كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

الْكُفَّارِ غَلَطًا وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ النَّاسِ سَاهِيًا مِمَّا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَكَيْفَ وَهُوَ كُفْرٌ ، وَقَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْسَعُ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْإِعْرَابَ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ ، وَيَتَّصِلُ بِهَذَا تَخْفِيفُ الْمُشَدَّدِ ، عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ ، فَلِذَا قَالَ كَثِيرٌ بِالْفَسَادِ فِي تَخْفِيفِ { رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَ { إيَّاكَ نَعْبُدُ } لِأَنَّ مَعْنَى إيَا مُخَفَّفًا الشَّمْسُ ، وَالْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي إيَّا الْمُشَدَّدَةِ نَقَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي النُّحَاةِ ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا أَفْسَدُوهَا بِمَدِّ هَمْزَةِ أَكْبَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا الْحُرُوفُ فَإِذَا وَضَعَ حَرْفًا مَكَانَ غَيْرِهِ فَإِمَّا خَطَأً وَإِمَّا عَجْزًا ، فَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ : إنَّ الْمُسْلِمُونَ ، لَا تَفْسُدُ ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ : قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَالتَّيَّابِينَ ، وَالْحَيُّ الْقَيَّامُ عِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْقُرْآنِ ، فَلَوْ قَرَأَ أَصْحَابُ الشَّعِيرِ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا ، فَالْعِبْرَةُ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وُجُودُ الْمِثْلِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْعِرَاقِيُّ مِنْ عُسْرِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَعَدَمِهِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ وَثُبُوتِهِ وَلَا قُرْبَ الْمَخَارِجِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ .
وَحَاصِلُ هَذَا إنْ كَانَ الْفَصْلُ بِلَا مَشَقَّةٍ كَالطَّاءِ مَعَ الصَّادِ فَقَرَأَ الطَّالِحَاتِ مَكَانَ الصَّالِحَاتِ تَفْسُدُ ، وَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ

وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ وَالطَّاءِ مَعَ التَّاءِ قِيلَ تَفْسُدُ ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا تَفْسُدُ ، هَذَا عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ لَمْ تَنْضَبِطْ فُرُوعُهُمْ فَأَوْرَدَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي لِلْمُتَأَمِّلِ ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْإِقَامَةُ عَجْزًا كَالْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِالْهَاءِ فِيهَا ، أَعُوذُ بِالْمُهْمَلَةِ ، الصَّمَدُ بِالسِّينِ إنْ كَانَ يَجْهَدُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي تَصْحِيحِهِ وَلَا يَقْدِرُ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ، وَلَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ فَفَاسِدَةٌ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي بَاقِي عُمْرِهِ ، وَأَمَّا الْأَلْثَغُ الَّذِي يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ مَكَانَ اللَّامِ الْيَاءَ وَنَحْوَهُ لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ إنَّ بَدَلَ الْكَلَامِ فَسَدَتْ ، أَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يُؤْجَرُ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّخِذَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَفْعَلُ وَإِلَّا يَسْكُتُ .
وَعَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ إنْ بَذَلَ جَهْدَهُ لَا تَفْسُدُ ، وَبِهِ أَخَذَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ إنْ أَمْكَنَهُ آيَاتٌ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُهَا إلَّا الْفَاتِحَةَ ، وَلَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَكَذَا الْفَأْفَاءُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْكَلِمَةِ إلَّا بِتَكْرِيرِ الْفَاءِ ، وَالتَّمْتَامُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدِيرَهَا فِي صَدْرِهِ كَثِيرًا ، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ حَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ ، ثُمَّ الْأَلْثَغُ إذَا وَجَدَ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ فَقَرَأَ مَا هِيَ فِيهِ فِيهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَتْ ، وَهَلْ يَجُوزُ بِلَا قِرَاءَةٍ ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَرَأَ بِمَا فِيهَا مَعَ وُجُودِ مَا لَيْسَ فِيهَا فِيمَا إذَا لَمْ يُبَدِّلْ ، أَمَّا إذَا بَدَّلَ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَكَذَا فِي الْجَوَازِ

بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ عَدَمَ الْوُجُودِ مَعَ الْعَجْزِ أَمَّا مَعَهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِلْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ قَوْسَرَةٍ فِي قَسْوَرَةٍ فَسَدَتْ ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ .
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ فَكُّ الْمُدْغَمِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ : وَانْهَا عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَلِفِ ، وَرَادَدُوهُ إلَيْكَ ، لَا تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ غَيَّرَ نَحْوَ زَرَابِيبُ مَكَانُ زَرَابِيُّ ، وَالْقُرْآنُ الْحَكِيمُ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ، وَإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى بِالْوَاوِ تَفْسُدُ ، وَكَذَا النُّقْصَانُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ نَحْوُ جَاءَهُمْ مَكَانُ جَاءَتْهُمْ وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ ، وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِلَا وَاوٍ ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَذْفُ الْحَرْفِ مِنْ كَلِمَةٍ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ حَذَفَ حَرْفًا أَصْلِيًّا مِنْ كَلِمَةٍ وَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى تَفْسُدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ نَحْوُ رَزَقْنَاهُمْ بِلَا رَاءٍ أَوْ زَايٍ أَوْ خَلَقْنَا بِغَيْرِ خَاءٍ أَوْ جَعَلْنَا بِلَا جِيمٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الْمِثْلِ نَحْوُ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَالَ : قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَقْرُوءَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ ثُلَاثِيَّةً فَحَذَفَ حَرْفًا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ أَوْسَطِهَا نَحْوُ رَبِيًّا أَوْ عَرِيًّا فِي عَرَبِيًّا تَفْسُدُ ، إمَّا لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى أَوْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَغْوًا ، وَكَذَا حَذْفُ بَاءِ ضَرَبَ اللَّهُ فَإِنْ كَانَ تَرْخِيمًا لَا تَفْسُدُ وَشَرْطُهُ النِّدَاءُ وَالْعَلَمِيَّةُ وَأَنْ يَكُونَ رُبَاعِيًّا أَوْ خُمَاسِيًّا نَحْوُ وَقَالُوا يَا مَالُ فِي مَالِكُ .
وَأَمَّا الْكَلِمَةُ مَكَانُ الْكَلِمَةِ فَإِنْ تَقَارَبَا مَعْنًى وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَالْحَكِيمِ مَكَانَ الْعَلِيمِ لَمْ تَفْسُدْ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ لَمْ

يُوجَدْ الْمِثْلُ كَالْفَاجِرِ مَكَانِ الْأَثِيمِ وَأَيَاهُ مَكَانُ أَوَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ ، فَلَوْ لَمْ يَتَقَارَبَا وَلَا مِثْلَ لَهُ فَسَدَ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مِمَّا اعْتِقَادُهُ كُفْرٌ كَغَافِلِينَ فِي { إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَلَى قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ابْنُ مُقَاتِلٍ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَفْسُدُ .
وَلَوْ قَرَأَ " الْغُبَارِ " مَكَانَ " الْغُرَابِ " ، " فَاخْشَوْهُمْ وَلَا تَخْشَوْنِ " ، أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا نَعَمْ ؛ تَفْسُدُ ، مَا تَخْلُقُونَ مَكَانَ تُمْنُونَ الْأَظْهَرُ الْفَسَادُ ، وَذُقْ إنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مَكَانَ الْكَرِيمِ الْمُخْتَارُ الْفَسَادُ ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي زَعْمِك .
وَلَوْ قَرَأَ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَعَ أَنَّهُ قَرَأَ مَا بَعْدَهَا وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ مَكَانَ قَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ تَفْسُدُ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ فِي سَقَرَ ، وَالنَّازِعَاتِ نَزْعًا ، إنَّا مُرْسِلُو الْجَمَلِ وَالْكَلْبِ وَالْبِغَالِ لَا تَفْسُدُ ، وَشُرَكَاءُ مَكَانَ " شُفَعَاءُ " تَفْسُدُ .
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَمَنْ وَضَعَ كَلِمَةً مَكَانَ أُخْرَى كَأَنْ يَنْسُبَ بِالْبُنُوَّةِ إلَى غَيْرِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ مُوسَى بْنُ لُقْمَانَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَرْيَمَ ابْنَةِ غَيْلَانَ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَجُزْ نِسْبَتُهُ فَنَسَبَهُ تَفْسُدُ كَعِيسَى بْنِ لُقْمَانَ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ كُفْرٌ إذَا تَعَمَّدَ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : إذْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ كَلِمَةً فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ شَطْرُ كَلِمَةٍ فَرَجَعَ وَقَرَأَ الْأُولَى أَوْ رَكَعَ وَلَمْ يُتِمَّهَا إنْ كَانَ شَطْرُ كَلِمَةٍ لَوْ أَتَمَّهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا

تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَتَمَّهَا تَفْسُدُ تَفْسُدُ ، وَلِلشَّطْرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى .
وَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ لَمْ يَفْسُدْ نَحْوُ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا عِنَبًا وَحَبًّا ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَ نَحْوُ الْيُسْرِ مَكَانَ الْعُسْرِ وَعَكْسِهِ ، وَيُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فِي الْكَلِمَةِ مَكَانَ الْكَلِمَةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : لَوْ قَرَأَ لَتَفُرُّنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَسْأَلُونَ ، لَا تَفْسُدُ ، وَإِذْ الْإِعْنَاقِ فِي أَغْلَالِهِمْ لَا تَفْسُدُ .
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ وَهِيَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ : وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَبِرًّا إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا عَلِيمًا لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِمْ ، وَإِنْ غَيَّرَتْ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ نَحْوُ وَعَمِلَ صَالِحًا أَوْ كَفَرَ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ، أَوْ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ نَحْوُ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ وَعَصَّيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا ؛ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَهُ كَفَرَ ، فَإِذَا أَخْطَأَ فِيهِ أَفْسَدَ ، فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ وَلَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَتُفَّاحٌ وَرُمَّانٌ لَا تَفْسُدُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ .
وَلَوْ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ .
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : رَأَيْت فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا تَفْسُدُ .
وَمِنْ الزِّيَادَةِ الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ لِأَنَّ حَاصِلَهَا إشْبَاعُ الْحَرَكَاتِ لِمُرَاعَاةِ النَّغَمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَهَا فِي بَابِ الْأَذَانِ أَوْ زِيَادَةِ الْهَمَزَاتِ كَآ فَإِذَا فَحَشَ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَتُعْرَفُ فِي زِيَادَةِ الْحَرْفِ ، وَلَوْ بَنَى بَعْضَ آيَةٍ عَلَى أُخْرَى إنْ لَمْ يُغَيِّرْ نَحْوُ { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } { فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى } مَكَانَ { كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا } لَا تَفْسُدُ ، وَإِنْ غَيَّرَ فَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا تَامًّا بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَرَأَ { إنَّ الَّذِينَ

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ { أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } .
وَإِنْ وَصَلَ تَفْسُدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَحِينَئِذٍ هَذَا مُقَيَّدٌ لِمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُ بِالنَّارِ أَوْ بِالْقَلْبِ تَفْسُدُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الْمُتَوَارَثُ ) يَعْنِي أَنَّا أَخَذْنَا عَمَّنْ يَلِينَا الصَّلَاةَ هَكَذَا فِعْلًا وَهُمْ عَمَّنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ ، وَهَكَذَا إلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُمْ بِالضَّرُورَةِ أَخَذُوهُ عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ نَصٌّ مُعَيَّنٌ ، هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ يَتَضَمَّنُ مِنْ الْبَدِيعِ النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِحُسْنِ التَّعْلِيلِ كَمَا قِيلَ : فَدَتْك نُفُوسُ الْحَاسِدِينَ فَإِنَّهَا مُعَذَّبَةٌ فِي حَضْرَةٍ وَمَغِيبِ وَفِي تَعَبِ مَنْ يَحْسُدُ الشَّمْسَ ضَوْءَهَا وَيَجْهَدُ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِضَرِيبِ فَإِنَّ قَوْلَهُ جَهَرَ تَتَوَجَّهُ النَّفْسُ إلَى طَلَبِ عِلَّتِهِ مِنْ أَنَّهُ أَيُّ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ فَقَالَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لِإِفَادَتِهِ ، وَذَلِكَ قَدْ يَخْفَى صَرَّحَ بِالتَّعْلِيلِ بِأَدَاتِهِ بِلَازِمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حُسْنِ التَّعْلِيلِ ، وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ حَيْثُ قَالَ : وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ إسْمَاعُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِجَهْرٍ ، أَوْ أَنَّ كَوْنَ هَذَا جَهْرًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الرِّوَايَاتِ ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ إرَادَةَ هَذَا الْمَفْهُومِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي النِّهَايَةِ ، أَوْ أَنَّ إرَادَتَهُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَالتَّعْرِيفُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ .
وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا اعْتَبَرَ هَذَا الْمَفْهُومَ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدَهُ : وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ : إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ فَانْظُرْ كَلَامَهُ بَعْدُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى رَأْيِهِ الثَّانِي

( وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ } أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ ، وَفِي عَرَفَةَ خِلَافُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ
( قَوْلُهُ { صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ } ) غَرِيبٌ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَخْبَرَةَ قُلْنَا لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ : { هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ ؟ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ } وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ الْخُدْرِيِّ : { حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ أَلَمْ السَّجْدَةَ ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ } الْحَدِيثَ .
وَعَنْهُ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً } الْحَدِيثَ ( قَوْلُهُ أَيْ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ ) قِيلَ فَسَّرَ بِهِ لِيُخَالِفَ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ { وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا } فَيَكُونُ دَافِعًا لِذَلِكَ

( وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ) لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِالْجَهْرِ ، وَفِي التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ يُخَافِتُ وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَمِّلٌ لَهُ فَيَكُونُ تَبَعًا

( قَوْلُهُ لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ ) طَرِيقُ تَقْرِيرِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَمَنْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ { سَأَلَنِي عُمَرُ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ ؟ فَقَالَ : كَانَ يَقْرَأُ بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ } أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا } وَفِي النَّسَائِيّ { كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ } وَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ قَالَ { كُنَّا بِالطَّائِفِ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : إنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } فَالْإِخْبَارُ بِقِرَاءَةِ خُصُوصِ سُورَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كَانَ جَهْرًا ( قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ ) هُوَ الْمُفِيدُ لِتَعَيُّنِ الْمُخَافَتَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ قَوْلُهُ وَيُخْفِيهَا الْإِمَامُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُعْطَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ كَمَا قَالَ عِصَامٌ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ فِيهِمَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ ، وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْمُخَافَتَةِ .
وَبَعْدَ هَذَا فَفِيمَا دَفَعَ بِهِ فِي شَرْحِ

الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ، إذْ لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ ، لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السُّجُودِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ ، فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ .

( مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ ) كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ ( وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ هُوَ الصَّحِيحُ ) لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا

( قَوْلُهُ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ { عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ ، فَحَرَسَهُمْ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا } .
وَهَذَا مُرْسَلٌ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ يُعْتَضَدُ بِهِ حَمْلُ مَا فِي مُسْلِمٍ { خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ ، إلَى أَنْ قَالَ : فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ ، قَالَ : فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ : ارْكَبُوا فَرَكِبْنَا وَسِرْنَا حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ ، إلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ } عَلَى مَا يَعُمُّ الْجَهْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ كَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ : يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَهْرَ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَنْتَفِي بِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ

الشَّرْعِ كَوْنُ الْجَهْرِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ تَخْيِيرًا فِي الْوَقْتِ وَحَتْمًا عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا ، وَلَوْلَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَقُلْنَا بِتَقَيُّدِهِ بِالْوَقْتِ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ مَعْدُومٌ فَبَقِيَ الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الِانْتِفَاءِ الْأَصْلِيِّ ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شَرْعِيَّةُ الْإِخْفَاءِ ، وَالْجَهْرُ يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ آخَرُ فَعِنْدَ فَقْدِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَشَرَعَ الْكُفَّارُ يُغَلِّطُونَهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ } فَأَخْفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا نَائِمِينَ وَبِالطَّعَامِ مَشْغُولِينَ } فَاسْتَقَرَّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ الْجَهْرُ ، وَالْإِخْفَاءُ يُعَارَضُ ، وَأَيْضًا نَفْيُ الْمُدْرَكِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَدَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِمَا الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ ، وَقَدْ سَنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِهِمَا ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ .
وَقَدْ رُوِيَ { مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ } ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ

( وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ .
وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ ، فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ، ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( وَيَجْهَرُ بِهِمَا ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ ، وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى ، ثُمَّ الْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ ، وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ .
وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا .
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

( قَوْلُهُ لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يَقْضِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إعَادَةُ مَا لَمْ يَسْبِقْ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ ) مِثْلُ هَذَا الْوَضْعِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ لَهُمَا : يَعْنِي مِنْ الدَّلَائِلِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ، وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَلْحَقُهَا بِالشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُو عَنْهَا الثَّانِي حُكْمًا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا ، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّهَا فَتَقَعُ قِرَاءَتُهَا أَدَاءً لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْمَحَلِّيَّةِ ، وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ .
وَقَدْ يُقَالُ كَذَلِكَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فَإِنْ كَانَ إيقَاعُهَا فِيهِ يُخَلِّيهِ عَنْهَا حُكْمًا لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ثَانِيًا لِلْقَضَاءِ يَجِبُ أَنْ تَلْتَحِقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَيَخْلُوَ الثَّانِي عَنْ تَكْرَارِهَا حُكْمًا ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ الْمُتَحَقِّقُ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَزِمَ كَوْنُهَا قَضَاءً ، وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ ، وَعَكْسُهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : يَقْضِيهِمَا ، ثُمَّ كَيْفَ يُرَتِّبُهُمَا ؟ فَقِيلَ يُقَدِّمُ السُّورَةَ ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ ، إذْ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمَعْهُودِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ) وَهُوَ لَفْظُ الْخَبَرِ وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ فَلَمْ تَكُنْ مُرَاعَاتُهَا مِنْ كُلِّ

وَجْهٍ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا وَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا لِأَنَّ الْجَمْعَ شَنِيعٌ ، وَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَلَيْسَتْ تَبَعًا لِلسُّورَةِ ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ مُرَاعَاةً لِصِفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا يَكُونُ جَمْعًا تَقْدِيرًا لِلِالْتِحَاقِ بِمَحَلِّهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ ، وَصَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ ( قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ) حَيْثُ قَالَ : إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ فَجَعَلَ إسْمَاعَهُ نَفْسَهُ جَهْرًا يُقَابِلُهُ الْمُخَافَتَةُ فَتَكُونُ هِيَ دُونَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ حِينَئِذٍ إلَّا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ اعْتِبَارًا لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ إبْدَاءِ حُسْنِ التَّعْلِيلِ وَالْمُرَادُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ .
فِي الْمُحِيطِ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيُّ أَصَحُّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ اللِّسَانِ لَكِنَّ فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ بِالْحُرُوفِ وَالْحَرْفُ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِلصَّوْتِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ النَّفَسُ الْمَعْرُوضُ بِالْقَرْعِ ، فَالْحَرْفُ عَارِضٌ لِلصَّوْتِ لَا لِلنَّفْسِ ، فَمُجَرَّدُ تَصْحِيحِهَا بِلَا صَوْتٍ إيمَاءٌ إلَى الْحُرُوفِ بِعَضَلَاتِ الْمَخَارِجِ لَا حُرُوفَ فَلَا كَلَامَ .
بَقِيَ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَ فِي مَفْهُومِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَصِلَ إلَى السَّمْعِ ، بَلْ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ سَمَاعِهِ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ .
( قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ ) كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِتِلَاوَتِهِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : وَكَذَا الْإِيلَاءُ

وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ الْمُشْتَرِي

( وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ فَأَشْبَة قِرَاءَةَ مَا دُونَ الْآيَةِ .
وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ

( قَوْلُهُ وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ إلَخْ ) الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهٌ ، فَالْفَرْضُ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةٍ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَصْدَ خِطَابِ أَحَدٍ وَنَحْوِهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ آيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا .
وَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ : يَعْنِي فِي غَيْرِ الْأُخْرَيَيْنِ وَالْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْمَسْنُونَةِ إمَّا فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ ، وَيُعْلَمُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْمَكْرُوهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ مَكْرُوهٌ .
وَفِي الْمُجْتَبَى : مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً طَوِيلَةً لَا يَكُونُ إتْيَانًا بِالْوَاجِبِ .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِيمَا لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ قِيلَ لَا يَجُوزُ ، وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا ، وَكَذَا إذَا أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْكِلٌ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرٌ لِلْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ .
وَجْهُ الْقِيلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ } يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ فَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ ، وَمَعْنَى قِسْمِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُجْعَلَ الْفَرْضُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى مِائَةٍ .
وَمِمَّا يُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ عِنْدَهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً هِيَ كَلِمَاتٌ أَوْ

كَلِمَتَانِ نَحْو { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } أَوْ { ثُمَّ نَظَرَ } جَازَتْ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ كَلِمَةٌ اسْمًا أَوْ حَرْفًا نَحْوُ : مُدْهَامَّتَانِ ص ق ن فَإِنَّ هَذِهِ آيَاتٌ عِنْدَ بَعْضِ الْقُرَّاءِ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ ، بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ ، وَالْمَقْرُوءُ هُوَ الِاسْمُ صَادٌ كَلِمَةٌ ، فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُدَايَنَةِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْآيَةِ ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ قِصَارٍ ، وَتَعْيِينُ الْآيَةِ لِيَصِيرَ قَارِئًا عُرْفًا وَهُوَ بِذَلِكَ كَذَلِكَ ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَثَابِتَةٌ مَا لَمْ يَقْرَأْ الْوَاجِبَ إلَّا فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً مِرَارًا حَتَّى بَلَغَ قَدْرَ آيَةٍ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ الْمَذْكُورِ عُرْفًا ( قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ) فَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْجَوَازَ بِدُونِ الْآيَةِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ : الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَإِنَّهُ قَالَ : اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ ، وَلِأَنَّ مَا يَتَنَاوَلُ اسْمَ الْوَاجِبِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ مِنْهُ : أَيْ مِنْ النَّصِّ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فِي الْمَاهِيَّةِ : وَلَا يُجْزَمُ بِكَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا بِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِيَقِينٍ إذْ لَمْ يُجْزَمْ بِكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ فَلَمْ تَبْرَأْ بِهِ الذِّمَّةُ

خُصُوصًا وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ ، بِخِلَافِ الْآيَةِ إذْ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ : أَيْ مَعْنَى مَا دُونَ الْآيَةِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ قَارِئًا بِهَا ، فَمَبْنَى الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ } وَأَمَّا مَبْنَى الْخِلَافِ فَقِيلَ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ .
وَعِنْدَهُمَا بِالْقَلْبِ مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ تُسْتَعْمَلُ ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ مُنِعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا ، وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ : أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا عُرْفًا ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ .
قَالَا : لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ .
نَعَمْ ذَاكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ .
وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطٌ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ { لَمْ يَلِدْ } { ثُمَّ نَظَرَ } لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً ، فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا

( وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ } وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى ، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ

( قَوْله لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ } ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ { كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لِي : يَا عُقْبَةُ أَلَا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا ؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، قَالَ : فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا ، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلَاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ } وَفِيهِ الْقَاسِمُ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَمِنْ الْقُرْآنِ هُمَا ؟ فَأَمَّنَا بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ } وَصَحَّحَهُ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَسَنٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّفَرَ إلَخْ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ حَيْثُ قَالَ : قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ وَهِيَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا انْتَهَى : يَعْنِي الضَّرُورَةَ أَثَّرَتْ هَذَا التَّخْفِيفَ فَلَا تُؤَثِّرُ تَخْفِيفُ نَجَاسَتِهَا ثَانِيًا .
وَأَجَابَ بِأَنَّ كُلًّا فِي مَحَزِّهِ لِأَنَّ سُقُوطَ شَطْرِ الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ فِي الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً لَا ثَانِيًا .
وَالْحَقُّ أَنْ لَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ لِيَتَكَلَّفَ الْجَوَابَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ سُقُوطَ الشَّطْرِ مِنْ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ لِلضَّرُورَةِ : يَعْنِي لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَزِمَ الشَّطْرُ فِي السَّفَرِ لَزِمَ الْحَرَجُ سَقَطَ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا ، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً

لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهِ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ : قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ إلَخْ .
وَحَاصِلُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ : أَيْ نَعَمْ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَكِنْ مَحَلُّهَا النِّعَالُ ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ أَثَّرَتْ حَتَّى طَهُرَتْ بِالدَّلْكِ فَانْدَفَعَتْ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تَخْفِيفِ نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَخْذِ الضَّرُورَةِ تَمَامَ مُقْتَضَاهَا دُونَ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ .
أَمَّا هُنَا فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ كَمَا دَعَتْ إلَى السُّقُوطِ ، فَمَجْمُوعُ السُّقُوطِ وَالتَّخْفِيفِ مُقْتَضَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِهَا إيَّاهُ

( وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ .
وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ مِائَةً وَبِالْكَسَالَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ مَا بَيْنَ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ ، وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِي وَقِصَرِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ وَقِلَّتِهَا .
قَالَ ( وَفِي الظُّهْرِ مِثْلَ ذَلِكَ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ دُونَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ فَيَنْقُصُ عَنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ ( وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ سَوَاءٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ ، وَفِي الْمَغْرِبِ دُونَ ذَلِكَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ وَالتَّخْفِيفُ أَلْيَقُ بِهَا .
وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ ، وَقَدْ يَقَعَانِ بِالتَّطْوِيلِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ

( قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ ، إلَى قَوْلِهِ : وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ ) الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ .
وَأَمَّا وُرُودُ الْأَثَرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ ق وَنَحْوِهَا } .
وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى مِائَةِ آيَةٍ } وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ .
وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { إنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَؤُمُّنَا فِي الْفَجْرِ بِالصَّافَّاتِ } قَوْلُهُ يَنْظُرُ إلَخْ ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مَحْمَلُ اخْتِلَافِ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ قَاعِدَةً لِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْحَضَرِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانُوا كَسَالَى لِأَنَّ الْكَسَالَى تَحْمِلُهَا .
ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ .
فَقِيلَ سُورَةُ الْقِتَالِ ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا : الْحُجُرَاتُ فَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ ، وَقِيلَ مِنْ ق ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الْجَاثِيَةُ وَهُوَ غَرِيبٌ ، فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الْخِلَافِ إلَى الْبُرُوجِ ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى { لَمْ يَكُنْ } وَالْقِصَارُ الْبَاقِي ؛ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْبَاقِي الْقِصَارُ .
ثُمَّ إذَا رَاعَى اللَّيَالِيَ يَقْرَأُ فِي الشِّتَاءِ مِائَةً ، وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ ، وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ كِتَابُ عُمَرَ ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ : أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ،

وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ ، وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى .
وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ ، غَيْرَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً } الْحَدِيثَ ، فَارْجِعْ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يَقَعَانِ ) أَيْ بَعْدَ تَأْخِيرِهِمَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَيْهِ لَوْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ قَدْ يَقَعُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ ، فَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ

( وَيُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ ) إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ .
قَالَ ( وَرَكْعَتَا الظُّهْرِ سَوَاءٌ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا } وَلَهُمَا أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْقِرَاءَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ ، بِخِلَافِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ

( قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَخْ ) رَوَى الْبُخَارِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ } فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الرَّاوِي ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا قَدْرِهَا ، فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ ، وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ يُعَدُّ إطَالَةً ، لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ ، غَيْرُ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ

( وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا ) بِحَيْثُ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِهَا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا ( وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ ) كَالسَّجْدَةِ وَالْإِنْسَانِ لِفَجْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ لِلْجُمُعَةِ .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي : هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ .
أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا كَرَاهَةَ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ ، وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ .
وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصَّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْضِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِيَ ، لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةِ أُخْرَى ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ ، فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا ، وَلِذَا قَالُوا : السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ .

( وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَاتِحَةِ .
لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَهُوَ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَالِاسْتِمَاعُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا } وَيُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ ( وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ) لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ ، وَالْقِرَاءَةُ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ النَّارِ كُلُّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ ، ( وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } الْآيَةَ ، فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِي عَنْ الْمِنْبَرِ ، وَالْأَحْوَطُ هُوَ السُّكُوتُ إقَامَةً لِفَرْضِ الْإِنْصَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ ، وَكَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ } ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } ) فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقَةِ الْخَصْمِ مُطْلَقًا فَيَخْرُجُ الْمُقْتَدِي ، وَعَلَى طَرِيقَتِنَا يُخَصُّ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ ، وَهُوَ الْمُدْرَكُ فِي الرُّكُوعِ إجْمَاعًا فَجَازَ تَخْصِيصُهُمَا بَعْدَهُ بِالْمُقْتَدِي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ .
وَكَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ } عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِاقْتِدَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، بَلْ يُقَالُ الْقِرَاءَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ الْمُقْتَدِي شَرْعًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ ، فَلَوْ قَرَأَ لَكَانَ لَهُ قِرَاءَتَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، بَقِيَ الشَّأْنُ فِي تَصْحِيحِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ضُعِّفَ ، وَاعْتَرَفَ الْمُضَعِّفُونَ لِرَفْعِهِ مِثْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ عَدِيٍّ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ كَالسُّفْيَانَيْنَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ وَشُعْبَةَ وَإِسْرَائِيلَ وَشَرِيكٍ وَأَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ وَزَائِدَةَ وَزُهَيْرٍ رَوَوْهُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلُوهُ .
وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَرَّةً أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ ، فَنَقُولُ : الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَيَكْفِينَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ عَلَى رَأَيْنَا ، وَعَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ

أَيْضًا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ عَنْ حُجِّيَّتِهِ فَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } .
وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحُفَّاظَ الَّذِينَ عَدُّوهُمْ لَمْ يَرْفَعُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } قَالَ : وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ جَابِرٍ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّهَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَهَؤُلَاءِ سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَجَرِيرٌ وَأَبُو الزُّهَيْرِ رَفَعُوهُ بِالطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فَبَطَلَ عَدُّهُمْ فِيمَنْ لَمْ يَرْفَعْهُ ، وَلَوْ تَفَرَّدَ الثِّقَةُ وَجَبَ قَبُولُهُ لِأَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَكَيْفَ وَلَمْ يَنْفَرِدْ ، وَالثِّقَةُ قَدْ يُسْنِدُ الْحَدِيثَ تَارَةً وَيُرْسِلُهُ أُخْرَى .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَرْجَمَتِهِ ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً وَبِهَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ

الْبَلْخِيّ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ بْنِ الْهَادِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ وَقَالَ : أَتَنْهَانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَتَنَازَعَا حَتَّى ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ هَكَذَا { إنَّ رَجُلًا قَرَأَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَنَهَاهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : أَتَنْهَانِي } الْحَدِيثَ .
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هَذَا ، غَيْرَ أَنَّ جَابِرًا رُوِيَ عَنْهُ مَحَلَّ الْحُكْمِ فَقَطْ تَارَةً وَالْمَجْمُوعَ تَارَةً ، وَيَتَضَمَّنُ رَدَّ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ خَرَجَ تَأْيِيدًا لِنَهْيِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ خُصُوصًا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ لَا إبَاحَةَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا فَيُعَارِضُ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ { مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } أَنَّهُ قَالَ { إنْ كَانَ لَا بُدَّ فَالْفَاتِحَةُ } وَكَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ { كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ ؟ قُلْنَا نَعَمْ هَذَا يَا رَسُولَ

اللَّهِ ، قَالَ : لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا } وَيُقَدَّمُ لِتَقَدُّمِ الْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلِقُوَّةِ السَّنَدِ ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْمَنْعِ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ } أَصَحُّ ، فَبَطَلَ رَدُّ الْمُتَعَصِّبِينَ وَتَضْعِيفُ بَعْضِهِمْ لِمِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَضْيِيقِهِ فِي الرِّوَايَةِ إلَى الْغَايَةِ حَتَّى إنَّهُ شَرَطَ التَّذَكُّرَ لِجَوَازِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خَطُّهُ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحُفَّاظُ هَذَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ صَاحِبَاهُ ، ثُمَّ قَدْ عُضِّدَ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَابِرٍ غَيْرِ هَذِهِ وَإِنْ ضُعِّفَتْ ، وَبِمَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ : إنَّ عَلَيْهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ ، وَإِذْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ } قَالَ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ ، وَرَوَاهُ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَقَالَ : رَفْعُهُ وَهْمٌ ، لَكِنْ إذَا صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِسَمَاعِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ رَفْعُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ ضَعِيفًا .
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ نَجِيحٍ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } وَقَالَ : هَذَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ إلَخْ سَنَدًا وَمَتْنًا .
وَرُوِيَ مِنْ

حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ .
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُقَاسِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالُوا : لَا تَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، قَالَ : أَنْصِتْ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا وَيَكْفِيك الْإِمَامُ : وَرَوَى فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ الْمَدَنِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : وَدِدْت الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي فِيهِ حَجَرٌ .
وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ .
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَقْرَأُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ يَدَيَّ ؟ قَالَ لَا .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : لَا تَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ إنْ جَهَرَ وَلَا إنْ خَافَتَ .
وَأَخْرَجَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ .
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَقَالَ : لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ .
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ : هَذَا يَرْوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَيَكْفِي

فِي بُطْلَانِهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا اخْتَارُوا تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَطْ لَا أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ انْتَهَى .
وَلَيْسَ مَا نَسَبَهُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ بِصَحِيحٍ بَلْ هُمْ يَمْنَعُونَهُ وَهِيَ عِنْدَهُمْ تُكْرَهُ ، وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ .
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ خَلْفَ الْإِمَامِ ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ طَرِيقِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ الْحَرَامَ إلَّا عَلَى مَا حَرَّمْته بِقَطْعِيٍّ .
وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيُّ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْته يَقُولُ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : وَجَبَتْ هَذِهِ فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَكُنْتُ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْهُ فَقَالَ : مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مِنْ كَلَامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ لِيَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ } ثُمَّ يَعْتَدُّ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ عَنْ الْمُقْتَدِي إلَّا لِعِلْمٍ عِنْدَهُ فِيهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَوْلُهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } ) رَوَاهَا مُسْلِمٌ زِيَادَةً فِي حَدِيثِ { إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا } وَقَدْ ضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ طَرِيقِهَا وَثِقَةِ رَاوِيهَا ، وَهَذَا هُوَ الشَّاذُّ الْمَقْبُولُ ، وَمِثْلُ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي حَدِيثِ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ

قِرَاءَةٌ } ( قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ ) تَقْتَضِي هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ فِي دَيْنِ الزَّكَاةِ ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ : وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُكْرَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُكْرَهُ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ .
وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا ، فَإِنَّ عِبَارَاتِهِ فِي كُتُبِهِ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّجَافِي عَنْ خِلَافِهِ ، فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَسْنَدَ إلَى عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ مَا قَرَأَ قَطُّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ ، قَالَ : وَبِهِ نَأْخُذُ لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ يَجْهَرُ فِيهِ أَوْ لَا يَجْهَرُ ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي إسْنَادِ آثَارٍ أُخَرَ ثُمَّ قَالَ : قَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ .
وَفِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ أَنْ رَوَى فِي مَنْعِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ .
قَالَ : قَالَ مُحَمَّدٌ : لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ وَفِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ .
بِذَلِكَ جَاءَتْ عَامَّةُ الْأَخْبَارِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ : تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ ، وَلَيْسَ مُقْتَضَى أَقْوَاهُمَا الْقِرَاءَةَ بَلْ الْمَنْعَ ( قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ ) تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِيمَا أَسْنَدْنَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ ) إنَّ لِلْوَصْلِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ ، قَالَ تَعَالَى { فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَوَعْدُهُ حَتْمٌ وَإِجَابَةُ دُعَاءِ

الْمُتَشَاغِلِ عَنْهُ بِهِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ أَمَّ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ ، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ .
وَفِي النَّفْلِ يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا وَيَتَفَكَّرُ فِي آيَةِ الْمَثَلِ ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ { صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ مِنْ النَّارِ } وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهُ فِي النَّافِلَةِ وَهُمْ صَرَّحُوا بِالْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِالتَّطْوِيلِ عَلَى الْمُقْتَدِي ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَّ مَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ طَلَبُ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ ( قَوْلُهُ بِالنَّصِّ ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ ، لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا .
وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ : الِاسْتِمَاعُ ، وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ ، وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ .
وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } } وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ : سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَحْسِبُهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ : كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ ، قَالَ : إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا .
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاس نِيَامٌ يَأْثَمُ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إطْلَاقِ الْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ .
[ فُرُوعٌ فِي الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ ] يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَسْتَقْبِلَ ، وَكَذَا الْعَالِمُ لِلْعِلْمِ تَعْظِيمًا لَهُ ، وَلَوْ قَرَأَ مُضْطَجِعًا فَلَا بَأْسَ وَيَضُمُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمُ النَّائِمِ ، بِخِلَافِ مَدِّهِمَا فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ ، وَلَوْ قَرَأَ مَاشِيًا أَوْ عِنْدَ النَّسْجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ هِيَ عِنْدَ الْغَزْلِ وَنَحْوِهِ ، إنْ كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا غَيْرَ مُشْتَغِلٍ لَا يُكْرَهُ ، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَفِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ خَمْسَةَ آلَافِ مَرَّةٍ ، هَذَا فِي حَقِّ قَارِئِ الْقُرْآنِ ، وَقِرَاءَتُهَا ثَلَاثًا عِنْدَ الْخَتْمِ خَارِجَ الصَّلَاةِ .
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي اسْتِحْبَابِهِ ، وَاسْتَحْسَنَهُ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ ، وَفِي الْمَكْتُوبَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ ، وَلَا يَقْرَأُ فِي الْمُغْتَسَلِ وَالْمَخْرَجِ وَالْحَمَّامِ وَمَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ ، أَوْ وَامْرَأَتُهُ هُنَاكَ تَغْتَسِلُ مَكْشُوفَةً وَكَذَا الذِّكْرُ .
وَالْمُخْتَارُ فِي الْحَمَّامِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنْ جَهَرَ وَفِيهِ أَحَدٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ ،

وَتَعَلُّمُ بَاقِي الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَتَعَلُّمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَحَبُّ مِنْ تَعَلُّمِهَا مِنْ الْأَعْمَى ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ ) هَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْتَمِعُ ، فَأَمَّا النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ .
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ : يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا ، كَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي حَالِهَا ، وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْ فَقَدْ يُشَوِّشُ بِهَمْهَمَتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي خِلَالِهِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ فِي خِلَالِ الذِّكْرِ الْمَنْظُومِ يُذْهِبُ بَهَاءَهُ ، وَالتَّشْمِيتُ وَرَدُّ السَّلَامِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ السَّلَامَ مَمْنُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الرَّدِّ .
وَعَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّ عَلَى هَذَا ؛ السَّلَامُ عَلَى الْمُدَرِّسِ فِي دَرْسِهِ وَالْقَارِئِ ، وَصَاحِبِ الْوَرْدِ فِي وِرْدِهِ ، وَسَلَامِ الْمُكْدِي لِقَصْدِهِ بِهِ الْمَالَ لَا إفْشَاءَ السَّلَامِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْمُدَرِّسِ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ خَالِصَةٍ فِي عَدَمِ الرَّدِّ فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَلْبِيسِ النَّفْسِ قَصْدَ الْعَظَمَةِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّهُ يَشْتَغِلُ عَنْهَا بِالرَّدِّ ، وَاَللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ .
[ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ فِي الْفَتَاوَى ] الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ أَوْ سُورَةٍ بِتَمَامِهَا ، قَالَ : إنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ أَفْضَلَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا آخِرَ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : إذَا قَرَأَ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ اُخْتُلِفَ

فِيهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَسَطَ السُّورَةِ أَوْ آخِرَ سُورَةٍ فِي الْأُولَى ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَسَطَ سُورَةٍ أَوْ آخِرَ سُورَةٍ أُخْرَى : أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَفِي نُسْخَةِ الْحَلْوَانِيِّ : قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ .
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَالِانْتِقَالُ مِنْ آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ إلَى آيَةٍ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَيْنَهُمَا آيَاتٌ مَكْرُوهٌ ، وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ فِي رَكْعَةٍ ، أَمَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَتَانِ لَا يُكْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ سُورَةٌ قِيلَ يُكْرَهُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ طَوِيلَةً لَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ سُورَتَانِ قَصِيرَتَانِ ، وَإِنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ سُورَةً وَفِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَإِنْ وَقَعَ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِ " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ هَذِهِ السُّورَةَ أَيْضًا .
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ .
أَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا يُكْرَهُ ، وَعِنْدِي فِي الْكُلِّيَّةِ نَظَرٌ { فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى بِلَالًا عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ وَقَالَ لَهُ : إذَا ابْتَدَأْتَ بِسُورَةٍ فَأَتِمَّهَا عَلَى نَحْوِهَا حِينَ سَمِعَهُ يَنْتَقِلُ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ فِي التَّهَجُّدِ } وَلَوْ قَصَدَ سُورَةً وَافْتَتَحَ غَيْرَهَا فَأَرَادَ تَرْكَهَا إلَى الْمَقْصُودِ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ حَرْفًا وَاحِدًا ، وَلَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَرْكَعْ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ ) أَفَادَ وُجُوبَ السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى ، وَرُوِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ

اللَّهُ ، وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتُهُ وَإِلَّا أَشْبَهَ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْإِمَامَةِ ( الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ }

( بَابُ الْإِمَامَةِ ) الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ ، وَمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ جَمَاعَةٌ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ ) لَا يُطَابِقُ دَلِيلَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّعْوَى ، إذْ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ إلَّا لِعُذْرٍ ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ ثُبُوتَهَا بِالسُّنَّةِ .
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَعَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ ، وَقِيلَ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا : إنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ .
وَفِي الْبَدَائِعِ : يَجِبُ عَلَى الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ ، وَإِذَا فَاتَتْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِلْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ ، يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا تَتَبُّعُهَا .
وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ .
اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ جَمَاعَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَإِذَا كَانَ مَسْجِدَانِ يَخْتَارُ أَقْدَمَهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَقْرَبُ ، وَإِنْ صَلَّى فِي الْأَقْرَبِ وَسَمِعَ إقَامَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ وَإِلَّا فَيَذْهَبُ إلَيْهِ ، وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تَفْرِيعٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَقْرَبِ مُطْلَقًا لَا عَلَى مَنْ فَضَّلَ الْجَامِعَ ، فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَفَقِّهًا فَمَجْلِسُ أُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ أَوْ مَجْلِسُ الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ

، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ ، فَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَرَضُ ، وَكَوْنُهُ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ مَفْلُوجًا أَوْ مُسْتَخْفِيًا مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ كَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ أَلَمٌ .
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ : وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ .
فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى ، وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحِيحِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ : لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ : الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ : يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ } وَمَا عَنْ { ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ قَالَ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ .
مَعْنَاهُ : لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا ، لَا الْإِيجَابَ عَلَى الْأَعْمَى { فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي تَرْكِهَا } .
وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ } وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَصْلًا بِدَلِيلِ مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ { لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَةً فَيَجْمَعُوا لِي حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ } فَقِيلَ لِيَزِيدَ هُوَ ابْنُ الْأَصَمِّ : الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا ؟ قَالَ : صُمَّتْ أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا قَالُوا لِيَزِيدَ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا .
قِيلَ هُمَا رِوَايَتَانِ : رِوَايَةٌ فِي الْجُمُعَةِ ، وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا .
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذُكِرَ يَصْلُحُ وَجْهًا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، فَهُوَ دَلِيلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا فِي الْغَايَةِ ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْقَائِلَيْنِ بِالسُّنِّيَّةِ إذْ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا

مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ } ، وَهَذَا لِأَنَّ سُنَنَ الْهُدَى أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ لُغَةً كَصَلَاةِ الْعِيدِ .
وَقَوْلُهُ لَضَلَلْتُمْ يُعْطِي الْوُجُوبَ ظَاهِرًا .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْهُ : لَكَفَرْتُمْ .
وَلَعَلَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهُ بِالْمَعْنَى ، إلَّا أَنَّهُ رَفَعَ قَوْلَهُ { لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ } ، فَأَفَادَ أَنَّهُ وَعِيدٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَعْنِي أَنَّ وَصْفَ النِّفَاقِ يَتَسَبَّبُ عَنْ التَّخَلُّفِ ، لَا إخْبَارٌ أَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ مُنَافِقٍ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَخَلَّفُ كَسَلًا مَعَ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَقِينِ التَّوْحِيدِ وَعَدَمِ النِّفَاقِ .
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ إذْ ذَاكَ عَدَمُ التَّخَلُّفِ إلَّا مِنْ مُنَافِقٍ ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ وَالْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ يُنَادِي إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بِحَسْبِ الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ } وَالتَّثْوِيبُ هُنَا الْإِقَامَةُ ، سَمَّاهَا بِهِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَوْدٌ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِالْأَذَانِ .
أَمَّا التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ تَعْلِيقَ الْوُجُوبِ بِسَمَاعِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُسْنِهِ ، وَيَتَوَقَّفُ الْوَعِيدُ فِي حَدِيثِ التَّحْرِيقِ عَلَى كَوْنِهِ لِتَرْكِ الْحُضُورِ دَائِمًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ { لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ } وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { يُصَلُّونَ فِي

بُيُوتِهِمْ } لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ فِي مِثْلِهِ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ : أَيْ عَادَتُهُمْ ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ لِلْحُضُورِ أَحْيَانًا ، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تُقَرِّبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ مُثْبِتُو السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ سُوقِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا } فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الصِّحَّةِ وَالْفَضِيلَةِ بِلَا جَمَاعَةٍ ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ صِحَّةِ مَا فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ فِي الْجُمْلَةِ بِلَا جَمَاعَةٍ ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ، فَالْمَعْنَى صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا بِلَا جَمَاعَةٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا لِجَوَازِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ تَرْكُهَا مُؤْثِمًا لَا مُفْسِدًا .
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إيجَابُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي جَمْعٍ كَإِيجَابِ فِعْلِهَا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَغْصُوبَةٍ وَزَمَانٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ .
فَإِنْ قُلْت : لِمَ لَمْ تَقُلْ فِي الْجَوَابِ إنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ ، وَعَدَمُ الْوَاجِبِ لَا يُنَافِيهَا ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللُّزُومَ مُلَاحَظٌ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْ الشَّارِعِ ، وَبِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّنَا ، فَمُلَاحَظَتُهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي إنْ كَانَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ عَنْ الشَّارِعِ قَطْعِيًّا كَانَ مُتَعَلِّقُهُ الْفَرْضَ وَنَافَى تَرْكَ مُقْتَضَاهُ الصِّحَّةَ ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا كَانَ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُنَافِهَا لَا لِاسْمِ الْوُجُوبِ بَلْ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ قَطْعِيًّا ، فَإِنَّا لَوْ قَطَعْنَا بِهِ عَنْهُ نَافَى ، وَلِذَا لَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ : أَعْنِي الْوَاجِبَ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَةً مَعَ قَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْمَسْمُوعِ

فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ إلَّا الْفَرْضُ الَّذِي عَدَمُهُ مُنَافٍ لِلصِّحَّةِ أَوْ غَيْرِ اللَّازِمِ مِنْ السُّنَّةِ فَمَا بَعْدَهَا ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مُلَاحَظَتَهُ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ لَيْسَ فِيهِ وُجُوبٌ بَلْ الْفَرْضِيَّةُ أَوْ عَدَمُ اللُّزُومِ أَصْلًا ، وَالْكَلَامُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مُرِيدًا مَعْنَى ظَاهِرِهِ أَوَّلًا ، فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ إلَّا الِافْتِرَاضَ أَوْ عَدَمَ اللُّزُومِ ، فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُنَافِي عَدَمُهُ الصِّحَّةَ فَتَأَمَّلْ ، وَقَدْ كَمَّلَ إلَى هُنَا أَدِلَّةَ الْمَذَاهِبِ سِوَى مَذْهَبِ الْكِفَايَةِ ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ : الْمَقْصُودُ مِنْ الِافْتِرَاضِ إظْهَارُ الشِّعَارِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا كَانَتْ تُقَامُ عَلَى عَهْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَسْجِدِهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ مَا قَالَ وَهَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِثْلُهُ عَنْهُ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَنَائِزِ مَعَ إقَامَتِهَا بِغَيْرِهِمْ

( وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَقْرَؤُهُمْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعِلْمِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْقِرَاءَةُ مُفْتَقَرٌ إلَيْهَا لِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَالْعِلْمُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ ( فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ } وَأَقْرَؤُهُمْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ فَقُدِّمَ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فَقَدَّمْنَا الْأَعْلَمَ ( فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ } فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنَيْ أَبِي مُلَكْيَةَ { وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا } وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ .

( قَوْلُهُ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ } ) الْحَدِيثَ .
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ إسْلَامًا سِنًّا ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ عَوَّضَ { فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ } { فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا } وَهِيَ لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الِاخْتِيَارِ : مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ، وَمِنْهُمْ كَالْمُصَنَّفِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَهُوَ أَنَّ الْأَعْلَمَ أَوْلَى بَعْدَ كَوْنِهِ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَسْنُونَةَ ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ دَلِيلًا لِلْمُخْتَارِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَقْرَأَ كَانَ أَعْلَمَ لِتَلَقِّيهِمْ الْقُرْآنَ بِأَحْكَامِهِ وَنَظَّرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ ، وَلَوْ صَحَّ فَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَصَارَ الْحَاصِلُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ : أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَلَى مَا ادَّعَى ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ، وَهَذَا أَوَّلًا يَقْتَضِي فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مُتَبَحِّرٌ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ مُتَبَحِّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ وَمِنْهَا أَحْكَامُ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقَدُّمَةَ لِلثَّانِي لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ عَكْسُهُ بَعْدَ إحْسَانِ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ ، وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُهُ حَيْثُ قَالَ : لِأَنَّ الْعِلْمَ

يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ ، وَالْقِرَاءَةَ لِرُكْنٍ وَاحِدٍ .
وَثَانِيًا يَكُونُ النَّصُّ سَاكِتًا عَنْ الْحَالِ بَيْنَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ عَنْ الْأَقْرَئِيَّةِ بَعْدَ إحْسَانِ الْمَسْنُونِ ، وَمَنْ انْفَرَدَ بِالْأَقْرَئِيَّةِ عَنْ الْعِلْمِ لَا كَمَا ظَنَّ الْمُصَنِّفُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَعْلَمُ مُطْلَقًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ، بَلْ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَقْرَئِيَّةُ وَالْأَعْلَمِيَّةُ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْأَقْرَإِ الْأَعْلَمَ فَقَطْ : أَيْ لَيْسَ بِأَقْرَأَ فَيَكُونُ مَجَازًا خِلَافَ الظَّاهِرِ ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَأَ غَيْرَ أَنَّ الْأَقْرَأَ يَكُونُ أَعْلَمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ إذْ ذَاكَ فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ بِالْأَقْرَئِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْحَالِ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلْيَكُنْ أَرَادَ الْأَقْرَأَ لَكِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِهِ أَعْلَمَ فَيُفِيدُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ .
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ مُعَلَّلًا بِأَعْلَمِيَّةِ أَحْكَامِ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، إذْ الْمَقْصُودُ الْأَعْلَمِيَّةُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ لَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْكِتَابِ بَلْ مِنْ السُّنَّةِ أَرَأَيْت مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا عَلَى كَثْرَةِ شُعَبِهِ وَمَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ أَمْ مِنْ السُّنَّةِ ، وَلَيْسَ تَتَضَمَّنُ الْأَقْرَئِيَّةُ التَّعْلِيلَ بِالْأَعْلَمِيَّةِ بِالسُّنَّةِ ، أَلَّا يَرَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ { فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ } وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَبِي يُوسُفَ ، وَاسْتَدَلُّوا لِمُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ ، فَإِنْ كَانُوا فِي

الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَسَكَتَ عَنْهُ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ .
وَالْحَقُّ أَنَّ عِبَارَتَهُمْ فِيهِ لَا تَفْحُشُ ، وَلَكِنْ لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ .
وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ حَدِيثُ { مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ } وَكَانَ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ .
دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ } وَدَلِيلُ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا ، وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى : فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ ( قَوْلُهُ فَأَوْرَعُهُمْ ) الْوَرَعُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ .
وَالتَّقْوَى : اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ } فَإِنْ صَحَّ وَإِلَّا فَالضَّعِيفُ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ، ثُمَّ مَحَلُّهُ مَا بَعْدَ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ الصَّحِيحِ بَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِأَقْدَمِيَّةِ الْهِجْرَةِ ، وَقَدْ انْتَسَخَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ فَوَضَعُوا مَكَانَهَا الْهِجْرَةَ عَنْ الْخَطَايَا ، وَفِي حَدِيثِ { وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ } إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا هَاجَرَ فَاَلَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى مِنْهُ إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا قَبْلَهَا ، وَكَذَا إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الْفَضَائِلِ ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْدَمُ وَرَعًا قُدِّمَ ، وَحَدِيثُ { وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَانِ ، فَإِنْ

كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا .
وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حُسْنَ الْوَجْهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ } وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ ، وَالْحَدِيثُ فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى الزَّاهِدِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ } قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : كَتَبْته عَنْ ثَابِتٍ فَذَكَرْته لِابْنِ نُمَيْرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَعْنِي ثَابِتًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ .
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : وَالْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ : دَخَلَ ثَابِتُ بْنُ مُوسَى عَلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَالْمُسْتَمْلِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَشَرِيكٌ يَقُولُ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَتْنَ ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى ثَابِتِ بْنِ مُوسَى قَالَ { مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ } وَإِنَّمَا أَرَادَ ثَابِتًا لِزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ فَظَنَّ ثَابِتٌ أَنَّهُ مَتْنُ ذَلِكَ السَّنَدِ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِذَلِكَ السَّنَدِ ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ شَرِيكٍ عَقِبَ ذِكْرِ مَتْنِ ذَلِكَ السَّنَدِ وَهُوَ { يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ } الْحَدِيثَ الثَّابِتَ .
فَأَدْرَجَهُ ثَابِتٌ وَجَمِيعُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بُطْلَانِهِ ، ثُمَّ إنْ اسْتَوَوْا فِي الْحُسْنِ فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا ، فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي هَذِهِ كُلِّهَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ .
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ قِيلَ هُمَا سَوَاءٌ ، وَقِيلَ الْمُقِيمُ أَوْلَى .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : رَجُلٌ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ يَؤُمُّ أَهْلَ مَحَلَّةٍ

غَيْرِ مَحَلَّتِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ إلَى تِلْكَ الْمَحَلَّةِ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ ، فَلَوْ ذَهَبَ بَعْدَهُ كُرِهَ كَمَا يُكْرَهُ السَّفَرُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ ، وَفِيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَتَنَحْنَحُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ ، إنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنْ كَثُرَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُتَبَرَّكُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ

( وَيُكْرَهُ ) ( تَقْدِيمُ الْعَبْدِ ) لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ ( وَالْأَعْرَابِيِّ ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ الْجَهْلُ ( وَالْفَاسِقِ ) لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ لِأَمْرِ دِينِهِ ( وَالْأَعْمَى ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ ( وَوَلَدِ الزِّنَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُثَقِّفُهُ فَيَغْلِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ هَؤُلَاءِ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ فَيُكْرَهَ ( وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } .

( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ إلَخْ ) فَلَوْ اجْتَمَعَ الْمُعْتَقُ وَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ وَاسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أَوْلَى .
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَنْ سِوَى الْفَاسِقِ لِلتَّنْفِيرِ وَالْجَهْلُ ظَاهِرٌ ، وَفِي الْفَاسِقِ لِلْأَوَّلِ لِظُهُورِ تَسَاهُلِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا وَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَدَى بِالْفَاسِقِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ ا هـ .
يَعْنِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَأْثَمُ فِي ذَلِكَ ، ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ .
وَعَلَى هَذَا فَيُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ .
وَفِي الْمُحِيطِ : لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ أَحْرَزَ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ ، لَكِنْ لَا يُحْرِزُ ثَوَابَ الْمُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ ا هـ .
يُرِيدُ بِالْمُبْتَدِعِ مَنْ لَمْ يُكَفَّرْ وَلَا بَأْسَ بِتَفْصِيلِهِ : الِاقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ الْغَالِيَةَ وَالْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَابِيَّةَ وَالْمُشَبِّهَةَ .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغُلَّ حَتَّى لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ ، وَتُكْرَهُ ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ كَذَا قِيلَ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ إذَا تَأَمَّلْت ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَ مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ .
وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ : لَهُ تَعَالَى يَدٌ وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ .
وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا

إطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِطْلَاقِ ، وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ .
وَقِيلَ يُكَفَّرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ .
وَفِي الرَّوَافِضِ أَنَّ مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمُبْتَدِعٌ ، وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهُوَ كَافِرٌ ، وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَافِرٌ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْهُ فَمُبْتَدِعٌ انْتَهَى مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ .
وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ ، وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ .
قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ يُنَاظِرُ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى : وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ فَنَهَاهُ ، فَقَالَ : رَأَيْتُك تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي ؟ فَقَالَ : كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ وَتُرِيدُونَ زَلَّةَ صَاحِبِكُمْ ، وَمَنْ أَرَادَ زَلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ كُفْرَهُ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ صَاحِبِهِ ، فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ

بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسَهُ كُفْرٌ ، فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنَّ جَزْمَهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يُصَحِّحُ هَذَا الْجَمْعَ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ : أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يُفْعَلَ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلُ وَالِاسْتِخْفَافُ بِذَلِكَ ، وَفِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاة بِالْمُسَايِرَةِ .
وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَشْهُورِ بِأَكْلِ الرِّبَا ، وَيَجُوزُ بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا فِي بَابِ الْوَتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَلْ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَنَفِيِّ فِي الْوَتْرِ بِمَنْ يَرَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهِ نَذْكُرُهُ فِيهِ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } ) تَمَامُهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ { وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ وَحَاصِلُهُ .
أَنَّهُ مِنْ مُسَمَّى الْإِرْسَالِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدنَا وَرَوَاهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَعَلَّهُ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْعُقَيْلِيِّ كُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ

الرُّوَاةِ وَبِذَلِكَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ

( وَلَا يُطَوِّلُ الْإِمَامُ بِهِمْ الصَّلَاةَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلِيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ }

( قَوْلُهُ وَلَا يُطَوِّلُ بِهِمْ الْإِمَامُ ) يُسْتَثْنَى صَلَاةُ الْكُسُوفِ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهَا التَّطْوِيلُ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ } وَفِي لَفْظ لِمُسْلِمٍ { الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ } وَفِيهِمَا { عَنْ أَنَسٍ : مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، وَقَدْ بَحَثْنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْرَ مَا كَانَ دَأْبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَقِرَاءَةُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ كَانَتْ بِالْبَقَرَةِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ { أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ { إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } لِأَنَّهَا كَانَتْ الْعِشَاءَ لِأَنَّهَا الْمُورَدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ { صَلَّى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا فَصَلَّى وَحْدَهُ ، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ : إنَّهُ مُنَافِقٌ ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ } الْحَدِيثَ .
وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ ، وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قِيلَ فِيهِ حَزْمٌ ، وَقِيلَ حَازِمٌ ، وَقِيلَ حِزَامٌ ، وَقِيلَ سُلَيْمٌ .

وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ مُعَاذًا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ مَرَّةً لِتَصِيرَ لَهُ قِصَّتَانِ .
وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ الْمَغْرِبِ قَالَ : رِوَايَاتُ الْعِشَاءِ أَصَحُّ ، ثُمَّ مَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرُدَّ الْعُمُومَ ، إذْ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى تَكُونَ الْمَغْرِبُ كَالْفَجْرِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْعِشَاءِ ، وَإِنَّ قَوْمَ مُعَاذٍ كَانَ الْعُذْرُ مُتَحَقِّقًا فِيهِمْ لَا كَسَلَ مِنْهُمْ فَأُمِرَ فِيهِمْ بِذَلِكَ لِذَلِكَ ، كَمَا ذُكِرَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا لَهُ أَوْجَزْتَ ، قَالَ : سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيتُ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ } وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْمُورَدِ بَلْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا التَّطْوِيلُ فِيهِ سُنَّةٌ

( وَيُكْرَهُ النِّسَاءُ وَحْدَهُنَّ الْجَمَاعَةُ ) لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ ، وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ فَيُكْرَهَ كَالْعُرَاةِ ( فَإِنْ فَعَلْنَ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ ) لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَعَلَتْ كَذَلِكَ ، وَحُمِلَ فِعْلُهَا الْجَمَاعَةَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ زِيَادَةَ الْكَشْفِ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إلَخْ ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَرْكَ الْقِدَمِ لِإِمَامِ الرِّجَالِ مُحَرَّمٌ ، وَكَذَا صَرَّحَ الشَّارِحُ وَسَمَّاهُ فِي الْكَافِي مَكْرُوهًا وَهُوَ الْحَقُّ : أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّقَدُّمِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا تَرْكِ الْوُجُوبِ فَلِعَدَمِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَاسْمُ الْمُحَرَّمِ مَجَازٌ ، وَاسْتَلْزَمَ مَا ذُكِرَ أَنَّ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ مَلْزُومَ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ : أَعْنِي الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ مَلْزُومٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ، ثُمَّ شَبَّهَهَا بِجَمَاعَةِ الْعُرَاةِ فَاقْتَضَى أَنَّهَا أَيْضًا تُكْرَهُ كَذَلِكَ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ .
وَهُوَ أَحَدُ الْأُمُورِ : إمَّا تَرْكُ وَاجِبِ التَّقَدُّمِ ، وَإِمَّا زِيَادَةُ الْكَشْفِ الَّذِي هُوَ أَفْحَشُ مِنْ كَشْفِ الْمَرْأَةِ إذَا تَقَدَّمَتْ وَهِيَ لَابِسَةٌ ثَوْبًا مَحْشُوًّا مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدِمَهَا فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهَا أَيْضًا ، وَلَا كَشْفَ عَوْرَةٍ فَكَيْفَ بِالْعَارِي الْمُتَعَرِّضِ لِلنَّظَرِ أَوْ زِيَادَةِ كَشْفِ عَوْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ بَعْضِهَا ، ثُمَّ ثُبُوتُ كَرَاهَةِ تَقَدُّمِهَا وَهِيَ بِهَذَا السِّتْرِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِفِعْلِ عَائِشَةَ فَقَطْ لَمَّا أَتَتْ ، فَإِنَّهَا مَا تَرَكَتْ وَاجِبَ التَّقَدُّمِ إلَّا لِأَمْرٍ هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا هُوَ ، أَلِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الِانْكِشَافِ الْمُلَازِمِ لِشُخُوصِهَا عَنْهُنَّ ، أَوْ هُوَ لِنَفْسِ شُخُوصِهَا عَنْهُنَّ شَبِيهَةً بِالرِّجَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ لَا تُكْرَهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ ، وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ مَكْرُوهٌ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ بِفِعْلِ الْفَرْضِ أَوْ تَرْكِ الْفَرْضِ لِتَرْكِهِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ ، بِخِلَافِ جَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ صَلَّيْنَ فُرَادَى فَقَدْ تَسْبِقُ إحْدَاهُنَّ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِهَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ فَرَاغُ تِلْكَ مُوجِبًا لِفَسَادِ

الْفَرْضِيَّةِ لِلصَّلَاةِ الْبَاقِيَاتِ كَتَقْيِيدِ الْخَامِسَةِ بِالسَّجْدَةِ لِمَنْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلْنَ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ ) لِأَنَّ تَرْكَ التَّقَدُّمِ أَسْهَلُ مِنْ زِيَادَةِ الْكَشْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ صَحَّ ، وَمُقْتَضَى مَا عُلِمَ مِنْ التَّقْرِيرِ أَنْ تَأْثَمَ بِهِ ( قَوْلُهُ وَحُمِلَ فِعْلُهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ) وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ، قَالَ السُّرُوجِيُّ فِيهِ بُعْدٌ : { فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً } كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، { ثُمَّ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ } وَمَا تَؤُمُّ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا ، فَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَنْسُوخٌ ، فَعَلَتْهُ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَةَ انْتَهَى .
وَفِي نَقْلِ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْضُ خَلَلٍ : يَعْنِي يُحْمَلُ قَوْلُهُ ابْتِدَاءَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، لَكِنَّ مَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ ، وَمَا فِي كِتَابِ الْآثَارِ لِمُحَمَّدٍ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمَاعَةَ التَّرَاوِيحِ إنَّمَا اسْتَقَرَّتْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الْغَزَاةِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ ، ثُمَّ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي شَهَادَةً قَالَ : قَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ ،

قَالَ : فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ ، وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا ، قَالَ : وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا وَجَارِيَةً فَقَامَا إلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا ، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا ، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبَيْنِ بِالْمَدِينَةِ } .
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جَمِيعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْهَا .
وَفِيهِ : { وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا } .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا ، كُلُّهَا يَنْفِي ثُبُوتَ النَّسْخِ .
وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ الْوَلِيدُ بْنُ جَمِيعٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَ فِيهِمَا ابْنُ الْقَطَّانِ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا انْتَهَى .
وَقَدْ ذَكَرَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِجَوَازِ كَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ مُوَاظَبَةٍ كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ .
وَقَوْلُهُ كَانَتْ تَؤُمُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّرَاوِيحَ .
وَقَوْلُهُ جَعَلَ لَهُ مُؤَذِّنًا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِمْرَارَ إمَامَتِهَا إلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ : لَا يَقْتَضِي عِلْمُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِبَقَاءِ شَرْعِيَّتِهَا لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُرَادِ إفَادَةَ مَقَامِهَا بِتَقْدِيرِ ارْتِكَابهَا ذَلِكَ أَوْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ النَّاسِخِ ، وَلَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ ، إذْ لَا بُدَّ فِي ادِّعَاءِ النَّسْخِ مِنْهُ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي النَّسْخِ إلَّا مَا ذَكَرَ

بَعْضُهُمْ مِنْ إمْكَانِ كَوْنِهِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ { صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا ، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا } يَعْنِي الْخِزَانَةَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَيْتِ .
وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَحَبَّ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ إلَى اللَّهِ فِي أَشَدِّ مَكَان فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً } وَفِي حَدِيثٍ لَهُ وَلِابْنِ حِبَّانَ { هُوَ أَقْرَبُ مَا تَكُون مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا } وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَخْدَعَ لَا يَسَعُ الْجَمَاعَةَ ، وَكَذَا قَعْرُ بَيْتِهَا وَأَشَدُّهُ ظُلْمَةً .
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ نَسْخَ السُّنِّيَّةِ ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فِي الْفِعْلِ بَلْ التَّنْزِيهَ وَمَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى ، وَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْهَبَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ اتِّبَاعُ الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ

( وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ ) لِحَدِيثِ { ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى بِهِ وَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ } وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِمَامِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ فِي يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ ( وَإِنْ أَمَّ اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا ، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَنَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا } فَهَذَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَالْأَثَرُ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ .

( قَوْلُهُ لِحَدِيثِ { ابْنِ عَبَّاسٍ ) قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرُوِيَ مُطَوَّلًا ، وَأَوْرَدَ كَيْفَ جَازَ النَّفَلُ بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ بِدْعَةٌ .
أُجِيبُ بِأَنَّ أَدَاءَهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ يَجُوزُ ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ : كَانَ التَّهَجُّدُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضًا فَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ .
هَذَا وَلَوْ أَوْرَدَ قِصَّةَ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ { فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ } ظَاهِرًا فِي مُحَاذَاةِ الْيَمِينِ دُونَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْعَهْدُ بِهِ قَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ثَانِيًا لِدَفْعِ قَوْلِهِ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يُقَالُ هُوَ عَنْ يَمِينِهِ إلَّا بِنَوْعِ إرْسَالٍ كَمَا لَا يُقَالُ هُوَ خَلْفَهُ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُتَأَخِّرٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ جَازَ وَهُوَ مُسِيءٌ ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ الْإِسَاءَةِ إذَا كَانَ خَلْفَهُ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَهُ ، وَسَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مَا لِأَحَدٍ أَنْ يُسَاوِيَك فِي الْمَوْقِفِ ، فَدَعَا لَهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمُحَاذَاةِ الْيَمِينِ وَدُعَاؤُهُ لَهُ لِحُسْنِ تَأَدُّبِهِ لَا لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ عَنْ يَمِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بِمُحَاذَاةِ الْيَمِينِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ : أُصَلِّي مِنْ خَلْفِكُمَا ؟ قَالَا نَعَمْ ،

فَقَامَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ رَكَعْنَا فَوَضَعْنَا أَيْدِينَا عَلَى رُكَبِنَا ، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ : هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ الْوَقْفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ .
قِيلَ كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا ، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَقَالَ : هَكَذَا فَعَلَ إلَى آخِرِهِ ، وَإِذَا صَحَّ الرَّفْعُ فَالْجَوَابُ إمَّا بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، أَوْ مَا قَالَ الْحَازِمِيُّ إنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَعْلَمُ هَذِهِ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا .
وَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ { جَابِرٍ قَالَ سِرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَقَامَ يُصَلِّي ، فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ } فَهَذَا دَالٌّ ، عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْآخِرُ لِأَنَّ جَابِرًا إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي بَعْدَ بَدْرٍ انْتَهَى .
وَغَايَةُ مَا فِيهِ خَفَاءُ النَّاسِخِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ دَأْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إمَامَةَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ دُونَ الِاثْنَيْنِ إلَّا فِي النُّدْرَةِ كَهَذِهِ الْقِصَّةِ .
وَحَدِيثُ الْيَتِيمِ وَهُوَ فِي دَاخِلِ بَيْتِ امْرَأَةٍ فَلَمْ يَطَّلِعْ

عَبْدُ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلِمَهُ ، وَحَدِيثُ الْيَتِيمِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ { عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ ، فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ } .
وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ جَدَّتِهِ إِسْحَاقُ ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَالْيَتِيمُ هُوَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : لَكِنْ عَلَى كِلَا الْجَوَابَيْنِ لَا يَتَّجِهُ ثُبُوتُ الْإِبَاحَةِ أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَسْخِ سُنِّيَّةِ مَا فَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِأَنَّ عِلَّةَ قَوْلِنَا إذَا نُسِخَ صِفَةُ الْوُجُوبِ لَا تَبْقَى صِفَةُ الْجَوَازِ : أَعْنِي الْإِبَاحَةَ هِيَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِمَعْنَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِخِطَابِ ذَلِكَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ الْوُجُوبِ لِيَصْدُقَ انْتِفَاءُ الْحَقِيقَةِ بِرَفْعِ جُزْئِهَا وَيَبْقَى الْجُزْءُ الْآخَرُ لِأَنَّهَا قَسِيمَتُهُ لِمُنَافَاتِهَا لَهُ بِالْفِعْلِ ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ هُنَا لِعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فِي السُّنِّيَّةِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْفِعْلِ ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِهَا الْإِبَاحَةُ الْمَذْكُورَةُ ، وَجُزْءُ حَقِيقَتِهَا عَدَمُ تَرَجُّحِ الْفِعْلِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ فَفِي ثُبُوتِهَا مَوْقُوفًا عَلَى خُصُوصِ دَلِيلٍ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ ، وَأَمَّا عَلَى جَوَابِ الْمُصَنِّفِ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ دَفْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ الْمَنْعِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ يَنْفِي الْإِبَاحَةَ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ التَّوَسُّطُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ ، وَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ عَلَى

السُّنِّيَّةِ حَمْلًا لِرَفْعِ التَّعَارُضِ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا قَائِلَ بِالْقَلْبِ وَدَفْعُ الرَّجُلَيْنِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا لِلْكَرَاهَةِ .
وَفِي الْكَافِي : وَإِنْ كَثُرَ الْقَوْمُ كُرِهَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَهُمْ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ سُنَّتِهِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى .
وَالْحَقُّ أَنْ يُعَلَّلَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ مُقْتَضَى فِعْلِهِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ الْوُجُوبِ ، فَيَكُونُ التَّوَسُّطُ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ، وَهُوَ صَرِيحُ الْهِدَايَةِ فِيمَا قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ إقَامَةِ الْمَرْأَةِ النِّسَاءَ حَيْثُ قَالَ : لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ وَهُوَ قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ ، وَلَوْ قَامَ فِي يَمْنَةِ الصَّفِّ أَوْ يَسْرَتِهِ أَسَاءُوا ، وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ ، كَذَا فِي الدِّرَايَةِ ، وَفِيهَا الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ أَوْ زَاوِيَةِ أَوْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْإِمَامَةِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُومَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ إذَا خَافَ إيذَاءَ أَحَدٍ ، وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ إمْكَانِ الْوُقُوفِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَلَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِآخَرَ فَجَاءَ ثَالِثٌ يَجْذِبُ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَوْ جَذَبَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَا يَضُرُّهُ ، وَقِيلَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَصِحُّ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ } وَاسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ { أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ وَثَبَ حَتَّى انْتَهَى إلَى الصَّفِّ :

فَلَمَّا سَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنِّي سَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا فَأَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ، ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي الرَّكْعَةُ فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ لَحِقْتُ الصَّفَّ .
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ } فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْإِعَادَةِ كَانَ اسْتِحْبَابًا .
وَلِلْكَرَاهَةِ قَالُوا إذَا جَاءَ وَالصَّفُّ مَلْآنُ يَجْذِبُ وَاحِدًا مِنْهُ لِيَكُونَ هُوَ مَعَهُ صَفًّا آخَرَ ، وَيَنْبَغِي لِذَلِكَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عَنْ هَذَا لِأَنَّهُ فَعَلَ وُسْعَهُ

( وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ ) ( يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا } وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ .
وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ ، بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِض عَدَمًا .
وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ .

( قَوْلُهُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَخِّرُوهُنَّ إلَخْ " ) سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ ) أَيْ الرَّوَاتِبَ وَصَلَاةَ الْعِيدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَتْرَ عِنْدَهُمَا وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءَ عِنْدَهُمَا ( قَوْلُهُ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ ) قِيَاسًا عَلَى الْمَظْنُونِ ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا الْبُخَارِيُّونَ وَقَالُوا : لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَقَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي السُّنَنِ ، وَكَذَا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَيَجُوزُ فِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ ) قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحِسِّيِّ ، أَمَّا الْبِنَاءُ الْحُكْمِيُّ فَلَا ، بَلْ الْمَانِعُ فِيهِ عَدَمُ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ لِانْتِفَاءِ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا ثَابِتٌ هُنَا ، فَإِنَّ نَفْلَ الْبَالِغِ يَصِيرُ وَاجِبَ الْإِتْمَامِ ، وَهَذَا الْوُجُوبُ مُنْعَدِمٌ فِي نَفْلِ الصَّبِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي جَوَازُ الْمَظْنُونِ خَلْفَ ظَهْرِ الصَّبِيِّ .
فَالْجَوَابُ هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظِ الرِّوَايَةِ .
وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ بِنَاءً عَلَى الْفَسَادِ فِي زَعْمِ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ حَالُ الشُّرُوعِ بِظَنِّ الْوُجُوبِ وَيُعْلَمُ انْتِفَاءً مِنْ ظَهْرِ الصَّبِيِّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ ) وَهُوَ الْمُؤَدِّي عَلَى ظَنِّ قِيَامِ وُجُوبِهِ إذَا ظَهَرَ بَعْدَ إفْسَادِهِ عَدَمُ وُجُوبِهِ بِظُهُورِ أَنَّهُ كَانَ أَدَّاهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ .
وَمَعَ هَذَا صَحَّ بِنَاءُ نَفْلِ الْبَالِغِ عَلَيْهِ فَقَدْ بَنَى الْمَظْنُونَ عَلَى غَيْرِ الْمَظْنُونِ .
أَجَابَ بِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ ، إذْ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الظَّانِّ إذَا أَفْسَدَ الْمَظْنُونَ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ

عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ مَظْنُونٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ حَتَّى إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنْ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا لِلنَّفْلِ ، وَالصَّدَقَةُ الْمَظْنُونُ وُجُوبُهَا إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْفَقِيرِ .
وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِالْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَوْ عَرَضَتْ ضَرُورَةٌ تُوجِبُ رَفْضَهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ أَوْ دَمٍ ثُمَّ قَضَاءٍ أَصْلُهُ مَنْ أُحْصِرَ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا مِنْ الْخُرُوجِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ ثُمَّ الْقَضَاءِ ؛ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الدَّفْعَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ يُوجِبُ أَمْرَيْنِ : سُقُوطَ الْوَاجِبِ ، وَثُبُوتَ الثَّوَابِ ، فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ الْآخَرُ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَطْلُبُ بِهِ ثَوَابَهُ وَقَدْ حَصَلَ ، وَثَبَتَ الْمِلْكُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ دَفَعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ بِظَنِّهِ وَلَا دَيْنَ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا قَبُولُ مَا هُوَ مِنْهَا لِلرَّفْضِ إجْمَاعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَتَمَامِ الرَّكْعَةِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَمْ يَلْزَمْ لُزُومُهُمَا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِهَا ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا مُسْقِطًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَسُقُوطُ الضَّمَانِ عِنْدَنَا بِعَارِضِ الظَّنِّ وَالْأَصْلُ فِي نَفْلِ الْبَالِغِ الضَّمَانُ ، وَالْعَارِضُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ فَاعْتُبِرَ عَارِضُ الظَّنِّ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَاتَّحَدَ حَالُهُمَا فَكَانَ اقْتِدَاءُ الْمَظْنُونِ بِالْمَظْنُونِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ ، وَسُقُوطُ الْوَصْفِ هُنَا بِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ وَهُوَ الصِّبَا فَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَلَمْ يَتَّحِدْ حَالُهُمَا كَذَا فِي الْكَافِي .
وَمَا نُقِلَ مِنْ الْمُحَسِّنِ مِنْ

أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ صَلَاةٌ أَمْ لَا .
فَقِيلَ لَا ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا تَخَلُّقًا دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّتْ الْمُرَاهِقَةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ جَازَتْ ، وَقِيلَ نَعَمْ دَلَّ عَلَيْهِ لَوْ قَهْقَهَتْ فِيهَا أُمِرَتْ بِالْوُضُوءِ فِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ صَحَّ الْخِلَافُ ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْمَانِعِ يَتَنَاوَلُهَا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا صَلَاةً ، نَعَمْ لَوْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً لَمْ يَتَأَتَّ ، الْخِلَافُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ

( وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } وَلِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفْسِدَةٌ فَيُؤَخَّرْنَ ( وَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ وَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا حَيْثُ لَا تَفْسُدُ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ دُونَهَا فَيَكُونُ هُوَ التَّارِكُ لِفَرْضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا ، كَالْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ تَضُرَّهُ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا ) لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ دُونَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الْمَقَامِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامِهِ كَالِاقْتِدَاءِ ، إنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ مُحَاذِيَةً .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ لَازِمٌ ، وَفِي الثَّانِي مُحْتَمَلٌ ( وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً ، وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ .
وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مُفْسِدَةً بِالنَّصِّ ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ .

( قَوْلُهُ لِيَلِنِي إلَخْ ) فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ إيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ } قِيلَ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ ثُمَّ الصَّبِيَّانِ ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ { عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ } الْحَدِيثَ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ .
وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حُلْمٍ بِالضَّمِّ ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ مِنْهُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ دَلَالَةِ الْبُلُوغِ فَدَلَالَتُهُ عَلَى الْبُلُوغِ الْتِزَامِيَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُرَادِ هُنَا لِيَلِنِي الْبَالِغُونَ لِيَكُونَ مَجَازًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لِجَوَازِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ ، لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ أَنْ يَلِيَهُ مِنْ الصَّفِّ مَلْزُومُ الْبُلُوغِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَلِيَهُ الْبَالِغُونَ ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ نَفْسُ الِاحْتِلَامِ أَوْ بُلُوغُ سِنٍّ مَخْصُوصَةٍ كَانَ إرَادَتُهُمْ بِاللَّفْظَيْنِ حَقِيقِيًّا لَا مَجَازِيًّا .
وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ وَهُوَ الْعَقْلُ ، وَفِي تَفْسِيرِ الْأَحْلَامِ بِالْعُقُولِ لُزُومٌ لِتَكْرَارٍ فِي الْحَدِيثِ فَلْيُجْتَنَبْ إذْ لَا

ضَرُورَةَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ .
وَلْنَسُقْ نُبْذَةً مِنْ سُنَنِ الصَّفِّ تَكْمِيلًا ، مِنْ سُنَنِهِ التَّرَاصُّ فِيهِ وَالْمُقَارَبَةُ بَيْنَ الصَّفِّ وَالصَّفِّ وَالِاسْتِوَاءُ فِيهِ ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ الْبَرَاءِ .
{ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي نَاحِيَةَ الصَّفِّ فَيُسَوِّي بَيْنَ صُدُورِ الْقَوْمِ وَمَنَاكِبِهِمْ وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ، إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ } وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَوُوا تَسْتَوِ قُلُوبُكُمْ وَتَمَاسُّوا تَرَاحَمُوا } وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالُوا وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ، قَالَ : يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ { فَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ } وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ } وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ } وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ يُجَنِّبُهُ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ لِأَجْلِهِ ، بَلْ ذَاكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ

وَإِقَامَةٌ لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا شَهِيرَةٌ كَثِيرَةٌ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ) يَعْنِي أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا ، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الْقَالِبَيْنِ فَتَقُومُ عَلَيْهِمَا فَتُوَاعِدُ حَلِيلَهَا فَأُلْقِيَ عَلَيْهِمْ الْحَيْضُ ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ : أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ ، قِيلَ فَمَا الْقَالِبَانِ ؟ قَالَ أَرْجُلٌ مِنْ خَشَبٍ تَتَّخِذُهَا النِّسَاءُ يَتَشَرَّفْنَ الرِّجَالَ فِي الْمَسَاجِدِ .
وَفِي الْغَايَةِ عَنْ شَيْخِهِ يَرْوِيهِ : الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ ، وَأَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ .
وَيَعْزُوهُ إلَى مُسْنَدِ رَزِينٍ .
قِيلَ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَقَدْ تُتُبِّعَ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِحَدِيثِ إمَامَةِ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَامَتْ الْعَجُوزُ مِنْ وَرَاءِ أَنَسٍ وَالْيَتِيمِ فَقَدْ قَامَتْ مُنْفَرِدَةً خَلْفَ صَفٍّ وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ ، أَوْ لَا يَحِلُّ وَهُوَ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَا تَعُدْ " وَلَوْ حَلَّ مَقَامَهَا مَعَهُمَا لَمَنَعَهَا وَبِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمَامَتِهَا لِلرَّجُلِ ، فَإِنَّهُ إمَّا لِنُقْصَانِ حَالِهَا أَوْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلْإِمَامَةِ مُطْلَقًا ، أَوْ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ لِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ وَالْحَصْرِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِ ذَلِكَ ،

وَهَذَا كَافٍ مَا لَمْ يَرِدْ صَرِيحُ النَّقْضِ لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ يَكْفِي فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ قَوْلُ السَّابِرِ الْعَدْلِ : بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ ، لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ ، وَلَا الثَّانِي لِصَلَاحِيَّتِهَا لِإِمَامَةِ النِّسَاءِ ، وَلَا الثَّالِثُ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ حُصُولُ الشُّرُوطِ فَتَعَيَّنَ الرَّابِعُ ، وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ حُكْمٍ أَصْلُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ خَرَجَ مَنَاطُهُ بِالسَّبْرِ ، وَهُوَ مَسْلَكٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى نَفْيِهِ ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ طَرِيقِهِ فَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ حُرْمَةَ تَحَاذِيهِمَا تَرْكُ فَرْضِ الْمَقَامِ ، ثُمَّ كَوْنُهُ مُفْسِدًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فُرُوضَ الْجَمَاعَةِ يَصِحُّ إثْبَاتُهَا بِالْآحَادِ لِأَنَّ أَصْلَهَا بِهِ ، وَارْجِعْ إلَى مَا مَهَّدْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ يَزُولُ عَنْك الرَّيْبُ ، إلَّا أَنَّ قَصْرَ الْفَسَادِ عَلَيْهِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً إلَّا أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِهَا كَيْ لَا تُفْسِدَهَا عَلَيْهِ لَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهَا ، بِخِلَافِ تَعَلُّقِهَا بِهِ فَهُوَ كَتَأَخُّرِ الْإِمَامِ عَنْ الْمَأْمُومِينَ حَتَّى صَارُوا مُقَدَّمِينَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمُوا ، إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْحِلِّ لَهُمْ لِفَسَادِ صَلَاتِهِمْ وَعَدَمِهِ لِمَعْنًى فِيهِمْ لَا فِيهِ وَهُوَ كَيْ لَا تَفْسُدَ عَلَيْهِمْ فَأَفْسَدَ تَأْخِيرُهُ صَلَاتَهُمْ لَا صَلَاتَهُ كَذَلِكَ هُنَا تَفْسُدُ بِمُحَاذَاتِهَا صَلَاتُهُ لَا صَلَاتُهَا ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْحُرْمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِلْإِفْسَادِ عَلَيْهِ فَقَطْ ، وَلَا مَلْجَأَ فِيهِ إلَّا حَدِيثُ أَخِّرُوهُنَّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِهِ ، لَكِنْ يَنْتَهِضُ مَحَلُّ النِّزَاعِ عَلَى الْخَصْمِ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَسَادُ صَلَاتِهِ ، أَمَّا عَدَمُهُ فِي صَلَاتِهَا فَبِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّمَا هَذَا إشْكَالٌ مَذْهَبِيٌّ لَا يَضُرُّ فِي انْتِهَاضِ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُخَالِفِ ، هَذَا وَأَمَّا

مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ ، وَلَا مُتَمَسِّكَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ ، وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ فَحَصَلَ أَنَّ مَظِنَّةَ الشَّهْوَةِ الْأُنُوثَةُ ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لَا بِاعْتِبَارِ مَا قَدْ يَتَّفِقُ مِنْ اشْتِهَاءِ الذَّكَرِ الذَّكَرَ فَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ فَهَذَا كَذَلِكَ ، وَقَالُوا : إنَّ اشْتِهَاءَ الذَّكَرِ يَكُونُ عَنْ انْحِرَافٍ فِي الْمِزَاجِ ، وَقَدْ سَمَّاهُمْ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ النُّتَّنَ تَنْفِيرًا ، بِخِلَافِ اشْتِهَاءِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ : إذَا حَاذَتْهُ بَعْدَمَا شَرَعَ وَنَوَى إمَامَتَهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّأْخِيرُ بِالتَّقَدُّمِ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ فَتَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ ، فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ أَخَّرَ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضَ الْمَقَامِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهَا دُونَهُ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ إلَخْ ) إشَارَةً إلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فِي الذَّكَرِ ، فَإِنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ ، كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الصَّبِيِّ بِالْمُحَاذَاةِ عَلَى هَذَا ( قَوْلُهُ عَلَى إحْدَاهُمَا ) وَهِيَ رِوَايَةُ عَدَمِ الْفَسَادِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُسْتَفْسَرْ حَالُهُ ( قَوْلُهُ وَمِنْ شَرَائِطِ إلَخْ ) جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ لَهُ شُرُوطٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا :

الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَا بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ إمَامٍ أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ، فَلَوْ اقْتَدَتْ نَاوِيَةُ الْعَصْرِ بِمُصَلِّي الظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ نَفْلًا فَحَاذَتْهُ ، فَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ تَفْسُدُ ، وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا تَفْسُدُ ، وَقِيلَ رِوَايَةُ بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا تَرَدُّدٍ ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ، فَصَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فِيمَا يَقْضِيَانِ مُشْتَرَكَةٌ تَحْرِيمَةً لَا أَدَاءً ، فَلَا تَفْسُدُ الْمُحَاذَاةُ فِيمَا يَقْضِيَانِ مَسْبُوقَيْنِ ، وَتَفْسُدُ فِيمَا يَقْضِيَانِ لَاحِقَيْنِ ، وَلَا تَفْسُدُ إذَا حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ لِلطَّهَارَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَهُمَا الْحَدَثُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُشْتَغِلَيْنِ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا وَإِنْ كَانَ فِي حُرْمَتِهَا إذْ حَقِيقَتُهَا قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ إلَخْ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا ، وَقِيَامُهُ فِي حَالِ مَشْيِهِ أَوْ وُضُوئِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ جُزْءًا وَإِلَّا فَسَدَتْ ، لِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِجُزْئِيَّتِهِ لِلصَّلَاةِ تَفْسُدُ مَعَ الْحَدَثِ ، وَإِذَا انْعَدَمَ قَضَاؤُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ انْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً ، وَاللَّاحِقُ مَنْ يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَخْ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ اللَّاحِقِ الْمَسْبُوقِ ، وَفِي الْمُحَاذَاةِ لِهَذَا

اللَّاحِقِ تَفْصِيلٌ فِي الْفَسَادِ فَإِنَّهُمَا لَوْ اقْتَدَيَا فِي الثَّالِثَةِ فَأَحْدَثَا فَذَهَبَا لِيَتَوَضَّآ ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ إنْ كَانَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فِيهِمَا لَاحِقَانِ .
وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِهَا لِأَنَّهُمَا مَسْبُوقَانِ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا لَحِقَ فِيهِ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ .
وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ .
وَعِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا فَبِاعْتِبَارِهِ تَفْسُدُ هَذَا .
وَأَمَّا مُحَاذَاتُهَا فِي الصَّلَاةِ دُونَ اشْتِرَاكٍ فَمُورِثٌ لِلْكَرَاهَةِ .
ثُمَّ لَوْ قِيلَ بَدَلَ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مُشْتَرَكَةً أَدَاءً وَيُفَسَّرُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا إمَامٌ لِلْآخَرِ لَعَمَّ الِاشْتِرَاكَيْنِ .
الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَإِنْ كَانَا يُومِئَانِ فِيهَا لِلْعُذْرِ .
الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ .
أَيْ دَخَلَتْ فِي حَدِّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَالِ عَجُوزًا شَوْهَاءَ فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّهَا وَحَدُّهَا سَبْعُ سِنِينَ .
وَقِيلَ تِسْعٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُحَرَّمِ .
الرَّابِعُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ، فَلَوْ كَانَ مَنَعَ الْمُحَاذَاةَ ، وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ ، وَمُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ جُعِلَتْ لِلِارْتِفَاقِ بِهَا فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِهَا ، وَغِلَظُهُ مِثْلُ الْأُصْبُعِ ، وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ ، وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ .
وَفِي الدِّرَايَةِ : وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ الرَّجُلَ أَوْ أُسْطُوَانَةً قِيلَ لَا تَفْسُدُ ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَهُ وَبَيْنَهُمَا هَذِهِ الْفُرْجَةُ ا هـ .
وَيَبْعُدُ النَّظَرُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقِيلِ إذْ

مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَفُّ النِّسَاءِ عَلَى الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُ مِنْ الرِّجَالِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ قَدْرَ الْقَامَةِ وَالْآخَرُ أَسْفَلَهُ فَلَا مُحَاذَاةَ .
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ بِالْقَدَمِ إلَّا أَنَّهَا أَطْوَلُ مِنْهُ يَقَعُ سُجُودُهَا فِي مَكَان مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ .
الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ تَحَرَّمَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفِهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ ، قِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ وَقَفَتْ قَدْرَهُ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ ، وَقِيلَ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِهِ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا إلَّا فِي قَدْرِهِ .
السَّادِسُ أَنْ تَتَّحِدَ الْجِهَةُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَبِالتَّحَرِّي فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ فَلَا ، وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ مُحَاذَاةُ مُشْتَهَاةٍ مَنْوِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِي رُكْنِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٌ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مَعَ اتِّحَادِ مَكَان وَجِهَةٍ دُونَ حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةً ، ثُمَّ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ شِمَالِهَا وَآخَرَ خَلْفَهَا لَيْسَ غَيْرُ ، فَإِنَّ مَنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ يَصِيرُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّذِي يَلِيهِ وَالْمَرْأَتَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا وَالْآخَرَيْنِ لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ جَمْعًا تَامًّا فَكَانَا كَوَاحِدَةٍ فَلَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الثِّنْتَانِ كَالثَّلَاثِ ، وَعَنْهُ : الثَّلَاثُ كَالثِّنْتَيْنِ فَلَا تَفْسُد إلَّا صَلَاةُ خَمْسَةٍ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالثَّلَاثِ تَفْسُدُ صَلَاةُ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِنَّ وَثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ .
وَفِي رِوَايَةِ الثَّلَاثِ كَالصَّفِّ التَّامِّ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ جَمِيعِ الصُّفُوفِ الَّتِي خَلْفَهُنَّ ، وَالْقِيَاسُ فِي الصَّفِّ التَّامِّ أَنْ يَفْسُدَ بِهِ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ حَائِلٌ

بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَسَادَ الْكُلِّ بِنَقْلِهِمْ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ صُفُوفِ النِّسَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ) وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي صَلَاتِهِ مُطْلَقَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَنْتَهِضُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُطْلَقَةً لَا فِي الْكُلِّ وَعَلَّلَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بِأَنَّ الْمُورَدَ الْجَمَاعَةُ الْمُطْلَقَةُ وَهِيَ بِالشَّرِكَةِ وَالْكَمَالِ

( وَيُكْرَهُ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ ) يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ( وَلَا بَأْسَ لِلْعَجُوزِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ) لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ إلَيْهَا فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْعِيدِ .
وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ ، غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ ، وَالْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ .

( قَوْلُهُ يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ ) تَقْيِيدٌ فِي حَقِّ عَدَمِ الْخِلَافِ فِي إطْلَاقِ الْحُكْمِ لَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ ، فَإِنَّ الْعَجُوزَ مَمْنُوعَةٌ عِنْدَهُ فِي الْبَعْضِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ } وَقَوْلُهُ { إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا } وَالْعُلَمَاءُ خَصُّوهُ بِأُمُورٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا وَمَقِيسَةٍ ، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ } وَكَوْنُهُ لَيْلًا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي مُسْلِمٍ { لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ إلَّا بِاللَّيْلِ } وَالثَّانِي حُسْنُ الْمُلَابِسِ وَمُزَاحَمَةُ الرِّجَالِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الطِّيبِ لِتَحْرِيكِهِ الدَّاعِيَةُ فَلَمَّا فُقِدَ الْآنَ مِنْهُنَّ هَذَا لِأَنَّهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ لِلْخُرُوجِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ مُنِعْنَ مُطْلَقًا لَا يُقَالُ : هَذَا حِينَئِذٍ نُسِخَ بِالتَّعْلِيلِ .
لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَنْعُ يَثْبُتُ حِينَئِذٍ بِالْعُمُومَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّفْتِينِ ، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ بِشَرْطٍ فَيَزُولَ بِزَوَالِهِ كَانْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الصَّحِيحِ : لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ ، عَلَى أَنَّ فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَرْفَعُهُ { أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسَاجِدِ ، فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمْ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرُوا فِي الْمَسَاجِدِ } وَبِالنَّظَرِ إلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُنِعَتْ غَيْرُ الْمُزَيِّنَةِ أَيْضًا لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ ، وَلَيْلًا وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يُبِيحُهُ

لِأَنَّ الْفُسَّاقَ فِي زَمَانِنَا كَثُرَ انْتِشَارُهُمْ وَتَعَرُّضُهُمْ بِاللَّيْلِ ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْرِيعُ مَنْعِ الْعَجَائِزِ لَيْلًا أَيْضًا ، بِخِلَافِ الصُّبْحِ فَإِنَّ الْغَالِبَ نَوْمُهُمْ فِي وَقْتِهِ ، بَلْ عَمَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْمَنْعَ لِلْعَجَائِزِ وَالشَّوَابِّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ ( قَوْلُهُ وَالْجُمُعَةِ ) جَعَلَ الْجُمُعَةَ كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ ، وَالْمَذْكُورُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ ، وَرِوَايَةُ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ : الْجُمُعَةُ كَالْعِيدِ وَالْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ فَتَخْرُجُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْمَغْرِبِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبَ كَالظُّهْرِ ، وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِالِاحْتِمَالِ الرَّابِعِ ، وَالْمُعْتَمَدُ مَنْعُ الْكُلِّ فِي الْكُلِّ إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ الْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَاتِ الرَّمَقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَالْجَبَّانَةَ مُتَّسَعَةٌ ) بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فِي فِنَاءِ الْمِصْرِ ، وَفِي مِصْرِنَا هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ فِي الْمَسَاجِدِ

قَالَ ( وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ ، وَلَا الطَّاهِرَةُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ ، وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَضْمَنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي ( وَلَا ) يُصَلِّي ( الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعَارِي ) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا .

( قَوْلُهُ خَلْفَ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ ) كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ وَالْجُرْحُ السَّائِلُ وَالرُّعَافُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَعْذُورٍ بِمِثْلِهِ إذَا اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا لَا إنْ اخْتَلَفَ ( قَوْلُهُ بِمَعْنَى تَضَمَّنَتْ صَلَاتُهُ إلَخْ ) لَا بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ ، وَإِذَا كَانَ التَّضَمُّنُ مُرَاعًى فَإِذَا قَدَرَ الْمُؤْتَمُّ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْكَانِ كَانَ كَالْمُنْفَرِدِ فِيهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ فَلِذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ ، وَلَا الْأُمِّيُّ بِالْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّحْرِيمَةِ دُونَ الْأَخْرَسِ ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ لَا الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْمُومِئِ ، وَالْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ وَالْمَبْنِيُّ ظَاهِرٌ ، وَإِذَا فَقَدَ الْإِمَامُ شَرْطًا حَقِيقَةً اُعْتُبِرَ مَوْجُودًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ صَارَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ مَنْ وَرَاءَهُ ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ اللَّابِسِ بِالْعَارِي وَالطَّاهِرُ بِمَنْ هُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُصَنِّفُ عَلَى الْكُلِّ بِعَدَمِ التَّضَمُّنِ لِزِيَادَةِ قُوَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِهِ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَزِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ ، فَلَوْ قَهْقَهَةً لَا يَنْتَقِضُ .
وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ يَصِيرُ شَارِعًا .
يَعْنِي ثُمَّ يَفْسُدُ ، قِيلَ الثَّانِي قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْجِهَةِ لَا يُفْسِدُ التَّحْرِيمَةَ ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ

( وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَالطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ .
وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ( وَيَؤُمُّ الْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً ( وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِقُوَّةِ حَالِ الْقَائِمِ وَنَحْنُ تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ } ( وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا ، لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ فَتَثْبُتَ بِهِ الْقُوَّةُ ( وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ ) لِأَنَّ حَالَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَأَصْلُهُ فَرْعٌ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ ، وَمَنَعَهُ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَحْمَلَ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ ) لَا شَكَّ أَنَّ فِيهَا جِهَةَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَوْقِيتِهَا ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ ، وَجِهَةَ الضَّرُورَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُصَيِّرَ إلَيْهَا ضَرُورَةُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ ، وَتَعْلِيلُهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهَا طَهَارَةُ تَلْوِيثٍ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ حَتَّى كَانَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهَا رَفْعَةٌ .
وَصَرَّحَ هُوَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي الْبَحْثِ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لَهُ فَقَالَ : الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّيَمُّمِ مَاذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُهُ زَوَالُ الْحَدَثِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ وَهُوَ الْعَدَمُ كَمَا بِالْمَاءِ ، إلَّا أَنَّهُ بِالْمَاءِ مُقَدَّرٌ إلَى وُجُودِ الْحَدَثِ ، وَهُنَا إلَى شَيْئَيْنِ : إلَى الْحَدَثِ .
وَإِلَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ انْتَهَى .
وَكَوْنُ الِانْتِقَاضِ عِنْدَ الْوُجُودِ بِظُهُورِ الْحَدَثِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الرَّفْعِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ تَحْقِيقِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْجِهَتَانِ فَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا بِجِهَةِ الضَّرُورَةِ لِنَفْيِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ احْتِيَاطًا .
وَعَلَّلَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا

انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِجِهَةِ الْإِطْلَاقِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا ، وَهُمَا اخْتَارَا جَانِبَ الْإِطْلَاقِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا طَهَارَةً كَالْمَاءِ لَيْسَ إلَّا مِنْ أَجْلِهَا .
وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ حَدِيثُ { عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ .
وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ } وَجَانِبُ الضَّرُورَةِ فِي الرَّجْعَةِ .
فَلَمْ تَكُنْ طَهَارَةً فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْمَقْصُودُ : أَعْنِي أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ اعْتِبَارُهَا عَدَمًا بَعْدَمَا قَوِيَتْ بِاتِّصَالِ الْمَقْصُودِ بِهَا ، وَسَنَزِيدُ كَشْفَ الْقِنَاعِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ ( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَعَكْسُهُ وَالْقَاعِدُ خَلْفَ مِثْلِهِ جَائِزًا اتِّفَاقًا ، وَالْمُسْتَوِي بِالْأَحْدَبِ قِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا .
وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ الرُّكُوعَ فَعَلَى الْخِلَافِ .
قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّ الْقِيَامَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ وَقَدْ وَجَدُوا اسْتِوَاءَ الْأَسْفَلِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لِاسْتِوَاءِ الْأَعْلَى ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ .
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ : يَصِحُّ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ إلَخْ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

فَقُلْتُ : أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ بَلَى ، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَصَلَّى النَّاسُ ؟ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ لِلصَّلَاةِ ، قَالَ : ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ ، فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : أَصَلَّى النَّاسُ ؟ فَقُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَتْ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، قَالَتْ : فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا رَقِيقًا فَقَالَ : يَا عُمَرُ صَلِّ أَنْتَ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ ، فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُمَا أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : فَعَرَضْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ ؟ قُلْتُ لَا ، قَالَ : هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } انْتَهَى .
وَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ {

صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا } وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ { آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } .
فَأَوَّلًا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ ، وَثَانِيًا : قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : لَا تَعَارُضَ فَالصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا صَلَاةُ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا الصُّبْحُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا .
وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا ثَبَتَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاتِهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَشْفِ السِّتْرِ ثُمَّ إرْخَائِهِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، ثُمَّ { إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَأَدْرَكَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ } ، يَدُلُّ مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي عَنْ الزُّهْرِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْلَعَ عَنْهُ الْوَعَكُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ فَغَدَا إلَى الصُّبْحِ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغُلَامٍ لَهُ ، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ ، فَصَفَّنَا جَمِيعًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قَضَى سُجُودَهُ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ ، وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّكْعَةِ الْأُخْرَى ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ ، } فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي عَهْدِهِ إلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِيمَا بَعَثَهُ إلَيْهِ ثُمَّ فِي وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمِئِذٍ أَخْبَرَنَا بِهِ

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَهُ .
فَالصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ مَأْمُومًا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا الصُّبْحُ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغُلَامٍ لَهُ ، فَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْجَمْعُ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا : يَعْنِي إمَامًا .
وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ كَشْفِ السِّتَارَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ { أَنَّهُ كَشَفَهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاة ، ثُمَّ تَبَسَّمَ ضَاحِكًا وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبِهِ ظَنًّا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ أَتِمُّوا ، ثُمَّ دَخَلَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِ ذَلِكَ } .
وَفِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ مَا أَسْنَدَ عَنْ جَابِرٍ وَأُسَيْدُ بْنِ حُضَيْرٍ اقْتِدَاءُ الْجَالِسِينَ بِهِمَا وَهُمَا جَالِسَانِ لِلْمَرَضِ : وَإِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ ، وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْقَاعِدَ إنْ شَرَعَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِهِ ، وَإِنْ شَرَعَ جَالِسًا فَلَا وَهُوَ أَنْهَضُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّا صَرَّحْنَا بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْقِيَاسِ صِيرَ إلَيْهِ بِالنَّصِّ .
وَقَدْ عُلِمَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى مَحَلِّ الصَّلَاةِ قَائِمًا يُهَادَى ثُمَّ جَلَسَ } ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْجُلُوسِ ، وَصَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا قَائِمًا وَلَوْ التَّحْرِيمَةَ وَجَبَ الْقِيَامُ بِهِ

، وَكَانَ ذَلِكَ مُتَحَقِّقًا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إذْ مَبْدَأُ حُلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَانَ قَائِمًا فَالتَّكْبِيرُ قَائِمًا مَقْدُورُهُ حِينَئِذٍ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَوْرِدُ النَّصِّ حِينَئِذٍ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِينَ بِجَالِسٍ شَرَعَ قَائِمًا .
قَالَ الْأَعْمَشُ فِي قَوْلِهَا { وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } : يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَفِي الدِّرَايَةِ : وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى .
أَقُولُ : لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا ، بَلْ أَصْلَ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ ، أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ ، فَلِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ ، وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بَسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَا تَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَّلَ بِهِ الْحُرُوفَ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ ، وَفِي النَّارِ لِإِظْهَارِهَا ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَامُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرِكُونِي أَفْسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ .
وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ ، كَمَا لَا أَرَى

تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ وَالرُّجُوعُ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ ، إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي ( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْمُومِئُ خَلْفَ مِثْلِهِ ) وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئ قَاعِدًا وَالْمَأْمُومُ يُومِئ قَائِمًا لِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَيْسَ بِرُكْنٍ ، بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُومِئَ ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي هَذِهِ بَعْدَ نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهَا : الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَكَذَا الْأَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِمَا الْجَوَازُ ، وَحَكَمَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِاخْتِيَارِ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ حَتَّى يَجِبَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الِاسْتِلْقَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَيْهِ بِالْحُكْمِ بَلْ تَجِبُ مَعَهُ لِأَنَّهُ الْوُسْعُ الْحَاصِلُ

( وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَمَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ .
قَالَ ( وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَمَا أَدَّاهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ ، وَعِنْدَنَا مَعْنَى التَّضَمُّنِ مُرَاعًى ( وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَيَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ .

( قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ ) وَقَوْلُنَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَا يَجُوزُ النَّاذِرُ بِالنَّاذِرِ ، إلَّا أَنْ يَنْذِرَ نَفْسَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ الْحَالِفُ بِالْحَالِفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا الْبِرُّ فَبَقِيَتْ الصَّلَاتَانِ نَفْلًا فِي نَفْسِهِمَا ، وَلِذَا صَحَّ الْحَالِفُ بِالنَّاذِرِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ فَصَارَ كَظُهْرِ الْأَمْسِ بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ الْيَوْمِ ، وَمُصَلَّيَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَالنَّاذِرَيْنِ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَهُوَ السَّبَبُ ، فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي نَافِلَةٍ فَأَفْسَدَاهَا صَحَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ أَفْسَدَا مُنْفَرِدَيْنِ نَفْلًا فَلَا وَلَا خَلْفَ النَّاذِرِ ، وَلَوْ صَلَّيَا الظُّهْرَ وَنَوَى كُلٌّ إمَامَةَ الْآخَرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَهِيَ نِيَّةُ الِانْفِرَادِ حِينَئِذٍ فَلَوْ نَوَى كُلٌّ الِاقْتِدَاءَ بِالْآخَرِ فَسَدَتْ ، وَتَجُوزُ السُّنَّةُ بَعْدَ الظُّهْرِ بِالسُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَسُنَّةُ الْعِشَاءِ بِالتَّرَاوِيحِ ، وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ فِي الْوَتْرِ بِمَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْوَتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ) إذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ .
تَمَسَّكَ فِيهِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ } لَفْظُ مُسْلِمٍ .
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ : { فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ } ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ جَابِرٍ : { كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا

بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ } .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ وَجَازَ عَدَمٌ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمٍ { رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَمَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَخْرُجُ إلَيْهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا ، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي ، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ } فَشَرَعَ لَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَا يُصَلِّي بِقَوْمِهِ ، أَوْ الصَّلَاةَ بِقَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَلَا يُصَلِّي مَعَهُ ، هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ أَفَادَ مَنْعَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ إذَا صَلَّى مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَمْنَعُ إمَامَتَهُ بِالِاتِّفَاقِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْفَرْضِ .
وَقِيلَ إنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ : أَعْنِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادِهِ ، وَلِهَذَا لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، وَبَعْدَ هَذَا يُرَدُّ حَدِيثُ جَابِرٍ { أَقْبَلْنَا إلَى أَنْ قَالَ : حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ إلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ } .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِبَطْنِ نَخْلَةٍ ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ .
ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ } وَشَيْخُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ ، فَإِنَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ

الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ ، وَالْأَوَّلُ إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ إلْزَامِيَّةٌ لِأَنَّ كَوْنَ فَرْضِ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَالْأُخْرَيَانِ نَافِلَةً إنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا ، إذْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَذْهَبِهِ .
وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ وَعَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ .
وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ : { نَهَى أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } ، قَالَ : وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ .
وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ نُسِخَ بِالِاحْتِمَالِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ الْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ تَرْجِيحًا بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ بَلْ وَاجِبٌ إذْ يَجِبُ التَّرْجِيحُ مَا أَمْكَنَ ، وَمَرْجِعُهُ الْحَمْلُ عَلَى النَّسْخِ فِي كُلِّ مُتَعَارِضَيْنِ ثَبَتَتْ صِحَّتُهُمَا ، وَإِنْ عَبَّرْنَا فِي وَجْهِ التَّرْجِيحِ بِلَفْظٍ آخَرَ نَحْوَ أَنْ نَقُولَ هَذَا مُحَرِّمٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى ذَلِكَ الْمُبِيحِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حَمْلَ ذَلِكَ الْمُبِيحِ عَلَى النَّسْخِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمُبِيحَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ ، وَكَوْنُهُ قَالَ أَيْضًا : الْمُحَرِّمُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْعَمَلِ بِهِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبِيحُ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْآنَ تَقْرِيرَ الْإِبَاحَةِ ، فَتَقْدِيمُ الْمُحَرِّمِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمُقَدَّمِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَشَدُّ الْحُكْمَيْنِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى التَّأَخُّرِ وَذَلِكَ عَلَى التَّقَدُّمِ احْتِيَاطًا : أَيْ عَمَلًا بِأَشَقِّ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُصُوصِ الْمُتَقَرِّرِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ يَتَيَقَّنُ مَعَهُ بِالْعَمَلِ بِالْمُتَأَخِّرِ الْمُتَقَرِّرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَعْنَى حَمْلِهِ عَلَى النَّسْخِ أَنَّهُ ثَبَتَ صَلَاةُ الْخَوْفِ

عَلَى مَا ذَكَرَ ، وَثَبَتَ بَعْدَ سِنِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ صَلَّى بِالطَّائِفَتَيْنِ صَلَاةً وَاحِدَةً مَعَ الْمُنَافِي بِكُلِّ طَائِفَةٍ ، فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَتَمَّ بِكُلِّ طَائِفَةٍ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمُنَافِي لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِمَامُ ضَامِنٌ } وَسَنَذْكُرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وَالْأَوَّلُ عَكْسُهُ ، فَيُقَدَّمُ هَذَا وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا عُهِدَ ثُمَّ نُسِخَ مِنْ تَكَرُّرِ الْفَرْضِ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُجَوِّزِ .
هَذَا ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْبَعْضِ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَجُوزُ ، وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ ، وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا ، وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ .
وَقَالُوا : صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ ، وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ عَنْ نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ

( وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وَأَعَادُوا } وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ .

( قَوْلُهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَمَّ قَوْمًا } إلَخْ ) غَرِيبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا : قَالَ يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ .
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ، فَأَعَادَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا .
وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْإِمَامُ ضَامِنٌ } وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ مَعْنَى التَّضَمُّنِ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْيِ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الضَّمَانِ ، وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِيهِ التَّضَمُّنُ التَّسَاوِي فَيَتَضَمَّنُ كُلَّ فِعْلٍ مِمَّا عَلَى الْإِمَامِ مِثْلُهُ ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَفْضُلَ كَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي إذْ لَا يَتَضَمَّنُ الْمَعْدُومُ الْمَوْجُودَ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ .
وَمَا أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ : إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا } وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ لِجَوَازِ كَوْنِ التَّذَكُّرِ كَانَ عَقِيبَ تَكْبِيرِهِ بِلَا مُهْلَةٍ قَبْلَ تَكْبِيرِهِمْ ، عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ قَالَ { فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ } فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُرَادَ

بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد { دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى إرَادَةٍ دَخَلَ فِي مَكَانِهَا } فَلَا إشْكَالَ .
وَإِنْ كَانَا قَضِيَّتَيْنِ فَالْجَوَابُ مَا عَلِمْت .
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَجْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ " صَلَّى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنَّاسِ جُنُبًا فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَك أَنْ يُعِيدَ ، قَالَ : فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ " .
قَالَ الْقَاسِمُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ .
وَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا إمَامٍ سَهَا فَصَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُمْ وَلْيَغْتَسِلْ هُوَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ ، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ } ضَعِيفٌ ، جُوَيْبِرٌ مَتْرُوكٌ وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَلْقَ الْبَرَاءَ ، وَيَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ إجْمَاعًا ، وَالْمُصَلِّي بِلَا طَهَارَةٍ لَا إحْرَامَ لَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ لَا أَثَرَ لَهُ ، إذْ لَازِمُهُمَا مُتَّحِدٌ وَهُوَ ظُهُورُ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ إذَا ذَكَرَ .
[ فَرْعٌ ] أَمَّهُمْ زَمَانًا ثُمَّ قَالَ إنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ صَلَّيْت مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ

( وَإِذَا صَلَّى أُمِّيٌّ بِقَوْمٍ يَقْرَءُونَ وَبِقَوْمٍ أُمِّيِّينَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَقَالَا : صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ .
وَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْقَارِئِ تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي ( وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ ( فَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَدَّمَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا تَفْسُدُ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ .
وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تُخْلَى عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَكَذَا عَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ .

( قَوْلُهُ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَمَّ الْأَخْرَسُ قَارِئِينَ وَخُرْسًا .
وَالْأُمِّيُّ : نِسْبَةً إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ وَهِيَ الْأُمَّةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ فَاسْتُعِيرَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ ( قَوْلُهُ وَأَمْثَالُهَا ) مِمَّا إذَا أَمَّ الْمَعْذُورُ وَالْمُومِئُ مِثْلَهُمَا وَأَعْلَى مِنْهُمَا حَيْثُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ بِحَالِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَعَ الْقُدْرَةِ إذْ بِالِائْتَمَامِ بِالصَّحِيحِ وَالرَّاكِعِ السَّاجِدِ لَمْ يَصِرْ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَةِ وَالْأَرْكَانِ وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ افْتِتَاحِ الْكُلِّ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ قَادِرٌ عَلَى التَّكْبِيرِ ثُمَّ تَفْسُدُ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ لِتَرْكِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَصَلَاتُهُمْ لِعَدَمِهَا فِي حَقِّهِمْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِعَجْزِهِ ، يُرْوَى هَذَا عَنْ الْكَرْخِيِّ ، وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ الْمُقْتَدِيَ بِهِ مُتَنَفِّلًا الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَسَادٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا ، وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ .
وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ ، هَذَا وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ .
وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ ، ثُمَّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ : إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ إذَا عَلِمَا أَنَّ خَلْفَهُمَا قَارِئٌ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ : لَا فَرْقَ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ ، وَشَرَطَ الْكَرْخِيُّ لِلْفَسَادِ فِي إمَامَةِ الْقَارِئِ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ يَأْتِيهِ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامٍ .
وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي صَلَاةِ

الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقِيلَ تَفْسُدُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ يَقْتَضِيهِ .
وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ عَدَمَهُ .
وَفِي النِّهَايَةِ : لَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ حَضَرَ الْقَارِئُ قِيلَ تَفْسُدُ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهَا بِقِرَاءَةٍ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ ، وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ .
وَنَقَلَ فِي الْمُحِيطِ : رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ كَانَ الْقَارِئُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِجِوَارِهِ وَالْأُمِّيُّ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحْدَهُ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْقَارِئُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ جَازَ لِلْأُمِّيِّ الصَّلَاةُ دُونَ انْتِظَارٍ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى .
وَفِي الْكَافِي : إذَا كَانَ بِجِوَارِهِ مَنْ يَقْرَأُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَانْتِظَارُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِيُلْزِمَهُ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ إذَا صَادَفَهُ حَاضِرًا مُطَاوِعًا انْتَهَى .
وَأَصَحِّيَةُ الْفَسَادِ فِي الثَّانِيَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَعَ ظُهُورِ عَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ فِيهَا عَدَمَ الْفَسَادِ إمَّا أَنْ تَكُونَ إذَا شَرَعَا مَعًا مُنْفَرِدَيْنِ وَالْأُمِّيُّ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَارِئَ يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِي الْمَكْتُوبَةِ ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ إذَا كَانَ حَاضِرًا مُطَاوِعًا مَعَ نَفْيِهِ وُجُوبَ الطَّلَبِ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَالْمُطَاوَعَةُ وَعَدَمُهَا إنَّمَا تُعْرَفُ بَعْدَ الطَّلَبِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ صُورَةَ خِلَافِيَّةِ الْكَرْخِيِّ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهَا تَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ لَا الْمُصَنِّفِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْقُدْرَةُ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ

وَالْحَجُّ عَلَى الْأَعْمَى وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا .
قُلْنَا : إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ ، وَهُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ بِلَا اخْتِيَارِهِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ ، وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَنْقُولَةِ لَوْ تَحَرَّمَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَفْسُدُ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا ) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ : أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْأُمِّيِّ لِإِمَامَةِ الْقَارِئِ فَصَارَ كَاسْتِخْلَافِ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ ، أَمَّا لَوْ قَدَّمَهُ بَعْدَ قَدْرِهِ صَحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ .
وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْكُلِّ وَجَعَلَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَوْلَى .
أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهُ ، هَذَا وَالْأُمِّيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا فَهُوَ آثِمٌ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي إخْرَاجِ الْحَرْفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ .
وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَنْ الْقِيَامِ هَلْ يَتَقَدَّرُ بِالْقِرَاءَةِ ؟ فَقَالَ لَا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي اللَّاحِقِ فِي الشَّافِي .

بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ( وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ } وَالْبَلْوَى فِيمَا يُسْبَقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ( وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ ، وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ( وَالْمُنْفَرِدَ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ ، وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ ) ، وَالْمُقْتَدِيَ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ( وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ ) وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا الِاسْتِقْبَالُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ ، وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ حَيْثُ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ

تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ ، وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ هُوَ السُّتْرَةُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَمَوْضِعُ سُجُودِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( وَإِنَّ جُنَّ أَوْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَهْقَهَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَاطِعٌ .

( بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ) سَبْقُ الْحَدَثِ وَوُجُودُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا مِنْ الْعَوَارِضِ وَهِيَ تَتْلُو الْأَصْلَ فَأَخَّرَهَا ، وَقَدَّمَ هَذَا لِثُبُوتِ الْوُجُودِ مَعَهُ دُونَ كَرَاهَةٍ بِخِلَافِ مَا يُفْسِدُ وَيُكْرَهُ ( قَوْلُهُ انْصَرَفَ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ يُفِيدُهُ إيقَاعُهُ جَزَاءَ الشَّرْطِ خَبَرًا فَيَلْزَمُ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْكَذِبُ ، فَإِنْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ رُكْنٍ فَسَدَتْ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي .
وَفِي الْمُنْتَقَى : إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيِّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَلِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ آيِبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ ، وَإِنْ قِيلَ تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ ، وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ، وَلَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا فَرَفَعَ مُسْمِعًا لَا يَبْنِي لِأَنَّ الرَّفْعَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ ، فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ، لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ مُكَبِّرًا نَاوِيًا إتْمَامَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ لَا إنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ ، وَشَرْطُ الْبِنَاءِ كَوْنُهُ حَدَثًا سَمَاوِيًّا مِنْ الْبَدَنِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مُنَافٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، فَلَا يَبْنِي بِشَجَّةٍ وَعَضَّةٍ وَلَوْ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِإِصَابَةِ نَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ حَدَثِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ بَنَى اتِّفَاقًا .
وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ ذَاكَ غَسَلَ ثَوْبَهُ وَبَدَنَهُ ابْتِدَاءً وَهَذَا تَبَعًا لِلْوُضُوءِ ،

وَلَوْ أَصَابَتْهُ مِنْ حَدَثِهِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْنِي وَلَوْ اتَّحَدَ مَحَلُّهُمَا ، وَلَا لِقَهْقَهَةٍ وَكَلَامٍ وَاحْتِلَامٍ وَلَا لَسَيْلَانِ دُمَّلٍ غَمَزَهَا ، فَإِنْ زَالَ السَّاقِطُ مِنْ غَيْرِ مُسْقِطٍ فَقِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ الْعِبَادِ ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ .
وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ سَبَقَهُ لِعُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنُحِهِ ، وَلَوْ سَقَطَ الْكُرْسُفُ مِنْهَا بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا بَنَتْ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَحَرُّكِهَا عَلَى الْخِلَافِ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ إذَا أَمْكَنَهَا الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ كَأَنْ تَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهَا بِلَا كَشْفٍ ، وَكَذَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ كَشْفِهِمَا .
وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَفِي الْخُلَاصَةِ : إذَا اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ ثُمَّ نَقَلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يُسْتَنْجَى مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ .
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ : إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا لَمْ تَفْسُدْ ، وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ ، وَجَعْلُ الْفَسَادِ مُطْلَقًا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ ، وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي الْأَصَحِّ ، وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ ، وَلَوْ جَاوَزَ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ أَوْ كَانَ بِئْرًا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ أَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَجَاوَزَهُ نَاسِيًا لِاعْتِيَادِهِ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَوْضِ لَا تَفْسُدُ ، وَأَمَّا بِلَا عُذْرٍ فَتَفْسُدُ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا سَبَقَهُ فِي الصَّلَاةِ ، فَلَوْ خَافَهُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ لَا يَبْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَهَلْ يَسْتَخْلِفُ لِلِانْصِرَافِ خَوْفًا عِنْدَهُ ؟ يَجُوزُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَصْرِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ، وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ

اسْتَخْلَفَ ) بِأَنْ يَأْخُذَ بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ يُشِيرَ إلَيْهِ ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَفْعَلَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ آخِذًا بِأَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ وَخَرَجَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ .
وَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ رِوَايَتَانِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الصُّفُوفِ مُتَّصِلَةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَوْ مُنْفَصِلَةً خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْمُتَّصِلَةِ ، لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ .
وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ بُطْلَانُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْحِرَافِ ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ عَلَى خِلَافِهِ فَيَقْتَصِرُ الْجَوَازُ عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَلِيفَةِ صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَمُحْدَثٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ اسْتَخْلَفَهُ قَصْدًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ غَيْرُ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ فَسَتَأْتِي آخِرَ الْبَابِ .
وَلَوْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا وَنَوَى كُلٌّ الْإِمَامَةَ فَالْإِمَامُ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَحَقُّ الِاسْتِخْلَافِ لَهُ .
وَفِي الْفَتَاوَى : إنْ نَوَيَا مَعًا الْإِمَامَةَ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِخَلِيفَةِ الْإِمَامِ وَفَسَدَتْ عَلَى الْمُقْتَدِينَ بِخَلِيفَةِ الْقَوْمِ .
وَلَا اخْتِلَافَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعِيَّةِ غَيْرُ مُرَادَةٍ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةَ الْقَوْمِ اقْتَدُوا بِهِ ثُمَّ نَوَى الْآخَرُ فَاقْتَدَى بِهِ الْبَعْضُ جَازَ صَلَاةُ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْآخَرِينَ ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ

وَشِمَالِهِ فِي صَفِّهِ وَمَنْ خَلْفَهُ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ .
وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ .
وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ انْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ .
وَفِيهَا : لَوْ تَأَخَّرَ لِيَسْتَخْلِفَ فَلَبِثَ يَنْظُرُ مَنْ يَصْلُحُ فَقَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ كَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ وَسَطِ الصَّفِّ لِلْخِلَافَةِ وَتَقَدَّمَ فَصَلَاةُ مَنْ كَانَ أَمَامَهُ فَاسِدَةٌ وَمَنْ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلًا مِنْ وَسَطِ الصَّفِّ فَخَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ قُدَّامَهُ .
وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدٍ وَقَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَسْجِدِ جَازَ ، وَلَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ هَذَا الرَّجُلُ إلَى الْمِحْرَابِ وَيَقُومَ مَقَامَهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَالْقَوْمِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ اسْتَخْلَفَ فَاسْتَخْلَفَ الْخَلِيفَةُ غَيْرَهُ قَالَ الْفَضْلِيُّ : إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ حَتَّى اسْتَخْلَفَ جَازَ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّ الثَّانِيَ تَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ قَدَّمَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ أَفْسَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَضُرُّهُ لَا غَيْرَهُ .
وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِالْخَلِيفَةِ ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلِيفَتُهُ قَائِمٌ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا يَتَأَخَّرُ

وَيَتَقَدَّمُ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ وَالْخَلِيفَةُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا فَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي .
هَذَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْأَوَّلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ .
قَالُوا لَوْ أَحْدَثَ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى جَاءَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ ثُمَّ خَرَجَ كَانَ الثَّانِي خَلِيفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالثَّانِي .
وَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَحْدَثَ الثَّانِي فَجَاءَ الْأَوَّلُ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي تَقْدِيمُهُ ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ تَقْدِيمُهُ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَاءَ ) الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ النَّوَاقِضِ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانِ الْفَارِسِيِّ ، وَمِنْ التَّابِعِينَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَطَاوُسٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً ، عَلَى أَنَّ صِحَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ مُرْسَلًا لَا نِزَاعَ فِيهَا وَذَلِكَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ } إلَخْ ) غَرِيبٌ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ } وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ إذْ لَا صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ .
فَإِنْ قُلْت : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِخْلَافِ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ ؟ قِيلَ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَرَجَ

عَلَيْنَا عُمَرُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ رَجَعَ يَخْرِقُ الصُّفُوفَ ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا إذَا نَحْنُ بِعُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ سَارِيَةٍ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ : لَمَّا دَخَلْت فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرْت رَابَنِي شَيْءٌ فَلَمَسْت بِيَدِي فَوَجَدْت بِلَّةً .
وَلِلْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : إنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَدَاةَ أُصِيبَ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْته يَقُولُ : قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ .
وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَعَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ وَانْصَرَفَ ( قَوْلُهُ وَالْبَلْوَى ) جَوَابٌ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ : يَعْنِي أَنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ تَجْوِيزَ الْبِنَاءِ لَهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ فِيمَا فِيهِ بَلْوًى وَهُوَ مَا يُسْبَقُ .
أَمَّا الْعَمْدُ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ فَضْلًا عَنْ التَّخْفِيفِ ( قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ ) بِنَاءً عَلَى صَرْفِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَلْيَبْنِ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى الْإِبَاحَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلرِّفْقِ لَا أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالْمُقْتَدِي يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ) عَلَّلَهُ بِصِيَانَةِ الْفَضِيلَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ أَوْلَى وَذَكَرَ مُقَابِلَهُ فِي مُقَابِلِهِ : أَعْنِي الِاسْتِقْبَالَ فِي الْمُنْفَرِدِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ خَبَرًا إذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ ) وَقِيلَ إنْ عَادَ تَفْسُدُ لِزِيَادَةِ مَشْيٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ ) أَيْ حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ أَيْ مَانِعٌ

مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ ، وَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِهِ ، وَمَرْجِعُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : الْبِنَاءُ وَالطَّرِيقُ وَالنَّهْرُ فَالْأَوَّلُ مِنْهُ حَائِطٌ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ لَيْسَ فِيهِ نَقْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَاخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ الصِّحَّةُ ، وَعَلَى هَذَا الِاقْتِدَاءُ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمِئْذَنَةِ .
وَلَهُمَا بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِه يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ فَعَلَى الْخِلَافِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارَ الصِّحَّةَ وَقَالَ : لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَدَارُهُ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ أَوْ عَلَى جِدَارٍ بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ صَحَّ ، وَعَلَى دُكَّانٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ يَصِحُّ بِشَرْطِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ .
وَالثَّانِي الطَّرِيقُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ لَمْ يَصِحَّ ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً عَلَيْهِ ، فَإِنْ اتَّصَلَتْ أَوْ كَانَ أَضْيَقَ مِنْ قَدْرِ الْعَجَلَةِ صَحَّ ، وَلَوْ كَانَ خَلْفَهُ وَاحِدٌ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ الْقِيَامُ خَلْفَ هَذَا الْوَاحِدِ ، وَكَذَا الِاثْنَانِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالثَّلَاثَةُ يَجُوزُ خَلْفَهُمْ اتِّفَاقًا ، وَإِذَا قَامُوا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الطَّرِيقِ صُفُوفًا وَصَفٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قُدَّامَهُ قَدْرُ الْعَجَلَةِ فَسَدَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلْفَهُ ، وَكَذَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ صَفٍّ لِقِيَامِهِمْ عَلَى نَجَاسَةٍ تَفْسُدُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُمْ أَجْمَعَ ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ فَسَدَتْ عَلَى الْكُلِّ أَيْضًا ، وَالْمَانِعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِي الْفَلَاةِ خَلَاءٌ يَسَعُ صَفَّيْنِ وَلَا يَمْنَعُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَإِنْ وَسِعَ أَكْثَرَ .
وَاخْتُلِفَ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ وَجَعَلَهُ فِي النَّوَازِلِ كَالْمَسْجِدِ ، وَلَوْ كَانَتْ فُرْجَةٌ وَسَطَ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ قَدْرَ حَوْضٍ كَبِيرٍ وَهُوَ مَا لَا يُنَجَّسُ إلَّا

بِالتَّغَبُّرِ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ حَوْلَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جَازَ مُطْلَقًا .
وَالثَّالِثُ نَهْرٌ يَجْرِي فِيهِ زَوْرَقٌ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ جَازَ الِاقْتِدَاءُ مِنْ وَرَائِهِ ، أَوْ وَاحِدٌ فَلَا ، أَوْ اثْنَانِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقِ ، وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ فِي الْمُخْتَارِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ ) فِي النِّهَايَةِ هِيَ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ حَائِطِ الْقِبْلَةِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَهُوَ يَمْشِي مُتَوَجِّهًا لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ .
( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ) ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ظَنَّ مَاسِحٌ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مُتَيَمِّمٌ سَرَابًا مَاءً أَوْ ظَنَّ حُمْرَةً دَمًا أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ تَكُنْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ فَالْحَقُّ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ ) وَجْهُ صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ جَوَازُ الرَّمْيِ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ قَصْدِ الْكُفَّارِ ، وَإِنْ غَلَبَ ظَنُّ إصَابَةِ الْمُسْلِمِينَ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَ رَمْيِهِمْ أُلْحِقَ بِحَقِيقَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ، لَكِنْ أُظْهِرَ التَّفَاوُتُ بِتَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ وَاتِّحَادِ الْمَكَانِ كَالْمَسْجِدِ إذْ لَهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلِذَا لَوْ كَرَّرَ سَجْدَةً فِي زَوَايَاهُ لَزِمَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَمُصَلَّى الْجِنَازَةِ كَالْمَسْجِدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ ، فَلَوْ خَرَجَتْ عَنْ مُصَلَّاهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَالْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلِذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مِقْدَارَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامَهُ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِقْدَارُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ ا هـ .
وَالْأَوْجُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ سُتْرَةً أَنْ يَعْتَبِرَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ

وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ ) وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ ، وَقِيلَ الْفَسَادُ بِالِاسْتِخْلَافِ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُهُ .
وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ أَبِي جَعْفَرٍ : إذَا أَتَى الْخَلِيفَةُ بِالرُّكُوعِ فَسَدَتْ وَقَبْلَهُ لَا .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ : إنْ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِلَّا لَا ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ) وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَحَايَلَهُ لَا يَبْنِي فَلَا يَبْنِي .
وَفِي النِّهَايَةِ : وَمَا يُجَانِسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ : صَلَّى الْعِشَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا تَرْوِيحَةً أَوْ فِي الظُّهْرِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً وَأَنَّهُ مُسَافِرٌ يَسْتَقْبِلُ ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْفَرَاغِ يَبْنِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَامِدٌ فِي السَّلَامِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَامُ الْعَمْدِ قَاطِعٌ ، وَفِي الْأَخِيرَةِ ظَنَّ الْفَرَاغَ فَلَمْ يَتَعَمَّدْ السَّلَامَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَصْدُ رَفْضٍ أَوْ إصْلَاحٍ أَصْلًا ، بَلْ ظَنَّ تَمَامَ مَا تَوَهَّمَهُ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَصْدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْكَيْفِ وَالْقَصْدُ مِنْ الْفِعْلِ ( قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ ) أَيْ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ بِظَنٍّ ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافًا جَازَ الْبِنَاءُ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ كَانَ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ ( قَوْله اسْتَقْبَلَ ) أَيْ إنْ وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُحْدِثًا بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فِي مَكَانِهِ فَيَصِيرَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ أَوْ يَضْطَرِبَ عِنْدَهَا وَذَلِكَ فِعْلٌ مِنْهُ وَبِهِ تَتِمُّ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

يَقْصِدُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُفْسِدَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا أَوْ لَا ، وَكَذَا فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْ الْكَلَامِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

( وَإِنْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدَّمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُمْ ) لِأَنَّهُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ فَأَشْبَهَ الْجَنَابَةَ فِي الصَّلَاةِ .
وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هَاهُنَا أَلْزَمُ ، وَالْعَجْزُ عَنْ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِالْجَنَابَةِ .
وَلَوْ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ ( وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ ، لَكِنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ حُصِرَ ) بِوَزْنِ تَعِبَ فِعْلًا وَمَصْدَرًا الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يُجْزِئُهُ ) بَلْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ كَالْأُمِّيِّ لِأَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَدَثِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَلَيْسَ الْحَصْرُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ دُونَهُ لِنُدْرَةِ نِسْيَانِ جَمِيعِ مَا يَحْفَظُ بِخِلَافِ الْحَدَثِ ، وَلِتَوَقُّفِ كُلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِيهَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ هُنَا أَلْزَمُ ) لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَوْ وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ ، وَهَذَا لَوْ تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ .
لَا يُقَالُ : هَذَا قِيَاسٌ حَيْثُ عَيَّنَ الْعِلَّةَ وَأَلْحَقَ .
لِأَنَّا نَقُولُ : تَعْيِينُ الْمَنَاطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَيْضًا عَلَى مَا قُرِّرَ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ حَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ ، أَلَا تَرَى إلَى تَسْمِيَةِ الشَّافِعِيَّةِ لَهُ قِيَاسًا جَلَّيَا ، وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ مِنْ الشَّرْعِ تَجْوِيزَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِسَبْقِ حَدَثِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ شُرُوطَ الصَّلَاةِ بَادَرَ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لِصَوْنِ صَلَاةِ الْقَوْمِ عَنْ الْفَسَادِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِهِمْ عَجْزًا لَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهِ هُوَ فِي الْمُتَنَازِعِ فِيهِ فَيُلْحَقَ بِهِ دَلَالَةً ( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ ، وَلَوْ فَعَلَ مَعَ إمْكَانِ آيَةٍ فَسَدَتْ .
وَفِي النِّهَايَةِ : إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، أَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجُزْ ، وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ النِّسْيَانُ هُنَا بِمَا

يُشْبِهُهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ .

( فَإِنَّ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ ) وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ ( وَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا ، أَوْ مُومِيًا فَقَدَر عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ قَبْلَ هَذِهِ أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ ، أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ ، أَوْ كَانَ صَاحِبَ عُذْرٍ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا ، فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ .
لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ .
وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَمَّتْ قَارَبَتْ التَّمَامَ ، وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ حَتَّى يَجُوزَ فِي حَقِّ الْقَارِئِ ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ ضَرُورَةُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّةِ الْإِمَامَةِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلْفِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْدَثَ الْمُتَيَمِّمُ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ فَوَجَدَ مَاءً فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي دُونَ فَسَادٍ لِأَنَّ انْتِقَاضَ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَرُؤْيَةُ الْمَاءِ هُنَا بَعْدَ انْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ حَالَ قِيَامٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ انْتِقَاضُهُ مُسْتَنِدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ : لَوْ قَالَ : فَإِنْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ أَوْ الْمُقْتَدِي بِهِ إلَخْ لَكَانَ أَشْمَلَ ، فَإِنَّ الْمُتَوَضِّئَ الْمُقْتَدِيَ بِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ لِاعْتِقَادِهِ قُدْرَةَ إمَامِهِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
وَفِيهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَا تَبْطُلُ وَقِيلَ تَبْطُلُ وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ .
قَالَ : وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا تَبْطُلُ بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَبْنِي لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثِ سَبْقِهِ لِلْحَالِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلْ يَظْهَرُ عِنْدَهُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فَكَأَنَّهُ شَرَعَ بِلَا طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ انْتَهَى .
وَهَذَا الصَّرِيحُ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ .
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافُ ثُمَّ الْقَيْءُ إنَّ أَوْجَبَتْ أَحْدَاثًا مُتَعَدِّدَةً يُجْزِئُهُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ ، فَالْأَوْجَهُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَهُوَ

الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَال ثُمَّ رَعَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَحْنَثُ .
وَإِنْ قُلْنَا لَا تُوجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا النَّظَرَ فِيهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْحَقُّ فِي اعْتِقَادِي ، لَكِنْ كَلَامُ النِّهَايَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَلَا تَتَفَرَّعُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ ( قَوْلُهُ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا ، فَلَوْ كَانَ ضَيِّقًا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ تَمَّتْ لِلْمُنَافِي قَوْلُهُ أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً ) أَيْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى إمَامِهِ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ ) يَعْنِي طُلُوعُهَا مُفْسِدٌ ، فَإِذَا طَلَعَتْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا .
وَلْنَسْتَطْرِدْ ذِكْرَ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ .
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِيهَا تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا } وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ .
وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ الْمُتَقَدِّمِ الْفَسَادَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ .
وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ النَّهْيُ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا رَوَوْا عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دَفْعًا لِإِهْمَالِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ .
وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَذَّرُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ الْأَفْعَالِ فِي أَيِّ رُكْنٍ وَقَعَ الطُّلُوعُ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طُلُوعُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَا يُفِيدُ الْإِمْسَاكُ مَنْعَهُ .
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُعْرَفُ بِالِاثْنَيْ عَشَرَةَ وَزِيدَ عَلَيْهَا مَا إذَا وُجِدَ مَاءٌ يُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ : أَعْنِي

بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَمَا إذَا دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ فِي قَضَاءِ فَائِتَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَلَمْ تَسْتَتِرْ مِنْ وَقْتِهَا وَكَوْنُ الِانْقِطَاعِ الْمُفْسِدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا دَامَ وَقْتًا كَامِلًا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوَقَعَ الِانْقِطَاعُ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ مُؤَثِّرٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ الْأَصْلُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، قِيلَ قَائِلُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ ( قَوْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك ( قَوْلُهُ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ لَا بِلَا اخْتِيَارٍ .
وَقَدْ يُقَالُ : اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِيَارِ لِيَنْتَفِيَ الْجَبْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقَاصِدِ لَا الْوَسَائِلِ ، وَإِذًا لَوْ حُمِلَ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَفَاقَ فَتَوَضَّأَ فِيهِ أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِيُتَوَصَّلَ ، فَكَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْقَاطِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا اخْتِيَارٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى صَلَاةٍ أُخْرَى ، وَلَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ هُوَ قُرْبَةُ قَاطِعٍ .
فَلَوْ فَعَلَ مُخْتَارًا مُحَرَّمًا أَثِمَ لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ .
وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ لِعَدَمِ الْفِعْلِ بَلْ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْحَدَثِ ، إذْ بِالرُّؤْيَةِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْقِطَاعِ الْعُذْرِ يَظْهَرُ السَّابِقُ فَيَسْتَنِدُ النَّقْصُ فَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ لِقِيَامِ حُرْمَتِهَا حَالَةَ الظُّهُورِ ، بِخِلَافِ الْمُنْقَضِيَةِ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَيْضًا .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي

حَنِيفَةَ .
بَلْ هُوَ حُمِلَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا رَأَى خِلَافَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ عِنْدَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ فِي أَثْنَائِهَا كَيْفَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَهُوَ السَّلَامُ وَهُوَ آخِرُهَا دَاخِلًا فِيهَا ، وَاعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ فِي ذَلِكَ كَهُوَ قَبْلَهُ ، وَلِذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ ) أَيْ فِي حَالَةِ الْحَدَثِ ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَفْسِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ فَلِذَا أَفْسَدَ فِي مَسْأَلَةِ تَوَهُّمِ الْحَدَثِ دُونَ الِانْصِرَافِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فُعِلَ الْمُفْسِدُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اسْتِخْلَافِ إمَامٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَتَتِمَّ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ .

( وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَهُ أَجْزَأَهُ ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ ، وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ ، وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ ( فَلَوْ تَقَدَّمَ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ( وَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ ، فَلَوْ أَنَّهُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ ) لِأَنَّ الْمُفْسِدَ فِي حَقِّهِ وُجِدَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَا : لَا تَفْسُدُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) لَهُمَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ وَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ .
وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدَ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي ، غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامَ فِي مَعْنَاهُ ، وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ ) أَفَادَ التَّعْلِيلُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَلَا لَاحِقًا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِتْمَامِ ، وَحِينَئِذٍ فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ كَذَا هَذَانِ ، وَكَمَا يُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ لَوْ تَقَدَّمَ كَذَا الْآخَرَانِ ، أَمَّا الْمُقِيمُ فَلِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ الْخَلِيفَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ .
وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ .
قُلْنَا لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةَ عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ .
إذْ الْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى ، وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ .
أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْأَوَّلُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ ، وَهَذَا إذَا عَلِمَ نِيَّةَ الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ الْإِقَامَةِ ، وَيُقَدِّمُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ بِهِمْ ثُمَّ يَقْضِي الْمُقِيمُونَ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدِينَ ، وَلَوْ اقْتَدَوْا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ دُونَ الْمُسَافِرِينَ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ إنَّمَا تُوجِبُ الْمُتَابَعَةَ إلَى هُنَا .
وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَ الْوَاجِبَ بِأَنْ بَدَأَ بِإِتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَدِّمُ غَيْرَهُ لِلسَّلَامِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ مَعَهُ ، أَمَّا إذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ بِأَنْ قَدَّمَ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَيُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى

يَفْرُغَ مِمَّا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُتَابِعُونَهُ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ ( قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ ) بَانِيًا عَلَى ذَلِكَ ، فَلِذَا قَالُوا لَوْ اسْتَخْلَفَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ مُقِيمًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَصَلَاةُ الْقَوْمِ كَذَا هَذَا ، ثُمَّ هَذَا فَرْعُ عِلْمِ الْمَسْبُوقِ بِكَمِّيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ يُتِمُّ رَكْعَةً وَيَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُتِمُّ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ الْقَوْمُ بَلْ يَصِيرُونَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ فَيُصَلُّونَ مَا عَلَيْهِمْ وُحْدَانًا وَيَقْعُدُ هَذَا الْخَلِيفَةُ عَلَى كُلِّ رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا .
( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ) احْتِرَازٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا تَامَّةٌ ، قَالُوا : وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِتَقْسِيمٍ يَسْتَدْعِي الْمُخَالَفَةَ فِي الْجَوَابِ .
ثُمَّ أَجَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْبِنَاءِ وَضَحِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفْسِدُ وَكَذَا ضَحِكُ الْخَلِيفَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُومًا بِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَلِذَا قَالُوا : لَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْقَوْمِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً ، أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ إلَخْ ) لَفْظُ الْأَوَّلِ هُنَا تَسَاهُلٌ ، إذْ لَيْسَ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَامٌ ثَانٍ ، إذْ لَيْسَ فِيهَا اسْتِخْلَافٌ ، بَلْ حَاصِلُهَا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا مَسْبُوقِينَ وَمُدْرِكِينَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى مَحَلِّ السَّلَامِ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ عِنْدَ الْكُلِّ ، ثُمَّ فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِينَ عِنْدَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ

يَكُونُوا قَضَوْا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْإِمَامُ بِأَنْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ ، أَمَّا لَوْ قَامَ فَقَضَى رَكْعَةً فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ انْفِرَادَهُ حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ ، إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ ) أَيْ مُتَمِّمٌ لِلصَّلَاةِ ، وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ يَشْتَمِلُ عَلَى كَافِ الْخِطَابِ فَهُوَ مِنْ الْكَلَامِ فِي ذَاتِهِ وَفِي حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْإِفْسَادُ إذْ لَمْ يُفَوِّتْ شَرْطَ الصَّلَاةِ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بَلْ هُوَ قَاطِعٌ فَكَأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِهِ فَلَمْ يَفْسُدْ شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ ، بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ لِتَفْوِيتِهَا الطَّهَارَةَ فَتُفْسِدُ جُزْءَا تُلَاقِيهِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ ، وَلِهَذَا لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُسَلِّمُوا ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ قَهْقَهَ ذَهَبُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا .
.

[ وَهَذَا فَصْلٌ فِي الْمَسْبُوقِ كُنَّا وَعَدْنَاهُ ] وَهُوَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ هُوَ كَالْمُنْفَرِدِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ : إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ بَانَ تَحْرِيمُهُ ، أَمَّا لَوْ نَسِيَ أَحَدُ الْمَسْبُوقَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ كَمِّيَّةَ مَا عَلَيْهِ فَقَضَى مُلَاحِظًا لِلْآخَرِ بِلَا اقْتِدَاءٍ بِهِ صَحَّ .
ثَانِيهَا لَوْ كَبَّرْنَا وَبِالِاسْتِئْنَافِ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا قَاطِعًا لِلْأَوْلَى بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ عَلَى مَا يَأْتِي .
ثَالِثُهَا لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى سَجَدَ يَمْضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِسَهْوِ غَيْرِهِ .
رَابِعُهَا : يَأْتِي بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَلَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ بَلْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ بَعْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَهْوٍ عَلَى الْإِمَامِ فَيَصِيرُ حَتَّى يَفْهَمَ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ، إذْ لَوْ كَانَ لَسَجَدَ .
قُلْت : هَذَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ ، أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهُ قَبْلَهُ فَلَا ، وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ : إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ ، أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورُ خُرُوجَ الْوَقْتِ ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ تَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ } وَهَذِهِ مُخَالَفَةٌ لَهُ ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ .
لَوْ قَامَ قَبْلَهُ .
قَالَ فِي النَّوَازِلِ : إنْ قَرَأَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ بِثَلَاثٍ ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ سَيَقْرَأُ فِي الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ ، وَلَوْ قَامَ حَيْثُ يَصِحُّ وَفَرَغَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَابَعَهُ فِي السَّلَامِ قِيلَ تَفْسُدُ ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا تَفْسُدَ وَإِنْ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُفْسِدًا لِأَنَّ هَذَا مُفْسِدٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَهُوَ كَتَعَمُّدِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ سَهْوِهِ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَهُ فَهُوَ سَلَامُ عَمْدٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ ، وَلَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَهْوًا فَسَجَدَ وَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَبِنَاءً عَلَيْهِمَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ .
وَأَشْبَهَهُمَا فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرِ لَا ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَالْأَوَّلُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَتَيْنِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ مُفْسِدٌ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَسَائِلِ السَّجَدَاتِ ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ قَالُوا : لَوْ تَابَعَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا قُيِّدَ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ .
وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ لِذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ : لَا تَفْسُدُ بِزِيَادَةِ سَجْدَتَيْنِ ، بَلْ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ الِاقْتِدَاءُ فِي مَوْضِعٍ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّاحِقَ إذَا سَجَدَ لِسَهْوِ

الْإِمَامِ مَعَ الْإِمَامِ تَكُونُ زِيَادَةُ سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِمَا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ .
وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَعَادَ إلَى قَضَائِهَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ ذَلِكَ وَيُتَابِعُ فِيهَا وَيَسْجُدُ مَعَهُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ عَوْدَ الْإِمَامِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ يَرْفُضُ الْقَعْدَةَ ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَصِرْ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ دُونَ رَكْعَةٍ فَيُرْتَفَضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا ، وَإِذَا ارْتُفِضَتْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْفِرَادُ لِأَنَّ هَذَا أَوَانُ افْتِرَاضِ الْمُتَابَعَةِ وَالِانْفِرَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ ، وَلَوْ تَابَعَهُ بَعْدَ تَقْيِيدِهَا بِالسَّجْدَةِ فِيهَا فَسَدَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ .
فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ تَفْسُدُ أَيْضًا ، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا .
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ رَفَضَ الْقَعْدَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ انْفَرَدَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ .
وَجْهُ نَوَادِرِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا تَمَّ انْفِرَادَهُ وَخَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ ارْتُفِضَتْ كُلُّهَا فِي حَقِّهِ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ انْفِرَادِهِ بِأَنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ الْإِمَامُ بَعْدَ إتْمَامِهَا ، أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِقَوْمٍ ثُمَّ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ اُرْتُفِضَ ظُهْرُهُ فِي حَقِّهِ لَا حَقِّهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُقِيمًا لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ وَقَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ لِلْإِتْمَامِ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ حَتَّى تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ عَادَ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَسَدَتْ ، وَإِنْ سَجَدَ فَإِنْ عَادَ فَسَدَتْ ، وَإِنْ لَمْ

يَعُدْ وَمَضَى عَلَيْهَا وَأَتَمَّ لَا تَفْسُدُ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَعَادَ إلَيْهَا يُتَابِعُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ ، وَعَلَيْهِ رُكْنَانِ : السَّجْدَةُ وَالْقَعْدَةُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ إكْمَالِ الرَّكْعَةِ ، وَلَوْ انْفَرَدَ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ فَسَدَتْ فَهُنَا أَوْلَى ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ تَفْسُدُ ، وَالتَّخْرِيجُ غَيْرُ خَافٍ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْك ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَنِي فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ وَاللَّاحِقِ إذَا اقْتَدَيَا بِمِثْلِهِمَا ، ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرَهَا فِي التَّشَهُّدِ ، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ، وَلَوْ تَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً بِتَشَهُّدٍ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ .
وَلَوْ تَرَكَ جَازَتْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَيَقْرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَيَتَشَهَّدَ ، لِأَنَّهُ يَقْضِي الْآخِرَ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَيَقْضِي رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا كَذَلِكَ وَلَا يَتَشَهَّدُ ، وَفِي الثَّالِثَةِ يَتَخَيَّرُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ ، وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَيَتَشَهَّدُ ، وَلَوْ تَرَكَ فِي إحْدَاهُمَا فَسَدَتْ لِأَنَّ مَا يَقْضِي أَوَّلُ صَلَاتِهِ ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَقَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَأَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْأُخْرَيَيْنِ فَالْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ تَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَدْرَكَ الثَّانِيَ خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا .
وَلَوْ أَدْرَكَ فِي التَّشَهُّدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَتَرَسَّلُ لِيَفْرُغَ

مِنْ التَّشَهُّدِ عِنْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثَنِّي حَتَّى يَقُومَ إلَى الْقَضَاءِ ، وَلَوْ سَهَا فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَقَدْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ لِسَهْوٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ ثَانِيًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ تُجْزِئُهُ سَجْدَتَانِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ السَّهْوُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
هَذَا وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ اللَّاحِقُ وَهُوَ الَّذِي اقْتَدَى بَعْدَمَا صَلَّى الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً مَثَلًا ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنْهُ لِنَوْمٍ أَوْ زَحْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَكَانًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْقَضَاءِ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ ثُمَّ بِمَا سُبِقَ بِهِ .
وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ فَرْضٌ ، وَعِنْدَنَا وَاجِبٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ ، فَلَوْ عَكَسَ هَذَا التَّرْتِيبَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ وَتَصِحُّ عِنْدَنَا .
ثُمَّ إمَّا أَنْ يَسْتَيْقِظَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ بَعْدَمَا فَرَغَ الْإِمَامُ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَالْفَرَاغُ يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا حَالَ نَوْمِهِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ ، ثُمَّ بِأُخْرَى لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ، ثُمَّ بِأُخْرَى لَا يَقْرَأُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِلْخَتْمِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَبْلَ رُكُوعٍ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يُصَلِّي فِيمَا أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مَعَ إمَامٍ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ ، فَلَوْ نَقَضَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَتَابَعَ فِيمَا أَدْرَكَ ثُمَّ قَضَى مَا سَبَقَهُ بِهِ ثُمَّ مَا نَامَ فِيهِ جَازَ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ ا هـ .
ثُمَّ يَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَةٍ .
أَمَّا فِيمَا أَدْرَكَ فَلِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَفِيمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ وَفِي ثَالِثَتِهِ لِلْمُتَابَعَةِ فَإِنَّهَا قَعْدَةُ خَتْمِ الْإِمَامِ وَفِيمَا بَعْدَهَا خَتْمُهُ .
وَلَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ مَعَ الْإِمَامِ بِسَهْوِ الْإِمَامِ بَلْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78