كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

تَبَرُّوهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آيَةِ الْأَبَوَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَصَادَقَانِ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَتَنْفَرِدُ آيَةُ الْمُصَاحَبَةِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَآيَةُ النَّهْيِ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ فَتَعَارَضَا فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ فَقُدِّمَتْ آيَةُ النَّهْيِ لِتَقْدِيمِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : النَّهْيُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِاَلَّذِينَ تَحَقَّقَ مِنْهُمْ قِتَالٌ فِي الدِّينِ وَإِخْرَاجُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَوَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا قِتَالٌ وَلَا مُظَاهَرَةٌ عَلَى إخْرَاجٍ ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمُجَرَّدِ جَامِعِ كَوْنِهِمْ حَرْبًا لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِمَجْمُوعِ مَنْ تَحَقَّقَ الْقِتَالُ وَالْإِخْرَاجُ مِنْهُ ، وَأَيْضًا صَرَّحَ النَّصُّ بِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا أَيْضًا حَرْبِيُّونَ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي اللَّفْظِ : أَعْنِي لَفْظَ الْأَبَوَيْنِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ فِيمَا إذَا قَالُوا آمَنُونَا عَلَى آبَائِنَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَجْدَادِ لِعُمُومِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ ، فَإِنْ أَرَادَ إلْحَاقَهُمْ بِالْقِيَاسِ فَلَا حَاجَةَ ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ بَلْ يُعَلَّلُ اسْتِحْقَاقُ الْأَبَوَيْنِ النَّفَقَةَ بِتَسَبُّبِهِمْ فِي وُجُودِهِ وَيُلْحَقُ بِهِمْ الْأَجْدَادُ وَيَعْتَبِرُهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ ، وَمِنْ الْعَجَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْأَمَانِ لِيَدْخُلَ الْأَجْدَادُ مَعَ أَنَّ الْأَمَانَ

يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ .
وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يَقُومُ الْجَدُّ إلَخْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ فِي الْوِرَاثَةِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ وَلَدِ الْوَلَدِ ، هَذَا وَلَوْ قَالَ : إنَّهُمْ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَالِدَاتِ كَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّ مَرْجِعَ ضَمِيرِ صَاحِبْهُمَا الْوَالِدَانِ لَا الْأَبَوَانِ .
( قَوْلُهُ أَمَّا الزَّوْجَةُ إلَخْ ) عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ وَاجِبَةٌ بِالْعَقْدِ لِاحْتِبَاسِهَا أَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَ إيجَابَ النَّفَقَةِ إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ إضَافَةٌ إلَى الْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ بِالذَّاتِ هُوَ الِاحْتِبَاسُ الْخَاصُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا .
( قَوْلُهُ فَكَمَا لَا يُمْتَنَعُ إلَخْ ) الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : فَكَمَا يُجْبَرُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ كُفْرِهِ وَذِمَّتِهِ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ جُزْئِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الِامْتِنَاعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بَلْ أَخَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَيْهِ ، وَكَوْنُهُ يَجْبُرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ ، أَمَّا فَتْوَاهُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِيهِ ، وَكَذَا أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ ذَلِكَ .

( وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ) وَكَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةَ بِالْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ ، وَمَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الدِّينِ آكَدُ وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَعْلَى فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ ، فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَعْلَى أَصْلَ الْعِلَّةِ وَفِي الْأَدْنَى الْعِلَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا ( وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ ) لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ ، وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا .

( قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ) إظْهَارٌ لِبَعْضِ صُوَرِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ .
وَقَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ : أَيْ نَفَقَةَ غَيْرِ الْوِلَادِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ : يَعْنِي بِالْقَرَابَةِ ، وَالْمَحْرَمِيَّةُ مُقَيَّدٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فَعَلَّقَهُ بِهِ ، وَلَا إرْثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ وَارِثًا بِالْحَدِيثِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ } وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ فَاعْتَبَرْنَا فِي الْأَعْلَى ) وَهُوَ دَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ ( أَصْلُ الْعِلَّةِ ) وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ ( وَفِي الْأَدْنَى ) وَهُوَ النَّفَقَةُ ( الْعِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ ) بِالتَّوَارُثِ ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إبْدَاءٌ لِحِكْمَةِ الشَّرْعِ : يَعْنِي إنَّمَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ وَشَرَعَ عِتْقَ الْقَرِيبِ إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ الْمَحْرَمَ بِلَا ذَلِكَ الْقَيْدِ لِهَذَا الْفَرْقِ ، وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ النَّفَقَةِ قَطِيعَةٌ وَاسْتِمْرَارُ مِلْكِهِ رَقَبَةَ الْقَرِيبِ فَوْقَهُ فِي الْقَطِيعَةِ فَأَوْجَبَ رَفْعَهَا بِلَا مُؤَكَّدٍ ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَهُ فِي الْقَطِيعَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ حِينَئِذٍ إلَّا بِمُؤَكَّدٍ .
وَمَا قِيلَ الضَّابِطُ عِنْدَنَا الرَّحِمُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ وَالْإِرْثُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ وَلَهُمْ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ .
وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ } سِوَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ ،

وَالْخَالُ كَذَلِكَ لَا مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ .
لَا يُقَالُ : هَذَا حِينَئِذٍ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ عَلَى إخْرَاجِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ .
لِأَنَّا نَقُولُ : بَلْ هُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَهُوَ الْوَارِثُ وَنَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ نَفْيَهُ مُضَافٌ إلَى اللَّفْظِ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ ) يُفِيدُ أَنَّهُ مَلَكَهُمَا ( بِالنَّصِّ ) وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ .
وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مِلْكًا نَاجِزًا فِي مَالِهِ .
قُلْنَا : نَعَمْ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا { إنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ لَكُمْ { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ } ، وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ إلَيْهَا } وَمِمَّا يَقْطَعُ بِأَنَّ مُؤَوَّلَ أَنَّهُ تَعَالَى وَرَّثَ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ وَلَدِهِ ؛ فَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ مَعَ وُجُودِهِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَثْلَاثًا عَلَى الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ .
وَالْحَقُّ الِاسْتِوَاءُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، بِخِلَافِ غَيْرِ

الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الْوِلَادِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا تَوَارُثَ ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُعْسِرًا وَهُمَا مُوسِرَانِ فَلَا نَفَقَةَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ وَيَجِبُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ مَعَ اعْتِبَارِهِ أَوْ لَا فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْحَلْوَانِيِّ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : إذَا كَانَ الْأَبُ زَمِنًا وَكَسْبُ الِابْنِ لَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ الْأَبَ إلَيْهِ كَيْ لَا يَضِيعَ وَلَا يَخْشَى بِذَلِكَ الْهَلَاكَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَهْلَكُ عَلَى نِصْفِ بَطْنِهِ .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُو تَعِفُّوا وَفِي الْفَتَاوَى : يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَلَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ ابْنِهِ .
وَفِي نَفَقَاتِ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ : فِيهِ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ كَمَا قُلْنَا ، وَفِي رِوَايَةٍ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الْخِدْمَةِ ، أَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا .
قَالَ فِي الْمُحِيطِ : فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ ، فَإِنَّ الِابْنَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمِهِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقُرْبُ بَعْدَ الْجُزْئِيَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ ، وَلِذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ وَإِنْ سَفُلَتْ أَوْ ابْنُ بِنْتٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَ مِيرَاثُهُ لِأَخِيهِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَمَوْلَى عَتَاقَةٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيهِ وَلَدٌ وَابْنُ ابْنٍ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَعَلَى الْبِنْتِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا لِقُرْبِ الْبِنْتِ ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا

إلَّا أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمُرَجِّحٍ وَهُمَا وَارِثَانِ .
وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدُ ابْنٍ وَوَلَدُ بِنْتٍ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِرْثُ لِوَلَدِ الِابْنِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنَانِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ فَقَطْ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَالِدٌ وَوَلَدٌ فَهِيَ عَلَى الْوَلَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَيَتَرَجَّحُ الْوَلَدُ بِاعْتِبَارِ التَّأْوِيلِ .
وَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ ، الْكُلُّ مِنْ الْمُحِيطِ .
وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الِابْنُ هُوَ غَنِيٌّ وَلَيْسَ عَلَيَّ نَفَقَتُهُ وَقَالَ الْأَبُ أَنَا مُعْسِرٌ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الِابْنِ .

( وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً بَالِغَةً فَقِيرَةً أَوْ كَانَ ذَكَرًا بَالِغًا فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى ) لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ ، وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ " ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ .
بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ .
قَالَ ( وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ ، وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَالْجَبْرَ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ .

( قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ) أَيْ وَاجِبَةٌ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فَهُوَ مِنْ حَذْفِ الْخَبَرِ لِقَرِينَةٍ لَا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ نَائِبَيْنِ عَنْ الْخَبَرِ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِهِمَا بِالْكَوْنِ الْمُطْلَقِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ هُنَا .
وَقَالَ أَحْمَدُ : عَلَى كُلِّ وَارِثٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ .
وَجْهُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْإِشَارَةَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } لِنَفْيِ الْمُضَارَّةِ لَا لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ ، فَلَا يَبْقَى دَلِيلًا عَلَى إيجَابِ النَّفَقَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهَا الشَّرْعِيِّ .
قُلْنَا : نَفْيُهَا لَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ الْإِشَارَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالْكَافِ فَإِنَّهَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ لِلْبَعِيدِ دُونَ الْقَرِيبِ .
وَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَهَا بِالْوَارِثِ فَقَيْدُ الْمَحْرَمِيَّةِ زِيَادَةٌ .
قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ " فَيَكُونُ بَيَانًا لِلْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقَاطِعِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ .
أُجِيبَ بِادِّعَاءِ شُهْرَتِهَا ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِمَا فِي النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ { طَارِقٍ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ } وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ { عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ أُمَّكَ ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أُمَّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أَبَاكَ ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ

فَالْأَقْرَبَ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذَوِي قَرَابَتِكَ } فَهَذِهِ تُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْإِرْثِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُفِيدُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ أَصْلًا لِأَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِ السَّائِلِ مَنْ أَبَرُّ ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ سُؤَالًا عَنْ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ سُؤَالًا عَنْ الْأَفْضَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِلنَّصِّ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْوَارِثِ بِالنَّصِّ لَا يَنْفِي أَنْ يَجِبَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ عَلَى غَيْرِهِ بِالْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ .
عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يُلْزِمَهُمْ أَنَّ الْوَارِثَ أُرِيدَ بِهِ الْقَرِيبَ عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِهِ عَنْهُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِكُمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ قَرِيبٍ وَارِثٍ لِتَوْرِيثِكُمْ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ قَوْلِكُمْ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ ، حَتَّى قَالُوا : إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثَهُ لِابْنِ عَمِّهِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ قَوْلُنَا : نَقْطَعُ بِأَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ لِوُجُوبِ الْوَصْلِ وَالْقَرَابَةِ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا بِالنُّصُوصِ هِيَ عَلَى الْمَحْرَمِيَّةِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَا يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَصْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْقَرَائِبِ لِأَنَّ الِافْتِرَاشَ إمَّا عَدَمُ وَصْلٍ أَوْ يُؤَدِّي إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ ) وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ تَتَحَقَّقُ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ بَعْدَ كَوْنِهِ بَالِغًا .
وَلِهَذَا أَخَذَ فِي الْبَالِغِ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْوِلَادِ الزَّمَانَةَ حَيْثُ قَالُوا : وَالِابْنُ الزَّمِنُ الْبَالِغُ ، وَيُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَا مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ : وَلَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ

أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً أَوْ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنِّي أُجْبِرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا انْتَهَى .
وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يَشُدُّ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ ) بِطَرِيقِ أَنَّهُ يُفِيدُ عَلَيْهِ مَأْخَذَ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الْإِرْثُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ وُجُودِ الْعِلَّةِ عَلَى قَدْرِ وُجُودِهَا .
مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ أَوْ لِأَبٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَخِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُخْتِ الثُّلُثُ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ كَذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَا لِأُمٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَإِرْثِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ عَصَبَةٌ أُخْرَى فَالثُّلُثَانِ عَلَى الْعَاصِبِ ، وَلَوْ كَانَ أَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ فَالسُّدُسُ عَلَى الْأَخِ لِأُمٍّ وَخَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ .

قَالَ ( وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ ) لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ .
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } وَصَارَ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمَئُونَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فِيهِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ ، وَفِي غَيْرِ الْوَالِدِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمِيرَاثِ حَتَّى تَكُونَ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ أَثْلَاثًا ، وَنَفَقَةُ الْأَخِ الْمُعْسِرِ عَلَى الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ الْمُوسِرَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ ، غَيْر أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ فِي الْجُمْلَةِ لَا إحْرَازُهُ ، فَإِنَّ الْمُعْسِرَ إذَا كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ وَمِيرَاثُهُ يُحْرِزُهُ ابْنُ عَمِّهِ ( وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ ) لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ ، إذْ الْمَصَالِحُ لَا تَنْتَظِمُ دُونَهَا ، وَلَا يَعْمَلُ فِي مِثْلِهَا الْإِعْسَارُ .
ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا أَوْ بِمَا يَفْضُلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ الدَّائِمِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ وَالْفَتْوَى

عَلَى الْأَوَّلِ ، لَكِنَّ النِّصَابَ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ .

( قَوْلُهُ وَجْهُ الْفَرْقِ ) أَيْ بَيْنَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الزَّمِنِ .
( قَوْلُهُ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ ) لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ الْكَامِلَةِ صَارَ كَنَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ .
( قَوْلُهُ عَلَى الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ ) بِأَنْ تَكُونَ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْرَى لِأَبٍ وَأُخْرَى لِأُمٍّ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الشَّقِيقَةِ وَخُمُسٌ عَلَى الَّتِي لِأَبٍ وَخُمُسٌ عَلَى الَّتِي لِأُمٍّ لِأَنَّ مِيرَاثَهُنَّ مِنْهُ كَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِنَّ .
( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ ) هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ وَقَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ .
وَإِيضَاحَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَارِثِ غَيْرُ مُرَادَةٍ ، فَإِنَّهُ لِمَنْ قَامَ بِهِ الْإِرْثُ بِالْفِعْلِ ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ وَلَا نَفَقَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَعَذَّرَتْ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ ، فَكَانَ الْمُرَادُ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِيرَاثٌ ، وَالْخَالُ كَذَلِكَ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَجِبْ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَعَمٌّ أَوْ عَمَّةٌ فَإِنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَمِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ ، وَإِحْرَازُ الْعَمِّ الْمِيرَاثَ فِي الْحَالِ لَوْ مَاتَ ، فَلَوْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا وَجَبَتْ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالِ أَثْلَاثًا عَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثُ وَيُجْعَلُ الْمُعْسِرُ كَالْمَيِّتِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَهْلِيَّةُ الْمِيرَاثِ لَا إحْرَازُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُحْرِزُ لِلْمِيرَاثِ غَيْرَ مَحْرَمٍ وَمَعَهُ مَحْرَمٌ ، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ مَحْرَمِيَّةُ كُلِّهِمْ وَبَعْضِهِمْ لَا يُحْرَزُ الْمِيرَاثُ فِي الْحَالِ كَالْخَالِ وَالْعَمِّ إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إحْرَازُ الْمِيرَاثِ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ ، وَإِذَا اتَّفَقُوا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثُ فِي الْحَالِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ

فَقِيرًا جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ وَوَجَبَتْ عَلَى الْبَاقِينَ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ الْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ ) أَيْ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّانِقَانِ لِلْقَرِيبِ ، وَمَحْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ مُكْتَسِبًا وَلَا مَالَ لَهُ حَاصِلٌ اُعْتُبِرَ فَضْلُ كَسْبِهِ الْيَوْمِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ كَانَ لَهُ مَالٌ اُعْتُبِرَ نَفَقَةُ شَهْرٍ فَيُنْفِقُ ذَلِكَ الشَّهْرَ ، فَإِنْ صَارَ فَقِيرًا ارْتَفَعَتْ نَفَقَتُهُمْ عَنْهُ .
وَمَالَ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْكَسْبِ فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنْ قَالَ : لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ الْمُؤَدِّي بِتَيْسِيرِ الْأَدَاءِ وَتَيْسِيرُ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ إذَا كَانَ كَسْبُهُ يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ : قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ وَمَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ ، وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا ، وَبِدَايَتُهُ النِّصَابُ فَيَتَقَدَّرُ بِهِ .
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا نَقَلَ أَنَّهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ : وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ .
( قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ لَكِنْ لَا كَمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ النُّصُبِ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، إلَّا أَنَّ النَّفَقَةَ لَمَّا كَانَتْ حَقَّ الْآدَمِيِّ نَفْسِهِ تُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ حَقٌّ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ الْآدَمِيِّ ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى يُرَاعَى فِيهَا مِنْ التَّيْسِيرِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ

الْمُحْتَاجِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَدْرُ نِصَابٍ فَاضِلٍ لِتَجِبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ .
فَإِذَا أَنْفَقَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ سَقَطَتْ ، وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى .

( وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ ) وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ ( وَإِذَا بَاعَ أَبُوهُ مَتَاعَهُ فِي نَفَقَتِهِ جَازَ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ( وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ ) وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ فِي حَالِ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَى النَّفَقَةِ ، وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي النَّفَقَةِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا ، وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ .
إذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِنَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ( وَإِنْ كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ وَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا ) لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ ( وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ضَمِنَ ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْحِفْظِ لَا غَيْرُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ أَمْرَهُ مُلْزِمٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ .
وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قَضَى فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْضِي لَهُ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ مَنْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إذَا قَدَرَ بِلَا قَضَاءٍ ، فَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَالزَّوْجَةُ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَالٍ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إذَا احْتَاجُوا .
( قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ ) عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ ) وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ بَيْعُ عَقَارِ الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا .
( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ ) وَقَرَّرَ فِي النِّهَايَةِ وَجْهَ الْقِيَاسِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْقَطِعُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا عَلَى الْغَائِبِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الرَّشِيدِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْأَبِ .
نَعَمْ إذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى مَا عُرِفَ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْعُقُودَ الْمُوجِبَةَ لِلدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَلِذَا قَالَ فِي جَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَاكَ : إنَّ مَنْعَ الْمَالِ لَا يُفِيدُ مَعَ فَكِّ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يُبَاشِرَ الْعُقُودَ إلَى آخِرِ مَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْرِ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تَمْلِكُ الْأُمُّ فِي نَفَقَتِهَا ) مَعَ أَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلْأَبِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ مَعَ عُمُومِ وِلَايَتِهِ .
( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) حَاصِلُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ بِثُبُوتِ وِلَايَةِ

حِفْظِ مَالِ الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ ، وَبَيْعُ الْعُرُوضِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ ، وَإِذَا مَلَكَهُ الْوَصِيُّ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ الْأَبُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ صَارَ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ الثَّمَنَ وَهُوَ جِنْسُ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ بِالْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُهُ إلَّا بِمَحْضِ الْوِلَايَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ صِغَرِ الْوَلَدِ أَوْ جُنُونِهِ ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ بَيْعِ الْأَبِ لِلْعُرُوضِ عَلَى الْكَبِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّيْنِ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ ، لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ : وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ مَعْنَى الْوِلَادِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا .
أَمَّا بَيْعُهَا بِنَفْسِهَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالْوِلَادِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ بَلْ بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْحِفْظِ .
( قَوْلُهُ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ضَمِنَ ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ .
وَفِي النَّوَادِرِ : لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا .
وَقَالُوا فِي رُفْقَةٍ فِي سَفَرٍ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمْ أَوْ مَاتَ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ وَجَهَّزُوهُ مِنْ مَالِهِ

لَا يَضْمَنُونَ اسْتِحْسَانًا وَمَاتَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَرَجُوا إلَى الْحَجِّ وَاحِدٌ فَبَاعُوا مَا كَانَ لَهُ مَعَهُمْ .
فَلَمَّا وَصَلُوا سَأَلَهُمْ مُحَمَّدٌ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ .
فَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ ، وَكَذَا بَاعَ مُحَمَّدٌ كُتُبَ تِلْمِيذٍ لَهُ مَاتَ وَأَنْفَقَ فِي تَجْهِيزِهِ فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ } وَقَالُوا فِي عَبْدٍ مَأْذُونٍ مَاتَ مَوْلَاهُ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا مَعَهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْأَمْتِعَةِ لَا يَضْمَنُ ، وَكَذَا عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِي مَسْجِدٍ لَهُ أَوْقَافٌ وَلَا مُتَوَلِّيَ لَهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي جَمْعِ رِيعِهَا وَأَنْفَقَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَحْتَاجُ مِنْ شِرَاءِ الزَّيْتِ وَالْحُصْرِ وَالْحَشِيشِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا .
( قَوْلُهُ فَظَهَرَ إلَخْ ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَهُ الْغَائِبُ ظَهَرَ مِلْكُهُ لِمَا دَفَعَهُ لِلْأَبَوَيْنِ حَالَ دَفْعِهِ لَهُمَا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمِلْكِهِ لَهُمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمَا .

( وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى .
قَالَ ( إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( قَوْلُهُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ ) هَذَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ ، فَأَمَّا إذَا قَصُرَتْ لَا تَسْقُطُ وَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَصِيرَةٌ فَلَا تَسْقُطُ .
قِيلَ وَكَيْفَ لَا تَصِيرُ الْقَصِيرَةُ دَيْنًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ ، وَلَوْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ فَائِدَةٌ ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا مَضَى سَقَطَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ ، وَمِثْلُ هَذَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ لِلْحَاجَةِ ) وَعَنْ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُمْ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً فَسُرِقَتْ أَوْ هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ أُخْرَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِمَا سُرِقَ ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ تِلْكَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّهَا لِلزَّوْجَةِ لَيْسَتْ شَرْعًا لِحَاجَتِهَا بَلْ لِاحْتِبَاسِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَبِالتَّلَفِ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَنْتِفْ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ ) وَإِنْ كَانَ فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي زَكَاةِ الْجَامِعِ أَنَّ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسِوَى نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، قِيلَ : مَحْمَلُهُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ مَا إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا ، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ ، وَقِيلَ : مَحْمَلُهُ مَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ بِأَنْ تَكُونَ شَهْرًا فَأَقَلَّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَمَالِيكِ { إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ } ( فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ حَيًّا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ ) بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا ( أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِمَا ) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِبْقَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخُلْفِ ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ تَأْخِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا ، وَبِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا ، إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ } وَفِيهِ ذَلِكَ ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ ، وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( فَصْلٌ ) .
( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ ، قِيلَ إلَّا الشَّعْبِيُّ ، الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَالْمُودِعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ ، وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا كَانَ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَفِيهَا : إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ أَمَةٌ أَنَّ هَذِهِ حُرَّةٌ قَبِلَ الْقَاضِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ ادَّعَتْ الْأَمَةُ أَوْ جَحَدَتْ ، وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ ، وَتُفْرَضُ نَفَقَةُ الْأَمَةِ إنْ طَلَبَتْ عَلَى الَّذِي كَانَتْ فِي يَدِهِ ا هـ .
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا عَبْدُك أَوْدَعْته عِنْدِي فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ مَا أَوْدَعَهُ ثُمَّ يَقْضِي بِنَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرِقِّهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { هُمْ إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَزَادَ فِيهِ { وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُمْ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ } وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ لَا مِثْلِهِ ، فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقُ كَفَى ، بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَهُمْ إلَّا الْأَفْرَادُ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا ) عَلَى أَنْفُسِهِمَا .
حَتَّى لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ ، أَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ إذَا أَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا ) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمُعِينِ الْبَنَّاءِ ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ نَقْلًا مِنْ الْكَافِي فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُبُوتُهُ هُنَا أَوْلَى ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا بِأَنْ كَانَتْ حَسَنَةً يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ عَيْنًا إنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْكَسْبِ ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ عَلَى حَقِّهِ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا زَمِنًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ وَتَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَكَذَا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً لَهُ كَابْنِ الْعَمِّ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إلَخْ ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ نَوْعَ قَضَاءٍ وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ

الْمَقْضِيَّ لَهُ وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَيْسَ فَلَيْسَ ، لَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكُونُ آثِمًا مُعَاقَبًا بِحَبْسِهَا عَنْ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ .
وَفِي الْحَدِيثِ { امْرَأَةٌ دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، لَا هِيَ أَطْلَقَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ .
وَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا } وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ } : يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد { لَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ } وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَنْهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ } .
وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا يَعْنِي كَالْأَمْلَاكِ مِنْ الدُّورِ وَالزُّرُوعِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْمَالِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةٍ فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَلَا بِدَعَ فِيهِ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ .
وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْ الدَّابَّةِ أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ ، ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ .
وَفِي الْمُحِيطِ : يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ .
[ فُرُوعٌ ] وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَالِكًا كَانَ أَوْ لَا .
مِثَالُهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ .
وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانِ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ

فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ .
وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ وَسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ السُّكْنَى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ ، فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى : أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ ، فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ بِنَائِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا غَرِمَ فِيهِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِتَمْرِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ ، وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا .
وَأَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهَا وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِشَجَرِهِ لِآخَرَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُبَاعُ لِعَلَفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ .
وَكَذَا أَقُولُ فِيمَا عَنْ مُحَمَّدٍ : ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا ، وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ ، وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمَلِكِ كَالْمَرْهُونِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ، وَيَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

كِتَابُ الْعَتَاقِ الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ .
قَالَ ( الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي مِلْكِهِ ) شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ ، وَالْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْبَالِغُ : أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ } .

كِتَابُ الْعَتَاقِ .
اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي أَنَّهُ إسْقَاطٌ إلَّا أَنَّهُ إسْقَاطُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالطَّلَاقُ إسْقَاطُ مِلْكِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ، وَأَمَّا إسْقَاطُ مِلْكِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُسَمَّى إبْرَاءً وَإِسْقَاطُ مِلْكِ الْقِصَاصِ يُسَمَّى عَفْوًا فَقَدْ مُيِّزَتْ أَنْوَاعُ الْإِسْقَاطَاتِ بِأَسْمَاءِ لِيُنْسَبَ إلَيْهَا مَعَ اخْتِصَارٍ ، وَتَسْرِي إضَافَةً لِلْبَعْضِ إلَى الْكُلِّ ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِهِ بِتَأْوِيلِ الْأَوَّلِ إلَى الْكُلِّ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَقْبَلَ الْفَسْخَ ، إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ عَلَى الْعِتْقِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ وَصْلًا لَهُ بِمُقَابَلِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَحَلِّهِ بِشَرْطِ وُجُودِهِ فَكَانَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ هُوَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ مِلْكَ الطَّلَاقِ ، وَبَيَانُ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ يُبَيِّنُ نَفْسَ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ وَالسَّرَيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْإِعْتَاقِ مِنْ الْمَحَاسِنِ فَإِنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ ، فَالْعِتْقُ إزَالَةُ أَثَرِ الْكُفْرِ وَهُوَ إحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ لِأَثَرٍ حُكْمِيٍّ لِمَوْتٍ حُكْمِيٍّ .
فَإِنَّ الْكَافِرَ مَيِّتٌ مَعْنًى .
فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِحَيَاتِهِ وَلَمْ يُذَقْ حَلَاوَتَهَا الْعُلْيَا فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُوحٌ ، قَالَ تَعَالَى { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ ، ثُمَّ أَثَرُ ذَلِكَ الْكُفْرِ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ سَلْبُ أَهْلِيَّتِهِ لِمَا تَأَهَّلَ لَهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَاتِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ إنْكَاحِ الْبَنَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالشَّهَادَاتِ وَعَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ نِكَاحُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ ، وَامْتَنَعَ أَيْضًا بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجَنَائِزِ ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ

الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى ، فَإِنَّهُ صَارَ بِذَلِكَ مُلْحَقًا بِالْأَمْوَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ ، فَكَانَ الْعِتْقُ إحْيَاءً لَهُ مَعْنًى ، وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَانَ جَزَاؤُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ الْعِتْقُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ الْإِعْتَاقَ مِنْ نَارِ الْجَحِيمِ الَّتِي هِيَ الْهَلَاكُ الْأَكْبَرُ .
قُوبِلَ إحْيَاؤُهُ مَعْنَى بِإِحْيَائِهِ مَعْنًى أَعْظَمَ إحْيَاءً كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ سَيِّدِ الْأَخْيَارِ ، مِنْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
رَوَاهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَفِي لَفْظٍ { مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ } أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ وَالْبَاقُونَ فِي الْعِتْقِ ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ } وَزَادَ أَبُو دَاوُد { وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ إلَّا كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي مَكَانَ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ } وَهَذَا يَسْتَقِلُّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِحْبَابِ عِتْقِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ عِتْقَهُ بِعِتْقِ الْمَرْأَتَيْنِ بِخِلَافِ عِتْقِهِ رَجُلًا .
وَالْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ لُغَةً عِبَارَتَانِ عَنْ الْقُوَّةِ ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ لِجَوَارِحِهَا .
وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ عَلَى الطَّيَرَانِ ، وَفَرَسٌ عَتِيقٌ إذَا كَانَ سَابِقًا وَذَلِكَ عَنْ قُوَّتِهِ ، وَالْبَيْتُ

الْعَتِيقُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ عَنْهُ مِلْكَ أَحَدٍ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ ، وَقِيلَ لِلْقَدِيمِ عَتِيقٌ لِقُوَّةِ سَبْقِهِ ، وَلِلْخَمْرِ إذَا تَقَادَمَتْ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا ، وَبِاعْتِبَارِ الْقِدَمِ وَالسَّبْقِ جَاءَ بَيْتُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ : عَلَيَّ أَلْيَةٌ عَتَقَتْ قَدِيمًا وَلَيْسَ لَهَا وَإِنْ طَلَبَتْ مَرَامُ يَعْنِي قُدِّمَتْ وَأَنَّهَا لَا تُرَامُ بِحِلٍّ ، وَبَعْدَهُ : بِأَنَّ الْغَدْرَ قَدْ عَلِمَتْ مُعَدٌّ عَلَيَّ وَجَارَتِي مِنِّي حَرَامُ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَلَفَ مِنْ قَدِيمٍ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَلَا يَزْنِي بِجَارَتِهِ ، وَكَذَا تَقُولُ عَتَقَتْ إذَا سَبَقَتْ وَذَلِكَ لِفَضْلِ الْقُوَّةِ ، وَالْعِتْقُ أَيْضًا يُقَالُ لِلْجَمَالِ ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الصِّدِّيقُ عَتِيقًا لِجَمَالِهِ ، وَقِيلَ لِقَدَمِهِ فِي الْخَيْرِ .
وَقِيلَ لِعِتْقِهِ مِنْ النَّارِ ، وَقِيلَ لِشَرَفِهِ فَإِنَّهُ قُوَّةٌ فِي الْحَسَبِ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْكَرِيمِ : يَعْنِي الْحَسِيبَ .
وَقِيلَ قَالَتْ أُمُّهُ لَمَّا وَضَعَتْهُ هَذَا عَتِيقٌ مِنْ الْمَوْتِ وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ تَرْجِعُ إلَى زِيَادَةِ قُوَّةٍ فِي مَعَانِيهَا ، وَقِيلَ هُوَ اسْمُهُ الْعَلَمُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ وَضْعِهِ لَهُ الْجَمَالُ أَوْ تَفَاؤُلًا لَهُ بِالْحَسَبِ الْمُنِيفِ أَوْ بِعَدَمِ الْمَوْتِ ، وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ لُغَةً الْقُوَّةُ فَالْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ .
وَالْعِتْقُ فِي الشَّرْعِ : خُلُوصٌ حُكْمِيٌّ يَظْهَرُ فِي الْآدَمِيِّ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ ثَابِتًا بِالرِّقِّ ، وَلَا يَخْفَى ثُبُوتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا يُقَالُ : إنَّهُ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ : الْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُوَّةَ الْمُفَسَّرَ هُوَ بِهَا لُغَةً أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا فِي الْبَدَنِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى آخَرَ ، وَلِذَا

أَطْلَقُوهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا بِاعْتِبَارِ قُوَّةٍ تَرْجِعُ إلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، إلَّا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْحُرِّيَّةِ الطَّارِئَةِ عَلَى الرِّقِّ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْرِبِ حَيْثُ قَالَ : الْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ ، فَالْإِعْتَاقُ شَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ وَالتَّحْرِيرُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْخُلُوصُ ، يُقَال طِينٌ حَرٌّ لِلْخَالِصِ عَمَّا يَشُوبُهُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ أَرْضٌ حَرَّةٌ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا ، وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْقُوَّةِ .
وَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ الضَّعْفُ ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَصَوْتٌ رَقِيقٌ ، وَقَدْ يُقَالُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِقْهِيِّ تَجَوُّزٌ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ .
وَسَبَبُهُ الْبَاعِثُ فِي الْوَاجِبِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَفِي غَيْرِهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ، وَهُوَ نَفْسُهُ رُكْنُ الْإِعْتَاقِ اللَّفْظِيِّ الْإِنْشَائِيِّ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَحُكْمُهُ زَوَالُ الرِّقِّ عَنْهُ وَالْمِلْكُ وَصِفَتُهُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يَلْزَمُ فِي تَحَقُّقِهِ شَرْعًا وُقُوعُهُ عِبَادَةً فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَمِنْ الْكَافِرِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً كَالْعِتْقِ لِلشَّيْطَانِ وَالصَّنَمِ وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ

أَوْ يَرْتَدُّ أَوْ يُخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ تَحْرِيمِهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْكَفَّارَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَالْعِتْقِ لِزَيْدٍ .
وَالْقُرْبَةُ مَا يَكُونُ خَالِصًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
فَتَحْصُلُ أَنَّ الْعِتْقَ يُوصَفُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ .
هَذَا وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ مَا لَمْ يَخَفْ مَا ذَكَرْنَا أَجْرٌ لِتَمْكِينِهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ عَنْهُ ، وَأَمَّا مَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَغْلَى ثَمَنًا مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عِتْقُهُ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُهَا أَغْلَاهَا } بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ .
وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ تَمْكِينُ الْمُسْلِمِ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَتَفْرِيغِهِ .
وَأَمَّا مَا يُقَالُ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ رُسُوخُ الِاعْتِقَادَاتِ وَإِلْفُهَا فَلَا يَرْجِعُ عَنْهَا ، وَلِذَا نُشَاهِدُ الْأَحْرَارَ بِالْأَصَالَةِ مِنْهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إلَّا ارْتِبَاطًا بِعَقَائِدِهِمْ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَضَتْ حُرِّيَّتُهُ ، نَعَمْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي اسْتِحْبَابِ عِتْقِهِ تَحْصِيلُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَّا تَفْرِيغُهُ لِلتَّأَمُّلِ فَيُسَلَّمُ فَهُوَ احْتِمَالٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ ) عَنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لِلْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ لِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْعَبْدِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَكَانَ عُمَرُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَالِهِ ، قِيلَ : الْحَدِيثُ خَطَأٌ وَفِعْلُ

عُمَرَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ ، وَلِلْجُمْهُورِ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ : يَا عُمَيْرُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَك عِتْقًا هَنِيًّا فَأَخْبِرْنِي بِمَالِك ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ غُلَامَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَالِهِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ الصَّبِيُّ إلَخْ ) وَكَذَا إذَا قَالَ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَقْت فَهُوَ حُرٌّ لَا يَنْعَقِدُ كَلَامُهُمَا سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ حَالَ التَّكَلُّمِ الْمُلْزِمِ فَلَمْ يَقَعْ تَعْلِيقًا مُعْتَبَرًا .
( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ .
وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْوَكَالَةِ .

( وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتِ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ قَدْ حَرَّرْتُك أَوْ قَدْ أَعْتَقْتُك فَقَدْ عَتَقَ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِيهِ .
لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ وَالْوَضْعِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا ( وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ ( وَلَا يَدِينُ قَضَاءً ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ( وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يُعْتَقُ ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا أَخْبَرَ ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ .
وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا آزَادَ وَقَدْ لَقَّبَهُ بِالْحُرِّ قَالُوا يُعْتَقُ ، وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِيهِ ) أَيْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِإِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ الْمَوْلَى وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ بِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَ فِعْلًا أَوْ وَصْفًا أَوْ مَصْدَرًا ، فَالْفِعْلُ نَحْوَ أَعْتَقْتُك وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : بِالنِّيَّةِ وَالْوَصْفِ نَحْوَ أَنْتَ حُرٌّ مَحْرَمٌ عَتِيقٌ مُعْتَقٌ ، وَلَوْ فِي النِّدَاءِ كَيَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَإِنَّهُ هَكَذَا حُرٌّ ، وَالْمَوْلَى كَقَوْلِهِ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ يُعْتَقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ، وَالْمَصْدَرُ الْعَتَاقُ عَلَيْك وَعِتْقُك عَلَيَّ .
وَلَوْ زَادَ قَوْلُهُ وَاجِبٌ لَمْ يُعْتَقْ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتَ عِتْقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ عَتَقَ بِالنِّيَّةِ ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ .
فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ ضَابِطِ الصَّرِيحِ ، ثُمَّ حُكْمُ الصَّرِيحِ أَنْ يَقَعَ بِهِ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ لَا إنْ نَوَى غَيْرَهُ إلَّا فِي الْقَضَاءِ .
أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ إذَا نَوَى غَيْرَهُ ، فَلَوْ قَالَ : نَوَيْت بِالْمَوْلَى النَّاصِرَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عَلَى مَا نَوَى ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هَازِلًا ، فَإِنْ كَانَ هَازِلًا فَإِنَّهُ يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ وَهُوَ الْكَذِبُ هَزْلًا هَكَذَا يَقْتَضِيهِ مَا صَدَّرَ بِهِ الْحَاكِمُ كِتَابَ الْعِتْقِ مِنْ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ لَعِبَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ } وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْهَزْلِ بِهِ .
وَذَكَرَ يَعْنِي مُحَمَّدًا عَنْ عُمَرَ

بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَنْ تَكَلَّمَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّرِيحِ فَكُّ الرَّقَبَةِ .
وَدَفَعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الْقَائِلِ { أَلَيْسَا سَوَاءً ؟ فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا } وَقَوْلُهُ تُصْبِحُ حُرًّا إضَافَةٌ لِلْعِتْقِ وَتَقُومُ حُرًّا وَتَقْعُدُ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرُّ النَّفْسِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ قَالَ فِي أَفْعَالِك وَأَخْلَاقِك لَا يُعْتَقُ ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةٍ وَقَالَ : أَمَّا أَنَا أَرَى أَنْ يُعْتَقَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : يُعْتِقُ بِالنِّيَّةِ ، قِيلَ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِأَدْنَى تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا النَّقْلِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَاسْتُبْعِدَ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا ) عَلَى وَجْهٍ يَتَبَادَرُ بِلَا قَرِينَةٍ مَعَ الشُّهْرَةِ فِيهِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الْوَضْعِ فَوَافَقَ قَوْلَ الْإِيضَاحِ وَغَيْرَهُ حَيْثُ قَالُوا : الصَّرِيحُ مَا وُضِعَ لَهُ وَالْوَضْعُ يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ .
( قَوْلُهُ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ ، أَمَّا نِيَّةُ عَدَمِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَمُعْتَبَرٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ .
( قَوْلُهُ وَالْوَضْعُ ) أَيْ وَضْعُ التَّرْكِيبِ لَا الْمُفْرَدِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَلَا الْمُرَكَّبُ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي وَضْعِ الْمُرَكَّبِ بَلْ التَّرْكِيبَاتُ مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا نَوْعِيًّا ؛ مَثَلًا وَضْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ الَّذِي عَيَّنَ الْوَاضِعُ صِيغَتَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُضِيِّ حَدَثِهِ إلَى شَيْءٍ لِيُفِيدَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَقْتِ النُّطْقِ

فَجَعَلَهُ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ آخَرُ لَهُ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاجَةَ قَائِمَةٌ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ النُّطْقِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ وَاللُّغَةُ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَكَانَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ فِيهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَيْضًا يُثْبِتُونَ هَذَا الْمَعْنَى : أَعْنِي تَحْرِيرَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ، فَقَوْلُهُ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَاعِلِ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الشَّارِعُ وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ أَيْضًا ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِجَعَلِ الشَّارِعِ تَقْرِيرَهُ ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ تَقْرِيرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ قَبِيلَهُ .
وَكَلَامُ الْكَافِي فِي الْعِتْقِ أَيْضًا مِثْلُهُ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ لَمْ يُجْعَلْ إنْشَاءً أَصْلًا ، وَعَلَى هَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَفْظُهُ فِي الْبَيْعِ يُخَالِفُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مُشْتَبَهًا .
وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَبَادَرٌ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْخِطَابُ لِعَبْدٍ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِهِ أَيْضًا ، وَالْوَضْعُ يُعْهَدُ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُخَاطَبٍ وَمُتَكَلِّمٍ فَلَمْ يَكُنْ وَضْعًا جَدِيدًا فَلْيَكُنْ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عِنْدَهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِهِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَافِي هُنَا وَهُوَ وَغَيْرُهُ فِي الطَّلَاقِ .
ثُمَّ هَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَجْرِي فِي غَيْرِ النِّدَاءِ ، أَمَّا فِي النِّدَاءِ فَالتَّحْرِيرُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَضْعًا بَلْ اقْتِضَاءً عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ .
هَذَا وَيَلْحَقُ بِالصَّرِيحِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ وَهَبْتُك نَفْسَك أَوْ

بِعْتُك نَفْسَك مِنْك فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذَا اللَّفْظِ إزَالَةُ مِلْكِهِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَهُ لِآخَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ ، وَإِذَا أَوْجَبَهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ مُزِيلًا بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَدِينُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَنَيْت أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ دِينَ ، وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يَدِينُ كَذَا فِي الْغَايَةِ .
[ فُرُوعٌ ] فِي الْبَدَائِعِ : دَعَا عَبْدَهُ سَالِمًا فَأَجَابَهُ آخَرُ فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الْمُجِيبُ .
وَلَوْ قَالَ عَنِيت سَالِمًا عَتَقَا فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يُعْتَقُ الَّذِي عَنَاهُ ، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ آخَرُ عَتَقَ سَالِمٌ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَ هُنَا إلَّا سَالِمٌ ، وَفِيهِ قَالَ لِعَبْدٍ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ نَوَى الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَقَعَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ مَا يُفْهَمُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ ، إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً لِأَنَّهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ تُوضَعْ لِلْمَعْنَى فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ فَتَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ إذَا صَارَ حُرًّا فِي شَيْءٍ صَارَ حُرًّا فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ) هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ تَكَلَّمَ فِي النِّدَاءِ فِي مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا هَذَا وَتَمَامُ عِبَارَتِهِ فِيهِ فَيَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ : أَيْ فِي مَسْأَلَةِ يَا ابْنِي .
ثَانِيهَا فِيمَا إذَا لَقِيَهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا آزَادَ أَوْ آزَادَ وَنَادَاهُ يَا حُرُّ أَنَّهُ يُعْتَقُ فَقَالَ لِأَنَّهُ

لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ، وَهَذَانِ مَعًا يُفِيدَانِ أَنَّ عِتْقَهُ بِاعْتِبَارِ إخْبَارِهِ عَنْ ثُبُوتِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا لَهُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إخْبَارَ فِي النِّدَاءِ إلَّا ضِمْنًا ، فَإِنَّ قَوْلَهُ يَا حُرُّ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى يَا مَنْ اتَّصَفَ بِالْحُرِّيَّةِ فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ شَرْعًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهَا اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ الضِّمْنِيِّ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي نَقْلَ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ ، وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ يَا ابْنِي ، يَا أَخِي حَيْثُ لَا يُعْتَقُ فَزَادَ فِيهِ فِي ثُبُوتِ الْإِعْتَاقِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْمُنَادَى يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْعِتْقِ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ يُجْعَلُ لِمُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِاسْتِحْضَارِهِ ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ مِنْ مِائَةٍ كَانَ ابْنًا لَهُ قَبْلَ النِّدَاءِ لَا بِهِ .
[ فَرْعٌ ] فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ يَا حُرُّ اسْقِنِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ يُعْتَقُ ، قِيلَ : هَذَا نَقْضٌ لِلْقَاعِدَةِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حَالَ النِّدَاءِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُعْتَقُ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ ) أَيْ إعْلَامُ الْعَبْدِ بِاسْمٍ عَلِمَهُ لِيَحْضُرَ بِنِدَائِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ عِلْمِيَّتُهُ لَهُ مَعْلُومَةً فَيَكُونُ قَصَدَ غَيْرَهُ ، اسْتِحْضَارُ الذَّاتِ هُوَ الِاحْتِمَالُ دُونَ الظَّاهِرِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ فَيُعْتَقُ حِينَئِذٍ .

( وَكَذَا لَوْ قَالَ رَأْسُكَ حُرٌّ أَوْ وَجْهُكَ أَوْ رَقَبَتُكَ أَوْ بَدَنُكَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ ) خَصَّ الْأَمَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ : يُعْتَقُ كَالْأَمَةِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْعِتْقَ لَا تُعْتَقُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ مَعَ الرِّقِّ يَجْتَمِعَانِ ، وَفِي لِسَانِكَ حُرٌّ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ لِسَانُ الْقَوْمِ ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ عَتَقَتْ ، وَفِي الدُّبُرِ وَالِاسْتِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ ، وَفِي الْعِتْقِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي " ذَكَرُكَ حُرٌّ " لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ هُوَ ذَكَرٌ مِنْ الذُّكُورِ وَفُلَانٌ فَحْلٌ ذَكَرٌ وَهُوَ ذَكَرُهُمْ .
( قَوْلُهُ وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تُجْزِي الْإِعْتَاقَ الْآتِيَةَ .

( وَلَوْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُعْتَقْ ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك ، وَيُحْتَمَلُ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ ( وَكَذَا كِنَايَاتُ الْعِتْقِ ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ خَرَجْتِ مِنْ مِلْكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْكِ وَقَدْ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ السَّبِيلِ وَالْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ وَتَخْلِيَةُ السَّبِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ بِالْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يُعْتَقْ ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ ، وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ) شُرُوعٌ فِي الْكِنَايَاتِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ مِنْهَا مَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ إذَا نَوَاهُ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَاهُ ، فَالْأَوَّلُ نَحْوَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ خَرَجْتِ مِنْ مِلْكِي لَا رِقَّ لِي عَلَيْك خَلَّيْت سَبِيلَك وَلَا حَقَّ لِي عَلَيْك عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرَّةٌ عَتَقَ فِي الْجَمِيعِ إنْ نَوَى ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَوْ جَعَلْتُك لِلَّهِ خَالِصًا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى ، لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ بِحُكْمِ التَّخْلِيقِ ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُلُوصَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعِتْقِ .
وَالثَّانِي نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ بِنْتَ مِنِّي وَلِأَمَتِهِ بِنْتِ عَنِّي أَوْ حَرُمْت عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ اُخْرُجِي أَوْ اُغْرُبِي أَوْ اسْتَتِرِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اذْهَبِي أَوْ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِهَا وَإِنْ نَوَاهُ ، وَكَذَلِكَ طَلَّقْتُك وَكَذَا سَائِرُ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ لِمَا سَنَذْكُرُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ اذْهَبْ أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى ، وَفِي الْمُغْنِي اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت كِنَايَةٌ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ الْحُرِّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ : يُعْتَقُ إذَا نَوَى كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مِثْلَ امْرَأَةُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ قَدْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا إنْ نَوَى الْإِيلَاءَ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ ) قِيلَ فِيهِ تَسَامُحٌ ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ صَاحِبِ الْيَدِ ، وَالسَّلْطَنَةُ الْيَدُ ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ التَّحَقُّقُ لَا التَّسَاهُلُ وَالتَّجَوُّزُ فَإِنَّهُ قَالَ :

وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ الْأَصْلِيَّ لِلسُّلْطَانِ هُوَ الْيَدُ وَتَسْمِيَةُ غَيْرِهِ بِهِ لِاتِّصَافِهِ بِالْيَدِ كَمَا تُسَمِّي رَجُلًا بِالْفَضْلِ لِاتِّصَافِهِ بِهِ ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْن الْحُجَّةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْحُجَّةُ وَالْيَدُ ، فَإِذَا قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك فَإِنَّمَا نَفْيُ الْحُجَّةِ وَالْيَدِ وَنَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَسْتَدْعِي نَفْيَ الْمِلْكِ كَالْمُكَاتَبِ ، بِخِلَافِ نَفْيِ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ نَفْيُ الطَّرِيقِ ، وَالطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ لَا يُرَادُ حَقِيقَةً هُنَا فَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْ الْمِلْكِ ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ ، وَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ يُتَوَصَّلُ بِهِ شَرْعًا إلَى إنْقَاذِ التَّصَرُّفَاتِ ، فَإِذَا صَحَّ جَهْلُهُ كِنَايَةً عَنْهُ عَتَقَ إذَا أَرَادَهُ ، بِخِلَافِ السُّلْطَانِ فَإِنَّهُ الْيَدُ فَنَفْيُهُ نَفْيُ الْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ نَفْيَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ ، فَلَوْ جُعِلَ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ وَفِيهِ إزَالَةُ الْيَدِ وَالْمِلْكِ لَثَبَتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك .
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ مَالَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالنِّيَّةِ فِي لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ : إنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ .
وَعَنْ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ وَالسَّبِيلِ ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامِ لَا يَقَعُ لَهُ مِثْلُ هَذَا إلَّا وَالْمَحَلُّ مُشْكِلٌ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ .
أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ الْيَدَ الْمُفَسَّرَ بِهَا السُّلْطَانُ لَيْسَ مُرَادًا بِهَا الْجَارِحَةُ الْمَحْسُوسَةُ بَلْ الْقُدْرَةُ ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ سُلْطَانٌ : أَيْ يَدٌ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ .
وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ السُّلْطَانَ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِيلَاءُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْيُهُ نَفْيَ الِاسْتِيلَاءِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا

فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ مَا يُرَادُ بِنَفْيِ السَّبِيلِ بَلْ أَوْلَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْمَانِعُ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرُ مِمَّا وُضِعَ لَهُ غَيْرُ مَانِعٍ ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْسَعَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ ، وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَجَازَاتِ الْعَامَّةِ ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهَا يَصِيرُ فَرْدًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ ، كَذَا هَذَا يَصِيرُ زَوَالُ الْيَدِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِيِّ : أَعْنِي الْعِتْقَ أَوْ زَوَالَ الْمِلْكِ ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ .

( وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا ؛ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ بِالْمِلْكِ ثَابِتَةٌ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ وَيُعْتَقُ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي مَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إعْمَالِهِ بِحَقِيقَتِهِ ، وَوَجْهُ الْمَجَازِ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ وَالْمُوَالَاةُ فِي الدِّينِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي الْعَتَاقَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ لَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً وَلِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ .
وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ ، وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ يُعْتَقُ بِأَنْ قَالَ : يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْإِكْرَامَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي .
قُلْنَا : الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا

ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ فَكَانَ إكْرَامًا مَحْضًا .

( قَوْلُهُ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ ) قِيلَ هَذَا قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا مُعْتَبَرٌ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ .
وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ الثَّبَاتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ .
وَفِي النِّهَايَةِ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي الْفَضْلِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ بِهِ الْكَرَامَةَ وَالشَّفَقَةَ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ يُصَدَّقُ .
وَفِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ : الثَّبَاتُ عَلَى ذَلِكَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا الْعِتْقِ ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُجْتَبَى : هَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أُوهِمْت أَوْ أَخْطَأْت يُعْتَقُ وَلَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ يُولَدُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ هَذِهِ بِنْتِي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا .
قَالُوا : هَذَا فِي مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ ، أَمَّا مَجْهُولَةُ النَّسَبِ إنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ .
قَالَ فِي الْمُجْتَبَى عُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الثَّبَاتَ شَرْطُ الْفُرْقَةِ وَامْتِنَاعُ جَوَازِ النِّكَاحِ لَا الْعِتْقِ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الثَّبَاتَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ لَا الْعِتْقِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ دُونَ الْعِتْقِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ التَّزَوُّجِ بِمَنْ أَقَرَّ بِبِنْتَيْهَا .
وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ : إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَابْنِ ابْنٍ أَوْ بِعَمٍّ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَهُ الْمَرِيضُ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ لِرَجُلٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْمُوصَى لَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمَرِيضَ جَحَدَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ لَازِمًا ، ثُمَّ إذَا قَالَ هَذَا ابْنِي هَلْ تَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ ؟ قِيلَ لَا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ ، وَقِيلَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَ

مَعْرُوفَ النَّسَبِ حَتَّى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهَذَا أَعْدَلُ .
( قَوْلُهُ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي السِّنِّ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِمِثْلِ الْمُدَّعِي فِي السِّنِّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ .
وَحَاصِلُهُ إذَا كَانَ سِنُّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ ابْنَهُ لَا الْمُشَاكَلَةَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدُ حَالِكٌ أَوْ بِالْقَلْبِ وَسِنُّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ ابْنَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرُ ) قَالَ تَعَالَى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } وَابْنُ الْعَمِّ كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ زَكَرِيَّا { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي } .
( قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ شَارِحٌ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ .
وَقَوْلُهُمْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً مَمْنُوعٌ بَلْ تَحْصُلُ لَهُ النُّصْرَةُ بِهِمْ .
عَلَى أَنَّا نَقُولُ : الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ ، وَالْمُتَكَلِّمُ يُنَادِي أَنَا عَنِيت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى وَلَهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً ، وَهُمْ يَقُولُونَ : دَلَالَةُ الْحَالِ مِنْ كَلَامِك تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَسْفَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ إرَادَةُ النَّاصِرِ وَنَحْوُهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُكَابَرَةِ ا هـ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ إنْ أَرَادَ دَائِمًا مَنَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِيَّة لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يَنْفِي غَيْرَهُ اقْتِرَانًا ظَاهِرًا كَمَا هُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، وَمَنْعُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِعَبْدِهِ لَا يُلَائِمُ مَا أَسْنَدَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ

تَحْصُلُ النُّصْرَةُ بِهِمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ لَا يَسْتَدْعِي لِلنَّصْرِ عَبْدَهُ بَلْ بَنِي عَمِّهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَنْصُرُونَهُ لَكِنَّهُ يَأْنَفُ مِنْ دُعَائِهِمْ عَادَةً وَنِدَائِهِمْ لِذَلِكَ فَأَيْنَ دُعَاؤُهُ إيَّاهُمْ لِذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَنْصُرُونَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْكِنَايَةَ فَطَغَى قَلَمُهُ فَنَقُولُ هَذَا الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَرَدْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ عَمَّا هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فِي إرَادَتِهِ الْعَتِيقَ فَأَثْبَتَ حُكْمَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا ، وَهَذَا الصَّرِيحُ بَعْدَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي وَالْكَلَامُ فِيهِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ أَرَادَ النَّاصِرَ لَمْ يُعْتَقْ فَأَيْنَ الْمُكَابَرَةُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي هَذَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ : وَأَنَّهُ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي ) وَهُوَ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَبِقَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِيِّ أَفَادَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلْعِتْقِ عَتَقَ وَهَكَذَا فِي يَا سَيِّدُ ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ يُعْتَقُ بِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَتَقَ فِي يَا سَيِّدِي لَا فِي يَا سَيِّدُ .
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ ) وَهُوَ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ سَيِّدًا بِالْعِتْقِ لِسَيِّدِهِ .
وَالْوَجْهُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَعَذِّرَةٌ لِفَرْضِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حُرٌّ غَيْرُ عَبْدٍ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ ، وَلَمْ يَلْزَمْ خُصُوصُ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ

الْعِتْقُ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ مَجَازِيًّا آخَرَ هُوَ الْإِكْرَامُ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ ، فَقُلْنَا إذَا نَوَى بِيَا سَيِّدِي الْعِتْقُ عَتَقَ ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ صُيِّرَ إلَى الْأَخَفِّ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَامُ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بِلَا نِيَّةٍ ، بِخِلَافِ يَا مَوْلَايَ لِأَنَّهُ بِحَقِيقَتِهِ فِي الْأَسْفَلِ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ انْتِفَاءِ الْحَقَائِقِ الْآخَرُ بِالنَّافِي .

( وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يُعْتَقْ ) لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى إلَّا أَنَّهُ إذْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَإِذَا كَانَ النِّدَاءُ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ فِيهِ لِتَعَذُّرِهِ وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَاذًّا أَنَّهُ يُعْتَقُ فِيهِمَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ .
وَلَوْ قَالَ : يَا ابْنُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يُعْتَقْ ) لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ ، فَإِنْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ تَضَمَّنَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا سَلَفَ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَجَرَّدَ لِلْإِعْلَامِ وَالْبُنُوَّةِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْعِتْقِ إلَّا تَابِعًا لَوْ تَخَلَّقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ وَلَا تَثْبُتُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ ، إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيُعْتَقُ .
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا عَمِّي يَا خَالِي أَوْ يَا أَبِي يَا جَدًّ أَوْ يَا ابْنِي أَوْ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي يَا خَالَتِي أَوْ يَا أُخْتِي أَوْ لِعَبْدِهِ يَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَوَجَّهَهُ عَلَى وَجْهٍ يُدْفَعُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّدَاءِ اسْتِحْضَارَ الذَّاتِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ يُوصَفُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ جُعِلَ مُثَبِّتًا لَهُ مَعَ النِّدَاءِ وَإِلَّا لَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا لِذَلِكَ اللَّفْظِ سَوَاءٌ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ أَوْ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ إذَا خُلِقَ مِنْ مَائِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِنِيَّةٍ إلَّا بِذَلِكَ التَّحْقِيقِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لَا بِاللَّفْظِ ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ لَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِتَصْحِيحِهِ يَجِبُ كَوْنُهُ خَبَرًا صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا تَضَمَّنَهُ النِّدَاءُ بِالْوَصْفِ ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ فِي يَا حُرُّ مُسَاهَلَةٌ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْجَوَابِ فَإِنَّ الثَّابِتَ الْحُرِّيَّةُ ، فَإِنْ قَرَّرَ ثُبُوتَهَا اقْتِضَاءً لِلْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ أَوْ إثْبَاتُهُ مِنْهُ بِلَفْظِ النِّدَاءِ بِالْوَصْفِ

يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ .
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ شَاذَّةٌ فَلَيْسَ وَجْهُهَا إلَّا لُزُومُ الثُّبُوتِ اقْتِضَاءً لِلْخَبَرِ الضِّمْنِيِّ بِتَحَقُّقِ وَصْفِ الْأَبْنِيَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّسَبِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ ، وَمِثْلُهُ يُولَدُ لَهُ ، وَعَدَمُ الْعِتْقِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّسَبِ .

( وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَقَالَا : لَا يُعْتَقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالُ الْحَقِيقَةِ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ ، إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأٌ سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ ، وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ ، وَمَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ : هَذَا جَدِّي قِيلَ : هُوَ عَلَى الْخِلَافِ .
وَقِيلَ : لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ .

بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَلَوْ قَالَ : هَذَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَقُ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنَتِي فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي النِّكَاحِ .

( قَوْلُهُ لَهُمْ أَنْ هَذَا كَلَامٌ مُحَالٌ ) أَيْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ مُحَالٌ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو نَفْسُهُ ، وَإِذَا عُدَّ لَغْوًا لَمْ يُوجِبْ حُكْمًا أَصْلًا لَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا لَغَا قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْعِتْقُ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمَجَازِ عِنْدَهُمَا تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْمَجَازِيَّ لَيْسَ مَحَلًّا ، وَعِنْدَهُ لَا بَلْ الشَّرْطُ صِحَّةُ التَّرْكِيبِ لُغَةً بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا مُبْتَدَأً وَخَبَرًا ، وَمَنْ سَعِدَ بِانْتِهَاضِ وَجْهِهِ فِي الْمَبْنِيِّ سَعِدَ بِهَذَا الْفَرْعِ وَنَحْوِهِ ، وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ كُلَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ وَأَنَّهُ طَرِيقُ الْمَجَازِ ، بَلْ يَشْتَرِطَانِ بَعْدَ ذَلِكَ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ : أَيْ الْحَقِيقِيِّ .
فَتَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَنْ تَقُولَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَلَفِ بِهِ ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَوْ تَعْيِينِ الْمَجَازِ بِدَلِيلٍ آخَرَ .
وَاخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ ، فَعِنْدَهُمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ : يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يُثْبِتُهُ الْمَجَازُ كَثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي يُثْبِتُهُ نَفْسُ هَذَا اللَّفْظِ إذَا كَانَ حَقِيقَةً وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّكَلُّمِ : يَعْنِي نَفْسَ الْكَلَامِ فَيَكُونُ لَفْظُ هَذَا ابْنِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْحُرِّيَّةِ خَلَفًا عَنْ هَذَا ابْنِي مُسْتَعْمَلًا فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ .
وَقِيلَ بَلْ خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ هَذَا حُرٌّ وَهُوَ الْأَصْلُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْآخَرِ صَحِيحًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا خِلَافًا سِوَى فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ ، وَعَلَى مَا قِيلَ يَكُونُ

فِيهَا ، وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا أَنَّهُ نَفْسُ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَجَازُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ اللَّفْظُ الَّذِي يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ .
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيرِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِيجَابِ بِصِيغَتِهِ ، فَإِذَا وُجِدَ وَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ بِحَقِيقَتِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صِحَّةَ الْأَصْلِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مَعَ تَعَذُّرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ ، أَمَّا فِي هَذَا حُرٌّ فَصَحِيحٌ لَفْظُهُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا مَرَّةً بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ لِتَوَقُّفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِهِ وَإِلَّا اسْتَحَالَ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ ، وَمَرَّةً بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ وَشُرْبِ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ حَيْثُ يَحْنَثُ عَقِيبَ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ دُونَ الثَّانِيَةِ ، فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ ، وَلَمَّا أَمْكَنَ الْبِرُّ فِي الْأُولَى لِتَصَوُّرِ مَسِّ السَّمَاءِ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّ الْخَلَفِ ، وَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ ، فَرَأَيْنَا الْخَلَفَ يُعْتَمَدُ قِيَامُهُ مَكَانَ الْأَصْلِ ، وَتَارَةً بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِاللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْخَلَفِيَّةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ .
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى فَهْمِ الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِيَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى اللَّازِمِ الْمُرَادِ ، وَفَهْمُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ تَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ .
وَنُجِيبُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ تِلْكَ الْخَلْفِيَّةَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ ، وَمَعْنَى خَلْفِيَّةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِآخَرَ هُوَ

كَوْنُهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ شَرْعًا بِتَقْدِيرِ تَعَذُّرِ امْتِثَالِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا فَرْعُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ ، وَتَعَلُّقُ الْخِطَابِ دَائِرٌ مَعَ الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ كَالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْمَسِّ وَالتَّيَمُّمِ لِلْوُضُوءِ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا خَلَفٌ اسْتَحَالَ أَصْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ إذْ ذَاكَ ، وَلَمْ تَجِبْ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْبِرِّ ، وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ لُزُومِ إمْكَانِ مَحَلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخَلَفِهِ ، وَلُزُومِ إمْكَانِ مَعْنًى وُضِعَ لَهُ لَفْظٌ لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَجَازًا ، وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ الْأَصْلِيِّ هُوَ وُجُوبُ الْبِرِّ لَا الْبِرُّ نَفْسُهُ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ بِاللَّفْظِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ مَرَّةً فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَأُخْرَى فِيمَا لَمْ يُوضَعْ ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا لِذَلِكَ سِوَى وُجُودِ مُشْتَرَكٍ يَجُوزُ التَّجَوُّزُ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ شَيْئًا سِوَى إلَى إدْرَاكِ الْحَقِيقِيِّ ، ثُمَّ الْحَاجَةُ إلَى إدْرَاكِهِ لَيْسَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِتُسْتَعْلَمَ الْعَلَاقَةُ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُتَصَوَّرْ لَمْ تُعْلَمْ الْعَلَاقَةُ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مُجَرَّدِ فَهْمِهِ أَيْضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ .
فَاشْتِرَاطُ إمْكَانِ وُجُودِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْخَارِجِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَلْ اللُّغَةُ تَنْفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَجُوزَ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّهُ وِزَانُ هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ ، فَإِنَّ مَعْنَى الْمُرَكَّبِ الْحَقِيقِيِّ مُسْتَحِيلٌ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِنْسَانِ أَسَدًا ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَوَازِهِ بَلْ وَعَلَى بَلَاغَتِهِ .
وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا مُسْتَعَارٌ بِجُمْلَتِهِ ، بِخِلَافِ هَذَا أَسَدٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي نِسْبَتِهِ دُونَ الْأَلْفَاظِ مَمْنُوعٌ .
وَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَتَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَلِلْكَلَامِ طَرِيقٌ يُتَجَوَّزُ بِهِ فِيهِ

تَعَيَّنَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذْ لَا مُزَاحِمَ كَيْ لَا يُلْغِي كَلَامَ الْعَاقِلِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي مَعْنَى عَتَقَ عَلِيٌّ مِنْ حِينَ مَلَكْته اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ عَتَقَ دِيَانَةً قَضَاءً وَإِلَّا فَقَضَاءً ، وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، بِخِلَافِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ تُخْلَقَ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ فِيهِ إلَى الْمَجَازِ فَلَغَا ضَرُورَةً .
وَقَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ مَقِيسٍ آخَرَ لَهُمَا ، وَهُوَ إذَا كَانَ قَالَ لِآخَرَ قَطَعْت يَدَك خَطَأً فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْغُو هَذَا الْكَلَامُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ لِعَدَمِ إمْكَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ .
فَأَجَابَ بِأَنَّ لَغْوَهُ لَيْسَ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ لِتَعَذُّرِ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي انْقَطَعَ سَبَبُهُ مَالٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْأَرْشُ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا عَنْ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اللَّفْظِ تَجَوُّزًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ .
وَاَلَّذِي يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَالِ لَيْسَ الْقَطْعُ سَبَبًا لَهُ فَامْتَنَعَ إيجَابُ الْمَالِ مُطْلَقًا فَلَغَا ضَرُورَةً ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَخْتَلِفُ ذَاتُهَا حَاصِلَةً عَنْ لَفْظِ حُرٍّ أَوْ لَفْظِ ابْنِي ، فَأَمْكَنَ الْمَجَازِيُّ حِينَ تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ اللَّغْوِ .
وَقَوْلُهُ ( وَلَوْ قَالَ هَذَا أَبِي إلَخْ ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ : إنَّهُ يَلْغُو فَقَالَ بَلْ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ هَذَا جَدِّي فَأَجَابَ عَنْهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقِيلَ : هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يُعْتَقُ بِمِلْكِهِ .
وَثَانِيًا بِالْفَرْقِ ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ اتِّفَاقًا .
وَهُوَ أَنَّ هَذَا

الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللَّفْظِ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي ) أَيْ لِعَبْدِهِ ( لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ .
وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ ، فَحَوَالَةُ وَجْهِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَلَى قَوْلِهِ : إنَّ الْبُنُوَّةَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ ، وَيُعْرَفُ مِنْهُ وَجْهُ هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ الْأُخُوَّةَ سَبَبٌ لِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ ، وَحَوَالَةُ الظَّاهِرِ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذَا جَدِّي ، وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ .
وَنَظِيرُهُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ ، وَلَا ذِكْرَ لِمَا بِهِ يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي التَّرْكِيبِ فَلَا يُفِيدُ حُكْمًا ، وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تُقَالُ لِمَا بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ وَالدِّينِ فَلَا يَتَعَيَّنُ النَّسَبُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ أَبِي أَوْ مِنْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ عَتَقَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ، لَكِنْ تَخْرِيجُ الْفَرْعِ عَلَيْهِ قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْعُ التَّعْيِينِ لِثُبُوتِ اسْتِعْمَالِهِ كَثِيرًا فِي مَعْنَى الشَّفَقَةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هَذَا لِأَنَّهُ أَيْسَرُ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي لَمَّا تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى وَهِيَ الْمُتَعَيِّنَةُ هُنَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ هَذَا أَخِي فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِهِ .
وَدَفَعَهُ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُشَارِكِ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْقَبِيلَةِ ، وَحُكْمُ الْمُشْتَرَكِ التَّوَقُّفُ إلَى الْقَرِينَةِ ، حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ أَبِي وَنَحْوِهِ عَتَقَ ، وَبِأَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي اللَّفْظِ لِيَكُونَ مَجَازًا عَنْ

لَازِمِهِ فَامْتَنَعَ لِعَدَمِ طَرِيقِهِ ، يَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْعُ الِاشْتِرَاكِ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي النَّسَبِ مَجَازٌ فِي الْبَاقِيَاتِ ؛ وَلَوْ دَارَ بَيْنَهُمَا كَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى وَأَنَّ عِلَّةَ عِتْقِ الْقَرِيبِ عِنْدَنَا الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا خُصُوصَ الْوِلَادِ وَلِذَا يُعْتَقُ فِي هَذَا خَالِي وَعَمِّي وَهِيَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ .
وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا أَخِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ ، بِخِلَافِ الْعَمِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً ، وَهَذَا يُقَوِّي مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي هَذَا ابْنِي فَلَا يَخْلُصُ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْعِتْقِ فِي هَذَا أَخِي وَهِيَ مَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي لَا يُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ عَنْ عِتْقٍ فِي الْمُذَكَّرِ لِأَنَّهُ لِجِهَةِ الْبِنْتِيَّةِ حَقِيقَةٌ .
وَالثَّانِي عَنْهُ فِي الْأُنْثَى فَانْتَفَى حَقِيقَتُهُ لِانْتِفَاءِ مَحَلٍّ يَنْزِلُ فِيهِ ، وَلَا يَتَجَوَّزُ بِلَفْظِ الِابْنِ فِي الْبِنْتِ وَقَلَبَهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ لَازِمٍ مَشْهُورٍ وَغَيْرِهِ ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْمِيمُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالْآخَرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى الْبَدِيعِ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَجَازُ عَقْلِيًّا فِي نَفْسِ إضَافَةِ الْبِنْتِ ، وَكُلٌّ مِنْ لَفْظِ الْإِشَارَةِ وَالْبِنْتِ وَالْيَاءِ حَقِيقَةٌ ، فَالتَّجَوُّزُ فِي نِسْبَةِ الْمُرَادِ بِالْإِشَارَةِ بِالْبِنْتِيَّةِ إلَى مُسَمَّى الْيَاءِ عَنْ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ بِالْعِتْقِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَيَانُ تَعَذُّرِ عِتْقِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ ، تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى وَبَيَّنَ هَذَا الْأَصْلَ فِي

بَابِ الْمَهْرِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ حَقَقْنَاهُ فِي النِّكَاحِ ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُنَا مَعَ الْمُسَمَّى جِنْسَانِ لِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي الْإِنْسَانِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى : أَعْنِي مُسَمَّى بِنْتٍ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا لِأَنَّ الثَّابِتَ ذَكَرٌ .

( وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ تَخَمَّرِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تُعْتَقْ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُعْتَقُ إذَا نَوَى ، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ مُوَافَقَةً إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُ الْعَيْنِ ، أَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ التَّأْبِيدُ مِنْ شَرْطِهِ وَالتَّأْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ وَعَمَلُ اللَّفْظَيْنِ فِي إسْقَاطِ مَا هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ فِيهِ بِالشَّرْطِ ، أَمَّا الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ سَبَبٌ سَابِقٌ وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا ، وَلِهَذَا يَصْلُحُ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَكَذَا عَكْسُهُ .
وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ ، فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ .

( قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ جَمِيعُ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ ) كَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ ، وَالطَّلَاقُ وَالْكِنَايَةُ ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بِنْتِ مِنِّي أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَاخْرُجِي وَقُومِي وَاذْهَبِي وَاغْرُبِي وَاخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَتَقَنَّعِي ، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ ، أَوْ قَالَ لَهُ طَلَّقْتُك لَا يُعْتَقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ نَوَى ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَطْلَقْتُك وَنَوَى حَيْثُ يُعْتَقُ بِالِاتِّفَاقِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُعْتَقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا نَوَى .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا كَقَوْلِنَا ، وَالْأُخْرَى كَقَوْلِهِ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ ) أَيْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ ( مُوَافَقَةً ) .
( قَوْلُهُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ : أَعْنِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ التَّصَرُّفَيْنِ الْوَارِدَيْنِ عَلَيْهِمَا ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ النِّكَاحَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ شَرْعًا لَا مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لِتَرَتُّبِ لَازِمِ مِلْكِ الْعَيْنِ شَرْعًا عَلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّأْبِيدِ لَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَانْتِفَاءِ لَازِمِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ وَهُوَ التَّوْقِيتُ حَتَّى إنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ ، إذْ هُوَ لَازِمُ الْمِلْكِ الْمَنْفَعَةُ : أَعْنِي الْإِجَارَةَ ، وَيُسْتَفَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكُ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ كُلًّا مِنْ التَّصَرُّفَيْنِ إسْقَاطٌ لَلْمِلْكِ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَزِمَتْ السِّرَايَةُ فِيهِ ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَتَمَلُّكِ الْأَمْوَالِ وَهِيَ مَعْنَى الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَيْسَ الْعِتْقُ هُوَ الْمُثْبِتُ لَهَا ، بَلْ تَثْبُتُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ كَوْنُ الْعَبْدِ آدَمِيًّا مُكَلَّفًا ، فَإِنَّ هَذِهِ خَصَائِصُ الْآدَمِيَّةِ ، فَالْآدَمِيَّةُ مَعَ

التَّكْلِيفِ هِيَ السَّبَبُ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ بِمَانِعِ الرِّقِّ ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ الْمَانِعُ فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْمُقْتَضَى كَالزَّوْجَةِ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ ، وَالتَّزَوُّجُ امْتَنَعَ بِمَانِعِ الزَّوْجِيَّةِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ وَلَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّتَهَا عَنْهُ ، ثُمَّ بِالْفُرْقَةِ يَزُولُ الْمَانِعُ لَهَا عَنْهُ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ لَفْظَةُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَوَّلِ لِلْمُنَاسَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا نَاسَبَ الشَّيْءُ غَيْرَهُ نَاسَبَهُ الْآخَرُ .
( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ ) أَيْ مَا لَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى مُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمَعْنَى جَائِزِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ لَا يُوجِبُ شَرْعًا ثُبُوتَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ ، كَمَا لَوْ قَالَ اسْقِنِي يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعَانِ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ لِأَنَّ مُسَوِّغَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى إمَّا وَضْعُهُ لَهُ أَوْ التَّجَوُّزُ بِهِ فِيهِ ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ .
وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ التَّجَوُّزَ لَهُ طُرُقٌ مَخْصُوصَةٌ لُغَةً وَضْعُ وَاضِعِ اللُّغَةِ أَنْوَاعَهَا ، وَهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ نَوْعَ الْعَلَاقَةِ مَوْضُوعٌ وَوَضْعُ نَفْسِ اللَّفْظِ لِلْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَضْعًا عَامًّا ، وَهَذَا مَا يُقَالُ الْمَجَازُ مَوْضُوعٌ وَضْعًا نَوْعِيًّا ، وَحَقِيقَةُ الْحَاصِلِ مَعْنَى قَوْلِهِ كُلُّ لَفْظٍ وُجِدَ بَيْنَ مُسَمَّاهُ وَمَعْنًى آخَرَ مُشْتَرَكٌ اعْتَبَرْته فَلِمُتَكَلِّمٍ أَنْ يُطْلِقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَثُبُوتُ اعْتِبَارِهِ عَنْهُ بِأَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارٍ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَثَبَتَ بِهِ اعْتِبَارُهُ لِذَلِكَ النَّوْعِ لِتَحَقُّقِهِ فِي ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ أَوْ نُقِلَ اعْتِبَارُهُ .
وَالثَّابِتُ عَنْهُ فِي عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ أَنْ

يَكُونَ فِي وَصْفٍ خَرَجَ ظَاهِرٌ فِي الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ ثُبُوتُهُ فِيهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُتَجَوَّزِ بِهِ فَيَصِيرُ الْمُتَجَوَّزُ بِهِ مُشَبَّهًا وَالْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ مُشَبَّهًا بِهِ ، وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَصْفًا مُخْتَصًّا مُرَادُهُمْ كَوْنُهُ ظَاهِرًا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ لَا حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاصِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَلَا يَتَجَوَّزُ بِاعْتِبَارِهِ إلَى مَا لَيْسَ هُوَ فِيهِ ، فَلِلْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِأَسَدٍ لِلْأَبْخَرِ وَالْمَحْمُومِ مَعَ أَنَّهُمَا وَصْفَانِ مُلَازِمَانِ لِلْأَسَدِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا ، وَلِلثَّانِي وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ : الْإِعْتَاقُ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ تِلْكَ الْقُوَّةِ الَّتِي فَصَّلْنَا فُرُوعَهَا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ مِلْكِ تِلْكَ الْأُمُورِ قَبْلَهُ .
وَالْأَصْلُ فِي إضَافَةِ عَدَمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي لَا إلَى قِيَامِ الْمَانِعِ لِأَنَّ عَدَمَهُ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُقْتَضِي ، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُقْتَضِي فَيَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ مَا لَمْ يُثْبِتْ وُجُودَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ الْآدَمِيَّةُ مَعَ التَّكْلِيفِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا ، أَمَّا عَقْلًا فَظَاهِرٌ ، وَشَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا دَوَرَانُ ذَلِكَ الْمِلْكِ مَعَ الْحُرِّيَّةِ فَلْتَكُنْ هِيَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ ، وَالطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ قَيْدِ النِّكَاحِ فَيَعْمَلُ مِلْكُهَا الْقَائِمُ عَمَلَهُ حَتَّى يَجُوزَ الْخُرُوجُ وَالتَّزَوُّجُ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَهَا مُتَحَقِّقُ الثُّبُوتِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا وَشَهَادَتُهَا وَلَمْ يُمْتَنَعْ مِنْهَا سِوَى مَا قُلْنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ إزَالَةِ الْمَانِعِ فِي مَحَلٍّ لِيَعْمَلَ الْمِلْكُ الْقَائِمُ عَمَلَهُ وَبَيْنَ إثْبَاتِ الْمِلْكِ الزَّائِلِ لِمَحَلٍّ

لِعَلَاقَةٍ تُجَوِّزُ التَّجَوُّزَ ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ : أَيْ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ ثُبُوتُهَا فِيهِ أَقْوَى مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ الْمُشْبِهِ بَلْ هُوَ هُنَا عَكْسُ هَذَا ، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ الْمُشْتَرَكَ ثُبُوتُهُ فِي الْعِتْقِ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ ، وَالتَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقْتَضِي كَوْنَ الطَّلَاقِ هُوَ الْأَكْثَرُ إسْقَاطًا وَأَشْهَرُ بِهِ فَلِذَا جَازَ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ عَنْ الطَّلَاقِ لِوُقُوعِهِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَامْتَنَعَ عَكْسُهُ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ حَيْثُ كَانَ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ فِيهِ لَفْظُ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ ، بِخِلَافِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ الْمُسَبَّبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا إنْ اخْتَصَّ وَإِلَّا وُجِدَ الْمُسَبَّبُ دُونَ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَلَازُمَ فَلَا عَلَاقَةَ ، وَمَا قِيلَ لَيْسَ سَبَبًا أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَأَعْتَقَهَا لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ الْعِلَّةُ وَهُوَ مُنْتَفٍ .
وَلَوْ سَلَّمَ فَالْعِلَّةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ عِنْدَ كَوْنِ الْحُكْمِ مَعْدُومًا قَبْلَهَا ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْبَوْلَ بَعْدَ الرِّيحِ لَا يُوجِبُ حَدَثًا وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لِلْحَدَثِ ، وَعَلَى مَنْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ يُوجِبُ حَدَثًا آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : أَوْجَبَ الْعِتْقَ حُرْمَةً أُخْرَى لِلْمُتْعَةِ ، فَعَنْ هَذَا قِيلَ الْكِنَايَاتُ مِنْهَا مَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِنَفْسِك أَوْ مَلَّكْتُكهَا أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك ، فَهَذِهِ كِنَايَاتٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِتْقِ فَاسْتَغْنَتْ عَنْهَا .
وَمِنْهَا مَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَلَفْظِ الطَّلَاقِ

وَكِنَايَاتِهِ .
وَالتَّحْقِيقُ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي مَوْلَايَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا سِوَى الْعِتْقِ انْتَفَتْ إرَادَتُهُ فَتَعَيَّنَ فَأُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ ، وَالِانْتِفَاءُ الْمَعْنَى الْمُزَاحِمُ هُنَا بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ فَتَعَيَّنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ وَإِلَّا فَيُجْعَلَانِ صَرِيحًا ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَقَدْ اخْتَرْنَاهُ فِي كُتُبِنَا .

( وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يُعْتَقْ ) لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ ( وَلَوْ قَالَ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ( وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ ) لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ ( وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ عَتَقَ ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ، وَأَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِهِ ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْوِي كَمَا لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ، لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ عَتَقَ إذَا نَوَاهُ .
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَوْ خَاطَ مَمْلُوكُهُ ثَوْبًا فَقَالَ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ .
وَفِي الْهَارُونِيِّ : لَوْ رَآهَا تَمْشِي فَقَالَ هَذِهِ مِشْيَةُ حُرٍّ أَوْ تَتَكَلَّمُ فَقَالَ هَذَا كَلَامُ حُرٍّ لَمْ تُعْتَقْ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ أَرَدْت الْعِتْقَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ : يُعْتَقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ وَعَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَبْيٍ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَبَوَاك حُرَّانِ .
وَفِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ قَالَ فَرْجُك حُرٌّ مِنْ الْجِمَاعِ فَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْقَضَاءِ ، وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُعْتَقُ .
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ : اسْتُك حُرٌّ كَانَ حُرًّا ، وَكَذَا ذَكَرُك حُرٌّ وَتَقَدَّمَ .

فَصْلٌ ( وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ " وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَيَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَالِفُنَا فِي غَيْرِهِ .
لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ أَوْ لَا يَقْتَضِيه ، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ أَوْ الِاسْتِدْلَال بِهِ ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ التَّكَاتُبُ عَلَى الْمَكَاتِبِ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ وَلَمْ يَمْتَنِعُ فِيهِ .
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ ، وَالْوِلَادُ مَلْغِيٌّ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَحَرُمَ النِّكَاحُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ .
وَالْمَكَاتِبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يُقْدِرُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالِافْتِرَاضِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، بِخِلَافِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابَةِ فَامْتَنَعَ الْبَيْعُ فَيَعْتِقُ تَحْقِيقًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَا ثَبَتَتْ بِالْقَرَابَةِ وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ .

( فَصْلٌ ) أَعْقَبَ الْعِتْقَ الِاخْتِيَارِيَّ بِالِاضْطِرَارِيِّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ } وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَبَبِ أَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ سُفْيَانَ وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ ، وَقَالَ : ضَمْرَةُ ثِقَةٌ ، وَإِذَا أَسْنَدَ الْحَدِيثَ ثِقَةٌ فَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِهِ وَلَا إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ وَلَا وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ ، وَصَوَّبَ ابْنُ الْقَطَّانِ كَلَامَهُ ، وَمِمَّنْ وَثَّقَ ضَمْرَةَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الصَّحِيحِ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ } فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ : انْفَرَدَ بِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ ، قَالَ : وَقَدْ شَكَّ فِيهِ ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ إسْمَاعِيلَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسِبُ حَمَّادٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ مُرْسَلًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ انْتَهَى .
وَفِيهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ أَنَّ رَفْعَ الثِّقَةِ لَا يَضُرُّهُ إرْسَالُ غَيْرِهِ .
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَعَائِشَةَ وَعَلِيٍّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ .
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَ أَخِيهِ مَمْلُوكَتَهُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا

فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ أَوْلَادَهَا فَأَتَى ابْنُ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ : إنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي وَلِيدَتَهُ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : كَذَبَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي دَخَلْتُ السُّوقَ فَوَجَدْت أَخِي يُبَاعُ فَاشْتَرَيْتُهُ ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْتِقَهُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْتَقَهُ } .
( قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .
وَفِي الْغَايَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَحَمَّادُ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاللَّيْثُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَإِسْحَاقُ وَالظَّاهِرِيَّةُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَعْتِقُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لَا غَيْرُ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ : إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقَهُ فَائِدَةٌ ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ فَلَا تَمْنَعُ بَقَاءَهُ .
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } ثَبَتَ بِهِ أَنَّ الِابْنِيَّةَ تُنَافِي الْعَبْدِيَّةَ ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الِابْنِيَّةُ انْتَفَتْ الْعَبْدِيَّةُ وَالْمُرَادُ

بِالنَّصِّ فَيُعْتِقُهُ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ ، وَالتَّعْقِيبُ حَاصِلٌ إذْ الْعِتْقُ يَعْقُبُ الشِّرَاءَ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا لَهُ الْمِلْكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِ لِاسْتِعْقَابِ الْبَيْنُونَةِ ( قَوْلُهُ : لَهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْمَالِكِ ) فِي الْوِلَادِ ( يَنْفِيهِ الْقِيَاسُ ) عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ مِنْ الْعَبِيدِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَمْلَاكِ إذْ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضًا وَاخْتِيَارٍ ( أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ ) الْقِيَاسُ وَلَا يَنْفِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي الْوِلَادِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ ، وَالْأُخُوَّةُ وَمَا يُضَاهِيهَا نَازِلَةٌ عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ : أَيْ إلْحَاقُ غَيْرِ الْوِلَادِ بِالْوِلَادِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ : أَيْ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ ، بَلْ يَجِبُ الْإِلْحَاقُ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ مِنْ الْقَرَابَاتِ ، فَالْقَرَابَاتُ ثَلَاثٌ وِلَادٌ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَعَدَمِهَا كَأَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَأَبْنَاءِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ .
وَيَجِبُ رَدُّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى مَا هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ قَرَابَتَيْ الْوِلَادِ وَغَيْرِ الْمَحَارِمِ ، وَهُوَ بِالثَّانِي أَشْبَهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، أَمَّا حَقِيقَةً فَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ قَرَابَةُ مُجَاوِرَةٍ فِي الرَّحِمِ ، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ قَرَابَةٌ بَعْضِيَّةٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّا رَأَيْنَا أَحْكَامَهُمْ مُتَّحِدَةٌ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَوَدِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ ( قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا ) فَيَضْمَحِلُّ مَعَهُ جَمِيعُ الْمَعَانِي الْمُعَيَّنَةِ .
وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ بَلْ دَلَالَةُ النَّصِّ تَقْرِيرُهُ ( مِلْكُ قَرِيبِهِ قَرَابَةً مُؤْثَرَةٍ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ )

كَمَا فِي الْوِلَادِ ( وَهَذَا ) أَعْنِي كَوْنُهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةِ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْأَصْلِ ) وَهُوَ قَرَابَةُ الْوِلَادِ : يَعْنِي هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ فِيهِ وَالْوِلَادُ مَلْغِيٌّ ، وَلَوْ سُلِّمَ فَغَايَةُ مَا صَنَعَ أَنَّهُ أَرَانَا عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يُعَلِّلَ الْأَصْلَ بِأُخْرَى مُتَعَدِّيَةٍ إلَى مَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ تِلْكَ وَهِيَ مَا عَيَّنَّاهُ مِنْ الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِأَنَّهَا قَدْ ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ دَفْعُ مِلْكِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ أَدْنَى الذِّلَّتَيْنِ ، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي دَفْعِ أَعْلَاهُمَا وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ أَوْلَى ، وَهَذَا الْمَسْلَكُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ هُوَ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ وَالنَّصُّ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِهِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِمَا عُرِفَ ، وَهَذَا يُفِيدُ إلْغَاءَ مَا عَيَّنَهُ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ ) إلْزَامٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ خِلَافُهُ وَكَأَنَّهُ ثَابِتٌ اتِّفَاقًا ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِثِقَةِ الرُّوَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى الِانْفِرَادِ بِالرَّفْعِ ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَصِلُ وَكَثِيرًا مَا يُرْسِلُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاسِطَةٍ ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ عَيَّنَ الْوَاسِطَةَ مَرَّةً وَتَرَكَ أُخْرَى ، وَلَوْ كَانَ مُرْسَلًا كَانَ مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَقْبُولِ .
أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيُقْبَلُ بِلَا شَرْطٍ بَعْدَ صِحَّةِ السَّنَدِ وَقَدْ عُلِمَتْ صِحَّتُهُ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَيُقْبَلُ إذَا عَمِلَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَفْقِهِ ، وَأَنْتَ سَمِعْت أَنَّ الثَّابِتَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ

يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُمْ ، فَثَبَتَ بِهَذَا مُشَارَكَةُ هَذِهِ الْقَرَابَةِ لِلْوِلَادِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، فَإِنْ شَارَكُوا غَيْرَ الْمَحَارِمِ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ اعْتِبَارُهُمْ بِهِمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إلْحَاقٌ بِالْأَشْبَهِيَّةِ وَلَا أَثَرَ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَهُ فَالْمَعْنَى الَّذِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْلَى مِنْهُ فَكَيْفَ مَعَ النَّصِّ عَلَى نَفْسِ حُكْمِ الْفَرْعِ .
( قَوْلُهُ وَالِافْتِرَاضُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ لِعَدَمِ التَّكَاتُبِ فَقَالَ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الَّتِي عَيَّنَهَا الشَّرْعُ افْتِرَاضُ الْوَصْلِ ، وَالِافْتِرَاضُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ قَائِمَةٌ بِالْحُرِّ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ ، وَالْكِتَابَةُ نَوْعُ إعْتَاقٍ فَلَيْسَ كِتَابَةُ غَيْرِ الْوِلَادِ مِمَّا تَنْتَظِمُ كِتَابَتُهُ ، بِخِلَافِ كِتَابَةِ الْوِلَادِ فَإِنَّهُ لِكَوْنِ الْجُزْئِيَّةِ قَائِمَةً يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَرِدُ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ ، عَلَى أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَى الْأَخِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِمَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ نَفْسِهِ وَشَهَادَةٌ لَهَا مِنْ وَجْهٍ ، وَهَذَا الْمَانِعُ مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ .
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ .
وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ عِتْقُ الْحَرْبِيِّ فِي

دَارِ الْحَرْبِ قَرِيبَهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا .
أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّاهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ : يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَقَالَ : لَا وَلَاءَ لَهُ ، لَكِنَّ عِتْقَهُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ فَهُوَ كَالْمُرَاغَمِ ثُمَّ قَالَ : الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ .
وَلَا وَلَاءَ لَهُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهُ الْوَلَاءُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ، وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْإِيضَاحِ أَنْ يُرَادَ بِالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَهُنَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُنَا فَلِذَا لَمْ تَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِعِلَّةِ الْقَرَابَةِ الْمُورِثَةِ بِالنَّصِّ ، فَلَمْ يَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ .

( وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ ) لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ بِعَدَمِهِ فِي اللَّفْظَيْنِ الْآخَرَيْنِ .

( وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ ) لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ .
( قَوْلُهُ وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ ) فِي الْمُكْرَهِ خِلَافَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يُزِيلُ إلَّا الرِّضَا وَالْعِتْقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ، وَلِذَا جَازَ عِتْقُ الْهَازِلِ .
وَفِي السَّكْرَانِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْوُقُوعِ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ .

( وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ ) أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيُجْرَى فِيهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ ) كَمَا يَقُولُ : إنْ مَلَكْتُك أَوْ مَلَكْت عَبْدًا وَنَحْوَهُ فَهُوَ حُرٌّ ( فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ) أَيْ وَحْدَهُ ، فَإِنَّ مَالِكًا يُوَافِقُنَا فِيهِ وَكَذَا عَنْ أَحْمَدَ .
وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ إذْ لَمْ يُجَوِّزْ إضَافَتَهُ إلَى الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ .
وَعِنْدَنَا الْمُصَحَّحُ مُطَّرِدٌ فِيهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ فَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيقُ ) لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ لِلْوُقُوعِ بَقَاءُ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ فَعِنْدَنَا زَوَالُ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ وَعِنْدَهُ يُبْطِلُهُ ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْعِقَادِ الْمُعَلَّقِ سَبَبًا فِي الْحَالِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ .

( وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى } وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً .

( قَوْلُهُ وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ ) سَوَاءٌ خَرَجَ سَيِّدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمًا أَوْ لَا .
وَقُيِّدَ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَعْتِقْ ، وَبِقَوْلِنَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إذَا خَرَجَ سَيِّدُهُ مُسْلِمًا يُرَدُّ إلَيْهِ .
وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ : إذَا أَسْلَمَ عَتَقَ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ .
وَأَوْرَدَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَيْهِ أَنَّ سَلْمَانَ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ .
ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إلَّا لِعِتْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ وَهِيَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِدَهْرٍ .
وَبِدَعْوَى نَسْخِ تَمَلُّكِ الْكَافِرِ لِلْمُؤْمِنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلَا شَكَّ فِي اتِّجَاهِ الْإِيرَادِ وَهُوَ مِمَّا يَصْلُحُ دَلِيلًا لَنَا .
وَفِي الْجَوَابِ مَا لَا يَخْفَى ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَادِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد قَالَ : { خَرَجَ عِبْدَانُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ ، فَقَالَ مَوَالِيهِمْ : يَا مُحَمَّدُ وَاَللَّهِ مَا خَرَجُوا رَغْبَةً فِي دِينِكَ وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ ، فَقَالَ نَاسٌ : صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا ، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ وَقَالَ : هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي غَزْوَةِ

الطَّائِفِ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي جَمَاعَةً مِنْ الْعَبِيدِ خَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا أَبُو بَكْرَةَ وَوَرْدَانُ وَالْمُنْبَعِثُ وَالْأَزْرَقُ وَمُحْسِنُ النِّبَالُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ وَيَسَارٌ وَنَافِعٌ وَمَرْزُوقٌ ، كُلُّ هَؤُلَاءِ أَعْتَقَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ تَكَلَّمُوا فِي هَؤُلَاءِ أَنْ يُرَدُّوا إلَى الرِّقِّ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ " وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ { أَنَّهُ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُمْ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ الْعُتَقَاءُ } .
وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد : { فَلَمَّا أَسْلَمَ مَوَالِيهِمْ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءَ إلَيْهِمْ } وَفِيهِ مَجْهُولٌ .
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا وَقَالَ { ثُمَّ وَفَدَ أَهْلُ الطَّائِفِ فَأَسْلَمُوا وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْكَ فَقَالَ : لَا ، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ وَرَدَّ إلَى كُلِّ رَجُلٍ وَلَاءَ عَبْدِهِ } قَوْلُهُ ابْتِدَاءً ) احْتِرَازٌ عَنْ بَقَاءِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِطَرِيقِهِ .

( وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا لَهَا ) إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا ( وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ دُونَهَا ) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَيْهِ تَبَعًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَنِينِ وَشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ فَافْتَرَقَا .

( قَوْلُهُ عَتَقَ حَمْلَهَا ) بِإِجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ ، وَقَوْلُهُمْ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقْت لَا يَعْتِقُ هُوَ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ .
وَلَوْ مَاتَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَرِثَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ عِتْقَ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ بَلْ قَبْلَهُ وَتَعْتِقُ أُمُّهُ تَبَعًا لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُمِّ إذَا عَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا عِنْدَ بَيْعِهَا لَا يَجُوزُ قَصْدًا فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ .
( قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ ) وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ الْعِتْقَ بِوَلَدِهَا ثُمَّ عِتْقُهَا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَبِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يُرَدُّ نَقْضًا لَوْ كَانَ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ تَبَعًا لِعِتْقِ ابْنِهَا بِالنَّصِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ هُوَ فَرْعُ عِتْقِهِ وَهُوَ فَرْعُ سَابِقِيَّةِ رِقِّهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُعَلِّقُ حُرًّا فَلَا يُرَدُّ نَقْضًا أَصْلًا لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُ خَرَجَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ .
( قَوْلُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى التَّسْلِيمِ فَلِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْآبِقِ وَيَجُوزُ عِتْقُهُ .

( وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ صَحَّ ) وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ ، وَلَا إلَى إلْزَامِهِ الْأُمَّ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ ، وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتِقِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَبَلِ وَقْتَ الْعِتْقِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ .

قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ ) الْحَوَالَةُ غَيْرُ رَائِجَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْخُلْعِ حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالِ مُعَاوَضَةٍ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِهِ نَفْسَهُ وَتَحْدُثُ لَهَا الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَذَلِكَ أَيْ شَيْءٌ نَفِيسٌ ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ إلَّا عَلَى مَنْ يُسَلَّمُ لَهُ الْمُعَوَّضُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْدُثُ لَهَا قُوَّةٌ بِهِ وَلَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ثَابِتًا لَهَا قَبْلَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهَا جَازَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَنِينِ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ ، فَلِذَا لَوْ قَالَ لِلْأَمَةِ أَعْتَقْتُ مَا فِي بَطْنِك عَلَى أَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ عَتَقَ بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى أَمَتِهِ شَيْءٌ بِسَبَبِ غَيْرِهَا .
( قَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ ، فَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا تَوْأَمَيْنِ جَاءَتْ بِأَوَّلِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِالثَّانِي لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ ، أَوْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَمَةُ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ حِينَئِذٍ فَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِوُجُودِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَعَلَى هَذَا فَرْعُ مَا لَوْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ ثُمَّ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، إنْ ضَرَبَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَجِبُ دِيَةُ الْجَنِينِ لِأَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ حُرٌّ لِأَنَّهُ حُرٌّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَكُونُ

لِعُصْبَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى قَاتِلٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ ، وَإِنْ ضَرَبَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ كَذَا ذُكِرَ .

قَالَ ( وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا .
( قَوْلُهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ) التَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَعْلَقُ حُرًّا لَا أَنَّهُ يَعْلَقُ مَمْلُوكًا ثُمَّ يَعْتِقُ كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلَّا حُرًّا .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : الْوَلَدُ يَعْلَقُ حُرًّا مِنْ الْمَاءَيْنِ لِأَنَّ مَاءَهُ حُرٌّ وَمَاءَ جَارِيَتِهِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ ، بِخِلَافِ ابْنِهِ مِنْ جَارِيَةِ الْغَيْرِ فَإِنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهَا بِيَقِينٍ ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ ، وَلِذَا لَا يَنْتَفِي عَنْهَا بِحَالٍ وَقَدْ يَنْتَفِي عَنْ الْأَبِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِالزِّنَا وَبَعْدَ الْمُلَاعَنَةِ حَتَّى يَتَوَارَثَانِ دُونَ الْأَبِ فَكَانَ مَاؤُهَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ عِنْدَ التَّعَارُضِ ، أَوْ لِاسْتِهْلَاكِ مَائِهِ بِمَائِهَا لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ وَيَزْدَادُ قُوَّةً مِنْهَا لِأَمَتِهِ ، أَوْ تَرَجَّحَ بِالْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ أَوْ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَعُضْوٍ مِنْهَا حَتَّى قَدْ يُقْرَضُ بِالْمِقْرَاضِ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِهَا وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ الْوَلَدِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِرِقِّهَا وَفِي هَذَا إجْمَاعٌ ، حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ هَاشِمِيًّا كَانَ وَلَدُهُ هَاشِمِيًّا مَرْقُوقًا ، بِخِلَافِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَلِذَا قُلْنَا : يَعْلَقُ حُرًّا فِي حَقِّهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ .

( وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا ) لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ الْحَضَانَةِ أَوْ لِاسْتِهْلَاكِ مَائِهِ بِمَائِهَا وَالْمُنَافَاةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّ الْوَالِدَ مَا رَضِيَ بِهِ .

( وَوَلَدُ الْحُرَّةِ حُرٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ) لِأَنَّ جَانِبَهَا رَاجِحٌ فَيَتَّبِعُهَا فِي وَصْفِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتَّبِعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية وَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْمَمْلُوكِيَّةِ والمرقوقية ) أَوْرَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِيُفِيدَ تَغَايُرَ مَفْهُومَيْهِمَا ، فَالرِّقُّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَالْمِلْكُ هُوَ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعُ سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ حَقُّهُ ، فَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْأَسِيرُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ لَا الْمَمْلُوكِيَّةِ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ، فَالْمِلْكُ عَامٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ وَالرِّقُّ خَاصٌّ بِالْإِنْسَانِ ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ وَلَا يَزُولُ الرِّقُّ ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا .
لَكِنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ قَصْدًا ثُمَّ يُتْبِعُهُ الرِّقُّ ضَرُورَةً فَرَاغَهُ بِذَلِكَ الزَّوَالِ عَنْ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِرَقَبَتِهِ فَبَيَّنَ بِهِمَا أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْخَاصِّ وَالْعَامِّ ، وَلِذَا إذَا تَوَلَّدَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ مَعَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ يُؤْكَلُ ، وَإِذَا تَوَلَّدَ بَيْنَ الْوَحْشِ وَالْإِنْسِيَّةِ كَالْبَقَرَةِ يَنْزُو عَلَيْهَا حِمَارُ وَحْشٍ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ ، وَلِاخْتِلَافِ مَفْهُومَيْهِمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْكَمْيَّةِ فِي شَخْصٍ فَهُمَا كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ .
وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ عِتْقُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ .
وَالْمُكَاتَبُ عَكْسُهُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ .
وَمَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَكَيْفَ يَقْبَلُ النُّقْصَانَ يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنُقْصَانِ الرِّقِّ نُقْصَانُ حَالِهِ لَا نُقْصَانُ ذَاتِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ

وَحُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ، وَفِي النَّسَبِ يَتْبَعُ الْأَبَ وَفِي الدِّينِ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ ( وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ ) عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : ( يَعْتِقُ كُلُّهُ ) وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْتِقُ كُلُّهُ .
لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ ، وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ، أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ .
وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِضَافَةِ وَالتَّعَدِّي إلَى مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجْزِيءِ ، وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْعَبْدِ ، وَالْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِيَّةِ فِي كُلِّهِ ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ ، فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكُ يَدٍ إلَّا رَقَبَةً ، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ .
وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا إلَى أَحَدٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ وَيُفْسَخُ ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ

حَالَةً مُتَوَسِّطَةً ، فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ ، حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ .
وَفِي الْقِنَّةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ .

( بَابُ الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ ) لَا شَكَّ فِي كَثْرَةِ وُقُوعِ عِتْقِ الْكُلِّ وَنُدْرَةِ عِتْقِ الْبَعْضِ ، وَفِي أَنَّ مَا كَثُرَ وُجُودُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ ، وَأَنَّ دَفْعَ الْحَاجَةِ الْمَاسَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّادِرَةِ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ ، وَالِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فَيَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ .
ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ السِّعَايَةِ فَعَلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَمَلٌ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ غَيْرُ هَذَا ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ جَبْرًا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا كَرُبْعِك حُرٌّ وَنَحْوِهِ ، فَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك أَوْ شِقْصٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ ، وَلَوْ قَالَ : سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَقِيَاسُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَعْتِقَ سُدُسَهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ مِنْ عَبْدِهِ فَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ .
وَقَوْلُهُ : عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ تَعْبِيرٌ بِالْعِتْقِ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا عَنْ زَوَالِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَقِيقٌ كُلُّهُ بِخِلَافِهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَقَالَا : يَعْتِقُ كُلُّهُ فَإِنَّهُ عَنْ زَوَالِ الرِّقِّ : أَيْ وَقَالَا يَزُولُ الرِّقُّ عَنْهُ كُلُّهُ .
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدُ : وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ : وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى وَاحِدًا أَوْ كَانَ لِشَرِيكَيْنِ وَالْمُعْتَقُ مُوسِرٌ ، أَمَّا إذَا كَانَ لِشَرِيكَيْنِ وَالْمُعْتَقُ مُعْسِرٌ فَيَبْقَى مِلْكُ السَّاكِتِ كَمَا كَانَ حَتَّى جَازَ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ تَجْزِيءِ

الْإِعْتَاقِ تَجْزِيءُ الْمَحَلِّ فِي قَبُولِ حُكْمِهِ فَيَثْبُتُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ .
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ فِي تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي التَّجْزِيءِ وَعَدَمِهِ ، فَإِنَّ الْقَائِلَ الْعِتْقُ أَوْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ لَمْ يُرِدْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُرِيدُهُ بِهِ قَائِلٌ إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ زَوَالُ الرِّقِّ أَوْ إزَالَتُهُ إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي عَدَمِ تَجْزِيئِهِ بَلْ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ إزَالَتُهُ ، وَلَا خِلَافَ فِي تَجْزِيئِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : اُخْتُلِفَ فِي تَجْزِيءِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ أَوْ الْإِعْتَاقِ ، بَلْ الْخِلَافُ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا فِيمَا يُوجِبُهُ الْإِعْتَاقُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ ، فَعِنْدَهُ زَوَالُ الْمِلْكِ وَيَتْبَعُهُ زَوَالُ الرِّقِّ فَلَزِمَ تَجْزِيءُ مُوجَبِهِ ، غَيْرَ أَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ شَرْعًا كَحُكْمِ الْحَدَثِ لَا يَزُولُ إلَّا عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ الْأَعْضَاءِ وَغَسْلُهَا مُتَجَزِّئٌ ، وَهَذَا لِضَرُورَةِ أَنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ هِيَ قُدْرَةٌ عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ كَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِنِيَّتِهِ وَنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ هَذِهِ فِي بَعْضِهِ شَائِعًا فَقَطَعَ بِعَدَمِ تَجْزِيئِهِ وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ قَطْعًا .
فَلَزِمَ مَا قُلْنَا مِنْ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَعْضِ ، وَتَوَقَّفَ زَوَالُ الرِّقِّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْبَاقِي ، وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ الدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَوَّلًا زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ ، وَالْوَجْهُ مُنْتَهِضٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ .
أَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى حَقِّهِ وَحَقُّهُ الْمِلْكُ ، أَمَّا الرِّقُّ فَحَقُّ اللَّهِ أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَلْزَمُ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِعْتَاقِ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوَّلًا ثُمَّ يَزُولُ الرِّقُّ شَرْعًا اتِّفَاقًا إذَا

زَالَ لَا إلَى مَالِكٍ ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُسَمَّى إعْتَاقًا وَإِلَّا لَكَانَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ إعْتَاقًا ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ إزَالَةَ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعِتْقِ لَا إزَالَةُ الْمِلْكِ كَيْفَمَا كَانَ .
وَأَمَّا السَّمْعُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } أَفَادَ تَصَوُّرُ عِتْقِ الْبَعْضِ فَقَطْ .
وَقَوْلُ أَيُّوبَ : لَا نَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ هُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يَضُرُّ ، إذْ الظَّاهِرُ بَلْ الْوَاجِبُ أَنَّهُ مِنْهُ ، إذْ لَا يَجُوزُ إدْرَاجُ مِثْلِ هَذِهِ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ فِي إفَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ يُوجِبْ فِي الْحَدِيثِ عِلَّةً قَادِحَةً ، وَكَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } ، أَيْ لَا يُغْلِي عَلَيْهِ الثَّمَنَ ، أَفَادَ عَدَمَ سِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى الْكُلِّ بِمُجَرَّدِ عِتْقِ الْبَعْضِ وَإِلَّا لَكَانَ قَدْ خَلَصَ قَبْلَ تَخْلِيصِ الْمُعْتَقِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ .
وَأَمَّا مَا رُوِيَ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ فَهُوَ عَتِيقٌ } وَفِي لَفْظٍ { فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ } فَإِنَّمَا يَقْتَضِي عِتْقُ كُلِّهِ إذَا كَانَ لَهُ

مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ ، وَلَيْسَ مُدَّعَاهُمَا ذَلِكَ بَلْ إنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ بِمُجَرَّدِ إعْتَاقِ بَعْضِهِ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا ، فَقَدْ أَفَادَتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْعِتْقَ مِمَّا يَقْتَصِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ السِّرَايَةَ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ .
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ كَانَ إعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقًا لِلْكُلِّ وَإِتْلَافًا لَهُ لَضَمِنَ مُطْلَقًا ، كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ بِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي هَذَا : إنَّ السِّعَايَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاقْتِصَارُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } زَوَالَ الْمِلْكِ ، وَكَذَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِتَجْزِيئِهِ كَالْحَسَنِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ : إنَّ قَوْلَ عُمَرَ قَوْلُهُمَا فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كَانَ لَنَا غُلَامٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي وَأَخِي الْأَسْوَدِ فَأَرَادُوا عِتْقَهُ وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا ، فَذَكَرَ الْأَسْوَدُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : أَعْتِقُوا أَنْتُمْ ، فَإِذَا بَلَغَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ فِيهِ أَعْتَقَ وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ .
أَثْبَتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ إعْتَاقُهُمَا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَزِمَ الْمَطْلُوبُ ، وَهُوَ أَنَّ النَّازِلَ بِالْإِعْتَاقِ بِالذَّاتِ زَوَالُ الْمِلْكِ ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي إعْتَاقِ بَعْضِ الْعَبْدِ الْخَاصِّ بِهِ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْقَدْرِ : أَيْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَبْقَى كَمَالُ

الرِّقِّ فِيهِ كُلِّهِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا ، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا زَالَ بِالْإِعْتَاقِ هُوَ الْمِلْكُ وَالرِّقُّ ثَابِتٌ فِي كُلِّهِ وَلَازَمَهُ شَرْعًا أَنْ لَا يَبْقَى فِي الرِّقِّ لَزِمَ أَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَاقِي عِنْدَهُ ، وَمَا لَمْ يُؤَدَّ السِّعَايَةُ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عِتْقُ كُلِّهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ ، وَكَوْنُهُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَدَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِخْدَامَ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا كُلَّهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الِاسْتِخْدَامِ ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى زَالَ الْمِلْكُ عَنْ بَعْضِهِ لَا إلَى مَالِك صَدَقَةٍ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَالُ ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ تَضْمِينُهُ قَسْرًا ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ بِاخْتِيَارِهِ يُقَالُ وَيُفْسَخُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ ، وَعَلَى هَذَا مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ وَلَدَتْ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ الْقِيمَةَ عَنْ نَصِيبِهِ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشَّرِيكِ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً حِينَ وَلَدَتْ وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهَا ، وَالِاعْتِرَاضُ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمُكَاتَبِ لِهَذَا الْفَرْقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ وَجْهِ الشَّبَهِ فِيهِ ، وَإِذَا تَحَقَّقْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ إلْحَاقِهِمْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالِاسْتِيلَادِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إلْحَاقُ إزَالَةِ الرِّقِّ بِهَا فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ فَغَيْرُ مَحَلَّ الْخِلَافِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا أَوْ إلْحَاقَ إزَالَةِ الْمِلْكِ بِهَا فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ، لِأَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ

لَا يَقُولُونَ بِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ .
وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي تَقْرِيرِهِ أَنْ يُجْعَلَ إلْحَاقًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ بِأَنْ يَتَنَزَّلَ وَيَدَّعِي أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ زَوَالُ الْمِلْكِ إلَى مَالِكٍ لَا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ إلْحَاقًا بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ ، فَإِنَّ فِي الطَّلَاقِ زَوَالَ مِلْكٍ لَا إلَى مَالِكٍ وَفِي الْعَفْوِ زَوَالُ حَقٍّ لَا إلَى مُسْتَحَقٍّ آخَرَ وَالِاسْتِيلَادُ زَوَالُ مِلْكٍ كَذَلِكَ : أَعْنِي مَالِكَ بَيْعِهَا وَهِبَتِهَا .
وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّهُ إلْحَاقٌ بِلَا جَامِعٍ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّجْزِيءِ فِي الْأُصُولِ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ ، إذْ لَا يُمْكِنُ نِصْفُ الْمَرْأَةِ مَنْكُوحَةً وَنِصْفُهَا مُطَلَّقَةً ، وَلَا نِصْفُهَا مُسْتَوْلَدًا وَنِصْفُهَا لَا ، وَلَا إسْقَاطُ نِصْفِ حَقِّ الْقَتْلِ ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِثُبُوتِ حَقِّهِ لَا نِصْفِهِ ، فَمَعَهُ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ مَعْنَى سُقُوطِ الْقِصَاصِ ، وَلَيْسَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ لَا إلَى مَالِكٍ ، بَلْ لَا أَثَرَ لِكَوْنِ الزَّوَالِ إلَى مَالِكٍ أَوَّلًا إلَيْهِ ، بِخِلَافِ زَوَالِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ حَالَةً مُتَوَسِّطَةً : أَيْ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا زَوَالُ كِلَيْهِمَا أَوْ بَقَاؤُهُمَا ، ( فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ ) أَيْ فَأَثْبَتْنَا زَوَالَ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ ، فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِمَا مُوجِبُ الْحُرْمَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْعَفْوُ وَمُوجِبُ الْحِلِّ وَهُوَ عَدَمُ اتِّصَافِ الْبَعْضِ بِهِ .
وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَمُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ عَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، وَإِنَّمَا كَمُلَ فِي الْقِنَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَادِ فَصَارَ مُسْتَوْلِدًا جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَثَبَتَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ ضَرُورَةً .

( وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ ) ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ أَعْتَقَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ، .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ ) أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمُعْتِقُ ( مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ) مُنْجَزًا أَوْ مُضَافًا ، وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى ، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ ( وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ ) قِيمَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَهُ ( وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ) فِيهَا .

فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ ( وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ) وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
.

( فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ ( وَهَذَا ) كُلُّهُ ( عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ ، وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ خَمْسَ خِيَارَاتٍ : هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَأَنْ يُدْبِرَهُ وَعَلِمْتَ حُكْمَهُ أَنْ يُسْتَسْعَى وَأَنْ يُكَاتِبَهُ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ عَنْ السِّعَايَةِ يُؤَاجِرُهُ جَبْرًا ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عِوَضٍ أَكْثَرَ ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عُرُوضٍ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ صَبِيًّا وَالْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَالْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ لِوَلِيِّهِ ، وَالتَّضْمِينُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَرُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ .
قِيلَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا لِيَخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا التَّضْمِينُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتَبَ وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتَبَ ، وَلَكِنْ قَالَ : سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ ،

وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعُ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً .
وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِمَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا وَهُوَ الْمَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَتَقْدِيرُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ صَحِيحًا ثُمَّ عَمِيَ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ صَحِيحًا ، وَقَلْبُهُ لَوْ كَانَ أَعْمَى يَوْمَ الْعِتْقِ فَانْجَلَى بَيَاضُ عَيْنَيْهِ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ أَعْمَى لِأَنَّهُ حَالُ ثُبُوتِ سَبَبِ الضَّمَانِ ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ وَقْتَ الْعِتْقِ ، فَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْعِتْقِ فَأَعْسَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ لَا ضَمَانَ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا نَظَرَ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْعِتْقِ فِيمَا مَضَى يُقَوَّمُ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ فَيُحَالُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ ظُهُورِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ ، وَلَوْ تَصَادَقُوا عَلَى وَقْتِ الْعِتْقِ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ كَالْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَيُنْكِرُ الزِّيَادَةَ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ : أَعْتَقْتُ وَأَنَا مُعْسِرٌ وَقَالَ الشَّرِيكُ بَلْ وَأَنْتَ مُوسِرٌ ، نُظِرَ إلَى حَالِهِ يَوْمَ ظَهَرَ الْعِتْقُ إمَّا لِأَنَّهُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا مَضَى يَحْكُمُ الْحَالُ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ مُوسِرًا فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْيَسَارَ فِيمَا مَضَى ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَدَّعِي

الْعُسْرَةَ فِيمَا مَضَى ، وَهُوَ كَالْمُسْتَأْجَرِ مَعَ رَبِّ الطَّاحُونَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ يَحْكُمُ الْحَالُ .
وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ يَخْتَلِفُ حَالُهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ فِي إنْكَارِ يَسَارِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ ، وَإِذَا كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَهُ فَاخْتَارَ الشَّرِيكُ ضَمَانَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ وَيَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ رَضِيَ بِهِ الْمُعْتِقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْغُلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُ .
قِيلَ : مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ ، وَقِيلَ بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ مَاتَ السَّاكِتُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا تَوْرِيثَ الْخِيَارِ بَلْ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْخِيَارَ لِلْمُوَرِّثِ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ ، فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتَقَ ، فَإِنْ ضَمَّنُوهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ يَمْلِكُ نَصِيبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُوَرِّثِ ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا النَّصِيبِ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يُورَثُ عَيْنُهُ وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا وَرِثَ قَائِمٌ

مَقَامَ الْمَيِّتِ .
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى التَّضْمِينِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ .
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ : هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُكَاتَبِ لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ ، فَكَذَلِكَ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَصْلُ الْوَلَاءِ الَّذِي تَقَدَّمَ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً ، وَلَكِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الْمُوَرِّثِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ ، وَلَيْسَ لِلْمُوَرِّثِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ فَكَذَا الْوَرَثَةُ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّاكِتُ وَلَكِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ السَّاكِتُ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا .
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالضَّمَانَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَى الْمُعْتَقِ مَا لَمْ يَخْتَرْ ضَمَانَهُ ، فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَرَّرَ الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ صِحَّةَ اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ نَصِيبَهُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ وَقَدْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْإِفْسَادُ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ ، وَمَوْتُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْغَصْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ ، وَهَذَا لِأَنَّ تَضْمِينَهُ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ عِنْدَ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ عَلَى عِوَضٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ كَالتَّضْمِينِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مَحَلٍّ لَهُ .
وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ : لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ

مُوسِرٌ ثُمَّ مَاتَ لَا يُؤْخَذُ ضَمَانُ الْعِتْقِ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، بَلْ يَسْقُطُ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ صِلَةً وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ ، وَإِنَّمَا عُرِفَ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ عِنْدَ عُسْرَتِهِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ .

( وَقَالَا : لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَجْزِيءُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَالثَّانِي : أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ .
لَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ ، إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ ، قُسِّمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ .

( قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ) أَيْ السَّاكِتِ ( إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا ضَمِنَ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ أَحَدِهِمَا تُجْزِئُ الْإِعْتَاقِ ) عِنْدَهُ ( وَعَدَمُهُ ) عِنْدَهُمَا فَيَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ( وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتَقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ ) لَهُمَا فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ الَّتِي ظَاهِرُهَا تُجْزِئُ الْإِعْتَاقِ كَقَوْلِهِ { فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } وَحَدِيثُ { فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا } فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَكَذَا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ { مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ } وَاَلَّتِي ظَاهِرُهَا عَدَمُ تَجْزِيئِهِ كَحَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ غُلَامٍ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ ، وَأَجَازَ عِتْقَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ رَزِينٌ فِي مَالِهِ .
وَفِي لَفْظٍ { هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ } وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ } كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ عِنْدَ يَسَارِهِ التَّضْمِينُ لَيْسَ غَيْرُ ، وَلِذَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَسَّمَ فَجَعَلَ الْحُكْمَ عِنْدَ يَسَارِهِ تَضْمِينَهُ وَعِنْدَ إعْسَارِهِ الِاسْتِسْعَاءَ ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ .

وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صَبْغِ الْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَهُنَا ، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ .

وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ ( إنَّهُ ) أَيْ السَّاكِتُ ( احْتَبَسَتْ ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ( مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ ) وَإِنْ وَقَعَ احْتِبَاسُهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ( كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَلْقَتْ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ فَانْصَبَغَ بِهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ أَنْ يُضَمِّنَ مَالِكَ الثَّوْبِ قِيمَةَ صَبْغِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا ، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ ) وَيَأْخُذُ فَضْلَ كَسْبِهِ كَالْمُعْسِرِ الْمَدْيُونِ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقِيَاسُ تَضْمِينُ الْعَبْدِ كَانَ تَضْمِينُ غَيْرِهِ غَيْرَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ إفْسَادُ نَصِيبِهِ بِعِتْقِهِ الِاخْتِيَارِيِّ لَكِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَدَمَ دَارِهِ فَانْهَدَمَتْ لِذَلِكَ دَارُ جَارِهِ .
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنُّصُوصِ بِالتَّعْلِيقِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا لَا إذَا كَانَ مُوسِرًا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُ الِاسْتِسْعَاءِ عِنْدَ نَفْيِ الْإِعْسَارِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْضًا بِالدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِبَاسِ كَذَا أَوْرَدَهُ شَارِحٌ .
وَأَجَابَ : وَالتَّحْقِيقُ فِي إيرَادِهِ أَنَّ النُّصُوصَ قَسَّمَتْ فَأَعْطَتْ حُكْمَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَحُكْمَ عَدَمِهِ فَقَالَ عِنْدَ الْيَسَارِ التَّضْمِينُ ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ وَهُوَ الْإِعْسَارُ الِاسْتِسْعَاءُ ، وَالْقِسْمَةُ تُفِيدُ اخْتِصَاصَ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُوجَدُ الِاسْتِسْعَاءُ عِنْدَ الْيَسَارِ كَمَا لَا يُوجَدُ التَّضْمِينُ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ الْجَوَابُ .
وَقَدْ أُجِيب أَيْضًا بِنَحْوِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ ، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْجَوَابِ مَنْعُ أَنَّ

الْقِسْمَةَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ مُطْلَقًا ، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطَيْنِ بَلْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ } وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا أَثَرَ لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَوَحْدَتِهِ فِي اخْتِلَافِ حُكْمِ الْقِسْمَةِ .
وَفِي الْكَافِي : جَهْلُ فَائِدَةِ الْقِسْمَةِ نَفْيُ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ كَمَا تُفِيدُ نَفْيَ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا تُفِيدُ نَفْيَ الِاسْتِسْعَاءِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِعَيْنِ الْجِهَةِ الَّتِي تُفِيدُ بِهَا تِلْكَ الْإِفَادَةَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَفَادَتْ الْقِسْمَةُ نَفْيَ الشَّرِكَةِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا أَعْطَى فِيهَا حُكْمَ الشَّرْطِ وَحُكْمَ نَقِيضِهِ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ مَعَ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ تَمَامُ حُكْمِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ .
وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ اقْتِصَارَ الشَّارِعِ عَلَى التَّضْمِينِ عِنْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِيِّ ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ يَقْتَضِي قَصْرَ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى عِتْقِ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَلَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْمُعْتِقُ ، فَبَيَّنَ الشَّارِعُ مَوْضِعَ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ التَّضْمِينُ فِي صُورَةِ الْيَسَارِ وَتَرْكُ الْآخَرِ وَهُوَ جَوَازُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِيهَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَفَادَ جَوَازَ الِاسْتِسْعَاءِ مَقْصُورًا فَنَفَى الْقَصْرَ وَبَقِيَ جَوَازُهُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَقْلِيلَ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي قَصْرِ الْجَوَازِ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي نَفْيِ أَصْلِ جَوَازِهِ ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ .
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ مُخَصِّصًا لِلْقِيَاسِ ، إذْ بَيَّنَ بِشَرْعِيَّةِ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ أَنَّ تَعْيِينَ الِاسْتِسْعَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا إذَا كَانَ

الْمَقْصُودُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَفْسِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ ، أَمَّا إذَا كَانَ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إتْمَامِهَا وَجَبَ كَالشُّرُوعِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ خُصُوصًا وَعَدَمُ إتْمَامِهَا يُوجِبُ إتْعَابًا لِلْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْبَةِ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالنَّصُّ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ عِنْدَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي صُورَةِ الْإِعْسَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ التَّوْجِيهِ ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ عِتْقَ مَا يَمْلِكُهُ مَشْرُوعٌ وَعِبَادَةٌ ، وَالْإِتْلَافُ وَقَعَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْغَيْرِ وَإِنْ فَسَدَتْ مَالِيَّةُ بَاقِي الْعَبْدِ ، كَمَنْ هَدَمَ جِدَارَهُ فَانْهَدَمَ جِدَارُ غَيْرِهِ .
فَالْحَقُّ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ وَالنَّصُّ خَصَّصَهُ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ أَنَّ السَّاكِتَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَلَا سِعَايَةَ أَصْلًا ، وَسَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ إعْلَالُهُمْ لَفْظَ السِّعَايَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ النَّسَائِيّ : أَثْبَتَ أَصْحَابُ قَتَادَةَ شُعْبَةُ وَهِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، وَقَدْ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَلَى خِلَافِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ : يَعْنِي فِي ذِكْرِ السِّعَايَةِ ، قَالَ : وَبَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ فَجَعَلَ الْكَلَامَ الْأَخِيرَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَتَبَهَا إمْلَاءً .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ : مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ وَضَبْطُهُ فَصْلُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فَجَعَلَا الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ لِمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : اضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ ، فَمَرَّةً يَذْكُرُهَا وَمَرَّةً لَا يَذْكُرُهَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي السِّتَّةِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ : فِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ الْأَثْبَاتِ فِي قَتَادَةَ ، وَلَيْسَ هُوَ بِدُونِ هَمَّامٍ عَنْهُ .
وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ وَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَيَحْيَى بْنُ صُبَيْحٍ الْخُرَاسَانِيُّ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا ، وَحَسْبُك بِذَلِكَ : يَعْنِي بِرَفْعِهِمَا الِاسْتِسْعَاءَ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ : مِثْلُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَوْ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ ، وَأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْبَاقِي وَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ ، وَأَنَّ لَهُ التَّضْمِينَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ زُفَرَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ ، لَا يَعْتِقُ الْبَاقِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ .
.

ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى ، لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِيصَالِ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ ، ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ ، فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ .
وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْإِعْتَاقِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ ، وَالتَّضْمِينُ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِهِ نَصِيبَهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِمَا بَيَّنَّا .

( قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ السَّاكِتِ ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ اسْتَثْنَى الْكَفَافَ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ وَثِيَابُ الْبَدَنِ ( لَا يَسَارَ الْغِنَى ) أَيْ الْغِنَى الْمُحَرِّمِ لِلصَّدَقَةِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ( لِأَنَّ بِيَسَارِ التَّيْسِيرِ يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) جَانِبِ الْمُعْتِقِ وَجَانِبِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُعْتِقِ الْقُرْبَةُ وَتَتْمِيمُهَا بِضَمَانِهِ وَمَقْصُودُ السَّاكِتِ بَدَلُ حِصَّتِهِ وَتَحْقِيقُهُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَسْرَعَ مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ فَكَانَ اعْتِبَارُ نِصَابِ التَّيْسِيرِ أَسْرَعَ فِي تَحْقِيقِ مَقْصُودِهِمَا فَوَجَبَ ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ تَعْلِيلٌ لِلنَّصِّ وَإِلَّا فَصَرِيحُ النَّصِّ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عِنْدَ مُجَرَّدِ تَمَلُّكِ قِيمَتِهِ الْحِصَّةَ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ } بِاتِّفَاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ) أَيْ تَخْرِيجُ تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا ( فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ ) فَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ مَنْقُولًا إلَيْهِ عَمَّا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلَا وَجْهَ لِرُجُوعِهِ عَلَى غَيْرِهِ .
وَأَمَّا جَعْلُهُمَا الْوَلَاءَ كُلَّهُ لِلْمُعْتِقِ لِلْحِصَّةِ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ فَكَانَ إعْتَاقُ بَعْضِهِ إعْتَاقَ كُلِّهِ .
وَيَسْعَى فِي حَالَةِ إعْسَارِهِ حُرًّا مَدْيُونًا .
وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِثْبَاتُهُ خِيَارَ الْإِعْتَاقِ لِلسَّاكِتِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ مُنْجَزٌ عِنْدَهُ فَلَا يَعْتِقُ الْبَاقِي بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ ( وَالتَّضْمِينِ ) بِالْجَرِّ : أَيْ وَخِيَارُ التَّضْمِينِ لِلْمُعْتِقِ (

لِأَنَّ الْمُعْتِقَ جَانٍ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ) مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْإِمْهَارِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ ) مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ .
وَقَوْلُهُ ( وَالِاسْتِسْعَاءِ ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى التَّضْمِينِ : أَيْ وَإِثْبَاتُ خِيَارِ الِاسْتِسْعَاءِ ( لِمَا بَيَّنَّا ) مِنْ أَنَّهُ احْتَبَسَ مَالِيَّةَ نَصِيبِهِ عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَصَارَ كَالسَّاكِتِ وَلِلسَّاكِتِ وِلَايَةُ الِاسْتِسْعَاءِ ، فَكَذَا لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ وَضَمِنَ لِلْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَلِلْمَالِكِ التَّضْمِينُ ، فَكَذَا لِلْغَاصِبِ ، وَلِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ كَعَبْدٍ خَاصٍّ بِهِ أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَلَهُ عِتْقُ الْبَاقِي أَوْ اسْتِسْعَاؤُهُ .

وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَقَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاسْتِسْعَاءِ فَكَذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَقَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ إنْ شَاءَ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ .
وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِمَا بَيَّنَّا ، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعِي عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا لِأَنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ أَوْ لَا يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الْمُعْتَقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوسِرِ كَقَوْلِهِمَا .
وَقَالَ فِي الْمُعْسِرِ : يَبْقَى نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ يُبَاعُ وَيُوهَبُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِجَانٍ وَلَا رَاضٍ بِهِ ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ .
قُلْنَا : إلَى الِاسْتِسْعَاءِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ تُبْتَنَى السِّعَايَةُ عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالضَّعْفِ السَّالِبِ لَهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ .

وَقَوْلُهُ ( ضَمِنَا ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ قَصْدًا حَتَّى لَوْ بَاعَ السَّاكِتُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ قَصْدًا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ قَصْدًا عَدَمُهُ ضِمْنًا ( وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ ) غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُ بِبَدَلٍ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْوَلَاءَ ( وَ ) أَمَّا ( فِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِمَا بَيَّنَّا ) مِنْ احْتِبَاسِ مِلْكِهِ ( وَالْوَلَاءُ لَهُ ) أَيْ لِلسَّاكِتِ : أَيْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْتِقِ ( فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ ( وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى ) عَلَى الْمَفْعُولِ : أَيْ الْعَبْدُ ( عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا ) خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عِنْدَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا أَيْسَرَ ، وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ بِالِاتِّفَاقِ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ هُوَ بِسِعَايَتِهِ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الْمُعْتِقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا ( بِخِلَافِ ) الْعَبْدِ ( الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِذَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ ) إذَا أَيْسَرَ ، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَأَبَتْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى خَمْرٍ مَثَلًا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ فَاسْتَحَقَّتْ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ

تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى وَهُوَ رَقِيقٌ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ ( وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُوسِرِ كَقَوْلِهِمَا وَقَالَ فِي الْمُعْسِرِ يَبْقَى نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ يُبَاعُ وَيُوهَبُ ) وَهَذَا قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ( وَجْهُهُ ) عِنْدَهُ ( أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَضْمِينِ الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ وَلَا لِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَانٍ وَلَا رَاضٍ بِهِ ، وَلَا لِإِعْتَاقِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ .
قُلْنَا : نَخْتَارُ أَنْ يُسْتَسْعَى ) قَوْلُهُ غَيْرُ جَانٍ إلَخْ .
قُلْنَا : لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ ، بَلْ مَدَارُ لُزُومِهِ احْتِبَاسُ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَبْغِ الثَّوْبِ الْمُطَارِ ، وَقَدْ يُتَمَسَّكُ لَهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِهِ { فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرَقَّ مَا رَقَّ } .
وَيُدْفَعُ بِأَنَّهَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الشَّأْنِ ضَعِيفَةٌ مَكْذُوبَةٌ ، وَلَوْ ثَبَتَ لَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالرِّقِّ فِيهَا الْمِلْكَ مَجَازًا لِامْتِنَاعِ اتِّصَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِالْقُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالضَّعْفِ السَّالِبِ لَهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ .
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَلْ بِقَوْلِهِ " عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " كِفَايَةً ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ ، إنْ لَمْ يَلْزَمْ بَقَاءُ الْبَاقِي رَقِيقًا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ مَمْلُوكًا وَالْمِلْكُ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ قَوْلِهِ { فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اسْتَسْعَى غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } يُوجِبُ اسْتِسْعَاءَهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِعِ مَعَ أَنَّ وَجْهَهُ مَا قَدَّمْنَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ النَّافِينَ صِحَّةَ رِوَايَةِ الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا أَنَّهُ يُسْتَسْعَى إنْ اخْتَارَ

ذَلِكَ ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ .
وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِدْلَال بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِهِ " لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ " فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ كُلِّهِ كَمَا قَالَا أَوْ عَدَمَ تَقَرُّرِهِ وَهُوَ الْأَوْلَى .
وَإِذَا لَمْ يُقَرَّرْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْسِرِ لَزِمَ الِاسْتِسْعَاءُ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ مَجَّانًا جَبْرًا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِلَا جِنَايَةٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٌ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ الْمُعْسِرُ ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ اضْطَرَّهُ إلَى فِكَاكِ رَقَبَتِهِ حَيْثُ حَكَمَ ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ بِنَفَاذِ عِتْقِ ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَأَنْ لَا يُقِرَّ الْبَاقِي فِي الْمِلْكِ وَلَا يُذْهِبَ مَالَ السَّاكِتِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُخْتَارٍ فِيهِ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ هُوَ كَقَوْلِهِمَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ أَصْحَابِهِ .

قَالَ ( وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَصَارَ مُكَاتِبًا فِي زَعْمِهِ عِنْدَهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِرْقَاقُ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ وَيَسْتَسْعِيه لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ أَوْ مَمْلُوكُهُ فَلِهَذَا يَسْتَسْعِيَانِهِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَالَيْنِ فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ ، لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ وَهُوَ السِّعَايَةُ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَعَتَقَ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي .

( قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَعَتَقَ ( وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَصَارَ ) الْعَبْدُ بِذَلِكَ ( مُكَاتَبًا لَهُ ) أَيْ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ ( وَيَزْعُمُ أَنَّهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ اسْتِرْقَاقُهُ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِ وَيَسْتَسْعِيه ) إنْ شَاءَ أَوْ يُعْتِقُهُ ( لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ كَاذِبًا كَانَ ) فِي دَعْوَاهُ عِتْقُ الشَّرِيكِ ( أَوْ صَادِقًا لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ ) إنْ كَانَ صَادِقًا ( أَوْ مَمْلُوكَهُ ) إنْ كَانَ كَاذِبًا ( فَلِهَذَا يَسْتَسْعِيَانِهِ ) أَمَّا فِي الصِّدْقِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْكَذِبِ فَلِتَمَكُّنِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَمْرِ عَبْدِهِ أَنْ يَسْعَى وَيَأْتِيَهُ بِأَكْسَابِهِ ( وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّ حَقَّهُ ) أَيْ حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا ( فِي الْحَالَيْنِ ) حَالِ يَسَارٍ الْآخَرِ وَإِعْسَارِهِ ( فِي أَحَدِ شَيْئَيْنِ ) السِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ إلَّا أَنَّ فِي الْيَسَارِ حَقَّهُ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ غَيْرُ عَيْنٍ وَفِي الْإِعْسَارِ حَقُّهُ فِي أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ السِّعَايَةُ ، وَهَذَا ( لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الشَّرِيكِ ) الْإِعْتَاقَ ، وَشَهَادَةُ الْآخَرِ لَيْسَتْ نَافِذَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ وَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ أَعْتَقَ لَمْ تُقْبَلْ لِلْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا حَقَّ التَّضْمِينِ أَوْ يَشْهَدَانِ لِعَبْدِهِمَا ، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا مَا أَثْبَتْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ بِحُرْمَةِ اسْتِرْقَاقِهِ ضِمْنًا

لِلشَّهَادَةِ ( فَتَعَيَّنَ السِّعَايَةُ ) وَهُوَ عَبْدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ .
وَأَوْرَدَ أَنَّ التَّضْمِينَ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ يَحْلِفُ ، فَإِنْ نَكَلَ جَازَ التَّضْمِينُ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اعْتِقَادُ كُلٍّ أَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ يَحْلِفُ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّ الْمَآلَ إلَى السِّعَايَةِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنْ لَا تَحْلِيفَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَقَالَ شَارِحٌ : هَذَا كُلُّهُ أَيْ تَعَيُّنُ اسْتِسْعَائِهِمَا الْعَبْدَ إلَخْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ كُلًّا يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ الضَّمَانَ وَالضَّمَانُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ فَيُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْجَهُ ، فَيَجِبُ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لُزُومُ اسْتِسْعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ بَلْ خَاطَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِأَنَّك أَعْتَقْت نَصِيبَك وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَ حُكْمُهَا إلَّا الِاسْتِسْعَاءَ ، أَمًّا لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّضْمِينَ أَوْ أَرَادَاهُ وَنَصِيبُهُمَا مُتَفَاوِتٌ فَتَرَافَعَا أَوْ رَفَعَهُمَا ذُو حِسْبَةٍ فِيمَا لَوْ اسْتَرَقَّاهُ بَعْدَ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ سَأَلَهُمَا فَأَجَابَا بِالْإِنْكَارِ فَحَلَفَا لَا يَسْتَرِقُّ لِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ : إنَّ صَاحِبَهُ حَلَفَ كَاذِبًا وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِسْعَاؤُهُ ، وَلَوْ اعْتَرَفَا أَنَّهُمَا عَتَقَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ كُلٌّ الْآخَرَ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ ، وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ مِنْ جِهَتِهِمَا ، وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً ، فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ صَارَ مُعْتَرِفًا أَوْ بَاذِلًا فَصَارَا مُعْتَرِفَيْنِ

فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ كَمَا قُلْنَا .

( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْرَأُ عَنْ سِعَايَتِهِ بِدَعْوَى الْعَتَاقِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا ، إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ ( وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إذْ الْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا ) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ ( وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ مِنْهُمَا ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا .

( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ( لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْ سِعَايَتِهِ ) وَإِنَّمَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ ( لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ ) بِثُبُوتِ سَبَبِهَا حَيْثُ أَقَرَّ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ مَعَ يَسَارِهِ ( وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا ) لِفَرْضِ أَنَّ الْمُعْتِقَ مُعْسِرٌ .
وَقَوْلُهُ ( عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا بَلْ حُرٌّ مَدْيُونٌ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ مِنْ السِّعَايَةِ ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ ) أَيْ يُثْبِتُهُ ( لِصَاحِبِهِ ) حَيْثُ ادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَالْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ : أَيْ لَا يَثْبُتُ بِهِ إلَّا مَا لَا يَتَجَزَّأُ أَصْلًا مِنْ زَوَالِ الرِّقِّ ( وَهُوَ ) أَيْ صَاحِبُهُ ( يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا ) فَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا حَتَّى مَاتَ وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ .

( وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ ، وَقَالَ الْآخَرُ : إنْ دَخَلَ فَهُوَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ النِّصْفُ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ) لِأَنَّ الْمُقْضَى عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ ، وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِسُقُوطِ النِّصْفِ كَيْفَ يُقْضَى بِوُجُوبِ الْكُلِّ ، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ وَالتَّوْزِيعِ ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَمَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ أَوْ الْبَيَانِ ، وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَوْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ) فِي عَبْدٍ ( إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ ) يَعْنِي الْعَبْدَ ( الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ : إنْ دَخَلَهَا غَدًا فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يُدْرَى أَدَخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ النِّصْفُ وَسَعَى لَهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ) بَيْنَهُمَا ( وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) عَلَى تَفْصِيلٍ يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى فِي النِّصْفِ لَهُمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا يَسْعَى فِي الرُّبْعِ لِلْمُوسِرِ ، وَلَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لِأَحَدٍ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ أَوْ لَا يَمْنَعُهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي سَبَقَ ، فَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا النِّصْفُ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ) لَهُمَا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، وَبِنِصْفِهِ لِلْمُوسِرِ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا ، وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ ، وَهَذِهِ عَلَى وِزَانِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي إقْرَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ ، وَهُنَاكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا لَا يَسْعَى إلَّا لِلْمُوسِرِ ، فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُ السِّعَايَةَ أَبَدًا يَكُونُ هُوَ السَّاكِتُ وَالْآخَرُ مُعْتِقٌ ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ تَضْمِينِ الْمُعْسِرِ فَيَأْخُذُ السِّعَايَةَ وَعَلَى إنْزَالِ الْمُعْسِرِ هُوَ السَّاكِتُ فَزَعْمُهُ أَنْ لَا سِعَايَةَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ وَتَضْمِينُهُ مُتَعَذِّرٌ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ بِمُبَاشَرَةِ شَرْطِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى شَيْءٍ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا يَزْعُمُ أَنَّ حَقَّهُ تَضْمِينُ الْآخَرِ لَيْسَ غَيْرُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فَلَا تَضْمِينَ

وَلَا سِعَايَةَ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ ) وَهُوَ الَّذِي تَحَقَّقَ شَرْطُهُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ عِتْقُ الْعَبْدِ ( وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ ) وَلَا التَّوْزِيعُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَقَعْ شَرْطُهُ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِعْطَائِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ شَرْطُهُ وَعَتَقَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْمُعَيَّنِ فَلَمْ يُنَافِهِ التَّوْزِيعُ ( فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ ) فَكَذَا لَا يُقْضَى بِسُقُوطِ شَيْءٍ لِذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ وَجَبَ الْكُلُّ .
( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حَانِثٌ بِيَقِينٍ .
وَمَعَ التَّيَقُّنِ بِالسُّقُوطِ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ ، وَالْجَهَالَةُ ) الْمَانِعَةُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالسُّقُوطِ ( تَرْتَفِعُ بِالشُّيُوعِ ) أَيْ شُيُوعِ النِّصْفِ الَّذِي عَتَقَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكَيْنِ ( وَتَوْزِيعُهُ ) عَلَيْهِمَا فَصَارَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالسُّقُوطِ الْمَوْلَيَيْنِ فَلَا جَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ لَوْ قُضِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِلضَّرُورَةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّوْزِيعِ وَهُوَ عَدَمُ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِتَمَامِهِ وَكَوْنُ التَّعْيِينِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَمْنَعُ التَّوْزِيعَ مُنْتَفٍ بِمَا فِي كِتَابِ التَّحَرِّي : عَشْرَةُ رِجَالٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ جَارِيَةٌ أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ صَارَ لَا يُدْرَى الْمُعْتِقُ وَلَا الْمُعْتَقَةُ ثُمَّ اجْتَمَعْنَ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِنَّ وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِ قِيمَتِهَا ، وَصَارَ ( كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَمَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ ) فِي الثَّانِي ( أَوْ الْبَيَانُ ) فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْعِتْقَ يُوَزَّعُ

عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِلْوَرَثَةِ .
وَقَيْدُ مَوْتِهِ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْبَيَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلٍ ، وَفِي قَوْلِ الْوَارِثِ يُقَامُ مَقَامُهُ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْوِرَاثَةِ فِيمَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْعُ فِيهِ وِرَاثَةً فِي الثَّانِي وَإِسْقَاطُ جَمِيعِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فِي الْأَوَّلِ وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوَّلًا .
وَقِيلَ : إنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقْضَى عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُقْضَى عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولَةً ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومًا جَازَ الْقَضَاءُ ، كَذَا هُنَا الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْعَبْدُ .
وَهَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ .
.

( وَلَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ) لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجْهُولٌ ، وَكَذَلِكَ الْمَقْضِيَّ لَهُ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ بِهِ مَعْلُومٌ فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ إلَخْ ) يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ السَّابِقَةِ ، وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى عَبْدٍ وَاحِدٍ ، وَهَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ كُلٌّ عَلَى عَبْدٍ لَهُ غَيْرِ الْآخَرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : إنْ دَخَلَ فُلَانٌ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يَدْرِ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ ( لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ) وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ الْكُلِّ ( لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ ) بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ ( مَجْهُولٌ وَالْمَقْضِيَّ لَهُ وَهُوَ الْمُعْتِقُ مَجْهُولٌ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ ) وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يَحْنَثُ أَحَدُ الْمَالِكَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَبِيعُ عَبْدَهُ ، وَزَعْمَ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ ، وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُولٌ .
وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ ، لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ هُوَ مُقِرٌّ بِوُجُودِ شَرْطِ الثَّانِيَةِ ، وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْأُولَى .
وَقِيلَ لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَالْآخَرَ بِوُجُودِهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُهُ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهِ .
قُلْنَا : ذَاكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي حُرٌّ ، بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَاضِي لِتَحْقِيقِ الدُّخُولِ فِيهِ ، وَحَقِيقَةُ شَرْطِهِ ظُهُورُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَاضِي ، وَكَذَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ .

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارَهُ بِنُزُولِ الطَّلَاقِ .

( وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ ) لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصَ قَرِيبِهِ وَشِرَاؤُهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَا مَرَّ ( وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) عَلِمَ الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ( وَكَذَا إذَا وَرِثَاهُ ، وَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا : فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَلَكَا ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ رَجُلَانِ وَأَحَدُهُمَا قَدْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ .
لَهُمَا أَنَّهُ أَبْطَلَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ ، وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يُضَمِّنُهُ ، كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ صَرِيحًا ، وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا ، وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَيَسْقُطَ بِالرِّضَا ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ ، كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ : كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِمِلْكِهِ .
.

( قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا ) بِعَقْدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ خَاطَبَ الْبَائِعُ الْأَبَ وَالْآخَرَ مَعًا بِأَنْ قَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَبِلَا ( عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصًا مِنْ ابْنِهِ ) فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا ، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّرِيكُ أَنَّهُ ابْنُ الْآخَرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ ( وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُمَا لَوْ وَرِثَاهُ لَا يَضْمَنُ الْأَبُ ، وَكَذَا فِي كُلِّ قَرِيبٍ يَعْتِقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ : أَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ } إلَخْ يُفِيدُ كَوْنَ الْعِتْقِ اخْتِيَارِيًّا ( وَقَالَ : فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الِابْنُ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ ) مَعًا ( أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَعَلَى هَذَا ) الْخِلَافُ أَيْضًا ( إذَا اشْتَرَاهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ ) أَمَّا لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ شِرَاءُ كُلِّهِ ( لَهُمَا أَنَّهُ ) أَيْ الْأَبَ ( أَبْطَلَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِعْتَاقِ ) الِاخْتِيَارِيِّ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ ( وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ) لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ مُخْتَارًا فِيهِ .
وَلَهُ أَنَّ شَرْطَ التَّضْمِينِ مَعَ الْعِتْقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ بِرِضَا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ ، وَلَمَّا بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَهُ مُخْتَارًا وَهُوَ عِلَّةُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ كَانَ رَاضِيًا

بِإِفْسَادِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ صَرِيحًا .
وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إعْتَاقَهُ يَثْبُتُ اخْتِيَارِيًّا بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عِتْقَهُ عَنْهَا .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهُ بِمُبَاشَرَتِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ رِضًا بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَيْسَ عِلَّةَ الْوُقُوعِ بَلْ الْعِلَّةُ هِيَ قَوْلُ الشَّرِيكِ هُوَ حُرٌّ الْوَاقِعُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ ، بِخِلَافِ قَبُولِ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْعَقْدُ ، وَكُلُّ مَنْ بَاشَرَهُ فَهُوَ مُبَاشِرٌ عِلَّةَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ أَلَيْسَ أَنَّهُ يُفِيدُ رِضَاهُ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ وَالْمَدَارُ هُوَ وُجُودُ دَلَالَةِ الرِّضَا .
قُلْنَا : لَا شَكَّ أَنَّ لَهُ تَأْدِيبَ عَبْدِهِ إذَا اقْتَضَاهُ حَالُهُ ، وَمَنْعُهُ مِنْهُ ضَرَرٌ لَا يَلْزَمُهُ بِإِلْزَامِهِ إيَّاهُ ، فَحَلِفُهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ ظُلْمٌ مِنْهُ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي التَّضْمِينِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ ضَرَبْت هَذَا الْعَبْدَ الْيَوْمَ ظُلْمًا فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ حَتَّى عَتَقَ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ بِخِلَافِهِ .
وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ مَنْعِ أَنَّ مُبَاشَرَتَهُ لِلْعَقْدِ رِضًا لِأَنَّهُ ضَرَرٌ وَالْعَاقِلُ لَا يَرْضَى بِهِ وَلِأَنَّ وَضْعَهُ لِإِثْبَاتِ مِلْكِهِ لَا لِزَوَالِهِ فَمَدْفُوعٌ بِالضَّرُورَةِ ، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَ فِعْلِ كَذَا يَثْبُتُ كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا جَزَمَ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ رِضًا مِنْهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ، وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ قَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ إثْبَاتَ مَا يَتَرَتَّبُ

عَلَيْهِ ، وَلِلْعَاقِلِ فِي ذَلِكَ أَغْرَاضٌ صَحِيحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ مِنْ اسْتِفَادَةِ الْمَدْحِ وَالْوَلَاءِ ، وَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَأُخْرَوِيَّةٍ مِنْ الْأَجْرِ .
لَا يُقَالُ : رِضَا الْأَبِ بِالشِّرَاءِ رِضًا بِالْإِعْتَاقِ وَالرِّضَا بِالْإِعْتَاقِ رِضًا بِالضَّمَانِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُثْبِتُهُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ التَّضْمِينَ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ ؟ لِأَنَّا نَقُولُ : كَوْنُهُ رِضًا بِالضَّمَانِ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ تَضْمِينِ الْآخَرِ لَهُ ، إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ رِضًا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَأَمَّا إيرَادُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا هَكَذَا الْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقُ الْكُلِّ ، وَلَا يُمْكِنُ إعْتَاقُ الْكُلِّ إلَّا بِتَمَلُّكِ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالضَّمَانِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَمَلُّكٌ ضِمْنِيٌّ فَلَا تَوَجُّهَ لَهُ هُنَا .
( قَوْلُهُ وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَوْنُهُ رَضِيَ بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ لَا يُوجِبُ إسْقَاطَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فَقَالَ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ التَّمَلُّكِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَمَانُ إفْسَادٍ ، وَبَسْطُهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعِتْقِ ضَمَانَانِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَلَا يُسْقِطُهُ الرِّضَا بِسَبَبِهِ وَذَلِكَ ضَمَانُ الِاسْتِيلَادِ ، فَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا لَهُ ، وَمِنْ حُكْمِ ضَمَانِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا ضَمَانَ الِاسْتِيلَادِ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ لِأَنَّ وَضْعَ الِاسْتِيلَادِ لِطَلَبِ الْوَلَدِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي التَّمَلُّكَ فَأَثْبَتْنَاهُ .
وَضَمَانُ إتْلَافٍ وَهُوَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ ، وَيُقَالُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ فِي عِتْقِ الْإِنْسَانِ مَا يَمْلِكُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُفْسِدُ بِهِ نَصِيبَ الشَّرِيكِ ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَضَمَانُ

إفْسَادٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي هَذَا الْإِفْسَادِ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ بِعِتْقِهِ قَصْدًا فَاسِدًا أَثِمَ بِهِ أَمَّا وَضْعُ الْعِتْقِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لُزُومَهُ ، ثُمَّ كَوْنُ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ضَمَانَ إتْلَافٍ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا وَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بَيْنَ عِلْمِ الشَّرِيكِ بِالْإبْنِيَّةِ وَعَدَمِهَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ .
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرِيكِ عَالِمًا بِالْإبْنِيَّةِ فَلَا يَضْمَنُ الْأَبُ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فَنُضَمِّنُهُ ، لِأَنَّ رِضَاهُ لَا يَتَحَقَّقُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا .
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِحَقِّهِ فِي التَّضْمِينِ مُبَاشَرَتُهُ لِسَبَبِ إسْقَاطِهِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِعِلْمِهِ وَجَهْلِهِ ، كَمَا إذَا أَطْعَمَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالُهُ سَقَطَ تَضْمِينُهُ الْغَاصِبَ .
وَالنَّظِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْآمِرُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْآكِلُ إذَا عَلِمَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، أَلَّا يُرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ لَا يَتَقَيَّدُ ضَمَانُهُ بِكَوْنِهِ مُوسِرًا .
فَإِنْ قُلْت : قَدْ أَسْلَفْت أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ مُحْتَبَسُ حَقِّ السَّاكِتِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا أَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ التَّضْمِينُ لِلْإِتْلَافِ .
قُلْنَا : قَدْ حُكِيَ خِلَافٌ فِي الْقِيَاسِ مَا هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الْقِيَاسِ الِاسْتِسْعَاءَ هُوَ أَقْرَبُ الْقِيَاسَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِبَاسِ عِنْدَ الْعَبْدِ وَعَدَمِ جِنَايَةِ

الْمُعْتِقِ وَلِذَا يُثَابُ عَلَيْهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِفَرْضِ وُرُودِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ إطْلَاقِ مُقْتَضَاهُمَا مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ وَإِنَّمَا التَّضْمِينُ دَائِمًا .
وَكُلُّ قِيَاسٍ خَالَفَهُ النَّصُّ فَهُوَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ ظَهَرَ لِلْمُجْتَهِدِ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ .
وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ هُنَا هُوَ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ صَلَاتِهِ قَادِرًا عَلَى إتْمَامِهِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَمْ يَجِبْ وَوَجَبَ لَهُ أَجْرٌ قَدْرَ عَمَلِهِ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَارْجِعْ إلَيْهِ .

( وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ نِصْفَهُ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ ) لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ ( وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ) لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ .
وَقَالَا : لَا خِيَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا .
( قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ ) لِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا قَبُولُهُ الْبَيْعَ مَعَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا فَلِذَا وَقَعَ اتِّفَاقُهُمْ هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ ( وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَحْدَهُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ ( وَقَالَا : لَا خِيَارَ لَهُ ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ التَّضْمِينُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا .

( وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا ) وَمَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ فَلَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ شَيْئًا عِنْدَهُ ، وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِلْبَائِعِ ( وَقَالَا : إنْ كَانَ مُوسِرًا يَضْمَنُ ، وَمَعْنَاهُ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ وَالْوَجْهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ ) وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ وَالرِّضَا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ يَمْنَعُ التَّضْمِينَ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْبَيْعَ مِمَّنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ رِضًا بِعِتْقِ نَصِيبِهِ بَلْ ذَكَرَ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ أَنَّ الرِّضَا يَمْنَعُ .

( وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ ) فَأَرَادُوا الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ قِنًّا وَلَا يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُوَ مُوسِرٌ ) فَأَرَادَ كُلٌّ مِنْ السَّاكِتِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( فَأَرَادُوا الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ ) ثُلُثَ قِيمَةِ الْعَبْدِ قِنًّا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُدَبِّرُ الثُّلُثَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ عَلَى وَزَانَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ حِصَّتَهُ فَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
.

( وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ ، وَقَدْ أَفْسَدَ بِالتَّدْبِيرِ نَصِيبَ الْآخَرَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُدَبِّرَ نَصِيبَهُ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طُرُقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ بَيْعًا وَهِبَةً عَلَى مَا مَرَّ ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَسَقَطَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبُ ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبَّرِ وَإِعْتَاقِ هَذَا الْمُعْتَقِ ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى جُعِلَ الْغَصْبُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَكَاتِبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ ، ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا ، وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا .

( وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ ) أَعْنِي ثُلُثَهُ قِنًّا ( وَهَذَا ) كُلُّهُ ( عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلًا وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَأَصْلُ هَذَا ) الْخِلَافِ ( أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْعِتْقِ ) إذْ هُوَ عِتْقٌ مُضَافٌ ( فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ وَقَدْ أَفْسَدَ بِالتَّدْبِيرِ نَصِيبَ الْآخَرَيْنِ ) حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيْعُ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَمْهَارِ ( فَثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُ خِيَارَاتٍ ) أَنْ يُدَبِّرَ نَصِيبَهُ أَوْ يُعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا ، ( فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَسَقَطَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ ) هُوَ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ ( سَبَبَا ضَمَانٍ ) أَحَدُهُمَا ( تَدْبِيرُ الْمُدَبِّرِ ) الَّذِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ مَا أَفْسَدَ ( وَ ) الْآخَرُ ( عِتْقُ هَذَا الْمُعْتِقِ ) فَإِنَّهُ تَغَيُّرُ نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ وَالسَّاكِتِ حَيْثُ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَبَطَلَ ذَلِكَ بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ حَيْثُ اسْتَحَقَّ بِهِ الْعَبْدُ خُرُوجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ ( غَيْرَ أَنَّ ) السَّاكِتَ لَهُ ( تَضْمِينُ الْمُدَبِّرِ ) لَيْسَ غَيْرُ ( لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ ) فِي الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ جَانِبَا الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ .
فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَجَبَ فِي تَحْقِيقِ الْمُعَادَلَةِ أَنْ يَمْلِكَ مُعْطِيهِ

وَهُوَ الضَّامِنُ مَا دَفَعَ بَدَلَهُ ، فَحَيْثُ أَمْكَنَ هَذَا لَا يَعْدِلُ عَنْهُ ( وَلِهَذَا كَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ ضَمَانَ إتْلَافٍ ، فَإِذَا جَعَلَ الضَّمَانَ فِيمَا هُوَ عُدْوَانٌ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ فَفِي الْعِتْقِ وَشُعَبِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى ، وَهَذَا يُحَقِّقُ مَا ذَكَرْت لَك فِي قَوْلِهِمْ ضَمَانُ جِنَايَةٍ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ ضَمَانَ جِنَايَةٍ مَا فِي قَاضِي خَانْ : لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ وَقَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا ، وَالْمُرَابَحَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَاكْتَسَبَ عِنْدَهُ أَكْسَابًا ثُمَّ أَبَقَ وَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ كَانَتْ الْأَكْسَابُ لِلْغَاصِبِ لِصَيْرُورَتِهِ مِلْكًا لَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صِحَّةُ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِالْغَصْبِ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْإِتْلَافَاتِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ ضَمَانِ الْمُعَاوَضَةِ مَا أَمْكَنَ وَجَبَ هُنَا لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ ( لِكَوْنِهِ ) أَيْ نَصِيبِ السَّاكِتِ ( قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ) فِي الْمَضْمُونِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ فَامْتَنَعَ جَعْلُ الْعِتْقِ الْكَائِنِ بَعْدَهُ سَبَبًا لِضَمَانِ الْمُعَاوَضَةِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( عِنْدَ ذَلِكَ مُدَبَّرٌ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حُرٌّ ( أَوْ مُكَاتَبٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَكَاتِبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ ) .
فَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ وَلَدُ الْمُصَنِّفِ : هُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَيْسَ حُرًّا وَلَا مُكَاتَبًا ، بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ يَصِيرُ كَذَلِكَ ، وَالْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَكِنْ لَا تَنْفَسِخُ هَذِهِ الْكِتَابَةُ بِالْعَجْزِ وَلَا بِالتَّفَاسُخِ ، وَإِذَا كَانَ

كَذَلِكَ فَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِلسَّاكِتِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُ هَذَا الْمَضْمُونِ فَكَانَ ضَمَانَ إفْسَادٍ ( فَلِهَذَا يُضَمِّنُ ) السَّاكِتُ ( الْمُدَبِّرَ ) لَيْسَ غَيْرُ ( ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا ) فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا قَبْلَ عِتْقِهِ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ إلَى مَوْتِهِ فَامْتَنَعَ بِعِتْقِهِ كُلُّ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَفْسَدَهُ مُدَبَّرًا وَالْمُدَبَّرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدَبَّرًا لِشَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ مُدَبِّرًا وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ بِالضَّمَانِ ( قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا وَهِيَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ .
( قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا ) طَرِيقَتُهُ فِي مِثْلِهِ الْإِشْعَارُ بِالْخِلَافِ ، فَقِيلَ قِيمَتُهُ قِيمَتُهُ قِنًّا وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْقِيَمَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَنَافِعِ الْمُمْكِنَةِ ، وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْمَمْلُوكِ بِعَيْنِهِ وَبَدَلِهِ وَفَاتَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ : تَقُومُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ ، وَقِيلَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ وَالْبَدَلِ ، وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ ، وَقِيلَ : يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَائِتَ الْمَنْفَعَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذَكَرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ ، وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي وَأَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ فَثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ

لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا وَبَقِيَ مِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَقِيلَ قِيمَةُ خِدْمَتِهَا مُدَّةَ عُمْرِهَا عَلَى الْحَزْرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مُدَّةَ عُمْرِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا وَمِنْ مَوْلَاهَا ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّهُ حَرِيدًا وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّقَبَةُ .

وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُهُ ) أَيْ لَا يُضَمِّنُ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ ( قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ ) وَهُوَ ثُلُثُهُ قِنًّا فَيَكُونُ قَدْ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ثُلُثُهَا قِنًّا وَثُلُثُهَا مُدَبَّرًا ( لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُلُثِهِ قِنًّا ( يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا ) إلَى وَقْتِ التَّدْبِيرِ ( وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ ) وَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى حَالِ أَدَاءِ الضَّمَانِ ( دُونَ وَجْهٍ ) وَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّدْبِيرِ ( فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ ) بَلْ الْمِلْكُ الْمُمْكِنُ مِنْ الضَّمَانِ هُوَ الثَّابِتُ حَالَ الْعِتْقِ .
وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ مُسْتَنِدًا .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ نَصِيبُ السَّاكِتِ إلَيْهِ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ وَكَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ ، فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ ، أَمَّا هُنَا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ فَكَذَا لَيْسَ الْقَائِمُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُدَبِّرُ ، وَلِذَا كَانَ لِلْمُدَبِّرِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ كَمَا كَانَ لِلسَّاكِتِ الْقَائِمِ هُوَ مَقَامَهُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى قَوْلِهِ : إنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلتَّضْمِينِ ، إذْ قَدْ ثَبَتَ التَّضْمِينُ بِهِ لِلْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّ الْمُدَبِّرَ وُجِدَ فِيهِ مَانِعٌ مِنْهُ وَهُوَ قِيَامُ مَقَامِ السَّاكِتِ الَّذِي لَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ ، فَكَانَ الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَا يُضَمِّنُهُ مَا ضَمَّنَ لِلسَّاكِتِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ لَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ذَلِكَ الثُّلُثَ فَكَذَا لَيْسَ لِلْقَائِمِ مَقَامَهُ ، بِخِلَافِ ثُلُثِ نَفْسِهِ : أَعْنِي ثُلُثَ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِيهِ مَقَامَ أَحَدٍ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ وُرُودُ أَصْلِ السُّؤَالِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ لَا يَنْهَضُ سَبَبًا لِضَمَانِ مُفْسِدِهِ كَالْمُعْتِقِ الْمُفْسِدِ بِإِعْتَاقِهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78