الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي

( 7459 ) فَصْلٌ : وَلَمْ يُجَوِّزْ أَحْمَدُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ لِكَافِرٍ ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّقِيقُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا .
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا مِمَّا سَبَى الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا .
قَالَ : وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى عَنْهُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ .
هَكَذَا حَكَى أَهْلُ الشَّامِ ، وَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ابْتِدَائِهِ ، كَالْمُسْلِمِ .
وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتًا لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يَظْهَرُ وُجُودُهُ ، فَإِنَّهُ إذَا بَقِيَ رَقِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ إسْلَامُهُ ، فَيَفُوتُ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ لِكَافِرٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَقِيقًا لِكَافِرٍ فِي ابْتِدَائِهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ هَذِهِ الْغَرَضِيَّةُ ، وَالدَّوَامُ يُخَالِفُ الِابْتِدَاءَ لِقُوَّتِهِ .

( 7460 ) فَصْلٌ : وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ ، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ ، فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ أَسِيرًا ، فَالْخِيرَةُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدْ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَقْتُلُ أَسِيرَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَالِي .
فَمَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُ قَتْلَ أَسِيرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَالِي ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ ابْتِدَاءً ، فَكَانَ لَهُ قَتْلُهُ دَوَامًا ، كَمَا لَوْ هَرَبَ مِنْهُ أَوْ قَاتَلَهُ .
فَإِنْ امْتَنَعَ الْأَسِيرُ أَنْ يَنْقَادَ مَعَهُ ، فَلَهُ إكْرَاهُهُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إكْرَاهُهُ ، فَلَهُ قَتْلُهُ .
وَإِنْ خَافَهُ أَوْ خَافَ هَرَبَهُ ، فَلَهُ قَتْلُهُ أَيْضًا .
وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الِانْقِيَادِ مَعَهُ ، لِجُرْحٍ أَوْ مَرَضٍ ، فَلَهُ قَتْلُهُ أَيْضًا .
وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ قَتْلِهِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ، كَمَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ حَيًّا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَتَقْوِيَةٌ لِلْكُفَّارِ ، فَتَعَيَّنَ الْقَتْلُ ، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ إذَا أَمْكَنَهُ قَتْلُهُ ، وَكَجَرِيحِهِمْ إذَا لَمْ يَأْسِرْهُ .
فَأَمَّا أَسِيرُ غَيْرِهِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ ، إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ .
وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَتَعَاطَيَنَّ أَحَدُكُمْ أَسِيرَ صَاحِبِهِ إذَا أَخَذَهُ فَيَقْتُلُهُ } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
فَإِنْ قَتَلَ أَسِيرَهُ ، أَوْ أَسِيرَ غَيْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، أَسَاءَ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ ، لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِمَ ثَمَنَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَا لَهُ قِيمَةٌ ، فَضَمِنَهُ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ امْرَأَةً وَلَنَا ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، أَسَرَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ ، فَرَآهُمَا بِلَالٌ ، فَاسْتَصْرَخَ

الْأَنْصَارَ عَلَيْهِمَا حَتَّى قَتَلُوهُمَا ، وَلَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا .
وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ ، فَلَمْ يَغْرَمْهُ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ ، فَلَمْ يَغْرَمْهُ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ كَلْبًا ، فَأَمَّا إنْ قَتَلَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا ، غَرِمَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ .

( 7461 ) فَصْلٌ : وَمَنْ أُسِرَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا الظَّاهِرُ خِلَافُهُ ، يَتَعَلَّقُ بِهِ إسْقَاطُ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، فَإِنْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ ، حَلَفَ مَعَهُ ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ .
وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ : لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يُفْدَى ، أَوْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ .
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ ، فَإِنِّي سَمِعْته يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ } فَقَبِلَ شَهَادَةَ عَبْدَ اللَّهِ وَحْدَهُ .

( 7462 ) مَسْأَلَةٌ : ( وَيُنَفِّلُ الْإِمَامُ وَمَنْ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدَأَتْهُ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ ، وَفِي رَجْعَتِهِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ ) النَّفَلُ زِيَادَةٌ تُزَادُ عَلَى سَهْمِ الْغَازِي ، وَمِنْهُ نَفْلُ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ مَا زِيدَ عَلَى الْفَرْضِ ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } .
كَأَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ وَلَدًا ، فَأَعْطَاهُ مَا سَأَلَ وَزَادَهُ وَلَدَ الْوَلَدِ ، وَالْمُرَادُ بِالْبِدَايَةِ هَا هُنَا ، ابْتِدَاءُ دُخُولِ الْحَرْبِ ، وَالرَّجْعَةِ رُجُوعُهُ عَنْهَا .
وَالنَّفَلُ فِي الْغَزْوِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ؛ أَحَدُهَا ، هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ ، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ غَازِيًا ، بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيَّةً تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ ، فَمَا قَدِمَتْ بِهِ السَّرِيَّةُ مِنْ شَيْءٍ ، أَخْرَجَ خُمُسَهُ ، ثُمَّ أَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جَعَلَ لَهُمْ ، وَهُوَ رُبْعُ الْبَاقِي ، وَذَلِكَ خُمُسٌ آخَرُ ، ثُمَّ قَسَمَ مَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةُ مَعَهُ .
فَإِذَا قَفَلَ ، بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ ، وَجَعَلَ لَهُمْ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ ، فَمَا قَدِمَتْ بِهِ السَّرِيَّةُ أَخْرَجَ خُمُسَهُ ، ثُمَّ أَعْطَى السَّرِيَّةَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ ، ثُمَّ قَسَمَ سَائِرَهُ فِي الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةُ مَعَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَالْحَسَنُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ ، وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لَا نَفْلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } فَخَصَّهُ بِهَا ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَمَالِكٌ يَقُولَانِ : لَا نَفْلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُخْرَجُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ { ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ .

فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً ، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَعْطَاهُمْ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ الَّتِي هِيَ لَهُمْ ، لَمْ يَكُنْ نَفْلًا ، وَكَانَ مِنْ سِهَامِهِمْ وَلَنَا مَا رَوَى حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ ، قَالَ : { شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ الرُّبُعَ فِي الْبَدَاءَةَ ، وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ } .
وَفِي لَفْظٍ { : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ إذَا قَفَلَ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبُعَ ، وَفِي الْقُفُولِ الثُّلُثَ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَفِي لَفْظٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُهُمْ إذَا خَرَجُوا بَادِينَ الرُّبُعَ وَيُنَفِّلُهُمْ إذَا قَفَلُوا الثُّلُثَ } .
رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ، أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِي قَوْمِهِ ، قَالَ لَهُ عُمَرُ : هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ ، وَلَك الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَشَيْءٍ ؟ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : يُنَفِّلُ السَّرِيَّةَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ يُغْرِيهِمْ بِذَلِكَ .
فَأَمَّا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، فَإِنَّ مَكْحُولًا قَالَ لَهُ حِينَ قَالَ : لَا نَفْلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ : شَغَلَك أَكْلُ الزَّبِيبِ بِالطَّائِفِ .
وَمَا ثَبَتَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِهِ دَلِيلٌ .
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ بَعِيرًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ ، يَكُونُ جُزْءًا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ،

وَخُمُسُ الْخُمُسِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَجُزْءٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَكْثَرُ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ أَقَلَّ مِنْهُ ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ إذَا كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ ، وَالْبَعِيرُ مِنْهَا ثُلُثُ الْخُمُسِ ، فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ أَخْذُ ثُلُثِ الْخُمُسِ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ؟ فَهَذَا مُحَالٌ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ ، أَوْ أَنَّ النَّفَلَ كَانَ لِلسَّرِيَّةِ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ .
عَلَى أَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ ، فَلَا يُعَارَضُ بِشَيْءٍ مُسْتَنْبَطٍ ، يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَنْ اسْتَنْبَطَهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ هَذَا النَّفَلَ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَهُ لَهُمْ فَلَا ، فَإِنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ نَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبُعَ ، وَفِي الرُّجُوعِ الثُّلُثَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، ذَاكَ إذَا نَفَلَ ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ .
فَعَلَى هَذَا إنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُنَفِّلَهُمْ شَيْئًا ، فَلَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُمْ دُونَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ، فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُمْ شَيْئًا ، جَازَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ يَسِيرًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَالْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا حَدَّ لِلنَّفْلِ ، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ مَرَّةً الثُّلُثَ ، وَأُخْرَى الرُّبُعَ .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : نَفَلَ نِصْفَ السُّدُسِ .
فَهَذَا يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْلِ حَدٌّ لَا يَتَجَاوَزُهُ الْإِمَامُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ نَفْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إلَى الثُّلُثِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَجَاوَزَهُ ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ

لَيْسَ لِأَقَلِّ النَّفْلِ حَدٌّ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ قَوْلِهِ : أَنَّ النَّفَلَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ تَنَاقَضَ .
فَإِنْ شَرَطَ لَهُمْ الْإِمَامُ زِيَادَةً عَلَى الثُّلُثِ ، رُدُّوا إلَيْهِ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْرِطَ النِّصْفَ ، فَإِنْ زَادَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَلْيَفِ لَهُمْ بِهِ ، وَيَجْعَلْ ذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ .
وَإِنَّمَا زِيدَ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى الْبَدَاءَةِ فِي النَّفْلِ ؛ لِمَشَقَّتِهَا ، فَإِنَّ الْجَيْشَ فِي الْبَدَاءَةِ رِدْءٌ لِلسَّرِيَّةِ ، تَابِعٌ لَهَا ، وَالْعَدُوُّ خَائِفٌ ، وَرُبَّمَا كَانَ غَارًّا ، وَفِي الرَّجْعَةِ لَا رِدْءَ لِلسَّرِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ مُنْصَرِفٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَدُوَّ مُسْتَيْقِظٌ كَلِبٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : فِي الْبَدَاءَةِ إذَا كَانَ ذَاهِبًا الرُّبُعُ ، وَفِي الْقَفْلَةِ إذَا كَانَ فِي الرُّجُوعِ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَاقُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ ، فَهَذَا أَكْبَرُ .
الْقِسْمُ الثَّانِي ، أَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ بَعْضَ الْجَيْشِ ؛ لِغَنَائِهِ وَبَأْسِهِ وَبَلَائِهِ ، أَوْ لِمَكْرُوهٍ تَحَمَّلَهُ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ .
قَالَ أَحْمَدُ : فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ الْأَمِيرُ يَكُونُ طَلِيعَةً ، أَوْ عِنْدَهُ ، يَدْفَعُ إلَيْهِ رَأْسًا مِنْ السَّبْيِ أَوْ دَابَّةً ، قَالَ : إذَا كَانَ رَجُلٌ لَهُ غَنَاءٌ ، وَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمْ ، يُحَرَّضُ هُوَ وَغَيْرُهُ ، يُقَاتِلُونَ وَيَغْنَمُونَ .
وَقَالَ : إذَا نَفَّذَ الْإِمَامُ صَبِيحَةَ الْمَغَارِ الْخَيْلَ ، فَيُصِيبُ بَعْضُهُمْ ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ ، فَلِلْوَالِي أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَاءُوا بِشَيْءٍ دُونَ هَؤُلَاءِ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ لَهُ إعْطَاءَ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ .
وَحُجَّةُ هَذَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، أَنَّهُ قَالَ : أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعْتهمْ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَعَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ ، قَالَ فَبَيَّتْنَا عَدُوَّنَا ، فَقَتَلْت لَيْلَتئِذٍ تِسْعَةَ أَهْلِ أَبْيَاتٍ وَأَخَذْت مِنْهُمْ امْرَأَةً ، فَنَفَلَنِيهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ ، اسْتَوْهَبَهَا مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبْتهَا لَهُ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ ، أَنْ يَقُولَ الْأَمِيرُ : مَنْ طَلَعَ هَذَا الْحِصْنَ ، أَوْ هَدَمَ هَذَا السُّورَ ، أَوْ نَقَبَ هَذَا النَّقْبَ ، أَوْ فَعَلَ كَذَا ، فَلَهُ كَذَا .
أَوْ : مَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ ، فَلَهُ كَذَا .
فَهَذَا جَائِزٌ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ ، قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ : مَنْ جَاءَ بِعَشْرِ دَوَابَّ ، أَوْ بَقَرٍ ، أَوْ غَنَمٍ ، فَلَهُ وَاحِدٌ .
فَمَنْ جَاءَ بِخَمْسَةٍ أَعْطَاهُ نِصْفَ مَا قَالَ لَهُمْ ، وَمَنْ جَاءَ بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ بِقَدْرِهِ .
قِيلَ لَهُ : إذَا قَالَ : مَنْ جَاءَ بِعِلْجٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا .
فَجَاءَ بِعِلْجٍ ، يَطِيبُ لَهُ مَا يُعْطَى ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَكَرِهَ مَالِكٌ هَذَا الْقَسْمَ ، وَلَمْ يَرَهُ ، وَقَالَ : قِتَالُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا هُوَ لِلدُّنْيَا .
وَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ : لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ .
قَالَ مَالِكٌ : وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } .
إلَّا بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالُ .
وَلَنَا ، مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ ، وَعُبَادَةَ ، وَمَا شَرَطَهُ عُمَرُ ، لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ ، فَجَازَ ، كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ ، وَزِيَادَةِ السَّهْمِ لِلْفَارِسِ ، وَاسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ .
وَقَوْلُهُ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَعَلَ

السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالُ .
قُلْنَا : قَوْلُهُ ذَلِكَ ثَابِتُ الْحُكْمِ فِيمَا يَأْتِي مِنْ الْغَزَوَاتِ بَعْدَ قَوْلِهِ ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْمَشْرُوطِ فِي أَوَّلِ الْغَزَاةِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَا يَجُوزُ هَذَا ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ ، فَاعْتُبِرَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ ، كَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ وَالْحَافِظِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ النَّفَلَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ .
وَذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّهُ لَا نَفْلَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ .
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهَا ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ .
وَلَنَا ، حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، وَعُبَادَةَ ، وَجَرِيرٍ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لَهُمْ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا غَنِمُوهُ ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ مَالٍ ، فَجَازَ النَّفَلُ فِيهِ ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ .
وَأَمَّا الْقَاتِلُ ، فَإِنَّمَا نَفْلُ السَّلَبِ ، وَلَيْسَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْ السَّلَبِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرَ مَا جُعِلَ لَهُ .

( 7463 ) فَصْلٌ : : نَقَلَ أَبُو دَاوُد ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : إذَا قَالَ مَنْ رَجَعَ إلَى السَّاقَةِ فَلَهُ دِينَارٌ ، وَالرَّجُلُ يَعْمَلُ فِي سِيَاقَةِ الْغَنَمِ قَالَ لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الشَّامِ يَفْعَلُونَ هَذَا ، وَقَدْ يَكُونُ فِي رُجُوعِهِمْ إلَى السَّاقَةِ وَسِيَاقَةِ الْغَنَمِ مَنْفَعَةٌ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ أَغَارَ عَلَى قَرْيَةٍ ، فَنَزَلَ فِيهَا وَالسَّبْيُ وَالدَّوَابُّ وَالْخُرْثِيُّ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ جَمْعِهِ الْكَسَلُ ، لَا يَخَافُونَ عَلَيْهِ الْعَدُوَّ ، فَيَقُولُ الْإِمَامُ : مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ ، فَلَهُ ثَوْبٌ ، وَلِمَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ رَأْسٌ ؟ قَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ قَالَ : مَنْ جَاءَ بِعَدْلٍ مِنْ دَقِيقِ الرُّومِ ، فَلَهُ دِينَارٌ ، يُرِيدهُ لِطَعَامِ السَّبْيِ ، مَا تَرَى فِي أَخْذِ الدِّينَارِ ؟ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا .
قِيلَ فَالْإِمَامُ يُخْرِجُ السَّرِيَّةَ وَقَدْ نَفَلَهُمْ جَمِيعًا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْمَغَارِ ، نَادَى : مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ ، فَلَهُ رَأْسٌ ، وَمَنْ جَاءَ بِكَذَا ، فَلَهُ كَذَا ، فَيَذْهَبُ النَّاسُ فَيَطْلُبُونَ ، فَمَا تَرَى فِي هَذَا النَّفْلِ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، إذَا كَانَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ الثُّلُثَ .
قُلْت : فَلَا بَأْسَ بِنَفَلَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ الثُّلُثَ ، غَيْرَ مَرَّةٍ سَمِعْته يَقُولُ ذَلِكَ .

( 7464 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَنْ يَبْذُلَا جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، مِثْلَ طَرِيقِ سَهْلٍ ، أَوْ مَاءٍ فِي مَفَازَةٍ ، أَوْ قَلْعَةٍ يَفْتَحُهَا ، أَوْ مَالٍ يَأْخُذُهُ ، أَوْ عَدُوٍّ يُغِيرُ عَلَيْهِ ، أَوْ ثُغْرَةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي مَصْلَحَةٍ ، فَجَازَ ، كَأُجْرَةِ الدَّلِيلِ ، وَقَدْ اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ .
وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلُ بِفِعْلِ مَا جُعِلَ لَهُ الْجُعْلُ فِيهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ، مِنْ الْجَيْشِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ .
فَإِنْ جُعِلَ لَهُ الْجُعْلُ مِمَّا فِي يَدِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ بِعِوَضٍ مِنْ مَالٍ مَعْلُومٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ، كَالْجَعَالَةِ فِي رَدِّ الْآبِقِ ، وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا ، جَهَالَةً لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ ، وَلَا تُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلسَّرِيَّةِ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مِمَّا غَنِمُوهُ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا مَجْهُولَةٌ ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، وَالْجَعَالَةُ إنَّمَا تَجُوزُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ .
فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جَارِيَةً مُعَيَّنَةً إنْ دَلَّهُ عَلَى قَلْعَةٍ يَفْتَحُهَا ، مِثْلُ أَنَّ جَعَلَ لَهُ بِنْتَ رَجُلٍ عَيَّنَهُ مِنْ أَهْلِ الْقَلْعَةِ ، لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا حَتَّى يَفْتَحَ الْقَلْعَةَ ؛ لِأَنَّ جَعَالَةَ شَيْءٍ مِنْهُ اقْتَضَتْ اشْتِرَاطَ فَتْحِهَا ، فَإِذَا فُتِحَتْ الْقَلْعَةُ عَنْوَةً ، سُلِّمَتْ إلَيْهِ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ ، فَإِنَّهَا عَصَمَتْ نَفْسَهَا بِإِسْلَامِهَا ، فَتَعَذَّرَ دَفْعُهَا إلَيْهِ ، فَتُدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَتُهَا .
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا رَدَّهُ إلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُ نِسَاءٌ

مُسْلِمَاتٌ ، مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْ رَدِّهِنَّ .
وَلَوْ كَانَ الْجُعْلُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْقَلْعَةِ ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ ، عَصَمَ أَيْضًا نَفْسَهُ ، وَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الْجُعْلِ قِيمَتُهُ .
وَإِنْ كَانَ إسْلَامُ الْجَارِيَةِ أَوْ الرَّجُلِ بَعْدَ أَسْرِهِمْ ، سُلِّمَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ، فَلَهُ قِيمَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَبْتَدِئُ الْمِلْكَ عَلَى مُسْلِمٍ .
وَإِنْ مَاتَا قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ حَقُّهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ ، وَقَدْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ، فَسَقَطَ حَقُّهُ ، كَالْوَدِيعَةِ .
وَفَارَقَ مَا إذَا أَسْلَمَا ، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمَا مُمْكِنٌ ، لَكِنْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ .
وَإِنْ كَانَ الْفَتْحُ صُلْحًا ، فَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ الْجَارِيَةَ وَالرَّجُلَ ، وَسُلَّمِهِمَا صَحَّ ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا ، طُلِبَ الْجُعْلُ مِنْ صَاحِبِ الْقَلْعَةِ ، وَبُذِلَتْ لَهُ قِيمَتُهُمَا ، فَإِنْ سُلِّمَا إلَى الْإِمَامِ ، سَلَّمَهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ، وَإِنْ أَبَى ، عُرِضَ عَلَى مُشْتَرِطِهِمَا قِيمَتُهُمَا ، فَإِنْ أَخَذَهَا ، أُعْطِيَهَا وَتَمَّ الصُّلْحُ ، وَإِنْ أَبَى ، فَقَالَ الْقَاضِي : يُفْسَخُ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ تَعَذَّرَ إمْضَاءُ الصُّلْحِ فِيهِ ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُعْلِ سَابِقٌ ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّلْحِ .
وَنَحْوُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَلِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ أَنْ يُحَصِّنَهَا مِثْلَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْضِيَ الصُّلْحُ ، وَتُدْفَعَ إلَى صَاحِبِ الْجُعْلِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ إلَيْهِ مَعَ بَقَائِهِ ، فَدُفِعَتْ إلَيْهِ قِيمَتُهُ ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْجُعْلُ قَبْلَ الْفَتْحِ ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ وَصَاحِبُ الْجُعْلِ كَافِرٌ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْجُعْلِ سَابِقٌ .
قُلْنَا : إلَّا أَنَّ الْمَفْسَدَةَ فِي فَسْخِ الصُّلْحِ أَعْظَمُ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُودُ عَلَى الْجَيْشِ كُلِّهِ ، وَرُبَّمَا عَادَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فِي كَوْنِ هَذِهِ الْقَلْعَةِ يَتَعَذَّرُ

فَتْحُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيَبْقَى ضَرَرُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَلَا يَجُوزُ تَحَمُّلُ هَذِهِ الْمُضِرَّةِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَسِيرٍ عَنْ وَاحِدٍ ، فَإِنَّ ضَرَرَ صَاحِبِ الْجُعْلِ إنَّمَا هُوَ فِي فَوَاتِ عَيْنِ الْجُعْلِ ، وَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَ عَيْنِ الشَّيْءِ وَقِيمَتِهِ يَسِيرٌ ، سِيَّمَا وَهُوَ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَمُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ بِدَفْعِ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ عَنْهُمْ ، أَوْلَى مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي مَنْ وَجَدَ مَالَهُ قَبْلَ قَسْمِهِ : فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ ، لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا بِثَمَنِهِ ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الضَّرَرِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ ، أَوْ حِرْمَانِ مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي سَهْمِهِ .

( 7465 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : وَالنَّفَلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ .
هَذَا قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَفُقَهَاءِ الشَّامِ ؛ مِنْهُمْ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ ، وَعُبَادَةَ بْنُ نُسَيٍّ ، وَعَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ ، وَيَحْيَى بْنُ جَابِرٍ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالنَّاسُ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا .
قَالَ أَحْمَدُ : وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولَانِ : لَا نَفْلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ .
فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمَا هَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَطَائِفَةٌ : إنْ شَاءَ الْإِمَامُ نَفَلَهُمْ قَبْلَ الْخُمُسِ ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : وَإِنَّمَا النَّفَلُ قَبْلَ الْخُمُسِ .
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ .
وَلَنَا مَا رَوَى مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ : { لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَهَذَا صَرِيحٌ .
وَحَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ ، وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ } .
وَحَدِيثُ جَرِيرٍ حِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ وَلَك الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَلَ الثُّلُثَ ، وَلَا يَتَصَوَّرُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْخُمُسِ .
وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } .
يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ خَارِجًا مِنْ الْغَنِيمَةِ كُلِّهَا .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، فَقَدْ رَوَاهُ شُعَيْبٌ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : { بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ ، وَابْتُعِثَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ الْجَيْشِ ، فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ، وَنَفَلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا

بَعِيرًا ، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا .
} فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَفْلُهُمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ ، كَمَا تُنْفَلَ السَّرَايَا .
وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى جَمِيعَ الْجَيْشِ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَفْلًا ، وَكَانَ قَدْ قَسَمَ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ( 7466 ) فَصْلٌ : وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي أَنَّ النَّفَلَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ، عَامٌّ ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِيهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ النَّفْلِ ، فَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : مَنْ جَاءَ بِشَيْءٍ فَلَهُ كَذَا ، أَوْ : مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ مِنْهَا .
فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَنِيمَةِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ الْجُعْلِ ، فَأَشْبَهَ السَّلَبَ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ .
وَيَحْتَمِلُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، وَهُوَ زِيَادَةُ بَعْضِ الْغَانِمِينَ عَلَى سَهْمِهِ لِغِنَائِهِ ، أَنْ يَكُونَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُعَدِّ لِلْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّ عَطِيَّةَ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ .
وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ عَطِيَّةَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، سَهْمَ الْفَارِسِ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ ، إنَّمَا كَانَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 7467 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَرُدُّ مَنْ نَفَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي السَّرِيَّةِ ، إذْ بِقُوَّتِهِمْ صَارَ إلَيْهِ ) هَذَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ ، وَهِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ النَّفْلِ ، وَهُوَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً ، وَنَفَلَهَا الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ ، فَدَفَعَ النَّفَلَ إلَى بَعْضِهِمْ ، وَخَصَّهُ بِهِ ، أَوْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ فَنَفَلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَنْفُلْهُ ، شَارَكَ مَنْ نُفِلَ مَنْ لَمْ يُنْفَلْ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا أَخَذُوا بِقُوَّةِ هَؤُلَاءِ ، وَلِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا النَّفَلَ عَلَى وَجْهِ الْإِشَاعَةِ بَيْنَهُمْ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَالْغَنِيمَةِ .
فَأَمَّا فِي الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْخِرَقِيِّ ، مِثْلُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْجَيْشِ بِنَفْلٍ لِغَنَائِهِ ، أَوْ لِجَعْلِهِ لَهُ كَقَوْلِهِ : مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ ، فَجَاءَ وَاحِدٌ بِعَشَرَةٍ دُونَ الْجَيْشِ ، فَإِنَّ مَنْ نُفِلَ يَخْتَصُّ بِنَفْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَصَّ مِنْ قَتَلَ بِسَلَبِ قَتِيلِهِ اخْتَصَّ بِهِ ، وَلَمَّا خَصَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ بِسَهْمِ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ اخْتَصَّ بِهِ .
وَكَذَلِكَ اخْتَصَّ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي نَفْلهَا إيَّاهُ أَبُو بَكْرٍ دُونَ النَّاسِ ، وَلِأَنَّ هَذَا جُعِلَ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ ، وَحَثًّا عَلَى فِعْلِ مَا يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ ؛ لِيَحْمِلَ فَاعِلُهُ كُلْفَةَ فِعْلِهِ ، رَغْبَةً فِيمَا جُعِلَ لَهُ ، فَلَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ فَاعِلُهُ ، مَا خَاطَرَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ فِي فِعْلِهِ ، وَلَا حَصَلَتْ مَصْلَحَةُ النَّفْلِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ بِنَفْلِهِ .
كَثَوَابِ الْآخِرَةِ .

( 7468 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَمَنْ قَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ مُقْبِلًا عَلَى الْقِتَالِ ، فَلَهُ سَلَبُهُ غَيْرَ مَخْمُوسٍ ، قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْ ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ سِتَّةٌ : ( 7469 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ } .
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ مِنْهُمْ أَنَسٌ ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ قَالَ : { خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا ، رَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ ، فَضَرَبْته بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، فَلَهُ سَلَبُهُ .
قَالَ : فَقُمْت فَقُلْت : مَنْ يَشْهَدُ لِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ .
فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي ، فَأَرْضِهِ مِنْهُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : لَا هَا اللَّهِ إذَا تَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ ، فَيُعْطِيك سَلَبَهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ ، فَأَسْلِمْهُ إلَيْهِ .
قَالَ : فَأَعْطَانِيهِ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ { قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَلَهُ سَلَبُهُ .
} فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا ، فَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

( 7470 ) أَنَّ السَّلَبَ لِكُلِّ قَاتِلٍ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ أَوْ الرَّضْخَ ، كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُشْرِكِ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بَارَزَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَقَتَلَ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ ، وَيُرْضَخُ لَهُ مِنْهُ ؛ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ قَوْلَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ آكَدُ مِنْهُ ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ ، فَالسَّلَبُ أَوْلَى .
وَلَنَا ، عُمُومُ الْخَبَرِ ، وَأَنَّهُ قَاتِلٌ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ ، ، فَاسْتَحَقَّ السَّلَبَ ، كَذَا السَّهْمَ ، وَلِأَنَّ الْأَمِيرَ لَوْ جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ صَنَعَ شَيْئًا فِيهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، لَاسْتَحَقَّهُ فَاعِلُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ ، فَاَلَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى .
وَفَارَقَ السَّهْمَ ؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ عَلَى الْمَظِنَّةِ ، وَلِهَذَا يُسْتَحَقُّ بِالْحُضُورِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْفَاعِلُ وَغَيْرُهُ ، وَالسَّلَبُ مُسْتَحَقٌّ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَاسْتَحَقَّهُ ، كَالْمَجْعُولِ لَهُ جُعْلًا عَلَى فِعْلٍ إذَا فَعَلَهُ .
فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا وَلَا رَضْخًا ، كَالْمُرْجِفِ وَالْمُخَذِّلِ وَالْمُعِينِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ وَإِنْ قَتَلَ ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ .
وَإِنْ بَارِزَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ ، السَّلَبَ ، لِأَنَّهُ عَاصٍ .
وَكَذَلِكَ كُلُّ عَاصٍ ، مِثْلُ مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَمِيرِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَمِيرِ ، أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ ، وَبَاقِيه لَهُ ، جَعَلَهُ كَالْغَنِيمَةِ ، وَيُخْرَجُ فِي الْعَبْدِ الْمُبَارِزِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مِثْلُهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَلَبُ قَتِيلِ الْعَبْدِ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، لِأَنَّ مَا كَانَ لَهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ ، فَفِي حِرْمَانِهِ السَّلَبَ حِرْمَانُ سَيِّدِهِ ، وَلَا مَعْصِيَةَ مِنْهُ .

( 7471 ) أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فِي كُلِّ حَالٍ ، إلَّا أَنْ يَنْهَزِمَ الْعَدُوُّ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَدَاوُد ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ مَسْرُوقٌ : إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ ، فَلَا سَلَبَ لَهُ ، إنَّمَا النَّفَلُ قَبْلُ وَبَعْدُ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ نَافِعٍ .
كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ ، مَا لَمْ تَمْتَدَّ الصُّفُوفُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَلَا سَلَبَ لِأَحَدٍ .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَلِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ إنَّمَا قَتَلَ الَّذِي أَخَذَ سَلَبَهُ فِي حَالِ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : فَلَمَّا الْتَقَيْنَا رَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَنَسٍ : فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا ، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ .
وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ ، لِأَنَّ هَوَازِنَ لَقُوا الْمُسْلِمِينَ فَجْأَةً ، فَأَلْحَمُوا الْحَرْبَ قَبْلَ أَنْ تَتَقَدَّمَهَا مُبَارَزَةٌ .
وَرَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ .
قَالَ : غَزَوْنَا إلَى طَرَفِ الشَّامِ ، فَأُمِّرَ عَلَيْنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَانْضَمَّ إلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ ، فَقُضِيَ لَنَا أَنَّا لَقِينَا عَدُوَّنَا ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ ، عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْقَرَ ، وَسَرْجٍ مُذْهَبٍ ، وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ ، وَسَيْفٍ مِثْلِ ذَلِكَ ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ ، وَيُغْرِي بِهِمْ ، فَلَمْ يَزَلْ الْمَدَدِيُّ يَحْتَالُ لِذَلِكَ الرُّومِيِّ حَتَّى مَرَّ بِهِ ، فَاسْتَقْفَاهُ ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ بِالسَّيْفِ ، ثُمَّ وَقَعَ ، فَأَتْبَعَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفَتْحَ ، أَقْبَلَ بِسَلَبِ الْقَتِيلِ ، وَقَدْ شَهِدَ

لَهُ النَّاسُ أَنَّهُ قَاتِلُهُ ، فَأَعْطَاهُ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبِهِ ، وَأَمْسَكَ سَائِرَهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتَعْدَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا خَالِدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مَنَعَك يَا خَالِدُ أَنْ تَدْفَعَ إلَى هَذَا سَلَبَ قَتِيلِهِ ؟ " .
قَالَ : اسْتَكْثَرْته لَهُ .
قَالَ : " فَادْفَعْهُ إلَيْهِ " .
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

( 7472 ) أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ، فَأَمَّا إنْ قَتَلَ امْرَأَةً ، أَوْ صَبِيًّا ، أَوْ شَيْخًا فَانِيًا ، أَوْ ضَعِيفًا مَهِينًا ، وَنَحْوَهُمْ مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ يُقَاتِلُ ، اسْتَحَقَّ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ ، وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ ؛ لِذَلِكَ .
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ فِيهِ مَنَعَةٌ ، غَيْرَ مُثْخَنٍ بِالْجِرَاحِ ، فَإِنْ كَانَ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ ، فَلَيْسَ لِقَاتِلِهِ شَيْءٌ مِنْ سَلَبِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَكْحُولٌ ، وَجَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَالشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَثْبَتَ أَبَا جَهْلٍ ، وَذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَلَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ شَيْئًا .
وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَتَلَهُ آخِرُ ، فَالسَّلَبُ لِلْقَاطِعِ دُونَ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ هُوَ الَّذِي كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ .
وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رَجُلَيْهِ ، وَقَتَلَهُ الْآخِرُ ، فَالسَّلَبُ لِلْقَاطِعِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ ، فَأَشْبَهَ الَّذِي قَتَلَهُ ، وَالثَّانِي سَلَبَهُ فِي الْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ رِجْلَاهُ سَالِمَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ يَعْدُو وَيُكْثِرُ ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ سَالِمَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ يُقَاتِلُ بِهِمَا ، فَلَمْ يَكْفِ الْقَاطِعُ شَرَّهُ كُلَّهُ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ سَلَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ .
وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ، فَكَذَلِكَ .
وَإِنْ قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ ، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لِمَنْ لَمْ يَكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ .
وَإِنْ عَانَقَ رَجُلٌ رَجُلًا ، فَقَتَلَهُ آخَرُ ، فَالسَّلَبُ

لِلْقَاتِلِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : هُوَ لِلْمُعَانِقِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَلَهُ سَلَبُهُ .
} وَلِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعَانِقْهُ الْآخَرُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلًا عَلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُهُ ، فَجَاءَ آخِرُ مِنْ وَرَائِهِ ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ .
الثَّالِثُ ، أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُثْخِنَهُ بِجِرَاحٍ تَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَكُونُ السَّلَبُ إلَّا لِلْقَاتِلِ .
وَإِنْ أَسَرَ رَجُلًا ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ .
وَقَالَ مَكْحُولٌ : لَا يَكُونُ السَّلَبُ إلَّا لِمَنْ أَسَرَ عِلْجًا أَوْ قَتَلَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إذَا أُسِرَ رَجُلٌ ، فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ صَبْرًا ، فَسَلَبُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ مِنْ الْقَتْلِ ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ بِالْقَتْلِ ، كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ بِالْأَسْرِ .
قَالَ : وَإِنْ اسْتَبْقَاهُ الْإِمَامُ ، كَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ ، أَوْ رَقَبَتُهُ وَسَلَبُهُ ، لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقْبَةَ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَاسْتَبْقَى سَائِرَهُمْ ، فَلَمْ يُعْطِ مَنْ أَسَرَهُمْ أَسْلَابَهُمْ ، وَلَا فِدَاءَهُمْ ، وَكَانَ فِدَاؤُهُمْ غَنِيمَةً .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ ، وَلَيْسَ الْآسِرُ بِقَاتِلٍ ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسْرَى ، وَلَوْ كَانَ لِمَنْ أَسَرَهُ ، كَانَ أَمْرُهُ إلَيْهِ دُونَ الْإِمَامِ .
الرَّابِعُ ، أَنْ يُغَرِّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ ، فَأَمَّا إنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ ، فَلَا سَلَبَ لَهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ ، إنَّمَا هُوَ فِي الْمُبَارَزَةِ ، لَا يَكُونُ فِي الْهَزِيمَةِ .
وَإِنْ حَمَلَ

جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ ، فَالسَّلَبُ فِي الْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُغَرِّرُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قَتْلِهِ .
وَإِنْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ اثْنَانِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ سَلَبَهُ غَنِيمَةٌ ، فَإِنَّهُ قَالَ ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ : لَهُ السَّلَبُ إذَا انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ .
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ ، عَنْ الْقَاضِي ، إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي سَلَبِهِ ؛ لِقَوْلِهِ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ ، وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ ، فَاشْتَرَكَا فِي السَّلَبِ .
وَلَنَا ، أَنَّ السَّلَبَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّغْرِيرِ فِي قَتْلِهِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَتْلِ الِاثْنَيْنِ ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ السَّلَبُ ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَّكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ .
فَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي ضَرْبِهِ ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنْ الْآخَرِ ، فَالسَّلَبُ لَهُ ؛ لِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، وَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ ، فَقَالَ : { كِلَاكُمَا قَتَلَهُ .
وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ .
} وَإِنْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ ، فَأَدْرَكَ إنْسَانٌ مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ ، فَقَتَلَهُ ، فَلَا سَلَبَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ فِي قَتْلِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً ، فَانْهَزَمَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ فَرٌّ وَكَرٌّ ، وَقَدْ قَتَلَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ طَلِيعَةً لِلْكُفَّارِ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ ، { فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَتَلَهُ ؟ .
قَالُوا : سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ .
قَالَ : لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ } .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَدَاوُد ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : السَّلَبُ لِكُلِّ قَاتِلٍ ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَاحْتِجَاجًا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ هَذَا .
وَلَنَا ، أَنَّ ابْنَ

مَسْعُودٍ ذَفَّفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ ، فَلَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَبَهُ ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ صَبْرًا ، وَلَمْ يُعْطِ سَلَبَهُمَا مَنْ قَتَلَهُمَا ، وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ صَبْرًا ، فَلَمْ يُعْطِ مَنْ قَتَلَهُمْ أَسْلَابَهُمْ ، وَإِنَّمَا أَعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ مُبَارِزًا ، أَوْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ ، وَغَرَّرَ فِي قَتْلِهِ ، وَالْمُنْهَزِمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ ، قَدْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّ نَفْسِهِ ، وَلَمْ يُغَرِّرْ قَاتِلُهُ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ كَالْأَسِيرِ .
وَأَمَّا الَّذِي قَتَلَهُ سَلَمَةُ ، فَكَانَ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ، وَكَذَلِكَ مَنْ قُتِلَ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُنْهَزِمًا فَهُوَ مُتَحَيِّزٌ إلَى فِئَةٍ ، وَرَاجِعٌ إلَى الْقِتَالِ ، فَأَشْبَهَ الْكَارَّ ، فَإِنَّ الْقِتَالَ فَرٌّ وَكَرٌّ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ أَنْ تَكُونَ الْمُبَارَزَةُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِالسَّلَبِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ نُقِلَ إلَيْنَا أَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي الْمُبَارَزَةِ ، مَعَ أَنَّ عُمُومَ الْخَبَرِ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ السَّلَبِ لِكُلِّ قَاتِلٍ ، إلَّا مَنْ خَصَّهُ الدَّلِيلُ .

( 7473 ) أَنَّ السَّلَبَ لَا يُخْمَسُ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَابْنُ جَرِيرٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُخْمَسُ .
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَمَكْحُولٌ ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : إنْ اسْتَكْثَرَ الْإِمَامُ السَّلَبَ خَمَسَهُ .
وَذَلِكَ إلَيْهِ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ ، أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةِ بِالْبَحْرَيْنِ ، فَطَعَنَهُ فَدَقَّ صُلْبَهُ ، وَأَخَذَ سِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ ، فَلَمَّا صَلَّى عُمَرُ الظُّهْرَ ، أَتَى أَبَا طَلْحَةَ فِي دَارِهِ ، فَقَالَ : إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ ، وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ مَالًا ، وَأَنَا خَامِسُهُ .
فَكَانَ أَوَّلُ سَلَبٍ خُمِسَ فِي الْإِسْلَامِ سَلَبَ الْبَرَاءِ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي السُّنَنِ .
وَفِيهَا أَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ ، وَلَمْ يَخْمُسْ السَّلَبَ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعُمُومُ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَخَبَرُ عُمَرَ حُجَّةٌ لَنَا ، فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ .
وَقَوْلُ الرَّاوِي : كَانَ أَوَّلَ سَلَبٍ خُمِسَ فِي الْإِسْلَامِ .
يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ، لَمْ يَخْمُسُوا سَلَبًا ، وَاتِّبَاعُ ذَلِكَ أَوْلَى .
قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ : لَا أَظُنُّهُ يَجُوزُ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ سَبَقَ فِيهِ مِنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ إلَّا اتِّبَاعُهُ ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَصْلُحُ أَنْ يُخَصَّصَ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ السَّلَبَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يُحْتَسَبُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ .
وَلَنَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ مُطْلَقًا ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ احْتَسَبَ بِهِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ احْتَسَبَ بِهِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ ، اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ وَقَدْرِهِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ ، كَسَهْمِ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ .

( 7474 ) أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ ، قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْ .
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ : لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ الْإِمَامُ لَهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَسْتَحِقُّهُ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ .
وَلَمْ يَرَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي النَّفْلِ ، وَجَعَلُوا السَّلَبَ هَاهُنَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَنْفَالِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ مَدَدِيًّا اتَّبَعَهُمْ ، فَقَتَلَ عِلْجًا ، فَأَخَذَ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبَهُ ، وَأَعْطَاهُ بَعْضَهُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَأَنَا اخْتَصَرْته .
وَرَوَيَا بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ ، فَقَتَلْته ، وَأَخَذْت سَلَبَهُ ، فَأَتَيْت بِهِ سَعْدًا ، فَخَطَبَ سَعْدٌ أَصْحَابَهُ ، وَقَالَ : إنَّ هَذَا سَلَبُ شِبْرٍ ، خَيْرٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَإِنَّا قَدْ نَفَلْنَاهُ إيَّاهُ .
وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهُ ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى نَفْلِهِ ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ سَلَبِ الْبَرَاءِ ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ سَلَبَ أَبِي قَتَادَةَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَهَذَا مِنْ قَضَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْهُورَةِ ، الَّتِي عَمِلَ بِهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ ، وَأَخْبَارُهُمْ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ احْتَجَّ عَلَى خَالِدٍ حِينَ أَخَذَ سَلَبَ الْمَدَدِيَّ ، فَقَالَ

لَهُ عَوْفٌ : أَمَّا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ ؟ قَالَ : بَلَى .
وَقَوْلُ عُمَرَ : إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ غَزْوَةٍ ، وَحُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ لِكُلِّ قَاتِلٍ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدًا أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَى الْمَدَدِيِّ عُقُوبَةً ، حِينَ أَغْضَبَهُ عَوْفٌ بِتَقْرِيعِهِ خَالِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : قَدْ أَنْجَزْت لَك مَا ذَكَرْت لَك مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا خَبَرُ شِبْرٍ ، فَإِنَّمَا أَنْفَذَ لَهُ سَعْدٌ مَا قَضَى لَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّاهُ نَفْلًا ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى سَهْمِهِ .
وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةَ ، فَإِنَّ خَصْمَهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِهِ ، وَصَدَّقَهُ ، فَجَرَى مَجْرَى الْبَيِّنَةِ ، وَلِأَنَّ السَّلَبَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى شَرْطِهِ ، كَالسَّهْمِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ السَّلَبَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ .
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَأْمَنُ إنْ أَظْهَرَهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعْطَاهُ .
وَوَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ أَمْرُهُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَأَخْذِ سَهْمِهِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَحْمَدَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ فَعَلَى هَذَا ، إنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ ، تَرَكَ الْفَضِيلَةَ ، وَلَهُ مَا أَخَذَهُ .

( 7475 ) مَسْأَلَة قَالَ : ( وَالدَّابَّةُ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ آلَتِهَا مِنْ السَّلَبِ ، إذَا قُتِلَ وَهُوَ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ السِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَإِنْ كَثُرَ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَبِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنْ السَّلَبِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ السَّلَبَ مَا كَانَ الْقَتِيلُ لَابِسًا لَهُ ، مِنْ ثِيَابٍ ، وَعِمَامَةٍ ، وَقَلَنْسُوَةٍ وَمِنْطَقَةٍ ، وَدِرْعٍ ، وَمِغْفَرٍ ، وَبَيْضَةٍ ، وَتَاجٍ ، وَأَسْوِرَةٍ وَرَأَنٍ ، وَخُفٍّ ، بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِلْيَةٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ السَّلَبِ اللِّبَاسُ ، وَكَذَلِكَ السِّلَاحُ ؛ مِنْ السَّيْفِ ، وَالرُّمْحِ ، وَالسِّكِّينِ ، وَاللَّتِّ ، وَنَحْوِهِ ، لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي قِتَالِهِ ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنْ اللِّبَاسِ ، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهَا ، فَهِيَ كَالسِّلَاحِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ ، وَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ بِهَا زِيَادَةَ السُّهْمَانِ ، بِخِلَافِ السِّلَاحِ .
فَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي مَعَهُ فِي كمرانه وَخَرِيطَتِهِ ، فَلَيْسَ بِسَلَبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَلْبُوسِ ، وَلَا مِمَّا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْحَرْبِ ، وَكَذَلِكَ رَحْلُهُ وَأَثَاثُهُ ، وَمَا لَيْسَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَرْبِ ، كَالتَّاجِ ، وَالسِّوَارِ ، وَالطَّوْقِ ، وَالْهِمْيَانِ الَّذِي لِلنَّفَقَةِ ، لَيْسَ مِنْ السَّلَبِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ ، فَأَشْبَهَ الْمَالَ الَّذِي فِي خَرِيطَتِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ ، أَنَّهُ بَارَزَ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةِ ، فَقَتَلَهُ ، فَبَلَغَ سِوَارَاهُ وَمِنْطَقَتُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، فَخَمَسَهُ عُمَرُ ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ .
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ ، أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى أَسْوَارٍ فَطَعَنَهُ ، فَدَقَّ صُلْبَهُ فَصَرَعَهُ ، فَنَزَلَ إلَيْهِ فَقَطَعَ

يَدَهُ ، وَأَخَذَ سِوَارَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ ، وَيَلْمَقًا مِنْ دِيبَاجٍ ، وَسَيْفًا ، وَمِنْطَقَةً ، فَسُلِّمَ لَهُ ذَلِكَ .
وَلِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ لَهُ ، فَأَشْبَهَ ثِيَابَهُ ، وَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّلَبِ ، فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ وَالْمِنْطَقَةَ ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي الدَّابَّةِ ، فَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السَّلَبِ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ مَا كَانَ عَلَى يَدَيْهِ ، وَالدَّابَّةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ .
قَالَ : وَذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ ، فَأَخَذَ سِوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتَهُ .
وَلَمْ يَذْكُرْ فَرَسَهُ .
وَلَنَا مَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : " خَرَجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ ، عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذْهَبٌ ، وَسِلَاحٌ مُذْهَبٌ ، فَجَعَلَ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ ، فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ ، فَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ ، وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، بَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَأَخَذَ مِنْ السَّلَبِ ، قَالَ عَوْفٌ : فَأَتَيْته فَقُلْت لَهُ : يَا خَالِدُ ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ ؟ قَالَ : بَلَى .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَفِي حَدِيثِ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، أَنَّهُ أَخَذَ فَرَسَهُ .
كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ فِيهِ .
وَلِأَنَّ الْفَرَسَ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحَرْبِ ، فَأَشْبَهَتْ السِّلَاحَ ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالرُّمْحِ وَالْقَوْسِ وَاللَّتِّ ، فَإِنَّهَا مِنْ السَّلَبِ وَلَيْسَتْ مَلْبُوسَةً .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ وَمَا عَلَيْهَا ؛ مِنْ سَرْجِهَا ، وَلِجَامِهَا وَتَجْفِيفِهَا ، وَحِلْيَةٍ إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا ، وَجَمِيعِ آلَتِهَا مِنْ السَّلَبِ ؛ لِأَنَّهُ

تَابِعٌ لَهَا ، وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْحَرْبِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ السَّلَبِ إذَا كَانَ رَاكِبًا عَلَيْهَا ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ ، أَوْ مُنْفَلِتَةً ، لَمْ تَكُنْ مِنْ السَّلَبِ ، كَالسِّلَاحِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ ، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا عَلَيْهَا فَصَرَعَهُ عَنْهَا ، أَوْ أَشْعَرَهُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ عَنْهَا ، فَهِيَ مِنْ السَّلَبِ .
وَهَكَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ .
وَإِنْ كَانَ مُمْسِكًا بِعِنَانِهَا ، غَيْرَ رَاكِبٍ عَلَيْهَا ، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، مِنْ السَّلَبِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْقِتَالِ عَلَيْهَا ، فَأَشْبَهَتْ سَيْفَهُ أَوْ رُمْحَهُ فِي يَدِهِ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَيْسَتْ مِنْ السَّلَبِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَاكِبٍ عَلَيْهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ مَعَ غُلَامِهِ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى فَرَسٍ ، وَفِي يَدِهِ جَنِيبَةٌ ، لَمْ تَكُنْ الْجَنِيبَةُ مِنْ السَّلَبِ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُمَا مَعًا .

( 7476 ) فَصْل وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْقَتْلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يُعْطَى السَّلَبَ إذَا قَالَ : أَنَا قَتَلْته .
وَلَا يُسْأَلُ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ أَبِي قَتَادَةَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، فَلَهُ سَلَبُهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةُ ، فَإِنَّ خَصْمَهُ أَقَرَّ لَهُ ، فَاكْتَفَى بِإِقْرَارِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَاهِدَانِ .
وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ : يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي الْمَالِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ شَاهِدٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ الَّذِي شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ ، وَإِطْلَاقُهَا يَنْصَرِفُ إلَى شَاهِدَيْنِ ، وَلِأَنَّهَا دَعْوَى لِلْقَتْلِ ، فَاعْتُبِرَ شَاهِدَانِ ، كَقَتْلِ الْعَمْدِ .

( 7477 ) فَصْل وَيَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً .
وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ .
وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ : { لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ .
وَقَالَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُ .

( 7478 ) مَسْأَلَة قَالَ : ( وَمَنْ أَعْطَاهُمْ الْأَمَانَ مِنَّا ؛ مِنْ رَجُلٍ ، أَوْ امْرَأَةٍ ، أَوْ عَبْدٍ ، جَازَ أَمَانُهُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إذَا أُعْطِيَ أَهْلَ الْحَرْبِ ، حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَمَالُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ .
وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْقَاسِمِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ : لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ ، فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ ، كَالصَّبِيِّ ، وَلِأَنَّهُ مَجْلُوبٌ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَصْلَحَتِهِمْ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : { ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَرَوَى فُضَيْلٍ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ ، قَالَ : جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا ، فَكُنْت فِيهِ ، فَحَصَرْنَا مَوْضِعًا ، فَرَأَيْنَا أَنَّا سَنَفْتَحُهَا الْيَوْمَ ، وَجَعَلْنَا نُقْبِلُ وَنَرُوحُ ، فَبَقِيَ عَبْدٌ مِنَّا ، فَرَاطَنَهُمْ وَرَاطَنُوهُ ، فَكَتَبَ لَهُمْ الْأَمَانَ فِي صَحِيفَةٍ ، وَشَدَّهَا عَلَى سَهْمٍ ، وَرَمَى بِهَا إلَيْهِمْ ، فَأَخَذُوهَا ، وَخَرَجُوا ، فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ ، فَصَحَّ أَمَانُهُ ، كَالْحُرِّ .
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التُّهْمَةِ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أُذِنَ لَهُ الْقِتَالِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ ، وَبِالْمَرْأَةِ ، فَإِنَّ أَمَانَهَا يَصِحُّ ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا

.
قَالَتْ عَائِشَةُ : إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ .
وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي ، وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ .
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ ، إنَّمَا يُجْهِرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ } .
رَوَاهُمَا سَعِيدٌ .
وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ ، فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( 7479 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ أَمَانُ الْأَسِيرِ إذَا عَقَدَهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْأَسِيرِ .
وَكَذَلِكَ أَمَانُ الْأَجِيرِ وَالتَّاجِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : لَا يَصِحُّ أَمَانُ أَحَدٍ مِنْهُمْ .
وَلَنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِمْ .
فَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ ، فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ ، كَالْمَجْنُونِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يَصِحُّ أَمَانُهُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَصِحُّ أَمَانُهُ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً .
وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُمَيِّزٌ ، فَصَحَّ أَمَانُهُ ، كَالْبَالِغِ ، وَفَارَقَ الْمَجْنُونَ ، فَإِنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ أَصْلًا .
( 7480 ) فَصْلٌ : وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ كَافِرٍ ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ .
} فَجَعَلَ الذِّمَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَلَا تَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، فَأَشْبَهَ

الْحَرْبِيَّ .
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ مَجْنُونٍ ، وَلَا طِفْلٍ ، لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ .
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ زَائِلِ الْعَقْلِ ، بِنَوْمٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ ؛ لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ غَيْرِهَا ، فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ .
وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَالْإِقْرَارِ .
( 7481 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ وَآحَادِهِمْ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَيَصِحُّ أَمَانُ الْأَمِيرِ لِمَنْ أُقِيمَ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ، فَهُوَ كَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى قِتَالِ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَيَصِحُّ أَمَانُ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلْوَاحِدِ ، وَالْعَشَرَةِ ، وَالْقَافِلَةِ الصَّغِيرَةِ ، وَالْحِصْنِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ لِأَهْلِ الْحِصْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ .
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ ، وَرُسْتَاقٍ ، وَجَمْعٍ كَثِيرٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ ، وَالِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ .
( 7482 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ بِالْهُرْمُزَانِ أَسِيرًا ، قَالَ : لَا بَأْسَ عَلَيْك ، ثُمَّ أَرَادَ قَتْلَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ : قَدْ أَمَّنْته ، فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهِ .
وَشَهِدَ الزُّبَيْرُ بِذَلِكَ ، فَعَدُّوهُ أَمَانًا .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْمَنَّ عَلَيْهِ ، وَالْأَمَانُ دُونَ ذَلِكَ .
فَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ ؛ لِأَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَارَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بَعْدَ أَسْرِهِ ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانَهَا .
وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيُّ .

وَلَنَا ، أَنَّ أَمْرَ الْأَسِيرِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ ، فَلَمْ يَجُزْ الِافْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ ، كَقَتْلِهِ .
وَحَدِيثُ زَيْنَبَ فِي أَمَانِهَا ، إنَّمَا صَحَّ بِإِجَازَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( 7483 ) فَصْلٌ : وَإِذَا شَهِدَ لِلْأَسِيرِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ ، قُبِلَ ، إذَا كَانُوا بِصِفَةِ الشُّهُودِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ .
وَلَنَا ، أَنَّهُمْ عُدُولٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، غَيْرُ مُتَّهَمِينَ ، شَهِدُوا بِأَمَانِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ أَنَّهُ أَمَّنَهُ .
وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ شَهَادَةَ الْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا ، فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ .
وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنِّي أَمَّنْته .
فَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يُقْبَلُ ، كَمَا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ عَزْلِهِ : كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ .
قُبِلَ قَوْلُهُ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ : يَصِحُّ أَمَانُهُ ، فَقُبِلَ خَبَرُهُ بِهِ ، كَالْحَاكِمِ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَمِّنَهُ فِي الْحَالِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِهِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ .

( 7484 ) فَصْل إذَا جَاءَ الْمُسْلِمُ بِمُشْرِكٍ ادَّعَى أَنَّهُ أَسَرَهُ ، وَادَّعَى الْكَافِرُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ ، فَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ فَإِنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ دَمِ الْحَرْبِيِّ ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ .
وَالثَّانِيَةُ ، الْقَوْلُ ، قَوْلُ الْأَسِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صِدْقَهُ وَحَقْنَ دَمِهِ ، فَيَكُونُ هَذَا شُبْهَةً تَمْنَعُ مِنْ قَتْلِهِ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ .
وَالثَّالِثَةُ ، يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ مَنْ ظَاهِرُ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ ذَا قُوَّةٍ ، مَعَهُ سِلَاحُهُ ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مَسْلُوبًا سِلَاحُهُ ، فَالظَّاهِرُ كَذِبُهُ ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُسْلِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَمَانِهِ ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ كَافِرٌ ، لَمْ يَثْبُتْ أَسْرُهُ ، وَلَا نَازَعَهُ فِيهِ مُنَازِعٌ ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَمَانُ ، كَالرَّسُولِ .

( 7485 ) فَصْل وَمَنْ طَلَبَ الْأَمَانُ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهَ ، وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَجَبَ أَنْ يُعْطَاهُ ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ إلَى النَّاسِ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهَ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } .
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانُ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمِنِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَمِّنُ رُسُلَ الْمُشْرِكِينَ .
وَلَمَّا جَاءَهُ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ ، قَالَ : { لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا } .
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّنَا لَوْ قَتَلْنَا رُسُلَهُمْ ، لَقَتَلُوا رُسُلَنَا ، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْمُرَاسَلَةِ .
وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً ، بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا مُقَيَّدَةً ؛ لِأَنَّ فِي جَوَازِهَا مُطْلَقًا تَرْكًا لِلْجِهَادِ ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيَجُوزُ أَنْ يُقِيمُوا مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : لَا يُتْرَكُ الْمُشْرِكُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُؤَدِّيَ .
فَقَالَ أَحْمَدُ إذَا أَمَّنْته ، فَهُوَ عَلَى مَا أَمَّنْته .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ .
وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ هَذَا كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ ، فَلَمْ

تَلْزَمْهُ جِزْيَةٌ ، كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، وَلِأَنَّ الرَّسُولَ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجَوِّزُ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُ ، يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ السَّنَةُ وَمَا دُونَهَا ، فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الْمُدَّتَيْنِ ، فَإِذَا جَازَتْ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي إحْدَاهُمَا ، جَازَتْ فِي الْأُخْرَى ، قِيَاسًا لَهَا عَلَيْهَا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } .
أَيْ يَلْتَزِمُونَهَا ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ ، وَهَذَا مَخْصُوصٌ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لَهَا ، وَلِأَنَّ الْآيَةَ تَخَصَّصَتْ بِمَا دُونَ الْحَوْلِ ، فَنَقِيسَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ .

( 7486 ) فَصْل وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ ، فَأَوْدَعَ مَالَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ، أَوْ أَقْرَضَهُمَا إيَّاهُ ، ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ دَخَلَ تَاجِرًا ، أَوْ رَسُولًا ، أَوْ مُتَنَزِّهًا ، أَوْ لِحَاجَةٍ يَقْضِيهَا ثُمَّ يَعُودُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ، فَأَشْبَهَ الذِّمِّيَّ إذَا دَخَلَ لِذَلِكَ ، وَإِنْ دَخَلَ مُسْتَوْطِنًا ، بَطَلَ الْأَمَانُ فِي نَفْسِهِ ، وَبَقِيَ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ ؛ ثَبَتَ الْأَمَانُ لِمَالِهِ الَّذِي مَعَهُ ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ ، بَقِيَ فِي مَالِهِ ؛ لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطِلِ بِنَفْسِهِ ، فَيَخُصُّ الْبُطْلَانَ بِهِ .
فَإِنْ قُتِلَ : فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْأَمَانُ لِمَالِهِ تَبَعًا ، فَإِذَا بَطَلَ فِي الْمَتْبُوعِ ، بَطَلَ فِي التَّبَعِ .
قُلْنَا : بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْأَمَانُ لِمَعْنًى وُجِدَ فِيهِ ، وَهُوَ إدْخَالُهُ مَعَهُ ، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَمَانِ لَهُ .
وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ بَعَثَهُ مَعَ مُضَارِبٍ لَهُ أَوْ وَكِيلٍ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْأَمَانُ ، وَلَمْ يَثْبُتُ الْأَمَانِ فِي نَفْسِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَا هُنَا مَا يَقْتَضِي الْأَمَانُ فِيهِ ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَنُقِضَ الْأَمَانُ فِيهِ ، كَمَا يَنْتَقِضُ فِي نَفْسِهِ ، لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ مِنْهُمَا .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ إنْ طَلَبَهُ بُعِثَ إلَيْهِ ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، صَحَّ تَصَرُّفُهُ .
وَإِنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ الْأَمَانُ فِيهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَبْطُلُ فِيهِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لِوَارِثِهِ ، وَلَمْ يَعْقِدْ فِيهِ أَمَانًا ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِيهِ ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْأَمَانَ حَقٌّ لَهُ لَازِمٌ

مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ ، فَإِذَا انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ ، انْتَقَلَ لِحَقِّهِ ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ؛ مِنْ الرَّهْنِ ، وَالضَّمِينِ ، وَالشُّفْعَةِ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ .
وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ مَعَ بَقَاءِ الْأَمَانُ فِيهِ ، كَالْمَالِ الَّذِي مَعَ مُضَارِبِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ ، صَارَ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ .
فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَرِثُهُ ، لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ .
وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ ؛ لِأَنَّ مِلَّتَهُمَا وَاحِدَةٌ ، فَيَرِثُهُ كَالْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ حَرْبِيٌّ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ .
وَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ ، فَقَالَ الْقَاضِي : يَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا حَتَّى يُعْلَمَ آخِرُ أَمْرِهِ ، بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ مَاتَ كَانَ فَيْئًا ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ ، وَإِنْ عَتَقَ كَانَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَرَقَّ ، وَلَكِنْ مَنَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ ، أَوْ فَادَاهُ ، فَمَالُهُ لَهُ ، وَإِنْ قَتَلَهُ ، فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُسْبَ وَلَكِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ ، لِيَأْخُذَ مَالَهُ ، جَازَ قَتْلُهُ وَسَبْيُهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْأَمَانِ لِمَالِهِ لَا يُثْبِتُ الْأَمَانَ لَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ وَدِيعَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ .

( 7487 ) فَصْل وَإِذَا سَرَقَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ قَتَلَ ، أَوْ غَصَبَ ، ثُمَّ عَادَ إلَى وَطَنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَأْمِنًا مَرَّةً ثَانِيَةً ، اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ مَا لَزِمَهُ فِي أَمَانِهِ الْأَوَّلِ .
وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا ، فَخَرَجَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِ ، لَمْ يُغْنَمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ، لِكَوْنِ الشِّرَاءِ بَاطِلًا ، وَيَرُدُّ بَائِعُهُ الثَّمَنَ إلَى الْحَرْبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي أَمَانٍ ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَالِفًا ، فَعَلَى الْحَرْبِيِّ قِيمَتُهُ ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ .

فَصْلٌ : وَإِذَا دَخَلَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا بِأَمَانٍ ، فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا فِي دَارِنَا ، ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ ، لَمْ تُمْنَعْ ، إذَا رَضِيَ زَوْجُهَا أَوْ فَارَقَهَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، تُمْنَعُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمُقَامُ بِهِ ، فَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ .

( 7489 ) مَسْأَلَة قَالَ : ( وَمَنْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِيَفْتَحَ الْحِصْنَ ، فَفَعَلَ ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : أَنَا الْمُعْطِي .
لَمْ يُقْتَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا حَصَرُوا حِصْنًا ، فَنَادَاهُمْ رَجُلٌ : آمِنُونِي أَفْتَحْ لَكُمْ الْحِصْنَ .
جَازَ أَنْ يُعْطُوهُ أَمَانًا ؛ فَإِنَّ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ لَمَّا حُصِرَ النُّجَيْرُ ، قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ : أَعْطُونِي الْأَمَانَ لِعَشَرَةٍ ، أَفْتَحْ لَكُمْ الْحِصْنَ .
فَفَعَلُوا .
فَإِنْ أَشْكَلَ الَّذِي أَعْطَى الْأَمَانَ ، وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ ، فَإِنْ عُرِفَ صَاحِبُ الْأَمَانِ ، عُمِلَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْتَمِلُ صِدْقُهُ ، وَقَدْ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمُحَرَّمِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ ، فَحَرُمَ الْكُلُّ ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةِ ، أَوْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ ، أَوْ اشْتَبَهَ زَانٍ مُحْصَنٌ بِرِجَالٍ مَعْصُومِينَ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَحْرُمُ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَتْلِ ، فَإِنَّ اسْتِرْقَاقَ مَنْ لَا يَحِلُّ اسْتِرْقَاقُهُ مُحَرَّمٌ .
وَالثَّانِي ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، فَيَخْرُجُ صَاحِبُ الْأَمَانِ بِالْقُرْعَةِ ، وَيَسْتَرِقُّ الْبَاقُونَ .
قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ وَأَشْكَلَ ، وَيُخَالِفُ الْقَتْلَ ، فَإِنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ، بِخِلَافِ الرِّقِّ ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْقَتْلُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ دُونَ الِاسْتِرْقَاقِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إذَا أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ قَبْلَ فَتْحِهِ ، أَشْرَفَ عَلَيْنَا ، ثُمَّ أَشْكَلَ ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الَّذِي أَسْلَمَ : يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ عُشْرُ

قِيمَتِهِ .
وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا أَنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .

( 7490 ) فَصْل قَالَ أَحْمَدُ : إذَا قَالَ الرَّجُلُ : كُفَّ عَنِّي حَتَّى أَدُلَّك عَلَى كَذَا .
فَبُعِثَ مَعَهُ قَوْمٌ لِيَدُلَّهُمْ ، فَامْتَنَعَ مِنْ الدَّلَالَةِ ، فَلَهُمْ ضَرْبُ عُنُقِهِ ؛ لِأَنَّ أَمَانَهُ بِشَرْطٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إذَا لَقِيَ عِلْجًا ، فَطَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ ، فَلَا يُؤَمِّنُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ شَرُّهُ ، وَإِنْ كَانُوا سَرِيَّةً ، فَلَهُمْ أَمَانُهُ .
يَعْنِي أَنَّ السَّرِيَّةَ لَا يَخَافُونَ مِنْ غَدْرِ الْعِلْجِ قَتْلَهُمْ ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ لَقِيت السَّرِيَّةُ أَعْلَاجًا ، فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ جَاءُوا مُسْتَأْمِنِينَ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ سِلَاحٌ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُمْ السِّلَاحَ يَدُلُّ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ ، قُبِلَ قَوْلُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ .

( 7491 ) وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِمْ إلَيْنَا تُجَّارًا بِغَيْرِ أَمَانٍ ، لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : إذَا رَكِبَ الْقَوْمُ فِي الْبَحْرِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ فِيهِ تُجَّارٌ مُشْرِكُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ يُرِيدُونَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ ، لَمْ يَعْرِضُوا لَهُمْ ، وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ ، وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِتِجَارَةٍ ، بُويِعَ ، وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ شَيْءٍ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ ، فَقَالَ : جِئْت مُسْتَأْمِنًا .
لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَكَانَ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِيهِ ، وَنَحْوُ هَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ، أَوْ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ فِي الْمَرْكَبِ إلَيْنَا ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى ، يَكُونُ فَيْئًا .

( 7492 ) قَالَ : ( وَمَنْ دَخَلَ إلَى أَرْضِهِمْ مِنْ الْغُزَاةِ فَارِسًا ، فَنَفَقَ فَرَسُهُ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ ، فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ ، وَمِنْ دَخَلَ رَاجِلًا ، فَأُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ فَارِسٌ ، فَلَهُ سَهْمُ الْفَارِسِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ بِحَالَةِ الْإِحْرَازِ ، فَإِنْ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ رَاجِلٌ ، فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ ، وَإِنْ أُحْرِزَتْ وَهُوَ فَارِسٌ ، فَلَهُ سَهْمُ الْفَارِسِ ، سَوَاءٌ دَخَلَ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا .
قَالَ أَحْمَدُ : أَنَا أَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ يُعْطَى ؛ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ ، وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَالَ : الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَنَحْوَهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الِاعْتِبَارُ بِدُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ وَإِنْ نَفَقَ فَرَسُهُ قَبْلَ الْقِتَالِ ، وَإِنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَلَهُ سَهْمُ الرَّاجِلِ وَإِنْ اسْتَفَادَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى كَقَوْلِنَا .
قَالَ أَحْمَدُ : كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى يَعْرِضُهُمْ إذَا أدربوا ، الْفَارِسُ فَارِسٌ ، وَالرَّاجِلُ رَاجِلٌ .
لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْحَرْبِ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ ، فَلَا يَتَغَيَّرُ سَهْمُهُ بِذَهَابِ دَابَّتِهِ ، أَوْ حُصُولِ دَابَّةٍ لَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْقِتَالِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْفَرَسَ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ ، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ حَالَ الْقِتَالِ ، فَيُسْهَمُ لَهُ مَعَ الْوُجُودِ فِيهِ ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ مَعَ الْعَدَمِ ، كَالْآدَمِيِّ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ حَالَةَ اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ حَالَةٌ تَقْتَضِي الْحَرْبَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ عُمَرَ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ .
وَلِأَنَّهَا الْحَالُ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا الِاسْتِيلَاءُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْأَمْوَالَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهَا ، وَلَا نَدْرِي هَلْ يَظْفَرُ بِهِمْ أَوْ لَا ؟

وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، وَلَوْ وُجِدَ مَدَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ ، أَوْ انْفَلَتَ أَسِيرُ فَلَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ فَقَاتَلُوا ، اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْإِحْرَازِ ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ دُونِ غَيْرِهِ .

( 7493 ) قَالَ : ( وَيُعْطِي ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ؛ سَهْمٌ لَهُ ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُقْسَمُ لِلْفَارِسِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ؛ سَهْمٌ لَهُ ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، وَحُسَيْنِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعَوَامِّ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَالثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ .
لِمَا رَوَى مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو سَهْمٍ ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى سَهْمٍ ، كَالْآدَمِيِّ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ؛ سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ ، وَسَهْمٌ لَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِي رُهْمٍ وَأَخِيهِ ، أَنَّهُمَا كَانَا فَارِسَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، فَأُعْطِيَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ ؛ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِمَا ، وَسَهْمَيْنِ لَهُمَا .
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا .
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ : لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ هَكَذَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا .
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ سُهْمَانَ الْخَيْلِ

مِمَّا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ ، وَسَهْمًا لِلرَّاجِلِ ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ حَدِيثًا مَا أَشْعَرَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَمَّ بِانْتِقَاضِ ذَلِكَ ، فَمَنْ هَمَّ بِانْتِقَاضٍ فَعَاقِبْهُ ، وَالسَّلَامُ عَلَيْك .
رَوَاهُمَا سَعِيدٌ ، وَالْأَثْرَمُ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا ، وَأَنَّهُ أُجْمِعَ عَلَيْهِ ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ .
فَأَمَّا حَدِيثُ مُجَمِّعٍ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا ، يَعْنِي صَاحِبَهُ ، فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْهُ ، وَقَدْ وَافَقَهُ حَدِيثُ أَبِي رُهْمٍ وَأَخِيهِ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهَؤُلَاءِ أَحْفَظُ وَأَعْلَمُ ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو رُهْمٍ وَأَخُوهُ مِمَّنْ شَهِدُوا وَأَخَذُوا السُّهْمَانَ ، وَأَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أُعْطُوا ذَلِكَ ، فَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ شَاذٍّ تَعَيَّنَ غَلَطُهُ ، أَوْ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ ، وَقِيَاسُ الْفَرَسِ عَلَى الْآدَمِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا فِي الْحَرْبِ أَكْثَرُ ، وَكُلْفَتَهَا أَعْظَمُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَهْمُهَا أَكْثَرَ .

( 7494 ) قَالَ : ( إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا ، فَيُعْطَى سَهْمًا لَهُ ، وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ ) الْهَجِينُ : الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ بِرْذَوْنَةٌ .
والمقرف : الَّذِي أَبُوهُ بِرْذَوْنٌ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ ، قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ : وَمَا هِنْدٌ إلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَحَلَّلَهَا بَغْلُ فَإِنْ وَلَدَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فبالحري وَإِنْ يَكُ أقراف فَمَا أَنْجَبَ الْفَحْلُ وَأَرَادَ الْخِرَقِيُّ بِالْهَجِينِ هَا هُنَا مَا عَدَا الْعَرَبِيَّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قَالَ الْهَجِينُ الْبِرْذَوْنُ .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي سُهْمَانِهَا ، فَقَالَ الْخَلَّالُ : تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي سِهَامِ الْبِرْذَوْنِ ، أَنَّهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ .
وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَالْخِرَقِيُّ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ .
قَالَ الْخَلَّالُ : وَرَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ مُتَيَقِّظُونَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ مِثْلُ سَهْمِ الْعَرَبِيِّ .
وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ } .
وَهَذِهِ مِنْ الْخَيْلِ ، وَلِأَنَّ الرُّوَاةَ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا .
وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ فَرَسٍ ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو سَهْمٍ ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْعَرَبِيُّ وَغَيْرُهُ ، كَالْآدَمِيِّ .
وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَحْمَدَ .
رَحِمَهُ اللَّهُ ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ ، أَنَّ الْبَرَاذِينَ إنْ أَدْرَكَتْ إدْرَاكَ الْعِرَابِ ، أُسْهِمَ لَهَا مِثْلُ الْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ ، وَأَبِي أَيُّوبَ ، وَالْجُوزَجَانِيِّ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَيْلِ ، وَقَدْ عَمِلَتْ عَمَلَ الْعِرَابِ ، فَأُعْطِيَتْ سَهْمًا كَالْعَرَبِيِّ .
وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً رَابِعَةً أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهَا .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ ؛ لِأَنَّهُ

حَيَوَانٌ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ ، فَأَشْبَهَ الْبِغَالَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيمَا لَا يُقَارِبُ الْعَتَاقَ مِنْهَا ؛ لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى ، أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ : إنَّا وَجَدْنَا بِالْعِرَاقِ خَيْلًا عِرَاضًا دُكْنًا ، فَمَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُهْمَانِهَا ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ : تِلْكَ الْبَرَاذِينُ ، فَمَا قَارَبَ الْعَتَاقَ مِنْهَا ، فَاجْعَلْ لَهُ سَهْمًا وَاحِدًا ، وَأَلْغِ مَا سِوَى ذَلِكَ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْأَقْمَرِ قَالَ : أَغَارَتْ الْخَيْلُ عَلَى الشَّامِ ، فَأَدْرَكَتْ الْعِرَابُ مِنْ يَوْمِهَا ، وَأَدْرَكَتْ الْكَوَادِنُ ضُحَى الْغَدِ ، وَعَلَى الْخَيْلِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ ، يُقَالُ لَهُ : الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حُمَيْضَةَ ، فَقَالَ : لَا أَجْعَلُ الَّذِي أَدْرَكَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ .
فَفَضَّلَ الْخَيْلَ ، فَقَالَ عُمَرُ : هَبِلَتْ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ ، أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ .
وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ .
وَرَوَى مَكْحُولٌ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَرَسَ الْعَرَبِيَّ سَهْمَيْنِ ، وَأَعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا .
رَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا ، وَلِأَنَّ نَفْعَ الْعَرَبِيِّ وَأَثَرَهُ فِي الْحَرْبِ أَفْضَلُ ، فَيَكُونُ سَهْمُهُ أَرْجَحَ ، كَتَفَاضُلِ مَنْ يُرْضَخُ لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ مِنْ الْخَيْلِ .
قُلْنَا : وَالْخَيْلُ فِي نَفْسِهَا تَتَفَاضَلُ ، فَتَتَفَاضَلُ سُهْمَانُهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ .
قُلْنَا : هَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ ، لَا عُمُومَ لَهَا ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِرْذَوْنٌ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْلِ الْعَرَبِ ، وَلَا بَرَاذِينَ فِيهَا ، وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا ، أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْبَرَاذِينَ بِالْعِرَاقِ ، أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهَا ، وَأَنَّ عُمَرَ فَرَضَ لَهَا سَهْمًا وَاحِدًا ، وَأَمْضَى مَا قَالَ

الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حُمَيْضَةَ فِي تَفْضِيلِ الْعِرَابِ عَلَيْهَا .
وَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَّى بَيْنَهُمَا ، لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ ، وَلَا خَالَفَهُ ، وَلَوْ خَالَفَهُ لَمْ يَسْكُتْ الصَّحَابَةُ عَنْ إنْكَارِهِ عَلَيْهِ ، سِيَّمَا وَابْنُهُ هُوَ رَاوِي الْخَبَرِ ، فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَضَّلَ الْعِرَابَ أَيْضًا ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّاوِي ، لِغَلَبَةِ الْعِرَابِ ، وَقِلَّةِ الْبَرَاذِينِ ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ ، خَبَرُ مَكْحُولٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ ، وَقِيَاسُهَا عَلَى الْآدَمِيِّ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ مِنْهُمْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحَرْبِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْخَيْلِ عَلَى غَيْرِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 7495 ) قَالَ : ( وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ ) .
يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ خَيْلٌ ، أُسْهِمَ لِفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِصَاحِبِهِمَا سَهْمٌ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرِ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ، فَلَمْ يُسْهَمْ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا ، كَالزَّائِدِ عَنْ الْفَرَسَيْنِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ .
وَعَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، أَنْ يُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ، وَلِلْفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ ، وَلِصَاحِبِهِمَا سَهْمٌ ، فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، وَمَا كَانَ فَوْقَ الْفَرَسَيْنِ فَهِيَ جَنَائِبُ .
رَوَاهُمَا سَعِيدٌ ، فِي " سُنَنِهِ " .
وَلِأَنَّ بِهِ إلَى الثَّانِي حَاجَةً ، فَإِنَّ إدَامَةَ رُكُوبِ وَاحِدٍ تُضْعِفُهُ ، وَتَمْنَعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ ، فَيُسْهَمُ لَهُ كَالْأَوَّلِ ، بِخِلَافِ الثَّالِثِ ، فَإِنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ .

( 7496 ) قَالَ : ( وَمَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ ، قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ مَعَ إمْكَانِ الْغَزْوِ عَلَى فَرَسٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبَعِيرِ سَهْمٌ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ غَيْرِهِ .
وَحُكِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَمَا أَوَجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } .
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ ، فَيُسْهَمُ لَهُ ، كَالْفَرَسِ .
يُحَقِّقُهُ أَنَّ تَجْوِيزَ الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ إنَّمَا أُبِيحَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ دُونَ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا آلَاتُ الْجِهَادِ ، فَأُبِيحَ أَخْذُ الرَّهْنِ فِي الْمُسَابَقَةِ بِهَا ، تَحْرِيضًا عَلَى رِيَاضَتِهَا ، وَتَعَلُّمِ الْإِتْقَانِ فِيهَا ، وَلَا يُزَادُ عَلَى سَهْمِ الْبِرْذَوْنِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْوَقْعَةَ عَلَيْهِ ، وَيَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا هَذِهِ الْإِبِلُ الثَّقِيلَةُ ، الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ رَاكِبُهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكِرُّ وَلَا تَفِرُّ ، فَرَاكِبُهَا أَدْنَى حَالٍ مِنْ الرَّاجِلِ .
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ بِحَالٍ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ ، فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ .
كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِغَيْرِ الْخَيْلِ مِنْ الْبَهَائِمِ ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعُونَ بَعِيرًا ، وَلَمْ تَخْلُ غَزَاةٌ مِنْ غَزَوَاتِهِ مِنْ الْإِبِلِ ، بَلْ هِيَ كَانَتْ غَالِبُ دَوَابِّهِمْ ، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهَا ، وَلَوْ أَسْهَمَ لَهَا لَنُقِلَ ، وَكَذَلِكَ مِنْ بَعْدِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُلَفَائِهِ وَغَيْرِهِمْ ، مَعَ كَثْرَةِ غَزَوَاتِهِمْ ، لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيمَا عَلِمْنَاهُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ ، وَلَوْ أَسْهَمَ لِبَعِيرٍ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنْ الْكَرِّ وَالْفَرِّ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ ، كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ .
( 7497 ) فَصْلٌ : وَمَا عَدَا الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ ، مِنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفِيَلَةِ وَغَيْرِهَا ، لَا يُسْهَمُ لَهَا ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ، وَإِنْ عَظُمَ غَنَاؤُهَا ، وَقَامَتْ مَقَامَ الْخَيْلِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْهِمْ لَهَا ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ ، وَلِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهَا ، كَالْبَقَرِ .
( 7498 ) فَصْلٌ : وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ عِنْدَ دُخُولِ الْحَرْبِ ، فَلَا يُدْخِلُ إلَّا شَدِيدًا ، وَلَا يُدْخِلُهَا حَطِمًا ، وَلَا ضَعِيفًا ، وَلَا ضَرِعًا ، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا .
فَإِنْ شَهِدَ أَحَدٌ الْوَقْعَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُسْهَمُ لَهُ ؛ كَمَا يُسْهَمُ لِلْمَرِيضِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ ، كَالرَّجُلِ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَتَعَيَّنُ مَنْعُ دُخُولِهِ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ ، كَالْمُرْجِفِ .
وَأَمَّا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقِتَالِ ، فَإِنْ خَرَجَ بِمَرَضِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ، كَالزَّمِنِ وَالْأَشَلِّ وَالْمَفْلُوجِ ، فَلَا سَهْمَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِمَرَضِهِ عَنْ ذَلِكَ ، كَالْمَحْمُومِ ، وَمَنْ بِهِ الصُّدَاعُ ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ، وَيُعِينُ بِرَأْيِهِ ، وَتَكْثِيرِهِ ، وَدُعَائِهِ .

( 7499 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ ، قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي سَهْمِهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْغَازِيَ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ ، فَلَا سَهْمَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ مَاتَ حَالَ الْقِتَالِ أَوْ قَبْلَهُ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَسَهْمُهُ لِوَرَثَتِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ مَاتَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتِمُّ عَلَيْهَا إلَّا بِذَلِكَ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إنْ مَاتَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ قَاصِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ ، أُسْهِمَ لَهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ : إنْ حَضَرَ الْقِتَالَ أُسْهِمَ لَهُ ، سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَلَا سَهْمَ لَهُ .
وَنَحْوَهُ قَالَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ حِيَازَتِهَا ، فَقَدْ مَاتَ قَبْلَ مِلْكِهَا ، وَثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهَا ، فَقَدْ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا ، فِي حَالٍ لَوْ قُسِمَتْ صَحَّتْ قِسْمَتُهَا ، وَكَانَ لَهُ سَهْمُهُ مِنْهَا ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ سَهْمَهُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ إحْرَازِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ ، كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَحُقُوقِهِ .

( 7500 ) قَالَ : ( وَيُعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لِلرَّاجِلِ سَهْمًا .
وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَخْبَارِ ، وَلِأَنَّ الرَّاجِلَ يَحْتَاجُ إلَى أَقَلَّ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَارِسُ ، وَغَنَاؤُهُ دُونَ غَنَائِهِ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ دُونَ سَهْمِهِ .
( 7501 ) فَصْلٌ : وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ مِنْ فَتْحِ حِصْنٍ ، أَوْ مِنْ مَدِينَةٍ ، أَوْ مِنْ جَيْشٍ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ : سَأَلْت الْأَوْزَاعِيَّ عَنْ إسْهَامِ الْخَيْلِ مِنْ غَنَائِمِ الْحُصُونِ .
فَقَالَ : كَانَتْ الْوُلَاةُ مِنْ قَبْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، الْوَلِيدُ وَسُلَيْمَانُ ، لَا يُسْهِمُونَ الْخَيْلَ مِنْ الْحُصُونِ ، وَيَجْعَلُونَ النَّاسَ كُلَّهُمْ رَجَّالَةً ، حَتَّى وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَأَمَرَ بِإِسْهَامِهَا مِنْ فَتْحِ الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ ؛ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ .
وَهِيَ حُصُونٌ ، وَلِأَنَّ الْخَيْلَ رُبَّمَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا ، بِأَنْ يَنْزِلَ أَهْلُ الْحِصْنِ ، فَيُقَاتِلُوا خَارِجًا مِنْهُ ، وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ مُؤْنَةٌ لَهُ ، فَيُقْسَمُ لَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ حِصْنٍ .

( 7502 ) قَالَ : ( وَيُرْضَخُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ ) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ دُونَ السَّهْمِ ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ سَهْمٌ كَامِلٌ ، وَلَا تَقْدِيرَ لِمَا يُعْطُونَهُ ، بَلْ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ سَوَّى بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ رَأَى التَّفْضِيلَ فَضَّلَ .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ الْقَادِسِيَّةِ عَبِيدٌ ، فَضَرَبَ لَهُمْ سِهَامَهُمْ .
وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْعَبْدِ فِي الدِّينِ كَحُرْمَةِ الْحُرِّ ، وَفِيهِ مِنْ الْغَنَاءِ مِثْلُ مَا فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ ، كَالْحُرِّ .
وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ : لَيْسَ لِلْعَبِيدِ سَهْمٌ وَلَا رَضْخٌ ، إلَّا أَنْ يَجِيئُوا بِغَنِيمَةٍ ، أَوْ يَكُونَ لَهُمْ غَنَاءٌ ، فَيُرْضَخَ لَهُمْ .
قَالَ : وَيُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ ؛ لِمَا رَوَى جَرِيرُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ جَدَّتِهِ ، أَنَّهَا حَضَرَتْ فَتْحَ خَيْبَرَ ، قَالَتْ : فَأَسْهَمَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ .
وَأَسْهَمَ أَبُو مُوسَى فِي غَزْوَةِ تُسْتَرَ لِنِسْوَةٍ مَعَهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ : أَسْهَمْنَ النِّسَاءُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ شِبْلِ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لِسَهْلَةَ بِنْتِ عَاصِمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِسَهْمٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : أُعْطِيت سَهْلَةُ مِثْلَ سَهْمِي } .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى ، وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، وَأَمَّا سَهْمٌ ، فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ يَزِيدَ

بْنِ هَارُونَ ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ يَحْضُرَانِ الْفَتْحَ ، أَلَهُمَا مِنْ الْمَغْنَمِ شَيْءٌ ؟ قَالَ يُحْذَيَانِ ، وَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : لَيْسَ لَهُمَا سَهْمٌ ، وَقَدْ يُرْضَخُ لَهُمَا .
وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْت خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي ، فَكَلَّمُوا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدَ ، وَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُمَا ، كَالصَّبِيِّ .
قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ ؛ الْحَجُّ ، وَالْعُمْرَةُ " .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ : كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُحْصَنَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ ضَعِيفَةٌ ، يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا الْخَوَرُ ، فَلَا تَصْلُحُ لِلْقِتَالِ ، وَلِهَذَا لَمْ تُقْتَلْ إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً .
فَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي إسْهَامِ النِّسَاءِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّاوِيَ سَمَّى الرَّضْخَ سَهْمًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي حَدِيثِ حَشْرَجٍ ، أَنَّهُ جَعَلَ لَهُنَّ نَصِيبًا تَمْرًا .
وَلَوْ كَانَ سَهْمًا ، مَا اخْتَصَّ التَّمْرَ ، وَلِأَنَّ خَيْبَرَ قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، نَفَرٍ مَعْدُودِينَ فِي غَيْرِ حَدِيثِهَا ، وَلَمْ يُذْكَرْنَ مِنْهُمْ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُنَّ مِثْلَ سِهَامِ الرِّجَالِ مِنْ التَّمْرِ خَاصَّةً ، أَوْ مِنْ الْمَتَاعِ دُونَ الْأَرْضِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلَةَ ، فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا وَلَدَتْ ، فَأَعْطَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا وَلِوَلَدِهَا ، فَبَلَغَ رَضْخُهُمَا سَهْمَ رَجُلٍ ، وَلِذَلِكَ عَجِبَ الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ : أُعْطِيت سَهْلَةُ مِثْلَ سَهْمِي .
وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْهُورًا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَجِبَ مِنْهُ .
( 7503 ) فَصْلٌ : وَالْمُدَبَّرُ ، وَالْمَكَاتِبُ ، كَالْقِنِّ ؛

لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ .
فَإِنْ عَتَقَ مِنْهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ أُسْهِمَ لَهُمْ .
وَكَذَلِكَ إنْ قُتِلَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، عَتَقَ ، وَأُسْهِمَ لَهُ .
وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يُرْضَخُ لَهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ ، وَيُسْهَمُ لَهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ؛ فَإِذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا ، أُعْطِيَ نِصْفَ سَهْمٍ ، وَرُضِخَ لَهُ نِصْفُ الرَّضْخِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ ، يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمِيرَاثِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِتَالِ ، فَأَشْبَهَ الرَّقِيقَ .
( 7504 ) فَصْلٌ : وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُرْضَخُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ رَجُلٌ يَقْسِمُ لَهُ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْجِهَادِ ، فَأَشْبَهَ الْمَرْأَةَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ لَهُ نِصْفُ سَهْمٍ وَنِصْفُ الرَّضْخِ كَالْمِيرَاثِ .
فَإِنْ انْكَشَفَ حَالِهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ ، أُتِمَّ لَهُ سَهْمُ رَجُلٍ ، سَوَاءٌ انْكَشَفَ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَهُ ، أَوْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلسَّهْمِ ، وَأَنَّهُ أُعْطِيَ دُونَ حَقِّهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُعْطِيَ بَعْضُ الرِّجَالِ دُونَ حَقِّهِ غَلَطًا .
( 7505 ) فَصْلٌ : وَالصَّبِيُّ يُرْضَخُ ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ .
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَعَنْ الْقَاسِمِ ، وَسَالِمٍ ، فِي الصَّبِيِّ يَغْزُو بِهِ ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يُسْهَمُ لَهُ إذَا قَاتَلَ ، وَأَطَاقَ ذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ قَدْ بَلَغَ الْقِتَالَ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ذَكَرٌ مُقَاتِلٌ ، فَيُسْهَمُ لَهُ كَالرَّجُلِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يُسْهَمُ لَهُ .
وَقَالَ : أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصِّبْيَانِ بِخَيْبَرَ ، وَأَسْهَمَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ .
وَرَوَى

الْجُوزَجَانِيُّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ ، قَالَ : حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي ، قَالَتْ : كُنْت مَعَ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، وَكَانَ يُسْهِمُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، لِمَا فِي بُطُونِهِنَّ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : كَانَ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ يُحْذَوْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا حَضَرُوا الْغَزْوَ ، فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ .
وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ ، بِإِسْنَادِهِ ، أَنَّ تَمِيمَ بْنَ قَرْعٍ الْمَهْدِيَّ ، كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ فَتَحُوا الْإِسْكَنْدَرِيَّة ، فِي الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ ، قَالَ : فَلَمْ يَقْسِمْ لِي عَمْرٌو مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا ، وَقَالَ : غُلَامٌ لَمْ يَحْتَلِمْ .
حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ قُومِي وَبَيْنَ أُنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي ذَلِكَ ثَائِرَةٌ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : فِيكُمْ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْأَلُوهُمْ .
فَسَأَلُوا أَبَا نَضْرَةَ الْغِفَارِيَّ ، وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ ، فَقَالَا : اُنْظُرُوا ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَشْعَرَ ، فَاقْسِمُوا لَهُ ، فَنَظَرَ إلَيَّ بَعْضُ الْقَوْمِ ، فَإِذَا أَنَا قَدْ أَنْبَتُّ ، فَقَسَمَ لِي .
قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ هَذَا مِنْ مَشَاهِيرِ حَدِيثِ مِصْرَ وَجَيِّدِهِ .
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ كَالْعَبْدِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِصَبِيٍّ ، بَلْ كَانَ لَا يُجِيزُهُمْ فِي الْقِتَالِ ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَلَمْ يُجِزْنِي فِي الْقِتَالِ ، وَعُرِضْت عَلَيْهِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ ، فَأَجَازَنِي ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّاوِيَ سَمَّى الرَّضْخَ سَهْمًا ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ .

( 7506 ) فَإِنْ انْفَرَدَ بِالْغَنِيمَةِ مَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ ، مِثْلُ عَبِيدٍ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ فَغَنِمُوا ، أَوْ صِبْيَانٍ ، أَوْ عَبِيدٍ وَصِبْيَانٍ ، أُخِذَ خُمْسُهُ ، وَمَا بَقِيَ لَهُمْ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمْ ؛ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا ، فَأَشْبَهُوا الرِّجَالَ الْأَحْرَارَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ مَعَ غَيْرِهِمْ ، فَلَا تَجِبُ مَعَ الِانْفِرَادِ ، قِيَاسًا لِإِحْدَى الْحَالَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى .
وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ حُرٌّ ، أُعْطِي سَهْمًا ، وَفُضِّلَ عَلَيْهِمْ ، بِقَدْرِ مَا يُفَضَّلُ الْأَحْرَارُ عَلَى الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ مَنْ بَقِيَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ التَّفْضِيلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ سَهْمٌ ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا .

( 7507 ) قَالَ : ( وَيُسْهَمُ لِلْكَافِرِ ، إذَا غَزَا مَعَنَا ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْكَافِرِ يَغْزُو مَعَ الْإِمَامِ بِإِذْنِهِ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ كَالْمُسْلِمِ .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ : هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الثُّغُورِ ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِالصَّوَائِفِ وَالْبُعُوثِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُسْهَمُ لَهُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْجِهَادِ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ ، كَالْعَبْدِ ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُ ، كَالْعَبْدِ .
وَلَنَا مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي حَرْبِهِ ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، فِي " سُنَنِهِ " .
وَرُوِيَ : أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ ، خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ ، فَأَسْهَمَ لَهُ ، وَأَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ نَقْصٌ فِي الدِّينِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ اسْتِحْقَاقَ السَّهْمِ ، كَالْفِسْقِ ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْعَبْدَ ؛ فَإِنَّ نَقْصَهُ فِي دُنْيَاهُ وَأَحْكَامِهِ .
وَإِنْ غَزَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، فَلَا سَهْمَ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الدِّينِ ، فَهُوَ كَالْمُرْجِفِ ، وَشَرٌّ مِنْهُ .
وَإِنْ غَزَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَحْدَهُمْ فَغَنِمُوا ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَنِيمَتُهُمْ لَهُمْ ، لَا خُمُسَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا اكْتِسَابٌ مُبَاحٌ ، لَمْ يُؤْخَذْ عَلَى وَجْهِ الْجِهَادِ ، فَكَانَ لَهُمْ ، لَا خُمُسَ فِيهِ ، كَالِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ خُمُسُهُ ، وَالْبَاقِي لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةُ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَأَشْبَهَ غَنِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ .

( 7508 ) فَصْلٌ : وَلَا يُسْتَعَانُ بِمُشْرِكٍ .
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَالْجُوزَجَانِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ .
وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَخَبَرِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِمْ ، لَمْ تُجْزِئْهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، مِثْلَ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ ، قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَدْرٍ ، حَتَّى إذَا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ ، أَدْرَكَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ ، فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ بِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جِئْت لِأَتْبَعْك ، وَأُصِيبَ مَعَك .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ؟ قَالَ : لَا .
قَالَ : فَارْجِعْ ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ .
قَالَتْ : ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَانْطَلِقْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ ، قَالَ : أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوَةً ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قُومِي ، وَلَمْ نُسْلِمْ ، فَقُلْنَا : إنَّا لَنَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ .
قَالَ : { فَأَسْلَمْتُمَا ؟ قُلْنَا : لَا .
قَالَ : فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ } .
قَالَ : فَأَسْلَمْنَا

، وَشَهِدْنَا مَعَهُ .
وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَشْبَهَ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَاَلَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِمْ غَيْرُ ثَابِتٍ .

( 7509 ) وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ ، وَلَا لِلرَّاجِلِ سَهْمَ رَاجِلٍ ، كَمَا لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ الْحَدَّ .
وَيَفْعَلُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَهْلِ الرَّضْخِ مَا يَرَى ، فَيُفَضِّلُ الْعَبْدَ الْمُقَاتِلَ وَذَا الْبَأْسِ ، عَلَى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ ، وَيُفَضِّلُ الْمَرْأَةَ الْمُقَاتِلَةَ ، وَاَلَّتِي تَسْقِي الْمَاءَ ، وَتُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَتَنْفَعُ ، عَلَى غَيْرِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا سَوَّيْتُمْ بَيْنَهُمْ ، كَمَا سَوَّيْتُمْ بَيْنَ أَهْلِ السُّهْمَانِ ؟ قُلْنَا : السَّهْمُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَوْكُولٍ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ ، كَالْحَدِّ وَدِيَةِ الْحُرِّ ، وَالرَّضْخُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ، بَلْ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، مَرْدُودٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ، فَاخْتَلَفَ ، كَالتَّعْزِيرِ ، وَقِيمَةِ الْعَبْدِ .
( 7510 ) فَصْلٌ : وَفِي الرَّضْخِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِالْمُعَاوَنَةِ فِي تَحْصِيلِ الْغَنِيمَةِ ، فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ النَّقَّالِينَ وَالْحَافِظِينَ لَهَا .
وَالثَّانِي ، هُوَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ ، فَأَشْبَهَ سِهَامَ الْغَانِمِينَ .
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ، كَهَذَيْنِ .

( 7511 ) أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ بِالْأَسْلَابِ ، فَيَدْفَعُهَا إلَى أَهْلِهَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُعَيَّنُ ، ثُمَّ بِمُؤْنَةِ الْغَنِيمَةِ ؛ مِنْ أُجْرَةِ النَّقَّالِ وَالْحَمَّالِ وَالْحَافِظِ وَالْمُخَزِّنِ ، ثُمَّ بِالرَّضْخِ ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَفِي الْآخَرِ بِالْخُمُسِ ، ثُمَّ بِالْأَنْفَالِ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ، ثُمَّ يَقْسِمُ بَقِيَّةَ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ .
وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا قِسْمَةَ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى قِسْمَةِ الْخُمُسِ ، لِسِتَّةِ مَعَانٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّ أَهْلَهَا حَاضِرُونَ ، وَأَهْلُ الْخُمْسِ غَائِبُونَ .
الثَّانِي ؛ أَنَّ رُجُوعَ الْغَانِمِينَ إلَى أَوْطَانِهِمْ يَقِفُ عَلَى قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ ، وَأَهْلُ الْخُمُسِ فِي أَوْطَانِهِمْ ، فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِقَسْمِ نَصِيبِهِمْ لِيَعُودُوا إلَى أَوْطَانِهِمْ أَوْلَى .
الثَّالِثُ ، أَنَّ الْغَنِيمَةَ حَصَلَتْ بِتَحْصِيلِ الْغَانِمِينَ وَتَعَبِهِمْ ، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَحَقَّهَا بِعِوَضٍ ، وَأَهْلُ الْخَمْسِ بِخِلَافِهِ ، فَكَانَ أَهْلُ الْغَنِيمَةِ أَوْلَى .
الرَّابِعُ ، أَنَّهُ إذَا قَسَمَ الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ، أَخَذَ كُلُّ إنْسَانٍ نَصِيبَهُ ، فَحَمَلَهُ ، وَاهْتَمَّ بِهِ ، وَكَفَى الْإِمَامَ مُؤْنَتَهُ ، وَالْخُمُسُ إذَا قُسِمَ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَكْفِي الْإِمَامَ مُؤْنَتَهُ ، فَلَا تَحْصُلُ الْفَائِدَةُ بِقِسْمَتِهِ ، بَلْ كَانَ يَحْمِلُهُ مُجْتَمِعًا ، فَصَارَ يَحْمِلُهُ مُتَفَرِّقًا ، فَكَانَ تَأْخِيرُ قِسْمَتِهِ أَوْلَى .
الْخَامِسُ ، أَنَّ الْخُمُسَ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ بَيْنَ أَهْلِهِ كُلِّهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِمْ .
السَّادِسُ ؛ أَنَّ الْغَانِمِينَ يَنْتَفِعُونَ بِسِهَامِهِمْ ، وَيَتَمَكَّنُونَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا لِحُضُورِهِمْ ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْخَمْسِ .

( 7512 ) قَالَ : ( وَإِذَا غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ ، قُسِمَ لِلْفَرَسِ ، فَكَانَ لِسَيِّدِهِ ، وَيُرْضَخُ لِلْعَبْدِ ) .
أَمَّا الرَّضْخُ لِلْعَبْدِ ، فَكَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا الْفَرَسُ الَّتِي تَحْتَهُ ، فَيَسْتَحِقُّ مَالِكُهَا سَهْمَهَا ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ أَوْ أَكْثَرُ ، أُسْهِمَ لِفَرَسَيْنِ ، وَيُرْضَخُ لِلْعَبْدِ .
نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ مَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَ مُخَذِّلٍ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ فَرَسٌ حَضَرَ الْوَقْعَةَ ، وَقُوتِلَ عَلَيْهِ ، فَاسْتَحَقَّ السَّهْمَ ، كَمَا لَوْ كَانَ السَّيِّدُ رَاكِبَهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ وَرَضَخَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَمَالِكُ فَرَسِهِ ، وَسَوَاءٌ حَضَرَ السَّيِّدُ الْقِتَالَ أَوْ غَابَ عَنْهُ .
وَفَارَقَ فَرَسَ الْمُخَذِّلِ ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ لَهُ فَإِذًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا بِحُضُورِهِ ، فَلَأَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِحُضُورِ فَرَسِهِ أَوْلَى .

( 7513 ) وَإِنْ غَزَا الصَّبِيُّ عَلَى فَرَسٍ ، أَوْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْكَافِرُ إذَا قُلْنَا : لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الرَّضْخَ .
لَمْ يُسْهَمْ لِلْفَرَسِ ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُ وَلِفَرَسِهِ مَا لَا يَبْلُغُ سَهْمَ الْفَارِسِ .
وَلِأَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ لَهُ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّهْمَ بِحُضُورِهِ ، فَبِفَرَسِهِ أَوْلَى ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّ الْفَرَسَ لِغَيْرِهِ .

( 7514 ) وَإِذَا غَزَا الْمُرْجِفُ أَوْ الْمُخَذِّلُ عَلَى فَرَسٍ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَلَا لِلْفَرَسِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ غَزَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، لَمْ يُرْضَخْ لَهُ ، لِأَنَّهُ عَاصٍ بِغَزْوِهِ ، فَهُوَ كَالْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ ، وَإِنْ غَزَا الرَّجُلُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ ، اسْتَحَقَّ السَّهْمَ ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ ، فَلَا يَبْقَى عَاصِيًا فِيهِ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ .

( 7515 ) وَمَنْ اسْتَعَارَ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ ، فَفَعَلَ ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِلْمُسْتَعِيرِ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْغَزْوِ عَلَيْهِ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهِ ، فَأَشْبَهَ وَلَدَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا سَهْمَ لِلْفَرَسِ ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ سَهْمًا ، فَلَمْ يَسْتَحِقُّ لِلْفَرَسِ شَيْئًا ، كَالْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ فَرَسٌ قَاتَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ سَهْمًا ، وَهُوَ مَالِكٌ لِنَفْعِهِ ، فَاسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَرَسِ ، كَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَلِأَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ مُسْتَحَقٌّ بِمَنْفَعَتِهِ ، وَهِيَ لِلْمُسْتَعِيرِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فِيهَا ، وَفَارَقَ النَّمَاءَ وَالْوَلَدَ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ .
فَأَمَّا إنْ اسْتَعَارَهُ لِغَيْرِ الْغَزْوِ ، ثُمَّ غَزَا عَلَيْهِ ، فَهُوَ كَالْفَرَسِ الْمَغْصُوبِ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ .

( 7516 ) وَإِنْ غَصَبَ فَرَسًا ، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : لَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ .
وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : سَهْمُ الْفَرَسِ لِلْغَاصِبِ ، وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ ، فَكَانَ الْحَاصِلُ بِهَا لِمُسْتَعْمِلِهَا كُلِّهِ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْجَلًا فَاحْتَشَّ بِهَا ، أَوْ سَيْفًا فَقَاتَلَ بِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ فَرَسٌ قَاتَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ ، فَاسْتَحَقَّ السَّهْمَ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ صَاحِبِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سَهْمًا كَانَ لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا ، وَمَا كَانَ لِلْفَرَسِ كَانَ لِمَالِكِهِ ، وَفَارَقَ مَا يَحْتَشُّ بِهِ ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ ، وَلِأَنَّ السَّهْمَ مُسْتَحَقٌّ بِنَفْعِ الْفَرَسِ ، وَنَفْعُهُ لِمَالِكِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ لَهُ .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ

( 7517 ) وَمَنْ اسْتَأْجَرَ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ ، فَغَزَا عَلَيْهِ ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لَهُ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِنَفْعِهِ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا ، فَكَانَ سَهْمُهُ لَهُ ، كَمَالِكِهِ .
( 7518 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ ؛ إمَّا لِكَوْنِهِ لَا شَيْءَ لَهُ كَالْمُرْجِفِ وَالْمُخَذِّلِ ، أَوْ مِمَّنْ يُرْضَخُ لَهُ كَالصَّبِيِّ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ فَرَسِهِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ فَرَسِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ يَتْبَعُ الْفَارِسَ فِي حُكْمِهِ ، فَيَتْبَعُهُ إذَا كَانَ مَغْصُوبًا ، قِيَاسًا عَلَى فَرَسِهِ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ رَاكِبِهِ ، وَالنَّقْصَ فِيهِ ، فَيَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِهِ ، وَبِمَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ ، وَفَرَسُهُ تَابِعَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لَهَا فَهُوَ لَهُ ، وَالْفَرَسُ هَا هُنَا لِغَيْرِهِ ، وَسَهْمُهَا لِمَالِكِهَا ، فَلَا يَنْقُصُ سَهْمُهَا بِنَقْصِ سَهْمِهِ ، كَمَا لَوْ قَاتَلَ الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ .
وَلَوْ قَاتَلَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ ، خُرِّجَ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا إذَا غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ .

( 7519 ) وَلَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِسْمَةِ ، إلَّا أَنْ يُنَفِّلَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ نَفْلًا ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَنْفَالِ ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا ، وَسَوَّى بَيْنَهُمْ .
وَلِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّسْوِيَةِ ، فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ ، كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ .
( 7520 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ .
جَازَ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَحَدُ قَوْلِي الشَّافِعِيِّ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي السَّرِيَّةِ تَخْرُجُ ، فَيَقُولُ الْوَالِي : مَنْ جَاءَ بِشَيْءٍ فَهُوَ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَجِئْ بِشَيْءٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ : الْأَنْفَالُ إلَى الْإِمَامِ ، مَا فَعَلَ مِنْ شَيْءٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ : " مَنْ أَخَذَ شَيْئًا ، فَهُوَ لَهُ " .
وَلِأَنَّ عَلَى هَذَا غَزَوْا ، وَرَضُوا بِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَا يَجُوزُ .
وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَقْضِي إلَى اشْتِغَالِهِمْ بِالنَّهْبِ عَنْ الْقِتَالِ ، وَظَفَرِ الْعَدُوِّ بِهِمْ ، فَلَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ الِاغْتِنَامَ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بُقُولِ الْإِمَامِ ، كَسَائِرِ الِاكْتِسَابِ .
وَأَمَّا قَضِيَّةُ بَدْرٍ ، فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ .
}

( 7521 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَإِذَا أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا لِمَنْ جَاءَهُمْ مَدَدًا ، أَوْ هَرَبَ مِنْ أَسْرٍ حَظٌّ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ حَضَرَ الْمَوْقِعَةَ ، فَمَنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدٍ يَلْحَقُ بِالْمُسْلِمِينَ ، أَوْ أَسْرٍ يَنْفَلِتُ مِنْ الْكُفَّارِ ، فَيَلْحَقُ بِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ كَافِرٍ يُسْلِمُ ، فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَدَدِ : إنْ لَحِقَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ إحْرَازِهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ ، شَارَكَهُمْ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ مِلْكِهَا بِتَمَامِ الِاسْتِيلَاءِ ، وَهُوَ الْإِحْرَازُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ قِسْمَتُهَا ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ مِلْكِهَا ، فَاسْتَحَلَّ مِنْهَا ، كَمَا لَوْ جَاءَ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ .
وَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى سَعْدٍ ، أَسْهِمْ لِمَنْ أَتَاك قَبْلَ أَنْ تَتَفَقَّأَ قَتْلَى فَارِسَ ، وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، { أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَصْحَابَهُ ، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ ، بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا ، فَقَالَ أَبَانُ : اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْلِسْ يَا أَبَانُ .
وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ ، فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ : إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، فِي " سُنَنِهِ " .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ فِي غَزْوَةِ أَرْمِينِيَةَ ، وَلِأَنَّهُ مَدَدٌ لَحِقَ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، أَوْ بَعْدَ إحْرَازِهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهَا

الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا ، وَقَدْ حَصَلَ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَدَدِ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ مِلْكَهَا بِإِحْرَازِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَمْنُوعٌ ، بَلْ هُوَ بِالِاسْتِيلَاءِ ، وَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْجَيْشُ قَبْلَ الْمَدَدِ ، وَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلٌ يَرْوِيه الْمُجَالِدُ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ، ثُمَّ هُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ ، وَلَا نَحْنُ ، فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ مِنَّا عَلَى خِلَافِهِ ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ ؟ ( 7522 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ الْأَسِيرِ يَهْرَبُ إلَى الْمُسْلِمِينَ حُكْمُ الْمَدَدِ ، سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِلْقِتَالِ بِخِلَافِ الْمَدَدِ .
وَلَنَا ، أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ إذَا قَاتَلَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ ، كَالْمَدَدِ ، وَسَائِرِ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ .
( 7523 ) فَصْلٌ : وَإِنْ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ ، وَقَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ ، أَوْ جَاءَهُمْ أَسِيرٌ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ قَبْلَ إحْرَازِهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : تُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ قَبْلَ حِيَازَتِهَا .
فَعَلَى هَذَا لَا يُسْهَمُ لَهُمْ .
وَإِنْ حَازُوا الْغَنِيمَةَ ، ثُمَّ جَاءَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ يُقَاتِلُونَهُمْ ، فَأَدْرَكَهُمْ الْمَدَدُ ، فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ ، فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ ، عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمَدَدِ .
فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ، فَلَحِقَهُمْ الْعَدُوُّ وَجَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَدَدٌ ، فَقَاتَلُوا الْعَدُوَّ مَعَهُمْ حَتَّى سَلَّمُوا الْغَنِيمَةَ ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاتَلُوا عَنْ أَصْحَابِهِمْ ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا عَنْ الْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ قَدْ صَارَتْ فِي أَيْدِيهمْ وَحَوَوْهَا .
قِيلَ لَهُ : فَإِنَّ أَهْلَ الْمِصِّيصَةِ غَنِمُوا ثُمَّ اسْتَنْقَذَ مِنْهُمْ الْعَدُوُّ ، فَجَاءَ أَهْلُ طَرَسُوسَ ، فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى اسْتَنْقَذُوهُ ؟ فَقَالَ : أَحَبُّ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا ، .
أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى ، فَإِنَّ

الْأَوَّلِينَ قَدْ أَحْرَزُوا الْغَنِيمَةَ وَمَلَكُوهَا بِحِيَازَتِهِمْ ، فَكَانَتْ لَهُمْ دُونَ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُمْ .
أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ، فَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْغَنِيمَةُ بِقِتَالِ الَّذِينَ اسْتَنْقَذُوهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهَا ، لِأَنَّ الْإِحْرَازَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ بِأَخْذِ الْكُفَّارِ لَهَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَوَّلِينَ قَدْ مَلَكُوهَا بِالْحِيَازَةِ الْأَوْلَى ، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُمْ بِأَخْذِ الْكُفَّارِ لَهَا مِنْهُمْ ، فَلِهَذَا أَحَبَّ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَيْهَا .

( 7524 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمَنْ بَعَثَهُ الْأَمِيرُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ ، فَلَمْ يَحْضُرْ الْغَنِيمَةَ أَسْهَمَ لَهُ .
هَذَا مِثْلُ الرَّسُولِ وَالدَّلِيلِ وَالطَّلِيعَةِ وَالْجَاسُوسِ وَأَشْبَاهِهِمْ ، يُبْعَثُونَ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ ، فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَ الْجَيْشَ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ ، وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ ، قَالُوا : وَقَدْ تَخَلَّفَ عُثْمَانُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَأَجْرَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ .
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ : { إنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ ، وَإِنِّي أُبَايِعُ لَهُ .
فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ ، وَلَمْ يَضْرِبْ لِأَحَدٍ غَابَ غَيْرَهُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ : إنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ ، لِأَنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ لَك أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلِأَنَّهُ فِي مَصْلَحَتِهِمْ ، فَاسْتَحَقَّ سَهْمًا مِنْ غَنِيمَتِهِمْ ، كَالسَّرِيَّةِ مَعَ الْجَيْشِ ، وَالْجَيْشِ مَعَ السَّرِيَّةِ .

( 7525 ) فَصْلٌ : وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ قَوْمٍ خَلَّفَهُمْ الْأَمِيرُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ ، وَغَزَا ، وَغَنِمَ ، وَلَمْ يَمُرَّ بِهِمْ ، فَرَجَعُوا ، هَلْ يُسْهِمُ لَهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُسْهِمُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ خَلَّفَهُمْ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ نَادَى الْأَمِيرُ : مَنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلْيَتَخَلَّفْ .
فَتَخَلَّفَ قَوْمٌ فَصَارُوا إلَى لُؤْلُؤَةٍ ، وَفِيهَا الْمُسْلِمُونَ ، فَأَقَامُوا حَتَّى فَصَلُوا ، فَقَالَ : إذَا كَانُوا قَدْ الْتَجَئُوا إلَى مَأْمَنٍ لَهُمْ ، لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ ، وَلَوْ تَخَلَّفُوا وَأَقَامُوا فِي مَوْضِعِ خَوْفٍ أَسْهَمَ لَهُمْ .
وَقَالَ فِي قَوْمٍ خَلَّفَهُمْ الْأَمِيرُ ، وَأَغَارَ فِي جِلْدِ الْخَيْلِ ، فَقَالَ : إنْ أَقَامُوا فِي بَلَدِ الْعَدُوِّ حَتَّى رَجَعَ ، أَسْهَمَ لَهُمْ ، وَإِنْ رَجَعُوا حَتَّى صَارُوا إلَى مَأْمَنِهِمْ ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ اعْتَلَّ رَجُلٌ ، أَوْ اعْتَلَّتْ دَابَّتُهُ وَقَدْ أدرب ، فَقَالَ لَهُ الْأَمِيرُ : أَقِمْ أُسْهِمْ لَك ، أَوْ انْصَرِفْ إلَى أَهْلِك أُسْهِمْ لَك .
فَكَرِهَهُ ، وَقَالَ : هَذَا يَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِهِ ، فَكَيْفَ يُسْهِمُ لَهُ ، .

( 7526 ) فَصْلٌ : يَجُوزُ قَسْمُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا تَنْقَسِمُ إلَّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتِمُّ عَلَيْهَا إلَّا بِالِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِحْرَازِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَإِنْ قُسِمَتْ أَسَاءَ قَاسِمُهَا ، وَجَازَتْ قِسْمَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُجْتَهَدٌ فِيهَا ، فَإِذَا حَكَمَ الْإِمَامُ فِيهَا بِمَا يُوَافِقُ قَوْلَ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ ، نَفَذَ حُكْمُهُ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ .
قَالَ : قُلْت لِلْأَوْزَاعِيِّ : هَلْ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : لَا أَعْلَمُهُ ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَتْبَعُونَ غَنَائِمَهُمْ ، وَيَقْسِمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ ، وَلَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إلَّا خَمَسَهُ وَقَسَمَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْفِلَ ، مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، وَهَوَازِنَ ، وَخَيْبَرَ .
وَلِأَنَّ كُلَّ دَارٍ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فِيهَا جَازَتْ ، كَدَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ ، فَصَحَّتْ قِسْمَتُهَا ، كَمَا لَوْ أُحْرِزَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ التَّامُّ ، وَقَدْ وَجَدَ ، فَإِنَّنَا أَثْبَتَنَا أَيْدِيَنَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً ، وَقَهَرْنَاهُمْ ، وَنَفَيْنَاهُمْ عَنْهَا ، وَالِاسْتِيلَاءُ يَدُلُّ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَوْلِي ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ، كَمَا فِي الْمُبَاحَاتِ .
الثَّانِي ، أَنَّ مُلْكَ الْكُفَّارِ قَدْ زَالَ عَنْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ فِي الْعَبِيدِ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي الْغَنِيمَةِ ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا ، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُمْ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ ، إذْ لَيْسَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُبَاحَةً ، عَلِمَ أَنَّ مِلْكَهُمْ

زَالَ إلَى الْغَانِمِينَ .
الثَّالِثُ ، أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ ، وَلَحِقَ بِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ ، صَارَ حُرًّا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْكَافِرِ ، وَثُبُوتِ الْمِلْكِ لِمَنْ قَهَرَهُ ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ .

( 7527 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا سُبُوا ، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ ، وَلَا بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا الطِّفْلِ غَيْرُ جَائِزٍ .
هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَهْلِ الشَّامِ ، وَاللَّيْثِ فِي أَهْلِ مِصْرَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ فِيهِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ ، قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا ، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا } .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَإِنْ رَضِيَتْ .
وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَرْضَى بِمَا فِيهِ ضَرَرُهَا ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ قَلْبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَنْدَمُ .
لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأَبِ وَوَلَدِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : يَجُوزُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَاللَّيْثِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ بِنَفْسِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ مِنْهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ ، فَأَشْبَهَ الْأُمَّ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَلَدِ كَبِيرًا بَالِغًا أَوْ طِفْلًا .
وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ الْوَالِدَةَ تَتَضَرَّرُ بِمُفَارَقَةِ وَلَدِهَا الْكَبِيرِ ، وَلِهَذَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِدُونِ إذْنِهِمَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يَخْتَصُّ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ بِالصَّغِيرِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛

مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَتَى بِامْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا ، فَنَفَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا ، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَهَا لَهُ ، وَلَمْ يُنْكِرْ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ مَارِيَةُ وَأُخْتُهَا سِيرِينُ ، فَأَمْسَكَ مَارِيَةَ ، وَوَهَبَ سِيرِينَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ .
وَلِأَنَّ الْأَحْرَارَ يَتَفَرَّقُونَ بَعْدَ الْكِبَرِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُزَوَّجُ ابْنَتُهَا ، فَالْعَبِيدُ أَوْلَى .
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَخَصَّصُ عُمُومُ حَدِيثِ النَّهْيِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكِبَرِ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّفْرِيقُ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ : يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إذَا بَلَغَ الْوَلَدُ .
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إذَا أَثْغَرَ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ : إذَا اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ ، وَنَفَعَ نَفْسَهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : إذَا صَارَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : إذَا كَانَ يَلْبَسُ وَحْدَهُ ، وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْتَغْنِي عَنْ أُمِّهِ ، وَكَذَلِكَ خُيِّرَ الْغُلَامُ بَيْنَ أُمِّهِ وَأَبِيهِ إذَا صَارَ كَذَلِكَ .
وَلِأَنَّهُ جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِتَخْيِيرِهِ ، فَجَازَ بَيْعُهُ وَقِسْمَتُهُ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا .
فَقِيلَ : إلَى مَتَى ؟ قَالَ : حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ } وَلِأَنَّ مَا دُونَ الْبُلُوغِ مُوَلَّى عَلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ الطِّفْلَ .
( 7528 ) فَصْلٌ : وَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِحُّ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ

النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد ، فِي " سُنَنِهِ " ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ ، وَرَدَّ الْبَيْعَ .
وَالْأَصْلُ مَمْنُوعٌ ، وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرُوهُ ، فَإِنَّهُ نَهَى عَنْهُ لِمَا يَلْحَقُ الْمَبِيعَ مِنْ الضَّرَرِ ، فَهُوَ لِمَعْنًى فِيهِ .

( 7529 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالْجَدُّ فِي ذَلِكَ كَالْأَبِ ، وَالْجَدَّةُ فِيهِ كَالْأُمِّ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ ، فِي تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَلَدِ وَلَدِهِمَا ، كَالْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ ، وَالْجَدَّةَ أُمٌّ ، وَلِذَلِكَ يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبَوَيْنِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ ، فَقَامَا مَقَامَهُمَا فِي تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ؛ لِأَنَّ لِلْجَمِيعِ وِلَادَةً وَمَحْرَمِيَّةً ، فَاسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ ، كَاسْتِوَائِهِمْ فِي مَنْعِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ .

مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَخَوَيْنِ ، وَلَا أُخْتَيْنِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ ، وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا قَرَابَةٌ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ، فَلَمْ يَحْرُمْ التَّفْرِيقُ ، كَقَرَابَةِ ابْنِ الْعَمِّ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ ، فَبِعْت أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا فَعَلَ غُلَامُك ؟ فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ : رُدَّهُ ، رُدَّهُ .
} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ فَرُّوخَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ ، وَلَا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا ، فِي الْبَيْعِ .
لِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا ، كَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ .

( 7531 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا : لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، كَالْعَمَّةِ مَعَ ابْنِ أَخِيهَا ، وَالْخَالَةِ مَعَ ابْنِ أُخْتِهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَاسِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْأَصْلَ حِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِيقِ ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْإِخْوَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ ، وَلِذَلِكَ يَحْجُبُونَ غَيْرَهُمْ عَنْ الْمِيرَاثِ ، فَيَبْقَى فِي مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ .
فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مَحْرَمٌ ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَحَدٍ عَلِمْنَاهُ ؛ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِمْ ، وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ .
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَلَدِهَا وَالْأُخْتِ وَأُخْتِهَا ؛ لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الرَّضَاعِ لَا تُوجِبُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَلَا نَفَقَةً ، وَلَا مِيرَاثًا ، فَلَمْ تَمْنَعْ التَّفْرِيقَ ، كَالصَّدَاقَةِ .
( 7532 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ فِي الْمَغْنَمِ مَنْ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ ، وَكَانَ قَدْرُهُمْ حِصَّةَ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ ، دُفِعُوا إلَى وَاحِدٍ .
وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ فَضْلٌ ، فَرَضِيَ بِرَدِّ قِيمَةِ الْفَضْلِ ، جَازَ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ، بِيعُوا جُمْلَةً ، وَقُسِمَ ثَمَنُهُمْ ، أَوْ يَجْعَلُوا فِي الْخُمُسِ .
وَيَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ فِي الْعِتْقِ وَالْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا تَفْرِقَةَ فِيهِ فِي الْمَكَانِ ، وَالْفِدَاءُ تَخْلِيصٌ ، فَهُوَ كَالْعِتْقِ .

( 7533 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ ، فَتَبَيَّنَ أَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمْ ، رَدَّ إلَى الْمُقَسِّمِ الْفَضْلَ الَّذِي فِيهِ بِالتَّفْرِيقِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرِ ، وَحَسِبُوا عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ أَقَارِبُ ، يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ ، فَبَانَ أَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْفَضْلِ الَّذِي فِيهِمْ عَلَى الْمَغْنَمِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُمْ تَزِيدُ بِذَلِكَ ، فَإِنَّ اشْتَرَى اثْنَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إحْدَاهُمَا أُمُّ الْأُخْرَى ، لَا يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ ، وَلَا بَيْعُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ، فَكَانَتْ قِيمَتُهُمَا قَلِيلَةً لِذَلِكَ ، فَإِنْ بَانَ أَنَّ إحْدَاهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ الْأُخْرَى ، أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهُمَا ، وَبَيْعُ إحْدَاهُمَا ، فَتَكْثُرُ قِيمَتُهُمَا ، فَيَجِبُ رَدُّ الْفَضْلِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا فَوَجَدَ مَعَهُمَا حُلِيًّا أَوْ ذَهَبًا فَتُكْثِرُ قِيمَتهمَا ، وَكَمَا لَوْ أَخَذَ دَرَاهِمَ ، فَبَانَتْ أَكْثَرَ مِمَّا حُسِبَ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ مُنْفَرِدًا ، أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، فَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَمَنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ ، فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا سُبِيَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ ، صَارَ رَقِيقًا ، وَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ يُسْبَى مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ ، فَهَذَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الدِّينَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ ، لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْ دَارِهِمَا ، وَمَصِيرِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُ فِي دِينِهِ .
وَالثَّانِي ، أَنْ يُسْبَى مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : يَكُونُ تَابِعًا لِأَبِيهِ فِي الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ ، كَمَا لَوْ سُبِيَ مَعَهُمَا .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ سُبِيَ مَعَ أَبِيهِ يَتْبَعُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الدِّينِ ، كَمَا يَتْبَعُهُ فِي النَّسَبِ ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أُمِّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا فِي النَّسَبِ ، فَكَذَلِكَ فِي الدِّينِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ } .
فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ أَحَدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَيْئَيْنِ ، لَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا ، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ سَابِيه مُنْفَرِدًا ، فَيَتْبَعُهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ غُلِّبَ حُكْمُ إسْلَامِهِ مُنْفَرِدًا غُلِّبَ مَعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ، كَالْمُسْلِمِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ .
الثَّالِثُ ، أَنْ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ

الْأَوْزَاعِيُّ : يَكُونُ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ السَّابِيَ أَحَقُّ بِهِ ، لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ بِالسَّبْيِ ، وَزَالَتْ وِلَايَةُ أَبَوَيْهِ عَنْهُ ، وَانْقَطَعَ مِيرَاثُهُمَا مِنْهُ وَمِيرَاثُهُ مِنْهُمَا ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمَا .
وَلَنَا ، قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ .
} وَهُمَا مَعَهُ ، وَمِلْكُ السَّابِي لَهُ لَا يَمْنَعُ اتِّبَاعَهُ لِأَبَوَيْهِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ مِنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ الْكَافِرَيْنِ .

( 7535 ) فَصْلٌ : وَإِذَا سُبِيَ الْمُتَزَوِّجُ مِنْ الْكُفَّارِ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مَعًا ، فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ : يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَالْمُحْصَنَاتُ الْمُزَوَّجَاتُ { إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } بِالسَّبْيِ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إلَّا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ مِنْ الْمَسْبِيَّاتِ .
وَلِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَحِلِّ حَقِّ الْكَافِرِ ، فَزَالَ مِلْكُهُ ، كَمَا لَوْ سَبَاهَا وَحْدَهَا .
وَلَنَا ، أَنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ ، كَالْعِتْقِ ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ ، وَكَانُوا أَخَذُوا النِّسَاءَ دُونَ أَزْوَاجِهِنَّ ، وَعُمُومُ الْآيَةِ مَخْصُوصٌ بِالْمَمْلُوكَةِ الْمُزَوَّجَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَيُخَصُّ مِنْهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ .
الْحَالُ الثَّانِي ، أَنْ تُسْبَى الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا ، فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ، بِلَا خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ .
وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي قَوْمِهِنَّ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إذَا سُبِيت الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا ، ثُمَّ سُبِيَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا بِيَوْمٍ ، لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ .
وَلَنَا ، أَنَّ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِلْفَسْخِ وُجِدَ ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ، كَمَا لَوْ سُبِيَ بَعْدَ شَهْرٍ .
الْحَالُ الثَّالِثُ ، سُبِيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ ، فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ

، وَلَا الْقِيَاسُ يَقْتَضِيه ، وَقَدْ سَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ مِنْ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ ، وَفَادَى بَعْضًا ، فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمْ بِفَسْخِ أَنْكِحَتِهِمْ .
وَلِأَنَّنَا إذَا لَمْ نَحْكُمْ بِفَسْخِ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا سُبِيَا مَعًا ، مَعَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَحَلِّ حَقِّهِ ، فَلَأَنْ لَا يَنْفَسِخَ نِكَاحُهُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ أَوْلَى .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ .
وَلَمْ يُفَرِّقْ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ افْتَرَقَتْ بِهِمَا الدَّارُ ، وَطَرَأَ الْمِلْكُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَانْفَسَخَ النِّكَاحُ ، كَمَا لَوْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ سُبِيَ وَاسْتَرَقَّ ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ ، وَإِنْ مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَوُدِّي ، لَمْ يَنْفَسِخْ .
وَلَنَا ، مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَأَنَّ السَّبْيَ لَمْ يُزِلْ مِلْكَهُ عَنْ مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَلَمْ يُزِلْهُ عَنْ زَوْجَتِهِ ، كَمَا لَمْ يُزِلْهُ عَنْ أَمَتِهِ .
( 7536 ) فَصْلٌ : وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا فِي سَبْيِ الزَّوْجَيْنِ ، بَيْنَ أَنْ يَسْبِيَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رَجُلَانِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا مَعَ رَجُلَيْنِ ، كَانَ مَالِكٌ الْمَرْأَةِ مُنْفَرِدًا بِهَا ، وَلَا زَوْجَ مَعَهُ لَهَا ، فَتَحِلُّ لَهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ ، أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا سُبِيَا ، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ فِي الْمُقَاسِمِ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ ، فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ ، أَوْ يُقِرُّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ .
وَلَنَا ، أَنَّ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ فِي الزَّوْجَيْنِ لِرَجُلٍ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْفَسْخِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ .

( 7537 ) فَصْلٌ : إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، حُقِنَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ مِنْ السَّبْيِ .
وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ، وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، صَارُوا مُسْلِمِينَ ، وَلَمْ يَجُزْ سَبْيُهُمْ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَرَقِيقِهِ وَمَتَاعِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ ، تُرِكَ لَهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، جَازَ سَبْيُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إسْلَامُهُمْ بِإِسْلَامِهِ ، لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بَيْنَهُمْ ، وَلِهَذَا إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ وَأَبَوَاهُ فِي دَارِ الْكُفْرِ ، لَمْ يَتْبَعُهَا ، وَيَتْبَعُ سَابِيه فِي الْإِسْلَامِ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ فَهُوَ فَيْءٌ ، وَكَذَلِكَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَتْ كَافِرَةً ، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ .
وَلَنَا ، أَنَّ أَوْلَادَهُ أَوْلَادُ مُسْلِمٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، كَمَا لَوْ كَانُوا مَعَهُ فِي الدَّارِ ، وَلِأَنَّ مَالَهُ مَالُ مُسْلِمٍ ، فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ مَالَ الْحَرْبِيِّ وَأَوْلَادَهُ .
وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ ؛ فَإِنَّنَا نَجْعَلُهُ تَبَعًا لِلسَّابِي ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ بَقَاءَ أَبَوَيْهِ ، فَأَمَّا أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ ، فَلَا يَعْصِمُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ ، وَلَا يَعْصِمُ زَوْجَتَهُ لِذَلِكَ ، فَإِنْ سُبِيَتْ صَارَتْ رَقِيقًا ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا ، وَلَكِنْ يَكُونُ حُكْمُهَا فِي النِّكَاحِ وَفَسْخِهِ حُكْمَ مَا لَوْ لَمْ تُسْبَ ، عَلَى مَا مَرَّ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا ، لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُ الْحَمْلِ ، وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُحْكَمُ بِرِقِّهِ مَعَ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ مَا سَرَى إلَيْهِ الْعِتْقُ سَرَى إلَيْهِ الرِّقُّ ، كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ

اسْتِرْقَاقُهُ ، كَالْمُنْفَصِلِ ، وَيُخَالِفُ الْأَعْضَاءَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ عَنْ الْأَصْلِ .
( 7538 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَهُ مَالٌ وَعَقَارٌ ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهَا مُسْلِمٌ فَابْتَاعَ عَقَارًا أَوْ مَالًا ، فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَالِهِ وَعَقَارِهِ لَمْ يَمْلِكُوهُ ، وَكَانَ لَهُ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَغْنَمُ الْعَقَارُ ، وَأَمَّا غَيْرُهُ ، فَمَا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْلِمٍ ، لَمْ يُغْنَمْ .
وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، فَجَازَ اغْتِنَامُهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِحَرْبِيٍّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَاتِبَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .

( 7539 ) فَصْلٌ : إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ أَرْضًا مِنْ حَرْبِيٍّ ، ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ ، وَمَنَافِعُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكُ الْمُسْلِمِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ أَجَزْتُمْ اسْتِرْقَاقَ الْكَافِرَةِ الْحَرْبِيَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا قَدْ أَسْلَمَ ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهَا إبْطَالُ حَقِّ زَوْجِهَا ؟ قُلْنَا : يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهَا ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ ، وَلَا أَمَانَ لَهَا ، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهَا ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ مُسْلِمٍ ، وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ ، بَلْ هُوَ بَاقٍ ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا ، بِخِلَافِ حَقِّ الْإِجَارَةِ .

( 7540 ) فَصْلٌ : إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ أَوْ أَمَتُهُ ، وَخَرَجَ إلَيْنَا ، فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ أَسَرَ سَيِّدَهُ وَأَوْلَادَهُ ، وَأَخَذَ مَالَهُ ، وَخَرَجَ إلَيْنَا ، فَهُوَ حُرٌّ ، وَالْمَالُ لَهُ ، وَالسَّبْيُ رَقِيقُهُ .
وَإِنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَهُوَ عَلَى رِقِّهِ .
وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ ، وَخَرَجَتْ إلَيْنَا ، عَتَقَتْ ، وَاسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَقَالَ بِهِ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ : تُزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ .
وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ ، لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ عَتَقَتْ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ الْحَجَّاجِ ، عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتِقُ الْعَبِيدَ إذَا جَاءُوا قَبْلَ مَوَالِيهمْ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَعْشَمِ ، قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ قَضِيَّتَيْنِ ؛ قَضَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ سَيِّدِهِ أَنَّهُ حُرٌّ ، فَإِنْ خَرَجَ سَيِّدُهُ بَعْدُ ، لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ ، وَقَضَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْعَبْدِ ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ ، رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ ، قَالَ : سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ ، وَكَانَ عَبْدًا لَنَا ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا ، فَأَسْلَمَ ، فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا ، { وَقَالَ : هُوَ طَلِيقُ اللَّهِ ، ثُمَّ طَلِيقُ رَسُولِهِ } .
فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا .

( 7541 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَمَا أَخَذَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعَبِيدِهِمْ ، فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَسْمِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) .
وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، إذَا قُسِمَ ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ بِحَالٍ يَعْنِي إذَا أَخَذَ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ قَهَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ ، فَأَخَذُوهَا مِنْهُمْ ، فَإِنْ عُلِمَ صَاحِبُهَا قَبْلَ قَسْمِهَا ، رُدَّتْ إلَيْهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَطَاءٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَاللَّيْثُ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لَا يُرَدُّ إلَيْهِ ، وَهُوَ لِلْجَيْشِ .
وَنَحْوُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مَلَكُوهُ بِاسْتِيلَائِهِمْ ، فَصَارَ غَنِيمَةً ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ غُلَامًا لَهُ أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ يُقْسَمْ .
وَعَنْهُ ، قَالَ : ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ ، فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ حَيْوَةَ ، أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فِيمَا أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ .
قَالَ : مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، مَا لَمْ يُقْسَمْ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَالْأَثْرَمُ .
فَأَمَّا مَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ قُسِمَ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ ، بِالثَّمَنِ الَّذِي حَسِبَ بِهِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ بِيعَ ثُمَّ قُسِمَ ثَمَنُهُ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ .
وَهَذَا قَوْلُ

أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَمَالِكٍ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنْ أَصَبْته قَبْلَ أَنْ نَقْسِمَهُ ، فَهُوَ لَك ، وَإِنْ أَصَبْته بَعْدَمَا قُسِمَ ، أَخَذْته بِالْقِيمَةِ .
وَلِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ أَخْذُهُ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى حِرْمَانِ أَخْذِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، أَوْ يَضِيعَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَحَقُّهُمَا يَنْجَبِرُ بِالثَّمَنِ ، فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ فِي عَيْنِ مَالِهِ ، بِمَنْزِلَةِ مُشْتَرِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ .
إلَّا أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ .
وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ إذَا قُسِمَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ بِحَالٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَعَطَاءٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَاللَّيْثِ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ أَحَقُّ بِالْقِيمَةِ .
فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا ، وَيُعْطَى مُشْتَرِيه ثَمَنَهُ مِنْ خُمُسِ الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ صَاحِبِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، كَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَيُعْطِي مَنْ حُسِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى حِرْمَانِ آخِذِهِ حَقَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، وَجُعِلَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْهَا .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى السَّائِبِ : أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَمَا اُقْتُسِمَ ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ .
وَقَالَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ : إذَا قُسِمَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ .
رَوَاهُمَا

سَعِيدٌ ، فِي " سُنَنِهِ " .
وَلِأَنَّهُ إجْمَاعٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا قَالَ النَّاسُ فِيهَا قَوْلَيْنِ ؛ إذَا قُسِمَ فَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَقَالَ قَوْمٌ : إذَا قُسِمَ فَهُوَ لَهُ بِالثَّمَنِ .
فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ ، وَمَتَى مَا انْقَسَمَ أَهْلُ الْعَصْرِ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي حُكْمٍ ، لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ، لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ ، فَلَمْ يَجُزْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ .
وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ ، فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ قُسِمَ ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ .
} وَالْمَعْمُولُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ ، وَقَوْلُهُمْ : لَمْ يَزُلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ .
غَيْرُ مُسَلَّمٍ .
( 7542 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ بِهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ ، لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لَوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قُسِمَ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ ، أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا نَاقَتَهُ ، وَجَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَأَقَامَتْ عِنْدَهُمْ أَيَّامًا ، ثُمَّ خَرَجَتْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ ، قَالَتْ : فَمَا وَضَعْت يَدِي عَلَى نَاقَةٍ إلَّا رَغَتْ ، حَتَّى وَضَعْتهَا عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ ، فَامْتَطَيْتهَا ، ثُمَّ تَوَجَّهْت إلَى الْمَدِينَةِ ، وَنَذَرْت إنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا أَنْ أَنْحَرَهَا ، فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ ، اسْتَعْرَفْت النَّاقَةَ ، فَإِذَا هِيَ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهَا ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَهَا .
فَقَالَ : { بِئْسَمَا جَازَيْتِهَا ، لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ .
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ بِعِوَضٍ ، فَكَانَ

صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهِ .
فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَدُوِّ ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ إلَّا بِثَمَنِهِ ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ الشَّيْبَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَرِيزٍ ، عَنْ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : أَغَارَ أَهْلُ مَاهَ وَأَهْلُ جَلُولَاءَ عَلَى الْعَرَبِ ، فَأَصَابُوا سَبَايَا مِنْ سَبَايَا الْعَرَبِ ، وَرَقِيقًا ، وَمَتَاعًا ، ثُمَّ إنَّ السَّائِبَ بْنَ الْأَقْرَعِ عَامِلَ عُمَرَ غَزَاهُمْ ، فَفَتَحَ مَاهَ ، فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فِي سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ وَرَقِيقِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ ، قَدْ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ مِنْ أَهْلِ مَاهَ ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ : إنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَخُونُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَمَا اُقْتُسِمَ ، فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمْ ، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ بِهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، هَلْ يَكُونُ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ بِالْقِيمَةِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِمَالِ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَسْمِهِ ، فَقَسَمَهُ ، وَجَبَ رَدُّهُ ، وَكَانَ صَاحِبُهُ أَحَقَّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ كَانَتْ بَاطِلَةً مِنْ أَصْلِهَا .

( 7543 ) فَصْلٌ : وَإِنْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمْ يُعْلَمْ صَاحِبُهُ ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي مَرَاكِبَ تَجِيءُ مِنْ مِصْرَ ، يَقْطَعُ عَلَيْهَا الرُّومُ فَيَأْخُذُونَهَا ، ثُمَّ يَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ : إنْ عُرِفَ صَاحِبُهَا فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهَا .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهَا جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا .
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، قَالَا فِي الْمُصْحَفِ يَحْصُلُ فِي الْغَنَائِمِ : يُبَاعُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُوقَفُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ .
وَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مَوْسُومٌ عَلَيْهِ : حُبِسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، رُدَّ كَمَا كَانَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : يُقْسَمُ مَا لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا قَدْ عُرِفَ مَصْرِفُهُ وَهُوَ الْحَبْسُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةٍ مَا لَوْ عُرِفَ صَاحِبُهُ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَالْجَوَامِيسُ تُدْرَكُ وَقَدْ سَاقَهَا الْعَدُوُّ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ رُدَّتْ ، يُؤْكَلُ مِنْهَا ؟ قَالَ : إذَا عُرِفَ لِمَنْ هِيَ ، فَلَا يُؤْكَلُ مِنْهَا .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : فَمَا حَازَ الْعَدُوُّ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ ، أَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقِفُوهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ صَاحِبُهُ ؟ قَالَ : إذَا عُرِفَ فَقِيلَ : هُوَ لِفُلَانٍ .
وَكَانَ صَاحِبُهُ بِالْقُرْبِ .
قِيلَ لَهُ : أُصِيبَ غُلَامٌ فِي بِلَادِ الرُّومِ ، فَقَالَ : أَنَا لِفُلَانٍ ؛ رَجُلٍ ؟ قَالَ : إذَا عُرِفَ الرَّجُلُ ، لَمْ يُقْسَمْ مَالُهُ ، وَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ .
قِيلَ لَهُ : أَصَبْنَا مَرْكَبًا فِي بِلَادِ الرُّومِ ، فِيهَا النَّوَاتِيَّةُ ، قَالُوا : هَذَا لِفُلَانٍ ، وَهَذَا لِفُلَانٍ .
قَالَ : هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ ، لَا يُقْسَمُ .

( 7544 ) فَصْلٌ : قَالَ الْقَاضِي : يَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يَمْلِكُونَهَا .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
قَالَ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، حَيْثُ قَالَ : إنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ .
وَإِنَّمَا مَنَعَهُ أَخْذَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ لَهُ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ ، وَمَتَى صَادَفَ الْحُكْمُ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ ، نَفَذَ حُكْمُهُ .
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : لَا يَمْلِكُونَهَا بِحَدِيثِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ ، طَرَأَتْ عَلَيْهِ يَدٌ عَادِيَةٌ ، فَلَمْ يُمْلَكْ بِهَا ، كَالْغَصْبِ ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ غَيْرِهِ بِالْقَهْرِ ، لَمْ يَمْلِكْ مَالَهُ بِهِ ، كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْمُسْلِمِ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَالَ الْكَافِرِ ، فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَالَ الْمُسْلِمِ ، كَالْبَيْعِ .
فَأَمَّا النَّاقَةُ ، فَإِنَّمَا أَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا غَيْرَ مَقْسُومَةٍ وَلَا مُشْتَرَاةٍ .
فَعَلَى هَذَا ، يَمْلِكُونَهَا قَبْلَ حِيَازَتِهَا إلَى دَارِ الْكُفْرِ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَهَا بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَحُكِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ ، فَيَثْبُتُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ إلَى الدَّارِ ، كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَالِ الْكُفَّارِ ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ، أَثْبَتَهُ حَيْثُ وُجِدَ ، كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ .
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ ، أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِلْكُفَّارِ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، أَبَاحَ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا عَلَيْهَا قِسْمَتَهَا ، وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا ، مَا لَمْ يَعْلَمُوا صَاحِبَهَا ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا

أَسْلَمَ وَهِيَ فِي يَدِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا .
وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْمِلْكَ ، اقْتَضَى مَذْهَبُهُ عَكْسَ ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 7545 ) فَصْلٌ : وَلَا أَعْلَمَ خِلَافًا فِي أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ ، إذَا أَسْلَمَ ، أَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ ، بَعْدَ أَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَأَتْلَفَهُ ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ .
وَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ ، فَهُوَ لَهُ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ ، فَهُوَ لَهُ } .
وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ ، فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَهْرِهِ لِلْمُسْلِمِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ صَاحِبَهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ بِالْقِيمَةِ .
وَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَى جَارِيَةِ مُسْلِمٍ فَاسْتَوْلَدَهَا ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَهِيَ لَهُ ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَمْوَالِ .
وَإِنْ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَوْلَادَهَا قَبْلَ إسْلَامِ سَابِيهَا ، فَعُلِمَ صَاحِبُهَا ، رُدَّتْ إلَيْهِ ، وَكَانَ أَوْلَادُهَا غَنِيمَةً ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ كَافِرٍ حَدَثُوا بَعْدَ مِلْكِ الْكَافِرِ لَهَا .

( 7546 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اسْتَوْلَوْا عَلَى حُرٍّ ، لَمْ يَمْلِكُوهُ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا .
لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدٌ بِحَالٍ ، وَكُلُّ مَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ يَمْلِكُونَهُ بِالْقَهْرِ ، كَالْعُرُوضِ ، وَالْعَبْدِ الْقِنِّ ، وَالْمُدَبَّرِ ، وَالْمَكَاتِبِ ، وَأُمِّ الْوَلَدِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَمْلِكُونَ الْمَكَاتِبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِمَا ، فَهُمَا كَالْحُرِّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ بِالْقِيمَةِ ، فَيَمْلِكُونَهُمَا ، كَالْعَبْدِ الْقِنِّ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكُوا الْمَكَاتِبَ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا لِغَيْرِ سَيِّدِهَا .
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ ؛ أَنَّ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا ، قَالَ : مَتَى قُسِمَا ، أَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ ، لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِمَا أَخْذُهُمَا إلَّا بِالثَّمَنِ .
قَالَ الزُّهْرِيُّ ، فِي أُمِّ الْوَلَدِ : يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَدْلٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَفْدِيهَا الْإِمَامُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ، يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَدْلٍ ، وَلَا يَدَعُهَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ .
وَمَنْ قَالَ : لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِمَا .
رُدَّا إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، كَالْحُرِّ ، وَإِنْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ ، فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالْحُكْمِ فِي الْحُرِّ إذَا اشْتَرَاهُ .
( 7547 ) فَصْلٌ : إذَا أَبَقَ عَبْدُ الْمُسْلِمِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، فَأَخَذُوهُ ، مَلَكُوهُ كَالْمَالِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَمْلِكُونَهُ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، زَالَتْ يَدُ مَوْلَاهُ عَنْهُ ، وَصَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يُمْلَكْ ، كَالْحُرِّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَالٌ لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ ، فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مَلَكُوهُ ، كَالْبَهِيمَةِ .

( 7548 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ قَطَعَ مِنْ مَوَاتِهِمْ حَجَرًا ، أَوْ عُودًا ، أَوْ صَادَ حُوتًا أَوْ ظَبْيًا ، رَدَّهُ عَلَى سَائِرِ الْجَيْشِ ، إذَا اسْتَغْنَى عَنْ أَكْلِهِ ، وَالْمَنْفَعَةِ بِهِ ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، فَالْمُسْلِمُونَ شُرَكَاؤُهُ فِيهِ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَنْفَرِدُ آخِذُهُ بِمِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ ، فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، مَلَكَهُ ، كَالشَّيْءِ التَّافِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَكْحُولٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاسِمِ ، وَسَالِمٍ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَالٌ ذُو قِيمَةٍ ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ بِظَهْرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ غَنِيمَةً ، كَالْمَطْعُومَاتِ ، وَفَارَقَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَيْشِ فِي أَخْذِهِ .
فَأَمَّا إنْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِهِ ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ ، فَلَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ طَعَامًا مَمْلُوكًا لِلْكُفَّارِ ، كَانَ لَهُ أَكْلُهُ إذَا احْتَاجَ ، فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّيُودِ وَالْمُبَاحَاتِ أَوْلَى .
( 7549 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَخَذَ مِنْ بُيُوتِهِمْ ، أَوْ خَارِجٍ مِنْهَا ، مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي أَرْضِهِمْ ، كَالْمِسَنِّ ، وَالْأَقْلَامِ ، وَالْأَحْجَارِ ، وَالْأَدْوِيَةِ ، فَلَهُ أَخْذُهُ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِنْ صَارَتْ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ أَوْ مُعَالَجَتِهِ .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَحْوِ هَذَا .
وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : إذَا جَاءَ بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ .
دَفَعَهُ فِي الْمُقْسِم ، وَإِنْ عَالَجَهُ فَصَارَ لَهُ ثَمَنٌ ، أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِيهِ ، وَبِقِيمَتِهِ فِي الْمُقْسِم .
وَلَنَا ، أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا صَارَتْ لَهُ بِعَمَلِهِ أَوْ بِنَقْلِهِ ، فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً ، كَمَا لَوْ لَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ .

( 7550 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَرَكَ صَاحِبُ الْمَقْسِمِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ، عَجْزًا عَنْ حَمْلِهِ ، فَقَالَ : مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ .
فَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ غَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً ، فَيَبْقَى خُرْثِيُّ الْمَتَاعِ ، مِمَّا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى ، فَيَدَعُهُ الْوَالِي بِمَنْزِلَةِ الْعَقَارِ وَالْفَخَّارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، أَيَأْخُذُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إذَا تُرِكَ ، وَلَمْ يُشْتَرَ .
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ .
وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ ، فِي الْمَتَاعِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حَمْلِهِ : إذَا حَمَلَهُ رَجُلٌ يُقْسَمُ .
وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ .
قَالَ الْخَلَّالُ : رَوَى أَبُو طَالِبٍ هَذِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ؛ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا وَافَقَ أَصْحَابَهُ ، وَفِي مَوْضِعٍ خَالَفَهُمْ .
قَالَ : وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هَذَا أَوَّلًا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبِيحَهُ وَأَنْ يُحَرِّمَهُ ، وَأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ ، فَصَارَ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا .

( 7551 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَجَدَ فِي أَرْضِهِمْ رِكَازًا ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فِيهِ الْخُمْسُ ، وَبَاقِيه لَهُ ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ .
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتِهِمْ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَلَنَا ؛ مَا رَوَى عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَّةِ الْحَرَمِيِّ ، قَالَ : أَصَبْت بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً حَمْرَاءَ ، فِيهَا دَنَانِيرُ ، فِي إمْرَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَعَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ ، فَأَتَيْته بِهَا ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمْسِ } .
لَأَعْطَيْتُك .
ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ ، فَأَبَيْت .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهُ مَالُ مُشْرِكٍ ، ظَهَرَ عَلَيْهِ بِقُوَّةِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ غَنِيمَةً ، كَأَمْوَالِهِمْ الظَّاهِرَةِ .

( 7552 ) فَصْلٌ : وَسُئِلَ أَحْمَدُ ، عَنْ الدَّابَّةِ تَخْرُجُ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ ، أَوْ تَنْفَلِتُ ، فَتَدْخُلُ الْقَرْيَةَ ، وَعَنْ الْقَوْمِ يَضِلُّونَ عَنْ الطَّرِيقِ ، فَيَدْخُلُونَ الْقَرْيَةَ مِنْ قُرَى الْمُسْلِمِينَ ، فَيَأْخُذُونَهُمْ ؟ فَقَالَ يَكُونُونَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ كُلِّهِمْ ، يَتَقَاسَمُونَهُمْ .
وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ يَكُونُونَ فِي حِصْنٍ أَوْ رِبَاطٍ ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ قَوْمٌ إلَى قِتَالِهِمْ ، فَيُصِيبُونَ دَوَابَّ أَوْ سِلَاحًا ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : تَكُونُ بَيْنَ أَهْلِ الرِّبَاطِ وَأَهْلِ الْحَضْرَةِ مِنْ الْقَرْيَةِ .
وَسُئِلَ عَنْ مَرْكَبٍ بَعَثَ بِهِ مَلِكُ الرُّومِ ، فِيهِ رِجَالُهُ ، فَطَرَحَتْهُ الرِّيحُ إلَى طَرْطُوسَ ، فَخَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُ طَرْطُوس ، فَقَتَلُوا الرِّجَالَ ، وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ ؟ فَقَالَ : هَذَا فَيْءٌ الْمُسْلِمِينَ ، مِمَّا أَفَاءُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : هُوَ لِمَنْ غَنِمَهُ ، وَفِيهِ الْخُمْسُ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ مِنْهُمْ ، أَوْ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ إلَيْنَا ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ .
فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَاعٌ أَخَذَهُ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قُوَّةِ مُسْلِمٍ ، فَكَانَ لَهُ ، كَالْحَطَبِ ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يَكُونُ فَيْئًا .
فَصْلٌ : وَمَنْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ لُقَطَةً ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، فَهِيَ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَمْلِكُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَتَاعِ الْمُشْرِكِينَ ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ ، وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ ، عَرَّفَهَا حَوْلًا ، ثُمَّ جَعَلَهَا فِي الْغَنِيمَةِ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَيُعَرِّفُهَا فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ ، فَغُلِّبَ فِيهَا حُكْمُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّعْرِيفِ ، وَحُكْمُ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي كَوْنِهَا غَنِيمَةً احْتِيَاطًا .

( 7554 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ تَعَلَّفَ فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ بَاعَهُ ، رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمُقْسِم ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ ، إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ ، عَلَى أَنَّ لِلْغُزَاةِ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ ، أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا وَجَدُوا مِنْ الطَّعَامِ ، وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ مِنْ أَعْلَافِهِمْ ؛ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالْقَاسِمُ ، وَسَالِمٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى : لَا يُتْرَكُ إلَّا أَنْ يَنْهَى عَنْهُ الْإِمَامُ ، فَيُتَّقَى نَهْيُهُ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى ، قَالَ : أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيه ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَرُوِيَ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ ، كَتَبَ إلَى عُمَرَ : إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ ، وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
فَكَتَبَ إلَيْهِ : دَعْ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، فَفِيهِ خُمْسُ اللَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ ، قَالَ : { دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ ، فَالْتَزَمْته ، وَقُلْت : وَاَللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا .
فَالْتَفَتُّ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ، فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى هَذَا ، وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ مَضَرَّةٌ بِالْجَيْشِ وَبِدَوَابِّهِمْ ، فَإِنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ نَقْلُ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يَجِدُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَا يَشْتَرُونَهُ ، وَلَوْ وَجَدُوهُ لَمْ يَجِدُوا ثَمَنَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ ، وَلَوْ قُسِمَ لَمْ يَحْصُلْ

لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ ، فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ ذَلِكَ ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ شَيْئًا مِمَّا يَقْتَاتُ أَوْ يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ ، مِنْ الْأُدْمِ وَغَيْرِهِ ، أَوْ الْعَلَفِ لِدَابَّتِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ مَا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ ، رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ .
وَإِنْ أَعْطَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، جَازَ لَهُ أَخْذُهُ ، وَصَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الْعَلَفِ ، رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْغَنِيمَةِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ .
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ فُضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ .
وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَكَرِهَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَمَالِكٌ بَيْعَهُ .
قَالَ الْقَاضِي : لَا يَخْلُو ؛ إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَازٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالِ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ ، فَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ ، وَنَقْضُ الْبَيْعِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ ، رَدَّ قِيمَتَهُ ، أَوْ ثَمَنَهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْمَغْنَمِ .
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، كَلَامُ الْخِرَقِيِّ .
وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ ، لَمْ يَحِلَّ ، إلَّا أَنْ يُبْدِلَهُ بِطَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ ، فَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ ، إنَّمَا سَلَّمَ إلَيْهِ مُبَاحًا ، وَأَخَذَ مِثْلَهُ مُبَاحًا ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا أَخَذَهُ ، وَصَارَ أَحَقَّ بِهِ ؛ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ ، وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ .
وَإِنْ بَاعَهُ بِهِ نَسِيئَةً ، أَوْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ ، فَأَخَذَهُ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ

إيفَاؤُهُ ، فَإِنْ وَفَّاهُ ، أَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ ، عَادَتْ الْيَدُ إلَيْهِ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ ، فَالْبَيْعُ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ ؛ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ .
( 7555 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَجَدَ دُهْنًا ، فَهُوَ كَسَائِرِ الطَّعَامِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ ، وَلِأَنَّهُ طَعَامٌ ، فَأَشْبَهَ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ ، فَاحْتَاجَ أَنْ يَدْهُنَ بِهِ ، أَوْ يَدْهُنَ دَابَّتَهُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ ، إذَا كَانَ مِنْ حَاجَةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي زَيْتِ الرُّومِ : إذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةٍ أَوْ صُدَاعٍ ، فَلَا بَأْسَ ، فَأَمَّا التَّزَيُّنُ ، فَلَا يُعْجِبُنِي ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ لَهُ دَهْنُ دَابَّتِهِ مِنْ جَرَبٍ وَلَا يُوَقِّحُهَا إلَّا بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ .
وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ أَحْمَدَ مِثْلَ هَذَا ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلَا عَلَفٍ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ ، أَشْبَهَ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ .
وَلَهُ أَكْلُ مَا يَتَدَاوَى بِهِ ، وَشُرْبُ الشَّرَابِ مِنْ الْجَلَّابِ وَالسَّكَنْجَبِينِ وَغَيْرِهِمَا ، عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَيْسَ لَهُ تَنَاوُلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُوتِ ، وَلَا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، فَلَا يُبَاحُ مَعَ وُجُودِهَا ، كَغَيْرِ الطَّعَامِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ طَعَامٌ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ، أَشْبَهَ الْفَوَاكِهَ ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالْفَاكِهَةِ ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْحَاجَةَ هَاهُنَا ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُتَنَاوَلُ فِي الْعَادَةِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .
( 7556 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِالصَّابُونِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلَا عَلَفٍ ، وَيُرَادُ لِلتَّحْسِينِ وَالزِّينَةِ ، فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُمَا .
وَلَوْ كَانَ مَعَ

الْغَازِي فَهْدٌ أَوْ كَلْبُ الصَّيْدِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إطْعَامُهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، فَإِنْ أَطْعَمَهَا غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَطْعَمَهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا يُرَادُ لِلتَّفَرُّجِ وَالزِّينَةِ ، وَلَيْسَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْغَزْوِ ، بِخِلَافِ الدَّوَابِّ .

( 7557 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الثِّيَابِ ، وَلَا رُكُوبُ دَابَّةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ ، لِمَا رَوَى رُوَيْفِعٌ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
( 7558 ) .
فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهِمْ ، وَاِتِّخَاذُ النَّعْلِ وَالْجُرُبِ مِنْهَا ، وَلَا الْخُيُوطِ وَالْحِبَالِ ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَرَخَّصَ فِي اتِّخَاذِ الْجُرُبِ مِنْ جُلُودِ الْغَنَمِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى .
وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي الْإِبْرَةِ ، وَالْحَبْلِ يُتَّخَذُ مِنْ الشَّعْرِ ، وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ يُتَّخَذُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ .
وَلَنَا مَا رَوَى قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ بِكُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ مِنْ الْمَغْنَمِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّا لَنَعْمَلُ الشَّعَرَ ، فَهَبْهَا لِي .
قَالَ : { نَصِيبِي مِنْهَا لَك } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ ؛ فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَشَنَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، لَا تَدْعُو إلَى أَخْذِهِ حَاجَةٌ عَامَّةٌ ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ ، كَالثِّيَابِ .
( 7559 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا كُتُبُهُمْ ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ ، كَكُتُبِ الطِّبِّ وَاللُّغَةِ وَالشِّعْرِ ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، كَكِتَابِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، فَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا أَوْ وَرَقِهَا بَعْدَ غَسْلِهِ ، غُسِلَ ، وَهُوَ غَنِيمَةٌ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا .

( 7560 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَخَذُوا مِنْ الْكُفَّارِ جَوَارِحَ لِلصَّيْدِ ، كَالْفُهُودِ وَالْبُزَاةِ ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ تُقْسَمُ .
وَإِنْ كَانَتْ كِلَابًا ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا .
وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا أَحَدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ ، جَازَ إرْسَالُهَا ، أَوْ إعْطَاؤُهَا غَيْرَ الْغَانِمِينَ ، وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا بَعْضُ الْغَانِمِينَ دُونَ بَعْضٍ ، دُفِعَتْ إلَيْهِ ، وَلَمْ تَحْسِبْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا ، وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا الْجَمِيعُ ، أَوْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ ، فَأَمْكَنَ قَسْمُهَا يَكُونُ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ ، أَوْ تَنَازَعُوا فِي الْجَيِّدِ مِنْهَا ، فَطَلَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فِيهَا .
وَإِنْ وَجَدُوا خَنَازِيرَ ، قَتَلُوهَا ؛ لِأَنَّهَا مُؤْذِيَةٌ ، وَلَا نَفْعَ فِيهَا .
وَإِنْ وَجَدُوا خَمْرًا أَرَاقُوهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي ظُرُوفِهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، أَخَذُوهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْعٌ ، كَسَرُوهَا ؛ لِئَلَّا يَعُودُوا إلَى اسْتِعْمَالِهَا .
( 7561 ) فَصْلٌ : وَلِلْغَازِي أَنْ يَعْلِفَ دَوَابَّهُ ، وَيُطْعِمَ رَقِيقَهُ ، مِمَّا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ، سَوَاءٌ كَانُوا لِلْقُنْيَةِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : يَشْتَرِي الرَّجُلُ السَّبْيَ فِي بِلَادِ الرُّومِ ، يُطْعِمُهُمْ مِنْ طَعَامِ الرُّومِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يُطْعِمُهُمْ .
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ : سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِلَادَ الرُّومِ ، وَمَعَهُ الْجَارِيَةُ وَالدَّابَّةُ لِلتِّجَارَةِ ، إنْ أَطْعَمَهُمَا يَعْنِي الْجَارِيَةَ وَعَلَفَ الدَّابَّةِ ؟ قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ .
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ ، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْغَزْوِ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ بَعْدَ هَذَا ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَا يُرَادُ بِهِ التِّجَارَةُ .

( 7562 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَتْ ، وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا غَنِمَ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجَيْشَ إذَا فَصَلَ غَازِيًا ، فَخَرَجَتْ مِنْهُ سَرِيَّةٌ أَوْ أَكْثَرُ ، فَأَيُّهُمَا غَنِمَ ، شَارَكَهُ الْآخَرُ .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَحَمَّادٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ : إنْ شَاءَ الْإِمَامُ خَمَسَ مَا تَأْتِي بِهِ السَّرِيَّةُ ، وَإِنْ شَاءَ نَفَلَهُمْ إيَّاهُ كُلَّهُمْ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا غَزَا هَوَازِنَ ، بَعَثَ سَرِيَّةً مِنْ الْجَيْشِ قِبَلَ أَوْطَاسٍ ، فَغَنِمَتْ السَّرِيَّةُ ، فَأَشْرَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَيْشِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَرَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَيَرُدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدِهِمْ } .
وَفِي تَنْفِيلِ النَّبِيِّ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبْعَ ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ ، دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اخْتَصُّوا بِمَا غَنِمُوهُ ، لِمَا كَانَ ثُلُثُهُ نَفْلًا ، وَلِأَنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ ، فَيَشْتَرِكُونَ ، كَمَا لَوْ غَنِمَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْجَيْشِ .
وَإِنْ أَقَامَ الْأَمِيرُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ ، وَبَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا ، فَمَا غَنِمَتْ السَّرِيَّةُ فَهُوَ لَهَا وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِكُ الْمُجَاهِدُونَ ، وَالْمُقِيمُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِمُجَاهِدٍ .
وَإِنْ نَفَّذَ مِنْ بَلَدِ الْإِسْلَامِ جَيْشَيْنِ أَوْ سَرِيَّتَيْنِ ، فَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَنْفَرِدُ بِمَا غَنِمَتْهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا انْفَرَدَتْ بِالْغَزْوِ ، فَانْفَرَدَتْ بِالْغَنِيمَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَصَلَ الْجَيْشُ ، فَدَخَلَ بِجُمْلَتِهِ بِلَادَ الْكُفَّارِ ، فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْجِهَادِ ، فَاشْتَرَكُوا فِي الْغَنِيمَةِ .

( 7563 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ ، فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ ، طَرَحَهُ فِي مَقْسَم تِلْكَ الْغَزَاةِ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ) وَالْأُخْرَى ، يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا .
أَمَّا الْكَثِيرُ ، فَيَجِبُ رَدُّهُ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهٍ يَفْضُلُ مِنْهُ كَثِيرٌ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَقَدْ أَخَذَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُهُ ، لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ، كَسَائِرِ الْمَالِ .
وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، فَمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ لَهُ بَيْعُهُ .
وَأَمَّا الْيَسِيرُ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَجِبُ رَدُّهُ أَيْضًا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْكَثِيرِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ } .
وَلِأَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، وَلَمْ يُقْسَمْ ، فَلَمْ يُبَحْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْكَبِيرِ ، أَوْ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَالثَّانِيَةُ ، يُبَاحُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ ، وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَهْلُ الشَّامِ يَتَسَاهَلُونَ فِي هَذَا .
وَقَدْ رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كُنَّا نَأْكُلُ الْجَزُورِ فِي الْغَزْوِ ، وَلَا نَقْسِمُهُ ، حَتَّى أَنْ كُنَّا لِنَرْجِعَ إلَى رِحَالِنَا وَأَخْرِجَتُنَا مُمْلَأَةٌ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : دَخَلْت عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَ إلَيَّ تُمَيْرًا مِنْ تُمَيْرِ الرُّومِ ، فَقُلْت : لَقَدْ سَبَقْت النَّاسَ بِهَذَا .
قَالَ : لَيْسَ هَذَا مِنْ

الْعَامِ ، هَذَا مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، فِي " سُنَنِهِ " .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : أَدْرَكْت النَّاسَ يَقْدَمُونَ بِالْقَدِيدِ ، فَيُهْدِيه بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ ، لَا يُنْكِرُهُ إمَامٌ وَلَا عَامِلٌ وَلَا جَمَاعَةٌ .
وَهَذَا نَقْلٌ لِلْإِجْمَاعِ .
وَلِأَنَّهُ أُبِيحَ إمْسَاكُهُ عَنْ الْقِسْمَةِ ، فَأُبِيحَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، كَمُبَاحَاتِ دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا فِيهَا .
وَيُفَارِقُهُ الْكَبِيرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إمْسَاكُهُ عَنْ الْقِسْمَةِ ، وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ تَجْرِي الْمُسَامَحَةُ فِيهِ ، وَنَفْعُهُ قَلِيلٌ ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ .

( 7564 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَسِيرًا مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ ، لَزِمَ الْأَسِيرَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ ) لَا يَخْلُو هَذَا مِنْ حَالَيْنِ ؛ أَحَدِهِمَا ، أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِإِذْنِهِ ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُشْتَرِي مَا أَدَّاهُ فِيهِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ، إذَا وَزَنَ بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ فِيهِ ، كَانَ نَائِبَهُ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ ، فَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى الْآمِرِ ، كَالْوَكِيلِ .
وَالثَّانِي ، أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَيَلْزَمُ الْأَسِيرَ الثَّمَنُ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَمَّرَ دَارِهِ .
وَقَالَ اللَّيْثُ إنْ كَانَ الْأَسِيرُ مُوسِرًا كَقَوْلِنَا ، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا ، أَدَّى ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالُ .
وَلَنَا .
مَا رَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَرِيزٍ ، عَنْ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : أَغَارَ أَهْلُ مَاهَ وَأَهْلُ جَلُولَاءَ عَلَى الْعَرَبِ ، فَأَصَابُوا سَبَايَا مِنْ سَبَايَا الْعَرَبِ ، فَكَتَبَ السَّائِبُ بْنُ الْأَقْرَعِ إلَى عُمَرَ فِي سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ وَرَقِيقِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ ، قَدْ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ مِنْ أَهْلِ مَاهَ ، فَكَتَبَ عُمَرَ : أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَمَا اُقْتُسِمَ ، فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمْ ؛ فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى .
فَحَكَمَ لِلتُّجَّارِ بِرُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ .
وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ ، لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ ، وَيَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِيهِمْ ، فَإِذَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ، كَمَا لَوْ قَضَى

الْحَاكِمُ عَنْهُ حَقًّا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ .
( 7565 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذَا أَذِنَ لَهُ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي فِعْلِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِفِعْلِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْأَسِيرَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ بِالْأَصْلِ .

( 7566 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا سَبَى الْمُشْرِكُونَ مَنْ يُؤَدِّي إلَيْنَا الْجِزْيَةَ ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ ، رُدُّوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُسْتَرَقُّوا ، وَمَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ مِنْ مَالٍ أَوْ رَقِيقٍ ، رُدَّ إلَيْهِمْ ، إذَا عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ ، وَيُفَادَى بِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُفَادَى بِالْمُسْلِمِينَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَهْلِ ذِمَّتِنَا ، فَسَبَوْهُمْ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ وَجَبَ رَدُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِمْ ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمْ .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ بَاقِيَةٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مَا يُوجِبُ نَقْضَهَا .
وَحُكْمُ أَمْوَالِهِمْ ، حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي حُرْمَتِهَا .
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا ، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا .
فَمَتَى عُلِمَ صَاحِبُهَا قَبْلَ قَسَمَهَا وَجَبَ رَدُّهَا إلَيْهِ ، وَإِنْ عُلِمَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ .
وَالثَّانِيَةُ ، هُوَ لَهُ بِثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَعْصُومَةٌ كَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا فِدَاؤُهُمْ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ ، سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَعُونَتِنَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا .
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَاللَّيْثِ ؛ لِأَنَّنَا الْتَزَمْنَا حِفْظَهُمْ ، بِمُعَاهَدَتِهِمْ ، وَأَخْذِ جِزْيَتِهِمْ ، فَلَزِمَنَا الْقِتَالُ مِنْ وَرَائِهِمْ ، وَالْقِيَامُ دُونَهُمْ ، فَإِذَا عَجَزْنَا عَنْ ذَلِكَ ، وَأَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُمْ ، لَزِمَنَا ذَلِكَ ، كَمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ شَيْءٍ ، فَإِذَا أَتْلَفَهُ غَرِمَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي قِتَالِهِ فَسُبُوا وَجَبَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُمْ ؛ لِأَنَّ أَسْرَهُمْ كَانَ لِمَعْنًى

مِنْ جِهَتِهِ .
وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ .
وَمَتَى وَجَبَ فِدَاؤُهُمْ ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ ، وَالْخَوْفَ عَلَيْهِ أَشَدُّ ، وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِفِتْنَتِهِ عَنْ دِينِ الْحَقِّ ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
( 7567 ) فَصْلٌ : وَيَجِبُ فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ إذَا أَمْكَنَ .
وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمَالِكٌ ، وَإِسْحَاقُ .
وَيَرْوِي عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ : عَلَى مَنْ فِكَاكُ الْأَسِيرِ ؟ قَالَ : عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُقَاتِلُ عَلَيْهَا .
وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَطْعِمُوا الْجَائِعَ ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ } .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فَيْئِهِمْ أَنْ يُفَادُوا أَسِيرَهُمْ ، وَيُؤَدُّوا عَنْ غَارِمِهِمْ } .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ " أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ ، وَأَنْ يَفُكُّوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ " .
وَفَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالرَّجُلِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ ، وَفَادَى بِالْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَوْهَبَهَا مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَجُلَيْنِ .

( 7568 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا حَازَ الْأَمِيرُ الْمَغَانِمَ ، وَوَكَّلَ مَنْ يَحْفَظُهَا ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا ، إلَّا أَنْ تَدْعُوَ الضَّرُورَةُ ، بِأَنْ لَا يَجِدُوا مَا يَأْكُلُونَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَغَانِمَ إذَا جُمِعَتْ ، وَفِيهَا طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ ، لَمْ يَجُزْ لَأَحَدٍ أَخْذُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا أَبَحْنَا أَخْذَهُ قَبْلَ جَمْعِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ ، فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَات مِنْ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ ، فَإِذَا حِيزَتْ الْمَغَانِمُ ، ثَبَتَ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا ، فَخَرَجَتْ عَنْ حَيِّزِ الْمُبَاحَاتِ ، وَصَارَتْ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ ، فَلَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يَأْكُلُونَهُ ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ نُفُوسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ أَهَمُّ ، وَسَوَاءٌ حِيزَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَا كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا وَإِنْ حِيزَتْ ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ ، لِعُسْرِ نَقْلِ الْمِيرَةِ إلَيْهَا ، بِخِلَافِ دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ عَامٌّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيه ؛ فَإِنَّ مَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ ، وَتَحَقَّقَ مِلْكُهُمْ لَهُ ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ إلَّا بِرِضَاهُمْ ، كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ ، وَلِأَنَّ حِيَازَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِيهِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ قِسْمَتِهِ ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْمِلْكِ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ بَعْدُ .

( 7569 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ الْمَغْنَمِ فِي بِلَادِ الرُّومِ ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُخِذَ مِنْهُ الثَّمَنُ ، رُدَّ إلَيْهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمِيرَ إذَا بَاعَ مِنْ الْمَغْنَمِ شَيْئًا قَبْلَ قَسَمَهُ لِمَصْلَحَةٍ ، صَحَّ بَيْعُهُ ، فَإِنْ عَادَ الْكُفَّارُ ، فَغَلَبُوا عَلَى الْمَبِيعِ ، فَأَخَذُوهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ كَانَ لِتَفْرِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ، مِثْلُ أَنْ خَرَجَ بِهِ مِنْ الْمُعَسْكَرِ ، وَنَحْو ذَلِكَ ، فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَهَابَهُ حَصَلَ بِتَفْرِيطِهِ ، فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ ، وَإِنْ حَصَلَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ، وَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْمُشْتَرِي ، سَقَطَ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ أُخِذَ مِنْهُ ، رُدَّ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَكْمُلْ ، لِكَوْنِ الْمَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ غَيْرَ مُحْرِزٍ ، وَكَوْنِهِ عَلَى خَطَرٍ مِنْ الْعَدُوِّ ، فَأَشْبَهَ التَّمْرَ الْمَبِيعَ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْجُذَاذِ .
وَالثَّانِيَةُ ، هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ .
وَهَذَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ ، وَأَبُو بَكْرٍ صَاحِبُهُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْبُوضٌ ، أُبِيحَ لِمُشْتَرِيهِ ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أُحْرِزَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّ أَخْذَ الْعَدُوِّ لَهُ تَلَفٌ ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ الْبَائِعُ ، كَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّلَفِ ، وَلِأَنَّ نَمَاءَهُ لِلْمُشْتَرِي ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } .
( 7570 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قُسِمَتْ الْغَنَائِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، جَازَ لِمَنْ أَخَذَ سَهْمَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ .
فَإِنْ بَاعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا شَيْئًا مِنْهَا ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ ، فَفِي ضَمَانِ الْبَائِعِ

لَهُ وَجْهَانِ ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
وَإِنْ اشْتَرَاهُ مُشْتَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ، فَكَذَلِكَ ، فَإِذَا قُلْنَا : هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ .
رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، بِمَا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ .
( 7571 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ ، فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ مِنْ الْمَغْنَمِ ، مَعَهَا الْحُلِيُّ فِي عُنُقِهَا وَالثِّيَابُ : يَرُدُّ ذَلِكَ فِي الْمَغْنَمِ ، إلَّا شَيْئًا تَلْبَسُهُ ، مِنْ قَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَإِزَارٍ .
وَهَذَا قَوْلُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، وَمَكْحُولٍ ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ ، وَالْمُتَوَكِّلِ ، وَإِسْحَاقَ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَيُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ .
وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ بَاعَ عَبْدًا ، وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ } .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ .
وَكَانَ مَالِكٌ يُرَخِّصُ فِي الْيَسِيرِ ، كَالْقُرْطَيْنِ وَأَشْبَاهِهِمَا ، وَلَا يَرَى ذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَصَّلَ الْقَوْلُ فِي هَذَا ، فَيُقَالُ : مَا كَانَ عَلَيْهَا ظَاهِرًا مَرْئِيًّا ، يُشَاهِدُهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ، كَالْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ وَالْقِلَادَةِ ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا بَاعَهَا بِمَا عَلَيْهَا ، وَالْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ ، فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ، كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ ، وَمَا خَفِيَ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ ، رَدَّهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَيْهَا بِدُونِهِ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ، كَجَارِيَةٍ أُخْرَى .
( 7572 ) .
فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَجُوزُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَغْنَمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ يُحَابَى ، وَلِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُهُ فِي غَزْوَةِ جَلُولَاءَ ، وَقَالَ : إنَّهُ يُحَابَى .
احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
وَلِأَنَّهُ هُوَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ ، فَكَأَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِ نَفْسِهِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إذَا قَوَّمَ أَصْحَابُ الْمَغَانِمِ شَيْئًا

مَعْرُوفًا ، فَقَالُوا فِي جُلُودِ الْمَاعِزِ بِكَذَا .
وَالْخِرْفَانِ بِكَذَا .
يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، يَأْخُذُهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ، وَلَا يَأْتِي الْمَغَانِمَ ؟ فَرَخَّصَ فِيهِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاسْتِئْذَانُ فِيهِ ، فَسُومِحَ فِيهِ ، كَمَا سُومِحَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ ، وَرُكُوبِ سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ ، مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ .

مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا حُورِبَ الْعَدُوُّ ، لَمْ يُحَرَّقُوا بِالنَّارِ ) أَمَّا الْعَدُوُّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهُ بِالنَّارِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ .
وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُ بِتَحْرِيقِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالنَّارِ .
وَفَعَلَ ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَمْرِهِ ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ خِلَافًا .
وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ الْأَسْلَمِيُّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ ، قَالَ : فَخَرَجْت فِيهَا ، فَقَالَ : { إنْ أَخَذْتُمْ فُلَانًا ، فَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ } .
فَوَلَّيْت ، فَنَادَانِي ، فَرَجَعْت ، فَقَالَ : { إنْ أَخَذْتُمْ فُلَانًا ، فَاقْتُلُوهُ ، وَلَا تَحْرِقُوهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَسَعِيدٌ .
وَرَوَى أَحَادِيثَ سِوَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ، وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمْزَةَ .
فَأَمَّا رَمْيُهُمْ قَبْلَ أَخْذِهِمْ بِالنَّارِ ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُمْ بِدُونِهَا ، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمْ بِغَيْرِهَا ، فَجَائِزٌ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَمْرٍو ، وَحَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ جُنَادَةَ بْنَ أُمَيَّةَ الْأَزْدِيَّ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ الْفَزَارِيَّ ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ وُلَاةِ الْبَحْرَيْنِ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، كَانُوا يَرْمُونَ الْعَدُوَّ مِنْ الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ بِالنَّارِ ، وَيُحَرِّقُونَهُمْ ، هَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ ، وَهَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ .
قَالَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ : لَمْ يَزُلْ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ .
( 7574 ) فَصْلٌ : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي فَتْحِ الْبُثُوقِ عَلَيْهِمْ ، لِيُغْرِقَهُمْ ، إنْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ ، لَمْ يَجُزْ ،

إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ إتْلَافَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ ، الَّذِينَ يَحْرُمُ إتْلَافُهُمْ قَصْدًا ، وَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِمْ إلَّا بِهِ ، جَازَ ، كَمَا يَجُوزُ الْبَيَاتُ الْمُتَضَمِّنُ لِذَلِكَ .
وَيَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِمْ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ .
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّهُ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة .
وَلِأَنَّ الْقِتَالَ بِهِ مُعْتَادٌ ، فَأَشْبَهَ الرَّمْيَ بِالسِّهَامِ .
( 7575 ) .
فَصْلٌ : وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ ، وَهُوَ كَسْبُهُمْ لَيْلًا ، وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِالْبَيَاتِ ، وَهَلْ غَزْوُ الرُّومِ إلَّا الْبَيَاتُ ، قَالَ : وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ بَيَاتَ الْعَدُوِّ .
وَقَرَأَ عَلَيْهِ : سُفْيَانُ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ .
قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ الدِّيَارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، نُبَيِّتُهُمْ فَنُصِيبُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ ؟ فَقَالَ : " هُمْ مِنْهُمْ " .
فَقَالَ : إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ .
قُلْنَا : هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّعَمُّدِ لِقَتْلِهِمْ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُمْ ، فَلَا .
قَالَ : وَحَدِيثُ الصَّعْبِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ حِينَ بَعَثَ إلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ .
وَعَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ ، يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّعَمُّدِ ، وَالْإِبَاحَةُ عَلَى مَا عَدَاهُ .

( 7576 ) فَصْلٌ : قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إذَا كَانَ فِي الْمَطْمُورَةِ الْعَدُوُّ ، فَعَلِمْت أَنَّك تَقْدِرُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ النَّارِ ، فَأَحَبُّ إلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ النَّارِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَأَبَوْا أَنْ يَخْرُجُوا فَلَا أَرَى بَأْسًا ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُرِّيَّةٌ ، قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَاتِلُونَ بِهَا .
وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ ، وَهِشَامٌ .
وَيُدَخَّنُ عَلَيْهِمْ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَهْلُ الشَّامِ أَعْلَمُ بِهَذَا

( 7757 ) ( 7577 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَتَرَّسُوا فِي الْحَرْبِ بِنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ ، جَازَ رَمْيُهُمْ ، وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَمَعَهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ } ، وَلِأَنَّ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ ، لِأَنَّهُمْ مَتَى عَلِمُوا ذَلِكَ تَتَرَّسُوا بِهِمْ عِنْدَ خَوْفِهِمْ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْحَرْبُ مُلْتَحِمَةً أَوْ غَيْرَ مُلْتَحِمَةٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتَحَيَّنُ بِالرَّمْيِ حَالَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ .

( 7578 ) فَصْلٌ : وَلَوْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ أَوْ عَلَى حِصْنِهِمْ ، فَشَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ تَكَشَّفَتْ لَهُمْ ، جَازَ رَمْيُهَا قَصْدًا ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : { لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ أَشْرَفَتْ امْرَأَةٌ ، فَكَشَفَتْ عَنْ قُبُلِهَا ، فَقَالَ : هَا دُونَكُمْ فَارْمُوهَا .
فَرَمَاهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَمَا أَخْطَأَ ذَلِكَ مِنْهَا } .
وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى رَمْيِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ رَمْيِهَا .
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ رَمْيُهَا إذَا كَانَتْ تَلْتَقِطُ لَهُمْ السِّهَامَ ، أَوْ تَسْقِيهِمْ ، أَوَتُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُقَاتِلِ .
وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّبِيِّ وَالشَّيْخِ وَسَائِرِ مَنْ مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ مِنْهُمْ .

( 7579 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ ، وَلَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ ، لِكَوْنِ الْحَرْبِ غَيْرَ قَائِمَةٍ ، أَوْ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ ، أَوْ لِلْأَمْنِ مِنْ شَرِّهِمْ ، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ .
فَإِنْ رَمَاهُمْ فَأَصَابَ مُسْلِمًا ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ .
وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى رَمْيِهِمْ لِلْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، جَازَ رَمْيُهُمْ ؛ لِأَنَّهَا حَالُ ضَرُورَةٍ وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ .
وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالرَّمْيِ ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ : لَا يَجُوزُ رَمْيُهُمْ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ } الْآيَةَ .
.
قَالَ اللَّيْثُ : تَرْكُ فَتْحِ حِصْنٍ يُقْدَرُ عَلَى فَتْحِهِ ، أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : كَيْفَ يَرْمُونَ مَنْ لَا يَرَوْنَهُ ، إنَّمَا يَرْمُونَ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ الْقَاضِي ، وَالشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ رَمْيُهُمْ إذَا كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ .
فَعَلَى هَذَا ، إنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَفِي الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } .
وَالثَّانِيَةُ ، لَا دِيَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِرَمْيٍ مُبَاحٍ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } .
وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا دِيَةَ لَهُ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ أُبِيحَ مَعَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ، فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا ، كَرَمْيِ مَنْ أُبِيحَ دَمُهُ .
وَلَنَا ، الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ ، وَأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا بِالْإِيمَانِ ، وَالْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَتَرَّسْ بِهِ .

( 7580 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَا يُغَرِّقُوا النَّحْلَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ تَغْرِيقَ النَّحْلِ وَتَحْرِيقَهُ لَا يَجُوزُ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقِيلَ لِمَالِكٍ : أَنُحَرِّقُ بُيُوتَ نَحْلِهِمْ ؟ قَالَ : أَمَّا النَّحْلُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إبَاحَتُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَيْظًا لَهُمْ وَإِضْعَافًا ، فَأَشْبَهَ قَتْلَ بَهَائِمِهِمْ حَالَ قِتَالِهِمْ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَهُوَ يُوصِيهِ ، حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى الْقِتَالِ بِالشَّامِ : وَلَا تُحَرِّقْنَ نَحْلًا ، وَلَا تُغْرِقَنَّهُ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ مِنْ غَزَاةٍ غَزَاهَا ، فَقَالَ : لَعَلَّك حَرَّقْت حَرْثًا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : لَعَلَّك غَرَّقْت نَحْلًا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : لَعَلَّك قَتَلْت صَبِيًّا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : لِيَكُنْ غَزْوُك كَفَافًا .
أَخْرَجَهُمَا سَعِيدٌ .
وَنَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ثَوْبَانَ .
وَقَدْ ثَبَتَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النَّحْلَةِ ، وَنَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا } .
وَلِأَنَّهُ إفْسَادٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } .
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو رُوحٍ ، فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ لِغَيْظِ الْمُشْرِكِينَ ، كَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ .
وَأَمَّا أَخْذُ الْعَسَلِ وَأَكْلُهُ فَمُبَاحٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ .

( 7581 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَا يَعْقِرُ شَاةً ، وَلَا دَابَّةً ، إلَّا لِأَكْلٍ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ أَمَّا عَقْرُ دَوَابِّهِمْ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ ، لِمُغَايَظَتِهِمْ ، وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ ، فَلَا يَجُوزُ ، سَوَاءٌ خِفْنَا أَخْذَهُمْ لَهَا أَوْ لَمْ نَخَفْ .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَيْظًا لَهُمْ ، وَإِضْعَافًا لِقُوَّتِهِمْ ، فَأَشْبَهَ قَتْلَهَا حَالَ قِتَالِهِمْ .
وَلَنَا ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ لِيَزِيدَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا : يَا يَزِيدُ ، لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا ، وَلَا امْرَأَةً ، وَلَا هَرِمًا ، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا ، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا ، وَلَا دَابَّةً عَجْمَاءَ ، وَلَا شَاةً ، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ ، وَلَا تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا ، وَلَا تُغْرِقَنَّهُ ، وَلَا تَغْلُلْ ، وَلَا تَجْبُنْ .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ قَتْلِ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا } .
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو حُرْمَةٍ ، فَأَشْبَهَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ .
وَأَمَّا حَالُ الْحَرْبِ .
فَيَجُوزُ فِيهَا قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ كَيْفَ أَمْكَنَ ، بِخِلَافِ حَالِهِمْ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا جَازَ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ ، وَفِي الْمَطْمُورَةِ ، إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُمْ مُنْفَرِدِينَ ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ ، وَقَتْلِ بَهَائِمِهِمْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ الْمَدَدِيِّ الَّذِي عَقَرَ بِالرُّومِيِّ فَرَسَهُ .
وَرُوِيَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ ، عَقَرَ فَرَسَ أَبِي سُفْيَانَ بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَرَمَتْ بِهِ ، فَخَلَّصَهُ ابْنُ شَعُوبٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ .
( 7582 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا عَقْرُهَا لِلْأَكْلِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ ، فَمُبَاحٌ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ ، فَمَالُ الْكَافِرِ أَوْلَى .
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ

دَاعِيَةً إلَيْهِ نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ إلَّا لِلْأَكْلِ ، كَالدَّجَاجِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالصَّيْدِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ .
فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ، وَتَقِلُّ قِيمَتُهُ ، فَأَشْبَهَ الطَّعَامَ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْقِتَالِ ، كَالْخَيْلِ ، لَمْ يُبَحْ ذَبْحُهُ لِلْأَكْلِ ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ، كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ ، لَمْ يُبَحْ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إبَاحَتُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ مِثْلُ الطَّعَامِ فِي بَابِ الْأَكْلِ وَالْقُوتِ ، فَكَانَ مِثْلَهُ فِي إبَاحَتِهِ .
وَإِذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ ، أَكَلَ لَحْمَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَأْكُلُهُ دُونَ غَيْرِهِ .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : كُلُوا لَحْمَ الشَّاةِ ، وَرُدُّوا إهَابَهَا إلَى الْمَغْنَمِ .
وَلِأَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ ، فَأُبِيحَ أَكْلُهُ ، كَالطَّيْرِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، مَا رَوَى سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ { ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : أَصَبْنَا غَنَمًا لِلْعَدُوِّ ، فَانْتَهَبْنَا ، فَنَصَبْنَا قُدُورَنَا ، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُدُورِ وَهِيَ تَغْلِي ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : إنَّ النُّهْبَةَ لَا تَحِلُّ } .
وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ تَكْثُرُ قِيمَتُهَا ، وَتَشِحُّ أَنْفُسُ الْغَانِمِينَ بِهَا ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، بِخِلَافِ الطَّيْرِ وَالطَّعَامِ ، لَكِنْ إنْ أَذِنَ الْأَمِيرُ فِيهَا جَازَ ؛ لِمَا رَوَى عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ ، قَالَ : كُنَّا إذَا خَرَجْنَا فِي سَرِيَّةٍ ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا ، نَادَى مُنَادِي الْإِمَامِ : أَلَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ فَلْيَتَنَاوَلْ ، إنَّا لَا نَسْتَطِيعُ سِيَاقَتَهَا .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَسَمَهَا ؛ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ ، قَالَ : { غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا ، فَقَسَمَ بَيْنَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِفَةً ، وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ ، أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ جَزُورًا بِأَرْضِ الرُّومِ ، فَلَمَّا بَرَدَتْ ، قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوا مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْجَزُورِ ، فَقَدْ أَذِنَّا لَكُمْ .
فَقَالَ مَكْحُولٌ : يَا غَسَّانِيُّ ، أَلَا تَأْتِينَا مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْجَزُورِ ؟ فَقَالَ الْغَسَّانِيُّ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، أَمَا تَرَى عَلَيْهَا مِنْ النُّهْبَى ؟ قَالَ مَكْحُولٌ : لَا نُهْبَى فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ .
( 7583 ) .
فَصْلٌ : وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّ مَا عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ سِيَاقَتِهِ وَأَخْذِهِ ، إنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَعِينُ بِهِ الْكُفَّارُ فِي الْقِتَالِ ، كَالْخَيْلِ ، جَازَ عَقْرُهُ وَإِتْلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْرُمُ إيصَالُهُ إلَى الْكُفَّارِ بِالْبَيْعِ فَتَرْكُهُ لَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ ، فَلِلْمُسْلِمِينَ ذَبْحُهُ ، وَالْأَكْلُ مِنْهُ ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ ، لَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إفْسَادٍ وَإِتْلَافٍ ، وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ } .

( 7584 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَا يَقْطَعُ شَجَرَهُمْ ، وَلَا يُحَرِّقُ زَرْعَهُمْ ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي بِلَادِنَا ، فَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ لِيَنْتَهُوا وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ؛ أَحَدُهَا ، مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ كَاَلَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ ، وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ ، أَوْ يُسْتَرُونَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ ، أَوْ تَمَكُّنٍ مِنْ قِتَالٍ ، أَوْ سَدِّ بَثْقٍ ، أَوْ إصْلَاحِ طَرِيقٍ ، أَوْ سِتَارَةِ مَنْجَنِيقٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ يَكُونُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا ، فَيُفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ ، لِيَنْتَهُوا ، فَهَذَا يَجُوزُ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ .
الثَّانِي ، مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ ، لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعَلُوفَتِهِمْ ، أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ ، أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ ، أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا ، فَإِذَا فَعَلْنَاهُ بِهِمْ فَعَلُوهُ بِنَا ، فَهَذَا يَحْرُمُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ .
الثَّالِثُ ، مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ ، مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَلَا نَفْعٌ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ ، وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يَجُوزُ ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَوَصِيَّتِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا مَحْضًا ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَعَقْرِ الْحَيَوَانِ .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يَجُوزُ .
وَبِهَذَا قَالَ وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
قَالَ إِسْحَاقُ : التَّحْرِيقُ سُنَّةٌ ، إذَا كَانَ أَنْكَى فِي الْعَدُوِّ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } .
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ، وَقَطَعَ ، وَهُوَ الْبُوَيْرَةُ ، } فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ } .
وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ : وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : { فَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إلَيْهِ ، فَقَالَ : أَغِرْ عَلَى أُبْنَا صَبَاحًا وَحَرِّقْ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قِيلَ لِأَبِي مُسْهِرٍ : أُبْنَا .
قَالَ : نَحْنُ أَعْلَمُ ، هِيَ يُبْنَا فِلَسْطِينَ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا أُبْنَا ، كَمَا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَرْضِ الْكَرْكِ ، فِي أَطْرَافِ الشَّامِ ، فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا أَبُوهُ ، فَأَمَّا يُبْنَا فَهِيَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ أُسَامَةُ لِيَصِلَ إلَيْهَا ، وَلَا يَأْمُرُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِغَارَةِ عَلَيْهَا ، لِبُعْدِهَا ، وَالْخَطَرِ بِالْمَصِيرِ إلَيْهَا ، لِتَوَسُّطِهَا فِي الْبِلَادِ ، وَبُعْدِهَا مِنْ طَرَفِ الشَّامِ ، فَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمُرَهُ بِالتَّغْرِيرِ بِالْمُسْلِمِينَ ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَيْهَا ، مَعَ مُخَالَفَةِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ ، وَفَسَادِ الْمَعْنَى ، .

( 7585 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَا يَتَزَوَّجُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ ، إلَّا أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ ، فَيَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً ، وَيَعْزِلَ عَنْهَا .
وَلَا يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ جَارِيَةً ، لَمْ يَطَأْهَا فِي الْفَرْجِ ، وَهُوَ فِي أَرْضِهِمْ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ بِأَمَانٍ ، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ ، فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، أَنَّهُ بَلَغَهُ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ أَبَا بَكْرٍ أَسْمَاءَ ابْنَةَ عُمَيْسٍ ، وَهُمْ تَحْتَ الرَّايَاتِ } .
أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ .
وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدَ لَهُمْ عَلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَأَمَّا الْأَسِيرُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ مَا دَامَ أَسِيرًا ، لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ إذَا أُسِرَتْ مَعَهُ ، مَعَ صِحَّةِ نِكَاحِهِمَا .
وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَحِلُّ لِلْأَسِيرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ ، مَا كَانَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ .
وَكَرِهَ الْحَسَنُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا دَامَ فِي أَرْضِ الْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّ الْأَسِيرَ إذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ كَانَ رَقِيقًا لَهُمْ ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ أَسِيرٍ اشْتَرَيْت مَعَهُ امْرَأَتُهُ ، أَيَطَؤُهَا ؟ فَقَالَ : كَيْفَ يَطَؤُهَا ، فَلَعَلَّ غَيْرَهُ مِنْهُمْ يَطَؤُهَا ، قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لَهُ : وَلَعَلَّهَا تَعْلَقُ بِوَلَدٍ ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ .
قَالَ : وَهَذَا أَيْضًا .
وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ ، كَالتَّاجِرِ وَنَحْوِهِ ، فَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْخِرَقِيِّ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التَّزَوُّجُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فَيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ ، وَرُبَّمَا نَشَأَ بَيْنَهُمْ ، فَيَصِيرُ عَلَى دِينِهِمْ .
فَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ ، أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ ؛ لِأَنَّهَا حَالُ ضَرُورَةٍ ، وَيَعْزِلُ عَنْهَا ، كَيْ

لَا تَأْتِيَ بِوَلَدٍ .
وَلَا يَتَزَوَّجُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ امْرَأَتَهُ إذَا كَانَتْ مِنْهُمْ ، غَلَبَتْهُ عَلَى وَلَدِهَا ، فَيَتْبَعُهَا عَلَى دِينِهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي ، فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ : هَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } .
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ ، فَلَا يَحْرُمُ بِالشَّكِّ وَالتَّوَهُّمِ ، وَإِنَّمَا كَرِهْنَا لَهُ التَّزَوُّجَ مِنْهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَغْلِبُوا عَلَى وَلَدِهِ ، فَيَسْتَرِقُّوهُ ، وَيُعَلِّمُوهُ الْكُفْرَ ، فَفِي تَزْوِيجِهِ تَعْرِيضٌ لِهَذَا الْفَسَادِ الْعَظِيمِ ، وَازْدَادَتْ الْكَرَاهَةُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَغْلِبُهُ عَلَى وَلَدِهَا ، فَتُكَفِّرُهُ ، كَمَا أَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ تَغْلِيبُ الْإِسْلَامِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ ، أَوْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً ، وَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ جَارِيَةً ، لَمْ يَطَأْهَا فِي الْفَرْجِ فِي أَرْضِهِمْ ، مَخَافَةَ أَنْ يَغْلِبُوهُ عَلَى وَلَدِهَا ، فَيَسْتَرِقُّوهُ ، وَيُكَفِّرُوهُ .

فَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ : وَهِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } .
الْآيَاتِ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَيْنَ مُشْرِكَيْنِ ، لَا تَرَاءَا نَارَاهُمَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ ، وَيَرَوْنَ نَارَهُ ، إذَا أُوقِدَتْ .
فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى هَذَيْنِ كَثِيرٍ .
وَحُكْمُ الْهِجْرَةِ بَاقٍ ، لَا يَنْقَطِعُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : قَدْ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ } .
وَقَالَ : { قَدْ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ } .
وَرُوِيَ { أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ لَمَّا أَسْلَمَ ، قِيلَ لَهُ : لَا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ .
فَأَتَى الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا جَاءَ بِك أَبَا وَهْبٍ ؟ قَالَ : قِيلَ إنَّهُ لَا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ .
قَالَ : ارْجِعْ أَبَا وَهْبٍ إلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ ، أَقِرُّوا عَلَى مَسَاكِنِكُمْ ، فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ } .
رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ سَعِيدٌ .
وَلَنَا مَا رَوَى مُعَاوِيَةُ ، قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ، قَالَ : { لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا كَانَ الْجِهَادُ } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَغَيْرُهُ ، مَعَ إطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا ، وَتَحَقُّقِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لَهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ .
وَأَمَّا

الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ ، فَأَرَادَ بِهَا لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ بَلَدٍ قَدْ فُتِحَ .
وَقَوْلُهُ لِصَفْوَانَ : " إنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ " .
يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدِ الْكُفَّارِ ، فَإِذَا فُتِحَ لَمْ يَبْقَ بَلَدَ الْكُفَّارِ ، فَلَا تَبْقَى مِنْهُ هِجْرَةٌ .
وَهَكَذَا كُلِّ بَلَدٍ فُتِحَ لَا يَبْقَى مِنْهُ هِجْرَةٌ ، وَإِنَّمَا الْهِجْرَةُ إلَيْهِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَالنَّاسُ فِي الْهِجْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ؛ أَحَدُهَا ، مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ، وَلَا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ ، وَلَا تُمْكِنُهُ إقَامَةُ وَاجِبَاتِ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ بَيْنَ الْكُفَّارِ ، فَهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } .
وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ .
وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِوَاجِبِ دِينِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَالْهِجْرَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ وَتَتِمَّتِهِ ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ .
الثَّانِي ؛ مَنْ لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ .
وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا ، إمَّا لِمَرَضٍ ، أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الْإِقَامَةِ ، أَوْ ضَعْفٍ ؛ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَشِبْهِهِمْ ، فَهَذَا لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا } .
وَلَا تُوصَفُ بِاسْتِحْبَابٍ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا .
وَالثَّالِثُ ، مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ .
وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ، لَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ ، وَإِقَامَتِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ ، فَتُسْتَحَبُّ لَهُ ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ

، وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَعُونَتِهِمْ ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ ، وَمُخَالَطَتِهِمْ ، وَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ .
وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ وَاجِبِ دِينِهِ بِدُونِ الْهِجْرَةِ .
وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مَعَ إسْلَامِهِ .
وَرَوَيْنَا { أَنَّ نُعَيْمَ النَّحَّامَ ، حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ ، جَاءَهُ قَوْمُهُ بَنُو عَدِيٍّ ، فَقَالُوا لَهُ : أَقِمْ عِنْدَنَا ، وَأَنْتَ عَلَى دِينِك ، وَنَحْنُ نَمْنَعُك مِمَّنْ يُرِيدُ أَذَاك ، وَاكْفِنَا مَا كُنْت تَكْفِينَا .
وَكَانَ يَقُومُ بِيَتَامَى بَنِي عَدِيٍّ وَأَرَامِلِهِمْ ، فَتَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ مُدَّةً ، ثُمَّ هَاجَرَ بَعْدُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَوْمُك كَانُوا خَيْرًا لَك مِنْ قَوْمِي لِي ، قَوْمِي أَخْرَجُونِي ، وَأَرَادُوا قَتْلِي ، وَقَوْمُك حَفِظُوك وَمَنَعُوك .
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : بَلْ قَوْمُك أَخْرَجُوك إلَى طَاعَةِ اللَّهِ ، وَجِهَادِ عَدُوِّهِ وَقَوْمِي ثَبَّطُونِي عَنْ الْهِجْرَةِ ، وَطَاعَةِ اللَّهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ } .

( 7587 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : مَنْ دَخَلَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِأَمَانٍ ، لَمْ يَخُنْهُمْ فِي مَالِهِمْ ، وَلَمْ يُعَامِلْهُمْ بِالرِّبَا أَمَّا تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الرِّبَا ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : { وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَسَائِرَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ .
وَأَمَّا خِيَانَتُهُمْ ، فَمُحَرَّمَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ مَشْرُوطًا بِتَرْكِهِ خِيَانَتَهُمْ ، وَأَمْنِهِ إيَّاهُمْ مِنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ ، فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى ، وَلِذَلِكَ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ بِأَمَانٍ ، فَخَانَنَا ، كَانَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ خِيَانَتُهُمْ ، لِأَنَّهُ غَدْرٌ ، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } .
فَإِنْ خَانَهُمْ ، أَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ ، أَوْ اقْتَرَضَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ إلَى أَرْبَابِهِ ، فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ أَوْ إيمَانٍ ، رَدَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَإِلَّا بَعَثَ بِهِ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهٍ حَرَّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ ، فَلَزِمَهُ رَدَّ مَا أَخَذَ ، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ .

( 7588 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمَنْ كَانَ لَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ ، فَنَقَضُوهُ حُورِبُوا ، وَقُتِلَ رِجَالُهُمْ ، وَلَمْ تُسْبَ ذَرَارِيُّهُمْ ، وَلَمْ يُسْتَرَقُّوا ، إلَّا مَنْ وُلِدَ بَعْدَ نَقْضِهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ ، أَوْ أَخَذَ رَجُلٌ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ رِجَالُهُمْ ، وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ الْمَوْجُودُونَ قَبْلَ النَّقْضِ ، لِأَنَّ الْعَهْدَ شَمِلَهُمْ جَمِيعًا ، وَدَخَلَتْ فِيهِمْ الذُّرِّيَّةُ ، وَالنَّقْضُ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ رِجَالِهِمْ ، فَتَخْتَصُّ إبَاحَةُ الدِّمَاءِ بِهِمْ ، وَمِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَنْفَرِدَ الرَّجُلُ بِالْعَهْدِ وَالْأَمَانِ ، دُونَ ذُرِّيَّتِهِ وَذُرِّيَّتُهُ دُونَهُ ، فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِضَ الْعَهْدُ فِيهِ دُونَهُمْ ، وَالنَّقْضُ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ ، دُونَ الذُّرِّيَّةِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِمْ .
قَالَ أَحْمَدُ : قَالَتْ امْرَأَةُ عَلْقَمَةَ لَمَّا ارْتَدَّ : إنْ كَانَ عَلْقَمَةُ ارْتَدَّ ، فَأَنَا لَمْ أَرْتَدَّ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، فِي مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ : لَيْسَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ شَيْءٌ .
فَأَمَّا مَنْ وُلِدَ فِيهِمْ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ ، جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَمَانٌ بِحَالٍ .
وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ ، أَوْ أَقَامُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ .
فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ ، فَمَنْ لَحِقَتْ مِنْهُنَّ بِدَارِ الْحَرْبِ طَائِعَةً ، أَوْ وَافَقَتْ زَوْجَهَا فِي نَقْضِ الْعَهْدَ ، جَازَ سَبْيُهَا ؛ لِأَنَّهَا بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ نَقَضَتْ الْعَهْدَ ، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ ، وَمَنْ لَمْ تَنْقُضْ الْعَهْدَ ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهَا بِنَقْضِ زَوْجِهَا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا أَهْلُ الْهُدْنَةِ إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ ، حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ ، وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ .
وَلَمَّا هَادَنَ قُرَيْشًا فَنَقَضَتْ عَهْدَهُ ، حَلَّ لَهُ مِنْهُمْ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ } .
وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ ، يَنْتَهِي بِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِ ، فَيَزُولُ بِنَقْضِهِ وَفَسْخِهِ ، كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ ، بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ .

( 7590 ) فَصْلٌ : وَمَعْنَى الْهُدْنَةِ ، أَنْ يَعْقِدَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ عَقْدًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً ، بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ .
وَتُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً ، وَذَلِكَ جَائِزٌ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } .
وَرَوَى مَرْوَانُ ، وَمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ ، سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو بِالْحُدَيْبِيَةِ ، عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ } .
وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ ، فَيُهَادِنُهُمْ حَتَّى يَقْوَى الْمُسْلِمُونَ .
وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا لِلنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِمْ ضَعْفٌ عَنْ قِتَالِهِمْ ، وَإِمَّا أَنْ يَطْمَعَ فِي إسْلَامِهِمْ بِهُدْنَتِهِمْ ، أَوْ فِي أَدَائِهِمْ الْجِزْيَةَ ، وَالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُهَادَنَةُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ نَقْضُهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى ضِدِّ الْمَقْصُودِ مِنْهَا .
وَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ دُونَهُمْ ، لَمْ يَجُزْ أَيْضًا .
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ .
وَقَالَ الْقَاضِي ، وَالشَّافِعِيُّ : يَصِحُّ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَالَحَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يُقِرَّهُمْ مَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى } .
وَلَا يَصِحُّ هَذَا ، فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ ، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَقْضِهِ ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ هُدْنَةٌ ، فَإِنَّهُ فَتَحَهَا عَنْوَةً ، وَإِنَّمَا سَاقَاهُمْ ، وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ ، وَلَيْسَ

هَذَا بِهُدْنَةٍ اتِّفَاقًا ، وَقَدْ وَافَقُوا الْجَمَاعَةَ فِي أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ أَنِّي أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ .
لَمْ يَصِحَّ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، مَعَ إجْمَاعِهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ ، ( 7591 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ مَعْلُومَةٍ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، أَنَّهَا لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } .
عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مُدَّةُ الْعَشْرِ { لِمُصَالَحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرًا } ، فَفِيمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ .
فَعَلَى هَذَا ، إنْ زَادَ الْمُدَّةَ عَلَى عَشْرٍ ، بَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ .
وَهَلْ تَبْطُلُ فِي الْعَشْرِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرٍ ، عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ فِي الْعَشْرِ ، فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا ، كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ ، وَالْعَامُّ مَخْصُوصٌ فِي الْعَشْرِ لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الصُّلْحِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الْحَرْبِ .

فَصْلٌ : وَتَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ .
وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّهَا إذَا جَازَتْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ ، فَعَلَى مَالٍ أَوْلَى .
وَأَمَّا إنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ نَبْذُلُهُ لَهُمْ ، فَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ صَغَارًا لِلْمُسْلِمِينَ .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ ، فَأَمَّا إنْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ ، وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلَاكَ أَوْ الْأَسْرَ ، فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ ، فَكَذَا هَا هُنَا ، وَلِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ إنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَحَمُّلُهُ لِدَفْعِ صَغَارٍ أَعْظَمَ مِنْهُ ، وَهُوَ الْقَتْلُ ، وَالْأَسْرُ ، وَسَبْيُ الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ يُفْضِي سَبْيُهُمْ إلَى كُفْرِهِمْ .
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، فِي الْمَغَازِي ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : { أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ - يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ - : أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَك ثُلُثَ تَمْرِ الْأَنْصَارِ ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ ، وَتَخْذُلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ : إنْ جَعَلْت لِي الشَّطْرَ فَعَلْت } .
قَالَ مَعْمَرٌ : فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، { أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَجُرُّ سُرْمَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَامِ السَّنَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ ، مَا يُطِيقُ أَنْ يَدْخُلَهَا ، فَالْآنَ حِينَ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ ، نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَنَعَمْ إذًا } .
وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، لِمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَرُوِيَ { أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو الْغَطَفَانِيَّ ، بَعَثَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71