدْخُلْ ، وَلَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الْأُخْرَى .
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : تَطْلُقُ بِدُخُولِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُقْتَضَيْ اللُّغَةِ مَا قُلْنَاهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت جَعْلَ الثَّانِي شَرْطًا لِطَلَاقِهَا أَيْضًا .
طَلَقَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنَّ دُخُولَ الثَّانِيَةِ شَرْطٌ لِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ ، فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَهُ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأُخْرَى .
طَلَقَتْ بِدُخُولِ إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا عَلَى شَرْطٍ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنَّ دُخُولَ الثَّانِيَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ .
قُبِلَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ ، وَطَلَقَتْ بِدُخُولِ الْأُولَى وَحْدَهَا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَإِنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَقَدْ قِيلَ : لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا جَزَاءً لِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقْ بِأَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطَيْنِ بِحَرْفَيْنِ ، فَيَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً ، فَتَرَكَ ذِكْرَ جَزَاءِ الْأَوَّلِ ، وَكَانَ الْجَزَاءُ الْآخَرُ دَالًّا عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : ضَرَبْت وَضَرَبَنِي زَيْدٌ .
قَالَ الْفَرَزْدَقُ : وَلَكِنَّ نِصْفًا لَوْ سَبَبْت وَسَبَّنِي بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَهَاشِمِ وَالتَّقْدِيرُ سَبَّنِي هَؤُلَاءِ وَسَبَبْتهمْ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ } .
أَيْ عَنْ الْيَمِينِ قَعِيدٌ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَقَتْ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ لِلْجَزَاءِ ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ .
فَإِنْ

قَالَ : أَرَدْت بِهَا الْجَزَاءَ .
أَوْ قَالَ : أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَ دُخُولَهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا طَالِقًا شَرْطًا لِشَيْءٍ ، ثُمَّ أَمْسَكْت .
دُيِّنَ .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ جَعَلَ لِهَذَا جَزَاءً ، فَقَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَعَبْدِي حُرٌّ .
صَحَّ ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ .
وَهِيَ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ هَاهُنَا لِلْحَالِ ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } .
وَقَوْلِهِ : { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَالِقًا .
فَدَخَلَتْ وَهِيَ طَالِقٌ ، طَلَقَتْ أُخْرَى ، وَإِنْ دَخَلَتْهَا غَيْرَ طَالِقٍ ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَالٌ ، فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاكِبَةً .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ قُمْتِ .
كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : إنْ قُمْتِ .
وَهَذَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلشَّرْطِ كَانَتْ لَغْوًا ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ .
وَقِيلَ : يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ .
وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ تُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ الْمَنْعِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } ، { وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ } .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَ لَهَا جَوَابًا .
دُيِّنَ .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .

( 5953 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إنْ أَكَلَتْ وَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِوُجُودِهِمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْأَكْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ أَكَلْتِ أَوْ لَبِسْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلَقَتْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : إنْ أَكَلْتِ ، أَوْ إنْ لَبِسْتِ ، أَوْ لَا أَكَلْتِ وَلَا لَبِسْتِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا أَكَلْتِ وَلَبِسْتِ .
لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِفِعْلِهِمَا ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ : يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ .
فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا هَاهُنَا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْتِ فَلَبِسْتِ ، أَوْ إنْ أَكَلْتِ ثُمَّ لَبِسْتِ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَأْكُلَ ثُمَّ تَلْبَسَ ، لِأَنَّ الْفَاءَ وَثَمَّ لِلتَّرْتِيبِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْتِ إذَا لَبِسْتِ .
أَوْ : إنْ أَكَلْتِ مَتَى لَبِسْتِ .
أَوْ : إنْ أَكَلْتِ إنْ لَبِسْتِ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَلْبَسَ ثُمَّ تَأْكُلَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْأَكْلِ بَعْدَ اللُّبْسِ ، وَيُسَمِّيهِ النَّحْوِيُّونَ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ ، فَيَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ فِي اللَّفْظِ شَرْطًا لِلَّذِي قَبْلَهُ ، وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } .
فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ أَعْطَيْتُك ، إنْ وَعَدْتُك ، إنْ سَأَلْتنِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَسْأَلَهُ ، ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ ، وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ سَأَلْتنِي ، فَوَعَدْتُك ، فَأَعْطَيْتُك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الْقَاضِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا كَقَوْلِنَا ، وَفِيمَا إذَا كَانَ بِإِنْ مِثْلَ قَوْلِهِ : إنْ شَرِبْت إنْ أَكَلْت

.
أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا وُجِدَا ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْرِفُونَ مَا يَقُولهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذَا ، فَتَعَلَّقْت الْيَمِينُ بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعُرْف ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا .
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ فِي هَذَا عُرْفٌ ؛ فَإِنْ هَذَا الْكَلَامَ غَيْرُ مُتَدَاوَلٍ بَيْنَهُمْ ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِهِ إلَّا نَادِرًا ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى مُقْتَضَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّأْنِ ، كَسَائِرِ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ .

( 5954 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ قُمْت .
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ " أَنْ " الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّعْلِيلِ ، فَمَعْنَاهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك قُمْت ، أَوْ لِقِيَامِك .
كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } .
{ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } .
{ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ رَبِّكُمْ } .
وَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ إنْ كَانَ نَحْوِيًّا وَقَعَ طَلَاقُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَحْوِيًّا فَهِيَ لِلشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إلَّا الشَّرْطَ ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّعْلِيلُ ، فَلَا يُرِيدُهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ مَا لَا يَعْرِفُهُ ، وَلَا يُرِيدُهُ ، كَمَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ .
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي النَّحْوِيِّ أَيْضًا : لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ؛ أَحَدُهَا ، يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي الْحَالِ .
وَالثَّانِي ، يَكُونُ شَرْطًا فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ ، وَتَعْلِيلًا فِي حَقِّ النَّحْوِيِّ .
وَالثَّالِثُ ، يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْرَابِ ، فَيَقُولُ : أَرَدْت الشَّرْطَ .
فَيُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَلَامِ عَمَّا يَقْتَضِيه إلَّا بِقَصْدِهِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت الدَّارَ .
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ إذْ لِلْمَاضِي .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .

( 5955 ) فَصْلٌ : وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطَيْنِ ، لَمْ يَقَعْ قَبْلَ وُجُودِهِمَا جَمِيعًا ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي وُقُوعِهِ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا ، بِنَاءً عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ .
وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا ، يُخَالِفُ الْأُصُولَ وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ وَالْعُرْفَ ، وَعَامَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنهمْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ ؛ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ فِي الشَّرْطَيْنِ الْمُرَتَّبَيْنِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : إنْ أَكَلْت ثُمَّ لَبِسْت .
فَلِإِخْلَالِهِ بِالشَّرْطِ كُلِّهِ أَوْلَى ، ثُمَّ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتنِي دِرْهَمَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِذَا مَضَى شَهْرَانِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ قَبْلَ وُجُودِهِمَا جَمِيعًا ، وَكَانَ قَوْلُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بِإِعْطَائِهِ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَمُضِيِّ بَعْضِ يَوْمٍ ، وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَشْهَدُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِذَا قَالَ : إذَا صُمْتِ يَوْمًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً كَامِلَةً ، وَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ فِيهِ طَلَقَتْ ، وَأَمَّا الْيَمِينُ ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ فِي لَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ مَا يَقْتَضِي جَمِيعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِفِعْلِ جَمِيعِهِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا مَا يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطَيْنِ مَعًا ؛ لِتَصْرِيحِهِ بِهِمَا ، وَجَعْلِهِمَا شَرْطًا لِلطَّلَاقِ ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ شَرْطِهِ ، عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ مُقْتَضَاهَا الْمَنْعُ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَيَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ فِعْلِ جَمِيعِهِ ، لِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْ شَيْءٍ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ ، كَمَا يَقْتَضِي

الْمَنْعَ مِنْ جُمْلَتِهِ ، وَمَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطٍ جُعِلَ جَزَاءً وَحُكْمًا لَهُ ، وَالْجَزَاءُ لَا يُوجَدُ بِدُونِ شَرْطِهِ ، وَالْحُكْمُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ تَمَامِ شَرْطِهِ ، لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا .

( 5956 ) فُصُولٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَتْ : قَدْ حِضْت .
فَصَدَّقَهَا ، طَلَقَتْ ، وَإِنْ كَذَّبَهَا ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يُقْبَلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ عَلَى نَفْسِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } .
قِيلَ : هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ .
وَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهَا فِيهِ مَقْبُولٌ ، لَمَا حَرُمَ عَلَيْهَا كِتْمَانُهُ ، وَصَارَ هَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ } .
لَمَّا حَرَّمَ كِتْمَانَهَا دَلَّ عَلَى قَبُولِهَا ، كَذَا هَاهُنَا .
وَلِأَنَّهُ مَعْنًى فِيهَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهَا فِيهِ ، كَقَضَاءِ عِدَّتِهَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا ، وَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ ، بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي الْفَرْجِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي ادَّعَتْ الْحَيْضَ فِيهِ ، فَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ فَهِيَ حَائِضٌ ، وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ .
فَقَالَتْ : قَدْ حِضْت : يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ ، فَتُعْطَى قُطْنَةً وَتُخْرِجُهَا ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ فَهِيَ حَائِضٌ ، تَطْلُقُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَبِهَذَا أَقُولُ .
وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا ، كَدُخُولِ الدَّارِ .
وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَجْلِ عِتْقِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ قَوْلَهَا إنَّمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا .
وَهَلْ يُعْتَبَرُ يَمِينُهَا إذَا قُلْنَا : الْقَوْلُ قَوْلُهَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ، فَأَنْكَرَهَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً دُونَ

غَيْرِهَا ، مِنْ طَلَاقِ أُخْرَى ، أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك .
لِامْرَأَتِهِ الْأُخْرَى .
قَالَتْ : قَدْ حِضْت .
مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ ، تَطْلُقُ هِيَ ، وَلَا تَطْلُقُ هَذِهِ حَتَّى تَعْلَمَ ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا ، وَلَا يُجْعَلُ طَلَاقُ هَذِهِ بِيَدِهَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا ، دُونَ غَيْرِهَا ، فَصَارَتْ كَالْمُودَعِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُودِعِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَلَوْ قَالَ : قَدْ حِضْت .
فَأَنْكَرَتْ .
طَلُقَتْ بِإِقْرَارِهِ .
فَإِنْ قَالَ : إنْ حِضْت فَأَنْتِ وَضَرَّتُك طَالِقَتَانِ .
فَقَالَتْ : قَدْ حِضْت .
فَصَدَّقَهَا ، طَلُقَتَا بِإِقْرَارِهِ .
وَإِنْ كَذَّبَهَا ، طَلُقَتْ وَحْدَهَا .
وَإِنْ ادَّعَتْ الضَّرَّةُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ ، لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتهَا بِحَيْضِ غَيْرِهَا كَمَعْرِفَةِ الزَّوْجِ بِهِ ، وَإِنَّمَا اُؤْتُمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي حَيْضِهَا .
وَإِنْ قَالَ : قَدْ حِضْت .
فَأَنْكَرَتْ ، طَلُقَتَا بِإِقْرَارِهِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
فَقَالَتَا : قَدْ حِضْنَا .
فَصَدَّقَهُمَا ، طَلُقَتَا ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطَيْنِ ، حَيْضِهَا ، وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ ضَرَّتِهَا عَلَيْهَا ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطَانِ .
وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا ، وَكَذَّبَ الْأُخْرَى ، طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّهَا .
وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ ضَرَّتَهَا ، فَوُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي طَلَاقِهَا ، وَلَمْ تَطْلُقْ الْمُصَدَّقَةُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ ضَرَّتِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّهَا ، وَمَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ طَلَاقِهَا .

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لَأَرْبَعٍ : إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ .
فَقُلْنَ : قَدْ حِضْنَا .
فَصَدَّقَهُنَّ ، طَلُقْنَ وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهِنَّ حَيْضُ الْأَرْبَعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ .
وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ، لَمْ تَطْلُقْ ، وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ .
وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا ، طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَيْضِهَا ، وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ صَوَاحِبَهَا ، فَوَجَدَ حَيْضُ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّهَا ، فَطَلُقَتْ ، وَلَا يُطَلِّقُ الْمُصَدَّقَاتُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُكَذِّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّهِنَّ .

( 5958 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لَهُنًّ : كُلَّمَا حَاضَتْ إحْدَاكُنَّ ، أَوْ أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ ، فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ .
فَقُلْنَ : قَدْ حِضْنَا ، فَصَدَّقَهُنَّ ، طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا .
وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ .
وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً ، طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةً طَلْقَةً ، وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُ ضَرَّةٍ لَهَا .
وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ ، طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ طَلْقَةً طَلْقَةً ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ضَرَّةً مُصَدَّقَةً ، وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ .
وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا ، طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا ، وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَاتِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ .

( 5959 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ لِطَاهِرٍ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَرَأَتْ الدَّمَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، كَمَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا فِي الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ .
وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضِ ، لِانْقِطَاعِهِ لِدُونِ أَقَلِّ الْحَيْضِ ، بَانَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا مَالِكًا فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى عَنْهُ ، أَنَّهُ يَحْنَثُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ .
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي هَذَا .
وَإِنْ قَالَ لِحَائِضٍ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ .
وَلَوْ قَالَ لِطَاهِرٍ : إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ .
وَهَذَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهَا الْحَيْضُ وَالطُّهْر ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ صِفَتِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ إذَا اسْمُ زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ، يَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا ، وَهَذَا الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مُسْتَدَامٌ غَيْرُ مُتَجَدِّدٍ ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ : حَاضَتْ الْمَرْأَةُ وَطَهُرَتْ .
إلَّا ابْتِدَاءُ ذَلِكَ ، فَتَعَلَّقَتْ الصِّفَةُ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ لِطَاهِرٍ : إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُوجَدُ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ إلَّا بِذَلِكَ .
وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ : إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الطُّهْرِ ، وَتَطْلُقْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ قَبْلَ الْغُسْلِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ، فِي " التَّنْبِيهِ " فِيهَا قَوْلًا ، أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ

الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِانْقِطَاعِ الدَّمِ حَتَّى تَغْتَسِلَ .
وَلَنَا ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } .
أَيْ : يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ ، { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } .
أَيْ : اغْتَسَلْنَ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَصِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَالصِّيَامِ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ بَعْضُ الْأَحْكَامِ مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ الْغُسْلِ ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَائِضًا فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ عَلَى التَّعْيِينِ ، فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخِرِ .

( 5960 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَحَاضَتْ حَيْضَةً ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، فَإِذَا حَاضَتْ الثَّانِيَةَ ، طَلُقَتْ الثَّانِيَةَ عِنْدَ طُهْرِهَا مِنْهَا .
وَإِنْ قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ إذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُق الثَّانِيَةَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ ، فَتَقْتَضِي حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى ، لِكَوْنِهِمَا مُرَتَّبَتَيْنِ عَلَيْهَا .

( 5961 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
طَلُقَتْ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ الْحَيْضَةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا حَاضَتْ نِصْفَ عَادَتِهَا ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَادَةِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَمْضِيَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَيَقَّنُ مُضِيَّ نِصْفِ الْحَيْضَةِ إلَّا بِذَلِكَ ، إلَّا أَنْ تَطْهُرَ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَتَى طَهُرَتْ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِ الْحَيْضَةِ .
وَقِيلَ : يَلْغُو قَوْلُهُ : نِصْفِ حَيْضَةٍ .
وَيَبْقَى طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا بِوُجُودِ الْحَيْضِ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَهُ مُدَّةٌ ، أَقَلُّهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَلَهُ نِصْفٌ حَقِيقَةً ، وَالْجَهْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ ، وَتَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِهِ ، كَالْحَمْلِ .

( 5962 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً ، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَحِيضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : إنْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً ، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } .
أَيْ : اجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَمَانِينَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِحَيْضِ إحْدَاهُمَا حَيْضَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُمَا ، وَجَبَتْ إضَافَته إلَى إحْدَاهُمَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { : يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } .
وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَلْغُو قَوْلُهُ : حَيْضَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ حَيْضَةً وَاحِدَةً مِنْ امْرَأَتَيْنِ مُحَالٌ ، فَيَبْقَى كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ ، لَا تَنْعَقِدُ هَذِهِ الصِّفَةُ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ ، فَتَصِيرُ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمُسْتَحِيلَاتِ .
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ سَائِغٍ ، وَتَبْعِيد لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَالْيَقِينُ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، فَلَا يَزُولُ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ يَقِينًا ، وَغَيْرُ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَقِينُ .
فَإِنْ أَرَادَ بِكَلَامِهِ أَحَدَ هَذِهِ الْوُجُوهِ ، حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ ، قُبِلَ مِنْهُ .
وَإِذَا قَالَ : أَرَدْت أَنْ تَكُونَ الْحَيْضَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُمَا ، فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِمُسْتَحِيلِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ : حَيْضَةً .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَا تُوجَدُ ، فَلَا يُوجَدُ مَا عُلِّقَ عَلَيْهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ ، وَيَلْغُوَ الشَّرْطُ ، بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ : أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا ، فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ .
وَقَيَّدَهُ بِوَقْتٍ ، فَمَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ ، طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ ضَرَائِرَ غَيْرَ مَوْطُوءَاتٍ .
وَإِنْ وَطِئَ ثَلَاثًا وَتَرَكَ وَاحِدَةً ، لَمْ تَطْلُقْ الْمَتْرُوكَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا ضَرَّةٌ غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ ، وَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَوْطُوآت طَلْقَةً طَلْقَةً .
وَإِنْ وَطِئَ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتَا طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ ، وَطَلُقَتْ الْمَتْرُوكَتَانِ طَلْقَةً طَلْقَةً .
وَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَتْرُوكَات طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ .
وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ ، كَانَ وَقْتُ الطَّلَاقِ مُقَيَّدًا بِعُمْرِهِ وَعُمْرِهِنَّ ، فَأَيَّتُهُنَّ مَاتَتْ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةً طَلْقَةً ، وَإِذَا مَاتَتْ أُخْرَى فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ مَاتَ هُوَ طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ .

( 5964 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا ، طَلُقَتْ .
وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ ، أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِذَلِكَ الْوَلَدِ .
وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ وَلَمْ تَلِدْ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهَا طَلُقَتْ حِين عَقْدِ الْيَمِينِ .
وَإِنْ كَانَ يَطَؤُهَا ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ الْحَمْلِ ، مِنْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ ، قَبْلَ وَطْئِهِ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ، بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ الثَّانِي ، لَمْ تَطْلُقْ .
وَإِنْ حَاضَتْ أَوْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتهَا مِنْ الْحَمْلِ طَلُقَتْ .
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوَطْءِ .
وَالثَّانِي ، لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، فَلَا يَزُولُ بِشَكٍّ وَاحْتِمَالٍ ، وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَالِاسْتِبْرَاءُ هَاهُنَا بِحَيْضَةٍ ، فَإِنْ وُجِدَتْ الْحَيْضَةُ عَلَى عَادَتِهَا ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَ طَلَاقِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ فِي عَادَتِهَا ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى حَمْلِهَا وَحِلِّ وَطْئِهَا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَهِيَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، فَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ الطَّلَاقُ ثَمَّ لَا يَقَعُ هَاهُنَا ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَقَعُ ثَمَّ يَقَعُ هَاهُنَا ، إلَّا أَنَّهَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، مِنْ حِينِ وَطْءِ الزَّوْجِ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَع سِنِينَ مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ النِّكَاحِ بَاقٍ ، وَالظَّاهِرُ حُدُوثُ الْوَلَدِ مِنْ الْوَطْءِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ

قَبْلَهُ .
وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
قَالَ الْقَاضِي : يَحْرُمُ الْوَطْءُ سَوَاءٌ قُلْنَا : الرَّجْعِيَّةُ مُبَاحَةٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، وَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ .
وَإِذَا اسْتَبْرَأَهَا ، حَلَّ وَطْؤُهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَيَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : مَتَى حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَحِيضَ ، فَإِذَا طَهُرَتْ وَطِئَهَا ، فَإِنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا أُرِيَتْ النِّسَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْنَ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِنَّ ، انْتَظَرَ عَلَيْهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى ، أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ .
وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا ، وَقَدْ حَصَلَ بِحَيْضَةٍ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ } .
يَعْنِي : تُعْلَمُ بَرَاءَتُهَا بِحَيْضَةٍ ، وَلِأَنَّ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْبَرَاءَةُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ .
وَأَمَّا الْعِدَّةُ ، فَفِيهَا نَوْعُ تَعَبُّدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى بِالْقِيَاسِ .
وَهَلْ تَعْتَدُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ عَقْدِ الْيَمِينِ ، أَوْ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، أَصَحُّهُمَا الِاعْتِدَادُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْيَمِينِ .
وَالثَّانِي ، لَا يُعْتَدُّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ إذَا قَالَ

لِامْرَأَتِهِ : إذَا حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
يَطَؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً .
يَعْنِي إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ حَلَّ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ عَلَمٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ ، وَوَطْؤُهَا سَبَبٌ لَهُ ، فَإِذَا وَطِئَهَا اعْتَزَلَهَا ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَدْ حَمَلَتْ مِنْ وَطْئِهِ ، فَطَلُقَتْ بِهِ .

( 5965 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ : إنَّ كُنْت حَامِلًا بِغُلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ .
تَبَيَّنَّا أَنَّهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً حِينَ حَلَفَ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ .
وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى ، طَلُقَتْ بِوِلَادَتِهَا طَلْقَتَيْنِ ، وَاعْتَدَّتْ بِالْقُرُوءِ .
وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً ، وَكَانَ الْغُلَامُ أَوَّلَهُمَا وِلَادَةً ، تَبَيَّنَّا أَنَّهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، وَبَانَتْ بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ، وَلَمْ تَطْلُقْ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلَهُمَا وِلَادَةً ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ وَاحِدَةً بِحَمْلِ الْغُلَامِ ، وَاثْنَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ كُنْت حَامِلًا بِغُلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ كُنْت حَامِلًا بِجَارِيَةِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَانَ حَمْلُك جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا كُلَّهُ لَيْسَ بِغُلَامٍ وَلَا هُوَ جَارِيَةٌ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، فِي " الْمُجَرَّدِ " ، وَأَبُو الْخَطَّابِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ : الْقَاضِي ، فِي " الْجَامِع " : فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَنْ حَلَفَ : لَا لَبِسْت ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا .
فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْ غَزْلِهَا .

( 5966 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَوَلَدَتْ ثَلَاثًا ، دَفْعَةً وَاحِدَةً ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الثَّلَاثِ وُجِدَتْ وَهِيَ زَوْجَةٌ .
وَإِنْ وَلَدَتْهُمْ فِي دَفَعَاتٍ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ ، طَلُقَتْ بِالْأَوَّلَيْنِ ، وَبَانَتْ بِالثَّالِثِ ، وَلَمْ تَطْلُقْ .
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهَا تَطْلُق ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْبَيْنُونَةِ زَمَنُ الْوُقُوعِ ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا .
وَلَنَا ، أَنَّ الْعِدَّةَ انْقَضَتْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، فَصَادَفَهَا الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَمْ يَقَعْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا مِتّ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ ، فِي مَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي .
أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ .
فَهَذَا أَوْلَى .
وَإِنْ قَالَ : إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
فَوَلَدَتْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا فِي دَفْعَتَيْنِ ، وَقَعَ بِالْأَوَّلِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ ، وَبَانَتْ بِالثَّانِي ، وَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ، إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ .
فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا ، أَوْ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِمَا ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِيَقِينٍ ، وَلَا تَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ ، وَالْوَرَعُ أَنْ يَلْتَزِمَهَا .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كَانَ أَوَّلُ مَا تَلِدِينَ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
فَوَلَدَتْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ، لَمْ يَقَعْ بِهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا ، فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ .
وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا فِي دَفْعَتَيْنِ ، وَقَعَ بِالْأَوَّلِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَقَعْ بِالثَّانِي شَيْءٌ .

( 5967 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ : كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ ، فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ .
فَوَلَدْنَ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا .
وَإِنْ وَلَدْنَ فِي دَفَعَاتٍ ، وَقَعَ بِضَرَائِرِ الْأُولَى طَلْقَةً طَلْقَةً ، فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَةُ بَانَتْ بِوَضْعِهِ ، وَلَمْ تَطْلُقْ .
وَهَلْ يُطَلِّقُ سَائِرُهُنَّ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا ، لَا يَقَعُ بِهِنَّ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ ، فَلَمْ يَبْقَيْنَ ضَرَائِرَهَا ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا عَلَّقَ عَلَى وِلَادَتِهَا طَلَاقَ ضَرَائِرِهَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ ؛ لِأَنَّهُنَّ ضَرَائِرُهَا فِي حَالِ وِلَادَتِهَا .
فَعَلَى هَذَا يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ اللَّتَيْنِ لَمْ يَلِدْنَ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ ، وَتَبِينُ هَذِهِ ، وَتَقَعُ بِالْوَالِدَةِ الْأُولَى طَلْقَةٌ ، فَإِذَا وَلَدْت الثَّالِثَةُ بَانَتْ .
وَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْبَاقِيَتَيْنِ وَجْهَانِ ؛ فَإِذَا قُلْنَا : يَقَعُ بِهِنَّ .
طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ، وَالْأُولَى طَلْقَتَيْنِ ، وَبَانَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ مَنْ لَهُ رَجْعَتُهَا إلَّا الْأُولَى ، مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، وَإِذَا وَلَدَتْ الرَّابِعَةُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ ، فَسَائِرُكُنَّ طَوَالِقُ .
أَوْ : فَبَاقِيكُنَّ طَوَالِقُ .
فَكُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ، وَقَعَ بِبَاقِيهِنَّ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ ، وَتَبِينُ الْوَالِدَةُ بِوَضْعِ وَلَدِهَا إلَّا الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا ، أَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِبَاقِيهِنَّ بِوِلَادَتِهِمَا هَاهُنَا ، وَفِي الْأُولَى لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَبْقَيْنَ ضَرَائِرَهَا ، وَهَاهُنَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِذَلِكَ .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ .
فَكَذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأُولَى طَلْقَةٌ بِوِلَادَتِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حَامِلًا

بِاثْنَيْنِ ، فَوَضَعْت الْأَوَّلَ مِنْهُمَا ، وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ، وَوَقَعَ بِهَا طَلْقَةٌ فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَةِ .
وَإِذَا وَضَعْت الثَّالِثَةُ ، أَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِاثْنَيْنِ ، فَكَذَلِكَ ، فَتَطْلُقُ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا ، وَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْوَالِدَاتِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ ، فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا ، فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ ، ثُمَّ كُلَّمَا وَضَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَمَامَ حَمْلِهَا ، انْقَضَتْ بِهِ عِدَّتُهَا .
قَالَ الْقَاضِي : إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ ، فَقَالَ : كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُمَا ، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَمِيسِ ، طَلُقَتَا جَمِيعًا ، ثُمَّ وَلَدَتْ الثَّانِيَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، بَانَتْ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَلَمْ تَطْلُقْ ، وَطَلُقَتْ الْأُولَى ثَانِيَةً ، فَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَامِلًا بِاثْنَيْنِ ، طَلُقَتَا بِوَضْعِ الثَّانِيَةِ طَلْقَةً طَلْقَةً أَيْضًا ، ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ الْأُولَى تَمَامَ حَمْلِهَا ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ ، وَطَلُقَتْ الثَّانِيَةُ ثَلَاثًا ، فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَةُ تَمَامَ حَمْلِهَا ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ ، وَطَلُقَتْ الثَّانِيَةُ ثَلَاثًا .

( 5968 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ ثَانِيَةً ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُ تَكْلِيمٌ لَهَا وَشَرْطٌ لِطَلَاقِهَا ، فَإِنْ أَعَادَهُ ثَالِثَةً ، طَلُقَتْ ثَانِيَةً ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولِ بِهَا فَتَبِينُ بِالْأُولَى ، وَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ ثَانٍ ، وَإِنْ أَعَادَهُ رَابِعَةً ، طَلُقَتْ الثَّالِثَةَ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَاعْلَمِي ذَلِكَ ، أَوْ فَتُحَقَّقِي ذَلِكَ .
حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَلَامًا مُبْتَدَأً ، وَإِنْ زَجَرَهَا ، فَقَالَ : تَنَحِّي ، أَوْ اُسْكُتِي أَوْ اذْهَبِي .
حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ .
وَإِنْ سَمِعَهَا تَذْكُرُهُ ، فَقَالَ : الْكَاذِبُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ .
حَنِثَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهَا .
وَإِنْ كَلَّمَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ ، أَوْ مَغْلُوبَةٌ عَلَى عَقْلِهَا بِإِغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ ، لَا تَسْمَعُ ، أَوْ بَعِيدَةٌ لَا تَسْمَعُ كَلَامَهُ ، أَوْ صَمَّاءُ بِحَيْثُ لَا تَفْهَمُ كَلَامَهُ وَلَا تَسْمَعُ ، أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ، فَكَلَّمَهُ مَيِّتًا ، لَمْ يَحْنَثْ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَحْنَثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِقَوْلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا ؟ .
وَلَنَا ، أَنَّ التَّكَلُّمَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى إلَى الْمُتَكَلَّمِ ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكَلِمِ ، وَهُوَ الْجَرْحُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ كَتَأْثِيرِ الْجَرْحِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِسْمَاعِهِ ، فَأَمَّا تَكْلِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَى ، فَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : { مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ } وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا لِغَيْرِهِ ، وَقَوْلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْف تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا ؟ حُجَّةٌ لَنَا ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ اسْتِبْعَادًا ، أَوْ سُؤَالًا عَمَّا خَفِيَ عَنْهُمْ سَبَبُهُ وَحِكْمَتُهُ ، حَتَّى كَشَفَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكْمَةَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُخْتَصٍّ بِهِ ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ فِي حَقِّ مَنْ سِوَاهُ عَلَى النَّفْيِ .
وَإِنْ حَلَفَ : لَا كَلَّمْت فُلَانًا .
فَكَلَّمَتْهُ سَكْرَانَ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ يُكَلَّمُ وَيَحْنَثُ ، وَرُبَّمَا كَانَ تَكْلِيمُهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ أَضَرَّ مِنْ تَكْلِيمِهِ فِي صَحْوِهِ ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَةَ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الصَّاحِي ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ ، وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ يَسْمَعُ ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُكَلَّمُ حَنِثَ .
وَإِنْ جُنَّتْ هِيَ ، ثُمَّ كَلَّمَتْهُ ، لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهَا ، وَلَمْ يَبْقَ لِكَلَامِهَا حُكْمٌ .

( 5969 ) فَصْلٌ : فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا ، فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أَوْ غَفْلَتِهِ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْ لِغَفْلَتِهِ ، أَوْ شُغْلِ قَلْبِهِ .
وَإِنْ كَلَّمَهُ ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ؛ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ ، حَنِثَ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ، أَنْ لَا يُكَلِّمَ حَمَاتَهُ ، فَرَآهَا بِاللَّيْلِ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ : حَنِثَ ، قَدْ كَلَّمَهَا .
وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ يَمِينًا مُكَفِّرَة ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَكْلِيمَهُ ، فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ ، وَلِأَنَّهُ ظَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ ، فَأَشْبَهَ لَغْوَ الْيَمِينِ .
وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِالسَّلَامِ .
وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ ، وَأَرَادَ جَمِيعَهُمْ بِالسَّلَامِ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُمْ كُلَّهُمْ ، وَإِنْ قَصْدَ بِالسَّلَامِ مَنْ عَدَاهُ ، لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَلَّمَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِمْ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا : يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُمْ جَمِيعَهُمْ وَهُوَ فِيهِمْ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ فِي الْحِنْثِ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِمَا بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ، وَعَدَمِ الْحِنْثِ عَلَى الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَة .
فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَأْمُومًا ، لَمْ يَحْنَثْ بِتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِتَسْلِيمِهِ الْمَأْمُومِينَ فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ تَكْلِيمًا ، وَلَا يُرِيدُهُ الْحَالِفُ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ، فَكَلَّمَ إنْسَانًا ، وَفُلَانًا يَسْمَعُ ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ إسْمَاعَهُ ، كَمَا قَالَ : إيَّاكِ أَعْنِي

وَاسْمَعِي يَا جَارَهُ حَنِثَ نَصَّ .
عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، قَالَ : إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ، فَكَلَّمَ إنْسَانًا ، وَفُلَانٌ يَسْمَعُ ، يُرِيدُ بِكَلَامِهِ إيَّاهُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَرَادَ تَكْلِيمَهُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، فَإِنَّهُ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ زِيَادًا ، فَعَزَمَ زِيَادٌ عَلَى الْحَجِّ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرَةَ فَدَخَلَ قَصْرَهُ ، وَأَخَذَ ابْنَهُ فِي حِجْرِهِ ، فَقَالَ : إنَّ أَبَاكِ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالدُّخُولَ عَلَى زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا السَّبَبِ ، وَقَدْ عِلْمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ .
ثُمَّ خَرَجَ ، وَلَمْ يَرَ أَنَّهُ كَلَّمَهُ .
وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ يُرِيدُهُ بِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطِبَهُ بِهِ ، وَلِأَنَّ بِهِ مَقْصُودَ تَكْلِيمِهِ قَدْ حَصَلَ بِإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ .

فَصْلٌ : فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا ، حَنِثَ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ [ فِي ] مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا } .
وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّرْكِ لِكَلَامِهِ هِجْرَانُهُ ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ مُوَاصَلَتِهِ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرْكَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ حَقِيقَةً ، وَلَوْ حَلَفَ لِيُكَلِّمْنَهُ ، لَمْ يَبَرَّ بِذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ، فَكَذَلِكَ لَا يَحْنَث بِهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ ، فَأَرْسَلَ إنْسَانًا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَوْ حَدِيثٍ ، فَجَاءَ الرَّسُولُ ، فَسَأَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ ، فَجَامِعَهَا ، لَمْ يَحْنَثْ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ هِجْرَانَهَا .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ كَلَّمْتُك خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
أَلَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَلَا يُكَلِّمَهَا ؟ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ كَانَ بَدْو هَذَا أَيَسُوءُهَا أَوْ يَغِيظُهَا ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، فَلَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَلَا يُكَلِّمَهَا .
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ .
فَقَرَأَهُ فِي نَفْسه ، وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ بِهِ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّ هَذَا قِرَاءَةُ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ النَّاسِ ، فَتَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَيْهِ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ الْقِرَاءَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا حَلَفَ : لَا قَرَأْت لِفُلَانٍ كِتَابًا .
فَفَتْحَهُ حَتَّى اسْتَقْصَى آخِرَهُ ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَعْلَمَ مَا فِيهِ ، فَقَدْ عَلِمَ مَا فِيهِ وَقَرَأَهُ .

( 5971 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَقَالَتْ : إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ .
انْحَلَّتْ يَمِينُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا خَاطِبَتِهِ بِيَمِينِهَا ، فَاتَتْهُ الْبِدَايَةُ بِكَلَامِهَا ، وَبَقِيَتْ يَمِينُهَا مُعَلَّقَةً ، فَإِنْ بَدَأَهَا بِكَلَامِ انْحَلَّتْ يَمِينُهَا أَيْضًا ، وَإِنْ بَدَأَتْهُ هِيَ ، عَتَقَ عَبْدُهَا .
هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا .
وَيَحْتَمِل أَنَّهُ إنْ بَدَأَهَا بِالْكَلَامِ فِي وَقْتٍ آخَر ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى بِدَايَةً ، فَتَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرَكَ الْبِدَايَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، أَوْ هَذَا الْمَجْلِسِ ، فَيَتَقَيَّد بِهِ .

( 5972 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ رَجُلًا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ تَكْلِيمَهُمَا وُجِدَ مِنْهُمَا ، فَحَنِثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
فَحَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حَيْضَةً .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ .
فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ دَابَّتَهَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ، لَا يَحْنَثُ حَتَّى تُكَلِّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الرَّجُلَيْنِ مَعًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا بِكَلَامِهِمَا لَهُمَا فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ بِكَلَامِ الْأُخْرَى وَحْدَهَا .
وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ .
فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأُولَى .
وَهَذَا فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْفِرَادِ الْوَاحِدِ بِهِ ، فَأَمَّا مَا جَرَى الْعُرْفُ فِيهِ بِانْفِرَادِ الْوَاحِدِ فِيهِ بِالْوَاحِدِ ، كَنَحْوِ : رَكِبَا دَابَّتَيْهِمَا ، وَلَبِسَا ثَوْبَيْهِمَا ، وَتَقَلَّدَا سَيْفَيْهِمَا ، وَاعْتَقَلَا رُمْحَيْهِمَا ، وَدَخَلَا بِزَوْجَيْهِمَا .
وَأَشْبَاه هَذَا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا وُجِدَ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ ، وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ ، فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ .
فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الرَّغِيفَيْنِ ، بِخِلَافِ الرَّجُلَيْنِ وَالدَّارَيْنِ .

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا ، وَمُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَ زَيْدًا فِي حَالٍ يَكُونُ فِيهِ مُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ .
وَذَكَر الْقَاضِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِ زَيْدٍ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ .
وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَلَامِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْلَى مِنْ قَطْعِهِ ، وَالرَّفْعُ لَا يَنْفِي كَوْنَهُ حَالًا ، فَإِنَّ الْجُمْلَةَ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ تَكُونُ حَالًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } .
وَقَالَ : { إلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } .
{ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } .
وَهَذَا كَثِيرٌ ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ عَنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فِي سِيَاقِهِ مَعَ إمْكَانِ وَصْلِهِ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُق حَتَّى تُكَلِّمَ زَيْدًا فِي حَالِ كَوْنِ مُحَمَّدٍ مَعَ خَالِدٍ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَأَخَّرَ قَوْلُهُ : مُحَمَّدٌ مَعَ خَالِدٍ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَأَنَا غَائِبٌ ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ .
أَوْ وَهُوَ رَاكِبٌ .
أَوْ : وَمُحَمَّدٌ رَاكِبٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدٌ أَخُوهُ مَرِيضٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ وَأَخُوهُ مُحَمَّدٌ مَرِيضٌ .

( 5974 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إنْ كَلَّمْتنِي إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ .
أَوْ : حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ ، حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ مَدَّ الْمَنْعَ إلَى غَايَةٍ هِيَ قُدُومُ زَيْدٍ ، فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهَا .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت إنْ اسْتَدَمْت كَلَامِي مِنْ الْآن إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ .
دُيِّنَ .
وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ .

( 5975 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت .
أَوْ : إذَا شِئْت .
أَوْ : مَتَى شِئْت .
أَوْ : كُلَّمَا شِئْت .
أَوْ : كَيْفَ شِئْت .
أَوْ : حَيْثُ شِئْت .
أَوْ : أَنَّى شِئْت .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ ، وَتَنْطِقَ بِالْمَشِيئَةِ بِلِسَانِهَا ، فَتَقُولَ : قَدْ شِئْت .
لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُعْلَمُ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ اللِّسَانُ ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ ، دُونَ مَا فِي الْقَلْبِ ، فَلَوْ شَاءَتْ بِقَلْبِهَا دُونَ نُطْقِهَا ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ ، وَلَوْ قَالَتْ : قَدْ شِئْت .
بِلِسَانِهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ ، لَوَقَعَ الطَّلَاقُ ، اعْتِبَارًا بِالنُّطْقِ .
وَكَذَلِكَ إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا .
وَمَتَى وَجَدَتْ الْمَشِيئَةُ بِاللِّسَانِ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ ، وَفِيمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت .
أَوْ : أَنَّى شِئْت .
وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ صَاحِبَيْهِ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ كَيْف شِئْت .
تَطْلُقُ فِي الْحَالِ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بِمَشِيئَتِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَشِيئَتِهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : حَيْثُ شِئْت .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ : إنْ شَاءَتْ فِي الْحَالِ ، وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ ، كَقَوْلِهِ : اخْتَارِي .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي " إنْ " كَقَوْلِهِ ، وَفِي سَائِرِ الْحُرُوفِ كَقَوْلِنَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ صَرِيحَةٌ فِي التَّرَاخِي ، فَحُمِلَتْ عَلَى مُقْتَضَاهَا ، بِخِلَافِ " إنْ " ، فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي زَمَانًا ، وَإِنَّمَا هِيَ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ فَتُقَيَّدُ ، بِالْفَوْرِ بِقَضِيَّةِ التَّمْلِيكِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ شِئْت .
إنَّمَا ذَلِكَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ ،

فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ ، وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ مُعَلَّقٍ عَلَى الْمَشِيئَةِ ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْعِتْقِ ، وَفَارَقَ : اخْتَارِي .
فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ ، إنَّمَا هُوَ تَخْيِيرٌ ، فَتَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ ، كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ .
وَإِنْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْمَشِيئَةُ ، أَوْ جُنَّ ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجَد .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّهُ يَقَعُ .
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَقَعُ إذَا تَعَذَّرَ شَرْطُهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، وَإِنْ شَاءَ .
وَهُوَ مَجْنُونٌ ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ .
وَإِنْ شَاءَ ، وَهُوَ سَكْرَانُ .
فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ ، فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي طَلَاقِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إيقَاعَ طَلَاقِهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ ، كَيْ لَا تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ ، وَهَاهُنَا إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِهِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ، وَهُوَ طِفْلٌ ، لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ .
وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الطَّلَاقَ ، وَقَعَ ؛ لِأَنَّ لَهُ مَشِيئَةً ، وَلِذَلِكَ صَحَّ اخْتِيَارُهُ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، فَشَاءَ بِالْإِشَارَةِ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ تَقُومُ مَقَامَ نُطْقِ النَّاطِقِ ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ طَلَاقُهُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ نَاطِقًا حَالَ التَّعْلِيقِ ، فَخَرِسَ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَا ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ فِي نَفْسِهِ يَقَعُ بِهَا ، فَكَذَلِكَ طَلَاقُ مَنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةٍ .
وَالثَّانِي ، لَا يَقَعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ حَالَ التَّعْلِيقِ ، كَانَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنُّطْقِ ، فَلَمْ يَقَعْ بِغَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي التَّعْلِيقِ : إنْ نَطَقَ فُلَانٌ بِمَشِيئَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ .

( 5976 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَيَّدَ الْمَشِيئَةَ بِوَقْتٍ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت الْيَوْمَ .
تَقَيَّدَ بِهِ ، فَإِنْ خَرَجَ الْيَوْمُ قَبْلَ مَشِيئَتهَا لَمْ تَطْلُقْ .
وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ اثْنَيْنِ ، لَمْ يَقَعْ حَتَّى تُوجَدَ مَشِيئَتُهُمَا ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا أَنَّهُ يَقَعُ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا ، كَمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا .
فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ أَبُوك .
فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ أَبِي .
فَقَالَ أَبُوهَا : قَدْ شِئْت .
لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت .
فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت إنْ شِئْت .
فَقَالَ : قَدْ شِئْت .
أَوْ قَالَتْ : قَدْ شِئْت إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ .
لَمْ يَقَعْ .
نَصَّ أَحْمَدُ ، عَلَى مَعْنَى هَذَا ، وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت .
فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ فُلَانٌ .
أَنَّهَا قَدْ رَدَّتْ الْأَمْرَ ، وَلَا يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهَا مَشِيئَةٌ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهَا تَعْلِيقُ مَشِيئَتِهَا بِشَرْطٍ ، وَلَيْسَ تَعْلِيقُ الْمَشِيئَةِ بِشَرْطِ مَشِيئَةٍ .
وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ اثْنَيْنِ ، فَشَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْآخَرُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا .

( 5977 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ تَشَائِي .
أَوْ : يَشَاءَ زَيْدٌ .
فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت .
لَمْ تَطْلُقْ .
وَإِنْ أَخَّرَا ذَلِكَ طَلُقَتْ وَإِنْ .
جُنَّ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِ ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَعَلَّقَ رَفْعَهُ بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ .
فَإِنْ خَرِسَ فَشَاءَ بِالْإِشَارَةِ ، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِشَارَتِهِ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَته .

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا .
فَلَمْ تَشَأْ ، أَوْ شَاءَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً .
وَإِنْ قَالَتْ : قَدْ شِئْت ثَلَاثًا .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : تَطْلُق ثَلَاثًا .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ : لَا تَطْلُقُ إذَا شَاءَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ، فَتَقْدِيرُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا فَلَا تَطْلُقِي ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ : ثَلَاثًا لَمَا طَلُقَتْ بِمَشِيئَتِهَا ثَلَاثًا ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الثَّلَاثَ صِفَةً لِمَشِيئَتِهَا الرَّافِعَة لِطَلَاقِ الْوَاحِدَةِ ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ تُكَرِّرِي بِمَشِيئَتِك ثَلَاثًا .
وَقَالَ الْقَاضِي : فِيهَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا تَطْلُق ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَالثَّانِي ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إيقَاعُ الثَّلَاثِ إذَا شَاءَتْهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِثَالِثَةٍ ، وَخُذْ دِرْهَمًا إلَّا أَنْ تُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْهُ .
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ } .
أَيْ إنَّ بِيعَ الْخِيَارِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيهِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً .
فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت وَاحِدَةً .
طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ .
وَعَلَى قَوْلِهِمْ : لَا تَطْلُقُ شَيْئًا .

( 5979 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِمَشِيئَةِ فُلَانٍ .
أَوْ : لِرِضَاهُ .
أَوْ : لَهُ .
طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ لِكَوْنِهِ قَدْ شَاءَ ذَلِكَ ، أَوْ رَضِيَهُ ، أَوْ لِيَرْضَى بِهِ ، كَقَوْلِهِ : هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ، أَوْ لِرِضَى اللَّهِ .
فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ الشَّرْطَ .
دُيِّنَ .
قَالَ الْقَاضِي : يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .
وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .

( 5980 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت .
أَوْ : إنْ أَرَدْت .
أَوْ : إنْ كَرِهْت .
احْتَمَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بُقُولِهَا بِلِسَانِهَا : قَدْ أَحْبَبْت .
أَوْ : أَرَدْت .
أَوْ : كَرِهْت .
لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي الْقَلْبِ ، لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قِبَلِهَا ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِقَوْلِهَا ، كَالْمَشِيئَةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَكُونَ اللِّسَانُ دَلِيلًا عَلَيْهِ .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِوُجُودِهِ ، وَقَعَ طَلَاقُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ ، وَلَوْ قَالَتْ : أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ .
ثُمَّ قَالَتْ : كُنْت كَاذِبَةً .
لَمْ تَطْلُقْ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
فَقَالَتْ : أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ .
فَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهَا ، فِلْمُ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ ، وَفِيهَا احْتِمَالَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا تَطْلُقُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِي الْقَلْبِ ، وَلَا تُوجَدُ مِنْ أَحَدٍ مَحَبَّةُ ذَلِكَ ، وَخَبَرُهَا بِحُبِّهَا لَهُ كَذِبٌ مَعْلُومٌ ، فَلَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا .
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي ، أَنَّهَا تَطْلُقُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا يُوقَف عَلَيْهِ إلَّا مِنْ لِسَانِهَا ، فَاقْتَضَى تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِلَفْظِهَا بِهِ ، كَاذِبَةً كَانَتْ أَوْ صَادِقَةً ، كَالْمَشِيئَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ : إنْ كُنْت تُحِبِّينَ ذَلِكَ .
وَبَيْن قَوْلِهِ : إنْ كُنْت تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِكِ .
لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ .

( 5981 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
طَلُقَتْ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
عَتَقَ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ، وَقَالَ : لَيْسَ هُمَا مِنْ الْأَيْمَانِ .
وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ ، وَقَتَادَةُ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ .
وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ ، وَالْحَكَمِ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهَا ، فَلَمْ يَقَعْ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ، فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ .
لَمْ يَحْنَثْ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو جَمْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول : إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَهِيَ طَالِقٌ .
رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ .
وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ نَحْوُهُ .
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ ، وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا : كُنَّا مَعَاشِرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، إلَّا فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ .
وَهَذَا نَقْلٌ لِلْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ فَانْتَشَرَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ ، فَهُوَ إجْمَاعٌ ، وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ يَرْفَعُ جُمْلَةَ الطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا .
وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالْمَشِيئَةِ ، كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ، وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَبْرَأْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَوْ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ ، فَأَشْبَهَ تَعْلِيقَهُ عَلَى الْمُسْتَحِيلَاتِ .
وَالْحَدِيثُ

لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ إنْشَاءٌ ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً ، وَإِنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ فَمَجَازٌ ، لَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ مِنْ أَجْلِهِ ، ثُمَّ إنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ ، وَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ .
لَيْسَ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً ، وَلَا مَجَازًا ، فَلَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ يَمِينٍ .
وَقَوْلُهُمْ : عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ لَا تُعْلَمُ .
قُلْنَا : قَدْ عُلِمَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ الطَّلَاقَ بِمُبَاشَرَةِ الْآدَمِيِّ سَبَبَهُ .
قَالَ قَتَادَةُ : قَدْ شَاءَ اللَّهُ حِينَ أَذِنَ أَنْ يُطَلِّقَ .
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَمْ ، تُعْلَمْ ، لَكِنْ قَدْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يَسْتَحِيلُ عِلْمُهُ ، فَيَكُونُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُسْتَحِيلَاتِ ، يَلْغُو ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ .

( 5982 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُخُولِ الدَّارِ ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَيْسَا مِنْ الْأَيْمَانِ ، وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَا تَطْلُقُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ صَارَ يَمِينًا وَحَلِفًا ، فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ؛ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ } .
وَفَارَقَ مَا إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ .

( 5983 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .
طَلُقَتْ ، وَوَافَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ .
وَعَلَّقَ رَفْعَهُ بِمَشِيئَةٍ لَمْ تُعْلَمْ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ .
أَوْ : مَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ .
وَقَعَ أَيْضًا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهَا إذَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ مُحَالٌ ، فَلَغَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ ، بِنَاءً عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُحَالِ ، مِثْل قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ .
أَوْ : شَرِبْت الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ .
وَلَا مَاءَ فِيهِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَتَدْخُلَنَّ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
لَمْ تَطْلُقْ ، دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ ؛ لِأَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ ، فَقَدْ فَعَلْت الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ ، عَلِمْنَا أَنَّ اللَّه لَمْ يَشَأْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَهُ لَوُجِدَ ، فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
لِمَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ رَدَّهُ إلَى الطَّلَاقِ دُونَ الدُّخُولِ ، خُرِّجَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُنْجَزِ .
وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ ، فَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى الدُّخُولِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الطَّلَاقِ .

( 5984 ) فَصْلٌ : فَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَتَلْت الْمَيِّتَ .
أَوْ شَرِبْت الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ .
وَلَا مَاءَ فِيهِ .
أَوْ : جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ .
أَوْ : كَانَ الْوَاحِدُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ .
أَوْ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ عَادَةً ، كَقَوْلِهِ : إنْ طِرْت .
أَوْ : صَعِدْت إلَى السَّمَاءِ .
أَوْ : قَلَبْت الْحَجَرَ ذَهَبًا .
أَوْ : شَرِبْت هَذَا النَّهْرَ كُلَّهُ .
أَوْ : حَمَلْت الْجَبَلَ .
أَوْ : شَاءَ الْمَيِّتُ .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَرْدَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَرْفَعُ جُمْلَتَهُ ، وَيَمْنَعُ وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ وَفِي الثَّانِي ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك .
أَوْ : لَا تَنْقُصُ عَدَدَ طَلَاقِك .
وَالثَّانِي ، لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ ، وَلِأَنَّ مَا يُقْصَدُ تَبْعِيدُهُ يُعَلَّقُ عَلَى الْمُحَالِ ، كَقَوْلِهِ : إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ أَيْ لَا آتِيهِمْ أَبَدًا .
وَقِيلَ : إنْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا ، وَقَعَ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ ، فَلَمْ تُعَلَّقْ بِهِ الصِّفَةُ ، وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ ، فَوَقَعَ .
وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ عَادَةً ، كَالطَّيَرَانِ ، وَصُعُودِ السَّمَاءِ ، لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّ لَهُ وُجُودًا ، وَقَدْ وُجِدَ جِنْسُ ذَلِكَ فِي مُعْجِزَات الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ ، وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، فَجَازَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِهِ ، وَلَمْ يَقَعْ قَبْلَ وُجُودِهِ .
فَأَمَّا إنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْمُسْتَحِيلِ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَيِّتَ .
أَوْ : تَصْعَدِي السَّمَاءَ .
طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ ، وَعَدَمُهُ مَعْلُومٌ فِي الْحَالِ وَفِي الثَّانِي ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي .
فَمَاتَ الْعَبْدُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَأَشْرَبَنَّ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71