كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

فِي إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ بَلْ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ أَيْضًا فَلَا تُقَدَّرُ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ لَمْ يُمْتَنَعْ أَنْ يَقَعَ عَلَى الدَّرَاهِمِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الْمُتَبَادَرِ مِنْ اللَّفْظِ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ تَقْدِيرُهَا بِثَلَاثِينَ ، وَلَا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ لِيَعْرِفَ حَالَ مَنْ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ حَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَثْوَابَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِمَا عَلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ حَالِهِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْخَسِيسَةِ وَهُوَ مُنْكَرٌ بَيْنَ النَّاسِ .
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهَا وَهُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِقِيَامِ هَذِهِ الْمُتْعَةِ مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ سُقُوطِهِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَا فِي خَلْقِهِ ، وَهَكَذَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السُّفْلِ فَمِنْ الْكِرْبَاسِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَسَطًا فَمِنْ الْقَزِّ ، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَفِعَةَ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ .
وَإِطْلَاقُ الذَّخِيرَةِ كَوْنُهَا وَسَطًا لَا بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ وَلَا بِغَايَةِ الرَّدَاءَةِ لَا يُوَافِقُ رَأْيًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الِاعْتِبَارِ بِحَالِهِ أَوْ حَالِهَا أَوْ حَالِهِمَا .
وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ ، وَصَحَّحَهُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةٍ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَهْرَ

الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ الْمَهْرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشْرَةٌ .
وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ اعْتِبَارَ الْمُتْعَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ بِالْمَالِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ .
وَفِي الْأَقْوَى لَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ مَا كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ ، فَكَذَا فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، وَكَانَ الْوَاجِبُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا يُزَادُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى نِصْفِهِ ، ثُمَّ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ وَتَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا بِشَهْوَةٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَكَمَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِسَبَبِ مَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا لَا تُسْتَحَبُّ لَهَا أَيْضًا لِجِنَايَتِهَا ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا تُسْتَحَبَّ فِي خِيَارِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِجِنَايَتِهَا أَوْ رِضَاهَا بِهِ وَاسْتِحْبَابِ الْمُتْعَةِ لِإِيحَاشِهَا بِالطَّلَاقِ ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ اشْتَرَى هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مَنْكُوحَةً أَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ الزَّوْجُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ فِيهِ الْمُتْعَةُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ وُجُودِهَا ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ يَجِبُ ، وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُسَمِّ ، ثُمَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ

نِصْفُهُ ، وَقِيلَ كُلُّهُ ، ثُمَّ يَجِبُ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ

( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةٍ فَهِيَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ نِصْفُ هَذَا الْمَفْرُوضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ .
وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا الْفَرْضَ فِي الْعَقْدِ إذْ هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَعَارَفُ .
.

.
( قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْآخَرَ كَقَوْلِهِمَا ( قَوْلُهُ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فُرِضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ ( قَوْلُهُ إنَّ هَذَا الْفَرْضَ تَعْيِينٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ حِينَ انْعَقَدَ كَانَ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْعَقْدِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِيهِ مَهْرٌ ، وَثُبُوتُ الْمَلْزُومِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ثُبُوتُ اللَّازِمِ ، فَإِذَا كَانَ الثَّابِتُ بِهِ لُزُومَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَلَا يَتَنَصَّفُ مَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ .
وَالْفَرْضُ الْمُنَصَّفُ فِي النَّصِّ : أَعْنِي قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } يَجِبُ حِينَئِذٍ حَمْلُهُ عَلَى الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ بِالضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّا لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ عَقْدٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ هُوَ نَفْسُ خُصُوصِ مَهْرِ مِثْلِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ انْتِصَافِهِ لَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمُتَنَصَّفَ بِالنَّصِّ مَا فُرِضَ فِي الْعَقْدِ ، عَلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْعَقْدِ حَتَّى كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فُرِضَ لَهَا الصَّدَاقُ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ فِي الْعَقْدِ فَيُقَيَّدُ لِذَلِكَ نَصُّ مَا فَرَضْتُمْ بِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ بِفَرَضْتُمْ هُوَ الْفَرْضُ الْوَاقِعُ فِي الْعَقْدِ ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ بَعْدَمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ : أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ ، وَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا لِلَّفْظِ ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَقَّ التَّقْيِيدُ بِهِ .
وَفِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ : لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ : أَيْ غَيْرُ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ إذْ الْمُطْلَقُ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ

فَيَتَنَاوَلُ الْمَفْرُوضَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَوْ رَافَعَتْهُ لِيَفْرِضَ لَهَا .
فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ نَفْسُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَأَنَّ الْفَرْضَ لِتَعْيِينِ كَمَيِّتِهِ لِيُمْكِنَ دَفْعُهُ ، وَهُوَ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ فِي النَّصِّ الْمُتَعَارَفِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا بَيَّنَّا ، وَلِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ .

[ فَرْعٌ ] لَوْ عَقَدَ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ ؛ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَهُ تَقْرِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الدَّارَ وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمُتْعَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ ثُمَّ بَاعَهَا بِهِ الدَّارَ فَإِنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الدَّارَ شِرَاءً بِالْمَهْرِ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالدَّارُ لَهَا وَتَرُدُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِلصَّدَاقِ بِالشِّرَاءِ وَالشِّرَاءُ لَا يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ

قَالَ ( وَإِنْ زَادَ لَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ ) خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَ ) إذَا صُحِّحَتْ الزِّيَادَةُ ( تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَنْتَصِفُ مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ ، وَعِنْدَهُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ كَالْمَفْرُوضِ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ .

.
( قَوْلُهُ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ ) وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ بَدَلَ مِلْكِهِ .
قُلْنَا : اللُّزُومُ مُنْتَفٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَيُنْتَقَضُ بِالْعِوَضِ عَنْ الْهِبَةِ بَعْدَ عَقْدِهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الصِّحَّةِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا تَرَاضَيَا عَلَى إلْحَاقِهِ وَإِسْقَاطِهِ .
وَمِنْ فُرُوعِ الزِّيَادَةِ مَا لَوْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَبِلْت لَزِمَتْ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ وَقَبُولُهَا شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ .
وَيُنَاسِبُ هَذِهِ مَسْأَلَةُ التَّوَاضُعِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعَدُّدِ التَّسْمِيَةِ لَوْ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ عَلَى مَهْرٍ وَعَقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعَلَانِيَةَ هَزْلٌ فَالْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الزَّوْجُ الْمُوَاضَعَةَ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا ، هَذَا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَلَوْ عَقَدَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ وَأَظْهَرَا أَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَالْمَهْرُ مَا فِي السِّرِّ ، أَوْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي دَعْوَى الْجِدِّ فَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلِيِّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ أَنَّ مَهْرَهَا السِّرُّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ فَيَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ وَلَوْ عَقَدَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ ثُمَّ عَقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ وَأَشْهَدَا أَنَّ الْعَلَانِيَةَ سُمْعَةٌ فَالسِّرُّ ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ مَكَانَ مُحَمَّدٍ ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ

اخْتَلَفُوا فِيهِ ؛ ذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَلْزَمُ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ الثَّانِيَةُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ أَلْفَيْنِ لَا يَثْبُتُ الثَّانِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَعَلَّلَ عَدَمَ الثُّبُوتِ بِأَنَّهُمَا قَصَدَا إثْبَاتَ الزِّيَادَةِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ فَكَذَا الزِّيَادَةُ ، فَاتَّفَقَتْ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الثَّانِي ، وَعَلَى عَكْسِ هَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْكَافِي لِلشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ قَالَ : تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ فِي السِّرِّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَمَهْرُهَا أَلْفَا دِرْهَمٍ ، وَيَكُونُ هَذَا زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْأَصْلِ ، وَعَلَيْهِ مَشَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : الْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ .
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ : إذَا تَوَافَقَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَا أَنَّهُمَا يُجَدِّدَانِ الْعَقْدَ بِأَلْفَيْنِ سُمْعَةً فَالْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لَغْوٌ ، وَبِالْإِشْهَادِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا قَصَدَا الْهَزْلَ بِمَا سَمَّيَاهُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا عَلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ الْمَهْرُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ زِيَادَةً لَهَا فِي الْمَهْرِ ، قَالُوا : هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْمَهْرُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ ، فَمَا ذُكِرَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الزِّيَادَةِ يَلْغُو .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : الْعَقْدُ الثَّانِي إنْ كَانَ لَغْوًا فَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا

هَذَا ابْنِي لَمَّا لَغَا صَرِيحُ كَلَامِهِ عِنْدَهُمَا لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ ، وَعِنْدَهُ وَإِنْ لَغَا صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ يَبْقَى مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعِتْقِ ا هـ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ .
وَبِآخِرِهِ يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ اعْتِبَارِ الثَّانِي .
قَوْلُهُ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِطْلَاقِ اعْتِبَارِ الْعَلَانِيَةِ فِي الْأَصْلِ ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِيهِ : إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ فِي السِّرِّ وَسَمِعَ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ فَالتَّسْمِيعُ فِي الْعَلَانِيَةِ يَشْمَلُ مَا إذَا أَشْهَدَا عَلَى أَنَّ الْعَلَانِيَةَ هَزْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدَا عَلَى ذَلِكَ وَمَا إذَا كَانَ التَّسْمِيعُ لَيْسَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ بَلْ مُجَرَّدِ إظْهَارِهِ عَلَى مَا هُوَ عَكْسُ أَوَّلِ صُوَرِ الْمُوَاضَعَةِ ، وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوْ فِي ضِمْنِهِ فَمَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ خَرَجَ وَيَبْقَى الْبَاقِي ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ إذَا أَشْهَدَا عَلَى هَزْلِيَّةِ الثَّانِي أَوْ اعْتِرَافًا بِهِ مُطْلَقًا فَيَبْقَى مَا لَمْ يُشْهِدَا فِيهِ وَلَمْ يَعْتَرِفَا بِهِ مِمَّا هُوَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ ثَانٍ مُرَادًا قَطْعًا ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا ، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ، فَإِذَا حَكَى الْمَشَايِخُ الْخِلَافَ يَجِبُ كَوْنُ الْمَذْكُورِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَلْبَتَّةَ ؛ لِأَنَّهُ وَضْعُ الْأَصْلِ لِإِفَادَةِ قَوْلِهِ وَكَأَنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ قَاضِي خَانْ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ اعْتِبَارِ الْعَلَانِيَةِ فِيمَا إذَا جَدَّدَا وَلَمْ يُشْهِدَا كَوْنَهُ زِيَادَةً ، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْإِطْلَاقُ ، فَإِنَّ

ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَسْأَلَ الزَّوْجَانِ عَنْ مُرَادِهِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ ، وَقَدْ يُنْكِرُ الزَّوْجُ الْقَصْدَ وَيَنْفَتِحُ بَابُ الْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّابِتُ شَرْعًا جَوَازَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالْكَلَامُ الثَّانِي يُعْطِيهِ صَادِرًا مِنْ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ ، بَلْ يَجِبُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْهَزْلَ بِهِ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ .
نَعَمْ وَيَخَالُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَلْفَانِ مَعَ الْأَلْفِ السِّرِّ فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ ، وَالْمَفْرُوضُ لَهُ كَوْنُ الثَّانِي زِيَادَةً فَيَجِبُ بِكَمَالِهِ مَعَ الْأَوَّلِ .
وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ : جَدَّدَ عَلَى أَلْفٍ آخَرَ تَثْبُتُ التَّسْمِيَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَثْبُتُ الثَّانِيَةُ ، وَكَذَا لَوْ رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ بِأَلْفٍ .
وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ : إذَا جَدَّدَ يَجِبُ كِلَا الْمَهْرَيْنِ .
وَوَجْهُ مَنْ نَقَلَ لُزُومَ الثَّانِي فَقَطْ اعْتِبَارُ إرَادَةِ الْأَوَّلِ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُ الْمَقْصُودِ تَغْيِيرَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي .
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِطْلَاقِ الْمُتَضَافِرِ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمُرَادِ بِكَلَامِ الْجُمْهُورِ لُزُومُهُ إذَا لَمْ يُشْهِدَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ، وَمُرَادُ الْقَاضِي لُزُومُهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَلَا شَكَّ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَصَدَا الزِّيَادَةَ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدَا حَتَّى كَانَا هَازِلَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخِذُهُ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَا عَلَى خِلَافِهِ .
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ الثَّانِي إلَّا إذَا كَانَتْ قَالَتْ لَا أَرْضَى بِالْمَهْرِ

الْأَوَّلِ أَوْ أَبْرَأْتُهُ ، ثُمَّ قَالَتْ : لَا أُقِيمُ مَعَكَ بِدُونِ مَهْرٍ .
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْبِسَاطُ فَلَا يَجِبُ ، الثَّانِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ اعْتِبَارُ قَرِينَةِ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَ التَّجْدِيدُ بَعْدَ هِبَتِهَا الْمَهْرَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ وُجُوبُ الثَّانِي عَلَى الْخِلَافِ أَوْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ غَيْرُ بَعِيدٍ ، إذْ قَدْ يَخَالُ كَوْنَ الزِّيَادَةِ تَسْتَدْعِي قِيَامَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ ، وَبِالْهِبَةِ انْتَقَى قِيَامُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الثَّانِي زِيَادَةً وَهُوَ الْمُحَقِّقُ لِوُجُوبِهِ .
وَقَدْ يُقَالُ : إنَّمَا يَسْتَدْعِي دُخُولَهُ فِي الْوُجُودِ لَا بَقَاءَهُ إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ فَصَلَحَ مَنْشَأً لِلْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ عَلَى الْخِلَافِ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ بِالِاتِّفَاقِ .
وَفِي الْفَتَاوَى : امْرَأَةٌ وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ إنَّ زَوْجَهَا أَشْهَدَ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ كَذَا مِنْ مَهْرِهَا تَكَلَّمُوا فِيهِ ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ إذَا قَبِلْت .
وَوَجَّهَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِوُجُوبِ تَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَهْرِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ ا هـ .
وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ فَرْعُ الْخِلَافِ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ هِبَتِهَا الْمَهْرَ .
وَالْقَيْدُ وَهُوَ قَبُولُ الْمَرْأَةِ صَحِيحٌ لَا يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ مَا إذَا جَدَّدَا وَعَقَدَا ثَانِيًا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْأَمْرِ الثَّانِي ، وَذَلِكَ يُفِيدُ قَبُولَهَا الثَّانِي بِلَا شُبْهَةٍ ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَوْ أَشْهَدَ وَنَحْوَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ

( وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ

( وَإِذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً ) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَانِعُ ، أَمَّا الْمَرَضُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ ، وَقِيلَ مَرَضُهُ لَا يُعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَصَوْمِ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَالْإِحْرَامِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّمِ وَفَسَادِ النُّسُكِ وَالْقَضَاءِ ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ .
وَصَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورِ كَالتَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ ، وَالصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ) وَهُوَ مَنَافِعُ بُضْعِهَا ( إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ ) وَلَا يَجِبُ كَمَالُ الْبَدَلِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَجِبُ كَمَالُ الْمَهْرِ قَبْلَهُ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ ( قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ ) وَالْإِجَارَةِ ، وَيَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجِبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا ، فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } فَالْمَجَازُ فِيهِ مُتَحَتِّمٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ الْمَسُّ عَلَى الْوَطْءِ كَمَا يَقُولُ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْخَلْوَةِ كَمَا نَقُولُ فَمِنْ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ إذْ الْمَسُّ مُسَبَّبٌ عَنْ الْخَلْوَةِ عَادَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ .
وَيُرَجَّحُ الثَّانِي بِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَقَدْ يُقَالُ : يَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ هُنَا خِلَافَ الْأَوَّلِ مَجَازٌ إلَّا مَجَازًا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ ، وَالْخَلْوَةُ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ الْمَسُّ مَجَازًا فِيهَا ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ وَطِئَهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخَلْوَةِ ، وَالْفَرْضُ

أَنَّهَا الْمُرَادُ بِالْمَسِّ فِي النَّصِّ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخَلْوَةِ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْكَمَالِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ مَعَ ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ كَمَالِهِ بِالْخَلْوَةِ ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ : هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ .
وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَيُوَافِقُهُ قَوْله تَعَالَى { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ } أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بِالْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ .
وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ وُجُوبُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْخَلْوَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّصِّ مَخْصُوصًا أَخْرَجَ مِنْهُ الصُّورَةَ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الْمُخَصِّصِ الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ .
وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ : مَهْرٌ بِالزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا ، وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ جَامِعَةٌ ، قَالَ : الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فِي مَكَان يَأْمَنَانِ فِيهِ مِنْ اطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِمَا كَدَارٍ وَبَيْتٍ دُونَ الصَّحْرَاءِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالسَّطْحِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى جَوَانِبِهِ سُتْرَةٌ ، وَكَذَا إذَا كَانَ السِّتْرُ رَقِيقًا أَوْ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ قَامَ إنْسَانٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا يَرَاهُمَا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ حِسًّا وَلَا طَبْعًا وَلَا شَرْعًا ا هـ .
وَمِنْ فَصْلِ

الْمَوَانِعِ ذَكَرَ مِنْهَا الرَّتَقَ وَالْقَرَنَ وَالْعَفَلَ وَأَنْ تَكُونَ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ هُوَ صَغِيرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمَهْرِ ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اسْتَوَى مَنْعُهُ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ .
وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُمْنَعَانِ ، وَزَوْجَتُهُ الْأُخْرَى مَانِعَةٌ إلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ ، وَالْجَوَارِي لَا تُمْنَعُ .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ : جَارِيَتُهَا تُمْنَعُ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ .
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ : فِي أَمَتِهِ رِوَايَتَانِ .
وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ مَانِعٌ ، وَغَيْرُ الْعَقُورِ إنْ كَانَ لَهَا مَنَعَ أَوْ لَهُ لَا يَمْنَعُ ، وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَتَعَدَّى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ .
وَلَوْ سَافَرَ بِهَا فَعَدَلَ عَنْ الْجَادَّةِ بِهَا إلَى مَكَان خَالٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ ، وَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ .
وَقَالَ شَدَّادٌ : إنْ كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ صَحَّتْ ؛ لِأَنَّهَا كَالسَّاتِرِ ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ تَصِحُّ عَلَى سَطْحٍ لَا سَاتِرَ لَهُ إذَا كَانَتْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ .
وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ ، أَلَا تَرَى إلَى الِامْتِنَاعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَلَا إبْصَارَ لِلْإِحْسَاسِ ، وَلَا تَصِحُّ فِي بُسْتَانٍ لَيْسَ لَهُ بَابٌ ، وَتَصِحُّ فِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا وَإِنْ كَانَ نَهَارًا وَالْحَجْلَةُ وَالْقُبَّةُ كَذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَا فِي مَخْزَنٍ مِنْ خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ فَرَدَّ الْبَابَ وَلَمْ يُغْلِقْهُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي وَسَطِهِ غَيْرَ مُتَرَصِّدِينَ

لِنَظَرِهِمَا صَحَّتْ ، وَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ لَا تَصِحُّ ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ قَبِيلِ الْحِسِّيِّ .
وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ دَخَلَ هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ ، وَتَصِحُّ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نَائِمَةً ، وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ .
[ فَرْعَانِ ] الْأَوَّلُ : لَوْ قَالَ إنْ خَلَوْت بِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ وَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ .
الثَّانِي : لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْخُلَ بِزَوْجَتِهِ إذَا كَانَتْ تُطِيقُ الْجِمَاعَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ ، وَقَدْ قُدِّرَ بِالْبُلُوغِ وَبِالتِّسْعِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ طَلَاقِهَا وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَهُ فِي الْإِحْصَانِ ، وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ ، وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ .
يَعْنِي إذَا خَلَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا ، وَإِذَا خَلَا بِامْرَأَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ بَنَاتُهَا وَلَا يَرِثُ مِنْهَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ .
وَفِي شَرْحِ الشَّافِي ذَكَرَ تَزَوُّجَ الْبِنْتِ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَفِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَشْبَهُ وُقُوعُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ أَنْ يَقَعَ احْتِيَاطًا ( قَوْلُهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ ) أَيْ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا ، أَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُهَا ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بَحْثًا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ

وُجُوبُ الْقَضَاءِ أَقْعَدَ بِالدَّلِيلِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْنَعُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ وَيَجْعَلُهُ آثِمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ

( وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ ، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أُدِيرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ السَّحْقِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ .
.
( قَوْلُهُ أُدِيرَ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ ) يُعْطِي أَنَّ خَلْوَةَ الْخَصِيِّ صَحِيحَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ .

قَالَ ( وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ) احْتِيَاطًا اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ ، وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ .
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا كَالصَّوْمِ وَالْحَيْضِ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً .

( قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ) أَيْ عِنْدَ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَفَسَادِهَا بِالْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ احْتِيَاطًا لِتَوَهُّمِ الشُّغْلِ نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشُّغْلِ بِالسَّحْقِ ، وَإِذًا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ .
وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ يَثْبُتُ وَإِنْ عُلِمَ بِخِلَافِهِ فَلَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ، وَعَلِمَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْزِلُ أَوْ لَا رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ ، أَوْ يَتَعَسَّرُ .
قَالَ الْعَتَّابِيُّ : تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً ؛ فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَقَوْلُهُ ( وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ ) وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ ( وَالْوَلَدِ ) أَيْ وَحَقُّ الْوَلَدِ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } فَلَا يَصْدُقَانِ فِي إبْطَالِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ ( بِخِلَافِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ ) غَيْرَ أَنَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ تَأَمُّلًا ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ) لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ( أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ) فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ لِعَدَمِ الشُّغْلِ ، وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يَخُصَّ الصِّغَرَ

بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرَضَ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، أَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ .

قَالَ ( وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ ، إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ طَرِيقَةُ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمُتْعَةَ لَا تَتَكَرَّرُ ( وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَوَجَبَتْ الْمُتْعَةُ ، وَالْعَقْدُ يُوجِبُ الْعِوَضَ فَكَانَ خَلَفًا وَالْخَلَفُ لَا يُجَامِعُ الْأَصْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ فَلَا تَجِبُ مَعَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ فَلَا تَلْحَقُهُ الْغَرَامَةُ بِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ .

( قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ) وَفِي كُلٍّ مِنْ الصَّدْرِ وَالِاسْتِثْنَاءِ إشْكَالٌ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِهِ وَالْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا .
وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمَفْرُوضُ لَهَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ أَنَّ الْمُتْعَةَ تُسْتَحَبُّ لَهَا .
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُسْتَعْمَلٌ فِي أَعَمَّ مِنْ الْوُجُوبِ : يَعْنِي أَنَّهُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالصُّورَةِ السَّابِقَةِ ، وَقَرِينَةُ التَّخْصِيصِ هُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَتُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ غَيْرَ تِلْكَ .
وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ تَبِعَهُ فِيهِ .
وَفِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ الْمُتْعَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : وَاجِبَةٌ وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ ، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ثَابِتٌ لَهَا فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُتْعَةِ .
وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ هُنَا تَغْيِيرًا وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ ، فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، وَنَقَلَ فِي الدِّرَايَةِ ضَبْطَهُ كَذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِهَذِهِ ) وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَقَوْلِهِ وَرِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَالِكٍ .
وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا بِالنَّصِّ .
وَأَمَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلِأَنَّ وُجُوبَ

الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ فِي صُورَةِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لِلْإِيحَاشِ بِالطَّلَاقِ ، وَمَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ لَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ فَتَجِبُ دَفْعًا لِلْإِيحَاشِ .
وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقَدْ سَمَّى لَهَا فَوُجُوبُ نِصْفِ الْمَهْرِ الثَّابِتِ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ : أَيْ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَبْرُ صَدْعِ الْإِيحَاشِ لَا الْمَهْرِ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا فَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ .
وَقَوْلُهُ فَسْخٌ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ طَلَاقًا حَتَّى انْتَقَصَ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ ، لَكِنَّهُ كَالْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَالْحَالَةِ السَّابِقَةِ عَلَى النِّكَاحِ بِسَبَبِ عَوْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَالِمًا إلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَسْقُطُ كُلُّ الْمَهْرِ بِهَذَا الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ ، ثُمَّ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ إنَّهُ يَبْقَى نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالنَّصِّ .
وَلَهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } خَصَّ مِنْهَا تِلْكَ الْمُطَلَّقَةَ بِنَصِّ { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } جَعَلَهُ تَمَامَ حُكْمِهَا ، وَبِهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } إلَى قَوْلِهِ فَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى غَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهَا لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ نِصْفَ مَهْرِهَا بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوِّضَةِ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَعَ بِهِ السَّمَاعُ ؛ لِأَنَّهَا مُفَوِّضَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا لِوَلِيِّهَا وَلِلزَّوْجِ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا : أَيْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا لِلزَّوْجِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ مُسَمًّى .
وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ الْمُفَوِّضَةُ الْإِيحَاشُ ، وَأَبْطَلَ مُنَاسَبَتَهُ

لِلْعَلِيَّةِ آخِرًا بِقَوْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ بَلْ الْوُجُوبُ فِيهَا تَعْوِيضٌ عَمَّا كَانَ وَاجِبًا لَهَا مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فَهْمِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى أَسْقَطَ مَا كَانَ وَاجِبًا لَهَا ثُمَّ أَوْجَبَ لَهَا شَيْئًا آخَرَ مَكَانَهُ ، وَعَلِمَ أَنْ لَا جِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ ، وَلَا سُقُوطَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مُطْلَقًا فَلَا تَجِبُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُسَاوِيَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا سُلِّمَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ بَلْ بِقَبُولِهَا الْعَقْدَ عَلَى نَفْسِهَا الْمُلْصَقِ بِهِ الْمَالُ فِي قَوْله تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ } وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، غَيْرَ أَنَّ بِالدُّخُولِ يَتَقَرَّرُ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وقَوْله تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } إمَّا أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهُنَّ مَهْرٌ ؛ لِأَنَّهُنَّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } ثُمَّ قَالَ { وَمَتِّعُوهُنَّ } أَوْ يُرَادُ بِمَتِّعُوهُنَّ إيجَابُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَكِسْوَتِهَا ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُسَمَّى لَهَا فَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ ، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَدْخُولَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } وَهُنَّ مَدْخُولَاتٌ

( وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ بِنْتَه عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ فَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : بَطَلَ الْعَقْدَانِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحَةً ، وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَبَطَلَ الْإِيجَابُ .
وَلَنَا أَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، كَمَا إذَا سَمَّى الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ

( قَوْلُهُ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ ) أَيْ صَدَاقًا فِيهِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا .
وَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ ، ثُمَّ حُكْمُ هَذَا الْعَقْدِ عِنْدَنَا صِحَّتُهُ وَفَسَادُ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : بَطَلَ الْعَقْدُ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ } وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ .
وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا .
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ } وَالنَّفْيُ رُفِعَ لِوُجُودِهِ فِي الشَّرْعِ وَعُرِفَ مِنْهُ التَّعَدِّي إلَى كُلِّ وَلِيٍّ يُزَوِّجُ مُولِيَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ مُولِيَتَهُ ، كَسَيِّدِ الْأَمَةِ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ مُولِيَتَهُ كَذَلِكَ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ كُلَّ بُضْعٍ صَدَاقٌ حِينَئِذٍ وَمَنْكُوحٌ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقَّ الْمَهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَالْإِطْنَابُ فِي تَقْرِيرِهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ مُسَمَّى الشِّغَارِ وَمَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ خُلُوُّهُ عَنْ

الصَّدَاقِ وَكَوْنُ الْبُضْعِ صَدَاقًا ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِنَفْيِ هَذِهِ الْمَاهِيَةِ وَمَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا شَرْعًا فَلَا نُثْبِتُ النِّكَاحَ كَذَلِكَ ، بَلْ نُبْطِلُهُ فَيَبْقَى نِكَاحًا سُمِّيَ فِيهِ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ الْمُسَمَّى فِيهِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ ، فَمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ لَمْ نُثْبِتْهُ وَمَا أَثْبَتْنَاهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بَلْ اقْتَضَتْ الْعُمُومَاتُ صِحَّتَهُ : أَعْنِي مَا يُفِيدُ الِانْعِقَادَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَتَسْمِيَةِ مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا ، فَظَهَرَ أَنَّا قَائِلُونَ بِمُوجِبِ الْمَنْقُولِ حَيْثُ نَفَيْنَاهُ وَلَمْ نُوجِبْ الْبُضْعَ مَهْرًا .
وَعَنْ الثَّانِي بِتَسْلِيمِ بُطْلَانِ الشَّرِكَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَنَحْنُ لَمْ نُثْبِتْهُ إذْ لَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا كَوْنَهُ صَدَاقًا فَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُ مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ نِصْفَهُ فَبَقِيَ كُلُّهُ مَنْكُوحًا فِي عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ فَإِنَّ بُطْلَانَ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اسْتَلْزَمَهُ عَدَمُ مُوجِبِ التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ

( وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ إيَّاهَا سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ وَلَهَا خِدْمَتُهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالشَّرْطِ يَصْلُحُ مَهْرًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ ، وَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الزَّوْجِ غَنَمَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ ، بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ ، وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِإِذْنِهِ وَبِأَمْرِهِ ، وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْأَغْنَامِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ إذْ لَا تُسْتَحَقُّ فِيهِ بِحَالٍ فَصَارَ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَهُ بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَظْهَرْ تَقَوُّمُهُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ .

.
( قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ : لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ سَنَةً ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا .
وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ؛ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْخِدْمَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَيْ وَجْهَيْ حُرِّيَّةِ الزَّوْجِ وَعَبْدِيَّتِهِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا ) قَصْرُ النَّظَرِ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَسْمِيَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ ، وَمُلَاحَظَةُ قَوْلِهِ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ ابْتِغَاءً بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالٌ يَقْتَضِي جَوَازَ جَمِيعِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَا خَلَا خِدْمَةَ الْحُرِّ ، وَيُوَافِقُهُ عُمُومُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَشَرْحِ الشَّافِي لِنَجْمِ الدِّينِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ .
وَمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى سَائِرِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ : يَعْنِي أَنْ تَزْرَعَ هِيَ أَرْضَهُ وَنَحْوَهَا مِنْ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوْ أُلْحِقَتْ بِالْأَمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقِّقَةٌ وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يُفِيدُ جَوَازَ تَسْمِيَةِ خِدْمَةِ الْحُرِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَفِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ : لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا

يَخْدُمُهَا ، فَإِمَّا ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يُؤْمَنُ الِانْكِشَافَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَطَتِهِ لِلْخِدْمَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ ذَلِكَ الْحُرِّ وَلَمْ يُجْزِهِ .
وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت تَعْلِيلَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ بِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِلْمُنَاقَضَةِ وَتَعْلِيلُهُمَا نَفْيَ مَالِيَّتِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ بِحَالِ الْمُقَيَّدِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهُ أُلْحِقَ بِالْأَمْوَالِ لَكِنْ انْتَفَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمُنَاقَضَةِ لَا تَكَادُ تَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَجَبَ قِيمَتُهَا ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ خِدْمَةً مُعَيَّنَةً تَسْتَدْعِي مُخَالَطَةً لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الِانْكِشَافُ وَالْفِتْنَةُ وَجَبَ أَنْ تُمْنَعَ وَتُعْطِيَ هِيَ قِيمَتَهَا أَوْ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ بَلْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ ذَلِكَ الْحُرِّ حَتَّى تَصِيرَ أَحَقَّ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ ، فَإِنْ صَرَفَتْهُ فِي الْأَوَّلِ فَكَالْأَوَّلِ ، أَوْ فِي الثَّانِي فَكَالثَّانِي ، وَقَدْ أَزَالَ الْمُصَنِّفُ آخِرًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا هُوَ مَالٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا شَرْعًا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا ، وَمَا لَا يَجُوزُ كَخِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ لِلْمُنَاقَضَةِ أَوْ حُرٍّ آخَرَ فِي خِدْمَةٍ تَسْتَدْعِي خَلْوَةً لِلْفِتْنَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ كَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْحَجِّ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذِهِ فَصَحَّ تَسْمِيَتُهَا .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمُهُ ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةُ لِقَصِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى

عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْأَغْنَامِ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ خِدْمَةً لَهَا إذْ الْعَادَةُ اشْتَرَاكَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ مَالِهِمَا : أَيْ بِأَنْ يَقُومَ كُلٌّ بِمَصَالِح مَالِ الْآخَرِ ( عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ) فِي الدِّرَايَةِ ، بِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ : يَعْنِي عَلَى أَنْ يَزْرَعَ لَهَا أَرْضَهَا ، وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ، أَلَا يَرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلرَّعْيِ وَالزِّرَاعَةِ يَصِحُّ ا هـ .

[ فُرُوعٌ ] وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا كَأَنْ يَقُولَ أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ بِعِوَضِ الْعِتْقِ فَقَبِلَتْ صَحَّ الْعِتْقُ وَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي تَزَوُّجِهِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ .
لَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا } .
قُلْنَا : نَصُّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يُعَيِّنُ الْمَالَ فَإِنَّهُ بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ أَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ مُقَيَّدًا بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ } الْآيَةَ ، وَقَوْلُ الرَّاوِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمَهْرِ : يَعْنِي أَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالتَّزَوُّجِ بِلَا مَهْرٍ جَائِزًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ .
وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَ الرَّاوِي فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ ، وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ أَلْزَمْنَاهَا بِقِيمَتِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَأَعْتَقَهَا عَلَى ذَلِكَ فَأَبَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّ رِقَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَهُ .

وَلَوْ قَالَتْ لِعَبْدِهَا أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجنِي بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا فَقَبِلَ عَتَقَ فَإِنْ أَبَى تَزَوُّجَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ قَسَمَ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ، فَمَا أَصَابَ الرَّقَبَةَ فَهُوَ قِيمَتُهُ ، وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ فَمَهْرُهَا ، وَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ

( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبَضَتْهَا وَوَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا ( فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ حَتَّى وَهَبَتْهَا لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ .
وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَهْرَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا تَبْرَأُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ( وَلَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهَا الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا قَبَضَتْ ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَعْضِ حَطٌّ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّلَاقِ .
وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَلْتَحِقُ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفُ ، وَلَوْ كَانَتْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ ، فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ .
وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ

( قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ ) حَاصِلُ وُجُوهِهَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مُسَمًّى ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ كَالْعَرَضِ ، وَإِمَّا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الْحَيَوَانِ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ ؛ فَفِي الْأَوَّلِ إنْ وَهَبَتْ الْكُلَّ أَوْ نِصْفَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ اتِّفَاقًا ، أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ خِلَافًا لِزُفَرَ ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ نِصْفِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ خِلَافًا لَهُمَا ، وَقَالَ : لَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ النِّسْبَةِ ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَهَبَتْهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ ، وَعِنْدَهُ يَرْجِعُ إلَى تَمَامِ نِصْفِ الصَّدَاقِ ، وَفِي الثَّانِي لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ وَأَوْجَبَ زُفَرُ رُجُوعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَرْضِ .
وَجْهُ الِاتِّفَاقِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ نَفْسَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ بَلْ مِثْلٌ تَقَعُ بِهِ الْمُقَاصَّةُ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ : أَعْنِي نِصْفَ الْمَهْرِ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُمْسِكَ مَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَتُعْطِيَهُ غَيْرَهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَتَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ بِالطَّلَاقِ دَرَاهِمُ مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ إلَّا مُعَيَّنَةً ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَ الْوَاجِبِ كَوْنُهَا لَهَا أَنْ تُمْسِكَهَا وَتَدْفَعَ غَيْرَهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فِي ثَانِي شِقَّيْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسَ الدَّيْنِ لَكِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَهُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ الْإِبْرَاءِ وَغَيْرُ مُسَبَّبٍ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمُسَبَّبَاتِ

شَرْعًا .
أَصْلُهُ حَدِيثُ : لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ ، فَبِوَاسِطَةِ لُزُومِ الِاخْتِلَافِ شَرْعًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّ فَصَارَتْ كَالْأُولَى .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ سُقُوطُ نِصْفِ الدَّيْنِ عَنْهُ تَحَقَّقَ بِالْإِبْرَاءِ ، فَحِينَ حَصَلَ الطَّلَاقُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ شَغْلَ الذِّمَّةِ بِالْمَهْرِ وَهُوَ مَحَلُّ أَثَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي شُغْلِ الذِّمَّةِ بِالْإِسْقَاطِ ، فَلَوْ أَوْجَبَ شَيْئًا آخَرَ كَمَا قَالَ إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةِ عَيْنٍ لَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبِهِ فِي مَحَلِّهِ وَصَارَ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا التَّقْرِيرَ سَقَطَ عِنْدَكَ مَا تَكَلَّفَ فِي دَفْعِ لُزُومِ اخْتِلَافِ الْمُسَبَّبِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ مِنْ تَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِالْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِتَغْيِيرِ صِفَاتِهَا ، بِخِلَافِ الْأَوْصَافِ كَالدَّيْنِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ ، وَهُوَ دَفْعٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ التَّغَيُّرِ شَرْعًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ ، وَقِيَامُ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ بِمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ النَّاعِتِ لَيْسَ مُحَالًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي التَّحْقِيقَاتِ الْكَلَامِيَّةِ .
ثُمَّ يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ إلَخْ عَلَيْهِ : أَيْ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ ذَاتًا لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ ، وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ سَابِقًا فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا حِينَئِذٍ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي قَبْضِ النِّصْفِ إلْحَاقُ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ : يَعْنِي لَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَازَمَةَ تَحْكُمُ ، فَإِنَّ رُجُوعَهُ فِي صُورَةِ

قَبْضِ الْكُلِّ لَيْسَ لِكَوْنِهِ قَبَضَ الْكُلَّ وَلَا الْبَعْضَ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ ، وَهَذَا الْمُنَاطُ مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ قَبْضِ النِّصْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَعَادَ نِصْفَ الصَّدَاقِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الزَّوْجِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّدَاقَ الدَّيْنَ بِذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا : يَعْنِي يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَحَالُ الْهِبَةِ كَانَ كُلُّهُ مِلْكَهَا ظَاهِرًا ، فَإِذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ انْصَرَفَ إلَى حَقِّهَا كَمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَقَبَضَ صَاحِبُهُ نِصْفَهُ كَانَ الْمَقْبُوضُ حَقَّهُ ، فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مَا قَبَضَتْ النِّصْفَ مِنْ الْبَاقِي أَوْ الْكُلَّ كَانَ الْوَاصِلُ إلَيْهِ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هِبَةِ الْكُلِّ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَظَهَرَ أَنَّ إلْحَاقَهُمَا الْبَعْضَ بِالْكُلِّ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ ، وَتَقْرِيرُ الْوَجْهِ الثَّانِي ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ .
وَقَوْلُهُ ( وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ) يُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا لَوْ حَطَّتْ حَتَّى بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عَشْرَةٍ صَحَّ وَلَا تَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ ، وَتَسْمِيَةُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لَا تَصِحُّ ، وَقَيَّدَ بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يُلْتَحَقُ فِي الْبَيْعِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُغَابَنَةٍ وَمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَمُرَابَحَةٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْحَطُّ لِقَصْدِ دَفْعِهِ فَالْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَلَا كَذَلِكَ عَقْدُ النِّكَاحِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَطُّ فِيهِ وَقَوْلُهُ ( أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تَلْتَحِقُ ) بِأَصْلِ الْعَقْدِ ( حَتَّى لَا تَتَنَصَّفَ ) اسْتِيضَاحٌ لِعَدَمِ الِالْتِحَاقِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ، فَإِنَّ عَدَمَ الْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ هُوَ الدَّافِعُ لِقَوْلِ الْمَانِعِينَ لَهَا لَوْ صَحَّتْ كَانَ مِلْكُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ ، فَإِذَا لَمْ تَلْتَحِقْ بَقِيَ إبْطَالُهُمْ ذَلِكَ بِلَا جَوَابٍ ، فَالْحَقُّ

أَنَّهَا تَلْتَحِقُ كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ ، وَإِنَّمَا لَا تَتَنَصَّفُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِصَافَ خَاصٌّ بِالْمَفْرُوضِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ حَقِيقَةً بِالنَّصِّ الْمُقَيَّدِ بِالْعَادَةِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ ، وَهَذِهِ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةً حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ لَحِقَتْ بِهِ ، وَلِأَنَّ وَجْهَ إلْحَاقِهَا بِالْبَيْعِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خَاسِرًا أَوْ زَائِدًا مُضِرًّا بِالْمُشْتَرِي فَيُرَدُّ إلَى الْعَدْلِ يَجْرِي فِي النِّكَاحِ ، وَخُسْرَانُهُ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَيُرَدُّ بِالزِّيَادَةِ إلَيْهِ فَإِنَّ تَزْوِيجَهَا مَعَ نَقْصِهَا عَنْ مَهْرِ مِثْلِ أَخَوَاتِهَا مَثَلًا يُعْقِبُ النَّدَمَ لَهَا وَزِيَادَتُهُ تُعْقِبُ النَّدَمَ لَهُ .
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ فِي الْعَرَضِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ مِنْ أَنَّ السَّالِمَ بِالْهِبَةِ غَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَتَرَتَّبَ عَلَى الطَّلَاقِ مُقْتَضَاهُ ، وَيَجِبُ قِيمَةُ نِصْفِهِ لِتَعَذُّرِ عَيْنِهِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ فَأَبَى سَيِّدُهُ .
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَقَدْ وَصَلَ عَيْنُ ذَلِكَ إلَيْهِ فَلَمْ يُصَادِفْ الطَّلَاقُ مَا كَانَ شَاغِلًا ذِمَّتَهَا لِيُؤَثِّرَ وُجُوبُ تَفْرِيغِهَا مِنْهُ عَلَيْهَا عَلَى نَحْوِ مَا سَلَكْت فِي التَّقْرِيرِ السَّابِقِ ، وَحَمْلُ كَلَامِ الْكِتَابِ هُنَا عَلَيْهِ سَهْلٌ مِمَّا تَقَدَّمَ

( وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ فَوَهَبَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ) وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَذْلٍ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيَّنٌ فِي الرَّدِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا عَيَّنَ فِيهِ يَصِيرُ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ دَيْنًا ) أَيْ دَرَاهِمَ وَإِخْوَتَهَا فَإِنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لَيْسَ عَيْنَ مَا تَسْتَحِقُّهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْعَرَضَ الْمَذْكُورَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ لَكِنَّهُ بِبَدَلٍ وَالسَّالِمُ بِبَدَلٍ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ الْبَدَلِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَ الْعَرَضُ أَوْ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ : أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ قَبَضَتْ أَوْ لَمْ تَقْبِضْ ، أَمَّا إذَا لَمْ تَقْبِضْ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ دَيْنًا ، وَأَمَّا إنْ قَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِيهِ مُتَعَيَّنُ الرَّدِّ بِالطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُمْسِكَهُ وَتَدْفَعَ غَيْرَهُ ، بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْعَرَضُ فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهَالَةِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ كَالشِّرَاءِ لَكِنَّهَا تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ لِجَرْيِ التَّسَاهُلِ فِي الْعِوَضِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ، فَإِذَا عَيَّنَ بِالتَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمَقْبُوضِ فَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الِابْتِدَاءِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ ، وَيَتَأَتَّى خِلَافُ زُفَرَ فِي هَذِهِ أَيْضًا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ وُصُولِهِ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ .
وَمَا ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَيُّنِهَا اُسْتُبْعِدْت صِحَّتُهُ عَنْهُ لِمَا عُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ اتِّحَادَ الْجِهَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ رِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ .
وَإِذًا قَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِإِمْهَارِ الْعَرَضِ الْمُعَيَّنِ فَهَذِهِ فَوَائِدُهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ كُلُّهَا مِنْ الْمَبْسُوطِ فَتَقُولُ : لَا يَثْبُتُ فِيهِ

خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَمْ تَرَهُ فَأَتَاهَا بِهِ لَيْسَ لَهَا رَدُّهُ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَهَا رَدُّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ فَاحِشًا وَهُوَ مَا يَنْقُصُ عَنْ الْقِيمَةِ قَدْرًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْيَسِيرِ .
أَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إثْبَاتِهِ إذْ الْفَائِدَةُ فِي إثْبَاتِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ إعَادَةِ الْعِوَضِ الَّذِي قُوبِلَ بِالْمُسَمَّى كَالْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمُسَمَّى بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا تَرُدُّ الْمَرْأَةُ بَلْ غَايَةُ مَا يَجِبُ بِهِ رَدُّ الْمُسَمَّى فِيهِ قِيمَتُهُ وَالْقِيمَةُ أَيْضًا غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ .
وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلِثُبُوتِ فَائِدَةٍ وَهِيَ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلتَّسْمِيَةِ هُوَ الْعَقْدُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِالِاتِّفَاقِ ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ صَحِيحًا ، وَلَكِنْ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَتَعَذَّرُ تَسَلُّمُ الْمُعَيَّنِ كَمَا الْتَزَمَ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ ، كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا هَلَكَ الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ بَلْ يَجِبُ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ .
هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَائِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ .
فَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَسِيرًا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ ، وَعَنْ زُفَرَ لَهَا الْخِيَارُ ، أَوْ فَاحِشًا فَأَمَّا بِفِعْلِ الزَّوْجِ فَلَهَا الْخِيَارُ أَنْ تُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا أَوْ تَأْخُذَهُ وَتُضَمِّنَ الزَّوْجَ النُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الصَّدَاقِ ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ ، فَإِذَا أَتْلَفَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ قَدْرُهُ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : إذَا اخْتَارَتْ أَخْذَهُ لَا تُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ .
وَأَمَّا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَهَا هَذَا

الْخِيَارُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ إذَا اخْتَارَتْ أَخْذَهُ .
وَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّدَاقِ نَفْسِهِ ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ كَالْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَتَعْيِيبِ الزَّوْجِ .
وَأَمَّا بِفِعْلِهَا فَتَصِيرُ قَابِضَةً لَهُ كُلَّهُ .
وَأَمَّا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ النُّقْصَانَ وَيَكُونُ ضَمَانُهُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ لِلتَّغْيِيرِ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ وَتُضَمِّنَ الْجَانِيَ نُقْصَانَهُ أَوْ تُضَمِّنَ الزَّوْجَ قِيمَتَهُ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعَيْنَ وَتُضَمِّنَ الزَّوْجَ النُّقْصَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْهُ بِذَلِكَ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُوَ فِي حَقِّ النِّصْفِ كَمَا فِي الْكُلِّ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ فَفِي السَّمَاوِيِّ إنْ شَاءَتْ ضَمَّنَهَا الزَّوْجُ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا إيَّاهُ كَمَا قَبَضَتْهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ وَلَيْسَ عَلَيْهَا ضَمَانُ نُقْصَانٍ ، وَالتَّعَيُّبُ بِفِعْلِ الصَّدَاقِ كَالسَّمَاوِيِّ ، وَكَذَا بِفِعْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكًا لَهَا صَحِيحًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ نُقْصَانٍ عَلَيْهَا ، وَإِذَا كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ ضَامِنٌ وَهُوَ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَيُمْنَعُ تَنْصِيفُ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الصَّدَاقِ يَوْمَ قَبَضَهُ .
وَكَذَا إذَا تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي إيجَابِ الْأَرْشِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ تَنْصِيفَ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ ، فَلَوْ كَانَ إنَّمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْأَصْلِ مَعَ نِصْفِ النُّقْصَانِ ؛

لِأَنَّ السَّبَبَ فَسَدَ فِي النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ وَصَارَ مُسْتَحَقَّ الرَّدِّ عَلَى الزَّوْجِ فَكَانَ فِي يَدِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهَا ضَمَانُ النُّقْصَانِ سَوَاءٌ تَعَيَّبَ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا بِالْقَبْضِ ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْقَبْضِ كَالْمَغْصُوبِ ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْأَرْشُ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهَا .
وَوَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ التَّعَيُّبَ فِي يَدِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ .
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ : وَهُوَ غَلَطٌ ، بَلْ الصَّحِيحُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا ذَكَرْنَا ، فَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ جَارِيَةً فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، إلَّا أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ كَالْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ ، وَهَذَا الْعُقْرُ مَعَ الْوَلَدِ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ ، وَالْعُقْرُ بَدَلُهُ ، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَصَّفَ الْكُلُّ فَيَكُونُ الْعُقْرُ وَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلزَّوْجِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا مِنْهُ ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ نِصْفُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِلْجُزْئِيَّةِ ، وَيَسْعَى لِلْمَرْأَةِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا إنَّمَا صَنَعَ الطَّلَاقَ وَذَلِكَ لَيْسَ مُبَاشَرَةً لِإِعْتَاقِ الْوَلَدِ بَلْ مِنْ حُكْمِ الطَّلَاقِ عَوْدُ النِّصْفِ إلَى الزَّوْجِ ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ حُكْمًا لِمِلْكِهِ .
وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ أَوْ قُتِلَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ

الدُّخُولِ فَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَتْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ ، وَلَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُلَاقِ مِلْكَهُ بَلْ مِلْكَ الْمَرْأَةِ فَلَا يُضَمِّنُهُ شَيْئًا .
وَإِذًا قَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ فَلْنَسْتَوْفِهِ .
وَحَاصِلُهُ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ قَبْضِهِ مُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَمُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ وَالْعُقْرِ وَغَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُسَلَّمُ لَهَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَمِلْكُ الْأَصْلِ كَانَ سَالِمًا لَهَا ، وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالدُّخُولِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ ، فَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ ، وَالْحَادِثُ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ هُنَاكَ كَالْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ حَتَّى يَصِيرَ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ .
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَلَا تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ الْكُلُّ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِهِمَا تَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ ، وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى بَطَلَ مِلْكُهَا عَنْ جَمِيعِ الصَّدَاقِ يُسَلَّمُ لَهَا الْكَسْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدُورُ الْكَسْبُ مَعَ الْأَصْلِ ، وَكَذَا الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُسَلَّمُ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ لِلْبَائِعِ .
لَهُمَا أَنَّ الْكَسْبَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ كَالْوَلَدِ فَكَمَا لَا يُسَلَّمُ لَهَا إذَا بَطَلَ مِلْكُهَا عَنْ

الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ هَذَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ مِلْكِهَا عَنْ الْأَصْلِ لِانْفِسَاخِ السَّبَبِ فِيهِ ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ مُتَوَلِّدَةً كَانَتْ أَوْ لَا ، فَإِذَا انْفَسَخَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ لَا يَبْقَى سَبَبًا لَمِلْكِ الزِّيَادَةِ .
وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ سَبَبَ مِلْكِ الزِّيَادَةِ غَيْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ مِلْكُ الْأَصْلِ يَصِيرُ شَرْطًا ، فَسَبَبُ مِلْكِ الْأَصْلِ مَثَلًا قَبُولُ عَقْدِ النِّكَاحِ ، وَفِي الزِّيَادَةِ الِاكْتِسَابُ لِلْمُكْتَسِبِ وَهُوَ إمَّا احْتِطَابُ الْعَبْدِ أَوْ إجَارَتُهُ نَفْسَهُ أَوْ قَبُولُهُ الْهِبَةَ ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ لَا تَنْفَسِخُ بِالطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّ الْمُكْتَسِبَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ خَلَفَهُ فِيهِ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِوَصْلَةِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الِاكْتِسَابِ ، وَبِبُطْلَانِ مِلْكِهِ فِي الْأَصْلِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ ، وَلَيْسَ الْكَسْبُ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْأَصْلِ لَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَكُونُ مُكَاتَبًا وَكَسْبُهَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا ، وَوَلَدُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَبِيعًا يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَكَسْبُهُ لَيْسَ مَبِيعًا وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَبَضَ مَعَ الْأَصْلِ ، وَلَوْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَنَصَّفَ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّنَصُّفِ بِالطَّلَاقِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ حِينَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِقَبْضِهَا ؛ وَلَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ فَحَدَثَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ أَوْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ وَهِيَ إمَّا مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ

كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَهُوَ سَالِمٌ لَهَا وَرَدَّتْ نِصْفَ الْأَصْلِ عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْكَسْبِ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهَا وَيَدِهَا فَيَكُونُ سَالِمًا لَهَا ، وَإِنْ لَزِمَهَا رَدُّ الْأَصْلِ أَوْ بَعْضِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اكْتَسَبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْأَصْلَ بِعَيْبٍ يَبْقَى الْكَسْبُ سَالِمًا لَهُ ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } وَقَدْ كَانَ الصَّدَاقُ فِي ضَمَانِهَا فَتُسَلِّمُ مَنْفَعَتَهُ وَالْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ؛ وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ .
فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ امْتَنَعَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ وَعَوْدُ الْكُلِّ إلَيْهِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا ، وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ ، وَفِي رِدَّتِهَا جَمِيعَ قِيمَتِهِ يَوْمَ دُفِعَ إلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ بِالطَّلَاقِ وَيَعُودُ الْكُلُّ إلَى الزَّوْجِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهَا لَا يَتَأَكَّدُ مِلْكُهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، بَلْ تَوَهُّمُ عَوْدِ النِّصْفِ إلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْكُلِّ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا ثَابِتٌ فَيَسْرِي ذَلِكَ الْحَقُّ إلَى الزِّيَادَةِ كَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَازْدَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً فَإِنَّ الْبَائِعَ يَسْتَرِدُّهَا بِزِيَادَتِهَا .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تَفْصِيلًا قَالَ فِي الطَّلَاقِ : يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَصْلِ ، وَعِنْدَ رِدَّتِهَا يَسْتَرِدُّ مِنْهَا الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَفْسَخُ السَّبَبَ مِنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِحُكْمِ انْفِسَاخِ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ ، وَفِيهِ يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَحَلُّ الْعَقْدِ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ ، فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَلَا فِي

يَدِهِ ، وَيَتَعَذَّرُ نِصْفُ الزِّيَادَةِ بِتَعَذُّرِ نِصْفِ الْأَصْلِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ وَتَمَّ مِلْكُهَا فِيهِ بِالْقَبْضِ فَحَدَثَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مِلْكٍ تَامٍّ لَهَا ، وَالتَّنْصِيفُ عِنْدَ الطَّلَاقِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ ، وَلَيْسَتْ الزِّيَادَةُ مُسَمَّاةً فِيهِ وَلَا حُكْمًا إذْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا الْقَبْضَ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ فَتَعَذَّرَ تَنَصُّفُهَا وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَيَتَعَذَّرُ تَنَصُّفُهَا تَعَذُّرَ تَنَصُّفِ الْعَيْنِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْمَبِيعِ تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْمَوْهُوبِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، فَإِذَا رَجَعَ فِي الْأَصْلِ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ سَالِمًا لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُسَلَّمَ الزِّيَادَةُ أَيْضًا بِغَيْرِ عِوَضٍ .
فَأَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ فَمُعَاوَضَةٌ ، فَبَعْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الزِّيَادَةِ لَوْ أَثْبَتْنَا الرَّدَّ فِي الْأَصْلِ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ سَالِمَةً بِلَا عِوَضٍ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ الْمِلْكُ بِلَا عِوَضٍ بَعْدَ رَفْعِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ وَجَبَ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ لِلزَّوْجِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِ وُجُوبِهِ .
وَلَمَّا كَانَ الصَّدَاقُ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهَا بِالْقَبْضِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةَ وَقْتَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءِ الْبَيَاضِ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبَى يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
هَذَا وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ سَوَاءٌ إنَّمَا لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الصَّدَاقِ يَوْمَ قَبَضَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ : يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ بِزِيَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ،

وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَقَبَضَهَا فَازْدَادَتْ مُتَّصِلَةً ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الْجَارِيَةَ بِزِيَادَتِهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَةَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا لِزِيَادَةِ السِّعْرِ فَكَذَا فِي الصَّدَاقِ ، بِخِلَافِ الْمَوْهُوبَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ فِيهَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدِ ضَمَانٍ ، فَالْقَبْضُ بِحُكْمِهِ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ ضَمَانَ الْعَيْنِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَاهِبِ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الزِّيَادَةِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي الزِّيَادَةِ تَعَذَّرَ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا ، بِخِلَافِ قَبْضِهَا الصَّدَاقَ فَإِنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ بَقَاءُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الْأَصْلِ فَيَسْرِي إلَى الزِّيَادَةِ كَالْبَيْعِ .
وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ فِي مَالِكٍ صَحِيحٍ لَهَا فَتَكُونُ سَالِمَةً لَهَا بِكُلِّ حَالٍ كَالْمُنْفَصِلَةِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ تَنَصُّفُ الزِّيَادَةِ تَعَذَّرَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ لِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي حُكْمِ الصِّلَةِ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ لَا عِوَضًا عَنْ مَالٍ ، وَالْمُتَّصِلَةُ فِي الصِّلَاتِ تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ كَالْمَوْهُوبِ ، وَتَأْثِيرُ الْمُتَّصِلَةِ فِي الصِّلَاتِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُنْفَصِلَةِ حَتَّى إنَّ الْمُنْفَصِلَةَ فِي الْهِبَةِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَالْمُتَّصِلَةُ تَمْنَعُ ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ هُنَا تَمْنَعُ تَنَصُّفَ الْأَصْلِ فَالْمُتَّصِلَةُ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ .
فَأَمَّا الْبَيْعُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ فَسْخَ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُنْفَصِلَةِ ، وَمَا ذُكِرَ فِي

الْمَأْذُونِ فَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِالتَّحَالُفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْمُنْفَصِلَةِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُدُوثُ الزِّيَادَةِ فِي يَدِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ صَارَ رَدُّ الْأَصْلِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهَا فَيَسْرِي ذَلِكَ إلَى الزِّيَادَةِ كَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا تُرَدُّ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ

( وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى ، فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى ) ؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ مَهْرًا وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ ( وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ ، فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيُكْمِلُ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْكَرَامَةِ وَالْهِدَايَةِ مَعَ الْأَلْفِ ( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا ، فَإِنْ أَقَامَ بِهَا فَلَهَا الْأَلْفُ ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَلْفِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ ) حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا .
وَقَالَ زُفَرُ : الشَّرْطَانِ جَمِيعًا فَاسِدَانِ ، وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقَصُ مِنْ أَلْفٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَاتِ فِي قَوْلِهِ : إنْ خِطْتِهِ الْيَوْمَ فَلَكِ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خِطْتِهِ غَدًا فَلَكِ نِصْفُ دِرْهَمٍ ، وَسَنُبَيِّنُهَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ

( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا إلَخْ ) لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ : الْأُولَى أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا وَيَشْتَرِطَ لَهَا مَعَهُ مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ كَأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا .
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَآخَرَ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ ، أَمَّا الْأُولَى فَحُكْمُهَا ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ وَفَّى لَهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا قَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ .
وَقَالَ زُفَرُ : إنْ كَانَ مَا ضُمَّ إلَى الْمُسَمَّى مَالًا كَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا يَكْمُلُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَتَقَوَّمُ بِالْإِتْلَافِ ، فَكَذَا بِمَنْعِ التَّسْلِيمِ إذَا شُرِطَ لَهَا فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الضَّرَّةِ وَنَحْوِهِ لَا يَتَقَوَّمُ فَلَا يَلْزَمُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : إذَا فَاتَ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ إلَّا عَلَى مِلْكِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَهُوَ بِخِلَافِهِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } .
وَجَوَابُ زُفَرَ أَنَّ إيجَابَ التَّسْلِيمِ لَيْسَ لِلتَّقَوُّمِ فِي الْمَضْمُومِ بَلْ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ إلَّا بِهِ فَبِانْتِفَائِهِ ظَهَرَ عَدَمُ رِضَاهَا بِالْمُسَمَّى فَكَانَ كَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَفِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الصَّحِيحِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } .
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تَمْنَعُ التَّزَوُّجَ وَالتَّسَرِّي لَوْ وَجَبَ الْجَرْيُ عَلَى مُوجِبِهَا فَكَانَتْ بَاطِلَةً فَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهَا فِي خِيَارِ الْفَسْخِ ، بَلْ إنْ وَفَّى تَمَّتْ التَّسْمِيَةُ

لِرِضَاهَا بِهَا وَإِلَّا لَا تَتِمُّ لِعَدَمِ الرِّضَا ، وَفَسَادُ الْعَقْدِ لَيْسَ لَازِمًا لِعَدَمِ تَمَامِ التَّسْمِيَةِ وَلَا لِعَدَمِهَا رَأْسًا إذْ لَيْسَ ذِكْرُهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَا الشُّرُوطِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لَا يَمَسُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مَا دَامَتْ تَحْتَهُ مُخْتَارًا لِعَدَمِ دُخُولِ خِيَارِ الْفَسْخِ فِي يَدَيْهَا وَأَيْنَ عَدَمُ التَّزَوُّجِ مُخْتَارًا لِأَمْرٍ مِنْ تَحْرِيمِهِ شَرْعًا ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُحَرِّمَ لِلْحَلَالِ بَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ بَاطِلًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى إرَادَةِ كَوْنِهِ شَرْطَ تَرْكِ الْحَلَالِ أَوْ فِعْلِ الْحَرَامِ ، إذْ لَوْ أَحَلَّ حَقِيقَةً بِأَنْ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْحِلِّ شَرْعًا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا ، وَإِذَا عَارَضَهُ وَجَبَ حَمْلُ الْأَحَقِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا رُوِيَ عَلَى مَا مَنْ أَلْحَقَ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ ضِدُّ الْبَاطِلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْجَائِزِ وَالْمَنْدُوبِ لَا مَا يَخُصُّ الْوَاجِبَ عَيْنًا .
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ : إذَا ظَهَرَ عَدَمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ نِكَاحًا بِلَا تَسْمِيَةٍ وَلَا نَظِيرَهُ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُفَوِّضَةً ، بَلْ إنَّمَا رَضِيَتْ بِتَسْمِيَةٍ صَحِيحَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَقَدْ قَالُوا : إذَا سَمَّى لِلْبِكْرِ عِنْدَ اسْتِئْذَانِهَا مَهْرًا فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا حَتَّى يَكُونَ الْمَهْرُ وَافِرًا وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِهِ فَكَيْفَ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِنَفْيِهِ ، وَكَوْنُ مَهْرِ مِثْلِهَا أَصْلًا لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ النِّكَاحِ بِهِ مَا لَمْ تَكُنْ مُفَوِّضَةً أَوْ تُصَرِّحُ بِالرِّضَا بِهِ .
وَإِلَّا فَقَدْ لَا تَرْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ تَسْمِيَةً فَلَا يَنْفُذُ النِّكَاحُ عَلَيْهَا بِهِ فَيَجِبُ أَنْ تَخْتَارَ ، كَمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ خِيَارُ الْفَسْخِ ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حَمْلِ لَفْظِ أَحَقَّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ

فَبِلَا مُوجِبٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجِبَ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ مُنْتَفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّسَرِّي بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ هُوَ امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْتِزَامِهِ مُخْتَارًا لِأَحَبِّ الْأَمْرَيْنِ إلَيْهِ وَهُوَ صُحْبَةُ الزَّوْجَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ تَسَرَّى لَا نَقُولُ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَهُوَ أَدْنَى مِنْ امْتِنَاعِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ بِحَلِفِهِ لَا يَفْعَلُهُ .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ بِأَنْ أَقَامَ بِهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَسَرَّى أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ إنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً أَوْ ثَيِّبًا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ أَضْدَادُهَا فَإِنْ وَفَّى بِالْأَوَّلِ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً وَنَحْوَهُ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا إنْ قَدَّمَ شَرْطَ الْأَلْفَيْنِ يَصِحُّ الْمَذْكُورُ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهَا وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ ، وَقَالَا : الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ فَلَهَا الْأَلْفُ إنْ أَقَامَ بِهَا وَالْأَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا .
وَقَالَ زُفَرُ : الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي التَّسْمِيَةِ الْأُولَى بَلْ هِيَ مُنْجَزَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ مُعَلَّقَةٌ ، فَإِذَا وُجِدَ شَرْطُهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا مَثَلًا ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى الْأَوَّلُ ثَابِتًا ؛ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَ لَا يُعْدِمُ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ فَحِينَ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ اجْتَمَعَ تَسْمِيَتَانِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْجَهَالَةِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُمَا مُعَلَّقَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي كُلِّ تَقْدِيرٍ سِوَى مُسَمًّى وَاحِدٍ .
وَوَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ أَصْلًا بَلْ

هُمَا مُنَجَّزَانِ ؛ لِأَنَّ مَا يُضَمُّ مَعَ الْمَالِ إنَّمَا يُذْكَرُ لِلتَّرْغِيبِ لَا لِلشَّرْطِ فَاجْتَمَعَا فَفَسَدَا لِلْجَهَالَةِ ، وَأَصْلُهَا فِي الْإِجَارَاتِ وَسَتَزْدَادُ هُنَاكَ وُضُوحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الدَّبُوسِيِّ : لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً يَصِحَّانِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ جَزْمًا ، غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَ يَجْهَلُهُ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ .
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ صِحَّتِهِمَا اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَبِأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ أَوْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَكِنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ فِيهِمَا ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مَسْأَلَةُ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ ، فَقَدْ نَصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى طَلَاقِ فُلَانَةَ تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ تَمَامِ الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَذَا وَأَنْ يُطَلِّقَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ تَطْلُقْ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ وَعَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا فَقَدْ بَذَلَتْ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ ، وَالزَّوْجُ بَذَلَ الْأَلْفَ وَشَرْطَ الطَّلَاقِ فَيَقْسِمُ الْأَلْفَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ ، فَإِنْ كَانَا سَوَاءً كَانَ نِصْفُ الْأَلْفِ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ وَنِصْفُهَا صَدَاقًا لَهَا ، وَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ ؛ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا نُظِرَ ، إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَطَلَّقَ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْخَمْسُمِائَةِ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ لَمْ

يُجْبَرْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشَّرْطِ شَيْءٌ وَلَهَا كَمَالُ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَطَلَاقِ فُلَانَةَ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالزَّوْجُ بَذَلَ شَيْئَيْنِ الْأَلْفَ وَالطَّلَاقَ وَالْمَرْأَةُ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ ، وَالشَّيْئَانِ مَتَى قُوبِلَا بِشَيْئَيْنِ يَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ سَوَاءً كَانَ نِصْفُ الْأَلْفِ وَنِصْفُ الطَّلَاقِ صَدَاقًا لَهَا ، فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ عَلَى الضَّرَّةِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ بِمُقَابَلَتِهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْبُضْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا نِصْفَ الْعَبْدِ وَنِصْفَ الْبُضْعِ بِمُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ فَالِانْقِسَامُ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ دُونَ الْقِيمَةِ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ رَجَعَ بِخَمْسِمِائَةٍ حِصَّةِ الْعَبْدِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الطَّلَاقِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ أَوْ هَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُوجِبُ قِيمَتَهُ عَلَى مَنْ كَانَ مُلْتَزِمًا تَسْلِيمَهُ فَلِهَذَا رَجَعَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ النِّصْفِ .
وَهَاهُنَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَجَاذَبَهَا بَابَا الشُّفْعَةِ وَالنِّكَاحِ وَهِيَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا تُقْسَمُ الدَّارُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَعَلَى الْأَلْفِ ، حَتَّى لَوْ اسْتَوَيَا فَالنِّصْفُ مَهْرٌ وَالنِّصْفُ مَبِيعٌ ، وَإِنْ تَفَاوَتَا تَفَاوُتًا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ، ثُمَّ هَلْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِجَارِ هَذِهِ الدَّارِ فِيهَا مَثَلًا ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ، وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ اعْتِبَارًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ بِالْكُلِّ ، وَهُوَ يَقُولُ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ

الْمُتَضَمِّنِ لَا حُكْمُ نَفْسِهِ ، وَالْبَيْعُ هَاهُنَا فِي ضِمْنِ النِّكَاحِ إذْ الْعَقْدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا فَكَذَا فِي هَذِهِ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ الْبَيْعُ أَصْلًا فَسَدَ ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فِي ضِمْنِ بَيْعٍ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَقَبُولُ النِّكَاحِ صَارَ شَرْطًا فِيهِ .
وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ مِنْ عَلَامَةِ النُّونِ : رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا عَلَى أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ مَهْرَ مِثْلِهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْبُضْعَ وَالْعَبْدَ بِإِزَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْبَدَلُ يَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَةِ الْمُبْدَلِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَالْبَيْعُ فِيهِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهَا بَاعَتْهُ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَيَصِيرُ الْبَاقِي مَهْرًا لَهَا .
وَذَكَرَ فِي عَلَامَةِ الْوَاوِ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُكِ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي عَبْدَكِ هَذَا فَأَجَابَتْهُ بِالنِّكَاحِ جَازَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْعَبْدِ ، أَمَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَلِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ، وَأَمَّا جَوَازُ النِّكَاحِ فَلِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ا هـ .
وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ لَهَا إذْ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا أَوْكَسُ وَالْآخَرُ أَرْفَعُ ؛ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا فَلَهَا الْأَوْكَسُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا فَلَهَا الْأَرْفَعُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ( فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ) لَهُمَا أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى ، وَقَدْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَوْكَسِ إذْ الْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْأَعْدَلُ ، وَالْعُدُولُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْبَدَلِ ، إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْفَعِ فَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ بِالْحَطِّ ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوْكَسِ فَالزَّوْجُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ ، وَالْوَاجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مِثْلِهِ الْمُتْعَةُ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ ) أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ أَوْ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ( فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا ) أَوْ مِثْلِهِ ( فَلَهَا الْأَوْكَسُ ) إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِدَفْعِ الْأَرْفَعِ فَهُوَ لَهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْأَوْكَسِ ( وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا ) أَوْ مِثْلَهُ ( فَلَهَا الْأَرْفَعُ ) إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْأَوْكَسِ ( وَإِنْ كَانَ ) مَهْرُ مِثْلِهَا ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ فَوْقَ الْأَوْكَسِ وَدُونَ الْأَرْفَعِ ( فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ) فَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ اتِّفَاقًا ، وَكَثِيرٌ عَلَى أَنَّ مَنْشَأَ هَذَا الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فِي النِّكَاحِ ، فَعِنْدَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ إذْ هُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِحَالَةِ الدُّخُولِ ، بِخِلَافِ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهِ وَقَدْ يَنْقُصُ فَلَا يَعْدِلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ لِلْجَهَالَةِ بِإِدْخَالِ كَلِمَةِ أَوْ .
وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ الْمُسَمَّى فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَوْكَسِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَوْكَسُ فِيهِمَا اتِّفَاقًا ، وَهَذَا إنْ كَانَ مَنْقُولًا عَنْهُمْ فَلَا كَلَامَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، ثُمَّ يَخْتَلِفُوا فِي فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَعِنْدَهُ فَسَدَتْ لِإِدْخَالٍ أَوْ فَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَعِنْدَهُمَا لَمْ تَفْسُدْ ؛

لِأَنَّ الْمُتَرَدِّدَ بَيْنَهُمَا لَمَّا تَفَاوَتَا وَرَضِيَتْ هِيَ بِأَيِّهِمَا كَانَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْأَوْكَسِ فَتَعَيَّنَ دُونَ الْأَرْفَعِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ عَلَيْهِ مَعَ رِضَاهَا بِالْأَوْكَسِ .
وَإِذَا تَعَيَّنَ مَالَهَا لَمْ يَصِرْ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ حُكْمُ عَقْدٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ صَحِيحَةً ، وَصَارَ كَالْخُلْعِ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ وَالْإِعْتَاقُ بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَوْكَسُ فِيهِمَا .
وَهُوَ يُفَرَّقُ بِأَنْ تَعَيَّنَ الْأَوْكَسُ فِي هَاتَيْنِ ضَرُورَةُ أَنْ لَا مُوجِبَ فِيهِمَا فِي حَقِّ الْبَدَلِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِمَا بِالتَّسْمِيَةِ وَأَنْ لَا يَلْغُوَ كَلَامُهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ مُوجِبًا أَصْلِيًّا ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ مَا رُدِّدَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ الْإِلْغَاءُ إذْ يُصَانُ بِتَصْحِيحِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ خَيَّرَهَا بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أُعْطِيكَ أَيَّهُمَا شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ أَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَخْذَ الْأَرْفَعِ فَامْتَنَعَ تَحَقَّقَتْ الْمُنَازَعَةُ إذْ لَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ إذْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَسْتَبِدُّ بِالتَّعْيِينِ وَصَارَ كَبَيْعِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ سَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا وَجَعَلَ خِيَارَ التَّعْيِينِ لِأَحَدِهِمَا جَازَ ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ ذَلِكَ فِي إنْشَاءِ مُعَاوَضَةٍ ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَهُوَ فِي شَكٍّ فِي اشْتِغَالِهَا بِالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمَانِهِ ، بِخِلَافِ الْأَلْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِيهَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ

مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْمُؤَجَّلَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ وَلَوْ عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَلَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ زَائِدَةً عَلَى نِصْفِ الْأَوْكَسِ تَحْكُمُ صَرَّحَ بِهِ فِي الدِّرَايَةِ فَالْمُحْكَمُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا مُتْعَةُ مِثْلِهَا

( وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ ، وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا قِيمَتَهُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَمِّيَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ الْوَصْفِ ، بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ .
أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَاوَضَةٌ .
وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يَفْسُدُ بِأَصْلِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ وَالْأَقَارِيرِ ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَسَطَ لَهُ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَجْنَاسِ ، وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ ، أَمَّا النِّكَاحُ فَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ ، وَالْعَبْدُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ إلَخْ ) الْمَهْرُ كَمَا يَكُونُ مِنْ النُّقُودِ يَكُونُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ ، فَإِذَا كَانَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا فَإِمَّا مُعَيَّنٌ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الدَّارِ فَيَثْبُتُ الْمَلِكُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ فِيهِ لَهَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَعَبْدِي وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِشِرَائِهِ لَهَا ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شِرَائِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ خُيِّرَتْ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فِي يَدِهَا ، إنْ شَاءَتْ رَدَّتْهُ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَهُوَ التَّشْقِيصُ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ وَرَجَعَتْ بِقِيمَةِ الدَّارِ ، وَإِنْ شَاءَتْ أَمْسَكَتْهُ وَرَجَعَتْ بِقِيمَةِ نِصْفِهَا ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِهَا خَاصَّةً ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانُهُ وَلَا يَكُونُ حَالُهُ أَعْلَى مِنْ حَالِ وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَكِنْ لَهَا الْأَمَةُ إنْ دَخَلَ بِهَا ، وَلَا خِيَارَ لَهَا إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ يَسِيرًا ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا فَلَهَا إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْجَارِيَةَ وَلَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ شَيْئًا ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ كَالْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ وَقَدْ كَانَ الْوَلَدُ جَابِرًا لِذَلِكَ النُّقْصَانِ ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ ظَهَرَ النُّقْصَانُ لِانْعِدَامِ مَا يَجْبُرُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ نُقْصَانَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَجَابَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِأَنَّ عَلَيْهِ تَمَامَ ذَلِكَ .
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : وَهُوَ غَلَطٌ ، فَقَدْ بَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ

عِنْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ قَدْرِ النُّقْصَانِ ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا فَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا قُلْنَا ، وَلَا إشْكَالَ فِي الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ فِي ثُبُوتِ الصِّحَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا زَادَ فَقَالَ هَذَا الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ وَلَمْ يَكُنْ هَرَوِيًّا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهَا قِيمَةُ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ وَسَطٍ ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهُ أَوْ تَطْلُبَ قِيمَةَ الْهَرَوِيِّ الْوَسَطِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَدَتْهُ عَلَى خِلَافِ شَرْطِهِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ ، وَسَنُقَرِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِمَّا غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا ، فَفِي غَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ حَيَوَانٌ ثَوْبٌ دَارٌ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لَا يُعْرَفُ الْوَسَطُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَفْرَادِ الْمُمَاثِلَةِ وَذَلِكَ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الَّذِي تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّوْبِ الَّذِي تَحْتَهُ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ وَالْحَرِيرُ ، وَاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ أَيْضًا وَالدَّارِ الَّتِي تَحْتَهَا مَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَاقًا فَاحِشًا بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ أَفْحَشَ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَوْلَى .
وَإِنْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ عَبْدٌ أَمَةٌ فَرَسٌ حِمَارٌ بَيْتٌ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ ، وَيَنْصَرِفُ إلَى بَيْتٍ وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا بَاقِيهَا وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ ، أَمَّا الْبَيْتُ فِي عُرْفِنَا فَلَيْسَ خَاصًّا بِمَا يُبَاتُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ لِمَجْمُوعِ الْمَنْزِلِ وَالدَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَسْمِيَتِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ كَالدَّارِ ، وَتُجْبَرُ عَلَى

قَبُولِ قِيمَتِهِ لَوْ أَتَاهَا بِهَا ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ .
لَهُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ .
وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ بِالذِّمَّةِ أَصْلُهُ إيجَابُ الشَّرْعِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ وَفِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ، فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْلُومٌ إلَّا الْوَسَطُ مِنْ الْأَسْنَانِ الْخَاصَّةِ .
وَسِرُّ هَذَا الشَّرْعِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْمُشَاحَّةِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُقَابِلْهَا مَالٌ فَلَا يُفْضِي جَهَالَةُ الْوَصْفِ فِيهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ ، أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ مَعَ جَهَالَةِ وَصْفِهِ وَقَدْرِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقَارِبِهَا مَنْ تَزَوَّجَ وَعُلِمَ لَهَا مَهْرٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ وَتَخْمِينٍ ، بَلْ جَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَوْقَ جَهَالَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ فِي الصِّفَةِ وَجَهَالَةَ الْمِثْلِ جَهَالَةُ جِنْسٍ فَتَصْحِيحُ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى ( قَوْلُهُ وَشَرْطُنَا أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لَمَّا شَابَهَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ الْإِقْرَارَ فِي كَوْنِهِ الْتِزَامَ مَالٍ ابْتِدَاءً يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَةُ حَيَوَانٍ كَمَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ مَالًا لَهُ وَسَطٌ وَطَرَفَانِ فَقَالَ : شَرَطْنَا ذَلِكَ رِعَايَةً لِجَانِبَيْ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ ، إذْ جِهَةُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً تُوجِبُ اشْتِرَاطَ نَفْيِ الْجَهَالَةِ أَصْلًا ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَحَمَّلَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ مَعَ أَنَّهُ الْمَوْرِدُ الشَّرْعِيُّ : أَعْنِي إيجَابَ الشَّرْعِ لِلْوَسَطِ فِي حَيَوَانِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لَجَانِبَيْ الْفُقَرَاءِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ ، وَكَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَّا حُكْمَ الْأَصْلِ ، وَلَوْ

أَسْقَطَ قَوْلَهُ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَاكْتَفَى بِالْإِلْحَاقِ بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوَسَطِ ، وَالْحُكْمُ عِنْدَكُمْ وُجُوبُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى تُجْبَرَ عَلَى قَبُولِهَا .
أَجَابَ لَمَّا كَانَ الْوَسَطُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَقْوِيمِهِ صَارَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا مُزَاحِمًا لِلْمُسَمَّى كَأَنَّهَا هُوَ فَهِيَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ أَيٍّ أَتَاهَا بِهِ .
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ : إذَا كَانَ الْحُكْمُ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ قِيمَتِهِ ، وَفِيهِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ إنَّمَا أَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَبْدُ عَيْنًا وَالْقِيمَةُ مُخَلِّصٌ ، أَلَا يُرَى إلَى التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِنَا كَأَنَّهَا هُوَ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لِكَوْنِ الْمَهْرِ عَرَضًا رَاعَيْنَا صِفَةَ الْوَسَطِيَّةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِكَوْنِهِ مَالًا يُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُ جَهَالَةَ الصِّفَةِ صِحَّةُ الِالْتِزَامِ .
قَالَ : وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالْعَيْنِ .
هَذَا وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ الْغَلَاءِ وَبِالرُّخْصِ ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا قَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبِيدِ السُّودِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَفِي الْعَبِيدِ الْبِيضِ بِخَمْسِينَ لَمَّا كَانَ فِي زَمَانِهِ .

( وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَعْنَاهُ : ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ) وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ يَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، وَكَذَا إذَا سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَسَمَّى جِنْسَهُ دُونَ صِفَتِهِ ، وَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ لَا يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا

( قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ إلَخْ ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ ) بِأَنْ ذَكَرَ بَعْدَ نَوْعِهِ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَرِقَّتَهُ وَعَلَى مِنْوَالِ كَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ مِنْ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ كَمَا عَلَى أَخْذِ الثَّوْبِ ، وَجَعْلُهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى عَيْنِ الْوَسَطِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَعَمَّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا فِي السَّلَمِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَجَّلْ تَخَيَّرَ الزَّوْجُ .
وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَبْسُوطِ ، فَإِنْ عَيَّنَ صِفَةَ الثَّوْبِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا أَتَاهَا بِهَا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَزُفَرُ يَقُولُ الثَّوْبُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفًا ثُبُوتًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ذِكْرِ صِفَتِهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ، وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ هُنَاكَ مِنْ حُكْمِ السَّلَمِ لَا مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ الثِّيَابِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَاسْتَوَى ذِكْرُ الْأَجَلِ وَعَدَمُهُ .
وَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ : لَكِنَّا نَقُولُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ سَلَمًا ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا ثُبُوتًا صَحِيحًا لَا مُؤَجَّلًا ا هـ .
وَظَاهِرُهُ تَرَجُّحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَدْ يُقَالُ : بَلْ حَاصِلُ الصُّورَةِ سَلَمٌ وَالْعَبْدُ رَأْسُ مَالِهِ وَالثِّيَابُ الْمُؤَجَّلَةُ السَّلَمُ فِيهِ ، وَلَا يَخْفَى تَرَجُّحُ قَوْلِ زُفَرَ إذْ لَمْ يَنْدَفِعْ قَوْلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الْأَجَلِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ كَعَلَيَّ أَرَدْبُ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ دُونَ صِفَتِهِ فَكَغَيْرِهِ مِنْ ثُبُوتِهِ

وَإِجْبَارِهَا عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ وَإِنْ وَصَفَهُ كَجَيِّدَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ بَحْرِيَّةٍ لَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ مِنْهُمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَحِيحًا حَالًّا كَالْقَرْضِ وَمُؤَجَّلًا كَمَا فِي السَّلَمِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الصِّفَةَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا تُوجِبُ الْوَسَطَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ لَا تَعَيُّنَ الْوَسَطِ

( وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْخَمْرِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَكِنْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِمَا أَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ) وَبِهِ قَالَ الثَّلَاثَةُ ، وَقَالُوا فِي رِوَايَةٍ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ : يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِامْتِنَاعِ الْعِوَضِ إذْ الْمُسَمَّى يَمْنَعُ عِوَضًا آخَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعُ التَّسْلِيمِ فِي حَقِّ الْمُسَلِّمِ .
قُلْنَا : امْتِنَاعُ التَّسْلِيمِ لَا يَزِيدُ عَلَى فَسَادِ التَّسْمِيَةِ ، وَفَسَادُهَا لَا يَزِيدُ عَلَى اعْتِبَارِهَا عَدَمًا مَعَ اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَفْسُدُ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَا بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ يَفْسُدُ بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ رُكْنُهُ وَبِالثَّانِي ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يَصِيرُ رِبًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ زِيَادَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْعِوَضِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَلَا رِبًا فِي النِّكَاحِ

( فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : لَهَا مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَجِبُ الْقِيمَةُ ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالتَّسْمِيَةُ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ ، فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا ، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ ، وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ ، وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ ، وَالْخَمْرُ مَعَ الْخَلِّ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ ) أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِيهِمَا : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا مِثْلُ وَزْنِ الْخَمْرِ خَلًّا ، وَقِيمَةُ الْحُرِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَمْرِ .
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلَ فِي الْحُرِّ كَقَوْلِهِمَا .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِي التَّعْلِيلَاتِ مُقْتَضَى افْتِرَاقِهِمْ فِي مَبَانِي الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَبَا يُوسُفَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ سَمَّى لَهَا مَالًا وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ فِي الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ ، وَالْعَبْدُ قِيَمِيٌّ وَالْخَمْرُ مِثْلِيٌّ .
ثُمَّ قَالَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَمَّا اجْتَمَعَتْ إلَخْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ .
فَفِي الْإِيضَاحِ : لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْمُسَمَّى .
وَفِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ قَالَ : هَذَا الْخِلَافُ يَنْشَأُ مِنْ أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا وَمَا نَذْكُرُ ، وَلِأَنَّ هَذَا الْأَصْلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ .
وَتَفْصِيلُهُ مِنْ الْكَافِي قَالَ : هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ إذَا اجْتَمَعَتَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَةَ وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الصُّورَةَ فَكَانَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ أَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا وَصْفًا فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا ، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ : أَيْ يَتْبَعُ الذَّاتَ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ

اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ لِاتِّحَادِهِ ، وَالشَّأْنُ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ؛ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَصْلُحُ صَدَاقًا وَالْآخَرُ لَا ، فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِالْمُسَمَّى وَكَأَنَّ الْإِشَارَةَ تُبَيِّنُ وَصْفَهُ كَأَنَّهُ قَالَ : عَبْدٌ كَهَذَا الْحُرِّ وَخَلٌّ كَهَذَا الْخَمْرِ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : الْعَبْدُ مَعَ الْحُرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، إذْ مَعْنَى الذَّاتِ لَا يَفْتَرِقُ فِيهِمَا ، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُمَا تَحْصُلُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَدَّلْ مَعْنَى الذَّاتِ اُعْتُبِرَ جِنْسًا وَاحِدًا ، فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، أَمَّا الْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ فَجِنْسَانِ ، إذْ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْخَمْرِ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْخَلِّ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَا تَأْخُذُ الذَّاتَانِ حُكْمَ الْجِنْسَيْنِ إلَّا بِتَبَدُّلِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الْحَوَادِثِ مَوْجُودٌ بِهَا ، وَصُورَةُ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَاحِدَةٌ فَاتَّحَدَ الْجِنْسُ ، فَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فِيهِمَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ غَيْرُ صَالِحٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ا هـ .
وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ سَمَّى الْخَمْرَ خَلًّا وَالْحُرَّ عَبْدًا تَجَوُّزًا ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْمُرَادِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ وَلِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ تَطْلُقُ وَيَعْتِقُ ، فَظَهَرَ أَنْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَصْلِ بَلْ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ ، فَلَزِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي

يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمُخْتَلِفِينَ بِالْمَقَاصِدِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى مُتَّحِدِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى .
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اللَّائِقَ كَوْنُ الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ أَوْ عَبْدٍ وَسَطٍ ؛ لِأَنَّ إلْغَاءَ الْإِشَارَةِ وَاعْتِبَارَ الْمُسَمَّى يُوجِبُ كَوْنَ الْحَاصِلِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَحُكْمُهُ مَا قُلْنَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرْنَا : أَيْ عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ ، أَوْ عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ ، أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ ، فَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ .
وَبِالْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : فَأَوْجَبَ الذَّكِيَّةَ وَمَا مَعَهَا ، وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ الْمُذَكَّاةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ فِي الْخَمْرِ فَمَرَّ عَلَى أَصْلِهِ ، وَأَبُو يُوسُفَ خَالَفَ أَصْلَهُ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ ، وَصَحَّتْ إحْدَاهُمَا وَبَطَلَتْ الْأُخْرَى ، فَاعْتُبِرَتْ الصِّحَّةُ وَصَارَتْ الْأُخْرَى كَأَنْ لَمْ تَكُنْ .
وَكَذَا خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ لَهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ يَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْإِشَارَةَ هُنَاكَ لِتَجِبَ ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا هُنَا لَا يَجِبُ فَلَا تُعْتَبَرُ لِيَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ .

( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُ مُسَمًّى ، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ عَبْدًا ) ؛ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْبَاقِي إذَا سَاوَى عَشْرَةً ) فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ عَشْرَةً كَمُلَتْ الْعَشَرَةُ لِأَنَّهُ مُسَمًّى ، وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى ) الْمُسْتَحَقِّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ( وَإِنْ قَلَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ ) لَوْ كَانَ ( عَبْدًا ) ؛ لِأَنَّهَا مَا رَضِيَتْ إلَّا بِهِمَا وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْبَاقِي مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
فَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ الْبَاقِي مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَيَتَّحِدُ بِقَوْلِ أَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَلَمْ يَبْلُغْ الْبَاقِي مَهْرَ الْمِثْلِ تُمِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا .
فَهُنَا مَقَامَانِ لَهُمَا : مَقَامٌ اخْتَلَفَا فِيهِ وَهُوَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ مَعَ الْبَاقِي وَمَقَامٌ اتَّفَقَا فِيهِ وَهُوَ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَاقِي وَلَهُمَا فِيهِ الْإِلْحَاقُ بِالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ : أَعْنِي مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ وَلَمْ يَفِ حَيْثُ يُكْمِلُ مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَقَطْ ، وَقَدْ امْتَنَعَ الْبَاقِي فَلَمْ يَجِبْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ .
وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْفَائِتَ فِي السَّابِقَةِ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مَدْفُوعٌ بِأَنْ لَا أَثَرَ لِاسْتِحْقَاقِ مُسْتَحِقٍّ خَاصٍّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي دَفْعِ اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ ، وَلُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ رِضَاهَا بِذَلِكَ الْقَدْرِ تَسْمِيَةً إذْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِالْكُلِّ ، غَيْرَ أَنَّ الْفَائِتَ هُنَاكَ لَمَّا لَمْ يَتَقَوَّمْ صُيِّرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهُنَا يَتَقَوَّمُ بِمَعْنَى يُقَوَّمُ هَذَا الْحُرُّ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ ، وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُ

أَبِي يُوسُفَ مِنْ حَيْثُ الْوَجْهُ .
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ جَبْرَ الْفَائِتِ هُنَاكَ لِعَدَمِ رِضَاهَا وَعَدَمِ تَقْصِيرِهَا فِي تَعْيِينِ مَا تَرْضَى بِهِ ، أَمَّا هُنَا فَهِيَ الْمُقَصِّرَةُ فِي الْفَحْصِ عَنْ حَالِ الْمُسَمَّيَيْنِ فَإِنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْفَحْصِ بِخِلَافِ السَّابِقَةِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ وَطَلَاقَ الضَّرَّةِ إنَّمَا يُعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ هُنَا مُلْتَزِمَةً لِلضَّرَرِ مَعْنًى .
هَذَا وَقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا يَلِيهَا مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ لَغْوٌ ، وَإِذَا لَغَا تَسْمِيَةُ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ صَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ ، فَاعْتُبِرَ تَسْمِيَةُ الْعَبْدَيْنِ لَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ تَسْمِيَةَ الْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى الْحُرِّ لَغْوٌ ، لَكِنَّهَا لَمْ تَرْضَ فِي تَمْلِيكِ بُضْعِهَا بِعَبْدٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ النَّظَرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَلَا جَوَابَ إلَّا بِمَا قُلْنَا مِنْ الْتِزَامِهَا لِذَلِكَ حَيْثُ قَصَّرَتْ إنْ تَمَّ ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَكَوْنُهَا مُقَصِّرَةً بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ الْعَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّ الْمُسَمَّى حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الثِّيَابِ الْعَشَرَةِ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ التِّسْعَةِ ، وَحَكَمَ مُحَمَّدٌ بِهَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ سَاوَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ زَادَتْ وَإِلَّا كَمَّلَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ : مِنْ عَلَامَةِ الْعَيْنِ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ فَإِذَا هِيَ أَحَدَ عَشَرَ ، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَحَدَ عَشَرَ وَزِيَادَةً فَلَهَا أَحَدَ عَشَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ يُفْتَى ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إحْدَى

الْعَشْرَتَيْنِ أَجْوَدَهُمَا أَوْ أَرْدَأَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ ، أَمَّا إذَا وُجِدَتْ تِسْعَةٌ فَلَهَا التِّسْعَةُ لَا غَيْرَ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتَى ، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْأَثْوَابِ الْعَشَرَةِ الْهَرَوِيَّةِ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ حَيْثُ كَانَ لَهَا التِّسْعَةُ وَثَوْبٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ فِي الْأُولَى الْمَنْطُوقَ بِهِ الثَّوْبُ الْمُطْلَقُ ، وَالثَّوْبُ الْمُطْلَقُ لَا يَجِبُ مَهْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ مُطْلَقٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمَنْطُوقُ بِهِ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ وَهَذَا يَجِبُ مَهْرًا .
وَشَرْحُ الْعِبَارَةِ الْأُولَى أَنَّ التَّزَوُّجَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى عَشْرَةٍ ، وَحِينَ وَجَدَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَشْتَمِلَ غَالِبًا عَلَى عَشْرَةٍ هِيَ أَجْوَدُ الْأَحَدَ عَشَرَ وَعَشْرَةٍ هِيَ أَرْدَأُ الْأَحَدَ عَشَرَ فَصَارَتْ التَّسْمِيَةُ عَشْرَةً مِنْ أَحَدَ عَشَرَ إمَّا أَرْدَؤُهَا أَوْ أَجْوَدُهَا ، وَبِهِ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَإِذَا كَانَ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْأَحَدَ عَشَرَ لِرِضَاهَا بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الْأَرْدَأُ وَالْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الْأَجْوَدُ تَعَيَّنَ ، أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ ، كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ أَوْكَسِ الْعَبْدَيْنِ وَأَجْوَدِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْدَإِ الْعَشْرَتَيْنِ أَوْ مِثْلِهَا تَعَيَّنَ الْعَشَرَةُ الرَّدِيئَةُ كَمَا لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ مِثْلِهِ ، هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ .
وَأَمَّا قِيَاسُ قَوْلِهِمَا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَتَعَيَّنَ أَرْدَؤُهُمَا مُطْلَقًا كَمَا عَيَّنَا أَوْكَسَ الْعَبْدَيْنِ كَذَلِكَ .
وَشَرْحُ عِبَارَةِ التِّسْعَةِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْعَشَرَةُ تِسْعَةً وَلَمْ يَصِفْهَا بِالْهَرَوِيَّةِ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ التِّسْعَةِ وَثَوْبٌ آخَرُ وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَلْغُو وَتَجِبُ التِّسْعَةُ فَقَطْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَفَهَا بِالْهَرَوِيَّةِ ؛ لِأَنَّ

الْمَعْنَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ التِّسْعَةِ وَثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَلَا تَبْطُلُ تَسْمِيَتُهُ ، غَيْرَ أَنَّ مُقْتَضَى الْأَصْلِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِيهِ بَيْنَ عَيْنِهِ وَقِيمَتِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِيهِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ( وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ بِهَا التَّمَكُّنُ فَلَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ ( فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَوْفَى لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ ( وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ) إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ .
وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ ، هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ .
وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَيْهِ ، وَالْإِقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ) وَهُوَ كَتَزَوُّجِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ أَوْ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا خَلَا بِهَا أَوْ لَمْ يَخْلُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَقُمْ الْخَلْوَةُ فِيهِ مَقَامَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْهَا فِيهِ مُنْتَفٍ شَرْعًا ، بِخِلَافِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ بِالْعَقْدِ وَيَكْمُلُ بِالْخَلْوَةِ لَوْ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الدُّخُولِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا وَحِسًّا .
فَإِنْ دَخَلَ بِهَا بِجِمَاعٍ فِي الْقُبُلِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْمُسْتَوْفَى وَلَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ .
وَأُورِدَ عَلَيْهِ لُزُومَ التَّنَاقُضِ ؛ لِأَنَّكَ أَسْقَطْت اعْتِبَارَ التَّسْمِيَةِ إذَا زَادَتْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، ثُمَّ اعْتَبَرْتهَا إذَا نَقَصَتْ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً يَجِبُ شُمُولُ الْعَدَمِ ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشُمُولُ الْوُجُودِ .
وَأَجَابَ الْمُورِدُ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَاسِدَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ فَاسِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وُجِدَتْ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ فَاعْتَبَرْنَا فَسَادَهَا إذَا زَادَتْ وَصِحَّتَهَا إذَا نَقَصَتْ لِانْضِمَامِ رِضَاهَا .
وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ إلَّا فَاسِدَةً ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِبُطْلَانِهَا ، إذْ لَيْسَ مَعْنَى فَسَادِ التَّسْمِيَةِ إلَّا كَوْنُ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ أَوْ وُقُوعُهُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ كُلٌّ

مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ بِفَسَادِهَا وَبِفَسَادِهَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْقِيمَةُ لِلْبُضْعِ شَرْعًا .
وَتَقْرِيرُ الْكِتَابِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ : أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْحَطِّ مُسْقِطَةً حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِهِ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ تَمَامَهُ .
وَإِذَا عَلِمْت فَسَادَ التَّسْمِيَةِ عَلِمْت أَنَّ الْمَصِيرَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجِبُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَنَحْنُ لَا نُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى لِمَا ذَكَرْنَا .
فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَالَ : سَلَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهَا ، وَنَتْرُكُ بَاقِيَ الْمُقَدِّمَاتِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَلْ لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ ، إنْ أَرَادَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ بَلْ تَارَةً بِهَا وَتَارَةً بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْفَاسِدِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ حَتَّى صَارَ خَالِيًا عَنْ التَّسْمِيَةِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، غَيْرَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ حَطُّهَا .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ اُعْتُبِرَ رِضَاهَا بِالْحَطِّ وَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا بِالزِّيَادَةِ فَلَمْ يُوجِبُوا الْمُسَمَّى إذَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ فَإِمَّا ؛ لِأَنَّهُ مُسَمًّى وَقَدْ بَطَلَ وَإِمَّا لِرِضَاهَا ، وَمُجَرَّدُ الرِّضَا بِالتَّمْلِيكِ لَا يَثْبُتُ لُزُومُ الْقَضَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْآخَرِ بِالْقَبْضِ ، بِخِلَافِ الرِّضَا بِالْحَطِّ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَتِمُّ بِالْوَاحِدِ ، وَعَلَى هَذَا لَا تَتِمُّ الْمُعَارَضَةُ لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ } الْحَدِيثُ ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا ،

فَكَانَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَصْلًا فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، هَذَا بَعْدَمَا فِيهِ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ .
[ فُرُوعٌ ] لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ إلَّا عِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ .
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ إلَّا بِالدُّخُولِ ، ثُمَّ لَوْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى مَهْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ وَطْءُ الِابْنِ لِجَارِيَةِ الْأَبِ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إنْ كَانَ بِشُبْهَةِ اشْتِبَاهٍ تَعَدَّدَ الْمَهْرُ بِتَكَرُّرِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةِ مِلْكٍ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ ، فَفِي جَارِيَةِ الْأَبِ وَجَارِيَةِ الزَّوْجَةِ إذَا وَطِئَهَا بِخُرُوجِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهِمَا شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ .
وَفِي جَارِيَةِ الِابْنِ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ إذَا وَطِئَهَا السَّيِّدُ وَالزَّوْجَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا ظَهَرَ بَعْدَ تَعَدُّدِ الْوَطْءِ أَنَّهُ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا الثَّابِتِ فِي حَقِّهِمْ شُبْهَةُ الْمِلْكِ ، وَتَقَرُّرُ الْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَعَدَّدُ بِهِ الْمَهْرُ فَكَذَا فِي شُبْهَتِهِ .
وَأَمَّا إذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ مِرَارًا قَالَ الشَّيْخُ حُسَامُ الدِّينِ : لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ ، وَكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَالِدِي يَقُولُ : يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةِ الْأَبِ فِي حَقِّ الِابْنِ ، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ .
وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُخَالِطُهَا ثُمَّ أَتَمَّ الْجِمَاعَ لَزِمَهُ مَهْرَانِ : مَهْرُ الْمِثْلِ بِالزِّنَا لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ حِينَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ تَمَامِهِ وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ هَذَا

أَكْثَرُ مِنْ الْخَلْوَةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْجِنْسِ الْخَامِسِ مِنْ فَصْلِ الْمَهْرِ : لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ وَادَّعَى الشُّبْهَةَ هَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ أَمْ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ ؟ قِيلَ : إنْ كَانَتْ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَهُوَ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْئَهَا حَلَالٌ فَهَذَا ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ .
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا مِرَارًا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ .
وَفِي آخِرِ حُدُودِ خُوَاهَرْ زَادَهْ : الصَّبِيُّ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ بِبَالِغَةٍ مُكْرَهَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَإِنْ دَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا لَا مَهْرَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ دَعَتْ صَبِيَّةٌ صَبِيًّا عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَكَذَا لَوْ دَعَتْ أَمَةٌ صَبِيًّا ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ الْعُقْرُ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ) يَعْنِي إذَا فَارَقَهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا لَا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ .
فِي الْأَصْلِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ بِهَا قَالَ عَلَيْهِ مَهْرٌ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ .
قَالَ فِي الْكِتَابِ : وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ ، وَلَا تَتَّقِي فِي عِدَّتِهَا مَا تَتَّقِي الْمُعْتَدَّةُ بِنَحْوِهِ قَضَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَلَا نَفَقَةً فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ

الْمَلِكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُتَّصِفٌ هُنَا ؛ وَلِأَنَّهَا النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ هَاهُنَا لِتَبْقَى ، وَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الَّذِي أَدْخَلَهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَوْفِي لِلْبَدَلِ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أُخْتَ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِر الْوَطَآتِ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ ، وَرَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِالِافْتِرَاقِ بِالْمُتَارَكَةِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا قُلْنَا ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ تَارَكْتُكَ أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْتهَا أَوْ تَرَكْتهَا ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ : هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَبِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْفَاسِدِ بِغَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ .
وَقِيلَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُضُورِ الْآخَرِ .
وَعِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارِكِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْكَارُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَاخْتَارَ الصَّفَّارُ قَوْلَ زُفَرَ ، حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ، وَعِنْدَنَا مَا لَمْ تَحُضَّهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ لَمْ تَنْقَضِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ ثَلَاثًا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيمَا

بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ الْعَتَّابِيِّ .
وَفِي الْفَتَاوَى : لَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ .
( قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ وَالْإِقَامَةِ ) أَيْ إقَامَةِ الْعَقْدِ فَقَامَ الْوَطْءُ ( بِاعْتِبَارِهِ ) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ .
وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ : تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ فَاعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : تَأْوِيلُ هَذَا أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ عَقِيبَ النِّكَاحِ بِلَا مُهْلَةٍ .
قَالَ فِي الْغَايَةِ : قَدْ اعْتَبَرُوا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَكَانَ الْأَحْوَطُ فِي النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَيْضًا لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِلنَّسَبِ .
قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ : هَذَا وَهْمٌ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَبَرُوهَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ ، حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ ثَبَتَ نَسَبُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اعْتِبَارُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَلَا يُرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا وَهِيَ مَعَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ لَمَا ثَبَتَ ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ لَا يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ

وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ ا هـ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ وَمَا لَمْ تَقَعْ فَمِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَوْ الدُّخُولِ عَلَى الْخِلَافِ

قَالَ ( وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا ) " لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ " وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ ، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ ( وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُونَا مِنْ قَبِيلَتِهَا ) لِمَا بَيَّنَّا ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا لِمَا أَنَّهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا .
( قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَهَا مَهْرٌ مِثْلُ نِسَائِهَا ) قَالَهُ فِي الْمُفَوِّضَةِ ، وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ ، وَقَوْلُهُ ( وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ ) لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ تَفْسِيرُ نِسَائِهَا مِنْ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ أَبِيهِ وَلِذَا صَحَّتْ خِلَافَةُ ابْنِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ أَبُوهُ قُرَشِيًّا ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لِيَكُونَ وَجْهُ كَوْنِ الْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ تَعَيُّنَ كَوْنِهِنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ ظَاهِرًا ، وَهَذَا لِأَنَّ جَعْلَهُ وَجْهًا مُسْتَقِلًّا يَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَطْلُوبِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَيْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ النِّسَاءِ الْمُضَافَةِ أَقَارِبَ الْأَبِ ، بَلْ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِعَمَّاتِهَا وَأَخَوَاتِهَا نِسَاؤُهَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِخَالَاتِهَا أَيْضًا وَأَخَوَاتِهَا لِأُمِّهَا فَإِنَّمَا يُرَجَّحُ جِهَةُ إرَادَةِ الْأَبِ الْمُقَدَّمَةِ الْمَذْكُورَةِ

( وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ تَتَسَاوَى الْمَرْأَتَانِ فِي السِّنِّ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ ) ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ ، وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ وَالْعَصْرِ قَالُوا : وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي أَيْضًا فِي الْبَكَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ

( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ تَتَسَاوَيَا فِي الْجَمَالِ ) يَعْنِي بِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الْقَرَابَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَثْبُتُ صِحَّةُ الِاعْتِبَارِ بِالْمَهْرِ حَتَّى تَتَسَاوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً وَأَدَبًا وَكَمَالَ خُلُقٍ وَعَدَمَ وَلَدٍ وَفِي الْعِلْمِ أَيْضًا ، فَلَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا لَكِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا أَوْ زَمَانُهُمَا لَا يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَلَدَيْنِ تَخْتَلِفُ عَادَةُ أَهْلِهِمَا فِي الْمَهْرِ فِي غَلَائِهِ وَرُخْصِهِ ، فَلَوْ زُوِّجَتْ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي زُوِّجَ فِيهِ أَقَارِبُهَا لَا يُعْتَبَرُ بِمُهُورِهِنَّ ، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ وَهَذَا جَيِّدٌ .
وَقَالُوا : يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُ هَذِهِ كَأَزْوَاجِ أَمْثَالِهَا مِنْ نِسَائِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَسَبِ وَعَدَمِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَأَجْنَبِيَّةٌ مَوْصُوفَةٌ بِذَلِكَ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : يُنْظَرُ فِي قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا ، أَيْ مِثْلِ قَبِيلَةِ أَبِيهَا .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَقَارِبُ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَفِي الْمُنْتَقَى : يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ عَلَى قَدْرِ الرَّغْبَةِ

( وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ ( ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ ، وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكَفَالَةِ ، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَوَّجَةُ صَغِيرَةً ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرَةِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِي النِّكَاحِ ، وَفِي الْبَيْعِ عَاقِدٌ وَمُبَاشِرٌ حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَالْحُقُوقُ إلَيْهِ ، وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَيَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ ) بِقَيْدِ كَوْنِ الضَّمَانِ فِي الصِّحَّةِ أَمَّا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَيَشْمَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ إذَا زَوَّجَهُ وَضَمِنَ عَنْهُ وَوَلِيَّ الصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهَا وَضَمِنَ لَهَا .
وَقَوْلُهُ ( ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا ) هُوَ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي .
وَقَوْلُهُ ( وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ ) يُفِيدُ أَنَّ الزَّوْجَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ فِي حُكْمِهِ كَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا أَدَّى عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ وَضَمِنَ عَنْهُ لِلْعُرْفِ بِتَحَمُّلِ مُهُورِ الصِّغَارِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ دَفَعَ لِيَرْجِعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ فِي مُطَالَبَتِهَا ) يَعْنِي إذَا بَلَغَتْ ( زَوْجَهَا ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَالِغًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَإِنَّمَا لَهَا مُطَالَبَةُ أَبِيهِ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّتِمَّةِ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ .
هَذَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ جَوَابِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَبُ مَهْرَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِلَا ضَمَانٍ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُ بِخِلَافِ إطْلَاقِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَذَكَرَ فِي الْمُصَفَّى جَوَابَهُ فَقَالَ : قُلْنَا النِّكَاحُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَالِ إنَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ إيفَاءِ الْمَهْرِ فِي الْحَالِ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى تَزْوِيجِهِ ضَمَانُ الْمَهْرِ عَنْهُ ، فَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْوَصِيُّ يَرْجِعُ مُطْلَقًا ، فَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْأَبُ فِي صُورَةِ الضَّمَانِ حَتَّى مَاتَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ وَبَيْنَ مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا ، فَإِنْ اخْتَارَتْ

التَّرِكَةَ فَأَخَذَتْ أَجَزْنَا لِبَاقِي الْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَيْسَ لَهُمْ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ عَلَى الصَّغِيرِ لِوُقُوعِهَا بِلَا أَمْرٍ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، إذْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَلَوْ أَذِنَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ .
قُلْنَا : بَلْ صَدَرَتْ بِأَمْرٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِ ، فَإِذْنُ الْأَبِ إذْنٌ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْكَفَالَةِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْآبَاءِ بِالْمُهُورِ مُعْتَادٌ ، وَقَدْ انْقَضَتْ الْحَيَاةُ قَبْلَ ثُبُوتِ هَذَا التَّبَرُّعِ فَيَرْجِعُونَ ، وَكَذَا يَرْجِعُونَ إذَا أَدَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا ، وَإِنَّمَا صَحَّ ضَمَانُ وَلِيِّهَا إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا مَعَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِقَبْضِ صَدَاقِهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ بَاشَرَ سَفِيرٌ كَالْوَكِيلِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ حَتَّى يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ وَيُخَاصِمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَتَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَيَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي مَالِهِ ، فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُ كَانَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ مُقْتَضِيًا مُقْتَضًى .
فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ رُجُوعِهَا إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ أَلَا يُرَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِمَهْرِهَا .
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَوِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ لِلْأَبِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إذَا نَهَتْهُ صَرِيحًا ، أَمَّا إذَا لَمْ تَنْهَهُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِخِلَافِ

الْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ الْقَبْضَ بَعْدَ بُلُوغِهِ دُونَ الصَّبِيِّ .
ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الزَّوْجَةِ لِقَبْضِ الْأَبِ مَهْرَهَا عِنْدَنَا ، خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ .
وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يُشْتَرَطُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا .
وَقَدَّمْنَا فِي قَبْضِ مَهْرِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فُرُوعًا اسْتَوْفَيْنَاهَا فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فَارْجِعْ إلَيْهَا ، وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ هُنَاكَ لَوْ قَبَضَ الْأَبُ الْمَهْرَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الزَّوْجِ ، إنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْقَبْضِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صُدِّقَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ ، فَإِذَا قَبَضَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ الزَّوْجِ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ

قَالَ ( وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَتَمْنَعَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا ) أَيْ يُسَافِرَ بِهَا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ : أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ .
فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا .
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا .
وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ .
لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْخَلْوَةِ ، وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ بِهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ ، كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ .
وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تُصْرَفُ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا يُخْلَى عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ ، وَالتَّأْكِيدُ بِالْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ .
ثُمَّ إذَا وُجِدَ آخَرُ وَصَارَ مَعْلُومًا تَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ ، كَالْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ كُلَّهُ بِهَا ، ثُمَّ إذَا جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَأُخْرَى يَدْفَعُ بِجَمِيعِهَا ، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى

بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ .
.

( قَوْلُهُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ الدُّخُولِ بِهَا وَمِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مُعَجَّلَ مَهْرِهَا لِيَتَعَيَّن حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمُبْدَلِ ) يَعْنِي وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الصَّدَاقِ الدَّيْنِ ، أَمَّا الْعَيْنُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلَا ؛ لِأَنَّهَا بِالْعَقْدِ مَلَكَتْهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِيهِ حَتَّى مَلَكَتْ عِتْقَهُ .
وَقَوْلُهُ ( أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْهُ ) يَتَنَاوَلُ الْمُعَجَّلَ عُرْفًا وَشَرْطًا ، فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَبَعْضَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَ شَيْءٍ بَلْ سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْجِيلِهِ ، فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْتَبِسَ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ .
قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَالْخُمُسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ ، وَمِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ ، فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا ، وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِوَاقِعٍ ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ الْعُرْفُ .
هَذَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ .
فِي الْفَتَاوَى : رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا

مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ ، فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ ) كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَيْهِ إيفَاءٌ ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَعَلَيْهِ إيفَاءُ الْمَهْرِ كَذَلِكَ لَهَا اسْتِيفَاءُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا إيفَاءُ مَنَافِعِ بُضْعِهَا ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقْلَبُ هَذَا الدَّلِيلُ فَيُقَالُ : لَيْسَ لَهَا حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ قَبْلَ إيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي تَعْلِيلِ حَبْسِهِ إيَّاهَا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ فَعَلَى هَذَا كُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ طُولِبَ بِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ إلَى اسْتِيفَاءِ مَالِهِ وَيَسْتَلْزِمُ تَمَانُعَ الْحُقُوقِ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ ، مَثَلًا لَوْ طَالَبَهَا بِإِيفَاءِ الدُّخُولِ فَقَالَتْ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أُوَفِّيهِ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَ الْبُضْعِ وَهِيَ تَقُولُ مِثْلَهُ لَزِمَ مَا ذَكَرْنَا .
وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ بِالْبَيْعِ وَأَنَّ الْبُضْعَ كَالْمَبِيعِ وَالْمَهْرَ كَالثَّمَنِ لَكِنَّكَ عَلِمْت أَنَّ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِامْتِنَاعُ فَيُقَالُ لَهُمَا : سَلِّمَا مَعًا ، وَمِثْلُهُ لَا يَتَأَتَّى فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ عَبْدًا مُعَيَّنًا مَثَلًا وَلَا فِي مَعِيَّةِ الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ إلَى أَنْ تَقْبِضَ .
هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهَا عَنْ الزَّوْجِ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمَهْرَ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَالْعَمِّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ وَيَقْبِضُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ ، فَإِنْ سَلَّمَهَا فَالتَّسْلِيمُ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ إلَى بَيْتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَمِّ وِلَايَةُ إبْطَالِ حَقِّهَا ، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ فِي رَمْزِ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِي .
وَلَوْ ذَهَبَتْ الصَّغِيرَةُ إلَى بَيْتِهِ بِنَفْسِهَا كَانَ

لِمَنْ كَانَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ أَنْ يَمْنَعَهَا حَتَّى يُعْطِيَهُ وَيَقْبِضَهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ ثَابِتٌ لِلصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ الرِّضَا .
[ فَرْعٌ ] إذَا كَانَ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا تَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا ) مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَلِيلَةَ الْجَهَالَةِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَبِخِلَافِ الْمُتَفَاحِشَةِ كَإِلَى مَيْسَرَةٍ وَهُبُوبِ الرِّيحِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ حَالًّا ( لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ) قَبْلَ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ لَهَا حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ ، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً ( لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ ) كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا أُجِّلَ الثَّمَنُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمَبِيعِ إلَى غَايَةِ الْقَبْضِ ( وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ ) فِيمَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ أَوَّلًا ، فَلَمَّا رَضِيَ بِتَأْجِيلِهِ كَانَ رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ لِعِلْمِهِ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ .
بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ كَمَا فِي الْمُقَايَضَةِ .
وَاخْتَارَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْفَتْوَى بِهِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدُّخُولَ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ الْحُلُولِ ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ بِالِاتِّفَاقِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ) قَبْلَ الْإِيفَاءِ رَاضِيَةً وَهِيَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا ( فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) أَيْ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ خِلَافًا لَهُمَا .
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا كَارِهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً فَبَلَغَتْ وَصَحَّتْ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ يَكُونُ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا بَعْدَهُ ( وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخَلْوَةُ بِهَا بِرِضَاهَا ) لَا تُسْقِطُ حَقَّهَا فِي حَبْسِ نَفْسِهَا عِنْدَهُ

خِلَافًا لَهُمَا ( قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا ) أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا ( نَقَلَهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ ) مِنْ بِلَادِ اللَّهِ ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا بِرِضَاهَا عِنْدَهُمَا ( وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذَى ) وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ : الْأَخْذُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ : يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وَأَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْمُضَارَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُضَارُّوهُنَّ } بَعْدَ { أَسْكِنُوهُنَّ } وَالنَّقْلُ إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا مُضَارَّةٌ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } مِمَّا لَا مُضَارَّةَ فِيهِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ جَوَانِبِ مِصْرِهَا وَأَطْرَافِهِ ، وَالْقُرَى الْقَرِيبَةِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ مُدَّةَ سَفَرٍ فَيَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ : إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا فَلَهُ نَقْلُهَا

قَالَ ( وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ ) فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ ، وَمَعْنَاهُ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا هُوَ الصَّحِيحُ .
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ ، فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يُصَارُ إلَيْهِ .
وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ ، وَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ يَحْكُمُ فِيهِ الْقِيمَةَ الصَّبْغُ .
ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلِ ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَحْكُمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجَبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ فَتَحْكُمُ كَهُوَ .
وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ ، وَالْمُتْعَةُ لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُفِيدُ تَحْكِيمُهَا ، وَوَضْعُهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا عِشْرُونَ فَيُفِيدُ تَحْكِيمَهَا ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ .
وَشَرْحُ قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي حَالِ قِيَامِ

النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى الْأَلْفَ وَالْمَرْأَةَ الْأَلْفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ تُقْبَلُ .
وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ .
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ تَحَالَفَا ، وَإِذَا حَلَفَا يَجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ .
هَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيّ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى فَيُصَارُ إلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَهُ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ اخْتَلَفَا ) الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ إمَّا فِي أَصْلِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ، كُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فِي قَدْرِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ أَحَدٌ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ تَحَالُفٌ وَيُعْطِي مَهْرَ الْمِثْلِ ، هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَيُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ بِأَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا .
وَقَوْلُهُ ( هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا شَرْعًا : أَعْنِي أَنْ يَذْكُرَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ .
وَقَدْ يُقَالُ : ذَلِكَ لِتَعَيُّنِ كَوْنِ الِاسْتِنْكَارِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْمُسْتَنْكَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ ، أَمَّا هُنَا فَكَمَا يُتَصَوَّرُ الْمُسْتَنْكَرُ عُرْفًا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا .
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُسْتَنْكَرَ شَرْعًا دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَنْكَرِ عُرْفًا ، فَإِنَّ مَا يُسْتَنْكَرُ شَرْعًا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا وَلَا عَكْسَ ، فَحَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ عُرْفًا فَقَدْ اعْتَبَرْنَاهُ شَرْعًا وَزِيَادَةً ، فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ مَا يُسْتَنْكَرُ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْعًا لَمْ يَتَحَقَّقْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى خَمْسَةً كَمُلَتْ

عَشْرَةٌ وَلَغَا كَلَامُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي كَوْنِهِ مَهْرًا شَرْعًا لَا يَتَجَزَّأُ وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ شَرْعًا كَتَسْمِيَةِ كُلِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمُسْتَنْكَرِ .
وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَصْحِيحِ الْخَمْسَةِ مَثَلًا وَجَعْلَ الْقَوْلِ قَوْلَهُ وَتَكْمِيلَهَا عَشْرَةً هُوَ لِإِتْيَانِهِ بِمَا يُسْتَنْكَرُ فَقَدْ تُصُوِّرَ .
وَرَجَّحَ الْوَبَرِيُّ تَفْسِيرَ هَؤُلَاءِ الْبَعْضِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشَّهَادَةُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَلَمْ تُجْعَلْ الْمِائَةُ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا : يَعْنِي مَعَ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعَشَرَةِ مُسْتَنْكَرَةٌ فِيمَنْ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ أَمْثَالِهَا .
وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حُكِّمَ مُتْعَةُ مِثْلِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلُ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى مَا مَرَّ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَكَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فَنَفْيُ كَوْنِ الْقَوْلِ لِانْتِفَاءِ الظَّاهِرِ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا ، الِاشْتِبَاهُ الظَّاهِرُ هَاهُنَا أَنَّهُ مَعَ مَنْ ؟ فَقَالَا مَعَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُسَمَّى فِي الْأَنْكِحَةِ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ يُفِيدُ الظُّهُورَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ لَيْسَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ بَلْ بِمَا

ذَكَرْنَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْأَصْلُ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الشَّاهِدُ هُنَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْقِيمَةُ الضَّرُورِيَّةُ لِلْبُضْعِ إذْ كَانَ لَيْسَ مَالًا ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِثُبُوتِ مُسَمًّى ، وَهُنَا تَيَقَّنَّاهُ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ ، وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهَا ، وَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى فِي الْإِجَارَةِ كَالْقَصَّارِ وَرَبِّ الثَّوْبِ لَا يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ ضَرُورِيٌّ فَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ حَيْثُ أَمْكَنَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُسَمَّى فَكَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي الْأَقَلَّ فَكَذَا هَذَا ، وَهُمَا يَقُولَانِ تَقَوُّمُهُ شَرْعًا إظْهَارًا لِلْخَطَرِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ فِي الْمُسَمَّى لَا يَنْفِيهِ ، بَلْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ التَّقَوُّمِ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ بِخِلَافِ هَذَا ، وَأَمَّا الْقَصَّارُ وَرَبُّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ فَلَيْسَ لِعَمَلِهِ مُوجِبٌ فِي الْأَجْرِ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ لِيُصَارَ إلَى اعْتِبَارِهِ وَلِلنِّكَاحِ مُوجِبٌ فَهُوَ أَشْبَهُ بِاخْتِلَافِ الصَّبَّاغِ وَرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْمِقْدَارِ مِمَّا ذُكِرَ وَفِيهِ تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَيَقَّنَّا التَّسْمِيَةَ وَهِيَ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَلَيْسَ بِذَاكَ بَلْ الْمُتَيَقَّنُ أَحَدُهُمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ لَا يَنْفِي الرُّجُوعَ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا عَيْنًا ( قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَذَا فِي الْأَصْلِ .
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ تُحَكَّمُ الْمُتْعَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ .
وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ ظَاهِرٌ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ تَحْكِيمِ

الْمُتْعَةِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا فَيُؤْخَذُ بِاعْتِرَافِهِ وَيُعْطِي نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتُحَكَّمُ كَمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْمُتْعَةَ مُوجِبَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَهُنَا اتَّفَقَا عَلَى التَّسْمِيَةِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ ، وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَاهَا الزَّائِدِ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ بَلْ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ .
وَلِهَذَا قِيلَ : فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، لَكِنْ مَا ذُكِرَ فِي جَوَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ آنِفًا يَدْفَعُهُ ( قَوْلُهُ وَشَرَحَ قَوْلَهُمَا ) إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَهِيَ أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاَللَّهِ مَا تَزَوَّجْتُهَا عَلَى أَلْفَيْنِ ، فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً : أَيْ لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتَهَا ذَهَبًا ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ أَلْفَانِ مُسَمًّى ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ عَلَى الْخِلَافِ وَكِلَاهُمَا يَقْتَضِيهِ تَسْمِيَةً ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا بِاَللَّهِ مَا تَزَوَّجَتْهُ عَلَى أَلْفٍ ، إنْ نَكَلْت فَلَهَا مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً لِإِقْرَارِهَا بِهِ ، وَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا مَا ادَّعَتْ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ، وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالذَّهَبِ ؛ لِأَنَّ يَمِينَهَا لِدَفْعِ الْحَطِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ هُوَ ، ثُمَّ وُجُوبُ الزَّائِدِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ فِيمَا يَدَّعِيهِ هُوَ تَسْمِيَةٌ ، فَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ ، وَبَيِّنَتُهُ فِي الثَّانِي لِإِثْبَاتِهَا الْحَطَّ .
وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي هَذَا أَنَّ

بَيِّنَتَهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ .
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهَا تَعَيُّنَهَا دَرَاهِمَ وَذَلِكَ وَصْفٌ فِي الثَّابِتِ وَبَيِّنَتُهُ مُثْبِتَةٌ ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْحَطُّ فَهِيَ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَكَانَتْ أَكْثَرَ إثْبَاتًا مِنْ الْمُثْبِتَةِ لِلْوَصْفِ ، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَأَيُّهُمَا نَكَلَا لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ .
وَمَا وَقَعَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا نَكَلَ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ كَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ .
وَإِنْ حَلَفَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً وَالزَّائِدُ يُخَيَّرُ فِيهِ ، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ يَثْبُتُ مَا يَدَّعِيهِ مُسَمًّى ، وَإِنْ أَقَامَاهَا تَهَاتَرَتَا فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَالدَّعْوَى ، ثُمَّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيُخَيَّرُ فِيهِ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ الْآخَرِ فَخَلَا الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، بِخِلَافِ التَّحَالُفِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ .
وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ كَفَصْلِ التَّحَالُفِ ، هَذَا كُلُّهُ تَخْرِيجُ الرَّازِيّ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا ثُمَّ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ يُعْطِي مَهْرَ الْمِثْلِ .
وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ ، وَبِالتَّحَالُفِ يَنْتَفِي يَمِينُ كُلِّ دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ : مَا قَالَهُ الرَّازِيّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّا لَا نَحْتَاجُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ

لِلْإِيجَابِ ، بَلْ لِيَتَبَيَّنَ مَنْ يُشْهِدُ الظَّاهِرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَعَ يَمِينِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ ، وَيُقْرَعُ فِي التَّحَالُفِ لِلِابْتِدَاءِ اسْتِحْبَابًا ، وَلَوْ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا كَانَ جَازَ .
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ : يُبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَهْرُ كَالثَّمَنِ ، وَفِي الْمُتَبَايِعَيْنِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى ) فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ ( يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ ) وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ ( لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ مَعَ يَمِينِهِ فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُ مَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَلْ هُوَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ عَلَى مَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ .
وَمَا ذُكِرَ مِنْ إيجَابِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَقَدْ أَشَرْنَا إلَى أَنَّهُ لِيَعْرِفَ مَنْ مَعَهُ الظَّاهِرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ كَوْنُ الْمُسَمَّى لَا يَنْقُصُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا نَادِرًا ، لَكِنَّا مَنَعْنَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَهُمْ فِي أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْخِلَافُ ، فَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا كَوْنُ الْأَصْلِ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُنَا كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ لِلْكُلِّ بِهِ وَالْمَسْأَلَةُ اتِّفَاقِيَّةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا ) أَيْ حَالَ

قِيَامِ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ وَالْمِقْدَارِ ، وَمَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لَوْ كَانَ حَيًّا يَكُونُ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ .
وَفِي الْأَصْلِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَبْلَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْمُفَوِّضَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) كَأَبِي يُوسُفَ حَالَ الْحَيَاةِ ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَسْتَثْنِ الْقَلِيلَ ، وَهَذَا لِسُقُوطِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْجَوَابُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَالْجَوَابِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِمَنْ أَنْكَرَهُ ) وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بَعْدَ التَّحَالُفِ : وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لَا يَجِبُ التَّحَالُفُ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، وَهِيَ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِتَصَادُقِ الْوَرَثَةِ فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ ، هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ مَاتَ أَوَّلًا أَوْ عُلِمَ أَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا أَوْ لَمْ تُعْلَمْ الْأَوَّلِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ مَعْلُومَ الثُّبُوتِ ، فَلَمَّا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ أَوَّلًا لَا يَسْقُطُ ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ مِنْهُ نَصِيبُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى نَفْسِهِ ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفُ فِي قَوْلِهِ إلَّا إذَا عُلِمَ إلَخْ هُوَ هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
وَالصَّوَابُ

أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ جَمِيعُ الصُّوَرِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِمَوْتِهَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْعَامُّ ، وَلَوْ كَانَ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا كَانَ أَخْذُ الْوَرَثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الثَّلَاثِ لَا كُلِّهَا

قَالَ ( وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلِوَرَثَتِهَا أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهُ مَهْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا : لِوَرَثَتِهَا الْمَهْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ ) مَعْنَاهُ الْمُسَمَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي ، أَمَّا الْأَوَّلُ ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ تَأَكَّدَ بِالْمَوْتِ فَيُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ أَوَّلًا فَيَسْقُطُ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسَمَّى فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرُ الْمِثْلِ

.
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَهُمْ مَهْرُ الْمِثْلِ ) وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ عَلِيٍّ عَلَى وَرَثَةِ عُمَرَ مَهْرَ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ أَكُنْت أَقْضِي فِيهِ بِشَيْءٍ ؟ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، فَإِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِهِ ، وَأَيْضًا يُؤَدِّي إلَى تَكَرُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْقَدِيمَ قَدْ يَكُونُ مَشْهُورًا وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَيَدَّعِي وَرَثَةُ وَرَثَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى وَرَثَةِ وَرَثَةِ الْوَرَثَةِ بِهِ ، فَلَوْ قُضِيَ بِهِ ثُمَّ تَأَخَّرَ الْعَصْرُ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ الَّذِينَ وُجِدُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ بِهِ أَيْضًا يُقْضَى بِهِ أَيْضًا ثُمَّ وَثُمَّ فَيُفْضِي إلَى مَا قُلْنَا ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ فَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَطَرِيقٌ آخَرُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ الْبُضْعِ فَيُشْبِهُ الْمُسَمَّى وَيَجِبُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيُشْبِهُ النَّفَقَةَ فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا ، وَلِلشَّبَهِ الثَّانِي يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَقُلْنَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا إعْمَالًا لِشَبَهِ النَّفَقَةِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إعْمَالًا لِشَبَهِ الْمُسَمَّى تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْضَى بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا وَمَا قَبْلَهُ أَوْجَهُ .
وَقَالَ مَشَايِخُنَا : هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا ، فَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يُقَالُ لَهَا : لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْكِ بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا

( وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ الزَّوْجُ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ ، كَيْفَ وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ .
قَالَ ( إلَّا فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُؤْكَلُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَارَفُ هَدِيَّةً ، فَأَمَّا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَهُ مِنْ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

.
( قَوْلُهُ وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ مِنْ حَقِّك وَقَالَتْ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ ) إلَّا فِيمَا يَكُونُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ فِيهِ ، وَالْقَوْلُ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ، وَالظَّاهِرُ فِي الْمُتَعَارَفِ مِثْلُهُ أَنْ يَبْعَثَهُ هَدِيَّةً ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ نَحْوُ الطَّعَامِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تَبْقَى وَالْحَلْوَاءِ وَالْخُبْزِ وَالدَّجَاجِ الْمَطْبُوخِ ، فَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالدَّقِيقُ وَالسُّكَّرُ وَالشَّاةُ الْحَيَّةُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ .
وَإِذَا حَلَفَ وَالْمُرْسَلُ قَائِمٌ ، إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهَا وَلَمْ يَرْضَيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ يَأْخُذُهُ ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ بِالْمَهْرِ بَلْ بِمَا بَقِيَ إنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ ، وَلَوْ بَعَثَ هُوَ وَبَعَثَ أَبُوهَا لَهُ أَيْضًا ثُمَّ قَامَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَكَانَ قَائِمًا ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَرْجِعُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْبِنْتِ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهَا وَهِيَ لَا تَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا .
وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ : بَعَثَ إلَيْهَا هَدَايَا وَعَوَّضَتْهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ ثُمَّ فَارَقَهَا وَقَالَ بَعَثْتُهَا إلَيْكِ عَارِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ .
وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ تَسْتَرِدُّ هِيَ مَا عَوَّضَتْهُ .
هَذَا وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يُرْسِلَهُ هَدِيَّةً وَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ

وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ ، وَفِيمَا إذَا بَعَثَ الْأَبُ بَعْدَ بَعْثِ الزَّوْجِ تَعْوِيضًا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ ، وَكَذَا الْبِنْتُ فِيمَا إذَا أَذِنَتْ فِي بَعْثِهِ تَعْوِيضًا ، هَذَا إذَا كَانَ بَعْثُهَا عَقِيبَ بَعْثِ الزَّوْجِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِيهِ لِلزَّوْجِ إلَّا إنْ كَانَ قَائِمًا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا يَجِبُ إلَخْ ) بِخِلَافِ الْخُفِّ وَالْمُلَاءَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بَلْ يَجِبُ مَنْعُهَا إلَّا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُفُّ وَالْمُلَاءَةُ لِأَمَتِهَا ، ثُمَّ كَوْنُ الظَّاهِرِ بِكَذِبِهِ فِي نَحْوِ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ إنَّمَا يَنْفِي احْتِسَابَهُ مِنْ الْمَهْرِ لَا مِنْ حَقٍّ آخَرَ كَالْكِسْوَةِ .

[ فُرُوعٌ ] زَوَّجَ بِنْتَهُ وَجَهَّزَهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ مَا دَفَعَهُ لَهَا عَارِيَّةً وَقَالَتْ تَمْلِيكًا أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَ مِنْهُ وَقَالَ الْأَبُ عَارِيَّةٌ ، قِيلَ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَلَهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ بِهِ إذْ الْعَادَةُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا هِبَةً وَاخْتَارَهُ السُّغْدِيُّ ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْأَبِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ ظَاهِرًا بِذَلِكَ كَمَا فِي دِيَارِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ مِثْلُهُ يُجَهِّزُ الْبَنَاتِ تَمْلِيكًا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَإِلَّا فَلَهُ .
وَلَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ وَهَبَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ هُوَ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ .
وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي سُقُوطَ مَا كَانَ ثَابِتًا وَهُمْ يُنْكِرُونَ .
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا وَهُمْ يَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ .
وَفِي الْبَدَائِعِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ : أَعْطَاهَا مَالًا وَقَالَ مِنْ الْمَهْرِ وَقَالَتْ مِنْ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لَا أَنْ تُقِيمَ هِيَ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ عَلَى طَمَعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، فَلَمَّا انْقَضَتْ أَبَتْ ، إنْ شَرَطَ فِي الْإِنْفَاقِ التَّزَوُّجَ : يَعْنِي كَأَنْ يَقُولَ أُنْفِقُ عَلَيْكِ بِشَرْطِ أَنْ تَتَزَوَّجِينِي يَرْجِعُ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَكِنْ أَنْفَقَ عَلَى هَذَا الطَّمَعِ اخْتَلَفُوا .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا زَوَّجَتْ ، قَالَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ

.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ ، وَهَذَا إذَا دَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا ، أَمَّا إذَا أَكَلَ مَعَهَا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ا هـ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فِي فَصْلِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ صَرِيحًا إلَّا مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّهِيدِ ، وَمِنْ بَعْدِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ .
وَحُكِيَ فِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ بِلَا شَرْطٍ بَلْ لِلْعِلْمِ عُرْفًا أَنَّهُ يُنْفِقُ لِلتَّزَوُّجِ ثُمَّ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِهِ خِلَافًا ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا .
قَالَ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى قَصْدِهِ لَا شَرْطِهِ .
وَفِيهَا : ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ مَهْرِهَا تُصَدَّقُ فِي الدَّعْوَى إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يُحْكَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَفِي النَّوَازِلِ : اتَّخَذَتْ لِأَبَوَيْهَا مَأْتَمًا فَبَعَثَ الزَّوْجُ إلَيْهَا بَقَرَةً فَذَبَحَتْهَا وَأَطْعَمَتْهَا أَيَّامَ الْمَأْتَمِ فَطَلَبَ قِيمَتَهَا فَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ بَعَثَ بِهَا إلَيْهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَذْبَحَ وَتُطْعِمَ وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِهِ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ الضَّمَانِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ .

[ تَتِمَّةٌ فِيهَا مَسَائِلُ ] الْأُولَى : مَسْأَلَةٌ تُعُورِفَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الْمَهْرِ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِيرَاثِ فَأَحْبَبْنَا الِاتِّبَاعَ وَنَذْكُرُ الْمَهْرَ زِيَادَةً فِيهَا .
تَزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَوَاحِدَةً فِي عُقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُتَقَدِّمَةَ نِكَاحًا مِنْ غَيْرِهَا ، فَمِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ وَهُوَ الرُّبُعُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ، وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ بَيْنَهُنَّ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ : سَبْعَةٍ لِلَّتِي تَزَوَّجَهَا وَحْدَهَا اتِّفَاقًا ، وَالْبَاقِي نِصْفُهُ لِلثِّنْتَيْنِ ، وَنِصْفُهُ لِلثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ مِنْ الْبَاقِي لِلثِّنْتَيْنِ ، وَتِسْعَةٌ لِلثَّلَاثِ عَلَى اخْتِلَافِ تَخْرِيجِهِمَا .
وَإِنَّمَا قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ .
وَكَذَا إنْ تَوَسَّطَ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ ثَالِثَةً إنْ وَقَعَ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ وَرَابِعَةً بَعْدَ الثَّلَاثِ ، وَكَذَا إذَا تَأَخَّرَ لِبُطْلَانِ نِكَاحِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَتَقَعُ هِيَ ثَالِثَةً أَوْ رَابِعَةً ، وَنِكَاحُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ صَحِيحٌ فِي حَالٍ بَاطِلٌ فِي حَالٍ ، ثُمَّ تَقُولُ : إنْ صَحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا ثُلُثُ الْمِيرَاثِ ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا رُبُعُهُ فَنَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبُعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشْرَ ، أَوْ نَقُولُ : مَخْرَجُ الثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ فَصَارَ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لَهَا الثُّلُثُ فِي حَالِ أَرْبَعَةٍ وَالرُّبُعُ فِي حَالِ ثَلَاثَةٍ ؛ فَثَلَاثَةٌ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ ، وَالرَّابِعُ يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيُنَصِّفُ لِلشَّكِّ فِيهِ فَيَنْكَسِرُ فَيُضَعَّفُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، أَوْ يَضْرِبُ مَخْرَجَ النِّصْفِ وَهُوَ

اثْنَانِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَصَارَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَقُولُ : لِلَّتِي تَزَوَّجَهَا وَحْدَهَا سَبْعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّ لَهَا الثُّلُثَ فِي حَالِ ثَمَانِيَةٍ ، وَالرُّبُعَ فِي حَالِ سِتَّةٍ فَسِتَّةٌ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ ، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سَهْمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ فِي حَالٍ وَيَثْبُتَانِ فِي حَالٍ ، فَيَثْبُتُ أَحَدُهُمَا وَيُضَمُّ إلَى سِتَّةٍ صَارَ لَهَا سَبْعَةٌ وَمِمَّا بَقِيَ تِسْعَةٌ لِلثَّلَاثِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانِيَةٌ لِلثِّنْتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَةٌ عِنْدَ هُمَا عَلَى اخْتِلَافِ تَخْرِيجِهِمَا .
أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَعْتَبِرُ الْمُنَازَعَةَ فَيَقُولُ : لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِي السَّهْمِ السَّابِعَ عَشْرَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا تَدَّعِيَانِ إلَّا ثُلُثَيْ الْمِيرَاثِ سِتَّةَ عَشْرَ ، فَالسَّهْمُ السَّابِعَ عَشْرَ يُسَلَّمُ لِلثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُنَّ يَدَّعِينَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَبَقِيَ سِتَّةٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِيهَا فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَحَصَلَ لِلثَّلَاثِ تِسْعَةٌ مِنْهَا وَلِلثِّنْتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ .
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَعْتَبِرُ الْأَحْوَالَ فَيَقُولُ إنْ صَحَّ نِكَاحُ الثُّلُثَيْنِ فَلَهُمَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ سِتَّةَ عَشَرَ وَهُوَ حَالُ التَّقَدُّمِ عَلَى الثَّلَاثِ فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ مَعَهُمَا فَيَكُونُ لَهُمَا ثُلُثَاهُ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ .
وَالثَّلَاثُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَرِثُ مَعَهُنَّ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ تِسْعَةٌ ، فَاتَّفَقَ الْجَوَابُ وَاخْتَلَفَ التَّخْرِيجُ وَالضَّابِطُ عَنْ الْغَلَطِ قَوْلُنَا الْحَاءُ مَعَ الْحَاءِ وَالْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ : أَيْ لِمُحَمَّدٍ الْأَحْوَالُ وَيَعْقُوبَ الْمُنَازَعَةُ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفُ مَا بَقِيَ لِلثِّنْتَيْنِ وَنِصْفُ الْآخَرِ لِلثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ فِي عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ

يَسْتَحِقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ سَابِقًا عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ دُونَ حَالِ التَّأْخِيرِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ وَاحِدَةٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ وَاحِدَةٌ كَانَ جَمِيعُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ ، كَذَا هُنَا ، فَلِلتَّنَصُّفِ وَقَعَ الْكَسْرُ فَضَعَّفْنَا الْمَجْمُوعَ صَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ نَضْرِبُ مَخْرَجَ النِّصْفِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ فَنَطْلُبُ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ الِاسْتِقَامَةَ أَوْ الْمُوَافَقَةَ أَوْ الْمُبَايَنَةَ فَتَسْتَقِيمُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَلَا تَسْتَقِيمُ سَبْعَةَ عَشْرَ عَلَى الثِّنْتَيْنِ وَلَا عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ ذَلِكَ أَيْضًا فَحَصَلَ مَعَنَا اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ فَنَطْلُبُ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسُ الْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ : التَّدَاخُلُ ، وَالتَّمَاثُلُ ، وَالتَّوَافُقُ ، وَالتَّبَايُنُ ، فَوَجَدْنَاهَا مُتَبَايِنَةً فَنَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَيَحْصُلُ سِتَّةٌ فَنَضْرِبُهَا فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَتَصِيرُ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَطَرِيقٌ مَعْرِفَةِ مَا لِكُلٍّ أَنْ تَضْرِبَ مَا كَانَ لَهُ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ كَانَ لِلْوَاحِدَةِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ فَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ يَحْصُلُ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ وَكَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ سَبْعَةَ عَشْرَ ضَرَبْنَاهَا فِي السِّتَّةِ يَحْصُلُ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِائَةٌ وَسَهْمَانِ لِكُلٍّ مِنْ الثِّنْتَيْنِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ وَلِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ يُعْطِي الثِّنْتَيْنِ مَا لَا تَدَّعِيَانِهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا إنَّمَا لَا تَدَّعِيَانِهِ إذَا اسْتَحَقَّتْ الْوَاحِدَةُ ذَلِكَ السَّهْمَ فَأَمَّا بِدُونِ اسْتِحْقَاقِهَا فَلَا ، وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ السَّهْمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَ دَعْوَاهُمَا وَدَعْوَى الثَّلَاثِ فِي

اسْتِحْقَاقِ مَا فَرَغَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَاحِدَةِ سَوَاءٌ .
هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْإِرْثِ ، أَمَّا الْمُهُورُ فَالزَّوْجُ إنْ كَانَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ جَبْرًا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ أَيُّهُنَّ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْعُقُودَ ، فَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي الْأَوَّلَ حَجَبَ عَنْهُنَّ إلَّا الْوَاحِدَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالِاشْتِبَاهِ فِيمَا لَا مَسَاغَ فِيهِ لِلتَّحَرِّي .
وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ وَالزَّوْجُ حَيٌّ فَقَالَ هُنَّ الْأَوَّلُ وَرِثَهُنَّ وَأَعْطَى مُهُورَهُنَّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ كُلِّهِنَّ ثُمَّ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ذَلِكَ فَهُوَ الْأَوَّلُ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْمُسَمَّى كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالدُّخُولِ بِهِنَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيَانِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ فِي الْوَطْءِ .
وَأَمَّا الْمَهْرُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلْوَاحِدَةِ مَا سُمِّيَ لَهَا بِكَمَالِهِ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ بِيَقِينٍ ، وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ فَهُمَا يَمُرَّانِ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي اعْتِبَارِ الْمُنَازَعَةِ وَالْحَالِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ فَاعْتَبَرَ الْمُنَازَعَةَ فِي الْمَهْرِ دُونَ الْمِيرَاثِ فَقَالَ : مَا فَضَلَ مِنْ الْوَاحِدَةِ هُنَاكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا ، فَأَمَّا هُنَا فَالثِّنْتَانِ لَا تَدَّعِيَانِ النِّصْفَ الزَّائِدَ عَلَى الْمَهْرَيْنِ وَالثَّلَاثُ يَدَّعِينَهُ فَسَلِمَ لَهُنَّ ، وَفِي الْمَهْرَيْنِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا .
أَوْ نَقُولُ : أَكْثَرُ مَا لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ بِأَنْ يَكُونَ السَّابِقُ نِكَاحَ الثَّلَاثِ وَأَقَلُّ مَا لَهُنَّ مَهْرَانِ بِأَنْ يَكُونَ

نِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ سَابِقًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي مَهْرٍ وَاحِدٍ فَيَتَنَصَّفُ فَكَانَ لَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ ، ثُمَّ لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرَيْنِ فَيُسَلِّمُ ذَلِكَ مَعَ الثَّلَاثِ وَهُوَ نِصْفُ مَهْرٍ يَبْقَى مَهْرَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا فَحَصَلَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلثُّلُثَيْنِ مَهْرٌ وَاحِدٌ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : إنْ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ ، وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَلَهُمَا مَهْرَانِ إنْ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَلَهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ مَهْرٌ وَاحِدٌ .
وَأَمَّا حُكْمُ الْعِدَّةِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ ظَاهِرٌ ، وَعَلَى الْفَرِيقَيْنِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِنَّ حَيْثُ أَوْجَبَ لَهُنَّ مَهْرًا وَمِيرَاثًا وَالْعِدَّةُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهَا ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهِنَّ وَلَمْ يَعْرِفْ الْأَوَّلَ مِنْ الْآخِرِ فَعَلَى غَيْرِ الْوَاحِدَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا ، أَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا يَسْتَكْمِلُ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَابْنَتَيْهَا فِي ثَلَاثَةِ عُقُودٍ وَلَا تُدْرَى الْأُولَى مِنْهُنَّ وَمَاتَ قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْبَيَانِ فَلَهُنَّ مَهْرٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ نِكَاحُ إحْدَاهُنَّ لَيْسَ غَيْرُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ أَوَّلًا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ بِنْتِهَا أَوْ الْبِنْتُ فَكَذَلِكَ ، وَلَهُنَّ كَمَالُ مِيرَاثِ النِّسَاءِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لِلْأُمِّ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَ الْأُمَّ فِي عُقْدَةٍ وَالْبِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ كَانَ الْكُلُّ لِلْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ الْمُتَيَقَّنِ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهِمَا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْأُمِّ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ؛ وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأُمَّهَا وَابْنَتَهَا أَوْ امْرَأَةً وَأُمَّهَا وَأُخْتَ أُمِّهَا كَانَ الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا اتِّفَاقًا .
وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبِبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَنِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَصِحُّ فِي حَالٍ وَلَا يَصِحُّ فِي حَالَيْنِ فَاسْتَوَيْنَ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ يُسَاعِدُهُمَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، لَكِنَّهُ يَقُولُ : الْأُمُّ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا إحْدَى الْبِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِبُطْلَانِ نِكَاحِ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَالِابْنَتَانِ فِي النِّصْفِ اسْتَوَيَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِتَعْيِينِ جِهَةِ الْبُطْلَانِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى .

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ تَطْلِيقَتَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا وَقَعَ تَطْلِيقَةٌ وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا وَجَبَ مَهْرٌ كَامِلٌ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ عَنْ شُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ ، إذْ الطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَقَعَتْ أُخْرَى وَهُوَ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى ، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ الْبَائِنَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ هَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي إيجَابِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَبَقِيَّةِ عِدَّتِهَا الَّتِي كَانَتْ فِيهَا فَصَارَ عَلَى قَوْلِهِمَا الْوَاجِبُ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ ، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ صَارَ مُرَاجِعًا فَلَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ وَنِكَاحُ الْمَنْكُوحَةِ لَا يَصِحُّ .
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ وَالطَّلَاقِ عَقِيبَهُ يَجِبُ نِصْفٌ وَبِالدُّخُولِ بَعْدَ مَهْرٌ كَامِلٌ وَبِالتَّزَوُّجِ ، وَالدُّخُولُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ عَقِيبَهُ أَيْضًا مَهْرٌ وَنِصْفٌ ، وَكَذَا بِالتَّزَوُّجِ الثَّالِثِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُرَاجِعًا بِالْوَطْءِ عَقِيبَ النِّكَاحِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ لَمْ يَقَعْ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا .
وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الدُّخُولُ فِي الْأَوَّلِ دُخُولًا فِي الثَّانِي كَانَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الثَّانِي عَقِيبَ الدُّخُولِ .
وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ

الدُّخُولَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحٍ بَلْ لَيْسَ إلَّا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ فَاقْتَضَى قَوْلَهُمَا عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فِي عِدَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ عَنْ غَيْرِ طَلَاقٍ بَلْ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِطَلَاقٍ .
وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَانَتْ بِثَلَاثٍ وَعَلَيْهِ خَمْسَةُ مُهُورٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَأَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِكُلٍّ ، فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ آنِفًا ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا وَجْهُ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَالدُّخُولِ بَعْدَهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ ، وَبِالنِّكَاحِ الثَّانِي طَلُقَتْ بَائِنًا وَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ بَعْدَهُ لِلشُّبْهَةِ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ ، وَبِالنِّكَاحِ الثَّالِثِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَهَا مَهْرٌ ، وَبِالدُّخُولِ بَعْدَ مَهْرٍ آخَرَ فَصَارَتْ خَمْسَةَ مُهُورٍ وَنِصْفًا ، ثَلَاثَةٌ بِالدُّخُولِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ ، وَمَهْرَانِ بِالتَّزَوُّجَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِمَا .

فَصْلٌ تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ ( وَإِذَا تَزَوَّجَ النَّصْرَانِيُّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ فَدَخَلَ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ ، وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيَّانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ .
وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا .
وَقَالَ زُفَرُ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا .
لَهُ أَنَّ الشَّرْعَ مَا شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ ، وَهَذَا الشَّرْعُ وَقَعَ عَامًّا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ .
وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارِ ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ كَالرِّبَا وَالزِّنَا ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُتَحَقِّقَةٌ لِاتِّحَادِ الدَّارِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ وَبِالْمُحَاجَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الذِّمَّةِ ، فَإِنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ ، بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا ، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ } وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ .
وَقَدْ قِيلَ : فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ .

( فَصْلٌ ) لَمَّا ذَكَرَ مُهُورَ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُهُورِ الْكُفَّارِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ ) الْمُرَادُ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهَا مَهْرٌ ، وَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا أَوْ تَرَافَعَا وَهَذَا إذَا لَمْ يُدِينُوا مَهْرَ الْمِثْلِ بِالنَّفْيِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَمٍ ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْمَهْرِ وَهُمْ يُدِينُونَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَا يَتَمَوَّلُونَ الْمَيْتَةَ حَتْفَ أَنْفِهَا بِخِلَافِ الْمَوْقُوذَةِ ، وَكَذَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ ( هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ ) أَيْ لَوْ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا ( أَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا عِنْدَ هُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ) لِوُقُوعِهِ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ ، وَبِهَذَا قَالَ زُفَرُ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْرَعْ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ ، وَهَذَا الشَّرْعُ وَقَعَ عَامًّا فَيَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ مِنْهَا ، غَيْر أَنَّهُ يَصِيرُ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَتَمَحَّضَ مُعَامَلَةً فِي حَقِّهِ ( وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ الْأَحْكَامَ ) وَلَيْسَ لَنَا عَلَيْهِمْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ لِلتَّبَايُنِ ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمِّيَّةِ فَإِنَّهُمْ الْتَزَمُوهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ ثَابِتَةٌ فَنُعَزِّرُهُ إذَا زَنَى وَنَنْهَاهُ عَنْ الرِّبَا وَنَحْكُمُ بِفَسَادِهِ وَالنِّكَاحُ مِنْهَا ، وَلِذَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُ مِنْ لُزُومِ النَّفَقَةِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالتَّوَارُثِ بِهِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَحُرْمَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ .
وَقَدْ يُقَالُ مِنْ طَرَفِ زُفَرَ عَدَمُ

الْتِزَامِهِمْ وَقُصُورُ الْوِلَايَةِ مِنَّا عَنْهُمْ لَا يَنْفِي تَحَقُّقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ لِعُمُومِ الْخِطَابِ ، حَتَّى إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا نَقْضِي عَلَيْهِمَا بِمَا لَزِمَهُمَا حَالَ كَوْنِهِمَا حَرْبًا وَإِنَّا إنَّمَا أَخَّرْنَا الْوُجُوبَ لِيَظْهَرَ عِنْدَ إمْكَانِ إلْزَامِهِمْ أَثَرُهُ .
( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) حَاصِلُهُ مَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ بَلْ لَيْسُوا مُلْتَزِمِينَ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْهَا إلَّا مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ وَلِذَا لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ ، كَذَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَفِي بَعْضِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَحَارِمِ عَلَيْهِمْ وَلَا تَنَافِيَ ، فَمَحْمَلُ أَحَدِهِمَا مَنْ تَدَيَّنَ بِحُرْمَتِهِنَّ وَمَحْمَلُ الْآخَرِ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِحُرْمَتِهِنَّ كَالْمَجُوسِ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا وَلَمْ نُؤْمَرْ بِإِلْزَامِهِمْ بَلْ نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِمْ الْمَنَعَةُ الْحِسِّيَّةُ وَأُمِرْنَا بِهَدْمِهَا ، وَالْمَانِعُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَنَعَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَأُمِرْنَا بِتَقْرِيرِهَا .
بِخِلَافِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُقُودِهِمْ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ } رَوَى مَعْنَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ بِسَنَدِهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا وَسَاقَهُ ، وَفِيهِ : وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُمْ بَرِيئَةٌ } وَفِي مُصَنِّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ إلَى الشَّعْبِيِّ { كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى نَجْرَانَ وَهُمْ نَصَارَى أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا فَلَا ذِمَّةَ لَهُ } وَهُوَ مُرْسَلٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا .
وَإِذَا مُنِعْنَا مِنْ التَّعَرُّضِ

لَهُمْ فِيمَا يَدِينُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إلَّا الْمُسْتَثْنَى فَبَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ لَيْسَ شَرْطًا لِبَقَائِهِ .
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْمُعَامَلَاتِ إنْ تَمَّ الْمَطْلُوبُ لِزُفَرَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ لِذِمَّتِهِمْ لَا يَقْتَضِي سِوَى أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ مَا لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا أَوْ يُسَلِّمُوا ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِيَامِ لُزُومِ الْمَهْرِ شَرْعًا فِي ذِمَّتِهِمْ .
وَحَالَةُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَالْمَهْرُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا وَلَا حُكْمًا لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالتَّقَرُّرِ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلَ الْوُجُودِ لَمَّا ارْتَفَعَ مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ .
( قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ ) عَنْ الْمَهْرِ ( رِوَايَتَانِ ) بِخِلَافِ نَفْيِهِ صَرِيحًا ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالنَّفْيِ .
وَوَجْهُهُ مَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْبُضْعِ فِي حَقِّهِمْ كَتَمَلُّكِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ .
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النِّكَاحَ مُعَاوَضَةٌ ، فَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى نَفْيِ الْعِوَضِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَالْمَيْتَةُ كَالسُّكُوتِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا عِنْدَهُمْ فَذِكْرُهَا لَغْوٌ ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ

( فَإِنْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ ) وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَا بِأَعْيَانِهِمَا وَالْإِسْلَامُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا .
وَإِذَا الْتَحَقَتْ حَالَةُ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هَاهُنَا ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ ، إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ لِلْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ ، كَمَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ ، وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِيهِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِالْقَبْضِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ ، قَبْلَ الْإِسْلَامِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْخِنْزِيرِ دُونَ الْخَمْرِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، فَمَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ

الْمُتْعَةَ ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

.
( قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِأَعْيَانِهِمَا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ) قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْخَمْرُ أَوْ الْخِنْزِيرُ ( وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا ) وَأَسْلَمَا قَبْلَهُ ( فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَهَا الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ، وَلَمَّا اشْتَرَكَ قَوْلُهُمَا فِي عَدَمِ إيجَابِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا كَانَا بِأَعْيَانِهِمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي دَلِيلِهِ فَقَالَ ( وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمَقْبُوضِ ) الْمُعَيَّنِ ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ تَعَيَّبَ عَيْبًا فَاحِشًا يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ حَتَّى يَلْزَمَهُ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ وَيَتَّنَصَّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَتَنَصَّفُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ تَرَاضٍ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ فِي عِتْقِ الْجَارِيَةِ الْمَهْرَ ، وَكَذَا الزَّوَائِدُ تَتَنَصَّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا بَعْدَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ( فَيَكُونُ لَهُ شَبَهًا بِالْعَقْدِ ) لِثُبُوتِ أَثَرِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْمِلْكِ فَيَمْتَنِعُ الْقَبْضُ بِالْإِسْلَامِ كَمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ التَّمْلِيكِ بِالْعَقْدِ إلْحَاقًا لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ بِحَقِيقَتِهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَلَيْسَ يُرِيدُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْعَقْدُ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا لَا يَمْتَنِعُ بَلْ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ ( وَإِذَا الْتَحَقَتْ حَالَةُ الْقَبْضِ بِحَالَةِ الْعَقْدِ ) فَامْتَنَعَ فَقَدْ افْتَرَقَا ( فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ ) فَعَقَدَا عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (

يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ) فَكَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْقَبْضِ ( وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ بِالْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ ) تَجِبُ الْقِيمَةُ لِامْتِنَاعِ إعْطَاءِ مِثْلِ الْخَمْرِ .
( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ ) قَبْلَ الْقَبْضِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ ؛ فَقَبْضُهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِمِلْكِهِ وَلَا لَمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَيْسَ مُؤَكِّدًا بَلْ نَاقِلًا لِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ مِنْ الزَّوْجِ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الْهَلَاكِ ( وَذَلِكَ ) أَيْ انْتِقَالُ الضَّمَانِ ( لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ ) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ صُورَةُ الْيَدِ وَصُورَتُهَا لَا تَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَالْمُسْلِمِ إذَا تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ وَالذِّمِّيُّ إذَا غُصِبَ مِنْهُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْغَاصِبِ ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقْبِضُ الْخَمْرَ فَيُخَلِّلُهُ أَوْ يُرِيقُهُ وَالْخِنْزِيرَ فَيُسَيِّبُهُ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُكُمْ مِنْ كَوْنِ الْقَبْضِ مُؤَكِّدًا غَيْرَ هَذَا مَنَعْنَا كَوْنَهُ مُؤَكِّدًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مُؤَكِّدًا وَمَنَعْنَا مُنَافَاةَ الْإِسْلَامِ إيَّاهُ .
وَفِي الْأَسْرَارِ : وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا بِخَمْرٍ وَقَبَضَ الْخَمْرَ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ وَاهٍ لِجَوَازِ أَنْ يُمْلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ ، وَبِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ ، وَهَذَا التَّسْلِيمُ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَأَكُّدُ الْمِلْكِ فِي الْخَمْرِ ، وَلَوْ اشْتَرَى خَمْرًا وَقَبَضَهَا وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ خِيَارُ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ فِي سُقُوطِ تَأَكُّدِ مِلْكِ الْخَمْرِ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ تَأَكُّدَ

الْمِلْكِ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ : أَيْ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا نَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لَا يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ ، وَالْقَبْضُ فِيهِ هُوَ الْمُفِيدُ لِمِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ ، فَلِذَا لَوْ بَاعَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَوْ اشْتَرَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِامْتِنَاعِ إفَادَةِ مِلْكٍ فِيهِمَا مَعَ الْإِسْلَامِ ، وَخَصَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ بِالْإِجْمَاعِ .
وَظَنَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ضَمَانُ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي نَاقِلٌ لِضَمَانِ الْمِلْكِ وَضَمَانُ الْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَيْسَ ضَمَانَ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهَا يُنَافِي قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَهُوَ غَلَطٌ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ ، فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَحَدٍ شَيْئًا بَلْ يَسْقُطُ الثَّمَنُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَهْلِكُ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ .
وَأَمَّا هَلَاكُ الْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ هَلَاكُ مِلْكِهِ بَلْ هَلَاكُ مِلْكِهَا فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ كَهَلَاكِ الْمَغْصُوبِ ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهَا بِأَنْ قَالَ : وَلِهَذَا وَجَبَ لَهَا الْقِيمَةُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ) فَفِي الْمُعَيَّنِ لَهَا نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَفِي الْخِنْزِيرِ الْمُتْعَةُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ فَتَتَنَصَّفُ .
وَعِنْدَ

أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ لَهَا الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ( لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا ) وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ } وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمَا فَلَا يَمْلِكَانِهِ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا

( بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ) الرَّقِيقُ : الْعَبْدُ ، وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْأَرِقَّاءِ وَالْإِسْلَامُ فِيهِمْ غَالِبٌ ، فَلِذَا قَدَّمَ بَابَ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ الْأَرِقَّاءِ ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ .
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَهْرِ مِنْ تَوَابِعِ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَهْرُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأَرْدَفَهُ تَتِمَّةً لَهُ .
( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) أَيْ لَا يَنْفُذُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَمَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ وَلَيْسَ مَذْهَبُهُ .
وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ وَجْهِهِ الْمَذْكُورِ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ شَرْعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ رَفْعَ شَيْءٍ مَلَكَ وَضْعَهُ وَتُمْنَعُ بِمِلْكِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّفْسِ وَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ شَرْعًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَا مَلَكَ التَّطَبُّبَ وَلَمْ يَمْلِكْ أَكْلَ السُّمِّ وَإِدْخَالَ الْمُؤْذِي عَلَى الْبَدَنِ .
وَالْأَوْجَهُ بَيَانُهَا بِأَنْ مِلْكَهُ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ .
وَيُجَابُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَالْعَاهِرُ الزَّانِي .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ } ( وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا ) أَمَّا فِي الْعَبْدِ فَتَشْتَغِلُ مَالِيَّتُهُ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُ .
وَبِهَذَا

يُجَابُ عَنْ الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ ، فَالطَّلَاقُ إزَالَةُ عَيْبٍ عَنْ نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ .
لَا يُقَالُ : يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ مَعَ أَنَّ فِيهِ إهْلَاكَهُ فَضْلًا عَنْ تَعْيِيبِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : هُوَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مِلْكِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ أَمْرًا وَنَهْيًا كَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَالصَّوْمِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِيمَا عُلِمَ إسْقَاطُ الشَّارِعِ إيَّاهُ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ .
ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْكَامُ تَجِبُ جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ شَرْعًا فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ الشَّارِعُ زَجْرًا عَنْ الْفَسَادِ وَأَعَاظِمِ الْعُيُوبِ

( وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْكَسْبِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ .
وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا ( وَ ) كَذَا ( الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا قَائِمٌ .

( وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ( لِأَنَّ الْكِتَابَةَ ) إنَّمَا ( أَوْجَبَتْ فَكَّ الْحَجْرِ ) فِي التَّصَرُّفِ الِاكْتِسَابِيِّ فَيَبْقَى فِيمَا سِوَاهُ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ ( وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ ) بِتَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِلْمَوْلَى وَالْوَلَدِ الْعَبْدِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ مِلْكَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيِّ .
وَلِلشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ لَا الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ تَنْقِيصٌ لِلْمَالِيَّةِ ، وَأَمَّا شَرِيكُ الْعِنَانِ وَالْمُضَارِبُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَمْلِكُونَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا لِمَا نَذْكُرُهُ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا ) مِنْ بَقَاءِ ذَاتِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الرَّدِّ وَالِاكْتِسَابِ الَّذِي أَوْجَبَتْ الْكِتَابَةُ إطْلَاقَهُ لَهُ مَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي ذَاتِهِ الْمَمْلُوكَةِ ، وَالِاكْتِسَابُ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَمَلُّكِ جُزْءٍ مِنْهَا لِغَيْرِ السَّيِّدِ ، إذْ بَدَلُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فِي حُكْمِ بَدَلِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْأَرْشِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لَا يَزُولُ مِلْكُهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ اسْتِمْرَارِ فَكِّ الْحَجْرِ فِيهَا وَإِفْضَائِهَا إلَى زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِجَوَازِ التَّعْجِيزِ وَالرَّدِّ إلَى الرِّقِّ فَتَرُدُّ مَمْلُوكَةُ الْبُضْعِ لِلْغَيْرِ مُمْتَنِعٌ عَلَى السَّيِّدِ وَلَمْ يُشْرَعْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى السَّيِّدِ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ ) وَالْمُدَبَّرَةُ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَكَذَا ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ : يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ

بِوَلَدٍ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أُمِّهِ فَالرِّقُّ فِيهِ قَائِمٌ فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ .
[ فَرْعٌ مُهِمٌّ لِلتُّجَّارِ ] رُبَّمَا يَدْفَعُ لِعَبْدِهِ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى أَصْلًا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِلْكُ يَمِينٍ فَانْحَصَرَ حِلُّ وَطْئِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ

( وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ ) لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِصُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلْمَضَرَّةِ عَنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ كَمَا فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ .

قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَدَخَلَ بِهَا .
ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ .
وَقَوْلُهُ يُبَاعُ فِيهِ : إنْ لَمْ يَفْدِهِ الْمَوْلَى .
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ وَكُلُّ دَيْنٍ كَذَلِكَ يُبَاعُ فِيهِ .
أَمَّا وُجُوبُهُ فَلِلْمُقْتَضِي وَهُوَ وُجُودُ السَّبَبِ مِنْ أَهْلِهِ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لِلْإِذْنِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَلِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ : يَعْنِي النِّسَاءَ فَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا يُبَاعُ فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، وَثُبُوتُهُ فِيهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاشَرَ إتْلَافًا وَنَحْوَهُ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ فَحِينَ أَذِنَ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّهِ ثُمَّ الْعَبْدُ نَفْسُهُ مَالٌ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَضُوا مِنْ نَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِذْنُ دَفَعَ الْمَانِعَ مِنْ الِاقْتِضَاءِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ فَدَاهُ الْمَوْلَى حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَالْمُقْتَضِي لِذَلِكَ دَفْعُ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ .
وَإِذَا بِيعَ فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِالْمَهْرِ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَفِي دَيْنِ النَّفَقَةِ يُبَاعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا .
وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ ، ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ .
وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ لَهَا وَلَا السَّيِّدُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ ثُمَّ يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ .
وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ : لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ فِي مَالِيَّتِهِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى

( وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَسْعَيَانِ فِي الْمَهْرِ وَلَا يُبَاعَانِ فِيهِ ) لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ فَيُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِمَا لَا مِنْ نَفْسِهِمَا .
.
( قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ يَسْعَيَانِ ) إذَا أَذِنَ لَهُمَا الْمَوْلَى فَتَزَوَّجَا ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ عَنْهُمَا يَسْعَيَانِ ( لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ) وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِمَا لَا مِنْ نَفْسِهِمَا إلَّا إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ

( وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارْقِهَا فَلَيْسَ هَذَا بِإِجَازَةٍ ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ أَوْ هُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى ( وَإِنْ قَالَ : طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَمْلِكْ الرَّجْعَةَ فَهُوَ إجَازَةٌ ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَازَةُ .

.
( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ طَلِّقْهَا أَوْ فَارْقِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ ) تَزْوِيجُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِلَا إذْنٍ عَقْدُ فُضُولِيٍّ فِي الْجُمْلَةِ فَيَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى ، وَإِذْنُهُ يَثْبُتُ تَارَةً صَرِيحًا وَطَوْرًا دَلَالَةً ، فَالصَّرِيحُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَضِيت أَوْ أَجَزْت أَوْ أَذِنْت ، وَالدَّلَالَةُ أَنْ يَسُوقَ إلَيْهَا الْمَهْرَ أَوْ بَعْضَهُ ، وَسُكُوتُهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَثَمَّ أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا وَأَلْفَاظٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا ؛ فَمِثْلُ قَوْلِهِ هَذَا حَسَنٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ نِعْمَ مَا صَنَعْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهَا أَوْ أَحْسَنْت أَوْ أَصَبْت أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا اُخْتُلِفَ فِيهَا .
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا إجَازَةً .
وَاخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إجَازَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا لَا شَكَّ أَنَّ مُقْتَضَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فِيهَا الْإِجَازَةُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الصَّحِيحَ فَرْعُ وُجُودِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، لَكِنْ قَدْ صُرِفَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَالِ الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ افْتِيَاتَ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ تَمَرُّدٌ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ تَعْيِيبِهِ عَلَيْهِ يَسْتَوْجِبُ بِهِ زَجْرَهُ وَبِهِ فَارَقَ الْفُضُولِيَّ الْمَحْضَ فَإِنَّهُ مُعِينٌ وَالْإِعَانَةُ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ وَعَدَمِ إلْغَائِهِ ، وَلِذَا لَوْ قَالَ لِلْفُضُولِيِّ طَلِّقْهَا كَانَ إجَازَةً عَلَى مَا هُوَ الْأَوْجَهُ ، وَإِنْ قُلْنَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِذَا كَانَ حَالُ الْعَبْدِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَفْظُ السَّيِّدِ لَهُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِمَا صَنَعَ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالْإِجَازَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا كَانَ بِمُلَاحَظَةِ حَالِ الْعَبْدِ ظَاهِرًا فِي قَصْدِ الرَّدِّ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَصْدَ الْإِجَارَةِ لِظَاهِرٍ يَقْتَرِنُ بِهِ أَوْ نَصٍّ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78