الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي

.
وَقَالَ ، فِي رِوَايَةِ مِهَنًا : وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا ، وَأَحَدُهُمَا مَمْلُوكٌ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَقَالَ الْقَاضِي : هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، أَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ ، فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا ، قُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا : مَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَإِذَا اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا وَوَرِثَهُ الْآخَرُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّافِي مِنْهُمَا لِأَنَّ الْيَدَ الْمُشَاهَدَةَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي الْإِبْرَةِ وَالْمِقَصِّ ، كَانَتْ لِلْخَيَّاطِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ، فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ قَدْرُ جِهَازِ مِثْلِهَا .
وَقَالَ مَالِكٌ مَا صَلَحَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَهُوَ لَهُ ، وَمَا صَلَحَ لَهُمَا ، كَانَ لِلرَّجُلِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لِلرَّجُلِ ، وَيَدَهُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ السُّكْنَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَزُفَرُ ، وَالْبَتِّيُّ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ وَيَأْخُذُهُ .
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي ثُبُوتِ يَدِهِمَا عَلَى الْمُدَّعَى ، وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ ، فَلَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، كَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا ، أَوْ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةُ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَ ذَلِكَ .
وَلَنَا ، أَنْ أَيْدِيَهُمَا جَمِيعًا عَلَى مَتَاعٍ الْبَيْتِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ نَازَعَهُمَا فِيهِ أَجْنَبِيٌّ ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا ،

وَقَدْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً ، أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا ، أَوْ قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ ، أَوْ جِدَارًا مُتَّصِلًا بِدَارَيْهِمَا ، مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ أَزَجٌ .
وَلَنَا ، عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي ، أَنَّهُمَا تَنَازَعَا فِيمَا فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، أَشْبَهَ إذَا كَانَ فِي الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ .
فَأَمَّا مَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا ، فَإِنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، أَشْبَهَ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّافِي ، أَنَّ وَارِثَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ وَكِيلًا .
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ حَكِيمَةٌ ، بَلْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي عَيْنٍ غَيْرِ قُمَاشٍ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِصَلَاحِيَةِ ذَلِكَ لَهُ ، بَلْ إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، فَهِيَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا ، اقْتَرَعَا عَلَيْهَا ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ حَكَمْنَا بِهَا لَهُ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ ، فَأَشْبَهَا سَائِرَ الْمُخْتَلِفِينَ .

( 8558 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ فِي الدُّكَّانِ نَجَّارٌ وَعَطَّارٌ ، فَاخْتَلَفَا فِيمَا فِيهَا ، حُكِمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا ، فَآلَةُ الْعَطَّارِينَ لِلْعَطَّارِ ، وَآلَةُ النَّجَّارِينَ لِلنَّجَّارِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي دُكَّانٍ وَاحِدٍ ، لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ لَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُهُمَا بِصَلَاحِيَةِ الْعَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَهُ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّوْجَيْنِ ، يَكُونُ ذَلِكَ كَتَنَازُعِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ .

( 8559 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي شَيْءٍ فِي الدَّارِ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ ، كَالْأَثَاثِ ، وَالْأَوَانِي ، وَالْكُتُبِ فَهُوَ لِلْمُكْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُكْرِي دَارِهِ فَارِغَةً مِنْ رَحْلِهِ وَقُمَاشِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ ؛ كَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ ، وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ ، وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ ، وَالسَّلَالِيمِ الْمُسَمَّرَةِ ، وَالْمَفَاتِيحِ وَالرَّحَا الْمَنْصُوبَةِ ، وَحَجَرِهَا التَّحْتَانِيِّ فَهُوَ لِلْمُكْرِي ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ ، فَأَشْبَهَ الشَّجَرَةَ الْمَغْرُوسَةَ فِيهَا .
وَإِنْ كَانَتْ الرُّفُوفُ مَوْضُوعَةً عَلَى أَوْتَادٍ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّفُوفِ ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ .
فَظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومُ فِي الرُّفُوفِ كُلِّهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : كَلَامُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسَمَّرَةِ ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُسَمَّرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا إذَا تَحَالَفَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ فَأَشْبَهَتْ الْقُمَاشَ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُكْتَرِي ، وَلِلْمُكْرِي ظَاهِرٌ يُعَارِضُ هَذَا ، وَهُوَ أَنَّ الْمُكْرِيَ يَتْرُكُ الرُّفُوفَ فِي الدَّارِ ، وَلَا يَنْقُلُهَا عَنْهَا ، فَإِذَا تَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، اسْتَوَيَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا تَحَالَفَا ، كَانَتْ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا ، وَنَكَلَ الْآخَرُ ، فَهِيَ لِمَنْ حَلَفَ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَأَبُو الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلرَّفِّ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ تَحَالَفَا ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ فَالشَّكْلُ تَابِعٌ لِلدَّارِ ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الرَّفَّيْنِ لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ مَقْلُوعٍ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ

صَاحِبِهِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ ، كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَى ، وَالْمِفْتَاحِ مَعَ السَّكْرَةِ .
وَوَجْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، فِي أَنَّ الرُّفُوفَ لِصَاحِبِ الدَّارِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَرْكِ الرُّفُوفِ فِي الدَّارِ ، وَلَمْ تَجْرِ بِنَقْلِ الْمُكْتَرِي لَهَا مَعَهُ ، فَكَانَتْ لِصَاحِبِ الدَّارِ ، كَاَلَّذِي لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ ، وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَهَا أَوْتَادٌ مَنْصُوبَةٌ ، فَالْأَوْتَادُ لِصَاحِبِ الدَّارِ ، فَكَذَلِكَ مَا نُصِبَتْ لَهُ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَى إذَا كَانَ السُّفْلَانِيُّ مَنْصُوبًا ، وَمِفْتَاحِ السَّكْرَةِ الْمُسَمَّرَةِ .

( 8560 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ الْخَيَّاطُ فِي دَارِ غَيْرِهِ ، فَاخْتَلَفَا فِي الْإِبْرَةِ وَالْمِقَصِّ ، فَهِيَ لِلْخَيَّاطِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِمَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَعَا خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ، فَالْعَادَةُ أَنَّهُ يَحْمِلُ مَعَهُ إبْرَتَهُ وَمِقَصَّهُ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَمِيصِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ ؛ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْمِلَ الْقَمِيصَ مَعَهُ يَخِيطُهُ فِي دَارِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا الْعَادَةُ أَنْ يَخِيطَ قَمِيصَ صَاحِبِ الدَّارِ فِيهَا .
وَإِنْ اخْتَلَفَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالنَّجَّارُ فِي الْقَدُومِ ، وَالْمِنْشَارِ ، وَآلَةِ النِّجَارَةِ ، فَهِيَ لِلنَّجَّارِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْخَشَبَةِ الْمَنْجُورَةِ وَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ الْمَنْشُورَةِ ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّجَّادُ وَرَبُّ الدَّارِ فِي قَوْسِ النَّدْفِ ، فَهُوَ لِلنَّجَّادِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْفَرْشِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَ رَبُّ الدَّارِ وَالسَّقَّا فِي الْقِرْبَةِ ، فَهِيَ لِلسَّقَّا .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْخَابِيَةِ وَالْجِرَارِ ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .

( 8561 ) فَصْلٌ : وَإِذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا ، فَالرَّاكِبُ أَوْلَى بِهَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهَا أَقْوَى ، وَيَدَهُ آكَدُ ، وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنْفَعَتِهَا .
وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْحِمْلِ ؛ لِذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا ، حِمْلٌ ، وَالْآخَرُ رَاكِبٌ عَلَيْهَا ، فَهِيَ لِلرَّاكِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى تَصَرُّفًا .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحِمْلِ ، فَادَّعَاهُ الرَّاكِبُ وَصَاحِبُ الدَّابَّةِ ، فَهُوَ لِلرَّاكِبِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْحِمْلِ مَعًا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّاكِنُ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي قُمَاشٍ فِيهَا .
وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَالرَّاكِبُ فِي السَّرْجِ ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ ، لِأَنَّ السَّرْجَ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ .
وَإِنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي ثِيَابٍ عَلَى عَبْدٍ لِأَحَدِهِمَا ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ عَلَيْهَا .
وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الثِّيَابِ وَالْآخَرُ فِي الْعَبْدِ اللَّابِسِ لَهَا ، فَهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ نَفْعَ الثِّيَابِ يَعُودُ إلَى الْعَبْدِ ، لَا إلَى صَاحِبِ الثِّيَابِ .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ، كَمَا ذَكَرْنَا .

( 8562 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَ صَاحِبُ أَرْضٍ وَنَهْرٍ فِي حَائِطٍ بَيْنَهُمَا ، فَهُوَ لَهُمَا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ لِنَفْعِهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِأَرْضِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ، فَكَانَتْ يَدُهُمَا عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ لَهُمَا ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ، أَوْ حَائِطٍ بَيْنَ دَارَيْهِمَا .
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّرْجِيحَيْنِ مُتَقَابِلٌ ، فَيَسْتَوِيَانِ .
وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا ، لِذَلِكَ .
وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
فَإِنَّمَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ ، دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ لَهُ لَا يُفِيدُهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ شَيْئًا ، فَلَا يَسْتَحْلِفُ عَلَيْهِ ، كَالْمُدَّعِي لَا يَحْلِفُ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .

( 8563 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَنَازَعَا عِمَامَةً طَرَفُهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، وَبَاقِيهَا فِي يَدِ الْآخَرِ ، أَوْ قَمِيصًا ، كُمُّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، وَبَاقِيه مَعَ الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُمْسِكِ بِالطَّرَفِ عَلَيْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيهَا عَلَى الْأَرْضِ ، فَنَازَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ كَانَتْ لَهُ ، وَإِذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا تَسَاوَيَا فِيهَا .

وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ ، وَفِي أَحَدِ أَبْيَاتِهَا سَاكِنٌ ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ سَاكِنٌ آخَرُ ، فَاخْتَلَفَا فِيهَا ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ ، لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَنْفَصِلُ عَنْ صَاحِبِهِ ، وَلَا يُشَارِكُ الْخَارِجُ مِنْهُ السَّاكِنَ فِيهِ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ تَنَازَعَا السَّاحَةَ الَّتِي يَتَطَرَّقُ مِنْهَا إلَى الْبُيُوتِ ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْعِمَامَةَ فِيمَا ذَكَرْنَا .

( 8564 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ حَقٌّ ، فَمَنَعَهُ مِنْهُ ، وَقَدَرَ لَهُ عَلَى مَالٍ ، لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ مِقْدَارَ حَقِّهِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ ، بَاذِلٌ لَهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا يُعْطِيه ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ ، بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ غَرَضٌ فِي الْعَيْنِ .
وَإِنْ أَتْلَفَهَا ، أَوْ تَلِفَتْ فَصَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَكَانَ الثَّابِتُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ تُقَاضَا ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ، وَالْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لَأَمْرٍ يُبِيحُ الْمَنْعَ ، كَالتَّأْجِيلِ وَالْإِعْسَارِ ، لَمْ يَجُزْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا ، لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، أَوْ عِوَضُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا ، وَلَا يَحْصُلُ التَّقَاضِي هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخَذَهُ فِي الْحَالِ ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَإِنْ كَانَ مَانِعًا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِالْحَاكِمِ أَوْ السُّلْطَانِ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِكَوْنِهِ جَاحِدًا لَهُ ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُجِيبُهُ إلَى الْمُحَاكَمَةِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ إجْبَارُهُ عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ نَحْوِ هَذَا ، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ، أَنَّهُ

لَيْسَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ .
وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَقَدْ جَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُحَدِّثُونَ لِجَوَازِ الْأَخْذِ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ ، حِينَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يَتَخَرَّجُ لَنَا جَوَازُ الْأَخْذِ ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، أَخَذَ بِقَدْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، تَحَرَّى ، وَاجْتَهَدَ فِي تَقْوِيمِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ ، وَمِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْمُرْتَهَنِ : يَرْكَبُ وَيَحْلُبُ ، بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ ، وَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مُؤْنَتَهَا ، وَبَائِعُ السِّلْعَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ رِضًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ ، فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ ، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ .
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي مَالِهِ إذَا أَفْلَسَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ إنْ كَانَ عَيْنًا ، أَوْ وَرِقًا ، أَوْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا ، لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَرَضِ عَنْ حَقِّهِ اعْتِيَاضٌ ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ إلَّا بِرِضًى مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } .
وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ { هِنْدٍ ، حِينَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي .
فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَإِذَا جَازَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ

مَالِهِ مَا يَكْفِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، جَازَ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى الرَّجُلِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مِنْ ائْتَمَنَك ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَمَتَى أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، فَقَدْ خَانَهُ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } .
وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ ، كَانَ مُعَاوَضَةً بِغَيْرِ تَرَاضٍ ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ الْحَقِّ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ ، فَإِنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ : اقْضِنِي حَقِّي مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ هَذَا .
وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ ، لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ ، كَمَا لَوْ كَانَ بَاذِلًا لَهُ .
فَأَمَّا حَدِيثُ هِنْدٍ ، فَإِنَّ أَحْمَدَ اعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَهَذَا إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى الْفَرْقِ بِالْمَشَقَّةِ فِي الْمُحَاكَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَالْمُخَاصَمَةِ كُلَّ يَوْمٍ تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ قِيَامَ الزَّوْجِيَّةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ ، فَكَأَنَّ الْحَقَّ صَارَ مَعْلُومًا بِعِلْمِ قِيَامِ مُقْتَضِيه ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقَانِ آخَرَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ التَّبَسُّطِ فِي مَالِهِ ، بِحُكْمِ الْعَادَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْحَقِّ وَبَذْلِ الْيَدِ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
الثَّانِي ، أَنَّ النَّفَقَةَ تُرَادُ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ ، وَإِبْقَاءِ الْمُهْجَةِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُصْبَرُ عَنْهُ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهِ ، فَجَازَ أَخْذُ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ هَذِهِ الْحَاجَةُ ، بِخِلَافِ ، الدَّيْنِ ، حَتَّى نَقُولَ : لَوْ صَارَتْ النَّفَقَةُ مَاضِيَةً ، لَمْ يَكُنْ

لَهَا أَخْذُهَا .
وَلَوْ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخْذُهُ .
فَعَلَى هَذَا ، إنْ أَخَذَ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا ، وَجَبَ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ ، تَقَاصَّا ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، لَزِمَهُ غُرْمُهُ ، وَمَنْ جَوَّزَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَخْذَ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إنْ وَجَدَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ جِنْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ، حَقِّهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ تَمَلُّكُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَهَذَا يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَتَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا قَالُوا : الرَّهْنُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ ، إذَا كَانَ مَرْكُوبًا ، أَوْ مَحْلُوبًا ، يُرْكَبُ وَيُحْلَبُ ، بِقَدْرِ النَّفَقَةِ ، وَهِيَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ لَهُ هَذَا ، وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ : يُوَاطِئُ رَجُلًا يَدَّعِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ دَيْنًا ، فَيُقِرُّ لَهُ بِمِلْكِ الشَّيْءِ الَّذِي أَخَذَهُ ، فَيَمْتَنِعُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، لِيَبِيعَ الْحَاكِمُ الشَّيْءَ الْمَأْخُوذَ ، وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ .

( 8565 ) فَصْلٌ : إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى إنْسَانٍ حَقًّا ، وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدَيْنِ فَلَمْ يَعْرِفْ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا ، فَسَأَلَ حَبْسَ غَرِيمِهِ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَةَ شُهُودِهِ ، أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ ، وَلِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ قَدْ أَتَى بِهِ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا عَلَى الْحَاكِمِ ، وَهُوَ الْكَشْفُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ .
وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَسَأَلَ حَبْسَ غَرِيمِهِ لِيُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ ، وَكَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، لَمْ يُحْبَسْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَا تَمَّتْ ، وَالْحَبْسُ عَذَابٌ ، فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دُونَ تَمَامِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ، يُحْبَسُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ ، وَإِنَّمَا الْيَمِينُ مُقَوِّيَةٌ لَهُ .
وَالثَّانِي ، لَا يُحْبَسُ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُبِسَ لِيُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ يُتِمُّ بِهِ الْبَيِّنَةَ ، فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، وَإِنْ حُبِسَ لِيَحْلِفَ مَعَهُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، فَإِنَّ الْحَلِفَ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ حَلَفَ ، ثَبَتَ حَقُّهُ ، وَإِلَّا ، لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَاذِلًا لِلْيَمِينِ ، وَالتَّوَقُّفُ لِأَجْلِ إثْبَاتِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ ، حُبِسَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفُ عَنْ الْحُكْمِ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، لَمْ يُحْبَسْ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَكُلُّ مَوْضِعٍ حُبِسَ فِيهِ بِشَاهِدَيْنِ ، اُسْتُدِيمَ الْحَبْسُ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ حُبِسَ فِيهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ : إنْ جِئْت بِشَاهِدٍ آخَرَ إلَى ثَلَاثٍ وَإِلَّا أَطْلَقْنَاهُ .

( 8566 ) فَصْلٌ : وَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ ، وَلَمْ يُعَدَّلَا ، فَسَأَلَ الْعَبْدُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ الْحَاكِمُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ ، فَعَلَى الْحَاكِمِ ذَلِكَ ، يُؤْجِرَهُ مِنْ ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَحْبِسُ الْبَاقِيَ ، فَإِنْ عُدِّلَ الشَّاهِدَانِ ، سُلِّمَ إلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنْ فُسِّقَا ، رُدَّ إلَى سَيِّدِهِ .
وَإِنَّمَا حُلْنَا بَيْنَهُمَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، وَلِأَنَّنَا لَوْ لَمْ نَحُلْ بَيْنَهُمَا ، أَفْضَى إلَى أَنْ تَكُونَ أَمَةً ، فَيَطَأَهَا .
وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا ، وَسَأَلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِطَلَاقِهَا ، وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ ، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا ، لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَتِمَّ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، فَلَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْعِتْقِ الْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ : الْخُلُوصُ .
وَمِنْهُ عَتَاقُ الْخَيْلِ وَعِتَاقُ الطَّيْرِ ، أَيْ خَالِصَتُهَا ، وَسُمِّيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ عَتِيقًا ؛ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ .
وَهُوَ فِي الشَّرْعِ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنْ الرِّقِّ .
يُقَالُ : عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَأَعْتَقْته أَنَا ، وَهُوَ عَتِيقٌ ، وَمُعْتَقٌ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْإِجْمَاعُ .
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَكُّ رَقَبَةٍ } .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ ، حَتَّى إنَّهُ لَيُعْتِقُ بِالْيَدِ الْيَدَ ، وَبِالرِّجْلِ الرِّجْلَ ، وَبِالْفَرْجِ الْفَرْجَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ سِوَى هَذَا .
وَأَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى صِحَّةِ الْعِتْقِ ، وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ .

( 8567 ) فَصْلٌ : وَالْعِتْقُ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ ، وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَالْأَيْمَانِ ، وَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنْ النَّارِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا لِلْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ وَمِلْكَ نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ ، وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ ، وَتَمَكُّنَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ ، عَلَى حَسْبِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ .
وَإِعْتَاقُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ الْمَرْأَةِ ؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ الْبَهْزِيُّ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا ، كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ ، يُجْزَى بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ ، كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ ، يُجْزَى بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِمَا ، عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ ، وَأَيُّمَا ، امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً ، كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ ، تُجْزَى بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهَا } .
وَالْمُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ دِينٌ وَكَسْبٌ يَنْتَفِعُ بِالْعِتْقِ ، فَأُمًّا مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالْعِتْقِ ، كَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ ، تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ ، فَيَضِيعُ ، أَوْ يَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ ، فَلَا يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالرُّجُوعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ ، كَعَبْدٍ يُخَافُ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ وَاحْتَاجَ سَرَقَ ، وَفَسَقَ ، وَقَطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ جَارِيَةٍ يُخَافُ مِنْهَا الزِّنَى وَالْفَسَادُ ، كُرِهَ إعْتَاقُهُ .
وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إفْضَاؤُهُ إلَى هَذَا ، كَانَ مُحَرَّمًا ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّلَ إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ ، فَصَحَّ ، كَإِعْتَاقِ غَيْرِهِ

( 8568 ) فَصْلٌ : وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ ، وَالْمِلْكِ ، وَالِاسْتِيلَادِ .
وَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ ، فَلَا يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ ، كَسَائِرِ الْإِزَالَةِ .
وَأَلْفَاظُهُ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ ؛ فَالصَّرِيحُ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْعِتْقِ ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا ، نَحْوُ : أَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ مُحَرَّرٌ ، أَوْ عَتِيقٌ ، أَوْ مُعْتَقٌ ، أَوْ أَعْتَقْتُك .
لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَرَدَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعِتْقِ عُرْفًا ، فَكَانَا صَرِيحَيْنِ فِيهِ ، فَمَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ، حَصَلَ بِهِ الْعِتْقُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، عَتَقَ أَيْضًا .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ : تَنَحِّي يَا حُرَّةُ .
فَإِذَا هِيَ جَارِيَته ، قَالَ : قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لَخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ : مُرُّوا ، أَنْتُمْ أَحْرَارٌ .
وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ، لَمْ يَعْلَمْ بِهَا ، قَالَ : هَذَا عِنْدِي تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَعْتِقَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى غَيْرَ الْعِتْقِ ، فَلَمْ تَعْتِقْ بِهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ .
يُرِيدُ أَنَّهُ عَفِيفٌ كَرِيمُ الْأَخْلَاقِ ، وَبِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ أَرَادَ غَيْرَ أُمِّ وَلَدِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَادَى مِنْ نِسَائِهِ ، فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
يَحْسَبَهَا الَّتِي نَادَاهَا ، فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ ، عَلَى رِوَايَةٍ ، فَكَذَا هَاهُنَا .
فَأَمَّا إنْ قَصَدَ غَيْرَ الْعِتْقِ ، كَالرَّجُلِ يَقُولُ : عَبْدِي هَذَا حُرٌّ .
يُرِيدُ عِفَّتَهُ ، وَكَرْمَ أَخْلَاقِهِ .
أَوْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ .
أَيْ : إنَّك لَا تُطِيعُنِي ، وَلَا تَرَى لِي عَلَيْك حَقًّا وَلَا طَاعَةً ، فَلَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ .
قَالَ حَنْبَلٌ : سُئِلَ أَبُو عُبِدَ اللَّهِ ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ : أَنْتَ حُرٌّ .

وَهُوَ يُعَاتِبُهُ ؟ فَقَالَ : إذَا كَانَ لَا يُرِيدُ بِهِ الْعِتْقَ ، يَقُولُ : كَأَنَّك حُرٌّ ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا ، أَوْ كَلَامًا نَحْوَ هَذَا ، رَجَوْت أَنْ لَا يَعْتِقَ ، وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ نَوَى بِكِنَايَةِ الْعِتْقِ الْعِتْقَ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ : وَإِنْ طُلِبَ اسْتِحْلَافُهُ ، حَلَفَ .
وَبَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا أَرَادَهُ ، أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ تُمْدَحُ بِهَذَا ، فَيُقَالُ : امْرَأَةٌ حُرَّةٌ .
يَعْنُونَ عَفِيفَةً ، وَتُمْدَحُ الْمَمْلُوكَةُ بِهِ أَيْضًا ، وَيُقَالُ لِلْحَيِيِّ الْكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ : حُرٌّ .
قَالَتْ سُبَيْعَةُ تَرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ : شِعْرًا وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ وَأَمَّا الْكِنَايَةُ ، فَنَحْوُ قَوْلِهِ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك ، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت ، وَقَدْ خَلَّيْتُك .
فَهَذَا إنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ ، عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ .
وَلَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ ، وَلَا سُنَّةٌ ، وَلَا عُرْفُ اسْتِعْمَالٍ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، وَأَبُو الْخَطَّابِ ، فِي قَوْلِهِ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك ، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك .
رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّهُ صَرِيحٌ .
وَالثَّانِيَةُ ، أَنَّهُ كِنَايَةٌ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
فَأَمَّا إنْ قَالَ : لَا رِقَّ لِي عَلَيْك وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ، وَأَنْتَ لِلَّهِ .
فَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ صَرِيحٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ .
وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ إذَا نَوَى ، وَمِمَّنْ قَالَ : يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ : أَنْتَ لِلَّهِ .
إذَا نَوَى ؛ الشَّعْبِيُّ ، وَالْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ ، وَحَمَّادٌ وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَعْتِقُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ، أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ .
وَهَذَا لَا

يَقْتَضِي الْعِتْقَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ يَحْتَمِلُ : أَنَّهُ حُرٌّ لِلَّهِ ، أَوْ عَتِيقٌ لِلَّهِ ، أَوْ عَبْدٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، لَسْت بِعَبْدِ لِي وَلَا لَأَحَدٍ سِوَى اللَّهِ .
فَإِذَا نَوَى الْحُرِّيَّةَ بِهِ ، وَقَعَتْ ، كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَهُ لِمَا ذَكَرُوهُ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، بِدَلِيلِ سَائِرِ الْكِنَايَاتِ ، فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ ، وَلَوْ لَمْ تَحْتَمِلْ إلَّا الْعِتْقَ لَكَانَتْ صَرِيحَةً فِيهِ ، وَمَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ ، انْصَرَفَ إلَى أَحَدِهِمَا بِالنِّيَّةِ ، وَهَذَا شَأْنُ الْكِنَايَاتِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ .
وَقَوْلُهُ : لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك .
خَبَرٌ عَنْ انْتِفَاءِ مِلْكِهِ وَرِقِهِ ، لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ ، وَلَا عُرْفُ اسْتِعْمَالٍ فِي الْعِتْقِ ، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِيهِ ، كَقَوْلِهِ : مَا أَنْتَ عَبْدِي ، وَلَا مَمْلُوكِي .
وَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : مَا أَنْتِ امْرَأَتِي ، وَلَا زَوْجَتِي .

( 8569 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ يَنْوِي الْعِتْقَ بِهِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا تَعْتِقُ بِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَفْظٌ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ الْمِلْكُ عَنْ الرَّقَبَةِ ، كَفَسْخِ الْإِجَارَةِ ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّجْعَةِ ، فَلَا يَنْحَلُّ بِالطَّلَاقِ ، كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، هُوَ كِنَايَةٌ تَعْتِقُ بِهِ الْأَمَةُ إذَا نَوَى الْعِتْقَ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآدَمِيِّ ، فَيَزُولُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، كَالْآخَرِ ، أَوْ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِإِزَالَةِ أَحَدِهِمَا كِنَايَةً فِي إزَالَةِ الْآخَرِ ، كَالْحُرِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النِّكَاحِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ ، فَإِذَا نَوَى بِهِ إطْلَاقَهَا مِنْ مِلْكِهِ ، فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ ، فَتَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ ، كَسَائِرِ كِنَايَاتِ الْعِتْقِ .

( 8570 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لِأَكْبَرَ مِنْهُ ، أَوْ لِمَنْ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ : هَذَا ابْنِي .
مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَنْ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً لِمَنْ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً : هَذَا ابْنِي .
لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبَهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَعْتِقُ .
وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا لَنَا ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا .
وَلَنَا أَنَّهُ قَوْلٌ يَتَحَقَّقُ كَذِبُهُ فِيهِ ، فَلَمْ تَثْبُتْ بِهِ الْحُرِّيَّةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ لَطِفْلٍ : هَذَا أَبِي .
أَوْ لِطِفْلَةِ : هَذِهِ أُمِّي .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا مِنْ قَوْلِ النُّعْمَانِ شَاذٌّ ، لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَيْهِ ، وَلَا تَبِعَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُحَالٌ مِنْ الْكَلَامِ ، وَكَذِبٌ يَقِينًا ، وَلَوْ جَازَ هَذَا ، لَجَازَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لَطِفْلٍ : هَذَا أَبِي .
وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ ، وَهِيَ أَسَنُّ مِنْهُ : هَذِهِ ابْنَتِي .
أَوْ قَالَ لَهَا ، وَهُوَ أَسَنُّ مِنْهَا : هَذِهِ أُمِّي .
لَمْ تَطْلُقْ ، كَذَا هَذَا .

( 8571 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ .
يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ ، عَتَقَتْ .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى ، لَا تَعْتِقُ .
كَقَوْلِهِ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَعْتِقُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ ، أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ ؛ لِكَوْنِكِ حُرَّةً .
فَتَعْتِقُ بِهِ ، كَقَوْلِهِ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ .

( 8572 ) فَصْلٌ : وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ ، وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الرَّشِيدُ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا ، أَوْ ذِمِّيًّا ، أَوْ حَرْبِيًّا .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ، إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ ، فِي أَنَّ عِتْقَ الْحَرْبِيِّ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ التَّمَامِ ، بِدَلِيلِ ، إبَاحَةِ أَخْذِهِ مِنْهُ ، وَانْتِقَاءِ عِصْمَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ ، كَالذِّمِّيِّ .
وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ بَالِغٌ ، عَاقِلٌ ، رَشِيدٌ ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ ، كَالذِّمِّيِّ .
وَقَوْلُهُمْ : لَا مِلْكَ لَهُ .
لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَالُوا : إنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ ، فَلَأَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لَهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَوْلَى .

( 8573 ) فَصْلٌ : وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ، فَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَمِمَّنْ حَفِظْنَا عَنْهُ ذَلِكَ ؛ الْحَسَنُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ؛ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ } وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمَا ، كَالْهِبَةِ .
وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى ، أَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ ، قِيَاسًا عَلَى طَلَاقِهِ وَتَدْبِيرِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَحَظِّ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ ، كَالصَّبِيِّ ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ فِي حَيَاتِهِ ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهُ ، وَهِبَتَهُ .
وَيُفَارِقُ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ .
وَيُفَارِقُ التَّدْبِيرَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَغِنَاهُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ ، وَلِهَذَا صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ ، وَلَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ الْمُنَجَّزَةُ .
وَعِتْقُ السَّكْرَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ ، وَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِيهِ .
وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الْمُكْرَهِ ، كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ ، وَلَا بَيْعُهُ ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ .

( 8574 ) فَصْلٌ : وَلَا يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ، أَوْ يَتِيمِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ ، لَمْ يَصِحَّ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } .
وَلِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً ، وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ ، فَصَحَّ إعْتَاقُهُ كَمَالِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَإِعْتَاقِ عَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَمَّا وَرَّثَ اللَّهُ الْأَبَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِهِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي سَائِرِهِ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك } .
لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي وُجُوبِ حَقِّهِ عَلَيْك ، وَإِمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِكَ ، وَامْتِنَاعِ مُطَالَبَتِك لَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِعَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ ، الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ فِيهِ ، وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَى مَالِ وَلَدِهِ أَبْلَغُ مِنْ امْتِنَاعِ إعْتَاقِ عَبْدِهِ ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لِحَظِّ الصَّبِيِّ ، لِيَحْفَظَ مَالَهُ عَلَيْهِ ، وَيُنَمِّيَهُ لَهُ ، وَيَقُومَ بِمَصَالِحِهِ الَّتِي يَعْجِزُ الصَّبِيُّ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا ، وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ الْحِفْظَ ، اقْتَضَتْ مَنْعَ التَّضْيِيعِ وَالتَّفْرِيطِ بِإِعْتَاقِ رَقِيقِهِ ، وَالتَّبَرُّعِ بِمَالِهِ .
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ آخَرَ : أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي .
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَهُوَ مَمْلُوكُهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ .
وَلَوْ بَلَغَ رَجُلًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي فَقَالَ : قَدْ رَضِيت .
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .

( 8575 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ ، فَأَعْتَقُوهُ مَعًا ، أَوْ وَكَّلَ نَفْسَانِ الثَّالِثَ أَنْ يُعْتِقَ حُقُوقَهُمَا مَعَ حَقِّهِ ، فَفَعَلَ ، أَوْ أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا ، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ مَتَى كَانَ لِثَلَاثَةٍ ، فَأَعْتَقُوهُ مَعًا ؛ إمَّا بِأَنْفُسِهِمْ ، بِأَنْ يَتَلَفَّظُوا بِعِتْقِهِ مَعًا ، أَوْ يُعَلِّقُوا عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَتُوجَدَ ، أَوْ يُوَكِّلُوا وَاحِدًا ، فَيُعْتِقَهُ ، أَوْ يُوَكَّلَ نَفْسَانِ مِنْهُمْ الثَّالِثَ ، فَيُعْتِقَهُ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا ، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَعْتَقَ حَقَّهُ ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ .
وَهَذَا لَا نَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا .
فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَهُ سَادَتُهُ الثَّلَاثَةُ ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، وَهُمْ مُعْسِرُونَ ، أَوْ كَانَ الْمُعْتِقَانِ الْأَوَّلَانِ مُعْسِرَيْنِ ، وَالثَّالِثُ مُوسِرًا ، فَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّهُ ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ ، فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُعْسِرُ نَصِيبَهُ قَوْلَيْنِ شَاذَّيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتِقَ نِصْفُهُ مُنْفَرِدًا ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ نِصْفُهُ حُرٌّ ، وَنِصْفُهُ عَبْدٌ ، كَمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْمَرْأَةِ طَالِقًا ، وَنِصْفُهَا زَوْجَةً ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إعْتَاقِ جَمِيعِهِ ، فَبَطَلَ كُلُّهُ .
وَالثَّانِي ، يَعْتِقُ كُلُّهُ ، وَتَكُونُ قِيمَةُ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ فِي ذِمَّةِ الْمُعْتِقِ ، يُتْبَعُ بِهَا إذَا أَيْسَرَ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ .
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ شَاذَّانِ ، لَمْ يَقُلْهُمَا مَنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ ، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَذْهَبِهِ .
وَيَرُدُّهُمَا قَوْلُ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، فَكَانَ مَعَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ ، وَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ ، وَعَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَى الْمُعْسِرِ إلَّا نَصِيبُهُ ، فَبَاقِي الْعَبْدِ عَلَى الرِّقِّ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ ، عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ ، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَاءُ مَا أَعْتَقَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ .
وَيُفَارِقُ الْعِتْقُ الطَّلَاقَ ؛ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ لَا يُمْكِنُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا ، وَلَا وُرُودُ النِّكَاحِ عَلَى بَعْضِهَا ، وَلَا تَكُونُ إلَّا لِوَاحِدٍ ، فَنَظِيرُهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ ، فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ جَمِيعُهُ .

( 8576 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِلْعَبْدِ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ ، فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ .
فَدَخَلَ ، عَتَقَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ، سَوَاءٌ قَالُوا ذَلِكَ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، أَوْ فِي دُفُعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي أَنْصِبَائِهِمْ يَقَعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّ اخْتَلَفَتْ أَوْقَاتُ تَعْلِيقِهِ .

( 8577 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ كُلُّهُ ، وَصَارَ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ قِيمَةُ ثُلُثَيْهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ نَصِيبُهُ .
لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ ، وَلِأَنَّهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ ، أَعْتَقَ مِلْكَهُ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ ، فَنَفَذَ فِيهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لَهُ .
وَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، سَرَى الْعِتْقُ إلَى جَمِيعِهِ ، فَصَارَ جَمِيعُهُ حُرًّا ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ وَالْوَلَاءُ لَهُ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبَى يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، وَإِسْحَاقَ .
وَقَالَ الْبَتِّيُّ : لَا يَعْتِقُ إلَّا حِصَّةُ الْمُعْتِقِ ، وَنَصِيبُ الْبَاقِينَ بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعِتْقِ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ التِّلِبِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ، فَلَمْ يُضَمَّنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ، وَرَوَاهُ .
وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ ، لَاخْتَصَّ الْبَيْعُ بِهِ ، فَكَذَلِكَ الْعِتْقُ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً نَفِيسَةَ ، يُغَالَى فِيهَا ، فَيَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمُعْتِقِ ؛ لِلضَّرَرِ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى شَرِيكِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَعْتِقُ إلَّا حِصَّةُ الْمُعْتِقِ ، وَلِشَرِيكِهِ الْخِيَارُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ؛ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ ، فَيَعْتِقُ حِينَئِذٍ .
وَلَنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ ، فِي " مُوَطَّئِهِ " ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، فَأَثْبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِتْقَ فِي جَمِيعِهِ ، وَأَوْجَبَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِ الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ خِيَرَةً ، وَلَا لِغَيْرِهِ .
وَرَوَى قَتَادَةُ

، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ أَبِيهِ ، { أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ خَلَاصَهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، وَقَالَ : لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ } .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ ، وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ .
هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ .
وَقَوْلُ الْبَتِّيِّ شَاذٌّ ، يُخَالِفُ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ .
وَحَدِيثُ التِّلِبِّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ .
وَقِيَاسُ الْعِتْقِ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَسْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ ، وَالْعِتْقُ يَسْرِي ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدِهِ ، لَمْ يَسْرِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ ، عَتَقَ كُلُّهُ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَكُونُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ مِنْ مَالِهِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَ مَنْ يَرَى عِتْقَهُ عَلَيْهِ .
( 8578 ) فَصْلٌ : وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ كَوْنِ الشُّرَكَاءِ مُسْلِمِينَ أَوْ كَافِرِينَ ، أَوْ بَعْضُهُمْ مُسْلِمًا ، وَبَعْضُهُمْ كَافِرًا .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِي الْكَافِرِ وَجْهٌ ، أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ ، أَنَّهُ لَا يَسْرِي إلَى بَاقِيه ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا .
وَلَنَا عُمُومُ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَالْغَرَضُ هَاهُنَا تَكْمِيلُ الْعِتْقِ ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ دُونَ التَّمْلِيكِ ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَاهُنَا تَمْلِيكًا ، لَكَانَ تَقْدِيرًا فِي أَدْنَى زَمَانٍ ، حَصَلَ ضَرُورَةَ تَحْصِيلِ الْعِتْقِ ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ ، فَإِنْ قُدِّرَ فِيهِ ضَرَرٌ ،

فَهُوَ مَغْمُورٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِتْقِ ، فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ ، وَقِيَاسُ هَذَا عَلَى الشِّرَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 8579 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِنْ أَعْتَقَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ ، وَقَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا فِيهِ عِتْقٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا بِعِتْقِ الْأَوَّلِ لَهُ ) يَعْنِي أَنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي إلَى جَمِيعِهِ بِاللَّفْظِ ، لَا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَيَعْتِقُ كُلُّهُ حِينَ لَفَظَ بِالْعِتْقِ وَيَصِيرُ حُرًّا ، وَتَسْتَقِرُّ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِتْقِ غَيْرِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، فِي قَوْلٍ : لَا يَعْتِقُ إلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَيَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ ، يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ .
وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَاحْتَجُّوا بُقُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ ، فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ ، وَعَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ } .
وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد : { فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ ، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ، ثُمَّ يَعْتِقُ } .
فَجَعَلَهُ عَتِيقًا بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا ثَبَتَ بِعِوَضٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مُطْلَقًا ، لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِالْأَدَاءِ ، كَالْمُكَاتَبِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ ، أَنَّ الْعِتْقَ مُرَاعًى ، فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ عَتَقَ مِنْ حِينَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْقِيمَةَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لَهُمَا جَمِيعًا .
وَلَنَا .
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ ، تَجْتَمِعُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِاللَّفْظِ ، فَمِنْهَا ، لَفْظٌ رَوَاهُ أَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، فَكَانَ

لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ ، فَهُوَ عَتِيقٌ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : " فَكَانَ لَهُ مَالٌ ، فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ " .
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : " وَكَانَ لِلَّذِي يُعْتِقُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ ، فَهُوَ يَعْتِقُ كُلُّهُ " .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ } .
وَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ حُرًّا وَعَتِيقًا بِإِعْتَاقِهِ ، مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مُوسِرًا .
وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ بِالسِّرَايَةِ ، فَكَانَتْ حَاصِلَةً عَقِيبَ لَفْظِهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبِيدِهِ ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الشَّرِيكِ فِيهِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، لَا يَنْفُذُ بِالْإِعْتَاقِ أَيْضًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ فِيهِ بِالْإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ .
فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ فَإِنَّ " الْوَاوَ " لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا ، وَأَمَّا الْعَطْفُ بِ " ثُمَّ " فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ ، لَمْ يُرِدْ بِهَا التَّرْتِيبَ ، فَإِنَّهَا قَدْ تَرِدُ لِغَيْرِ التَّرْتِيبِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ } .
وَأَمَّا الْعِوَضُ ، فَإِنَّمَا وَجَبَ عَنْ الْمُتْلَفِ بِالْإِعْتَاقِ ، بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِ بِقِيمَتِهِ حِينَ الْإِعْتَاقِ ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّرَاضِي فِيهِ ، وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ وَكْسٍ وَلَا شَطَطٍ ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ ، وَقَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا فِيهِ عِتْقٌ ، وَلَا لَهُمَا عَلَيْهِ وَلَاءٌ ، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقِهِ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ يَكُونُ

وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيمَةِ .
وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتِقَ الْأَوَّلَ لَمْ يُؤَدِّ الْقِيمَةَ حَتَّى أَفْلَسَ ، عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا ، يُزَاحِمُ بِهَا الشَّرِيكَانِ عِنْدَنَا .
وَعِنْدَ مَالِكٍ ، لَا يَعْتِقُ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ .
وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ جَارِيَةً حَامِلًا ، فَلَمْ تُؤَدَّ الْقِيمَةُ حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتِقِ إلَّا قِيمَتُهَا ؛ حِينَ أَعْتَقَهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَرَّرَهَا .
وَعِنْدَ مَالِكٍ ، يُقَوَّمُ وَلَدُهَا أَيْضًا .
وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ ، مَاتَ حُرًّا ، وَالْقِيمَةُ عَلَى الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ ، لَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ ، مَا لَمْ يُقَوَّمْ ، وَيُحْكَمْ بِقِيمَتِهِ ، فَهُوَ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ عَبْدٌ .

( 8580 ) فَصْلٌ : وَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ حِينَ اللَّفْظِ بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ حِينُ الْإِتْلَافِ ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ .
وَلِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِالْقِيمَةِ ، عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا ، رُجِعَ إلَى قَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ .
فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ مَاتَ ، أَوْ غَابَ ، أَوْ تَأَخَّرَ تَقْوِيمُهُ زَمَنًا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْقِيَمُ ، وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا .
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي صِنَاعَةٍ فِي الْعَبْدِ تُوجِبُ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ ؛ لِذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يُحْسِنُ الصِّنَاعَةَ فِي الْحَالِ ، وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ تَعَلُّمُهَا فِيهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّنَا عَلِمْنَا صِدْقَهُ .
وَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ حُدُوثُهَا فِيهِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ .
وَالثَّانِي ، الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ ، وَعَدَمُ الْحُدُوثِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يَنْقُصُ الْقِيمَةَ ؛ كَسَرِقَةٍ ، أَوْ إبَاقٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ ، فَبِالْجِهَةِ الَّتِي رَجَّحْنَا قَوْلَ الْمُعْتِقِ فِي نَفْيِ الصِّنَاعَةِ ، نُرَجِّحُ قَوْلَ الشَّرِيكِ فِي نَفْيِ الْعَيْبِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِيهِ حَالَ الِاخْتِلَافِ ، وَاخْتَلَفَا فِي حُدُوثِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَبَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ ، وَعَدَمُ حُدُوثِ الْعَيْبِ فِيهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْعَيْبِ حِينَ الْإِعْتَاقِ .

فَصْلٌ : وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ فِي هَذَا ، أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ الْكِسْوَةِ ، وَالْمَسْكَنِ ، وَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، يَدْفَعُهُ إلَى شَرِيكِهِ .
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فِي " التَّنْبِيهِ " .
وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ مَا يَفِي بِالْقِيمَةِ ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهُ .
ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا تُبَاعُ فِيهِ دَارٌ ، وَلَا رِبَاعٌ .
وَمُقْتَضَى هَذَا ، أَنْ لَا يُبَاعَ لَهُ أَصْلُ مَالٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : يُبَاعُ عَلَيْهِ سِوَارُ بَيْتِهِ ، وَمَا لَهُ بَالٌ مِنْ كِسْوَتِهِ ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى .
وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ تَلَفُّظِهِ بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ حَالُ الْوُجُوبِ ، فَإِنْ أَيْسَرَ الْمُعْسِرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يَسْرِ إعْتَاقُهُ ، وَإِنْ أَعْسَرِ الْمُوسِرُ ، لَمْ يَسْقُطْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِعْسَارِهِ ، كَدَيْنِ الْإِتْلَافِ .
نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ .

( 8582 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِشَرِيكِهِ : إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك ، فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِك .
فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، عَتَقَا مَعًا ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُعْتِقَ شَيْءٌ .
وَقِيلَ : يَعْتِقُ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ نَصِيبِهِ شَرْطُ عِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَيْهِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى شَرْطِهِ ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي إعْتَاقِ نَصِيبِهِ مَعَ نَصِيبِهِ ، فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا .
وَإِنْ قَالَ : إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك ، فَنَصِيبِي حُرٌّ ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، سَرَى ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَقَعُ إعْتَاقُ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ ، سَبَقَتْ ، فَمَنَعَتْ عِتْقَ الشَّرِيكِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عِتْقَ نَصِيبِهِ سَبَبٌ لِلسِّرَايَةِ ، وَشَرْطٌ لِعِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، فَلَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ؛ لِوُجُودِهِمَا فِي حَالٍ وَاحِدٍ .
وَقَدْ يُرَجَّحُ وُقُوعُ عِتْقِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ ، وَالسِّرَايَةُ تَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ، فَكَانَ نُفُوذُ عِتْقِ الشَّرِيكِ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ؛ لِكَوْنِهَا إتْلَافًا لِمِلْكِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَإِلْزَامًا لِلْمُعْتِقِ غَرَامَةً لَمْ يَلْتَزِمْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِمَصْلَحَةِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ ، فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِإِعْتَاقِ الْمَالِكِ ، كَانَ أَوْلَى .
وَإِنْ قَالَ : إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك ، فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِكَ نَصِيبَك .
وَقَعَا مَعًا ، إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ .
وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَالْقَاضِي .
وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ ، وَلَا يَقَعَ إعْتَاقُ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ فِي زَمَنٍ مَاضٍ .
وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ، مِمَّنْ قَالَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ ، أَنْ لَا يَصِحَّ إعْتَاقُهُ ؛

لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عِتْقِهِ نَصِيبَهُ تَقَدُّمُ عِتْقِ الشَّرِيكِ وَسِرَايَتُهُ ، فَيَمْتَنِعُ إعْتَاقُ نَصِيبِ هَذَا ، وَيَمْتَنِعُ عِتْقُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، وَيُفْضِي إلَى الدَّوْرِ ، فَيَمْتَنِعُ الْجَمِيعُ .
وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( 8583 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَأَعْتَقَهُ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ ، وَكَانَ ثُلُثُ وَلَائِهِ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ ، وَثُلُثَاهُ لِلْمُعْتِقِ الثَّانِي ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ، اسْتَقَرَّ فِيهِ الْعِتْقُ ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، بَلْ يَبْقَى عَلَى الرِّقِّ ، فَإِذَا أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ ؛ نَصِيبُهُ بِالْمُيَاسَرَةِ ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ الثَّالِثِ بِالسِّرَايَةِ ، وَصَارَ لَهُ ثُلُثَا وَلَائِهِ ، وَلِلْأَوَّلِ ثُلُثُهُ .
وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَدَاوُد ، وَابْنِ جَرِيرٍ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ قَوْلِهِمَا فِيمَا مَضَى .
وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا أُعْتِقَ نِصْفُهُ ، فَكَانَ عُرْوَةُ يُشَاهِرُهُ ؛ شَهْرَ عَبْدٍ ، وَشَهْرَ حُرٍّ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، اسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ الْبَاقِينَ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ، فَيَعْتِقَ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةُ : فَإِذَا اسْتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، ثُمَّ أَيْسَرَ مُعْتَقُهُ ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَلْجَأَهُ إلَى هَذَا ، وَكَلَّفَهُ إيَّاهُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، أَنَّهُمَا قَالَا : يَعْتِقُ جَمِيعُهُ ، وَتَكُونُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ فِي ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْبَعْضِ سَرَى إلَى

جَمِيعِهِ ، كَالطَّلَاقِ ، وَيَلْزَمُ الْمُعْتِقَ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ بِإِعْتَاقِهِ ، فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِقَتْلِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَسْرِي الْعِتْقُ ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِهِ إعْتَاقُ النَّصِيبِ الْبَاقِي ، فَيُتَخَيَّرُ شَرِيكُهُ بَيْنَ إعْتَاقِ نَصِيبِهِ ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَسْعِي الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ ، فَإِذَا أَدَّاهُ إلَيْهِ عَتَقَ ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا .
وَلَنَا ، حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بِالْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ إعْتَاقٌ بِعِوَضٍ ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، كَالْكِتَابَةِ ، وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِسْعَاءِ إضْرَارًا بِالشَّرِيكِ وَالْعَبْدِ ؛ أَمَّا الشَّرِيكُ فَإِنَّا نُحِيلُهُ عَلَى سِعَايَةٍ لَعَلَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا ، وَإِنْ حَصَلَ فَرُبَّمَا يَكُونُ يَسِيرًا مُتَفَرِّقًا ، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ مِلْكُهُ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ ، فَإِنَّا نُجْبِرُهُ عَلَى سِعَايَةٍ لَمْ يُرِدْهَا ، وَكَسْبٍ لَمْ يَخْتَرْهُ ، وَهَذَا ضَرَرٌ فِي حَقِّهِمَا ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } .
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ : أَلَيْسَ إنَّمَا أُلْزِمَ الْمُعْتِقُ ثَمَنَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ ، لِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَى شَرِيكِهِ ضَرَرٌ ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالسَّعْيِ ، وَإِعْطَائِهِ كُلَّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمَلُّكِهِ ، فَأَيُّ ضَرَرٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ، فَأَمَّا حَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ ، فَقَالَ الْأَثْرَمُ : ذَكَرَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، فَطَعَنَ فِيهِ ، وَضَعَّفَهُ .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَيْسَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيه ابْنُ أَبِي عُرْوَةَ .
وَأَمَّا شُعْبَةُ ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ .
فَلَمْ يَذْكُرَاهُ .
وَحَدَّثَ بِهِ مَعْمَرٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ السِّعَايَةَ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَهَمَّامٌ أَيْضًا لَا يَقُولُهُ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ :

وَضَعَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ سَعِيدٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يَصِحُّ حَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ .
وَذَكَرَ هَمَّامٌ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ مِنْ فُتْيَا قَتَادَةَ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ قَتَادَةَ .
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : فَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُورُ عَلَى قَتَادَةَ ، وَقَدْ اتَّفَقَ شُعْبَةُ ، وَهِشَامٌ ، وَهَمَّامٌ ، عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ ، وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي قَتَادَةَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إذَا خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ .
فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَوْلُ صَاحِبَيْهِ الْأَخِيرُ ، فَلَا شَيْءَ مَعَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ مِنْ حَدِيثٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَتَحَكُّمٍ يُخَالِفُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ ، بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَا حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى وَجْهِهِ ، وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُ السُّنَّةَ ، فَمَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ .
وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
( 8584 ) فَصْلٌ : إذَا قُلْنَا بِالسِّعَايَةِ ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَعْتِقَ كُلُّهُ ، وَتَكُونَ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ دَيْنًا يُسْتَسْعَى فِي أَدَائِهَا ، وَتَكُونَ أَحْكَامُهُ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ ، فَإِنْ مَاتَ ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ ، كَانَ لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ السِّعَايَةِ ، وَبَاقِي مَالِهِ مَوْرُوثٌ ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى أَحَدٍ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ ، فَيَكُونَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَدَائِهَا حُكْمَ مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ إذَا مَاتَ ، فَلِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ مِنْ مَالِهِ مِثْلُ مَا يَكُونُ لَهُ ، عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالسِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ بِأَدَاءِ مَالٍ ، فَلَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ أَدَائِهِ ، كَالْمُكَاتَبِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ : يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى

الْمُعْتِقِ إذَا أَيْسَرَ ؛ لِأَنَّهُ كَلَّفَهُ السِّعَايَةَ بِإِعْتَاقِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَ الْعَبْدَ فِي مُقَابَلَةِ حُرِّيَّتِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ، كَمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِهِ عَلَى السَّيِّدِ ، لَكَانَ هُوَ السَّاعِيَ فِي الْعِوَضِ ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ .

( 8585 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ الثَّانِي مُعْسِرًا ، عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ ، وَكَانَ ثُلُثُهُ رَقِيقًا لِمَنْ لَمْ يُعْتِقْ ، فَإِنْ مَاتَ وَفِي يَدِهِ مَالٌ كَانَ ثُلُثُهُ لِمَنْ لَمْ يُعْتِقْ ، وَثُلُثَاهُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ وَالْمُعْتِقِ الثَّانِي بِالْوَلَاءِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَحَقُّ مِنْهُمَا ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يُعْتِقُ إلَّا نَصِيبَهُ ، وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُعْسِرَانِ ، فَلَمْ يَعْتِقْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا نَصِيبُهُ ، وَنَصِيبهُمَا الثُّلُثَانِ ، وَبَقِيَ ثُلُثُهُ رَقِيقًا لِلثَّالِثِ ، فَإِذَا خَلَّفَ الْعَبْدُ مَالًا ، فَثُلُثُهُ لِلَّذِي لَمْ يُعْتِقْ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِثُلُثِهِ ، وَثُلُثَاهُ مِيرَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُمَا بِجُزْئِهِ الْحُرِّ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ نَسِيبٌ ، يَرِثُ مَالَهُ كُلَّهُ ، أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْمُعْتِقِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ نَسِيبٌ فَهُوَ لِلْمُعْتِقَيْنِ بِالْوَلَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُو فَرْضٍ يَرِثُ الْبَعْضَ ، أَخَذَ فَرْضَهُ مِنْهُ ، وَبَاقِيه لِلْمُعْتِقَيْنِ .
وَهَذَا الْقَوْلُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُ ثُلُثِهِ قَاسَمَ الْعَبْدَ فِي حَيَاتِهِ كَسْبَهُ ، وَلَمْ يُهَايِئْهُ ، فَأَمَّا إنْ قَاسَمَهُ ، أَوْ هَايَأَهُ ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِالْجُزْءِ الْحُرِّ ، فَتَكُونُ جَمِيعُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ، دُونَ مَالِكِ ثُلُثِهِ ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجُزْءِ الْحُرِّ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِيمَا كَسَبَهُ بِهِ ، وَلَا فِيمَا مَلَكَهُ بِهِ .

( 8586 ) فَصْلٌ : وَمَنْ قَالَ بِالسِّعَايَةِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَسْعِي حِينَ أَعْتَقَهُ الْأَوَّلُ ، فَإِذَا أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ ، انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ فِي حُرِّيَّتِهِ ، هَلْ حَصَلَتْ بِإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ أَوَّلًا ؟ فَمَنْ جَعَلَهُ حُرًّا ، لَمْ يُصَحِّحْ عِتْقَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ ؛ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُرًّا ، صَحَّحَ عِتْقَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ جُزْءًا مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ .
وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ سِعَايَتِهِ فَقَدْ مَاتَ وَثُلُثُهُ رَقِيقٌ ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْمِيرَاثِ كَحُكْمِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ .

( 8587 ) فَصْلٌ : وَإِذَا حَكَمْنَا بِعِتْقِ بَعْضِهِ ، وَرِقِّ بَاقِيه ، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي حَيَاتِهِ ، وَفِطْرَتَهُ ، وَأَكْسَابَهُ ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ .
وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ بَيْنَهُمَا ، كَانَتْ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَكَسْبُهُ فِي أَيَّامِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ ، وَفِي أَيَّامِ سَيِّدِهِ يَكُونُ كَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ .
فَأَمَّا الْأَكْسَابُ النَّادِرَةُ ؛ كَاللُّقَطَةِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَكْسَابِهِ فَأَشْبَهَتْ الْمُعْتَادَةَ .
وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا آخَرَ ، أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ ، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُعَاوَضَةٌ ، فَكَأَنَّهُ تَعَاوَضَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ كَسْبِهِ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ بِنَصِيبِ سَيِّدِهِ فِي يَوْمِهِ ، فَلَا تَتَنَاوَلُ الْمُعَاوَضَةُ الْمَجْهُولَ ، وَمَا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ .
فَأَمَّا الْمِيرَاثُ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ مِنْهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِثُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ ، وَيَمْلِكُ هَذَا الْعَبْدُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمِلْكِ ، وَيَرِثُ وَيُورِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ .

( 8588 ) فَصْلٌ : وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزُ التَّصَرُّفِ ، صَحَّ عِتْقُهُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ ، عَتَقَ كُلُّهُ .
فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَالْحَكَمُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِالْحِجَازِ ، وَالْعِرَاقِ ، قَالُوا : يَعْتِقُ كُلُّهُ إذَا أُعْتِقَ نِصْفُهُ .
وَقَالَ طَاوُسٌ : يَعْتِقُ فِي عِتْقِهِ ، وَيَرِقُّ فِي رِقِّهِ .
وَقَالَ حَمَّادٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : يَعْتِقُ مِنْهُ مَا أُعْتِقَ ، وَيَسْعَى فِي بَاقِيه .
وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ أَصْحَابُهُ ، فَلَمْ يَرَوْا عَلَيْهِ سِعَايَةً .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ، فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ ، ثُمَّ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ ، فَقَالَ : أَرَى نِصْفَهُ حُرًّا ، وَنِصْفَهُ رَقِيقًا ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي بَعْضِهِ ، فَلَمْ يَسْرِ إلَى بَاقِيه ، كَالْبَيْعِ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، فَكَانَ مَعَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَبْدِ } .
وَإِذَا أُعْتِقَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ ، كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى عِتْقِ جَمِيعِهِ إذَا كَانَ كُلُّهُ مِلْكًا لَهُ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ } .
وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ لِبَعْضِ مَمْلُوكِهِ الْآدَمِيِّ ، فَزَالَ عَنْ جَمِيعِهِ ، كَالطَّلَاقِ ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى السِّعَايَةِ ، وَلَا يَنْبَنِي عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَ جُزْءًا كَبِيرًا ، كَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ ، أَوْ صَغِيرًا ، كَعُشْرِهِ وَعُشْرِ عُشْرِهِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ إذَا كَانَ مُشَاعًا .
وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مُعَيَّنًا ، كَرَأْسِهِ ، أَوْ يَدِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ ،

عَتَقَ كُلُّهُ أَيْضًا .
وَبِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : إنْ أَعْتَقَ رَأْسَهُ ، أَوْ ظَهْرَهُ ، أَوْ بَطْنَهُ ، أَوْ جَسَدَهُ ، أَوْ نَفْسَهُ ، أَوْ فَرْجَهُ ، عَتَقَ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ لَا تَبْقَى بِدُونِ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَعْتَقَ يَدَهُ ، أَوْ عُضْوًا تَبْقَى حَيَاتُهُ بِدُونِهِ ، لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إزَالَةُ ذَلِكَ مَعَ بَقَائِهِ ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ ، كَشَعْرِهِ ، أَوْ سِنِّهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ ، فَيَعْتِقُ جَمِيعُهُ ، كَرَأْسِهِ ، فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ شَعَرَهُ ، أَوْ سِنَّهُ ، أَوْ ظُفُرَهُ ، لَمْ يَعْتِقْ .
وَقَالَ قَتَادَةُ ، وَاللَّيْثُ ، فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ ظُفُرَ عَبْدِهِ : يَعْتِقُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ أَشْبَهَ أُصْبُعَهُ .
وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزُولُ ، وَيَخْرُجُ غَيْرُهَا ، فَأَشْبَهَتْ الشَّعْرَ ، وَالرِّيقَ ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ ، وَمَا ذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ فَالْعَتَاقُ مِثْلُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 8589 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ حَقَّهُ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى شَرِيكِهِ ، فَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ ، كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيَصِيرَ حُرًّا ، أَوْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا ، وَيَصِيرَ نِصْفُهُ حُرًّا ) أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرِيكَانِ مُعْسِرَيْنِ ، فَلَيْسَ فِي دَعْوَى أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ إعْتَاقُ نَصِيبِهِ اعْتِرَافٌ بِحُرِّيَّةِ نَصِيبِهِ ، وَلَا ادِّعَاءَ لِاسْتِحْقَاقِ قِيمَتِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ ؛ لِكَوْنِ عِتْقِ الْمُعْسِرِ يَقِفُ عَلَى نَصِيبِهِ ، وَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي دَعْوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ فَلَا أَثَرَ لِكَلَامِهِمَا فِي الْحَالِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ كَانَا عَدْلَيْنِ ، فَشَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا ، وَلَا يَدْفَعُ بِهَا ضَرَرًا ، وَقَدْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ بِحُرِّيَّةِ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهُ شَاهِدُ عَدْلٍ ، فَإِنْ حَلَفَ مَعَهُمَا ، عَتَقَ كُلُّهُ ، وَإِنْ حَلَفَ مَعَ أَحَدِهِمَا صَارَ نِصْفُهُ حُرًّا .
عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ : إنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ .
وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِشَاهِدٍ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ .
بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ .
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَدْلًا دُونَ الْآخَرِ ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَهَادَةِ الْعَدْلِ ، وَيَصِيرَ نِصْفُهُ حُرًّا ، وَيَبْقَى نِصْفُهُ الْآخَرُ رَقِيقًا .
( 8590 ) فَصْلٌ : وَمَنْ قَالَ بِالِاسْتِسْعَاءِ ، فَقَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ نَصِيبَهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ ، فَيَخْرُجُ الْعَبْدُ كُلُّهُ ، وَيُسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهِ ؛ لِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ .

( 8591 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ ، عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَسِرْ إلَى النِّصْفِ الَّذِي كَانَ لَهُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ حَصَلَ بِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي إعْتَاقَهُ ، بَلْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْمُعْتِقَ غَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَلِّصٌ لَهُ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا ، فَهُوَ كَمُخَلِّصِ الْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يَسْرِي ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَصَلَ بِهِ الْإِعْتَاقُ ، فَأَشْبَهَ شِرَاءَ بَعْضِ وَلَدِهِ .
وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ ، لِيَسْتَرِقَّ مَا اشْتَرَاهُ ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ ، ثُمَّ أَكْذَبِ نَفْسَهُ .
وَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ إنْ أَعْتَقَهُ ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ وَلَاءً ، وَلَا يَدَّعِيه أَحَدٌ سِوَاهُ ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ فِيهِ ، وَإِنْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ حُرًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِنْ أَعْتَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي شَهَادَتِهِ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَصَدَّقَ الْآخَرَ فِي شَهَادَتِهِ بَطَلَ الْبَيْعَانِ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى نِصْفِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نَفْسَهُ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَلَاءَ عَلَيْهِ ثَابِتٌ لَهُمَا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا ، وَأَنَّهُ بَيْنَهُمَا إمَّا بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ لَهُمَا وَإِمَّا بِالثَّانِي لِأَنَّهُمَا إنْ

كَانَا صَادِقَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا فَقَدْ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَوَّلًا ، وَإِنْ كَانَا كَاذِبِينَ فَقَدْ أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَادِقًا وَالْآخَرُ كَاذِبًا فَلَا وَلَاءَ لِلصَّادِقِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لَهُ أَوَّلًا وَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُ فِي الَّذِي اشْتَرَاهُ ، لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَ شِرَائِهِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْكَاذِبِ ، لِأَنَّهُ أَعْتَقَ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الَّذِي لِشَرِيكِهِ فَأَعْتَقَهُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ فِي الِاحْتِمَالِ فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا .

( 8592 ) فَصْلٌ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى سَيِّدِ عَبْدٍ بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا عَتَقَ ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي وَلَاءٌ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه وَلَا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ عِتْقَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ حَقَّهُ مِنْهُ وَكَانَا مُوسِرَيْنِ فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا أَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ عَدْلَيْنِ فَحَلَفَ الْعَبْدُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَعَتَقَ ، أَوْ شَهِدَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدْلٌ آخَرُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ فَأَنْكَرَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ ، وَلَا وَلَاءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدَّعِيه ، وَلَا يَثْبُتُ لِأَحَدٍ حَقٌّ يُنْكِرُهُ ، فَإِنْ عَادَ مَنْ ثَبَتَ إعْتَاقُهُ فَاعْتَرَفَ بِهِ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ سِوَاهُ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ لِإِنْكَارِهِ لَهُ ، فَإِذَا اعْتَرَفَ زَالَ الْإِنْكَارُ وَثَبَتَ لَهُ ، وَأَمَّا الْمُوسِرَانِ إذَا أَعْتَقَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي أَنَّهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَحْدَهُ أَوْ أَنَّهُ سَبَقَ بِالْعِتْقِ فَالْوَلَاءُ لَهُ وَعَلَيْهِ غَرَامَةُ نَصِيبِ الْآخَرِ ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُعْتِقُ وَحْدَهُ أَوْ أَنَّهُ السَّابِقُ بِالْعِتْقِ تَحَالَفَا وَكَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .

( 8593 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكَانِ مُوسِرَيْنِ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا بِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّتِهِ وَصَارَ مُدَّعِيًا عَلَى شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَيَمِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرَيْنِ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَرِفٌ بِحُرِّيَّةِ نَصِيبِهِ شَاهِدٌ عَلَى شَرِيكِهِ بِحُرِّيَّةِ نِصْفِهِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِشَرِيكِهِ أَعْتَقَتْ نَصِيبَك فَسَرَى الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِي فَعَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْك وَلَزِمَك لِي قِيمَةُ نَصِيبِي ، فَصَارَ الْعَبْدُ حُرًّا لِاعْتِرَافِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِ وَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي قِيمَةَ حِصَّتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَبَرِئَا ، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَكَلَا جَمِيعًا تَسَاقَطَ حَقَّاهُمَا لِتَمَاثُلِهِمَا ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْحَالِ بَيْنَ الْعَدْلَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ وَالْمُسْلِمَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ لِتَسَاوِي الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي الِاعْتِرَافِ وَالدَّعْوَى بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا ( 8594 ) فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ وَحْدَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ نَصِيبَهُ قَدْ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ الْمُوسِرِ الَّذِي يَسْرِي عِتْقُهُ ، وَلَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الْمُوسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ الْمُعْسِرَ الَّذِي لَا يَسْرِي عِتْقُهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ خَاصَّةً فَعَتَقَ وَحْدَهُ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْسِرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا لِكَوْنِهِ يُوجِبُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ سِوَاهُ حَلَفَ الْمُوسِرُ وَبَرِئَ مِنْ الْقِيمَةِ وَالْعِتْقِ جَمِيعًا ، وَلَا وَلَاءَ لِلْمُعْسِرِ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه

وَلَا لِلْمُوسِرِ لِذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنْ عَادَ الْمُعْسِرُ فَأَعْتَقَهُ وَادَّعَاهُ ثَبَتَ لَهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمُوسِرُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ وَصَدَّقَ الْمُعْسِرُ عَتَقَ نَصِيبُهُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ غَرَامَةُ نَصِيبِ الْمُعْسِرِ وَثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ تَشْهَدُ بِإِعْتَاقِ الْمُوسِرِ وَكَانَتْ عَدْلَيْنِ ثَبَتَ الْعِتْقُ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ لِلْمُعْسِرِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ رَجُلًا وَاحِدًا حَلَفَ الْعَبْدُ مَعَهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ ، وَلِلْمُعْسِرِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ وَيَسْتَحِقَّ قِيمَةَ نَصِيبِهِ سَوَاءٌ حَلَفَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِيه مَالٌ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ .

فَصْلٌ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُوسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ بِسِرَايَةِ عِتْقِ شَرِيكِهِ وَصَارَ مُدَّعِيًا نِصْفَ الْقِيمَةِ عَلَى شَرِيكِهِ وَلَا يَسْرِي لِأَنَّهُ لَا يَعْتَرِفُ أَنَّهُ الْمُعْتِقُ لَهُ .
وَإِنَّمَا أَعْتَقَ بِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ لَا بِإِعْتَاقِهِ لَهُ وَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ لَهُ .
قَالَ الْقَاضِي وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَدْلًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نِصْفَ قِيمَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ فَيَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا ، وَمَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ يَجُرُّ إلَيْهِ بِهَا نَفْعًا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ كُلُّهَا ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَدْلًا حَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَصَارَ نِصْفُهُ حُرًّا .
وَقَالَ حَمَّادٌ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُوسِرًا سَعَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى لَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَوَلَاءُ نِصْفِهِ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ أَعْتَقَ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ وَإِلَّا كَانَ الْوَلَاءُ لِبَيْتِ الْمَالِ .

( 8596 ) فَصْلٌ إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ ، وَطَارَ وَلَمْ يَعْلَمَا ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ الْمُعْسِرِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحِنْثُ فِيهِ ، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ عَتَقَ نِصْفُهُ لِأَنَّنَا عَلِمْنَا حُرِّيَّةَ نِصْفِهِ وَلَمْ يَسْرِ إلَى النِّصْفِ الْآخَرِ ، وَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدَ أَجْنَبِيٌّ عَتَقَ نِصْفُهُ لِأَنَّ نِصْفَهُ حُرٌّ يَقِينًا فَلَمْ يَمْلِكْ جَمِيعَهُ .

( 8597 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدَيْنِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقِيمَةِ فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَبِي أَعْتَقَ هَذَا وَقَالَ الْآخِرُ أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا لَا أَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي اعْتَرَفَ الِابْنُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ إنْ لَمْ يُجِزْ الِابْنَانِ عِتْقَهُ كَامِلًا وَكَانَ الْآخَرُ عَبْدًا ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْآخَرِ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَكَانَ لِمَنْ قَرَعْنَا بِقَوْلِهِ فِيهِ سُدُسُهُ وَنِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَلِأَخِيهِ نِصْفُهُ وَسُدُسُ الْعَبْدِ الَّذِي اعْتَرَفَ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ لَعَتَقَ كُلُّهُ ، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، فَأَمَّا إذَا اعْتَرَفَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي مَرَضِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ ، إمَّا أَنْ يُعَيِّنَا الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا فَيَعْتِقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ ثُلُثُ جَمِيعِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَا عِتْقَ جَمِيعِهِ فَيَعْتِقَ وَالثَّانِي أَنْ يُعَيِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعِتْقَ فِي وَاحِدٍ غَيْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ فَيَعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّهُ نِصْفُ الْعَبْدَيْنِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ حَقِّهِ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ وَهُوَ ثُلُثَا النِّصْفِ الَّذِي لَهُ ، وَذَلِكَ هُوَ الثُّلُثُ ، وَلِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ بِحُرِّيَّةِ ثُلُثَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ مِنْهُمَا وَهُوَ الثُّلُثُ ، وَيَبْقَى الرِّقُّ فِي ثُلُثِهِ ، فَلَهُ نِصْفُهُ وَهُوَ السُّدُسُ وَنِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي يُنْكِرُ عِتْقَهُ وَالْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أَبِي أَعْتَقَ هَذَا ، يَقُولُ الْآخَرُ أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا لَا أَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَتَقُمْ الْقُرْعَةُ مَقَامَ تَعْيِينِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْ ،

فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ كَمَا لَوْ عَيَّنَاهُ بِقَوْلِهِمَا ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ كَانَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الْعَبْدِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَنِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي يُنْكِرُ عِتْقَهُ فَيَصِيرُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ حُرًّا ، وَالْحَالُ الرَّابِعُ أَنْ يَقُولَا أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا وَلَا نَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ إنْ لَمْ يُجِيزَا عِتْقَ جَمِيعِهِ وَكَانَ الْآخَرُ رَقِيقًا .
( 8598 ) فَصْلٌ فَإِنْ رَجَعَ الِابْنُ الَّذِي جَهِلَ عَيْنَ الْمُعْتَقِ فَقَالَ قَدْ عَرَفْته قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ فَوَافَقَهَا تَعْيِينُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمِ ، وَإِنْ خَالَفَهَا عَتَقَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ ثُلُثُهُ بِتَعْيِينِهِ ، فَإِنْ عَيَّنَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ عَتَقَ ثُلُثَاهُ ، وَإِنْ عَيَّنَ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الَّذِي عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ .

( 8599 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نِصْفُ عَبْدٍ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ صَاحِبُ النِّصْفِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَضَمِنَا حَقَّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ نِصْفَيْنِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثَاهُ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثُهُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَهُمْ مُوسِرُونَ سَرَى عِتْقُهُمْ إلَى بَاقِي الْعَبْدِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ يَتَسَاوُونَ فِي ضَمَانِهِ وَوَلَائِهِ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِإِعْتَاقِ مِلْكَيْهِمَا ، وَمَا وَجَبَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَانَ عَلَى قَدْرِهِ كَالنَّفَقَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَلَنَا أَنَّ عِتْقَ النَّصِيبِ إتْلَافٌ لِرِقِّ الْبَاقِي وَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي الضَّمَانِ كَمَا لَوْ جُرِحَ أَحَدُهُمَا جُرْحًا وَالْآخَرُ جُرْحَيْنِ فَمَاتَ مِنْهُمَا أَوْ أَلْقَى أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ النَّجَاسَةِ فِي مَائِعٍ وَأَلْقَى الْآخَرُ جُزْأَيْنِ ، يُفَارِقُ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ ، وَلِأَنَّ الضَّمَانَ هَاهُنَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ مِنْهُمَا وَفِي الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا وَالضَّرَرُ مِنْهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي إدْخَالِهِ عَلَى الشَّرِيكِ وَفِي الشُّفْعَةِ ضَرَرُ صَاحِبِ النِّصْفِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ صَاحِبِ السُّدُسِ فَاخْتَلَفَا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّنَا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الثُّلُثَ مُعْتَقٌ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَنِصْفُ الثُّلُثِ سُدُسٌ إذَا ضَمَمْنَاهُ إلَى النِّصْفِ الَّذِي لِأَحَدِهِمَا صَارَ ثُلُثَيْنِ ، وَإِذَا ضَمَمْنَا السُّدُسَ الْآخَرَ إلَى سُدُسِ الْمُعْتَقِ صَارَ ثُلُثًا .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَصِيرُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا

أَرْبَاعًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ رُبْعُهُ ، وَالضَّمَانُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَعْتَقَاهُ مَعًا فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْعِتْقِ بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِأَنْ يَتَلَفَّظَا بِهِ مَعًا أَوْ يُوَكِّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُعْتِقَهُمَا مَعًا أَوْ يُوَكِّلَ وَكِيلَهُ فَيُعْتِقَهُمَا أَوْ يُعَلِّقَا عِتْقَهُ عَلَى شَرْطٍ فَيُوجَدُ ، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكَيْهِ جَمِيعًا وَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَالْوَلَاءُ لَهُ كُلُّهُ ، وَقَوْلُهُ وَهُمَا مُوسِرَانِ شَرْطٌ آخَرُ ، فَإِنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ يُشْتَرَطُ لَهَا الْيَسَارُ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَحْدَهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ جَمِيعُ نَصِيبِ مَنْ لَمْ يُعْتِقْ لِأَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يَسْرِي عِتْقُهُ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُوسِرِ خَاصَّةً ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَجِدْ بَعْضَ مَا يَخُصُّهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَبَاقِيه عَلَى الْآخَرِ ، مِثْلُ أَنْ يَجِدَ صَاحِبُ السُّدُسِ قِيمَةَ نِصْفِ السُّدُسِ فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَيُقَوَّمُ الرُّبْعُ عَلَى صَاحِبِ النِّصْفِ وَيَصِحُّ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِصَاحِبِ السُّدُسِ رُبْعُهُ وَبَاقِيه لِمُعْتِقِ النِّصْفِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا قُوِّمَ الْجَمِيعُ عَلَى الْآخَرِ ، فَإِذَا كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِهِ قُوِّمَ الْبَاقِي عَلَى صَاحِبِ النِّصْفِ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ .

( 8600 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَصَابَهَا أَحَدُهُمَا وَأَحْبَلَهَا أُدِّبَ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْحَدُّ ، وَضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَهِيَ عَلَى مِلْكَيْهِمَا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُصَادِفُ مِلْكَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ وَلَمْ يَحِلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوجِبُونَ فِيهِ حَدًّا لِأَنَّ لَهُ فِيهَا مِلْكًا فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ ، وَأُوجِبْهُ أَبُو ثَوْرٍ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِأَجْلِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِلْكٌ وَلَنَا أَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكَهُ فَلَمْ يُوجَبْ بِهِ حَدٌّ كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ ، وَيُفَارِقُ مَا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا ، وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ عَيْنًا لَهُ نِصْفُهَا لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ قُطِعَ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي حُجَّةِ أَبِي ثَوْرٍ ، مَنْ لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ إمَّا أَنْ لَا تَحْمِلَ مِنْهُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِمَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ وَطْءٌ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَأَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُطَاوِعَةَ أَوْ مُكْرَهَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلِأَنَّ وَطْءَ جَارِيَةِ غَيْرِهِ يُوجِبُ الْمَهْرَ وَإِنَّ طَاوَعَتْ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَوْ أُدِّبَتْ فِي قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا ، وَيَكُونُ

الْوَاجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ بِقَدْرِ مِلْكِ الشَّرِيكِ فِيهَا .
الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُحْبِلَهَا وَتَضَعَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ وَتَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ كَمَا تَخْرُجُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصْفَهَا مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِتْلَافِ .
فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَدَّاهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِوَالِدِهِ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ فِي مَحَلٍّ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا بَلْ يَصِحُّ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَنِصْفُهَا قِنًّا بَاقِيًا فِي مِلْكِ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الْإِحْبَالَ كَالْعِتْقِ وَيَجْرِي مَجْرَاهُ فِي التَّقْوِيمِ وَالسِّرَايَةِ ، فَأَعْتَقَتْ فِي سِرَايَتِهِ الْيَسَارَ كَالْعِتْقِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ أَيْضًا ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا وَلَدَتْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا لِاسْتِحَالَةِ انْعِقَادِ الْوَلَدِ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا لِأَنَّ نِصْفَ أُمِّهِ أُمُّ وَلَدٍ وَنِصْفُهَا قِنٌّ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ فَكَانَ نِصْفُ الْوَلَدِ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا كَوَلَدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِلَّ انْعِقَادَ الْوَلَدِ مِنْ حُرِّ وَقِنٍّ ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ بَعْضَهَا أُمُّ وَلَدٍ فَكَانَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَاطِئُ مُوسِرًا ، وَيُفَارِقُ الْعَتَاقَ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى وَلِهَذَا يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ مِنْ الْمَرِيضِ وَمِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، وَالْإِعْتَاقُ بِخِلَافِهِ .
( 8601 ) فَصْلٌ : قَالَ أَبُو

الْخَطَّابِ : وَهَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَمَهْرُ الْأَمَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ .
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُمَا ، لِأَنَّ الْأَمَةَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرُ مَمْلُوكَتِهِ ، وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ خُلِقَ حُرًّا ، فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الْحُرُّ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ، يَلْزَمُهُ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَنِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ صَادَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ بِالْوَطْءِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ سَبَبَ الْمِلْكِ ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ سَبَبِهِ ، فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَقَدُّمُ الْوَطْءِ عَلَى مِلْكِهِ ، فَيَكُونُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، فَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَفِعْلُهُ ذَلِكَ مَنَعَ انْخِلَاقَ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، كَوَلَدِ الْمَغْرُورِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ وَضَعَتْ الْوَلَدَ بَعْدَ التَّقْوِيمِ ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ ؛ لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَالَةَ الْوَضْعِ ، وَلَا حَقَّ لِلشَّرِيكِ فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ التَّقْوِيمِ ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَةُ نِصْفِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ .
( 8602 ) فَصْلٌ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْأَمَةِ مِلْكٌ كَثِيرٌ أَوْ يَسِيرٌ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ ، فِيمَا إذَا وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ ، أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا أَحْبَلَهَا ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا لَهُ فِيهَا سَهْمٌ يَسِيرٌ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ .

( 8603 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ ، وَكَانَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ قِيمَةُ حَقِّهِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ، لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا مَلَكَ ، وَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُ بِالْمِيرَاثِ ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ مَا مَلَكَ ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ) قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، فَهُوَ حُرٌّ ؛ لِمَا رَوَى سَمُرَةُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، فَهُوَ حُرٌّ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَرَوَى ضَمْرَةُ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، فَهُوَ حُرٌّ } .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ضَمْرَةَ ، فَقَالَ : ثِقَةٌ ، إلَّا أَنَّهُ رَوَى حَدِيثَيْنِ لَيْسَ لَهُمَا أَصْلٌ ؛ أَحَدُهُمَا ، هَذَا الْحَدِيثُ .
وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، فَهُوَ حُرٌّ } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ .
فَأَمَّا إنْ مَلَكَ سَهْمًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ سَهْمًا مِنْ وَلَدِهِ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مَا مَلَكَ مِنْهُ ، سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ ، أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، كَالْهِبَةِ وَالِاغْتِنَامِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَسَوَاءٌ ، مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، كَالْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَعْتِقُ بِهِ الْكُلُّ يَعْتِقُ بِهِ الْبَعْضُ ، كَالْإِعْتَاقِ بِالْقَوْلِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ ؛ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ ، وَاسْتَقَرَّ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَرَقَّ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ بِقَوْلِهِ ، لَمْ يَسْرِ إعْتَاقُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعِتْقِ وَقَصْدِهِ إيَّاهُ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى .
وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَكَانَ الْمِلْكُ

بِاخْتِيَارِهِ ، كَالْمِلْكِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ ، سَرَى إلَى بَاقِيه ، فَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ ، وَلَزِمَهُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةُ بَاقِيه لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ .
وَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَلَكَ ، سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْتِقْهُ ، وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ ، فَلَمْ يَسْرِ ، كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ ، وَفَارَقَ مَا أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ ، قَاصِدًا إلَيْهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ فَعَلَ سَبَبَ الْعِتْقِ اخْتِيَارًا مِنْهُ ، وَقَصْدًا إلَيْهِ ، فَسَرَى ، وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، وَفَارَقَ الْمِيرَاثَ ، فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ ، وَلَا فِعْلِهِ ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ سَبَبَ السِّرَايَةِ اخْتِيَارًا ، لَزِمَهُ ضَمَانُهَا ، كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا ، فَسَرَى جُرْحُهُ ، وَلِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ لِمَا يَسْرِي ، وَتَسَبُّبَهُ إلَيْهِ فِي لُزُومِ حُكْمِ السِّرَايَةِ وَاحِدٌ ، بِدَلِيلِ اسْتِوَاءِ الْحَافِزِ وَالدَّافِعِ فِي ضَمَانِ الْوَاقِعِ .
فَأَمَّا إنْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ ، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِيهِ ، وَاسْتَقَرَّ فِيمَا مَلَكَهُ ، وَرَقَّ الْبَاقِي ، سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَى إعْتَاقِهِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، إذَا كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ وَهُوَ مُوسِرٌ ، فَسَرَى إلَى بَاقِيه ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ .
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ ، وَلَا تَسَبَّبَ إلَيْهِ ، فَلَمْ يَضْمَنْ ، وَلَمْ يَسْرِ ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَفَارَقَ مَا تَسَبَّبَ إلَيْهِ .

( 8604 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَرِثَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ جُزْءًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا عَتَقَ ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَاقِيه ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْرِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ ، فَفِي حَقِّهِمَا أَوْلَى .
وَإِنْ وُهِبَ لَهُمَا ، أَوْ وُصِّيَ لَهُمَا بِهِ ، وَهُمَا مُعْسِرَانِ ، فَعَلَى وَلِيِّهِمَا قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ لَهُمَا ، بِإِعْتَاقِ قَرِيبِهِمَا ، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَلْحَقُ بِهِمَا .
وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ، مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِمَا بَاقِيه إذَا مَلَكَا بَعْضَهُ ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يُقَوَّمُ ، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَرِثَهُ .
وَالثَّانِي ، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ وَلِيِّهِ يَقُومُ مَقَامَ قَبُولِهِ ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ .
فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، لَيْسَ لِوَلِيِّهِ ؛ قَبُولُهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ ، يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ ، إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ .
وَإِذَا قُلْنَا : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ .
فَقَبِلَهُ ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَبُولُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِغَبْنٍ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَصِحَّ ، وَتَكُونَ الْغَرَامَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ هَذِهِ الْغَرَامَةَ ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ ، كَنَفَقَةِ الْحَجِّ إذَا حَجَّهُ .

( 8605 ) فَصْلٌ : وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا لِذِي رَحِمِهِ وَأَجْنَبِيٍّ صَفْقَةً وَاحِدَةً ، عَتَقَ كُلُّهُ ، إذَا كَانَ ذُو الرَّحِمِ مُعْسِرًا ، وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ مِنْهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ ، شَيْئًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِقَبُولِ شَرِيكِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي إعْتَاقِ نَصِيبِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِمِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيه مَعَ يَسَارِهِ ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِشِرَائِهِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ إلَّا بِقَبُولِ شَرِيكِهِ .

( 8606 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ أَمَةٌ مُزَوَّجَةٌ ، وَلَهَا ابْنٌ مُوسِرٌ ، فَاشْتَرَاهَا هُوَ وَزَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ، صَفْقَةً وَاحِدَةً ، عَتَقَ نَصِيبُ الِابْنِ مِنْ أُمِّهِ ، وَسَرَى إلَى نَصِيبِ الزَّوْجِ ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ ، وَعَتَقَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا مَعًا ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ الزَّوْجِ وَأَخُو الِابْنِ ، وَلَا يَجِبُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ .
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ، فَوُهِبَتْ لَهُمَا ، أَوْ أُوصِي لَهُمَا بِهَا ، فَقَبِلَاهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ قَبِلَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ قَبِلَ الِابْنُ أَوَّلًا ، عَتَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ وَحَمْلُهَا ؛ حِصَّتُهُ مِنْ الْأُمِّ بِالْمِلْكِ ، وَتَبِعَهَا حِصَّتُهُ مِنْ الْحَمْلِ ، وَسَرَى الْعِتْقُ إلَى الْبَاقِي مِنْ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِمَا لِلزَّوْجِ .
وَإِنْ قَبِلَ الزَّوْجُ أَوَّلًا ، عَتَقَ عَلَيْهِ الْحَمْلُ كُلُّهُ ؛ نَصِيبُهُ بِالْمِلْكِ ، وَبَاقِيه بِالسِّرَايَةِ ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ .
ثُمَّ إذَا قَبِلَ الِابْنُ ، عَتَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ كُلُّهَا ، وَيَتَقَاصَّانِ ، وَيَرُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَضْلَ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَمَنْ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ : إنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا بِالْمَوْتِ .
فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَبِلَاهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً .

( 8607 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نِصْفُ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا ، فَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ ، عَتَقَ ، وَسَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ ، فَإِنْ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْآخَرَ ، مِنْ الْعَبْدِ الْآخِرِ ، عَتَقَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ عِتْقِهِ ، وَلَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَوَّلَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، لَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ ، وَثُلُثُ مَالِهِ هُوَ الثُّلُثُ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَ نِصْفَهُ ، وَإِذَا أَعْتَقَ الثَّانِيَ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَوَّلَ فِي صِحَّتِهِ ، وَأَعْتَقَ الثَّانِيَ ، فِي مَرَضِهِ ، لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ ، فَيَمْنَعُ صِحَّةَ عِتْقِهِ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ .

( 8608 ) فَصْلٌ : إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، فَسَرَى إلَى نَصِيبِ ، الشَّرِيكِ ، وَغَرِمَ لَهُ قِيمَةُ نَصِيبِهِ ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ غَرِمَا قِيمَةَ الْعَبْدِ جَمِيعِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : تَلْزَمُهُمَا غَرَامَةُ نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا إلَّا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ ، فَلَمْ تَلْزَمْهُمَا غَرَامَهُ مَا سِوَاهُ .
وَلَنَا أَنَّهُمَا فَوَّتَا عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَقِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَلَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ ، كَمَا لَوْ فَوَّتَاهُ بِفِعْلِهِمَا ، وَكَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِجُرْحٍ ، ثُمَّ سَرَى الْجُرْحُ ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ ، فَضَمِنَ الدِّيَةَ ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا .

فَصْلٌ : وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى مَيِّتٍ بِعِتْقِ عَبْدٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ ، فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِعِتْقِ آخَرَ ، هُوَ ثُلُثُ مَالِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَوَّلَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ ، نَظَرْنَا فِي تَارِيخِ شَهَادَتِهِمَا ؛ فَإِنْ كَانَتْ سَابِقَةً وَلَمْ تُكَذِّبْ الْوَرَثَةُ رُجُوعَهُمَا ، عَتَقَ الْأَوَّلُ ، وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا ، وَلَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُمَا شِرَاءُ الثَّانِي وَإِعْتَاقُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا مَنَعَا عِتْقَهُ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَرْجُوعِ عَنْهَا .
وَإِنْ صَدَّقُوهُمَا فِي رُجُوعِهِمَا ، وَكَذَّبُوهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا ، عَتَقَ الثَّانِي ، وَرَجَعُوا عَلَيْهِمَا بِقِيمَةِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا رِقَّهُ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَرْجُوعِ عَنْهَا ؛ وَإِنْ كَانَ تَارِيخُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّهَادَةِ الْأُخْرَى ، بَطَلَ عِتْقُ الْمَحْكُومِ لَهُ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ أَعْتَقَ ثُلُثَ مَالِهِ قَبْلَ إعْتَاقِهِ ، وَلَمْ يَغْرَمْ الشَّاهِدَانِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُمَا مَا فَوَّتَا شَيْئًا .
وَإِنْ كَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ ، أَوْ إحْدَاهُمَا ، أَوْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا ، أُقْرَعَ بَيْنَهُمَا ؛ فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الثَّانِي ، عَتَقَ ، وَبَطَلَ عِتْقُ الْأَوَّلِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ .
وَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْأَوَّلِ ، عَتَقَ ، وَنَظَرْنَا فِي الْوَرَثَةِ ، فَإِنْ كَذَّبُوا الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا ، عَتَقَ الثَّانِي ، وَرَجَعُوا عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِقِيمَةِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا رِقَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَإِنْ كَذَّبُوهُمَا فِي رُجُوعِهِمَا ، لَمْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِمَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِعِتْقِ الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِ .

( 8610 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ ، فَأَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، أَوْ دَبَّرَهُمْ ، أَوْ دَبَّرَ أَحَدَهُمْ ، وَأَوْصَى بِعِتْقِ الْآخَرَيْنِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا وَاحِدٌ ؛ لِتَسَاوِي قِيمَتِهِمْ ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُمْ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ ، عَتَقَ دُونَ صَاحِبَيْهِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، وَالتَّدْبِيرَ ، وَالْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ ، يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُجِزْ مِنْ عِتْقِ الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فِي مَرَضِهِ ، إلَّا ثُلُثَهُمْ .
وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ ، أَشْبَهَ الْهِبَةَ ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، لَمْ يَجُزْ إلَّا الثُّلُثُ .
فَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِهِ ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثُّلُثَ .
وَإِنْ وَقَعَ الْعِتْقُ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الثُّلُثِ ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأُخْرِجَ الثُّلُثُ بِالْقُرْعَةِ .
وَمَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْعِتْقُ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ .
وَأَمَّا إنْ دَبَّرَهُمْ ، اسْتَوَى الْمُقَدَّمُ وَالْمُؤَخَّرُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ الْمَوْتُ ، وَالشَّرْطُ إذَا وُجِدَ ثَبَتَ الْمَشْرُوطُ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَكَذَلِكَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ ، يَسْتَوِي هُوَ وَالتَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ عِتْقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَمَتَى أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدْ مُتَسَاوِينَ فِي الْقِيمَةِ ، هُمْ جَمِيعُ مَالِهِ ، دُفْعَةً وَاحِدَةً ، أَوْ دَبَّرَهُمْ ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ ، أَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ وَوَصَّى بِعِتْقِ بَاقِيهِمْ ، وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ ، عَتَقَ وَرَقَّ صَاحِبَاهُ .
وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَمَالِكٌ ،

وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَدَاوُد ، وَابْنُ جَرِيرٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ ، وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِيهِ .
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَشُرَيْحٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَحَمَّادٍ لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَيَتَسَاوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، كَمَا لَوْ كَانَ يَمْلِكُ ثُلُثَهُمْ وَحْدَهُ ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ ، أَوْ كَمَا لَوْ وَصَّى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَرَجُلٍ .
وَأَنْكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الْقُرْعَةَ ، وَقَالُوا : هِيَ مِنْ الْقِمَارِ وَحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَلَعَلَّهُمْ يَرُدُّونَ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِمُخَالَفَتِهِ قِيَاسَ الْأُصُولِ .
وَذُكِرَ الْحَدِيثُ لِحَمَّادٍ ، فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ - يَعْنِي إبْلِيسَ - فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ : وُضِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ؛ أَحَدُهُمْ الْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ - يَعْنِي إنَّكَ مَجْنُونٌ - فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ : مَا دَعَاكَ إلَى هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : وَأَنْتَ ، فَمَا دَعَاكَ إلَى هَذَا ؟ وَهَذَا قَلِيلٌ فِي جَوَابِ حَمَّادٍ ، وَكَانَ حَرِيًّا أَنْ يُسْتَتَابَ عَنْ هَذَا ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ .
وَلَنَا مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ ، { أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فِي مَرَضِهِ ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ، فَجَزَّأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً } .
وَهَذَا نَصٌّ فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ ، وَحُجَّةٌ لَنَا فِي الْأَمْرَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمَا ، وَهُمَا جَمْعُ الْحُرِّيَّةِ وَاسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَسَائِرُ أَصْحَابِ السُّنَنِ .
وَرَوَاهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَأَبُو الْمُهَلَّبِ ، ثَلَاثَةُ أَئِمَّةٍ .
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ

الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلِأَنَّهُ حَقٌّ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ ، فَوَجَبَ جَمْعُهُ بِالْقُرْعَةِ ، كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ إذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ، وَنَظِيرُهُ مِنْ الْقِسْمَةِ مَا لَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهَا ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهَا ، وَفِيهَا ثَلَاثَةُ مَسَاكِنُ مُتَسَاوِيَةٌ ، لَا ضَرَرَ فِي قِسْمَتِهَا ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ بَيْتٍ سَهْمًا ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ؛ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ ، وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْخَبَرَ يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ .
وَنَمْنَعُ ذَلِكَ ، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِلْكُهُ ثُلُثَهُمْ وَحْدَهُ ، لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُ نَصِيبِهِ ، وَالْوَصِيَّةُ لَا ضَرَرَ فِي تَفْرِيقِهَا ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
وَإِنْ سَلَّمْنَا مُخَالَفَتَهُ قِيَاسَ الْأُصُولِ ، فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ ، سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَوْ خَالَفَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمَعْصُومِ ، الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ ، وَحَذَّرَ الْعِقَابَ فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ ، وَجَعَلَ الْفَوْزَ فِي طَاعَتِهِ ، وَالضَّلَالَ فِي مَعْصِيَتِهِ ، وَتَطَرُّقُ الْخَطَأِ إلَى الْقَائِسِ فِي قِيَاسِهِ أُغْلَبُ مِنْ تَطَرُّقِ الْخَطَأِ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ فِي رِوَايَتِهِمْ ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا قِيَاسَ الْأُصُولِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ، فَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ ، وَنَقَضُوا الْوُضُوءَ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ خَارِجِهَا ؛ وَقَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي

مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ وَالْأُصُولِ ، أَشَدُّ وَأَعْظَمُ ، وَالضَّرَرُ فِي مَذْهَبِهِمْ أَعْظَمُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْصُلَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُعْتِقُونَ الثُّلُثَ ، وَيَسْتَسْعُونَ الْعَبْدَ فِي الثُّلُثَيْنِ ، فَلَا يَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ فِي الْحَالِ أَصْلًا ، وَيُحِيلُونَهُمْ عَلَى السِّعَايَةِ ، وَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا ، وَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهَا فِي الشَّهْرِ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ ، فَيَكُونُ هَذَا فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْعَبِيدِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُجْبِرُونَهُمْ عَلَى الْكَسْبِ وَالسِّعَايَةِ ، عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُمْ ، وَرُبَّمَا كَانَ الْمُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ جَارِيَةً ، فَيَحْمِلُهَا ذَلِكَ عَلَى الْبِغَاءِ ، أَوْ عَبْدًا ، فَيَسْرِقُ أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَيِّتِ ، حَيْثُ أَفْضَوْا بِوَصِيَّتِهِ إلَى الظُّلْمِ وَالْإِضْرَارِ ، وَتَحْقِيقِ مَا يُوجِبُ لَهُ الْعِقَابَ مِنْ رَبِّهِ ، وَالدُّعَاءَ عَلَيْهِ مِنْ عَبِيدِهِ وَوَرَثَتِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الَّذِي فَعَلَ هَذَا ، قَالَ : { لَوْ شَهِدْته لَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ } قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ ضُرُوبٌ مِنْ الْخَطَأِ وَالِاضْطِرَابِ ، مَعَ مُخَالِفَةِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ .
وَأَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ لِلْقُرْعَةِ ، فَقَدْ جَاءَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ } .
وَأَمَّا السُّنَّةُ ؛ فَقَالَ أَحْمَدُ : فِي الْقُرْعَةِ خَمْسُ سُنَنٍ ؛ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ .
وَأَقْرَعَ فِي سِتَّةِ مَمْلُوكِينَ .
وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ : " اسْتَهِمَا " وَقَالَ : { مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ

اللَّهِ وَالْمُدَاهِنِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ .
} وَقَالَ { لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ، لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ } .
وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ صَفِيَّةَ جَاءَتْ بِثَوْبَيْنِ ؛ لِيُكَفَّنَ فِيهَا حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَجَدْنَا إلَى جَنْبِهِ قَتِيلًا ، فَقُلْنَا : لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ ، وَلِلْأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ .
فَوَجَدْنَا أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ أَوْسَعَ مِنْ الْآخَرَ ، فَأَقْرَعْنَا عَلَيْهِمَا ، ثُمَّ كَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ ، وَتَشَاحَّ النَّاسُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فِي الْأَذَانِ ، فَأَقْرَعِ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِسْمَةِ ، وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا فِي أَنَّ الرَّجُلَ يَقْرَعُ بَيْنَ نِسَائِهِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ بِإِحْدَاهُنَّ ، وَإِذَا أَرَادَ الْبِدَايَةَ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَهُنَّ ، وَبَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ إذَا تَسَاوَوْا وَتَشَاحُّوا فِي مَنْ يَتَوَلَّى التَّزْوِيجَ أَوْ مَنْ يَتَوَلَّى اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ ، وَأَشْبَاهَ هَذَا .

( 8611 ) فَصْلٌ : فِي كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ ، قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِالْخَوَاتِيمِ .
أَقْرَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَوْبٍ ، فَأَخْرَجَ خَاتَمَ هَذَا ثُمَّ قَالَ : يَخْرُجُونَ بِالْخَوَاتِيمِ ، ثُمَّ تُدْفَعُ إلَى رَجُلٍ ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا وَاحِدًا .
قَالَ أَحْمَدُ بِأَيِّ شَيْءٍ خَرَجَتْ مِمَّا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ ، وَقَعَ الْحُكْمُ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ رِقَاعًا أَوْ خَوَاتِيمَ .
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ : الْأَوْلَى أَنْ يَقْطَعَ رِقَاعًا صِغَارًا مُتَسَاوِيَةً ، ثُمَّ تُلْقَى فِي حِجْرِ رَجُلٍ لَمْ يَحْضُرْ ، أَوْ يُغَطَّى عَلَيْهَا بِثَوْبٍ ، ثُمَّ يُقَالَ لَهُ : أَدْخِلْ يَدَك ، وَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً .
فَيَنْفُضُهَا وَيَعْلَمُ مَا فِيهَا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَالْعِتْقِ سِتُّ مَسَائِلَ ؛ ( 8612 ) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْ يُعْتِقَ عَدَدًا مِنْ الْعَبِيدِ ، لَهُمْ ثُلُثٌ صَحِيحٌ .
كَثَلَاثَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ ، وَقِيمَتُهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَيُخْرِجُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، جُزْءًا لِلْحُرِّيَّةِ ، وَجُزْأَيْنِ لِلرِّقِّ ، وَتُكْتَبُ ثَلَاثُ رِقَاعٍ ، فِي وَاحِدَةٍ حُرِّيَّةٌ ، وَفِي اثْنَيْنِ رِقٌّ ، وَيُتْرَكُ فِي ثَلَاثَةِ بَنَادِقَ ، وَتُغَطَّى بِثَوْبٍ ، وَيُقَالُ لِرَجُلٍ لَمْ يَحْضُرْ : أَخْرِجْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْجُزْءِ .
فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ ، عَتَقَ ، وَرَقَّ الْجُزْءَانِ الْآخَرَانِ ، وَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ رِقٍّ ، رَقَّ ، وَأُخْرِجَتْ أُخْرَى عَلَى جُزْءٍ آخَرَ ، فَإِنْ خَرَجَتْ رُقْعَةُ الْحُرِّيَّةِ ، عَتَقَ وَرَقَّ الْجُزْءُ الثَّالِثُ ، وَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الرِّقِّ ، رَقَّ ، وَعَتَقَ الْجُزْءُ الثَّالِثُ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَعَيَّنَتْ فِيهِمْ .
وَإِنْ شِئْت كَتَبْت اسْمَ كُلِّ جُزْءٍ فِي رُقْعَةٍ ، ثُمَّ أَخْرَجْت رُقْعَةً عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، فَإِذَا خَرَجَتْ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ الْمُسَمَّوْنَ فِيهَا ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ ، وَإِنْ خَرَجَتْ رُقْعَةٌ عَلَى ، الرِّقِّ ، رَقَّ الْمُسَمَّوْنَ فِيهَا ، ثُمَّ تُخْرِجُ أُخْرَى عَلَى الرِّقِّ ، فَيَرِقُّ

الْمُسَمَّوْنَ فِيهَا ، وَيَعْتِقُ الْجُزْءُ الثَّالِثُ ، وَإِنْ أَخْرَجْت الثَّانِيَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، عَتَقَ الْمُسَمَّوْنَ فِيهَا ، دُونَ الثَّالِثِ .
( 8613 ) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ، أَنْ تُمْكِنَ قِسْمَتُهُمْ أَثْلَاثًا ، وَقِيمَتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ ، يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُمْ بِالْقِيمَةِ ، كَسِتَّةٍ ؛ قِيمَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ أَلْفَانِ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ أَلْفٌ أَلْفٌ ، فَيَجْعَلُ الِاثْنَيْنِ الْأَوْسَطَيْنِ جُزْءًا وَيَجْعَلُ اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ مَعَ آخَرَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ جُزْءًا ، وَالْآخَرَيْنِ جُزْءًا فَيَكُونُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةً فِي الْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
قِيلَ لِأَحْمَدَ لَمْ يَسْتَوُوا فِي الْقِيمَةِ ؟ قَالَ : يُقَوَّمُونَ بِالثَّمَنِ .
( 8614 ) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ، يَكُونُونَ مُتَسَاوِينَ فِي الْعَدَدِ مُخْتَلِفِينَ فِي الْقِيمَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْن تَعْدِيلِهِمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ مَعًا ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَعْدِيلُهُمْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا ، كَسِتَّةِ أَعْبُدٍ ، قِيمَةُ أَحَدِهِمْ أَلْفٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ أَلْفٌ ، وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ أَلْفٌ ، فَإِنَّهُمْ يَعْدِلُونَ بِالْقِيمَةِ دُون الْعَدَدِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ : إذَا كَانَتْ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِثْلَ اثْنَيْنِ ، قُوِّمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا أَقَلِّ ، وَفِي قِسْمَتِهِمْ بِالْعَدَدِ تَكْرَارُ الْقُرْعَةِ ، وَتَبْعِيضُ الْعِتْقِ حَتَّى يَكْمُلَ الثُّلُثُ ، فَكَانَ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ أَوْلَى .
بَيَانُ ذَلِكَ ، أَنَّنَا لَوْ جَعَلْنَا الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ آخَرَ ، فَخَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ لَهُمَا احْتَجْنَا أَنْ نُعِيدَ الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا خَرَجَتْ عَلَى الْقَلِيلِ الْقِيمَةِ عَتَقَ ، وَأَعْتَقَ مِنْ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ تَمَامُ الثُّلُثِ .
وَإِنْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى اثْنَيْنِ ، قِيمَتُهُمَا دُونَ الثُّلُثِ ، عَتَقَا ، ثُمَّ أُعِيدَتْ لِتَكْمِيلِ الثُّلُثِ ، فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى

وَاحِدٍ ، كَمَلَتْ الْحُرِّيَّةُ مِنْهُ فَحَصَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّبْعِيضِ وَالتَّكْرَارِ ، وَلِأَنَّ قِسْمَتَهُمْ بَيْنَ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِمْ ، إنَّمَا يَعْدِلُونَ فِيهَا بِالْقِيمَةِ دُون الْأَجْزَاءِ ، فَعَلَى هَذَا يَجْعَلُ الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ جُزْءًا ، وَالِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهَا أَلْفٌ جُزْءًا ، وَالثَّلَاثَةَ الْبَاقِينَ جُزْءًا ، ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
( 8615 ) الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ، أَمْكَنَ تَعْدِيلُهُمْ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ ، كَسَبْعَةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ أَلْفٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ أَلْفٌ ، وَقِيمَةُ أَرْبَعَةٍ أَلْفٌ ، فَيُعَدِّلُونَ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ ، كَمَا ذَكَرْنَا .
( 8616 ) الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ، أَمْكَنَ تَعْدِيلُهُمْ بِالْعَدَدِ دُونُ الْقِيمَةِ ، كَسِتَّةِ أَعْبُدٍ ، قِيمَةُ اثْنَيْنِ أَلْفٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ سَبْعُمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَهَاهُنَا يُجَزِّئُهُمْ بِالْعَدَدِ ؛ لِتَعَذُّرِ تَجْزِئَتِهِمْ بِالْقِيمَةِ ، فَيَجْعَلُ كُلَّ اثْنَيْنِ جُزْءًا ، وَيَضُمُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قِيمَتُهُمَا قَلِيلَةٌ إلَى وَاحِدٍ مِمَّنْ قِيمَتُهُمَا كَثِيرَةٌ ، وَيَجْعَلُ الْمُتَوَسِّطَيْنِ جُزْءًا ، وَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، فَإِنْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى جُزْءٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ بَيْنَهُمَا ، فَيَعْتِقُ مَنْ تَقَعُ لَهُ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ ، وَيَعْتِقُ مِنْ الْآخَرِ تَتِمَّةُ الثُّلُثِ وَرَقَّ بَاقِيه وَالْبَاقُونَ ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْحُرِّيَّةُ عَلَى جُزْءٍ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ ، عَتَقَا جَمِيعًا ، ثُمَّ يَكْمُلُ الثُّلُثُ مِنْ الْبَاقِينَ بِالْقُرْعَةِ .
( 8617 ) الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ، لَمْ يُمْكِنْ تَعْدِيلُهُمْ بِالْعَدَدِ وَلَا الْقِيمَةِ ، كَخَمْسَةِ أَعْبُدٍ ، قِيمَةُ أَحَدِهِمْ أَلْفٌ ، وَاثْنَانِ أَلْفٌ ، وَاثْنَانِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، احْتَمَلَ أَنْ يُجَزِّئَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، فَيَجْعَلَ أَحَدَهُمْ أَكْثَرَهُمْ قِيمَةً جُزْءًا ، وَيَضُمُّ إلَى الثَّانِي كَثِيرِ الْقِيمَةِ أَقَلَّ الْبَاقِينَ ، قِيمَةً ، وَيَجْعَلُهُمَا جُزْءًا وَالْبَاقِينَ جُزْءًا ،

وَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعَدِّلُ الثُّلُثَ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُجَزِّئَهُمْ ، بَلْ تَخْرُجُ الْقُرْعَةُ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثُّلُثَ ، فَيَكْتُبَ خَمْسَ رِقَاعٍ بِأَسْمَائِهِمْ ، ثُمَّ يُخْرِجُ رُقْعَةً عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِيهَا عَتَقَ ، ثُمَّ يُخْرِجُ الثَّانِيَةَ ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِيهَا عَتَقَ مِنْهُ تَمَامُ الثُّلُثِ .
وَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ ، فَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يَكْتُبَ ثَمَانِيَ رِقَاعٍ بِأَسْمَائِهِمْ ، ثُمَّ يُخْرِجَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ رُقْعَةً بَعْدَ أُخْرَى ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثُّلُثَ .
وَالثَّانِي ، أَنْ يُجَزِّئَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ ، ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَثَلَاثَةِ رِقٍّ ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ، ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَ السِّتَّةِ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ ، أُعِيدَتْ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ كَمَّلَ الثُّلُثَ مِنْهُ .
وَالثَّالِثُ أَنْ يُجَزِّئَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ وَاثْنَانِ ، وَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ لِلِاثْنَيْنِ عَتَقَا ، وَكَمَّلَ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ مِنْ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَثَلَاثَةٍ ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رَقٍّ ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَبُو الْخَطَّابِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ ، يَجْعَلُ أَكْثَرَهُمْ قِيمَةً مَكَانَ اثْنَيْنِ ، إنْ كَانَا قِيمَتَهُ ، وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ قِيمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْنَ الَّذِي بَقِيَ ، وَاَلَّذِي تُصِيبُهُ الْقُرْعَةُ يَنْظُرُ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ الثُّلُثِ ، فَيَعْتِقُ حِصَّتُهُ ، فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ عَبْدَيْنِ ، أَقْرَعَنَا بَيْنَهُمَا بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ وَسَهْمِ رِقٍّ ،

عَلَى كُلِّ حَالٍ .

( 8618 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ مِثْلَا قِيمَةُ الْعَبِيدِ أَوْ أَكْثَرُ ، عَتَقَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِثْلَيْهِمْ ، عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرُ ثُلُثِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَإِذَا كَانَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ نِصْفَ الْمَالِ ، عَتَقَ ثُلُثَاهُمْ ، وَإِنْ كَانَا ثُلُثَيْ الْمَالِ ، عَتَقَ نِصْفُهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ ، عَتَقَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِمْ ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَضْرِبَ قِيمَةَ الْعَبْدِ فِي ثَلَاثَةٍ ، ثُمَّ تَنْسِبَ إلَيْهِ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ فَمَا خَرَجَ بِالنِّسْبَةِ عَتَقَ مِنْ الْعَبِيدِ مِثْلُهَا ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا ، وَبَاقِي التَّرِكَةِ أَلْفٌ ، ضَرَبْت قِيمَةَ الْعَبْدِ فِي ثَلَاثَةٍ ، تَكُنْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، ثُمَّ تَنْسِبُ إلَيْهَا الْأَلْفَيْنِ ، تَكُنْ ثُلُثَيْهَا ، فَيَعْتِقُ ثُلُثَاهُمْ .
وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، وَبَاقِي التَّرِكَةِ أَلْفٌ ، ضَرَبْت قِيمَتَهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ تِسْعَةَ آلَافٍ وَتَنْسِبُ إلَيْهَا التَّرِكَةَ كُلَّهَا تَكُنْ أَرْبَعَةَ أَتْسَاعِهَا ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَبَاقِي التَّرِكَةِ أَلْفٌ ضَرَبْت قِيمَتَهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَنَسَبْت إلَيْهَا خَمْسَةَ آلَافٍ ، تَكُنْ رُبْعَهَا وَسُدُسَهَا ، فَيَعْتِقُ مِنْ الْعَبِيدِ رُبْعُهُمْ وَسُدُسُهُمْ .

( 8619 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمْ شَيْءٌ .
وَإِنْ كَانَ يُحِيطُ بِبَعْضِهَا ، قُدِّمَ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ ، وَقَدْ { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ } .
وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ ، وَهَذَا تَبَرُّعٌ ، وَتَقْدِيمُ الْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ .
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ نِصْفِ الْعَبِيدِ ، جُعِلُوا جُزْأَيْنِ ، وَكُتِبَتْ رُقْعَتَانِ ؛ رُقْعَةٌ لِلدَّيْنِ ، وَرُقْعَةٌ لِلتَّرِكَةِ ، وَتُخْرَجُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَلَى أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ ، فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ رُقْعَةُ الدَّيْنِ بِيعَ فِيهِ ، وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ يَعْتِقُ ثُلُثُهُمْ بِالْقُرْعَةِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِمْ كُتِبَتْ ثَلَاثُ رِقَاعٍ ؛ رُقْعَةٌ لِلدَّيْنِ ، وَاثْنَتَانِ لِلتَّرِكَةِ ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ رُبْعِهِمْ ، كُتِبَ أَرْبَعُ رِقَاعٍ ؛ رُقْعَةٌ لِلدِّينِ ، وَثَلَاثَةٌ لِلتَّرِكَةِ ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ رِقَاعُ التَّرِكَةِ .
وَإِنْ كُتِبَ رُقْعَةٌ لِلدَّيْنِ ، وَرُقْعَةٌ لِلْحُرِّيَّةِ ، وَرُقْعَتَانِ لِلتَّرِكَةِ ، جَازَ .
وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِئَلَّا تَخْرُجَ رُقْعَةُ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَفَاءٌ ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ الْعِتْقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ قَبْلَ وَفَائِهِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْأَحْيَاءِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَيِّتِ ، حَسِبْنَاهُ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَقَوَّمْنَاهُ حِينَ الْإِعْتَاقِ ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ لِأَنَّهُمَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ إلَّا ثُلُثُهُمَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَيِّتُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْسُوبٍ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَيَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، لَأَعْتَقْنَا ثُلُثَهُمَا .
وَلَنَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَحَدُ الْمُعْتَقِينَ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ سَيِّدِهِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ ، وَحُصُولُ ثَوَابِ الْعِتْقِ ، وَيَحْصُلُ هَذَا فِي الْمَيِّتِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْقُرْعَةِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ سَيِّدِهِ .
فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْحَيِّ ، نَظَرْنَا فِي الْحَيِّ ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْوَارِثِ لَهُ ، لَمْ نَحْسُبْهُ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْوَارِثِ ، فَتَكُونُ التَّرِكَةُ الْحَيَّيْنِ ، فَيُخْرَجُ ثُلُثُهُمَا مِمَّنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ حِينُ إتْلَافِهِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ التَّرِكَةِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إلَى حِينِ قَبْضِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فَائِدَةٌ تَجَدَّدَتْ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ ، فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَالنُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ، فَأَشْبَهَ الشَّارِدَ وَالْآبِقَ ، وَإِنَّمَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ ، وَلَا يُحْسَبُ الْمَيِّتُ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا إلَى الْوَرَثَةِ فَيُكَمَّلُ ثُلُثُ الْحَيَّيْنِ مِمَّنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ .

وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْوَرَثَةِ ، حُسِبَ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِمْ ، وَجَعَلْنَاهُ كَالْحَيِّ ، فِي تَقْوِيمِهِ مَعَهُمْ وَالْحُكْمُ بِإِعْتَاقِهِ إنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ ، أَوْ مِنْ الثُّلُثَيْنِ إنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَتُحْسَبُ قِيمَتُهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حِينِ مَوْتِ سَيِّدِهِ إلَى حِينِ قَبْضِهِ .
وَنَحْوُ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .

( 8621 ) فَصْلٌ : وَإِنْ دَبَّرَ الثَّلَاثَةَ ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاتِهِ ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ، وَالْوَصِيَّةُ فِيهِ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ فَأُعْتِقَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُلُثُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ ؛ لِكَوْنِهِ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَعْتِقُ فِيهِ ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَحَقَّقَ شَرْطُ الْعِتْقِ ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ فَإِنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ تُبَيِّنُهُ وَتَكْشِفُهُ ، وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ ، حَتَّى يَكُونَ كَسْبُهُ لَهُ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ .
وَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحْيَاءِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ مَوْتِ السَّيِّدِ .

( 8622 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ قَالَ لَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ : أَحَدُكُمْ حُرٌّ أَوْ : كُلُّكُمْ حُرٌّ .
وَمَاتَ ، فَكَذَلِكَ ) أَمَّا إذَا قَالَ لَهُمْ : كُلُّكُمْ حُرٌّ .
فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ ، وَشَرَحْنَاهَا .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : أَحَدُكُمْ حُرٌّ .
فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، فَيُخْرَجُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَيَعْتِقُ ، وَيَرِقُّ الْبَاقُونَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَاهُمْ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ، إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ حَيًّا ، وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّعْيِينُ ، وَأُعْتِقَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ .
قُبِلَ مِنْهُ وَتَعَيَّنَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَهُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمْ ، فَيَعْتِقُ مَنْ عَيَّنَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ حَالَةَ الْقَوْلِ ، وَيُطَالَبُ الْمُعْتِقُ بِالتَّعْيِينِ ، فَإِذَا عَيَّنَ أَحَدَهُمْ تَعَيَّنَ حَسَبَ اخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِسَائِرِ الْعَبِيدِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْعِتْقِ ابْتِدَاءً ، فَإِذَا أَوْقَعَهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، كَانَ لَهُ تَعْيِينُهُ ، كَالطَّلَاقِ .
وَلَنَا أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَعْيِينَهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْجَمِيعَ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الثُّلُثِ ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ مُعَيَّنًا ثُمَّ نَسِيَهُ وَالطَّلَاقُ كَمَسْأَلَتِنَا .
فَأَمَّا إنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَلَمْ يُعَيِّنْ ، فَالْحُكْمُ عِنْدَنَا لَا يَخْتَلِفُ ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ التَّعْيِينُ ، بَلْ يُخْرَجُ الْمُعْتَقُ بِالْقُرْعَةِ .
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا إذَا قَالُوا : لَا نَدْرِي أَيَّهُمْ أَعْتَقَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَهُمْ التَّعْيِينُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ مَوْرُوثِهِمْ .
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْمُعْتَقِ .

( 8623 ) فَصْلٌ : وَلَوْ أَعْتَقَ إحْدَى إمَائِهِ ، ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُنَّ لَمْ يَتَعَيَّنْ الرِّقُّ فِيهَا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ فِيهَا .
لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ ، وَوَطْؤُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهِ .
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ .
وَلِأَنَّ الْمُعْتَقَةَ وَاحِدَةٌ ، فَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِالْوَطْءِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً ثُمَّ نَسِيَهَا .

( 8624 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَعْتَقَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ، وَنَسِيَهُ ، فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ .
وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَذْكُرَ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ ، أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ بَيْنَهُمْ ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْتِقُونَ كُلُّهُمْ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ وَمَاتَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فَكَانُوا ثَلَاثَةً ، عَتَقَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ ثُلُثِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً ، عَتَقَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ رُبْعِ قِيمَتِهِمْ .
وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى مَنْ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ ، أُعِيدَتْ الْقُرْعَةُ حَتَّى تَكْمُلَ .
وَقَالَ أَصْحَابُ : الرَّأْيِ : إنْ قَالَ الشُّهُودُ : نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ ، وَلَمْ يُسَمِّ .
عَتَقَ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَسَعَى فِي بَاقِيه ، أَوْ رُبْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ كَانُوا أَرْبَعَةً ، وَإِنْ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ بَعْضَ عَبِيدِهِ وَنَسِينَاهُ .
فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ .
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الشَّهَادَةِ .
وَلَنَا أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْعِتْقِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، فَإِنْ أَقْرَعَ ، بَيْنَهُمْ فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَوَاحِدٍ ، ثُمَّ قَالَ الْمُعْتِقُ : ذَكَرْت أَنَّ الْمُعْتَقَ غَيْرُهُ .
فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، يُرَدُّ الْأَوَّلُ إلَى الرِّقِّ ، وَيَعْتِقُ الَّذِي عَيَّنَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْمُعْتَقُ ، فَعَتَقَ دُونَ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُقْرَعْ .
وَالثَّانِي ، يَعْتِقَانِ مَعًا .
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ بِالْقُرْعَةِ ، فَلَا تَزُولُ ، كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُعْتِقِ : ذَكَرْت مَنْ كُنْت نَسِيته .
يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا عَلَيْهِ بِحُرِّيَّةِ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَإِقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ ،

وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى غَيْرِهِ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقْرَعْ ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، فَيَعْتِقُ مَنْ عَيَّنَهُ ، وَيَرِقُّ غَيْرُهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَعْتَقْت هَذَا .
عَتَقَ ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ ، وَإِنْ قَالَ : أَعْتَقْت هَذَا ، لَا بَلْ هَذَا .
عَتَقَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِعِتْقِ الثَّانِي فَلَزِمَهُ ، وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إقْرَارِ الْوَارِثِ .

( 8625 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَإِذَا مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ ، فَدَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، فَعَتَقَ بِمَوْتِهِ ، وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ يَفِي بِقِيمَةِ النِّصْفِ الَّذِي لِشَرِيكِهِ ، أُعْطِي ، وَكَانَ كُلُّهُ حُرًّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَالْأُخْرَى ، لَا يَعْتِقُ إلَّا حِصَّتُهُ وَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُ مَالِهِ قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ ، فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، أَوْ دَبَّرَهُ ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ ثُمَّ مَاتَ ، وَلَمْ يَفِ ثُلُثُ مَالِهِ بِقِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، لَمْ يَعْتِقْ إلَّا نَصِيبُهُ .
بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا قَوْلًا شَاذًّا ، أَوْ قَوْلَ مَنْ يَرَى السِّعَايَةَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ الَّذِي اسْتَغْرَقَتْهُ قِيمَةُ الشِّقْصِ ، فَيَبْقَى مُعْسِرًا ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ فِي صِحَّتِهِ شِقْصًا وَهُوَ مُعْسِرٌ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ ثُلُثُ مَاله يَفِي بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا ، يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ ، وَيُعْطَى الشَّرِيكُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ لِلْمُعْتِقِ وَالْمِلْكُ فِيهِ تَامٌّ ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالتَّبَرُّعِ وَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ ، فَجَرَى مَجْرَى مَالِ الصَّحِيحِ ، فَيَسْرِي عِتْقُهُ ، كَسِرَايَةِ عِتْقِ الصَّحِيحِ الْمُوسِرِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَا يَعْتِقُ إلَّا حِصَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ يَزُولُ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ يُقْضَى مِنْهَا لِلشَّرِيكِ .
وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُضَارُّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَا أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ سَرَى ، وَمَا دَبَّرَهُ أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ لَمْ يَسْرِ .
وَقَالَ الرِّوَايَةُ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ حَالَ الْحَيَاةِ أَصَحُّ ، وَالرِّوَايَةُ فِي وُقُوفِهِ فِي التَّدْبِيرِ أَصَحُّ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْحَيَاةِ يَنْفُذُ فِي حَالِ مِلْكِ الْعِتْقِ وَصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ ، وَتَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِهِ

كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ ، فَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِهِ فِي حَالٍ يَزُولُ مِلْكُ الْمُعْتِقِ وَتَصَرُّفَاتُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 8626 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا دَبَّرَ بَعْضَهُ ، وَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : إذَا مِتُّ فَنِصْفُ عَبْدِي حُرٌّ .
ثُمَّ مَاتَ ، فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُدَبَّرُ ثُلُثَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، عَتَقَ ، وَلَمْ يَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَبَّرَهُ كُلَّهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا ثُلُثُهُ ، فَإِذَا لَمْ يُدَبِّرْ إلَّا ثُلُثَهُ كَانَ أُولَى .
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَفِي تَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، تُكَمَّلُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ يَرَوْنَ التَّدْبِيرَ كَالْإِعْتَاقِ فِي السِّرَايَةِ .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لِبَعْضِ عَبْدِهِ ، فَعَتَقَ جَمِيعُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَا يُكَمَّلُ الْعِتْقُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ ، فَلَا يَسْرِي ، كَتَعْلِيقِهِ بِالصِّفَةِ .

( 8627 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ ، فَهُوَ كَعِتْقِ جَمِيعِهِ ، إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الْمَرَضِ كَالْإِعْتَاقِ فِي الصِّحَّةِ ، إلَّا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ ، وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَهُ ، وَعَنْهُ ، لَا يَعْتِقُ مِنْهُ إلَّا مَا عَتَقَ .

( 8628 ) فَصْلٌ : وَإِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ ، صَحَّ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، فَإِذَا مَاتَ ، عَتَقَ الْجُزْءُ الَّذِي دَبَّرَهُ ، إذَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ .
وَفِي سِرَايَته إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَبْلَهَا ، وَقَالَ مَالِكٌ : إذَا دَبَّرَ نَصِيبَهُ ، تَقَاوَمَاهُ ، فَإِنْ صَارَ لِلْمُدَبَّرِ ، صَارَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ ، وَإِنْ صَارَ لِلْآخَرِ ، صَارَ رَقِيقًا كُلُّهُ .
وَقَالَ اللَّيْثُ : يَغْرَمُ الْمُدَبَّرُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ ، وَيَصِيرُ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، فَإِذَا أَدَّاهَا ، صَارَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَضْمَنُ الْمُدَبَّرُ لِلشَّرِيكِ قِيمَةَ حَقِّهِ ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَيَصِيرُ الْمُدَبَّرُ لَهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ ؛ إنْ شَاءَ دَبَّرَ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا .
وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ ، فَصَحَّ فِي نَصِيبِهِ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِ شَرِيكِهِ .

( 8629 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ ، فَأَعْتَقْنَاهُمْ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ ، بِعْنَاهُمْ فِي دَيْنه ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَعْتَقَ عَبِيدَهُ فِي الْمَرَضِ ، أَوْ دَبَّرَهُمْ ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ ، وَمَاتَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ فِي الظَّاهِرِ ، فَأَعْتَقْنَاهُمْ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ ، تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عِتْقِهِمْ وَبَقَاءَ رِقِّهِمْ ، فَيُبَاعُونَ فِي الدَّيْنِ ، وَيَكُونُ عِتْقُهُمْ وَصِيَّةً ، وَالدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ } وَلِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلِهَذَا تُبَاعُ التَّرِكَةُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } وَالْمِيرَاثُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي الثُّلُثَيْنِ ، فَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمِيرَاثِ ، يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْوَصِيَّةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَدَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَبْدًا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَحْسَنِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً فِي الَّذِي يُعْتِقُ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي .
وَقَالَ قَتَادَةُ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ : يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ تَبَرَّعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِمَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْهِبَةِ ، وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، كَالْوَصِيَّةِ ، وَخَفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْغَرِيمُ اسْتِيفَاءَهُ .
فَعَلَى هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ وَقَدْ اسْتَحَقَّهُمْ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ

مِلْكَ غَيْرِهِ .
فَإِنْ قَالَ الْوَرَثَةُ : نَحْنُ نَقْضِي الدَّيْنَ ، وَنُمْضِي الْعِتْقَ .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَنْفُذُ حَتَّى يَبْتَدِئُوا الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مَانِعًا مِنْهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا ، وَلَا يَصِحُّ بِزَوَالِ الْمَانِعِ بَعْدَهُ .
وَالثَّانِي ، يَنْفُذُ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الدَّيْنُ ، فَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ نُفُوذُهُ ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْوَرَثَةُ حُقُوقَهُمْ مِنْ ثُلُثَيْ التَّرِكَةِ ، نَفَذَ الْعِتْقُ فِي الْجَمِيعِ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ .
وَقَالُوا : إنَّ أَصْلَ الْوَجْهَيْنِ ، إذَا تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ ، وَقُضِيَ الدَّيْنُ ، هَلْ يَنْفُذُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .

( 8630 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ ثَلَاثَةَ أَعْبُدْ ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعَ الْوَرَثَةُ فَأَعْتَقُوا وَاحِدًا وَأَرَقُّوا اثْنَيْنِ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ نِصْفَهُمْ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، تَبْطُلُ الْقُرْعَةُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ شَرِيكٌ فِي الْإِقْرَاعِ ، فَإِذَا حَصَلَتْ الْقِسْمَةُ مَعَ عَدَمِهِ كَانَتْ بَاطِلَةً ، كَمَا لَوْ قَسَمَ شَرِيكَانِ دُونَ شَرِيكِهِمَا الثَّالِثِ .
الثَّانِي ، يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إمْضَاءُ الْقِسْمَةِ وَإِفْرَادُ حِصَّةِ الدَّيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ ، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ دَخَلَتْ لِأَجْلِ الْعِتْقِ دُونَ الدَّيْنِ ، فَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ اقْضُوا ثُلُثَيْ الدَّيْنِ .
وَهُوَ بِقَدْرِ قِيمَةِ نِصْفِ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ بَقِيَا إمَّا مِنْ الْعَبِيدِ ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَيَجِبُ رَدُّ نِصْفِ الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَكَانَ بِقَدْرِ سُدُسِ التَّرِكَةِ ، عَتَقَ ، وَبِيعَ الْآخَرُ فِي الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ السُّدُسِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ عَتَقَ ، وَعَتَقَ مِنْ الْآخَرِ تَمَامُ السُّدُسِ .

( 8631 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ ، فَأَعْتَقْنَا مِنْهُمْ وَاحِدًا لِعَجْزِ ثُلُثِهِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُخْرِجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ ، عَتَقَ مَنْ أَرْقِ مِنْهُمْ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ ثَلَاثَةً فِي مَرَضِهِ ، لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ ، أَوْ دَبَّرَهُمْ ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمْ إلَّا ثُلُثُهُمْ ، وَيَرِقُّ الثُّلُثَانِ ، إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ ، فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ مِثْلَيْهِمْ تَبَيَّنَّا أَنَّهُمْ قَدْ عَتَقُوا مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُمْ ، أَوْ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ إنْ كَانَ دَبَّرَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ التَّدْبِيرَ وَتَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ جَائِزٌ نَافِذٌ ، وَقَدْ بَانَ أَنَّهُمْ ثُلُثُ مَالِهِ ، وَخَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْنَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَوْجُودًا ، فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْعِتْقِ وَاقِعًا .
فَعَلَى هَذَا ، يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْأَحْرَارِ مِنْ حِينَ أَعْتَقَهُمْ ، فَيَكُونُ كَسْبُهُمْ .
لَهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِمْ بِبَيْعٍ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ رَهْنٍ ، أَوْ تَزْوِيجٍ بِغَيْرِ إذْنٍ ، كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا .
وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَصَرَّفُوا ، فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِمْ حُكْمُ تَصَرُّفِ الْأَحْرَارِ ، فَلَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، كَانَ نِكَاحُهُ صَحِيحًا ، وَالْمَهْرُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِمْ ، عَتَقَ ثُلُثَاهُمْ ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ ، فَيُقْرَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْقَفْنَاهُمَا ، فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا ، وَيَرِقُّ الْآخَرُ ، إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ .
وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ نِصْفِهِمْ ، عَتَقَ نِصْفُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ ثُلُثِهِمْ ، عَتَقَ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِمْ ، وَكَلَّمَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ ، عَتَقَ مِنْ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ رَقَّا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ .

( 8632 ) فَصْلٌ : وَإِذَا وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَجَبَ عَلَى الْوَصِيِّ إعْتَاقُهُ ، فَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ وَرَثَتَهُ ، لَزِمَهُمْ إعْتَاقُهُ ، فَإِنْ امْتَنَعُوا ، أَجْبَرَهُمْ السُّلْطَانُ ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى الِامْتِنَاعِ ، أَعْتَقَهُ السُّلْطَانُ ، أَوْ مَنْ يَنُوبُ مَنَابَهُ ، كَالْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْعَبْدِ ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، نَابَ السُّلْطَانُ عَنْهُ أَوْ نَائِبُهُ ، كَالزَّكَاةِ وَالدُّيُونِ .
فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ السُّلْطَانِ عَتَقَ ، وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، فَهُوَ لِلْمُوصِي ، يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ إنْ بَقِيَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ الْقِنِّ وَمَا كَسَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ ، فَهُوَ لِلْوَارِثِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ لِلْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ كَسَبَهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ سَبَبِ الْعِتْقِ فِيهِ ، فَكَانَ لَهُ كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : فِيهِ قَوْلَانِ ، مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ .
وَلَنَا أَنَّهُ عَبْدٌ قِنٌّ ، فَكَانَ كَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ ، كَغَيْرِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ ، وَكَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ .
وَفَارَقَ الْمُكَاتَبَ ؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ .
وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ ؛ فَإِنَّ عِتْقَهَا قَدْ اسْتَقَرَّ سَبَبُهُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا ، وَكَسْبُهَا لَهُ .
وَالْمُوصَيْ بِهِ لَا نُسَلِّمُهُ ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، أَنَّ الْمُوصَى بِهِ قَدْ تُحَقَّقَ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا وُقِفَ عَلَى شَرْطٍ هُوَ الْقَبُولُ ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ ، اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَى ابْتِدَاءِ السَّبَبِ ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مَا وُجِدَ السَّبَبُ ، وَإِنَّمَا أَوْصَى بِإِيجَادِهِ ، وَهُوَ الْعِتْقُ ، فَإِذَا وُجِدَ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُهُ سَابِقًا عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بِنَفْسِهِ ، وَهَا هُنَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْتِقَ نَفْسَهُ .

وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ تَمَامِ مَوْتِ سَيِّدِهِ ، وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ ، فَمَا كَسَبَهُ لِلْوَرَثَةِ ، عَلَى قَوْلِنَا ، وَلَا أَعْلَمُ قَوْلَ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ .

( 8633 ) فَصْلٌ : فَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى شَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ ، فَوُجِدَ فِي مَرَضِهِ ، اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ .
قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ : وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي الطَّلَاقِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِيهِ فَأَشْبَهَ ، الْعِتْقَ فِي صِحَّتِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ عَتَقَ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، كَالْمُنَجَّزِ .
وَقَوْلُهُمْ : لَا يُتَّهَمُ فِيهِ قُلْنَا : وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمُنَجَّزُ ، لَا يُتَّهَمُ فِيهِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُتَّهَمُ بِمُحَابَاةِ غَيْرِ الْوَارِثِ ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى وَارِثِهِ ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْوَرَثَةِ ، وَهَذَا حَاصِلٌ هَاهُنَا .
وَلَوْ قَالَ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ ، وَأَنَا مَرِيضٌ فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَقَدِمَ وَهُوَ مَرِيضٌ ، كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ ، وَجْهًا وَاحِدًا .

( 8634 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ، وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ .
رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أَيُّوبَ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .
وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَكَمُ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حَمَّادٍ ، وَالْبَتِّيِّ ، وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، وَحُمَيْدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ ، وَالشَّعْبِيَّ وَالنَّخَعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ : يَتْبَعُهُ مَالُهُ ؛ لِمَا رَوَى نَافِعٌ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، بِإِسْنَادِهِ وَغَيْرُهُ ، وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَمْ يَعْرِضْ لِمَالِهِ .
وَلَنَا مَا رَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ عُمَيْرٍ : يَا عَمِيرُ ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَك عِتْقًا هَنِيئًا ، فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { : أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ، أَوْ غُلَامَهُ ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَالِهِ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ } وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ كَانَا جَمِيعًا لِلسَّيِّدِ ، فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا ، فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الْآخَرِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ عَبْدًا ، وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ } فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : يَرْوِيه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ ، كَانَ صَاحِبَ فِقْهٍ ، فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ بِالْقَوِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ : هَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ ، فَأَمَّا فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ تَفَضُّلٌ مِنْهُ عَلَى مُعْتَقِهِ .
قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ : كَانَ هَذَا عِنْدَك عَلَى التَّفَضُّلِ ؟ فَقَالَ : إي لَعَمْرِي

عَلَى التَّفَضُّلِ قِيلَ لَهُ : فَكَأَنَّهُ عِنْدَك لِلسَّيِّدِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، لِلسَّيِّدِ ، مِثْلُ الْبَيْعِ ، سَوَاءٌ .

( 8635 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَاذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ فِي وَقْتٍ سَمَّاهُ ، لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ عَلَى مَجِيءِ وَقْتٍ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَأْتِيَ رَأْسُ الْحَوْلِ وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَوَطْءُ الْأَمَةِ ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، قَالَ أَحْمَدُ إذَا قَالَ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ وَمَجِيءُ فُلَانٍ وَاحِدٍ وَإِلَى رَأْسِ السَّنَةِ وَإِلَى رَأْسِ الشَّهْرِ إنَّمَا يُرِيدُ إذَا جَاءَ رَأْسُ السَّنَةِ أَوْ جَاءَ رَأْسُ الْهِلَالِ مِنْهُ ، وَاذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ الْهِلَالُ إنَّمَا تَطْلُقْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الْهِلَالِ ، وَقَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ وَحُكِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ عَتَقَ فِي الْحَالِ ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ يَطَأْهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يَلْحَقُهَا بِسَبَبِهِ رِقٌّ ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَانَتْ حُرَّةً عِنْدَ الْوَقْتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ عَلَيْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ عَتِيقٌ إلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ، فَلَوْلَا أَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا كَمَا لَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَاسْتِحْقَاقُهَا لِلْعِتْقِ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَالِاسْتِيلَادِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَةَ لِأَنَّهَا اشْتَرَتْ نَفْسَهَا مِنْ سَيِّدِهَا بِعِوَضٍ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ إكْسَابِهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
( 8636 ) فَصْلٌ : وَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ، وَإِنْ

خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَعْتِقْ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَتَقَ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ .
قَالَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا كَلَّمَتْ فُلَانًا ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ وَلَا بَيْعَ فِيمَا لَا يَمْلِك ابْنُ آدَمَ } وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ مُتَقَدِّمٌ .

( 8637 ) فَصْلٌ وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْك عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَمْ يَنْوِ وَقْتًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَ وَلَمْ يُوجَدْ الضَّرْبُ ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ ، فَإِنْ بَاعَهُ فُسِخَ الْبَيْعُ .
وَلَنَا أَنَّهُ بَاعَهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَصَحَّ وَلَمْ يَنْفَسِخْ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَبَاعَهُ قَبْلَ دُخُولهَا .

( 8638 ) فَصْلٌ وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الصِّفَةِ فَلَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ فِيهِ كَمَا لَوْ عَقَدَ الصِّفَةَ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الصِّفَةَ فِي مِلْكِهِ وَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ، وَفَارَقَ مَا إذَا عَلَّقَهَا فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ وَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ فَإِذَا عَلَّقَهُ كَانَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُقُوعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا ، فَأَمَّا إنْ دَخَلَ الدَّارَ بَعْدَ بَيْعِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَخَلَ الدَّارَ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ .
وَذَكَرَ عَنْهُ رِوَايَةً أُخْرَى أَنْ يَعْتِقَ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَقَعْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ وُجِدَا فِي مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا دُخُولٌ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَإِذَا وُجِدَ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ ، وَقَدْ وُجِدَ الدُّخُولُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَيُفَارِقَ الْعَتَاقُ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ إنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ يَنْبَنِي عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ أَنَّ طَلَاقَهُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ يُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي وَيَنْقُصْ بِهِ عَدَدُ طَلَاقِهِ وَالْمِلْكُ بِالْيَمِينِ بِخِلَافِهِ .

( 8639 ) فَصْلٌ وَإِذَا قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ مُقَيَّدٌ هُوَ حُرٌّ إنْ حَلَّ قَيْدَهُ ثُمَّ قَالَ هُوَ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَيْدِهِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ وَزْنَ قَيْدِهِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ وَأَمَرَ بِحَلِّ قَيْدِهِ فَوَزَنَ فَوَجَدَ وَزْنَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ عَتَقَ الْعَبْدُ بِحَلِّ قَيْدِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَا عَتَقَ بِالشَّرْطِ الَّذِي حَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ بِهِ ، وَهَلْ يَلْزَمُ الشَّاهِدِينَ ضَمَانُ قِيمَتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا ضَمَانُهَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا الْكَاذِبَةَ سَبَبُ عِتْقِهِ وَإِتْلَافِهِ فَضَمَمْنَاهُ كَالشَّهَادَةِ الْمَرْجُوعِ عَنْهَا ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ حَصَلَ بِحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ فَأَشْبَهَ الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي يَرْجِعَانِ عَنْهَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِتْقَهُ لَمْ يَحْصُلْ بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا حَصَلَ بِحَلِّ قَيْدِهِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا كَمَا لَوْ لَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ .

( 8640 ) فَصْلٌ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مَتَى شِئْت لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَشَاءَ بِالْقَوْلِ فَمَتَى شَاءَ عَتَقَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي ، وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّخْيِيرِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي نَفْسَك لَمْ يَكُنْ لَهَا الِاخْتِيَارُ إلَّا عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ تَرَاخَى ذَلِكَ بَطَلَ خِيَارُهَا كَذَا تَعْلِيقُهُ بِالْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرِنَهُ بِزَمَنٍ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي ، وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت احْتَمَلَ أَنْ يَعْتِقَ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كَيْفَ لَا تَقْتَضِي شَرْطًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَكَانًا فَلَا تَقْتَضِي تَوْقِيفَ الْعِتْقِ ، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لِلْحَالِ فَتَقْتَضِي وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ حَتَّى يَشَاءَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فَتَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْتِقَ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مَتَى شِئْت لِأَنَّ كَيْفَ تُعْطِي مَا تُعْطِي مَتَى وَأَيٌّ فَحُكْمُهَا حُكْمُهُمَا .
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت وَحَيْثُ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ ، فَيَجِيءُ هَاهُنَا مِثْلُهُ .

( 8641 ) فَصْلٌ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ شَيْءٍ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا تَعْلِيقُهُ عَلَى صِفَةٍ مَحْضَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَهَذِهِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا لِأَنَّهُ أَلْزَمَهَا نَفْسَهُ طَوْعًا فَلَمْ يَمْلِك إبْطَالَهَا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَوْ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ عَلَى إبْطَالِهَا لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَبْطُلْ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي ذِمَّتِهِ يُبَرِّئُهُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَتْ الصِّفَةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهُ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي مِلْك غَيْرِهِ ، وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ زَالَتْ الصِّفَةُ ، فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ عَادَ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلُ وَمَتَى وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ إعْتَاقِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ مُعَلَّقٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَيُوجَدُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ كَالطَّلَاقِ وَمَا يَكْسِبُهُ الْعَبْدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَقْدٌ يَمْنَعُ كَوْنَ كَسْبِهِ لِسَيِّدِهِ إلَّا أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ مِنْهُ يَحْسُبُهُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي أَدَّاهَا ، فَإِذَا كَمَلَ أَدَاؤُهَا عَتَقَ وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَمَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ السَّيِّدِ بِصِفَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهَا وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ بِكَمَالِهَا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا ، أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ يُوجَدُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلْت رَغِيفًا .
فَأَكَلَ بَعْضَهُ .
وَهَذَا لَا يَصِحُّ ، لَوُجُوهٍ :

أَحَدُهَا ، أَنَّ أَدَاءَ الْأَلْفِ شَرْطُ الْعِتْقِ ، وَشُرُوطُ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِكَمَالِهَا لِثُبُوتِ الْأَحْكَامِ ، وَتَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا بِدَلِيلِ سَائِرِ شُرُوطِ الْأَحْكَامِ .
الثَّانِي ، أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى وَصْفِ ذِي عَدَدٍ ، فَالْعَدَدُ وَصْفٌ فِي الشَّرْطِ ، وَمَتَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى شَرْطٍ ذِي وَصْفٍ ، لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ خَرَجْت عَارِيًّا ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَخَرَجَ لَابِسًا ، لَا يَعْتِقُ ، فَكَذَلِكَ الْعَدَدُ .
الثَّالِثُ ، أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكُلِّ ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ : لَا صَلَّيْت صَلَاةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يُسَمَّى صَلَاةً .
وَلَوْ حَلَفَ : لَا صُمْت صِيَامًا .
لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ حِضْت حَيْضَةً ، فَأَنْتِ طَالِقٌ .
لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَنَظَائِرَهَا .
وَذِكْرُ الْأَلْفِ هَاهُنَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ أَدَاءَ الْأَلْفِ كَامِلَةً .
الرَّابِعُ ، أَنَّنَا لَا نُسَلِّمُ هَذَا الْأَصْلَ الَّذِي ادَّعَاهُ ، وَأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلَتْ رَغِيفًا .
لَمْ يَعْتِقْ بِأَكْلِ بَعْضِهِ ، وَإِنَّمَا إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ ، حَنِثَ ، فِي رِوَايَةٍ ، فِي مَوْضِعٍ يَحْتَمِلُ إرَادَةَ الْبَعْضِ ، وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ لَا يَصُومُ فَشَرَعَ فِي الصَّوْمِ ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ فَشَرِبَ بَعْضَهُ .
وَنَحْوَ هَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ قَدْ صَلَّى وَصَامَ ذَلِكَ الْجُزْءَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ، وَالْقَدْرُ الَّذِي شَرِبَهُ مِنْ الْإِنَاءِ هُوَ مَاءُ الْإِنَاءِ ، وَقَرِينَةُ حَالِهِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْكُلِّ ، فَتَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ مِنْ الْكُلِّ ، وَمَتَى فَعَلَ الْبَعْضَ ، فَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْكُلِّ ، فَحَنِثَ لِذَلِكَ .
وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ، لَمْ يَبْرَأْ إلَّا

بِفِعْلِ الْجَمِيعِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا ، تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى أَدَاءِ الْأَلْفِ ، يَقْتَضِي وُجُودَ أَدَائِهَا ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا دُون أَدَائِهَا ، كَمَنْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ أَلْفًا ، لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا .
الْخَامِسُ ، أَنَّ مَوْضُوعَ الشَّرْطِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ شَرْطِهِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ } فَلَوْ قَالَ بَعْضَهَا مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا الْعُقُوبَةَ .
وَقَالَ : { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً ، فَهِيَ لَهُ } فَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ ، لَمْ تَكُنْ لَهُ .
وَلَوْ قَالَ فِي الْمُسَابَقَةِ : مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ ، فَهُوَ سَابِقٌ .
فَسَبَقَ إلَى أَرْبَعٍ ، لَمْ يَكُنْ سَابِقًا .
وَلَوْ قَالَ : مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي ، فَلَهُ دِينَارٌ .
فَشَرَعَ فِي رَدِّهَا ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا .
فَكَيْفَ يُخَالِفُ مَوْضُوعَاتِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي الْأَيْمَانِ ، فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ يَحْنَثُ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى التَّرْكِ يُقْصَدُ بِهَا الْمَنْعُ ، فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ النَّهْيِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَعْضِهِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

الْقَسَم الثَّانِي ، صِفَةٌ جَمَعَتْ مُعَاوَضَةً ، وَصِفَةٌ الْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ ، فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِلصِّفَةِ الْمَحْضَةِ فِي الْعِتْقِ بِوُجُودِهَا ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ ، وَتُخَالِفُهَا فِي أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأْهُ السَّيِّدُ مِنْ الْمَالِ مِنْهُ وَعَتَقَ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَبَرِئَ مِنْهُ بِإِبْرَائِهِ ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَلَا بَيْعِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا هِبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَازِمٌ ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ ، وَمَا كَسَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ ، وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ فِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا .

الْقَسَمُ الثَّالِثُ ، صِفَةٌ فِيهَا مُعَاوَضَةٌ ، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ ، نَحْوُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولٍ ، أَوْ نَجْمٍ وَاحِدٍ ، أَوْ مَعَ إخْلَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْكِتَابَةِ ، فَتَسَاوَى الصِّفَةُ الْمَحْضَةُ وَالْكِتَابَةُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ ، وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لِلرِّقِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ كِتَابَتِهِ ، فَلَا يَقْتَضِي حُدُوثُهُ إبْطَالَهَا .
وَإِنْ أَدَّى حَالَ جُنُونِهِ ، عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وُجِدَتْ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَعْتِقُ بِذَلِكَ ، وَيُفَارِقهُمَا فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا وَرَفْعَهَا ؛ لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ ، وَالْفَاسِدُ يُشْرَعُ رَفْعُهُ وَإِزَالَتُهُ ، وَيُفَارِقُ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ ، فِي أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ ، فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ إذَا وَسْوَسَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ .
وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا تَبْطُلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ كِتَابَةٍ ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ ، كَالصَّحِيحَةِ ، وَتُفَارِقُ الصِّفَةَ الْمَحْضَةَ فِي أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَهُ ، وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ ، وَيَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا ، حَمْلًا لَهَا عَلَى الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا .
وَفِي الْآخَرِ ، لَا يَسْتَحِقُّ كَسْبَهُ ، وَلَا يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِالصِّفَةِ ، لَا بِالْكِتَابَةِ .
فَأَمَّا الْكِتَابَةُ بِمُحَرَّمٍ ؛ كَالْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، فَقَالَ الْقَاضِي : هِيَ كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ ، حُكْمُهَا حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا ، وَيَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، فِي رِوَايَةِ

الْمَيْمُونِيِّ ، إذَا كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً ، فَأَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ ، عَتَقَ مَا لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ مُحَرَّمَةً .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى أَدَاءِ الْمُحَرَّمِ ، عَتَقَ بِهِ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ .
وَإِنْ قَالَ : كَاتَبْتُك عَلَى خَمْرٍ .
لَمْ يَعْتِقْ بِأَدَائِهِ ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( 8642 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ ، وَعَلَيْك أَلْفٌ .
عَتَقَ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَجَعَلَ عَلَيْهِ عِوَضًا لَمْ يَقْبَلْهُ ، فَيَعْتِقُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ .
هَكَذَا ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا .
وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّه قِيلَ لَهُ : إذَا قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ .
قَالَ جَيِّدٌ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ ؟ قَالَ : لَا يَعْتِقُ ، إنَّمَا قَالَهُ لَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ ، فَلَا شَيْءَ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ .
فَكَذَلِكَ .
فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ " عَلَى " لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا الْبَدَلِ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ : وَعَلَيْك أَلْفٌ .
وَالثَّانِيَةُ ، إنْ قَبِلَ ، الْعَبْدُ ، عَتَقَ ، وَلَزِمَتْهُ الْأَلْفُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ، لَمْ يَعْتِقْ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِدُونِ قَبُولِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ بِأَلْفٍ .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ " عَلَى " تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْعِوَضِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْت رُشْدًا } .
وَقَالَ تَعَالَى { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا } .
وَلَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي فُلَانَةَ ، عَلَى صَدَاقِ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ .
فَقَالَ الْآخَرُ : قَبِلْت .
صَحَّ النِّكَاحُ ، وَثَبَتَ الصَّدَاقُ .
وَقَالَ الْفُقَهَاءُ : إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا ، وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا .
فَأَمَّا إذَا قَالَ : أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً .
فَقَبِلَ ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعَبْدُ ، لَمْ يَعْتِقْ .
رِوَايَةً وَاحِدَةً .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ ، عَتَقَ فِي الْحَالِ ، وَلَزِمَتْهُ خِدْمَتُهُ سَنَةً .
فَإِنْ مَاتَ

السَّيِّدُ قَبْلَ كَمَالِ السَّنَةِ ، رُجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْخِدْمَةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تُقَسَّطُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى خِدْمَةِ السَّنَةِ ، فَيُقَسَّطُ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا مَضَى ، وَيُرْجَعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ .
وَلَنَا أَنَّ الْعِتْقَ عَقْدٌ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخَ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ الْعِوَضِ ، رُجِعَ إلَى قِيمَتِهِ ، كَالْخُلْعِ فِي النِّكَاحِ ، وَالصُّلْحِ فِي دَمِ الْعَمْدِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ ، عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا .
فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَقْبَلَ ، فَإِذَا قَبِلَ ، عَتَقَ ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ بِأَلْفِ .
لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَقْبَلَ ، فَيَعْتِقَ ، وَيَلْزَمَهُ أَلْفٌ .

( 8643 ) فَصْلٌ : وَإِذَا عَلَّقَ عِتْقَ أَمَتِهِ بِصِفَةٍ ، وَهِيَ حَامِلٌ ، تَبِعَهَا وَلَدُهَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا ، فَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ ، عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فِي الصِّفَةِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي الصِّفَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي الْبَطْنِ .
وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا حِينَ التَّعْلِيقِ ، ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهِيَ حَامِلٌ ، عَتَقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وُجِدَ فِيهَا وَهِيَ حَامِلٌ ، فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا ، كَالْمُنَجَّزِ .
وَإِنْ حَمَلَتْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ، وَوَلَدَتْ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ لَا فِي حَالِ التَّعْلِيقِ ، وَلَا فِي حَالِ الْعِتْقِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ ، قِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ .
وَإِنْ بَطَلَتْ الصِّفَةُ بِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ ، لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُهَا فِي الْعِتْقِ ، لَا فِي الصِّفَةِ ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ فِيهَا ، لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ ؛ فَإِنَّهُ تَبِعَهَا فِي التَّدْبِيرِ فَإِذَا بَطَلَ فِيهَا ، بَقِيَ فِيهِ .

( 8644 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ ، مُنِعَ مِنْ غَشَيَانِهَا ، وَالتَّلَذُّذِ بِهَا ، وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا ، فَإِنْ أَسْلَمَ ، حَلَّتْ لَهُ وَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُؤَخَّرُ شَرْحُهَا إلَى بَابِ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ؛ فَإِنَّهُ أَلْيَقُ بِهَا .

( 8645 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ، فَهُوَ حُرٌّ .
فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ ، فَهُوَ حُرٌّ إذَا أَشْكَلَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ ، فَوَجَبَ إخْرَاجُهُ بِالْقُرْعَةِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ : كَذَلِكَ أَحَدُكُمْ حُرٌّ .
وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
فَأَمَّا إنْ عُلِمَ أَوَّلُهُمَا خُرُوجًا ، فَهُوَ الْحُرُّ وَحْدَهُ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ ، وَأَبِي هَاشِمٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ : إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ ، فَهُمَا حُرَّانِ .
وَلَنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ الْأَوَّلَ ، وَاَلَّذِي خَرَجَ أَوَّلًا هُوَ أَوَّلُ الْمَوْلُودِينَ فَاخْتَصَّ الْعِتْقُ بِهِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُمَا فِي بَطْنَيْنِ .
( 8646 ) فَصْلٌ : فَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوَّلَ مَيْتًا ، وَالثَّانِيَ حَيًّا ، فَذَكَرَ الشَّرِيفُ أَنَّهُ يَعْتِقُ الْحَيُّ مِنْهُمَا .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ إنَّمَا وُجِدَ فِي الْمَيِّتِ ، وَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ ، فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ إنَّمَا وُجِدَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَلَدٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ .
فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ، عَتَقَتْ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَحِيلُ فِي الْمَيِّتِ ، فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْحَيِّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ ضَرَبْت فُلَانًا ، فَعَبْدِي حُرٌّ .
فَضَرَبَهُ حَيًّا ، عَتَقَ ، وَإِنْ ضَرَبَهُ مَيِّتًا ، لَمْ يَعْتِقْ .
وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَادَةِ ، أَنَّهُ قَصَدَ عَقْدَ يَمِينِهِ عَلَى وَلَدٍ يَصِحُّ الْعِتْقُ فِيهِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا ، فَتَصِيرُ الْحَيَاةُ مَشْرُوطَةً فِيهِ ، فَكَأَنَّهُ

قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ .

( 8647 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ، فَهُوَ حُرٌّ .
عَتَقَ كُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ .
فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالثَّوْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ .
فَإِنْ بَاعَ الْأَمَةَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ، لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْهُمْ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ .

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَوَّلُ غُلَامٍ أَمْلِكُهُ ، فَهُوَ حُرٌّ .
انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى الْعِتْقِ قَبْلَ الْمِلْكِ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ عَتَقَ أَوَّلُ مَنْ يَمْلِكُهُ .
فَإِنْ مَلَكَ اثْنَيْنِ ، عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : إذَا قَالَ : أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ عَبِيدِي ، فَهُوَ حُرٌّ .
فَطَلَعَ اثْنَانِ ، أَوْ جَمِيعُهُمْ ، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ وُجِدَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا ، فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْمُسَابَقَةِ : مَنْ سَبَقَ ، فَلَهُ عَشَرَةٌ .
فَسَبَقَ اثْنَانِ اشْتَرَكَا فِي الْعَشَرَةِ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ : يَعْتِقُ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوٍ لِلْآخَرِ ، وَمِنْ شَرْطِ الْأَوَّلِيَّةِ سَبْقُ الْأَوَّلِ .
وَلَنَا أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يَسْبِقْهُمَا غَيْرُهُمَا ، فَكَانَا أَوَّلَ ، كَالْوَاحِدِ ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ ثَانٍ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَلَكَ وَاحِدًا وَلَمْ يَمْلِكُ بَعْدَهُ شَيْئًا ، وَإِذَا كَانَتْ الصِّفَةُ مَوْجُودَةً فِيهِمَا ، فَإِمَّا أَنْ يَعْتِقَا جَمِيعًا ، أَوْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا ، وَتُعَيِّنُهُ الْقُرْعَةُ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ : أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ، فَهُوَ حُرٌّ .
فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ ، وَخَرَجَا جَمِيعًا مَعًا فَالْحُكْم فِيهِمَا كَذَلِكَ .

( 8649 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ ، فَهُوَ حُرٌّ .
فَمَلَكَ عَبِيدًا ، لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَمُوتَ ؛ لِأَنَّهُمَا حَيًّا ، فَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا يَكُونُ هُوَ الْآخِرَ ، فَإِذَا مَاتَ ، عَتَقَ آخِرُهُمْ وَتَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ مَلَكَهُ ، فَيَكُونُ إكْسَابَهُ لَهُ .
وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ أَوْلَادُهَا أَحْرَارًا مِنْ حِينَ وَلَدَتْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ حُرَّةٍ .
وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ، فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ حُرَّةً أَجْنَبِيَّةً ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حِينَ مَلَكَهَا ، حَتَّى يَمْلِكَ بَعْدَهَا غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكْ بَعْدَهَا غَيْرَهَا ، فَهِيَ آخِرٌ فِي الْحَالِ ، وَإِنَّمَا يَزُولُ ذَلِكَ بِمِلْكِ غَيْرِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ .
وَإِنْ مَلَكَ اثْنَيْنِ ، دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ ، فَالْحُكْمُ فِي عِتْقِهِمَا ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا مَلَكَ اثْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا .

( 8650 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ ، فَأَعْتِقْنِي .
فَفَعَلَ ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْبَائِعِ مِثْلَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ، وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ : بِعْنِي بِهَذَا الْمَالِ .
فَيَكُونَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ بَاطِلًا ، وَيَكُونَ السَّيِّدُ قَدْ أَخَذَ مَالَهُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ مَالًا ، وَقَالَ : اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْأَلْفِ فَأَعْتِقْنِي .
فَفَعَلَ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنِ الْمَالِ ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ يَنْقُدَ الْمَالَ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ ، فَأَعْتَقَهُ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ ، فَنَفَذَ عِتْقُهُ لَهُ ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْبَيْعِ ، وَاَلَّذِي دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ كَانَ مِلْكًا لَهُ ، لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَيَبْقَى الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِ ، يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ ، وَكَانَ الْعِتْقُ مِنْ مَالِهِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ ، فَالشِّرَاءُ ، بَاطِلٌ ، وَالْعِتْقُ غَيْرُ وَاقِعٍ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَلَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ ، وَلَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَمْلُوكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ قَدْ أَخَذَ مَالَهُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مَحْكُومٌ بِهِ لِسَيِّدِهِ .
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ : إنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ .
يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ .
وَنَحْوُ هَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، فَإِنَّهُمَا قَالَا : الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ جَائِزَانِ ، وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مِثْلَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ .
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ بَاطِلَانِ .
وَقَالَ

الشَّعْبِيُّ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَيُعَاقَبُ مَنْ فَعَلَهُ ، مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ أَيْضًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ ، وَفِيهِ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( 8651 ) فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ، فَأَعْطَى الْعَبْدُ أَحَدَهُمَا خَمْسِينَ دِينَارًا ، عَلَى أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ ، فَأَعْتَقَهُ ، عَتَقَ ، وَسَرَى إلَى بَاقِيه إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِنِصْفِ الْخَمْسِينَ ، وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ سَيِّدَيْهِ ، لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا ، إلَّا أَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتِقِ يَنْفُذُ فِيهِ الْعِتْقُ ، وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا ، إذْ لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ عَلَى عَيْنِهَا ، وَإِنَّمَا سَمَّى خَمْسِينَ ثُمَّ دَفَعَهَا إلَيْهِ .
وَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى عَيْنِهَا ، يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ مَا أَعْتَقَهُ بِالْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ .

( 8652 ) فَصْلٌ : وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : نَصِيبِي حُرٌّ .
عَتَقَ ، وَسَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، يَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ .
وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَ الْمُوَكَّلِ ، عَتَقَ ، وَسَرَى إلَى نَصِيبِهِ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُوَكَّلِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْعَبْدِ ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، احْتَمَلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ، وَلَمْ يَنْوِ ذَلِكَ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِعْتَاقِ ، فَانْصَرَفَ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا ، وَأَيُّهُمَا حَكَمْنَا بِالْعِتْقِ عَلَيْهِ ، ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ، فَسَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، لَمْ يَضْمَنْهُ ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْعِتْقِ ، وَقَدْ أَعْتَقَ بِالسِّرَايَةِ ، فَلَمْ يَضْمَنْ ، كَمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي إتْلَافِ شَيْءٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِالسِّرَايَةِ .
وَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِسَبَبِ الْإِتْلَافِ ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ : أَعْتِقْ عَبْدَك .
فَأَعْتَقَهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ التَّدْبِيرِ وَمَعْنَى التَّدْبِيرِ : تَعْلِيقُ عِتْقِ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ .
وَالْوَفَاةُ دُبُرُ الْحَيَاةِ ، يُقَالُ : دَابَرَ الرَّجُلُ يُدَابِرُ مُدَابَرَةً ، إذَا مَاتَ ، فَسُمِّيَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَدْبِيرًا ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ فِي دُبُرِ الْحَيَاةِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ؛ أَمَّا السُّنَّةُ ، فَمَا رَوَى جَابِرٌ ، { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ فَاحْتَاجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي ؟ فَبَاعَهُ مِنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَالَ أَنْتَ أَحْوَجُ مِنْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَلَى أَنَّ مَنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ ، وَالْمُدَبَّرُ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْفَاذِ وَصَايَاهُ إنْ كَانَ وَصَّى ، وَكَانَ السَّيِّدُ بَالِغًا جَائِزَ الْأَمْرِ ، أَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَجِبُ لَهُ أَوْ لَهَا .

( 8653 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ : أَنْتَ مُدَبَّرٌ ، أَوْ قَدْ دَبَّرْتُكَ ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ صَرِيحَ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ ، فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ مُحَرَّرٌ ، أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ ، بَعْدَ مَوْتِي صَارَ مُدَبَّرًا .
بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ .
فَأَمَّا إنْ قَالَ : أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتك .
فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِنَفْسِ اللَّفْظِ ، مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى نِيَّةٍ .
وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ ، أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّدْبِيرِ ، وَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ لَمْ يَكْثُرْ اسْتِعْمَالُهُمَا ، فَافْتَقَرَا إلَى النِّيَّةِ ، كَالْكِنَايَاتِ .
وَلَنَا أَنَّهُمَا لَفْظَانِ وُضِعَا لِهَذَا الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى النِّيَّةِ ، كَالْبَيْعِ ، وَيُفَارِقُ الْكِنَايَاتِ ؛ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ ، وَيُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا ، فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ لِلتَّعْيِينِ ، وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ ، بِخِلَافِ الْمَوْضُوعِ .

( 8654 ) فَصْلٌ : وَيَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ .
فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عُمَرَ .
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَالْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَحَمَّادٌ ، وَمَالِكٌ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَمَسْرُوقٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَسَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ ، أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ فَيَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، كَالْعِتْقِ فِي الصِّحَّةِ ، وَعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ .
وَلَنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَكَانَ مِنْ الثُّلُثِ ، كَالْوَصِيَّةِ ، وَيُفَارِقُ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ فَيَنْفُذُ فِي الْجَمِيعِ ، كَالْهِبَةِ الْمُنَجَّزَةِ .
وَقَدْ نَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَلَيْسَ عَلَيْهَا عَمَلٌ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ أَحْمَدُ إلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ .

فَصْلٌ : وَإِنْ اجْتَمَعَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ ، قُدِّمَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ .
وَإِنْ اجْتَمَعَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ ، تَسَاوَيَا ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عِتْقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّمَ التَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَقَعُ فِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَقِفُ عَلَى الْإِعْتَاقِ بَعْدَهُ .

( 8656 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا ؛ فَالْمُطْلَقُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ آخَرَ ، كَقَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
وَالْمُقَيَّدُ ضَرْبَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، خَاصٌّ ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ : إنَّ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا ، أَوْ سَفَرِي هَذَا ، أَوْ فِي بَلَدِي هَذَا ، أَوْ عَامِي هَذَا ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ ، إنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ مُدَبَّرٌ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : يَكُونُ مُدَبَّرًا ذَلِكَ الْيَوْمَ ، فَإِنْ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ صَارَ حُرًّا .
يَعْنِي إذَا مَاتَ الْمَوْلَى .
الضَّرْبُ الثَّانِي ، أَنْ يُعَلِّقَ التَّدْبِيرَ عَلَى صِفَةٍ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ مُدَبَّرٌ ، أَوْ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
فَهَذَا لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ عَلَى شَرْطٍ ، فَإِذَا وُجِدَ ، صَارَ مُدَبَّرًا ، وَعَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ ، وَوُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الْحَيَاةِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَلَّقَ عَلَيْهِ عِتْقًا مُنَجَّزًا ، فَقَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، لَمْ يَعْتِقْ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ : بِعْ عَبْدِي .
فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ بَيْعِهِ ، بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ .
وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَنْ عَلَّقَ عِتْقُهُ بِالْمَوْتِ ، وَهَذَا قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ التَّدْبِيرِ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يَعْتِقُ .
وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ ، فِي قَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مُوتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ .
فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَعْتِقُ ؛

لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَعْتِقْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ بَيْعِي إيَّاكَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَلِأَنَّهُ إعْتَاقٌ لَهُ بَعْدَ قَرَارِ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَعْتِقْ كَالْمُنَجَّزِ .
وَالثَّانِيَةُ ، يَعْتِقُ .
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَهُوَ مَذْهَبُ ؛ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَصَّى بِإِعْتَاقِهِ ، وَكَمَا لَوْ وَصَّى بِبَيْعِ سِلْعَةٍ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا ، وَيُفَارِقُ التَّصَرُّفَ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي ثُلُثِهِ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَبَيْعَ السِّلْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَسْتَقِرُّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ ، وَلَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
وَقَوْلُهُمْ : حَصَلَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِهِ .
قُلْنَا : إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفًا يَثْبُتُ عَقِيبَ مَوْتِهِ ، وَيَمْنَعُ انْتِقَالَهُ إلَى الْوَارِثِ ، وَإِنْ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ، فَهُوَ ثُبُوتٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، وَقَدْ قِيلَ : يَكُونُ مُرَاعًى ، فَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ ، تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ .
وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْوَارِثِ .
فَعَلَى قَوْلِنَا : لَا يَعْتِقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ ، وَمَنْ صَحَّحَ هَذَا الشَّرْطَ ، احْتَمَلَ أَنْ يَمْنَعَ الْوَارِثَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ ، فَأَشْبَهَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ غَيْرِ الْمَوْتِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَأَمَّا كَسْبُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ ، فَهُوَ لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ مُسْتَقِرٌّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ هُوَ الَّذِي عَلَّقَ

عِتْقَهُ .

( 8657 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ ، أَوْ قَالَ : بِيَوْمٍ .
فَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : لَا يَعْتِقُ ، وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الصِّفَةُ .
وَقَالَ أَيْضًا : سَأَلْت أَحْمَدَ ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ ، بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
فَقَالَ : هَذَا كُلُّهُ لَا يَكُونُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِيَانِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو يَعْلَى فِيهَا رِوَايَةً أُخْرَى ، أَنَّهُ يَعْتِقُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَتَانِ ؛ الْمَوْتُ وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَإِسْحَاقُ وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا تَقَدَّمَ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَعْتِقَهُ الْوَارِثُ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : يَعْتِقُ .
يَكُونُ قَبْلَ الْمَوْتِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ ، وَكَسْبُهُ لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْمُدَبَّرِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ .
وَإِنْ كَانَ أَمَةً ، فَوَلَدَتْ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، فَوَلَدُهَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ ، وَيَعْتِقُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ ، كَمَا تَعْتِقُ هِيَ .

( 8658 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
فَقَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ ، صَارَ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَهُ ، لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا .
وَإِنْ قَالَ إذَا قَرَأْت قُرْآنًا ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَقَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ ، صَارَ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، فَعَادَ إلَى جَمِيعِهِ ، وَهَا هُنَا نَكَّرَهُ ، فَاقْتَضَى بَعْضَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } .
وَقَالَ : { وَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَك وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } وَلَمْ يُرِدْ جَمِيعَهُ .
قُلْنَا قَضِيَّةُ اللَّفْظِ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِهِ بِدَلِيلٍ ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، وَلِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي قِرَاءَةَ جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ تَرْغِيبَهُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، بِتَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِهِ ، وَمُجَازَاتِهِ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجَازِي بِهَذَا الْأَمْرِ الْكَثِيرِ ، وَلَا يُرَغِّبُ بِهِ ، إلَّا فِيمَا يَشُقُّ ، أَمَّا قِرَاءَتُهُ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَلَا .

( 8659 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ شِئْت ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
أَوْ إذَا شِئْت ، أَوْ مَتَى شِئْت ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْت ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
فَهُوَ تَدْبِيرٌ بِصِفَةِ ، فَمَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ ، صَارَ مُدَبَّرًا ، يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
فَدَخَلَهَا فِي حَيَاتِهِ .
وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ ، بَطَلَتْ الصِّفَةُ ، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى قَبْلَ دُخُولِ .
الدَّارِ .
وَإِنْ قَالَ : مَتَى شِئْت بَعْدَ مَوْتِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي صِحَّتَهُ ، فَعَلَى قَوْلِهِ ، يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي ، فَمَتَى شَاءَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ، عَتَقَ ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ كَسْبٍ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ ، فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ قَبِلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ ، فَإِنَّ فِي كَسْبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُ يَكُون لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ ، وَهَا هُنَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ ، فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ قَبْلَ الشَّرْطِ ، وَجْهًا وَاحِدًا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي قَوْلِهِ : إذَا شِئْت ، أَوْ إنْ شِئْت ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ، أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، فَإِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ تَرَاخَتْ الْمَشِيئَةُ عَنْ الْمَجْلِسِ ، بَطَلَتْ ، وَلَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَهُ ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ : اخْتَارِي نَفْسَك .
فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي ، أَوْ إذَا شِئْت بَعْدَ مَوْتِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
كَانَ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا ، فَمَتَى شَاءَ عَقِيبَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ، أَوْ فِي الْمَجْلِسِ ، صَارَ حُرًّا ، وَإِنْ تَرَاخَتْ

مَشِيئَتُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ ، لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ حُرِّيَّةٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ ، أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، إنَّ شِئْت ، وَشَاءَ أَبُوك .
فَشَاءَا مَعًا .
وَقَعَ الطَّلَاقُ ، سَوَاءٌ شَاءَا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي ، أَوْ شَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْآخَرُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَهَذَا مِثْلُهُ ، فَيُخَرَّجُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأُخْرَى .

( 8660 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا مِتُّ ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ لَا .
أَوْ قَالَ : فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ لَسْت بِحُرٍّ لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ ، وَلَمْ يَقْطَعْ بِالْعِتْقِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ لَا .
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ .

( 8661 ) فَصْلٌ : وَإِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ ، لَمْ يَسْرِ التَّدْبِيرُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا ، أَنَّهُ يَسْرِي تَدْبِيرُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ، فَسَرَى ذَلِكَ فِيهِ ، كَالِاسْتِيلَادِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ ، فَلَمْ يَسْرِ ، كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ .
وَيُفَارِقُ الِاسْتِيلَادَ ؛ فَإِنَّهُ آكَدُ ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
وَلَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا ، لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ اسْتِيلَادِهَا ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ، وَالْمُدَبَّرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
فَعَلَى هَذَا ، إنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ ، عَتَقَ نَصِيبُهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَهَلْ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، إنْ كَانَ مُوسِرًا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، ذَكَرَهُمَا الْخِرَقِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُدَبَّرِ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ ، وَسَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُدَبَّرِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، وَأَبُو الْخَطَّابِ ، فِيهَا وَجْهَيْنِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا .
وَالثَّانِي ، لَا يَسْرِي عِتْقُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ قَدْ اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَوْتِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إبْطَالُهُ .
وَلَنَا ، قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، فَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ ، وَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } .
وَلِأَنَّهُ إذَا سَرَى إلَى إبْطَالِ الْمِلْكِ ، الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الْوَلَاءِ ، فَالْوَلَاءُ أَوْلَى ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَيَبْطُلُ بِمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ .

( 8662 ) فَصْلٌ : وَإِنْ دَبَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ، عَتَقَ نَصِيبُهُ ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ عَلَى التَّدْبِيرِ ، إنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَفِي بِهِ ، فَهَلْ يَسْرِي الْعِتْقُ إلَيْهِ .
عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : إذَا مُتْنَا ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ أَحْمَدُ : إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ، فَنَصِيبُهُ حُرٌّ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ تَدْبِيرًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ، وَمَعْنَاهُ إذَا مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ، فَنَصِيبُهُ حُرٌّ ؛ فَإِنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ ، فَيَصْرِفُ إلَى مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ ، كَقَوْلِهِ : رَكِبَ النَّاسُ دَوَابَّهُمْ ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ ، وَأَخَذُوا رِمَاحَهُمْ .
يُرِيدُ لَبِسَ كُلُّ إنْسَانٍ ثَوْبَهُ ، وَرَكِبَ دَابَّتَهُ وَأَخَذَ رُمْحَهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : أَعْتَقُوا عَبِيدَهُمْ .
كَانَ مَعْنَاهُ ، أَعْتَقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي : هَذَا تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ بِمَوْتِهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ : يَعْتِقُ نَصِيبُهُ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ بَعْضِ الصِّفَةِ يَقُومُ مَقَامَ جَمِيعِهَا .
وَلَا يَصِحُّ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةَ ، لَعَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ ، لِوُجُودِ بَعْضِ صِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلِأَنَّنَا قَدْ أَبْطَلْنَا هَذَا الْقَوْلَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي أَنْ لَا يَعْتِقَ شَيْءٌ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا جَمِيعًا .
وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَرَدْت أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ بَعْدَ آخِرِنَا مَوْتًا .
انْبَنَى هَذَا عَلَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ ، عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا ، عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ قُلْنَا : لَا يَصِحُّ ذَلِكَ ، عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ .
وَفِي سِرَايَتِهِ إلَى بَاقِيهِ ، إنْ كَانَ ثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، رِوَايَتَانِ .
وَإِنْ

قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : إذَا مِتُّ قَبْلَ شَرِيكِي ، فَنَصِيبِي لَهُ ، فَإِذَا مَاتَ فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ مِتُّ بَعْدَهُ ، فَنَصِيبِي حُرٌّ .
فَقَدْ وَصَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ، صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلْآخَرِ ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ ، وَصَارَ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ ، إنْ قُلْنَا : لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَإِنْ قُلْنَا : يَصِحُّ .
عَتَقَ عَلَيْهِمَا ، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا .

( 8663 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَهُ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ .
وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُبَاعُ إلَّا فِي دَيْنٍ يَغْلِبُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا ، فَكَانَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ ، لَمْ يَبِعْ الْعَبْدَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قَالَ : أَنَا أَرَى بَيْعَ الْمُدَبَّرِ فِي الدَّيْنِ ، وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ، رَأَيْت أَنْ أَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَاعَ الْمُدَبَّرَ ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَهُ ، بَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَلِمَ حَاجَتَهُ .
وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ ، وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي خَيْثَمَةَ ، وَقَالَا : إنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، أَجَزْنَاهُ .
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، جَوَازَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا ؛ فِي الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا .
قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ ، إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِهِ ، قَالَ : لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، مُحْتَاجًا كَانَ إلَى ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .
وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَطَاوُسٍ ، وَمُجَاهِدٍ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَكَرِهَ بَيْعَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُشْتَرَى } .
وَلِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ، أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عَنْ دَبْرٍ ، فَاحْتَاجَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ

يَشْتَرِيهِ مِنِّي .
فَبَاعَهُ مِنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَالَ : أَنْتَ أَحْوَجُ مِنْهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ جَابِرٌ : عَبْدٌ قِبْطِيٌّ ، مَاتَ عَامَ أَوَّلَ ، فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ : صَحَّتْ أَحَادِيثُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ ، بِاسْتِقَامَةِ الطُّرُقِ ، وَالْخَبَرُ إذَا ثَبَتَ اُسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ رَأْيِ النَّاسِ .
وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ ، ثَبَتَ بِقَوْلِ الْمُعْتِقِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْبَيْعَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْبَيْعَ فِي الْحَيَاةِ ، كَالْوَصِيَّةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُمْ يَقُولُونَ : مَنْ قَالَ : غُلَامِي حُرٌّ رَأْسَ الشَّهْرِ .
فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ ، وَإِنْ قَالَ : غَدًا .
فَلَهُ بَيْعُهُ الْيَوْمَ .
وَإِنْ قَالَ : إذَا مِتُّ .
قَالَ : لَا يَبِيعُهُ ، فَالْمَوْتُ أَكْثَرُ مِنْ الْأَجَلِ ، لَيْسَ هَذَا قِيَاسًا ، إنْ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَوْتِ ، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي مَنْ قَالَ : إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا ، فَعَبْدِي حُرٌّ .
ثُمَّ لَمْ يَمُتْ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ مِتُّ ، فَهُوَ حُرٌّ .
لَا يُبَاعُ .
وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ ، إنَّمَا أَصْلُهُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَ وَصِيَّتَهُ مَا دَامَ حَيًّا .
فَأَمَّا خَبَرُهُمْ ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَيْسَ بِمُسْنَدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .
أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ ، فَإِنَّ عِتْقَهَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ سَيِّدِهَا ، وَلَيْسَ بِتَبَرُّعٍ ، وَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ بِحَالٍ ، وَالتَّدْبِيرُ بِخِلَافِهِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، إنَّ النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا بَاعَ الْمُدَبَّرَ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، فَلَا يُتَجَاوَزُ بِهِ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ .

( 8664 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَلَا تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ فِي الدَّيْنِ ، إلَّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، الْأَمَةُ كَالْعَبْدِ ) لَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُدَبَّرِ عَنْ غَيْرِ إمَامِنَا ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنَّمَا احْتَاطَ فِي رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبَاحَةَ فَرْجِهَا ، وَتَسْلِيطَ مُشْتَرِيهَا عَلَى وَطْئِهَا ، مَعَ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي بَيْعِهَا وَحِلِّهَا ، فَكَرِهَ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ مِنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ ، لَا عَلَى التَّحْرِيمِ الْبَاتِّ ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي بَيْعُهَا .
وَالصَّحِيحُ جَوَازُ بَيْعِهَا ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْهَا .
وَلِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ فِي مَعْنَى الْمُدَبَّرِ ، فَمَا ثَبَتَ فِيهِ ، ثَبَتَ فِيهَا .

( 8665 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، رَجَعَ فِي التَّدْبِيرِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّ السَّيِّدَ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ ، ثُمَّ بَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ ، عَادَ تَدْبِيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ، فَإِذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ، عَادَتْ الصِّفَةُ .
كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ .
ثُمَّ بَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ .
وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ وَصِيَّةٌ ، فَتَبْطُلُ بِالْبَيْعِ ، وَلَا تَعُودُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ ثُمَّ بَاعَهُ ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَلَمْ تَعُدْ بِشِرَائِهِ .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ هَذَا ، إلَّا أَنَّ عَوْدَ الصِّفَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَهُ فِيهِ قَوْلَانِ .
وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ الْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وُجِدَ فِيهِ التَّعْلِيقُ بِصِفَةٍ ، فَلَا يَزُولُ حُكْمُ التَّعْلِيقِ بِوُجُودِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فِيهِ ، بَلْ هُوَ جَامِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ ، وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ وُجُودُ الْحُكْمِ بِسَبَبَيْنِ ، فَيَثْبُتُ حُكْمُهَا فِيهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ دَبَّرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِي ، أَوْ قَدْ أَبْطَلْتُهُ .
لَمْ يَبْطُلْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ .
فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَالْأُخْرَى ، يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ ) اخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي بُطْلَانِ التَّدْبِيرِ بِالرُّجُوعِ فِيهِ قَوْلًا ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةٍ ، فَلَا يَبْطُلُ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَالثَّانِيَةُ ، يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ وَصِيَّةً ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ آخَرَ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ .
وَقَوْلُهُ الْجَدِيدُ كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ .
وَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِهِ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الرِّقُّ ، وَلِهَذَا لَا تَقِفُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ ، وَتَتَنَجَّزُ عَقِيبَ الْمَوْتِ ، كَتَنَجُّزِهَا عَقِيبَ سَائِرِ الشُّرُوطِ ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَجْمَعَ الْأَمْرَيْنِ ، فَثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ فِي امْتِنَاعِ الرُّجُوعِ ، وَيَجْتَمِعَانِ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ .

( 8667 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِمُدَبَّرِهِ : إذَا أَدَّيْت إلَى وَرَثَتِي كَذَا ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ التَّدْبِيرِ وَيَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ، إنْ قُلْنَا : لَهُ الرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَطَلَ التَّدْبِيرُ هَاهُنَا .
وَإِنْ قُلْنَا : لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ .
لَمْ يُؤَثِّرْ الْقَوْلُ شَيْئًا .

وَإِنْ دَبَّرَهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فِي نِصْفِهِ ، صَحَّ ، إذَا قُلْنَا : لَهُ الرُّجُوعُ فِي جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ أَنْ يُدَبِّرَ نِصْفَهُ ابْتِدَاءً ، صَحَّ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَدْبِيرِ نِصْفِهِ ، وَإِنْ غَيَّرَ التَّدْبِيرَ .
فَكَانَ مُطْلَقًا ، فَجَعَلَهُ مُقَيَّدًا ، صَارَ مُقَيَّدًا ، إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي التَّدْبِيرِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا ، فَأَطْلَقَهُ ، صَحَّ ، عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا .

وَإِذَا دُبِّرَ الْأَخْرَسُ ، وَكَانَتْ إشَارَتُهُ أَوْ كِتَابَتُهُ مَعْلُومَةً ، صَحَّ تَدْبِيرُهُ .
وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ ، إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي التَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ وَكِتَابَتَهُ تَقُومُ مَقَامَ نُطْقِ النَّاطِقِ فِي أَحْكَامِهِ .
وَإِنْ دُبِّرَ ، وَهُوَ نَاطِقٌ ، ثُمَّ صَارَ أَخْرَسَ ، صَحَّ رُجُوعُهُ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْلُومَةِ أَوْ كِتَابَتِهِ .
وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ ، فَلَا عِبْرَةَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ رُجُوعُهُ .

( 8668 ) فَصْلٌ : وَإِذَا رُهِنَ الْمُدَبَّرُ ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ، وَهُوَ رَهْنٌ ، عَتَقَ ، وَأُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ ، فَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ نَاجِزًا .

( 8669 ) فَصْلٌ : وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ ، إنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ سَبَاهُ الْمُسْلِمُونَ ، لَمْ يَمْلِكُوهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَعْصُومٍ ، وَيُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ ، إنْ عُلِمَ بِهِ قَبْلَ قَسْمِهِ ، وَيُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلَّا قُتِلَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ حَتَّى قُسِمَ ، لَمْ يُرَدَّ إلَى سَيِّدِهِ .
فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَالْأُخْرَى إنْ اخْتَارَ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي حُسِبَ بِهِ عَلَى آخِذِهِ ، أَخَذَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَخْذَهُ ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ .
وَمَتَى عَادَ إلَى سَيِّدِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ، عَادَ تَدْبِيرُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى سَيِّدِهِ ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ، كَمَا لَوْ بِيعَ ، وَكَانَ رَقِيقًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ .
وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ سَبْيِهِ ، عَتَقَ ، فَإِنْ سُبِيَ بَعْدَ هَذَا ، لَمْ يُرَدَّ إلَى وَرَثَةِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهُ بِحُرِّيَّتِهِ ، فَصَارَ كَأَحْرَارِ دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَكِنْ يُسْتَتَابُ ، فَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ ، صَارَ رَقِيقًا ، يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ ، قُتِلَ ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ إذَا أَسْلَمَ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِرْقَاقِهِ إبْطَالَ وَلَاءِ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَعْتَقَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ قَتْلَهُ ، وَإِذْهَابَ نَفْسِهِ وَوَلَائِهِ ، فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ تَمَلُّكَهُ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ ، يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْغَانِمِينَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ بِعَيْنِهِ ، وَيَثْبُتُ فِيهِ إذَا قُسِمَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمَالِكِهِ ، وَالْمِلْكُ آكَدُ مِنْ الْوَلَاءِ ، فَلَأَنْ يَثْبُتَ مَعَ الْوَلَاءِ وَحْدَهُ أَوْلَى .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ ذِمِّيًّا ، فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ ،

أَوْ أَعْتَقَهُ ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَسَبَوْهُ ، مَلَكُوهُ ، وَقَسَمُوهُ .
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ، وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، لَا يَمْلِكُونَهُ ، فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ ذِمِّيًّا ، جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي اسْتِرْقَاقِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، يَجُوزُ .
وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ مَالِ الذِّمِّيِّ ، كَعِصْمَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ ، بِدَلِيلِ قَطْعِ سَارِقِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ، وَوُجُوبِ ضَمَانِهِ ، وَتَحْرِيمِ تَمَلُّكِ مَالِهِ ، إذَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ .
قَالَ الْقَاضِي : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، أَنَّ سَيِّدَهُ هَاهُنَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، جَازَ تَمَلُّكُهُ ، فَجَازَ تَمَلُّكُ عِتْقِهِ ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ .
قُلْنَا : إنَّمَا جَازَ اسْتِرْقَاقُ سَيِّدِهِ ، لِزَوَالِ عِصْمَتِهِ ، وَذَهَابِ عَاصِمِهِ ، وَهُوَ ذِمَّتُهُ وَعَهْدُهُ ، وَأَمَّا إذَا ارْتَدَّ مُدَبَّرُهُ ، فَإِنَّ عِصْمَةَ وَلَائِهِ ثَابِتَةٌ بِعِصْمَةِ مَنْ لَهُ وَلَاؤُهُ ، وَهُوَ وَالْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، فَإِذَا جَازَ إبْطَالُ وَلَاءِ أَحَدِهِمَا ، جَازَ فِي الْآخَرِ مِثْلُهُ .

( 8670 ) فَصْلٌ : فَإِنْ ارْتَدَّ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي ، أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ، فَالتَّدْبِيرُ بَاقٍ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ ، لَمْ يَعْتِقْ الْمُدَبَّرُ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَهُ زَالَ بِرِدَّتِهِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، إنَّ تَدْبِيرَهُ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ، اسْتَأْنَفَ التَّدْبِيرَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : التَّدْبِيرُ بَاقٍ وَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ سَبَقَ رِدَّتَهُ ، فَهُوَ كَبَيْعِهِ وَهِبَتِهِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ .
وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ ، هَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، أَوْ قَدْ زَالَ بِرِدَّتِهِ .
وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ .
فَأَمَّا إنْ دَبَّرَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ، فَتَدْبِيرُهُ مُرَاعًى ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ، تَبَيَّنَّا أَنَّ تَدْبِيرَهُ وَقَعَ صَحِيحًا ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا ، وَلَمْ يَعْتِقْ الْمُدَبَّرُ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : تَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ يَزُولُ بِالرِّدَّةِ ، وَإِذَا أَسْلَمَ رُدَّ إلَيْهِ تَمَلُّكًا مُسْتَأْنَفًا .

( 8671 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا ، فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْحَادِثَ مِنْ الْمُدَبَّرَةِ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا ، لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حَالَ تَدْبِيرِهَا ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ التَّدْبِيرِ ، فَهَذَا يَدْخُلُ مَعَهَا فِي التَّدْبِيرِ .
بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا .
فَإِنْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ فِي الْأُمِّ ؛ لِبَيْعٍ أَوْ مَوْتٍ ، أَوْ رُجُوعٍ بِالْقَوْلِ ، لَمْ يَبْطُلْ فِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ أَصْلًا .
الْحَالُ الثَّانِي ، أَنْ تَحْمِلَ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ، فَهَذَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي التَّدْبِيرِ ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا .
فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عُمَرَ .
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَالْقَاسِمُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، أَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ عَبْدٌ ، إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْمَوْلَى .
قَالَ : فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا ، وَلَا يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعَطَاءٍ .
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ، كَالْمَذْهَبَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَتْبَعُهَا .
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ ، تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُعْتِقِ وَحْدَهُ ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهَا بِدُخُولِ الدَّارِ .
قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِطِ تَصَدَّقْت بِهِ إذَا مِتُّ ، فَإِنَّ ثَمَرَتَهُ لَك مَا عِشْت .
وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ ، وَوَلَدُ الْمُوصَى بِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ لِسَيِّدِهَا .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَجَابِرٍ ، أَنَّهُمْ قَالُوا : وَلَدُ

الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا .
وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا ، فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْحُرِّيَّةَ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ، فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا ، كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِصِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ ، وَالْوَصِيَّةَ ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ آكَدُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ ، وَمَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبَانِ آكَدُ مِمَّا وُجِدَ فِيهِ أَحَدُهُمَا ، وَكَذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ، وَلَا بِالرُّجُوعِ عَنْهُ .
فَعَلَى هَذَا ، إنْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ فِي الْأُمِّ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بِهَا ؛ مِنْ بَيْعٍ ، أَوْ مَوْتٍ ، أَوْ رُجُوعٍ ، لَمْ يَبْطُلْ فِي وَلَدِهَا ، وَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ بَاقِيَةً عَلَى التَّدْبِيرِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الثُّلُثُ لَهُمَا جَمِيعًا ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، فَأَيُّهُمَا وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ ، عَتَقَ إنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ .
وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِهِ شَيْءٌ ، كُمِّلَ مِنْ الْآخَرِ ، كَمَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدًا وَأَمَةً مَعًا .
وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي وُجِدَ قَبْلَ التَّدْبِيرِ ، فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ فِي الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ ، وَلَا فِي حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ ، وَلَا فِي الْكِتَابَةِ ، فَلَأَنْ لَا يَتْبَعَ فِي التَّدْبِيرِ أَوْلَى .
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ : قُلْت لِأَحْمَدَ : مَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدَبَّرَ ، يَتْبَعُهَا .
قَالَ : لَا يَتْبَعُهَا مِنْ وَلَدِهَا مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ، إنَّمَا يَتْبَعُهَا مَا كَانَ بَعْدَمَا دُبِّرَتْ .
وَقَالَ حَنْبَلٌ : سَمِعْت عَمِّي يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُدَبِّرُ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ ، قَالَ : وَلَدُهَا مَعَهَا ، وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ هَذِهِ رِوَايَةً ، فِي أَنَّ وَلَدَهَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ يَتْبَعُهَا .
وَهَذَا بَعِيدٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يُرِدْ أَنَّ وَلَدَهَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ مَعَهَا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ وَلَدَهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ ، عَلَى مَا صَرَّحَ

بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛ فَإِنَّ وَلَدَهَا الْمَوْجُودَ لَا يَتْبَعُهَا فِي عِتْقٍ ، وَلَا كِتَابَةٍ ، وَلَا اسْتِيلَادٍ ، وَلَا بَيْعٍ ، وَلَا هِبَةٍ ، وَلَا رَهْنٍ ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَسْبَابِ النَّاقِلَةِ لِلْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ .

( 8672 ) فَصْلٌ : فَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَ أَمَتِهِ بِصِفَةٍ ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حِينَ التَّعْلِيقِ ، تَبِعَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حِين وُجُودِ الصِّفَةِ ، عَتَقَ مَعَهَا لِذَلِكَ .
وَإِنْ حَمَلَتْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ، وَوَلَدَتْ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، لَمْ يَتْبَعْهَا فِي الصِّفَةِ ، وَلَمْ يَعْتِقْ بِوُجُودِهَا .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهَا ، وَيَتْبَعُ أُمَّهُ فِي ذَلِكَ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ ، كَهَذَيْنِ .
وَوَجْهُ إتْبَاعِهِ إيَّاهَا ، أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْحُرِّيَّةَ ، فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا ، كَالْمُدَبَّرَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا كَامِلًا ، وَيُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ، فَلَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا ، كَالْمُوصَى بِعِتْقِهَا ، أَوْ الْمُوَكَّلِ فِيهِ ، وَتُفَارِقُ الْمُدَبَّرَةَ ؛ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ آكَدُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا .

( 8673 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَطَاءٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ .
وَإِنْ تَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، فَوُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي التَّدْبِيرِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ .
وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّسَرِّي تَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ ، وَوَلَدُ الْحُرِّ مِنْ أَمَتِهِ يَتْبَعُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ دُونَهَا ، كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ يَتْبَعُهُ دُونَهَا ، وَلِأَنَّهُ وَلَدُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ أَمَتِهِ ، فَيَتْبَعُهُ فِي ذَلِكَ ، كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ .

( 8674 ) فَصْلٌ : وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ ، فَرَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ ، لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَتْبَعُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَلَا فِي التَّدْبِيرِ ، فَفِي الرُّجُوعِ أَوْلَى .
وَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهِ وَحْدَهُ ، جَازَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْأُمِّ الْمُبَاشَرَةِ بِالتَّدْبِيرِ ، فَفِي غَيْرِهَا أَوْلَى .
وَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا ، جَازَ ، كَمَا لَوْ دَبَّرَهَا وَابْنَهَا الْمُنْفَصِلَ .
وَإِنْ دَبَّرَهَا حَامِلًا ، ثُمَّ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا حَالَ حَمْلِهَا ، لَمْ يَتْبَعْهَا الْوَلَدُ فِي الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إعْتَاقٌ ، وَالْإِعْتَاقُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ ، وَالرُّجُوعُ عَنْهُ بِعَكْسِ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَتْبَع الْوَلَدُ فِيهِ .
وَهَذَا كَمَا لَوْ وُلِدَ لَهُ تَوْأَمَانِ ، فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا ، لَزِمَاهُ جَمِيعًا ، وَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا ، لَمْ يَنْتَفِ الْآخَرُ ، وَإِنْ رَجَعَ فِيهِمَا جَمِيعًا ، جَازَ ، وَإِنْ رَجَعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، جَازَ .
وَإِنْ دَبَّرَ الْوَلَدَ دُونَ أُمِّهِ ، أَوْ الْأُمَّ دُونَ وَلَدِهَا ، جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ ، فَجَوَازُ أَنْ يُدَبِّرَ أَحَدَهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ ، فَجَازَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، كَالتَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ .
وَإِنْ دَبَّرَ أَمَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَقَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِي .
لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِصِفَةٍ .
وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا ، فَقَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِهِ .
لَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ .

( 8675 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْمُدَبَّرَةُ وَوَرَثَةُ سَيِّدِهَا فِي وَلَدِهَا ، فَقَالَتْ : وَلَدْتُهُمْ بَعْدَ تَدْبِيرِي ، فَعَتَقُوا مَعِي .
وَقَالَ الْوَرَثَةُ : بَلْ وَلَدْتِهِمْ قَبْلَ تَدْبِيرِك ، فَهُمْ مَمْلُوكُونَ لَنَا .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رِقِّهِمْ ، وَانْتِفَاءُ الْحُرِّيَّةِ عَنْهُمْ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الْأَصْلَ .

( 8676 ) فَصْلٌ : وَكَسْبُ الْمُدَبَّرِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ لِسَيِّدِهِ ، وَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ شِبْهِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ ، أَوْ بِالتَّعْلِيقِ لَهُ عَلَى صِفَةٍ ، أَوْ بِالِاسْتِيلَادِ ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ كَسْبُهُمْ لِسَيِّدِهِمْ ، فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ .
فَإِنْ اخْتَلَفَ هُوَ وَوَرَثَةُ سَيِّدِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ، فَقَالَ : كَسَبْته بَعْدَ حُرِّيَّتِي .
وَقَالُوا : بَلْ قَبْلَ ذَلِكَ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُمْ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ ، فَإِنَّهُ كَانَ رَقِيقًا لَهُمْ .
فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَرَثَةِ ، عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ ، وَبَيِّنَةُ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ .
وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُمْ .
فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَبَّرُ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ، قُبِلَتْ ، وَتُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَبَّرِ تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُدَبَّرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ فَأَقَامَ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً بِهِ ، فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .

( 8677 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَهُ إصَابَةُ مُدَبَّرَتِهِ ) يَعْنِي : لَهُ وَطْؤُهَا .
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَيْنِ ، وَكَانَ يَطَؤُهُمَا .
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَ ذَلِكَ ، غَيْرَ الزُّهْرِيِّ .
وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إنْ كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ تَدْبِيرِهَا ، فَلَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا بَعْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا قَبْلَهُ ، لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ تَدْبِيرِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ ، لَمْ تَشْتَرِ نَفْسَهَا مِنْهُ ، فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } .
وَكَأُمِّ الْوَلَدِ .
( 8678 ) فَصْلٌ : وَابْنَةُ الْمُدَبَّرَةِ كَأُمِّهَا ؛ فِي حِلِّ وَطْئِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ أُمَّهَا .
وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ ثَبَتَ لَهَا تَبَعًا ، أَشْبَهَ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهَا تَامٌّ عَلَيْهَا ، فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِلْآيَةِ ، وَكَأُمِّهَا ، وَاسْتِحْقَاقُهَا لِلْحُرِّيَّةِ لَا يَزِيدُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ أُمِّهَا ، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وَطْأَهَا .
وَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ ، فَأُلْحِقَتْ بِأُمِّهَا ، وَأُمُّهَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فَكَذَلِكَ ابْنَتُهَا ، وَأُمُّ هَذِهِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا ، فَيَجِبُ إلْحَاقُهَا بِهَا ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا ، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ لِذَلِكَ .

( 8679 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ دَبَّرَهُ ، فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ إنْكَارِ الْوَصِيَّةِ ، وَإِنْكَارُ الْوَصِيَّةِ رُجُوعٌ عَنْهَا ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، فَيَكُونُ إنْكَارُ التَّدْبِيرِ رُجُوعًا عَنْهُ ، وَالرُّجُوعُ عَنْهُ يُبْطِلُهُ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، فَتَبْطُلُ الدَّعْوَى .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ لَا يُبْطِلُهُ ، وَلَوْ أَبْطَلَهُ فَمَا ثَبَتَ كَوْنُ الْإِنْكَارِ رُجُوعًا ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ ، فَلَا يَتَعَيَّنُ الْإِنْكَارُ جَوَابًا لِلدَّعْوَى ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهَا إقْرَارًا .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ السَّيِّدَ إنْ أَقَرَّ ، فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَمْ تَكُنْ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ ، حُكِمَ بِهَا ، وَيُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ ، بِلَا خِلَافٍ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ ، وَقَالَ : أَنَا أَحْلِفُ مَعَهُ .
أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا يُحْكَمُ بِهِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ ، وَكَمَالُ الْأَحْكَامِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ ، فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ .
وَالثَّانِيَةُ ، يَثْبُتُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَزُولُ بِهِ مِلْكُهُ عَنْ مَمْلُوكِهِ ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ .
وَهَذَا أَجْوَدُ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُرَادُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَهِيَ فِي حَقِّهِ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْ مَالِهِ ، فَثَبَتَ بِهَذَا .
وَإِنْ حَصَلَ بِهِ غَرَضٌ

آخَرُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ ثُبُوتِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مِمَّا يُتَشَوَّفُ إلَيْهِ ، وَيُبْنَى عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَهَّلَ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَوَرَثَةِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الْخِلَافُ مَعَ السَّيِّدِ ، إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الرُّجُوعَ ، وَأَيْمَانُهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي فِعْلِ مَوْرُوثِهِمْ ، وَأَيْمَانُهُمْ عَلَى نَفْيِ فِعْلِهِ ، وَتَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُ ، عَتَقَ نَصِيبُهُ ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَاقِيهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ بِفِعْلِ الْمَوْرُوثِ ، لَا بِفِعْلِ الْمُقِرِّ ، وَلَا النَّاكِلِ .

( 8680 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ ، وَمَاتَ ، وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ ، أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثُهُ ، وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ ، أَوْ حَضَرَ مِنْ مَالِهِ الْغَائِبِ شَيْءٌ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ مِقْدَارُ ثُلُثِهِ ، كَذَلِكَ مَنْ يَعْتِقُ الثُّلُثَ حَتَّى كُلَّهُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ ، وَمَاتَ ، وَلَهُ مَالٌ سِوَاهُ يَفِي بِثُلُثَيْ مَالِهِ ، إلَّا أَنَّهُ غَائِبٌ ، أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ ، لَمْ يَعْتِقْ جَمِيعُ الْعَبْدِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ الْغَائِبُ ، أَوْ يَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ ، فَيَكُونَ الْعَبْدُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ ، وَهُوَ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِيهَا ، لَهُ ثُلُثُهَا ، وَلَهُمْ ثُلُثَاهَا ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى جَمِيعِهَا ، وَلَكِنَّهُ يَتَنَجَّزُ عِتْقُ ثُلُثِهِ ، وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ مَوْقُوفَيْنِ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَهُ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ سَائِرِ الْمَالِ شَيْءٌ ، فَيَكُونَ الْعَبْدُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ ، فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ ، وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ، أَوْ حَضَرَ مِنْ الْغَائِبِ شَيْءٌ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ قَدْرُ ثُلُثِهِ ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً ، وَقَدِمَ مِنْ الْغَائِبِ مِائَةٌ ، عَتَقَ ثُلُثُهُ الثَّانِي ، فَإِذَا قَدِمَتْ مِائَةٌ أُخْرَى ، عَتَقَ ثُلُثُهُ الْبَاقِي .
وَإِنْ بَقِيَ لَهُ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، أَوْ مَالٌ غَائِبٌ ، لَمْ يُؤَثِّرْ بَقَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَالِ يُخْرِجُ الْمُدَبَّرَ كُلَّهُ مِنْ ثُلُثِهِ .
وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَلَهُمْ وَجْهٌ آخَرُ ، لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ ، حَتَّى يُسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ، أَوْ يَقْدَمَ مِنْ الْغَائِبِ شَيْءٌ ، فَيَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرُ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ ، وَالْعَبْدُ شَرِيكُهُمْ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى شَيْءٍ ، مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِثْلَاهُ .
فَإِنْ تَلِفَ الْغَائِبُ ،

وَيَئِسَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، عَتَقَ ثُلُثُهُ حِينَئِذٍ ، وَمَلَكُوا ثُلُثَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ .
وَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْعَبْدِ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ يَقِينًا ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ، وَمَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ يَقِينًا ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا يَقِينًا ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ صَحِيحٌ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ .
وَوَقْفُ هَذَا الثُّلُثِ عَنْ الْعِتْقِ - مَعَ يَقِينِ حُصُولِ الْعِتْقِ فِيهِ ، وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي لَهُ ، وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي وَقْفِهِ - لَا مَعْنَى لَهُ .
وَكَوْنُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ ، لِمَعْنَى اخْتَصَّ بِهِمْ ، لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَحْصُلَ لَهُ شَيْءٌ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ مِنْ دَيْنِهِ ، وَهُوَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ ؟ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ، فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ ، بَرِئَ مِنْ ثُلُثِهِ فِي الْحَالِ ، وَتَأَخَّرَ اسْتِيفَاءُ الثُّلُثَيْنِ إلَى الْأَجَلِ .
وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا ، بَرِئَ مِنْ ثُلُثِهِ فِي الْحَالِ ، وَتَأَخَّرَ الْبَاقِي إلَى الْمَيْسَرَةِ .
وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ عِتْقِ الثُّلُثِ لَا فَائِدَةَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ ، وَيُفَوِّتُ نَفْعَهُ لِلْمُدَبَّرِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا عَتَقَ كُلُّهُ ، بِقُدُومِ الْغَائِبِ ، أَوْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ الْمَوْتِ ، فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ ، وَوُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ حُرِّيَّتَهُ ، وَهُوَ الْمَوْتُ ، وَإِنَّمَا وَقَفْنَاهُ لِلشَّكِّ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِذَا زَالَ الشَّكُّ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ الشَّكِّ .
وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ ثُلُثَاهُ رَقِيقًا ، وَلَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ سِوَى ثُلُثِهِ .
وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَالِ ، رَقَّ مِنْ الْمُدَبَّرِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ

الْحَاصِلِ مِنْ الْمَالِ .

( 8681 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ عَبْدَيْنِ ، وَلَهُ دَيْنٌ ، يَخْرُجَانِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ ، عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِهِ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَيَعْتِقُ مِمَّنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ قَدْرُ ثُلُثِهِمَا ، وَكَانَ بَاقِيهِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ مَوْقُوفًا .
فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ كَمُلَ مِنْ عِتْقِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قَدْرُ ثُلُثِهِ ، وَمَا فَضَلَ عَتَقَ مِنْ الْآخَرَ ، كَذَلِكَ حَتَّى يَعْتِقَا جَمِيعًا ، أَوْ مِقْدَارُ الثُّلُثِ مِنْهُمَا .
وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ ، لَمْ يَرِدْ الْعِتْقُ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِهِمَا .
وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ مُسْتَحَقًّا ، بَطَلَ الْعِتْقُ فِيهِ ، وَعَتَقَ مِنْ الْآخَرِ ثُلُثُهُ .

( 8682 ) فَصْلٌ : وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَلَهُ مِائَةٌ دَيْنًا ، عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَرَقَّ ثُلُثُهُ ، وَوَقَفَ ثُلُثُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الثُّلُثِ الْبَاقِي .
وَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَةٌ حَاضِرَةٌ مَعَ ذَلِكَ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَاهُ ، وَوَقَفَ ثُلُثُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ .

( 8683 ) فَصْلٌ : وَإِنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَلَهُ ابْنَانِ ، وَلَهُ مِائَتَانِ دَيْنًا عَلَى أَحَدِهِمَا ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَاهُ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْهُ الْمُسْتَوْفَى ، وَيَسْقُطُ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْهُ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ ، وَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَيْهِ مِائَةٌ ، كُلَّمَا اسْتَوْفَى مِنْهَا شَيْئًا ، عَتَقَ قَدْرُ ثُلُثِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْمِائَتَانِ دَيْنًا عَلَى الِابْنَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ ، عَتَقَ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ قَدْرُ حَقِّهِ ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِسُقُوطِهِ مِنْ ذِمَّتِهِ .

( 8684 ) فَصْلٌ : فَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَخَلَفَ ابْنَيْنِ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ دَيْنًا لَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثُهُ ، وَسَقَطَ عَنْ الْغَرِيمِ مِائَةٌ ، وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ سُدُسُ الْعَبْدِ ، وَلِلِابْنَيْنِ ثُلُثُهُ ، وَيَبْقَى سُدُسُ الْعَبْدِ مَوْقُوفًا ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَالِ ثُلُثَاهُ ، وَهُوَ الْعَبْدُ وَالْمِائَةُ السَّاقِطَةُ عَنْ الْغَرِيمِ ، وَثُلُثُ ذَلِكَ مَقْسُومٌ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْوَصِيِّ نِصْفَيْنِ ، فَحِصَّةُ الْمُدَبَّرِ مِنْهُ ثُلُثُهُ ، يَعْتِقُ فِي الْحَالِ ، وَيَبْقَى لَهُ السُّدُسُ مَوْقُوفًا ، فَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ شَيْءٌ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ قَدْرُ سُدُسِهِ ، وَيَكُونُ الْمُسْتَوْفَى بَيْنَ الِابْنَيْنِ وَالْوَصِيِّ أَثْلَاثًا ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا ، حَصَلَ لِلِابْنِ ثُلُثَاهَا ، وَثُلُثُ الْعَبْدِ وَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ ، وَكَمُلَ فِي الْمُدَبَّرِ عِتْقُ نِصْفِهِ ، وَحَصَلَ لِلْوَصِيِّ سُدُسُ الْعَبْدِ وَثُلُثُ الْمِائَةِ ، وَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ .
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ، لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْمُدَبَّرِ إلَّا سُدُسُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْ التَّرِكَةِ هُوَ الْعَبْدُ ، وَثُلُثُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ الْآخَرِ ، وَلِلْوَصِيِّ سُدُسُهُ ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُهُ ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ مَوْقُوفًا ، فَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ، عَتَقَ مِنْ الْمُدَبَّرِ قَدْرُ سُدُسِهِ ، وَكَانَ الْمُسْتَوْفَى بَيْنَ الِابْنَيْنِ وَالْوَصِيِّ أَسْدَاسًا ؛ لِلْوَصِيِّ سُدُسُهُ ، وَلَهُمَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ ، فَيَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْمِائَةِ وَثُلُثُهَا وَسُدُسُ الْعَبْدِ ، وَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ ، وَيَحْصُلُ لِلْوَصِيِّ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ ، وَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ ، وَيَعْتِقُ مِنْ الْمُدَبَّرِ نِصْفُهُ ، وَهُوَ قَدْرُ حَقِّهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71