كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

( وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك قَالَتْ : أَبَنْت نَفْسِي طَلَقْت ) وَلَوْ قَالَتْ : قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَبَنْتُك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ : أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ : قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الزَّائِدُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ ، كَمَا إذَا قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ، لَوْ قَالَتْ ابْتِدَاءً : اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ : قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ طَلَاقًا بِالْإِجْمَاعِ إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ ، وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَنْجِيزٍ فَيَلْغُو .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْإِبَانَةُ تَغَايُرُ الطَّلَاقَ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ : أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ ) أَيْ رَجْعِيًّا ، وَلَوْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ .
وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ صِحَّةِ الْجَوَابِ بِأَبَنْتُ وَعَدَمِهِ بِاخْتَرْت أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ ، وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا ، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ : أَبَنْت نَفْسِي تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ ، وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيمَا إذَا جُعِلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ ، غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ وَصْفَ تَعْجِيلِ الْبَيْنُونَةِ فِيهِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ .
لَا يُقَالُ : قَدْ صَحَّ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ .
لِأَنَّا نَقُولُ : الْأَمْرُ بِالْيَدِ هُوَ التَّخْيِيرُ مَعْنًى فَيَثْبُتُ جَوَابًا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّخْيِيرِ .
وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّك مُخَيَّرَةٌ فِي أَمْرِك الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ بَيْنَ إيقَاعِهِ وَعَدَمِهِ ، فَحَيْثُ جُعِلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ بِمُرَادِفِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مُلْغًى ، بِخِلَافِ طَلِّقِي لِأَنَّهُ وَضْعًا طَلَبُ الطَّلَاقِ لَا التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ ، ثُمَّ إذَا أَجَابَتْ بِاخْتَرْت نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِجَوَابِهَا بِأَبَنْتُ نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا ، لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَمَا يَخْرُجُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ تَطْلِيقَةً أَوْ قَالَ : ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا لَا

يَقَعُ شَيْءٌ .
الْجَوَابُ أَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ ، فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرَهُ ، إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُرَافَقَةِ : أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعَ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى ، فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعَ بِالْبَائِنِ ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى

( وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ ، وَلَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا : طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ ) وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْهَا أَوْ قَوْلُ أَجْنَبِيٍّ لَهَا طَلِّقِي فُلَانَةَ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ فِيهِ لِغَيْرِهَا ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِقَوْلِ الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامِلٌ لِغَيْرِهِ بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا ، وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ ، فَلَوْ لَزِمَ فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ، وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ ، وَإِنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ وَالْوِلَايَاتِ ، فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ .
وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ .

( وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت .
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ) وَكَذَا إذَا شِئْت وَإِذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعُمُومِ .
وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي " إذْ " أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ " إنْ " فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا ، وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ ، وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ .
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .

( وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ : طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ ، فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا ( وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً ) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ : بِعْهُ إنْ شِئْت .
وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ ، وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ : طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ ) أَيْ لِلْقَائِلِ ( أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَلْزَمُ ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَقْتَصِرَ ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا ( وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ .
وَقَالَ زُفَرُ : هَذَا وَالْأَوَّلُ ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا ذِكْرِ مَشِيئَةٍ ( سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ ) وَكِيلًا كَانَ أَوْ مَالِكًا ( يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ ) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ : بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شِئْت لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ .
أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ لَفْظًا صَارَ مُوجِبُ اللَّفْظِ التَّمْلِيكَ لَا التَّوْكِيلَ ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعْتَبِرٍ ذَلِكَ امْتِثَالًا ، فَإِذَا صَرَّحَ لَهُ الْمَالِكُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَ التَّمْلِيكِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَيَلْغُو وَصْفُ التَّمْلِيكِ وَيَبْقَى الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَى مُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
قِيلَ : فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ، وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَهَذَا غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ بِعْ فَكَيْفَ

يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلَّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ .
وَإِلَى هُنَا تَمَّ مِنْ الْمُصَنِّفِ إنَاطَةُ وَصْفِ التَّمْلِيكِ مَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ الرَّأْيُ وَالْمَشِيئَةُ وَاحِدًا ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالرَّأْيِ الْعَمَلُ بِمَا يَرَاهُ أَصْوَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مَفْهُومِهِ كَوْنُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَالْعَمَلُ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ لِغَيْرِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ أَيْ بِاخْتِيَارِهِ ابْتِدَاءً بِلَا اعْتِبَارِهِ عَلَى مُطَابَقَةِ أَمْرِ آمِرٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَصْوَبِيَّةِ فِي مُتَعَلِّقِهَا بَلْ هِيَ وَالْإِرَادَةُ يُخَصَّصَانِ الشَّيْءَ بِوَقْتِ وُجُودِهِ ، وَالْأَوَّلُ نَقَضْنَاهُ بِالْوَكَالَةِ ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْعَامِلَ بِرَأْيِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ عَلَى رَأْيِهِ مَا يُقَيِّدُهُ فِي فِعْلٍ وَلَا تَرْكٍ ، وَالْوَكِيلُ وَإِنْ كَانَ بِوَكَالَةٍ عَامَّةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَهُ مَا يَغْلِبُهُ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهُوَ لُزُومُ خُلْفِ الْوَعْدِ الثَّابِتِ ضِمْنَ رِضَاهُ بِالتَّوْكِيلِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فَرَضِيَ كَانَ وَاعِدًا بِفِعْلِ مَا اسْتَعَانَ بِهِ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أَخْلَفَ الْوَعْدَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا لَا تُعَدُّ مُخْلِفَةً بِتَرْكِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَقْسِرْهَا عَلَيْهِ قَاسِرٌ شَرْعِيٌّ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ عَامِلًا بِرَأْيِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا ، وَالثَّانِي بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ ، وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَابِهِ مِنْ النَّظَرِ ، وَلَوْ تَمَّ انْتَقَضَ بِالتَّفْوِيضِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ قَطْعًا لَيْسَ بِتَطْلِيقِ زَوْجَةِ غَيْرِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، وَالثَّالِثُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِمَا .

( وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً ( وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : تَقَعُ وَاحِدَةٌ ) لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدِئَةً ، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمِعٍ وَالْوَاحِدَةُ فَرْدٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُغَايِرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ ، أَمَّا هَاهُنَا لَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ وَمَا أَتَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَلَغَتْ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ ) كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةً فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا ) وَكَقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَك وَطَلَّقْت نَفْسِي وَضَرَّتِي ، وَقَوْلُ الْعَبْدِ فِي جَوَابِ اعْتِقْ نَفْسَك أَعْتَقْت نَفْسِي وَفُلَانًا حَيْثُ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي الْأُولَى وَرَجْعِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَتَطْلُقُ هِيَ وَيَعْتِقُ هُوَ دُونَ مَنْ قَرَنَاهُ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مُبْتَدِئَةً ) فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا بَعْدَ الْأُولَى مِنْ الصُّوَرِ لِامْتِثَالِهَا بَدْءًا ، ثُمَّ الْمُخَالَفَةُ بِمَا بَعْدَهُ فَلَا تُعْتَبَرُ .
وَوَجْهُهَا فِي أَبَنْت نَفْسِي أَنَّ مَعْنَاهُ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنًا وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ .
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ جَوَابٌ عَنْ الْأَوَّلِ : أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ مِلْكِهِ الثَّلَاثَ ، وَكَمَا إذَا صَرَّحَ بِمَا الثَّلَاثُ فِي ضِمْنِهِ فَيَثْبُتُ الْقَدْرُ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَيَلْغُو مَا سِوَاهُ ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا مَلَّكْتُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ( أَمَّا هُنَا فَلَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَلَمْ تَأْتِ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ بِاعْتِبَارِهَا مَالِكَةً وَلَا بِاعْتِبَارِهَا مُتَصَرِّفَةً عَنْ الْآمِرِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ ، وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ ، بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ ضِدِّهِ ، وَهَذَا

مَعْنَى قَوْلِهِ الثَّلَاثُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمَعُ الْوُحْدَانِ وَالْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ .
أَمَّا هُنَا فَلَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ لَا يَسْتَعْقِبُ إيرَادًا .
وَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ : يَعْنِي فَلَمْ تَكُنْ بِإِيقَاعِهَا مُوَافَقَةً لِمَا مَلَّكَهَا .
فَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَنْهَا وَلَا غَيْرِهَا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الطَّلَاقِ ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِلْمُتَكَلِّمِينَ كَمَا أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ مَا لَيْسَ عَيْنًا فَهُوَ غَيْرٌ ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ وَضْعِ الِاصْطِلَاحِ أَصْلًا بَلْ عَدَمُ وَضْعِ لَفْظَةِ غَيْرٍ لُغَةً لَمْ يَتَوَقَّفْ إثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ ، إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَوَّضَ إلَيْهَا الثَّلَاثَ وَالْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ إيَّاهَا فَلَا تَكُونُ مُفَوَّضَةً إلَيْهَا فَإِيرَادُ مِثْلِهِ إلْزَامٌ بِمُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ بَعْدَ الْتِزَامِهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ عَمَّا لَيْسَ إيَّاهُ بِلَفْظِ غَيْرٍ مَجَازًا .

( وَإِنْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَطَلَّقَتْ بَائِنَةً ، أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقَتْ رَجْعِيَّةً وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَتَقُولُ : طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قَوْلَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَغْوٌ مِنْهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ( وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ بِمَشِيئَةٍ لِلْوَاحِدَةِ كَإِيقَاعِهَا ( وَقَالَا : تَقَعُ وَاحِدَةٌ ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ ، كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَطَلَّقَتْ بَائِنًا أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقْت رَجْعِيًّا وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَتَقُولُ : طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً تَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قَوْلَهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ ) لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ ، فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ ، فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ ، وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُفَوَّضِ .
وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ ، بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ ، كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا ، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَبَنْت عَلَى مُخَالَفَةِ الْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إلَخْ ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا ، فَلَوْ أَنَّهُ زَادَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَكَانَ تَفْوِيضُ الثَّلَاثِ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا

لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا ، فَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَالْخِلَافُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ، وَهُمَا يَقُولَانِ : مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ

( وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ : شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ الزَّوْجُ : شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ لِيَصِيرَ الزَّوْجُ شَائِيًا طَلَاقَهَا ، وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حَتَّى لَوْ قَالَ : شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ .
( وَكَذَا إذَا قَالَتْ شِئْتُ إنْ شَاءَ أَبِي أَوْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مَشِيئَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الْأَمْرُ ( وَإِنْ قَالَتْ : قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى طَلُقَتْ ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ : شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ : شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ ) مِنْهَا ( وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَمَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ هُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّجُلِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ وَلَا فِي كَلَامِهَا ) لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْتَ لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ شِئْتُ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا بَلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِنِي .
( حَتَّى لَوْ قَالَ : شِئْت طَلَاقَك يَنْوِيهِ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ ) لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ ) بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ فِي صِفَةِ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَانِ ، وَفِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَرَادِفَانِ كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ : أَيْ لَا يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ ، لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصِّيَّةُ الْقُدْرَةِ ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصِّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ بِالْوَقْتِ وَالْكَيْفِيَّةِ ، ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ ، وَعَنْ هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ شَاءَ اللَّهُ ، بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ

لَا يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ .
وَلَوْ قِيلَ : التَّخْصِيصُ بِالْوَقْتِ الْإِرَادَةُ يَكُونُ عَنْ طَلَبِهِ وَيَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ .
نَعَمْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَبَيْنِ أَنَّهُ فِي الْكَلَامِ طَلَبٌ تَكْلِيفِيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِهِ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ كَوْنُ الطَّلَبِ الْكَلَامِيِّ تَكْلِيفًا دَائِمًا كَمَا فِي الطَّلَبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِكُنْ .
وَلَوْ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ الطَّلَبَ خَارِجٌ عَنْهَا لَزِمَ كَوْنُهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ، وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ فَرْقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ رِوَايَةً عَنْهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
بَقِيَ الشَّأْنُ فِي كَوْنِ الْمَشِيئَةِ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ لِلِاشْتِقَاقِ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الشَّيْءَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي مَفْهُومِهِ الْوُجُودَ اصْطِلَاحٌ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ ، فَإِنَّهُ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ ، وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ نُسِبَتْ إلَى مَا لَا يَعْقِلُ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ ، كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا عَقْلِيًّا أَوْ مَجَازًا لُغَوِيًّا فِي لَفْظِ الْإِرَادَةِ ، عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ نِسْبَةُ الْمَشِيئَةِ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ .
أَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي إصْلَاحِ الْمَنْطِقِ : يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارٍ عَقْرَا إذَا أَتَى قَرَّبْتُهُ لِمَا يَشَا مِنْ الشَّعِيرِ وَالْحَشِيشِ وَالْمَا وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ قَصْرِ الْمَمْدُودِ ، فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِيهِ : يَعْنِي بِكَوْنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ أَنَّهُ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْكَائِنُ مَصْدَرًا لِشَاءَ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : شَاءَ شَيْئًا عَلَى إرَادَةِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ .
وَلِمَا كَانَ الْوُجُودُ عَلَى هَذَا

مُحْتَمِلَ اللَّفْظِ لَا مُوجِبَهُ احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ فَلَزِمَ الْوُجُودُ فِيهَا ، فَإِذَا قَالَ : شِئْت كَذَا فِي التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ فَمَعْنَاهُ أَوْجَدْتُهُ عَنْ اخْتِيَارٍ ، بِخِلَافِ أَرَدْت كَذَا مُجَرَّدًا يُفِيدُ عُرْفًا عَدَمَ الْوُجُودِ ، وَأَحْبَبْت طَلَاقَك وَرَضِيتُهُ مِثْلُ أَرَدْتُهُ ، وَلَوْ قَالَ : شَائِي طَلَاقَك نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَقَالَتْ : شِئْت وَقَعَ ، وَلَوْ قَالَ أَرِيدِيهِ أَوْ اهْوَيْهِ أَوْ أَحِبِّيهِ أَوْ ارْضَيْهِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُهُ أَحْبَبْتُهُ هَوَيْتُهُ رَضِيتُهُ لَا يَقَعُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إنْ أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت إلَى آخِرِهَا فَقَالَتْ : أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهَا فَإِذَا قَالَتْ : أَحْبَبْت وَقَعَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ : قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى ) كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ ، أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ .
قِيلَ : يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنْ يَكْفُرَ وَهُوَ مُنْتَفٍ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ ، وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يَكْفُرَ فَلْيَكْفُرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ .
قُلْنَا : النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ

حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً .

( وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ) أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهُمَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا ، كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ ، وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ ، وَأُمًّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهُمَا وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ أَوْ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ ) بِأَنْ قَالَتْ : لَا أَشَاءُ لَا يَكُونُ رَدًّا وَلَهَا أَنْ تَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى فَإِنَّهَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا فِي الْحَالِ شَيْئًا بَلْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتِ مَشِيئَتِهَا فَلَا يَكُونُ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ .
وَقَدْ يُقَالُ : لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا ، فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنْ الْوَاقِعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ ، ثُمَّ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ بِخِلَافِ كُلَّمَا ( قَوْلُهُ وَأَمَّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ كَمَتَى عِنْدَهُمَا ) فَمَا كَانَ حُكْمًا لِمَتَى يَكُونُ حُكْمًا لِإِذَا ( وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَتْ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ ) الْمُجَرَّدِ عَنْ مَعْنَى الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ ( لَكِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ ) أَيْضًا مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَقْرُونًا بِهِ ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَحَقَّقَ فِيهِ ثُبُوتُ حُكْمٍ لَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِالشَّكِّ ، فَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَدَمُ الطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْمَوْتِ ، وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت صَارَ

الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الشَّرْطُ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا .
نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ : أَرَدْت مُجَرَّدَ الشَّرْطِ لَنَا أَنْ نَقُولَ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَحْلِفُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَقَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ : يَعْنِي فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ .
هَذَا وَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِهِ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهِمَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا وَأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى زَمَانِهِ ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ : شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ فِي الْمُرَادِ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى ، وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ .
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فَاَلَّذِي دَخَلَ فِي مِلْكِهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ .

( وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ ( حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَحْدَثٌ ( وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ) لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا ( وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا ) لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا .

وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي قَوْلِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ ) مَعْنَاهُ تُطَلِّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجُوزُ بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ : شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي قَوْلِهِ : طَلِّقِي نَفْسَك كُلَّمَا شِئْت ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ إلَخْ ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ مُوجِبَ كُلَّمَا تَكْرَارُ الْأَفْعَالِ أَبَدًا ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ أَنْ تَمْلِكَ طَلَاقَهَا أَيْضًا وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ .
أَجَابَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكِنْ التَّفْوِيضُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ لَا إلَى عَدَمِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمِلْكِ الْمَعْدُومِ ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَيْهِ انْصَرَفَ إلَى عَدَمِ الْمِلْكِ ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ لَزِمَ أَنَّ بِاسْتِغْرَاقِهِ تَكْرَارًا يَنْتَهِي بِهِ التَّفْوِيضُ ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الثَّلَاثُ ، فَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ مَلَكَتْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنَّمَا تَمْلِكُ ثِنْتَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومِ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جَمْعًا ، وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ ، فَلَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَهُمَا وَاحِدَةً .
وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْتِ أَوْ أَيْنَ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْمَكَانِ

وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَغَا الْمَكَانُ صَارَ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت ، وَبِهِ يَقَعُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُجْعَلُ الظَّرْفُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِهِ كَمَتَى ، وَإِذَا أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى إنْ أَوْلَى لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَصَرْفٌ لِشَرْطٍ وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ .
وَاعْتَرَضَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَنَارِ بِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى انْتَهَى .
فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الزَّمَانَ كَمَتَى حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَيْسَ مَعْنًى لِحَيْثُ وَأَيْنَ بَلْ مَعْنَاهُمَا الْمَكَانُ ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ مُطْلَقًا فَلَيْسَ مَعْنَاهُمَا أَصْلًا ، بَلْ اسْمُ الظَّرْفِ اصْطِلَاحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهٍ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِالْأَوْعِيَةِ لِلْأَمْتِعَةِ وَهِيَ الظُّرُوفُ لُغَةً ( قَوْلُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا ) كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ( وَخُصُوصًا ) فِي أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا .

( وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ ، فَإِنْ قَالَتْ : قَدْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ نَوَيْت فَهُوَ كَمَا قَالَ ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ ، أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ عَلَى الْقَلْبِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَا تَصَرُّفَهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِيمَا قَالُوا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ مَا لَمْ تُوقِعْ الْمَرْأَةُ فَتَشَاءُ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَتَاقُ لَهُمَا أَنَّهُ فَوَّضَ التَّطْلِيقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا لِتَكُونَ لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ : أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ ، يُقَالُ كَيْفَ أَصْبَحْت وَالتَّفْوِيضُ فِي وَصْفِهِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ أَصْلِهِ وَوُجُودَ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ ) إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ، وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّتِهَا بِعَدَمِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا طَلُقَتْ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ شَاءَتْ أَوْ لَا ، ثُمَّ إنْ قَالَتْ : شِئْت بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ تَصِيرُ كَذَلِكَ لِلْمُطَابَقَةِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَتْ مَشِيئَتُهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْ الزَّوْجَ نِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا ، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنَةً وَلَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ .
أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّ كَيْفَ لِلْحَالِ ، وَالزَّوْجُ لَوْ أَوْقَعَ رَجْعِيًّا يَمْلِكُ جَعْلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَكَذَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ هَذَا التَّفْوِيضِ تَمْلِكُ جَعْلَ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ تَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضُ أَصْلِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيَّةِ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت ) يَقَعُ لِلْحَالِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَشِيئَةِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الطَّلَاقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهَا عِنْدَهُ بَلْ بِصِفَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ مَعًا بِمَشِيئَتِهَا .
وَمَا قِيلَ : إنَّ الْعِتْقَ لَا كَيْفِيَّةَ لَهُ لِيَتَعَلَّقَ فَيَقَعُ أَلْبَتَّةَ يُوهِمُ عَدَمَ الْخِلَافِ أَوْ تَرْجِيحَ الْعِتْقِ بِذَلِكَ لَكِنَّ الثَّابِتَ

مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ وَعَدَمُ كَيْفِيَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أَصْلِ الْعِتْقِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ كَيْفِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا وَمُنَجَّزًا عَلَى مَالٍ وَبِدُونِهِ عَلَى وَجْهِ التَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي مِنْ الزَّمَانِ وَمُقَيَّدًا بِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ بِمَشِيئَتِهَا حَتَّى وَقَعَ دُونَهَا وَقَعَ مَوْصُوفًا أَلْبَتَّةَ ضَرُورَةَ عَدَمِ انْفِكَاكِ الذَّاتِ عَنْ الْوَصْفِ فَقَدْ ثَبَتَ وَصْفٌ لَا بِمَشِيئَتِهَا ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ وَصْفٍ بِمَشِيئَتِهَا هَذَا خُلْفًا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : حَقِيقَةُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَنْجِيزٌ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ جَاعِلًا صِفَتَهُ عَلَى مَشِيئَتِهَا ، وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ أَصْلِهِ وَصْفُ الرَّجْعَةِ فَكَانَ فِي نَفْسِ كَلَامِهِ هَذَا مُخَصِّصًا بَعْضَ الْأَوْصَافِ مِنْ عُمُومِهَا .
بَقِيَ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى ؟ تَخْصِيصُ الْعَامِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ الَّتِي هِيَ تَنْجِيزُ أَصْلِ الطَّلَاقِ أَوْ اعْتِبَارُ أَصْلِهِ مُعَلَّقًا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُمُومِ ؟ وَالنَّظَرُ فِي تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَغْلِبُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُنَجَّزِ مُعَلَّقًا لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ .
وَأَمَّا مَا رَجَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ بِتَقْدِيرِ قَوْلِهِمَا يَبْطُلُ الِاسْتِيصَافُ وَالْكَلَامُ يُحْمَلُ عَلَى التَّخْصِيصِ دُونَ التَّعْطِيلِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ كَيْفَ فِي التَّرْكِيبِ لِلِاسْتِيصَافِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِخْبَارِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ أَصْلًا ، بَلْ تَرْكِيبُ كَيْفَ شِئْت مَجَازٌ عَنْ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ شِئْتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أَيْ يَنْظُرُونَ إلَى كَيْفِيَّةِ خَلْقِهَا .
فَإِنْ قُلْت : فَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ كَيْفَ شَرْطًا وَهُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَيْهَا فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ تَعْلِيقَ أَصْلِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ .
فَالْجَوَابُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ شَرْطِيَّتِهَا

اتِّفَاقُ فِعْلَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَفْظًا وَمَعْنَى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعْ أَصْنَعْ .
وَمَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِمَا أَنَّ غَيْرَ الْمَحْسُوسِ حَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا بِالْآخَرِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ بِالْجِسْمِ فَلَزِمَ مِنْهُ كَوْنُ الطَّلَاقِ لَيْسَ مَوْجُودًا بِدُونِ الْكَيْفِيَّةِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَكَيْفِيَّتِهِ سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ ، فَإِذَا تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِمَشِيئَتِهَا تَعَلَّقَ الْآخَرُ ، فَحَاصِلُهُ ذِكْرٌ مَبْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَرُورِيَّةِ تَعَلُّقِ الْأَصْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ الْمَبْنَى لَيْسَ إلَّا التَّلَازُمُ فَمَا يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ ، وَلَا دَخْلَ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فِي ذَلِكَ فَالتَّقْرِيرُ مَا قَرَّرْنَاهُ .

( وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ ( فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ ، وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا ) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ خِطَابٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ ) وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، وَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ كَيْفَ شِئْت عَلَى قَوْلِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا الْعَدَدَ إذْ ذُكِرَ فَصَارَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْوَاقِعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ .
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا كَمَا لَا يُبَاحُ لِلزَّوْجِ لَكِنْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ .
وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ .
قَالَ : لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِهِمَا أَوْ ثِنْتَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدهَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَعَ الزَّوْجُ ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مَا لَمْ تَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى مَشِيئَةِ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةِ الْإِبَاحَةِ ، ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ .
وَأَوْرَدَ أَنَّ كَلِمَةَ مَا كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَدَدِ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ نَحْوُ مَا دَامَ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَفْوِيضِ الْعَدَدِ فَلَا يَثْبُتُ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ أَعْمَلْنَاهَا بِمَعْنَى لِوَقْتٍ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ أَعْمَلْنَاهَا بِمَعْنَى الْعَدَدِ يَبْطُلُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ بِالشَّكِّ فَتَعَارَضَا ، وَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُهَا لِلْعَدَدِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ

عَلَى الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِمَعْنَى الْعَدَدِ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ حَالَةَ وَصْلِهَا بِدَامَ ثُمَّ ( إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ ) بِأَنْ قَالَتْ : لَا أُطَلِّقُ ( كَانَ رَدًّا ) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِهِ بِكُلَّمَا .
وَقَوْلُهُ ( خِطَابٌ فِي الْحَالِ ) احْتِرَازٌ عَنْ إذَا وَمَتَى : يَعْنِي هَذَا تَمْلِيكٌ مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْحَالِ

( وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تُطَلِّقَ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : تُطَلِّقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَكَلِمَةَ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِتَمْيِيزٍ فَحُمِلَ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ ، كَمَا إذَا قَالَ : كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت أَوْ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ لِلتَّبْعِيضِ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَعُمِلَ بِهِمَا ، وَفِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ تَرْكُ التَّبْعِيضِ بِدَلَالَةِ إظْهَارِ السَّمَاحَةِ أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ ، حَتَّى لَوْ قَالَ : مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ ) بِالِاتِّفَاقِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلَاثِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثًا ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ .
وَتَطْلُقُ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَتْ ( لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي الْعُمُومِ وَكَلِمَةُ مِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ ) أَيْ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } وَغَيْرُهُ صِلَةٌ { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ } وَتَبْعِيضًا نَحْوُ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ ( فَيُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ ) مُحَافَظَةً عَلَى عُمُومِ مَا : أَيْ بَيَانُ الْجِنْسِ ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ حُمِلَتْ عَلَى التَّبْعِيضِ : يَعْنِي فَيَكُونُ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّلَاثُ مِنْ الطَّلَاقِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الطَّلَاقِ عَدَدٌ إلَّا الثَّلَاثُ فَذَاكَ شَرْعًا ، أَمَّا فِي الْإِمْكَانِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَطْلُقَ عِشْرِينَ وَمِائَةً وَغَيْرَهُمَا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ الْمَنْعَ ، فَالْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك الْعَدَدَ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ دُونَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ .
وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ التَّفْوِيضُ فِي الثَّلَاثِ خَاصَّةً فَصِحَّةُ تَطْلِيقِهَا وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ مِلْكِهَا مَا دَخَلَتْ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا ( كَمَا لَوْ قَالَ : كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت ) لَهُ أَكْلُ الْكُلِّ ( وَطَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ ) فَشِئْنَ كُلُّهُنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّبْعِيضِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَبْطُلُ عُمُومُ مَا ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ ) إذَا دَخَلَ عَلَى ذِي أَبْعَاضٍ وَالطَّلَاقُ مِنْهُ ( وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا ) بِمِنْ فِي مَعْنَاهَا فِي مِثْلِهِ وَبِمَا فِي عُمُومٍ مَخْصُوصٍ ضَرُورَةُ إعْمَالِ مِنْ فِي مَعْنَاهَا فِي مِثْلِهِ ، بِخِلَافِ حَمْلِ مِنْ عَلَى الْبَيَانِ فَإِنَّ ضَابِطَهُ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهُ بِمَدْخُولِهَا مَعَ

ضَمِيرٍ مُنْفَصِلٍ ، مِثَالُهُ { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } : أَيْ الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ ، وَلَا يَحْسُنُ هُنَا طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ ، فَإِنَّ مَا مَوْصُولُ مَعْرِفَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَوْصُوفِهَا مَعْرِفَةً وَهُوَ هُنَا الْعَدَدُ فَانْحَلَّ إلَى طَلِّقِي نَفْسَك الْعَدَدَ الَّذِي شِئْتِهِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ وَيَسْتَلْزِمُ سَبْقَ الْعَهْدِ بِالْعَدَدِ الَّذِي شَاءَتْهُ أَوْ تَشَاؤُهُ وَأَنَّهُ هُوَ الثَّلَاثُ فَيَكُونُ التَّفْوِيضُ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلَاثِ ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا جُزْءُ مَا مَلَكْتَهُ بِالتَّفْوِيضِ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ وَاحِدَةً ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ حَيْثُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَبْوَةً إذْ الْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك عَدَدًا شِئْتِهِ ، عَلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ، فَالْجُمْلَةُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الرَّابِطِ الْمَحْذُوفِ قَيْدٌ فِي الْعَدَدِ مُزِيلٌ مِنْ إبْهَامِهِ .

[ فُرُوعٌ ] قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً فَشَاءَتْ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ تَشَائِي وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَإِذَا شَاءَتْ وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا شَاءَتْهَا تَقَعُ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفُلَانٌ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفُلَانٌ لَا يَقَعُ بِالْمَشِيئَةِ مِنْ فُلَانٍ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى بَاطِلٍ فَيَبْطُلُ ، وَلَوْ قَالَ حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا إذَا أَوْ مَتَى شِئْت لِأَنَّ حِينَ لِلْوَقْتِ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ ، فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ .

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إذَا شِئْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَشَاءَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ شَاءَتَا طَلَاقَ إحْدَاهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهُمَا طَلَاقَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ .

وَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ إنْ شِئْتُمَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخِرُ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهُمَا الثَّلَاثَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْفَرِدُ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ فَيَصِحُّ إيقَاعُهُ لِبَعْضِهَا .

وَلَوْ قَالَ : إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ وَقَعَ عَلَيْهِمَا بِمَشِيئَةِ الْأُولَى إنْ نَوَى الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فِي الْوُقُوعِ وَيَحْتَمِلُ فِي الْمِلْكِ : أَيْ كِلَاهُمَا مَمْلُوكَانِ لِي فَأَيُّهُمَا نَوَى صَدَقَ .

وَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي لَمْ تَطْلُقْ أَبَدًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ ، وَلَوْ قَامَتْ بِلَا مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلِي .
أَمَّا لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ فَقَالَ إنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْتَ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَإِنْ أَبَيْت ، فَإِنْ شَاءَتْ يَقَعُ وَإِنْ أَبَتْ يَقَعُ ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ .
وَكَذَا إنْ شِئْت أَوْ أَبَيْت .
وَفِي طَالِقٍ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك فَقَالَتْ : أَبَيْت تَطْلُقُ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ : لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ لَفْظَ أَبَيْت لِإِيجَادِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاءُ وَقَدْ وُجِدَ ، وَأَمَّا لَفْظُ لَمْ تَشَائِي فَلِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَقَالَتْ : شِئْت نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .

وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَك وَقَالَ لَهَا آخَرُ أَعْتِقِي عَبْدَك فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِالْعِتْقِ زَوْجَهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي الطَّلَاقِ .
وَعَنْهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً فَلَهَا الْمَشِيئَةُ السَّاعَةَ لَا عِنْدَ الطُّهْرِ ، فَإِنْ شَاءَتْ السَّاعَةَ وَقَعَتْ عِنْدَ الطُّهْرِ .
وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ حِينَ تَطْهُرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْمَشِيئَةِ مِنْ طَلَاقِ الْأَصْلِ

لَوْ قَالَ : إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي الْغَدِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ .
وَقَالَ زُفَرُ : الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ فِيهِمَا .
وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْعَكْسِ .
وَفِي الْمُنْتَقَى بِرِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت غَدًا لَهَا الْمَشِيئَةُ غَدًا وَقَالَا : إنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْغَدِ فَلَهَا الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ غَدًا .
وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : اخْتَارِي غَدًا إنْ شِئْت أَوْ اخْتَارِي إنْ شِئْت غَدًا ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك غَدًا إنْ شِئْت أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فِي الْحَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَك غَدًا إنْ شِئْت أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت غَدًا أَوْ إنْ شِئْت فَطَلِّقِي نَفْسَك غَدًا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا فِي الْغَدِ عِنْدَهُ ، وَقَالَا : إنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فَتَقُولَ فِي الْحَالِ طَلَّقْت نَفْسِي غَدًا .
وَالْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنْتِ غَدًا طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ : السَّاعَةَ شِئْت كَانَ بَاطِلًا ، إنَّمَا لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّ فِي الثَّانِي عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ طَلَاقًا مُضَافًا إلَى غَدٍ .

وَلَوْ عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ طَلَاقًا مُنَجَّزًا تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ حَالًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا ، فَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِهَا طَلَاقًا مُضَافًا .
وَفِي الْأَوَّلِ بَدَأَ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَتُرَاعَى الْمَشِيئَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْفَصْلَيْنِ تُرَاعَى الْمَشِيئَةُ فِي غَدٍ وَعِنْدَ زُفَرَ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِيهِمَا حَالًا

وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ .
وَلَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت هُنَا مَشِيئَتَانِ الْأُولَى عَلَى الْمَجْلِسِ وَالْأُخْرَى مُطَلَّقَةٌ إلَيْهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمُؤَقَّتَةِ ، فَمَتَى شَاءَتْ بَعْدَ هَذَا طَلُقَتْ ، قَالَ : وَإِنْ لَمْ تَقُلْ شِئْت حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ : إنْ شِئْت السَّاعَةَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ السَّاعَةَ .

وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ : شِئْت وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا شَاءَ الثَّلَاثَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : شِئْت أَرْبَعًا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاحِدَةً وَإِنْ شِئْت اثْنَتَيْنِ فَقَالَتْ : شِئْت وَقَعَ الثَّلَاثُ .
وَلَوْ قَالَ : اُخْرُجِي إنْ شِئْت يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ وَقَعَ نَظِيرُهُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا : طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ : طَلَّقْت فَهِيَ ثَلَاثٌ .
وَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي بِلَا وَاوٍ فَطَلَّقَ ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ .
.

وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا : أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي ؟ فَقَالَ الزَّوْجُ : نَعَمْ فَقَالَتْ : طَلَّقْت يُنْظَرُ إنْ نَوَى الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ وَقَعَ وَإِنْ نَوَى الرَّدَّ : يَعْنِي طَلِّقِي إنْ اسْتَطَعْت لَا يَقَعُ .

بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ ( وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمِلْكُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ عِنْدَهُ وَقَبْلَ ذَلِكَ أَثَرُهُ الْمَنْعُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ ، وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا ( وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ) وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ

بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ ) .
الْيَمِينُ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ .
قَالَ الشَّاعِرُ : إنَّ الْمَقَادِيرَ بِالْأَوْقَاتِ نَازِلَةٌ وَلَا يَمِينَ عَلَى دَفْعِ الْمَقَادِيرِ أَيْ لَا قُوَّةَ ، وَسُمِّيَتْ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْيَمِينِ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى ، وَسُمِّيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَرَدُّدِ النَّفْسِ فِيهِ ، وَلَا شَكَّ فِي إفَادَةِ تَعْلِيقِ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْزِلُ شَرْعًا عِنْدَ نُزُولِهِ قُوَّةُ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا ( قَوْلُهُ وَإِذَا أَضَافَ إلَخْ ) اسْتَعْمَلَهَا فِي الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا فَالْمِثَالُ لَا يُطَابِقُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إضَافَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَقَعُ ) وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ خَصَّ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ صِنْفًا أَوْ امْرَأَةً صَحَّ ، وَإِنْ عَمَّمَ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ إذْ فِيهِ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى .
أَمَّا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِالتَّكْفِيرِ .
وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَذَلِكَ الْخُصُوصِ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهُ فِي الْعُمُومِ مُطْلَقٌ ، يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ بِمَعْنَاهُ ، وَفِي الْمُعَيَّنَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ ، فَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الصِّفَةُ : أَعْنِي أَتَزَوَّجُهَا ، بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَا بُدَّ

مِنْ التَّصْرِيحِ بِالسَّبَبِ فِي الْمُحِيطِ .
لَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ ، وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ .
وَلَوْ قَالَ : نِصْفُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُزَوِّجُنِيهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا .
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ .
وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ .
تَمَسَّكَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ } وَعِنْدَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } انْتَهَى ، وَفِيهِ جُوَيْبِرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ : يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، قَالَ : طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ } وَأَخْرَجَ أَيْضًا { عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ : قَالَ عَمٌّ لِي : اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي ، فَقُلْتُ : إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي : تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهُ لَا

طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ ، قَالَ فَتَزَوَّجْتُهَا فَوَلَدَتْ لِي سَعْدًا وَسَعِيدًا } .
وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ كَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِبْرَاءِ ، وَمَا ظُنَّ مَانِعًا مِنْ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى النِّكَاحِ ضِدَّ مُقْتَضَاهُ فَيَلْغُو ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْوُصْلَةِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلَا يَمْلِكُ جَعْلَهُ سَبَبًا لِانْقِطَاعِهَا ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فَتَعْلِيقُهُ بِهِ مُبَادَرَةٌ إلَى الْمَطْلُوبِ .
أَمَّا الطَّلَاقُ فَمَحْظُورٌ ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ بِتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ كَمَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْوَصْلَةِ بِالدُّخُولِ كَذَلِكَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ ، فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ تَدْعُو إلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ حَالِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا وَيَخْشَى لَجَاجَتَهَا وَغَلَبَتَهَا عَلَيْهِ فَيُؤَيِّسُهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِنِكَاحِهَا فِطَامًا لَهَا عَنْ مَوَاقِعِ الضَّرَرِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُشْرَعَ كَمَا شُرِعَ تَعْلِيقُهُ بِخُرُوجِهَا لِيَفْطِمَهَا عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَ الْمُقْتَضَى وَهُوَ تَكَلُّمُهُ بِالتَّعْلِيقِ لِمَا يَصِحُّ بِلَا مَانِعٍ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ لِمَا سَيُذْكَرُ .
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا مَا قَبْلَ الْحَدِيثَيْنِ الْأَخِيرِينَ فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ ، أَمَّا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فَلَيْسَ بِهِ بَلْ لَهُ عَرَضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ طَلَاقًا وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّرْطِ ( وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ ) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلُّ أُمَّةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ هُوَ كَمَا قَالَ ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ : أَوَ لَيْسَ قَدْ جَاءَ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ ، وَلَا عِتْقَ إلَّا

بَعْدَ مِلْكٍ } قَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَغَيْرُهُمَا ) تَصْرِيحٌ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرَةِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ خُصُوصًا بَعْدَ قَوْلِهِ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ يُعْطِي أَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ غَيْرِهِمَا أَيْضًا .

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سَالِمٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَسْوَدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَكْحُولٍ الشَّامِيِّ فِي رَجُلٍ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ يَوْمَ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هُوَ كَمَا قَالَ .
وَفِي لَفْظٍ : يَجُوزُ عَلَيْهِ ذَلِكَ .
وَقَدْ نُقِلَ مَذْهَبُنَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَشُرَيْحٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الْأَخِيرَانِ فَلَا شَكَّ فِي ضَعْفِهِمَا .
قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ : إنَّهُمَا بَاطِلَانِ ، فَفِي الْأَوَّلِ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : وَضَّاعٌ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ : كَذَّابٌ ، وَفِي الْأَخِيرِ عَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : يَسْرِقُ الْحَدِيثَ ، بَلْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْقَاضِي شَيْخُ السُّهَيْلِيِّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ : لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ ، وَلِذَا مَا عَمِلَ بِهَا مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، فَمَا قِيلَ : لَمْ يَرِدْ مَا يُعَارِضُهَا حَتَّى يُتْرَكَ الْعَمَلُ بِهَا سَاقِطٌ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ صِحَّةِ الدَّلِيلِ أَوَّلًا ، كَيْفَ وَمَعَ عَدَمِ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا دَلَالَةَ عَلَى نَفْيِ تَعْلِيقِهِ بَلْ عَلَى نَفْيِ تَنْجِيزِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ ، فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ فَنَفَى ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّرْعِ فِي هَذِهِ

الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا .
بَقِيَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعُوا كَوْنَ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ طَلَاقًا لِيَخْرُجَ عَنْ تَنَاوُلِ النَّصِّ ، بَلْ هُوَ طَلَاقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الطَّلَاقِ تَعْلِيقَهُ ، وَكَذَا الشَّرْعُ لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَعَلَّقَ طَلَاقَهَا لَا يَحْنَثُ إجْمَاعًا .
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا ، فَقَالَ الْقَاسِمُ : إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ .
فَقَدْ صَرَّحَ عُمَرُ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الظِّهَارِ بِالْمِلْكِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْكُلُّ وَاحِدٌ .
وَالْخِلَافُ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَصِحُّ فَمَتَى تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ مُولِيًا .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا التَّعْلِيقُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ فِي مَحَلٍّ فِي حَالٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْغُو كَتَعْلِيقِ الصَّبِيِّ بِأَنْ قَالَ : إذَا بَلَغْت فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ ، وَتَعْلِيقُ الْبَالِغِ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ .
قُلْنَا : لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِنَا هُوَ طَلَاقٌ أَوْ لَيْسَ بِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا تَأَخَّرَ عَمَلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ .
وَحِينَئِذٍ نَقُولُ : لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ سَبَبًا شَرْعًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ اتِّصَالِهِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ شَرْعًا : أَعْنِي أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِيهِ لَا مُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ فِي اللَّفْظِ

فَإِنَّ سَبَبِيَّتَهُ لَيْسَتْ إلَّا بِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ فِي مَحِلِّ حُلُولِهِ مَلْزُومًا لِلْحُكْمِ فَيَحِلُّ حَيْثُ حَلَّ ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ ، بَلْ إذَا كَانَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ ذَاكَ لَا الْآنَ ، فَإِذَا كَانَ ذَاكَ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَهُوَ التَّعْلِيقُ فَحِينَئِذٍ يَنْزِلُ بِالْمَحِلِّ سَبَبًا ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْبَيْعَ عَلَى مُنْتَظَرٍ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي الْحَالِ ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ خِيَارَ أَنْ يَفْسَخَ إنْ لَمْ يُوَافِقْ غَرَضَهُ رِفْقًا بِهِ ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُصُولِ فِي الْحَالِ بَلْ يُحَقِّقُ سَبَبِيَّتَهُ فِي الْحَالِ لَوْ تَأَمَّلْت هَذَا التَّرْكِيبَ .
وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلَيْسَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَحَلِّ بَلْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيقِ كَالتَّنْجِيزِ ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّ افْتِقَارَهُ فِي التَّصَرُّفِ إلَى الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّنْجِيزِ فِيهِ لِلْحَالِ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ الْتِزَامُ يَمِينٍ يَقْصِدُ بِهَا بِالذَّاتِ الْبِرَّ : أَعْنِي مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ تَزَوُّجِهَا ، وَهَذَا يَقُومُ بِهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَمَّنُ هَذَا مَنْعَ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي الْمَحَلِّ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ بَلْ تَصَرُّفٌ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحِنْثُ أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ وَبِتَقْدِيرِهِ يَنْعَقِدُ كَلَامُهُ سَبَبًا وَهُوَ يَسْتَدْعِي الْمَحَلِّيَّةَ وَهُمَا مَعًا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لَزِمَ لِصِحَّةِ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ ظُهُورُ قِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ .
ثُمَّ رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَهُ مُكْتَفِيًا بِظُهُورِ قِيَامِهِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ مَعَ تَيَقُّنِ قِيَامِهِ أَحْرَى وَذَلِكَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ ، وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَخِيرِ : أَعْنِي

تَطْلِيقَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَ قَوْلَهُ لِلْأَمَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَتَّى يُعْتِقَ مَا تَلِدُهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ مِلْكِ عِتْقِ الْوَلَدِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ، فَظَهَرَ أَنَّ قِيَامَ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْحُكْمِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ ، وَلَعَمْرِي إنَّ جُلَّ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِنِهَايَةِ الْإِيجَازِ وَطَلَاوَةِ الْأَلْفَاظِ .
وَقَوْلُهُ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك إذْ لَا يَثْبُتُ الشَّيْءُ مُنْتَفِيًا ، وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ أَثَرِهِ تَصَرُّفُ يَمِينٍ وَهُوَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ : أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ يَمِينٌ ، وَكَذَا هُوَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمُتَصَرِّفِ ، أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمَحَلِّ بَلْ قِيَامُ ذِمَّةِ الْحَالِفِ فِي ذَلِكَ كَافٍ .
وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ النِّكَاحِ .
قُلْنَا : فَمَاذَا يَلْزَمُ إذْ قَدْ يَكُونُ عَلِمَ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ دِينًا لِعِلْمِهِ بِغَلَبَةِ الْجَوْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَا لِعَدَمِ يَسَارِهِ وَلِنَفْسِهِ لَجَاجٌ فَيَأَّسَهَا ، عَلَى أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ تَزَوُّجَهُ عِنْدَنَا بِأَنْ يَعْقِدَ لَهُ فُضُولِيٌّ وَيُجِيزُ هُوَ بِالْفِعْلِ كَسَوْقِ الْوَاجِبِ إلَيْهَا أَوْ الْوَطْءِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ كَوْنُ الْمُضَافِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ كَالْمُعَلَّقِ ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ نَحْوَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ ، وَلَا فَرْقَ إلَّا ظُهُورُ إرَادَةِ الْمُضِيفِ الْإِيقَاعَ ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ فَإِنَّ قَصْدَهُ الْبِرُّ ، فَكَأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَعْقُولَ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ قَضِيَّتِهِ وَلَا يُعْرَى عَنْ شَيْءٍ مَعَ أَنَّ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِذَا جَاءَ غَدٌ وَاحِدٌ فِي قَصْدِ الْإِيقَاعِ ، وَهُمْ يَجْعَلُونَ إذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقًا غَيْرَ سَبَبٍ فِي الْحَالِ وَالْآخَرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ .
وَأَمَّا

قَوْلُهُمْ إنَّهُ يَنْزِلُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ أَوْقَعَ تَنْجِيزًا فَالْمُرَادُ الْإِيقَاعُ حُكْمًا ، وَلِهَذَا إذَا عَلَّقَ الْعَاقِلُ الطَّلَاقَ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ الشَّرْطِ تَطْلُقُ ، وَلَوْ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ .

[ فُرُوعٌ ] فِي الْمُنْتَقَى : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ : فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ : إحْدَاهُمَا عَلَى الْأَمْرِ وَالْأُخْرَى عَلَى التَّزَوُّجِ .
وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ وَالشَّرْطَ شَيْئَانِ وَقَدْ وُجِدَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ حَيْثُ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرْطِ ، فَإِنْ أَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ : زَوِّجْنِي فُلَانَةَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا طَلُقَتْ لِكَمَالِ الشَّرْطِ .

وَلَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ أَمَرْت إنْسَانًا أَنْ يُزَوِّجَنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ تَزْوِيجِ الْمَأْمُورِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِلَا وُقُوعِ شَيْءٍ فَلَا يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِهِ بَعْدَهُ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ ، قَالَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخِطْبَةِ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ : الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا ، وَأَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ صَالِحٌ وَالْآخَرُ لَا فَإِنَّهُ نَصٌّ عَلَى الْحِنْثِ ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ قَبْلَ الْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَبْلَ الْخِطْبَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَ بِأَنْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ ابْتِدَاءً بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ : تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ .

وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ : لَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ لَا تَطْلُقُ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَضْمُونُ الشَّرْطَيْنِ .

رَجُلٌ لَهُ مُطَلَّقَةٌ فَقَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُهَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَتَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك مَا عِشْت فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، ثُمَّ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَالطَّلَاقُ عَلَيَّ وَاجِبٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا يَقَعُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ الْأُولَى وَتَقَعُ أُخْرَى عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ ، هَذَا فِي النَّوَازِلِ .
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّانِيَةَ تَعْلِيقُ إيجَابِ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ نَفْسِ الطَّلَاقِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ إحْدَاهُمَا يُصْرَفُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى لَمَّا انْصَرَفَتْ إلَى الطَّلَاقِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ زن ويرا طَلَاق ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ عَلَى إحْدَاهُمَا انْتَهَى .
وَفِي نَظَرِهِ نَظَرٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ إلَخْ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّنْجِيزَ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَاجِبٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي النَّوَازِلِ بِنَاءٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى طَلَاقُ إحْدَاهُمَا إلَخْ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ لَا بَدَلِيٌّ فَيَشْمَلُ الزَّوْجَتَيْنِ مَعًا فَقَدْ حَرَّمَهُمَا وَزْن ويرا طَلَاق لَيْسَ مِثْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ امْرَأَتُهُ ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ فَإِلَيْهِ تَعْيِينُهَا

وَإِذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ سَاقَ الْمَهْرَ وَنَحْوَهُ لَا تَطْلُقُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ بِهِ لِانْتِقَالِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ .

فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا ( وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ ، وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ ( فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ ) لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

( قَوْلُهُ فَيَصِحُّ يَمِينًا أَوْ إيقَاعًا ) أَيْ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ يَمِينًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عِنْدَنَا فِي الْحَالِ ، أَوْ إيقَاعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ ( قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفُهُ إلَى مِلْكِهِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْوُجُودِ ) أَيْ ظَاهِرًا وُجُودُهُ عِنْدَ الْفِعْلِ ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْقُوَّةُ : أَيْ عَلَى الِامْتِنَاعِ هُنَا ( قَوْلُهُ وَالظُّهُورُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ ) لَفْظُ الظُّهُورِ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَذَا لَفْظُ ظَاهِرٍ الْمَذْكُورِ آنِفًا ، وَمَا كَانَ ظَاهِرَ الْوُجُودِ فَتَعَلَّقَ الْإِدْرَاكُ بِهِ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الظُّهُورِ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ حِينَ صَدَرَ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ إيقَاعًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَلَا يَمِينًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ حَامِلًا عَلَى الْبِرِّ لِإِخَافَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مُخِيفًا لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْفِعْلِ لِعَدَمِ ظُهُورِ ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ .
لَا يُقَالُ : لَمْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَاقِبَةِ ، إنْ تَزَوَّجَهَا ظَهَرَ كَوْنُهُ يَمِينًا وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ إلَى أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا .
لِأَنَّا نَقُولُ : تَحَقُّقُ عَدَمِ الْيَمِينِ حَالَ صُدُورِهِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُخِيفًا فَلَمْ يَقَعْ يَمِينًا فَلَا تَتَحَقَّقُ يَمِينٌ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِلَفْظٍ آخَرَ ، وَمَعْنَى الْإِخَافَةِ هُنَا إخَافَةُ لُزُومِ نِصْفِ الْمَهْرِ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فَيَجِبُ الْمَالُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ التَّزَوُّجِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ .
وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ وَلَا مَنْعَ بِإِخَافَةٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ لَا لِلشَّاذِّ

( قَوْلُهُ وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ) يَعْنِي التَّزَوُّجَ ( بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ ) وَقَالَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ : لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ ، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ هُوَ ذَلِكَ السَّبَبَ اقْتَرَنَ الْمِلْكُ وَالْوُقُوعُ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَالطَّالِقِ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَقَدَّمُ الْمِلْكَ .
وَالْجَوَابُ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ : حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ ، فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك بِالتَّزَوُّجِ ، لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ سَبَبِهِ يَنْبُو عَنْ هَذَا ، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ بَيَانُ وَجْهِ التَّجَوُّزِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ ، بَلْ هُوَ فِي هَذَا الْقِنِّ مِنْ الْمُسَلَّمَاتِ وَكَانَ سَبَبُ عُدُولِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ أَنَّهُمْ دَفَعُوا الْوَارِدَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ تَمَامَ الْكَلَامِ مُضْمَرًا تَصْحِيحًا ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك فَدَخَلْت حَتَّى يَصِحَّ وَيَقَعَ بِهِ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَلَا يُحْتَالُ فِي تَصْحِيحِهِ ، وَهَذَا يُنَافِي ذَلِكَ الْجَوَابَ .
وَيَكْفِي فِي جَوَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، لَكِنْ لَا يَخْفَى وُرُودُ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّبَبِ الْمُسَبَّبُ أَوْ حَقِيقَتُهُ ، وَالْأَوَّلُ تَصْحِيحُ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْمَنْقُولِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَعَلَى الثَّانِي يَرِدُ مَا قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْفَعَ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى تَحْقِيقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ لِانْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَطَرِيقِ الْمَجَازِ ،

بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْسُنُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : الْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ مُرَادٌ بِهَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ كَمَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .

[ فُرُوعٌ ] .
لَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا يُوقِعُهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالنِّكَاحِ وَذَكَرَ مَعَهُ وَقْتًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِهِ فِيهِ فَلَغَا ذِكْرُهُ الْوَقْتَ وَبَقِيَ التَّعْلِيقُ .
وَقَالَا : لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمَلْفُوظِ عِنْدَ الشَّرْطِ .

وَلَوْ قَالَ وَقْتَ النِّكَاحِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا

وَلَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ : إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَزَوَّجَاهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْوَالِدَيْنِ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِأَجْنَبِيَّةِ : مَا دُمْت فِي نِكَاحِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَا تَطْلُقُ ، أَمَّا إذَا قَالَ لَهَا : إنْ تَزَوَّجْتُك فَمَا دُمْت فِي نِكَاحِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا تَطْلُقُ .

( وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا كُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِمَّا تَلِيهَا أَفْعَالٌ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ ، ثُمَّ كَلِمَةُ إنْ حَرْفٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا ، وَكَلِمَةُ كُلٍّ لَيْسَتْ شَرْطًا حَقِيقَةً لِأَنَّ مَا يَلِيهَا اسْمٌ وَالشَّرْطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ وَالْأَجْزِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّهُ أُلْحِقَ بِالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ الَّذِي يَلِيهَا مِثْلُ قَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ .
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً ، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ

( قَوْلُهُ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ ) وَمَنْ جُمْلَتِهَا لَوْ وَمَنْ وَأَيُّ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى وَجَمِيعُهَا تَجْزِمُ إلَّا لَوْ وَإِذَا ، وَقِيلَ يُجْزَمُ بِهَا إذَا زِيدَ بَعْدَهَا مَا ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْزَمُ بِإِذَا فِي الشِّعْرِ وَكَذَا بِلَوْ ، قَالَ لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ ) يَعْنِي مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْعَلَامَةِ وَهُوَ الشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ ، قَالَ تَعَالَى { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } أَيْ عَلَامَاتُهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَادَّةِ وَلَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ لَفْظِ عَلَامَةٍ وَشَرْطٍ ( قَوْلُهُ فَتَكُونُ عَلَامَاتٍ ) أَيْ يَكُونُ وُجُودُ الْأَفْعَالِ عَلَامَاتٍ عَلَى الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ هُوَ وُقُوعُ الْجَزَاءِ .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى أَلْفَاظِ الشَّرْطِ عَلَامَاتُ وُجُودِ الْجَزَاءِ : أَيْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالذَّاتِ ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ وَلَفْظِ لَوْ أَيْضًا كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُفَادُ بِهَا امْتِنَاعَ فِعْلِ الشَّرْطِ الْمُسْتَلْزِمِ لِامْتِنَاعِ الْجَوَابِ ، نَحْوُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُك فَيُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إذَا وُجِدَ اسْتَلْزَمَ وُجُودَ الْجَوَابِ ، لِأَنَّ اللَّازِمَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَلْزُومِ ، وَعَلَى هَذَا فَجَمِيعُ الْأَدَوَاتِ تُفِيدُ الْوُجُودَ لِلْوُجُودِ إلَّا أَنَّ لَمَّا كَانَتْ أَدْخَلَ حَيْثُ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ وَفُرِغَ مِنْهُ خُصَّتْ بِقَوْلِنَا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ ، وَلَوْ وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ امْتِنَاعِ الْمَلْزُومِ وَدَلَّتْ عَلَى الْوُجُودِ لِلْوُجُودِ بِالِالْتِزَامِ فَخُصَّتْ بِحَرْفِ امْتِنَاعٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ يُنَافِيهِ : أَعْنِي التَّعْلِيقَ عَلَى مَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ تَحَقُّقَ عَدَمِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ ، وَلِعَدَمِ حُصُولِهِ لَمْ تُذْكَرْ لَمَّا ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ كَمَا ذَكَرَهُ

التُّمُرْتَاشِيُّ .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيَّ وَلَا الْمَشْهُورَ ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَتَعَلَّقُ .
وَفِي الْحَاوِي فِي فُرُوعِنَا : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ، وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِنَا { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً } الْآيَةُ .
فَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إلَى تَجْوِيزِهِ ، وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي .
وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ ، وَكَذَا لِعَدَمِ حُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِي التَّعْلِيقِ بِلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهَا وَذَكَرَ كُلًّا وَلَيْسَتْ شَرْطًا لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهَا وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ .
[ فُرُوعٌ ] .
قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك أَوْ لَوْلَا أَبُوك أَوْ لَوْلَا مَهْرُك لَمْ يَقَعْ ، وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ بِأَنْ قَالَ : طَلَّقْت بِالْأَمْسِ لَوْلَا كَذَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْضِعَ وُجُوبِ الْفَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ التَّعْلِيقُ إلَّا بِهَا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيَتَعَلَّقَ بِدُونِهَا عَلَى خِلَافِ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ يُضْمَرُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ وَالْمُتَقَدِّمُ دَلِيلُهُ .
وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَنَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَا عَلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِهِ الْجَوَابَ .
فَإِذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ لِلْحَالِ ، فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دِينَ ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُتَنَجَّزُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا وَدُفِعَ بِمَا إذَا أَجَابَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يُتَنَجَّزُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ دِينَ .
وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَة .
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَلَوْ نَوَى تَقْدِيمَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قِيلَ : يَصِحُّ وَتُحْمَلُ

الْوَاوُ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ وَاوَ الِابْتِدَاءِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي أَوَّلِ كَلَامٍ وَمَوَاضِعُ الْفَاءِ جُمِعَتْ مَفَارِيدَ فِي بَيْتٍ هُوَ هَذَا : طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ وَأَحْبَبْت ذِكْرَ بَعْضِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَإِيضَاحَهُ لِيُفْهَمَ فَنَظَمْتُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ وَهِيَ هَذِهِ : تَعْلَمُ جَوَابَ الشَّرْطِ حَتْمَ قِرَانِهِ بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ وَلَنْ مَنْ يَحُدْ عَمَّا حَدَدْنَاهُ قَدْ عَتَا وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَأَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلَتْ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : يَتَنَجَّزُ لِأَنَّ الْفَاءَ فَاصِلَةٌ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : يَتَعَلَّقُ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْلِيقٍ .
وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي حَذْفِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا ، وَذِكْرُ الْوَاوِ مَعَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ التَّنْجِيزُ مُوجِبَ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّعْلِيقَ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ وَهُوَ عَدَمُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ إذْ ذَاكَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْلِيقٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُهُ إلَّا فِي مَحِلِّهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَنَجَّزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَيَانٌ لِإِرَادَتِهِ التَّعْلِيقَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلَتْ تَنَجَّزَ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَالشَّرْطِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ مِثْلُ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ، أَمَّا فِي الْمُعَيَّنَةِ فَلَغْوٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ .
وَقَدْ نَاظَرَ مُحَمَّدٌ

الْكِسَائِيَّ فِي ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ فَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهَا بِمَعْنَى إذَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْلَى إذْ لَا أَصْلَ لِجَعْلِهَا كَإِذَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَتَيْنِ مَا ذُكِرَ بَلْ التَّعْلِيلُ هُوَ الْمَعْنَى الظَّاهِرُ فِيهِمَا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ عَاطِفَةٌ عَلَى شَرْطٍ هُوَ نَقِيضُ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، تَقْدِيرُهُ إنْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ دَخَلْت ، وَإِنْ هَذِهِ هِيَ الْوَصْلِيَّةُ ، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت وَبِقَوْلِهِ اُدْخُلِي الدَّارَ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مِثْلُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ ( قَوْلُهُ فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْحَلَّتْ وَانْتَهَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً ، فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ ) وَإِذَا تَمَّ وَقَعَ الْحِنْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمُومِ تِلْكَ الْيَمِينِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَتَى : إنَّهَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ كَقَوْلِهِ : مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مَوْقِدٍ وَالْحَقُّ أَنَّهَا إنَّمَا تُفِيدُ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ بِمَعْنَى أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَأْتِي تَجِدْ ذَلِكَ ، فَفِي مَتَى خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، الْمُفَادُ أَنَّ أَيَّ وَقْتٍ تَحَقَّقَ فِيهِ الْخُرُوجُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ، فَإِذَا تَحَقَّقَ فِي وَقْتٍ وَقَعَ ، ثُمَّ لَا يَقَعُ بِخُرُوجٍ آخَرَ إلَّا لَوْ أَفَادَتْ التَّكْرَارَ ، وَإِنْ مَعَ لَفْظِ أَبَدًا مُؤَدَّى لَفْظِ مَتَى بِانْفِرَادِهِ ، فَإِذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ

فَتَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ ، كَذَا أَجَابَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ .

وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَسَائِلِ مَا فِي الْغَايَةِ : مَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ : مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ عُمُومُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } أَفَادَ الْعُمُومَ ، وَلِذَا تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ عَلَى قَاتِلِ وَاحِدٍ ، وَبِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ : إذَا قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا .
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الْأَوَّلِ لِعُمُومِ الصَّيْدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَعَمَّ لِذَلِكَ لَا لِمَا ذُكِرَ .
وَعُمُومُ الثَّانِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ .
قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا } الْآيَةُ حَيْثُ يَحْرُمُ الْقُعُودُ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَقَدْ أَفَادَتْ إذَا التَّكْرَارَ لِعُمُومِ الِاسْمِ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ .
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعُمُومَ بِالْعِلَّةِ لَا بِالصِّيغَةِ فِيهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ

وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ : لَوْ قَالَ : أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ ، وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ .

( إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } الْآيَةُ
( قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ ) وَمِنْ لَطِيفِ مَسَائِلِهَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا : كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الثَّانِيَةِ اقْتَضَى تَكْرَارَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ الْوُقُوعِ فَيَتَكَرَّرُ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا ، وَفِي الْأُولَى اقْتَضَى تَكَرُّرَهُ بِتَكَرُّرِ طَلَاقِهِ .
وَلَا يُقَالُ : طَلَّقَهَا إذَا طَلُقَتْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ : إحْدَاهُمَا بِحُكْمِ الْإِيقَاعِ ، وَالْأُخْرَى بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ .

وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ .
قَالَ ( فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) لِأَنَّ بِاسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ الْمَمْلُوكَاتِ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَمْ يَبْقَ الْجَزَاءُ وَبَقَاءُ الْيَمِينِ بِهِ وَبِالشَّرْطِ .
وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ) لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزَوُّجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْصُورٍ .

( قَوْلُهُ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّعْمِيمِ التَّكْرَارُ ) أَوْرَدَ فِي كُلِّ عُمُومٍ وَلَا تَكْرَارٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ ، وَأَمَّا الْوُقُوعُ عَلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى بِتَزَوُّجِهَا فَبِاعْتِبَارِ عُمُومِ الِاسْمِ وَلَمْ يَنْشَأْ مِنْ نَفْسِ الشَّرْطِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْمِيمُ الْأَفْعَالِ وَالتَّكْرَارُ مِنْ ضَرُورَتِهِ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ بِآحَادٍ مُتَعَدِّدَةٍ يَكُونُ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ مِنْ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلْت عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ ) أَبَدًا لِأَنَّ الشَّرْطَ مِلْكٌ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ ، وَكُلَّمَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ تَبِعَهُ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى : إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا ، وَاسْتَوْضَحَهُ بِمَا إذَا قَالَ : كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ رَكِبْت دَابَّةً لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ .
وَحَقِيقَةُ الْبَحْثِ ادِّعَاؤُهُ اتِّحَادَ الْحَاصِلِ بَيْنَ كُلِّ وَكُلَّمَا إذَا نُسِبَ فِعْلُهَا إلَى مُنَكَّرٍ .
فَإِنْ قُلْت : بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ، فَإِنَّ كُلًّا يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ يَثْبُتُ ضَرُورَةً ، وَكُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فِي الْأَفْعَالِ وَعُمُومِ الْأَسْمَاءِ يَثْبُتُ ضَرُورَةً ، فَإِذَا وُجِدَ فِي لَفْظِ كُلٍّ اسْمٌ وَاحِدٌ انْحَلَّتْ فِي حَقِّهِ وَلَا يَتَكَرَّرُ بِهِ نَفْسُهُ وَبَقِيَتْ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ ، وَفِي كُلَّمَا إذَا وُجِدَ فِعْلٌ انْحَلَّتْ بِاعْتِبَارِهِ وَبَقِيَتْ فِيمَا

سِوَاهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُمَاثِلَةِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ لَا .
قُلْنَا : قَدْ اعْتَرَفْتُمْ بِثُبُوتِ عُمُومِ الْأَسْمَاءِ ضَرُورَةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى النَّظَرِ إلَى سَبَبِهِ ، إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْعُمُومُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ فَصَارَ الْحَاصِلُ كُلُّ تَزَوُّجٍ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ، وَفِي مِثْلِهِ تَنْقَسِمُ الْآحَادُ عَلَى الْآحَادِ ظَاهِرًا عَلَى مَا قَرَّرُوا فِي رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ وَ { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ فِي فِعْلٍ انْحَلَّتْ فِي اسْمِهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا قَاسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ .
وَيُدْفَعُ بِأَنَّ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ دَائِرَةَ عُمُومِ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّكْرَارِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَدْ فُرِضَ عُمُومُهُ بِكُلَّمَا فَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ اسْمٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

قَالَ ( وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ ) ( لَا يُبْطِلُهَا ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَبَقِيَ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ ( ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ) لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا ( وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ ( وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا ) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِمَا إذَا زَالَ الْمِلْكُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ ، أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ فَدَخَلَتْ لَا تَطْلُقُ عَلَى مَا سَيَأْتِي .
ثُمَّ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ إلَى آخِرِ مَا فِي الْكِتَابِ ، هَذَا وَكَمَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ خِلَافًا لَزُفَرَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ، حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ لَحَاقِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ خِلَافًا لَهُمَا .
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ تَائِبًا مُسْلِمًا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَيَنْقُصُ عِنْدَهُمَا .

( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ ) لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَزَوَالَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ ( فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ : قَدْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا فِي الدُّخُولِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا

( قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ) وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ : لَمْ أَدْخُلْ وَقَالَ : دَخَلْت فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَمَسِّكَةً بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ : لَمْ يُجَامِعْنِي وَقَالَ : فَعَلْت فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ أَنَّهَا مُتَمَسِّكَةٌ بِظَاهِرَيْنِ عَدَمِ الْجِمَاعِ وَحُرْمَتِهِ فِي الْحَيْضِ الدَّاعِيَةِ إلَى عَدَمِهِ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ وَاسْتَحْضَرَ هُنَا مَا فِي النِّكَاحِ .
لَوْ قَالَ : بَلَغَك الْخَبَرُ فَسَكَتَ وَقَالَتْ : رَدَدْت الْقَوْلُ قَوْلُهُ ، خِلَافًا لِزُفَرَ لِهَذَا أَيْضًا فَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَهِيَ فِي طُهْرٍ خَالٍ عَنْ الْجِمَاعِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ : جَامَعْتُك فِي حَيْضَتِك فَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ طَلَاقِ السُّنَّةِ بِالْفَرْضِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا ) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى .
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَقَعُ وَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي فَرْجِهَا فِي زَمَانِ قَالَتْ ذَلِكَ .
وَدُفِعَ بِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } تَحْرِيمُ كِتْمَانِهَا أَمْرٌ بِالْإِظْهَارِ .
وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالْإِظْهَارِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْمُظْهِرِ ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِهِ مَعَ أَنَّ إدْخَالَ الْقُطْنَةِ لَا يُوصِلُ إلَى عِلْمٍ وَلَا ظَنٍّ لِجَوَازِ أَخْذِ دَمٍ مِنْ

الْخَارِجِ تَحَمَّلَتْ بِهِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ ) هَذَا إذَا كَذَّبَهَا ، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ نَظَائِرِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا قُبِلَ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ ) أَيْ انْقِضَائِهَا ، حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَقَالَتْ لَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ صِدْقَهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي انْقَطَعَ حَقُّ الرَّجْعَةِ ، أَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ : انْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْ فُلَانٍ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ جَازَ لَهُ تَزَوُّجُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا ( وَالْغَشَيَانُ ) أَيْ حِلُّ الْوَطْءِ وَحُرْمَتُهُ ، فَلَوْ قَالَتْ : أَنَا حَائِضٌ حَرُمَ أَوْ طَاهِرٌ حَلَّ ، أَوْ قَالَتْ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا : تَزَوَّجْت بِثَانٍ وَغَشِيَنِي حَلَّتْ لَهُ .
لَا يُقَالُ : إمَّا أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ أَوْ لَا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا حَقِيقَتُهُ وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ وَإِخْبَارُهَا بِهِ لَا يَسْرِي فِي حَقِّهَا مَعَ التَّكْذِيبِ ، وَلَا بَعْدُ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ ، كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ، هَذَا وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِالْحَيْضِ وَهُوَ قَائِمٌ ، أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ ، وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ فِي

الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا : حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا ، فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ : حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ .
وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ .
وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ حَيْضَ الْكُلِّ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ عَلَيْهِنَّ فَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَحِضْنَ جَمِيعًا ، وَإِنْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَلَا يَثْبُتُ ، وَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا : حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ نَظَرَ ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي الْغَيْرِ ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الشَّرْطِ فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدَّقَ مَنْ سِوَاهَا

جَمِيعًا .

( وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّهُ )
( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ ، إلَى قَوْلِهِ : لِمَا بَيَّنَّا ) يُرِيدُ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا .
وَقَوْلُهُ ( وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ نُزُولُ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهَا بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ صِدْقِهَا ، فَأُمِنَا هُنَا فَكَذِبُهَا مُتَيَقَّنٌ فَكَيْفَ نَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ .
أَجَابَ بِمَنْعِ تَيَقُّنِهِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَعَدَمُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ إلَى دَرَجَةٍ يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ تَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الذَّوْقِ لِلْعَذَابِ فِي الْحَالِ عَلَى تَمَنِّي الْخَلَاصِ مِنْهُ بِالْعَذَابِ .

أَوْ قَالَ : ( إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ : أُحِبُّك ) ( طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَا تَطْلُقُ صَاحِبَتُهَا ) لِمَا قُلْنَا ، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخْلِيصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ ، وَفِي حَقِّهَا إنْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً ، فَفِي حَقِّ غَيْرِهَا بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْأَصْلِ وَهِيَ الْمَحَبَّةُ

وَلَوْ قَالَ : إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ : أُحِبُّك كَاذِبَةً طَلُقَتْ قَضَاءً وَدَيَّانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ فَذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إنْ صَدَقَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخُلُقِيَّةَ .
قُلْنَا : بَلْ عَدَمُ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا أَوْجَبَ النَّقْلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا فَاسْتَوَى التَّقْيِيدُ وَعَدَمُهُ .
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ : لَسْت أُحِبُّهُ كَاذِبًا فَهِيَ امْرَأَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَاسْتَشْكَلَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي قَلْبِهَا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِ نَفْسِهِ ، لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إذْ الْقَلْبُ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ ، فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ ، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ ، كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجَنَابَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ إنَّمَا يُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِالْحَيْضِ فِي أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا ، حَتَّى لَوْ قَامَتْ وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي الْحَيْضِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ، وَلَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً .

[ فُرُوعٌ ] .
فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوُ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ : إنْ كُنْت كَمَا قُلْت : فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ .
وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ : يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا : إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانِ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الشَّرْطَ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ .

( وَإِذَا قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا ( فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ ) لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا ) لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ مِنْهَا ، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ( وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبَ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ ) لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ .

( قَوْلُهُ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ ) وَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَ ذَلِكَ فَيَقُولَ طَلُقَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ هَذَا الِاسْتِنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقًا فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ ، وَلَا تُحْسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ حَيْضِهَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ ) أَيْ يُحْكَمَ بِطُهْرِهَا عَنْ هَذَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ حِضْت حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَوَّلُ بِدْعِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الطُّهْرِ بِخِلَافِ الثَّانِي ، ثُمَّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَيَقَعُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ صَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا ، وَأَمَّا بِالْعَشَرَةِ فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ ) عَنْ هَذَا لَوْ قَالَ نِصْفَ حَيْضَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي قَوْلِهِ تَطْلُقُ بِحَيْضِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالنِّصْفِ .
قُلْنَا : هَذَا نِصْفُ أَقْصَى مُدَّتِهِ لَا نِصْفُ الدُّرُورِ ، وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَطْهُرْ ثُمَّ تَحِضْ .
وَإِذَا قَالَ لِطَاهِرَةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَهُرْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَقْتَضِي شَرْطًا مُسْتَقْبَلًا وَهَذَا الْحَيْضُ قَدْ مَضَى بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ ، وَمَا مَضَى لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْيَمِينِ وَالْبَاقِي تَبَعٌ لِلْمَاضِي فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ كَمَا لَا يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ ، بِخِلَافِ قَوْلُهُ : أَنْتِ

طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يُنْتَظَرُ الطُّهْرُ ، وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ { أَلَا لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ } وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إذَا صُمْت لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ ) إذْ لَمْ يَقُلْ إذَا صُمْت يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بَرَكَتُهُ وَشَرْطُهُ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ فَيَقَعُ بِهِ وَإِنْ قَطَعَتْهُ بَعْدَهُ ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ كَمَالَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَهُ بِمِعْيَارٍ كَإِذَا صُمْت يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي صَامَتْ فِيهِ .
وَنَظِيرُ إذَا صُمْت يَوْمًا إذَا صُمْت صَوْمًا لَا يَقَعُ إلَّا بِتَمَامِ يَوْمٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِعْيَارٍ ، وَإِذَا صَلَّيْت صَلَاةً يَقَعُ بِرَكْعَتَيْنِ ، وَفِي إذَا صَلَّيْت يَقَعُ بِرَكْعَةٍ .

( وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ تَطْلِيقَةٌ ، وَفِي التَّنَزُّهِ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ) لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا تَقَعُ أُخْرَى بِهِ لِأَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَإِذًا فِي حَالٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَفِي حَالٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا ، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا الْأَوَّلُ ) لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالسَّابِقِ وَلَا يَقَعُ بِاللَّاحِقِ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ ، وَتَقْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحٌ مِنْ الْكِتَابِ .
وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِاحْتِمَالِ الْخُرُوجِ مَعًا .
قِيلَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ وِلَادَتَهُمَا مَعًا وَقَعَ الثَّلَاثُ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ .
وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَوَّلَهُمْ وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي الْقَضَاءِ وَثَلَاثٌ فِي التَّنَزُّهِ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِهِ وَثِنْتَيْنِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ ، وَإِنْ كَانَ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْجَارِيَةِ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى ، وَلَا يَقَعُ بِالْغُلَامِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتُرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا .
وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَفِي التَّنَزُّهِ ثَلَاثٌ ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِأَوَّلِهِمَا وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَلَا بِالْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا وَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَا وَوَاحِدَةً بِالْغُلَامِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَطَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حَمْلَك اسْمُ جِنْسٍ

مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّهُ ، فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لَا يَقَعُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَالْبَاقِي بِحَالِهِ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَالْبَاقِي بِحَالِهِ وَقَعَ الثَّلَاثُ .
وَفِي الْجَامِعِ : لَوْ قَالَ : إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَطَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ

( وَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبَانَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا عَمْرٍو ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَكَلَّمَتْ أَبَا يُوسُفَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَعَ الْوَاحِدَةِ الْأُولَى ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَقَعُ ، وَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ : ( أَمَّا إنْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهَذَا ظَاهِرٌ ، أَوْ وُجِدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ ، أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ ) أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الْخِلَافِيَّةُ .
لَهُ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي إذْ هُمَا فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ .
وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ ، إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةُ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَالُ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ ) حَاصِلُ مَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ اُشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْك عِنْدَ آخِرِهِمَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَقِيَاسُهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مِثْلُ إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَجِيءَ كُلٌّ مِنْهُمَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ ، وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَهُ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلَّقِهِ ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُهُ تَعَدُّدَهُ ، فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمَتْهُمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَغَايَتُهُ تَعَدُّدٌ بِالْقُوَّةِ .
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ اعْتِبَارُ الْأَوْلَى مِنْ الْوَصْفَيْنِ بِالثَّانِي فِي وُجُوبِ قِيَامِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ إذْ هُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الطَّلَاقِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ ) وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ : قِيَامُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ ، وَكَوْنُ الشَّرْطِ الْمِلْكَ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ غَالِبَ الْوُجُودِ بِتَقْدِيرِ الشَّرْطِ نَظَرًا إلَى ظُهُورِ الِاسْتِصْحَابِ وَمُتَيَقَّنُهُ فِي الثَّانِي ، فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِخَافَةُ الْحَامِلَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ الْفِعْلِ ، فَإِذَا تَمَّتْ لَا يُحْتَاجُ فِي بَقَائِهَا إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ حَقِيقَتِهَا بِقِيَامِ الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُقُوعِ الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْأَخِيرِ فَلَا

يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ إلَّا عِنْدَهُ ، وَهَذَا مَا وَعَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ .
وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فَتَحَقُّقُهُمَا حَقِيقَةً بِتَكْرَارِ أَدَاتِهِمَا وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِوَاوٍ وَبِغَيْرِهِ ، أَمَّا الثَّانِي فَكَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَتَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرُ وَهَذَا الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ .
وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ اللِّقَاءِ بِتَقْدِيمِ الْجَزَاءِ ، فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } الْمَعْنَى : إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وقَوْله تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } فَالْجَوَابُ أَحْلَلْنَا لَك امْرَأَةً مُؤْمِنَةً بَعْدَ هِبَتِهَا نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ ؛ فَالْمَعْنَى : إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا .
قِيلَ وَيَحْتَمِلُ تَأَخُّرَ إرَادَتِهِ لِأَنَّهَا كَالْقَبُولِ ، فَالْمَعْنَى : إنْ وَهَبَتْ مُؤْمِنَةٌ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ : أَيْ قَبْلَ أَحْلَلْنَاهَا .
وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ وَلَا الشَّرْطُ

الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَخَفُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ .
وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبُ .
وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ انْتَهَى .
وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدُهَا ثُمَّ يُعْطِيهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ سَأَلْتَنِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِإِذَا ، فَإِنْ كَانَ بِإِنْ تَطْلُقَ لِوُجُودِهِمَا كَيْفَ كَانَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي ذَلِكَ " إذَا " لَا " إنْ " .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ ذَكَرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدِمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يُنْتَظَرُ قُدُومُ الْآخَرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ يَمِينٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَزَاءَ لَهُ ،

فَإِذَا عُطِفَ عَلَى شَرْطٍ تَعَلَّقَ بِهِ جَزَاؤُهُ : أَيْ تَعَلَّقَ جَزَاؤُهُ بِعَيْنِهِ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ : وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ ، فَلِذَا لَوْ قَدِمَا مَعًا لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلَاقٌ وَاحِدٌ ، وَكَذَا إذَا خَلَّلَ الْجَزَاءَ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ فَقَالَ : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي ، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ فَقَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَإِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدُمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَ شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِأَوَّلِهِمَا صَارَ عَطْفًا عَلَى الْيَمِينِ كَالْأَوَّلِ لَا عَلَى الشَّرْطِ فَقَطْ ، فَإِنْ نَوَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِنِيَّةِ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَى نَفْسِهِ ، فَأَمَّا إذَا عَطَفَ بِلَا أَدَاةِ شَرْطٍ كَانَ الْمَجْمُوعُ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارًا كَلِمَةَ الشَّرْطِ ، كَذَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ .
[ تَنْبِيهٌ ] يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ الِاتِّصَالُ كَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَعُرُوضُ اللَّغْوِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزَاءِ فَاصِلٌ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ .
وَفِي الْجَامِعِ : لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْسَانًا .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَغْوٌ كَقَوْلِهِ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِهِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ ، بِخِلَافِ وَحُرٌّ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِلَفْظِهِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ ، فَإِنَّمَا يُشَاكِلُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا يُعْتَقُ فِيهِ .
وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّكُوتَ

وَالْعَطْفَ لَا يَمْنَعَانِ الْعَطْفَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ مُغَيِّرٍ بَلْ مُقَرَّرٌ ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ أَجْزِيَةً لَيْسَتْ أَيْمَانًا تَامَّةً ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَرِيبِ قَيْدِ الْكُلِّ .
وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا يَتَعَلَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ ، وَعَنْ هَذَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا إنْ دَخَلَتْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَيَتَعَلَّقُ الثَّلَاثُ .

( وَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ : هِيَ طَالِقٌ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ .
وَأَصْلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ فَتَعُودُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ ، وَسَنُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعْت إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ : يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ ثَلَاثٌ مُطْلَقٌ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ ، وَقَدْ بَقِيَ حَتَّى وُقُوعِهَا فَتَبْقَى الْيَمِينُ .
وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ إلَخْ ) فَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ لِلِاتِّفَاقِ فِيهَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ .
أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ وَاحِدَةٌ بِهَا يَكْمُلُ الثَّلَاثُ .
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ بِوَاسِطَةِ مِلْكِهِ ثِنْتَيْنِ بِالْهَدْمِ مَعَ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَجَزَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ ؛ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً ، وَعِنْدَهُمَا لَا إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ الْوُقُوعِ ثِنْتَيْنِ ( قَوْلُهُ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ ) وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ غَالِبَ الْوُقُوعِ لِتَحَقُّقِ الْإِخَافَةِ ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ عَدَمُ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ بِهِ عَدَمُ فِرَاقِهَا وَعَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلْعُمْرِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ مُرَادًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِهِ فَتَقَيَّدَ الْإِطْلَاقُ بِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ : أَعْنِي إرَادَةَ الْيَمِينِ .
وَأَيْضًا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لَهُ ، وَإِنَّمَا تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بَعْدَ الثَّانِي فَصَارَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بِالْإِسْلَامِ ، وَبُطْلَانُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحِلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَتْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا لَا يَقَعُ الْيَمِينُ فَهَذَا كَذَلِكَ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ حَيْثُ يُعْتَقُ لِأَنَّ

مَحَلِّيَّتَهُ بِالرِّقِّ وَلَمْ تَزُلْ بِالْبَيْعِ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ حَيْثُ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ ، خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ يُوقِعُ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَفَادَ حِلًّا جَدِيدًا بِمِلْكٍ جَدِيدٍ يَمْلِكُ بِهِ الثَّلَاثَ لِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَلَمْ تَزُلْ بِالطَّلْقَتَيْنِ فَكَانَتْ بَاقِيَةً حَالَ عَوْدِهَا إلَيْهِ .
وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةٌ كَقَوْلِ زُفَرَ لِقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَكَانَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا .
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ .
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا ، فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ، فَإِذَا نَجَزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَدَخَلَتْ حَيْثُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ ، إلَّا أَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ شَرْطِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَتَحْرِيمُ الْحِلِّ ، وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الطَّلَقَاتِ

( وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِلِاتِّحَادِ ) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَا دَوَامَ لِلْإِدْخَالِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ إذْ الْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ ، وَلَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ صَارَ مُرَاجِعًا بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا فَلَمَّا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَقَعَ الثَّلَاثُ ) ثُمَّ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الْحَالِ بَلْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ : أَيْ الْعُقْرُ بِهَذَا اللُّبْثِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ ( وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : إذَا جَامَعْتُك ) فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَتَقَتْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا مَكَثَ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرٌ لَهَا .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعُقْرَ فِي الْفَصْلَيْنِ لِوُجُودِ الْجِمَاعِ بِالدَّوَامِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالْحُرِّيَّةِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَبَقِيَ الْعُقْرُ ( وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْجَامِعَ الْإِدْخَالُ وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ ) حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَجِبْ لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ : أَيْ فِيهِ شُبْهَةُ أَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرُهُ مُوجِبًا لَهُ ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ .
وَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْبَضْعِ الْمُحْتَرَمِ لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ زَاجِرٍ أَوْ مَهْرٍ جَابِرٍ ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجْعِيًّا يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِاللَّبَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ .
وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ بِتَعَرُّضِ لِلْبَضْعِ عَلَى مَا مَرَّ فَلَمْ يُوجَبْ سَبَبٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلرَّجْعَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجَعًا بِالْإِجْمَاعِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْإِدْخَالَ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ

فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ .

( فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ )

( فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ) .
وَهُوَ بَيَانٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يَرِدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ حَدًّا اسْمِيًّا لِمَفْهُومِ لَفْظِ اسْتِثْنَاءٍ اصْطِلَاحًا عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاطِئٌ ، وَعَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ لِبَعْضِ الْجِنْسِ مِنْ الْحُكْمِ مَجَازٌ فِيهِ لِبَعْضِ غَيْرِهِ ، يُرَادُ الْكَائِنُ بَعْضُ الْجِنْسِ فِي الْمُتَّصِلِ وَيُقَيَّدُ بِغَيْرِهِ فِي الْمُنْقَطِعِ .
وَالْأَوْجَهُ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ إلَّا حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ لِبَعْضِ الْجِنْسِ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ ، وَفِيهِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَيْضًا بِالتَّوَاطُؤِ وَالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّهُ أَفْيَدُ ، بِخِلَافِ مَعْنَى لَفْظِ اسْتِثْنَاءٍ فَإِنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَأُلْحِقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالتَّعْلِيقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنْعِ الْكَلَامِ مِنْ إثْبَاتِ مُوجَبِهِ ، إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ الْكُلَّ وَالِاسْتِثْنَاءَ الْبَعْضَ ، وَقَدَّمَ مَسْأَلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمُشَابَهَتِهَا الشَّرْطَ فِي مَنْعِ الْكُلِّ ، وَذَكَرَ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَهْيَعَةٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لَا إلَى غَايَةٍ ، وَالشَّرْطُ مَنْعٌ إلَى غَايَةِ تَحَقُّقِهِ كَمَا يُفِيدُهُ : أُكْرِمُ بَنِي تَمِيمٍ إنْ دَخَلُوا ، وَلِذَا لَمْ يُورِدْهُ فِي بَحْثِ التَّعْلِيقَاتِ ، وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ اسْمٌ تَوْقِيفِيٌّ ، قَالَ تَعَالَى { وَلَا يَسْتَثْنُونَ } أَيْ لَمْ يَقُولُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلِلْمُشَارَكَةِ فِي الِاسْمِ أَيْضًا اُتُّجِهَ ذِكْرُهُ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي صِيَغِ الْإِخْبَارِ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءَ إيجَابٍ لَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .
لَوْ قَالَ : أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَهُمْ عِتْقُهُ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ لِلْمَأْمُورِ بَيْعُهُ .
قِيلَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقَعُ مُلْزِمًا فَيَحْتَاجُ إلَى إبْطَالِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَذَكَرَهُ لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ ، وَالْأَمْرُ لَا يَقَعُ مُلْزِمًا

لِقُدْرَتِهِ عَلَى عَزْلِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِيَجِبَ اعْتِبَارُ صِحَّتِهِ .
وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ : كُلُّ مَا يَخْتَصُّ بِاللِّسَانِ يُبْطِلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالصَّوْمِ لَا يَرْفَعُهُ لَوْ قَالَ : نَوَيْت صَوْمَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ أَدَاؤُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، وَهَلْ الشَّرْطُ فِي صِحَّتِهِ تَصْحِيحُ حُرُوفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ أَنْ يَسْمَعَهُ ؟ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ .

( وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ } وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةٍ الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّهُ إعْدَامٌ قَبْلَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هَاهُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الشُّرُوطِ ( وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ) فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ بَعْدَهُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ .
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَخْ ) وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ فِيمَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْحَائِطُ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ لَمْ يَقَعْ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ ، حَتَّى لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَقَعُ .
وَحُكِيَ عِنْدَنَا فِيهِ خِلَافٌ قَالَ خَلْفٌ : يَقَعُ ، وَقَالَ أَسَدٌ لَا يَقَعُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ طَلَاقًا ، وَقَالَ : رَأَيْت أَبَا يُوسُفَ فِي النَّوْمِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : لَا يَقَعُ ، فَقُلْت لِمَ ؟ قَالَ : أَرَأَيْت لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَكَانَ يَقَعُ ؟ قُلْت : لَا ، قَالَ كَذَا هَذَا ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَصَارَ كَسُكُوتِ الْبِكْرِ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَلَا تَدْرِي أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا .
وَفِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي النِّيَّةِ .
قِيلَ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ ، وَقِيلَ قَبْلَ فَرَاغِهِ ، وَقِيلَ : وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ ، وَقِيلَ : وَلَوْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهَا بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ مَا فِيهِ مَوْصُولًا اسْمِيًّا فَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّ الْغَيْبَ هُوَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْوَاقِعِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، وَلَا شَكَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْمَذْكُورُ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ ، وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهَا حَرْفِيًّا : أَيْ مُدَّةَ مَشِيئَةِ اللَّهِ فَلَا تَطْلُقُ ، فَالْحُكْمُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ بَعْدَ ظُهُورِهِ بِالْمُنَجَّزِ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُقُوعِ مَعَ الْمَشِيئَةِ إذَا كَانَ الْأَظْهَرُ كَوْنُهَا الْمَصْدَرِيَّةِ الظَّرْفِيَّةِ لِيَتَرَجَّحَ تَعْلِيقُهُ بِالْمَشِيئَةِ ،

لَكِنْ الثَّابِتَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا ، ثُمَّ لَا يَقَعُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً إذَا قُلْنَا بِتَسَاوِي اسْتِعْمَالَيْهَا ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ الظَّرْفَ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ وَعَلِمْت أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ، أَمَّا لَوْ قَالَ : إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ مَجْلِسُ عِلْمِهِ ، فَإِنْ شَاءَ فِيهِ طَلُقَتْ وَإِلَّا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ ، وَكَذَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ أَوْ يُرِيدُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يَرْضَى أَوْ يَهْوَى أَوْ يَرَى أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ تَقَيَّدَ بِمَجْلِسِ الْعِلْمِ ، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إخْبَارُ فُلَانٍ بِلِسَانِهِ لَا مَشِيئَتِهِ وَرِضَاهُ بِقَلْبِهِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وَأَخَوَاتِهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ ، وَلَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْعِبَارَةُ فَيُقَامُ مَقَامَهُ ، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ ، وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْمَشِيئَةَ وَالثَّلَاثَةَ بَعْدَهَا إلَيْهِ تَعَالَى بِالْبَاءِ فَقَالَ : طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ، إذْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ ، وَالْكَائِنُ فِي التَّعْلِيقِ إلْصَاقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَإِنْ أَضَافَ الْأَرْبَعَةَ وَمَا بَعْدَهَا بِالْبَاءِ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا ، وَإِنْ قَالَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَيْهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي مِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا ، وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ اللَّامِ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْإِيقَاعِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ .
وَإِنْ قَالَ بِحَرْفِ " فِي " إنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا

فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ وَاقِعٌ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا ، وَلَا يَلْزَمُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا التَّقْدِيرُ ، وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي .
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعٌ تَحَقَّقَ طَلَاقًا ، وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا وَلَا يَقَعُ ، لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى : أَيْ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ تَحَقُّقِهِ .
يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقُهُ فِي الْحَالِ .
وَفِيهِ أَيْضًا : وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ بِفِي كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ وَمَا بِمَعْنَاهَا مِنْ الْهَوَى وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ الْأَوَاخِرِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْجِيزِ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوعُ ، بِخِلَافِ تَوْجِيهِنَا .
وَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَحِقَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَبَطَلَ ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَشَاءَ اللَّهُ فَيُعْدَمُ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِهِ إبْطَالُهُ ؛ وَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ وَاحِدَةً الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ ، لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ فِي الْيَوْمِ لَطَلَّقَهَا فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ الْوَاحِدَةَ فَتَحَقَّقَ شَرْطُ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةَ بِخِلَافِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا عَدَمُ مَشِيئَتِهَا فَلَا يُمْكِنُ

وُقُوعُهَا مَعَ عَدَمِ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى : لَوْ قَالَ : طَالِقٌ الْيَوْمَ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فِي الْيَوْمِ فَطَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ .
وَقَالَ : لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْيَوْمِ فِي الْيَمِينَيْنِ فَهُوَ إلَى الْمَوْتِ ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ ثَلَاثًا بِلَا فَصْلٍ ، وَقَدْ ظَنَّ أَنَّهُ مُخَالِفُ مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُنْتَقَى تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ ، إذْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَتَيْنِ لِأَوْقَعَهُمَا الزَّوْجُ .
وَفِي مَسْأَلَةِ النَّوَازِلِ تَعْلِيقُ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ إيَّاهُمَا فَلَا يَقَعَانِ أَبَدًا ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ } إلَخْ ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَمَعْنَاهُ مَرْوِيٌّ .
أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى } لَفْظُ النَّسَائِيّ ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ { فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ } وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنَ عُمَرَ مَوْقُوفًا ، وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ .
وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : كَانَ أَيُّوبُ أَحْيَانًا يَرْفَعُهُ وَأَحْيَانًا لَا يَرْفَعُهُ ا هـ .
وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الرَّفْعِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي نَظَائِرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ لَفْظِ إنْ شَاءَ

اللَّهُ .
وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمُورَدِ فِي الْيَمِينِ لَا يَتِمُّ فِي مُجَرَّدِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ .
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْكَعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ } وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقَ ، هَذَا نُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَلَمْ يُعْلَمْ تَوْثِيقُهُ عَنْ غَيْرِهِمَا .
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ } ضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِحُمَيْدٍ ، وَتَعَدُّدُ طُرُقِ الضَّعِيفِ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُهُ إلَى الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْوَضْعِ ، لَكِنْ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّعَدُّدِ لَا يَكْفِي ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ الشَّرْطِ ) أَيْ بِحَرْفِهِ دُونَ حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا ثَابِتَةٌ قَطْعًا أَوْ مُنْتَفِيَةٌ قَطْعًا فَلَا تَرَدُّدَ فِي حُكْمِهَا ، وَمَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيقٌ ( فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ .
( وَأَنَّهُ إعْدَامٌ ) أَيْ التَّعْلِيقُ إعْدَامُ الْعَلِيَّةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ( قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ هُنَا فَيَكُونُ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ } وَقَالَ : إذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْت أَهْلِي وَعَادَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

تَعْلِيقٌ مُلَاحَظَةً لِلصِّيغَةِ وَهُمَا لَاحَظَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَوْلَى ، وَقَدْ نُقِلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى عَكْسِهِ .
وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِعَدَمِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَى الْإِبْطَالِ .
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنَّفِ عَكْسُ هَذَا ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ يَمِينَيْنِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَعَلَى التَّعْلِيقِ يَعُودُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ، فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا لَا يَقَعُ ، وَلَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ ، وَعَلَى الْإِبْطَالِ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ ، فَلَوْ كَلَّمَتْ زَيْدًا أَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِيقَاعَيْنِ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَلَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْإِبْطَالِ .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ إذَا دَخَلَ عَلَى إيقَاعَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ ، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَقَالَهُ حَنِثَ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ) أَيْ إذَا سَكَتَ كَثِيرًا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِهِ بِجُشَاءٍ أَوْ تَنَفُّسٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَكَتَ قَدْرَ التَّنَفُّسِ ثُمَّ اسْتَثْنَى لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْفَصْلِ وَلِلْفَصْلِ اللَّغْوِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ، لِأَنَّ

التَّكْرَارَ لِلتَّأْكِيدِ شَائِعٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ يَقُولُ قَوْلُهُ وَثَلَاثًا لَغْوٌ فَيَقَعُ فَاصِلًا فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَلَوْ قَالَ : حُرٌّ حُرٌّ بِلَا وَاوٍ وَاسْتَثْنَى لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ التَّأْكِيدِ .
وَقِيَاسُهُ إذَا كَرَّرَ ثَلَاثًا بِلَا وَاوٍ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ .
وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَتِيقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ فَلَا يُعْتَقُ ، بِخِلَافِ حُرٌّ وَحُرٌّ لِأَنَّ الْعَطْفَ التَّفْسِيرِيَّ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ ، وَحُرٌّ لِقَوْلِهِ حُرٌّ تَفْسِيرًا فَكَانَ فَاصِلًا بِخِلَافِ حُرٌّ وَعَتِيقٌ ، وَمِثْلُ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَغْوًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ تَكْمِيلُ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ قَالَ : ثَلَاثًا بَوَائِنَ أَوْ أَلْبَتَّةَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ مَعَ الثَّلَاثِ لَغْوٌ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ هَذَا وَيَتَرَاءَى خِلَافٌ فِي الْفَصْلِ بِالذِّكْرِ الْقَلِيلِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ : لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مُسْتَثْنٍ دِيَانَةً لَا قَضَاءً .
وَفِي الْفَتَاوَى : لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ رَجُلًا وَيَخَافَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي السِّرِّ يُحَلِّفُهُ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ الْيَمِينِ مَوْصُولًا سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ .
وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْفَصْلِ بِالذِّكْرِ ، وَلَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ وَطَالَ تَرَدُّدُهُ ثُمَّ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَسَدَ إنْسَانٌ فَاهُ سَاعَةً ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا

بِرَفْعِهِ صَحَّ .
وَعَنْ هِشَامٍ : سَأَلْت مُحَمَّدًا عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فَأَمْسَكَتْ فَاهُ قَالَ : يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً : يَعْنِي إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ ، وَلَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْفَصْلِ ، وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُهُ إلَى سَنَةٍ .
وَعَنْهُ أَبَدًا .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ { سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : يَعْنِي الْمَلَكَ ، قُلْ : إنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَنَسِيَ إلَى آخِرِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قَالَهَا لَقَاتَلُوا جَمِيعًا } قُلْنَا : يَحْتَمِلُ قَوْلَ الْمَلَكِ لَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْ قَالَهَا } : يَعْنِي مُتَّصِلًا .
وَاسْتَدَلَّ الْمُطْلِقُونَ بِظَوَاهِرَ مِنْهَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا الْحَدِيثُ ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إلَّا الْإِذْخِرَ ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ : إلَّا الْإِذْخِرَ } وَمِنْهَا أَنَّهُ { قَالَ فِي أَسْرَى بَدْرٍ : لَا يَفْلِتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : إلَّا سُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءَ ، فَقَالَ : إلَّا سُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءِ } وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ هَذَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَى جِهَةِ النَّسْخِ دُفِعَ بِأَنَّهُ بِإِلَّا وَهِيَ تُؤْذِنُ بِاتِّصَالِ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّفْعُ بِنَفْسِ لَفْظِ الْقَائِلِ إيذَانًا بِأَنَّهُ وَافَقَ الشَّرْعَ الْمُتَجَدِّدَ ، وَفِي الْعُرْفِيَّاتِ مِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فَيُقَدَّرُ لَهُ جُمْلَةٌ تُشَاكِلُ الْأُولَى مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِهَا كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا إلَّا

الْإِذْخِرَ .
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَإِنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ، ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ } وَيُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَغْزُهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْ وَلَمْ يَحْنَثْ ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَى الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْهَا .
فَحِينَ رَأَى أَنَّ عَدَمَ غَزْوِهِمْ خَيْرٌ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ .
وَمِنْهَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ { فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ } وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ ، لِأَنَّ عُرْفَ جَمِيعِ النَّاسِ وَصْلُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا فَصْلُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، فَكَيْفَ وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ } ثُمَّ يُوجِبُهُ أَيْضًا اللَّوَازِمُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِوُقُوعِ طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا إقْرَارٍ بِمَالٍ وَلَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ اللَّوَازِمِ الْبَاطِلَةِ ، وَبِذَلِكَ أَخَافَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَنْصُورَ حِينَ وَشَى بِهِ أَعْدَاؤُهُ إلَيْهِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ رَأْيَ جَدِّك ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ ، فَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ : إنَّ مُخَالِفَتَهُ فِيهَا تَحْصِينُ الْخِلَافَةِ عَلَيْك وَمَنْعُ خُرُوجِ الْمُحَالِفِينَ لَك مِنْ الْخُرُوجِ عَلَيْك ، وَإِلَّا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَثْنُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِك .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِنَا فِي أَنَّهُ إذَا قَالَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ : يَتَنَجَّزَانِ لِأَنَّهُ

عَلَّقَهُمَا بِشَرْطٍ مُحَقَّقٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ كُلًّا مِنْ طَلَاقِهَا وَعَتَاقَهَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّلَفُّظُ بِهِ ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ صُدُورَ اللَّفْظِ مِنْهُ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ صُدُورَهُ ، وَإِنْ أَرَادَ وُجُودَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَدْ حَكَمَتْ الشَّرِيعَةُ أَنَّهُ إذَا صَدَرَ اللَّفْظُ وَجَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا ، وَإِنْ أَرَادَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَشِيئَةِ فِيمَا بَعْدُ فَمَشِيئَتُهُ قَدِيمَةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَظَنُّهُ أَنَّهَا تَتَجَدَّدُ مُحَالٌ .
وَالْحُجَّةُ لَنَا مَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى .
وَالْجَوَابُ عَنْ مُتَمَسَّكِهِ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِمُحَقَّقٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَخْتَارُ أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيقَ وُجُودِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُهُ فَقَدْ حَكَمَتْ الشَّرِيعَةُ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ، إذْ التَّعْلِيقَاتُ مِنْ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ وُجِدَ فِيهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَمْ تَحْكُمْ الشَّرِيعَةُ بِوُقُوعِهِ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ .
( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ ذِكْرُ الشَّرْطِ إلَخْ ) إنَّمَا نَوْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اسْتِثْنَاءٌ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ النَّقْلِ عَنْهُمَا ، وَقَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مَثَلًا ، قَالَ فِي النَّوَازِلِ : هَذَا قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ مِنْ الْأَمْثَالِ مَا لَيْسَ بِهِ حَقِيقَةٌ ، وَلِأَنَّ الْمِثْلَ تَشْبِيهٌ وَلَا يَكُونُ فِي التَّشْبِيهِ إيجَابُ الْمَالِ ، قَالَ : وَبِهِ نَأْخُذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِيجَابَ عَلَى نَفْسِهِ .

[ فُرُوعٌ ] طَلَّقَ أَوْ خَلَعَ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ الشَّرْطَ وَلَا مُنَازِعَ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ، وَكَذَا إذَا كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي لِلْإِمَامِ مَحْمُودٍ الْبُخَارِيِّ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ قَالَا : لَمْ يَسْتَثْنِ قُبِلَتْ ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى النَّفْيِ بَلْ قَالَا : لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ لَفْظَةِ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الِاسْتِثْنَاءَ .
فَفِي الْمُحِيطِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ : لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ إذَا عَرَفَ الطَّلَاقَ بِالْبَيِّنَةِ بَلْ إذَا عَرَفَ بِإِقْرَارِهِ ، وَمِثْلُهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَعْتَقْتُك أَمْسِ وَقُلْت : إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ .
وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ : لَوْ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَتْ : بَلْ طَلَّقَنِي فَالْقَوْلُ لَهَا وَلَا يُصَدَّقُ الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا : قُلْت لَك : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَقَالَتْ : طَلَّقَنِي مُنَجَّزًا الْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : إذَا ذُكِرَ الْجُعْلُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ كَالْخَلْعِ .
وَنَقَلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ مَشَايِخَنَا أَجَابُوا فِي دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُصَدَّقَ الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقَدْ فَسَدَ حَالُ النَّاسِ .
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنْ يَنْظُرَ ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالشُّهُودُ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى النَّفْيِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ تَصْدِيقًا لَهُ ، وَإِنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ بِقَوْلِ الْمَانِعِ لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ .

وَلَوْ طَلَّقَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّك قَدْ اسْتَثْنَيْت وَهُوَ غَيْرُ ذَاكِرٍ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا غُصِبَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَسِعَهُ الْأَخْذُ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِلَّا لَا يَأْخُذُ بِهَا .

( وَكَذَا إذَا ) ( مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) لِأَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ
( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا مَاتَتْ ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
وَقَوْلُهُ وَالْمَوْتُ يُنَافِي إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي الْوَاقِعَ مِنْ الطَّلَاقِ ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ الْوَصْفِ أَوْ الْعَدَدِ لَا يَقَعُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَافِيَ الِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ الْمُبْطِلُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ .
أَجَابَ بِأَنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي الْمُوجِبَ فَيَبْطُلُ بِهِ وَيُنَاسِبُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ ) قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ يُرِيدُهُ وَيَعْلَمُ إرَادَتَهُ بِأَنْ ذَكَرَ لِآخِرِ قَصْدِهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : يَحْتَمِلُ كَذِبَهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيَتْرُكَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِيهِ ، ثُمَّ الْوَاقِعُ الْوُقُوعُ فَبَحْثُهُ هَذَا إذَا كَانَ لِإِثْبَاتِ عَدَمِ الْوُقُوعِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ إذَا اكْتَفَى فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ بِنِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَهُ غَيْرُ اللَّجَاجِ .

( وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِفُلَانِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ يَبْقَى التَّكَلُّمُ بِالْبَعْضِ بَعْدَهُ ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلَّمًا بِهِ وَصَارِفًا لِلَّفْظِ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثِنْتَانِ فَيَقَعَانِ وَفِي الثَّانِي وَاحِدَةٌ ، فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ : إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ : إلَّا ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ .
قَالُوا : لَمْ تَتَكَلَّمْ الْعَرَبُ بِهِ وقَوْله تَعَالَى { إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ } وَالْغَاوُونَ الْأَكْثَرُونَ .
قَالَ : تَعَالَى { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ ، إذْ الْمُرَادُ بِعِبَادِي الْخُلَّصُ هَكَذَا اسْتَقَرَّ الِاسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِيُّ ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ لِلتَّشْرِيفِ فَلَمْ يَدْخُلْ الْغَاوُونَ .
قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لُغَةً وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي الْآيَةِ مَمْنُوعٌ وَلَوْ سُلِّمَ مَعَ مَا فِيهِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ } .
وَلَوْ سُلِّمَ فَعَدَمُ السَّمَاعِ فِي تَرْكِيبٍ مُعَيَّنٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ مِائَةٌ إلَّا ثُمُنًا وَسُدُسَ ثُمُنٍ وَسَائِرَ الْكُسُورِ ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَرِدْ بِالصَّدْرِ .
فَحَاصِلُ التَّرْكِيبِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى ، وَقَوْلُهُمْ إخْرَاجٌ عَنْ الصَّدْرِ إلَى آخِرِهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِخْرَاجِ مُتَعَذِّرَةٌ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي سَبْقَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ الدُّخُولُ فِي التَّنَاوُلِ فَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يُفِيدُ الْإِخْرَاجَ مِنْهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ ، لِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ بَعْلَةِ وَضْعِهِ لِتَمَامِ الْمَعْنَى وَهِيَ قَائِمَةٌ مُطْلَقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ الدُّخُولُ فِي الْإِرَادَةِ بِالْحُكْمِ لَزِمَ أَنْ

يَكُونَ كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ نَسْخًا ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } مِنْ الْإِخْبَارَاتِ ، لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي إرَادَةِ عُمُومِ الصَّدْرِ بِالْحُكْمِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ ، أَوْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُنْتَفِيَ ، أَوْ غَالِطًا فِي أَحَدِهِمَا وَيَسْتَحِيلَانِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ، فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ بَيَانُ أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا لَمْ يَرِدْ بِالْحُكْمِ ، ثُمَّ هَلْ يَكُونُ مُرَادًا بِالصَّدْرِ : أَعْنِي الْعَامَّ أَوْ الْكُلَّ ، ثُمَّ أَخْرَجَ ثُمَّ حَكَمَ عَلَى الْبَاقِي ، أَوْ أُرِيدَ ابْتِدَاءً بِالصَّدْرِ مَا سِوَى مَا بَعْدَ إلَّا وَإِلَّا قَرِينَتُهُ خِلَافٌ لَا يُوجِبُ خِلَافًا فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَاصِلَ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ تَكَلُّمُهُ بِالْبَاقِي : أَيْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ ، وَحَقَّقْنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أُرِيدَ عَشَرَةٌ وَحُكِمَ عَلَى سَبْعَةٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً ، فَإِرَادَةُ الْعَشَرَةِ بِعَشَرَةٍ بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمَذْهَبُ الْآخَرُ بِزِيَادَةِ تَكَلُّفٍ ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ دَلَالَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً اسْمًا مُرَكَّبًا لِمَعْنَى سَبْعَةٍ كَمَا نُسِبَ إلَى الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ ، عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْأُصُولِ ، بَلْ مُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً .
وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إخْرَاجٌ ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ لِاسْتِلْزَامِهِ فِي الْإِخْبَارِ مَا ذَكَرْنَا ، وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ ، وَالتَّخْصِيصُ بَيَانُ أَنَّ الْمُخَصَّصَ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا ، أَوْ قَالُوهُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ

الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِالْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حُكْمَيْنِ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَثَلًا فِي ضِمْنِ الْعَشَرَةِ بِالْإِثْبَاتِ وَبَعْدَ إلَّا بِالنَّفْيِ ، لَكِنْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا حَقِيقَةَ لِلْإِسْنَادَيْنِ فِيهَا وَإِلَّا كَانَ تَنَاقُضًا ، وَحِينَئِذٍ فَالثَّابِتُ صُورَةُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ حُكْمِ الصَّدْرِ وَمَا بَعْدَ إلَّا ، وَتَرَجَّحَ الثَّانِي فَيَجِبُ حَمْلُ الْمَرْجُوحِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ لِكُلِّ مُعَارَضَةٍ تَرَجَّحَ فِيهَا أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ فِي الصَّدْرِ إلَّا عَلَى سَبْعَةٍ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ) قِيلَ : لِأَنَّهُ رُجُوعٌ بَعْدَ التَّقَرُّرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ .
وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ ، لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ ، وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلتَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ التَّبَادُرُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْيِ أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكُلِّ ، بَلْ يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَنَحْوُهُ وَاسْتِقْرَاءُ اسْتِعْمَالَاتِ الْعَرَبِ تُفِيدُهُ وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَجْوِيزِهِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ مُخْرَجًا بِغَيْرِ لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا مَمَالِيكِي فَيَعْتِقُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَزِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ قَالَ : نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَفَاطِمَةَ وَحَفْصَةَ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ .
وَفِي الْبَقَّالِيِّ لَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا لَا تَطْلُقُ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ

ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، فَكَانَ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى تَوَقُّفَ صِحَّةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوَّلًا ، وَهُمَا يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأُولَى ، وَزُفَرُ يَرَى اقْتِصَارَهُ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الصَّدْرَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِخْرَاجِ .
وَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَعَدُّدٍ يَصِحُّ مَعَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ .
وَلَوْ قَالَ : وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا اثْنَتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَكَذَا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ إخْرَاجُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ أَوْ الْوَاحِدَةِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً حَيْثُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ لِصِحَّةِ إخْرَاجِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ ، وَإِذَا تَعَقَّبَ جَمَلًا قَيَّدَ الْأَخِيرَةَ مِنْهَا ، وَكَمَا قَيَّدْنَا بُطْلَانَ الْمُسْتَغْرَقِ بِمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَذَلِكَ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْمُسْتَغْرِقَ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ يَكُونُ جَبْرًا لِلصَّدْرِ ، فَإِنْ كَانَ صَحَّ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ : لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَا وَاوٍ كَانَ الْكُلُّ إسْقَاطًا مِمَّا يَلِيهِ ، فَيَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ إسْقَاطٌ مِنْ الصَّدْرِ وَكُلَّ شَفْعٍ جَبْرٌ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً كَانَ الْوَاقِعُ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّك أَسْقَطْت مِنْ الثَّلَاثِ ثِنْتَيْنِ

أَوَّلًا فَصَارَ الْحَاصِلُ وَاحِدَةً ، ثُمَّ أَسْقَطْت مِنْ السَّاقِطِ مِنْ الصَّدْرِ وَاحِدَةً فَجُبِرَ بِهَا الصَّدْرُ فَصَارَ الْبَاقِي ثِنْتَيْنِ ، فَقَدْ أَخْرَجَ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَاحِدَةً فَصَارَتْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا مِنْ الثَّلَاثِ الصَّدْرِ فَصَارَ الْبَاقِي وَاحِدَةً ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ الْمُسْتَثْنَاةَ مِنْ الثَّلَاثِ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ تَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهَا فَيَصِحُّ أَوَّلًا فَيَبْطُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَصْلُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْله تَعَالَى { إلَّا آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا امْرَأَتَهُ } وَمِنْ فُرُوعِهَا الْمَعْرُوفَةِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً إلَّا سِتَّةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً تَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ .
وَلَوْ قَالَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ .
وَأَصْلُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ أَوَّلًا ، وَيُسْتَتْبَعُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا فِي الْحُكْمِ ابْتِدَاءً ، فَلَوْ أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ ثُمَّ اسْتَثْنَى كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْكُلِّ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثًا تَقَعُ وَاحِدَةً ، أَوْ عَشَرَةً إلَّا تِسْعَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، أَوْ خَمْسًا إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ الثَّلَاثُ .
وَفِي الْمُنْتَقَى : طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا فَهِيَ ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ وَثَلَاثًا فَاصِلًا لَغْوًا فَاسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ فَيَقَعُ الْكُلُّ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَأَنَّهُ قَالَ : سِتًّا إلَّا أَرْبَعًا .
وَمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَنْوِي ، فَإِنْ قَالَ عَنِيت ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَإِلَّا فَلَا خَارِجَ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ ، كَذَلِكَ

الْحَلْوَانِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا فِي الْمُنْتَقَى .
وَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ طُولِبَ بِالْبَيَانِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ثِنْتَانِ ، وَمَا قِيلَ إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُنَاسِبُ أَصْلَ أَبِي يُوسُفَ ، يَعْنِي فِي مَنْعِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ تِلْكَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَا ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ .
نَعَمْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُنَاسِبُ تِلْكَ الرِّوَايَةَ .
وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَتَقَعُ وَاحِدَةً .
.

[ فَرْعٌ ] إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقَةِ لَغْوٌ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ .
فَلَوْ قَالَ : طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً .
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْإِيقَاعِ إنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِمَعْنًى فِي الْمَوْقِعِ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَجَزَّأُ فِيهِ فَصَارَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا

بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ ( وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهِيَ السَّبَبُ وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ .
وَلَنَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا ، وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يَبْقَى فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ إرْثِهَا عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا إمْكَانَ ، وَالزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ عَنْهَا فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِ خُصُوصًا إذَا رَضِيَ بِهِ .

( بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَلَاقِ الصَّحِيحِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَكُلًّا وَجُزْءًا شَرَعَ فِي بَيَانِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ إذْ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ ، وَتَصَوُّرُ مَفْهُومِهِ ضَرُورِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الْمَرَضِ أَجْلَى مِنْ فَهْمِهِ مِنْ قَوْلنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ ، بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى ( قَوْلُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا تَرِثُهُ ، وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ فِي الرَّجْعِيِّ يَرِثُهُ وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ فِي طَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ .
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْآخَرُ ، وَبِالْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ تَرِثُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِعَشْرَةِ أَزْوَاجٍ .
وَلِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ ، وَيُعْرَفُ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِرْثِ بِالْعِدَّةِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي مَرَضٍ مَاتَ فِيهِ لَا تَرِثُ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقِ ، وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الرِّضَا ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا لَا تَرِثُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِمَا مِمَّنْ يَتَوَارَثَانِ حَالَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ إذَا مَرِضَ هُوَ إذْ ذَاكَ ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا تَرِثُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عِتْقٍ لَا تَرِثُ .
أَمَّا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ إذَا أَسْلَمْت فَأَنْتِ

طَالِقٌ بَائِنًا تَرِثُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِزَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَرِثُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرِ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنًا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَتَيَقَّنُ بِوَضْعِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَرِثُ .
وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ قَالَتْهُ ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ( قَوْلُهُ وَهِيَ السَّبَبُ ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ هِيَ السَّبَبُ فِي الْإِرْثِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْبَيْنُونَةِ ، وَكَذَا لَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ ، فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةً لَاقْتَضَتْ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةُ ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَائِشَةَ وَزَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ وَشُرَيْحٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَاوُسٍ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَرْثِ الْعُكْلِيِّ .
لَنَا الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ .
أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَّثَ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ زِيَادٍ الْكَلْبِيَّةَ ، وَقِيلَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ السُّلَمِيَّةُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا بَتَّ طَلَاقَهَا فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ

أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَقَالَ : مَا اتَّهَمْته وَلَكِنْ أَرَدْت السُّنَّةَ .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَلْيَقُ مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ وَرَّثَهَا فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ : مَا فَرَرْت مِنْ كِتَابِ اللَّهِ .
وَقَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ : لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا ، أَرَادَ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِي إذْ ذَاكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي حَقِّهَا ذَلِكَ ، وَهُوَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَلَا يُقْدَحُ فِيهِ .
لَا يُقَالُ : بَلْ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَانَ سُكُوتِيًّا ، وَحِينَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ سُكُوتَهُ لَمْ يَكُنْ وِفَاقًا .
لِأَنَّا نَقُولُ : نَعَمْ لَوْ كَانَ إذْ ذَاكَ فَقِيهًا لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إذْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَا شُهْرَةٌ بِفِقْهٍ ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ يَتْبَعُ ظُهُورَ ذَلِكَ فَخِلَافُهُ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ .
وَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ : كَانَ قَضَاءُ عُثْمَانَ بَعْدَ الْعِدَّةِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى مَا لَوْ وَهَبَ كُلَّ مَالِهِ أَوْ تَبَرَّعَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِجَامِعِ إبْطَالِ حَقٍّ بَعْدَ تَعَلُّقِهِ بِمَالِهِ فِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بِالْمَرَضِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَوْتِ ، وَلِذَا حُجِرَ عَنْ التَّبَرُّعَاتِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالزَّوْجَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ فَقَدْ تَمَّ الْقِيَاسُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ ، وَهَذَا الْقِيَاسُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ بَلْ هُوَ دَائِرٌ مَعَ ثُبُوتِ الْإِبْطَالِ سَوَاءً قَصَدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ .
وَصُورَتُهُ : هَكَذَا قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا بَعْدَ تَعَلُّقِهِ فَيَثْبُتُ نَقِيضُ مَقْصُودِهِ كَقَاتِلِ الْمُوَرِّثِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ فَعَلَهُ

مُحَرَّمًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فَالْحُكْمُ ثُبُوتُ نَقِيضِ مَقْصُودِهِ ، وَلِذَا اخْتَلَفَ خُصُوصُ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ، فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَنْعُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْفَرْعِ ثُبُوتُ الْمِيرَاثِ .
وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِي طَرِيقِ الْآمِدِيِّ بِمُنَاسِبِ غَرِيبٌ إذْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلُ بِالِاعْتِبَارِ ، بَلْ الثَّابِتُ مُجَرَّدُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَهُ فِي الْمَحِلِّ : أَعْنِي الْقَاتِلَ ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تَرِثَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا رَأَوْا أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْإِمْكَانُ وَهُوَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِالْمِيرَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ وَالْعِتْقُ ، فَحَيْثُ اقْتَضَى الدَّلِيلُ تَوْرِيثَ الشَّرْعِ إيَّاهَا لَزِمَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ بَقَاءُ النِّكَاحِ حَالَ الْمَوْتِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَقَاءَهُ إمَّا بِالْحُكْمِ بِقِيَامِهِ حَقِيقَةً أَوْ بِقِيَامِ آثَارِهِ مِنْ مَنْعِ الْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيَامُ هَذِهِ الْآثَارِ لَيْسَ إلَّا بِقِيَامِ الْعِدَّةِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ تَوْرِيثِهَا بِمَوْتِهِ فِي عَدَمِهَا ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُعَيِّنْ لِقِيَاسِهِ أَصْلًا فِي الْإِلْحَاقِ ، بَلْ قَالَ : قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ، وَمِثْلُهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ أَمْوَالٌ شَتَّى يُمْكِنُ الْإِلْحَاقُ بِكُلٍّ مِنْهَا ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِرَدِّ الْقَصْدِ أَصْلٌ سِوَى قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ .
وَيُمْكِنُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ أُصُولَهُ كُلَّ مَنْ أَلْزَمْ ضَرَرًا بِطَرِيقٍ غَيْرِ مُبَاحٍ فَإِنَّهُ يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ الزَّوْجِيَّةُ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ غَيْرُ جَيِّدٍ لِأَنَّهَا سَبَبُ إرْثِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ .
وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ : الزَّوْجِيَّةُ سَبَبُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إلَخْ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ

الِانْقِضَاءِ ) أَيْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ لَا إمْكَانَ لِلتَّوْرِيثِ إذَا لَمْ يُعْهَدُ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ بَعْدَهَا .
عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَبِهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ : أَيْ مَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قُدْرَةِ التَّزَوُّجِ وَهُوَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ : أَيْ مَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالزَّوْجِيَّةُ إلَخْ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَرِثُهَا : أَيْ الزَّوْجِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ : أَيْ حَالَةَ مَرَضِهِ لَيْسَتْ سَبَبًا لِإِرْثِهِ عَنْهَا بَلْ فِي حَالِ مَرَضِهَا .
وَنَقُولُ : لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَرِيضَةَ فَأَبَانَتْ نَفْسَهَا بِأَنْ ارْتَدَّتْ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ فِي حَقِّهَا فَيَرِثُهَا الزَّوْجُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا بَانَتْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ وَلَا هِيَ بِالرِّدَّةِ مُشْرِفَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ ( قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ فِي حَقِّهِ ) بِرَفْعِ اللَّامِ فَتَبْطُلُ الزَّوْجِيَّةُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَرِثُهَا إذَا مَاتَتْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ تَرِثُهُ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَإِنْ بَطَلَتْ بِالْبَائِنِ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا جُعِلَتْ بَاقِيَةً فِي حَقِّهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا لِأَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا ، وَضَبْطُهُ بِنَصَبِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ سَهْوٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْعَكِسُ الْغَرَضُ ، إذْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ سَبَبًا لِإِرْثِهِ مِنْهَا لَبَطَلَتْ ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ فَلَا تَبْطُلُ ، وَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ فَيَجِبُ أَنْ يَرِثَهَا وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ

( وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَالتَّأْخِيرِ لِحَقِّهَا .
وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا

( قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا ) لَيْسَ قَيْدًا ، بَلْ الْمَقْصُودُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَائِنًا بِأَمْرِهَا ، وَلِهَذَا عَطَفَ قَوْلَهُ أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ ، فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ إنَّمَا يُثْبِتُ طَلْقَةً بَائِنَةً ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا .
أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلْأَمْرِ مِنْهَا بِالْعِلَّةِ ، وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْعِلَّةَ .
أَمَّا فِي التَّخْيِيرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهَا ، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ ، لِأَنَّهُ شِرَاءُ الطَّلَاقِ ، وَمُبَاشَرَةُ آخِرِ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ كَمُبَاشَرَتِهَا ، بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْعِلَّةِ .
فَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا عَلَى التَّعَاقُبِ طَلُقَتَا ثَلَاثًا بِتَطْلِيقِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ وَوَرِثَتْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَاشِرْ عِلَّةَ الْفُرْقَةِ لَا الْأُولَى لِأَنَّهَا الْمُبَاشِرَةُ .
وَلَوْ بَدَأَتْ الْأُولَى بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا ثُمَّ بِطَلَاقِ نَفْسِهَا ثُمَّ الْأُخْرَى كَذَلِكَ وَرِثَتَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلَاقُ ضَرَّتِهَا لِإِطْلَاقِ نَفْسِهَا الْخُرُوجَ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِطَلَاقِ الضَّرَّةِ ، وَالتَّفْوِيضُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ طَلَّقَتْ كُلٌّ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا مَعًا طَلُقَتَا وَلَمْ تَرِثَا لِأَنَّ كُلًّا طَلُقَتْ بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا ثُمَّ اشْتَغَلَتْ بِمَا لَا يُفِيدُ مِنْ تَطْلِيقِ ضَرَّتِهَا .
وَإِنْ طَلَّقَتَا إحْدَاهُمَا بِأَنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَطَلَّقَتْهَا ضَرَّتُهَا وَوُجِدَ ذَلِكَ مَعًا طَلُقَتْ وَلَا تَرِثُ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا طَلَاقُ نَفْسِهَا وَطَلَاقُ الْوَكِيلِ فَيُضَافُ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ أَقْوَى ، أَوْ كُلٌّ يَصْلُحُ عِلَّةً وَقَدْ نَزَلَا مَعًا

فَيُضَافُ إلَى كُلٍّ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فَطَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تُطَلِّقَ الْأُخْرَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لِتَعَلُّقِ التَّفْوِيضِ بِمَشِيئَتِهِمَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَأَنَّهُ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا طَلَاقَكُمَا ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ التَّفْوِيضَ بِشَرْطِ الْمَشِيئَةِ فَتَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِذَلِكَ ، فَلَوْ طَلَّقَتْ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا طَلُقَتَا لِوُجُودِ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَوَرِثَتْ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بَاشَرَتْ آخِرَ وَصْفَيْ الْعِلَّةِ وَالْأُولَى بَعْضُ الْعِلَّةِ .
وَلَوْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا بَانَتَا وَوَرِثَتَاهُ لِأَنَّ كُلًّا بَاشَرَتْ بَعْضَ الْعِلَّةِ ، هَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ .
وَلَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَمْرُكُمَا بِيَدَيْكُمَا فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْهُمَا فَلَا تَنْفَرِدُ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ كَمَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَتَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقَعُ ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ إلَيْهِمَا فِي شَيْئَيْنِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا فِي شَيْءٍ صَحَّ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ عَبْدَيْنِ فَبَاعَا أَحَدَهُمَا وَهُنَاكَ فَوَّضَ إلَيْهِمَا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهِمَا الطَّلَاقَيْنِ فَكَانَ عَدَمًا قَبْلَ الشَّرْطِ .
وَلَوْ قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَتْ كُلٌّ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَصَاحِبَتِي بِأَلْفٍ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا بَانَتَا بِأَلْفٍ وَيُقَسَّمُ عَلَى مَهْرَيْهِمَا لِأَنَّ الْأَلْفَ مُقَابَلٌ بِالْبُضْعَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَيَقُومُ بِمَا تَزَوَّجَهُمَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِثَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِالْتِزَامِ الْمَالِ وَالْتِزَامِ كُلٍّ عِلَّةً لِأَنَّهُ شِرَاءُ الطَّلَاقِ ، فَكَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً وَفِعْلُ الْأُخْرَى شَرْطًا وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى

الْعِلَّةِ فَلِذَا بَطَلَ الْإِرْثُ .
وَلَوْ طَلَّقَتَا إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ لِأَنَّهُمَا مَأْمُورَتَانِ بِطَلَاقِهِمَا فَقَدْ أَتَتَا بِبَعْضِ مَا أُمِرَتَا بِهِ وَلَمْ تَرِثْ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَبُولِهَا ، وَإِنْ قَامَتَا بَطَلَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِبَدَلٍ فَشَرْطُهُ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورَتَيْنِ بِالطَّلَاقِ بِلَا بَدَلٍ لِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِيقَاعِ الْأَمْرِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بَطَلَ فِي حَقِّ الْأُخْرَى لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَالتَّأْخِيرُ ) أَيْ تَأْخِيرُ عَمَلِ الطَّلَاقِ لَحِقَهَا وَهِيَ قَدْ رَضِيَتْ بِإِبْطَالِهِ ، وَلِذَا لَوْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَمْ تَرِثْ لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً ، لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَأَجَازَ الزَّوْجُ فِي مَرَضِهِ حَيْثُ تَرِثُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ لَا تَرِثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرَّبَهَا مُكْرَهَةً لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَبُ كَالْمُبَاشِرِ .
وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ وَرِثَهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً .
وَفِي الْجَامِعِ : لَوْ فَارَقَتْهُ فِي مَرَضِهَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ أَوْ الْبُلُوغِ وَرِثَهَا لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِهَا وَإِذَا لَمْ تَكُنْ طَلَاقًا .
وَفِي الْيَنَابِيعِ جَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَفِي الْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةُ وَاللِّعَانِ لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا طَلَاقٌ فَكَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ .
وَأَوْرَدَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَهَا أَصْلًا لِأَنَّا جَعَلْنَا قِيَامَ الْعِدَّةِ كَقِيَامِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهَا وَلَا عِدَّةَ هُنَا عِنْدَ مَوْتِهَا فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ كَبُعْدِ

الْعِدَّةِ .
أُجِيبُ لَمَّا صَارَتْ مَحْجُورَةً عَنْ إبْطَالِ حَقِّهِ أَبْقَيْنَا النِّكَاحَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ أَوْرَدَا لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ كَمُسْتَعْجِلِ الْإِرْثِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ الَّذِي هُوَ مَبْنَى هَذَا الْجَوَابِ يَسْتَلْزِمُ تَوْرِيثَ امْرَأَةِ الْفَارِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَفِي الْقُنْيَةِ : أَكْرَهُ عَلَى طَلَاقِهَا الثَّلَاثَ لَا تَرِثُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْفِرَارِ ، وَلَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ تَرِثُ

( وَإِنْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كُنْت طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ .
وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ بِأَمْرِهَا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْمِيرَاثِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ لَهَا جَمِيعَ مَا أَوْصَى وَمَا أَقَرَّ بِهِ ، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَمَّا بَطَلَ بِسُؤَالِهَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَمَّا تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا وَيَجُوزُ وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهَا ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ ، وَلَا عِدَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَخْتَارُ الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَزِيدَ حَقُّهَا ، وَالزَّوْجَانِ قَدْ يَتَوَاضَعَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَبَرَّهَا الزَّوْجُ بِمَالِهِ زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الزِّيَادَةِ فَرَدَدْنَاهَا ، وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّحْنَاهُ ، وَلَا مُوَاضَعَةَ عَادَةً فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ ، فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا كُنْت طَلَّقَتْك ، إلَى قَوْلِهِ : فَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ ) هَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ : مَا إذَا تَصَادَقَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى طَلَاقِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ الْمَرَضِ ، وَمَا إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِسُؤَالِهَا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمِنْ كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْمُقِرِّ بِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَهَا تَمَامُ الْمُوصَى بِهِ وَالْمُقِرِّ بِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ ، وَقَالَا فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِ زُفَرَ ، وَفِي الثَّانِي كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
لِزُفَرَ إنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ الْإِرْثُ وَقَدْ بَطَلَ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي الْأُولَى وَسُؤَالِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ مُوجِبِهِمَا .
قُلْنَا : ذَلِكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ تُهْمَةً لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا : إنَّمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ثُبُوتَ التُّهْمَةِ بِهِ بَاطِنٌ فَأُدِيرَ عَلَى مَظِنَّتِهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى فَوَجَبَ تَفْصِيلُنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَدَارَ التُّهْمَةِ قِيَامُ الْعِدَّةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَنَّ مَا يَنْتَفِي بِالتُّهْمَةِ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ فِي الْأُولَى حَتَّى جَازَتْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَعُلِمَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ شَرْعًا وَأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً ، وَعَنْ هَذَا جَازَ وَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهَا وَأَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ مِنْ وَقْتِ التَّصَادُقِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ قَصْرَ سَبَبِ التُّهْمَةِ عَلَى الْعِدَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ أَيْضًا نَظَرًا إلَى تَقَدُّمِ النِّكَاحِ الْمُفِيدِ لِلْأُلْفَةِ وَالشَّفَقَةِ وَإِرَادَةِ إيصَالِ الْخَيْرِ ، وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرَا مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ إلَّا فِي مَرَضِهِ كَانَا مُتَّهَمَيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَهَذِهِ

التُّهْمَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لَا فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّوَاضُعِ لِلتَّزَوُّجِ بِأُخْتِهَا أَوْ هِيَ بِغَيْرِهِ أَوْ لِدَفْعِ الزَّكَاةِ أَوْ لِلشَّهَادَةِ فَلِذَا صَدَقَا فِيهَا لَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الزَّائِدِ فَيَنْتَفِي ، ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ لَا الدَّيْنِ .
وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَى شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالتَّوَى عَلَى الْكُلِّ ، وَلَوْ كَانَ مَا تَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ الدَّيْنِ لَكَانَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَأْخُذَ دَنَانِيرَ وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ ذَلِكَ بَلْ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ وَتُعَامَلُ فِيهِ بِزَعْمِهَا أَنْ مَا تَأْخُذُهُ دَيْنٌ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِفَسَادِ نِكَاحِهَا أَوْ خُلْعِهَا أَجْنَبِيٌّ فِي مَرَضِهِ تَرِثُ .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ : وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْت جَامَعْت أُمَّك أَوْ تَزَوَّجْتُك بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ .
وَالْقَرَابَةُ : أَيْ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَلَا الْأَبِ وَالْجَدِّ لِابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ .
وَفِي الْغَايَةِ : يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إنْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ وَتَرَكَتْ خِدْمَتُهُ فِي مَرَضِهِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهَا فَحِينَئِذٍ لَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ لَهَا وَالْوَصِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْمُطَايَبَةِ وَمُبَالَغَتِهَا فِي خَدَمَتْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ لِلتُّهْمَةِ ، وَقَاسَهُ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَك امْرَأَةٌ غَيْرِي أَوْ تَزَوَّجْت عَلِيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ : قِيلَ الْأَوْلَى يُحَكَّمُ

الْحَالُ إنْ كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ وَخُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا أَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ .
قَالَ السُّرُوجِيُّ : فَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْكِيمِ الْحَالِ هُنَاكَ أَنْ تُحَكَّمَ هُنَا ا هـ .
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُصُومَةِ ظَاهِرَةٌ فِي قَوْلِهَا تَزَوَّجْت عَلِيَّ وَنَحْوِهِ إذَا اقْتَرَنَ بِالْمُشَاجَرَةِ ، أَمَّا هُنَا فَلَا ، إذْ الْإِيصَاءُ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْمِيرَاثِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْخُصُومَةَ وَالْبَغْضَاءَ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا ، وَإِلَّا لَمْ يُوصِ لَهَا ظَاهِرًا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَ بِذَلِكَ الْإِيصَاءِ التَّوَاضُعُ عَلَى إظْهَارِ الْخُصُومَةِ وَالتَّشَاجُرِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْحِيَلِ ذَلِكَ لِلْأَغْرَاضِ

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ ) وَأَصْلُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ امْرَأَة الْفَارِّ تَرِثُ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا كَمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ ، وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ فِي تَوَجُّهِ الْهَلَاكِ الْغَالِبِ ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ ، فَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ لِأَنَّ الْحِصْنَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ ، وَاَلَّذِي بَارَزَ أَوْ قُدِّمَ لَيُقْتَلَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ الْفِرَارُ وَلِهَذَا أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ ، وَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَصَاحِبِ الْفِرَاشِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ إذَا قُتِلَ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا إلَخْ ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَبْنَى الْفِرَارِ عَلَى الطَّلَاقِ حَالَ تَوَجُّهِ الْهَلَاكِ الْغَالِبِ عِنْدَهُ ، وَغَلَبَةُ الْهَلَاكِ تَكُونُ حَالَ عَدَمِ الْمَرَضِ كَمَا تَكُونُ بِهِ وَتَوَجُّهُهُ بِغَيْرِهِ يَكُونُ بِالْمُبَارَزَةِ وَالتَّقْدُمَةِ لِلرَّجْمِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ فَتَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ وَخِيفَ الْغَرَقُ أَوْ انْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَبَقِيَ فِي فَمِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَحْصُورًا فِي حِصْنٍ أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ أَوْ مَحْبُوسًا لِلْقَتْلِ أَوْ نَازِلًا فِي مَسْبَعَةٍ أَوْ فِي مَخْيَفٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ رَاكِبٍ سَفِينَةً دُونَ مَا قُلْنَا ، وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ ، فَلَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفُرْقَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَحْوَالِ الْفِرَارِ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَتَمْكِينِ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ فَإِنَّهُ يَرِثُهَا عَلَى مَا بَيِّنَاهُ آنِفًا .
وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا فِي حَالِ الطَّلْقِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إذْ تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَبَتَ حُكْمُ فِرَارِهَا لِتَوَقُّعِ الْوِلَادَةِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ .
قُلْنَا : الْمَنَاطُ مَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ إلَّا فِي الطَّلْقِ ، وَتَوَجُّهُهُ بِالْمَرَضِ قِيلَ : أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَقُومَ إلَّا بِأَنْ يُقَامَ ، وَقِيلَ إذَا خَطَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهَادَى فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَمَرِيضٌ .
وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْمَرِيضَ جِدًّا لَا يَعْجُزُ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِهَذَا الْقَدْرِ ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَّا أَنْ يُهَادَى ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَقُومَ بِحَوَائِجِهِ فِي الْبَيْتِ كَمَا تَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ ، وَاَلَّذِي يَقْضِيهَا فِيهِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْهُ ، فَأَمَّا مَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَحَمُّ فَلَا وَهُوَ الصَّحِيحُ ، فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ لَا فِي خَارِجِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحِيحٌ ، هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ .
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِذَا لَمْ

يُمْكِنْهَا الصُّعُودُ إلَى السَّطْحِ فَهِيَ مَرِيضَةٌ ، وَالْمَسْلُولُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْقَعَدُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ غَالِبُ الْهَلَاكِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ .
وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بِالتَّدَاوِي فَكَالْمَرِيضِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ .
وَقِيلَ مَا كَانَ يَزْدَادُ أَبَدًا ، لَا إنْ كَانَ يَزْدَادُ تَارَةً وَيَقِلُّ أُخْرَى ، وَلَوْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ فَطَلَّقَ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ أَوْ حُبِسَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ تَرِثُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِرَارُهُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَرَتَّبَ مَوْتُهُ فَلَا يُبَالِي بِكَوْنِهِ بِغَيْرِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ يَقْتَضِي إلْحَاقَ حَالَةِ الطَّلْقِ لِلْحَامِلِ وَالْمُبَارِزَةِ بِحَالِ الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَبْرُزَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَ مَا هُوَ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَرَضِ ، عَلَى أَنَّهُ غَالِبًا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ غَلَبَةَ الْهَلَاكِ فَتَأَمَّلْ ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ فَشْوِ الطَّاعُونِ فَهَلْ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَصِحَّاءِ حُكْمُ الْمَرَضِ فَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا

( وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ أَوْ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْ ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ إلَّا فِي قَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ ) وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ : إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَمَّا إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْمَرَضِ .
أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنْ قَالَ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ أَوْ صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْفِرَارِ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ التَّعْلِيقِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرِثُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْمَرَضِ .
وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ فَارًّا لِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ ، إمَّا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ بُدٌّ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ

وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَرِثْ لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ تَرِثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِمَا لَهَا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْعُقْبَى وَلَا رِضًا مَعَ الِاضْطِرَارِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْتَقِل الْفِعْلُ إلَيْهِ كَأَنَّهَا آلَةٌ لَهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ .

( قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ) أَيْ طَالِقٌ بَائِنٌ لِأَنَّ الْفِرَارَ يَثْبُتُ بِهِ لَا بِالرَّجْعِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
( قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ إلَخْ ) ضَبْطُهُ إمَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلِ أَحَدٍ أَوْ لَا .
الثَّانِي التَّعْلِيقُ بِنَحْوِ مَجِيءِ الْغَدِ وَالْأَوَّلُ إمَّا بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ إمَّا الْمَرْأَةُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ ، وَالْكُلُّ عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ وَوُقُوعُ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ .
فَفِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ إنْ كَانَا فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِظُهُورِ قَصْدِ الْفِرَارِ بِالتَّعْلِيقِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ .
وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْمَرَضِ .
وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا بِنَفْسِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا : يَعْنِي يَسْلَمُ قَوْلُ زُفَرَ إنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُنْجَزِ لَكِنْ حُكْمًا لَا قَصْدًا ، وَلِذَا لَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ الشَّرْطِ وَقَعَ ، وَلَوْ حَلَفَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ لَا يُطَلِّقُ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يَحْنَثْ ، فَلَوْ كَانَ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَمْ يَقَعْ فِي الْأَوَّلِ وَحَنِثَ فِي الثَّانِي وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَارًّا بِالتَّعْلِيقِ فِي الصِّحَّةِ وَبَعْدَهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَنْعِ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا .
وَأَمَّا فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ لِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ : إمَّا بِالتَّعْلِيقِ إنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ ، أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ ، وَكَوْنُ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْهُ غَايَةَ مَا يُوجِبُ اضْطِرَارَهُ ، وَالِاضْطِرَارُ فِي جَانِبِ الْفَاعِلِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ ، كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَالِ

الْغَيْرِ أَوْ أَتْلَفَهُ نَائِمًا أَوْ مُخْطِئًا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ فِعْلُهُ بِالظُّلْمِ ، وَحَقُّهَا صَارَ مَعْصُومًا بِمَرَضِهِ فَاضْطِرَارُهُ إلَى إبْطَالِهِ يَرُدُّ عَلَيْهِ تَصَرُّفَهُ ، إلَّا أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْفِرَارِ مَعَ عَدَمِ الْفِرَارِ ، وَمَا كَانَ مُوجِبَ الْمِيرَاثِ إلَّا الْفِرَارُ وَلَا فِرَارَ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ .
وَقَوْلُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ بُدٌّ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ ) رُبَّمَا يُعْطِي أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الْفِرَارِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْهُ التَّعْلِيقُ ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْفِرَارُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ لَكِنَّ ثُبُوتَ الْفِرَارِ مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَالَتَيْ كَوْنِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ .
وَعَلَى الثَّانِي لَا يَسْتَقِيمُ النَّظَرُ إلَى التَّعْلِيقِ فِي إثْبَاتِ الْفِرَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اضْطِرَارٌ جَاءَ مِنْهُ حَيْثُ عُلِّقَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ ، وَلِأَنَّهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَى الشَّرْطِ يَفْعَلُهُ فَكَانَ حَالَ التَّعْلِيقِ رَاضِيًا بِالشَّرْطِ ، بَلْ إنَّمَا عَلَّقَ لِيَفْعَلَ الشَّرْطَ وَيَقَعَ الْجَزَاءُ وَفِيهِ مَا فِيهِ .
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَكَلَامِ زَيْدٍ لَمْ تَرِثْ .
وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ ) أَيْ بِالطَّلَاقِ ، إذْ الرِّضَا بِالشَّرْطِ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ .
أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ لِشَرِيكِهِ إنْ ضَرَبَتْهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ يُعْتَقُ وَلِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ فَقَدْ رَضِيَ بِالشَّرْطِ ، وَلَمْ يَجْعَل ذَلِكَ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى فِعْلِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْ هَذَا الْعَبْدَ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ

لَهُ شَرِيكُهُ إنْ ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فَلِلضَّارِبِ تَضْمِينُ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى فِعْلِ الشَّرْطِ ، وَفِعْلُ الشَّرْطِ مُضْطَرًّا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا .
وَأَجَابَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ فَيَبْطُلُ بِمَا لَهُ شُبْهَةُ الرِّضَا ، وَلَا كَذَلِكَ الضَّمَانُ ، وَقَدْ وُجِدَ هُنَا شُبْهَةُ رِضَا الْمَرْأَةِ فَكَفَى لِنَفْيِ حُكْمِ الْفِرَارِ ( وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ ) وَمِنْهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاؤُهُ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَالتَّنَفُّسُ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ ) بِأَنْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ صَارَ الْمُكْرِهُ مُتْلِفًا حَتَّى يَضْمَنَ وَيَنْتَقِلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَكَفِعْلِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَضْمَنَانِ إذَا رَجَعَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَلْجَأً حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْضِ يَفْسُقُ .
وَفِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ : الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ

قَالَ ( وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْ ) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ : تَرِثُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ حِينَ أَوْقَعَ فِي الْمَرَضِ وَقَدْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْمَرَضُ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَرَضُ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا .
وَلَوْ طَلَّقَهَا فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْ ، وَإِنْ لَمْ تَرْتَدَّ بَلْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْجِمَاعِ وَرِثَتْ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَبِالْمُطَاوَعَةِ مَا أَبْطَلَتْ الْأَهْلِيَّةَ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ وَهُوَ الْبَاقِي ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفُرْقَةَ فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ ، وَبَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا فَافْتَرَقَا

( قَوْلُهُ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا ) يَعْنِي الْفِرَارَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا بِالْإِبَانَةِ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَقَدْ ظَهَرَ خِلَافُهُ .
أَوْ نَقُولُ : هُوَ بِطَلَاقِهِ فَارٌّ لَكِنَّ الْفِرَارَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِشَرْطِ ثُبُوتِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا فَانْتَفَى شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا ) أَيْ بَائِنًا ثَلَاثًا أَوْ غَيْرَهُ فِي مَرَضِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ نَفْسِهِ مَسْأَلَةَ الْمُطَاوَعَةِ وَقَالَ إنَّهَا تَرِثُ ، وَلَا يَتَفَرَّعُ إرْثُهَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ بَائِنًا لِأَنَّهَا إذَا طَاوَعَتْهُ بَعْدَ الرُّجْعَى لَا تَرِثُ كَمَا لَوْ طَاوَعَتْهُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ ( قَوْلُهُ لَمْ تَرِثْ ) بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا بِالرِّدَّةِ تَسْقُطُ ثُمَّ بِالْإِسْلَامِ تَعُودُ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّتُهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ وَهُوَ الْبَاقِي ) بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ بَلْ تَثْبُتُ مَعَهُ كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فَإِنَّمَا تُنَافِي النِّكَاحَ خَاصَّةً فَيَبْقَى الْإِرْثُ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ فَمَرْجِعُ ضَمِيرِ وَهُوَ الْبَاقِي الْإِرْثُ ( قَوْلُهُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ ) أَيْ حَالَةَ الْمَرَضِ ( قَوْلُهُ فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ ) وَهُوَ النِّكَاحُ وَذَلِكَ رِضًا بِبُطْلَانِ الْمُسَبِّبِ ( قَوْلُهُ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا ) أَيْ لِتَقَدُّمِ الْحُرْمَةُ عَلَى الْمُطَاوَعَةِ لِحُصُولِهَا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ عَلَيْهَا .

( وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَاعَنَ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَرِثُ ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) وَهَذَا مُلْحَقٌ بِالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ ( وَإِنْ آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْ ، وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ أَيْضًا فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْوِقَاعِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ قَالَ ( وَالطَّلَاقُ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ تَرِثُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى يُحِلَّ الْوَطْءَ فَكَانَ السَّبَبُ قَائِمًا .
قَالَ ( وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَرِثُ إنَّمَا تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ) وَقَدْ بَيِّنَاهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ : أَيْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ ، وَلَا رِضًا مَعَ الِاضْطِرَارِ كَذَا قِيلَ .
وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَلْجَأَهَا إلَى الْمُبَاشَرَةِ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهِ إلَخْ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ ، وَمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُوَازِنُ لِمَا نَحْنُ فِيهِ ، فَإِنَّ الْقَذْفَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ ، وَاللِّعَانَ فِي الْمَرَضِ وَقَوْلُهُ ( إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى الْخُصُومَةِ ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُلْحَقَ بِفِعْلِهَا الشَّرْطُ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ هُوَ خُصُومَتُهَا : أَيْ مُطَالَبَتَهَا بِمُوجَبِ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ بِهِ يَنْدَفِعُ الْعَارُ ، وَلَوْ جُعِلَ لِعَانُهَا صَحَّ أَيْضًا إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ إذْ لِعَانُهُ يُلْجِئُهَا إلَى لِعَانِهَا .
لَا يُقَالُ : هُوَ أَيْضًا مَلْجَأٌ إلَى لِعَانِهِ مِنْ قِبَلِهَا لِأَنَّ الْإِلْجَاءَ فِي الْكُلِّ يَعُودُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهَا إلَى الْخُصُومَةِ وَأَثَرُهَا لِعَانُهُ فَكَانَ لِعَانُهُ مَنْسُوبًا إلَى اخْتِيَارِهِ ، فَهِيَ وَإِنْ بَاشَرَتْ آخِرَ جُزْأَيْ مَدَارِ الْفُرْقَةِ وَهُوَ مَا تَمَسَّك بِهِ مُحَمَّدٌ : يَعْنِي لِأَنَّ لِعَانَهَا آخِرُ اللِّعَانَيْنِ لَكِنَّ الزَّوْجَ اضْطَرَّهَا إلَيْهِ .
وَقِيلَ فِي وَجْهِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْفُرْقَةُ قَذْفُ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ قَذَفَهُ فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ سَبَبٌ بَعِيدٌ .
ثُمَّ قِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَا اللِّعَانُ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لِلْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَا يَسْتَنِدُ إلَّا إلَى الشَّهَادَةِ وَاللِّعَانُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُلْجِئَةِ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ ) كَأَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ أَقْرَبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَمَضَتْ فِي

مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ فِيهِ لَا تَرِثُ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ بِأَمْرِ سَمَاوِيٍّ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَا يَكُونُ فَارًّا .
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِيلَاءَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ بَلْ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَ فِي صِحَّته بِالطَّلَاقِ وَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَرَضِ كَانَ فَارًّا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَزْلِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَعْزِلْهُ كَانَ فَارًّا كَذَا هُنَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إبْطَالِ الْإِيلَاءِ فِي الْمَرَضِ بِالْفَيْءِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَارًّا .
أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ الْإِيلَاءِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ ، فَإِنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْإِيلَاءُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، بَلْ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَاسْتَمَرَّ بِخِلَافِ عَزْلِ الْوَكِيلِ ( قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا أَوْ لَا ، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ ، وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ إلَّا قِيَامُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ فِيهِمَا جَمِيعًا .
[ فُرُوعٌ ] قَالَ صَحِيحٌ لِمَوْطُوءَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ بَيَّنَ فِي مَرَضِهِ فِي إحْدَاهُمَا صَارَ فَارًّا بِالْبَيَانِ ، وَتَرِثُ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِيهَا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ ، كَمَا لَوْ أَنْشَأَ فَجَعَلَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِلتُّهْمَةِ .
وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى وَلَمْ تَرِثْ لِأَنَّهُ بَيَانٌ حُكْمِيٌّ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ فَجَاءَ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا تَرِثُ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ بِفِعْلِهِ فَتَرِثُ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ فِي الْمَرَضِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا نِصْفُ الْإِرْثِ إذْ لَا يُزَاحِمُهَا إلَّا امْرَأَةٌ

وَاحِدَةٌ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ بِيَقِينٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَوْ مَاتَتْ الَّتِي بَيَّنَ طَلَاقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْ مِنْهُ وَصَحَّ الْبَيَانُ فِيهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْ بَيَانِهِ بِخُرُوجِهَا عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ بِالْمَوْتِ ، وَكَانَ الْإِرْثُ لِلْأُخْرَى لِأَنَّ التَّعْيِينَ دُونَ الْإِنْشَاءِ ، وَلَوْ أَنْشَأَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمُطَلَّقَةُ كَانَ جَمِيعُ الْإِرْثِ لِلْأُخْرَى ، كَذَا هُنَا .
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُخْرَى وَبَقِيَتْ الَّتِي بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَهَا نِصْفُ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْبَيَانَ إنَّمَا بَطَلَ صِيَانَةً لِحَقِّهَا الثَّابِتِ ظَاهِرًا وَحَقُّهَا الثَّابِتُ ظَاهِرًا وَقْتَ الْبَيَانِ النِّصْفُ فَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى كَانَ لَهَا الرُّبْعُ وَثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ لِلْمَرْأَةِ الْأُخْرَى ، لِأَنَّنَا إنَّمَا أَبْطَلْنَا الْبَيَانَ صِيَانَةً لِحَقِّهَا الثَّابِتِ وَقْتَ الْبَيَانِ وَوَقْتَ الْبَيَانِ حَقُّهَا فِي الرُّبْعِ فَكَانَ لِلْمُعَيَّنَةِ الرُّبْعُ ، وَلِأَنَّ الْأُخْرَى مَنْكُوحَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَسْتَحِقُّ كُلَّ الْإِرْثِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ ، فَسَلِمَ النِّصْفُ لِلْأُخْرَى بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ الزَّوْجُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَهُوَ لَيْسَ بِبَيَانٍ وَبَقِيَ الزَّوْجُ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّ الْعَلُوقَ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ بِوَطْءٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَذَا لَا يَصْلُحُ بَيَانًا فَلَا يَكُونُ بَيَانًا بِالشَّكِّ إذْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِاحْتِمَالِ الْعَلُوقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ نَفَى الزَّوْجُ هَذَا الْوَلَدَ أُمِرَ بِالْبَيَانِ ، فَإِنْ قَالَ عَنَيْت عِنْدَ الْإِيقَاعِ الَّتِي لَمْ

تَلِدْ يُلَاعَنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّتِي وَلَدَتْ وَيُقْطَعُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيُلْحَقُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَنْكُوحَتَهُ ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت الَّتِي وَلَدَتْ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرَادُهُ وَقْتَ الْإِيقَاعِ الَّتِي وَلَدَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً فَيَجِبُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ اللِّعَانِ .
فَإِنْ قَالَ لَمْ أَعْنِ عِنْدَ الْإِيقَاعِ أَحَدًا وَلَكِنْ أُرِيدُ بِالْمُبْهَمِ الَّتِي وَلَدَتْ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَنْكُوحَتَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَقْتَ التَّعْيِينِ وَلَا يُلَاعِنُ أَيْضًا لِأَنَّ شَرْطَهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيَانِ وَالنَّسَبُ ثَابِتٌ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرِ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ لِتَيَقُّنِنَا بِالْوَطْءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ يَكُونُ الْوَطْءُ مِنْهُ ضَرُورَةً ، وَالْوَطْءُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بَيَانٌ إجْمَاعًا وَتَعَيَّنَتْ الَّتِي وَلَدَتْ لِلنِّكَاحِ ، فَإِنْ نَفَى الْوَلَدَ لَاعَنَ وَلَا يَنْقَطِعُ النَّسَبُ عَنْهُ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ بِالْعَلُوقِ مِنْهُ مَانِعٌ مِنْ قَطْعِ النَّسَبِ عَنْهُ ، فَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَقَلِّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ وَالْأُخْرَى وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ صَاحِبَةُ الْأَقَلِّ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ وَطْأَهَا لَا يَصْلُحُ بَيَانًا وَوَطْءُ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ يَصْلُحُ بَيَانًا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلُودَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَصَلَ بِعَلُوقٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بِيَقِينٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، أَمَّا عَلُوقُ الْأُخْرَى فَمَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانًا ، وَعِدَّةُ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَ بَيْنَ وِلَادَتِهَا وَبَيْنَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ بَعْدَهَا أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَيَقُّنِنَا أَنَّ عَلُوقَ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ وَوَطْأَهَا كَانَ قَبْلَ وِلَادَةِ

صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ وَقَبْلَ الْوِلَادَةِ هِيَ حَامِلٌ وَعِدَّةُ الْحَامِلِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَعِدَّةُ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ بِالْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ وَطْءَ صَاحِبَةِ الْأَكْثَرِ كَانَ بَعْدَ وِلَادَةِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ ، وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ احْتِيَاطًا ، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِوَطْءِ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ أَوَّلًا طَلُقَتْ صَاحِبَةُ الْأَكْثَرِ بِإِقْرَارِهِ .
وَلَا يَصْدُقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْ صَاحِبَةِ الْأَقَلِّ فَطَلُقَتَا ، كَمَنْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ وَعَنَيْتهَا طَلُقَتَا ، وَإِنْ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِيقَاعِ وَبَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ يَوْمٌ أَوْ أَكْثَرُ فَوِلَادَةُ الْأُولَى تَكُونُ بَيَانًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى ، فَإِذَا وَلَدَتْ الْأُخْرَى بَعْدَهُ لَا يَتَحَوَّلُ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ عَلَيْهَا إلَى غَيْرِهَا ، وَصَارَ كَمَا إذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ آخِرًا كَذَا هُنَا ، وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ .
أَمَّا وَلَدُ الْأُولَى فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا وَلَدُ الثَّانِيَةِ لِاحْتِمَالِ وَطْئِهَا قَبْلَ عَلُوقِ الْأُولَى ، وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ وَلَدًا آخَرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ الثَّانِي مِنْهُ أَيْضًا وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعَلُوقِ الْوَلَدِ الثَّانِي حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَحَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى رَحِمِهَا لِانْسِدَادِ فَمِهِ ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَمْلَ انْفَتَحَ فَمُ الرَّحِمِ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَعَلَقَ الْوَلَدُ الثَّانِي قَبْلَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ حَالُ نُزُولِ الثَّلَاثِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78