كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

عَلَى الصَّلَاةِ ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْحَقِّ الْمُسْتَجَابَةِ الْمُسْتَجَابِ لَهَا ، دَعْوَةِ الْحَقِّ وَكَلِمَةِ التَّقْوَى ، أَحْيِنَا عَلَيْهَا وَأَمِتْنَا عَلَيْهَا وَابْعَثْنَا عَلَيْهَا وَاجْعَلْنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِهَا مَحْيَانَا وَمَمَاتَنَا ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَتَهُ } وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى فَسَاقَهُ .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ خَارِجَةَ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ بِضَعْفِ أَبِي عَائِذٍ عُفَيْرٍ ، فَقَدْ يُقَالُ هُوَ حَسَنٌ ، وَلَوْ ضَعُفَ فَالْمَقَامُ يَكْفِي فِيهِ مِثْلُهُ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ عُمُومَ الْأَوَّلِ مُعْتَبَرٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَدْعُو نَفْسَهُ ثُمَّ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ .
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنْ لَا يَسْبِقَ الْمُؤَذِّنَ بَلْ يُعَقِّبَ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ وَلِيُتِمَّ هَذَا بِالدُّعَاءِ عَقِيبَ الْإِجَابَةِ .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ

مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ { إنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ كَمَا يَقُولُونَ ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي : اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْقَائِمَةِ وَالصَّلَاةِ النَّافِعَةِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْضَ عَنِّي رِضًا لَا سَخَطَ بَعْدَهُ ، اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دَعْوَتَهُ } وَلَهُ فِي الْكَبِيرِ { وَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ عِنْدَكَ وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ } .
وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ وَالْقَصْدُ الْحَثُّ عَلَى الْخَيْرِ ، رَزَقَنَا اللَّهُ تَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ

( وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ ) { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ } ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ ( فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ ) لَمَا رَوَيْنَا ( وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي ، إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ ) لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ ( وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ .
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقِيمُ لِمَا بَعْدَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ ، قَالُوا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا .

( قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ ) فِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ { ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ } وَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حِينَ نَامُوا عَنْ الصُّبْحِ وَصَلَّوْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ } مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو ابْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَذِي مُخَمَّرٍ الْحَبَشِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ .
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا ، وَذَكَرَ فِيهِ الْأَذَانَ ، وَمَرَاسِيلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مَرْفُوعَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَمَا فِي مُسْلِمٍ فِي الْقِصَّةِ { وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ } لَا يُنَافِي أَنَّهُ أَذَّنَ فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ .
وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَغَلَهُمْ الْكُفَّارُ : قَضَاهُنَّ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ : يَعْنِي الْأَرْبَعَ صَلَوَاتٍ ( قَوْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ ) فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي الْآخَرِ لَا ، وَلَا .
ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنْ يُؤَذِّنَ لِكُلِّ فَرْضٍ أَدَّى أَوْ قَضَى إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِهِمَا مَكْرُوهٌ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَإِلَّا مَا تُؤَدِّيهِ النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيهِ بِجَمَاعَتِهِنَّ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ ، لِأَنَّ تَرْكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالُ الْإِفْرَادِ أَوْلَى ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ

) هُوَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ .
وَجْهُهُ أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُؤَذَّنُ وَيُقَامُ لِلْأُولَى وَيُقَامُ لِلْبَاقِيَةِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ .
وَلَهُمَا مَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ بِسَنَدِهِ ، وَكَذَا مَنْ قَدَّمْنَا مَعَهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَغَلَهُمْ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَضَاهُنَّ عَلَى الْوَلَاءِ ، وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ } ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ يُقِيمُهَا الْمُخَاطَبُ بِالْإِقَامَةِ بِالْجَمَاعَةِ فَيُقِيمُهَا كَالْجَمَاعَةِ ، بِخِلَافِ النِّسَاءِ ، وَصَلَاةُ عَرَفَةَ لَوْ كَانَ عَلَى الْقِيَاسِ لَمْ يُعَارِضْ النَّصَّ فَكَيْفَ وَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ؟ قَالَ الرَّازِيّ : يَجُوزُ كَوْنُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلَهُمْ جَمِيعًا ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا خِلَافَ .
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا خِلَافَ فِيهَا

( وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طُهْرٍ ، فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ ) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الْوُضُوءُ فِيهِ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ ( وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ ، وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ ، وَيُرْوَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ ( وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَهُوَ جُنُبٌ ) رِوَايَةً وَاحِدَةً .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ فَتَشْتَرِطُ الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : إذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا يُعِيدُ وَالْجُنُبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ ( وَلَوْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخِفَّةِ الْحَدَثِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِي الْإِعَادَةِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ دُونَ الْإِقَامَةِ .
وَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ : يَعْنِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ بِدُونِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ .
قَالَ ( وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُؤَذِّنُ ) مَعْنَاهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَادَ لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ

( قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ ) أَيْ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ جُنُبًا وَمُحْدِثًا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ وَهِيَ رِوَايَةُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ ( قَوْلُهُ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ ) وَجْهُهُ تَعَلُّقُ أَجْزَائِهِمَا بِالْوَقْتِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا كَذَا قِيلَ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ إذَا لَمْ يُسْتَقْبَلْ بِهِ كَمَا يُعَادُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَطْلُوبٌ فِيهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ الطَّلَبِ ( قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) ذَكَرَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا لَيْسَ فِي الْقُدُورِيِّ مِنْ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِعَادَةَ كَأَذَانِ الْقَاعِدِ وَالرَّاكِبِ فِي الْمِصْرِ يُكْرَهُ وَلَا إعَادَةَ ، وَلْيُبْنَ عَلَيْهِ الْمُخْتَارُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْإِعَادَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَخْ ) فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَذَانُ جَمَاعَةٍ وَيُعَادُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى أَذَانِ هَؤُلَاءِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ ، فَرُبَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ أَوْ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْمُؤَدَّى أَوْ إيقَاعِهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ ، وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ فِي الْجُنُبِ ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِسْقُهُ ، وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ وَلَا يُعَادُ فَالْإِعَادَةُ فِيهِ لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : خَمْسُ خِصَالٍ إذَا وُجِدَتْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ : إذَا غُشِّيَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ فِي أَحَدِهِمَا ، أَوْ مَاتَ ، أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ، أَوْ حَصِرَ فِيهِ وَلَا مُلَقِّنَ ، أَوْ خَرِسَ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : مَعْنَاهُ فَإِنْ حُمِلَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ اُحْتِيجَ

إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْسِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَاسْتِقْبَالُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِهِ .
وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ : إذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَ تَبَادَرَ إلَى ظَنِّ السَّامِعِينَ أَنَّ قَطْعَهُ لِلْخَطَإِ فَيَنْتَظِرُونَ الْأَذَانَ الْحَقَّ ، وَقَدْ تَفُوتُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يَنْتَظِرُونَ بَلْ يُرَاقِبُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ مُرَاقِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ ذَكَرْنَاهُمْ آنِفًا إلَّا الْجُنُبَ .
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِيهِمْ : إنْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَهُمْ وَجَبَتْ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّتْ لِيَقَعَ فِعْلُ الْأَذَانِ مُعْتَبَرًا وَعَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَبْعُدْ ، وَعَكْسُهُ فِي الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَأَذَانُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ ، وَإِذَا قَدَّمَ بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ عَلَى بَعْضٍ كَشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَهَا

( وَلَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَقَبْلَ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ ) لِتَوَارُثِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ .
وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا } .

( قَوْلُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ) وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُعَادُ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا فِي الْفَجْرِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ .
لَهُمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ } ( قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ إلَخْ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ { لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا ، وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا } وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد ، وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ شَدَّادًا لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ ، وَابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ شَدَّادًا مَجْهُولٌ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْهُ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ } قَالَ فِي الْإِمَامِ : رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ .
وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : اسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا وَسْنَانُ فَظَنَنْتُ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ : أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ } وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَادَةَ الْفَاشِيَةَ عِنْدَهُمْ إنْكَارُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ ، فَثَبَتَ أَنَّ أَذَانَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ قَدْ وَقَعَ ،

وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَنَهَاهُ عَنْ مِثْلِهِ ، فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْهُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ : يَعْنِي لَا تَعْتَمِدُوا عَلَى أَذَانِهِ فَإِنَّهُ يُخْطِئُ فَيُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الِاحْتِرَاسِ عَنْ مِثْلِهِ ، وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ التَّسْحِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِمَامِ فَلِذَا قَالَ { فَكُلُوا وَاشْرَبُوا } أَوْ التَّذْكِيرُ الَّذِي يُسَمَّى فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالتَّسْبِيحِ لِيُوقِظَ النَّائِمَ وَيُرَجِّعَ الْقَائِمُ ، كَمَا قِيلَ : إنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا حِزْبَيْنِ : حِزْبًا يَجْتَهِدُونَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ ، وَحِزْبًا فِي الْأَخِيرِ ، وَكَانَ الْفَاصِلُ عِنْدَهُمْ أَذَانُ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ وَيَرْقُدَ قَائِمُكُمْ } وَقَدْ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ

( وَالْمُسَافِرُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا } ( فَإِنْ تَرَكَهُمَا جَمِيعًا يُكْرَهُ ) وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ ( فَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ يُصَلِّي بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ ( وَإِنْ تَرَكَهُمَا جَازَ ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا .

( قَوْلُهُ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ ) الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنَّفُ فِي الصَّرْفِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ وَالْمَحْبُوبِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي ، فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْتِقَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا : إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ { أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي } فَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ بِالصَّاحِبِ .
وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لَهُمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا مُتَرَافِقَيْنِ إلَى اسْتِحْضَارِ أَحَدٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ .
وَقَدْ وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْمُنْفَرِدِ أَحَادِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ } وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَانِ ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يَرَى طَرْفَاهُ } رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ .
وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرٌ لِذَكَرِ اللَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ وَتَذْكِيرٌ لِعِبَادِهِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ لَا يُرَى شَخْصُهُمْ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ الْعِبَادِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهُمَا يُكْرَهُ ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ

الْجَمَاعَةَ فَلَا يُسْقِطُ لَوَازِمَهَا الشَّرْعِيَّةَ : أَعْنِي دُعَاءَهُمْ ، فَالتَّرْكُ لِلْكُلِّ حِينَئِذٍ تَرْكٌ لِلْجَمَاعَةِ صُورَةً وَتَشَبُّهًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا ، أَوْ تَرْكٌ لِمَجْمُوعِ لَوَازِمِهَا إنْ كَانَتْ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ ، بِخِلَافِ تَارِكِهِمَا فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ ، لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ نَائِبُ أَهْلِ الْمِصْرِ كُلِّهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ حِينَ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حَيْثُ قَالَ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا ، وَمِمَّنْ رَوَاهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ ) لِمَا ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ سُقُوطِ الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِيَةِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ ، صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي بِأَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ نَقْلًا مِنْ الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهُمَا جَازَ ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِ الْمُسَافِرِ لَهُمَا .
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ .
[ فَرْعٌ ] الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ ، وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْلَا الْخَلِيفِيُّ لَأَذَّنْتُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا ، بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْتُ مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَخْبَارِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَسْئُولُ فِي إتْمَامِ السُّؤَالِ .

بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا ( يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا }
( بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا ) هَذَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ ، وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ كَالْحَيَاةِ لِلْأَلَمِ وَالْجَعْلِيِّ كَدُخُولِ الدَّارِ لِلطَّلَاقِ ، وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَتَقَدَّمُهَا كَالْقَعْدَةِ شَرْطِ الْخُرُوجِ ، وَتَرْتِيبُ مَا لَمْ يُشْرَعْ مُكَرَّرًا شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ .
وَيُرَدُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يَخْرُجُ قَيْدُ التَّقَدُّمِ الْعَقْلِيِّ وَالْجَعْلِيِّ لِلْقَطْعِ بِتَقَدُّمِ الْحَيَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ عَلَى الْأَلَمِ مَثَلًا وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ .
لَا يُقَالُ : بَلْ الْجَعْلِيُّ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ إذْ الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْعَكْسِ ، فَالشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ فِيهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ شَرْطٌ لُغَةً لِأَنَّا نَمْنَعُهُ ، بَلْ السَّبَبُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ فَصَدَقَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا تَقْيِيدٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقِ الشُّرُوطِ ، وَلَيْسَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ جَعْلِيٌّ ، وَيَبْعُدُ الِاحْتِرَازُ عَنْ شَرْطِهَا الْعَقْلِيِّ مِنْ الْحَيَاةِ وَنَحْوِهِ إذْ الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ الْعَمَلِيَّاتِ فَلَا يَخْطُرُ غَيْرَهَا .
وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا شَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ : شَرْطُ الصَّلَاةِ نَوْعًا مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ) فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَبَابِ الْأَنْجَاسِ .

( وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أَيْ مَا يُوَارِي عَوْرَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } أَيْ لِبَالِغَةٍ ( وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ } وَيُرْوَى { مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى تُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ } وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ ) خِلَافًا لَهُ أَيْضًا ، وَكَلِمَةُ إلَى تَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى أَوْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ } .

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ } ) نَزَلَتْ فِي الطَّوَافِ تَحْرِيمًا لِطَوَافِ الْعُرْيَانِ ، وَالْعِبْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي السَّبَبِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِهِ قَطْعًا ، ثُمَّ فِي غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ، وَالثَّابِتُ عِنْدَنَا فِي السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ الْوُجُوبُ ، حَتَّى لَوْ طَافَ عُرْيَانًا أَثِمَ وَحُكِمَ بِسُقُوطِهِ ، وَفِي الصَّلَاةِ الِافْتِرَاضُ حَتَّى لَا تَصِحُّ دُونَهُ ، وَمَا قِيلَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ بِسُقُوطِ الِافْتِرَاضِ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مُنْتَفٍ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الِافْتِرَاضِ فِيهَا فَمَمْنُوعٌ ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ سَلَّمَ لَا يُدْفَعُ السُّؤَالُ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ تَنَاوَلَ السَّبَبَ عَلَى وَجْهٍ دُونَهُ فِي غَيْرِهِ ، ثُمَّ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فَمُوجِبُهُ الِافْتِرَاضُ لَيْسَ غَيْرُ .
وَإِنْ كَانَ ظَنِّيَّهَا فَالْوُجُوبُ لَيْسَ غَيْرُ ، وَهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِكْفَارِ بِالْجَحْدِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الْوُجُوبِ وَنَقِيضُهُ فِي مَفْهُومِ الْفَرْضِ ، أَوْ هُمَا فَرْدَا مَفْهُومٍ وَاحِدٍ هُوَ مَفْهُومُهُ وَهُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْقُوَّةِ أَوَّلًا ، وَالْمُشَكِّكُ الْأَعَمُّ لَا يَعْرِفُ اسْتِعْمَالَهُ فِي فَرْدَيْنِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ يَدْفَعُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ مُقْتَضَاهُ إنَّمَا هُوَ أَثَرُ قُوَّةِ ثُبُوتِهِ قَطْعًا عَنْ اللَّهِ وَقَطْعِيَّةُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَفْهُومِهِ لَا مِنْ نَفْسِ مَفْهُومِهِ ، فَتَأَمَّلْ هَذَا يَظْهَرْ لَك عِنْدَهُ أَنَّ نَفْسَ حَقِيقَةِ الْوُجُوبِ وَالْفَرْضِ لَيْسَ تَمَامُهُمَا مَفْهُومَ لَفْظِ الْأَمْرِ بَلْ جُزْأَهُمَا وَهُوَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَالْجُزْءُ الْآخَرُ : أَعْنِي كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ أَوْ لِأَثَرِ كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ

ذَلِكَ الْأَمْرِ وَدَلَالَتِهِ .
وَصَحَّ إضَافَةُ تَمَامِهَا إلَى الْأَمْرِ بِأَنْ يُقَالَ : يُفِيدُ الْوُجُوبُ الِافْتِرَاضَ إذْ لَا شَكَّ فِي اسْتِفَادَةِ ثُبُوتِ تَمَامِ الْحَقِيقَةِ مَعَهُ وَبِسَبَبِهِ ، لَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا بِتَمَامِهَا مَدْلُولُ لَفْظِهِ فَتَأَمَّلْ ، وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ الَّذِي يَتِمُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَحَاصِلُهُ لُزُومُ افْتِرَاضِ السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ بِالْآيَةِ وَأَنْتُمْ تَنْفُونَهُ أَوْ الْوُجُوبُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ تَفْرِضُونَهُ ، وَالْحَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ ظَنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَمُقْتَضَاهَا الْوُجُوبُ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ وَمِنْ حَدِيثِ { لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } قَطْعِيَّةُ الدَّلَالَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَيَثْبُتُ الْفَرْضُ بِالْمَجْمُوعِ ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى بَعْدَ تَسْلِيمِ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ فِي الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ اعْتَرَفَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ نَحْوِ { لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ } وَ { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ } أَنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ احْتِمَالَ نَفْيِ الْكَمَالِ قَائِمٌ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِافْتِرَاضِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ إلَى أَنْ حَدَّثَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَخَالَفَ فِيهِ كَالْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ .
وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَرْفَعُهُ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَوْرَةُ الرَّجُلِ } ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ { مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ ، وَمَا أَسْفَلَ مِنْ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ } وَعَنْ

عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى رُكْبَتِهِ مِنْ الْعَوْرَةِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ ، وَفِيهِ سَوَّارُ بْنُ دَاوُد لَيَّنَهُ الْعُقَيْلِيُّ لَكِنْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ .
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ } وَعُقْبَةُ هَذَا هُوَ الْيَشْكُرِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَحَدِيثُ { حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ } لَمْ يُعْرَفْ ، وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ : أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَلِمَةُ إلَخْ لِأَنَّ تَمَامَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِ حَدِيثِ الرُّكْبَةِ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَلَهُ طَرِيقَانِ مَعْنَوِيَّانِ : وَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ وَقَدْ تَخْرُجُ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ فَحَكَمْنَا بِدُخُولِهَا احْتِيَاطًا وَإِنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَاجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَا مُمَيَّزَ ، وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَجْهُ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ الِاحْتِيَاطِ

( وَبَدَنُ الْحُرَّةِ كُلِّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ } وَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ بِإِبْدَائِهِمَا .
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ .
وَيُرْوَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( فَإِنْ صَلَّتْ وَرُبْعُ سَاقِهَا أَوْ ثُلُثُهُ مَكْشُوفٌ تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا تُعِيدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا تُعِيدُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ إذْ هُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ ( وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ ) فَاعْتَبَرَ الْخُرُوجَ عَنْ حَدِّ الْقِبْلَةِ أَوْ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّبْعَ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَمَنْ رَأَى وَجْهَ غَيْرِهِ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ إلَّا أَحَدَ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ .

( قَوْلُهُ كُلُّهَا ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كُلُّهُ وَهُمَا تَأْكِيدَانِ لِلْبَدَنِ ، وَلَمَّا أُضِيفَ إلَى الْمُؤَنَّثِ جَازَ اكْتِسَابُهُ التَّأْنِيثَ وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْقِيَاسِيِّ فِي ذَلِكَ أَعْنِي صِحَّةَ حَذْفِ الْمُضَافِ وَنِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ إلَّا كَذَا كَمَا يَصِحُّ بَدَنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا كَذَا .
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ : الصَّغِيرَةُ جِدًّا لَيْسَتْ عَوْرَةً حَتَّى يُبَاحَ النَّظَرُ وَالْمَسُّ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ } ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الرَّضَاعِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ } وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ لَفْظُ مَسْتُورَةٍ ( قَوْلُهُ تَنْصِيصٌ ، إلَى قَوْلِهِ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ) لَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ الْعَوْرَةِ إنْ كَانَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ } مَعَ ثُبُوتِ مَخْرَجِ بَعْضِهَا وَهُوَ الِامْتِلَاءُ بِالِابْتِدَاءِ فَمُقْتَضَاهُ إخْرَاجُ الْقَدَمَيْنِ لِتَحَقُّقِ الِابْتِلَاءِ ، وَإِنْ كَانَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } الْآيَةُ ، فَالْقَدَمُ لَيْسَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَادَةً ، وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } يَعْنِي قَرْعَ الْخَلْخَالِ ، فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِيهِ مُرْسَلًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدُهَا إلَى الْمِفْصَلِ } ثُمَّ كَمَا هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، كَذَلِكَ هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ بِنَاءً عَلَى دَفْعِ مَا قِيلَ إنَّ الْكَفَّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ عَدَمُ دُخُولِ الظَّهْرِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرَهُ أَغْنَاهُ عَنْ

تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ ، وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خَانْ : ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا عَوْرَتَيْنِ إلَى الرُّسْغِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُهُ عَوْرَةٌ ، وَتَنْصِيصٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّرَاعِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ ، وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ انْكَشَفَ ذِرَاعُهَا جَازَتْ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ السِّوَارُ وَتَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ لِلْخِدْمَةِ وَسَتْرُهُ أَفْضَلُ .
وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجِهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ عَوْرَةً وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ ، فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشُّهْرَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهِ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ .
وَفِي كَوْنِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ شَعْرِهَا عَوْرَةٌ رِوَايَتَانِ .
وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَإِلَّا جَازَ النَّظَرُ إلَى صُدْغِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَطَرَفِ نَاصِيَتِهَا وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ وَأَنْتَ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَرَيْتُك فِي الْمِثَالِ .
[ فَرْعٌ ] صَرَّحَ فِي النَّوَازِلِ بِأَنَّ نَغْمَةَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ ، وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ تَعَلُّمَهَا الْقُرْآنَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْأَعْمَى ، قَالَ : لِأَنَّ نَغْمَتَهَا عَوْرَةٌ ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ } فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَسْمَعَهَا الرَّجُلُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ قِيلَ إذَا جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ كَانَ مُتَّجِهًا ، وَلِذَا مَنَعَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ التَّسْبِيحِ بِالصَّوْتِ لِإِعْلَامِ الْإِمَامِ لِسَهْوِهِ إلَى التَّصْفِيقِ ( قَوْلُهُ تُعِيدُ الصَّلَاةَ ) يَعْنِي إذَا اسْتَمَرَّ زَمَانًا كَثِيرًا إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَقَدْرُ

الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ ، وَالْقَلِيلُ دُونَهُ فَلَوْ انْكَشَفَتْ فَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُ ، وَالِانْكِشَافَ الْقَلِيلَ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ لِاعْتِبَارِهِ عَدَمًا بِاسْتِقْرَاءِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ ، وَقُدِّرَ بِالرُّبْعِ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ رَأَى أَحَدَ جَوَانِبِ وَجْهِ إنْسَانٍ صَحَّ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَأَى وَجْهَهُ ، وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ الْكَثْرَةَ يُقَابِلُهَا الْقِلَّةُ حَتَّى أَجَازَ صَلَاتَهُ مَعَ انْكِشَافِ أَقَلِّ مِنْ النِّصْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا اُعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى مُقَابِلِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لَازِمًا بَلْ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } .
وَإِذَا صَحَّ الِاعْتِبَارَانِ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الثَّانِي هُنَا ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ تَثْبُتُ الْكَثْرَةُ بِالرُّبْعِ لِمَا ذَكَرْنَا فَتُمْنَعُ ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ يُفِيدُ أَنَّهُ مِمَّا حَكَى فِيهِ الرُّبْعُ حِكَايَةَ الْكُلِّ ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ النَّصَّ فِيهِمَا يُفِيدُ تَعْمِيمَهَا بِالْفِعْلِ ، وَاكْتَفَى بِالرُّبْعِ لِحِكَايَتِهِ إيَّاهُ ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الْمُفَادُ بِالنَّصِّ هُوَ الرُّبْعُ ابْتِدَاءً فَمِنْ أَيْنَ كَوْنُ ذَلِكَ الرُّبْعِ طَلَبًا لِحِكَايَتِهِ ، حَكَاهُ الْكَمَالُ .
لَا يُقَالُ : لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ اسْتِيعَابُهَا فَالظَّاهِرُ فِي الرَّأْسِ مِثْلُهُ لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ أَوَّلًا .
وَكَوْنُهُ فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ كَذَلِكَ مَمْنُوعٌ ثَانِيًا فَإِنَّ الْيَدَ اسْمٌ إلَى الْإِبْطِ بِاعْتِرَافِهِمْ وَلَمْ يَجِبْ اسْتِيعَابُهَا .
ثُمَّ سَوَّى فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبْعِ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ

: يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ .
وَفِي الْخَفِيفَةِ الرُّبْعُ اعْتِبَارًا بِالنَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ ، وَغَلِطَ بِأَنَّهُ تَغْلِيظٌ يُؤَدِّي إلَى التَّخْفِيفِ أَوْ الْإِسْقَاطِ ، لِأَنَّ مِنْ الْغَلِيظَةِ مَا لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ كَشْفَ جَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يَمْنَعُ .
وَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ قِيلَ إنَّ الْغَلِيظَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ .

( وَالشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ كَذَلِكَ ) يَعْنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِنَّمَا وَضَعَ غَسْلَهُ فِي الْجَنَابَةِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ، وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ دُونَ الضَّمِّ .

( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ مَا فَوْقَ الرَّأْسِ ( قَوْلُهُ لِمَكَانِ الْحَرَجِ ) أَيْ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ لَيْسَ مِمَّا تَنَاوَلَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ) لَا مَا قِيلَ : الْمَجْمُوعُ ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِيلَادُ .
وَاخْتُلِفَ فِي الدُّبْرِ هَلْ هُوَ مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ كُلُّ أَلْيَةٍ عَوْرَةٌ وَالدُّبُرُ ثَالِثُهُمَا ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّكْبَةَ تَبَعٌ لِلْفَخِذِ لِأَنَّهَا مُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ لَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ ، وَكَعْبُ الْمَرْأَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَثَدْيُهَا إنْ كَانَ نَاهِدًا تَبَعٌ لِصَدْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ مُنْكَسِرًا فَأَصْلٌ بِنَفْسِهِ ، وَأُذُنُهَا عَوْرَةٌ بِانْفِرَادِهَا ، وَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ مِنْ الْعَوْرَةِ .
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ : يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ بِالْأَجْزَاءِ ، وَلَا يَمْنَعَ الْقَلِيلَ ، فَلَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخْذِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ وَذَلِكَ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا تَبْطُلُ ، وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ عُضْوٌ ، وَفِي بَطْنِ قَدَمِ الْمَرْأَةِ التَّقْدِيرُ بِالرُّبْعِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ .
وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ مَحْلُولِ الْجَيْبِ وَهُوَ بِحَالٍ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ يَقَعُ عَلَيْهَا بِلَا تَكَلُّفٍ لَا يَصِحُّ فِيمَا رَوَى هِشَامُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَوْرَتُهُ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فَتَصِحُّ ، وَإِذَا شَفَّ الْقَمِيصُ فَهُوَ انْكِشَافٌ ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَتَصِحُّ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يُصَلِّي فِيهِ لَا عُرْيَانًا خِلَافًا لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ ، وَبَطْنُهَا وَظَهْرُهَا عَوْرَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ ، وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ .
( قَوْلُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ : خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةٌ مُتَجَلْبِبَةٌ فَقَالَ عُمَرُ مَنْ هَذِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ جَارِيَةٌ لِفُلَانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِيهِ ، فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ فَقَالَ : مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تُخَمِّرِي هَذِهِ الْأَمَةَ وَتُجَلْبِبِيهَا وَتُشَبِّهِيهَا بِالْمُحْصَنَاتِ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقَعَ بِهَا إلَّا أَحْسَبُهَا إلَّا مِنْ الْمُحْصَنَاتِ ، لَا تُشَبِّهُوا الْإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : الْآثَارُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ ، وَأَمَّا نَصُّ مَا فِي الْكِتَابِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْقِطَ لِحُكْمِ الْعَوْرَةِ حَتَّى تَبِعَتْهُ هِيَ فِي السُّقُوطِ الْحَرَجُ اللَّازِمُ مِنْ إعْطَاءِ بَدَنِهَا كُلِّهِ حُكْمَ الْعَوْرَةِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى خُرُوجِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا الْأَعْمَالَ الْمُوجِبَةَ لِلْمُخَالَطَةِ فَسَقَطَ الْحَاجِي وَهُوَ مَا سِوَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ إلَى الرُّكْبَةِ ، لِأَنَّ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ كَشْفَ غَيْرِهِ عَادَةً لِيَسْقُطَ مِنْهُ ، بِخِلَافِهِ هُوَ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ وَلَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ فَسَتَرَتْهُ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ جَازَتْ لَا بِكَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ ( قَوْلُهُ فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ ) يَعْنِي غَيْرَ السَّيِّدِ .

قَالَ ( وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يَعُدْ ) وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبْعُ الثَّوْبِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ .
وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكَ الْفُرُوضِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعُ جَوَازِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ ، وَتَرْكُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ لَا يَكُونُ تَرْكًا وَالْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ السَّتْرِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا .

( قَوْلُهُ مَا يُزِيلُ بِهِ ) وَكَذَا مَا يُقَلِّلُهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ الْكُلِّ حَيْثُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ .
دُونَ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ تَرْكُ الْفُرُوضِ ) أَيْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا ، أَمَّا لَوْ صَلَّى قَائِمًا لَا يَسْتَقِيمُ .
قَالَ فِي الْأَسْرَارِ مِنْ طَرَفِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : خِطَابُ التَّطْهِيرِ سَاقِطٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَصَارَ هَذَا كَثَوْبٍ طَاهِرٍ ، وَلِأَنَّ رُبْعَهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَا تَجُوزُ إلَّا فِيهِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ نَجَاسَةَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ كَنَجَاسَةِ كُلِّهِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ .
قُلْت : خِطَابُ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ سَاقِطٌ لِلنَّجَاسَةِ فَصَارَ الْعَرَاءُ كَالسَّتْرِ ، وَإِذَا كَانَ الرُّبْعُ طَاهِرًا تَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِقَدْرٍ وَسَقَطَ بِقَدْرِ النَّجَسِ فَرَجَّحْنَا الْوُجُوبَ احْتِيَاطًا .
قَالَ : وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ عُورِضَ بِسُقُوطِ خِطَابِ السَّتْرِ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَعْلُومَ إنَّمَا هُوَ تَوَجُّهُ خِطَابِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِالطَّاهِرِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُطَهِّرِ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَالْمَعْلُومُ حِينَئِذٍ انْتِفَاءُ خِطَابِ السَّتْرِ لِلصَّلَاةِ بِالطَّاهِرِ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ تَعَلُّقِهِ بِالنَّجَسِ حِينَئِذٍ إلَّا بِنَقْلِ خِطَابٍ مَخْصُوصٍ فِيهِ وَلَا نَقْلَ فَيَبْقَى عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ لِأَنَّ نَفْيَ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرُّبْعُ طَاهِرًا فَلِأَنَّهُ كَالْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَأَمْكَنَ الْحُكْمُ بِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِالسَّتْرِ بِهِ ( قَوْلُهُ وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

( وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ ) لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ ، وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ( إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ ) لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ ، وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ .
قَوْلُهُ هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا : الْعَارِي يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ .
وَعَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ مِثْلُهُ .
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَصَلَّوْا قُعُودًا لِإِيمَاءٍ .
قَالَ سَبْطُ بْنُ الْجَوْزِيُّ : رَوَاهُ الْخَلَّالُ .
وَفِي الْمُجْتَبِي : تُصَلِّي الْعُرَاةُ وُحْدَانًا مُتَبَاعِدِينَ ، فَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ يَتَوَسَّطُهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ تَقَدَّمَهُمْ جَازَ ، وَيُرْسِلُ كُلُّ وَاحِدٍ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخْذَيْهِ يُومِئُ إيمَاءً ، وَلَوْ أَوْمَأَ الْقَائِمُ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ الْقَائِمُ جَازَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالنَّبَاتِ وَالْكَلَأِ .
وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ : لَوْ وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ يَفْعَلُ ، وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ

قَالَ ( وَيَنْوِي لِلصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْقِيَامِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَلَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَالْمُتَقَدِّمُ عَلَى التَّكْبِيرِ كَالْقَائِمِ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهَا عَنْهُ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ ، وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ ، وَالنِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي .
أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ ، وَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ .
ثُمَّ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ سُنَّةً فِي الصَّحِيحِ ، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرْضِ كَالظُّهْرِ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ ( وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ نَوَى الصَّلَاةَ وَمُتَابَعَتَهُ ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ قَالَ .

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ) حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ { فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ، وَبِالنِّيَّةِ ، { وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ } ، { وَالْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ } كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ .
وَأَمَّا { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } كَمَا فِي الْكِتَابِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ بُسْتَانِ الْعَارِفِينَ وَلَمْ يُكْمِلْهُ نَقْلًا عَنْ الْحَافِظِ أَبِي مُوسَى الْأَصْفَهَانِيِّ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ ، وَأَقْرَأَهُ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ إذْ قَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي أَرْبَعِينِهِ ، ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ .
قُلْت : وَهِيَ رِوَايَةُ إمَامِ الْمَذْهَبِ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ ، رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } الْحَدِيثُ ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى { إنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } ( قَوْلُهُ وَالْمُتَقَدِّمُ إلَخْ ) فِي الْخُلَاصَةِ : وَنَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَعِبَارَةُ الْمُصَنَّفِ فِي التَّجْنِيسِ : إذَا تَوَضَّأَ فِي مَنْزِلِهِ لِيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ ، هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّقَيَّاتِ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ تَبِعَتْهَا إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ حُكْمًا كَمَا فِي الصَّوْمِ إذَا لَمْ يُبَدِّلْهَا

بِغَيْرِهَا ا هـ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ : إنْ كَانَ عِنْدَ الشُّرُوعِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ أَيَّةُ صَلَاةٍ يُصَلِّي يُجِيبُ عَلَى الْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ فَهِيَ نِيَّةٌ تَامَّةٌ ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ لَا يَجُوزُ .
قُلْت : فَقَدْ شَرَطُوا عَدَمَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ تِلْكَ النِّيَّةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا .
فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِكَلَامٍ أَوْ أَكْلٍ .
أَوْ نَقُولُ : عَدُّ الْمَشْيِ إلَيْهَا مِنْ أَفْعَالِهَا غَيْرُ قَاطِعٍ لِلنِّيَّةِ ، وَفِيهَا : أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ وَلَا تَكُونُ شَارِعًا بِمُتَأَخِّرَةٍ ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ .
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ ، قِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ ، وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ ( قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ ) قِيلَ لَيْسَ الْعِلْمُ نِيَّةً وَلِذَا لَوْ نَوَى الْكُفْرَ غَدًا كَفَرَ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَكْفُرُ بَلْ هِيَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَسَّرَهَا بِالْإِرَادَةِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّرْطَ فِي اعْتِبَارِهَا عِلْمَهُ أَيُّ الصَّلَاةِ هِيَ أَيْ التَّمْيِيزُ ، فَحَاصِلُ كَلَامِهِ النِّيَّةُ الْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ وَشَرْطُهَا التَّعْيِينُ فِي الْفَرَائِضِ ( قَوْلُهُ وَيُحْسِنُ ذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ : لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَهَذِهِ بِدْعَةٌ ا هـ .
وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ لِغَيْرِ هَذَا

الْقَصْدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ خَاطِرِهِ ، فَإِذَا ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ كَانَ عَوْنًا عَلَى جَمْعِهِ .
ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ قَالَ : وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ ، وَالتَّكَلُّمُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ ، وَمَنْ اخْتَارَهُ اخْتَارَهُ لِتَجْتَمِعَ عَزِيمَتُهُ ( قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ : إنَّهُ لَا يَكْفِيهِ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ كَوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا .
وَتَحْقِيقِ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى السُّنِّيَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظَبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَبْلَهَا ، فَإِذَا أَوْقَعَ الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَعُلِمَ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ ثَبَتَ بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةً مِنَّا لِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ .
وَقَدْ حَصَلَتْ مُقَاوَلَةٌ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ أَشْيَاخِ حَلَبِ أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُؤَدِّهِ بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ إذَا ظَهَرَ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ .
وَاسْتُفْتِيَ بَعْضُ أَشْيَاخِ مِصْرَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ ، فَقُلْت : هَذِهِ الْفَتْوَى تَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ السُّنَّةِ فِي النِّيَّةِ ، وَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ بِنَاءٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ

فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّلَاةِ بِوَصْفٍ .
فَإِذَا انْتَفَى الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَذْهَبِ إنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَقِيَ نِيَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَبِهَا تَتَأَدَّى السُّنَّةُ ثُمَّ رَاجَعْت الْمُفْتِيَ الْمِصْرِيَّ وَذَكَرْت لَهُ هَذَا فَرَجَعَ دُونَ تَوَقُّفِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَائِزِ ، فَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَأَنْ يَنْوِيَ فِي السُّنَّةِ الصَّلَاةَ مُتَابَعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يَخْفَى تَقَيُّدُ وُقُوعِهَا عَنْ السُّنَّةِ إذَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٍ ( قَوْلُهُ كَالظُّهْرِ مَثَلًا ) أَيْ إذَا قُرِنَ بِالْيَوْمِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ أَوْ بِالْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ، فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّحِيحِ وَفَرْضُ الْوَقْتِ كَظُهْرِ الْوَقْتِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلُ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا نَفْسِهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ ، فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا غَيْرُ اُخْتُلِفَ فِيهِ ، قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ لِاحْتِمَالِ فَائِتَةٍ عَلَيْهِ ، وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الظُّهْرُ فَنَوَى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ مَثَلًا لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَفِي الْمُنْتَقَى : إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : فَإِنْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ كَانَتْ لِلْأُولَى مِنْهُمَا انْتَهَى .
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَبْطَلَهَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَهَذَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَطْعِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْمَنْوِيِّ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِقَطْعِهَا عَلَى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَاعِدًا وَلَا يَعْلَمُ أَيَّ الْقَعْدَتَيْنِ فَنَوَى فِي اقْتِدَائِهِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْأُولَى

اقْتَدَيْت بِهِ أَوْ الْأَخِيرَةِ فَلَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ أَصْلًا لِأَنَّ النِّيَّةَ مُتَرَدَّدٌ فِيهَا ، وَكَذَا لَوْ نَوَى إنْ كَانَتْ الْأُولَى اقْتَدَيْت بِهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْفَرِيضَةِ ، وَلَوْ نَوَى إنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ اقْتَدَيْت بِهِ أَوْ فِي التَّرَاوِيحِ أَوْ سُنَّةِ كَذَا اقْتَدَيْت بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي نِيَّةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ لِلسُّنَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى إنْ كَانَ فِي الْعِشَاءِ اقْتَدَيْت بِهِ أَوْ فِي التَّرَاوِيحِ فَلَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ افْتِرَاضَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا لَا تَجُوزُ ، وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ مِنْهُمَا فَرْضًا وَنَفْلًا وَلَا يُمَيِّزُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فِيهَا ، فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَ ، وَلَوْ ظَنَّ الْكُلَّ فَرْضًا جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ إنْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ ، وَكَمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْأَدَاءِ كَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ ، حَتَّى إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ يَحْتَاجُ إلَى ظُهْرِ يَوْمِ كَذَا أَوْ أَوَّلِ ظُهْرٍ أَوْ آخِرِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ، وَكَذَا فِي الْبَاقِي لِأَنَّ مَا يَلِي ذَلِكَ الْمَقْضِيُّ وَيَصِيرُ أَوَّلًا فِي نِيَّةِ الْأَوَّلِ وَآخِرًا فِي نِيَّةِ الْآخِرِ ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ جَازَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ فَقَضَى يَوْمًا وَلَمْ يُعَيِّنْ جَازَ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَثَانِيَ يَوْمٍ لِأَنَّ سَبَبَ الصَّلَاةِ مُتَعَدِّدٌ وَبِهِ يَتَعَدَّدُ الْمُسَبَّبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الشَّهْرُ ، وَلِذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ وَجَبَ التَّعْيِينُ ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَحَكَى فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَعَ عَدَمِ

التَّعْيِينِ إذَا كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ .
وَقَدْ يُقَالُ : صَرَّحُوا بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ وَلِذَا لَمْ يَكْتَفِ لِلْكُلِّ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ الْيَوْمَانِ كَالظُّهْرَيْنِ لَكِنَّا سَنُبَيِّنُ مَا يَرْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ ، وَلِلتَّعْيِينِ لَوْ فَاتَتْهُ عَصْرٌ فَصَلَّى أَرْبَعًا عَمَّا عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ صَلَّاهَا قَضَاءً عَمَّا عَلَيْهِ وَقَدْ جَهِلَهُ وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : فِيمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ إنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ لِيَتَيَقَّنَّ ، وَلَوْ نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ نَسِيَ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقِطٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ .
وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي التَّطَوُّعَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لِقِرَانِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ هَذِهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ جِهَةَ الْكَعْبَةِ ، فَإِنْ نَوَى الْمِحْرَابَ لَا تَجُوزُ ثُمَّ مَنْ يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الْكَعْبَةِ يَنْوِي الْعَرْصَةَ وَلَا بُدَّ ( قَوْلُهُ وَمُتَابَعَتُهُ ) الْإِمَامَ ، فَإِنْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا يُجْزِئُهُ ، وَقِيلَ إذَا انْتَظَرَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ ثُمَّ كَبَّرَ بَعْدَهُ كَانَ مُقْتَدِيًا .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : إذَا أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ يَقُولُ شَرَعْت فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ .
قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ : يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ وَاقْتَدَيْت بِهِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ عَالِمًا بِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ جَازَ ، وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ

عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ اُخْتُلِفَ فِيهِ .
قِيلَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ بِالتَّكْبِيرِ بِنِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ إلَّا فِي الْمَسْبُوقِ قَامَ إلَى الْقَضَاءِ ، وَسَيَأْتِي بَاقِي فُرُوعِهَا مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْإِمَامَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ : يَعْنِي كَيْ لَا يَظْهَرَ كَوْنُهُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْقَائِمَ فِي الْمِحْرَابِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو جَازَ اقْتِدَاؤُهُ ، وَلَوْ نَوَى بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا يَرَى وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى ، وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَإِذَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ غَيْرُهُ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ جَازَ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةَ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ آخِرُ الصُّفُوفِ لَا يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَيْضًا أَوْ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ ، فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَتِهِ إلَخْ ) لِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى نِيَّةِ إمَامَةِ النِّسَاءِ لِصِحَّةِ اقْتِدَائِهِنَّ عَلَى مَا سَيَأْتِيك

قَالَ ( وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا ، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ .

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَوَلُّوا إلَخْ ) أَيْ يَثْبُتُ الِافْتِرَاضُ ، أَمَّا لُزُومُ الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ التَّوَجُّهِ عَمْدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِلُزُومِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ ، إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْفَرْضِ لُزُومَ الْكُفْرِ بِتَرْكِهِ بَلْ بِجَحْدِهِ ، وَكَذَا الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ .
وَكَذَا فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو عَلِيِّ السُّغْدِيِّ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ لَا فِي الْآخَرَيْنِ لِلْجَوَازِ فِيهِمَا حَالَةَ الْعُذْرِ ، وَبِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَإِذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ بِصَدْرِهِ .
قِيلَ هَذَا أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا ، أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الرَّفْضِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ، حَتَّى لَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ بَنَى مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِهِ هُنَاكَ وَتَمَرُّدِهِ هُنَا ، وَلَا يُفَرَّقُ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ إذْ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ ، بَلْ الْمُوجِبُ لِلْإِكْفَارِ هُوَ الِاسْتِهَانَةُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ ( قَوْلُهُ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا ) حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي أَمَاكِنَ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي .
وَفِي الدِّرَايَةِ : مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ ، وَفِي النَّظْمِ : الْكَعْبَةُ قِبْلَةُ مَنْ بِالْمَسْجِدِ ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ ، وَمَكَّةُ قِبْلَةُ الْحَرَمِ ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْعَالَمِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ : هَذَا يُشِيرُ إلَى

أَنَّ مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ انْتَهَى .
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ : هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْعَالَمِ انْتَهَى .
وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ ، وَتَرْكُ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ ، وَمَا أَقْرَبُ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى ظَنِّيٍّ لِإِمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْيَقِينُ مَعَ إمْكَانِهِ بِالظَّنِّ ( قَوْلُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا ) فِي الدِّرَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ الْوَجْهِ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لَا تَزُولُ بِمَا يَزُولُ بِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ لَوْ كَانَتْ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ ، وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْبَعْدِ وَتَبْقَى الْمُسَامَتَةُ مَعَ انْتِقَالٍ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ الْبُعْدِ ، فَلَوْ فُرِضَ خَطٌّ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَخَطٌّ آخَرُ يَقْطَعُهُ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ أَوْ شِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ وَالتَّوَجُّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِّ بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ ، وَلِذَا وَضَعَ الْعُلَمَاءُ قِبْلَةَ بَلَدٍ وَبَلَدَيْنِ وَثَلَاثٍ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ ، فَجَعَلُوا قِبْلَةَ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَنَسَفَ وَتِرْمِذَ وَبَلْخَ وَمَرْوٍ وَسَرْخَسَ مَوْضِعَ الْغُرُوبِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْمِيزَانِ وَأَوَّلِ الْعَقْرَبِ كَمَا اقْتَضَتْهُ الدَّلَائِلُ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوا لِكُلِّ بَلْدَةٍ سَمْتًا لِبَقَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّوَجُّهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ

الْمَسَافَةِ .
وَفِي الْفَتَاوَى : الِانْحِرَافُ الْمُفْسِدُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ إنَّ الْعَيْنَ فَرْضُ الْغَائِبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَا فَصْلَ فِي النَّصِّ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةٍ عَيَّنَهَا ، فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا .

( وَمَنْ كَانَ خَائِفًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ ) لِتَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ ( فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى ) { لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ انْعِدَامِ دَلِيلٍ فَوْقَهُ ، وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي ( فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَ مَا صَلَّى لَا يُعِيدُهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُعِيدُهَا إذَا اسْتَدْبَرَ لِتَيَقُّنِهِ بِالْخَطَأِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ ( وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ ) لِأَنَّ أَهْلَ قَبَاءِ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَكَذَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى تَوَجَّهَ إلَيْهَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ .
قَالَ ( وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ وَتَحَرَّى مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ وَكُلُّهُمْ خَلْفَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ أَجْزَأَهُمْ ) لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ( وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ) لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ ( وَكَذَا لَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ ) لِتَرْكِهِ فَرْضِ الْمَقَامِ

( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ خَائِفًا ) مِنْ سَبْعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ كَانَ فِي الْبَحْرِ عَلَى خَشَبَةٍ يَخَافُ الْغَرَقَ إنْ تَوَجَّهَ ، أَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَجُّهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ يُوَجِّهُهُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ بِخِلَافِ النُّزُولِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ .
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ .
وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً ، فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ وَقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ ، فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا وَيَسْتَقْبِلَ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إلَخْ ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ مَنْ يَسْأَلُهُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْمَحَارِيبِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَلَا عَالِمًا بِالْقِبْلَةِ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ لَا مِحْرَابَ لَهُ أَوْ سَأَلَهُمْ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ تَحَرَّى .
وَفِي قَوْلِهِ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَذَا ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهِ مُقِيمِينَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَاضِرِينَ فِيهِ وَقْتَ دُخُولِهِ وَهُمْ حَوْلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَجَبَ طَلَبُهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ قَبْلَ التَّحَرِّي ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُعَلَّقٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَعَرُّفِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِهِ ، عَلَّلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا قُلْنَا ، قَالَ : رَجُلٌ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي لَا مِحْرَابَ لَهُ وَقِبْلَتُهُ مُشْكَلَةٌ وَفِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِهِ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَيَعْلَمَهَا وَيُصَلِّيَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّحَرِّي إذَا

عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهِ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ اجْتَهَدَ ) حَكَمَ الْمَسْأَلَةَ فَلَوْ صَلَّى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ ، لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يَشْتَرِطُ حُصُولُهُ لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ يَسْتَقْبِلُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ اسْتَقْبَلَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا فَائِدَةَ .
قُلْنَا : حَالَتُهُ قُوِّيَتْ بِالْعِلْمِ ، وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً ، وَالْمُومِئُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ فِيهَا تَفْسُدُ وَبَعْدَهَا تَصِحُّ ، أَمَّا لَوْ تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ التَّحَرِّي لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ أَصَابَ مُطْلَقًا ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي حَقِّهِ جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ تَرَكَهَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي ، لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ التَّحَرِّي يَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ التَّحَرِّي وَتَعْلِيلُهُمَا فِي تِلْكَ بِأَنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ مُجَرَّدُ حُصُولِهِ كَالسَّعْيِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي هَذِهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ ، أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ ، أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ جِهَةِ التَّحَرِّي إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ .
وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْفَسَادِ هُوَ التَّحَرِّي أَوْ اعْتِقَادُ الْفَسَادِ عَنْ التَّحَرِّي ، فَإِذَا حَكَمَ بِالْفَسَادِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ

لَزِمَ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ تَرْكِ التَّحَرِّي فَكَانَ ثُبُوتُ الْفَسَادِ فِيهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ الْفَسَادَ مُؤَاخَذَةً بِاعْتِقَادِهِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَحَرٍّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ : تَحَرَّى فَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ قِيلَ يُؤَخِّرُ ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ ، وَقِيلَ يُخَيِّرُ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا اشْتَبَهَ ، فَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ إلَى جِهَةٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ ، إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى ذَهَبَ عَنْ الْمَوْضِعِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي ) فَيَتْرُكُ بِهِ التَّحَرِّيَ ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْمُسْتَخْبَرُ حِينَ سَأَلَهُ فَصَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ أَخْبَرَهُ لَا يُعِيدُ لَوْ كَانَ مُخْطِئًا ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ : تَحَرَّى فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَإِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى .
وَلَوْ كَانَ شُرُوعُ الْكُلِّ بِالتَّحَرِّي وَفِيهِمْ مَسْبُوقٌ وَلَاحِقٌ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَا إلَى الْقَضَاءِ فَظَهَرَ لَهُمَا خِلَافُ مَا كَانُوا رَأَوْا أَمْكَنَ الْمَسْبُوقُ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ هُنَا بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ اللَّاحِقِ ، كَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ .
وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا هُوَ مَا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ { كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ {

فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } } ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ .
وَعَنْ جَابِرٍ { كُنَّا فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ فَتَحَيَّرْنَا فِي الْقِبْلَةِ ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِدَةٍ ، وَجَعَلَ أَحَدُنَا يَحُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فَإِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ أُجِيزَتْ صَلَاتُكُمْ } ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى : أَلَّا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَيَقُّنَ الْخَطَأِ ثَابِتٌ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى جِهَةِ الْيَمْنَةِ وَالْيَسْرَةِ ، فَجَعْلُهُ الْمَدَارِ يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا نَعَمْ فِي الِاسْتِدْبَارِ تَمَامُ الْبُعْدِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ .
وَالْوَجْهُ الَّذِي يَظْهَرُ مُؤْثِرًا تَرْكَ الْجِهَةِ اسْتِدْبَارًا أَوْ غَيْرَهُ ، فَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَقُولَ بِشُمُولِ الْعَدَمِ ، هَذَا .
وَقَدْ قَاسَ عَلَى ظُهُورِ نَجَاسَةِ ثَوْبٍ صَلَّى فِيهِ أَوْ مَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ حَيْثُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ اتِّفَاقًا .
وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّوَابِ بِالِاسْتِقْصَاءِ ثَمَّةَ نَظَرًا إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قِيَامُ إحْسَاسِهِ بِهِمَا وَإِمْكَانُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي صَوْنِهِمَا ، أَمَّا هُنَا فَالدَّلِيلُ هُوَ رُؤْيَةُ النَّجْمِ مُنْعَدِمٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِصَابَةُ عَنْ الدَّلِيلِ فَلَمْ يَتَّجِهْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ نِسْبَتُهُ إلَى تَقْصِيرٍ ،

بِخِلَافِ صُورَةِ قِيَامِ الدَّلِيلِ .
وَأَيْضًا الْقِبْلَةُ قَبِلَتْ التَّحَوُّلَ شَرْعًا مِنْ الشَّامِ إلَى الْكَعْبَةِ عَيْنِهَا ثُمَّ جِهَتِهَا ثُمَّ جِهَةِ التَّحَرِّي عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَبُولُهُمَا التَّحَوُّلَ شَرْعًا ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ( فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ : التَّحْرِيمَةُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } وَالْمُرَادُ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ ، ( وَالْقِيَامُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } .
( وَالْقِرَاءَةُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } ( وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } ( وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ } عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ .

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ) شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قَبْلَ الصِّفَةِ .
وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ ، وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِهِ ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْوَصْفَ لُغَةً ذِكْرُ مَا فِي الْمَوْصُوفِ مِنْ الصِّفَةِ ، وَالصِّفَةُ هِيَ مَا فِيهِ ، وَلَا يُنْكِرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ ، وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرُ وَصَفَهُ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ ، ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهُوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْجُزْئِيِّ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .
( قَوْلُهُ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ ) لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ إنْ اعْتَبَرَ آحَادَ الْفَرَائِضِ فَرِيضَةً لَمْ تَجُزْ التَّاءُ فِي عَدَدِهِ ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فَرْضًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَمْعُهُ لِأَنَّ فَعَائِلَ إنَّمَا تَطَّرِدُ فِي كُلِّ رُبَاعِيٍّ ثَالِثُهُ مَدَّةٌ ، مُؤَنَّثٍ بِالتَّاءِ ، كَسَحَابَةٍ وَصَحِيفَةٍ وَحَلُوبَةٍ ، أَوْ بِالْمَعْنَى كَشِمَالٍ وَعَجُوزٍ وَسَعِيدٍ عَلَمُ امْرَأَةٍ .
وَأَمَّا جَعْلُهُ فَرِيضَةً عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْفَرْضِ أُدْخِلَتْ التَّاءُ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالُهَا بِتَأْوِيلِ الْمَكَانِ فَهُوَ تَصَرُّفٌ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ ، بَلْ إنَّمَا لَنَا أَنْ نُؤَوِّلَ الْوَارِدَ عَنْهُمْ مُخَالِفًا لِجَادَّتِهِمْ وَلِذَا لَمْ يُورِدْ أَهْلُ الشَّأْنِ هَذَا الْبَيْتَ إلَّا مِثَالًا لِلشُّذُوذِ ، وَغَيْرَ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْوَاقِعَ بِمَا ذَكَرُوا لَا أَنَّهُ أَعْطَاهُ ضَابِطَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ لِمَنْ شَاءَ قَوْلُهُ { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } وَكَذَا { وَقُومُوا لِلَّهِ } وَاقْرَءُوا { وَارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } أَوَامِرُ وَمُقْتَضَاهَا الِافْتِرَاضُ ، وَلَمْ تُفْرَضْ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الِافْتِرَاضُ الْوَاقِعُ فِي الصَّلَاةِ إعْمَالًا لِلنُّصُوصِ فِي حَقِيقَتِهَا حَيْثُ أَمْكَنَ ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ { مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ

الطَّهُورُ ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَحْكَامِهِ ، وَالْإِسْنَادُ فِيهِ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ نَفْسَ التَّكْبِيرِ ، بَلْ بِهِ يَثْبُتُ ، أَوْ يُجْعَلُ مَجَازًا لُغَوِيًّا بِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ فِيمَا بِهِ أَيْ مَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ ، وَمِثْلُهُ فِي تَحْلِيلِهَا التَّسْلِيمُ .
وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ وُجُوبُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الصَّلَاةِ ، وَهُوَ لَا يَنْفِي إجْمَالَ الصَّلَاةِ ، إذْ الْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ ، بَقِيَ كَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِهَا فِي الْأَدَاءِ وَهَلْ الصَّلَاةُ هَذِهِ فَقَطْ أَوْ مَعَ أُمُورٍ أُخَرَ ، وَقَعَ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ ، وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْهَا قَطُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَالْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ مَرَّةٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ ، فَإِذَا وَقَعَتْ بَيَانًا لِلْفَرْضِ : أَعْنِي الصَّلَاةَ الْمُجْمَلَ كَانَ مُتَعَلِّقُهَا فَرْضًا بِالضَّرُورَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ لَكَانَ فَرْضًا ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَهُوَ نَسْخٌ لِلْقَاطِعِ بِالظَّنِّيِّ لَكَانَا فَرْضَيْنِ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَعُدْ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى لَمَا تَرَكَهَا سَاهِيًا ثُمَّ عَلِمَ لَكَانَتْ فَرْضًا ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ عُرِفَ بِتِلْكَ النُّصُوصِ وَلَا إجْمَالَ فِيهَا ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفِي الْإِجْمَالَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَمَا تَعَلَّقَ بِالْأَفْعَالِ نَفْسِهَا لَا يَكُونُ بَيَانًا ، فَإِنْ كَانَ نَاسِخًا لِلْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ نُسِخَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ وَهُوَ أَدْرَى بِالْمُرَادِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا لَمْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ الْقَطْعِيَّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي قَضِيَّةِ

الْعَقْلِ ، وَعَمَّا ذَكَرْنَا كَانَ تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضًا لِأَنَّهُ بَيْنَهَا كَذَلِكَ وَسَيَرِدُ عَلَيْك تَفَاصِيلُ هَذَا الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ إلَخْ ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ لَا أَنَّهُ مَعْنَى اللَّفْظِ : يَعْنِي لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَعْدَةِ كَانَ الْمُرَادُ إذَا قُلْت هَذَا وَأَنْتَ قَاعِدٌ أَوْ فَعَلْت هَذَا قَائِلًا أَوْ غَيْرَ قَائِلٍ تَمَّتْ ، فَلَوْ تَمَّ هَذَا سَنَدًا وَمَتْنًا كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ عَيْنًا مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ فَرْضِيَّتِهَا بِمَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ جُزْءَ الْمُثْبَتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إثْبَاتٌ أَصْلًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ إثْبَاتِهِ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ فَكَيْفَ وَلَمْ يَتِمَّ ، فَإِنَّ الَّذِي فِي أَبِي دَاوُد { إذَا قُلْتَ هَذَا وَقَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ } وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِهِمَا فَإِذَا اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمُبَيَّنِ كَانَا فَرْضَيْنِ ، نَعَمْ هُوَ بِلَفْظِ " أَوْ فَعَلْت هَذَا " فِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ ، فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَوَجَبَ حَمْلُ أَوْ عَلَى مَعْنَى الْوَاوِ لِيُوَافِقَ الْمَرْفُوعَ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَكْسِ فِيمَا أَظُنُّ فَكَيْفَ وَقَدْ بَيَّنَ الْإِدْرَاجَ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَفَصَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا .
قَالَ النَّوَوِيُّ : اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ .
وَالْحَقُّ أَنَّ غَايَةَ الْإِدْرَاجِ هُنَا أَنْ تَصِيرُ مَوْقُوفَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَدْرِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَعْدَةِ ، قِيلَ قَدْرُ مَا يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ

قَدْرُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى " عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ ، وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ .
وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ ، فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجَ ، هَذَا ، وَقَدْ عُدَّ مِنْ الْفَرَائِضِ إتْمَامُهَا وَالِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ قِيلَ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ يُوجِبُ ذَلِكَ إذْ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ إتْمَامِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْأَمْرَيْنِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَعْدَةَ فَرْضٌ غَيْرُ رُكْنٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا شَرْعًا لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَيُعْلَمُ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَلَيْسَ الْقُعُودُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ .
ثُمَّ الرُّكْنُ يَنْقَسِمُ إلَى أَصْلِيٍّ وَزَائِدٍ وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ تَسْقُطُ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ وَعَنْ الْمُدْرِكِ فِي الرُّكُوعِ مَثَلًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ

قَالَ ( وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ ، وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ ، وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَالْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً فِي الْكِتَابِ لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ .

( قَوْلُهُ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ ) أَرَادَ بِهِ مَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ ، فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ ، أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ ، وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا كَالرَّكَعَاتِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ .
وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَجَمِيعُ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّهَا أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمُفْسِدِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ لِلتِّلَاوَةِ فَعَلَهَا وَأَعَادَ الْقَعْدَةَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَكَذَا إذَا تَذَكَّرَ رُكُوعًا قَضَاهُ وَقَضَى مَا بَعْدَ السُّجُودِ أَوْ قِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً صَلَّى رَكْعَةً تَامَّةً ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ ، وَلِذَا قُلْنَا آنِفًا فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَحْدَهُ إنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً تَامَّةً .
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ : التَّرْتِيبُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ : يَعْنِي الرَّكَعَاتِ أَوْ يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، وَبَيْنَ مَا يَتَعَدَّدُ فِي رَكْعَةٍ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ بَيْنَ السُّجُودِ وَالْمُتَّحَدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْصِيلٌ إذَا كَانَ سُجُودَ ذَلِكَ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَا رُكُوعًا وَسُجُودًا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا مِنْ رَكْعَةٍ وَسُجُودًا مِنْ أُخْرَى بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي سَجْدَةٍ رُكُوعَ رَكْعَةٍ قَبْلَ هَذِهِ السَّجْدَةِ قَضَى الرُّكُوعَ مَعَ سَجْدَتَيْهِ ، وَعَلَى قَلْبِهِ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا سَجَدَهَا وَهَلْ يُعِيدُ

الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَتُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَيْنَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ .
وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ ارْتَفَضَ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَقْبَلُ الرَّفْضَ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَقْضِيهَا وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَمَّ بِالرَّفْعِ لَا يَقْبَلُ الرَّفْضَ ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي إعَادَتِهَا لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ ، بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ هَلْ يُرْتَفَضُ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ لَا .
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَبِي الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْكَعْ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ أَوَّلًا ثُمَّ قَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ سَجَدَ أَوَّلًا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ وَرَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْأُولَى وَتَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ ، قِيلَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا كَمَا سَيَذْكُرُ ، لَكِنْ قَدْ نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ سُنِّيَّةُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَمَعَ ذَلِكَ ذَكَرَهَا فَلَيْسَ الصَّارِفُ حِينَئِذٍ ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ اخْتَارَ هُنَا سُنِّيَّتَهُمَا ثُمَّ تَبَدَّلَ رَأْيُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَاخْتَارَ وُجُوبَ الْقَعْدَةِ ، وَبَقِيَ مِنْ

الْوَاجِبَاتِ بَعْدَ هَذَا إصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ ، وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلَيْ الْفَرْضِ ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ حَصَرَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَتَرَكَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ ، وَلَا تَبَدَّلَ رَأْيُهُ بَلْ إنَّهُ قَصَدَ إعْطَاءَ نَظَائِرَ لَا عَلَى الْحَصْرِ وَلِذَا أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرَةِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ ( قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ، وَكَذَا فِي السَّلَامِ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ ، وَمَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ لَا عَلَيْهَا ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ وَالِاسْتِحْسَانُ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَهُوَ أَنَّهَا تُضَافُ إلَى كُلِّ الصَّلَاةِ نَحْوُ قُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَشَهُّدِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مِنْ خَصَائِصِهَا ، بِخِلَافِ نَحْوِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ .
وَقَدْ يُقَالُ الِاخْتِصَاصُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْإِضَافَةِ إنَّمَا يُعْطَى أَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ شَرْعًا ، وَكَوْنُ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ مَحَلُّ نَظَرٍ .
فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ فِي وُجُوبِهَا بِالْمُوَاظَبَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ فِي التَّشَهُّدِ لِلنِّسْيَانِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِالْمُبَيَّنِ : أَعْنِي الصَّلَاةَ لِتَكُونَ فَرْضًا ، أَمَّا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَلِأَنَّ أَصْلَهُمَا بِظَنِّيٍّ فَلَا تَكُونُ الْمُوَاظَبَةُ فِيهَا مُحْتَاجَةً إلَى الِاقْتِرَانِ بِالتَّرْكِ لِيَثْبُتَ بِهِ الْوُجُوبُ ، وَالْمُوَاظَبَةُ فِي السَّلَامِ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ } فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَيَانًا لِمَا تَقَرَّرَ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً إلَخْ ) يَعْنِي أُرِيدَ بِلَفْظِ السُّنَّةِ مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَاجِبَاتُ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي مَحَلَّيْنِ عَلَى رَأْيِ

الْعِرَاقِيِّينَ

قَالَ ( وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ ) لِمَا تَلَوْنَا ، وَقَالَ .
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ } وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَا التَّطَوُّعَ عِنْدَنَا .
وَهُوَ يَقُولُ : إنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ .
وَلَنَا أَنَّهُ عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ ، وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ كَتَكَرُّرِ الْأَرْكَانِ ، وَمُرَاعَاةِ الشَّرَائِطِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقِيَامِ

( قَوْلُهُ وَإِذَا شَرَعَ كَبَّرَ ) أَيْ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ كَبَّرَ ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ سَابِقٌ عَلَى الشُّرُوعِ ، فَلَفْظُ الشُّرُوعِ فِي إرَادَتِهِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ لَا الْمُسَبِّبِ فِي السَّبَبِ لِمَا أَسْفَلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْمُرَادُ ، وَاللُّزُومُ الْمُجَوِّزُ لِلتَّجَوُّزِ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ ، وَفِي الْجُمْلَةِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا ) عَلَى الْقَادِرِ .
وَفِي الْمُحِيطِ : الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا انْتَهَى .
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ عِنْدَنَا الْوَاجِبَ حَرَكَةٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا قَائِمًا ، وَلَوْ حَبَا إلَى الْإِمَامِ فَكَبَّرَ مُنْحَنِيًا ، إنْ كَانَ الْقِيَامُ إلَى أَقْرَبَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَوْ مَدَّةُ فَفَرَغَ الْإِمَامُ قَبْلَهُ أَوْ كَبَّرَ قَبْلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ جَازَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ النَّفَلَ ) وَكَذَا بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ ، وَمُقْتَضَى كَوْنِ هَذَا ثَمَرَةً كَوْنُهُ شَرْطًا أَنْ يَجُوزَ أَيْضًا بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ وَعَلَى النَّفْلِ .
وَقَدْ رُوِيَ إجَازَةُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ وَمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ شَرْطًا ، وَجَوَازِ مَا ذُكِرَ أَصْلُهُ النِّيَّةُ شَرْطٌ ، وَلَا تَجُوزُ صَلَاتَانِ بِنِيَّةٍ وَالْوُضُوءُ شَرْطٌ وَكَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ : نَعَمْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ : إنْ شُرِطَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ ، وَالْأَصَحُّ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الْفَرْضِ وَعَلَى النَّفْلِ ، وَلَا جَوَابَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ ، وَصِحَّةِ النَّفْلِ تَبَعًا ( قَوْلُهُ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ ) مِنْ السَّتْرِ

وَالِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ عَطَفَ الصَّلَاةَ ) يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ ، فَلَوْ كَانَتْ رُكْنًا لَعُطِفَ عَلَى نَفْسِهِ .
فَإِنَّ الْحَاصِلَ حِينَئِذٍ فَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ وَقَامَ وَقَرَأَ إلَخْ ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْنَى صَلَّى ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ عَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ، فَإِنَّ اللَّازِمَ وَاحِدٌ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّ عَطْفَ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنْ جَوَازُهُ لِنُكْتَةٍ بَلَاغِيَّةٍ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ هُنَا ، فَلَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ التَّحْرِيمُ مِنْ الصَّلَاةِ فَهِيَ شَرْطٌ وَبِهَذَا يَتِمُّ الْوَجْهُ .
وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ إلَخْ زِيَادَةٌ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ صِحَّتِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّكْنِيَّةِ التَّكَرُّرُ كَالْقَعْدَةِ ( قَوْلُهُ وَمُرَاعَاةِ الشَّرَائِطِ إلَخْ ) يَتَضَمَّنُ مَنْعُ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لَهَا فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا بَلْ هُوَ لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَا لِنَفْسِهَا .
وَلِذَا قُلْنَا : لَوْ تَحَرَّمَ حَامِلُ نَجَاسَةٍ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ أَوْ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ أَوْ مُنْحَرِفًا فَأَلْقَاهَا وَاسْتَتَرَ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ وَظَهَرَ الزَّوَالُ وَاسْتَقْبَلَ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ التَّحْرِيمَةِ جَازَ ، وَذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ انْتَهَى .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْفُرُوعُ

( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ ) { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهِ } ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ ( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ } وَلَنَا رِوَايَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ { أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ } وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ وَهُوَ بِمَا قُلْنَاهُ ، وَمَا رَوَاهُ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ ( وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا

( قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ ) أَثْبَتَهُ بِالْمُوَاظَبَةِ ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ ، لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَامِلِ الْوُجُوبِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ .
عَلَى أَنَّهُ حَكَى فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا فِي تَرْكِهِ ، قِيلَ يَأْثَمُ وَقِيلَ لَا .
قَالَ : وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا انْتَهَى .
وَيَنْبَغِي أَنْ نَجْعَلَ شِقَّيْ هَذَا الْقَوْلِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ حِينَئِذٍ وَلَا إثْمَ لِنَفْسِ التَّرْكِ بَلْ لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ لِلِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ أَوْ يَكُونُ وَاجِبًا ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) قَوْلًا ( وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ ) فِعْلًا ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ ) عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ( قَوْلُهُ وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِيجَابِ ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَاكَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَدَّعِ لُزُومَهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ هَكَذَا حِكْمَةُ شَرْعِيَّةِ هَذَا الرَّفْعُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ لِيَحْصُلَ مِنْ النَّفْيِ الْفِعْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْقَوْلِيِّ حَصْرُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ ، وَالْمَعْهُودُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْحَاصِلِ بِاللَّفْظِ تَقْدِيمُ مُفِيدِ النَّفْيِ ، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ سَبِيلَ الْمَعْهُودِ اسْتِحْسَانًا لَا لُزُومًا : وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي وَجْهِ أَوْلَوِيَّةِ هَذَا .
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْشُرَ أَصَابِعَهُ فِي الرَّفْعِ غَيْرَ مُتَكَلِّفٍ فِي ضَمِّهَا وَتَفْرِيجِهَا وَاخْتَارَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ سَمْعٌ وَإِلَّا انْتَظَمَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ } ، قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَكُونُ

أَوْلَى ، لَكِنْ قَدْ وُجِدَ فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ } وَهُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ قِيلَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ ، وَفِيهِ أَيْضًا خُصُوصُ النَّقْلِ ، فَإِنَّ رِوَايَةَ أَنَسٍ صَرِيحَةٌ فِيهِ كَمَا سَتَسْمَعُ ، وَرِوَايَةُ أَبِي وَائِلٍ وَالْبَرَاءِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ ، وَحِينَئِذٍ فَفِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُؤْنَسُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ ، وَيَتَرَجَّحُ مِنْ بَيْنِ أَفْعَالِهِ هَذِهِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ ) وَبِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا ) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ ( قَوْلُهُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ : { أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا ، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ : فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ } ، وَقَدْ أَعَلَّهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ وَجَدَ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ ، فَفَسَدَ لِلْجَهَالَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَحُ فَإِنَّ سِنَّ مُحَمَّدٍ لَا يَحْتَمِلُ مِثْلَ هَذَا ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ هَذَا الْحَدِيثَ سَمَاعًا لِمُحَمَّدٍ مِنْ أَبِي وَائِلٍ إلَّا عَبْدُ الْحَمِيدِ وَهُوَ عِنْدَك ضَعِيفٌ .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَضَرَ أَبَا حُمَيْدٍ وَأَبَا قَتَادَةَ ، وَوَفَاةُ أَبِي قَتَادَةَ قَبْلَ هَذَا قَتَلَ مَعَ عَلِيٍّ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مُتَّصِلٍ عِنْدَنَا انْتَهَى .
عَبْدُ الْحَمِيدِ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ وَالثَّوْرِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ ، مِنْهُمْ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ قَالَ : تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَخِلَافَتُهُ أَوَّلُ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمُدَّتُهَا تِسْعُ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ .
وَأَبُو قَتَادَةَ قِيلَ قُتِلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ .
قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ ، وَأَبُو حُمَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّاعِدِيُّ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَوَفَاةُ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ سِتِّينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ .
فَالْحَاصِلُ تَحَقُّقُ الْخِلَافِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ ، فَإِنَّا لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ كَانَتْ رِوَايَةُ وَائِلٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ مُحَصِّلَاتٍ لِلْمَقْصُودِ ، وَرِوَايَةُ وَائِلٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ } وَرِوَايَةُ أَنَسٍ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، وَيُقَالُ ابْنُ زِيَادٍ ، وَقَدْ ضُعِّفَ مُؤَمَّلٌ بِأَنَّهُ دَفَنَ كُتُبَهُ وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَكَثُرَ خَطَؤُهُ ،

وَيَزِيدُ ضَعَّفَهُ عَلِيٌّ وَيَحْيَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : كَانَ صَدُوقًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ سَاءَ حِفْظُهُ فَكَانَ يَتَلَقَّنُ مَا لُقِّنَ فَوَقَعَتْ الْمَنَاكِيرُ فِي حَدِيثِهِ ، فَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ صَحِيحٌ .
وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لِلْبَيْهَقِيِّ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ } قَالَ أَبُو الْفَرَجِ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَلَا مُعَارَضَةَ ، فَإِنَّ مُحَاذَاةَ الشَّحْمَتَيْنِ بِالْإِبْهَامَيْنِ تُسَوِّغُ حِكَايَةَ مُحَاذَاةِ الْيَدَيْنِ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ ، لِأَنَّ طَرَفَ الْكَفِّ مَعَ الرُّسْغِ يُحَاذِي الْمَنْكِبَ أَوْ يُقَارِبَهُ ، وَالْكَفُّ نَفْسُهُ يُحَاذِي الْأُذُنَ وَالْيَدُ تُقَالُ عَلَى الْكَفِّ إلَى أَعْلَاهَا ، فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَى مُحَاذَاةِ الْإِبْهَامَيْنِ بِالشَّحْمَتَيْنِ وَفَّقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ .
ثُمَّ رَأَيْنَا رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد عَنْ وَائِلٍ صَرِيحَةً فِيهِ قَالَ { إنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ } وَمِمَّا وَفَّقَ بِهِ حَمْلَ مَرْوِيِّهِ عَلَى حَالَةِ الِاشْتِمَالِ بِالْأَكْسِيَةِ فِي الشِّتَاءِ ، فَإِنَّ الْإِبِطَ مَشْغُولٌ بِحِفْظِهَا ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا مُعَارَضَةَ كَمَا أَسْمَعْتُك فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ لِيَدْفَعَ التَّعَارُضَ ، إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْبَيْهَقِيّ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الرَّفْعِ عَنْ التَّكْبِيرِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ ) لَا يَنْفِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ لِجَوَازِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي شَرْعِيَّتِهِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ ،

أَوْ أَنَّ أَصْلَ الرَّفْعِ لِلنَّفْيِ ، وَكَوْنُهُ إلَى الْأُذُنِ لِيَحْصُلَ بِهِ إعْلَامُ الْأَصَمِّ لِتَوْفِيَةِ الرَّفْعِ حِينَئِذٍ وَظُهُورِهِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) هُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَرْفَعُ حِذَاءَ أُذُنَيْهَا

( فَإِنْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ ، أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ .
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّوْقِيفُ .
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الثَّنَاءِ فَقَامَ مَقَامَهُ .
وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْمَعْنَى .
وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ لُغَةً وَهُوَ حَاصِلٌ

( قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا أَوْ خَبَرًا ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ بِلَا زِيَادَةٍ يَصِيرُ شَارِعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا .
وَفِي التَّجْرِيدِ جَعَلَ هَذَا رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْهُ .
أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ الْأَصْلِ اعْتَبَرَ الصِّفَةَ مَعَهُ ، قِيلَ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّكْبِيرِ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظِّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخَبَرِ ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَظْهَرُ فِي حَائِضٍ طَهُرَتْ وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ فَقَطْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا .
أَمَّا لَوْ قَالَ الْكَبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ فَقَطْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ .
وَعَنْ هَذَا قَالَ الْفُضَيْلِيُّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا وَبِالرَّحِيمِ لَا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ ، ثُمَّ هَلْ يُكْرَهُ الِافْتِتَاحُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ عِنْدَهُ ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي التُّحْفَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَهَذَا أَوْلَى ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( قَوْلُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَخْ ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْجَلَالَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، فَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِلَازِمٍ ، بَلْ لَوْ قَالَ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ الْكِبَارُ جَازَ عِنْدَهُ أَيْضًا ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ ) مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيُسْبِغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيَقْرَأَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ أَفْعَلَ

وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ ) لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِأَكْبَرُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي صِفَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْمُشَارَكَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي أَصْلِ الْكِبْرِيَاءِ فَكَانَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى فَعِيلٍ ، لَكِنْ فِي الْمُغْرِبِ اللَّهُ أَكْبَرُ : أَيْ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَتَفْسِيرُهُمْ إيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ .
وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ " كَبِيرٌ وَأَكْبَرُ " وَاحِدًا فِي صِفَاتِهِ ، الْمُرَادُ مِنْ الْكَبِيرِ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَيْسَ بِكَبِيرٍ ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِأَكْبَرُ ( قَوْلُهُ إنَّ التَّكْبِيرَ ) أَيْ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ } مَعْنَاهُ التَّعْظِيمُ ، وَهُوَ أَيْضًا الْمَذْكُورُ فِيمَا رَوَى مَالِكٌ أَوَّلَ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِتَكْبِيرِ الِافْتِتَاحِ ، فَكَانَ الْمَطْلُوبُ بِلَفْظِ النَّصِّ التَّعْظِيمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ خُصُوصِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَغَيْرُهُ وَلَا إجْمَالَ فِيهِ ، وَالثَّابِتُ بِالْخَبَرِ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ لِمَنْ يُحْسِنُهُ تَرْكُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّعْدِيلِ ، كَذَا فِي الْكَافِي ، وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَهُ ظَاهِرًا وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا

( فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا : لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ ) أَمَّا الْكَلَامُ فِي الِافْتِتَاحِ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا .
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْعَجْزِ يُكْتَفَى بِالْمَعْنَى كَالْإِيمَاءِ ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ ، وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا تَلَوْنَا ، وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالْخِلَافُ فِي الِاعْتِدَادِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا فَسَادَ ، وَيُرْوَى رُجُوعُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ، وَالْخُطْبَةُ وَالتَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ، وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ

( قَوْلُهُ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ ) فَيَجُوزُ عِنْدَهُ بِكُلِّ مَا أَفَادَ التَّعْظِيمَ : بَعْدَ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا ، وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ بِهَا الِافْتِتَاحُ .
وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ بِهَا الْجَوَازُ بِغَيْرِهَا وَهُوَ يَقُولُ الذِّكْرُ الْمُفِيدُ لِلتَّعْظِيمِ يَحْصُلُ بخداى بزركست كَمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ الْوَاجِبُ ( قَوْلُهُ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } وَغَيْرَهُ ، فَالْفَرْضُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَهُوَ عَرَبِيٌّ فَالْفَرْضُ الْعَرَبِيُّ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ أَخْذِ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَفْهُومِ الْقُرْآنِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا } .
فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتُهُ قُرْآنًا أَيْضًا لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا .
وَالْحَقُّ أَنَّ قُرْآنًا الْمُنَكَّرَ لَمْ يُعْهَدْ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَقْرُوءٍ .
أَمَّا الْقُرْآنُ بِاللَّامِ فَالْمَفْهُومُ مِنْهُ الْعَرَبِيُّ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَإِنْ أُطْلِقَ الْمَعْنَى الْمُجَرَّدُ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ أَيْضًا الْمُنَافِي لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ ، وَالْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } الثَّانِي .
فَإِنْ قِيلَ النَّظْمُ مَقْصُودٌ لِلْإِعْجَازِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهَا الْمُنَاجَاةُ لَا الْإِعْجَازُ فَلَا يَكُونُ النَّظْمُ لَازِمًا فِيهَا ، تَسَلَّطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ النَّصَّ طَلَبٌ بِالْعَرَبِيِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُجِيزُهُ بِغَيْرِهَا ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَتَعَلَّقَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي شَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآتِي بِالنَّظْمِ الْمُعْجِزِ بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ الْمُعْجِزِ بِعَيْنِهِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ تَعَالَى فَلِذَا كَانَ الْحَقُّ رُجُوعَهُ إلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ (

قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ الْبَرْدَعِيِّ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا فَسَادَ ) مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَالْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ أَنَّهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا .
وَالْوَجْهُ إذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ مِنْ مَكَانِ الْقَصَصِ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ أَنْ يَفْسُدَ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا فَإِنَّمَا تَفْسُدُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ إخْلَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ ، وَلَوْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي .
وَفِيهِ إنْ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا بِهَا يُمْنَعُ وَإِنْ فَعَلَ فِي آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ لَا ، فَإِنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَ كُلِّ حَرْفٍ وَتَرْجَمَتَهُ جَازَ ( قَوْلُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ) فَعِنْدَهُ يَجُوزُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ( قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ ) فَإِنَّ بِالْمُتَعَارَفِ يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ

( وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي لَا يَجُوزُ ) لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا ، وَلَوْ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ فَقَدْ قِيلَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ ، قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَكَانَ سُؤَالًا .
( قَوْلُهُ وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي ) أَوْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَوْ إنَّا لِلَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ لَا يَكُونُ شَارِعًا لِتَضْمِينِهَا السُّؤَالَ فِي الْمَعْنَى أَوْ صَرِيحًا ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ ) يُفِيدُ الصِّحَّةَ بِ يَا اللَّهُ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي اللَّهُمَّ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ فَقَطْ فَيَجُوزُ أَوْ مَعَ زِيَادَةِ سُؤَالٍ فَلَا يَجُوزُ

قَالَ ( وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ } وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِرْسَالِ ، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَضْعِ عَلَى الصَّدْرِ ، وَلِأَنَّ الْوَضْعَ تَحْتَ السُّرَّةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ، ثُمَّ الِاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يَعْتَمِدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا هُوَ الصَّحِيحُ ، فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا ، بَلْ عَنْ عَلِيٍّ : مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَهَذَا لَفْظُهُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ ، وَفِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَقَطْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ عَلَى مَالِكٍ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ طَلَبُ النَّحْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ طَلَبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ النَّحْرِ ، فَالْمُرَادُ نَحْرُ الْأُضْحِيَّةَ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ لَيْسَ هُوَ حَقِيقَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى النَّحْرِ فَصَارَ الثَّابِتُ هُوَ وَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، وَكَوْنُهُ تَحْتَ السُّرَّةِ أَوْ الصَّدْرِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَدِيثٌ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَيُحَالُ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ وَضْعِهَا حَالَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ فِي الْقِيَامِ وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّاهِدِ مِنْهُ تَحْتَ السُّرَّةِ ، ثُمَّ قِيلَ كَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ ، وَقِيلَ عَلَى الْمِفْصَلِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِالْيُمْنَى رُسْغَ الْيُسْرَى .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ ، وَقِيلَ يَأْخُذُ الرُّسْغَ بِالْإِبْهَامِ وَالْخِنْصَرِ : يَعْنِي وَيَضَعُ الْبَاقِيَ فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْوَضْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) فَلَا يُرْسِلُهُمَا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَضَعَ ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ الْفَضْلِيِّ ؛ يُسَنُّ الْإِرْسَالُ فِي الْجِنَازَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْقَوْمَةِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ مُطْلَقًا .
وَعَنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْفَضْلِيِّ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَالْحَاكِمِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ : السُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الِاعْتِمَادُ مُخَالَفَةً لِلرَّوَافِضِ ، فَإِنَّهُمْ يُرْسِلُونَ وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ

الْمَذْكُورُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءٌ عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ التَّسْمِيعُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا

( ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْلَهُ : إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ ، لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ .
وَلَهُمَا رِوَايَةُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَقَرَأَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ إلَى آخِرِهِ } وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ .
وَقَوْلُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُك لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ .
وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِتَتَّصِلَ بِهِ النِّيَّةُ هُوَ الصَّحِيحُ

( قَوْلُهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ { وَجَّهْتُ وَجْهِي } ) وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْبُدَاءَةِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ( قَوْلُهُ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ ) إذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا تَمَّ الِاسْتِدْلَال وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ التَّوْجِيهُ لَمْ يَتِمَّ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ إفْرَادِهِ وَضَمِّهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ كَانَ يَفْتَتِحُ أَحْيَانًا بِهَذِهِ وَأَحْيَانًا بِذَاكَ فَلَا يُفِيدُ سُنِّيَّةَ الْجَمْعِ .
وَالثَّابِتُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي مُسْلِمٍ مَا ظَاهِرُهُ الْإِفْرَادُ نَسُوقُهُ تَشْرِيفًا لِهَذَا التَّأْلِيفِ ، وَإِعَانَةً عَلَى حِفْظِ أَلْفَاظِ السُّنَّةِ لِيُتَبَرَّكَ بِهَا فِي النَّوَافِلِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ : وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ ، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَك رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي .
وَإِذَا رَفَعَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ .
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي

خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } .
ثُمَّ يَكُونُ آخِرُ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ : { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي } .
فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِرِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ .
وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا رِوَايَةُ أَنَسٍ ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الِاسْتِفْتَاحَ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ ، مَرْفُوعًا إلَّا عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى عُمَرَ ، وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ : الْمَحْفُوظُ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَضَعَّفَاهُ .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ .
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ .
وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ثَلَاثًا ، تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ ، ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ، ثُمَّ يَقْرَأُ } وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
قَالَ

التِّرْمِذِيُّ : وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَقَالَ أَيْضًا : وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُ فِي عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ ا هـ .
وَعَلِيُّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَجَدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَثَّقَهُ وَكِيعُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَكَفَى بِهِمْ ، وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ { الِافْتِتَاحُ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } مَعَ الْجَهْرِ بِهِ لِقَصْدِ تَعْلِيمِ النَّاسِ لِيَقْتَدُوا وَيَأْنَسُوا كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ الْأَمْرِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ الْأَكْثَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ رَفْعُ غَيْرِهِ أَقْوَى عَلَى طَرِيقِ الْمُحَدِّثِينَ ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ هُنَيْهَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْتُ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ أَقُولُ : اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ .
اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ } وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِسُنِّيَّتِهِ عَيْنًا أَحَدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْمَرْفُوعِ أَوْ الْمَرْفُوعَ الْمَرْجُوحَ فِي الثُّبُوتِ عَنْ مَرْفُوعٍ آخَرَ قَدْ يُقَدَّمُ عَلَى عَدِيلِهِ إذَا اقْتَرَنَ بِقَرَائِنَ تُفِيدُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ ) يُؤَيِّدُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ وَالنَّسَائِيُّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ

إذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَجَّهْتُ وَجْهِي } إلَى آخِرِهِ ، فَيَكُونُ مُفَسِّرًا لِمَا فِي غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ الْمُسْتَقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ ( قَوْلُهُ عَلَى التَّهَجُّدِ ) الْمُرَادُ النَّوَافِلُ تَهَجُّدًا وَغَيْرَهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا ، ثُمَّ إذَا قَالَهُ يَقُولُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قِيلَ تَفْسُدُ لِلْكَذِبِ ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ تَالٍ لَا مُخْبِرٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ) وَإِنْ كَانَ رُوِيَ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ لَهُ ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو شُجَاعٍ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنَّ مِنْ أَحَبِّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ، وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك ، وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك ، وَأَبْغَضِ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : اتَّقِ اللَّهَ فَيَقُولُ عَلَيْك نَفْسَك " ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَأْتِي بِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النِّيَّةِ وَعَمِلَ بِالْإِخْبَارِ ، وَقِيلَ لَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِيَتَّصِلَ بِهِ : أَيْ بِالتَّكْبِيرِ النِّيَّةُ ، إذْ الْأَوْلَى فِي النِّيَّةِ قِرَانُهَا بِالتَّكْبِيرِ وَقِرَاءَتُهُ تُوجِبُ فَصْلَهَا ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَنْتَفِي فِي حَقِّ مَنْ اسْتَصْحَبَهَا فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ

( وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } مَعْنَاهُ : إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ ، ثُمَّ التَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ دُونَ الثَّنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْمَسْبُوقُ دُونَ الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ

( قَوْلُهُ وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ إلَخْ ) وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ ، وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَعَطَاءٍ وُجُوبُهُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ كَوْنِهِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فِي الْقِرَاءَةِ صَارِفًا عَنْهُ بَلْ يَصِحُّ شَرْعُ الْوُجُوبِ مَعَهُ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَيَبْعُدُ مِنْهُمَا أَنْ يَبْتَدِعَا قَوْلًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّارِفِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ .
وَقَدْ يُقَالُ : هُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ تَعْلِيمَهُ الصَّلَاةَ بِتَعْلِيمِهِ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ ، أَوْ أَنَّ كَوْنَهَا تُقَالُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ كَانَ ظَاهِرًا فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لَهُ : وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، مَعَ أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ هُوَ الْأَصَحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شِرْعَتَهَا لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ مَرَّتَيْنِ إذَا افْتَتَحَ وَإِذَا قَرَأَ فِيمَا يُقْضَى ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ( قَوْلُهُ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ ) وَغَيْرُ الْمُصَنِّفِ : اخْتَارَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ لِأَنَّ لَفْظَ أَسْتَعِيذُ طَلَبُ الْعَوْذَةِ ، وَقَوْلُهُ أَعُوذُ امْتِثَالٌ مُطَابِقٌ لِمُقْتَضَاهُ ، أَمَّا قُرْبُهُ مِنْ لَفْظِهِ فَمُهْدَرٌ وَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعُوذُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا

( وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) هَكَذَا نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ ( وَيُسِرُّ بِهِمَا ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ ، وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ } .
قُلْنَا : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا } .
ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ .
وَعَنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا احْتِيَاطًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا ، وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ

( قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعٌ إلَخْ ) الرَّابِعُ التَّحْمِيدُ ، وَالْأَرْبَعَةُ رَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالِاسْتِعَاذَةَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ( قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَهَرَ } ) فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ { صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ ، ثُمَّ يَقُولُ إذَا سَلَّمَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ لَا ارْتِيَابَ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْجَهْرِ لِجَوَازِ سَمَاعِ نُعَيْمٍ مَعَ إخْفَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَحَقَّقُ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْإِخْفَاءِ مَعَ قُرْبِ الْمُقْتَدِي ، وَالصَّرِيحُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وَفِي رِوَايَةٍ جَهَرَ قَالَ : قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ بِلَا عِلَّةٍ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَهَذَانِ أَمْثَلُ حَدِيثٍ فِي الْجَهْرِ .
قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ : لَيْسَ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي الْجَهْرِ إلَّا فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَلِذَا أَعْرَضَ أَرْبَابُ الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْمَدُ فَلَمْ يُخَرِّجُوا مِنْهَا شَيْئًا مَعَ اشْتِمَالِ كُتُبِهِمْ عَلَى أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَرَوَيْنَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَهْرِ حَدِيثٌ .
وَعَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ : أَنَّهُ صَنَّفَ بِمِصْرَ كِتَابًا فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فَأَقْسَمَ بَعْضُ

الْمَالِكِيَّةِ لِيُعَرِّفهُ الصَّحِيحَ مِنْهَا ، فَقَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْجَهْرِ حَدِيثٌ .
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ : أَحَادِيثُ الْجَهْرِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبَ .
وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : الْجَهْرُ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَمْ يَجْهَرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَسْمَلَةِ حَتَّى مَاتَ } فَقَدْ تَعَارَضَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ ، إنَّ تَمَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وُقُوعِهِ أَحْيَانًا : يَعْنِي لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّهَا تُقْرَأُ فِيهَا ، وَأَوْجَبَ هَذَا الْحَمْلُ صَرِيحَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ { صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } لَمْ يُرِدْ نَفْسَ الْقِرَاءَةِ بَلْ السَّمَاعَ لِلْإِخْفَاءِ بِدَلِيلِ مَا صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ { فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ ، وَعَنْهُ { صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ يُخْفُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَفِي لَفْظٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وُهَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ .
وَقَالَ

ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَالْحَكَمِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَعْمَشِ وَالزُّهْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَجَهَرَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَنَادَاهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِهَا } ( قَوْلُهُ ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ ( وَعَنْهُ ) وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ ( أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا ) وَجْهُهَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ ، وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا ، وَمُقْتَضَى هَذَا سُنِّيَّتُهَا مَعَ السُّورَةِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ إلَخْ وَوُجُوبُ السُّورَةِ كَالْفَاتِحَةِ

( ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ ) فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا ، وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِمَا .
لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا } وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } .
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا ( وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا } وَلَا مُتَمَسَّكَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ } مِنْ حَيْثُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا قَالَ ( وَيُخْفُونَهَا ) لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ ، وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ .

( قَوْلُهُ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا ) مُنِعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ { مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا } .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَاقْتَصَرَ عَلَى لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ إلَخْ ، وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي سُفْيَانَ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ السَّعْدِيِّ .
وَعَنْهُ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ نُقِلَ عَنْ أَبِي مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ تَضْعِيفُهُ وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ ، وَقَالَ : رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُتُونِ بِأَشْيَاءَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ وَأَسَانِيدُهُ مُسْتَقِيمَةٌ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَعَهَا غَيْرُهَا } وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } فَتَأَمَّلْهُ .
وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، رَوَاهُ الْحَارِثِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْهُ بِسَنَدِهِمَا لَكِنْ فِي الطَّرِيقِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ ضُعِّفَ ، وَفِي طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ، وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ فِيهِ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } ) فِي الصَّحِيحَيْنِ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَفِيهِ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى النِّسَبِ لَا نَفْسِ الْمُفْرَدِ ، وَالْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ مَحْذُوفٌ

فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ صَحِيحَةً فَيُوَافِقُ رَأْيَهُ ، أَوْ كَامِلَةً فَيُخَالِفُهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا اسْتِقْرَارٌ عَامٌّ .
فَالْحَاصِلُ لَا صَلَاةَ كَائِنَةٌ ، وَعَدَمُ الْوُجُودِ شَرْعًا هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ .
بِخِلَافِ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَخْ .
وَلَا صَلَاةَ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْجَبَ كَوْنَ الْمُرَادِ كَوْنًا خَاصًّا : أَيْ كَامِلَةً ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مِنْ حَذْفِ الْخَبَرِ لَا مِنْ وُقُوعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ خَبَرًا ، فَلِذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ إلَى الظَّنِّيَّةِ فِي الثُّبُوتِ ، وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الرُّكْنُ لِأَنَّ لَازِمَهُ نَسْخُ الْإِطْلَاقِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ وَهُوَ لَا يَحِلُّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْفَاتِحَةِ وَلَا تَفْسُدُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُثْبِتُونَ رُكْنِيَّةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَعْنَى الْوُجُوبِ عِنْدَنَا ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا قَطْعًا بَلْ ظَنًّا ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخُصُّونَ الْفَرْضِيَّةَ وَالرُّكْنِيَّةَ بِالْقَطْعِيِّ ، فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : نَقُولُ بِمُوجِبِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ جَوَّزْنَا الزِّيَادَةَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ هُنَا ، فَإِنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِرُكْنِيَّتِهَا وَاقْتِرَاضِهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ وُجُوبًا فَلَا زِيَادَةَ ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مَا تَرْكُهُ مُفْسَدٌ وَهُوَ الرُّكْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَاطِعٍ أَوْ لَا ، فَقَالُوا لَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُجْمَلٌ مُشْكَلٌ ، فَكُلُّ خَبَرٍ بَيَّنَ فِيهَا أَمْرًا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَاهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْحَقِيقَةِ يُوجِبُ الرُّكْنِيَّةَ ، وَقُلْنَا بَلْ يَلْزَمُ فِي كُلِّ مَا أَصْلُهُ قَطْعِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ سِوَى جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ ، فَإِذَا كَانَتْ قَطْعِيَّةً يَلْزَمُ فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ قَطْعِيَّتُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا إيَّاهَا مَعَ الْآخَرِ ،

بِخِلَافِ مَا أَصْلُهُ ظَنِّيٌّ فَإِنَّ ثُبُوتَ أَرْكَانِهِ الَّتِي هِيَ هُوَ يَكُونُ بِظَنِّيٍّ بِلَا إشْكَالٍ ، وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا لَمْ يُقْطَعْ بِهِ فَالْفَسَادُ بِتَرْكِهِ مَظْنُونٌ وَالصِّحَّةُ الْقَائِمَةُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ قَطْعِيَّةٌ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَإِلَّا أَبْطَلَ الظَّنِّيُّ الْقَطْعِيَّ ( قَوْلُهُ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا ) عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ سُورَةً أَوْ لَا نَظَرًا إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ وَمَعَهَا غَيْرُهَا .
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ : ثُبُوتُ الْوُجُوبِ بِهَذَا الظَّنِّيِّ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَخَفَّ صَلَاتَهُ لَمَّا عَلَّمَهُ { فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ لَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ ، فَلَوْ كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ لَنَصَّ عَلَيْهِمَا لَهُ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَهُمَا كَانَ ظَاهِرًا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِ الْأَعْرَابِيِّ حِفْظُهُ لَهُمَا فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ } أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا مَعَك الْفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ الْفَاتِحَةُ فَالْمَقْصُودُ مَا تَيَسَّرَ بَعْدَهَا لِظُهُورِ لُزُومِهَا .
وَفِي أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ { إذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ } وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا قَالَ فِيهَا { فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ ، ثُمَّ اقْرَأْ وَكَبِّرْ ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهِ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ } فَالْأَوْلَى فِي الْجَمْعِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ : أَيْ فَإِنْ كَانَ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِلَّا فَكَبِّرْهُ إلَخْ ، وَإِنْ كَانَ مَعَك فَاقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ

اللَّهُ ، ثُمَّ إنَّ الرُّوَاةَ رَوَوْا بِالْمَعْنَى مَعَ اقْتِصَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضِ الْجُمَلِ الْمَنْقُولَةِ فَتَأَمَّلْهُ ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ ( قَوْلُهُ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي السَّرِيَّةِ إذَا سَمِعَهُ أَوْ فِي الْجَهْرِيَّةِ ، وَفِي السَّرِيَّةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقُولُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ .
وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤَمِّنُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ { إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَبِهِ يَثْبُتُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ تَأْمِينُهُ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لَمْ يُسَقْ لَهُ النَّصُّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ : أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا ، وَهِيَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ .
وَحَدِيثُ الْقِسْمَةِ فِي الصَّحِيحِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ، وَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ } ( قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ) الْمُتَقَدِّمِ ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَ { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ آمِينَ وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ الْعَنْبَسِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بْنِ حُجْرٌ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ { وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ } فَقَدْ خَالَفَ سُفْيَانُ شُعْبَةَ فِي الرَّفْعِ ، وَفِي أَنَّ حُجْرًا أَبُو الْعَنْبَسِ أَوْ ابْنُ

الْعَنْبَسِ وَفِي عَدَمِ ذِكْرِ عَلْقَمَةَ ، وَفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ قَالَ : إنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ هَلْ سَمِعَ عَلْقَمَةُ مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ : إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ا هـ .
غَيْرَ أَنَّ هَذَا انْقِطَاعٌ إنْ تَمَّ ، وَقَدْ رَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ أَنَّهُ أَحْفَظُ ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعْبَةَ فِي الْحَدِيثِ رَافِعًا صَوْتَهُ .
وَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِخْفَاءُ ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ آمِينَ عَنْ النَّخَعِيِّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَوْ كَانَ إلَيَّ فِي هَذَا شَيْءٌ لَوَفَّقْت بِأَنَّ رِوَايَةَ الْخَفْضِ يُرَادُ بِهَا عَدَمُ الْقَرْعِ الْعَنِيفِ ، وَرِوَايَةَ الْجَهْرِ بِمَعْنَى قَوْلِهَا فِي زِبْرِ الصَّوْتِ وَذَيْلِهِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا فِي ابْنِ مَاجَهْ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلَا { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ } وَارْتِجَاجُهُ إذَا قِيلَ فِي الْيَمِّ فَإِنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ عَنْهُ دَوِيٌّ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْمَسَاجِدِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِقَرْعٍ ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا بِقَرْعٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ ( قَوْلُهُ وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ ) وَفِي التَّجْنِيسِ : تَفْسُدُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَقِيلَ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ : لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ

قَالَ ( ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ { لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ } ( وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفًا ) لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا ، وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ ( وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إذَا رَكَعْتَ فَضَعْ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ } وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْأَخْذِ ، وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ ( وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ ) لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ } ، ( وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا رَكَعَ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَنِّعُهُ ( وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ } أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ

( قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ ) ذَكَرَ لَفْظَهُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمُقَارَنَةِ ، وَلَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِاحْتِمَالِ الْوَاوِ إيَّاهَا وَضِدَّهَا ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْخِلَافِ لَكِنَّ الْخِلَافَ نُقِلَ صَرِيحًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ لَا عِنْدَ الْخَفْضِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ مَعًا لَكِنَّهُ يَجْهَرُ عِنْدَ الرَّفْعِ وَيُخْفِي عِنْدَ الْخَفْضِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِيهِمَا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَةَ الْقِيَامِ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمُقَارَنَةِ هُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا ) فِي الْمَبْسُوطِ : لَوْ مَدَّ أَلِفَ اللَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا ، وَكَذَا لَوْ مَدَّ أَلِفَ أَكْبَرُ أَوْ بَاءَهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا لِأَنَّ أَكْبَارًا جَمْعُ كَبَرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلشَّيْطَانِ ، وَلَوْ مَدَّ هَاءَ اللَّهُ فَهُوَ خَطَأٌ لُغَةً وَكَذَا لَوْ مَدَّ رَاءَهُ ، وَمَدُّ لَامِ " اللَّهُ " صَوَابٌ ، وَجَزْمُ الْهَاءِ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ ( قَوْلُهُ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ) نَاصِبًا سَاقَيْهِ وَإِحْنَاؤُهُمَا شِبْهُ الْقَوْسِ كَمَا تَفْعَلُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إلَيْهِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِجَالَ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءَهُمْ قَدْ أَتْحَفُوكَ وَلَمْ أَجِدْ مَا أُتْحِفُكَ إلَّا ابْنِي هَذَا فَاقْبَلْهُ مِنِّي يَخْدُمُكَ مَا شِئْتَ ، قَالَ : فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ يَضْرِبْنِي ضَرْبَةً قَطُّ وَلَمْ يَسُبَّنِي وَلَمْ يَعْبِسْ فِي وَجْهِي } فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ إلَى أَنْ قَالَ

فِيهِ : يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا بُنَيَّ إذَا رَكَعْتُ فَضَعْ كَفَّيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ ، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ وَارْفَعْ يَدَيْكَ عَنْ جَنْبَيْكَ } وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ رَكَعَ فَوَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ } وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ .
وَأَمَّا أَثَرُ التَّطْبِيقِ فَمَنْسُوخٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : " صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي وَطَبَّقْت بَيْنَ كَفِّي ثُمَّ وَضَعْتهمَا بَيْنَ فَخِذِي ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ : كُنَّا نَفْعَلُ فَنُهِينَا عَنْهُ ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ إلَّا فِي السُّجُودِ " .
قِيلَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيهِ ، فَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ، فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ } وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْبَرَاءِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ ، وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ } وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِثْلَ حَدِيثِ وَابِصَةَ سَوَاءٌ ( قَوْلُهُ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَنِّعُهُ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَصَحَّحَهُ ، وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ { فَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشَخِّصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ } ( قَوْلُهُ إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَذَلِكَ

أَدْنَاهُ ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ } لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ( قَوْلُهُ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ ) وَأَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مَا يَكْمُلُ بِهِ لُغَةً وَيَصِيرُ جَمْعًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَعْلُومٍ ، وَمُرَادُهُ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ كَمَالُهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحَصِّلُ لِلسُّنَّةِ لَا اللُّغَوِيُّ ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ حَيْثُ أَمْكَنَتْ فِي لَفْظِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُدِّمَ اعْتِبَارُهَا ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ لُغَةً هُوَ أَدْنَى مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ شَرْعًا وَلَا بِدَعَ فِيهِ ، وَلَوْ تَرَكَ التَّسْبِيحَ أَصْلًا أَوْ أَتَى بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كُرِهَ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ أَفْضَلُ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ بِوِتْرٍ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا وَالْقَوْمُ يَمَلُّونَ مِنْ ذَلِكَ

( ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ : رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ، وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ } وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ .
وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ } هَذِهِ قِسْمَةٌ وَأَنَّهَا تُنَافِي الشَّرِكَةَ ، لِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي ، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ ( وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ ) وَإِنْ كَانَ يُرْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالتَّسْمِيعِ وَيُرْوَى بِالتَّحْمِيدِ ، وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى

( قَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) أَيْ قَبِلَ ، يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ زَيْدٍ أَيْ قَبِلَهُ فَهُوَ دُعَاءٌ بِقَبُولِ الْحَمْدِ ( قَوْلُهُ وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ ) وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَذْكُرُ التَّسْمِيعَ .
وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ( قَوْلُهُ { كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ } ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا } الْحَدِيثَ .
وَفِيهِ تَرْجِيحُ مُقَارَنَةِ الِانْتِقَالِ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَأَنَّ التَّسْمِيعَ يُذْكَرُ حَالَةَ الِانْتِقَالِ وَالتَّحْمِيدَ حَالَةَ الْقِيَامِ ، وَعَلَى وَقْفِهِ ذَكَرَ فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَقَالَ فِيهِ : فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّسْمِيعِ حَالَةَ الرَّفْعِ لَا يَأْتِي بِهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ ، وَقِيلَ يَأْتِي بِهِمَا ، ثُمَّ هَذَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْإِشْكَالَ السَّابِقَ فِي الْقَاعِدَةِ : كُلُّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يُسَنُّ فِيهِ الِاعْتِمَادُ وَإِلَّا فَلَا ، فَفِي تَفْرِيعِهِمْ عَلَيْهَا عَدَمُ الِاعْتِمَادِ فِي الْقَوْمَةِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) هَذَا بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُ لِمَالِكٍ فِي عَدَمِ قَوْلِ الْإِمَامِ آمِينَ عِنْدَهُ .
وَلَفْظُهُ فِيهِ { وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ } بِدُونِ ذِكْرِ لَفْظِ الْإِمَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ ثُمَّ الرَّبْطُ بِالضَّمَائِرِ ، وَجْهُ مُنَافَاتِهَا الشَّرِكَةَ أَنَّهُ شَارِعٌ فِي بَيَانِ مَا عَلَى الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُتَابَعَةِ وَقَدْ جَعَلَهُ جُمْلَةَ جَزَاءِ شَرْطِ تَسْمِيعِ الْإِمَامِ ، فَلَوْ شُرِعَ لَهُ التَّسْمِيعُ لَمْ يَكُنْ الْجَزَاءُ لِأَنَّ جَزَاءَ الشَّيْءِ لَيْسَ

عَيْنَهُ ، وَلَبَيَّنَهُ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ ، وَحِينَئِذٍ إنْ أَقَمْنَا رُكْنَ الْمُعَارَضَةِ كَانَ هَذَا أَرْجَحَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ بِخِلَافِ فِعْلِهِ .
وَإِنْ جَمَعْنَا دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ كَانَ بِحَمْلِ الْجَمْعِ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ فِي عُمُومِ صَلَاتِهِ ( قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ } .

.
قَالَ ( ثُمَّ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ ) أَمَّا التَّكْبِيرُ وَالسُّجُودُ فَلِمَا بَيَّنَّا ، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ ، وَكَذَا الْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُفْتَرَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ } قَالَهُ لِأَعْرَابِيٍّ حِينَ أَخَفَّ الصَّلَاةَ .
وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودَ هُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً ، فَتَتَعَلَّق الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا ، وَكَذَا فِي الِانْتِقَالِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ .
وَفِي آخِرِ مَا رُوِيَ تَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ صَلَاةً حَيْثُ قَالَ : وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك ، ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا ، وَكَذَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ .
وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَاجِبَةٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا سَاهِيًا عِنْدَهُ

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَصَلِّ إلَخْ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ، فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ، فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا } وَاسْمُ الْأَعْرَابِيِّ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ ) يَعْنِي الرُّكُوعَ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالنَّصِّ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ ، وَكَذَا السُّجُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } .
وَلَا إجْمَالَ فِيهِمَا لِيَفْتَقِرَ إلَى الْبَيَانِ ، وَمُسَمَّاهُمَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الِانْحِنَاءِ وَوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا يُعَدُّ سُخْرِيَةً مَعَ الِاسْتِقْبَالِ فَخَرَجَ الذَّقَنُ وَالْخَدُّ ، وَالطُّمَأْنِينَةُ دَوَامٌ عَلَى الْفِعْلِ لَا نَفْسُهُ فَهُوَ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ بِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَوَقَّفَ الصِّحَّةُ عَلَيْهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا لِإِطْلَاقِ الْقَاطِعِ بِهِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ يُفِيدُ عَدَمَ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ } .
أَخْرَجَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتُهُ

، فَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ فِيهِ { فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ ، وَإِنْ انْتَقَصْتَ شَيْئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ } وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ تَسْمِيَتُهَا صَلَاةً وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً ، وَعَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ وَصَفَهَا بِالنَّقْصِ ، وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا لِلْفَسَادِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُهَا مُفْسِدًا لَفَسَدَتْ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ ، وَبَعْدَ الْفَسَادِ لَا يَحِلُّ الْمُضِيُّ فِي الصَّلَاةِ ، وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَحِينَئِذٍ وَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ } عَلَى الصَّلَاةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ ، أَوْ الْمَسْنُونَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تُصَلِّ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ ، وَلِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ .
وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ : إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ .
وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ : مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ : تَلْزَمُهُ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي ، وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ ، إلَّا أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ

الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ ) أَيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا : أَيْ بِاتِّفَاقٍ لِلْمَشَايِخِ ، بِخِلَافِ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذِهِ الْفَرَائِضُ لِلْمُوَاظَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيَانًا وَأَنْتَ عَلِمْت حَالَ الطُّمَأْنِينَةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ .
وَلِمَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ ، قَالَ : الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا سَاهِيًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهَا فَرَائِضُ عَلَى الْفَرَائِضِ الْعَمَلِيَّةِ وَهِيَ الْوَاجِبَةُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ .
ثُمَّ وَجْهُ تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ كَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى مُسَمَّى الرُّكْنِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالِاسْتِنَانِ .
وَوَجْهُ تَفْصِيلِ الْكَرْخِيِّ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مُكَمِّلِ الرُّكْنِ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ وَمُكَمِّلِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ : أَعْنِي الِانْتِقَالَ وَذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأَوَّلِ وَاسْتِنَانِ الثَّانِي ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي كُلٍّ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ الْوُجُوبُ

( وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَسَجَدَ وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ } قَالَ ( وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَلِكَ .
قَالَ ( وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا : لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ، وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ } وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ السُّجُودَ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقَنَ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِهِمَا ، وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فِي السُّجُودِ .
قَالَ ( فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ جَازَ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ ، وَيُرْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا ( وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَبْدِ ضَبْعَيْك وَيُرْوَى وَأَبِدّ " مِنْ الْإِبْدَادِ : وَهُوَ الْمَدُّ ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الْإِبْدَاءِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ ( وَيُجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ ) { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ } .
وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي كَيْ لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ (

وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ ، فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ }

( قَوْلُهُ لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ وَصَفَ إلَخْ ) كَوْنُهُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ غَرِيبًا ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ { وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ السُّجُودَ فَسَجَدَ فَادَّعَمَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ وَقَالَ : هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ } صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَوْلُهُ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ إلَخْ ) فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَجَدَ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ } انْتَهَى ، وَمَنْ يَضَعُ كَذَلِكَ تَكُونُ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ فَيُعَارِضُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ } وَنَحْوُهُ فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِأَنَّ فُلَيْحَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْوَاقِعَ فِي مُسْنَدِ الْبُخَارِيِّ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ تَثْبِيتَهُ لَكِنْ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُد وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَالسَّاجِيُّ ، وَقَدْ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ { رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ } وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ ، وَلَفْظُهُ { كَانَتْ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ } وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ { أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ جَبْهَتَهُ إذَا صَلَّى ؟ قَالَ : بَيْنَ كَفَّيْهِ } .
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّهمَا تَيَسَّرَ جَمْعًا لِلْمَرْوِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ هَذَا أَحْيَانًا وَهَذَا أَحْيَانًا إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ أَفْضَلَ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ

الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ كَانَ حَسَنًا ( قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهِ ) يُفِيدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُمَا وَالتِّرْمِذِيُّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّهُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ } وَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ { كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَضَعُ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ } وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّابِقِ فَإِنَّ فِيهِ { ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ } .
( قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) فَإِنْ كَانَ الْأَنْفُ كُرِهَ ، وَإِنْ كَانَ الْجَبْهَةُ فَفِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ ، وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ : وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْأَنْفِ وَحْدَهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِوَضْعِهِمَا إلَّا لِعُذْرٍ .
قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ ، فَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ بِإِجْمَاعِ الثَّلَاثَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَهُ .
وَقَالَا : لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ } وَرِوَايَةُ { وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ } غَيْرُ ضَائِرَةٍ ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ ، وَالْإِشَارَةُ إلَى الْجَبْهَةِ تَقَعُ بِتَقْرِيبِ الْيَدَيْنِ إلَى جِهَةِ

الْأَنْفِ لِلتَّقَارُبِ ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَضْعُ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ لَا مَا لَانَ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى السُّجُودُ وَهُوَ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِالْأَنْفِ ، فَتَوْقِيفُ أَجْزَائِهِ عَلَى وَضْعٍ آخَرَ مَعَهُ زِيَادَةٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ اشْتِهَارِ الْوَجْهِ فِيمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ } ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ { أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ } وَقَوْلُ الْبَزَّارِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ آرَابٍ إلَّا الْعَبَّاسُ مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ وَسَعْدًا قَالَاهُ كَالْعَبَّاسِ فِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ { أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ } وَرُبَّمَا قَالَ { أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ } وَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ } وَزَادَ { أَيُّهَا لَمْ يَضَعْهُ فَقَدْ انْتَقَصَ } وَفِيهِ زِيَادَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّحَّةِ بِتَقْدِيرِ تَرْكِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْآرَابُ : الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا إرْبٌ .
وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ رِوَايَةِ الْوَجْهِ أَوْ الْآرَابِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّةِ رِوَايَةِ الْجَبْهَةِ لِأَنَّهَا أَوَّلًا لَا تُعَارِضُ الْوَجْهَ بَلْ حَاصِلُهَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَجْمُوعَهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ إرَادَةِ الْخَدِّ وَالذَّقَنِ فَكَانَتْ مُبَيِّنَةً لِلْمُرَادِ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ نَفْسُهُ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقٍ وَأَلْفَاظٍ ، مِنْهَا بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ { الْإِنْسَانُ يَسْجُدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ : جَبْهَتِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ } .
فَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْمَذْكُورَةِ الْوُجُوبُ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ ، وَعَلَى هَذَا فَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِمَا لَمْ يُوَافِقْهُ دِرَايَةً وَلَا الْقَوِيُّ مِنْ الرِّوَايَةِ ، هَذَا .
وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُمَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى وُجُوبِ الْجَمْعِ كَانَ أَحْسَنَ إذْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى حَمْلِنَا الْكَرَاهَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَا عَنْ الْأُصُولِ إذْ يَلْزَمُهُمَا الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمَا يُمْنَعَانِ .
[ فُرُوعٌ ] يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَالطُّنْفُسَةِ إنْ وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ الْحَجْمَ لَا ، وَعَلَى الْعَجَلَةِ عَلَى الْأَرْضِ تَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ ، وَعَلَى الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ لَا عَلَى الدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَعَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتُهُ لِلضَّرُورَةِ لَا مَنْ هُوَ فِي غَيْرِهَا أَوْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ ، فَلَوْ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ زَادَ ( قَوْلُهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا ) بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ لَفْظَ أُمِرْت مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ ، وَهُوَ مَعْنَى طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ ثُمَّ هُوَ فِي الْجَبْهَةِ وُجُوبٌ وَفِي غَيْرِهَا مَعَهَا نَدْبٌ ، أَوْ فِي النَّدْبِ بِخُصُوصِهِ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي أُمِرْنَا

وَنُهِينَا يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْوُجُوبِ ، وَالثَّانِيَ فِيهِ وَفِي التَّحْرِيمِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ ، بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِعَيْنِهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ فَقَطْ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَلَا ، إذْ قَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ نُهِيَ نَحْوُ { نُهِيَ عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ } بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ تَحَقُّقِ صِيغَةِ النَّهْيِ وَحَقِيقَتُهَا التَّحْرِيمُ اتِّفَاقًا فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ : أَعْنِي الصِّيغَةَ لَا بِنَفْسِ لَفْظِ نُهِيَ وَأُمِرَ فَيَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْوُجُوبِ ، وَلَيْسَ يَظْهَرُ إلَّا ظُهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ السُّجُودُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَبِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَزْيَنُ فَيَكُونُ سُنَّةً .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا مُحْتَمَلٌ فِي الصَّرْفِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ مَا هُوَ زِينَةُ السُّجُودِ حَتْمًا فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْوُجُوبِ .
نَعَمْ لَا يَكُونُ فَرْضًا كَيْفَ وَالظَّاهِرُ الْمُوَاظَبَةُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
هَذَا وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْأَنْجَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا لَمْ يَضَعْ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُجْزِئُهُ ، وَأَنَّهُ رَدَّ رِوَايَةَ عَدَمِ وُجُوبِ طَهَارَةِ مَكَانِ الرُّكْبَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَى الِافْتِرَاضِ ، وَمَا اخْتَرْته مِنْ الْوُجُوبِ وَلُزُومِ الْإِثْم بِالتَّرْكِ مَعَ الْإِجْزَاءِ كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ أَعْدَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَمَّا افْتِرَاضُ وَضْعِ الْقَدَمِ فَلِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ ، وَيَكْفِيهِ وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ .
وَفِي الْوَجِيزِ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَرْضٌ ، فَإِنْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَازَ وَيُكْرَهُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ ) رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ

فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ : حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْحَافِظُ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا لَاحِقٌ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَيْرُوزَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَنْ أَبِيهِ أَدْهَمَ بْنِ مَنْصُورٍ الْعِجْلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ } وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ } وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ } وَقَدْ ضُعِّفَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ ، وَجَابِرُ الْجُعْفِيُّ كَذَّابٌ .
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ فِي فَوَائِدِهِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ الأنطرطوسي ، حَدَّثَنَا كَيْدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ } وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى عِمَامَتِهِ " وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فَقَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ : كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ

وَيَدَاهُ فِي كُمَّيْهِ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ ، وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْمَدِينِيِّ ، قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ { كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ } وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْحَائِلَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ السُّجُودِ وَلَمْ يَزِدْ مَا نَحْنُ فِيهِ إلَّا بِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهِ ، وَيَمْنَعُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي الْفَسَادِ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الْمَنْقُولَاتِ فَكَيْفَ وَفِيهِ مَا سَمِعْت ، وَإِنْ تُكُلِّمَ فِي بَعْضِهَا كَفَى الْبَعْضُ الْآخَرُ ، وَلَوْ تَمَّ تَضْعِيفُ كُلِّهَا كَانَتْ حَسَنَةً لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ وَكَثْرَتِهَا .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَيْضًا ، وَيَكْفِي مَا نَقَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ يَقْوَى ظَنُّ صِحَّةِ الْمَرْفُوعَاتِ إذْ لَيْسَ مَعْنَى الضَّعِيفِ الْبَاطِلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، بَلْ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَ تَجْوِيزِ كَوْنِهِ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ أَنْ تَقْتَرِنَ قَرِينَةٌ تُحَقِّقُ ذَلِكَ وَإِنَّ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ أَجَادَ فِي هَذَا الْمَتْنِ الْمُعَيَّنِ فَيَحْكُمُ بِهِ ، مَعَ أَنَّ اعْتِبَارَ التَّبَعِيَّةِ فِي الْحَائِلِ يَقْتَضِي عَدَمَ

اعْتِبَارِهِ حَائِلًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَجَدَ بِلَا حَائِلٍ .
وَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِكُمِّهِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِكَفِّهِ .
وَلَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى نَجَاسَةٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ الْمِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ أَصْلُ التَّعْظِيمِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَلْ نِهَايَتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكْنَ فِعْلٌ وُضِعَ لِلتَّعْظِيمِ وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَ مِنْ وَضْعِ الرَّجُلِ الْجَبْهَةَ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَاكِسًا لِغَيْرِهِ عَدُّهُ تَعْظِيمًا : أَيْ تَعْظِيمُ هَذَا فِي الْحَائِلِ التَّابِعِ .
أَمَّا الْحَائِلُ الَّذِي هُوَ بَعْضُهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَصَحَّحَ الْجَوَازَ أَوْ عَلَى فَخِذِهِ .
قِيلَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِعُذْرٍ ، وَقِيلَ يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ لَا يَحِلُّ عِنْدِي نَقْلُهُ كَيْ لَا يَشْتَهِرَ ، وَصَحَّحَ الْجَوَازَ بِعُذْرٍ لَا بِدُونِهِ ، وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا ، لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ وَكَانَ عَدَمُ الْخِلَافِ فِيهِ لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَبْهَةِ .
فِي التَّجْنِيسِ : لَوْ سَجَدَ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ إنْ كَانَ أَكْثَرُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْفَسَادِ عَلَى الْكَفِّ وَالْفَخِذِ ( قَوْلُهُ وَأَبْدِ ضَبْعَيْك ) غَرِيبٌ ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَكْرِيِّ قَالَ : رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي لَا أَتَجَافَى عَنْ الْأَرْضِ بِذِرَاعِي .
فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي لَا تَبْسُطُ بَسْطَ السَّبُعِ وَادَّعِمْ عَلَى رَاحَتَيْك وَأَبْدِ

ضَبْعَيْك ، فَإِنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْك .
وَرَفَعَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ : وَجَافِ عَنْ ضَبْعَيْك ( قَوْلُهُ إذَا سَجَدَ جَافَى ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ : { كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ } وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ بُهَيْمَةٌ ، وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ ، قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَفَتْحُهَا خَطَأٌ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَجَدَ " إلَخْ ) الْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ مَا أَسْلَفْنَاهُ وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ { كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } إلَى أَنْ قَالَ { فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ }

( وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ } أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ بِالْوِتْرِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ } ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى لتَّنْفِيرِ ثُمَّ تَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سُنَّةٌ لِأَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَهُمَا دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يَزِيدُ عَلَى النَّصِّ ( وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا .
قَالَ ( ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ ) لِمَا رَوَيْنَا ( فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ وَسَجَدَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ { ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا } وَلَوْ لَمْ يَسْتَوِ جَالِسًا وَسَجَدَ أُخْرَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَتَحَقَّقُ الثَّانِيَةُ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ } ) غَرِيبٌ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَى النَّصِّ ) عَدَمُ الزِّيَادَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ وَالْمُوَاظَبَةِ ، وَالْأَمْرُ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَقُلْ جَعَلُوهَا يَقْتَضِيهِ إلَّا لِصَارِفٍ ، بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ بِافْتِرَاضِهَا فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا .
وَقِيلَ فِي الصَّارِفِ إنَّهُ عَدَمُ ذِكْرِهَا لِلْأَعْرَابِيِّ عِنْدَ تَعْلِيمِهِ فَيَكُونُ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ ، قَالُوا : وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا وَنَقْصُهَا مِنْ الثَّلَاثِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ( قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ ) رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، وَعَنْهُ : إذَا رَفَعَ قَدْرَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ : إنْ رَفَعَ قَدْرُ مَا يُسَمَّى رَافِعًا جَازَ .
قَالَ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ مُخْتَارُهُ بِأَنَّهُ يُعَدُّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَعْنَى .
وَاخْتِيَارُهَا اخْتِيَارُهَا .
وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ : إذَا رَفَعَ بِحَيْثُ لَا يُشْكَلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ رُفِعَ جَازَ ، فَإِنْ أَرَادَ النَّاظِرُ عَنْ بُعْدٍ فَهُوَ مَعْنَى مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ اعْتِقَادِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَوِ صُلْبُهُ فِي الْجِلْسَةِ وَالْقَوْمَةِ فَهُوَ آثِمٌ لِمَا تَقَدَّمَ

قَالَ ( فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ( وَيَسْتَوِي قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَنْهَضُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ .
وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ } ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قَعْدَةُ اسْتِرَاحَةٍ وَالصَّلَاةُ مَا وُضِعَتْ لَهَا .

( قَوْلُهُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) وَلَكِنْ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ( قَوْلُهُ فَعَلَ ذَلِكَ ) فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ { أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا } ( قَوْلُهُ وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالِدُ بْنُ إيَاسٍ وَيُقَالُ ابْنُ إيَاسٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَكَذَا أَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِهِ .
قَالَ : وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ .
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : وَاَلَّذِي أُعِلَّ بِهِ خَالِدٌ مَوْجُودٌ فِي صَالِحٍ وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى .
وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْتَضِي قُوَّةَ أَصْلِهِ وَإِنْ ضَعُفَ خُصُوصُ هَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ كَذَلِكَ .
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يَجْلِسْ " وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَكَذَا عَنْ عُمَرَ .
وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ " كَانَ عُمَرُ وَعَلِيُّ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ " وَأَخْرَجَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ أَدْرَكْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمْ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ نَهَضَ كَمَا هُوَ وَلَمْ يَجْلِسْ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

يَزِيدَ " أَنَّهُ رَأَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ " فَقَدْ اتَّفَقَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا أَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَدَّ اقْتِفَاءً لِأَثَرِهِ وَأَلْزَمَ لِصُحْبَتِهِ مِنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ .
وَلِذَا كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا سَمِعْته مِنْ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ اعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ } وَالتَّوْفِيقُ أَوْلَى فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ ، وَلِذَا رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تُبَادِرُونِي فِي رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ فَإِنَّ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي إذَا سَجَدْت إنِّي قَدْ بَدَّنْتُ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .
هَذَا وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ ، وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ ، وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ

( وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى ) لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ ( إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ( وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ : تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ ، وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ } وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ .

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ : حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ ، وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ ، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، وَبِجَمْعٍ ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ } وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ : وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ : فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَبِعَرَفَاتٍ ، وَبِجَمْعٍ ، وَفِي الْمَقَامَيْنِ ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ } وَقَالَ : قَالَ شُعْبَةُ : لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا ، فَهُوَ مُرْسَلٌ وَغَيْرُ مَحْفُوظٍ .
قَالَ : وَأَيْضًا فَهُمْ يَعْنِي : أَصْحَابَنَا خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْإِمَامِ : اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ تَفَرُّدِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَتَرْكُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ .
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْهُ بِالْوَقْفِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ، قَالَ الْحَاكِمُ : وَوَكِيعٌ أَثْبَتُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَبِرِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ .
وَقَدْ أَسْنَدَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ : تُرْفَعُ الْأَيْدِي وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ

مِنْهَا لَا تُرْفَعُ إلَّا فِيهَا : وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَا تُرْفَعُ إلَّا فِيهَا صَحِيحًا .
وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالرَّفْعِ فِي غَيْرِهَا كَثِيرًا ، فَمِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ وَدُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا حَاصِلُهُ ، وَأَحْسَنُهَا أَنَّ الْحَصْرَ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِ الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورَةِ ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ } وَجَوَابُهُ الْمُعَارَضَةُ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : { أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ } .
وَفِي لَفْظٍ : { فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ إلَخْ ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَغَيْرُ ضَائِرٍ بَعْدَ مَا ثَبَتَ بِالطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَا .
وَالْقَدْحُ فِي عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ فِي الْهَدْيِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ ، وَفِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَقَالَ : مَاتَ

سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِنُّهُ سِنُّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَمَا الْمَانِعُ حِينَئِذٍ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ عَلْقَمَةَ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى سَمَاعِ النَّخَعِيِّ مِنْهُ ، وَصَرَّحَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَعَلْقَمَةَ ، وَمَا قِيلَ إنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِيهِ عَلَى وَكِيعٍ زِيَادَةُ ثُمَّ لَا يَعُودُ .
نُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ ظَنُّوهُ وَلِذَا نَسَبَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْوَهْمَ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كَالْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : إنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْهُ فَقَالَ : هَذَا خَطَأٌ يُقَالُ وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمَّا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ظَنُّوهَا خَطَأً .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَالِطِ ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَصْلَ رَوَاهُ مَرَّةً بِتَمَامِهِ وَمَرَّةً بَعْضَهُ بِحَسَبِ تَعَلُّقِ الْغَرَضِ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَزِيَادَةُ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ خُصُوصًا وَقَدْ تُوبِعَ عَلَيْهَا ، فَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ .
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ } وَاعْتَرَفَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِتَصْوِيبِ إرْسَالِ إبْرَاهِيمَ إيَّاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَتَضْعِيفِ ابْنِ جَابِرٍ ، وَقَوْلُ الْحَاكِمِ فِيهِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ مِنْ كُلِّ مَنْ يُذَاكِرُهُ فَمَمْنُوعٌ .
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ : الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُتَعَذِّرٌ ، وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ : كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ

عَلَى جَمَاعَةٍ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَوْثَقُ ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْكِبَارِ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْفٍ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي الْمَحَلِّ الرَّفِيعِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ .
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَكَّةَ فِي دَارِ الْحَنَّاطِينَ كَمَا حَكَى ابْنُ عُيَيْنَةَ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : مَا بَالُكُمْ لَا تَرْفَعُونَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ ، فَقَالَ : لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : كَيْفَ لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ } فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ } فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : أُحَدِّثُكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَتَقُولُ حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ ، وَعَلْقَمَةُ لَيْسَ بِدُونٍ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْفِقْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ لِابْنِ عُمَرَ صُحْبَةٌ وَلَهُ فَضْلُ صُحْبَةٍ فَالْأَسْوَدُ لَهُ فَضْلٌ كَثِيرٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ ، فَرَجَّحَ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ كَمَا رَجَّحَ الْأَوْزَاعِيُّ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَنَا .
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ " رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ

تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ " قَالَ : وَرَأَيْت إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيَّ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ ، وَعَارَضَهُ الْحَاكِمُ بِرِوَايَةِ طَاوُسٍ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ " .
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ " وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَاعِدٌ ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ كَذَلِكَ } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّسْخِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَسْخِ الرَّفْعِ عِنْدَ السُّجُودِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآثَارَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالطُّرُقَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَالْكَلَامُ فِيهَا وَاسِعٌ مِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ثُبُوتُ رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّفْعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعَدَمُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ لِقِيَامِ التَّعَارُضِ ، وَيَتَرَجَّحُ مَا صِرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَنَّهُ كَانَتْ أَقْوَالٌ مُبَاحَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَأَفْعَالٌ مِنْ جِنْسِ هَذَا الرَّفْعِ وَقَدْ عُلِمَ نَسْخُهَا ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَيْضًا مَشْمُولًا بِالنَّسْخِ خُصُوصًا وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُعَارِضُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ ، بِخِلَافِ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عُهِدَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ مِنْ جِنْسِ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ مَا أُجْمِعَ عَلَى طَلَبِهِ فِي الصَّلَاةِ : أَعْنِي الْخُشُوعَ ، وَكَذَا

بِأَفْضَلِيَّةِ الرُّوَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْأَوْزَاعِيِّ .
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ : أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ السُّجُودِ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ : لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً أَرَى قَبْلَهَا قَطُّ : أَفَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ حَفِظَ وَلَمْ يَحْفَظُوا .
وَفِي رِوَايَةٍ وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أُحْصِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي بَدْءِ الصَّلَاةِ فَقَطْ ، وَحَكَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ عَالِمٌ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحُدُودِهِ مُتَفَقِّدٌ لِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَازِمٌ لَهُ فِي إقَامَتِهِ وَأَسْفَارِهِ ، وَقَدْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يُحْصَى ، فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ أَوْلَى مِنْ إفْرَادِ مُقَابِلِهِ وَمِنْ الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ( وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ وَتَشَهَّدَ ) يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ ( فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا .

( قَوْلُهُ هَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ ، إلَى أَنْ قَالَتْ : وَكَانَ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى } وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى ( قَوْلُهُ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ ) غَرِيبٌ ، وَاَلَّذِي فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قُلْت : { لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا جَلَسَ : يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ } وَفِي مُسْلِمٍ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى } وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ ، فَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَضْعُ الْكَفِّ ثُمَّ قَبْضُ الْأَصَابِعِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ ، قَالَ : يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَمَالِي ، وَهَذَا فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يُشِيرُ أَصْلًا وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِمُسَبِّحَتَيْهِ .
وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ لَا إلَهَ

وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا

( وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ إلَخْ ) وَهَذَا تَشَهُّدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ { أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ : قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ } إلَخْ ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ ، سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، سَلَامٌ عَلَيْنَا إلَخْ ، لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْدِيدِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْقَسَمِ وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ ( وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ) { لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا ، فَإِذَا كَانَ وَسَطُ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ } .

( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ إلَخْ ) رَوَى السِّتَّةُ ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ : إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إلَخْ } وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ { إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا فَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْمَعْرُوفُ } رِوَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ ) هِيَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ بِالتَّنْكِيرِ ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَمَلِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَصَحَّ التَّرْجِيحُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ .
وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوَاوِ فَلَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ( قَوْلُهُ وَتَأْكِيدُ التَّعْلِيمِ ) يَعْنِي بِهِ أَخْذَهُ بِيَدِهِ لِزِيَادَةِ التَّوْكِيدِ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا نَفْسُ التَّعْلِيمِ فَفِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّ لَفْظَهُ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ } فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فِي التَّخْرِيجِ : وَأَمَّا التَّعْلِيمُ أَيْضًا فَهُوَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَفْعًا لِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّرْجِيحِ لَيْسَ بِوَارِدٍ .
وَمِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ أَيْضًا أَنَّ الْأَئِمَّةَ السِّتَّةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَهُوَ نَادِرٌ ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْدُودٌ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَإِنْ رَوَاهُ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ مِنْ السِّتَّةِ ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَلَوْ فِي أَصْلِهِ ، فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى لَفْظِهِ ، وَلِذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : أَصَحُّ حَدِيثٍ عَنْ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ خُصَيْفٍ قَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ، فَقُلْت لَهُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ ، فَقَالَ : عَلَيْك بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَكَقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَمِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى رَفْعِهِ مُعَاوِيَةَ ، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ : { كَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ } إلَخْ سَوَاءٌ .
وَعَائِشَةُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْهَا قَالَتْ : { هَذَا تَشَهُّدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ } إلَخْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ تَشَهُّدِنَا .
وَسَلْمَانُ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ : سَأَلْت سَلْمَانَ عَنْ التَّشَهُّدِ فَقَالَ : أُعَلِّمُكُمْ كَمَا عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إلَخْ سَوَاءٌ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَخَذَ حَمَّادُ بْنُ سَلْمَانَ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ ، وَقَالَ حَمَّادٌ : أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ : أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَاللَّامِ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي ) رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ إذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ : إلَى قَوْلِهِ : عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ } .
قَالَ : ثُمَّ إنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ يُسَلِّمُ ، وَأَحَادِيثُ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا

( وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
( قَوْلُهُ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ } ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ ، وَهَذَا لَا يَعُمُّ الصَّلَوَاتِ وَاَلَّذِي يَعُمُّهَا مَا فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ { كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِهَا السَّهْوُ

( وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ مُتَوَرِّكًا } ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ
( قَوْلُهُ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَتَكَلَّمَ الْبَيْهَقِيُّ مَعَهُ ، وَانْتَصَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لِلطَّحَاوِيِّ ( قَوْلُهُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ ) فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَارِضِ لَا مَشْرُوعًا أَصْلِيًّا ، وَهُوَ أَوْلَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ

( وَتَشَهَّدَ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَهُوَ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ ، إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ } وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ ، إمَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ ، أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فَكُفِينَا مُؤْنَةَ الْأَمْرِ ، وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ هُوَ التَّقْدِيرُ .

( قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا ) أَيْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ ( قَوْلُهُ لِلْأَمْرِ الْمُقَدَّمِ ) أَيْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ( قَوْلُهُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْفَرَائِضِ عِنْدَهُ ( قَوْلُهُ إذَا قُلْت هَذَا ) تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَنَّ هَذَا الْمُدْرَجَ الْمَوْقُوفَ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ ، وَمَعَ هَذَا نَقُولُ فِي الْجَوَابِ قَدْ أَوْجَبْنَا التَّشَهُّدَ فَخَرَجْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا دَلِيلَ يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ لِنَقُولَ بِهِ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَدْ شَذَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا ، وَشَنَّعَ عَلَيْهِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ ، وَخَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ : لَا أَعْلَمُ لَهُ قُدْوَةً .
وَالتَّشَهُّدَاتُ الْمَرْوِيَّاتُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا ذَلِكَ .
وَمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ } ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ، وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ كَامِلَةً أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ .
وَكَذَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ } ا هـ .
وَهَذَا ضُعِّفَ بِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ } وَفِيهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ ضَعِيفٌ .
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ قَالُوا : حَدِيثُ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً قَدْ تَكَلَّمُوا فِي أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسٍ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } وَفِيهِ الْمَجْهُولُ .
وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَلَمْ يَكْرَهْهُ بَعْضُهُمْ ، وَكُرِهَ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى } وَمُوجِبُ الْأَمْرِ الْقَاطِعِ الِافْتِرَاضُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقُلْنَا بِهِ ( قَوْلُهُ إمَّا مَرَّةً إلَخْ ) ظَاهِرُ السَّوْقِ التَّقَابُلُ بَيْنَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَوْلِ بِالْمَرَّةِ ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَرَّةً مُرَادُ قَائِلِهِ الِافْتِرَاضُ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي أَنَّهُ لَا إكْفَارَ بِجَحْدِ مُقْتَضَاهُ ، بَلْ التَّفْسِيقُ ، بَلْ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ إذَا ذُكِرَ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ .
وَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَجُعِلَ فِي التُّحْفَةِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَصَحَّ ، وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بَعْدَ النَّقْلِ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ التَّقَابُلِ ثُمَّ

التَّرْجِيحِ وَهُوَ بُعْدٌ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ قِيلَ يَكْفِي مَرَّةً وَصَحَّحَ ، وَفِي الْمُجْتَبَى تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكَرُّرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسٍ حَيْثُ يَكْفِي ثَنَاءٌ وَاحِدٌ ، قَالَ : وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَيْنًا ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ ، وَصَحَّحَ فِي بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنْ الْكَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَرَّةً عِنْدَ التَّكَرُّرِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ وَفِي الزَّائِدِ نَدْبٌ ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ ، وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الثَّلَاثِ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ ) يَعْنِي فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ { السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ ، لَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ } وَسَاقَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ ، وَلَيْسَ لَفْظُ الْفَرْضِ إلَّا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ ، بَلْ أَلْفَاظُهُ فِيهَا { كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ إلَخْ } وَكُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ لَفْظُ الْفَرْضِ ، فَثُبُوتُ كَوْنِهِ فَرْضًا اصْطِلَاحِيًّا مُتَعَذِّرٌ لِثُبُوتِهِ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ : أَعْنِي خَبَرَ الْوَاحِدِ فَيَكُونُ وَاجِبًا .

قَالَ ( وَدَعَا بِمَا شَاءَ مِمَّا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْكَ } وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ ( وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ ) تَحَرُّزًا عَنْ الْفَسَادِ ، وَلِهَذَا يَأْتِي بِالْمَأْثُورِ الْمَحْفُوظِ ، وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ يُشْبِهُ كَلَامَهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ ، يُقَالُ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ

( قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَةِ السِّتَّةِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ { ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ } وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُطَابَقَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الدُّعَاءِ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْمَأْثُورِ دُونَ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ { إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ } لَكَانَ أَصْوَبَ ، فَيَكُونُ مُعَارِضًا لِعُمُومِ أَعْجَبَهُ وَدَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ وَذَلِكَ مُبِيحٌ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ مُقَابِلِهِ ، وَقَدْ رُجِّحَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الرَّازِقَ فِي الْحَقِيقَةِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَمِيرِ مَجَازٌ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : لَوْ قَالَ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ ، أَوْ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ ، وَفِيهَا اُكْسُنِي ثَوْبًا ، الْعَنْ فُلَانًا ، اقْضِ دُيُونِي ، اغْفِرْ لِعَمِّي وَخَالِي تَفْسُدُ .
وَلَوْ قَالَ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لَا تَفْسُدُ ، وَاغْفِرْ لِي وَلِأَخِي قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا تَفْسُدُ ، وَابْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ، وَارْزُقْنِي رُؤْيَتَك لَا تَفْسُدُ .

( ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ { أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ } ( وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ ) لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ، وَلَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا وَلَا مَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ ، هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْخِطَابَ حَظُّ الْحَاضِرِينَ ( وَلَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ نِيَّةِ إمَامِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِمْ ) وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْجِيحًا لِلْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَوَاهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ لَا غَيْرُ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ ( وَالْإِمَامُ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ ) هُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ ، ثُمَّ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
هُوَ يَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } .
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ وَالْوُجُوبَ ، إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ احْتِيَاطًا ، وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ ، وَأَقْرَبُ الْأَلْفَاظِ إلَى لَفْظِ الْمُصَنَّفِ النَّسَائِيّ { كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ ، وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ } وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ أَرْجَحُ مِمَّا أَخَذَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ } لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ خَلْفَ الْإِمَامِ دُونَ النِّسَاءِ ، فَالْحَالُ أَكْشَفُ مَعَ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَخْفَضُ مِنْ الْأُولَى فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ عَمَّنْ كَانَ بَعِيدًا ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ أُخْرَى .
( قَوْلُهُ وَلَا يَنْوِي النِّسَاءُ فِي زَمَانِنَا ) لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ ( قَوْلُهُ نَوَاهُ فِيهِمْ ) يَعْنِي إنْ كَانَ فِي الْأَيْمَنِ نَوَاهُ فِيهِ ، أَوْ فِي الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ ( قَوْلُهُ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ ) يَعْنِي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْمَأْمُومِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ ، وَمَا قِيلَ يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ ، وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ ، ثُمَّ قِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى وَبِمُجَرَّدِ لَفْظِ السَّلَامِ يَخْرُجُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ إلَخْ ) فِي مُسْنَدِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ وَشُعَبِ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثَيْنِ طَوِيلَيْنِ مَا أَفَادَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ ،

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا { وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَلَكًا يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ لَهُ ، مِنْ ذَلِكَ الْبَصَرُ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ كَمَا يُذَبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ الذُّبَابُ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ } .
وَحَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ } بِسَنَدِهِ { دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعَبْدِ كَمْ مَعَهُ مَلَكٌ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى يَمِينِكَ مَلَكٌ عَلَى حَسَنَاتِكَ وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ ، فَإِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ أَكْتُبُ ؟ فَيَقُولُ لَهُ : لَا ، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبَ ، فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا قَالَ : نَعَمْ اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِكَ ، فَإِذَا تَوَاضَعْتَ لِلَّهِ رَفَعَكَ ، وَإِذَا تَجَبَّرْتَ عَلَى اللَّهِ قَصَمَكَ ، وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْكَ لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْكَ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيكَ لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِيكَ ، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْكَ فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ ابْنِ آدَمَ يَتَدَاوَلُونَ ، مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ سِوَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ ،

فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ وَإِبْلِيسُ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ وَوَلَدُهُ بِاللَّيْلِ } ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ ) فَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ تَثْبُتْ لَمْ يَلْزَمْنَا الْإِخْلَالُ بِمَا رَوَاهُ بَلْ عَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إذْ لَا يَقْتَضِي غَيْرَ مُجَرَّدِ التَّأْثِيمِ بِالتَّرْكِ وَهُوَ الْوُجُوبُ ، وَمَعْنَى الِافْتِرَاضِ الَّذِي قَالُوا فَلَا خِلَافَ إذًا فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ بَلْ فِي لُزُومِ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَمْ يُقْطَعْ بِلُزُومِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي بَحْثِ الْفَاتِحَةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ .

فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ ( وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا ) وَيُخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ ( وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ( وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ

( فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ ) خُصَّ هَذَا الرُّكْنُ بِفَصْلٍ دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ .
وَفِي النَّوَازِلِ : رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَنَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ نَائِمٌ يَجُوزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُنْتَبِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي بِالْحَدِيثِ وَبِهِ فَارَقَ الطَّلَاقَ ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ لَوْ صَلَّيَا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا جَائِزَةً وَلَوْ طَلَّقَا لَمْ يَجُزْ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْجِيسِ : وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ ، وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ ، أَلَا يَرَى لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ، وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ الْكَثِيرَةُ الشُّعَبِ مَسْأَلَةُ زَلَّةِ الْقَارِئِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهَا مُهِمَّةٌ جِدًّا فَلْنُورِدْهَا .
وَخَطَأُ الْقَارِئِ إمَّا فِي الْإِعْرَابِ أَوْ فِي الْحُرُوفِ أَوْ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ ، وَفِي الْحُرُوفِ إمَّا بِوَضْعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ نَقْصِهِ ، أَمَّا الْإِعْرَابُ فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ تَغْيِيرَهُ خَطَأٌ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُعْذَرُ ، وَإِنْ غَيَّرَ فَاحِشًا مِمَّا اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ مِثْلُ الْبَارِئُ الْمُصَوَّرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَ { إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } بِرَفْعِ الْجَلَالَةِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ فَسَدَتْ فِي قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ .
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيّ وَالْهِنْدُوانِيُّ وَابْنُ الْفَضْلِ وَالْحَلْوَانِيُّ لَا تَفْسُدُ ، وَمَا قَالَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَحْوَطُ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَكُونُ كُفْرًا ، وَمَا يَكُونُ كُفْرًا لَا يَكُونُ مِنْ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ النَّاسِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78