كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

مِلْكَ الْمُدَبِّرِ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ .
وَالرُّجُوعُ عَلَى الْعَبْدِ لَيْسَ تَضْمِينًا لِمُفْسِدِ الْمِلْكِ الْمُسْتَنِدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مُفْسِدًا شَيْئًا بَلْ تَضْمِينُهُ لِقِيَامِهِ بِالضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ مَقَامَ السَّاكِتِ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ، فَكَذَا مَنْ صَارَ الْمِلْكُ لَهُ وَقَامَ مَقَامَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتِقْ الْمُعْتِقُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْمُدَبِّرِ الضَّمَانَ لِلسَّاكِتِ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ تَضْمِينُهُ مَا ضَمَّنَهُ مِنْ ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا مَعَ ثُلُثِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ فَلَهُ تَضْمِينُ كُلِّ ثُلُثٍ بِصِفَتِهِ ، كَذَا عَلَّلُوا .
وَالْوَجْهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِي أَصْلِ التَّعْلِيلِ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ مَا ضَمِنَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ حَالَ عِتْقِ الْمُعْتِقِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْوَارِدَ أَيْضًا لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِلْكُهُ حَالَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا ، وَيَحْتَاجُ إلَى تَتْمِيمِهِ بِقَوْلِنَا فَيَكُونُ ثَابِتًا حَالَ الْإِعْتَاقِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، وَيَعُودُ السُّؤَالُ بِعِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَيُدْفَعُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ وُرُودِهِ .
هَذَا وَأَوْرَدَ الطَّلَبَةُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ حِينَ مَلَكَ ثُلُثَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ صَارَ مُدَبَّرًا لَا قِنًّا ، وَلِذَا قُلْنَا فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ ابْتِدَاءً .
وَالْجَوَابُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَنْعِ كَوْنِ الثُّلُثِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ صَارَ مُدَبَّرًا بَلْ هُوَ قِنٌّ عَلَى مِلْكِهِ ، إذْ لَا مُوجِبَ لِصَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّ ظُهُورَ الْمِلْكِ الْآنَ لَا يُوجِبُهُ وَالتَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ ، وَذِكْرُهُمْ إيَّاهُ فِي وَجْهِ كَوْنِ ثُلُثَيْ الْوَلَاءِ لَهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ، إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ أَعْتَقَ الْآخَرُ وَأَدَّى الضَّمَانَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا

مِنْ أَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا تَمَلُّكٍ .

وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ .

( قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَالثُّلُثُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ ) فَإِنَّ أَحَدَ ثُلُثَيْهِ كَانَ نَصِيبُهُ بِالْأَصَالَةِ وَالْآخَرُ تَمَلَّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لِلسَّاكِتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَبَّرَ ثُلُثَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ، بِخِلَافِ الْمُعْتِقِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ثُلُثٌ أَعْتَقَهُ وَثُلُثٌ أَدَّى ضَمَانَهُ لِلْمُدَبِّرِ لَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْوَلَاءِ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ وَمُعَاوَضَةٍ بَلْ ضَمَانَ إفْسَادٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ وَحِينَ أَعْتَقَهُ كَانَ مُدَبَّرًا ، وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ اخْتَارَ سِعَايَةَ الْعَبْدِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا أَثْلَاثًا لِكُلٍّ ثُلُثُهُ .
وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُدَبِّرِ : أَيْ بَيْنَ عَصَبَةِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَنَسَبَهُ لِقَاضِي خَانْ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُتَجَزِّئَ يُوجِبُ إخْرَاجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِتَنْجِيزِ أَحَدِ الْأُمُورِ مِنْ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ حَتَّى مَنَعَ اسْتِخْدَامَ الْمُدَبِّرَ إيَّاهُ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ابْتِدَاءً وَدَبَّرَهُ الْآخَرُ السَّاكِتُ فَإِنَّهُ لَا تَتَأَخَّرُ حُرِّيَّةُ بَاقِيهِ إلَى مَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ .
بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِتْقٌ مُنْجَزٌ بَلْ تَدْبِيرٌ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ كِتَابَةُ الْآخَرِ أَوْ قَلْبُهُ أَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِشَرِيكَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا تَقَيَّدَ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَلَا سِعَايَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، لِأَنَّ نَصِيبَ الْآخَرِ عَلَى حَالِهِ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا مَا فِي الزِّيَادَاتِ : مُكَاتَبٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا سِعَايَةَ إلَّا بَعْدَ

عَجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّ حَاصِلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ اسْتِسْعَاءٌ خَاصٌّ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ فَيَتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا أَوْ جَبْرًا بِإِجَارَتِهِ فَهُوَ يُحَقِّقُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهِ الرِّقُّ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلْمُدَبِّرِ وَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا فَيَضْمَنُهُ ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ التَّدْبِيرُ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ كُلُّهُ مُدَبِّرًا لِشَرِيكِهِ الْمُدَبِّرِ ( وَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا ) فَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ ( وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ( فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ ) أَيْ مَا إذَا اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ حَيْثُ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ( بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ ) لَا ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِيَكُونَ نَصُّ الِاخْتِلَافِ بِالْإِعْسَارِ وَالْيَسَارِ وَارِدًا فِيهِ ( وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ ) عَلَى قَوْلِهِمَا ( لِلْمُدَبِّرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ ضَمَانَ الْإِفْسَادِ فِي الْإِعْتَاقِ لَا يُنَافِي ضَمَانَ التَّمَلُّكِ لِأَنَّهُمَا حَيْثُ قَالَا : إنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ فِي كُلِّ الْعَبْدِ حَتَّى كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ مِلْكِ نَصِيبِ السَّاكِتِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَنْزِلُ عِتْقُهُ فِي جُزْءٍ لَا يَمْلِكُهُ ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى ضَمَانُ التَّدْبِيرِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ .

قَالَ ( وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْآخَرُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا وَيَوْمًا تَخْدُمُ الْمُنْكِرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا ) لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ كَذَا هَذَا فَتَمْتَنِعُ الْخِدْمَةُ وَنَصِيبُ الْمُنْكِرِ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ فَتَخْرُجُ إلَى الْعَتَاقِ بِالسِّعَايَةِ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صَدَقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ ، وَلَوْ كَذَبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ النِّصْفُ ، وَلَا خِدْمَةَ لِلشَّرِيكِ الشَّاهِدِ وَلَا اسْتِسْعَاءَ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالضَّمَانِ ، وَالْإِقْرَارُ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا ) أَيْ لَا تَخْدُمُ فِيهِ أَحَدًا ( وَيَوْمًا تَخْدُمُ الْمُنْكِرَ ) وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ عَتَقَتْ بِشَهَادَةِ الْآخَرِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لَهُ ، وَتَسْعَى لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ .
وَوَجْهُ هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ عِنْدَ مَوْتِ الشَّرِيكِ كَأَنَّهُ قَالَ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ جِهَةِ شَرِيكِي ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ أَعْتَقَ شَرِيكِي نَصِيبَهُ ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَضْمِينِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَهُوَ مُنْكِرٌ لَكِنَّهُ يُفْسِدُ الرِّقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إفْسَادِهِ بِإِعْتَاقِهِ اُعْتُبِرَ إقْرَارُهُ بِفَسَادِهِ ثُمَّ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَمَامِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ عَلَيْهِ مُعْسِرًا ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَعَى لَهُ وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي السِّعَايَةِ بَلْ فِي تَضْمِينِ الشَّرِيكِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ لِإِنْكَارِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ شَاءَ الْمُنْكِرُ اسْتَسْعَى الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا .
وَضَمَّهُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ وَقَالَا بِاعْتِبَارِ قَوْلٍ مَرْجُوعٍ لِأَبِي يُوسُفَ ، وَلَا يَنْبَغِي مِثْلُهُ أَنْ يُفْعَلَ إلَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْبَيَانِ فَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَثَلًا وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الْآنَ مَا لَيْسَ هُوَ قَائِلًا بِهِ .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ خِدْمَةَ الْمُنْكِرِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ ؟ الْأَوَّلِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا خِدْمَةَ

لَهُ عَلَيْهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ صَارَ حَقُّ الْمُنْكِرِ فِي سِعَايَتِهَا وَتَخْرُجُ بِهَا إلَى الْحُرِّيَّةِ .
وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ ، وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا : أَيْ تَأْخُذُ جِنَايَتَهَا مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ .
( قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ اسْتَوْلَدَهَا .
كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ ) حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا صَارَ لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَوْلِدِ امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُقِرُّ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ الِاسْتِخْدَامُ ، وَالْمُقِرُّ أَيْضًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِخْدَامُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ عَلَى الْمُنْكِرِ ، وَإِذَا امْتَنَعَ الِاسْتِخْدَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْحَالُ أَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الْحُكْمِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ اسْتِسْعَائِهَا لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهَا وَمَنَافِعِهَا عِنْدَهَا ، وَلَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ شَرِيكِهِ ، فَإِذَا اسْتَسْعَاهَا فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا ، فَإِنَّ الْمُنْكِرَ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَالْمُقِرَّ يُبَرِّئُهَا مِنْهُ وَيَدَّعِي أَنَّ حَقَّهُ فِي تَضْمِينِ

الْمُنْكِرِ لِدَعْوَاهُ الِاسْتِيلَادَ فَصَارَتْ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لَمَّا امْتَنَعَ بِإِسْلَامِهَا مَقَاصِدُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مَجَّانًا لِلْإِضْرَارِ بِهِ وَجَبَ أَنْ تَعْتِقَ بِالسِّعَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) وَعَلِمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَهُ ( أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُنْكِرِ نِصْفَ خِدْمَتِهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ إمَّا صَادِقٌ فَيَكُونُ جَمِيعُ خِدْمَتِهَا لَهُ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ خِدْمَتَهَا ، أَوْ كَاذِبٌ فَلَهُ نِصْفُهَا وَالْآخَرُ لِلْمُقِرِّ فَاسْتِحْقَاقُهُ نِصْفَهَا مُتَيَقَّنٌ .
وَأَمَّا الشَّرِيكُ الْمُقِرُّ فَلَا اسْتِخْدَامَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا اسْتِسْعَاءَ لِأَنَّهُ يُبَرِّئُهَا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرِيكِهِ ، وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ .
وَقَوْلُهُمَا انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ .
قُلْنَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ إقْرَارٌ بِالنَّسَبِ ( وَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يُرَدُّ بِالرَّدِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ ) بِنَفْسِهِ حُكْمًا ، نَعَمْ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاخَذَ بِإِقْرَارِهِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِخْدَامُهُ وَاسْتِسْعَاؤُهُ وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ ، وَلَا يَسْرِي قَوْلُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْقَى حَقُّهُ عَلَى مَا كَانَ وَعِتْقُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ هَذَا لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا مِنْ الِانْقِلَابِ ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الِانْقِلَابِ .
وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ .

( وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ) لِأَنَّ مَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ وَمُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُبْتَنَى عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ أَوْرَدْنَاهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا ، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ ، وَبِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا ) بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ( فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ) وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ لِلسَّاكِتِ فِيهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي تَقَوُّمِ أُمِّ الْوَلَدِ ، فَعِنْدَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُبْتَنَى عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ) ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى : إحْدَاهَا هَذَا : وَالثَّانِيَةُ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَهِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَعَتَقَ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْوَلَدَ فِي النِّصْفِ : يَعْنِي إذَا بَلَغَ حَدًّا يُسْتَسْعَى فِيهِ مِثْلُهُ .
وَمِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا تَسْعَى لِلْآخَرِ عِنْدَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَتَسْعَى عِنْدَهُمَا .
وَمِنْهَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ الْوَلَدِ غَاصِبٌ فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا .
وَذَكَرَ فِي الرُّقَيَّاتِ يَضْمَنُهَا عِنْدَهُ بِالْغَصْبِ كَمَا يَضْمَنُ بِهِ الصَّبِيَّ الْحُرَّ ، حَتَّى لَوْ وَضَعَهَا فِي مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا سَبْعٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُ كَمَا يَضْمَنُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ .
وَمِنْهَا لَوْ بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ وَيَضْمَنُ عِنْدَهُمَا .
وَمِنْهَا أَمَةٌ حُبْلَى بِيعَتْ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ صَحَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يُحْبَسُ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الثَّمَنِ .

( قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ( أَنَّهَا مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا ) وَكَذَا يَمْلِكُ كَسْبَهَا ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَتْ ، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ وَالْفَائِتُ لَيْسَ إلَّا مُكْنَةُ الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يَنْفِي التَّقَوُّمَ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَالْآبِقِ وَامْتِنَاعُ سِعَايَتِهَا لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى أَوْ وَرَثَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مَثَلًا لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهَا لِدَفْعِ حَاجَتِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ نَسَبُهُ وَمَاؤُهُ وَهَذَا مَانِعٌ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُدَبَّرِ فَلِذَا افْتَرَقَا فِي السِّعَايَةِ وَعَدَمِهَا ( وَهَذَا ) أَيْ الِانْتِفَاعُ الْمُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ ( دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيهَا لِعَدَمِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ ، وَلَا زِيَادَةَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ ، أَلَا يُرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ سَعَتْ لَهُ ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ وَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ ، فَإِذَا ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي إحْدَاهُمَا ثَبَتَ فِي الْأُخْرَى ، وَكَذَا وَلَدُ الْمَغْرُورِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ يَضْمَنُ قِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا عِنْدَنَا .
وَحَاصِلُهُ دَلِيلَانِ : الْأَوَّلُ قِيَاسٌ عَلَى الْمُدَبَّرِ ، وَالثَّانِي إجْمَاعٌ مُرَكَّبٌ .
وَأَيْضًا ثَبَتَتْ مَالِيَّتُهَا فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِمُقْتَضٍ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ الطَّارِئِ بِالِاسْتِيلَادِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ لِثُبُوتِهِ مَعَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ مَعَ انْتِفَاءِ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ .

غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ ، أَمَّا السِّعَايَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ بَاقِيَانِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّقَوُّمِ وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ ، وَلِهَذَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ فِي إسْقَاطِ التَّقَوُّمِ ، وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيهِ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِهِ فَافْتَرَقَا .
وَفِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قَضَيْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إلَى التَّقَوُّمِ .

( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ ) مَنْفَعَتَيْنِ ( مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ) وَالْبَاقِي مَنْفَعَةٌ مِنْ ثَلَاثٍ فَحِصَّتُهَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ ( بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ ) فَقَطْ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيُسْتَخْدَمُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا .
وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ الْخِلَافَ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَسَكَتَ الْآخَرُ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ إنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ الْمِلْكِ بَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْهُ يَثْبُتُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ ، فَإِنَّ الْوَطْءَ يَثْبُتُ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْإِجَارَةُ تَثْبُتُ بِالْإِجَارَةِ وَاللَّازِمُ الْخَاصُّ هُوَ مِلْكُ الْكَسْبِ ، وَلَا كَلَامَ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِالْمِلْكِ وَإِنْ ثَبَتَ مَعَهُ ، وَالْآدَمِيُّ وَإِنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَالًا لِأَنَّهُ خُلِقَ لَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إذَا أُحْرِزَ لِلتَّمَوُّلِ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَحْرَزَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ إحْرَازُهُ لَهَا لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ تَمَلُّكِهَا كَانَ لِلتَّمَوُّلِ ، لَكِنْ عِنْدَمَا اسْتَوْلَدَهَا تُحَوَّلُ صِفَتُهَا عَنْ الْمَالِيَّةِ إلَى مِلْكٍ مُجَرَّدٍ عَنْهَا فَصَارَتْ مُحْرِزَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَهَذِهِ الْمُقَدَّمَةُ تَقْبَلُ الْمَنْعَ : أَعْنِي انْتِفَاءَ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِالْإِحْرَازِ لِلنَّسَبِ بِأَنْ يُقَالَ : لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ

الْإِحْرَازِ لِلنَّسَبِ وَانْتِفَاءِ التَّقَوُّمِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُنَافِهِ لَكِنَّهُ تَابِعٌ فَصَارَ الْإِحْرَازُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ كَالْمُنْتَفِي ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُبُوتُ لَوَازِمِ الِانْتِفَاءِ شَرْعًا وَهُوَ عَدَمُ سِعَايَتِهَا لِغَرِيمٍ أَوْ وَارِثٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ ، وَإِنَّ مَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَيَاتِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ ، كَالْمُدَبَّرِ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ خَرَجَ وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْحَيَاةِ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ مُوصًى بِهِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا بَطَلَتْ فَسَعَى فِي قِيمَتِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَحَيْثُ ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَرُدَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُتَقَوِّمًا جَازَ بَيْعُهُ ، فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِ الْمُدَبِّرِ مِنْ نَيْلِهِ ثَوَابَ عِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ إلْزَامِ التَّقَوُّمِ بِأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ بِمَنْعِ تَقَوُّمِهَا ، وَإِلْزَامِ السِّعَايَةِ فِيهَا لَيْسَ لِذَلِكَ بَلْ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا مُسْلِمَةً مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَا إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مَجَّانًا وَهُوَ مِلْكٌ صَحِيحٌ فَأُنْزِلَتْ مُكَاتَبَةً عَلَيْهِ عَلَى قِيمَتِهَا .
وَنَقُولُ : لَا يَفْتَقِرُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ إلَى التَّقَوُّمِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَوْ سُلِّمَ ، فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهَا مِنْ تِلْكَ الضَّرُورَةِ ، أَوْ نَقُولُ : هُوَ يَعْتَقِدُ الْمَالِيَّةَ فِيهَا وَجَوَازَ بَيْعِهَا ، وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِمْ يُبْتَنَى عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي مَالِيَّةِ الْخَمْرِ ، أَوْ أَنَّ مِلْكَهُ لَمَّا احْتَبَسَ عِنْدَهَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا وَإِنْ

لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا ، كَالْقِصَاصِ إذَا احْتَبَسَ نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْآخَرِ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ .
وَبِهَذَا تَمَّ الْوَجْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ ( وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا ) أَيْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ( مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ ) فَغَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ ، إذْ قَدْ ثَبَتَ شَرْعًا بِمَا ذَكَرْنَا عَدَمُ تَقَوُّمِهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ حِكْمَةٍ شَرْعِيَّةٍ .
عَدَمُ تَقَوُّمِهَا : يَعْنِي أَنَّ حِكْمَةَ إسْقَاطِ الشَّرْعِ تَقَوُّمَهَا ثُبُوتُ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا الْحُرِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْمُصَاهَرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ حَيْثُ قَالَ : كَيْفَ تَبِيعُوهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُمْ وَدِمَاؤُهُنَّ بِدِمَائِكُمْ ؟ فَلِثُبُوتِ ذَلِكَ ثَبَتَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ تُنَجَّزَ حُرِّيَّتُهَا لَكِنْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ فِيمَا سِوَاهُ وَهُوَ عَدَمُ التَّقَوُّمِ لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّقَوُّمِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَنَجُّزِ الْعِتْقِ ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَثْبَتَ لَهَا الْوَلَدُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ فَبَقِيَ فِيمَا سِوَى حَقِيقَةِ الْعِتْقِ مَعْمُولًا بِهِ وَمِنْهُ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَالتَّدْبِيرُ أَيْضًا كَذَلِكَ : أَيْ سَبَبٌ فِي الْحَالِ لِلْعِتْقِ لِمَا ذَكَرَ فِي بَابِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْتَفِيَ تَقَوُّمُ الْمُدَبَّرِ عَلَى وَزْنِ انْتِفَائِهِ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِيَّةِ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِضَرُورَةٍ هِيَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّةُ كَلَامِهِ إلَيْهِ

فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً لَا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ بَلْ يَبْقَى فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ عَلَى الْأَصْلِ : يَعْنِي فَتَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّتُهُ لِسُقُوطِ التَّقَوُّمِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ وَذَلِكَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ لِأُمِّ الْوَلَدِ فَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ سَبَبَ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ ، وَسَبَبَ سُقُوطِهِ فِي الْمُدَبَّرِ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا بَيَّنَّا .

بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ( وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِتْقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ ) أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ ، وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ ، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ آخِرًا فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا ، غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ ، فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْأَوَّلِ لَغَا ، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ بَقِيَ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ فَتَمَّتْ لَهُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُوَ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَنْتَصِفُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ الرُّبُعُ بِالثَّانِي وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : لَمَّا دَارَ الْإِيجَابُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا ، وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبُعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ .
قَالَ ( فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا ) وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ

بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَنَقُولُ : يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً ، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيُجْعَلَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ ، فَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَمَعْت اسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ عِنْدَهُ سَهْمٌ فَنَقَصَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ بِسَهْمٍ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَبَاقِي التَّخْرِيجِ مَا مَرَّ .

( بَابُ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ) هَذَا أَيْضًا مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي بَعْضِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي بَعْضِ الْمُتَعَدِّدِ فَنُزِّلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي عِتْقِ بَعْضِ مَا هُوَ بَعْضٌ لِهَذَا وَهُوَ الْوَاحِدُ ( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَدَخَلَ آخَرُ ) وَهُوَ الْبَاقِي مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ ( فَقَالَ ) الْمَوْلَى ( أَحَدُكُمَا حُرٌّ ) فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَالثَّانِي : أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ بَيَانِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيَانِ .
وَحُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ ، وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَقَالَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ وَصَارَ خَبَرًا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ وَهُوَ الثَّابِتُ ، فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ عِتْقًا .
فَإِنْ قِيلَ : الْبَيَانُ لَهُ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يَنْزِلُ فِي الْمُعَيَّنِ فَصَارَ بِبَيَانِهِ فِي الثَّابِتِ كَأَنَّهُ إنْشَاءٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَلَوْ نَجَّزَ عِتْقَ الثَّابِتِ بِعِتْقٍ مُسْتَقِلٍّ عَتَقَ الْخَارِجُ فَكَذَا يَعْتِقُ بِالْبَيَانِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِي الْمُعَيَّنِ بِهِ لَا يَكُونُ

بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ عِتْقُ مُبْهَمٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ إنْشَاءً ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا خَاصَمَهُ الْعَبْدَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ يَكُونُ إظْهَارًا ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْشَاءِ يَعْتِقُ الدَّاخِلُ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِخْبَارِ لَا يَعْتِقُ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ ، وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقَ الْخَارِجِ فَلَا إشْكَالَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ ، وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَأَيَّهمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ .
وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِهِ كَانَا رَقِيقَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْلَى شَيْئًا حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا ، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّابِتَ هُوَ الْمُزَاحِمُ لَهُمَا وَلَمْ يَبْقَ ، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي ، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ، وَاتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى عِتْقِ نِصْفِ الْخَارِجِ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ .
وَاخْتُلِفَ فِي الدَّاخِلِ ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ أَيْضًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُ رُبُعُهُ .
وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا بِعِتْقِ النِّصْفِ وَثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ مَعَ قَوْلِهِمَا يُعْدَمُ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ .

وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ ، أَمَّا إذَا كَانَ الْحَالُ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ التَّجَزِّي عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ .
وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يَخْلُصَ كُلُّهُ حُرًّا ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ : يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَتَّحِدُ الْحَاصِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ وَهُمْ عَبِيدٌ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَوْنَ وَهُمْ أَحْرَارٌ ، إذْ الْحَاصِلُ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ أَنْ لَا يَعْتِقَ جَمِيعُ وَاحِدٍ مَجَّانًا لَا أَنْ يَعْتِقَ بَعْضٌ فَقَطْ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عِتْقُ الْبَاقِي إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمَا مُخَالَفَةُ أَصْلِهِمَا .
وَرُدَّ عَلَى ذَلِكَ الطَّالِبِ بِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الْكُلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ قَوْلِ الْمَوْلَى أَحَدُكُمَا حُرٌّ إعْتَاقَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ ، بَلْ أَحَدُكُمَا لَا يُؤَدِّي مَعْنَى كِلَاكُمَا ؛ وَقَدْ يَدْفَعُ عَنْهُ هَذَا بِمَنْعِ كَوْنِ الْمُوجَبِ ذَلِكَ بَلْ مُوجَبُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ شَائِعَةٍ ، وَإِنَّمَا عَتَقَ الْكُلُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ تَوْزِيعَهُ وَحِينَ لَزِمَ التَّوْزِيعُ فَوَجَبَ عِتْقُ بَعْضٍ وَجَبَ وُقُوعُهُ فِي الْكُلِّ فَكَانَ التَّوْزِيعُ مُقْتَضَى الضَّرُورَةِ فَوُقُوعُ عِتْقِ النِّصْفِ مَثَلًا مُوجَبًا لِلتَّوْزِيعِ كَوُقُوعِهِ مُوجَبًا لِقَوْلِهِ أَعْتَقْت نِصْفَك ، فَكَمَا يَقَعُ انْعِتَاقُ النِّصْفِ انْعِتَاقًا لِلْكُلِّ إذَا وَقَعَ عَنْ مُوجَبِهِ كَذَلِكَ يَقَعُ هُنَا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مُوجَبَ أَصْلًا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ أَصْلِهِمَا ، وَمُوَافَقَةُ أَبِي يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي عِتْقِ نِصْفِ الدَّاخِلِ لَا

تُوجِبُ مُوَافَقَتَهُ فِي التَّجَزِّي .
وَوَجْهُ الِاتِّفَاقِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَهُوَ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ ) إذْ لَا مُرَجِّحَ ( غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبُعًا آخَرَ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاخِلِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا ) لَكِنَّ نِصْفَ الثَّابِتِ شَاعَ فِي نِصْفَيْهِ ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ الْمُعْتَقَ بِالْأَوَّلِ لَغَا ، وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ مِنْ الْعِتْقِ عَتَقَ فَيَسْلَمُ لَهُ الرُّبُعُ مُضَافًا إلَى عِتْقِ النِّصْفِ بِالْأَوَّلِ فَتَمَّ لَهُ عِتْقُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ ( وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الثَّابِتُ بِالثَّانِي يَعْتِقُ نِصْفُهُ ) الْبَاقِي ، وَلَوْ أُرِيدَ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ فَعَتَقَ نِصْفُهُ فِي حَالٍ وَلَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَالٍ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ لَهُ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ وَقَدْ كَانَ عَتَقَ لَهُ النِّصْفُ بِالْأَوَّلِ فَيَكْمُلُ لَهُ عِتْقُ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ .
وَجْهُ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ فِي الدَّاخِلِ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتَ مِنْهُ الرُّبُعُ فَكَذَلِكَ يُصِيبُ الدَّاخِلَ ( قَوْلُهُ وَهُمَا يَقُولَانِ ) حَاصِلُهُ أَنَّ إصَابَةَ الرُّبُعِ عِنْدَهُمَا لَيْسَ قَضِيَّةً لِلْكَلَامِ بَلْ قَضِيَّتُهُ عِتْقُ نِصْفِهِ لَكِنَّهُ لِشُيُوعِهِ فِي كُلِّهِ وَنِصْفِهِ شَائِعًا مُعْتَقٌ ، فَمَا أَصَابَ مِنْهُ هَذَا النِّصْفُ لَغَا ، وَمَا أَصَابَ الْقِنَّ عَتَقَ فَلَغَا رُبُعُهُ .
وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي النِّصْفِ الَّذِي أَصَابَ الدَّاخِلَ ، وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ ، وَتَقَدَّمَ لَهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ فِي حَالَةٍ وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ الْخَارِجَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الثَّابِتَ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ

يَثْبُتُ بِهِ عِتْقٌ كَامِلٌ بَيْنَهُمَا لِكُلٍّ نِصْفُهُ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّتِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَانْتَصَفَ الثَّابِتُ بِهِ فَأَصَابَ كُلًّا رُبُعُهُ فَلِذَا عَتَقَ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَمِنْ الدَّاخِلِ رُبُعُهُ .
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي وَجْهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عِتْقَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ النِّصْفُ أَصْلًا بَلْ أَصَابَهُ الرُّبُعُ ابْتِدَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُرِيدُ الْخَارِجَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَيِّتُ الْعِتْقَ فِيهِ لَوْ بَيَّنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُعَيَّنَ حَالَ صُدُورِهِ بَلْ الْمُبْهَمَ ، ثُمَّ بِالتَّعْيِينِ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْمُبْهَمُ فِيهِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ : فِي قَوْلٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَفِي الْأَصَحِّ يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْبَيَانِ .
وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِاسْمِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يَصِحُّ بَيَانُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ : كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ .
لَنَا فِي تَأْصِيلِ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ لِلْقِتَالِ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الْعَقْلِ } وَلَيْسَ هَذَا إلَّا لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ السُّجُودَ جَازَ كَوْنُهُ لِلَّهِ فَيَكُونُ إسْلَامًا فَيَجِبُ كَمَالُ الْعَقْلِ ، وَجَازَ كَوْنُهُ تَعْظِيمًا لِلظَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ تَقِيَّةً مِنْ الْقَتْلِ كَمَا يَفْعَلُونَهُ فَكَانَ مُوجِبًا لِكَمَالِهِ فِي اعْتِبَارٍ غَيْرَ مُوجِبٍ فِي اعْتِبَارٍ فَقَضَى بِالنِّصْفِ .
وَجْهُ اعْتِبَارِ

الْقُرْعَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهُ لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ جَازَ أَنْ يُضَعَّفَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ .
وَمِنْ الْعِلَلِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَكَذَا مُخَالَفَةُ الْعَادَةِ الْقَاضِيَةِ بِخِلَافِهِ ، قَالُوا : هَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْخَطَرِ ، وَالْقُرْعَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ إنْ ظَهَرَ كَذَا لَا إنْ ظَهَرَ كَذَا ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِنَفْيِ أَنَّ وَاحِدًا يَمْلِكُ سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا ثَوْبٍ وَلَا نُحَاسٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا دَارٍ يَسْكُنُهَا ، وَلَا شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ .
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لِلْعَرَبِ ذَلِكَ لِيَأْخُذُوا غَلَّتَهُمْ أَوْ يَكُونُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي غَنِيمَةٍ إنْ كَانَ مَعَ الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضْنَاهُ مِنْ عَدَمِ شَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا تَقْضِي الْعَادَةُ بِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ أَنْدَرُ نَادِرٍ فَكَانَ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَوَجَبَ رَدُّ الرِّوَايَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْبَاطِنَةِ ، كَمَا قَالُوا فِي الْمُتَفَرِّدِ بِزِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِغَلَطِهِ وَصَارَ هَذَا مِنْ جِنْسِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى .
وَأَمَّا مَا قِيلَ : إنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَلَا تَعُمُّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى

طَرِيقٍ صَحِيحٍ ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقًا صَحِيحًا جَازَ ارْتِكَابُهُ وَتَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِهِ ، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ يَلْزَمُ فِيمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مِنْ قِصَّةِ الْخَثْعَمِيِّينَ بِلَا فَرْقٍ ، وَكَذَا نَحْوُهُ مِنْ أَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ ، وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لَيْسَ إلَّا دَلَالَةَ الْعَادَةِ ، وَالْكِتَابُ عَلَى نَفْيِ مُقْتَضَاهُ فَيُحْكَمُ بِغَلَطِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ عِمْرَانَ ، وَلِذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا ، وَعَلَى عَدَمِهَا أَيْضًا عِنْدَ تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ ، وَنَحْنُ لَا نَنْفِي شَرْعِيَّةَ الْقُرْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ نُثْبِتُهَا شَرْعًا لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَدَفْعِ الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلسَّفَرِ بِنِسَائِهِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَفَرُهُ بِكُلِّ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَسَارَعُ الضَّغَائِنُ إلَى مَنْ يَخُصُّهَا مِنْ بَيْنِهِنَّ فَكَانَ الْإِقْرَاعُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ ، وَكَذَا إقْرَاعُ الْقَاضِي فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَالْبِدَايَةِ بِتَحْلِيفِ أَحَدِ الْمُتَحَالِفَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تُهْمَةِ الْمَيْلِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ تَرْكُهَا فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَمِنْهُ اسْتِهَامُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَهُمْ عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَ لِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ أَحَقَّ بِكَفَالَتِهَا لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَأَمَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ بِهَا لِاسْتِحْقَاقٍ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمْ فِي سَبَبِهِ فَأَوْلَى مِنْهُ ظَاهِرُ التَّوْزِيعِ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ قَدْ تُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ شَائِعًا فِيهِمْ يَقَعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَإِذَا جُمِعَ الْكُلُّ فِي وَاحِدٍ فَقَدْ حُرِمَ الْآخَرُ بَعْضَ حَقِّهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُزِّعَ فَإِنَّهُ يَنَالُ كُلًّا شَيْءٌ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ

شَائِعًا فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَشَرَةِ الْمَالِكِينَ لِعَشْرِ جَوَارٍ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ جَارِيَتَهُ ثُمَّ لَمْ تَدُرْ وَصَارَ مِلْكُ الْعُشْرِ لِوَاحِدٍ حَيْثُ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ عُشْرُهَا وَتَسْعَى فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهَا فَفِيهِ إصَابَةُ الْمُسْتَحِقِّ بَعْضَ حَقِّهِ يَقِينًا وَمَعَ الْقُرْعَةِ جَازَ أَنْ يَفُوتَهَا كُلُّ حَقِّهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا ) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ ، فَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا إشْكَالَ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ قَسْمَ الثُّلُثِ وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَيَضْرِبُ كُلٌّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا ) أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَسِتَّةٌ وَذَلِكَ ( لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ ) وَإِنَّمَا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ ( لِحَاجَتِنَا إلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ فَنَقُولُ يَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ مِنْهُ ) مِنْ أَرْبَعَةٍ ( وَمِنْ الْآخَرَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَيَبْلُغُ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً ) خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ سُهْمَانِ الْوَرَثَةِ ضِعْفَهَا لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ ضِعْفُ الثُّلُثِ وَهُمَا سِهَامُهُمْ فَيَبْلُغُ كُلُّ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ ، وَكُلُّ الْمَالِ هُوَ الْأَعْبُدُ الثَّلَاثَةُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ ، وَمِنْ الْآخَرَيْنِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ إلَى ثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ بِنِصْفِ سُبْعٍ وَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ سَبْعِينَ وَذَلِكَ

أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ بِثُلُثِ سُبْعٍ ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ الدَّاخِلُ بِسَهْمٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ رُبُعُهُ سُدُسًا ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ سِهَامُ الْعِتْقِ سِتَّةً وَسِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفُهَا أَلْبَتَّةَ فَتَكُونُ كُلُّ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيُجْعَلُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سِتَّةٍ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ فَكَانَ الْمُعْتَقُ مِنْ مُسْتَحِقِّ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ عَلَى قَوْلِهِ نِصْفَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ مِنْهُ نِصْفُهُ إلَّا نِصْفَ سُبْعٍ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَهُمَا ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ ثُلُثُهُ إلَّا ثُلُثَ سُبْعٍ وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سُدُسُهُ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ سُبْعَاهُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاصِلَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَخْتَلِفُ .

( وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ ) قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خَاصَّةً ، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبُعُهُ ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ وَتَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا فِي الزِّيَادَاتِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ ) يَعْنِي قَالَ لِزَوْجَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، فَخَرَجَتْ إحْدَاهُمَا وَدَخَلَتْ زَوْجَةٌ لَهُ ثَالِثَةٌ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ( وَهُنَّ غَيْرُ مَدْخُولَاتٍ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ سَقَطَ مِنْ مَهْرِ الْخَارِجَةِ رُبُعُهُ ) وَوَجَبَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ( وَمِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ ) وَوَجَبَ لَهَا خَمْسَةُ أَثْمَانِهِ ( وَمِنْ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ثُمُنُهُ ) وَوَجَبَ لَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِهِ فَأَلْزَمَهُمَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُنَاقَضَةَ فَإِنَّ سُقُوطَ رُبْعِ مَهْرِ الْخَارِجَةِ لِوُقُوعِ طَلَاقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّابِتَةِ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ مَهْرَيْهِمَا لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِسُقُوطِهِ مِنْ الْأُخْرَى فَوُزِّعَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ رُبُعُ مَهْرِهَا ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي مُوجَبٌ فِي حَالٍ هِيَ أَنْ تُرَادَ الْخَارِجَةُ دُونَ حَالٍ وَهِيَ أَنْ تُرَادَ الثَّابِتَةُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَنْكُوحَةٍ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَنَصَّفُ وَيَثْبُتُ بِهِ سُقُوطُ الرُّبُعِ مُوَزَّعًا لِيَسْقُطَ ثُمُنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَمِثْلُهُ مِنْ مَهْرِ الثَّابِتَةِ فَيُضَمُّ إلَى مَا سَقَطَ مَعَ الْأُولَى فَيَتِمُّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِ فَيَجِبُ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فَيَعْتِقُ رُبُعُ الدَّاخِلِ ؛ لِأَنَّ الثُّمُنَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ الرُّبُعِ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَالثُّمُنُ هُوَ رُبُعُ النِّصْفِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِهِ ( قِيلَ هَذَا ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الطَّلَاقِ ( قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَسْقُطُ رُبُعُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ ) لَا الثُّمُنُ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْإِلْزَامُ ( وَقِيلَ ) بَلْ ( هُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا ) وَالْفَرْقُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي زِيَادَاتِهِ وَذَكَرَ تَمَامَ تَفْرِيعَاتِهَا أَيْضًا فِيهَا .
أَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَحَدِ وَبَعْدَ مَوْتِ

أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ، وَأَمَّا التَّفْرِيعَاتُ فِي الطَّلَاقِ ، فَمِنْهَا أَنَّ مِيرَاثَ النِّسَاءِ وَهُوَ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ يَنْقَسِمُ بَيْنَ الدَّاخِلَةِ وَالْأُولَيَيْنِ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ لِلدَّاخِلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْأُولَيَيْنِ : أَعْنِي الثَّابِتَةَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأُخْرَى .
وَمِنْهَا أَنَّ الثَّابِتَةَ لَوْ مَاتَتْ وَالزَّوْجُ حَيٌّ طَلُقَتْ الْخَارِجَةُ وَالدَّاخِلَةُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَتَاقِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ ، وَإِنْ مَاتَتْ الدَّاخِلَةُ كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْخَارِجَةِ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ أَيْضًا لِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ الدَّاخِلَةِ بِالْمَوْتِ ؛ وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ لَمْ تَطْلُقْ الْخَارِجَةُ ، وَإِنْ مَاتَتْ الْخَارِجَةُ طَلُقَتْ الثَّابِتَةُ دُونَ الدَّاخِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى بَيَّنَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ فِي الْخَارِجَةِ صَحَّ وَعَلَيْهِ بَيَانُ الثَّانِي ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الثَّابِتَةِ أَوْ الدَّاخِلَةِ بِهِ ، وَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّابِتَةِ لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي ، وَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ عَلَى الدَّاخِلَةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْخَارِجَةِ أَوْ الثَّابِتَةِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الثَّابِتَةِ طَلُقَتْ وَطَلُقَتْ الْخَارِجَةُ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ فَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ فِي الْعِتْقِ صَحِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الدَّاخِلِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَكَذَا فِي حَقِّ الثَّابِتِ .
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَهُوَ يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ فَصَحَّ اللَّفْظُ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَيْضًا ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ

مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ وَاسِطَةٌ وَالطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْإِيجَابِ الثَّانِي فِيهِ دَائِرًا بَيْنَ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِسُقُوطِ النِّصْفِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا بِخِلَافِهِ فِي الْعِتْقِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا ، فَكَانَ كَالْمُكَاتَبِ ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ عِتْقَ نِصْفِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُكَاتَبًا فِي الْإِيجَابِ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَإِلَّا فَالْإِيجَابُ الْأَوَّلُ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ عِتْقُ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ بِكَمَالِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ نِصْفِ أَحَدٍ بِهِ ، لَكِنْ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ الْوَاحِدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَدْ يُقَالُ مِنْ طَرَفِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ إنَّمَا هُوَ حَالُ صُدُورِ مَا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ ، وَحَالُ صُدُورِ الْإِيجَابِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ فِي الثَّابِتِ عِتْقٌ أَصْلًا .
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الِاعْتِبَارُ حَالَ صُدُورِهِ إذَا كَانَ لِتَعَرُّفِ حُكْمِهِ إذْ ذَاكَ ، وَنَحْنُ إنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَتَعَرَّفَ حُكْمَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ يُعْتَبَرُ تَعْلِيقًا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ بِحُكْمٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ .
أَمَّا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ ، فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَيُعْتَبَرُ تَنْجِيزًا فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ تَنْجِيزًا كَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ أَوْ لَا يُوجِبَ شَيْئًا فَأَوْجَبَ سُقُوطَ رُبْعِ الْمَهْرِ مِنْ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّاخِلَةِ ثُمُنٌ وَتَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ أَثْمَانِ مَهْرِهَا وَمِنْ

الثَّابِتَةِ كَذَلِكَ وَكَانَ سَقَطَ الْمُتَيَقَّنُ بِالْأَوَّلِ فَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ وَتَسْتَحِقُّ ثُمُنًا وَاحِدًا .
هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَخْصِيصَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَجَزِّي الْإِعْتَاقِ فِي الْأَعْبُدِ فَيَقْوَى بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ ذَلِكَ السُّؤَالِ .

( وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ إبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ إلَى مَوْتِهِ ، وَالْمَقْصُودَانِ يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ فَتَعَيَّنَ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا لِلْمَعْنَيَيْنِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَبِدُونِهِ وَالْمُطْلَقِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ مُلْحَقٌ بِهِ فِي الْمَحْفُوظِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ؛ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ قَالَ لَهُ ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا ( أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ الْآخَرُ ) الْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يُوجِبُ الْبَيَانَ كَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا بَيَانَ إلَّا بِالْقُرْعَةِ ، وَبِاللَّفْظِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ : كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَعْتِقُ أَصْلًا .
وَالْبَيَانُ يَقَعُ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ اخْتَرْت أَنْ يَكُونَ هَذَا حُرًّا بِذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي قُلْته ، أَوْ يَقُولَ : أَنْتَ حُرٌّ بِذَلِكَ الْعِتْقِ أَوْ أَعْتَقْتُك بِذَلِكَ الْعِتْقِ ، أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَتَقَ هُوَ وَالْآخَرُ مَعًا لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ آخَرُ نَازِلٌ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَبِهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِنُزُولِ عِتْقٍ آخَرَ فَكَانَ كَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ بِذَلِكَ الْإِعْتَاقِ .
وَدَلَالَةً كَمَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا مَعَ قَبْضٍ وَدُونَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِتَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ نَجَّزَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَهُ أَوَّلًا ، وَلِذَا عَتَقَ الْآخَرُ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي صَاحِبِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقَعُ بَيَانًا لِعِتْقِ الْآخَرِ ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْآخَرُ ، وَلَيْسَ بَيَانًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا ، وَلِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا إنْشَاءَ فِي الْآخَرِ بِمَوْتِ قَرِينِهِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ صِفَةُ اللَّفْظِ ، بَلْ لَزِمَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَوَاتِ

مَحَلِّيَّةِ الَّذِي مَاتَ لِنُزُولِ الْعِتْقِ فِيهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَلَزِمَ لِذَلِكَ الْكَلَامِ عِتْقُ الْحَيِّ وَمَا يَقَعُ بِهِ الْبَيَانُ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ الْمُنَجَّزِ يَقَعُ بِهِ فِي الْمُعْتَقِ الْمُبْهَمِ الْمُعَلَّقِ كَأَنْ قَالَ : إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَحَدُكُمَا حُرٌّ ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ عَتَقَ الْبَاقِي .
وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَيَانِ الْحُكْمِيِّ وَالصَّرِيحِ ، فَإِنَّ الْحُكْمِيَّ قَدْ رَأَيْت أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الشَّرْطِ ، بِخِلَافِ الصَّرِيحِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ قَبْلَ الشَّرْطِ اخْتَرْت أَنْ يَعْتِقَ فُلَانٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ قَبْلَ وَقْتِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا لِلْحِنْثِ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُمَا ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ ثَبَتَ حُكْمُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ : لَوْ كَانَ الْيَمِينُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ الْمَجْهُولَةِ يَعْنِي قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَعَ آخَرَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْمَحْلُوفُ بِعِتْقِهِ عَتَقَ الْآخَرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّةِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ بِالْعِتْقِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ وَلَوْ كَاتَبَ أَوْ رَهَنَ أَوْ آجَرَ يَكُونُ بَيَانًا ، وَلَوْ اسْتَخْدَمَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بَيَانًا ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ بِسَبَبِ بَيْعِهِ إيَّاهُ ( وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمُ بِقَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَإِنَّ حَاصِلَهُ

تَعْلِيقُ عِتْقٍ كَامِلٍ بِالْبَيَانِ .
وَبِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ ( فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ ، وَلِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَصَدَ الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَبِالتَّدْبِيرِ ) قَصَدَ ( اسْتِبْقَاءَ الِانْتِفَاعِ ) بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَأَنْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَالْمَقْصُودَانِ ) يَعْنِي الْوُصُولَ إلَى الثَّمَنِ وَالِانْتِفَاعَ الْمُسْتَمِرَّ إلَى الْمَوْتِ ( يُنَافِيَانِ الْعِتْقَ الْمُلْتَزَمَ بِالْإِيجَابِ الْمُبْهَمِ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْآخَرُ دَلَالَةً ) ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا ) أَيْ إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَعَلِقَتْ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ لِلْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْمُدَبَّرِ وَقَصْدُ إبْقَائِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إلَى الْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِالْمُعَلِّقِ لِأَنَّ الْوَطْءَ غَيْرَ الْمُعَلِّقِ لَيْسَ بَيَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَنَذْكُرُ .
وَاسْتَشْكَلَ عَلَى تَعَيُّنِ الْآخَرِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لِلْبَيْعِ الْمَيِّتُ لَا الْحَيُّ مَعَ أَنَّ بِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ كَمَا لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْعِتْقِ ، وَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ : إحْدَى هَاتَيْنِ بِنْتِي أَوْ أُمُّ وَلَدِي ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْحَيَّةُ لِلِاسْتِيلَادِ وَلَا لِلْحُرِّيَّةِ .
وَجَوَابُ الْأَوَّلِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ عِنْدَ إشْرَافِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمَوْتِ تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِيهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ كَمَا قَبَضَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ تَعْيِيبٍ فَإِنَّمَا تَعَيَّنَ لِلْبَيْعِ وَهُوَ حَيٌّ لَا مَيِّتٌ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْعِتْقُ بِالْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ ، فَلَوْ عَتَقَ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَامْتَنَعَ فَمَاتَ رَقِيقًا لِعَدَمِ مُوجِبِ النَّقْلِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ .
وَجَوَابُ

الثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَ إيقَاعًا بِصِيغَتِهِ بَلْ إخْبَارٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبَرَ بِهَذَا عَنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيُرْجَعَ إلَى بَيَانِ الْمَوْلَى .
وَقَوْلُهُ ( لِإِطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ ) يُرِيدُ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ .
وَقَوْلُهُ ( وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ قَصْدُ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ ، وَالْوُصُولُ إلَى الثَّمَنِ يُنَافِي الْعِتْقَ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ .
( قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ) رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ : إذَا وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَأَقْبَضَ أَوْ تَصَدَّقَ وَأَقْبَضَ عَتَقَ الْآخَرُ ، قَالُوا : ذِكْرُهُ الْإِقْبَاضَ تَوْكِيدٌ لَا لِلشَّرْطِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ تَصَرُّفٍ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إذَا عَيَّنَتْ الْآخَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خُرُوجٌ عَنْ الْمِلْكِ فَعَقْدُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ أَدْخَلُ فِي طَرِيقِ الْمِلْكِ أَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَهُ .

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لِمَا نُبَيِّنُ ( وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا ) لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِهِ ، ثُمَّ يُقَالُ الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ أَوْ يُقَالُ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ تَقَبُّلِهِ وَالْوَطْءُ يُصَادِفُ الْمُعَيَّنَةَ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ ، وَقَصْدُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ ، أَمَّا الْأَمَةُ فَالْمَقْصُودُ مِنْ وَطْئِهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ

( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا ) يَعْنِي تَطْلُقُ الْحَيَّةُ ( لِمَا قُلْنَا ) فِي الْعِتْقِ مِنْ عِتْقِ الْبَاقِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ ( وَكَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ تَطْلُقُ الْأُخْرَى لِمَا نُبَيِّنُ ) فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَتَيْنِ الَّتِي تَلِيهَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا ) وَلَمْ تَعْلَقْ ( لَمْ تَعْتِقْ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، أَمَّا لَوْ عَلِقَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا ، وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا مُدَبَّرَةٌ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ( وَقَالَا تَعْتِقُ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ ( لَهُمَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي مِلْكٍ ) وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ فِي الْمِلْكِ لِعِتْقِ إحْدَاهُمَا بِذَلِكَ الْكَلَامِ ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَهُمَا إنْسَانٌ وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ وَقِيمَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا مُبَيِّنًا لِلْمُسْتَبْقَى لِمِلْكِهَا ( فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ ) الْمُبْهَمِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا أَوْ دَخَلَ فَقَالَ : طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثًا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الطَّلَاقَ بِمَا ذَكَرْنَا ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِحِلِّ وَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ، ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَهَلْ يَثْبُتُ الْبَيَانُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ ؟ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يَثْبُتُ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : يَحْصُلُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ ( وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهِمَا ) جَمِيعًا حَتَّى قَالَ يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا ، وَلِهَذَا لَوْ وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ كَانَ الْوَاجِبُ عُقْرَ مَمْلُوكَتَيْنِ وَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى ، وَإِنَّمَا

يَمْلِكُ الْبَدَلَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُنْكَرَةِ : أَيْ الْمُبْهَمَةِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ وَتُنَافِيهَا ، لِأَنَّ الْمُعَيَّنَةَ لَيْسَتْ دَائِرَةً بَيْنَ نَفْسِهَا وَالْمُعَيَّنَةُ الْأُخْرَى فِي حَقِّ الْعِلْمِ وَالْمُبْهَمَةُ أَحَدٌ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَوُقُوعُهُ فِي الْمُعَيَّنَةِ مَشْرُوطٌ بِالْبَيَانِ فَكَانَ عِتْقُ الْمُعَيَّنَةِ مُعَلَّقًا بِهِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَهُ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّ لَهُ وَطْأَهُمَا قَبْلَ الشَّرْطِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ .
فَقَوْلُهُمَا إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ إنْ أُرِيدَ الْمُعَيَّنَةُ مَنَعْنَاهُ أَوْ الْمُبْهَمَةُ سَلَّمْنَاهُ ، وَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَوَطْؤُهُمَا لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّ الْحُرْمَةِ فَحَلَّ ، فَإِذَا حَلَّ وَطْءُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْأُخْرَى بِعِتْقِهَا ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ الْحَلَالُ وَطْءَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَحِينَئِذٍ يَرِدُ النَّقْضُ بِالْوَطْءِ بِالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ لَزِمَ حِلُّ وَطْئِهِمَا لِوُقُوعِهِ فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْمُبْهَمَةُ ، فَإِذَا أُجِيبَ عَنْهُ بِتَقْيِيدِ حِلِّهِمَا بِمَا إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ إحْدَاهُمَا لِلطَّلَاقِ وَبِمُجَرَّدِ وَطْءِ إحْدَاهُمَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى فَتُحَرَّمُ بِخِلَافِهِ فِي الْعِتْقِ عَادَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا كَانَ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا فِي الْعِتْقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الزَّوْجَتَيْنِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ قَائِمٌ ، وَإِنَّمَا الْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْمُبْهَمَةُ ، وَلَا جَوَابَ لَهُ سِوَى أَنَّ الدَّالَ فِي الْأَصْلِ : أَعْنِي الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ لَيْسَ إلَّا قَصْدَ الِاسْتِبْقَاءِ فَإِنَّهُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ الْوَاجِبُ إخْرَاجَ إحْدَاهُمَا عَنْ الْمِلْكِ وَهُوَ مُبْطِنٌ فَيُدَارُ

عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ ، فَإِنَّ طَلَبَهُ يُفِيدُ اسْتِبْقَاءَ مَنْ هُوَ مِنْهَا كَيْ لَا يَضِيعَ حَالُهُ ، وَوَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ هُوَ الْمُفِيدُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ لَهُ عَقْدُهَا لَا وَطْءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَمْ يُوضَعْ لِذَلِكَ بَلْ لِلِاسْتِخْدَامِ ، وَوَطْؤُهَا مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِخْدَامِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْوَلَدِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً ، وَعَلَى هَذَا وَيَكْفِي فِي دَلِيلِهِمَا أَنْ يُقَالَ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلُ اسْتِبْقَائِهَا كَالْوَطْءِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ ، وَفِي وَجْهٍ قَوْلُهُ مَنَعَ دَلَالَتَهُ ، وَالْفَرْقُ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَحِلِّ وَطْئِهِمَا .
ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا ، وَقَدْ وَضَعَ فِي الْأُصُولِ مَسْأَلَةً يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ أَحَدٌ أَشْيَاءَ كَمَا يَجُوزُ إيجَابُ أَحَدٍ أَشْيَاءَ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَحُكْمُ تَحْرِيمِ أَحَدٍ أَشْيَاءَ جَوَازُ فِعْلِهَا إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهَا فِعْلًا كَانَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ قَطْعًا وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ قَدْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْوَطْءُ لِعَارِضٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَجُوسِيَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامُهُ حِلَّ الْوَطْءِ ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ وَهُوَ عِتْقُ إحْدَاهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا ، فَفِي وَطْئِهِمَا وَطْءُ الْمُحَرَّمَةِ بِيَقِينٍ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا فِيهِمَا ، بِخِلَافِ أَخْذِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمِلْكِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحِلِّ الْوَطْءِ ، وَغَرَامَةُ قِيمَةِ مَمْلُوكِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِصْفُ قِيمَةٍ وَدِيَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ لِصِحَّةِ إثْبَاتِهِ بِدُونِ التَّعْيِينِ ، وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ بِيَقِينٍ وَلَا تُعْرَفُ فَتُنَصَّفُ فِي الضَّمَانِ ثُمَّ مَا هُوَ قِيمَةٌ

لِلْمَوْلَى وَمَا هُوَ دِيَةٌ لِلْوَرَثَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلَانِ فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِيمَةَ أَمَةٍ إذْ لَيْسَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرَّةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يَقُولُ ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمْ ، بِخِلَافِ قَتْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْحُرَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا فَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ ضَمَانُ حُرَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فَتَوَزَّعَ فِيهِمَا .
وَقَوْلُهُمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِمَا مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ فَجَازَ وَطْؤُهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ ، إذْ لَا تَعْلِيقَ بَلْ تَنْجِيزٌ مَأْمُورٌ فِي الشَّرْعِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّهِ ، وَلَوْ كَانَ يَمِينًا مَحْضًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إيقَاعِ شَرْطِهِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ ، وَهُنَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَعُرِفَ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَيَّنَةِ عَلَيْهِ شَبَهًا لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ قَبْلَ الشَّرْطِ فِيهِمَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ صَرِيحًا بَلْ خَرَجَ مِنْ تَعْلِيلِهِ الْمِلْكَ فِيهِمَا بِحِلِّ وَطْءِ إحْدَاهُمَا .

[ فُرُوعٌ ] مِنْ الْبَيَانِ لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ عَتَقَتْ الْأُخْرَى ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ الْأُخْرَى عَتَقَتْ الْأُولَى فَتَعْتِقَانِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ إقْرَارٌ بِعِتْقِ الْأُخْرَى فَقَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِمَا ، وَكَذَا هَذَا فِي الطَّلَاقِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَا لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْإِقْرَارِ الْمُبْهَمِ لَيْسَ وَاجِبًا بِخِلَافِهِ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُبْهَمِ .

وَلَوْ قَالَ أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي حُرَّانِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَعَبْدَانِ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَمِنْ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُهُ ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْبَاقِي ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْإِمَاءُ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إنْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ عَتَقَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهَا أَوْ ثَلَاثًا عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي الْبَاقِي ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْأُمُّ بِشَرْطٍ وَالْجَارِيَةُ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لَهَا ، إذْ الْأُمُّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا ، وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ ، أَمَّا الْغُلَامُ يَرِقُّ فِي الْحَالَيْنِ فَلِهَذَا يَكُونُ عَبْدًا ، وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ ، فَإِنْ حَلَفَ يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ النُّكُولُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِنُكُولِ الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ ، وَصِحَّةُ النُّكُولِ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ يَثْبُتُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا ، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهِ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى

( قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ ) وَتَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهَا ( وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ ) وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ ( وَالْغُلَامُ عَبْدٌ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَعِتْقُ الْأُمِّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وَالْجَارِيَةِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ وَلَدَتْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ وَتَرِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ ، فَإِذَا عَتَقَتَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَأُمُّهُ قِنَّةٌ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَعْتِقُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا إيَّاهُ أَوَّلًا لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطُ عِتْقِهَا وَالْمَشْرُوطُ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ وَهَذَا الْجَوَابُ كَمَا تَرَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ .
وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِعِتْقِهِ وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ إيقَاعُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ ، فَعَنْ هَذَا حَكَمَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ أَوَّلًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ .
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ بَلْ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يُحَلَّفُ الْمَوْلَى بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ، فَإِنْ نَكَلَ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ حَلَفَ فَكُلُّهُمْ أَرِقَّاءٌ ، وَأَنَّ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ : إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ وَالِابْنَةُ

حُرَّةٌ وَتَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَوَابَ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْتِقُ جَمِيعُ الْجَارِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا عَتَقَتْ بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا عَتَقَتْ تَبَعًا لِلْأُمِّ .
وَأَمَّا انْتِصَافُ عِتْقِ الْأُمِّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي وِلَادَةِ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَتَرِقُّ فِي الْجَارِيَةِ ، وَجَوَابُ الْكِتَابِ عِتْقُ نِصْفِهَا مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ .
وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي لَمْ يُتَيَقَّنْ وُجُودُهُ إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ أَمْ لَا لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ ، فَكَذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ .
فَإِنْ قُلْت : الْمَفْرُوضُ فِي صُورَةِ الْكِتَابِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَكَيْفَ يُحَلَّفُ وَلَا دَعْوَى وَلَا مُنَازِعَ ؟ قُلْنَا : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى دَعْوَى مِنْ خَارِجِ حِسْبَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ بِنْتِهَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ أَنْكَرَتْ الْعِتْقَ وَشُهِدَ بِهِ تُقْبَلُ ، فَعَلَى هَذَا جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ حِسْبَةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِيُحَلَّفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ ، هَذَا وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِهِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأُمَّ تَدَّعِي الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ، فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْأُمِّ وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ حَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا

رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ .
وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَائِنَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ إلَخْ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الظَّاهِر لَا الْخَفِيِّ وَلِهَذَا قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَقَالَ الْعَبْدُ فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فَيُوجِبُ الشَّكُّ فِيهَا اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ كَمَا فِي الْجَامِعِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ ) بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا ( لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ ) مَعًا ( لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ ) تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ مَعَ ثُبُوتِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَجْزِ الصَّغِيرَةِ عَنْ دَعْوَاهَا لِنَفْسِهَا فَاعْتُبِرَ نُكُولُهُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا ( فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا ) مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا ( وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهِ ) يَعْنِي وَلَدَتْهُمَا فَادَّعَتْ الْأُمُّ تَقَدُّمَ الْغُلَامِ ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ بَالِغَةٌ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً بِنُكُولِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَنْ الْغَيْرِ إنَّمَا تَصِحُّ بِوِلَايَةٍ أَوْ إنَابَةٍ وَهُمَا مُنْتَفِيَتَانِ عَنْ الْكَبِيرَةِ فَلَا تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ الْبِنْتِ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا ثَبَتَ عِتْقُ الْأُمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ حُرِّيَّةُ بِنْتِهَا

لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ فَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهَا إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةِ الْأُخْرَى .
أُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ عِتْقِ الْأُمِّ بِالنُّكُولِ عِتْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَذْلًا لِمَالِيَّتِهَا مِنْ الْمَوْلَى لِيَتْرُكَ الْحَلِفَ أَوْ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهَا بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ عِتْقَ الْبِنْتِ ، وَبِأَنَّ النُّكُولَ جُعِلَ إقْرَارًا عَلَى قَوْلِهِمَا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَنَا كَفِيلٌ بِكُلِّ مَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ كَفِيلًا ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ صَارَ كَفِيلًا ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِسَبْقِ وِلَادَةِ الْغُلَامِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ ثَبَتَ عِتْقُ الْجَارِيَةِ بِنُكُولِ الْمَوْلَى دُونَ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا ) فِي أَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالنُّكُولُ يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى .
( قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرْنَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنْ الْوُجُوهِ الْبَاقِيَةِ ) وَهِيَ مَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ فِي الثَّانِي وَيَعْتِقُ كُلُّ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَوَّلِ ، وَبِهِمَا تَتِمُّ الْأَوْجُهُ لِلْمَسْأَلَةِ سِتَّةً .

[ فَرْعٌ ] فِي الْمُحِيطِ : لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا فَهُمَا حُرَّانِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ الْأَوَّلُ عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْغُلَامِ وَرُبُعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ ، أَمَّا الْأُمُّ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ يَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثُهَا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتَرِقُّ فِي حَالَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ وِلَادَةُ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ، وَيَرِقُّ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ، وَأَمَّا الْجَارِيَتَانِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ رُبُعُهَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ إصَابَةَ الْحُرِّيَّةِ بِجِهَتَيْنِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْتِقَ بِعِتْقِ نَفْسِهِ ، وَمَتَى عَتَقَ بِعِتْقِ نَفْسِهِ لَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إلْغَاءِ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَأَلْغَيْنَا إصَابَةَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَاعْتَبَرْنَا الْإِصَابَةَ بِعِتْقِ أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا لَا يَعْتِقَانِ بِعِتْقِ أَنْفُسِهِمَا ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْأَخِيرَةُ بِعِتْقِ نَفْسِهَا فَتَثْبُتُ لَهُمَا حُرِّيَّةٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَثْبُتُ نِصْفُهُ بَيْنَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ : يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلٍّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِأَنَّ الْغُلَامَ لَوْ كَانَ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْجَارِيَتَانِ بِعِتْقِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْغُلَامُ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ الْأُولَى وَالْأُخْرَى رَقِيقَةٌ فَكَانَ لَهُمَا عِتْقٌ وَنِصْفٌ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ قَوْلَ أَبِي عِصْمَةَ وَقَالَ : هُوَ الَّذِي يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ .

قَالَ ( وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ ) اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ ( وَإِنْ شُهِدَ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : الشَّهَادَةُ فِي الْعِتْقِ مِثْلُ ذَلِكَ ) وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ .
وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ .
وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّعْوَى .
أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا .
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِمَا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَشَابَهُ الطَّلَاقَ ، وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ .
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ فِي الْعَتَاقِ ) أَيْ عَتَاقِ الْأَصْلِ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا بِتَدْبِيرِهِ أَحَدَهُمَا مُطْلَقًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُ وَقَعَ كَانَ وَصِيَّةً ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَيُؤْمَرُ بِتَنْجِيزِ عِتْقِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ( قَوْلُهُ وَأَصْلُ هَذَا ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ ( أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ ) مُطْلَقًا لَا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّ الدَّعْوَى عِنْدَهُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ بَلْ فِي الْعَارِضَةِ فَقَطْ ( وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ) بِلَا دَعْوَى ( وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ ) وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْأَمَةُ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا وَتَعْتِقُ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ ، وَكَذَا عَلَى طَلَاقِ إحْدَى النِّسَاءِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ أَنْكَرَتْ ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ .
( قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ ) وَجْهُ قَوْلِهِمْ : إنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ حَقُّ الشَّرْعِ إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْمِيلُ الْحُدُودِ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ وَالْجِهَادُ وَالزَّكَاةُ ، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ بِهِ وَحَلِفُهُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ ، وَلَا يَرْتَدُّ إقْرَارُ السَّيِّدِ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّنَاقُضِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ ثُمَّ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لِمَنْعٍ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ صِحَّةَ الدَّعْوَى ، وَإِنَّمَا لَا تَكْفِي شَهَادَةُ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ

وَإِنْ كَانَ أَمْرًا دِينِيًّا يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِبْطَالَ مَالِيَّةِ مَالِهِ ، فَلِذَا شُرِطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ اثْنَانِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ إمَّا زَوَالُ الْمِلْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِثُبُوتِ الْقُوَّةِ مِنْ مَالِكِيَّتِهِ ، أَوْ هُوَ نَفْسُهَا ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْحَقِيقَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُثْبِتُ مَا ذُكِرَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى ثَمَرَاتٍ لِهَذَا الثُّبُوتِ فَصَحَّ كَوْنُهُ حَقَّهُ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَلَا يَكُونُ ثُبُوتُ اللَّازِمِ إلَّا بَعْدَ الْمَلْزُومِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَلْزِمُ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَاهُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا عِتْقُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ حُرْمَةُ فَرْجِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى تَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهَا مِنْ الْعِتْقِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِطَ دَعْوَاهَا .
فَإِنْ قِيلَ : الْفَرْقُ أَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ لِرَغْبَتِهَا فِي صُحْبَةِ مَوْلَاهَا حَتَّى نَقُولَ : لَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَيْضًا مُتَّهَمًا قُبِلَتْ بِلَا دَعْوَاهُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَزِمَهُ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ فِي طَرَفٍ حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ .
قُلْنَا : نَفْرِضُ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ تُنْكِرْ وَلَكِنَّهَا سَاكِتَةٌ لِعَدَمِ عِلْمِهَا بِحُرِّيَّتِهَا ، ثُمَّ قَدْ يُمْنَعُ تَأْثِيرُ كَوْنِ الثَّابِتِ بِالْعِتْقِ أَوَّلًا مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ مُسْتَلْزِمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى ، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِلْزَامُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ حُكْمُهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ ثَبَتَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا ؛ فَإِنْ حُوِّلَ التَّقْرِيرُ هَكَذَا الْعِتْقُ يَتَضَمَّنُ حَقَّ الْعَبْدِ وَحَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، أَمَّا حَقُّهُ سُبْحَانَهُ فَمَا ذَكَرْتُمْ ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مَالِكًا لِأَكْسَابِ نَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَتَثْبُتُ وِلَايَاتُهُ مِنْ نَفَاذِ قَوْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْكَاحِ بِنْتِهِ وَحُصُولِ

الْمِيرَاثِ لَهُ إذَا مَاتَ قَرِيبُهُ ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى دَعْوَى بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِعَدَمِ الِارْتِدَادِ بِالرَّدِّ وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى قَبُولِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِصًا ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِبْرَاءَ الْكَفِيلِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ ، وَكَذَا التَّنَاقُضُ فَإِنَّ عَدَمَ مَنْعِهِ لِخَفَاءِ رِقِّ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلِمَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِي الْعِتْقِ الْحَقَّانِ فَلِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، قُلْنَا : لَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْحُرِّيَّةِ الْعَارِضَةِ ، وَلِحَقِّ الْعَبْدِ شَرَطْنَا الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَيْنِ أَيْضًا .
وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِتْقُ الْأَمَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْحَقَّيْنِ فَتَجِبُ الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَانِ لِحَقِّ الْعَبْدِ ، وَلَا يُمْنَعُ التَّنَاقُضُ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَأَيْضًا إذَا كَانَ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى لَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهَا لِأَنَّهُ بِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ يُعَارِضُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى الدَّعْوَى وَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ ، لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِلَا دَعْوَى فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَى وُجُوبَ تَرْتِيبِ مُقْتَضَاهَا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ .
وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ اجْتِمَاعُ الْحَقَّيْنِ وَتَعَارُضُ مُقْتَضَاهُمَا ، فَتَرَجَّحَ مَا ثَبَتَ شَرْعًا لِاحْتِيَاطٍ فِي أَمْرِهِ وَتَوْكِيدِهِ ، وَأَمْرُ الْفُرُوجِ مُحْتَاطٌ فِيهِ ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ إثْبَاتُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِثْلُهُ ، فَلِذَا وَقَعَ الْفَرْقُ عِنْدَهُ بَيْنَ عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ وَبَيْنَ عِتْقِ الْعَبْدِ ، لِأَنَّ حَقَّهُ سُبْحَانَهُ الثَّابِتَ وَهُوَ حُرْمَةُ

الِاسْتِرْقَاقِ الْمُقْتَضِي لِنَفْيِ الدَّعْوَى لَيْسَ مِنْ التَّأْكِيدِ بِحَيْثُ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ بِلَا دَعْوَى ، وَهُمَا يَقُولَانِ جَمِيعُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بِلَا دَعْوَى لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَصْمُ فِيهَا وَالْعَبْدُ الشَّاهِدُ نَائِبُهُ فَتُضَمَّنُ شَهَادَتُهُ دَعْوَاهُ ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَإِنْ افْتَقَرَ ثُبُوتُهُ إلَى الدَّعْوَى فَقَدْ انْتَصَبَ النَّائِبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى نَائِبًا عَنْهُ ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، فَإِنَّ الْمُثْبِتَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِيهِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَلَا تُهْمَةَ ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّرْجِيحُ وَيَتَرَجَّحُ حَقُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وَلَا يُقَالُ : الْمُقَرَّرُ تَرَجُّحُ حَقِّ الْعَبْدِ .
لِأَنَّا نَقُولُ : ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ بِأَنْ كَانَ ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا يَنْتَفِي مَعَهُ الْآخَرُ وَهُنَا يَثْبُتُ حَقُّ الْعَبْدِ مَعَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، بَلْ إذَا أَثْبَتْنَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ إثْبَاتًا لِحَقِّ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى رَغْمِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطًا عِنْدَهُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ لِأَنَّهُ عِتْقُ الْمَجْهُولِ ( وَالدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ ) وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَتَنْتَفِي الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا مُطْلَقًا فَتُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا .
( قَوْلُهُ وَلَوْ شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ إلَخْ ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ .
أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ فَرْجِهَا

عَلَى مَوْلَاهَا وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا ( فَشَابَهُ الطَّلَاقَ ) وَفِيهِ لَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ بِهِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ فَكَذَا هَذَا ( وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ) فَانْتَفَى الْمُسْقَطُ فِيهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ سُقُوطِ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ لَشُرِطَتْ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ لَمْ تَتَضَمَّنْ تَحْرِيمَ فَرْجِهَا لِحُرْمَتِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَحِلِّهَا فِي الرَّجْعِيِّ بَعْدَهَا .
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِعِتْقِهَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ التَّحْرِيمِ ، فَإِنَّ وَطْءَ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ الْمَمْلُوكَةِ لَيْسَ بِزِنًا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ عِتْقِهَا وَبَعْدَهُ يَلْزَمُهُ ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ يَنْعَقِدُ بِهِ سَبَبُ حُرْمَةِ فَرْجِهَا فَأَثْبَتَتْ تَحْرِيمًا مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى عِنْدَهُ ، وَمَا قِيلَ إنَّ وَطْأَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خُبْثُهَا كَالْحَائِضِ فَبِالشَّهَادَةِ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ الْوَطْءُ فِيهِ مَا فِيهِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا بِعِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِي صِحَّتِهِ ) .

أَمَّا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَصِيَّةً ، وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ .
وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمًا مُتَعَيَّنًا .

( أَمَّا إذَا شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ ) لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقٍ هُوَ وَصِيَّةٌ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ يَكُونُ وَصِيَّةً مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَهُ لِعَدَمِ خَصْمٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى ، وَإِذَا كَانَ وَصِيَّةً فَالْخَصْمُ فِيهَا هُوَ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مِنْ حُقُوقِ الْمُوصِي فَهُوَ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي فِيهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ نَائِبٌ مَعْلُومٌ هُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْخَصْمَ فِي إثْبَاتِ الْعِتْقِ لَيْسَ هُوَ السَّيِّدُ لِإِنْكَارِهِ بَلْ هُوَ الْعَبْدُ وَهُوَ مَجْهُولٌ .
وَوَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ الْخَصْمَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْعِتْقِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصِيَ كَانَ كُلًّا مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَهُمَا مُعَيَّنَانِ ، وَفِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا تَصِحُّ خُصُومَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَالْمُعْتَقُ الْمُبْهَمُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ يَشِيعُ فِيهِمَا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمًا مَعْلُومًا .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَصْمِ هُنَا مَنْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَلَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ فَفَرَضَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ مُنْكِرِينَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ : يَعْنِي الْوَصِيَّ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مُنْكِرِينَ أَوْ الْوَرَثَةَ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُنْكِرًا فَقِيلَ : فَيُشْكِلُ مَا لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ مُنْكِرًا إذْ لَا

تَبْطُلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِوَصِيَّةٍ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ خَلَفًا وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِاعْتِبَارِ جَعْلِ الْمَيِّتِ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَيَاتِهِ وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ قَبُولَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِاعْتِبَارِهَا وَصِيَّةً لِاعْتِبَارِهِ مُدَّعِيًا وَعَدَمُ قَبُولِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ الْعَبْدَانِ وَهُمَا غَيْرُ مَنْ أُثْبِتَ فِيهِ الْعِتْقُ أَعْنِي الْمُبْهَمَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْزَالَهُ مُدَّعِيًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَأَمَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ ، وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ ، وَرُدَّتْ لِعَدَمِ الْمُدَّعِي وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَرِيضُ قَدْ أُصْمِتَ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَيُقْضَى بِهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا ، أَوْ يَعِيشَ فَيُطْلَقَ لِسَانُهُ فَيَرُدَّ لِعَدَمِ الْخَصْمِ الْمُدَّعِي .

وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَقَدْ قِيلَ : لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ .
وَقِيلَ تُقْبَلُ لِلشُّيُوعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ) لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْرِيعِهَا عَلَى قَوْلِهِ ( فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ ) لِإِسْنَادِهِمَا الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا ( وَقِيلَ تُقْبَلُ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ شَاعَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَصِحُّ دَعْوَاهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا ، وَصَحَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبُولَهَا قَالَ : لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ فَيَتَعَدَّى بِإِحْدَاهُمَا ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : شُيُوعُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى صِحَّةِ كَوْنِ الْعَبْدَيْنِ مُدَّعِيَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ قَوْلِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَلَا مُثْبِتَ لَهُ إلَّا الشَّهَادَةُ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ مِنْ الْخَصْمِ فَصَارَ ثُبُوتُ شُيُوعِ الْعِتْقِ مُتَوَقِّفًا عَلَى ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ ، فَلَوْ أُثْبِتَتْ الشَّهَادَةُ بِصِحَّةِ خُصُومَتِهِمَا وَهِيَ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِيهِمَا شَائِعًا لَزِمَ الدَّوْرُ ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ وَجْهُ ثُبُوتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ لَزِمَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ .

فُرُوعٌ ] شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً بِعَيْنِهَا وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَحَمَّلَاهُ وَهُوَ عِتْقُ مَعْلُومَةٍ بَلْ مَجْهُولَةٍ ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَسَمَّاهَا فَنَسِيَاهَا .
وَعِنْدَ زُفَرَ تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ زُفَرَ فِي هَذِهِ لِأَنَّهَا كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى عِتْقِ إحْدَى أَمَتَيْهِ وَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ، وَلَوْ شُهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا وَلَا يَعْرِفُونَ سَالِمًا وَلَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ اسْمُهُ سَالِمٌ عَتَقَ لِأَنَّهُ كَانَ مُعَيَّنًا لِمَا أَوْجَبَهُ ، وَكَوْنُ الشُّهُودِ لَا يَعْرِفُونَ عَيْنَ الْمُسَمَّى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِبَيْعِهِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْمُهُ سَالِمٌ وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هُنَا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةِ .
.

[ وَهَذَا فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ ] إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ الْعِتْقَ وَأَقَامَ شَاهِدًا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى ، وَفِي الْأَمَةِ إذَا قَالَتْ : شَاهِدِي الْآخَرُ حَاضِرٌ يُحَالُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ إنْ كَانَ الْمَوْلَى مَخُوفًا عَلَى الْعَبْدِ حِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُنْظَرَ فِي أَمْرِ الشُّهُودِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ تَمَّتْ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا نَفَذَ فَثَبَتَتْ بِهِ الْحَيْلُولَةُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا شَهِدَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ اللَّفْظِ أَوْ اللُّغَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَهُ نَفْسَهُ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَضْعًا ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ وَالْإِعْتَاقَ إحْدَاثُ الْقُوَّةِ أَوْ إزَالَةُ الْمِلْكِ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ، فَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي اللَّفْظِ لَا يَمْنَعُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُؤَدَّى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا وَضْعًا .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ لِقَبُولِهَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَفْظًا مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ لَفْظٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ فَأَحَدُهُمَا جَعَلَهُ كَلَامَ زَيْدٍ وَالْآخَرُ الدُّخُولَ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ ، إذْ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ الدُّخُولُ مَثَلًا وَقَالَ الْمَوْلَى بَلْ كَلَامُ فُلَانٍ فَأَيَّهمَا فَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ لِثُبُوتِ الدُّخُولِ شَرْطًا بِالشَّهَادَةِ وَالْكَلَامِ بِقَوْلِ الْمَوْلَى .
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِجُعْلٍ وَالْآخَرُ

بِغَيْرِ جُعْلٍ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِجُعْلٍ يُخَالِفُ الْعِتْقَ بِغَيْرِ جُعْلٍ فِي الْأَحْكَامِ ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْجُعْلِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ الْجُعْلَ سَوَاءٌ ادَّعَى الْعَبْدُ أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَدَّعِي أَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَالْعَبْدُ يُنْكِرُ عَتَقَ لِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِحُرِّيَّتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِكْذَابِهِ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ بِالْأَكْثَرِ ، وَإِنْ ادَّعَى الْعِتْقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَقُومُ هُنَا عَلَى الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا تَقُومُ عَلَى الْمَالِ ، وَمَنْ ادَّعَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِأَلْفٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، بِخِلَافِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ إنْ كَلَّمَ زَيْدًا وَالْآخَرُ إنْ دَخَلَ بِأَيِّهِمَا فَعَلَ عَتَقَ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ .

وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فِي مِقْدَارِ مَا أَعْتَقَهُ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنَّهُ أَدَّاهَا وَأَقَامَ الْمَوْلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ إلَخْ فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ تَنَجُّزَ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ .
وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ وَأَقَامَ الْمَوْلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ تَنَجَّزَ بِالْقَبُولِ فَكَانَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي بَيِّنَةِ الْمَوْلَى .
قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ فَأَدَّاهَا مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ حُرًّا وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا .
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ : الْعِتْقُ هُنَا حَصَلَ بِالْقَبُولِ لَا بِأَدَاءِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْفَصْلُ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا مِنْ الْمَوْلَى ثُمَّ رَدَّ هَذَا الْمَالَ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْحُكْمِ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ .

وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِ الْحُكْمِ وَلَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ ، وَلَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ مَا أَتْلَفَا مِنْ مَالِيَّتِهِ عَلَى الْمَوْلَى إذْ قَدْ اعْتَرَفَا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّتَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَلَوْ ضَمِنَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةُ غَيْرِهِمْ بِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ أَعْتَقَهُ إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِمَا هُوَ لَغْوٌ وَعَتَقَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْمُعْتَقُ لَا يُعْتَقُ ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِمَا ضَمِنُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا ضَمِنُوا ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُدَّعٍ لِذَلِكَ ، وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ لَمْ يُتْلِفُوا عَلَى الْمَوْلَى شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمْ ، وَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَعِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى وَلَا مُدَّعٍ لِمَا شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي ، فَإِنَّ الْعَبْدَ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْعِتْقَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ ( وَمَنْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ ) لِأَنَّ قَوْلَهُ يَوْمَئِذٍ تَقْدِيرُهُ يَوْمَ إذْ دَخَلْت ، إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَهُ بِالتَّنْوِينِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عَبْدٌ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا .
قَالَ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَعْتِقْ ) لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى الْجَزَاءِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودٍ فَيَعْتِقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ .

( بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ ) الْحَلِفُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ حَلَفَ سَمَاعِيٌّ ، وَلَهُ مَصْدَرٌ آخَرُ : أَعْنِي حَلْفًا بِالْإِسْكَانِ ، يُقَالُ حَلَفَ حَلِفًا وَحَلْفًا ، وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ : عَلَيَّ حَلْفَةٌ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا وَلَا خَارِجٌ مِنْ فِي زُورُ كَلَامِ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ : حَلَفْت لَهَا بِاَللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ لَنَامُوا فَمَا إنْ مِنْ حَدِيثٍ وَلَا صَالِ وَالْمُرَادُ بِالْحَلِفِ بِالْعِتْقِ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعَلَّقُ قَاصِرًا فِي السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْمُنَجَّزِ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ ، وَلَمَّا جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنْ يُولِيَ التَّصَرُّفَ الَّذِي يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ الْحَلِفَ بِهِ كَمَا فَعَلَ فِي الطَّلَاقِ وَلَا يَضُمُّ الْكُلَّ إلَى كِتَابِ الْأَيْمَانِ لِيَكُونَ أَضْبَطَ لِأَحْكَامِ التَّصَرُّفِ الْوَاحِدِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ فِي بَابِهِ وَلَا تَتَفَرَّقُ أَحْكَامُهُ فِي الْأَبْوَابِ أَوْلَى الْعِتْقَ الْحَلِفَ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَا يُجِيزُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ قَبْلَ الْمِلْكِ أَجَازَهُ فِي الْعِتْقِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ وَعِنْدَنَا الْمُصَحِّحُ مُطَّرِدٌ فِيهِمَا .
( قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي اشْتَرَاهُ ، وَلَمَّا كَانَ عِتْقُ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَا يَكُونُ بِكَلَامٍ قَبْلَ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إضَافَةً إلَى الْمِلْكِ قَرَّرَهُ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي يَوْمَئِذٍ عِوَضٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافِ إلَيْهَا لَفْظُ إذْ تَقْدِيرُهُ إذْ دَخَلْت وَلَفْظُ يَوْمٍ ظَرْفٌ لِمَمْلُوكٍ فَكَانَ التَّقْدِيرُ كُلُّ مَنْ لَا يَكُونُ فِي مِلْكِي يَوْمَ الدُّخُولِ حُرٌّ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إضَافَةُ عِتْقِ الْمَمْلُوكِ يَوْمَ الدُّخُولِ إلَى يَوْمِ الدُّخُولِ ، وَالْمَمْلُوكُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِلْكٍ فَصَارَ .
كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت

مَمْلُوكًا وَقْتَ الدُّخُولِ فَهُوَ حُرٌّ ، وَهُوَ يُصَدَّقُ بِمِلْكٍ قَبْلَ الدُّخُولِ يُقَارِنُ بَقَاؤُهُ الدُّخُولَ فَكَانَ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ مَعْنًى ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ : إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْعِتْقَ إلَى مِلْكِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا مَعْنًى ، وَعُدُولُ الْمُصَنِّفِ إلَى لَفْظِ وَقْتٍ عَنْ لَفْظِ يَوْمٍ فِي قَوْلِهِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيَامَ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ يَوْمٍ مُرَادُهُ بِهِ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ وَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى لَفْظِ إذْ الْمُضَافَةِ لِلدُّخُولِ لَكِنَّ مَعْنَى إذْ غَيْرُ مُلَاحَظٍ وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ يَوْمَ وَقْتِ الدُّخُولِ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ عَلَى مَعْنَى يَوْمِ الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الدُّخُولُ تَقْيِيدًا لِلْيَوْمِ بِهِ ، لَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَقْتَ وَقْتِ الدُّخُولِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ مِثْلَهُ كَثِيرًا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ كَنَحْوِ { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ } وَلَا يُلَاحَظُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقْتَ وَقْتِ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَا يَوْمَ وَقْتِ يَغْلِبُونَ يَفْرَحُونَ ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ فَعُرِفَ أَنَّ لَفْظَ إذْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ : أَعْنِي التَّنْوِينَ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا وَلَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِيهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ حِينَ حَلَفَ فَبَقِيَ فِي مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ لِمَا قُلْنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِمَا بَيَّنَّا : أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ لَا وَقْتَ التَّكَلُّمِ .
(

قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ ) بَلْ قَالَ إذَا دَخَلْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ التَّكَلُّمِ ، بَلْ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ .
وَوَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَخْتَصُّ بِالْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ يَتَعَلَّقُ فِي الْحَالِ بِمُلُوكٍ : أَيْ الْمَمْلُوكُ فِي الْحَالِ حُرِّيَّتُهُ هِيَ الْجَزَاءُ ، فَلَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ تَأَخَّرَتْ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ عِنْدَ الشَّرْطِ مَنْ كَانَ مَمْلُوكًا عِنْدَ التَّكَلُّمِ .
وَوَجْهُ كَوْنِ كُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حَالًا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ : أَيْ الِاخْتِصَاصُ مَنْ جَرَتْ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا إلَيْهِ : بِهِ : أَيْ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ فَلَزِمَ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةَ اتِّصَافِهِ بِأَثَرِهَا فِي الْحَالِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ .
هَذَا وَيَعْتِقُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْعَبِيدُ وَلَوْ مَرْهُونِينَ أَوْ مَأْذُونِينَ أَوْ مُؤَجَّرِينَ وَالْإِمَاءُ وَلَوْ كُنَّ حَوَامِلَ أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَالْمُدَبَّرُونَ وَأَوْلَادُهُمْ ، وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا ، وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ فَقَطْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَعُمُّ النِّسَاءَ حَقِيقَةً وَوَضْعًا وَلَا يَدْخُلُ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا الْجَنِينُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَهُمْ وَلَا عَبِيدُ عَبْدِ التَّاجِرِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ ،

وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ دَيْنٌ أَوْ لَا ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَلَوْ نَوَاهُمْ .
وَلَوْ قَالَ : عَنَيْت مَا يَسْتَقْبِلُ عَتَقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمَا سَيَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّ قَصَدَ تَغْيِيرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الظَّاهِرِ وَاعْتَبَرْنَا اعْتِرَافَهُ لِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ عِتْقَ مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ : قَالَ مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَنَوَى الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْهُ ، وَقَالُوا لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي وَنَوَى التَّخْصِيصَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً انْتَهَى .
فَإِنْ قُلْت : مَا الْفَرْقُ وَفِي الْوَجْهَيْنِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلُّهُمْ تَأْكِيدٌ لِلْعَامِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَمَالِيكِي ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَهُوَ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ غَالِبًا وَالتَّخْصِيصُ يُوجِبُ الْمَجَازَ فَلَا يَجُوزُ ، بِخِلَافِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقُبِلَ التَّخْصِيصُ .

( وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ ) وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَالِ ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْيَمِينِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ ، وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا ، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ دُونَ الْأَعْضَاءِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا .
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ : وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ الذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي تَدْخُلُ الْحَامِلُ فَيَدْخُلُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ ) سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْقَوْلِ أَوْ أَقَلَّ ، أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ : أَيْ لَفْظَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِهِ ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ حَالَ التَّكَلُّمِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ قَائِمًا عِنْدَهُ فَلَا يَعْتِقُ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ لَا تَكُونُ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّ التَّيَقُّنَ لِوُجُودِهِ حَالَ التَّكَلُّمِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا ، لَكِنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَمْلُوكِ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالِ ، وَالْحَمْلُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ بِانْتِقَالِهَا وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا كَمَا يَتَغَذَّى الْعُضْوُ بِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا بَلْ تَبَعًا لِلْحَامِلِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الشَّرْعِ نَفْسًا مَمْلُوكَةً أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَا تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالذُّكُورَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرٍ تَدْخُلُ الْأُنْثَى فَتَدْخُلُ الْحَامِلُ فَيَعْتِقُ حَمْلُهَا تَبَعًا ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَمْلُوكٍ إمَّا لِذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءَ الْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمَّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَالثَّابِتُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ وَإِمَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ .

( وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ ، أَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً يُقَالُ : أَنَا أَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا وَيُرَادُ بِهِ الْحَالُ ، وَكَذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَالِاسْتِقْبَالُ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَكُونُ مُطْلَقُهُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ ) يَعْنِي أَنَّ بَعْدَ غَدٍ ظَرْفٌ لِحُرٍّ لَا لِأَمْلِكهُ ( أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ وَلَهُ مَمْلُوكٌ وَاحِدٌ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ ) دُونَ الْمُشْتَرِي وَلَفْظُ : بَعْدُ غَدٍ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ لِجَاءَ لَا ظَرْفٌ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْحَالِ ، وَكَذَا لَفْظُ أَمْلِكُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً ، يُقَالُ أَنَا أَمْلِكُ كَذَا فَيَتَبَادَرُ مِنْهُ الْحَالُ ، وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ، وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ وَسَوْفَ وَغَيْرِهِمَا كَإِسْنَادِهِ إلَى مُتَوَقَّعٍ وَاقْتِضَائِهِ طَلَبًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي النَّحْوِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَذَاهِبِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ .
وَقِيلَ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ : أَمْلِكُ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ لِلْحَالِ شَرْعًا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ .
وَعُرْفًا يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا دِرْهَمًا فَكَانَ كَالْحَقِيقَةِ فِي الْحَالِ .
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَنًّا أَنَّ مَذْهَبَ النُّحَاةِ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ .
وَأَعْجَبُ مِنْهُ جَوَابُ مَنْ رَامَ دَفْعَهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لِلْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ ا هـ .
فَتَرَكَ النَّظَرَ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَلِذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَشْرُوطُ بِالْقَرِينَةِ بَلْ الْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَيْسَ مَذْهَبَ كُلِّ النُّحَاةِ بَلْ الْمَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ ، وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ

رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ كَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَادُ الِاسْتِقْبَالُ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْحَالِ ، وَأَمَّا اخْتِيَارُ عَكْسِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ، وَأَمَّا تَفْرِيعُهُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْحَالِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ : أَيْ الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ ، بِخِلَافِ نَحْوِ أُسَافِرُ وَأَتَزَوَّجُ فَإِنَّهُ مَحْفُوفٌ بِقَرِينَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ كَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَعْتِقُ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ الْحَالِ .

( وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ ، أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ ، وَإِنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ : يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ .
لَهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ .
وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا .
وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا .
وَلَا يُقَالُ : إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ .
لِأَنَّا نَقُولُ : نَعَمْ لَكِنْ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابِ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ مَاتَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ ) مُطْلَقٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ بَلْ مُدَبَّرٍ مُقَيَّدٍ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ خَرَجَا مِنْهُ عَتَقَ جَمِيعُ كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يَضْرِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ فِيهِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ ، وَكَذَا الْوَصْفُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ ، وَلِهَذَا صَارَ بِهِ الْكَائِنُ فِي مِلْكِهِ حَالَ التَّكَلُّمِ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ دُونَ الْآخَرِ ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ ، فَأَوْجَبَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَالَ فَقَطْ ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَمْلُوكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَلْزَمُ إمَّا تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ثُمَّ يَلْزَمُ تَدْبِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَاكَ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَحْدَثِ عِنْدَ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ سَأَمْلِكُهُ مُدَبَّرٌ ، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمُجْتَمِعُ فِي الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ عُمُومُ الْمَجَازِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ مَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ غَدًا مِمَّنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ حَالَ التَّكَلُّمِ أَوْ مَلَكَهُ إلَى غَدٍ ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَنَاوَلُ إلَّا الْمَمْلُوكُ فِي الْغَدِ

فَيَلْزَمُ تَدْبِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَدْبِيرًا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِي عِنْدَ الْمَوْتِ مُدَبَّرٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ ، أَوْ يُرَادُ الْمُسْتَقْبِلُ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ إلَى أَنْ أَمُوتَ أَوْ أَبَدًا لَزِمَ أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَصِيرَ مُدَبَّرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ فَبَطَلَتْ الْأَقْسَامُ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ الْكَائِنُ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَقَطْ وَلَازَمَهُ مَا ذَكَرْنَا .
وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ صُورَةَ التَّرَاكِيبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : مَا يَتَنَاوَلُ الْحَالَ فَقَطْ اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ قَالَهُ وَلَا يَعْتِقُ مَا يَسْتَقْبِلُ مِلْكَهُ ، وَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبِلَ لَا غَيْرُ اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ وَنَحْوُهُ ، وَمَا فِيهِ خِلَافُهُمَا وَهُوَ نَحْوُ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا ، فَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتِقُ فِي الْغَدِ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ ، وَالْمُسْتَحْدَثُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْيَسُ بِمَسْأَلَتِهِ يَوْمَئِذٍ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ .
( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا ) أَيْ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ لَا لَفْظَ أَمْلِكُهُ فَقَطْ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ ( إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٍ ) لِأَنَّ حَاصِلَ التَّدْبِيرِ إيجَابٌ لِلْعِتْقِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهَذَا هُوَ الْإِيصَاءُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْإِيصَاءِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْنَى التَّدْبِيرِ ، وَمُقْتَضَى إيجَابِ عِتْقِ مَا يَمْلِكُهُ وُقُوعُهُ فِي الْحَاصِلِ فِي الْمِلْكِ حَالَ التَّكَلُّمِ ثُمَّ هُوَ مُضَافٌ إلَى الْمَوْتِ فَكَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ بِمَا يَمْلِكُهُ دُخُولُ مَا فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ : أَيْ الْحَابِسَةِ لِمَا فِيهَا وَالرَّهْنُ هُوَ الْحَبْسُ وَزَمَنُ الْحَالِ هُوَ الْحَابِسُ لِمَا فِيهِ دُونَ

مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَدُخُولِ مَا فِي الْحَالَةِ الْمُنْتَظَرَةِ أَيْضًا لِلِاتِّفَاقِ ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَ الْمُسْتَحْدَثُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ ، وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَادٌ دَخَلُوا وَاسْتَحَقُّوا الْمُوصَى بِهِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْوَصِيَّةِ دُخُولُ كُلِّ مَا فِي الْحَالَيْنِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْمَيِّتِ مِنْ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ كُلُّ عَبْدٍ حُرٌّ فَيَعْتِقُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْهُ مَا مَلَكَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الصَّرِيحِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ جِهَةُ الْإِيجَابِ ، فَلَا يَدْخُلُ إلَّا الْحَاصِلُ فِي الْحَالِ ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَنْفِي اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ : أَعْنِي لَفْظَ أَمْلِكُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْجَمْعُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا بِسَبَبَيْنِ ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فِي الْأُصُولِ ، وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارَيْنِ وَبِالنَّظَرِ إلَى شَيْئَيْنِ ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : إنَّ لَفْظَهُ أَوْجَبَ تَقْدِيرَ لَفْظٍ إذْ كَانَ وَصِيَّةً وَهُوَ مَا قَدَّرْنَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهِ مَا اسْتَحْدَثَ مِلْكَهُ وَالْمُوجِبُ لِلتَّقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ لِلْأَصْحَابِ ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ تَقْدِيرِهِ عِنْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِلَّا كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عِبَارَتُهُ عِنْدَ مِلْكِهِ لَا الصَّرِيحَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْحَالَ وَلَا الْمُقَدَّرَةُ لِتَأْخِيرِ تَقْدِيرِهَا إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ

مُدَبَّرًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا كَانَ دَافِعًا لِلْإِشْكَالِ .

[ فُرُوعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ ] قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ الْمُعْتَقَ بَعْدَ الشَّرْطِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَعْتِقُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ .
وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ وَقْتُ نُزُولِ الْعِتْقِ هُوَ وَقْتُ زَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا مَعًا يَتَعَقَّبَانِ الْبَيْعَ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَالِ تَقَرُّرِ زَوَالِهِ .

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ انْحِلَالِ الْيَمِينِ نُزُولُ الْجَزَاءِ ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ الْبَيْعِ حَتَّى اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى عَتَقَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا ، وَبَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَوْ دَخَلَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْأُخْرَى بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ ، فَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَيْسَ إلَّا الْكَلَامَ ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَامِ وَجَزَائِهِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ بِالدُّخُولِ فَالدُّخُولُ شَرْطُ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مُوقَعٍ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيَصِيرُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ قَائِمًا ، وَالتَّدْبِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهِ .

وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَفَعَلَ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا نِصْفُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ وَالْمُعَلَّقُ كَانَ النِّصْفَ وَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِسَيِّدِهِ .
وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَا يَسْعَى ، وَلَوْ كَانَ بَاعَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ لَا الْمُسْتَحْدَثُ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ .

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْعِتْقُ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا عَتَقَ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ ، وَقَالَا : لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ، وَمِثْلُهُ وَأَصْلُهُ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابُ الْحُرِّيَّةِ لِلْجَزْمِ ، وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ لَهَا كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ لَا .

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي شَهَادَتِهِ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَصَحَّتْ شَهَادَتُهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْته فَشَهِدَ هُوَ وَآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ فُلَانًا فِي هَذِهِ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الشَّرْطِ ، وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاهُمَا ، فَإِنْ جَحَدَ الْأَبُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا بِالْكَلَامِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ دَعَاهُ أَبُوهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَاطِلَةٌ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ لِأَبِيهِمَا فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا يُظْهِرَانِ صِدْقَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ فِي النِّكَاحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ ( وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ ) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِقَبُولِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ لِلْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا ، وَمَا شَرَطَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ وَالْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَكَذَا الطَّعَامُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ ، وَلَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ .

( بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ أَبْوَابِ الْعِتْقِ مُنْجَزِهَا وَمُعَلَّقِهَا كَمَا أَخَّرَ الْخُلْعَ فِي الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ مِنْ الْإِسْقَاطِ غَيْرُ أَصْلٍ ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ ، فَأَخَّرَ مَا لَيْسَ بِأَصْلٍ عَمَّا هُوَ أَصْلٌ ، وَالْجُعْلُ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ ، وَكَذَا الْجَعِيلَةُ ، وَيُقَالُ الْجَعَالَةُ ضَبْطُ جِيمِهَا بِالْكَسْرِ فِي الصِّحَاحِ ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيِّ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْفَارَابِيِّ بِالْفَتْحِ فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئَنِي بِأَلْفٍ أَوْ بِعْتُك نَفْسَك بِأَلْفِ أَوْ وَهَبْتُكهَا عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي أَلْفًا فَإِنَّهُ يُعْتِقُ إذَا قَبِلَ ، وَإِنَّمَا يُعْتِقُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهِ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْوَلَاءِ بِعِوَضٍ وَبِلَا عِوَضٍ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ ، وَمِنْ حُكْمِ الْمُعَاوَضَاتِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَكَمَا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى ثَبَتَ مِلْكُهُ فِي الْعِوَضِ الْكَائِنِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِقَبُولِهِ فَيَلْزَمُ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْمُعَوَّضِ ، وَإِلَّا اجْتَمَعَ الْعِوَضَانِ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَاتِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَاضِرًا ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهِ .
فَإِنْ قَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ دَيْنًا يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَإِنْ رَدَّهُ أَوْ أَعْرَضَ إمَّا بِالْقِيَامِ أَوْ بِاشْتِغَالِهِ بِعَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَهُ ، وَإِذَا صَارَ دَيْنًا عَلَى حُرٍّ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ ، وَعَلَيْهِ مَا

ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ .
أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلُودِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ دَيْنِ الْمُوَرِّثِ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي أَعْتَقَهَا عَلَيْهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مَدْيُونَةٌ ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْعِ لِضَرُورَةِ حُصُولِ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ وَالْبَدَلِ لِلْمَوْلَى فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْكَفِيلِ ، وَالْمُنَافِي هُوَ الرِّقُّ فَإِنَّهُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَرْقُوقِهِ دَيْنٌ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مَا لَا يُخْرِجُ الْمَدْيُونَ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ مِمَّنْ لَهُ ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا بِأَنْ عَجَزَ نَفْسُهُ ، وَكَمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَا شَاءَ يَدًا بِيَدٍ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ كَالْأَثْمَانِ ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَالٍ يَنْتَظِمُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ مَعْلُومَ الْجِنْسِ كَمِائَةِ قَفِيزٍ حِنْطَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَيِّدَةً أَوْ صَعِيدِيَّةً وَكَفَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ عَبْدٍ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ فَتُتَحَمَّلُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهُ النِّكَاحَ .
وَعَلَّلَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ مُعَاوَضَةً بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ : يَعْنِي الْحَاصِلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَالِ لَيْسَ مَالًا ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَيْسَ مَالًا ؛ لِأَنَّهُ مُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ

وَالدَّيْنِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ ، وَكَذَا الْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَفِيهَا يُغْتَفَرُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَيَلْزَمُهُ الْوَسَطُ فِي تَسْمِيَةِ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِمَا مِنْ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ .
وَلَوْ أَتَاهُ بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْمَشْهُورِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ دَابَّةٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ .
وَلَوْ أَدَّى إلَيْهِ الْعَبْدَ أَوْ الْعَرْضَ فَاسْتُحِقَّ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فِي الْعَقْدِ فَعَلَى الْعَبْدِ مِثْلُهُ ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِيمَةَ فِي مِثْلِهِ مُخَلِّصٌ ، وَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ بِعْتُك نَفْسَك بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ فَقَبِلَ وَعَتَقَ وَسَلَّمَهُ فَاسْتُحِقَّ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَبْدِ الْغَيْرِ صَحَّ الْبَيْعُ فَكَذَا هُنَا ، إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ إذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكُ الْعَبْدِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَهُنَا لَا يُفْسَخُ بَعْدَ نُزُولِ الْعِتْقِ بِالْقَبُولِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَالِ جِنْسَهُ أَوْ مِقْدَارَهُ بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك عَلَى عَبْدٍ وَقَالَ الْعَبْدُ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَقَالَ الْعَبْدُ عَلَى مِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمَالِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِاتِّفَاقِهِمَا وَالْمَالُ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِهِ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى إمَّا لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ نَفْسِهِ بِبَيِّنَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ وَهِيَ الَّتِي تَلِي

هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ : أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ تَمَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِالْقَبُولِ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَقَعُ الْعِتْقُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمَوْلَى ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ، إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا فَأَيُّ الشَّرْطَيْنِ أَتَى بِهِ الْعَبْدُ يَعْتِقُ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْإِلْزَامِ ، وَفِي بَيِّنَةِ الْعَبْدِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ أَتَمُّ ، فَإِنَّهَا إذَا قُبِلَتْ عَتَقَ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ ، وَلَيْسَ فِي بَيِّنَةِ الْمَوْلَى إلْزَامٌ فَإِنَّهَا إذَا قُبِلَتْ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ أَدَاءُ الْمَالِ هَكَذَا ، فَاعْرِفْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ .
وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِقَبُولِهِ الْمَالَ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمَوْلَى ، وَلِهَذَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا .
ثُمَّ الْعَبْدُ يَدَّعِي وُجُودَ الشَّرْطِ بِقَبُولِهِ وَزَوَالَ مِلْكِ الْمَوْلَى بِهِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ قُلْت لَك أَمْسِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَأْ ، وَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ قَدْ شِئْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَبِلْت الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْبَيْعُ إلَّا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَقْبَلْ رَاجِعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ .

قَالَ : ( وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ وَصَارَ مَأْذُونًا ) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَحَّ أَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا ؛ لِأَنَّهُ رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ ، وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ دُونَ التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ صَحَّ وَصَارَ مَأْذُونًا ) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَمَعْنَى صَحَّ قَوْلُهُ : أَيْ التَّعْلِيقُ فَيَسْتَعْقِبُ مُقْتَضَاهُ .
وَهُوَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الِانْتِهَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ صَرِيحًا فِي التَّعْلِيقِ بَلْ صَرِيحَةٌ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَصَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا ضَرُورَةَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِصِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيقِ وَاسْتِعْقَابِهِ آثَارَهُ مِنْ الْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَتَمَكَّنَ شَرْعًا مِنْ الِاكْتِسَابِ حَيْثُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ ، وَيَسْتَلْزِمُ طَلَبُ الْمَوْلَى مِنْهُ الْمَالَ فَلَزِمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَأْذُونًا ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِلِاكْتِسَابِ فِي الْعَادَةِ وَخُصُوصًا عَادَةُ الْمُتَحَقِّقِينَ بِصِفَةِ أَنَّهُمْ مَوَالِيَ الْعَبِيدِ هُوَ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي ؛ لِأَنَّهُ خِسَّةٌ يَلْحَقُ الْمَوْلَى عَارُهَا ، لَكِنَّهُ لَوْ اكْتَسَبَ مِنْهُ فَأَدَّى عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ .

( وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا جَبْرَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ .
وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ ، وَلِهَذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى كَانَ بَائِنًا فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا فِي الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ ، وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، وَجَعَلْنَاهُ مُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ ، فَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ نَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ .
وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا حَطَّ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ .
ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَتَقَ لِاسْتِحْقَاقِهَا ، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ ، ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ ، وَفِي قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْت

لَا يَقْتَصِرُ ؛ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَنْزِلَ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ أَخَذَهُ ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى نِسْبَةِ الْإِجْبَارِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّهُ قَبَضَ هَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ صَحِيحًا ، أَمَّا لَوْ كَانَ خَمْرًا أَوْ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً كَمَا لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا خَمْرًا أَوْ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِمَا : أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا إلَّا إنْ أَخَذَهُ مُخْتَارًا ، وَأَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بِهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَيْئَيْنِ الْمَالِ وَالْحَجِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمَالِ لِبُطْلَانِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَلِذَا إنْ كَانَ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إتْمَامُ الشَّرْطِ وَالْحَجُّ وَقَعَ مَشُورَةً .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ : أَيْ لَا يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنْ أَخَذَهُ كَانَ قَابِضًا وَعَتَقَ الْعَبْدُ .
وَقَوْلُهُ هُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ يَمِينٍ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَفْظًا ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَإِذَا كَانَ يَمِينًا فَلَا إجْبَارَ عَلَى مُبَاشَرَةِ شُرُوطِ الْأَيْمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الشَّرْطِ بَلْ بِالشَّرْطِ ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَ الْإِنْسَانُ سَبَبًا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَازِمَةٍ وَالْبَدَلُ فِيهَا وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ فَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ إذَا أَتَى بِهِ أَمَّا هُنَا الْبَدَلُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى قَبُولُهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَثْبُتُ بِصِيغَةِ

الشَّرْطِ إذَا حَفَّ بِمَا يَقْتَضِيهَا كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ مُقْتَصِرًا ، وَنَسَبَهُ إلَى الْخِزَانَةِ ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ .
وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا وَلَهُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشُرُوطٍ ، وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَالتَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَشُرُوطٍ سَوَاءً .
وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ جَعَلَهُ مُنَجَّمًا وَالتَّنْجِيمُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَاسْتُشْهِدَ لِأَبِي حَفْصٍ بِمَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يُؤَدِّهِ فِيهِ ، وَأَدَّاهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ اتِّفَاقًا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَنْجِيمٌ تَحْتَمِلُ التَّأَمُّلَ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ تَعْلِيقٌ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ وَمُعَاوَضَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إلَّا لِيَحُثَّهُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فَيَنَالَ الْعَبْدُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ ) مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَيَنَالَ السَّيِّدُ الْمَالَ عِوَضًا عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَقَدْ فَرَضَ صِحَّةَ هَذَا التَّصَرُّفِ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْغَرَضِ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ مُعَاوَضَةً ، وَلِذَا كَانَ عِوَضًا فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتِ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى وَقَعَ بَائِنًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ لَازِمًا عَلَى الْعَبْدِ تَأَخَّرَ هَذَا الِاعْتِبَارُ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ إيَّاهُ ، وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّ مَا بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدَرِهَا فَيَثْبُتُ مِلْكُهُ لِذَلِكَ قُبَيْلَهُ وَيَلْزَمُ قَبُولُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْقَائِلُ فِيهِ كَيْفَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ وَكُلٌّ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ عَلَى مَا ذَكَرَ يَكُونُ الْمَالُ لِلْعَبْدِ لَا

لِلْمَوْلَى .
وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مُغَالَطَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ لِلْعَبْدِ ، وَهَذَا يَتِمُّ إنْ أُرِيدَ بِالْمُبْدَلِ الْعِتْقُ ، أَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِعْتَاقُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ فَلَا ، وَلَوْ حَوَّلَ تَقْرِيرَ الْإِشْكَالِ إلَى أَنَّ الْمَالَ مِلْكُ السَّيِّدِ فَكَيْفَ يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ ، وَإِنْ أُنْزِلَ مُكَاتَبًا كَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا كَانَ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَقَعْ هَذَا الْجَوَابُ دَافِعًا ، بِخِلَافِ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ كَيْفَمَا قَرَّرَ .
فَأَمَّا مَا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَالْوَاجِبُ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ وَإِلَّا لَتَضَرَّرَ السَّيِّدُ إذْ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ مِنْ سَيِّدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَالٍ وَتَسْرِي الْحُرِّيَّةُ إلَى الْمَوْلُودِ لِلْأَمَةِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِالْأَدَاءِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ رِقَّ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتَهُ تَابِعَةٌ لِأُمِّهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ جِهَتَا التَّعْلِيقِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَوَجَبَ تَوْفِيرُ مُقْتَضَى كُلٍّ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْفِقْهُ ، أَيْ عَلَى تَرْتِيبِ مُقْتَضَى كُلِّ شَبَهٍ عَلَيْهِ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ الْمُخْتَلِفَةُ الَّتِي بَعْضُهَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ تَعْلِيقًا وَبَعْضُهَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ مُعَاوَضَةً ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ اعْتِبَارُ الْمُعَاوَضَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ كَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرْطِ أَكْثَرَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَحْكَامِهَا إلَّا مَا هُوَ بَعْدَ الْأَدَاءِ ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَ السَّيِّدُ بَعْضَ الْمُؤَدَّى زُيُوفًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقَدْرِهِ جِيَادًا وَمَا كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ تَقْدِيمُ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَا أَدَّاهُ وَإِنْزَالُهُ قَابِضًا إذَا أَتَاهُ بِهِ ، وَفِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ جِهَةُ التَّعْلِيقِ فَكَثُرَتْ آثَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ فَلِهَذَا خَالَفَ الْمُعَاوَضَةَ الَّتِي هِيَ الْكِتَابَةُ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ .
الْأُولَى :

مَا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي مِنْهُ عَنْهُ وَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
وَالثَّانِيَةُ : لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ كَانَ لِوِرْثِهِ الْمَوْلَى وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
الرَّابِعَةُ : لَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ الْمَوْلَى عَنْهُ مِائَةً وَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
وَالْخَامِسَةُ : لَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ عَنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ كَذَا ذَكَرُوهَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَوْقِعَ لَهَا إذْ الْفَرْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِبْرَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَكُونُ وَالْإِبْرَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ .
السَّادِسَةُ : لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ عَيْبٍ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِ مَا يَأْتِي بِهِ خِلَافٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، نَعَمْ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا ، وَلَكِنْ لَوْ قَبَضَهُ عَتَقَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَهُ ، وَيُعَدُّ قَابِضًا .
وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ وُجُوبَ الْقَبُولِ وَإِنْزَالَهُ قَابِضًا كَانَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِالْبَيْعِ فَلَا يَجِبُ الْقَبُولُ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ قَبَلَهُ عَتَقَ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ ؛ لِمَا عُرِفَ فِي الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عِنْدِي أَوْجُهٌ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي تُطِلُّ بِالْبَيْعِ الَّتِي هِيَ الْقَائِمَةُ عِنْدَهُ .
وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ إنْزَالَهُ مُكَاتَبًا إنَّمَا هُوَ فِي الِانْتِهَاءِ ، وَهُوَ مَا عِنْدَ أَدَائِهِ فَلَا يَنْزِلُ مُكَاتَبًا قَبْلَهُ بَلْ الثَّابِتُ قَبْلَهُ لَيْسَ إلَّا أَحْكَامُ التَّعْلِيقِ وَالْبَيْعُ كَانَ

قَبْلَهُ وَلَا كِتَابَةَ حِينَئِذٍ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا فَتَبْطُلُ ، وَقَدْ فُرِضَ بَقَاءُ هَذِهِ الْيَمِينِ وَاعْتِبَارُ صِحَّتِهَا بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَجِبُ ثُبُوتُ أَحْكَامِهَا ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْقَبُولِ إذَا أَتَى بِالْمَالِ .
السَّابِعَةُ : أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، فَلَوْ اُخْتُلِفَ بِأَنْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَفْظَةَ إنْ ، فَإِنْ كَانَ لَفْظَةُ مَتَى أَوْ إذَا فَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
الثَّامِنَةُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ .
التَّاسِعَةُ : أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَظْفَرُ بِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا يُؤَدِّيهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ .
الْعَاشِرَةُ : أَنَّهُ إذَا أَدَّى وَعَتَقَ وَفَضَلَ عِنْدَهُ مَالٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَيَأْخُذُهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ .
الْحَادِيَةَ عَشَرَ لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ مَالًا قَبْلَ تَعْلِيقِ السَّيِّدِ فَأَدَّاهُ بَعْدَهُ إلَيْهِ عَتَقَ ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُ ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بِهِ أَحَقَّ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِذَا أَدَّى مِنْهُ عَتَقَ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاءُ الْكُلِّ وَلَمْ يُوجَدْ كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ وَأَدَّى الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسَائِلِ ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ ، فَكَمَا يَجِبُ قَبُولُ الْكُلِّ يَجِبُ قَبُولُ بَعْضِهِ ، وَلَا خَفَاءَ فِي وُرُودِ مَنْعِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَبُولِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْعِتْقِ

الَّذِي هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ، وَلَيْسَ أَدَاءُ الْبَعْضِ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُحَقِّقٌ لِلْكُلِّ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَعْضُهُ فَلِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِيضَاحِ .
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ قَبُولِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَّهُ الْقِيَاسُ ، وَالِاسْتِحْسَانُ هُوَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْقَبُولِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَالْأَوْجُهُ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ وُجُوبَ قَبُولِهِ الْبَعْضَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْكُلِّ دَفْعَةً ، وَمَا تَحَمَّلَ مَشَقَّةَ الِاكْتِسَابِ إلَّا لِذَلِكَ الْغَرَضِ ، فَلَوْ وَقَفْنَاهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْكُلِّ ذَهَبَ تَحَمُّلُهُ كَدَّ سَعْيِهِ خَالِيًا عَنْ غَرَضِهِ .
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يُعْلَمُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ خَطَفَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِهِ جَازَ وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ مِنْ أَدَاءِ الْمَشْرُوطِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ لَوْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ يَعْتِقُ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ) بِمِثْلِهَا ، أَمَّا الْعِتْقُ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ أَدَاءُ الْأَلْفِ حَتَّى يَعْتِقَ لَوْ كَانَتْ أَلْفًا مَغْصُوبَةً ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْمَغْصُوبَةِ ، وَأَمَّا رُجُوعُ الْمَوْلَى بِمِثْلِهَا فَلِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاسْتِحْقَاقِهَا إضَافَةً لِلْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلرُّجُوعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُ مَا اكْتَسَبَهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَيَصِيرُ عِنْدَهُ كَالْمُكَاتَبِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ، وَهَذَا يُوجِبُهُ النَّظَرُ فِي الْغَرَضِ ، وَهُوَ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَاءِ أَلْفٍ يَحْدُثُ حُصُولُهَا لَهُ فَيَمْلِكُ مَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ ، وَتِلْكَ الْأَلْفُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهَا دَفْعًا

لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ) فَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ بِأَنْ قَامَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ ثُمَّ أَدَّى لَا يَعْتِقُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ مَحْضٌ ، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ إنْ لِلشَّرْطِ فَقَطْ ، بِخِلَافِ إذَا وَمَتَى لِدَلَالَتِهِمَا عَلَيْهِ لَا يَتَوَقَّفُ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى عَتَقَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ بِمَنْزِلَةِ إذَا وَمَتَى .
وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ إنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الْوَقْتِ صَارَ الْمُعَلَّقُ بِهِ الْأَدَاءَ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ كَالْأَمْرِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ يَتَخَيَّرُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ .
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْوَقْتِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى لِلْفِعْلِ وَوَقْتُ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ حَاضِرٌ مُتَيَقَّنٌ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ ضَرُورَةَ الْفِعْلِ أَنَّ تَحْقِيقَ الْفِعْلِ بِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ فَلَا يَثْبُتُ مَدْلُولًا أَصْلًا فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْفِعْلِ وَقْتَ وُجُودِهِ أَيْ وَقْتَ وُجِدَ .
لَا يُقَالُ : بِالْأَدَاءِ يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِقْدَارُ الْحِنْثِ كَمَا يُسْتَثْنَى مِقْدَارُ الْبِرِّ فِي حَلِفِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ حَتَّى لَمْ يَحْنَثْ بِقَدْرِ شُغْلِهِ بِنَزْعِهِ فَلَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ بِالْأَدَاءِ .
[ فَرْعٌ ] .
قَالَ إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَنْ يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاؤُهُمَا جَمِيعَ الْمَالِ ، وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ تُقَابِلُ جُمْلَةَ الْمَشْرُوطِ مِنْ غَيْرِ انْقِسَامِ الْأَجْزَاءِ عَلَى الْأَجْزَاءِ ، وَإِنَّمَا الِانْقِسَامُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ، وَلِذَا لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الْأَلْفِ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ ، لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُمَا فَلَا يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا ، فَإِنْ قَالَ الْمُؤَدِّي خَمْسُمِائَةٍ مِنْ عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ

بَعَثَ بِهَا صَاحِبِي لِأُؤَدِّيَهَا إلَيْك عِتْقًا ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الرَّسُولِ كَأَدَاءِ الْمُرْسِلِ فَتَمَّ الشَّرْطُ وَهُوَ أَدَاؤُهُمَا ، وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ لَا يَعْتِقَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَدَاءَهُمَا وَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَلِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى لِيَعْتِقَا وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ ، فَإِنْ قَالَ أُؤَدِّيهَا إلَيْك عَلَى أَنَّهُمَا حُرَّانِ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْتِقَهُمَا فَقَبِلَ عَلَى ذَلِكَ عِتْقًا وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي بِالْمَالِ عَلَى السَّيِّدِ .
أَمَّا الْمُعْتَقُ فَلِأَنَّ قَبُولَ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ لَهُمَا ، وَأَمَّا حَقُّ الرُّجُوعِ فَلِأَنَّ عِوَضَ الْعِتْقِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ قَالَ هُمَا أَمَرَانِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا إلَيْك فَقَبِلَهَا عَتَقَا ؛ لِأَنَّهُ رَسُولٌ عَنْهُمَا .

( وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ ) لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ .
قَالُوا : لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ، وَإِنْ قَبِلَ بَعْدِ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِإِضَافَةِ الْإِيجَابِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا بِأَلْفٍ ) فَإِنَّ الْقَبُولَ مَحَلُّهُ الْغَدُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْإِيجَابِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ الْقَبُولُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مَجْلِسِهِ وَمَجْلِسُهُ وَقْتُ وُجُودِهِ وَالْإِضَافَةُ تُؤَخِّرُ وُجُودَهُ إلَى وُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ هُنَا مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَوْ أَمْكَنَتْ إضَافَةٌ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ فِيهِ أَيْضًا كَوْنُ قَبُولِ الْبَيْعِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمُضَافِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْقَبُولِ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لِلتَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِي الْمُدَبَّرِ .
وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا صَحِيحًا ، وَإِذَا عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبُولِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ ، وَعَلَى هَذَا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْقَبُولِ إلَّا لِيَظْهَرَ اخْتِيَارُ التَّدْبِيرِ مِنْ الْعَبْدِ ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ اخْتَرْت التَّدْبِيرَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ وَصَارَ كَمَا إذَا عَلَّقَ تَدْبِيرَهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ .
وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ هُوَ مَعْنَى أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْقَبُولَ فِي الْحَالِ : أُجِيبَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ تَصَرُّفٌ بِيَمِينٍ مِنْ السَّيِّدِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ ، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ إضَافَةٌ لَفْظًا لِيَكُونَ يَمِينًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ .
وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا افْتَرَقَ وَقْتُ الْقَبُولِ فَاعْتُبِرَ فِي الْحَالِ فِي أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ الْأَلْفَ فِي التَّدْبِيرِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ

وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَاعْتُبِرَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَذَلِكَ هُوَ الثَّابِتُ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِلَا فَرْقٍ ، بَلْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ كَلَفْظِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ مِنْ نَحْوِ إنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ نَاطِقٍ ، ثُمَّ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَرْعًا عَنْ صِحَّةِ تِلْكَ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ التَّدْبِيرُ ، لَا أَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ هُوَ مَعْنَى التَّدْبِيرِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَرْقُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ : إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ السَّاعَةَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ، وَقَالَ قَبِلْت أَدَاءَ الْأَلْفِ عَتَقَ ، فَعَلَى هَذَا اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَهُ ، وَإِنْ قَبِلَ كَانَ مُدَبَّرًا وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ ، إذَا قَالَ إنْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ الْقَبُولُ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا الْوَفَاةِ ، فَإِذَا قَبِلَ صَحَّ التَّدْبِيرُ ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَقْتَ وُقُوعِ الْعَتَاقِ ، فَسَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ حَالَةَ الْحَيَاةِ ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِيهِمَا فِي لُزُومِ الْمَالِ .
وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ : لَوْ قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ

بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَعْتِقَ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ ذَكَرْنَا عَنْهُ كَذَلِكَ ، وَحِينَئِذٍ فَمَا قِيلَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْوَفَاةِ لَا يَصِحُّ ، إذْ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ رِوَايَةٌ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِيجَابَ مُعَلَّقٌ صَرِيحًا بِالْمَوْتِ وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْحَالِ وَهُنَا هُوَ بِالْمَوْتِ مُضَافٌ .
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَعْدَلَ هُوَ لُزُومُ الْمَالِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِخُصُوصِ هَذَا الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا حُصُولُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ ، وَإِلَّا لَقَالَ إنْ اخْتَرْت التَّدْبِيرَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِ إلَّا بِبَدَلٍ ، وَتَعْلِيقُهُ بِقَبُولِ الْمَالِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَلَا مَانِعَ شَرْعِيَّ مِنْهُ إذْ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ عَلَى عَبْدِهِ الْمَالَ إذَا كَانَ بِسَبَبِ الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ غَيْرِهِ ، عَلَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُرًّا .
فَالْحَاصِلُ تَأَخُّرُ وُجُوبِ الْمَالِ إلَى زَمَنِ حُرِّيَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ مِنْ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
وَأَمَّا وُقُوعُ الْعِتْقِ عِنْدَ الْقَبُولِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَشَايِخِ : لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَرَثَةُ ، وَزَادَ غَيْرُهُ : أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي إنْ امْتَنَعُوا

، وَإِلَّا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ عِتْقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا تَنْجِيزًا ، فَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ لَهُ ، وَلِذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ لَا يَعْتِقُ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ ، قَالَ : وَهَذَا صَحِيحٌ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ .
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ إلَّا عِنْدَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ ، وَلِذَا لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ وَالْعَتَاقُ ، وَلِذَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَيْسَ التَّدْبِيرُ إلَّا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ .
وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ الْمَسَائِلِ بِأَنَّ هُنَاكَ الْمَوْجُودَ بُطْلَانُ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلَّقِ فَقَطْ وَهُنَا الثَّابِتُ هَذَا وَزِيَادَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِ الْمُعَلِّقِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ إلَّا وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ ، وَهُوَ أَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ فَوَاتِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلِّقِ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ خُرُوجِ الْمَحَلِّ عَنْ مَحَلِّيَّتِهِ عِتْقُهُ إنْ أَرَادَ الْمُجِيبُ أَنَّهُ جُزْءُ الْمَانِعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ انْتِفَاءَ أَهْلِيَّةِ الْمُعَلِّقِ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ عِنْدَ الشَّرْطِ ، فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ الْإِيرَادِ أَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ .
فَأَجَابَ الْمُجِيبُ بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ مَانِعٍ وَقَالَ : هَذَا جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ ، وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَيْثُ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ عَدَمَ أَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى فَهْمِ أَنَّهُ الْمَوْتُ .
وَيُمْكِنُ كَوْنُ مُرَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِعْتَاقِهِ

لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ ، وَإِنَّمَا لَزِمَ خُرُوجُهُ إلَى مِلْكِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ كَالْمُدَبَّرِ بَلْ بَعْدَ الْقَبُولِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِذَا تَأَخَّرَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَوْتِ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِ الْوَرَثَةِ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِهِمْ .
وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ شَارِحٌ فَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ حُكْمًا لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْكَلَامَ صَدَرَ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ ثُمَّ اُسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ فَرْعُ كَوْنِ الْإِيجَابِ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ ؛ لِقَوْلِهِ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْدَ كَوْنِ الْكَلَامِ حِينَ صُدُورِهِ مُعْتَبَرًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْعِتْقِ ، ثُمَّ نَفْيُ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ بِالْقَبُولِ يَثْبُتُ لُزُومُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَارِثِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي ، وَلَمْ يَكُنْ لَوْلَا الْقَبُولُ ذَلِكَ بَلْ يُبَاعُ وَيُورَثُ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ لَهُ .
نَعَمْ يُقَالُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَمَا السَّبَبُ إلَى نَقْلِهِ إلَى مِلْكِهِمْ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا سَائِبَةَ .
فَلَوْ بَقِيَ فِي سَاعِهِ الْقَبُولِ بِلَا مِلْكِهِمْ لَزِمَ السَّائِبَةَ فَلِمَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ وَيُجْعَلُ مِثْلَ مَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَهُوَ نَفَاذُ إيجَابِهِ وَصِحَّتِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ قَبُولُهُ مُعْتَبَرًا فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَهُ بَلْ يَتَقَيَّدُ بِهِ .
وَمَا

تَقَدَّمَ مِنْ نَوَادِرِ بِشْرٍ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَقَالَ قَبِلْت أَدَاءَ الْأَلْفِ عَتَقَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ تَأَخُّرِ عِتْقِهِ إلَى عِتْقِ الْوَارِثِ ، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ذَلِكَ الشَّارِحُ أَيْضًا مَعَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حَيْثُ قَالَ : وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَرَثَةُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يُتَصَوَّرُ ، ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخِلَافِ ، ثُمَّ نَقُولُ الْعِتْقُ مَا وَقَعَ إلَّا مِنْ الْحَيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْمُعَلَّقِ أَوْ الْمُضَافِ الصَّادِرِ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ ، وَإِنْ كَانَ نُزُولُ أَثَرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ إشْكَالٌ هُوَ لُزُومُ أَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ شَهْرًا فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ اعْتِبَارًا لِحَاجَتِهِ إلَى نَفَاذِ إيجَابِهِ وَاعْتِبَارِهِ ، وَطُولُ الْمُدَّةِ وَقِصَرُهَا لَا أَثَرَ لَهُ ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ حَاجَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِيهِمَا ، وَسَيَأْتِي لِبَعْضِهِمْ فَرْقٌ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ .

قَالَ : ( وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ ) أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِوَضًا فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِالْقَبُولِ ، وَقَدْ وُجِدَ وَلَزِمَهُ خِدْمَةُ أَرْبَعِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَالْخِلَافِيَّةُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ أَوْ هَلَكَتْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ عِنْدَهُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ .
وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْخِدْمَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ ، وَكَذَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَصَارَ نَظِيرَهَا .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ مَثَلًا ) أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ( فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ سَاعَتِهِ فَعَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ ( قِيمَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَةِ أَرْبَعِ سِنِينَ ) أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْخِدْمَةَ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ إذْ هِيَ خِدْمَةُ الْبَيْتِ الْمُعْتَادَةُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِوَضًا فَتَعَلَّقَ بِقَبُولِهَا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ عِوَضًا ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِ بِالْعَقْدِ ، وَلِذَا صَحَّتْ مَهْرًا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِابْتِغَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَالِ ، ثُمَّ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الْمَوْلَى قَبْلَ حُصُولِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ تَحَقَّقَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ ، وَكَذَا لَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَاحِشٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ فَكَانَ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ .
وَوَجْهُ الْبِنَاءِ ظَاهِرٌ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ ، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَائِيٌّ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ فِي مَوْتِ الْمَوْلَى بِعَيْنِ الْخِدْمَةِ .
قِيلَ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الِاسْتِخْدَامِ ، وَقِيلَ بَلْ الْخِدْمَةُ هِيَ الْمُعْتَادَةُ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ ، لَكِنْ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَا تُورَثُ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ أَوْ الْخِدْمَةَ جُعِلَتْ بَدَلَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَقَدْ

حَصَلَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ ، وَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ إذْ الْعِتْقُ لَا يُفْسَخُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى جَارِيَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا أَوْ صَالَحَ عَنْ دَمِ عَمْدٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ هَلَكَتْ حَيْثُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبَدَلِ اتِّفَاقًا .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا بَدَلُ مَا هُوَ مَالٌ وَهُوَ الْعَبْدُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ حَيْثُ أَخَذَ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ إخْرَاجِهِ مَالًا عَنْ مِلْكِهِ .
نَعَمْ هُنَا مُلَاحَظَةٌ أُخْرَى وَهِيَ اعْتِبَارُ مَا أَخَذَ فِي مُقَابَلَةِ مَا بِهِ خَرَجَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ تَلَفُّظُهُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ لَا يَنْفِي الْأَمْرَ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَهُوَ خُرُوجُ مَالٍ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ الْعِوَضِ ، فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، بِخِلَافِ مَا قِيسَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدُوا بِإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَإِبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ وَقِيمَةَ الْبُضْعِ .
وَلَوْ شَهِدُوا بِالْإِعْتَاقِ وَرَجَعُوا ضَمِنُوا ، وَلَوْ خَدَمَهُ سَنَةً مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَهُمَا بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ رَقَبَتِهِ وَعَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ قِسْ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ فَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ الْخَمْرِ ، هَذَا فِي الْمُعَاوَضَةِ .
أَمَّا لَوْ كَانَ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ سَنَةً مَثَلًا فَخَدَمَ بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَعْتِقُ ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَيُبَاعُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْمَوْلَى ،

وَكَذَا لَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عِوَضًا عَنْ خِدْمَتِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى مِنْهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ يَتَعَذَّرُ الْعِتْقُ .

( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ : أَعْتِقْ أَمَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا فَفَعَلَ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى الْمَأْمُورِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيَّ فَفَعَلَ حَيْثُ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ جَائِزٌ وَفِي الْعَتَاقِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ .
( وَلَوْ قَالَ : أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا قُسِّمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا ، فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ بَطَلَ عَنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءُ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا ، وَوَجَبَتْ حِصَّةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَهُوَ الْبُضْعُ ، فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ .
وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى فِي الْوَجْهِ الثَّانِي ، وَمَا أَصَابَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرًا لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ .

( قَوْلُهُ : وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ لَفْظِ عَلَيَّ قَبْلَ عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا وَلَيْسَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ ، وَهِيَ أَدُلُّ مِنْهُ عَلَى إيجَابِ الْمَالِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ تَرْكِهَا أَيْضًا ، فَإِذَا عَتَقَ فَإِمَّا أَنْ تُزَوِّجَهُ أَوْ لَا وَلَا يَلْزَمُهَا تَزَوُّجُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ ، فَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَمَرَهُ الْمُخَاطَبُ بِإِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ وَتَزْوِيجِهَا مِنْهُ عَلَى عِوَضِ أَلْفٍ مَشْرُوطَةٍ عَلَيْهَا عَنْهَا وَعَنْ مَهْرِهَا ، فَلَمَّا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ بَطَلَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ مِنْهَا ، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعِتْقِ فَبَاطِلَةٌ إذْ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةً حُكْمِيَّةً وَهِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالْقَضَاءِ ، وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ قَسَمَتْ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا ، فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا سَقَطَ مِنْهُ ، وَمَا أَصَابَ مَهْرَهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا مِائَةً أَوْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا وَقِيمَتُهَا أَلْفًا سَقَطَ عَنْهُ خَمْسُمِائَةٍ وَوَجَبَ خَمْسُمِائَةٍ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْنِ أَوْ أَلْفَيْنِ وَمَهْرُهَا مِائَةً أَوْ أَلْفًا سَقَطَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَوَجَبَ لَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ .
وَقَوْلُهُ : وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ : يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِي خُلْعِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ حَيْثُ قَالَ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى

الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ) عَلَى أَنْ تُزَوِّجْنِيهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَفَعَلَ : أَيْ أَعْتَقَ قُسِمَتْ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا ، وَمَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، فَمَا أَصَابَ قِيمَتَهَا أَدَّاهُ لِلْمَأْمُورِ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ عَنْهُ : يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ، وَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِلْمَأْمُورِ حِصَّةُ قِيمَتِهِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءُ اقْتِضَاءً عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ، لَكِنَّهُ ضَمَّ إلَى رَقَبَتِهَا تَزْوِيجَهَا وَقَابَلَ الْمَجْمُوعَ بِعِوَضِ أَلْفٍ فَانْقَسَمَتْ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ ، وَكَانَ هَذَا كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ فِي الْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا ، فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَجَبَ ثَمَنًا بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْمُدَبَّرِ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مَالًا ثُمَّ خُرُوجُهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ نَفْسَهُ ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا لَكِنْ أَخَذَتْ حُكْمَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ حَالَ الدُّخُولِ وَإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَسَادُ هَذَا الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ جَمْعِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ إلَى مَا هُوَ مَالٌ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ إدْخَالُ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ ، وَإِذَا فَسَدَ وَجَبَ ، إمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْهَا ، وَالْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَا عِتْقَ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ ، وَإِمَّا وُجُوبُ كُلِّ الْقِيمَةِ لِلْمَأْمُورِ إنْ اُعْتُبِرَ قَبْضُهَا نَفْسُهَا بِالْعِتْقِ قَبْضًا لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ ضَعُفَ فَيَكْتَفِي بِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ حَيْثُ وَجَبَتْ بِالْقَبْضِ فِي

الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَجَبَتْ كُلَّهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ مُنْدَرِجًا فِي الْبَيْعِ ضِمْنًا لَهُ فَلَا يُرَاعَى مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَقِلًّا وَلَا يَفْسُدُ بِهِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ فِي كُلِّ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَذْكُرْهُ : يَعْنِي مُحَمَّدًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ : يَعْنِي الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ عَنِّي ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرَ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي مَا ذَكَرَ فِيهِ عَنِّي وَمَا لَمْ يَذْكُرْ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ .

بَابُ التَّدْبِيرِ ( إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتك فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ

( بَابُ التَّدْبِيرِ ) .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَوَجْهُ التَّرْتِيبِ ظَاهِرٌ ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ مُرَكَّبٌ ، وَهُوَ بَعْدَ الْمُفْرَدِ ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كُلِّهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا تَقْيِيدٌ لِلْعِتْقِ بِشَرْطٍ غَيْرِ الْمَوْتِ ، كَمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ تَقْيِيدُهُ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا إلَى هَاهُنَا ، ثُمَّ التَّدْبِيرُ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ .
وَشَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَشَرْطُهُ الْمِلْكُ فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُكَاتَبِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَالِكٌ يَدًا ، وَلَا مَعْنًى فِي التَّحْقِيقِ لِقَوْلِهِمْ مَالِكٌ يَدًا ، بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ مِلْكُهُ مُتَزَلْزِلٌ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَالِكٌ شَرْعًا لَكِنَّهُ بِعَرْضٍ أَنْ يَزُولَ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ بَعْضَ آثَارِ الْمِلْكِ مُنْتَفٍ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ كَمِلْكِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : فَأَمَّا السَّكْرَانُ وَالْمُكْرَهُ فَتَدْبِيرُهَا جَائِزٌ عِنْدَنَا كَإِعْتَاقِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْتُ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَهُ قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ ، وَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مَا بَعْدَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ كَالْمُنْجِزِ لَهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَلَكَ لَا يُعْتَقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : يُعْتَقُ ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ هُوَ فِي تَدْبِيرِ الْمَالِكِ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا .
فِي الْمَبْسُوطِ : لَوْ قَالَ

لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ دَبِّرْ عَبْدِي إنْ شِئْت فَدَبَّرَهُ جَازَ ، وَهَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمَشِيئَةِ وَنَظِيرُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ .
وَإِذْ قَدْ أَنْجَزَ الْكَلَامَ إلَى الْوَكَالَةِ فَهَذَا فَرْعٌ مِنْهُ .
قَالَ لِرَجُلَيْنِ دَبِّرَا عَبْدِي فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهُ فِي التَّدْبِيرِ إلَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ جَعَلْت أَمْرَهُ إلَيْكُمَا فِي تَدْبِيرِهِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا هَذَا التَّصَرُّفَ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مُعَبِّرَيْنِ عَنْهُ ، وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى سَوَاءٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ يَنْهَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُدَبِّرَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي جَعْلِ الْأَمْرِ إلَيْهِمَا ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ .
( قَوْلُهُ : إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ وَقَدْ دَبَرْتُك صَارَ مُدَبَّرًا ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ ، فَإِنَّهُ أَيْ التَّدْبِيرَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ .
وَهَذِهِ تُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ فَأَفَادَ أَنَّ كُلَّمَا أَفَادَ إثْبَاتَهُ عَنْ دُبُرٍ كَذَلِكَ فَهُوَ صَرِيحٌ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ .
الْأَوَّلُ : مَا يَكُونُ بِلَفْظِ إضَافَةٍ كَبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُ إنْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ عِتْقٌ أَوْ مُعْتَقٌ بَعْدَ مَوْتِي .
وَالثَّانِي مَا يَكُونُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ كَإِنْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ أَوْ مَتَى مِتَّ أَوْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ أَوْ حَادِثٌ فَأَنْتَ حُرٌّ وَتُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ ، وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعَ وَفِي تُسْتَعَارُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي يَصِيرُ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ اسْمٌ لِمَنْ يَعْتِقُ عَنْ دُبُرِ مَوْتِهِ فَكَانَ هَذَا وَأَنْتَ

حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي سَوَاءً ، وَكَذَا أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك بَعْدَ مَوْتِي .
وَالثَّالِثُ : مَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِنَفْسِك أَوْ بِعِتْقِك ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ .
وَفِي الْكَافِي : أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ عَتِيقٌ يَوْمَ يَمُوتُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا ، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا لَا يَمْتَدُّ ، وَلَوْ نَوَى النَّهَارَ فَقَطْ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ لَيْلًا .
يَعْنِي فَيَجُوزُ بَيْعُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ كَالْمُدَبَّرِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ صَرَائِحُ ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْعِ ، وَكَذَلِكَ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ، ثُمَّ تُوُورِثَتْ بِلَا شُبْهَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ فُلَانٍ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ ، وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوَّلًا يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا أَوْ بَعْدَ مَوْتِي فَإِذَا كَلَّمَ فُلَانًا صَارَ مُدَبَّرًا .
وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت يَنْوِي فِيهِ ، فَإِنْ نَوَى الْمَشِيئَةَ السَّاعَةَ فَشَاءَ الْعَبْدُ سَاعَتَهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ التَّدْبِيرِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ نَوَى الْمَشِيئَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَشَاءَ الْعَبْدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّدْبِيرِ .
وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ

الرَّازِيّ يَقُولُ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ هُنَا إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ مِيرَاثًا فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَهُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً يَحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ بَعْدَ الشَّهْرِ ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ وَكَذَا بِيَوْمٍ .
وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ : إذَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْتِقَهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا ، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا تَنْجِيزًا ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ دُونَ الْكَفَّارَةِ .
وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي التَّعْلِيقِ فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ بِمُضِيِّ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَوْ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ وَهُوَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَعَسَّرُ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ ، بَلْ إنْ شَاءَ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيُنْجِزَ عِتْقَهُ ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشِيئَةِ مِنْ الْعَبْدِ فِي مَجْلِسِ مَوْتِهِ أَوْ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِهَذَا مَشِيئَتُهُ فِي حَيَاتِهِ بِمَجْلِسِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ إذَا كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : لَا يَتَوَقَّفُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ .
وَفِي الْأَصْلِ : لَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ بَلْ بِمُضِيِّ يَوْمٍ بَعْدَهُ ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي سَمَّى حَتَّى يُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْأُولَى فَقَالَ : إذَا

أَخَّرَ الْعِتْقَ عَنْ مَوْتِهِ بِزَمَانٍ مُمْتَدٍّ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقُوهُ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ فَإِنَّهَا تَتَّصِلُ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ فَيَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى ، وَلَا تَدْعُو إلَى إعْتَاقِ الْوَارِثِ ، وَهَذَا إنْ تَمَّ أَشْكَلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ ، فَإِنَّ زَمَنَ الْقَبُولِ كَزَمَنِ الْمَشِيئَةِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَصَّلَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ بِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ .
لَا يُقَالُ : يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفَاذِ إيجَابِهِ وَثُبُوتِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ مَعْلُومٍ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ .
وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ يَلْزَمُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاسْتِصْحَابُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ مِنْ رَفْعِهِ ، ثُمَّ إدْخَالُهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ ثُمَّ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى لِحَاجَتِهِ .
ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا يَقَعُ هُنَا يَقَعُ مَجَّانًا فَوَجَبَ عِتْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى .
لِأَنَّا نَقُولُ : لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الْيَوْمِ بَعْدَهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَشْكُوكٍ ، وَهِيَ مِنْ مَوَاضِعِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِمْ .

( ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ ) كَمَا فِي الْكِتَابَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ } وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا سَبَبَ غَيْرَهُ ؛ ثُمَّ جَعَلَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى لِوُجُودِهِ فِي الْحَالِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حَالُ بُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ السَّبَبِيَّةِ قَائِمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ مَانِعٌ وَالْمَنْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَأَمْكَنَ تَأْخِيرُ السَّبَبِيَّةِ إلَى زَمَانِ الشَّرْطِ ؛ لِقِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَا ؛ وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةُ خِلَافَةٍ فِي الْحَالِ كَالْوِرَاثَةِ وَإِبْطَالُ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ ، وَفِي الْبَيْعِ وَمَا يُضَاهِيهِ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ : ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَلَا هِبَتُهُ ، وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ بِلَا بَدَلٍ أَوْ بِكِتَابِهِ أَوْ عَتَقَ عَلَى مَالٍ ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ يَجُوزُ ، فَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ وَإِجَارَتُهُ وَأَخْذُ أُجْرَتِهِ وَتَزْوِيجُ الْمُدَبَّرَةِ وَوَطْؤُهَا وَأَخْذُ مَهْرِهَا وَأَرْشُ جِنَايَتِهَا ، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ثَابِتٌ ، وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْمَرْهُونِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ ، وَلَا مَالِيَّةَ لِلْمُدَبَّرِ كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى فِي جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً ، وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَهُ فَدَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يَسْعَى فِيهِ ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنْ لَيْسَ لِلْمَوْلَى دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَرْشِ ، وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ مَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمَالِيكِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بَعْدَ التَّدْبِيرِ .
وَاسْتُشْكِلَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى مَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمَالِيكُ وَاشْتَرَى مَمَالِيكَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ فَكَانَ عِتْقُهُمْ مُعَلَّقًا بِمُطْلَقِ مَوْتِ السَّيِّدِ .
ثُمَّ إنَّهُ لَوْ بَاعَ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ صَحَّ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْدُومِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْإِيجَابِ ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَطَلَ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَنَاوَلَتْهُمْ

بِعَيْنِهِمْ فَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ حِصَّتُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَوُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي كَانَ الْكُلُّ لِلِاثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهِمْ مَعْدُومِينَ عِنْدَ الْإِيجَابِ فَتَنَاوَلَتْ مَنْ يَكُونُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ ) لِلْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى .
أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إلَيْهِ } .
وَفِي لَفْظٍ { أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ : اقْضِ دَيْنَكَ وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ } وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ .
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ الْمُدَبَّرَ } وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ " أَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَطَاوَلَ مَرَضُهَا فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا إلَى رَجُلٍ فَذَكَرُوا لَهُ مَرَضَهَا فَقَالَ : إنَّكُمْ تُخْبِرُونِي عَنْ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ ، قَالَ : فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا سَحَرَتْهَا وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهَا فَدَعَتْهَا ثُمَّ سَأَلَتْهَا مَاذَا أَرَدْت ؟ قَالَتْ : أَرَدْت أَنْ تَمُوتِي حَتَّى أُعْتَقَ ، قَالَتْ : فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعِي مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلَكَةً ، فَبَاعَتْهَا وَأَمَرَتْ بِثَمَنِهَا فَجُعِلَ فِي مِثْلِهَا " وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سَرَقَ فِي دَيْنِهِ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ

كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } } ذَكَرَهُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ الْآنَ بَعْدَ النَّسْخِ ، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ ، إذَا لَمْ يُوجِبْ التَّدْبِيرُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْهُ ، ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ " وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَكِنْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَفْعَهُ وَصَحَّحَ وَقَفَهُ .
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ " وَضَعَّفَ ابْنَ ظَبْيَانَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقَفَهُ صَحِيحٌ وَضَعَّفَ رَفْعَهُ ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ لَا إشْكَالَ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْوُقُوفِ فَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حِينَئِذٍ لَا يُعَارِضُهُ النَّصُّ أَلْبَتَّةَ ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا ، وَإِنَّمَا يُعَارِضُهُ لَوْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ .
فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ تَقْلِيدِهِ فَظَاهِرٌ ، وَعَلَى عَدَمِ تَقْلِيدِهِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السَّمَاعِ ؛ لِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَهُ مُسْتَصْحَبٌ بِرِقِّهِ فَمَنْعُهُ مَعَ عَدَمِ زَوَالِ الرِّقِّ وَعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بِجُزْءِ الْمَوْلَى كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ فَبَطَلَ مَا قِيلَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارِضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ .
وَأَيْضًا ثَبَتَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ عَطَاءَ وَطَاوُسًا يَقُولَانِ عَنْ جَابِرٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِتْقُهُ عَنْ دُبُرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَقْضِيَ دَيْنَهُ الْحَدِيثَ .
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : شَهِدْت الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرٍ { إنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ } رَوَاهُ

الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ .
وَقَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا مُرْسَلٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَزْرَمِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ انْتَهَى .
فَلَوْ تَمَّ تَضْعِيفُ عَبْدِ الْغَفَّارِ لَمْ يَضُرَّ لَكِنَّ الْحَقَّ عَدَمُهُ وَإِنْ كَانَ مُتَشَيِّعًا ، فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ الْبَاقِرُ الْإِمَامُ بْنُ عَلِيِّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بِأَنَّهُ شَهِدَ حَدِيثَ جَابِرٍ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ مَنَافِعِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ لِثِقَةِ إمَامِ ذَلِكَ إلَّا لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ مِنْ جَابِرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ .
وَقَالَ ابْنُ الْعِزِّ : قَوْلُ مَنْ قَالَ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَاعَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّ التَّدْبِيرَ عَقْدٌ لَازِمٌ سَعَى فِي تَأْوِيلِ مَا يُخَالِفُ اعْتِقَادَهُ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِ تَأْوِيلِهِ ، وَالنَّصُّ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا لِمُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِإِطْلَاقِهِ ، وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ ثُمَّ نُسِخَ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ بَاعَ مُدَبَّرًا لَيْسَ إلَّا حِكَايَةَ الرَّاوِي فِعْلًا جُزْئِيًّا لَا عُمُومَ لَهَا ، وَأَنَّ قَوْلَهُ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ أَوْ دَبَّرَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطْلَقِ ، وَالْمُقَيَّدِ إذْ يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ مُقَيَّدًا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ ، وَأَنَّ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ ، وَحَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلُ تَابِعِيٍّ ثِقَةٍ ، وَقَدْ أَقَمْنَا الدَّلَالَاتِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ بَلْ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسْنَدِ بَعْدَ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ عَلِمْت قَطْعًا أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ بَلْ سَالِمَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ .
وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إنْ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ

يَعْضُدُهُ ، وَلَا يُعَارِضُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِجَوَازِ كَوْنِ تَدْبِيرِهَا كَانَ مُقَيَّدًا ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَحَلَّ النِّزَاعِ أَلْبَتَّةَ ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ بِمَا ذَكَرْنَا فَظَهَرَ لَك تَحَامُلُهُ أَوْ غَلَطُهُ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي أَبْطَلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَنْعَ بَيْعِهِ ، فَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ ، وَبِهِ لَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ غَيْرِ الْمَوْتِ ، وَكَذَا إنْ اعْتَبَرَ جِهَةَ كَوْنِهِ وَصِيَّةً ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَبَيْعُ الْمُوصَى بِهِ جَائِزٌ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ شَبَهَيْ التَّعْلِيقِ وَالْوَصِيَّةِ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ .
وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَرِيبٍ قَوْلَهُ وَعَلَى هَذَا : أَيْ إعْمَالِ الشَّبَهَيْنِ يَدُورُ الْفِقْهُ .
وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَا ثُبُوتَ إلَّا بِسَبَبٍ وَلَا سَبَبَ غَيْرَهُ : أَيْ غَيْرَ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْمُعَلَّقِ فِي إذَا مِتَّ أَوْ الْمُضَافُ فِي بَعْدِ مَوْتِي ، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَجَعْلُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ حَالُ وُجُودِهِ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ إنَّمَا لَهُ ثُبُوتٌ حُكْمِيٌّ ، فَإِضَافَةُ السَّبَبِيَّةِ إلَيْهِ حَالَ وُجُودِهِ أَوْلَى ، فَهَذَا وَجْهُ أَوْلَوِيَّةِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ ، وَوَجْهٌ آخَرُ يُوجِبُ عَدَمَ إمْكَانِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ إلَخْ : يَعْنِي لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَزَوَالِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ لَهُمَا وَالْمَوْتُ يُبْطِلُهَا ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ كَمَا إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ وَقَبِلَ وَلِيُّهُ وَزَوَالُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا

فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ ضَمَانُهُ مِنْ مَالِهِ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ .
وَلَوْ ارْتَدَّ أَبَوَاهُ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَانَتْ امْرَأَتُهُ ، فَلِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِيَزُولَ الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ التَّصَرُّفِ لَا لِمُجَرَّدِ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ سَالِبٌ لِأَهْلِيَّةِ الْأَمْرَيْنِ ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ حَالَ حَيَاتِهِ سَبَبًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا انْتَفَتْ لَكِنَّهَا لَمْ تَنْتَفِ شَرْعًا ، وَلِأَنَّ سَائِرَ التَّعْلِيقَاتِ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ سَبَبًا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ وَالْيَمِينُ فِي مِثْلِهِ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ كَمَا قَدْ تُعْقَدُ لِلْحَمْلِ ، فَالْمَنْعُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُوَ الْمَقْصِدُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ وَأَنَّهُ يُضَادُّ وُقُوعَهُمَا ، وَوُقُوعُهَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ ، فَلَزِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَهُوَ التَّدْبِيرُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ ، وَمِنْهُ مَا هُوَ يَمِينٌ فَلَا يُمْكِنُ سَبَبِيَّةُ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَأَمْكَنَ فِي التَّدْبِيرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ .
وَإِذَا انْعَقَدَتْ سَبَبِيَّةُ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهُ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَقِيقَةٍ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ أَلْبَتَّةَ لَزِمَ أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُ الْمُعَلَّقِ فِيهِ لَا مَنْعُهُ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا فَانْتَفَى مَانِعُ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ فَيَنْعَقِدُ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَا يَنْدَفِعُ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْعِ كَوْنِهِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ ؛ لِجَوَازِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ

الْغَدِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْغَدِ وُجُودَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى وَنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِمَا ، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ .
وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فِي الْأَغْلَبِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدَ النَّادِرَ بِهِ اعْتِرَافٌ بِالْإِيرَادِ ، عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعْلِيقِ بِمِثْلِ مَجِيءِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ نَادِرًا غَيْرُ صَحِيحٌ .
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا هُوَ حَاصِلُ الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ فِي الْحَالِ كَالْوِرَاثَةِ .
وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى عِبَارَتِهِ إلَّا بِعِنَايَةٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ : أَيْ الْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ خِلَافَةٌ كَالْوِرَاثَةِ حَتَّى مُنِعَتْ مِنْ لُحُوقِ الرُّجُوعِ عَنْهَا .
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ اسْتِخْلَافٌ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ أَعْتِقُوهُ ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا فَرْقٌ بِعَيْنِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَتْ تَدْبِيرًا كَانَتْ خِلَافَةً تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمُوصَى بِهِ وَعَدَمَ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهُ كَأَعْتِقُوا هَذَا الْعَبْدَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَجَازَ بَيْعُهُ ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَبِالصِّيغَةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ تُبْدِيَ خُصُوصِيَّةً فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ تَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَلَيْسَ هُنَا إلَّا كَوْنُ الْعَبْدِ خُوطِبَ بِهِ أَوْ كَوْنُ الْعِتْقِ عُلِّقَ صَرِيحًا بِالْمَوْتِ أَوْ أُضِيفَ ، وَكَوْنُ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ اللُّزُومِ ، وَعَدَمُ جَوَازِ الرُّجُوعِ مَمْنُوعٌ ، فَأُلْحِقَ أَنَّ

الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا هُوَ بِالسَّمْعِ الْمُتَقَدِّمِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مُعَارَضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ لَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ بَيَانُ حِكْمَةِ الشَّرْعِ لِذَلِكَ .

قَالَ : ( وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَطِئَهَا وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ثَابِتٌ لَهُ وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ .

( فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ) لِمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ ؛ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ) لِمَا رَوَيْنَا أَوَّلَ الْبَابِ ، وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَنَفَاذُهَا مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ لِلْوَرَثَةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَسْتَغْرِقُ رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ يَسْعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فَكَيْفَ بِالْوَصِيَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيُرَدُّ قِيمَتُهُ .

( وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ) وَعَلَى ذَلِكَ نُقِلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

( قَوْلُهُ : وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ) فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِ وَالْمُرَادُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ الْمُطْلَقُ ، أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ النُّسَخِ ، وَفِي بَعْضِهَا : وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مُدَبَّرٌ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ لَا أَبَاهُ ، فَإِنَّ زَوْجَةَ الْمُدَبَّرِ لَوْ كَانَتْ حُرَّةٌ كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا ، أَوْ أَمَةً فَوَلَدُهَا عَبْدٌ سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا عَبْدًا مُدَبَّرًا أَوْ لَا ، ثُمَّ الْمُرَادُ الْوَلَدُ الَّذِي كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَوْ الْوَلَدُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ، أَمَّا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ قَبْلَهُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِهَا .
أَمَّا الَّذِي كَانَ حَمْلًا فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَتْ ، بِهِ بَعْدَهُ فَفِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَشُرَيْحٍ وَمَسْرُوقٍ وَالثَّوْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ : يَعْنِي الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافٌ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ سَرَيَانَ التَّدْبِيرِ إلَى الْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إشْكَالٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيِّ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا فَقَالَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَقَالَتْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقَّ الْعِتْقِ لِوَلَدِهَا ، وَلَوْ ادَّعَتْهُ لِنَفْسِهَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَلِوَلَدِهَا كَذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهَا لِإِثْبَاتِهَا زِيَادَةَ حَقِّ الْعِتْقِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ

الْمَوْلَى يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَهُوَ مَا ادَّعَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي التَّدْبِيرِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا دَبَّرَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَعِتْقِهِ وَحْدَهُ ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُدَبَّرًا وَإِلَّا لَا ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا حَمْلَهَا وَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَتَضْمِينِ الْمُدَبِّرِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى السِّعَايَةِ ، وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا بِأَنْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَقَالَ الْآخَرُ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ كَلَامِ الْأَوَّلِ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ دَبَّرَ الْأَوَّلُ فَتَدَبَّرَ نَصِيبُهُ بِتَدْبِيرِهِ وَتَدْبِيرُ نَصِيبِ الْآخَرِ بِتَدْبِيرِ أُمِّهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْأَوَّلِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ تَدْبِيرِ الْأُمِّ فَالْوَلَدُ كُلُّهُ مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّدْبِيرِ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ ، وَفِي هَذَا لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ فَكَانَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَنِصْفُهَا مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَلِلْآخَرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فَتَعْتِقُ الْأُمُّ بِضَمَانٍ وَالْوَلَدُ الْمُدَبَّرُ بِلَا ضَمَانٍ ؛ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حِينِ دُبِّرَ ، وَعُلُوقُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الشَّرِيكِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهَا فِي مُدَّةٍ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ إلَّا تَضْمِينُ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَكَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ، وَلِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ

الْمُسْتَسْعَاةِ حِينَ ثَبَتَ لَهَا حَقٌّ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ تَكُونُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا ، وَإِذَا دَبَّرَ مَا فِي بَطْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا وَلَا يُمْهِرَهَا .
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْأَصْلِ : إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا .
وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّهُ إذَا دَبَّرَ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ هِبَتُهَا ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا فِي الْبَطْنِ ، فَلَوْ وَهَبَ الْأُمَّ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، وَأَمَّا بَعْدَ عِتْقِهِ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَتَّصِلْ الْمَوْهُوبُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا ابْنُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَهَا .
وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ بِيَوْمٍ فَهُمَا مُدَبَّرَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ وَتَيَقَّنَّا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا حَالَ التَّدْبِيرِ فِي الْبَطْنِ ، وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ كَاتَبَهَا جَازَ ، وَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَ هَذَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْوَلَدِ صَحِيحًا لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْأُمِّ ، فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَا جَمِيعًا ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَ الْوَلَدُ بِالتَّدْبِيرِ ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ الْمَوْلَى فَعَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْوَلَدُ بِالْخِيَارِ فِي اخْتِيَارِهِ الْحُرِّيَّةَ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَيَخْتَارُ الْأَنْفَعَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حَصَلَ .
وَلَوْ قَالَ

لِأَمَتِهِ وَلَدُك الَّذِي فِي بَطْنِك وَلَدُ مُدَبَّرَةٍ أَوْ وَلَدُ حُرَّةٍ وَلَا يُرِيدُ بِهِ عِتْقًا لَمْ تَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ بِتَحْقِيقٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ الْحُرَّةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ .

( وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِتَرَدُّدٍ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ( فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ ) مَعْنَاهُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ؛ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ إلَى سَنَةٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مَرَضِ كَذَا أَوْ قُتِلْت أَوْ غَرِقْت فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَمْ تَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ هَلْ تَقَعُ أَوْ لَا ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ ، وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ .
ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُكْمُ التَّدْبِيرِ لَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ؛ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ فَإِذْ ذَاكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَلْ لَا يُمْكِنُ ، فَأَمَّا مَا قِيلَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا فَجَازَ بَيْعُهُ ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ رَجَعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ قَدْ انْعَدَمَ .
وَاسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَمَضَى شَهْرٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ يَعْتِقُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى مَعَ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِالشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا سَمَّى فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ بِالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى غَدٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِلْحَالِ فَكَذَا هُنَا .
وَلَوْ قَالَ إذَا مِتَّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ هُوَ مُدَبَّرٌ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ حَتَّى يَعْتِقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ ، وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ ، وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ .
وَقَوْلُ

زُفَرَ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمَعْنَى بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِ الْكَائِنِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُطْلَقُ الْمَوْتِ كَيْفَمَا كَانَ .
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : إذَا قَالَ إذَا مِتَّ وَغُسِّلْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ ، ثُمَّ إذَا مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ غُسِّلَ مَا لَمْ يُعْتِقُوهُ ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِهِمْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ الدَّارَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ الْمُقَيَّدِ ) أَيْ وَمِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ ( أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ ) فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ عَتَقَ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ لَمْ يَعْتِقْ ، وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ فَيَصِيرُ حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَشْرِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ وَمِنْهُ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَوْ بِيَوْمٍ فَإِنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى مَلَكَ بَيْعَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ .
قُلْنَا : لَمْ يُوجَدْ تَعَلُّقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ شَهْرٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا

فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ ) فَيَكُونُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ قَاضِي خَانَ : عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّعْيِينِ ، وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ ذِكْرُ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ غَالِبًا تَأْبِيدٌ مَعْنًى ، وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ لَوْ سَمَّيَا مُدَّةٌ لَا يَعِيشَانِ إلَيْهَا غَالِبًا صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَ الْحَسَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَأْيِيدٌ مَعْنًى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَوْقِيتٌ فَلَا يَصِحُّ ، وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ .
[ فُرُوعٌ ] .
كَاتَبَ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ بِالْعِتْقِ الْحَاصِلِ عَنْ التَّدْبِيرِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : سَقَطَ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمَّا عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ ، فَكَذَا إذَا سَبَقَ التَّدْبِيرُ الْكِتَابَةَ .
وَلَا مَعْنًى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى جَمِيعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ تُرَدُّ عَلَيْهِ

الْكِتَابَةُ لَمَّا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ كَاسْتِحْقَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ جَمِيعَهَا بِالِاسْتِيلَادِ .
وَلَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ صَحَّ وَوَجَبَ الْمَالُ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ وُرُودَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ .
وَلَهُمَا طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابِلَتِهِ .
وَعُرِفَ أَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ فَيَكُونُ الْبَدَلُ بِمُقَابِلِهِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ كَانَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا بِإِزَاءِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ ، فَأَمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّدْبِيرِ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَهُ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ هُنَاكَ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِشَيْءٍ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ .
وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَتِهِ لَهُ وَهِيَ عَيْنٌ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ لَا تَنْفُذُ مِنْ مَالٍ آخَرَ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ قُتِلَ لَا تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا ثَمَنِهِ مِنْ مَالِ الْمُوصِي ، وَفِي إسْقَاطِ بَعْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ذَلِكَ فَامْتَنَعَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ؛

لِأَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ التَّدْبِيرِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ ، إمَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ إنْ أَدَّى ، أَوْ مَالُ رَقَبَتِهِ إنْ عَجَزَ فَيَكُونُ مُوصِيًا لَهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ فَلِهَذَا يُنَفَّذُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجِهَةِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ وَقَدْ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ ، وَالْمَالُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَقَلُّ الْمَالَيْنِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَهَا سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَتَخَيَّرُ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ .
وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي أَقَلِّهِمَا عَيْنًا .
وَلَوْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا فَيَبْقَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِبَقَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى عَنْهُ شَيْئًا إنَّمَا أَدَّى عَنْ الْأُمِّ ، فَإِنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا ؛ وَلِأَنَّ كَسْبَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَيَّةً كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ مَنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا أَدَاءٌ مِنْ مَالِ الْأُمِّ ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ مُدَبَّرَيْنِ جَمِيعًا وَكُلٌّ كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَا وَتَرَكَ أَحَدُهُمَا وَلَدًا وُلِدَ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78