كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهَا مِنْ الْمَبْسُوطِ .

وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا عِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِدُونِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَبِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالْجِنَايَتَيْنِ وَفِي إحْدَاهُمَا رُجُوعٌ فَيَتَنَصَّفُ ؛ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَقَوْلُهُ ( فِي الْكِتَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ) يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ .
.

( قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا ) أَيْ بِالسَّرِقَتَيْنِ جَمِيعًا ( فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ) أَيْ نُقْصَانِ عَيْبِ السَّرِقَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ .
الْبَائِعِ ( وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِلَا رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ ) وَهُوَ السَّرِقَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَالْقَطْعُ بِهِمَا كَقَوْلِهِمَا ، وَلَكِنْ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ رَدَّهُ وَرَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِرُبْعِ الثَّمَنِ ( لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ ) فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِالسَّرِقَتَيْنِ الْكَائِنَتَيْنِ عِنْدَهُمَا فَيَتَوَزَّعُ نِصْفُ الثَّمَنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَ الْمُشْتَرِيَ وَيَرْجِعُ بِالْبَاقِي إنْ رَدَّهُ بِأَنْ رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ ، وَبِرُبْعِهِ إنْ أَمْسَكَهُ بِأَنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ النِّصْفِ لَزِمَ الْمُشْتَرِي فَيَسْقُطُ عَنْ الْبَائِعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا قَبِلَهُ أَقْطَعَ مَعِيبًا لَا مَعَ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ النُّقْصَانِ بِالسَّبَبِ الْكَائِنِ عِنْدَهُ بَلْ يَتَوَزَّعُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِمَا ، كَمَا فِي الْغَاصِبِ لِلْعَبْدِ إذَا سَرَقَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَسَرَقَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَقُطِعَ بِالسَّرِقَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ) بَعْدَ أَنْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بَعْدَهُ ( ثُمَّ قُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ ) بِتِلْكَ السَّرِقَةِ ( رَجَعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) بِالثَّمَنِ ( كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا اخْتَارَ الرَّدَّ ؛ لِأَنَّك عَلِمْت أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ بِالْكُلِّ أَوْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ

فَيَرْجِعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ( وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ ) الَّذِي قُطِعَ فِي يَدِهِ ( عَلَى بَائِعِهِ ) بِالنُّقْصَانِ ( وَلَا يَرْجِعُ بَائِعُهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ ) أَمَّا رُجُوعُ الْأَخِيرِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبِعْهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَعَلِمْت أَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي لِلْمَعِيبِ حَبْسٌ لِلْمَبِيعِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ ( وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ( وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ ) أَيْ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ ( يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ ( وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ ) عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ ( مُسْقِطٌ لِلرَّدِّ وَالْأَرْشِ ) وَأَمَّا عِنْدَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا فَلَا يَرْجِعُ إذَا عَلِمَ بِاسْتِحْقَاقِ يَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ عَلِمَ بِسَرِقَتِهِ أَوْ إبَاحَةِ دَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهٍ وَالْعَيْبِ مِنْ وَجْهٍ ، فَلِشَبَهِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا يَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ، وَلِشَبَهِهِ بِالْعَيْبِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ ، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ ، وَكَوْنُهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا ، .

( قَالَ : وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعُيُوبَ بِعَدَدِهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ .
هُوَ يَقُولُ : إنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ .
وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ .
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْغَرَضَ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا إلَخْ ) لَيْسَ الْعَبْدُ بِقَيْدٍ ، فَإِنَّ الْبَيْعَ .
بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحِيحٌ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ ، وَيَبْرَأُ الْبَائِعُ بِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْبَيْعِ مَعْلُومٍ لَهُ أَوْ غَيْرِ مَعْلُومٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْحَادِثِ ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ فِي الْبَرَاءَةِ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ كَقَوْلِنَا ، وَقَوْلٌ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا ، وَثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ ، وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ يَبْرَأُ الْبَائِعُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَّا لَا يَعْلَمُهُ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَوَجَدَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ابْنُ عُمَرَ فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ : أَتَحْلِفُ أَنَّك لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ ؟ فَقَالَ لَا ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ " ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كِتْمَانَ الْمَعْلُومِ تَلْبِيسٌ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ مَا ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا مُطْلَقًا هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِهِ ، قَالَ : وَهَذَا ( بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ ) فَنَصَبَ الْخِلَافَ فِي الْمَبْنِيِّ فَقَالَ : ( هُوَ يَقُولُ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ) حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ مَدْيُونَهُ فَرَدَّهُ الْمَدْيُونُ لَمْ يَبْرَأْ ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ( وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ ) ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } وَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى خِلَافِ

مُقْتَضَى الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَشَرْطِ عَدَمِ الْمَلِكِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ حَقٍّ يَتِمُّ بِلَا قَبُولٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ طَلَّقَ نِسْوَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ وَلَمْ يَدْرِ كَمْ هُمْ وَلَا أَعْيَانَهُمْ ، كَأَنْ وَرِثَ عَبِيدًا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ زَوَّجَهُ وَلِيُّهُ صَغِيرًا فَبَلَغَ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْأَعْيَانِ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ كَأَنْ يَقُولَ : .
أَسْقَطْتُ عَنْك دَيْنِي عَلَيْكَ ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يُبْطِلُهُ جَهَالَةُ السَّاقِطِ ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ ( لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ التَّمْلِيكُ ) فَأَظْهَرْنَا أَثَرَهُ فِي صِحَّةِ رَدِّهِ وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَانْتَفَى الْمَانِعُ وَوُجِدَ الْمُقْتَضِي ، وَهُوَ تَصَرُّفُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ ، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ جَهَالَةَ الْمُمَلَّكِ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَا تَتَرَتَّبُ فَائِدَةُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ ، أَمَّا الْإِسْقَاطُ فَإِنَّ السَّاقِطَ يَتَلَاشَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِتَمْلِيكِ الْمَجْهُولِ لَيْسَ الْجَهَالَةُ بَلْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَلِذَا جَازَ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لِلْمُنَازَعَةِ فِي تَعْيِينِ مَا يُسَلِّمُهُ لِلتَّفَاوُتِ .
وَأَمَّا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ أَبْرَأْتُ أَحَدَكُمَا فَلِجَهَالَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَصَحَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ ، وَيَلْزَمُ بِالتَّعْيِينِ ، عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَهُ وَأَلْزَمَهُ بِالتَّعْيِينِ كَطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ ، وَكَذَا الْعَتَاقُ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلِذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِهِ لَمْ يَبْطُلْ ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا { حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ

بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي خُزَيْمَةَ } وَذَلِكَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَوَّلًا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَتْلَى بَعْدَمَا اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ ، فَدَفَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَلِيٍّ مَالًا فَوَدَاهُمْ حَتَّى مَيْلَغَةِ الْكَلْبِ ، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَقَالَ : هَذَا لَكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ وَلَا يَعْلَمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُرَّ بِهِ } وَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ ، وَرُوِيَ { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْتَهِمَا وَتَوَاخَيَا الْحَقَّ وَلْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ } وَفِيهِ إجْمَاعٌ عَمَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي كَافَّةِ الْأَعْصَارِ اسْتَحَلَّ مِنْ مُعَامِلِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ مَا ذَكَرْنَا ، وَالْغُرُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إيهَامُ خِلَافِ الثَّابِتِ ، وَمِنْهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ حُرَّةً وَحِينَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَقَدْ نَبَّهَهُ عَلَى إبْهَامِ الْعُيُوبِ وَبَقَائِهِ فِي يَدِهِ بِهَا فَلَمْ يَغُرَّهُ ، وَقَوْلُهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، وَهُوَ السَّلَامَةُ ، قُلْنَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ اللُّزُومُ ، وَكَوْنُ السَّلَامَةِ مُقْتَضَاهُ إنْ أَرَدْت الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ سَلَّمْنَاهُ ، أَوْ الْمُقَيَّدَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ إنْ كَانَتْ مَنَعْنَاهُ ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ .
لَا يَصِحَّ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُسَمَّاةِ إنْ ظَهَرَتْ وَجَوَازُهُ اتِّفَاقًا ، وَقَوْلُهُ ( وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ ) يَعْنِيَ الْبَرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ ، فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الْبَرَاءَةِ

مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ ) فَتَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ ( وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ ) الْمُلَاحَظَ هُوَ الْمَعْنَى وَالْغَرَضُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ( الْغَرَضَ ) مِنْ هَذَا الشَّرْطِ ( إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ عَنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ ) لِيَلْزَمَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِحَالٍ ( وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ ) يُوجِبُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ ، وَالْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَلِكَ ، فَاقْتَضَى الْغَرَضُ الْمَعْلُومُ دُخُولَهُ ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ إدْخَالُ الْحَادِثِ بِلَا تَنْصِيصٍ وَهُوَ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ ، أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا نَصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ ذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ ، وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَادِثَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِتَقْرِيرِ غَرَضِهِمَا ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا وَيَثْبُتُ تَبَعًا ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ

مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ حَادِثٌ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ ظَاهِرٌ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَاطِنٌ ، فَإِذَا ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مَا أَسْقَطَ قَوْلُهُ .
[ فُرُوعٌ ] جَمَعَهَا فِي الدِّرَايَةِ : شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ أَوْ خَصَّ ضَرْبًا مِنْ الْعُيُوبِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ ، وَلَوْ شَرَطَهُمَا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ كَشَجَّةٍ فَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ أَوْ مَوْتٌ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ كَشَجَّةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ نَفْعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ لِلْبَائِعِ فَجَعَلَ الْخِيَارَ فِي تَعْيِينِ الْعَيْبِ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ لِلْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الشَّجَّةَ الْمُتَبَرَّأَ مِنْهَا عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ أَبْرَأَهُ مِنْ شَجَّةٍ بِهِ أَوْ عَيْبٍ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْفُجُورُ ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَلَوْ أُبْرِئَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ذَلِكَ ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قَطْعُ الْأُصْبُعِ عَيْبٌ .
وَالْأُصْبُعَيْنِ عَيْبَانِ وَالْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ عَيْبٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ قَبِلَ فِي الثَّوْبِ بِعُيُوبِهِ يَبْرَأُ مِنْ الْخُرُوقِ وَتَدْخُلُ الرُّقَعُ وَالرَّفْوُ ، وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ سِنٍّ سَوْدَاءَ تَدْخُلُ الْحَمْرَاءُ وَالْخَضْرَاءُ ، وَمِنْ كُلِّ قُرْحٍ تَدْخُلُ الْقُرُوحُ الدَّامِيَةُ ، وَفِي الْمُحِيطِ : أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّهُ عَدِمَهَا لَا عَيْبٌ بِهَا

، وَلَوْ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٌ إلَّا إبَاقَهُ بَرِئَ مِنْ إبَاقِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْإِبَاقُ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لِي قِبَلَك دَخَلَ الْعَيْبُ هُوَ الْمُخْتَارُ دُونَ الدَّرَكِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِانْتِفَاءِ الْعُيُوبِ ، حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ ، وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَيْسَ بِآبِقٍ صَحَّ إقْرَارُهُ ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَحُطَّ دِينَارًا جَازَ .
وَلَوْ دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي لِيَرُدَّ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ رِبًا وَزَوَالُ الْعَيْبِ يُبْطِلُ الصُّلْحَ فَيَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ مَا بَذَلَ أَوْ حَطَّ إذَا زَالَ ، وَلَوْ زَالَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرُدُّهُ ، وَلَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا ؛ وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك الْعُيُوبَ لَمْ يَجُزْ ، وَحَذْفُ الْحُرُوفِ أَوْ نَقْصُهَا أَوْ النُّقَطُ أَوْ الْإِعْرَابُ فِي الْمُصْحَفِ عَيْبٌ ، وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحُطَّ كُلَّ عَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ وَرَضِيَ الْأَجْنَبِيُّ بِذَلِكَ جَازَ وَجَازَ حَطُّ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ ؛ وَلَوْ قَصَّرَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مُتَخَرِّقٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِيَ تَخَرَّقَ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَالْبَائِعُ دِرْهَمًا جَازَ ، وَكَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ وَيَدْفَعَ لَهُ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَيَتْرُكَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا قِيلَ هَذَا غَلَطٌ ، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْقَصَّارُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى : أَدْخَلَ الْمُشْتَرِي الْقَدُومَ فِي النَّارِ أَوْ حَدَّ الْمِنْشَارَ أَوْ حَلَبَ الشَّاةَ أَوْ الْبَقَرَةَ لَمْ يُرَدَّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَرَّاةِ أَوْ غَيْرِهَا ، وَفِي الْمُصَرَّاةِ يَرُدُّ بِقِلَّةِ

اللَّبَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَزُفَرَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : وَالْمُصَرَّاةُ شَاةٌ وَنَحْوُهَا سُدَّ ضَرْعُهَا لِيَجْتَمِعَ لَبَنُهَا لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا كَثِيرَةُ اللَّبَنِ فَإِذَا حَلَبَهَا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عِنْدَنَا ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؟ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لَا ، وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَرْجِعُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بَعْدَ حُدُوثِ زِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ ، وَقِيلَ لَوْ اُخْتِيرَتْ هَذِهِ لِلْفَتْوَى كَانَ حَسَنًا لِغُرُورِ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ ، وَلَوْ اغْتَرَّ بِقَوْلِ الْبَائِعِ هِيَ حَلُوبٌ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ فَكَذَا هُنَا ، وَلَوْ وَقَفَ الْأَرْضَ أَوْ جَعَلَهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ امْتَنَعَ الرَّدُّ ، وَالرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ ، وَلَوْ اشْتَرَى ضَيْعَةً مَعَ غَلَّاتِهَا فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً رَدَّهَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَمَعَ غَلَّاتِهَا فَهُوَ رِضًا ، وَإِنْ تَرَكَهَا يَزْدَادُ الْعَيْبُ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ ،

( بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ) .

( بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ) الْبَيْعُ جَائِزٌ وَغَيْرُ جَائِزٍ ، وَالْجَائِزُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ ، وَبَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ الْمُقَايَضَةُ ، وَبَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ .
وَغَيْرُ الْجَائِزِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ الْخَمْرُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَعْلُومُ كَالسَّمْنِ فِي اللَّبَنِ ، وَغَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ كَالْآبِقِ وَمَوْقُوفٌ .
حَصَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ : بَيْعُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ : أَيْ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ ، وَبَيْعُ غَيْرِ الرَّشِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَا فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُزَارِعِ ، فَلَوْ تَفَاسَخَا الْإِجَارَةَ أَوْ رَدَّ الرَّهْنَ لِوَفَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَزِمَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُشْتَرِي ، وَكَذَا بَيْعُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَفَاسَخَا لَا يَنْفُذُ ، وَفِي الْعَقَارِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ .
وَبَيْعُ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْبَيْعُ بِرَقَمِهِ وَبِمَا بَاعَ فُلَانٌ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَبَيْعٌ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَبِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ وَبِمِثْلِ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ ، وَبَيْعُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ أَوْ جَحَدَ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ ثُمَّ الْبَيْعُ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ .
وَلْنُتَمِّمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَغْصُوبِ : ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الرَّهْنُ وَالْمُسْتَأْجَرُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ بِفَسْخٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يَتِمُّ الْبَيْعُ ، وَكَذَا إذَا أَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُرْتَهِنُ ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزَا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَاكِمِ

فَسْخَ الْعَقْدِ فَسَخَهُ ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ وَقْتَ الْبَيْعِ ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ عَلِمَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فَقِيلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَقِيلَ بَلْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى فَسْخُ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ .
وَفِي الْمُرْتَهِنِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤَجِّرِ حَتَّى الْفَسْخِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْمَالِكِ فِي الدَّعْوَى .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْإِجَارَةَ سَوَاءٌ : أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ لَا ، فَإِنْ أَجَازَ فَلَا أَجْرَ لِعَمَلِهِ .
وَفِي النَّوَازِلِ : فَلَوْ أَجَازَ الْمُزَارِعُ فَكِلَا النَّصِيبَيْنِ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي الْكَرْمِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ فَارِغَةً فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَمْ تَظْهَرْ الثِّمَارُ فِي الْكَرْمِ جَازَ الْبَيْعُ ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَرْغِينَانِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى .
ثُمَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَنْ الْفَاسِدِ أَنَّهُ الْمُوصِلُ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الدِّينِ الَّتِي لَهَا شُرِعَتْ الْعُقُودُ وَلِيَنْدَفِعَ التَّغَالُبُ وَالْوُصُولُ إلَى دَفْعِ الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّحَّةِ .
وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَعَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ ، ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ الْمِلْكَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ تَمَامَهُ إذْ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
وَفِي قَوْلِهِ إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ

وَالْبَاطِلِ ، فَالشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَصْفِهِ بَلْ بِأَصْلِهِ ، وَالْبَاطِلَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةً عَلَى الْبَاطِلِ ، لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُهُ أَصْلًا فَقَابَلُوهُ بِهِ وَأَعْطَوْهُ حُكْمًا يُبَايِنُ حُكْمَهُ وَهُوَ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ لَازِمٌ لَهُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ .
وَفِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ يَتَصَادَقَانِ .
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فِي الْعُرْفِ ، لَكِنْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ، وَلِذَا يُوَجِّهُ بَعْضُهُمْ الْأَعَمِّيَّةَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ وَالسُّوسِ بَطَلَ اللَّحْمُ ، وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ فَاعْتُبِرَ مَعْنَى اللُّغَةِ ، وَلِذَا أَدْخَلَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِشُمُولِهَا الْمَكْرُوهَ ؛ لِأَنَّهُ فَائِتٌ وَصْفَ الْكَمَالِ بِسَبَبِ وَصْفٍ مُجَاوِرٍ ثُمَّ الْفَاسِدُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَعُمُّ الْبَاطِلَ يَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ؛ فَخَرَجَ نَحْوُ جَهَالَةِ كَمِيَّةِ قُفْزَانِ الصُّبْرَةِ وَعَدَدِ الدَّرَاهِمِ فِيمَا إذَا بِيعَ صُبْرَةُ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ وَبِعَدَمِ مِلْكِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ

، وَالْفَسَادُ بِمَعْنَى الْبُطْلَانِ إلَّا فِي السَّلَمِ أَوْ مَعَ الْمِلْكِ لَكِنْ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَمِنْهَا الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ أَوْ التَّسَلُّمِ إلَّا بِضَرَرٍ كَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ .
وَمِنْهَا الْغَرَرُ كَضَرْبَةِ الْقَانِصِ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ ، بِخِلَافِ الصَّحِيحِ ، وَتَدْخُلُ فِيهِ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ كَبَيْعِهِ كَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا ، وَالِاتِّبَاعُ مَقْصُودٌ كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ تَدْخُلُ فِي عَدَمِ الْمِلْكِ ، وَبَيْعُ الْأَوْصَافِ كَأَلْيَةِ شَاةٍ حَيَّةٍ يَرْجِعُ إلَى مَا فِي تَسْلِيمِهِ ضَرَرٌ إذْ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا إلَّا بِذَبْحِهَا إذْ فِي قَطْعِهَا حَيَّةً عَجْزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَيِّتَةً يَبْطُلُ بَيْعُهَا ، وَكَوْنُ الْبَيْعِ مِنْ الْبَائِعِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ بِهِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ، وَعَدَمُ التَّعْيِينِ فِي بَيْعٍ كَبَيْعِ هَذَا بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ مُسْتَدْرَكٌ لِدُخُولِهِ فِي جَهَالَةِ الثَّمَنِ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ ) أَحَدُهُمَا ( غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ لَفْظَ فَاسِدٍ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَبِيعِ ، وَالثَّمَنِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ تَغْلِيبًا كَمَا قِيلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ خَاصٌّ بِالْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمُعَوَّضُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا لَا يَصِحُّ ، فَإِنْ كَانَ مَالًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَالْخَمْرِ ، وَكَذَا الثَّمَنُ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا مَيْتَةً فَهُوَ بَاطِلٌ ، فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هَذِهِ فُصُولُ جَمْعِهَا ) أَيْ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفَسَادُ ( وَالْوَاقِعُ أَنَّ فِيهَا تَفْصِيلًا ) يَعْنِي لَيْسَ كُلُّهَا فَاسِدًا ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي عُرْفِ فُقَهَائِنَا التَّبَايُنُ

بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ ، فَإِنَّ الْأَعَمَّ لَا يُنْفَى عَنْ الْأَخَصِّ قَالَ ( فَنَقُولُ : الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ ) لَا فَاسِدٌ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ ( وَكَذَا بِالْحُرِّ ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَيْتَةَ وَالْحُرَّ ثَمَنًا لِثَوْبٍ مَثَلًا ، وَذَلِكَ ( لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ ) يَعْنِي مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَلِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْحُرِّ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ مَالًا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ

( وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذِهِ فُصُولُ جَمْعِهَا ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ : الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ ، وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ ؛ .

( وَ ) أَمَّا ( الْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ) فَ ( فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ( مَالٌ عِنْدَ الْبَعْضِ ) وَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ : إنَّهُ مَالٌ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لِحِلِّهَا عِنْدَهُمْ ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْمَالِيَّةِ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِي شَرْعِنَا وَهُوَ كَذَلِكَ ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى تَسْمِيَةِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ هُوَ مَالٌ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ فَاسِدٌ ، وَبِمَا لَيْسَ مَالًا فِي دِينٍ سَمَاوِيٍّ بَاطِلٌ وَهَذَا سَهْلٌ ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي جَعْلِ حُكْمِهِ الْمِلْكَ قُلْنَا فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ ( أَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ) يَعْنِي إذَا جُعِلَا مَبِيعًا ( فَإِنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْنٍ ) بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ ( فَفَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ ) فِي الْجُمْلَةِ فِي شَرْعٍ ثُمَّ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا فِي شَرْعٍ نَسَخَ الْأَوَّلَ ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ ، بِخِلَافِ جَعْلِهِ ثَمَنًا ، وَإِذَا بَطَلَ كَوْنُ الْخَمْرِ مَبِيعًا فَلَأَنْ يَبْطُلَ إذَا جَعَلَ الْمَيْتَةَ وَالْحُرَّ مَبِيعًا أَوْلَى ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَبْطُلَ فِي الْمُقَايَضَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَيْضًا كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ ثَبَتَ صِحَّةُ اعْتِبَارِ الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَبِيعِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ، فَاعْتُبِرَ الْخَمْرُ ثَمَنًا وَالثَّوْبُ مَبِيعًا وَالْعَكْسُ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ تَرَجَّحَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْقُرْبِ مِنْ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ بِاعْتِبَارِ الْإِعْزَازِ لِلثَّوْبِ مَثَلًا فَيَبْقَى ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا لِإِعْزَازِ الثَّوْبِ لَا الثَّوْبِ لِلْخَمْرِ

فَوَجَبَ قِيمَةُ الثَّوْبِ لَا الْخَمْرُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَدْخُلَ الْبَاءُ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ الْخَمْرِ فِي جَعْلِ الثَّوْبِ الْمَبِيعَ .
وَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ النَّصُّ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى { ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ } وَمَعْنَى أَعْطَى بِي : أَعْطَى ذِمَّةً مِنْ الذِّمَّاتِ ، ذَكَرَهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ { لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ إلَى أَنْ قَالَ : وَبَائِعَهَا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا } وَحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ } وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَظَاهِرٌ .
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَا وَعَلَيْهَا الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا ، أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ شَرْعًا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِجَوَازِهَا إذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ عِنْدَهُمْ كَالْخَمْرِ .
كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ مُطْلِقًا عَنْ الْخِلَافِ .
وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ : يَجُوزُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَحْكَامَهُمْ كَأَحْكَامِنَا شَرْعًا إلَّا مَا اسْتَثْنَى بَعْدَ الْأَمَانِ ، وَاَلَّذِي اسْتَثْنَى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَيَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ .
وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ تَجُوزُ إلَّا الْخَمْرَ ، وَمَنَعَا جَوَازَ كُلِّ مَا حُرِّمَ شُرْبُهُ .
وَثُبُوتُ الضَّمَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَرْعُ الِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ .
وَقَوْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَنَحْوِهَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً عِنْدَنَا فَهِيَ

مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَجِبُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَكَانَتْ كَالْخَمْرِ ثُمَّ ( الْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ )

وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ .
وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَمَا فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ .
وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا .
وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ .

( وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ ) أَيْ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ ( يَكُونُ أَمَانُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ) هُوَ أَبُو نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ) وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ( وَعِنْدَ الْبَعْضِ ) كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ ( يَكُونُ مَضْمُونًا ) بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ( لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ .
وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا كَ ) الْخِلَافُ الْكَائِنُ بَيْنَهُمْ فِي ( أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ ) إذَا بِيعَا فَمَاتَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَضْمَنُهُمَا عِنْدَهُمَا ، وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ هُوَ الْمَأْخُوذُ لِيَشْتَرِيَ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ بِلَا إبْرَامِ بَيْعٍ كَأَنْ يَقُولَ : اذْهَبْ بِهَذَا فَإِنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ ، فَإِذَا هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ، فَإِذَا ضَمِنَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ صُورَةُ الْعِلَّةِ فَلَأَنْ يَضْمَنَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ ذَلِكَ أَوْلَى ، وَلِمَنْ يَنْصُرُ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ إنْ قُلْت إنَّهُ عِنْدَ صِحَّةِ كَوْنِ الْمُسَمَّى ثَمَنًا كَالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ إنْ رَضِيته اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ سَلَّمْنَاهُ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي تَسْمِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْخَمْرِ وَإِنْ قُلْت عِنْدَ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا مَنَعَاهُ فَيَجِبُ تَفْصِيلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبُطْلَانُ لِعَدَمِ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ أَصْلًا لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ بِثَمَنٍ صَحِيحٍ دَرَاهِمُ مَثَلًا فَقَبْضُهُ يَصِيرُ مَضْمُونًا ( وَالْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ ) إذَا كَانَ الْقَبْضُ

بِإِذْنِ الْمَالِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَيَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ الْقِيمَةِ ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ هَلْ يَمْلِكُهُ ؟ سَيَأْتِي تَمَامُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَمْلُوكَ التَّصَرُّفُ أَوْ الْعَيْنُ .
وَوَجْهُ لُزُومِ الْقِيمَةِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِشْكَالِ .
وَقَوْلُهُ ( وَفِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ( خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ) وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَاسِدَ هُوَ عِنْدَهُمْ الْبَاطِلُ ، وَسَيُبَيِّنُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ : أَيْ يُبَيِّنُ الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ قُوبِلَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ قُوبِلَ بِعَيْنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إعْزَازِهِ ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهُمَا بِالدَّرَاهِمِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ ؛ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ فَسَقَطَ التَّقَوُّمُ أَصْلًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّوْبِ إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ .
وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْخَمْرِ حَتَّى فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ شِرَاءُ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً .

قَالَ ( وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ ) وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي الْمُدَبَّرِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ ، وَالْمُرَادُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ دُونَ الْمُقَيَّدِ ، وَفِي الْمُطْلَقِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَتَاقِ .

( قَوْلُهُ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحُرِّيَّةِ بِالْعِتْقِ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ) بِجِهَةٍ لَازِمَةٍ عَلَى الْمَوْلَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ وَبِتَصْحِيحِ التَّدْبِيرِ شَرْعًا ، وَتَصْحِيحُهُ يُوجِبُ انْعِقَادَ التَّدْبِيرِ سَبَبًا لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْإِعْتَاقِ عَنْ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِتْقِهِ بَعْدَهُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى ) حَتَّى لَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ ( فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ ) لِلْمُشْتَرِي ( بِالْبَيْعِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ ) الْبَيْعُ وَمَا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ مِنْ الْبَيْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ وَقَالَ : لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ } وَحَدِيثَ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } تَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ ، وَإِذَا كَانَ أَقَلُّ مَا يُوجِبُهُ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَازِمٍ فَالْمَجَازُ مُرَادٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ ( وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ ) وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي ضِمْنِهِ ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَانَ لَحِقَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ ( وَالْمُرَادُ ) بِالْمُدَبَّرِ ( الْمُدَبَّرُ الْمُطَلِّقُ ) وَتَقَدَّمَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ ، أَمَّا الْمُقَيَّدُ فَجَوَازُ بَيْعِهِ اتِّفَاقٌ .
وَاسْتُشْكِلَ حُكْمُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأَخَوَيْهِ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ كَالْحُرِّ ، وَلَوْ كَانُوا

كَالْحُرِّ لَبَطَلَ بَيْعُ الْقَنِّ إذَا جُمِعَ مَعَ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ كَمَا إذَا ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَهُوَ مُنْتَفٍ ، بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْقِنِّ وَيَلْزَمُ مُشْتَرِيَهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ بَاطِلٌ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِالْقَبْضِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْحُرُّ فَكَانُوا مِثْلَهُ .
فَلَوْ قَالَ فَاسِدٌ ظُنَّ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ .
وَأَمَّا تَمَلُّكُ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ إلَيْهِمْ فَلِدُخُولِهِمْ فِي الْبَيْعِ لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِذَلِكَ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَلِذَا لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ ، وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَهَذَا الْجَوَابُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ ، وَلَكِنَّهُ خَصَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ .
وَالْحَقُّ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى الْحُكْمِ بِتَخْصِيصٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ ، وَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ إفْرَادُ نَوْعٍ شَرْعِيٍّ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِخُصُوصِيَّةٍ .
فَإِنْ قِيلَ : التَّخْصِيصُ لَازِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَهُوَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى مِلْكِ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ .
وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلْبَاطِلِ فَلْيَكُنْ فَاسِدًا مَخْصُوصًا مِنْ حُكْمِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِالْبَاطِلِ .
قُلْنَا نَحْنُ لَمْ نُعْطِ حُكْمَ الْبَاطِلِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ بِوَجْهٍ لِيَلْزَمَ تَخْصِيصُهُ وَيَتَّحِدَ اللَّازِمُ عَلَى تَقْدِيرِ تَأْوِيلِ الْفَاسِدِ بِالْبَاطِلِ وَعَدَمِهِ ، إنَّمَا قُلْنَا حُكْمُهُ أَنْ لَا يُمْلَكَ بِالْقَبْضِ .
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّ بَعْضَ مَا هُوَ مَبِيعٌ بَاطِلٌ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كَالْمُدَبَّرِ وَبَعْضُهُ لَا يَدْخُلُ كَالْحُرِّ ، وَأَصْلُ السُّؤَالِ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكُبْرَى لَوْ كَانَ كَالْحُرِّ لَمْ يَمْلِكْ الْقِنُّ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ مَمْنُوعٌ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ

لَوْ كَانَ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ .
فَصَارَ حَاصِلُ الصُّورَةِ : لَوْ كَانَ بَاطِلًا كَانَ كَالْحُرِّ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لَمْ يَمْلِكْ الْقِنُّ الْمَضْمُومُ وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ الِاسْتِلْزَامِ ظَاهِرٌ

قَالَ ( وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَهُمَا أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمَّ الْوَلَدِ يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ بِهِ وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَةٍ فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ ، وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ ، كَذَا هَذَا .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا لِلْبَائِعِ وَقَوْلُهُمَا ) هَذَا ( رِوَايَةٌ عَنْهُ ) وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِي الْمُدَبَّرِ ، أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَبِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي وَلَا الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا إذْ لَا تَقَوُّمَ لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ إذَا غَصَبَ .
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ كَثِيرَةِ الْحَيَّاتِ فَمَاتَتْ بِنَهْشِ حَيَّةٍ أَوْ افْتِرَاسِ سَبُعٍ فِيهَا الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ كَمَا هُوَ فِي غَصْبِ الصَّبِيِّ بِشَرْطِهِ ، أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَيَضْمَنُ فِي الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ عَلَى رِوَايَتِهِمَا هَذِهِ ( لَهُمَا ) فِي ضَمَانِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ( أَنَّهُمَا مَقْبُوضَانِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيَكُونَانِ مَضْمُونِينَ عَلَيْهِ ) بِالْقَبْضِ ( كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ) الْمَقْبُوضَةِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُهُمَا مَقْبُوضِينَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِمَا مِمَّا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ ، وَإِذَا قَبَضَ بَعْدَ لَفْظِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فَهُوَ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ ( بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا فَلَا يَضْمَنُ بِقَبْضِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ : أَعْنِي الَّتِي تُبْطِلُ بَيْعَهُ ، وَإِنْ دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ الْقِنُّ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ ( وَهَذَا الضَّمَانُ بِالْقَبْضِ ) وَقَدْ يَجْعَلُ الْمُشَارَ الْيَدَ بِقَوْلِهِ وَهَذَا كَوْنُهُمَا مَضْمُونَيْنِ بِالْقَبْضِ وَمَا صِرْنَا إلَيْهِ أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ تَعْلِيلٌ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ ، وَكَوْنُهُمَا مَضْمُونِينَ بِالْقَبْضِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِمَا

قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضِينَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَيُنَاسِبُ كَوْنَ التَّعْلِيلِ لِمَا لَمْ يُعَلَّلْ إذَا صَلَحَ لَهُ وَهُوَ صَالِحٌ ، بَلْ انْصِبَابُهُ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ دَعْوَى أَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْبَيْعِ بِبَيَانِ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ مَقْبُوضًا فَبِفَرْضِ وُقُوعِهِ حِسًّا ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ الْمَقْبُوضُ لِيَشْتَرِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ وَافَقَهُ ، فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَضْمَنَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْبِضَا لِيَشْتَرِيَا بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ وَافَقَا بَلْ قَبَضَا بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ وَإِتْمَامِ الْبَيْعِ بِزَعْمِهِمَا ، فَالْمَذْكُورُ تَفْسِيرُ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَلَا يَكُونَانِ مَقْبُوضِينَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ فَلَا يَضْمَنَانِ ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْمَقْبُوضَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْمَقْبُوضِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ ، فَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى الْمَقْبُوضِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ وَعَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ، وَذَلِكَ التَّفْسِيرُ يَخُصُّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مَقْبُوضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَإِلَّا صَارَ الْأَصْلُ عَيْنَ الْفَرْعِ ، فَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ هُوَ الْفَرْعُ الْمُلْحَقُ ( وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْبَيْعِ فِيمَا يَقْبَلُ حَقِيقَتَهُ ) أَيْ حَقِيقَةَ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ مُقَابَلٌ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْبَيْعِ ، وَلَا مِلْكَ مُتَصَوَّرٌ هُنَا مَعَ اعْتِبَارِ جِهَتِهِ فَبَقِيَ مُجَرَّدَ قَبْضٍ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا كَانَ عُدْوَانًا مَحْضًا ، بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ فِي الْمُدَبَّرِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ فَكَانَ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ، وَهُنَا الْإِذْنُ مَوْجُودٌ وَدُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ

لَيْسَ إلَّا لِيَثْبُتَ حُكْمُهُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَقَطْ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ عَدَمُ الصَّلَاحِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِهَا مِنْ قَرِيبٍ ( فَصَارَ كَمَالُ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ ) وَيَدْخُلُ إذَا ضَمَّ الْبَائِعُ إلَيْهِ مَالَ نَفْسِهِ وَبَاعَهُمَا لَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً حَيْثُ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومِ بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فِي شَيْءٍ ، وَإِذَا قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتَيْ الْمَضْمُومِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً ، وَقِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا ، وَقِيلَ نِصْفُهَا وَبِهِ يُفْتَى ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْعَتَاقِ

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ أَنْ يُصْطَادَ ) لِأَنَّهُ بَاعَ مَالًا يَمْلِكُهُ ( وَلَا فِي حَظِيرَةٍ إذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِيهَا لَوْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ ، إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ ) بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْبَحْرِ أَوْ النَّهْرِ لَا يَجُوزُ ؛ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَظِيرَةٌ فَدَخَلَهَا السَّمَكُ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ فَمَا دَخَلَهَا مِلْكُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حِيلَةِ اصْطِيَادٍ جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ مِثْلُ السَّمَكَةِ فِي جُبٍّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ لَا يَمْلِكُ مَا يَدْخُلُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَسُدَّ الْحَظِيرَةَ إذَا دَخَلَ فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهُ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ لَمْ يَعُدَّهَا لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْحَظِيرَةِ مَلَكَهُ ، فَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ ، أَوْ بِحِيلَةٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ : رَخَّصَ فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْآجَامِ أَقْوَامٌ ، فَكَانَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ : حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَا تَبَايَعُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ " .
وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَجَمَةَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهَا السَّمَكُ بِالْيَدِ وَالْغَرَرُ الْخَطَرُ ، وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ عَلَى خَطَرٍ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَعَدَمُهُ فَلِذَا جُعِلَ مِنْ بَيْعِ الْخَطَرِ .

[ فُرُوعٌ ] مِنْ مَسَائِلِ التَّهْيِئَةِ حَفَرَ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ ، فَإِنْ كَانَ اتَّخَذَهَا لِلصَّيْدِ مَلَكَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ .

نَصَبَ الشَّبَكَةَ لِلصَّيْدِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ ، فَلَوْ كَانَ نَصَبَهَا لِيُجَفِّفَهَا مِنْ بَلَلٍ فَتَعَلَّقَ بِهَا لَا يَمْلِكُهُ ، وَهُوَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فَيَحُوزَهُ ، وَمِثْلُهُ إذَا هَيَّأَ حِجْرَهُ لِوُقُوعِ النِّثَارِ فِيهِ مَلَكَ مَا يَقَعُ فِيهِ ، وَلَوْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَيَّأَهُ لِذَلِكَ فَلِوَاحِدٍ أَنْ يَسْبِقَ فَيَأْخُذَهُ مَا لَمْ يَكْفِ حَجْرُهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا مَنْ هَيَّأَ مَكَانًا لَلسِّرْقِينِ فَلَهُ مَا طَرَحَ فِيهِ عِنْدَ الْبَعْضِ .
وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ خِلَافُ هَذَا قَالَ : أَهْلُ سِكَّةٍ يَرْمُونَ فِي سَاحَةِ رَجُلٍ الرَّمَادَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ هُوَ لِمَنْ يَسْبِقُ سَوَاءٌ هَيَّأَ الْمَكَانَ لَهُ أَوْ لَا ، أَمَّا النَّحْلُ إذَا عَسَلَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ فَهُوَ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا بَلْ قَائِمٌ بِأَصْلِهِ بِأَرْضِهِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَالْبَيْضُ كَالصَّيْدِ ، وَكَذَا الْفَرْخُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِعْدَادِ الْمَكَانِ لِذَلِكَ

قَالَ ( وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ
( قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَخْذِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ ، وَبَعْدَ أَخْذِهِ وَإِرْسَالِهِ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ ) عَقِيبَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ ، وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ ، وَكَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا جُعِلَ الطَّيْرُ ثَمَنًا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَجْعُولَةَ ثَمَنًا مَبِيعٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ .
وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ : لَوْ بَاعَ طَيْرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ كَالْحَمَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا لَهُ يَطِيرُ ، إنْ كَانَ دَاجِنًا يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي : وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَدَدُهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ ، يُوَافِقُهُ

قَالَ ( وَلَا بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ ) { لِنَهْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ } وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا .
( قَوْلُهُ وَلَا الْحَمْلُ ) بِسُكُونِ الْمِيمِ مَا فِي الْبَطْنِ مِنْ الْجَنِينِ ( وَلَا النِّتَاجُ ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ } وَكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ ثُمَّ يُنْتِجَ فِي بَطْنِهَا .
وَفِي الْمُوَطَّإِ : أَنْبَأْنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ : " لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ " وَإِنَّمَا بَطَلَ هَذَا الْبَيْعُ لِلْغَرَرِ ، فَعَسَى أَنْ لَا تَلِدَ تِلْكَ النَّاقَةُ أَوْ تَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ .
وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْأَرْحَامِ جَمْعُ مَلْقُوحٍ ، وَالْمَضَامِينُ مَا فِي الْأَصْلَابِ ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ جَمْعُ مَضْمُونٍ لَقِحَتْ النَّاقَةُ وَوَلَدُهَا مَلْقُوحٌ بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهُ بِلَا بَاءٍ ، يُقَالُ ضَمِنَ الشَّيْءَ أَيْ تَضَمَّنَهُ

( وَلَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ لِلْغَرَرِ ) فَعَسَاهُ انْتِفَاخٌ ، وَلِأَنَّهُ يُنَازَعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ ، وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ .
.
قَوْلُهُ : ( وَلَا اللَّبَنُ ) يَجُوزُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَتَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَالرَّفْعِ عَلَى إقَامَتِهِ مَقَامَ الْمُضَافِ ( لِلْغَرَرِ فَلَعَلَّهُ انْتِفَاخٌ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ أَيَّامًا مَعْلُومَةً إذَا عَرَفَ قَدْرَ حِلَابِهَا وَيَكُونُ تَسْلِيمُهُ بِالتَّخْلِيَةِ كَبَيْعِ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ( لِأَنَّهُ يُتَنَازَعُ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ ) فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ نِزَاعٌ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَمَا وُضِعَتْ الْأَسْبَابُ إلَّا لِقَطْعِهِ فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ لِذَلِكَ ، وَلِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ لَبَنٌ قَبْلَ الْحَلْبِ فَيَخْتَلِطَ مَالُ الْبَائِعِ بِمَالِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يُعْجِزُ عَنْ التَّخْلِيصِ

قَالَ ( وَلَا الصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ ) لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ ، وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ ، بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَى ، وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَلْعُهُ ، وَالْقَطْعُ فِي الصُّوفِ مُتَعَيِّنٌ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ ، وَقَدْ صَحَّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ ، وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ ، وَعَنْ سَمْنٍ فِي لَبَنٍ } وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الصُّوفِ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَهُ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ .

( قَوْلُهُ وَلَا الصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الْحَيَوَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الشَّاةِ فَكَانَ كَالْوَصْفِ مِنْ الذَّاتِ وَهُوَ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ ( وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ مِنْ أَسْفَلَ ) سَاعَةً فَسَاعَةً ( فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ ) بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ ( بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ ) أَيْ قَوَائِمِ الْخِلَافِ ( لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا ) وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ تُوضَعَ فِي مَكَان مِنْ الْقَائِمَةِ عَلَامَةٌ فَإِنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَصِيرُ أَسْفَلَ وَيَرْتَفِعُ عَنْهَا رَأْسُ الْقَائِمَةِ وَيَرْتَفِعُ غَيْرُهَا مِمَّا يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ ، فَالزَّائِدُ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي .
وَقَالَ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ : الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ بَيْعَ قَوَائِمِ الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَعْلَاهُ فَمَوْضِعُ الْقَطْعِ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى شَجَرَةً عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الشَّجَرِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ هِيَ خِلَافِيَّةٌ ، مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهَا إذْ لَا بُدَّ فِي الْقَطْعِ مِنْ حَفْرِ الْأَرْضِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهَا لِلتَّعَامُلِ ( بِخِلَافِ الْقَصِيلِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ فَلَا تَنَازُعَ فَجَازَ بَيْعُهُ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى إلَى آخِرِهِ ) وَذَلِكَ أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ .
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ ، وَلَا يُبَاعُ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ } .
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَأَرْسَلَهُ وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ

وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ .
وَهَذَا السَّنَدُ حُجَّةٌ .
وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَا يَضُرُّهُ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ كَالْمَرْفُوعِ ، لَكِنَّ الْحَقَّ خِلَافُ مَا قَالَ فِي تَضْعِيفِ ابْنِ فَرُّوخَ .
فَقَدْ نَقَلَ الذَّهَبِيُّ تَوْثِيقَ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ كَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي حَاتِمٍ وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَاعَ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ } .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ .
وَرَوَى مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد ، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِهَا فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا بِيعَ فِي غِلَافِهِ لَا يَجُوزُ كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَاللَّحْمِ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ أَوْ شَحْمِهَا وَأَلْيَتِهَا أَوْ أَكَارِعِهَا أَوْ جُلُودِهَا أَوْ دَقِيقٍ فِي هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ سَمْنٍ فِي هَذَا اللَّبَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي غُلُفِهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَّا بِإِفْسَادِ الْخِلْقَةِ ، وَالْحُبُوبُ فِي قِشْرِهَا مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَسْلَفْنَاهُ ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي تُرَابِهِمَا بِخِلَافِ جِنْسِهِمَا ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

قَالَ ( وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ ذَكَرَا الْقَطْعَ أَوْ لَمْ يَذْكُرَاهُ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةٍ فِضَّةً لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا ، وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبَذْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا .
وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا ، أَمَّا الْجِذْعُ فَعَيْنٌ مَوْجُودٌ .

( قَوْلُهُ وَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ ) بِالْجَرِّ : أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ ( وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ ) أَيْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَمِيصِ أَمَّا مَا لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْكِرْبَاسِ فَيَجُوزُ .
وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ فِي آجُرٍّ مِنْ حَائِطٍ أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ دِيبَاجٍ لَا يَجُوزُ مَمْنُوعٌ فِي الْكِرْبَاسِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى كِرْبَاسٍ يَتَعَيَّبُ بِهِ .
أَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّبُ بِهِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ حِلْيَةٍ مِنْ سَيْفٍ أَوْ نِصْفِ زَرْعٍ لَمْ يُدْرَكْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِقَطْعِ جَمِيعِهِ ، وَكَذَا بَيْعُ فَصِّ خَاتَمٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ وَمِثْلُهُ نَصِيبُهُ مِنْ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَذِرَاعٌ مِنْ خَشَبَةٍ لِلُزُومِ الضَّرَرِ فِي التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ .
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَرٌ لَزِمَ الْبَائِعَ بِالْتِزَامِهِ .
أُجِيبُ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَقْدَ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ .
وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنْ رَضِيَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ أَوْ يَقْلَعَهُ فَيُسَلِّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَيَنْقَلِبَ صَحِيحًا كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ لَا يُمْكِنُهُ مَعَ الْمُلْزَمِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْعَقْدِ بِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ ، وَأَمَّا إيرَادُ الْمُحَابَاةِ فَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِهْلَاكُ مَالٍ .
نَعَمْ يُرَدُّ بَيْعُ الْحِبَابِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ إلَّا بِقَلْعِ الْأَبْوَابِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ وَالْبَعْضُ قَدْ مَنَعَهُ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُتَعَيِّبَ الْجُدْرَانُ دُونَ الْحِبَابِ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الْمَنْعِ تَعَيُّبُ الْبَيْعِ ، وَالْكَلَامُ السَّابِقُ يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَيُّبُ غَيْرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ .
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمْعِ حَاكِمٍ يَمْنَعُ هَذَا وَمَا يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالسَّمْنِ فِي

اللَّبَنِ .
أَفَادَ أَنَّ الْمَنْعَ إذَا كَانَ لَا يُسَلَّمَ الْمَبِيعُ إلَّا بِعَيْبٍ فِيهِ ضَرَرٌ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَدْخُلُهُ ضَرَرٌ بِتَسْلِيمِ السَّمْنِ .
وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا ثُبُوتُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ كَيْفَ شَاءَ وَأَلْيَتِهَا وَرِجْلِهَا ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِمَا يَلْزَمُ فِي التَّسْلِيمِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ فَخَرَجَ بَيْعُ الْحِبَابِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي تَسْلِيمِهَا إلَى هَدْمِ أَكْتَافِ الْأَبْوَابِ عَلَى مَنْ يُصَحِّحُ بَيْعَهَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا ) يَعْنِي الْجِذْعَ وَالذِّرَاعَ ( لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ لُزُومِ الضَّرَرِ ( وَلِلْجَهَالَةِ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ وَيَخْتَلِفُ بِخِلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ قِطْعَةِ نُقْرَةٍ ( وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ وَقَطَعَ الذِّرَاعَ يَعُودُ الْعَقْدُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ ) قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ .
وَلَوْ فَعَلَ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَجُوزُ .
وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ أَوْ الْبَذْرَ فِي الْبِطِّيخِ ) وَكَسَّرَهَا وَسَلَّمَ الْبَذْرَ وَالنَّوَى قَبْلَ الْفَسْخِ ( لَا يَعُودُ صَحِيحًا ) ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِلْغَرَرِ ( إذْ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالَانِ ) فَكَانَ كَبَيْعٍ بِلَا مَبِيعٍ فَوَقَعَ بَاطِلًا ، بِخِلَافِ الْجِذْعِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ مَحْسُوسَةٌ قَائِمَةٌ ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي بَيْعٍ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ ، فَإِذَا زَالَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ زَوَالِ الْبَيْعِ صَارَ بِالضَّرُورَةِ بَيْعًا بِلَا فَسَادٍ وَهُوَ مَعْنَى الصَّحِيحِ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : انْقَلَبَ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَقَعَ بَاطِلًا وَهُوَ مَعْنَى الْمَعْدُومِ شَرْعًا فَلَيْسَ هُنَاكَ بَيْعٌ قَائِمٌ لِيَزُولَ الْمُبْطِلُ فَيَبْقَى بَيْعًا بِلَا بُطْلَانٍ ، بَلْ إذَا زَالَ الْمُبْطِلُ بَقِيَ مِلْكُ الْمَبِيعِ بِلَا مَانِعٍ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَيْهِ

، وَعَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِيجَادُهُ لَيْسَ هُوَ وُجُودُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ جَائِزًا مَعَ أَنَّهُ تَحَمَّلَ الضَّرَرَ بِالذَّبْحِ .
أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ لُزُومِ الضَّرَرِ فِي التَّسْلِيمِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُتَّصِلًا مُتَضَمِّنًا لَهُ خِلْقَةً وَالنَّصُّ يَمْنَعُهُ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالسَّمْنِ فِي اللَّبَنِ .
وَقَدْ يُقَالُ : لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِيمَا فِيهِ الْكَلَامُ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَزَالَ الْمَانِعَ بِالذَّبْحِ وَالْفَصْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَتَنَاوَلُهُ بَعْدَ الْفَصْلِ النَّهْيُ عَنْهُ قَبْلَ الْفَصْلِ وَحِينَ وَقَعَ وَقَعَ مَنْهِيًّا .
قُلْنَا : وَكَذَا الْجِذْعُ فِي السَّقْفِ سَوَاءٌ

قَالَ ( وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا .
.
( قَوْلُهُ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ ) بِالرَّفْعِ وَالْجَرِّ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَهُ ( وَهُوَ ) الصَّائِدُ يَقُولُ بِعْتُك ( مَا يَخْرُجُ مِنْ ) إلْقَاءِ هَذِهِ ( الشَّبَكَةِ مَرَّةً ) بِكَذَا .
وَقِيلَ بَالِغِينَ وَالْيَاءِ الْغَايِصُ .
قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ : نَهَى عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَهُوَ الْغَوَّاصُ يَقُولُ أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أُخْرِجُهُ مِنْ اللَّآلِئِ فَهُوَ لَك بِكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ

قَالَ ( وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ ، وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا ) { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ } فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَا ، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا ؛ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا تَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ } .
قُلْنَا : الْعَرِيَّةُ : الْعَطِيَّةُ لُغَةً ، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْرَى لَهُ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الْمُعْرِي بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ ، وَهُوَ بَيْعٌ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَكُونُ بُرًّا مُبْتَدَأً .

( قَوْلُهُ وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ } ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ } .
وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ : " وَزَعَمَ جَابِرٌ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا .
وَالْمُحَاقَلَةَ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْحَبِّ كَيْلًا " .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُزَابَنَةِ } .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( بِمِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا ) الْخَرْصُ الْحَزْرُ ( وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ ) لَا يَجُوزُ ، وَمَعْنَى النَّهْيِ أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِتَسَاوِيهِمَا ( كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَجُوزُ ) الْمُزَابَنَةُ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا ( فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { رَخَّصَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا } .
وَفِي لَفْظٍ { رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُؤْخَذَ بِمِثْلِ خَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا رُطَبًا } وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَقِبَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ مَجِيئَهَا وَلَكِنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي تَأْوِيلِهَا ، فَقَالَ قَوْمٌ : الْعَرَايَا أَنْ يَكُونَ لَهُ النَّخْلَةُ أَوْ النَّخْلَتَانِ فِي وَسَطِ

النَّخْلِ الْكَثِيرِ لِرَجُلٍ آخَرَ .
قَالُوا : وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ خَرَجُوا بِأَهْلَيْهِمْ إلَى حَوَائِطِهِمْ فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخْلَتَيْنِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ فَرَخَّصَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَ مَالِهِ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ .
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : فِيمَا سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ نَخْلَةً مِنْ نَخْلِهِ فَلَا يُسَلِّمْ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ بِخَرْصِهِ تَمْرًا .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ وَأَوْلَى مِمَّا قَالَ مَالِكٌ ؛ لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إنَّمَا هِيَ الْعَطِيَّةُ : أَلَا تَرَى إلَى الَّذِي مَدَحَ الْأَنْصَارَ كَيْفَ مَدَحَهُمْ إذْ يَقُولُ : فَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْحَوَائِجِ أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَ فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحَ : أَيْ يَهَبُونَ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ مَا كَانُوا مَمْدُوحِينَ بِهَا إذْ كَانُوا يُعْطُونَ كَمَا يُعْطُونَ .
وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مُحَقِّقُو مَذْهَبِهِ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوِلَةٌ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ تَكُونُ الْعَرِيَّةُ مَعْنَاهَا النَّخْلَةُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ ، وَتَخْصِيصُ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ وَمَعْنَى الرُّخْصَةِ هُوَ رُخْصَةُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ الَّذِي هُوَ ثُلُثُ النِّفَاقِ إعْطَاءُ هَذَا التَّمْرِ خَرْصًا وَهُوَ غَيْرُ الْمَوْعُودِ دَفْعًا لِلضُّرِّ عَنْهُ .
وَكَوْنُ إخْلَافِ الْوَعْدِ ثُلُثَ النِّفَاقِ

نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ زَوِّجُوا بِنْتِي مِنْ فُلَانٍ ، فَإِنَّهُ كَانَ سَبَقَ إلَيْهِ مِنِّي شِبْهُ الْوَعْدِ فَلَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ وَجَعَلَهُ ثُلُثًا لِحَدِيثٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَامَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إنْ حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِنْ وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِنْ اُؤْتُمِنَ خَانَ } وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيلِ الْعَرِيَّةِ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَوَى مَحْمُودُ بْنُ لَبِيَدٍ قَالَ : { قُلْت لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرِيَّةَ بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَأْكُلُونَهُ رُطَبًا } وَقَالَ : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ وَهَمَ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلْ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ مُخَرِّجُ الْحَدِيثِ : وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَنًا بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَالِغِ ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الْعَرَايَا مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَزَةِ ) .
وَهَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ أَنْ يَتَرَاوَضَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ : أَيْ يَتَسَاوَمَانِ ، فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ ؛ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي الْمُنَابَذَةُ ، وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ ، { وَقَدْ نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ } وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْمُلَامَسَةِ ) إلَى قَوْلِهِ ( وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِهِ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ } زَادَ مُسْلِمٌ : أَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ فَيَلْزَمُ اللَّامِسَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لَهُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَهَذَا بِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ يَكُونَ مَطْوِيًّا مَرْئِيًّا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمَسَهُ فَقَدْ بَاعَهُ وَفَسَادُهُ لِتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ وَجَبَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ .
وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ عَلَى جَعْلِ النَّبْذِ بَيْعًا ، وَهَذِهِ كَانَتْ بُيُوعًا يَتَعَارَفُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَذَا إلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يُلْقِيَ حَصَاةً وَثَمَّةَ أَثْوَابٌ فَأَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَانَ الْمَبِيعُ بِلَا تَأَمُّلٍ وَرَوِيَّةٍ وَلَا خِيَارَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ تَرَاوُضُهُمَا عَلَى الثَّمَنِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مُعَيَّنًا فَإِذَا تَرَاوَضَا فَأَلْقَاهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَمَعْنَى النَّهْيِ مَا فِي كُلٍّ مِنْ الْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إذَا وَقَعَ حَجَرِي عَلَى ثَوْبٍ فَقَدْ بِعْته مِنْك أَوْ بِعْتنِيهِ بِكَذَا أَوْ إذَا لَمَسْته أَوْ نَبَذْته .
وَالتَّسَاوُمُ تَفَاعُلٌ مِنْ السَّوْمِ سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ وَذَكَرَ ثَمَنَهَا وَسَامَهَا الْمُشْتَرِي بِمَعْنَى اسْتَامَهَا سَوْمًا ، وَمِنْهُ { لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ } أَيْ لَا يَطْلُبْ الْبَيْعَ وَيُرَاوِضْ فِيهِ حَالَ مُرَاوَضَة أَخِيهِ فِيهِ لَا أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَشْتَرِي كَمَا

قِيلَ ، بَلْ نَهْيُهُ عَنْ السَّوْمِ يَثْبُتُ الْتِزَامًا لِأَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ التَّكَلُّمِ فِي الشِّرَاءِ فَكَيْفَ بِحَقِيقَةِ الشِّرَاءِ

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ ؛ وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِفُرُوعِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا بِفُرُوعِهَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا ) الْمُرَادُ الْكَلَأُ ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مُبَاحٍ ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ فَهَذَا أَوْلَى .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي ) ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالْكَلَإِ دَفْعًا لِوَهْمِ أَنْ يُرَادَ مَكَانُ الرَّعْيِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ( وَلَا إجَارَتُهَا ، أَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ ) اشْتِرَاكَ إبَاحَةٍ لَا مِلْكٍ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ لِلْمُشْتَرِي فَائِدَةٌ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِلَا بَيْعٍ إذْ يَتَمَلَّكُهُ بِدُونِهِ ( لِلْحَدِيثِ ) الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْبُيُوعِ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي خِرَاشِ بْنِ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ : غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَكُنْت أَسْمَعُهُ يَقُولُ { الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ : فِي الْمَاءِ ، وَالنَّارِ ، وَالْكَلَإِ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَرِيزٍ ثِقَةٌ وَجَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ ، وَمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي النَّارِ الِاصْطِلَاءُ بِهَا وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ : يَعْنِي إذَا أَوْقَدَ رَجُلٌ نَارًا فَلِكُلٍّ أَنْ يَصْطَلِيَ بِهَا ، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمْرَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ .
كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ .
وَمَعْنَاهُ فِي الْمَاءِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءُ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ .
وَفِي الْكَلَإِ أَنَّ لَهُ احْتِشَاشَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ ، غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ ، فَإِذَا مَنَعَ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ لِي فِي أَرْضِكَ حَقًّا ، فَإِمَّا أَنْ تُوصِلَنِي إلَيْهِ أَوْ تَحُشَّهُ أَوْ تَسْتَقِيَ وَتَدْفَعَهُ لِي وَصَارَ كَثَوْبِ رَجُلٍ وَقَعَ فِي دَارِ رَجُلٍ إمَّا أَنْ يَأْذَنَ لِلْمَالِكِ فِي دُخُولِهِ لِيَأْخُذَهُ وَإِمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ إلَيْهِ .
أَمَّا إذَا أَحْرَزَ الْمَاءَ بِالِاسْتِقَاءِ فِي آنِيَةٍ وَالْكَلَأَ بِقَطْعِهِ جَازَ حِينَئِذٍ بَيْعُهُ ؛

لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مَلَكَهُ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ سَقَى الْأَرْضَ وَأَعَدَّهَا لِلْإِنْبَاتِ فَنَبَتَتْ فَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالنَّوَازِلِ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ نَبَتَ الْكَلَأُ بِإِنْبَاتِهِ جَازَ بَيْعُهُ ، وَكَذَا لَوْ حَدَّقَ حَوْلَ أَرْضِهِ وَهَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ حَتَّى نَبَتَ الْقَصَبُ صَارَ مِلْكًا لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كَمْأَةٍ فِي أَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْلَعَهَا وَلَا مَاءٍ .
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ : لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَإِ فِي أَرْضِهِ وَإِنْ سَاقَ الْمَاءَ إلَى أَرْضِهِ وَلَحِقَتْهُ مُؤْنَةٌ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ ثَابِتَةٌ ، وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالْحِيَازَةِ وَسَوْقُ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ ، إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَمْلِكُ بِنَاءَهَا وَيَكُونُ بِتَكَلُّفِ الْحَفْرِ وَالطَّيِّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ يَمْلِكُ الْمَاءَ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكَلُّفِهِ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ .
ثُمَّ الْكَلَأُ ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ سَاقٌ وَمَا لَهُ سَاقٌ لَيْسَ كَلَأً ، وَكَانَ الْفَضْلِيُّ يَقُولُ : هُوَ أَيْضًا كَلَأٌ .
وَفِي الْمُغْرِبِ : هُوَ كُلُّ مَا رَعَتْهُ الدَّوَابُّ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَهُوَ وَاحِدُ الْأَكْلَاءِ ( وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا ) لَوْ صَحَّتْ مَلَكَ بِهَا الْأَعْيَانَ ، وَحُكْمُهَا لَيْسَ إلَّا مِلْكُ الْمَنَافِعِ .
نَعَمْ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ آلَةً لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ كَالصَّبْغِ وَاللَّبَنِ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَيَمْلِكُ بَعْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ تَبَعًا ، أَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا ( وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا يَجُوزُ ) مَعَ أَنَّهَا عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ ( فَهَذَا أَوْلَى ) ؛ لِأَنَّهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ غَيْرِ

مَمْلُوكَةٍ ، وَهَلْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ ؟ ذَكَرَ فِي الشُّرْبِ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ حَتَّى يَمْلِكَ الْآجِرُ الْأُجْرَةَ بِالْقَبْضِ وَيُنَفِّذَ عِتْقَهُ فِيهِ ، وَقِيلَ فِي لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ إنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّ عَيْنَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ .
وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِيَضْرِبَ فِيهَا فُسْطَاطَهُ أَوْ لِيَجْعَلَهُ حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ ثُمَّ يَسْتَبِيحَ الْمَرْعَى فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمَا

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ .
وَلَهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ ، حَتَّى لَوْ بَاعَ كُوَّارَةً فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ تَبَعًا لَهُ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَجُوزُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ ( لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا ) مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ إذَا كَانَ مُحْرَزًا ( فَيَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ ) يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِمَا وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِمَا ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ) كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَزَغِ وَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَيَّةِ ، وَهَذَا وَهُوَ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْهَوَامِّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ ( وَ ) إنَّمَا ( الِانْتِفَاعُ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ ) بِخِلَافِ الْجَحْشِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ قَبْلَ حُدُوثِ مَا يَتَوَلَّدُهُ مِنْهُ ، فَقَبْلَ حُدُوثِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ هَامَةً مِنْ الْهَوَامِّ ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بِكَمْ يَرُدُّهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّحْلَ لَا قِيمَةَ لَهَا ، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ تَبَعًا لِكُوَّارَةٍ فِيهَا عَسَلٌ وَهُوَ فِيهَا جَازَ ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ .
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ : إنَّهُ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَقُولُ : إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَأَتْبَاعِهِ ، وَالنَّحْلُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَسَلِ ، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَامِعِهِ هَذَا التَّعْلِيلَ بِعَيْنِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَالتَّبَعِيَّةُ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحُقُوقِ كَالْمَفَاتِيحِ فَالْعَسَلُ تَابِعٌ لِلنَّحْلِ فِي الْوُجُودِ وَالنَّحْلُ تَابِعٌ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ وَالْكُوَّارَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ .
وَفِي التَّهْذِيبِ : كُوَارَةُ النَّحْلِ مُخَفَّفَةٌ ، وَفِي الْمُغْرِبِ بِالْكَسْرِ مِنْ غَيْرِ تَشْدِيدٍ ،

وَقَيَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَفِي الْغَرِيبَيْنِ بِالضَّمِّ

( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ) لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ .
وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي دُودِ الْقَزِّ وَالْحَمَامِ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ تَبَعًا لَهُ ) وَأَجَازَ بَيْعَ بَذْرِ الْقَزِّ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الدُّودُ ( وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ ) وَأَجَارَ السَّلَمَ فِيهِ كَيْلًا إذَا كَانَ وَقْتُهُ وَجَعَلَ مُنْتَهَى الْأَجَلِ فِي وَقْتِهِ .
وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَهُوَ أَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَقَبْلَهُ يَكُونُ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَالْكَلَامُ فِي بَيْعِهِ حِينَئِذٍ ، وَالْوَجْهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِلْعَادَةِ الضَّرُورِيَّةِ ، وَقَدْ ضَمَّنَ مُحَمَّدٌ مُتْلِفَ كُلٍّ مِنْ النَّحْلِ وَدُودِ الْقَزِّ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي بَيْعِهِمَا قَالَ : الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ .
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَاسَبَ أَصْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ النَّحْلِ فِي الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِهِ .
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ فِي النَّحْلِ ، وَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النَّحْلِ عَنْ الْكَرْخِيِّ بِجَوَازِهِ إذَا بِيعَ تَبَعًا لِلْكُوَّارَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ حِينَئِذٍ ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي دُودِ الْقَزِّ بَلْ يَقُولَانِ مَعًا إنْ كَانَ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ .
وَإِنْ كَانَ تَبَعًا لِلْقَزِّ فَيَقُولَانِ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا فَلَا مَعْنَى لِإِفْرَادِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ ، وَقِرَانِ أَبِي يُوسُفَ مَعَهُ فِي تِلْكَ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْهَوَامِّ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْعَظَايَةِ وَالْقَنَافِذِ وَالْجُعْلِ وَالضَّبِّ .
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْبَحْرِ إلَّا السَّمَكَ كَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَفَرَسِ الْبَحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا كَانَ الدُّودُ وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ

بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ : امْرَأَةٌ أَعْطَتْ امْرَأَةً بَذْرَ الْقَزِّ وَهُوَ بَذْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَيْلَقِ لِصَاحِبَةِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ بَذْرِهَا وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأَجْرُ مِثْلِهَا ، وَمِثْلُهُ إذَا دَفَعَ بَقَرَةً إلَى آخَرَ يَعْلِفُهَا لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ ثَمَنُ الْعَلَفِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ ( قَوْلُهُ وَالْحَمَامُ إذَا عَلِمَ عَدَدَهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا ) أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي بُرُوجِهَا وَمَخَارِجُهَا مَسْدُودَةٌ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي حَالِ طَيَرَانِهَا وَمَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ أَنَّهَا تَجِيءُ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ عَادَةً كَالْوَاقِعِ فَكَانَ مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ ، وَتَجْوِيزُ كَوْنِهِ لَا يَعُودُ أَوْ عُرُوضِ عَدَمِ عَوْدِهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَتَجْوِيزِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، ثُمَّ إذَا عَرَضَ الْهَلَاكُ انْفَسَخَ كَذَا هُنَا إذَا فُرِضَ وُقُوعُ عَدَمِ الْمُعْتَادِ مِنْ عَوْدِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ وَصَارَ كَالظَّبْيِ الْمُرْسَلِ فِي بَرٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَعُودَ

( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ( إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ ) لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي انْتَفَى الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَهُوَ الْمَانِعُ ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَكَانَ أَشْهَدَ عِنْدَهُ أَخَذَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يُشْهِدْ يَجِبُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِأَنَّهُ قَبْضُ غَصْبٍ ، لَوْ قَالَ هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي فَبَاعَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ آبِقٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَتِمُّ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَانِعَ قَدْ ارْتَفَعَ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ ، كَمَا إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ ، وَهَكَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ ) الْآبِقُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَجُوزُ عِتْقُهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِحَيَاتِهِ وَتَجُوزُ هِبَتُهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لَيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُنْتَفٍ ، وَمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَصْلُحُ لِقَبْضِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِإِزَاءِ مَالٍ مَقْبُوضٍ مِنْ مَالِ الِابْنِ ، وَهَذَا قَبْضٌ لَيْسَ بِإِزَائِهِ مَالٌ يَخْرُجُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ فَكُفَّتْ تِلْكَ الْيَدُ لَهُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ ، فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ عَادَ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا أَجَزْنَا بَيْعَهُ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِثُبُوتِ التَّسْلِيمِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ثُبُوتُ التَّسَلُّمِ ، فَإِذَا كَانَ ثَابِتًا حَصَلَ الْمَقْصُودُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِرَجُلٍ مَعَهُ وَقَالَ عَبْدُك الْآبِقُ عِنْدَ هَذَا فَبِعْنِيهِ وَأَنَا أَقْبِضُهُ مِنْهُ وَاعْتَرَفَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ .
وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا فِي الْحَالِ ، حَتَّى لَوْ رَجَعَ فَوَجَدَهُ هَلَكَ بَعْدَ وَقْتِ الْبَيْعِ يَتِمُّ الْقَبْضُ وَالْبَيْعُ إنْ كَانَ حِينَ قَبَضَهُ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَبَضَ هَذَا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ هَذَا قَبْضُ أَمَانَةٍ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى سَيِّدِهِ لَا يَضْمَنُهُ ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ ، فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ .
وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ يَصِيرُ قَابِضًا ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ قَبْضُ غَصْبٍ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ كَقَبْضِ الْبَيْعِ ، وَلَوْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ وَقَدْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ هَلْ

يَعُودُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا سَلَّمَهُ ؟ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ ، كَمَا إذَا بَاعَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ ، وَهُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالثَّلْجِيِّ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَجِبُ كَوْنُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ فِي الْآبِقِ ، وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ فَكَانَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ إذَا افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَفَسَخَ الْقَاضِي لِلْبَيْعِ ، وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبُولِهِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ الْفَسْخِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ أَوْ تَخَاصَمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ ؛ فَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ ، فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ ، وَارْتِفَاعُ الْمُبْطِلِ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ بَلْ مَعْدُومًا ، فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ .
وَوَجْهُ الْفَسَادِ قِيَامُ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ .
وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ مُفْسِدٌ لَا مُبْطِلٌ وَهَذَا مِمَّا يُخَرَّجُ فِيهِ الْخِلَافُ ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ وَسَلَّمَهُ ؛ فَطَائِفَةٌ مَعَ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ جَائِزًا

وَالْبَلْخِيُّونَ لَا يَعُودُ جَائِزًا ، فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ قَائِلٌ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْمَحَلِّيَّةُ كَوْنُهُ مَالًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ ، إنْ عَنِيَ مَحَلِّيَّةَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا ، بَلْ مَحِلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ الْمَمْلُوكُ لِلْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَنَافِذٌ أَوْ لِغَيْرِهِ فَمَوْقُوفٌ ، وَالنَّافِذُ إمَّا صَحِيحٌ إنْ كَانَ مَبِيعُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ .
وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْآبِقِ فَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو الْأَشْهَبِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ ، وَعَمَّا فِي ضُرُوعِهَا ، وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرْفَعُهُ إلَى أَنْ قَالَ : { وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقَسَّمَ ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ } وَشَهْرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ ، وَقِيلَ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَيْضًا ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُضَعِّفَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ

قَالَ ( وَلَا بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ ، وَلَنَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا .
قُلْنَا : الرِّقُّ قَدْ حَلَّ نَفْسَهَا ، فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلَا رِقَّ فِيهِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحِلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ .

( قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ لَبَنِ امْرَأَةٍ فِي قَدَحٍ ) هَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ مَنْعِ بَيْعِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي قَدَحٍ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ ، أَمَّا عَيْنُ الْقَدَحِيَّةِ فَلَيْسَ قَيْدًا بَلْ سَائِرُ الْأَوَانَيْ سَوَاءٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ وَهُوَ انْفِصَالُهُ عَنْ مَقَرِّهِ كَيْ لَا يُظَنَّ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِهِ مَا دَامَ فِي الضَّرْعِ كَغَيْرِهِ بَلْ عَلَى سَائِرِ أَحْوَالِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ( وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّهُ مَشْرُوبٌ مُطْلَقًا بَلْ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ يَحْرُمُ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ صَبَّهُ فِي الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ دَوَاءٌ عِنْدَ الْبُرْءِ ( وَ ) نَقُولُ ( هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَلَبَنِ الْأَمَةِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي لَبَنِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى كُلِّهَا فَيَجُوزُ عَلَى جُزْئِهَا .
قُلْنَا ) الْجَوَازُ يَتْبَعُ الْمَالِيَّةَ وَلَا مَالِيَّةَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا كَانَ مَحِلًّا لِلرِّقِّ ( وَهُوَ لِلْحَيِّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ ) ؛ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ حَاصِلُهَا قُدْرَةٌ تَثْبُتُ لَهُ شَرْعًا عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ تَرِدُ عَلَى الرِّقِّ فَتَرْفَعُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ مَحَلِّهِمَا وَلَيْسَ اللَّبَنُ مَحَلَّ تِلْكَ الْقُدْرَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَجْزَاءُ الْآدَمِيِّ مَضْمُونَةٌ فَيَجِبُ كَوْنُ اللَّبَنِ كَذَلِكَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ .
أُجِيبُ بِمَنْعِ ضَمَانِ إجْزَائِهِ مُطْلَقًا بَلْ الْمَضْمُونُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْأَصْلِ ، حَتَّى لَوْ نَبَتَ السِّنُّ الَّتِي قُلِعَتْ لَا ضَمَانَ إلَّا مَا يَسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِضْ شَيْئًا تَغْلِيظًا

لِأَمْرِ الْبُضْعِ فَجَعَلَ مَا يُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ النَّفْسِ ، بِخِلَافِ مَنْ جَزَّ صُوفَ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ نَبَتَ غَيْرُهُ ، وَبِإِتْلَافِ اللَّبَنِ لَا يُنْتَقَصُ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ ؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِشُرْبِهِ ، فَفِي إشَاعَتِهِ بِبَيْعِهِ فَتْحٌ لَبَابِ فَسَادِ الْأَنْكِحَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى ضَبْطِ الْمُشْتَرِينَ وَالْبَائِعِينَ فَيَشِيعُ فَسَادُ الْأَنْكِحَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَنْدَفِعُ إذَا كَانَتْ حُرْمَةُ شُرْبِهِ شَائِعَةً بِالدَّارِ فَيَعْلَمَ أَنَّ شِرَاءَهُ لَيْسَ إلَّا لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى كَشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ بَعْدَ اشْتِهَارِ حُرْمَةِ وَطْئِهَا شَرْعًا لَكِنَّهُمْ يُجِيزُونَ شُرْبَهُ لِلْكَبِيرِ .
هَذَا وَقَدْ أَسْنَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَى مُحَمَّدٍ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ قَالَ : سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ : سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنَ حَمٍّ قَالَ : قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى : سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ سَيْهُوبٍ يَقُولُ : سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ : جَوَازُ إجَارَةِ الظِّئْرِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ لَبَنِهَا ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْإِجَارَةُ ثَبَتَ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالًا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً عَلَى أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ ، فَلَمَّا جَازَ إجَارَةُ الظِّئْرِ ثَبَتَ أَنَّ لَبَنَهَا لَيْسَ مَالًا .
هَذَا وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّمَا عَلَّلَ لِلْمَنْعِ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَلَا يُبْتَذَلُ بِالْبَيْعِ وَسَيَأْتِي بَاقِيهِ

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ ) لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِ ، وَيُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْبَيْعِ ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُفْسِدُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تُغَايِرُهَا .

( قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ ) .
أُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيْعَ هُنَا فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ إهَانَةً مَانِعَةً مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلُزُومِ الْإِكْرَامِ وَالْبَيْعُ يَنْفِيهِ ، وَجَعَلَهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إعْزَازًا فَبَطَلَ لِلُزُومِ الْإِهَانَةِ شَرْعًا وَالْبَيْعُ إعْزَازٌ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ، الْجَوَابُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحِلٍّ إهَانَةً وَبِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ إكْرَامٌ .
مَثَلًا : لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بَعْضَ سَائِسِي الدَّوَابِّ أَنْ يُلَازِمَ الْوُقُوفَ بِالْحَضْرَةِ مَعَ الْوَاقِفِينَ كَانَ غَايَةَ الْإِكْرَامِ لَهُ ، وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَانَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ لَهُ ، فَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فِي غَايَةِ الْإِهَانَةِ شَرْعًا ، فَلَوْ جُعِلَ مَبِيعًا مُقَابَلًا بِبَدَلٍ مَعْزُوزٍ كَالدَّرَاهِمِ أَوْ الثِّيَابِ كَانَ غَايَةَ إكْرَامِهِ وَالْآدَمِيُّ مُكَرَّمٌ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَإِبْدَالُهُ بِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْجَمَادَاتِ إذْلَالٌ لَهُ .
هَذَا وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالنَّجَاسَةِ لِمَنْعِ الْبَيْعِ يَرِدُ عَلَيْهِ بَيْعُ السِّرْقِينِ ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِالِانْتِفَاعِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ وُجُودِهِ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا تَنَافِي ( ثُمَّ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلضَّرُورَةِ ) فَإِنَّ الْخَرَّازِينَ لَا يَتَأَتَّى لَهُمْ ذَلِكَ الْعَمَلُ بِدُونِهِ ( وَ ) هُوَ ( يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ ) فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ فِي مَحِلِّ الضَّرُورَةِ حَتَّى يَجُوزَ ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا بِالشِّرَاءِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِشُمُولِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ .
وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا إنَّ الضَّرُورَةَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الْخَرْزِ بِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ بِغَيْرِهِ .
وَقَدْ كَانَ ابْن سِيرِينَ لَا يَلْبَسُ خُفًّا خُرِزَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ .
وَرَوَى أَبُو

يُوسُفَ كَرَاهَةَ الِانْتِفَاعِ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ يَتَأَتَّى بِدُونِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، إلَّا أَنْ يُقَالَ : ذَلِكَ فَرْدٌ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْعُمُومَ حَرَجًا مِثْلُهُ ثُمَّ ( قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَفْسَدَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْجُسُ بِهِ ؛ لِأَنَّ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ ) وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا وَهِيَ فِي الْخَرْزِ فَتَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَطْ كَذَلِكَ ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدَّرَاهِمِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فِي حَقِّهِمْ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا وَهُوَ الْوَجْهُ ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيَتَجَمَّعَ عَلَى ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ

( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شُعُورِ الْإِنْسَانِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا ) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ لَا مُبْتَذَلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا وَقَدْ قَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ } الْحَدِيثُ ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ ) مَعَ قَوْلِنَا بِطَهَارَتِهِ ( وَالِانْتِفَاعِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا وَمُبْتَذَلًا ) وَفِي بَيْعِهِ إهَانَةٌ ، وَكَذَا فِي امْتِهَانِهِ بِالِانْتِفَاعِ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ } ، فَالْوَاصِلَةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرِ النِّسَاءِ ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ الْمَعْمُولُ بِهَا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا ، وَهَذَا اللَّعْنُ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ رَخَّصَ فِي اتِّخَاذِ الْقَرَامِيلِ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ لِيَزِيدَ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ لِلتَّكْثِيرِ ، فَظَهَرَ أَنَّ اللَّعْنَ لَيْسَ لِلتَّكْثِيرِ مَعَ عَدَمِ الْكَثْرَةِ وَإِلَّا لَمَنَعَ الْقَرَامِيلَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزِّينَةَ حَلَالٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } فَلَوْلَا لُزُومُ الْإِهَانَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ لَحَلَّ وَصْلُهَا بِشُعُورِ النِّسَاءِ أَيْضًا .
وَفِي الْحَدِيثِ { لَعَنَ اللَّهُ النَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ } أَيْضًا وَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ لِتُرِقَّهُ ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ

قَالَ ( وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ } وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ( وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ ) لِأَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ بِالدِّبَاغِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ( وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَشَعْرِهَا وَوَبَرِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ ) ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ ؛ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ .
وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ .

( قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ } وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ تَقْرِيرُهُ وَتَخْرِيجُهُ ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا ، فَإِنْ قِيلَ : نَجَاسَتُهَا لَيْسَتْ إلَّا لِمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا كَالثَّوْبِ النَّجِسِ .
أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُنَجَّسَ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَمَا لَمْ يُزَايِلْهُ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجِلْدُ نَجِسَ الْعَيْنِ ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ عَارِضَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ بِمَا فِيهِ .
وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِيُحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ مَا عَلَّلَ الْمَنْعَ إلَّا بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَلَّلَ بِالنَّجَاسَةِ .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهَا بُطْلَانُ بَيْعٍ أَصْلًا ، فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ دَائِرٌ مَعَ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَهِيَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ ، فَإِنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ جَائِزٌ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ الدِّبَاغَةِ فَلِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا حِينَئِذٍ شَرْعًا ، وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا زِيَادَةٌ تَثْبُتُ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ ( وَيَجُوزُ بَيْعُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا ) وَرِيشِهَا وَمِنْقَارِهَا وَظِلْفِهَا وَحَافِرِهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لَا تَحِلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ كَسَائِرِ السِّبَاعِ نَجِسُ السُّؤْرِ وَاللَّحْمِ لَا الْعَيْنِ فَيَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَمْلِ وَالْمُقَاتَلَةِ

وَالرُّكُوبِ فَكَانَ كَالْكَلْبِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ .
قِيلَ وَرُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ وَظَهَرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ } ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ .
وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ نَحْوِ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ : أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدْهُنُونَ فِيهَا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَإِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ .
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْعَ بَيْعِ الْقِرْدِ .
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ

قَالَ ( وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ ) لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَالْمَالُ هُوَ الْمَحِلُّ لِلْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الشِّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ .
.

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا حَقُّ التَّعَلِّي وَحَقُّ التَّعَلِّي لَيْسَ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَيْنٌ يُمْكِنُ إحْرَازُهَا ) وَإِمْسَاكُهَا وَلَا هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ بَلْ هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ وَلَيْسَ الْهَوَاءُ مَا لَا يُبَاعُ وَالْمَبِيعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَالْمَالُ هُوَ الْمَحِلُّ لِلْبَيْعِ ) تَسَاهُلٌ أَوْ تَنْزِيلٌ لِلْمُتَعَلِّقِ بِالْمَالِ مَنْزِلَةَ الْمَالِ ( بِخِلَافِ الشُّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ) فِيمَا إذَا كَانَ الشُّرْبُ شُرْبَ تِلْكَ الْأَرْضِ ، أَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَعَ شُرْبِ غَيْرِهَا فَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفْرَدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَتُهُ ، وَجَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا جَوَّزَ السَّلَمَ لِلضَّرُورَةِ وَالِاسْتِصْنَاعَ لِلتَّعَامُلِ ( وَلِأَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ ) فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ : ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ أَرْضٍ بِشِرْبِهَا بِأَلْفٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَسَكَتَ الْآخَرُ عَنْ الشِّرْبِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ ثَمَنِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي زَادَ الشِّرْبَ نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الشِّرْبَ فَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ .
وَقَبْلُ لَوْ بَاعَ أَرْضًا بِشِرْبِهَا فَاسْتَحَقَّ شِرْبَهَا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ نَصِيبَ الشِّرْبِ ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْبَزْدَوِيِّ ، وَعَلَى رِوَايَةِ شَيْخِ

الْإِسْلَامِ لَا يَضْمَنُ ، وَقِيلَ يَضْمَنُ إذَا جَمَعَ الْمَاءَ ثُمَّ أَتْلَفَهُ ، وَلَا يَضْمَنُ قَبْلَ الْجَمْعِ ، وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخَالِفَ .
وَعَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ بْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَصَرَ ضَمَانَهُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَ شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَالَ : لَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ إلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِهَا فَإِمَّا بِالسَّقْيِ أَوْ يَمْنَعُ حَقَّ الشُّرْبِ ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ وَلَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ مَنْعَ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ السَّبَبُ مَنْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَأَمَّا أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ عَيْنُ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَأُورِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ وُجُودِهِ كَالسَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ تَمَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ مَجْمُوعُ الْمِقْدَارِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَهَذَا وَجْهُ مَنْعِ مَشَايِخِ بُخَارَى بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا ، قَالُوا : وَتَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ لَيْسَ هُوَ التَّعَامُلُ الَّذِي يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ بَلْ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ الْبِلَادِ لِيَصِيرَ إجْمَاعًا كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالسَّلَمِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَالضَّرُورَةُ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ مُفْرَدًا عَلَى الْعُمُومِ مُنْتَفِيَةٌ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ فَحَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ .
[ فَرْعٌ ] بَاعَ الْعُلُوَّ قَبْلَ سُقُوطِهِ جَازَ ، فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ

قَالَ ( وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ ) وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ ، وَبَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَالتَّسْيِيلِ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا ، وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى قَدْرُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ ، أَمَّا الْمَسِيلُ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَعَلَى الْأَرْضِ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّعَلِّي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ ، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ .

( قَوْلُهُ وَبَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ بَاطِلٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( الْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ( بَيْعَ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ ، وَ ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ( بَيْعَ حَقِّ الْمُرُورِ ) الَّذِي هُوَ التَّطَرُّقُ ( وَالتَّسْيِيلُ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ) وَهُوَ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ : أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ ( فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا ) فَإِنْ بَيَّنَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ .
وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ جَازَ أَيْضًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ هَاهُنَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى وَطُولَهُ إلَى السِّكَّةِ النَّافِذَةِ ( أَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ ) وَمِنْ هُنَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّ مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بَاعَ أَرْضَ الْمَسِيلِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ .
( وَإِنْ كَانَ ) الْمُرَادُ ( الثَّانِيَ ) وَهُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ الْمُرُورِ وَالتَّسْيِيلِ ( فَفِي بَيْعِ جَوَازِ الْمُرُورِ ) مُجَرَّدًا ( رِوَايَتَانِ ) عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ لِجَهَالَتِهِ ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ يَجُوزُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِيهَا طَرِيقٌ لِرَجُلٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمَا مِنْ الْقِسْمَةِ وَيَتْرُكُ لِلطَّرِيقِ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ ، فَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَالطَّرِيقُ بِرِضَاهُمْ يَضْرِبُ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِثُلُثَيْ ثَمَنِ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ بِثُلُثِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ اثْنَانِ وَصَاحِبَ الْمَمَرِّ وَاحِدٌ وَقِسْمَةُ الطَّرِيقِ تَكُونُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُسَاوِي صَاحِبَ

الْكَثِيرِ فِي الِانْتِفَاعِ انْتَهَى .
فَقَدْ جَعَلَ لِصَاحِبِ حَقِّ الْمُرُورِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ حَقِّ التَّسْيِيلِ لَا يَجُوزُ فَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا ) أَيْ وَجْهُ الْفَرْقِ ( وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّسْيِيلِ ) عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُجِيزَةِ لِبَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ ( أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ .
أَمَّا التَّسْيِيلُ ) فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ ( فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي ) لَا يَجُوزُ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ وَمُرُوجُهُ فَسَادُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ مَالٌ بَلْ بِالْهَوَاءِ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا بَاعَ حَقَّ التَّعَلِّي بَعْدَ سُقُوطِ الْعُلُوِّ فَإِنَّمَا يَكُونُ نَظِيرَ مَا إذَا بَاعَ حَقَّ التَّسْيِيلِ عَلَى السَّطْحِ وَلَا سَطْحَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَهُوَ أَنْ يُسِيلَ الْمَاءَ عَنْ أَرْضِهِ كَيْ لَا يُفْسِدَهَا فَيُمِرَّهُ عَلَى أَرْضٍ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمَاءُ بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةٍ ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ فِي حَقِّ التَّعَلِّي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ كَذَلِكَ .
وَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ الْحَقِّ لَا بَيْعُ الْعَيْنِ ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ مَالٌ هُوَ عَيْنٌ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ ، أَمَّا حَقُّ التَّعَلِّي فَحَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْهَوَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ ، وَأَمَّا فَرْقُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ عَيْنٌ لَا تَبْقَى فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ بِذَاكَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَمَا يَرِدُ عَلَى مَا يَبْقَى مِنْ الْأَعْيَانِ

كَذَلِكَ يَرِدُ عَلَى مَا لَا يَبْقَى وَإِنْ أَشْبَهَ الْمَنَافِعَ ، وَلِذَا صَحَّحَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رِوَايَةَ الزِّيَادَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ لَا يَجُوزُ كَالتَّسْيِيلِ وَحَقِّ الْمُرُورِ

قَالَ ( وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ ) فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ .
وَالْفَرْقُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فَفِي مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى وَيَبْطُلُ لِانْعِدَامِهِ ، وَفِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَنْعَقِدُ لِوُجُودِهِ وَيَتَخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَغْرَاضِ ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِلتَّقَارُبِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا دُونَ الْأَصْلِ كَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ جِنْسَانِ .
وَالْوَذَارِيُّ والزندنيجي عَلَى مَا قَالُوا جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى إلَى آخِرِهِ ) إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَظَهَرَتْ غُلَامًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ .
وَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا تَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَهْرِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ تَسْمِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى شَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ أَشَارَ إلَى ذَاتٍ وَسَمَّاهَا جَارِيَةً فَإِنَّ الْمُسَمَّى مَعَ الْمُشَارِ إلَيْهِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تُعَرِّفُ الذَّاتَ الْحَاضِرَةَ وَالتَّسْمِيَةَ تُعَرِّفُ الْحَقِيقَةَ الْمُنْدَرِجَةَ فِيهَا تِلْكَ الذَّاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوَاتٍ لَا تُحْصَى مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْعَقْلِ بِأَشْبَاهِهَا لِتِلْكَ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا وَنَحْنُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا تَعْرِيفُهُ أَبْلَغُ ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ الْمُسَمَّى ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، فَإِنَّهُ عَبَّرَ هُنَا بِقَوْلِهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا بِالصِّفَةِ فَاحِشٌ كَانَ أَيْضًا كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا .
وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا اُعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَبِيعٍ قَائِمٍ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَالْفَرْقُ يَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ لِمُحَمَّدٍ ) لَا يُرِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَلْ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي خِلَافِيَّتِهِ فِي الْمَهْرِ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فِي الْجِنْسَيْنِ كُلُّ ذَكَرٍ مَعَ أُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ وَإِنْ كَانَا مُتَّحِدِي الْجِنْسِ الْمَنْطِقِيِّ وَهُوَ الذَّاتِيُّ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِمُمَيِّزٍ

دَاخِلٍ فَقَدْ أُلْحِقَا بِمُخْتَلِفِيهِمَا ، بِخِلَافِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ سَائِرِ الْبَهَائِمِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ .
وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ غَيْرِهِمَا ، فَحَكَمَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ .
وَأُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِفُحْشِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ مِنْهُمَا ، فَأُلْحِقَا بِالْجِنْسَيْنِ ، فَالْغُلَامُ يُرَادُ لِخِدْمَةِ الْخَارِجِ كَالزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ ، وَالْأُنْثَى لِخِدْمَةِ الدَّاخِلِ كَالْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَالِاسْتِفْرَاشِ ، بِخِلَافِ الْغُلَامِ فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَلْ لَيْسَ الْجِنْسُ فِي الْفِقْهِ إلَّا الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهَا فَاحِشًا ، فَالْجِنْسَانِ مَا يَتَفَاوَتُ مِنْهُمَا فَاحِشًا بِلَا نَظَرٍ إلَى الذَّاتِيِّ ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا دُونَ الْأَصْلِ ) يَعْنِي الْمُعْتَبَرَ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ تَفَاوُتُ الْأَغْرَاضِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا فَيَكُونُ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، أَوْ قَرِيبًا فَيَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ دُونَ اخْتِلَافِ الْأَصْلِ : يَعْنِي الذَّاتِيَّ ، لِذَا قَالُوا ( الْخَلُّ مَعَ الدِّبْسِ جِنْسَانِ ) مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا بِفُحْشِ تَفَاوُتِ الْغَرَضِ مِنْهُمَا ( وَالْوَذَارِيُّ والزندنيجي ) كَذَلِكَ ، وَالْوَذَارِيُّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَإِعْجَامِ الذَّالِ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ نِسْبَةً إلَى وَذَارٍ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ ، والزندنيجي بِزَايٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ أُخْرَى ثُمَّ يَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ نِسْبَةً إلَى زَنْدَنَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالنُّونِ الْأَخِيرَةِ وَالْجِيمُ زِيدَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ( مَعَ اتِّحَادِ أَصْلِهِمَا ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَشَايِخِ .
وَمَا ذُكِرَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي بَابِ الْمَهْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْخَلَّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسًا وَاحِدًا ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَعْتَبِرَ الْخَلَّ مَعَ الدِّبْسِ كَذَلِكَ .
وَمِنْ

الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا مَا إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَلَوْ بَاعَهُ لَيْلًا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَصْفَرَ صَحَّ وَيُخَيَّرُ .
كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ فَإِذَا هُوَ كَاتِبٌ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِنْ كَانَتْ صِنَاعَةُ الْكِتَابَةِ أَشْرَفَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْخَبْزِ كَانَ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ لَا يُفَرِّقُ مِنْ الْمَشَايِخِ بَيْنَ كَوْنِ الصِّفَةِ ظَهَرَتْ خَيْرًا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي عُيِّنَتْ أَوْ لَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، كَمَا أَطْلَقَ فِي الْمُحِيطِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَظَهِيرُ الدِّينِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ أَنْقَصَ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ لِفَوَاتِ غَرَضِ الْمُشْتَرِي ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ غَرَضَهُ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَا بِمَا لَيْسَ غَرَضًا لَهُ الْآنَ ، وَكَانَ مُسْتَنَدُ الْمُفَصِّلِينَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا عَيَّنَ .
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ وَهُوَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَأُمُورِهَا أَوْ التِّجَارَةِ وَأُمُورِهَا ، بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْخَبْزِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ حَاجَتَهُ الَّتِي لِأَجْلِهَا اشْتَرَى هِيَ هَذَا الْوَصْفُ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ الثَّانِي ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ فِيهَا بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْبَيْعُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءً وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِالْعَرْضِ .
وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ : بِئْسَمَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت ، أَبْلَغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ ؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ فَضْلُ خَمْسِمِائَةِ وَذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرْضِ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ) بِمِثْلٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ ، وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ ؛ وَلَوْ اشْتَرَى وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ .
وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ آخَرُ وَهُوَ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ .
وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ عِنْدَهُ يَقَعُ لِنَفْسِهِ فَلِذَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ وَبَيْعِهَا عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُوَكِّلِ حُكْمًا فَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فَمَاتَ فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ .
وَعِنْدَهُمَا عَقْدُ الْوَكِيلِ كَعَقْدِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَارِثُهُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ بِلَا شُبْهَةٍ ، وَبِهِ تَخْتَلِفُ الْمُسَبِّبَاتُ ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ .
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ : نَقَدَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِعَرْضِ قِيمَتِهِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ ) كَيْفَمَا كَانَ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِعَرْضِ قِيمَتِهِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ بِجَامِعِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ الَّتِي عَيَّنَهَا ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْعَرَضِ دُونَ أَنْ يَقُولَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِذَهَبٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ

مِنْ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْعَرَضِ بِجَامِعِ أَنَّهُ خِلَافُ جِنْسِهِ فَإِنَّ الذَّهَبَ جِنْسٌ آخَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّرَاهِمِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ احْتِيَاطًا وَأَلْزَمُ أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا يُوجِبُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُقْتَضَى الْوَجْهِ ذَلِكَ وَلَكِنْ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِ الْآخَرِ إجْمَاعٌ ( وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ ) إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ عَائِشَةَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي بَاعَتْ زَيْدًا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَتْ مِنْهُ وَحَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ ؛ لِأَنَّ شَرَيْت مَعْنَاهُ بِعْت قَوْله تَعَالَى { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أَيْ بَاعُوهُ .
وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ فَإِنَّهُ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَةِ أَبِي سَفَرٍ " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : إنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ بَاعَنِي جَارِيَةً بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنِّي بِسِتِّمِائَةٍ ، فَقَالَتْ : أَبْلِغِيهِ عَنِّي أَنَّ اللَّهَ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ " .
فَفِي هَذَا أَنَّ الَّذِي بَاعَ زَيْدٌ ثُمَّ اسْتَرَدَّ وَحَصَلَ الرِّبْحُ لَهُ ، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ عَكْسُهُ .
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ هِيَ وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدٍ لِعَائِشَةَ : إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا ، فَقَالَتْ : أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ تَتُوبَ ، بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَ مَا شَرَيْت .
وَهَذَا فِيهِ أَنَّ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ هِيَ الْمَرْأَةُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي التَّنْقِيحِ : هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ : لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ .
وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعَالِيَةِ هِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا فِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَلَوْلَا أَنَّ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : هَذَا مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ .
وَالْمُرَادُ بِالْعَالِيَةِ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا دَخَلَتْ مَعَ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى عَائِشَةَ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : قَالُوا : إنَّ الْعَالِيَةَ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِنَقْلِ خَبَرِهَا .
قُلْنَا هِيَ امْرَأَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فَقَالَ : الْعَالِيَةُ بِنْتُ أَنْفَعَ بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعَتْ مِنْ عَائِشَةَ .
وَقَوْلُهَا بِئْسَ مَا شَرَيْت : أَيْ بِعْت قَوْله تَعَالَى { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } أَيْ بَاعُوهُ ، وَإِنَّمَا ذَمَّتْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَذَمَّتْ الثَّانِيَ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْفَسَادِ .
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ فَبِعْتهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ بِثَمَانِمِائَةٍ إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ ابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ فَنَقَدْته السِّتَّمِائَةِ وَكَتَبَ لِي عَلَيْهِ ثَمَانَمِائَةٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : إلَى قَوْلِهَا إلَّا أَنْ تَتُوبَ ، وَزَادَ : فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِعَائِشَةَ : أَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْت عَلَيْهِ الْفَضْلَ ؟ فَقَالَتْ { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ

رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } .
لَا يُقَالُ : إنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ وَرَدَّهَا لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ وَهُوَ الْبَيْعُ إلَى الْعَطَاءِ ، فَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَرَى جَوَازَ الْأَجَلِ إلَى الْعَطَاءِ .
ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ .
وَاَلَّذِي عُقِلَ مِنْ مَعْنَى النَّهْيِ أَنَّهُ اسْتَرْبَحَ مَا لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ .
وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ بِعَيْنِهِ وَبَقِيَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ فَهُوَ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ بَاعَهُ ، وَهَذَا لَا يُوجَدْ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ فَبَطَلَ إلْحَاقُ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَعْيَانِ حُكْمًا ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي خَرَجَ فَلَا يَتَحَقَّقُ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ ، بَلْ يَجْعَلُ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي احْتَبَسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ ، حَتَّى لَوْ كَانَ النُّقْصَانُ نُقْصَانَ سِعْرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُقُودِ ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ فَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ ، وَلِذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرَ الثَّمَنِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَحَقَّقُ عَيْنُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالتَّقْوِيمِ وَالْبَيْعَ لَا يَعْقُبُ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِظُهُورِهِ بِلَا تَقْوِيمٍ ، وَقَدْ أُورِدُ عَلَيْهِ تَجْوِيزُ كَوْنِ إنْكَارِ عَائِشَةَ لِوُقُوعِ الْبَيْعِ الثَّانِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ إذْ الْقَبْضُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ .
قُلْنَا : لَا يَصِحُّ هَذَا ؛ لِأَنَّهَا ذَمَّتْهُ

لِأَجَلِ الرِّبَا بِقَرِينَةِ تِلَاوَةِ آيَةِ الرِّبَا ، وَلَيْسَ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ رِبًا .
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّ تِلَاوَةَ الْآيَةِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ جَوَابًا لِقَوْلِ الْمَرْأَةِ : أَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْت عَلَيْهِ الْفَضْلَ ، كَانَ هَذَا مَعَ التَّوْبَةِ ، فَتَلَتْ آيَةً ظَاهِرَةً فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ وَإِنْ كَانَ سَوْقُهَا فِي الْقُرْآنِ فِي الرِّبَا .
وَأُورِدَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَدِ الْكَائِنِ مَعَ أُمِّهِ مُفْرَدًا لَمْ يُوجِبْ الْفَسَادَ فَلِمَ أَوْجَبَهُ هَذَا النَّهْيُ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْبَيْعِ أَوْجَبَهُ ، وَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا ، وَالنَّهْيُ فِيمَا ذُكِرَ لِلتَّفْرِيقِ لَا لِنَفْسِ الْبَيْعِ ، حَتَّى لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَثِمَ فَيُكْرَهُ فِي نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ ، وَهُنَا هُوَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْبَيْعِ وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا حُكْمُ حَقِيقَتِهِ .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا ، أَوْ ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ ) بِخَمْسِمِائَةٍ ( قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَبْطُلُ فِي الْأُخْرَى ) وَهَذَا فَرْعُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ .
وَهِيَ أَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ ( وَ ) وَجْهُهُ ( أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى ) وَاَلَّتِي بَاعَهَا ( بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ ) وَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا .
وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَهِيَ الَّتِي ضُمَّتْ إلَيْهَا .
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ فِي الَّتِي بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَوْ كَانَ إصَابَةُ حِصَّتِهَا إيَّاهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ الْمُسْتَلْزَمِ لِشِرَائِهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَوْ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، لِأَنَّ عِنْدَ تَقْسِيمِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ، لَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّهُ أَيْضًا فَاسِدٌ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْمَعْنَى آخَرُ وَهُوَ تَكَثُّرُ جِهَاتِ الْجَوَازِ ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ ، بِخِلَافِ الْأَكْرَارِ وَأَمْثَالِهَا حَيْثُ يَتَحَرَّى الْجَوَازَ فِيهَا لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْجَوَازِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ ، وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ مُوجَبٍ لَهُ مُوجِبَانِ تَثْبُتُ لَهُ دُفْعَةً فَيَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْعِلَلِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَشِيعُ الْفَسَادُ فِي الْجَارِيَتَيْنِ ؛ وَمَا أَبْشَعَ قَوْلِ قَائِلٍ إذَا كَثُرَتْ جِهَاتُ الْحِلِّ بِلَا مُعَارِضٍ يَحْرُمُ .
وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ، فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُوجِبَاتِ مُتَحَقِّقَةٌ

وَهُنَا الْمُجَوِّزُ مَوْقُوفٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَا يَزِيدُ النَّظَرَ إلَّا وَكَادَةً ، فَإِنَّ الْآخَرَ قَبْلَ الِاعْتِبَارِ لَا وُجُودَ لَهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ الْمُجَوِّزُ الَّذِي وُجِدَ وَتَحَقَّقَ بِتَحَقُّقِ الِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
وَحِينَ فَهِمَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ عَدَلَ إلَى وَجْهٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْوَجْهُ ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ فَيَفْسُدُ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَذْهَبِ فِي شَيْءٍ ، بَلْ إذَا اجْتَمَعَا فِيهِ اُعْتُبِرَ وَجْهُ الصِّحَّةِ تَصْحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيْعِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ حَيْثُ يَصِحُّ وَيُتَحَرَّى لِلْجَوَازِ اعْتِبَارًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ .
وَلَا إشْكَالَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَلْ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا ، فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا بِيعَتْ أَوَّلًا ضَعِيفٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ يَسْرِ لِلْأُخْرَى كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ لَا يَفْسُدُ فِي الْآخَرِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ .
وَاسْتَشْكَلَ بِمَا لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ وَمَرْوِيٍّ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْمَرْوِيِّ ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ عِنْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ مَعَ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، فَإِنَّ إسْلَامَ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْهُ إلَّا بِتَغْيِيرِ تَعْلِيلِ تَعَدِّي الْفَسَادِ بِقُوَّةِ الْفَسَادِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ إلَى تَعْلِيلِهِ

بِأَنَّهُ يَجْعَلَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ شَرْطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَرْوِيِّ ، فَيَفْسُدُ فِي الْمَرْوِيِّ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَفِي الْهَرَوِيِّ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَكَذَا اعْتَرَفَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ أَنْ عَلَّلَ هُوَ بِهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ .
ثَانِيهَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأُولَى لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَسَلَامَةِ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا ضَمَانَ يُقَابِلُهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَضْمُونَةِ ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا تِلْكَ الشُّبْهَةَ فِي الَّتِي ضُمَّتْ إلَى الْمُشْتَرَاةِ أَوَّلًا كَانَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ الْأَلْفَ وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَيَرُدَّهُ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَبِالْبَيْعِ الثَّانِي يَقَعُ الْأَمْنُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي مُشْتَرِيًا أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ .
ثَالِثُهَا : أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ طَارِئٌ غَيْرُ مُقَارِنٍ .
وَلَهُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي الْعَقْدِ مَا يُوجِبُ فَسَادَهُ فَإِنَّهُ قَابَلَ الثَّمَنَ بِالْجَارِيَتَيْنِ وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ صَحِيحَةٌ ، وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَصِيرُ الْبَعْضُ بِإِزَاءِ مَا لَمْ يَبِعْ فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَهُ .
وَهَذَا فَسَادٌ طَرَأَ الْآنَ ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ بَعْدَ وُجُوبِ الثَّمَنِ أَيْ بَعْدَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى وَالْآخَرِ بِسَبَبِ الْمُقَاصَّةِ ، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ تَقَعُ بَيْنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَنِ الثَّانِي فَيَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ لَمَّا بَاعَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ فَتَقَاصَّا الْخَمْسَمِائَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ مِثْلِهَا فَيَبْقَى لِلْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ

الْأَوَّلِ فَضْلُ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى مَعَ الْجَارِيَةِ ، وَالْمُقَاصَّةُ تَقَعُ عَقِبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَيَفْسُدُ عِنْدَهَا فَهُوَ طَارِئٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي الْأُخْرَى ؛ كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ ثُمَّ أَلْحَقَا فِي ثَمَنِ أَحَدِهِمَا أَجَلًا هُوَ وَقْتُ الْحَصَادِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَأُورِدُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ مَا بَاعَهُ أَوَّلًا شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ .
قُلْنَا : قَبُولُ الْعَقْدِ فِيهِ لَيْسَ شَرْطًا فَاسِدًا : أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَنُهُ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافَ جِنْسِهِ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ ، وَهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ الثَّانِي .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : لَوْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِصْفِهِ .
وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ ، إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ نَقَصَتْهَا جَازَ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ ، وَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ رِبْحٌ لَا عَلَى ضَمَانِهِ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فِي ظَرْفٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رَطْلًا فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ .
قَالَ ( وَمَنْ ) ( اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الظَّرْفَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ ) فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فِي ظَرْفٍ ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ : مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ هَذَا الزَّيْتَ وَهُوَ أَلْفُ رَطْلٍ عَلَى أَنَّهُ يَزِنُهُ بِظُرُوفِهِ فَيَطْرَحُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا قَالَ هَذَا فَاسِدٌ ، وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنْ تَطْرَحَ عَنِّي وَزْنَ الظَّرْفِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَرَطَ أَنْ يَتَعَرَّفَ قَدْرَ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَخُصَّ بِالثَّمَنِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَزِنَهُ فَتَطْرَحَ عَنْهُ لِكُلِّ ظَرْفٍ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسِينَ فَإِنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ زِنَةَ الظَّرْفِ قَدْ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمَبِيعِ وَهُوَ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي ، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهَا فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ الثَّمَنِ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بَعْدَهَا فَرْعٌ عَلَيْهَا .
وَهُوَ مَا فِي الْجَامِعِ : رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ السَّمْنَ الَّذِي فِي هَذَا الزِّقِّ كُلَّ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَوَزَنَهُ لَهُ بِزِقِّهِ فَبَلَغَ مِائَةً وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَقَالَ وَجَدْت السَّمْنَ تِسْعِينَ رَطْلًا وَالزِّقَّ هَذَا وَزْنُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ ( لِأَنَّ هَذَا ) الِاخْتِلَافَ ( إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا رَاجِعًا إلَى تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ ) كَالْغَاصِبِ ( أَوْ أَمِينًا ) كَالْمُودِعِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِقًّا آخَرَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ فَمَرْجِعُهُ خِلَافٌ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ ) وَاسْتُشْكِلَ بِمَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي وَمَاتَ

أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّحَالُفِ .
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ ، وَهُنَا جَعَلَ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ .
أُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا مَعَ هَذِهِ طَرْدٌ ، فَإِنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَهُنَاكَ إنَّمَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ .
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيهَا عِنْدَ وُرُودِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ قَصْدًا ، وَهُنَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ تَبَعٌ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَهُوَ هَذَا أَوْ لَا فَلَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ

قَالَ : ( وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ : عَلَى الْمُسْلِمِ ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ ، وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ لَهُمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ ؛ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْوَكِيلُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا ، ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) حَتَّى يَدْخُلَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ الْمُوَكِّلِ فَيَجِبُ أَنْ يُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا وَيُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ هَذَا فِي الشِّرَاءِ ، وَفِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ .
وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَيُسْلِمَ عَلَيْهِمَا وَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُزِيلَهَا وَلَهُ وَارِثٌ مُسْلِمٌ فَيَرِثُهُمَا فَيُوَكَّلُ كَافِرًا بِبَيْعِهِمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِمَا لِتَمَكُّنِ الْخَبَثِ فِيهِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الَّذِي حَرَّمَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ .
وَحَاصِلُ الْوَجْهِ مِنْ جَانِبِهِمْ إثْبَاتُ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ هَذَا التَّوْكِيلِ ، وَمِنْ جَانِبِهِ عَدَمُ الْمَانِعِ بِالْقَدْحِ فِي مَانِعِيَّةِ مَا جَعَلُوهُ مَانِعًا فَيَبْقَى الْجَوَازُ عَلَى الْأَصْلِ لَهُمْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَوْلِيَةَ غَيْرِهِ فِيهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : ( الْمُوَكِّلُ لَا يَلِيهِ فَغَيْرَهُ لَا يُوَلِّيهِ ) بِنَصْبِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِيُوَلِّيَهُ ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيَّةِ لَا يَمْلِكُ تَوْكِيلَ غَيْرِهِ بِتَزْوِيجِهِ إيَّاهَا ( وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ ) مِنْ الْمِلْكِ ( يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكَّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَ ) الشِّرَاءَ أَوْ الْبَيْعَ ( بِنَفْسِهِ ) فَلَا يَجُوزُ .
( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ ) فِي الْبَيْعِ ( يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ ) لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ وَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ حَتَّى يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِبَيْعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا شَرْعًا فَلَا

مَانِعَ شَرْعًا مِنْ تَوَكُّلِهِ ، وَالْمُسْلِمُ الْمُوَكِّلُ أَهْلٌ لَأَنْ يَثْبُتَ لَهُ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ صُورَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الْجَبْرِيِّ لَهُ فِيهِمَا فَانْتَفَى الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ وَالْمُلَازَمَةُ الشَّرْعِيَّةُ امْتِنَاعُ التَّوْكِيلِ لِامْتِنَاعِ مُبَاشَرَتِهِ مَمْنُوعَةٌ بِمَسَائِلَ : مِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ خَلْفَهُ ذِمِّيٌّ وَرَجَعَ أَمْرُهُ إلَى الْقَاضِي وَيَمْلِكُ تَوْكِيلَهُ بِهِ ، وَكَذَا الْوَصِيُّ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ خَمْرِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ ، وَالْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِمَا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ ، وَيَحُوزُ مِنْ وَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَكَذَا لَا تَبِيعُ الْأُمُّ عَرَضَ الْوَلَدِ وَوَصِيُّهَا بِبَيْعِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مِيرَاثِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : إنْ قُلْت إنَّ تَمَلُّكَ الْمُسْلِمِ لَهَا يَثْبُتُ جَبْرًا عَنْ سَبَبٍ جَبْرِيٍّ كَالْمَوْتِ سَلَّمْنَاهُ أَوْ عَنْ سَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ مَنَعْنَاهُ .
وَهُنَا كَذَلِكَ إذْ التَّوْكِيلُ اخْتِيَارِيٌّ وَالْمِلْكُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الشَّرْعِ .
قُلْنَا : نَخْتَارُ الثَّانِيَ وَنَمْنَعُ أَنَّ التَّوْكِيلَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ بَلْ الشِّرَاءِ ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ لِلْوَكِيلِ لَا الْمُوَكِّلِ وَلَيْسَتْ الْوَكَالَةُ سَبَبًا لَهُ بَلْ شَرْطٌ ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ اخْتِيَارُ الْوَكِيلِ وَاخْتِيَارُهُ لَيْسَ لَازِمًا لِلْوَكَالَةِ وَلَا مُسَبَّبًا عَنْهَا إذْ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ : إذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ وَفِي الشِّرَاءِ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ أَوْ يُخَلِّلَهَا بَقِيَ تَصَرُّفًا غَيْرَ مُعَقَّبٍ لِفَائِدَتِهِ ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ

الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُون مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ

قَالَ ( وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ثُمَّ جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ : كُلُّ شَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُفْسِدُهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَارِيَّةً عَنْ الْعِوَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ، أَوْ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَلَوْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدِ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ لِأَنَّهُ انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ، وَلَا إلَى الْمُنَازَعَةِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ لَا الْإِلْزَامُ حَتْمًا ، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي الْعِتْقِ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَتَفْسِيرُ الْمَبِيعِ نَسَمَةً أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ صَحَّ الْبَيْعُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : يَبْقَى فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا

كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ ، وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، فَإِذَا تَلِفَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا قَالَ ( وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ ، وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ .
{ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ }

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ) قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُقْرِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت بِهَا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَابْنَ شُبْرُمَةَ ، فَسَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَشَرَطَ شَرْطًا فَقَالَ : الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْته فَقَالَ : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ ، فَقُلْت : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ فَأَتَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا قَالَا .
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ : مَا أَدْرِي مَا قَالَا .
حَدَّثَنِي هَمَّامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأُعْتِقَهَا } الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ : مَا أَدْرِي مَا قَالَا .
حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كَدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { بِعْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حُمْلَانَهَا إلَى الْمَدِينَةِ } الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ .
وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ .
وَمِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ ذَكَرَهُ عَبْدُ

الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ ؛ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ مُسْتَدَلٌّ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا التَّخْصِيصَ فَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَاسْتَثْنَى مَنْ مَنَعَ الْبَيْعَ مَعَ الشَّرْطِ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَدَّ فِي حَدِيثِهَا إلَّا الْوَلَاءَ .
وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ : كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي ، فَقُلْت : إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِيدَهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُك لِي فَعَلْت ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا ، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ : إنِّي عَرَضْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ } الْحَدِيثُ .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ ، وَفِيهِ إبْطَالُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ بَيْعَهُ .
وَقَالَ : إنَّمَا اشْتَرَطَتْ عَائِشَةُ الْوَلَاءَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ : إنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْك كِتَابَتَك ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَرَدَّ اشْتِرَاطَهُمْ الْوَلَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ وَالْعِتْقَ مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : إنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ أَمْرًا لَا يَحِلُّ شَرْعًا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَقَعَ عِتْقُك إذَا أَعْتَقْته يَبْطُلُ هُوَ

دُونَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا يُمْكِنُ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ طَاقَةِ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْكَنَ وَيَكُونُ أَصْلُ هَذَا حَدِيثُ بَرِيرَةَ .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّمَا لَمْ يَخُصُّوهُ بِهِ لِأَنَّ الْعَامَّ عِنْدَهُمْ يُعَارِضُ الْخَاصَّ وَيُطْلَبُ مَعَهُ أَسْبَابُ التَّرْجِيحِ ، وَالْمُرَجِّحُ هُنَا لِلْعَامِّ وَهُوَ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مَانِعًا .
وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ مُبِيحٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّ مَا فِيهِ الْإِبَاحَةُ مَنْسُوخٌ بِمَا فِيهِ النَّهْيُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَالشَّرْطُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ حُمْلَانِهِ لَمْ يَقَعْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ، كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَنَحْنُ كَذَلِكَ نَقُولُ مَعَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْعَامِّ .
فَإِنْ قُلْت : كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِإِفْسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ؟ قُلْت : ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِجَدِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك } وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَى هَذَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بَلَاغًا .
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ حَكِيمٍ قَالَ : { نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ فِي الْبَيْعِ : عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ ، وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ ،

وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ } وَمَعْنَى السَّلَفِ فِي الْبَيْعِ : الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ الْبَيْعِ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ فِيهِ ) أَيْ فِي الشَّرْطِ ( أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ ) كَشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمُوجِبِ الْعَقْدِ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ ، لَكِنْ ثَبَتَ تَصْحِيحُهُ شَرْعًا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ كَشَرْطِ الْأَجَلِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي السَّلَمِ وَشَرْطٍ فِي الْخِيَارِ فَكَذَلِكَ هُوَ صَحِيحٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ شَرْعًا رُخْصَةً أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا ثَبَتَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُتَعَارَفٌ كَشِرَاءِ نَعْلٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ أَوْ يُشْرِكَهَا فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ التَّوَثُّقَ بِالثَّمَنِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ كَفِيلٍ بِالثَّمَنِ حَاضِرٍ ، وَقَبْلَ الْكَفَالَةِ ، أَوْ بِأَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ رَهْنًا مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِزُفَرَ ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ التَّوَثُّقُ لِلثَّمَنِ فَيَكُونُ كَاشْتِرَاطِ الْجَوْدَةِ فِيهِ فَهُوَ مُقَرِّرٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فَحَضَرَ وَقَبِلَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ ، فَلَوْ بَعْدَهُ أَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُسَمًّى وَلَا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ يُضَافُ إلَى الْبَيْعِ فَيَصِيرُ الْكَفِيلُ كَالْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ الْعَقْدَ .
بِخِلَافِ الرَّهْنِ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ ، لَكِنْ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَإِنْ انْعَقَدَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ ، فَإِنَّ سَلَّمَ مَضَى الْعَقْدُ عَلَى مَا عَقَدَا ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَا يُجْبَرُ

عِنْدَنَا بَلْ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الرَّهْنَ وَلَا الثَّمَنَ خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي الْفَسْخِ ، وَشَرْطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ ؛ وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا ذَكَرْنَا ، فَأَمَّا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ، كَأَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا الْبَائِعُ أَوْ يَتْرُكَهَا فِي دَارِهِ شَهْرًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَكَذَا شَرْطُ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا تَتَدَاوَلَهُ الْأَيْدِي ، وَكَذَا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ مَكَّةَ مَثَلًا .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ جَازَ وَعَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ : أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْبَيْعَ مِنْ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ لِلْمَبِيعِ مَنْفَعَةً وَلَهَا مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَهُوَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ لَهُ طَالِبًا ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ .
وَمِنْهُ إذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بِهَا مَسْجِدًا أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ .
أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا غَيْرَ آدَمِيٍّ فَقَدْ خَرَجَ الْجَوَازُ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْمُزَارَعَةِ مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْمُزَارِعِينَ إذَا شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ أَوْ يَهَبَهُ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْعَامِلِينَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ، وَكَذَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ ) وَالْمُنَازَعَةُ ( فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ) وَمَا أَبْطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الْبَيْعَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ عَارِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ مَعْنَى الرِّبَا .
وَمِنْ مِثْلِ الْبَاطِلِ بَيْعُ

الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يُدَبِّرَهُ ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي شَرْطِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَيُصَحِّحُهُ .
ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَذَاكَ وَإِلَّا خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ يُجْبَرُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَيَقِيسُهُ ) الشَّافِعِيُّ ( عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً ) ثُمَّ فَسَّرَهُ ( بِأَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ ذَلِكَ ) وَعَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ هَذَا تَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْقِيَاسِ .
وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِأَنْ يُبَاعَ بِشَرْطِ عِتْقِهِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ يُفْهَمُ مِنْ قُوَّتِهِ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِمَا ذَكَرَ مُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ فَنَفَاهُ ، وَحِينَئِذٍ يَقْوَى الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا قِيَاسَ .
قَالَ : ( وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ ) يَعْنِي مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ كَيْفَمَا وُجِدَ وَهُوَ مَذْهَبُهُ وَلِهَذَا خَصَّهُ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ .
وَجَوَابُهُ أَنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَصْلًا أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بَلْ كَانَ عَلَى وَعْدِ الْعِتْقِ مِنْهَا ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ مَنْعِ بَيْعٍ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ وَلَا يَصْلُحُ الْبَيْعُ مِمَّنْ يُظَنُّ عِتْقُهُ أَصْلًا لِقِيَاسِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ ، وَنَسَمَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى مُعَرَّضًا لِلْعِتْقِ ، وَعَبَّرَ بِالنَّسَمَةِ عَنْهُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا فِيمَا إذَا أُعْتِقَتْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَكَّ الرَّقَبَةَ وَأَعْتَقَ النَّسَمَةَ } فَصُيِّرَتْ كَالِاسْمِ لَمَّا عَرَضَ لِلْعِتْقِ فَعُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى الْفِعْلِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي إلَخْ ) .
هَذَا فَرْعٌ عَلَى قَوْلِنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ

الْعِتْقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ عَتَقَ ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَجَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعُودُ صَحِيحًا فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ .
وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ ( فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا لَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ ) مِنْ مَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَقِيَاسًا عَلَى تَدْبِيرِهِ وَاسْتِيلَادِهَا فَإِنَّ هُنَاكَ الضَّمَانَ بِالْقِيمَةِ اتِّفَاقًا فَهُوَ أَوْفَى بِالشَّرْطِ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ ) وَإِنْ كَانَ ( لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ) يَعْنِي قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ إلَى آخِرِهِ ( وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ ) وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ ( يُلَائِمُهُ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْعِتْقَ ( مِنْهُ لِلْمِلْكِ ) الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْبَيْعِ ( وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ ) وُجُودُهُ .
وَالْفَاسِدُ لَا تَقَرُّرَ لَهُ فَكَانَ صَحِيحًا ( وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ) إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ هَذَا الشَّرْطُ مُلَائِمًا فَيَبْقَى عَلَى مُجَرَّدِ جِهَتِهِ الْمُفْسِدَةِ ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ لَا يَصِيرُ شَرْطُ الْعِتْقِ مُلَائِمًا وَهُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ وَتَصْحِيحِهِ ، وَكَوْنُ شَيْءٍ آخَرَ كَالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ مُلَائِمًا لَا يَصِيرُ بِهِ هَذَا الشَّرْطُ الَّذِي وَقَعَ مُفْسِدًا مُلَائِمًا .
وَأَمَّا شَرْطُ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْعَقْدُ صَحِيحًا إذَا دَبَّرَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَوْلَدَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ شَرْطُ التَّدْبِيرِ

وَالِاسْتِيلَادِ مُلَائِمًا ؛ لِأَنَّهُ بِتَيَقُّنِ امْتِنَاعِ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِجَوَازِ أَنْ يَحْكُمُ قَاضٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ .
وَأُورِدَ لَمَّا كَانَ فِعْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُصَحِّحًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الِابْتِدَاءِ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُلَائِمُهُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ فَعَلِمْنَا فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ بِمُقْتَضَى ذَاتِهِ ، وَعِنْدَ تَحَقُّقِ حُكْمِهِ بِفِعْلِهِ بِمُقْتَضَى حُكْمِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ .
قُلْنَا : الْمُلَائِمُ لَهُ إطْلَاقُ الْوَطْءِ لَا إلْزَامُهُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ فِيهِمَا الْأَوَّلُ لِمَا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَالثَّانِي إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ وَلَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ لِأَحَدٍ فَهُوَ شَرْطٌ لَا طَالِبَ لَهُ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً ) أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْمُشْتَرِي قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَهُوَ فَاسِدٌ ( لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ) وَقَدْ وَرَدَ فِي عَيْنِ بَعْضِهَا نَهْيٌ خَاصٌّ وَهُوَ ( نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ) أَيْ قَرْضٍ .
ثُمَّ خَصَّ شَرْطَيْ الِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى بِوَجْهٍ مَعْنَوِيٍّ فَقَالَ : ( وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ الْمُسَمَّى ثَمَنًا وَبِإِزَاءِ الْمَبِيعِ وَبِإِزَاءِ أُجْرَةِ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى ( يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ ، وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ .
وَقَدْ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي

صَفْقَةٍ } ) فَيَتَنَاوَلُ كُلًّا مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ } أَمَّا ثُبُوتُهُ فَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ وَأَعَلَّ بَعْضَ طُرُقِهِ وَرَجَّحَ وَقْفَهُ ، وَبِالْوَقْفِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ .
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَمِعْت ، وَفَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ بِأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَبِيعُك هَذَا نَقْدًا بِكَذَا وَنَسِيئَةً بِكَذَا وَيَفْتَرِقَانِ عَلَيْهِ انْتَهَى .
وَرِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ لِلْحَدِيثِ مَوْقُوفًا { الصَّفْقَةُ فِي الصَّفْقَتَيْنِ رِبًا } تُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّهُ أَقْرَبُ تَبَادُرًا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً ، فَإِنَّ كَوْنَ الثَّمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْدِ أَلْفًا وَعَلَى تَقْدِيرِ النَّسِيئَةِ أَلْفَيْنِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الرِّبَا ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ نَحْوِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ } وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَدِيثِ ظَنُّ أَنَّهُ مَعْنَى الْأَوَّلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا أَخُصُّ مِنْهُ .
فَإِنَّهُ فِي خُصُوصٍ مِنْ الصَّفَقَاتِ وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك دَارِي هَذِهِ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَك بِكَذَا ، فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُك وَجَبَتْ لَك دَارِي .
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ بَلَاغًا .
وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ : لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ

؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ فَإِمَّا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِطَرِيقِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ .
لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا الْكَفِيلُ ، وَلَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ .
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ : بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلِيَّ وَالْعَبْدُ لِفُلَانٍ ، حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَاسْتَبْعَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ .
.

[ فُرُوعٌ ] بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا ؛ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْإِطْلَاقُ وَهَذَا تَعْيِينُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ فِي الثَّانِي لِمَا قُلْنَا ، وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ فِيهِمَا .
وَلَوْ كَانَ فِي الشَّرْطِ ضَرَرٌ كَأَنْ شَرَطَ أَنْ يُقْرِضَ أَجْنَبِيًّا لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَا مَضَرَّةٌ كَأَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُ جَازَ .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ الْعُقُودَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ تَمَامُهَا بِالْقَبُولِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ : قِسْمٌ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَجَهَالَةِ الْبَدَلِ وَهِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ .
وَقِسْمٌ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا جَهَالَةِ الْبَدَلِ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ .
وَقِسْمٌ لَهُ شَبَهٌ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ يُبْطِلُهَا جَهَالَةُ الْبَدَلِ وَلَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : الَّتِي تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ : الْبَيْعُ ، وَالْقِسْمَةُ ، وَالْإِجَارَةُ ، وَالْإِجَازَةُ ، وَالرَّجْعَةُ ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ ، وَعَزْلُ الْوَكِيلِ فِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَتَعْلِيقُ إيجَابِ الِاعْتِكَافِ بِالشُّرُوطِ ، وَالْمُزَارَعَةُ ، وَالْمُعَامَلَةُ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ .
وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ : الطَّلَاقُ ، وَالْخُلْعُ ، وَلَوْ بِغَيْرِ مَالٍ ، وَالْعِتْقُ بِمَالٍ وَبِلَا مَالٍ ، وَالرَّهْنُ ، وَالْقَرْضُ ، وَالْهِبَةُ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَالْوِصَايَةُ ، وَالشَّرِكَةُ ، وَالْمُضَارَبَةُ ،

وَالْقَضَاءُ ، وَالْإِمَارَةُ ، وَالتَّحْكِيمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَالْكَفَالَةُ ، وَالْحَوَالَةُ ، وَالْوَكَالَةُ ، وَالْإِقَالَةُ ، وَالنَّسَبُ ، وَالْكِتَابَةُ ، وَإِذْنُ الْعَبْدِ ، وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَالْجِرَاحَةُ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا ، وَجِنَايَةُ الْغَصْبِ ، الْوَدِيعَةُ ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا ضَمِنَهَا رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا حَوَالَةً أَوْ كَفَالَةً ، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ ، وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ، وَعَزْلُ الْقَاضِي .
وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ لَكِنْ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ، وَكَذَا الْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ لَا يَبْطُلُ الْحَجْرُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْكَفَالَةُ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ تَصِحُّ هِيَ وَالشَّرْطُ ، وَبِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ يَبْطُلُ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ انْتَهَى .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ أَوْ التَّقْيِيدَاتِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ ؛ فَمِنْ الْأَوَّلِ الْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ ، وَمِنْ الثَّانِي عَزْلُ الْوَكِيلِ وَالْحَجْرُ عَلَى الْعَبْدِ وَالرَّجْعَةُ وَالتَّحْكِيمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَتَعَلَّقُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْوِلَايَةِ كَالْقَضَاءِ وَالْإِذْنِ وَالْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ ، وَإِنْ جَعَلَ الْوَكَالَةَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ بَلْ هِيَ بِالْوِلَايَاتِ أَشْبَهُ

قَالَ ( وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ تَرْفِيهًا فَيَلِيقُ بِالدُّيُونِ دُونَ الْأَعْيَانِ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ ) إيَّاهَا ( إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ تَرْفِيهًا فَيَلِيقُ بِالدُّيُونِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً فِي الْبَيْعِ فَيَحْصُلُ بِالْأَجَلِ التَّرْفِيهُ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مُعَيَّنٌ حَاضِرٌ لَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِهِ إذْ فَائِدَتُهُ الِاسْتِحْصَالُ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ لِلْمُشْتَرِي

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ ، وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُمَا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ فَلَا يَصِحُّ فَيَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا ، وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا تُبْطِلُ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ ، غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْهَا ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ ، بَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تُبْطِلُ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ ، لَكِنْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثَ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ ، وَالْأَصْلُ ) الْمُمَهِّدُ لِتَعْرِيفِ مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ ، وَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ هُوَ ( أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ) ابْتِدَاءً ( لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ ) وَمَا يَصِحُّ يَصِحُّ وَمِمَّا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ .
هَذَا وَهُوَ كَوْنُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ إفْرَادِهِ بِالْعَقْدِ ( لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ خِلْقَةً ) كَرِجْلِ الشَّاةِ وَأَلْيَتِهَا حَتَّى أَنَّهُ يُقْرَضُ بِالْمِقْرَاضِ وَأَطْرَافُ الْحَيَوَانِ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ إجْمَاعًا .
وَمِنْ فُرُوعِهِ : بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا بِكَذَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ قَفِيزٍ مِنْهَا بِالْبَيْعِ يَجُوزُ ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا شَاةً بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِجَوَازِ شِرَاءِ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الشَّاةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِجَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ ، وَكَذَا الْحَالُ فِي كُلِّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ .
وَمِنْهُ مَا إذَا بَاعَ حَيَوَانًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهِ { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ } .
وَأَمَّا أَنَّ مَا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُخْرِجُ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ عَنْ حُكْمِهِ وَمَا يَدْخُلُ تَبَعًا لَيْسَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ كَالْمَفَاتِيحِ لَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الدَّارِ فَلَا تُسْتَثْنَى .
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( بَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهُمَا ) أَيْ الْأَصْلَ وَالتَّبَعَ ( فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجَبِ ) فَلَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ إلَّا إخْرَاجًا مِنْ حُكْمِ الصَّدْرِ وَحُكْمُهُ هُوَ مُوجِبُهُ فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَإِصْلَاحُهُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّنَاوُلِ فِيهَا الْحُكْمَ بِطَرِيقِ

التَّبَعِيَّةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجَبِ : أَيْ طَرِيقُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَهِيعُهُ لَا حَقِيقَةُ مُوجِبِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بَقِيَ ( شَرْطًا فَاسِدًا ) وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ ( وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ) وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَيُجْعَلُ بُطْلَانُهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَثَرَ الْمُشَابَهَةِ ، وَتُعَلَّلُ الْمُشَابَهَةُ بِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَاتٍ ، إلَّا أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطٌ فَاسِد تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ .
وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَقْدُ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَتِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ لِتَمَكُّنِ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ فَسَادُ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ بِذَلِكَ لِشَبَهِهِ الْإِعْتَاقِ وَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَبَّ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ .
وَكَوْنُهُ مُعَاوَضَةً إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ فِي الِانْتِهَاءِ وَكَانَ لَهُ شَبَهَانِ : شَبَهٌ بِالْبَيْعِ ، وَشَبَهٌ بِمَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ .
فَيَفْسُدَا بِالْمُفْسِدِ الْقَوِيِّ وَهُوَ مَا يَتَحَقَّقُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ شَبَهِهِ لِلْبَيْعِ ، وَلَمْ يَفْسُدْ بِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ ، وَهُمَا لَا يَفْسُدَانِ مُطْلَقًا بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ لِصُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ .
( و ) أَمَّا ( الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ) فَلَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ( فَلَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ ) فَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ إلَّا حَمْلَهَا ، أَوْ تَزَوَّجْت عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ اخْلَعْنِي

عَلَيْهَا إلَّا حَمْلَهَا ، أَوْ اجْعَلْهَا بَدَلَ الصُّلْحِ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَيَدْخُلُ الْحَمْلُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكَاتِ ، لَكِنْ عُرِفَ بِالنَّصِّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ الْعُمْرَى بِشَرْطِ عَوْدِ الْمُعَمَّرِ فَتَصِيرُ الْعُمْرَى لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا لِوَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ .
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلَا تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ بَلْ تَصِحُّ بِالِاسْتِثْنَاءِ ( حَتَّى يَكُونَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِي الْحَمْلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا ) بِأَنْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا خِدْمَتَهَا أَوْ إلَّا غَلَّتَهَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ( لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ ) وَالْغَلَّةِ بِانْفِرَادِهَا حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ غَلَّتِهَا لِفُلَانٍ فَمَاتَ فُلَانٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَا تَرِثُ وَرَثَتُهُ خِدْمَتَهَا وَلَا غَلَّتَهَا بَلْ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِ جَارِيَتِهِ لِآخَرَ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَكُونُ حَمْلُهَا لَهُ .
وَأُورِدَ عَلَى الْأَصْلِ أَنَّ الْخِدْمَةَ يَصِحُّ إفْرَادُهَا بِالْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا .
أُجِيبَ بِمَنْعِ لُزُومِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَلْزَمْ كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا لَا يَصِحُّ أُجْرَةً ، وَبِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدًا حَتَّى صَحَّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْعَقْدُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ فَلَا يُرَدُّ نَقْضًا .
[ فُرُوعٌ ] بَاعَ صُبْرَةً بِمِائَةٍ إلَّا عُشْرَهَا فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ عُشْرَهَا لِي فَلَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ

فِيهِمَا .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : لَوْ قَالَ أَبِيعُك هَذِهِ الْمِائَةَ شَاةٍ بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لِي أَوْ وَلِي هَذِهِ فَسَدَ ؛ وَلَوْ قَالَ إلَّا هَذِهِ كَانَ مَا بَقِيَ بِمِائَةٍ ، وَلَوْ قَالَ وَلِي نِصْفُهَا كَانَ النِّصْفُ بِخَمْسِينَ ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ جَازَ فِي كُلِّهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَاعَ نِصْفَهُ بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالنِّصْفُ الْمُسْتَثْنَى عَيَّنَ بَيْعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ فَسَدَ لِإِدْخَالِ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ .
وَلَوْ قَالَ بِعْتُك الدَّارَ الْخَارِجَةَ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لِي طَرِيقًا إلَى دَارِي هَذِهِ الدَّاخِلَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ ؛ وَلَوْ قَالَ إلَّا طَرِيقًا إلَى دَارِي الدَّاخِلَةِ جَازَ وَطَرِيقُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ ؛ وَلَوْ بَاعَ بَيْتًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِلْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ وَعَلَى أَنَّ بَابَهُ فِي الدِّهْلِيزِ يَجُوزُ ؛ وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا فَظَهَرَ أَنْ لَا لَهُ يُرَدُّ ؛ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ هَذِهِ الشِّيَاهُ إلَّا وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا جَازَ ؛ وَلَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا بِنَاءَ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا بِنَاءٌ الْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِ الْبِنَاءِ ؛ وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا مِنْ آجُرٍّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ فَهُوَ فَاسِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَظَهَرَ بَلْخِيًّا ؛ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ فِيهَا بِنَاءً فَإِذَا لَا بِنَاءَ فِيهَا ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِشَجَرِهَا وَلَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِعُلُوِّهَا وَسُفْلِهَا فَظَهَرَ أَنْ لَا عُلُوَّ لَهَا ، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى بِأَجْذَاعِهَا

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ ( وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ قَالَ أَوْ يُشَرِّكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا ذَكَرَهُ جَوَابُ الْقِيَاسِ ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : يَجُوزُ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ فَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ( لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ ) مِنْ امْتِنَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ إلَّا أَنَّ هُنَا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُ الْخِيَاطَةِ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ شَرْطُ إجَازَةٍ فِي بَيْعٍ ، وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُقَابَلَةِ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ ( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ ) الْمُرَادُ اشْتَرَى أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ نَعْلًا لَهُ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ النَّعْلِ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِهِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَتُهُ أَيْ نَعْلَ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا : أَيْ أَنْ يَجْعَلَ مَعَهَا مِثَالًا آخَرَ لِيُتِمَّ نَعْلًا لِلرِّجْلَيْنِ ، وَمِنْهُ حَذَوْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ : أَيْ قَدَّرْته بِمِثَالِ قِطْعَتِهِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ يُشْرِكَهُ فَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ نَعْلًا ، وَلَا مَعْنًى لَأَنْ يَشْتَرِيَ أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شِرَاكًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ النَّعْلِ ( فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
قَالَ ) الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَا ذَكَرَهُ ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ ( جَوَابُ الْقِيَاسِ ، وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ ) مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : يَجُوزُ ) الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ ( لِلتَّعَامُلِ ) كَذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ فِي دِيَارِنَا شِرَاءُ الْقَبْقَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ : أَيْ عَلَى أَنْ يُسَمِّرَ لَهُ سَيْرًا ( وَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ ) مُقْتَضَى الْقِيَاسِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَعَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ عَيْنُ الصَّبْغِ وَلَكِنْ جُوِّزَ لِلتَّعَامُلِ .
وَمِثْلُهُ إجَارَةُ الظِّئْرِ مَعَ لُزُومِ اسْتِهْلَاكِ

اللَّبَنِ جَازَ لِلتَّعَامُلِ ، لَكِنْ فِي الْفَوَائِدِ الْمُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ فِعْلُ الصَّبْغِ وَالْحَضَانَةُ فِي اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ وَالظِّئْرِ وَاللَّبَنُ آلَةُ فِعْلِهِمَا ( وَلِلتَّعَامُلِ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ ) مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ شِرَاءُ الصُّوفِ الْمَنْسُوجِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ قَلَنْسُوَةً بِشَرْطِ أَنْ يُبَطِّنَ لَهَا الْبَائِعُ بِطَانَةً مِنْ عِنْدِهِ ، وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنَّ بِهِ كَذَا ، وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ الْمَشْرُوطُ مَعْدُومًا فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُفْعَلَ مِنْ هَذَا .
ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ : اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ يَفْسُدُ الْبَيْعُ .
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ .
وَأَصَحُّهُمَا يَصِحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : الْقَوْلَانِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ ، أَمَّا فِي الْجَوَارِي يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُنَا .
ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ : اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُرِيدُهَا لِلظَّئُورَةِ فَيَفْسُدُ .
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلِمَ ذَلِكَ بَلْ شَرَطَهُ ، وَكَوْنُهُ اشْتَرَى خِلَافَ مَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادًا بَعْدَ الرِّضَا بِهِ .
وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ شَرْطُ الْحَبَلِ مِنْ الْبَائِعِ لَا يُفْسِدُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَذْكُرُهُ عَلَى بَيَانِ الْعَيْبِ عَادَةً .
وَلَوْ وُجِدَ مِنْ الْمُشْتَرِي يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَى سِمْسِمًا أَوْ زَيْتُونًا أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا هُنَا أَوْ يُخْرِجُ كَذَا دَقِيقًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَلَوْ شَرَطَ فِي الشَّاةِ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ .
وَاخْتُلِفَ فِيهِ ؛ فَالْكَرْخِيُّ يُفْسِدُ ، وَالطَّحَاوِيُّ لَا يُفْسِدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ .
وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فِي أَنَّ مَعْنَى الْحَلُوبِ مَا يَكُونُ

لَبَنُهَا هَذَا الْمِقْدَارَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا إلَى غَايَةِ كَذَا ، وَلَوْ كَانَ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَ فُلَانًا كَذَا فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ إذَا شُرِطَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ لَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا شُرِطَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي كَالْبَيْعِ بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَحُطَّ فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةً جَازَ الْبَيْعُ ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ دِينَارًا مِنْ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَفِي الْمُنْتَقَى خِلَافُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْمُشْتَرِي .
قَالَ : لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ دِينَارًا مِنْ الثَّمَنِ جَازَ وَهُوَ حَسَنٌ ، لِأَنَّ حَاصِلَ هَذَا حَطِيطَةٌ مُشْتَرَطَةٌ وَمَآلُهَا إلَى الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْأَنْقَصِ .
وَلَوْ بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ أَوْ السُّفْلَ عَلَى أَنَّ لَهُ قَرَارَ الْعُلُوِّ جَازَ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكُ الْمُشْتَرِي فِي نِصْفِ هَذَا فَسَدَ .
وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْهِمَا جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ هَذَا الثَّوْبَ وَقَالَ أَنَا شَرِيكُك فِي نِصْفِهِ ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ يَجُوزَ الْأَوَّلُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنِصْفِ الْآخَرِ شَائِعًا صَفْقَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ .
وَلَوْ بَاعَ هَذَا بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهُ بِسِتِّمِائَةِ فَقَدْ بَاعَ نِصْفَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ

قَالَ ( وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ ) وَهِيَ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِي الْبَيْعِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ إلَّا إذَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا ، أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ .

( قَوْلُهُ وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ ) وَهُوَ يَوْمٌ فِي طَرْفِ الرَّبِيعِ وَأَصْلُهُ نَوْرُوزُ عَرَبٍ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : كُلُّ يَوْمٍ لَنَا نَوْرُوزٌ حِينَ كَانَ الْكُفَّارُ يَبْتَهِجُونَ بِهِ .
وَالْمِهْرَجَانُ يَوْمٌ فِي طَرْفِ الْخَرِيفِ مُعَرَّبُ مهركان ، وَقِيلَ هُمَا عِيدَانِ لِلْمَجُوسِ ( وَصَوْمُ النَّصَارَى وَفِطْرُ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ ) وَعُرِفَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَجَّلِ هُنَا هُوَ الثَّمَنُ لَا الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ ، وَلَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُنَاسِبُ تَعْلِيلَ فَسَادِ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ .
وَبِقَوْلِهِ : ( إذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْفَسَادَ ) بِالتَّأْجِيلِ إلَى هَذِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ خُصُوصِ أَوْقَاتِهَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ .
فَلَوْ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ صَحَّ .
قِيلَ : وَتَخْصِيصُهُ الْيَهُودَ بِالْفِطْرِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ صَوْمِهِمْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْسِدَ الْجَهَالَةُ ، فَإِذَا انْتَفَتْ بِالْعِلْمِ بِخُصُوصِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ .
وَلِذَا قَالَ ( أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ ) وَهِيَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ يَصِحُّ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا هُوَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنُ ، أَمَّا لَوْ كَانَ ثَمَنًا عَيْنًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالْأَجَلِ فِيهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُفْسِدًا لِتَأْجِيلِ الْبَيْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ .
وَقَوْلِهِ ( لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ ) الْمُمَاكَسَةُ : اسْتِنْقَاصُ الثَّمَنِ ، وَالْمَكْسُ وَالْمِكَاسُ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَيْعِ عَادَةً وَهُوَ يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ ، فَكَانَتْ الْمُنَازَعَةُ ثَابِتَةً فِي الْبَيْعِ لِوُجُودِ مُوجِبِهَا فِي الْجُمْلَةِ .

وَعِنْدَ جَهَالَةِ وَقْتِ الْقَبْضِ يُحَصِّلُ أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالدِّينِ وَالنَّفْسِ فَلَا يُشْرَعُ الْعَقْدُ مَعَ ذَلِكَ .
وَحَقِيقَةُ هَذَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعُ هَذِهِ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ .
بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ

قَالَ ( وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ ) ، وَكَذَلِكَ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَالْجِزَازِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِيهَا وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ تُكْفَلُ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ ، فَكَذَا فِي وَصْفِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حَيْثُ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلٌ فِي الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُتَحَمَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ ، وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ .

( وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا ( وَ ) مِثْلُهُ ( الْقِطَافُ ) وَهُوَ لِلْعِنَبِ ( وَالدِّيَاسُ ) وَهُوَ دَوْسُ الْحَبِّ بِالْقَدَمِ لِيَنْقَشِرَ ، وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ يَاءً لِلْكَسْرِ قَبْلَهَا ( وَالْجِزَازُ ) أَيْ جَزَّ صُوفِ الْغَنَمِ ( لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ ) وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِزَازُ النَّخْلِ ( وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُسْتَدْرَكَةٌ ) أَيْ قَرِيبٌ تَدَارُكُهَا وَإِزَالَةُ جَهَالَتِهَا وَتَحْلِيلُ الدَّلِيلِ هَكَذَا هَذِهِ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ .
وَكُلُّ جَهَالَةٍ يَسِيرَةٍ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَهَذِهِ مُتَحَمَّلَةٌ فِيهَا .
وَعَلَى هَذَا فَالسُّؤَالُ الْمُورَدُ مِنْ قِبَلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ كَوْنُ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ مُتَحَمَّلَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمَجْهُولَةِ مُتَحَمَّلًا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ حَيْثُ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ وَصْفِهِ ثُمَّ لَا يَصِحُّ فِي اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْآجَالِ سُؤَالُ أَجْنَبِيٍّ عَنْ هَذَا الْمَحِلِّ .
ثُمَّ أَجَابَ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ هَذِهِ الْآجَالِ فِي الصَّدَاقِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْبَعْضِ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الصَّدَاقِ إلَيْهَا .
وَإِنَّمَا يَرِدُ هَذَا إذَا قِيلَ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الصَّدَاقِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فَيُورَدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِعَدَمِ تَحَمُّلِهِ جَهَالَةَ هَذِهِ الْآجَالِ وَيُجَابُ بِمَا ذُكِرَ .
وَقَوْلُهُ ( لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ ) أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهَا جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ ، فَإِنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ أَجَازَهُ كَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَجَازَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ .
وَابْنُ عَبَّاسٍ مَنَعَهُ وَبِهِ أَخَذْنَا .
وَلَوْ كَانَتْ جَهَالَةً قَوِيَّةً لَمْ

يَخْتَلِفُوا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مَعَهَا ، وَقَدْ قَالُوا : إنَّ الْعَطَاءَ كَانَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ فَجَازَ كَوْنُهُ أَجَلًا إذْ ذَاكَ لِصِدْقِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فِي مِيعَادِهِمْ فِي صَرْفِهِ ، وَأَمَّا الْآنَ فَيَتَأَخَّرُ عَنْ مَوَاعِيدِهِمْ كَثِيرًا فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَيْهِ الْآنَ .
فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ قَلِيلًا بِنَحْوِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَأَهْدَرَتْهُ عَائِشَةُ وَاعْتَبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
ثُمَّ قِيلَ : الْيَسِيرَةُ مَا يَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْجَهَالَةِ التَّرَدُّدَ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ ، وَالْفَاحِشَةُ هِيَ مَا يَكُونُ التَّرَدُّدُ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ .
وَقَوْلُهُ : ( وَلِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ ) أَيْ ؛ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ مَعْلُومٌ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لِلْكَفَالَةِ إذْ يَسْتَلْزِمُ دَيْنًا : يَعْنِي الْأَصْلَ وَهُوَ الدَّيْنُ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةُ فِي وَصْفِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُؤَجَّلًا إلَى كَذَا الَّذِي قَدْ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ .
وَقَوْلُهُ ( أَلَا يَرَى إلَى آخِرِهِ ) ابْتِدَاءٌ لَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ : لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْأَصْلِ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ كَوْنَ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مِثْلِهَا .
وَبِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَكْفُولَ بِهِ مَعْلُومُ الْأَصْلِ فَلَمْ تَبْقَ جَهَالَةٌ إلَّا فِي الْوَصْفِ ، وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ يَسِيرَةٌ ثُمَّ ارْتَفَعَ إلَى أَوْلَوِيَّةِ صِحَّةِ هَذِهِ الْآجَالِ فِي الْكَفَالَةِ بِأَنَّ بَعْضَ الْكَفَالَةِ تَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْأَصْلِ كَالْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ وَالذَّوْبُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْوُجُودِ فَلَأَنْ يَتَحَمَّلَ جَهَالَةَ الْوَصْفِ فِيهِ أَوْلَى ( بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ ) فَاتَّجَهَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ : لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَحَمُّلِ أَصْلِ الْجَهَالَةِ عَدَمُ تَحَمُّلِ وَصْفِهِ ، وَهُوَ أَخَفُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى ، أُجِيبُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْعِلَّةِ

يُوجِبُهُ فِي الْحُكْمِ ، وَعِلَّةُ عَدَمِ تَحَمُّلِهَا فِي الْأَصْلِ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَهَالَةِ الْوَصْفِ ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْبَيْعِ جَهَالَةَ هَذِهِ الْآجَالِ هُوَ إذَا ذُكِرَتْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ .
أَمَّا إذَا عَقَدَهُ بِلَا أَجَلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ ( بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا ) أَيْ عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ حَتَّى انْعَقَدَ صَحِيحًا ( ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ .
فَالتَّأْجِيلُ بَعْدَ الصِّحَّةِ كَالْكَفَالَةِ تَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَأْجِيلُ دَيْنٍ مِنْ الدُّيُونِ ، بِخِلَافِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَقَبُولُ هَذِهِ الْآجَالِ شَرْطٌ فَاسِدٌ .

( وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ أَيْضًا .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَصَارَ كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ ) وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْقَطَا الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ ؛ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ وَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ النِّكَاحِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ تَرَاضَيَا خَرَجَ وِفَاقًا ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ يَسْتَبِدُّ بِإِسْقَاطِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِ الْأَجَلِ ) قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ بِأَنْ أَسْقَطَاهُ ( قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الدِّيَاسِ وَالْحَصَادِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ أَيْضًا ) كَمَا جَازَ إذَا عُقِدَ بِلَا أَجَلٍ ثُمَّ أَلْحَقَ هَذِهِ الْآجَالَ ( وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ ) وَتَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْآجَالِ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ التَّأْجِيلِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ ، فَإِنَّهُ لَوْ أَجَلَّ بِهَا ثُمَّ أَسْقَطَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا .
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ ( فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَإِسْقَاطِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ ) وَكَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بَعْدَ عَقْدِهِ بِلَا شُهُودٍ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا ، وَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ إذَا سَقَطَا الدِّرْهَمُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا ( وَلَنَا ) أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ مَانِعٌ مِنْ لُزُومِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ فِي اعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ الْأَجَلُ ، وَصُلْبُ الْعَقْدِ الْبَدَلَانِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي سَبَبَ الْفَسَادِ وَهُوَ الْمُنَازَعَةُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ ظَهَرَ عَمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ مَعْنَى انْقِلَابِهِ صَحِيحًا ، بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِشْهَادِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّ عَدَمَ الْإِشْهَادِ عَدَمُ الشَّرْطِ وَبَعْدَ وُقُوعِ الْمَشْرُوعِ فَاسِدًا لِعَدَمِ الْمَشْرُوطِ لَا يَعُودُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ صَحِيحًا ، مَثَلًا : إذَا صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةً ، وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَبْلَ عَدَمِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ فَلَيْسَ هُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ بَلْ عَقْدٌ آخَرُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ نَسْخِ الْمُتْعَةِ وَعَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ الدِّرْهَمِ ( لِأَنَّ

الْفَسَادَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ) وَاَلَّذِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى الْجَوَابِ مَا إذَا سَقَطَ الرَّطْلُ الْخَمْرُ فِيمَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ وَرَطْلِ خَمْرٍ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَانْقِلَابِهِ صَحِيحًا فِي آخِرِ الصَّرْفِ .
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ .
هُوَ تَبَعٌ لِلْأَلْفِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ .
بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْخَمْرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْخَمْرِ هُوَ الثَّمَنُ وَيَفْسُدُ إذْ لَا مُسْتَتْبِعَ هُنَاكَ ، هَذَا وَإِلْحَاقُ زُفَرَ بِالنِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ فَإِنَّهُ يُجِيزُ النِّكَاحَ الْمُوَقَّتَ .
ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ تَرَاضَيَا ) أَيْ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ

قَالَ ( وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَل الْبَيْعُ فِيهِمَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالشَّاةِ الذَّكِيَّةِ ( وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَسَدَ فِيهِمَا ، وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ لَهُ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، إذْ مَحَلِّيَّةُ الْبَيْعِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكُلِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْقِنِّ ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ فِي النِّكَاحِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الْقَبُولُ فِي الْحُرِّ شَرْطًا لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي هَؤُلَاءِ مَوْقُوفٌ وَقَدْ دَخَلُوا تَحْتَ الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي عَبْدِ الْغَيْرِ بِإِجَازَتِهِ ، وَفِي الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي الْمُدَبَّرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَكَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ فَكَانَ هَذَا إشَارَةً إلَى الْبَقَاءِ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَا

يُشْتَرَطُ بَيَانُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ

( قَوْلُهُ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا ) سَوَاءٌ فَصَلَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ لَمْ يَفْصِلْ ( وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ فِي الْعَبْدِ ) بِمَا سَمَّى لَهُ وَكَذَا فِي الذَّكِيَّةِ ، وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ بَطَلَ بِالْإِجْمَاعِ .
وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مَالِكٌ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ، وَعَلَى الْخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ دَنَّيْنِ خَلًّا فَإِذَا أَحَدُهُمَا خَمْرٌ ( وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ ) وَلَمْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ ( صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ فَسَدَ فِيهِمَا ، وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيْتَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمَّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ ( لِزُفَرَ الِاعْتِبَارُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ ) وَهُوَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَلَمْ يَفْصِلْ ثَمَنَ كُلٍّ بِجَامِعِ أَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ مَا يَصِحُّ مَجْمُوعًا صَفْقَةً وَهُوَ يُوجِبُ انْتِفَاءَ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ إذْ يَصْدُقُ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلٌّ لَيْسَ بِمَالٍ ( وَلَهُمَا ) فِي الْأَوَّلِ ( أَنَّ الْفَسَاد لَا يَتَعَدَّى ) مَحِلَّ الْمُفْسِدِ ، وَبَعْدَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ يَقْتَصِرُ الْمُفْسِدُ وَهُوَ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ عَلَى الْحُرِّ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِلَا مُوجِبٍ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ انْفَصَلَ عَنْ الْآخَرِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَبْدًا وَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَ كُلٍّ مِنْهُمَا

؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ حِينَئِذٍ فِي الْقِنِّ لِجَهَالَةِ ثَمَنِهِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ) أَعْنِي الْجَمْعَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدِ ( أَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ أَصْلًا وَالْبَيْعَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَابِلِ أَنْ يَقْبَلَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ جَعْلِ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ شَرْطًا فِي بَيْعِهِ الْآخَرَ فَقَدْ شَرَطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ قَبُولَهُ فِي الْحُرِّ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ بَيْعُ الْعَبْدِ ( بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ .
أَمَّا بَيْعُ هَؤُلَاءِ فَمَوْقُوفٌ ) عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْمُدَبَّرِ وَرِضَا الْمُكَاتَبِ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِجَازَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ ( فَقَدْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ ) عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَيْضًا فَدَخَلَتْ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ ) أَيْ مَالِكَ الْعَبْدِ الْمَضْمُومَ إلَى عَبْدِ الْبَائِعِ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَبِيعَ وَهَؤُلَاءِ ( بِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ رَدُّوا الْبَيْعَ ) بَعْدَ وُجُودِهِ فِيمَا يَقْبَلُهُ ، وَهَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ .
وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ التَّابِعِينَ اللَّاحِقَ هَلْ يَرْفَعُ خِلَافَ الصَّحَابَةِ السَّابِقَ عِنْدَهُمَا لَا يَقْوَى لِرَفْعِ خِلَافِ الصَّحَابَةِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ ، فَلِذَا صَحَّ الْقَضَاءُ بِبَيْعِهَا عِنْدَهُمَا نَظَرًا إلَى الْخِلَافِ .
وَعِنْدَهُ لَا نَظَرًا إلَى الْإِجْمَاعِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ عُبَيْدَةَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَالَ بَدَا لِي رَأْيٌ أَنَّهُنَّ يُبَعْنَ فَقَالَ رَأْيُك فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا أَوْ كُلَّهُمْ إلَّا عَلِيًّا .
وَقَدْ ذَكَرَ

الْكَرْخِيُّ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ إذَا بَاعَهُمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّرْفِ ، فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يَتَّضِحُ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ .
قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا وَبَيْنَ الذَّبِيحَةِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِضَعْفِ الْفَسَادِ فِي مَتْرُوكِهَا لِلِاجْتِهَادِ .
أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ بِهِ ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ نَفْسُ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ لِمُصَادَمَتِهِ ظَاهِرَ النَّصِّ .
هَذَا ، وَقَدْ يُجْعَلُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَاتِّحَادِهَا ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّ تَعَدُّدَهَا عِنْدَهُمَا بِتَعَدُّدِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ .
وَعِنْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّعَدُّدُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَكْرَارِ لَفْظِ الْبَيْعِ .
وَمَا فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا فَصَّلَ الثَّمَنَ وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ وَاتَّحَدَ الْبَاقِي كَانَتْ الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةً هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَأَوْرَدَ مِنْ قَبْلَهُمَا أَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ شَرْطٌ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا .
أُجِيبَ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ فِي إفْسَادِ الشَّرْطِ أَوَّلًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ فَفِيهِ نَفْعٌ ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِهِ قَبُولَ بَدَلِهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَدَلُهُ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا .
وَقَوْلُهُ ( وَكَانَ هَذَا ) يَعْنِي رَدَّ الْبَيْعِ ( إشَارَةٌ إلَى الْبَقَاءِ ) يَعْنِي دُخُولَهُمْ تَحْتَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَيْعِ بِدُونِ انْعِقَادِهِ لَا يَصِحُّ ، وَإِذَا خَرَجُوا بَعْدَ دُخُولِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ بَيْعٌ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً بَلْ بَقَاءً كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ

وَحْدَهُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْآخَرِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ وَمَا مَعَهُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ جَمْعُهُ مَعَ الْقِنِّ يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ .
فُرُوعٌ ] فِي الْكَافِي جَمَعَ بَيْنَ وَقْفٍ وَمِلْكٍ وَأَطْلَقَ صَحَّ فِي الْمِلْكِ فِي الْأَصَحِّ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ : يَفْسُدُ فِيهِمَا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : جَازَ فِي الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ .
وَلَوْ بَاعَ كَرْمًا فِيهِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ ، إنْ كَانَ عَامِرًا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَإِلَّا لَا ، وَكَذَا فِي الْمَقْبَرَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فِيهِ طَرِيقٌ لِلْعَامَّةِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالطَّرِيقُ عَيْبٌ .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِطَرِيقِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الطَّرِيقَ ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بِحِصَّتِهَا ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا إنْ كَانَ الطَّرِيقُ مُخْتَلِطًا بِهَا ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا لَزِمَهُ الدَّارُ بِحِصَّتِهَا .
وَمَعْنَى اخْتِلَاطِهِ كَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْحُدُودَ .
وَفِي الْمُنْتَقَى : إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ مَحْدُودًا فَسَدَ الْبَيْعُ ، وَالْمَسْجِدُ الْخَاصُّ كَالطَّرِيقِ الْمَعْلُومِ ، وَلَوْ كَانَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : وَلَوْ كَانَ مَسْجِدَ جَامِعٍ فَسَدَ فِي الْكُلِّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْدُومًا أَوْ أَرْضًا سَاحَةً لَا بِنَاءَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مَسْجِدَ جَامِعٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُتَفَرِّعٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْجِدِ ، إلَّا إنْ كَانَ مَنْ رِيعُهُ مَعْلُومٌ يُعَادُ بِهِ ، وَلَوْ بَاعَ قَرْيَةً وَفِيهَا مَسْجِدٌ وَاسْتَثْنَى الْمَسْجِدَ جَازَ الْبَيْعُ .

( فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ ) .
( وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِلتَّضَادِّ ، وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْضُ الْقَبْضِ ، وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ .
وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ .
مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ .
وَرُكْنُهُ : مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، وَفِيهِ الْكَلَامُ وَالنَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عِنْدَنَا لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ ، وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ إذْ هُوَ وَاجِبُ الرَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ضَعُفَ لِمَكَانِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَبِيحِ فَيُشْتَرَطُ اعْتِضَادُهُ بِالْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ ، وَالْمَيْتَةِ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ وَشَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمَّنًا .
ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ دَلَالَةً كَمَا إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ، وَشَرَطَ

أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ لِيَتَحَقَّقَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالرِّيحِ وَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ ، وَقَوْلُهُ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ، فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ ، فَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَلْزَمُهُ الْمِثْلُ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهُ الْغَصْبَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ صُورَةً وَمَعْنًى أَعْدَلُ مِنْ الْمِثْلِ مَعْنًى .

( فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ ) قَالَ ( وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ ) صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا سَيَأْتِي ( وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الصَّحِيحِ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَكَيْفَ بِالْفَاسِدِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيمَةِ عَيْنًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ ، أَمَّا مَعَ قِيَامِهِ فِي يَدِهِ فَالْوَاجِبُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ قَبَضَ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ ( مَحْظُورٌ فَلَا يَنَالَ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ ؛ لِلتَّضَادِّ ) بَيْنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالنَّهْيِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوعِيَّةِ ( وَلِهَذَا ) أَيْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ ( لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ) وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَثَبَتَ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ( وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ ) فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِانْتِفَاءِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّبَبِ ( وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَلَا فِي الْمَحَلِّيَّةِ وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِيهِ الْكَلَامُ ) أَيْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْعَقْدُ عِوَضَانِ هُمَا مَالَانِ .
قَوْلُهُ ( نِعْمَةَ ) الْمِلْكِ لَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ .
قُلْنَا : مَمْنُوعٌ ، بَلْ مَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِحُكْمٍ إذَا نَهَى عَنْهُ عَلَى وَضْعٍ خَاصٍّ فَفُعِلَ مَعَ ذَلِكَ الْوَضْعَ رَأَيْنَا مِنْ الشَّرْعِ أَنَّهُ أَثْبَتَ حُكْمَهُ وَأَتَمَّهُ .
أَصْلُهُ الطَّلَاقُ وَضَعَهُ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَنَهَى عَنْهُ بِوَضْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا ثُمَّ رَأَيْنَاهُ أَثْبَتَ حُكْمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ فَأَزَالَ بِهِ

الْعِصْمَةَ حَتَّى أَمَرَ ابْنَ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَأَثِمَ الْمُطَلِّقُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ نَهَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْفُلَانِيِّ إذَا بُوشِرَ مَعَهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيَعْصِي بِهِ .
وَقَوْلُهُ النَّهْيُ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ : يَعْنِي يُفِيدُ انْتِفَاءَهَا مَعَ الْوَصْفِ ، فَنَقُولُ : مَا تُرِيدُ بِانْتِفَاءِ مَشْرُوعِيَّةِ السَّبَبِ كَوْنُهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ أَوْ كَوْنُهُ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ ؟ إنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَمَتَّعْنَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ حُكْمَهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ كَمَا أَرَيْنَاك مِنْ الشَّرْعِ ، وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ مَحِلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُصَادَرَةٌ حَيْثُ جَعَلْت مَحِلَّ النِّزَاعِ جُزْءَ الدَّلِيلِ .
لَا يُقَالُ فَلَا فَائِدَةَ لِلنَّهْيِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّأْثِيمُ وَهُوَ مَوْضِعُ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ رُكْنَ الْعَقْدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْخَمْرِ أَوْ الْمَيْتَةِ لِعَدَمِ الرُّكْنِ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ أَصْلًا فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَوَضَعْنَا الِاصْطِلَاحَ عَلَى الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا تَمْيِيزًا فَسَمَّيْنَا مَا لَا يُفِيدُ بَاطِلًا وَمَا يُفِيدُهُ فَاسِدًا أَخْذًا مِنْ مُنَاسَبَةٍ لُغَوِيَّةٍ تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَلَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ هَذَا التَّقْرِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكِفَايَتِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ ( النَّهْيُ يُقَرِّرُ الْمَشْرُوعِيَّةَ لِاقْتِضَائِهِ التَّصَوُّرَ ) يُرِيدُونَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُقَرِّرُ مَشْرُوعِيَّتَهُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ فَائِدَةٌ فَلَيْسَ بِذَاكَ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يَقْتَضِي

تَصَوُّرَ النَّهْيِ عَنْهُ بِمَعْنَى إمْكَانِ فِعْلِهِ مَعَ الْوَصْفِ الْمُثِيرِ لِلنَّهْيِ لَا يُفِيدُ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا الْمُتَصَوَّرَ يَقَعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ .
وَإِنْ أَرَادُوا تَصَوُّرَهُ شَرْعِيًّا : أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا فَمَمْنُوعٌ ، وَإِنْ قَالُوا نُرِيدُ تَصَوُّرَهُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا مَعَ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مُثِيرُ النَّهْيِ .
قُلْنَا سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ النَّهْيِ هُوَ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ مَعَهُ .
وَالْمَشْرُوعُ وَهُوَ أَصْلُهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ غَيْرِ الثَّابِتِ هُنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَصْلًا إذْ نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ : أَعْنِي مَا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَصْفِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فَلَا يُجْدِي شَيْئًا ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ ( فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ ) يُقَالُ عَلَيْهِ مَا تُرِيدُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ أَوْ مَا فِيهِ ؟ إنْ قُلْت : الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سَلَّمْنَاهُ وَبِهِ تُنَالُ نِعْمَةُ الْمِلْكِ لَكِنَّ الثَّابِتَ الْبَيْعُ الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا فِيهِ الْوَصْفُ الْمُثِيرُ لِلنَّهْيِ فَلَا يُنَالُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ مَعَ النَّهْيِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا .
وَأَمَّا ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ مَا يُجَاوِرُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ ) فَالْمُرَادُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِ النَّهْيِ لَعَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا إذَا كَانَ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الرُّكْنِ وَإِلَّا فَالنَّهْيُ لِلْمُجَاوِرِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ لَا الْحَظْرَ .
وَالنَّهْيُ لِلْوَصْفِ اللَّازِمِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ يُفِيدُ الْحَظْرَ ، هَذَا إلَّا أَنِّي أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ مَعَ ذَلِكَ : إنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَا بِمَالٍ فِي شَرِيعَتِنَا .
فَإِنَّ الشَّارِعَ أَهَانَهُمَا بِكُلِّ وَجْهٍ

حَتَّى لَعَنَ حَامِلَهَا وَمُعْتَصِرَهَا مَعَ أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ حَالَ الِاعْتِصَارِ ، بَلْ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ نِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَهِيَ مَالٌ فِي شَرْعِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى زَعْمِهِمْ ، وَحَيْثُ أَمَرَنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَقَدْ أَمَرَنَا بِاعْتِبَارِ بَيْعِهِمْ إيَّاهَا وَبَيْعِهِمْ بِهَا ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهِمْ فَصَحِيحٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ ( وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى آخِرِهِ ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا الْبَيْعُ يُفِيدُهُ حُكْمُهُ فَمَا وَجْهُ تَرَاخِيهِ عَنْهُ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ ؟ فَأَجَابَ : وَحَاصِلُ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّا قَدْ أَرَيْنَاك أَنَّهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَأَنَّ مَا هُوَ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ طَلَبَ الشَّرْعُ رَفْعَهُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَإِنْ تَرَتَّبَ حُكْمُهُ كَمَا أَمَرَ بِمُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَحَيْثُ أَمَرَنَا بِإِعْدَامِهِ بَعْدَ فِعْلِهِ صَارَ فِيهِ ضَعْفٌ ، وَرَأَيْنَا حُكْمَ السَّبَبِ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَأَخَّرْنَاهُ إلَى الْقَبْضِ ، فَإِنَّهُ بِهِ يَتَأَكَّدُ الْعَقْدُ فَيُوجِبُ حِينَئِذٍ حُكْمَهُ كَالْهِبَةِ لَمَّا ضَعُفَ السَّبَبُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِالْقَبْضِ .
وَقَوْلُهُ ( كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ ) أَيْ إلَى زِيَادَةِ تَقْرِيرِهِ ، فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَيْهِ تَزِيدُهُ وُجُودًا مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ فَلَا يَفْعَلْ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ ) يُرِيدُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ مَبِيعًا ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهَا الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ إعْزَازًا لَهَا .
وَقَوْلُهُ ( وَشَيْءٌ آخَرُ ) أَيْ وَجْهٌ آخَرُ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ مَبِيعَةً ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ تَسْلِيمُ قِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ

الْمُسَلِّمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَسْلِيمِهَا وَتَسَلُّمِهَا ، وَالْقِيمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَتَصِيرُ الْقِيمَةُ مَبِيعَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَبِيعٍ .
وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الشَّرْعِ فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ مِنْ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلسِّلَعِ مِنْ النُّقُودِ ثَمَنٌ : لَا يُقَالُ : لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إذَا قُوبِلَتْ بِمِثْلِهَا صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا ، وَالْخَمْرُ قَدْ قُوبِلَتْ بِالدَّرَاهِمِ فَإِذَا نَزَلَتْ الْقِيمَةُ مَكَانَهَا صَارَتْ دَرَاهِمَ مُقَابَلَةً بِدَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الثَّابِتُ هُنَا كَوْنُ كُلٍّ مَبِيعًا وَثَمَنًا ، وَهُنَا يَلْزَمُ مَبِيعًا لَيْسَ غَيْرَ .
وَقَدْ يُقَالُ : لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْفَاسِدِ الْقِيمَةَ لَا الثَّمَنَ وَالْمَدْفُوعُ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ قِيمَتَهَا آلَ إلَى الصَّرْفِ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مَبِيعًا وَثَمَنًا كَالْقِيمَةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا الْمُشْتَرِي ( ثُمَّ شَرَطَ ) فِي الْمِلْكِ ( أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ) مِنْ الْمَذْهَبِ ( إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِذْنِ دَلَالَةً كَمَا إذَا ) اجْتَرَّهُ فَ ( قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ ) وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ ( اسْتِحْسَانًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ ) أَمَّا إذَا كَانَ أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ مَعَ غَيْبَةِ الْبَائِعِ ، وَلَوْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَعْفِهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِهِ بِنَفْسِهِ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلصَّحِيحِ وَتُسَمَّى الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ ضَعْفَهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِمُجَرَّدِهِ لَا مَنْعِ قَبْضِهِ مُطْلَقًا ، وَصَارَ كَالْهِبَةِ فِي ضَعْفِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا ( فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ) وَأَثَرُ الضَّعْفِ يَكْفِي فِيهِ

كَوْنُ التَّسْلِيطِ الَّذِي يَثْبُتُ مُقَيَّدًا بِالْمَجْلِسِ ، حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ : يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ أَدَّى الثَّمَنَ بِمَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقٍ سَيَأْتِي .
وَأَمَّا مَا ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ مِنْ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْبَائِعِ فِي صِحَّةِ الْقَبْضِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ الثَّمَنُ خَمْرًا مَثَلًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ بِالْقَبْضِ ، فَأَمَّا إذَا مَلَكَ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ وَيَكُونُ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهُ إذْنًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى فِي التَّخْلِيَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَبْضٍ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ التَّخْلِيَةُ كَالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَفِي الْمُحِيطِ : بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَاسِدًا وَاشْتَرَى عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَاسِدًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَعْمِلَهُ ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ : لَوْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مَلَكَهَا .
وَقَوْلُهُ ( فَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَدَمُ ( الْبَيْعِ ) وَبُطْلَانُهُ ( بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ وَالْبَيْعِ بِالرِّيحِ وَالْبَيْعِ مَعَ نَفْيِ الثَّمَنِ ) كُلُّهَا بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْمَالِ فِي الْعِوَضِ ، وَقَيَّدَ بِنَفْيِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَذْكُرَاهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ مُوجِبًا لِلْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْ عِوَضِهِ كَانَ عِوَضُهُ قِيمَتَهُ وَكَأَنَّهُ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ .
وَقَوْلُهُ ( لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ ) يَعْنِي يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78