كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

الْأَوَّلِ مِنْهَا بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي ، وَلَا خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ ، وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فِي الْأَوَّلِ فَانْتَقَلَ إلَى الثَّانِي فَخَرَجَتْ لَا يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ كَمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الظُّهْرِ

( وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَعَادَ رَكْعَتَيْنِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ : وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ وُجُودًا بِدُونِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِهَا ، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ ، وَفِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَفَسَادُهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَقَضَيْنَا بِالْفَسَادِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا ، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ : إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ قَضَى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُمَا فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَبَقِيَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ إذَا فَسَدَ الْكُلُّ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ عِنْدَهُ .

( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ ) إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْأَفْعَالِ وَالْأَفْعَالُ فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَفْسُدُ مَا عُقِدَ لَهَا ( قَوْلُهُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ وُجُودًا بِدُونِهَا ) حَقِيقَةٌ فِي الْأَخْرَسِ وَالْأُمِّيِّ وَحُكْمًا فِي الْمُقْتَدِي ، لَكِنْ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِالْقِرَاءَةِ ، وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ : أَيْ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ تَرْكِ الْأَدَاءِ بِأَنْ تُحْرِمَ وَاقِفًا ثُمَّ تَرَكَ أَدَاءَ كُلِّ الْأَفْعَالِ بِأَنْ وَقَفَ سَاكِتًا طَوِيلًا لَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَمْ تُعْقَدْ إلَّا لِهَذَا الشَّفْعِ ، فَإِنَّ بِنَاءَ الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَى هَذِهِ التَّحْرِيمَةِ جَائِزٌ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَبِفَسَادِهِ لَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِتَفْسُدَ هِيَ ، وَيُرَدُّ أَنْ هَذَا تَأْخِيرٌ لَا تَرْكٌ ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّرْكِ إيَّاهُ مَنَعْنَا كَوْنَهُ مِثْلَ الْفَسَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ بِذَلِكَ التَّرْكِ عَدَمُ بُطْلَانِهَا بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ التَّرْكِ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ هَكَذَا التَّحْرِيمَةُ تُرَادُ لِكُلٍّ مِنْ الشَّفْعَيْنِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِفَسَادِهِمَا ، فَفَسَادُ الْأَوَّلِ فَقَطْ لَيْسَ قَاطِعًا فِي عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَهَا .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا عُقِدَتْ لِلثَّانِي بِوَاسِطَةِ أَدَاءِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ فَإِذَا فَسَدَ لَمْ يَتَحَقَّقْ الثَّانِي : فَالْجَوَابُ إنْ قُلْت إذَا فَسَدَ الْأَوَّلُ امْتَنَعَ أَدَاءُ الثَّانِي لِأَنَّ أَدَاءَهُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ أَدَاءِ الْأَوَّلِ مَنَعْنَا كَوْنَ أَدَائِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّتِهِ ، وَإِنْ قُلْت بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ كَانَ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْقِرَاءَةَ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي حُكْمًا بَاطِلٌ بَلْ مُنْتَفِيَةٌ حَقِيقَةً

ثَابِتَةٌ حُكْمًا .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ مُبْطِلُ التَّحْرِيمَةِ لِمَا قُلْنَا لِمُحَمَّدٍ ، بِخِلَافِ تَرْكِهَا فِي رَكْعَةٍ لِأَنَّ فَسَادَهَا بِهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّ عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا تَفْسُدُ ، فَحُكْمُنَا بِالْفَسَادِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ إعْمَالًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ ، وَحُكْمُنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي إعْمَالًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ احْتِيَاطًا فِي الْبَابَيْنِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ عَمَّا قَرَرْنَاهُ لِأَبِي يُوسُفَ ، بَلْ جَوَابُهُ مَنَعَ أَنَّ فَسَادَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ لِأَنَّ التَّرْكَ مُجَرَّدُ تَأْخِيرٍ وَالْفَسَادَ فِعْلٌ مُفْسِدٌ ، وَلَوْ سَلِمَ اخْتَرْنَا الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ تَرْدِيدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَنْعُ كَوْنِ أَدَاءِ الثَّانِي مَبْنِيًّا عَلَى صِحَّةِ الْأَوَّلِ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ قَبْلَهُ وَوُجُودُ الْأَوَّلِ بِصِحَّتِهِ فَكَيْفَ لَا يَتَوَقَّفُ أَدَاؤُهُ عَلَيْهِ .

( وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَمْ يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ صَحَّ فَقَدْ أَدَّاهَا ( وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ .
وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَقَالَ : رَوِيت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ .
( وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ ، وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ ) قَالَ ( وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا } يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا )

( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ ) وَهَذَا إذَا كَانَ قَعَدَ وَإِلَّا قَضَى أَرْبَعًا قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ ) وَاعْتَمَدَتْ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ فِي الْأُصُولِ بِأَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ يُسْقِطُ الرِّوَايَةَ إذَا كَانَ صَرِيحًا ، وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ مِثْلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلْيَكُنْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ بَلْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ ( قَوْلُهُ قَالَ ) أَيْ مُحَمَّدٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ التَّنَفُّلَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا أَفْضَلُ مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَرَدَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا ، وَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ قَالَا : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يُصَلِّي عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلَهَا ، فَفَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِلَا قِرَاءَةٍ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ عَقِيبَ الظُّهْرِ الْمَقْصُورَةِ .
وَكَذَا الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ عَقِيبَ رَكْعَتَيْهِ ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى ، أَوْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ مَخَافَةَ الْخَلَلِ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، قُلْت : أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ ؟ قَالَ : قَدْ صَلَّيْت ، إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ

: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ : إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ ؟ فَقَالَ : ابْنُ عُمَرَ : نَعَمْ ، قَالَ : أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ .
وَقَالَ : هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ إنَّمَا أَرَادَ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ ، أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَلَا يُعِيدُ انْتَهَى .
وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَإِنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا .

( وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ } وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ .

( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ الْقَاعِدَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ } ) أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ { سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ : مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ } قَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا فِي النَّافِلَةِ ، أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ ، فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يُنْقَصْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ انْتَهَى .
وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا } ثُمَّ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ ، لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُدِّثْت أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ ، فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ، قَالَ حُدِّثْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَّكَ قُلْتَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا ، قَالَ أَجَلْ ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ } هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ { صَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ } وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ ، وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ ، وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابُهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَّهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا ثُمَّ يُكْمِلُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مُفَضِّلًا وَإِلَّا

فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَزُولُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ نَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا .

( وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجْزِيهِ ، وَهُوَ قِيَاسٌ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ .
لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ وَلَمَّا بَاشَرَ صَحَّ بِدُونِهِ ، بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ

( قَوْلُهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا إلَخْ ) هُنَا صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا افْتَتَحَهَا قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ ، وَالْأُخْرَى قَلْبُهُ فَفِي الْأُولَى يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِمَا عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ } الْحَدِيثَ ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ لِلْقُعُودِ لَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لِلْقِيَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يُتِمُّهَا قَائِمًا لَمْ يُخَالِفْ فِي الْجَوَازِ هُنَا لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَتْ إلَّا لِلْمَقْدُورِ ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ .
ثَانِيَتُهُمَا : افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ يَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ، كَمَا يُنَادَى بِهِ هَذَا الْإِطْلَاقِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، فَكَذَا إذَا شَرَعَ قَائِمًا وَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ : أَيْ فِيمَا قَعَدَ فِيهِ ، وَلِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ ، أَوْ لِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ مُطْلَقًا صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ فَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمُبَاشَرِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ عَلَى الْقِيَامِ فِيمَا بَقِيَ وَهَذِهِ الْمُقَدَّمَاتُ مِمَّا يُسَلِّمَانِهَا ، وَلَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ شَيْءٌ مِنْهَا لِنُكْتَةِ الْخِلَافِ ، وَهُوَ أَنَّ الشُّرُوعَ

بِصِفَةِ الْقِيَامِ يَلْزَمُ الْقِيَامَ فِي الْكُلِّ كَنَذْرِهَا بِصِفَةِ الْقِيَامِ .
فَالْجَوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ وَلِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مَا قَامَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَقُمْ فِيهِ صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ مُتَضَمِّنًا مَنْعَ كَوْنِ الشُّرُوعِ بِالْقِيَامِ مُوجِبًا لِلْقِيَامِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِ الشُّرُوعِ مُوجِبًا غَيْرَ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ إلْحَاقِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْفِعْلِ ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ الشُّرُوعِ الْإِتْمَامَ لَيْسَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِوُجُوبِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِوُجُوبِ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ دُونَ خُصُوصِيَّةِ صِفَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ نَفْسُهَا مِنْ وَاجِبَاتِ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ .
بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ بِنَفْسِهِ عَامِلٌ ، وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ بِصِفَةِ الْمَشْيِ ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ مَاشِيًا لَمْ يَلْزَمْ كَذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَنْبَغِي إذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الصَّلَاةِ تَجِبُ بِصِفَةِ الْقِيَامِ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى الْقُعُودِ رُخْصَةً فِي النَّفْلِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَّا إلَيْهِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ .
وَقِيلَ هُوَ بِالْخِيَارِ .
وَقِيلَ كَمَا فِي الْكِتَابِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ مَا فِي الْكِتَابِ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ الْكَنْزِ إلَّا لَوْ كَانَ إيجَابُ الْقُعُودِ وَلَا رِوَايَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدْ عُرِفَ الْجَوَابُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ نِيَّةِ الْأَرْبَعِ مَعَ الشُّرُوعِ .

( وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إيمَاءً ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً } وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ ، أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا ، وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازِ فِي الْمِصْرِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا .
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَالْحَاجَةُ إلَى الرُّكُوبِ فِيهِ أَغْلَبُ .

( قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ يُومِئُ إيمَاءً ، وَقَدْ غَلِطَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ عَلَى حِمَارٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ .
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ { رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ يُصَلِّي يُومِئُ إيمَاءً } وَسَكَتَ عَلَيْهِ .
وَفِي الْإِمَامِ عَزَى لَفْظَ الْإِيمَاءِ إلَى الصَّحِيحَيْنِ ، وَالزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَرَهُ فِيهِمَا .
وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ الْإِيمَاءِ انْتَهَى .
وَقَدْ رَأَيْنَاهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ { رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي كُلِّ وَجْهٍ يُومِئُ إيمَاءً وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ } ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَالِاسْتِقْبَالَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ ) إنْ لَمْ يَنْزِلْ أَوْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ ( أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ النَّافِلَةِ ) إنْ نَزَلَ أَوْ اسْتَقْبَلَ ( أَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ ) فَلَا يَشُقُّ إلْزَامُ النُّزُولِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، وَلِأَنَّ الرُّفَقَاءَ مُتَظَافَرُونَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْقَطِعُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقِفُوا لَهُ وَخَافَ مِنْ النُّزُولِ اللِّصَّ أَوْ السُّبُعَ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا رَاكِبًا ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رُكُوبِهَا إلَّا بِمُعِينٍ ، أَوْ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَجِدُ مَنْ يُرَكِّبُهُ .
وَكَذَا الطِّينُ وَالْمَطَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } وَالْوَاجِبَاتُ مِنْ الْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا شُرِعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ وَصَلَاةِ

الْجِنَازَةِ وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيت عَلَى الْأَرْضِ كَالْفَرْضِ .
وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَتَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةٍ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ، وَعَلَى هَذَا اُخْتُلِفَ فِي أَدَائِهَا قَاعِدًا ( قَوْلُهُ وَالْجَوَازُ ) عَطْفٌ عَلَى اشْتِرَاطٍ ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَالثَّانِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْخُرُوجِ ، قِيلَ قَدْرُ فَرْسَخَيْنِ لَا مَا دُونَهُ ، وَقِيلَ مِيلٌ ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْأَصْلِ ، قِيلَ وَالْأَصَحُّ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ ) رَاكِبًا بِلَا كَرَاهَةٍ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مَعَهَا قِيلَ لَمَّا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَسَمَّاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ الْحِمَارَ فِي الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ } فَلَمْ يَرْفَعْ أَبُو حَنِيفَةَ رَأْسَهُ ، قِيلَ ذَلِكَ رُجُوعٌ مِنْهُ ، وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ، وَالشَّاذُّ فِي مِثْلِهِ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ ، وَمُحَمَّدٌ تَمَسَّكَ بِهِ أَيْضًا وَكَرِهَهُ مَخَافَةَ الْغَلَطِ لِمَا فِي الْمِصْرِ مِنْ كَثْرَةِ اللَّغَطِ ، هَذَا وَالنَّجَاسَةُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا تَمْنَعُ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى السُّرُجِ وَالرِّكَابَيْنِ تَمْنَعُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ فَقَطْ ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً ، وَالْجَوَازُ عَلَيْهَا رُخْصَةٌ تَكْثِيرًا لِلْخَيْرَاتِ سَقَطَ لَهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ وَهُوَ الْأَرْكَانُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ إنْ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا تَسِيرُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَقَدْ فَرَّعْنَا عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ

كَالسَّرِيرِ ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ خَشَبَةً حَتَّى بَقِيَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا الدَّابَّةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ .

( فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي ، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ ) لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ ، فَإِنْ أَتَى بِهِمَا صَحَّ ، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ لِوُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرِهِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا نَزَلَ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي .
وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ قَلْبُهُ لِأَنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ لَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ أَدَاءِ بَعْضِهَا بِهِمَا وَبَعْضِهَا بِالْإِيمَاءِ ، وَالنَّازِلُ إذَا رَكِبَ لَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمْعَهَا بِالْإِيمَاءِ ، وَلَوْ بَنَى أَدَّى بَعْضَهَا بِهِ وَبَعْضَهَا بِهِمَا وَهُوَ أَوْلَى .
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ : يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ صَلَاةٍ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ عَلَى صَلَاةٍ افْتَتَحَهَا بِإِيمَاءٍ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : يَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا ، أَمَّا إذَا كَانَ نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ فَلِلْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَأَمَّا فِي قَلْبِهِ فَإِلْحَاقًا بِالْمَرِيضِ الْمُومِئِ إذَا قَدَرَ فِي خِلَالِهَا عَلَيْهِمَا ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الرُّكُوبُ وَالنُّزُولُ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ بِأَنْ رَفَعَ فَوَضَعَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ ثَنَى رِجْلَهُ فَانْحَدَرَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ .
وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِعَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَعَدَمِ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَبَعْضُ الشُّرُوطِ جَوَّزَتْ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ ، وَدَلِيلُ الْحَاجَةِ الرُّكُوبُ ، فَإِذَا افْتَتَحَ عَلَى الْأَرْضِ انْتَفَى دَلِيلُهَا الْمُجَوِّزُ وَثَبَتَ دَلِيلُ الِاسْتِغْنَاءِ فَلَا يَجُوزُ مَعَهُ بِالْإِيمَاءِ ، بِخِلَافِ الِافْتِتَاحِ رَاكِبًا ، فَإِنَّهُ مَعَ دَلِيلِهَا وَمَا يَتَخَايَلُ فِيهِ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَالْمُومِئِ لِمَرَضٍ إذَا قَدَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ فِي الْأَثْنَاءِ لَا يَبْنِي مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عَدَمَ بِنَاءِ الْمَرِيضِ فِي الْفَرْضِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْهُمْ فِيهِ فِي النَّفْلِ ، فَجَازَ أَنْ يَقُولَ يَبْنِي فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَأَنْ يَقُولَ لَا يَبْنِي .
وَيُفَرِّقُ بِأَنَّ إيمَاءَ الْمَرِيضِ اُعْتُبِرَ

شَرْعًا بَدَلًا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ الْمَانِعُ فِيهِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْأَصْلِ لَا لِذَاتِهِ ، إذْ لَا يَعْقِلُ وَجْهُ امْتِنَاعِ كَوْنِ بَعْضِ الصَّلَاةِ قَوِيًّا وَبَعْضِهَا أَضْعَفُ مِنْهُ بَعْدَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ ، وَمَعْنَى الْبَدَلِ هُوَ الَّذِي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ إلَّا عِنْدَ إعْوَازِ الْأَصْلِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الرَّاكِبِ إذْ يُمْكِنُهُ الِانْتِصَابُ فِي الرِّكَابَيْنِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَى مَا أَمَامَهُ ، فَكَانَ إيمَاؤُهُ مُعْتَبَرًا أَصْلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ قَوِيًّا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا بَدَلًا فَصَحَّ الْبِنَاءُ بِهِمَا عَلَيْهِ .
وَقِيلَ لَمَّا جَازَ لِلرَّاكِبِ أَنْ يَفْتَتِحَ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ بِهِ ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِمَا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ بِهِ .
وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَا يَبْنِيَ فِي الْمَكْتُوبَةِ إذَا افْتَتَحَهَا رَاكِبًا إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا بِالنُّزُولِ ، وَلِذَا قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكِتَابِ بِهِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ .
وَأَمَّا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُفْتَتِحِ رَاكِبًا إذَا نَزَلَ وَقَلْبِهِ فَمُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ .
وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ : إنْ أَرَدْت أَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لَهُمَا بِأَنْ يَنْزِلَ فَأَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَعَيْنُ النِّزَاعِ ، وَإِنْ أَرَدْت وَهُوَ رَاكِبٌ بِأَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْإِكَافِ مَنَعْنَا كَوْنَ الْإِجْزَاءِ بِهِمَا بَلْ بِالْإِيمَاءِ الْوَاقِعِ فِي ضِمْنِهِمَا .
وَأَظْهَرُ الْأُمُورِ فِي تَقْرِيرِهِ أَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِالْإِجْزَاءِ بِمُجَرَّدِ الْإِيمَاءِ ، فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ قَبْلَ وُصُولِ رَأْسِهِ إلَى الْإِكَافِ فَلَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ قَدْ حَصَلَ قَبْلَهُمَا قَوْلُهُ وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا نَزَلَ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً ) يَعْنِي

يَسْتَقْبِلُ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتِمَّهَا حَتَّى نَزَلَ فَإِنَّهُ يَبْنِي إذَا لَمْ يُتِمَّ كَانَ مُجَرَّدَ تَحْرِيمَةٍ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا ، وَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ لِلضَّعِيفِ يَكُونُ شَرْطًا لِلْقَوِيِّ ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُمْ .
يَعْنِي إذَا نَزَلَ يَبْنِي مُطْلَقًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُمْتَنِعِ ، وَلَمَّا جَرَى فِيمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَمْرُ النَّذْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ أَحْبَبْنَا سَوْقَ بَعْضِ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ تَتْمِيمًا : نَذَرَ شَفْعًا بِلَا وُضُوءٍ أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ يَجِبُ شَفْعٌ بِوُضُوءٍ وَقِرَاءَةٍ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا لِأَنَّهُ نَذَرَ مَا لَيْسَ قُرْبَةً فَفَاتَ شَرْطُ لُزُومِهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ : إنْ سَمَّى مَا لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَهُ كَبِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا يَلْزَمُهُ أَوْ يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ كَبِلَا قِرَاءَةٍ يَلْزَمُهُ .
قُلْنَا الْتِزَامُ الشَّيْءِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ .
الصَّلَاةُ إيجَابُ الْوُضُوءِ فَالصَّلَاةُ قُرْبَةٌ وَقَدْ الْتَزَمَهَا إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يُخْرِجُهَا عَنْ الْقُرْبَةِ فَيَلْغُو ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ قُرْبَةً أَصْلِيَّةً .
وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثًا وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ .
وَقَالَ زُفَرُ فِي الْأَوَّلُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَفِي الثَّانِي رَكْعَتَانِ .
لَنَا أَنَّهُ الْتَزَمَ بَعْضَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْتِزَامًا لِلْكُلِّ كَإِيقَاعِهِ .
وَلَوْ نَذَرَتْ نَفْلًا غَدًا فَحَاضَتْ فِيهِ قَضَتْهُ ، خِلَافًا لَهُ .
قَالَ نَذَرَ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ .
قُلْنَا : بَلْ بِهِ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى الْيَوْمِ وَهُوَ مَحَلُّهُ .
وَاعْتِرَاضُ الْحَيْضِ مَنَعَ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ عِنْدَ صُدُورِ النَّذْرِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ يَوْمَ حَيْضِي .

فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ( يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ إمَامُهُمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ ، كُلُّ تَرْوِيحَةٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ ، ثُمَّ يُوتِرَ بِهِمْ ) ذَكَرَ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تَكْتُبَ عَلَيْنَا

( فَصْلٌ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ ) التَّرَاوِيحُ جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ أَيْ تَرْوِيحَةٍ لِلنَّفْسِ : أَيْ اسْتِرَاحَةٍ ، سُمِّيَتْ نَفْسُ الْأَرْبَعِ بِهَا لِاسْتِلْزَامِهَا شَرْعًا تَرْوِيحَةً : أَيْ اسْتِرَاحَةً فَلِذَا قَالَ : وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ) تَغْلِيبٌ إذْ لَمْ يُرِدْ كُلَّهُمْ بَلْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا ، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَارِئِ ، قَالَ : خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ يُرِيدُ آخِرُ اللَّيْلِ ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ .
رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي } وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ { افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ } وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهَا وَهُوَ خَشْيَةُ الِافْتِرَاضِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فَارْجِعْ إلَيْهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : قَدْ رَأَيْتُ

الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ } وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .
زَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ { فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ } وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ النَّوَافِلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ { سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ ؟ فَقَالَتْ : مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً } الْحَدِيثُ .
وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوِتْرِ } فَضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ مُخَالِفَتِهِ لِلصَّحِيحِ .
نَعَمْ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ فِي الْمُوَطَّإِ .
عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ " كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً " .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَفِي الْمُوَطَّإِ رِوَايَةٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ .
وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ الْمُتَوَارِثُ ، فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ سُنَّةٌ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ فِي جَمَاعَةٍ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ ، أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ سُنَّةً ، وَكَوْنُهَا عِشْرِينَ سُنَّةُ

الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ } نَدْبٌ إلَى سُنَّتِهِمْ ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ سُنَّتَهُ .
إذْ سُنَّتُهُ بِمُوَاظَبَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَّا لِعُذْرٍ ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ ذَلِكَ الْعُذْرِ إنَّمَا اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَتَكُونُ الْعِشْرُونَ مُسْتَحَبًّا وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهَا هُوَ السُّنَّةُ كَالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ وَرَكْعَتَانِ مِنْهَا هِيَ السُّنَّةُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ السُّنَّةَ عِشْرُونَ ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا قُلْنَا ، فَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ مَا هُوَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ .

( وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ ) لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ
( قَوْلُهُ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ ) ذُكِرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَسَالِمٍ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } وَجَوَابُهُ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ الْعُذْرِ فِي تَرْكِهِ وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ

وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ ، وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ .
( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : وَالْمُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، إلَّا أَنَّهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ التَّنَفُّلِ مَا شَاءَ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ بِجَمَاعَةٍ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا أَوْ يُصَلُّونَ أَرْبَعًا فُرَادَى ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِانْتِظَارُ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّاحَةِ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ وَكَذَا هُوَ مُتَوَارَثٌ .

وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا ، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً فَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ

( قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ) لِأَنَّهَا سُنَّةٌ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَكَانَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْوِتْرِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : اللَّيْلُ كُلُّهُ وَقْتُهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَسُنَّتِهَا فَكَانَتْ تَبَعًا لَهَا .
وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ .
وَاخْتُلِفَ فِي أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ ، فَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ كَسُنَّتِهَا وَالصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ ( قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إلَخْ ) يُقَابِلُ قَوْلَ الْأَكْثَرِ مَا قِيلَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ خُصُوصًا بِالْجَمَاعَةِ وَمَا قِيلَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ الْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ كُلَّ عَشْرٍ مَخْصُوصٌ بِفَضِيلَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَنَّهُ { شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنْ النَّارِ } .
وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، ثُمَّ إذَا خَتَمَ قَبْلَ آخِرِهِ قِيلَ لَا يُكْرَه تَرْكُ التَّرَاوِيحِ فِيمَا بَقِيَ ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا يَشَاءُ ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ ، فَعَدَدُ التَّرَاوِيحِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ ، وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَشَيْءٌ .
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَالَ : عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا وَهُوَ حَسَنٌ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةٌ وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَتْمَةٌ وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ ) تَأْكِيدٌ فِي مَطْلُوبِيَّةِ

الْخَتْمِ وَأَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَطْوِيلٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ ، وَإِذَا كَانَ إمَامُ مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَخْتِمُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَتْرُكُهَا ) إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَثْقُلُ عَلَى الْقَوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ ، وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ

( وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا فِيهِ .
وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا قَدَحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ يُعَدُّ عَدَمُ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ .
فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْجَمَاعَةُ كَانَتْ أَفْضَلَ ، وَفِي النِّهَايَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا قَالَ : وَاخْتَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ لَا بِجَمَاعَةٍ ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّرَاوِيحِ ، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَانَ لَا يَؤُمُّهُمْ ا هـ .
وَحَاصِلُ هَذَا اخْتِلَافٌ فِعْلِيٌّ وَأَنْتَ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْتَرَ بِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ مِثْلِ مَا صَنَعَ فِيمَا مَضَى ، فَكَمَا أَنَّ فِعْلَهُ الْجَمَاعَةَ بِالنَّفْلِ ثُمَّ بَيَانَهُ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ أَوْجَبَ سُنِّيَّتَهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْجَارِيَ فِيهِ مِثْلُ الْجَارِي فِي النَّفْلِ بِعَيْنِهِ ، وَكَذَا مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ يُفِيدُ ذَلِكَ ، فَلَعَلَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِيهِ أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ عُمَرُ : وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ ، وَعَلِمَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا " فَأَخَّرَهُ لِذَلِكَ ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهِ إذْ ذَاكَ مُتَعَذِّرَةٌ فَلَا

يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ كَمَا يُعْطِيهِ إطْلَاقُ جَوَابِ هَؤُلَاءِ .

( بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ ) ( وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ يُصَلِّي أُخْرَى ) صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ ( ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ( وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ ) لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ ، وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ ،

( بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ ) حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ ) حَقِيقَةُ إقَامَةِ الشَّيْءِ فِعْلُهُ ، وَهَذَا أَرَادَ لَا مَا إذَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ بَلْ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَهُمْ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) إلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ .
وَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَكَانَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ قُرْبَةً فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ مَا أَمْكَنَ بِالنَّصِّ ، وَاسْتِئْنَافُ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ لَا يُسْلَبُ قُدْرَةَ صَوْنِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إتْمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الْإِبْطَالُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ .
نَعَمْ غَايَةُ الْأَكْمَلِيَّةِ فِي أَنْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مَعَ الْإِمَامِ ، وَيُعَارِضُهُ حُرْمَةُ الْإِبْطَالِ ، بِخِلَافِ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا إلَى وَصْفٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَالنَّقْلِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا ، وَقَطْعُ النَّفْلِ مُعَقِّبٌ لِلْقَضَاءِ ، بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى خَلْفِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ ) يَعْنِي هُوَ تَفْوِيتُ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَحْصِيلِهِ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ جَائِزًا

لِحُطَامِ الدُّنْيَا كَالْمَرْأَةِ إذَا فَارَ قِدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِهِ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ ، ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا اتَّحَدَ مَسْجِدُهُمَا ، فَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ .
وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ : بُطْلَانُ الْوَصْفِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ ، كَمَا إذَا قَيَّدَ خَامِسَةَ الظُّهْرِ بِسَجْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ قَعَدَ الْأَخِيرَةَ ، أَمَّا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمُضِيِّ لَكِنْ أَذِنَ لَهُ الشَّرْعُ فِي عَمَلِهِ فَلَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا بَلْ تَبْقَى نَفْلًا إذَا ضَمَّ الثَّانِيَةَ .

وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّهَا ( وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يُحْتَمَلُ النَّقْضُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدُ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّفْضِ وَيَتَخَيَّرُ ، إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ ( وَإِذَا أَتَمَّهَا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً ) لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ

( قَوْلُهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا .
وَحُكِيَ عَنْ السُّغْدِيِّ : كُنْت أُفْتِي أَنَّهُ يُتِمُّ سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ حَتَّى رَأَيْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَرَعَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ خَرَجَ الْإِمَامُ قَالَ : إنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ فَرَجَعْتُ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَقَّالِيُّ .
وَقِيلَ يُتِمُّهَا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَضَائِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ ، وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَقْطَعُهَا ) بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ قَطْعِ الْأُولَى قَبْلَ السُّجُودِ وَضَمَّ ثَانِيَةٍ لِأَنَّ ضَمَّهَا هُنَا مُفَوِّتٌ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إلَخْ ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ : يَعُودُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ صَلَاةٍ مُعْتَدٍّ بِهَا ، وَذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةِ الْقُعُودِ .
وَاخْتُلِفَ إذَا عَادَ هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ ؟ قِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قُعُودَ خَتْمٍ ، وَقِيلَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ التَّشَهُّدُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ ذَلِكَ الْقِيَامَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ ( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةٌ ) دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْلِمٍ { عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ؟ قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ } وَكَرَاهَةُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ

وَالْقَوْمُ مُتَنَفِّلِينَ ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ مَجَازٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ

( فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً ثُمَّ أُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ ، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ ، وَبَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ ، وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةٌ لِإِمَامِهِ .

( قَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ ) فَإِنْ قِيلَ : رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَاهَا مَعَهُ ، فَقَالَ : عَلَيَّ بِهِمَا ، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا ، قَالَ : مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ؟ قَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلَا ، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ } صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَالصَّارِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ جَعَلَهَا نَافِلَةً .
فَالْجَوَابُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ الصُّبْحِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ ، وَاعْتِبَارُهُمْ كَوْنَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا مُقَدَّمًا عَلَى الْعَامِّ مَمْنُوعٌ بَلْ يَتَعَارَضَانِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْلُومَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ، كَيْفَ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّهَا إلَّا الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ } .
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ : تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَكَانَ ثِقَةً ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَعْلِيلِ إخْرَاجِهِ الْفَجْرَ بِمَا يُلْحَقُ بِهِ الْعَصْرُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِهِمْ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيُلْحَقُ بِهِ إخْرَاجًا

( قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا ، وَمَا عَنْهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَهُ .
وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةُ إمَامِهِ ) دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْهُ ، وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِهَا مِنْ أَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى كَمَالِ الْفَرْضِ .
وَفِي وَجْهِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا نَقْصٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ مَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي ، وَلَمْ يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَالْأَخِيرُ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا ، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ زِيَادَةَ نَحْوِ السَّجْدَةِ لَيْسَ زِيَادَةَ تَمَامِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ اعْتِبَارُ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْضُهُ .
وَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْأُولَى بِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ شَرْعًا كَالْمَسْبُوقِ .
وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي النِّيَّةِ .
يَعْنِي إذَا اقْتَدَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَمِنْ عَزْمِهِ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ فِي النِّيَّةِ : وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ } يُفِيدُ كَرَاهَتَهُ وَجَوَازَ مُخَالَفَتِهِ فِي صِفَةِ النَّفْلِيَّةِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، أَوْ نَقُولُ : الْمُخَالَفَةُ فِي الْأَدَاءِ مَمْنُوعٌ ،

وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ الْوِفَاقُ مَعْنًى ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ إذْ يَحْصُلُ بِهِ الْخِلَافُ مَعْنًى ، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا بِمَنْعِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ وَلَا بُدَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ ، فَعَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَيَلْزَمُ أَرْبَعٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا .
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا ، فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا .

( وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِنَّ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُصَلِّيَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ } قَالَ ( إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ ) لِأَنَّهُ تَرْكُ صُورَةِ تَكْمِيلِ مَعْنًى ( وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرُ أَوْ الْعِشَاءُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ ) لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً ( إلَّا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا ( وَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ أَوْ الْفَجْرَ خَرَجَ وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا ) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا .

( قَوْلُهُ يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُصَلِّيَ ) فِيهِ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ صَلَّى وَلَيْسَ مِمَّنْ تَنْتَظِمُ بِهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ إلَيْهِمْ وَفِيهِ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ غَيْرَهُ وَقَدْ صَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَخْرُجَ " إلَخْ ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ } وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ ، إلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ } وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ يَقْبَلُهَا بَعْضُ مَنْ يَرُدُّ الْمَرَاسِيلَ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مَسَانِيدَ .
وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ : { كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلْعَصْرِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ .
} وَمِثْلُ هَذَا مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ مُسْنَدٌ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ } وَقَالَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَزَادَ فِيهِ : { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَلَا تَخْرُجُوا حَتَّى تُصَلُّوا }

( وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ : إنْ خَشَى أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ وَيُدْرِكَ الْأُخْرَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ ( وَإِنْ خَشَى فَوْتَهُمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ ، وَالْوَعِيدَ بِالتَّرْكِ أَلْزَمُ ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا ، وَلَا كَذَلِكَ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَهُمَا ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ ارْتَكَبَ الْأَرْجَحَ ، وَفَضِيلَةُ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا يَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ ، وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ لِلْجَمَاعَةِ أَلْزَمُ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ هَمِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ { مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ } الْحَدِيثَ ، فَارْجِعْ إلَيْهَا ، وَلَوْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُمَا ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ ، وَالْوَجْهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا لِمَا سَنَذْكُرُ ، وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقْطَعَهُمَا فَيَجِبَ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَيْسَ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ ، وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ ، وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ .
فَإِنْ قِيلَ : يُؤَدِّيهَا مَرَّةً أُخْرَى .
قُلْنَا : إبْطَالُ الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ ) أَيْ فِي حَالِ خَوْفِ فَوْتِ الْفَرْضِ وَحَالِ خَوْفِ فَوْتِ بَعْضِهِ ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَقْضِيهَا ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَخْ ) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَبْلَهُمَا ، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى

عَكْسِهِ ، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا تَفُوتُ الرَّكْعَتَانِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ .
وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعَلَ قَوْلَهُمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ ، وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ الْأَرْبَعِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى وُقُوعِهَا سُنَّةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ هَلْ تَقَعُ بَعْدَ الشَّمْسِ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا مُبْتَدَأً حَكَوْا الْخِلَافَ فِي أَنَّهَا تُقْضَى أَوَّلًا ، فَلَوْ كَانَا يَقُولَانِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ إنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَجَعَلُوهَا خِلَافِيَّةً فِي أَصْلِ الْقَضَاءِ .
فَاَلَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا تُقْضَى أَوَّلًا مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَعُ سُنَّةً كَمَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا تَقَعُ سُنَّةً ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّرَاوِيحِ : إذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِلَا جَمَاعَةٍ ؟ قِيلَ نَعَمْ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ رَمَضَانُ ، وَقِيلَ لَا تُقْضَى ، قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا دُونَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَتِلْكَ لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرِيضَةٍ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ ، ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَا يَكُونُ تَرَاوِيحَ ا هـ .
دَلَّ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ قَضَاءً يَقَعُ تَرَاوِيحَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ } قَالَ

التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَضَائِهَا كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةَ لِلْجَمَاعَةِ وَالِانْتِبَاذَ عَنْهُمْ ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَا يُمْكِنُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمَكْرُوهَ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ ، غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبُهُ ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ ( قَوْلُ وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمُنَزَّلُ ) ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى أَنَّ لَفْظَ عَامَّةِ بِمَعْنَى الْأَكْثَرِ وَفِيهِ خِلَافٌ ، وَذَكَرَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِمْ قَالَ بِهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَنَحْوِهِ وَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّرَاوِيحِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي السُّنَنِ .
وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ النَّوَافِلِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ عَامَّةِ مَعْمُولًا لِلْحَرْفِ لَا عَلَى السُّنَنِ .
فَإِنْ قُلْت : فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ عَلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ يُؤَدِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ لَا مَا سِوَاهُمَا .
وَالْجَوَابُ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ فَعِبَارَةُ الْكِتَابِ ، وَبِهِ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ : إلَّا أَنْ يَخْشَى أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهَا إذَا رَجَعَ ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَالْأَفْضَلُ الْبَيْتُ ، وَمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ

الْحَلْوَانِيِّ لَا يُنَافِي هَذَا وَلَا مَا صَرَّحَ الزَّاهِدِيُّ بِهِ مِنْ كَرَاهَةِ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ ، إذْ وُقُوعُهَا سُنَّةً لَا يُنَافِي ثُبُوتَ كَرَاهَةِ مَا فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّاهَا سُنَّةً مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَذْهَبِ إلَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَاصِيًا .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اجْعَلُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ } وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ مَا أَجْزَأَهُ ، فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ وَمَا أَحْسَنَ مَا انْتَزَعَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ ، كَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ .
قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ : لَقَدْ رَأَيْت النَّاسَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا انْصَرَفُوا مِنْ الْمَغْرِبِ انْصَرَفُوا جَمِيعًا حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ كَأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَصِيرُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ ا هـ .
وَقَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ { قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ لَمَّا رَآهُمْ يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَقَالَ فِيهِ { ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ } وَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : { حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ } إلَخْ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ

الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ } وَسَنَذْكُرُ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَرَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ ، إلَى أَنْ قَالَ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد { صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } مَحْمُولٌ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِيمَا قَبْلَهُ .

قَالَ ( وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ ( وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ .
وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَبَقِيَ مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا تُقْضَى تَبَعًا لَهُ ، وَهُوَ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ، وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهُ ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ ، أَوْ قَدْ وَرَدَ وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا .
وَإِذَا تَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِهِ بَقِيَ الْمَفْعُولُ بَعْدَهَا نَفْلًا مُطْلَقًا ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ الدَّالَ عَلَى كَوْنِهِ قَضَاءَ مُعَارَضٍ فَيَكُونُ قَضَاءً لَا نَفْلًا مُطْلَقًا عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ ( قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ ) قِيلَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى جَعْلِ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ كَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْقَضَاءِ مَعَ حَذْفِ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الشَّرْعِ ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى فَيَمْنَعُ النَّاظِرُ اعْتِبَارَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي مَفْهُومِهِ ، وَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ لَا يَدْفَعُ اصْطِلَاحًا آخَرَ .
أَوْ يُقَالُ : ذَلِكَ تَعْرِيفُ قَضَاءٍ لِلْوَاجِبِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ حُكْمِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَمْرِ نَوْعَانِ : أَدَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ، وَقَضَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ .
فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ إنْ وَجَبَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ تَوَقَّفَ قَضَاءُ كُلِّ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ عَلَى سَمْعِيٍّ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاجِبٍ سَمْعِيٍّ عَامٍّ ، وَفِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ إجْمَاعٌ عَلَى مَا نَقَلُوا وَهُوَ سَمْعِيٌّ أَيْضًا ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا فَاخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالْوَاجِبِ وَإِنْ وَجَبَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ .
فَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ إذَا شَغَلَ الذِّمَّةَ وَطَلَبَ تَفْرِيغَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَ يَبْقَى السَّبَبُ طَالِبًا التَّفْرِيغَ عَلَى حَسَبِ الْوُسْعِ الْحَاصِلِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ شَغْلِهَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِبْرَاءِ

مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ الْأَدَاءُ ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي السُّنَنِ إذْ لَا شَغْلَ ذِمَّةٍ فِيهَا بَلْ طُلِبَتْ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ ابْتِدَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ لَمْ يَبْقَ طَالِبُهَا إذْ الذِّمَّةُ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً بِهِ ، وَمَا طَلَبَهَا إلَّا سُنَّةً وَهُوَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا أَتَى بِشَيْءٍ يَكُونُ طَالِبُهُ السَّبَبَ الطَّالِبَ لِلنَّفْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُمُومَاتِ النَّادِبَةِ لِتَكْثِيرِ الصَّلَاةِ مَا أَمْكَنَ فَيَثْبُتُ بِهَذَا اخْتِصَاصُ الْوَاجِبِ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ فَوْتِ الْأَدَاءِ فَلَا يَجْرِي الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهَا إلَّا بِسَمْعِيٍّ ، وَهُوَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ فِي غَدَاةِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ ، وَقَدَّمْنَا تَخْرِيجَهُ .
وَأَلْفَاظَهُ وَبِهِ نَقُولُ ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلِذَا نَقُولُ : لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَتَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ ، وَمُقْتَضَى هَذَا تَرَجُّحُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إذَا فَاتَ لَا تُقْضَى سُنَّتُهُ مَعَهُ ، وَحِينَئِذٍ فَتَعْرِيفُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِهِ يَشْمَلُ فِعْلَ النَّوَافِلِ أَنْ يُقَالَ هُوَ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا طُلِبَ شَرْعًا فَيَشْمَلُ فِعْلَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ فِي أَوْقَاتِهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تُوصَفَ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ ، وَالْقَضَاءُ فِعْلُ مِثْلِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُقْضَى ) أَيْ سُنَّةُ الْفَجْرِ تَبَعًا لَهُ : أَيْ الْفَجْرِ : أَيْ صَلَاةُ الصُّبْحِ إذَا كَانَتْ مَعَهَا وَهُوَ يُصَلِّي : أَيْ يَقْضِي صَلَاةَ الصُّبْحِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ فَلَوْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَفِي قَضَائِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَقِيلَ لَا تُقْضَى وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَضَاهَا تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَقِيلَ يَقْضِيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ تَبَعًا كَقَبْلِهِ .
وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا : أَيْ سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ : قِيلَ لَا تُقْضَى ، وَقِيلَ تُقْضَى بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الْوَارِدِ فِي قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَأَرَادَ فِي غَيْرِهِ مِنْ السُّنَنِ الْفَائِتَةِ مَعَ فَرَائِضِهَا إلْغَاءً لِخُصُوصِ الْمَحَلِّ .

( وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : قَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ ) لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ فَصَارَ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِالْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ

( قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ اتِّفَاقًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : قَدْ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ ) وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ ، لَا كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُدْرَكْ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَبْنِيَ الظُّهْرَ عَلَيْهَا ، بَلْ قَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ مُحْرِزٌ ثَوَابَهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِجَمَاعَةٍ حَقِيقَةً فَلِذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَتِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ ، فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ ) فَلَوْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ ثَلَاثًا فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَلْ بَعْضَهَا بِجَمَاعَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ بِالشَّيْءِ ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ، وَعُلِمَ مِنْ السَّبْكِ الَّذِي سَبَكْنَاهُ وُقُوعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَسَبَبُ تَخْصِيصِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهُ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الزَّعْمِ .

( وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ تَرَكَهُ .
قِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ { صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ } وَقَالَ فِي الْأُخْرَى { مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي } وَقِيلَ هَذَا فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ ، وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لِلْفَرَائِضِ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ ) يَعْنِي فَاتَتْهُ جَمَاعَتُهُ وَصَارَ بِحَيْثُ يُصَلِّي الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ سُنَّةً أَوْ نَافِلَةً مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ وَلَكِنْ هُوَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ تَرَكَ التَّطَوُّعَ ( قِيلَ هَذَا ) أَيْ تَرَكَ التَّطَوُّعَ لِلضِّيقِ ( فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ ) أَمَّا هُمَا فَلَا يَتْرُكُهُمَا مَا أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَهُمَا لِزِيَادَةِ وَكَادَتِهِمَا ( وَقِيلَ ) بَلْ ( هَذَا ) أَيْ التَّرْكُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ ( فِي الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْعُمُومُ السَّابِقُ ( لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ ) لَا مُنْفَرِدًا وَهَذَا مُنْفَرِدٌ ( وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ ) فَلَا تَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ هَذَا السَّبْكُ هُوَ الْمُرَادُ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْهُ تَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا : أَيْ عَدَمَ التَّرْكِ فِي الْكُلِّ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُ تَعْلِيلُهُ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْأَوَّلِ إلَّا التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ ضِيقٌ وَإِنْ صَلَّاهُمَا بِجَمَاعَةٍ إذْ لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ قَدْ صَلَّى فِيهِ ، وَيَفْسُدُ الْمَعْنَى أَيْضًا إذْ يُفِيدُ لَا يَتْرُكُ سُنَّةَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَتْرُكُ السُّنَنَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا سُنَّةَ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا وَاظَبَ عَلَيْهَا كَذَلِكَ ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ سُنِّيَّتَهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِإِطْلَاقِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا ، وَهُوَ تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِجَبْرِ الْخَلَلِ الَّذِي عَسَاهُ يَقَعُ فِيهَا وَقَطْعِ طَمَعِ

الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَنْ يُوَسْوِسَ لَهُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ وَلِتَكُونَ الْمُتَقَدِّمَةُ مُعِينَةً عَلَى حُصُولِ الْجَمْعِيَّةِ فِي الْفَرْضِ لِقَطْعِ مَوَادِّ الشَّوَاغِلِ بِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ فَيَدْخُلُ الْفَرْضُ وَقَدْ تَوَجَّهَتْ النَّفْسُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلِيَ الْفَرْضَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الشَّوَاغِلِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ إلَّا كَذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِلِاتِّفَاقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ إلَّا كَذَلِكَ ، هَذَا فِي حَقِّنَا ، أَمَّا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِيَادَةُ الدَّرَجَاتِ إذْ لَا خَلَلَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا طَمَعَ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ) ظَاهِرٌ فِي تَصْيِيرِ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةً يَتْرُكُهَا الْمُنْفَرِدُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُكْرَهُ يَتْرُكُهَا إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا بَعْدَ كَوْنِ الْوَقْتِ بَاقِيًا وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ كُلِّهَا حَالُ ضِيقِ الْوَقْتِ وَسَعَتِهِ وَالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَقَدْ يُرَادُ شُمُولُهُ لِلسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ أَيْضًا فَيُفِيدُ اخْتِيَارَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي السَّفَرِ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِنَانِ فِي السَّفَرِ فَلَا يُصَلِّي السُّنَّةَ فِيهِ ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْقُولِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا عَلَى مَا مَرَّ ، لَكِنْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ : لَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت .
وَلِأَنَّا لَا نَقُولُ لَا يُتَنَقَّلُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ بَلْ الْكَلَامُ فِي ثُبُوتِ سُنِّيَّةِ الْمَعْهُودَةِ حَتَّى يَلْزَمَهُ إسَاءَةٌ بِالتَّرْكِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَسْقَطَ شَطْرَ الْفَرْضِ عَنْهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِلسَّفَرِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ غَيْرَهُ بِحَيْثُ يُلْزَمُهُ

إسَاءَةٌ بِتَرْكِهِ .
وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ : فَحَدِيثُ سُنَّةِ الْفَجْرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَدَعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ } وَفِيهِ ابْنُ سَيْلَانَ بِمُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : لَا نَدْرِي أَهُوَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَيْلَانَ أَوْ هُوَ جَابِرُ بْنُ سَيْلَانَ ؟ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَحَالُهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِمَا عَيَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ رَبِّهِ وَقَالَ : هَكَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ .
وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ : سَأَلْت عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ : مُقَارِبُ الْحَدِيثِ .
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ .
وَمِمَّا وَرَدَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } وَأَسْلَفْنَا عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ } وَأَخْرَجَ عَنْهَا فِي حَدِيثِ { وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا } وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى

عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ } وَأَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى إلَى ابْنِ عُمَرَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهَا الرَّغَائِبَ } .

( وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي رُكُوعِهِ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ ) هُوَ يَقُولُ : أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ .
وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ ( وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ جَازَ ) وَقَالَ زَفَرُ : لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ هَكَذَا مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ .
وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ .

( قَوْلُهُ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ ) وَكَانَ يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ أَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ مَعَ الْإِمَامِ .
وَعِنْدَ زُفَرَ : يَصِيرُ مُدْرِكًا حَتَّى كَانَ لَاحِقًا عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ، إذْ الْوَاجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ قَبْلَهُ .
وَلَكِنَّهُ لَوْ صَلَّاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ ، وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ بِهَا فَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ هُوَ يَقُولُ أَدْرَكَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ وَهُوَ الرُّكُوعُ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَهُ ، حَتَّى لَوْ شَارَكَهُ فِيهِ صَارَ مُدْرِكًا الرَّكْعَةَ وَيَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِيهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى رَفَعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا اتِّفَاقًا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَيَلْحَقُهُ .
وَلَنَا أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَشَرِكَةٌ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا } وَفِيهِ { وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا } الْحَدِيثَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ } إلَخْ ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَكَةِ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ هَذِهِ مُشَارَكَةٌ لَا فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ ، فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ بَعْدُ ، بِخِلَافِ مَنْ شَارَكَ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّكُوعِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ مِنْهُ بِتَحَقُّقِ جُزْءِ مَفْهُومِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّخَلُّفِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى اللَّاحِقِ فِي الشَّرْعِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بِذَلِكَ وَإِلَّا انْتَفَى هَذَا ، وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ، وَلَوْ نَوَى

بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ نِيَّتُهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ ) فَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ هَذَا الرُّكُوعَ ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ هَذَا لِرُكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ .
وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَقَعُ مَوْقِعَهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ حِينِ الْمُشَارَكَةِ الرُّكُوعُ الْمُقْتَدَى فِيهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ شَيْءٌ ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى فَاسِدٍ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءٌ وَمَا قَبْلَهُ لَغْوٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ .
وَقَوْلُهُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ : يَعْنِي مَا لَوْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ حَيْثُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ ، كَذَا هَذَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَهُ طَرَفَانِ : طَرَفُ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ الْأَوَّلُ ، وَطَرَفُ الِانْتِهَاءِ ، فَكَمَا صَحَّتْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ فِي الْأَوَّلِ كَذَا الثَّانِي ، وَيُكْرَهُ فِيهِمَا لِلنَّصِّ الَّذِي سَمِعْت ، وَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ وَأَدْرَكَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَام فَكَذَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ، وَلَوْ أَطَالَ الْإِمَامُ فِي السُّجُودِ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي فَظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيَةً فَسَجَدَ مَعَهُ إنْ نَوَى بِهَا الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَكُونُ عَنْ الْأُولَى ، وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ ، وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ زُفَرَ .
وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ الرُّكُوعِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ ،

فَكَذَا فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ ، أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ ، أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي آخِرِ الرَّكَعَاتِ ، فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ بِلَا قِرَاءَةٍ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ ، وَإِذَا رَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ، وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ ، وَإِنْ رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى .
وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ ، وَيَقْضِي بَعْدَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ .
وَفِي الثَّانِيَةِ تَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا ، وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِيبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ .
بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ رُكُوعُهُ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيَلْتَحِقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ ، وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ .

[ تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيهِ وَمَا لَا ] إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ ، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ ، وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ ، وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ ، وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ يُسَلِّمُ مَعَهُ ، وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُتِمُّ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ .
وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ وَإِلَّا تَابَعَ .
وَفِي نَظْمِ الزندويستي : خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ : الْقُنُوتُ ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ ، وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى ، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ ، أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ .
وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْمُقْتَدِي : إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا ، أَوْ زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الْإِمَامِ لَا الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ ، وَخَامِسَةٌ فِي تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا ، وَسَنَذْكُرُ مَاذَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي بَابِ السَّهْوِ

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَتِسْعَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ : إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ ، وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي ، وَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ ، أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ .
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ تَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ ، وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ .

[ فَرْعٌ ] صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ، وَمُنْفَرِدًا لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ صَلَاةِ دِينِنَا ، وَوُجُودُ اللَّازِمِ الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ الْمُعَيَّنَ ، وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ ، وَفِي كَوْنِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ نَظَرٌ .

( بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ) ( وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَضَاهَا إذَا ذَكَرَهَا وَقَدَّمَهَا عَلَى فَرْضِ الْوَقْتِ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا مُسْتَحَقٌّ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُسْتَحَبٌّ ، لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ } ( وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يُقَدِّمُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يَقْضِيهَا ) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ ، وَكَذَا بِالنِّسْيَانِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ

بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ) ( قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ دَلِيلٌ ، كَمَا فِي " الْإِيمَانُ أَعْظَمُ الْأُصُولِ " وَهُوَ شَرْطٌ لِكُلِّ الْعِبَادَاتِ ، وَكَذَا الظُّهْرُ بِعَرَفَةَ تَقْدِيمُهَا شَرْطٌ لِلْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِهَا لِلدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ .
وَلَنَا مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ } وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا ، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا وَقْفَهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي نِسْبَةِ الْخَطَإِ فِي رَفْعِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى التَّرْجُمَانِيِّ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَهُمَا ثِقَتَانِ .
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي التَّرْجُمَانِيِّ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ ، وَلِذَا وَثَّقَ ابْنُ مَعِينٍ سَعِيدًا ، وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَوْثِيقَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَهِمُ .
فَإِنْ قُلْت : لَا يُقَاوِمُ مَالِكًا .
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضٍ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ لَيْسَ كَوْنُ الِاعْتِبَارِ لِلْأَكْثَرِ وَلَا لِلْأَحْفَظِ وَإِنْ كَانَتْ مَذَاهِبَ بَلْ لِلرَّافِعِ بَعْدَ كَوْنِهِ ثِقَةً ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِذَاكَ هُوَ عِنْدَ تَعَارُضِ الْمَرْوِيَّيْنِ .
وَلَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ لِظُهُورِ أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَقِفُ الْحَدِيثَ وَقَدْ يَرْفَعُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَمَسَّكْ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ

صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ } لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَقْتَ التَّذَكُّرِ لَا فَسَادُ الْوَقْتِيَّةِ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ الْمُفَادُ فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ لِلْفَسَادِ لِمَا أَسَلَفنَا مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ الْمُؤَدَّاةِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ سَلَّمْنَاهُ .
لَكِنَّ فَسَادَ الْوَقْتِيَّةِ بِهَذَا الْخَبَرِ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُجِّيَّتِهِ مُعَارَضٌ بِصِحَّتِهَا بِالْقَاطِعِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُهَا ، وَلَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ الصِّحَّةُ فِيهِ ، وَلَازِمُ الْقَطْعِيِّ قَطْعِيٌّ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى قَطْعِيَّةِ اللُّزُومِ : وَقَطْعِيَّةُ لُزُومِ الصِّحَّةِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ الثَّابِتَةِ شَرْعًا .
وَقَدْ ثَبَتَ اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ بِهَذَا النَّصِّ فَيَتَوَقَّفُ قَطْعِيَّةُ لُزُومِ الصِّحَّةِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيمِهَا ، لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إثْبَاتُ شَرْطٍ لِلْمَقْطُوعِ بِهِ بِظَنِّيٍّ ، وَقَدْ الْتَزَمَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ : مَا عَمِلْتُمْ بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ مِثْلَ مَا عَمِلْتُمْ بِخَبَرِ التَّرْتِيبِ حَيْثُ قُلْتُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَرْكِ التَّرْتِيبِ لَا عِنْدَ تَرْكِ الْفَاتِحَةِ ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ لِزِيَادَةِ شَرْطٍ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ ، وَتَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ زِيَادَةُ رُكْنٍ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَحَطُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الرُّكْنُ انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ إثْبَاتَ شَرْطٍ لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّحَّةِ مِنْ عَيْنِ الزِّيَادَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقَاطِعِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّحَّةِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَجُوزُ .
وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ فِي النِّهَايَةِ إلَى جَوَابٍ آخَرَ جَعَلَهُ الْأَصَحَّ فَقَالَ : أَوْ نَقُولُ : وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْجَوَابِ لَوْ

قُلْنَا بِتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهٍ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ الَّذِي يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِدُونِهَا وَهُوَ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِثْلُ هَذَا .
وَأَمَّا لَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ فَسَادُ الْوَقْتِيَّةِ لَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ بَلْ كَانَ عَمَلًا بِهِمَا لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَأَخَّرُ حُكْمُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَلَا يَبْطُلُ وَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ التَّأْخِيرِ بِدُونِ هَذَا ، وَهَذَا عَيْنُ نَظِيرِ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، فَلَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ كَيْ لَا يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا هُوَ قَائِمٌ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ سَعَتِهِ ، فَإِنَّ الْقَاطِعَ اقْتَضَى الصِّحَّةَ مُطْلَقًا ، فَإِذَا أَلْزَمْت التَّأْخِيرَ كَذَلِكَ كَانَ عَيْنُ تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَيْهِ .
نَعَمْ يَتَحَقَّقُ الْعَمَلُ بِهِمَا مِمَّنْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بَلْ إنَّ تَعْيِينَ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ تَفْسُدُ الْوَقْتِيَّةُ لَوْ قَدَّمَتْ هَلْ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ هَذَا تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عَيْنًا عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ الْقَاطِعَ فِي صِحَّةِ الْوَقْتِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ عَيْنُ نَظِيرِ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ إلَخْ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَاكَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى الْفَجْرِ ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ تَقَرَّرَ الْمَأْثَمُ بِتَرْكِ مُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِفَسَادِ الْمَغْرِبِ وَلُزُومِ قَضَائِهَا ، وَالْحُكْمُ هُنَا فَسَادُ

الْوَقْتِيَّةِ وَلُزُومُ قَضَائِهَا ، وَبِذَلِكَ يَقَعُ التَّقْدِيمُ الْمُمْتَنِعُ ، هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْقَاطِعِ وَمَعْرِفَةِ شَخْصِهِ وَلَمْ يُعَيِّنُوهُ ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْتَفٍ ، إذْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَقُولُوا بِصِحَّةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا فَلَا إجْمَاعَ .
وَيُمْكِنُ كَوْنُهُ حَدِيثَ إمَامَةِ جِبْرِيلَ حَيْثُ قَالَ : الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ أَوْ مَشْهُورٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَوَاتِرِ فِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ دُونَ فَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ لَوْ لَمْ تُقَدَّمْ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ لِتَرْكِ مُقْتَضَى خَبَرِ الْوَاحِدِ كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ سَوَاءً ، وَدَعْوَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ خَبَرَ التَّرْتِيبِ مَشْهُورٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي رَفْعِهِ بَيْنِ الْمُحَدِّثِينَ ثَابِتٌ فَضْلًا عَنْ شُهْرَتِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَذْهَبَ تَقْدِيمُ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ ، فَلَوْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ لَقَدَّمُوا الْفَائِتَةَ مُطْلَقًا لِجَوَازِ تَقْيِيدِ الْكِتَابِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَيَكُونُ إطْلَاقُ جَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ فِي كُلِّ الْوَقْتِ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ الْفَائِتَةِ ، لَكِنَّ هَذَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَائِلَانِ : قَائِلٌ بِالِاسْتِحْبَابِ ، وَقَائِلٌ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ ، فَجَعْلُهُ لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا امْتَنَعَ إعْمَالُ ظَاهِرِهِ مِنْ الْوُجُوبِ لَزِمَ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ ، وَنَفْسُ الِامْتِنَاعِ لِلْإِحْدَاثِ هُوَ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَى النَّدْبِ ، فَظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ أَوْلَوِيَّةُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِحْبَابِ ، وَهُوَ مَحْمَلُ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الْمُتَعَيَّنَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ الْأُولَى ( قَوْلُهُ كَيْ لَا

يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ ) تَعْلِيلٌ لِلسُّقُوطِ بِضِيقِ الْوَقْتِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ .
وَأَمَّا بِالنِّسْيَانِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ ، ثُمَّ تَفْسِيرُ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لَا يَسَعُ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ وَلَا يُنَاطُ بِمُجَرَّدِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ بِالْوَاقِعِ ، فَلَوْ ظَنَّ ضِيقَهُ فَصَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بَطَلَتْ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَاقِيَ صَارَ لَا يَسَعُهُمَا فَأَعَادَ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَيْضًا خِلَافُهُ بَطَلَتْ أَيْضًا ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ إلَى أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ إعَادَةٍ مِنْ الْإِعَادَاتِ ضِيقُهُ صَادِقًا فَيُعِيدَ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ إعَادَتِهِ أَنَّهُ يَسَعُهُمَا صَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ ، وَلَوْ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ فَصْلٌ فَصَلَّى الْفَائِتَةَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ حُكِمَ بِجَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ لِتَبَيُّنِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَيُعْتَبَرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عِنْدَ الشُّرُوعِ ، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَأَطَالَ حَتَّى ضَاقَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِيهَا ، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَذَكَّرَ عِنْدَ ضِيقِهِ جَازَتْ ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْفَوَائِتُ لَا بِحَيْثُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَالْوَقْتُ يَسَعُ بَعْضَهَا لَا الْكُلَّ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ حَتَّى يُصَلِّيَ ذَلِكَ ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْهُ لِلْآخَرِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ ) يَعْنِي يَصِحُّ لَا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَكُونُ آثِمًا بِتَفْوِيتِ الْفَرْضِ بِهَا وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا ( قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الْفَائِتَةِ وَهُوَ كَوْنُ الِاشْتِغَالِ بِهَا يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ وَهَذَا يُوجِبُ

كَوْنَهُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ ، أَمَّا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَلَا مَعْصِيَةَ فِي ذَاتِهَا هَذَا وَمَا أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ حَالِ الْأَدَاءِ فِي الْقَضَاءِ يُرَاعَى ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ .
فَإِنَّ أَمَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَجَبَ الْجَهْرُ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ انْفَرَدَ فِي قَضَائِهَا فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَقَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَ وُجُوبَ الْإِخْفَاءِ ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُهُ وَتَقَدَّمَ الْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ .
وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ : مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَقْضِيهَا بِالتَّكْبِيرَاتِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ( قَوْلُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ ) يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا } وَتَقَدَّمَ ، أَفَادَ أَنَّ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتُ الْفَائِتَةِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ وَقْتًا لِلْوَقْتِيَّةِ فَيَكُونُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ فِيهِ قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا بِالْقَاطِعِ فَيَكُونُ إهْدَارًا لِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ فِي غَيْرِ مُلْجِئٍ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ وَقْتًا لِلْوَقْتِيَّةِ إذْ جَعَلَ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا وَقْتًا لَهُمَا بِحَيْثُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ كَالصَّلَوَاتِ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَالْمَنْذُورَةِ وَالنَّافِلَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى غَيْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ كَوْنِ وَقْتِ التَّذَكُّرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهَا حَتَّى يَكُونَ الْأَدَاءُ فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْإِثْمِ لِغَرَضِ كَوْنِ التَّأْخِيرِ لِلنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ لِلْوَقْتِيَّةِ أَيْضًا ، نَعَمْ لَوْ عَلَّلُوا انْفِرَادَ الْفَائِتَةِ بِالْوَقْتِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ { لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ } لَأَمْكَنَ ، وَحِينَئِذٍ يَبْقَى فِيهِ مَا قُلْنَاهُ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ فِي تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ عَمَلًا

بِالدَّلِيلَيْنِ

( وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ ) { لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا ، ثُمَّ قَالَ : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ( إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ ) لِأَنَّ الْفَوَائِتَ قَدْ كَثُرَتْ ( فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ ) نَفْسِهَا كَمَا سَقَطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ ، وَحْدُ الْكَثْرَةِ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا لِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ ( وَإِنْ فَاتَتْهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا ) لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَصِيرُ سِتًّا .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ ، قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ .

( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ) لَيْسَ مِنْ تَمَامِ مَا اتَّصَلَ بِهِ بَلْ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ ، فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمَجْمُوعِ فِعْلِهِ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَأَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ فَلَزِمَ التَّرْتِيبُ ، وَلَوْ قَالَهُ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَقَلَّ إيهَامًا ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ لَيْسَ عَلَى صِرَافَةِ ظَاهِرِهِ مِنْ إيجَابِ كُلِّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهُمْ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى مَا هُوَ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً فَهُوَ عَلَى النَّدْبِ إنْ اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الْمُرَادَةُ أَوْ عَلَى الْإِيجَابِ إنْ اُعْتُبِرَتْ غَيْرُهَا ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ ، أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ كَوْنَ هَذَا التَّرْتِيبِ وَاجِبًا عَيْنُ النِّزَاعِ وَصَلُّوا إلَى آخِرِهِ إيجَابُ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَأَوْهُ فَعَلَهَا فَلَا يُقَدَّمُ السُّجُودُ عَلَى الرُّكُوعِ وَلَا يُقْرَأُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ .
وَحَاصِلُهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَعْيِينُ الْكَيْفِيَّاتِ الْوَاجِبَةِ أَنْ تُغَيَّرَ ، وَذَلِكَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوَّلًا .
وَغَايَةُ مَا يُدْفَعُ بِهِ هَذَا أَنْ يُقَالَ هُوَ مُفِيدٌ وُجُوبَ كُلِّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الرُّؤْيَةُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ فِيهِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ أَدَبًا ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ التَّرْتِيبُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اسْتِلْزَامِ تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَاطِعِ بِتَقْدِيرِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ ، ثُمَّ الْحَدِيثُ الثَّانِي هُوَ ذَيْلُ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَتَقَدَّمَ .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ { إنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ

بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ : يَعْنِي فَهُوَ مُنْقَطِعٌ .
وَقَوْلُ الشَّيْخِ مُحَيِّي الدِّينِ النَّوَوِيِّ فِي الْخُلَاصَةِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي دَاوُد تُوُفِّيَ وَلِوَلَدِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ سَبْعُ سِنِينَ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْخُدْرِيِّ { حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى كُفِينَا ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ .
ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ { فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } } وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعِشَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِهَا ، وَذَكَرَهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَأَخَّرَتْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ .
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ .
ثُمَّ قَالَ : مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ غَيْرُكُمْ } وَفِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنِ

أَبِي الْمُخَارِقِ مُضَعَّفٌ .
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَوَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا ، فَنَزَلْنَا إلَى بَطْحَانَ فَتَوَضَّأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَضَّأْنَا ، فَصَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ } وَلَا يُعَارِضُهُ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَا مَا انْفَرَدَ بِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ، أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا } ا هـ .
لِوُجُوبِ حَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى إرَادَةِ بَيْنَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَهُوَ أَحَدُ مُحْتَمَلَيْهِ لِصِحَّةِ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ، وَالْمُفَادُ بِالثَّانِي أَنَّ الْحَبْسَ تَحَقَّقَ إلَى وَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَوَقَعَ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ إذْ ذَاكَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا إذْ ذَاكَ ، وَقَدْ تَظَافَرَتْ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ مَعَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، وَكَذَا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَذَهَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْهُ لِلتَّصَادُقِ ، غَيْرَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ تَخْصِيصِ قَوْلِهِ " فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ " أَنَّهُ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِلَّا لَقَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ ، لَكِنْ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا يَصْدُقُ بِهِ لِأَنَّ

تِلْكَ الْأَحَادِيثَ أَيْضًا صَحَّتْ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ وَبَعْضُهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ ، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْفَوَائِتِ سَبْعًا لِأَنَّ مَا بِهِ الزِّيَادَةُ لَا يُوجِبُ اللَّفْظُ كَوْنَهُ فَائِتًا بَلْ إذَا انْضَمَّ إلَى الْفَوَائِتِ الْمُعَيَّنَةِ صَلَاةٌ صَدَقَ أَنَّ الْمُسَمَّى بِالْفَوَائِتِ زَادَتْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَائِتَةً ، هَذَا غَايَةُ مَا يُؤَدِّيهِ اللَّفْظُ وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ كَوْنَ الْفَوَائِتِ سَبْعًا ( قَوْلُهُ وَحَدُّ الْكَثْرَةِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ : الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ سِتًّا مُذْ فَاتَتْهُ الْفَائِتَةُ وَإِنْ أَدَّى مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ .
يَعْنِي بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ ، وَعَلَى الثَّانِي لَا لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا ، وَمِثْلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُصَفَّى فِي وَجْهِ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا تَرَكَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ دُونَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا .
قَالَ لِلْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً ، فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ ، لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ يَزِيدُ عَلَى سِتٍّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ بِنَفْسِهَا سِتًّا : يَعْنِي فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الزَّائِدِ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ اقْتَصَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهِمَا ، وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَلِمَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَدَّاةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَمَالَ خَمْسِ

وَقْتِيَّاتٍ ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ كَوْنُ الْمُتَخَلَّلَاتِ سِتَّ فَوَائِتَ لِأَنَّهُ مَعَ دُخُولِ وَقْتِهَا ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فَائِتًا سِوَى الْمَتْرُوكَةِ إذْ ذَاكَ ، وَالْمُسْقَطُ هُوَ سِتُّ فَوَائِتَ لَا مُجَرَّدُ أَوْقَاتٍ لَا فَوَائِتَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ السُّقُوطُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ الْتِزَامُ الِاشْتِغَالِ بِأَدَائِهَا إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ ، فَمُجَرَّدُ الْأَوْقَاتِ بِلَا فَوَائِتَ لَا أَثَرَ لَهُ ، فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ .
فَإِنْ قُلْت : إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ وَهِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا .
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ هَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقِيًّا ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ .
فَأُقِيمَ أَدَاؤُهَا مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُ لِصِحَّةِ الْخَمْسِ يَقْطَعُ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَدَّاهَا أَوْ لَا ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِالْخَطَإِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ، أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الثِّنْتَيْنِ ابْتِدَاءً كَمَا نُحَقِّقُهُ بِذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ بِشُعَبِهَا ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ صِرْنَا إلَيْهَا إحْرَازًا لِفَائِدَتِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِيهَا إلْحَاقُ نَاسِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْفَائِتَتَيْنِ بِنَاسِي الْفَائِتَةِ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ ، وَهُوَ أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا

هِيَ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا .
وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الطَّرِيقُ الَّتِي يُعَيِّنُهَا لَا كَمَا قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ .
ثُمَّ صُورَةُ قَضَاءِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ، فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَوَّلًا هُوَ الظُّهْرُ فَالظُّهْرُ الْأَخِيرَةُ تَقَعُ نَفْلًا .
وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَصْرُ فَالظُّهْرُ الْأُولَى تَقَعُ نَفْلًا .
وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَصْرِ فَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ .
وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا ظُهْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَعَصْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَمَغْرِبٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي تَرْتِيبَهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ .
لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهَا أُولَى أَوْ أَخِيرَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً تَجِيءُ تِسْعًا الثَّابِتُ فِي الْخَارِجِ سِتٌّ لِلتَّدَاخُلِ لِأَنَّ تَوَسُّطَ الظُّهْرِ يَصْدُقُ فِي الْخَارِجِ ، أَمَّا مَعَ تَقَدُّمِ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَلَا يَكُونُ كُلٌّ قُسِمَا بِرَأْسِهِ وَكَذَا هُمَا فَخَرَجَ بِوَاسِطَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَبْقَى الثَّابِتُ الظُّهْرُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ أَوْ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ ثُمَّ الْعَصْرُ فَهَذَانِ قِسْمَا تَقَدُّمِ الظُّهْرِ وَلِتَقَدُّمِ الْعَصْرِ مِثْلُهُمَا وَلِلْمَغْرِبِ كَذَلِكَ ، فَإِنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ مَعَ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي تِلْكَ السَّبْعَ ثُمَّ يُصَلِّي الرَّابِعَةَ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً ، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ السَّبْعَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ ، فَلَوْ كَانَتْ خَمْسًا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ تَرَكَ الْفَجْرَ أَيْضًا يُصَلِّي إحْدَى وَثَلَاثِينَ صَلَاةً تِلْكَ الْخَمْسَ

عَشْرَةَ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ : أَعْنِي الْفَجْرَ ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ الْخَمْسَةَ عَشْرَةَ ، فَالضَّابِطُ أَنَّ الْمَتْرُوكَةَ إنْ كَانَتَا ثِنْتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ أُولَاهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثًا صَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ الثَّلَاثَ ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا صَلَّى قَضَاءَ الثَّلَاثِ كَمَا قُلْنَا ثُمَّ الرَّابِعَةَ ، ثُمَّ أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءِ الثَّلَاثِ .
وَإِنْ كَانَتْ خَامِسَةً فَعَلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي أَرْبَعٍ .
وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا لِكَثْرَةِ سُؤَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ : الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ .
وَإِلَّا فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى دَلِيلِهِ .
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا وَرَاءَ الصَّلَاتَيْنِ ، فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْكُلِّ .
قَالَ فِي الْحَقَائِقِ : وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ إعَادَةَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ مُسْتَقِيمٌ ، أَمَّا إيجَابُ سَبْعِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ انْتَهَى ، فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ خِلَافَ هَؤُلَاءِ فِيمَا وَرَاءَ الثِّنْتَيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيجَابِ سَبْعٍ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ ، وَهُوَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ مَعْنًى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا يُوجِبُ سَبْعَ صَلَوَاتٍ ، فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِسَبْعٍ ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوا إلَّا تَحَقُّقَ فَوَائِتَ سِتٍّ ، وَالْأَوَّلُونَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ مَوْجُودٌ فِي إيجَابِ سَبْعٍ ، فَظَهَرَ بِهَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ زَجْرًا لَهُ عَنْ

التَّهَاوُنِ ) وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٌ .
وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ ، فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّكَاسُلُ لَوْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ .

وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا .

( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ) خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَغَيْرُهُمْ ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ) أَيْ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ ( وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا ) أَيْ عَلَى الْفَوَائِتِ .
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ .
فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا .
وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ : أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ ، وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ أَصْلًا ، فَإِنَّ سُقُوطَهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَفْسُدْ الْوَقْتِيَّاتُ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ كَمَاءٍ نَجِسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ جَارٍ حَتَّى سَالَ ثُمَّ عَادَ قَلِيلًا لَمْ يَعُدْ نَجَسًا ، فَلِذَا صَحَّحَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْمَدْلُولِ فَكَيْفَ بِالِاسْتِشْهَادِ .
وَحَاصِلُهُ بُطْلَانُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، لَكِنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ كَانَ بِعِلَّةِ الْكَثْرَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْحَرَجِ ، أَوْ أَنَّهَا مَظِنَّةُ تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ ، فَلَمَّا قُلْت زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْحُكْمُ

الَّذِي كَانَ قَبْلُ ، وَهَذَا مِثْلُ حَقِّ الْحَضَانَةِ الثَّابِتِ لِمُحْرِمِ الصَّغِيرِ مِنْ النِّسَاءِ يَنْتَهِي بِالتَّزَوُّجِ ، فَإِذَا زَالَ التَّزَوُّجُ عَادَ لَا أَنَّهُ سَقَطَ فَيَكُونُ مُتَلَاشِيًا فَلَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ إلَّا لِسَبَبٍ آخَرَ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ جَاهِلًا ، أَمَّا لَوْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ كَانَتْ أَيْضًا فَاسِدَةً .
وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْفَرْضُ جَهِلَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ وَأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّةِ الْعِشَاءِ إذَا أَخَّرَهَا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَلَا وَجْهَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ تَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَإِنْ قَدَّمَهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ جَاهِلٌ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَائِتَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ .
وَالْجَوَابُ يُعْلَمُ مِنْ جَوَابِهِمْ لِطَلَبِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا حَيْثُ تَجِبُ إعَادَةُ الْعَصْرِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ .
وَمَا لَوْ صَلَّى هَذِهِ الظُّهْرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاكِرًا لَهَا حَيْثُ تَصِحُّ الْمَغْرِبُ إذْ قَالُوا إنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ قَوِيٌّ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ فَصَلَحَ اسْتِتْبَاعُهُ لِفَسَادِ الْعَصْرِ ، بِخِلَافِ فَسَادِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لِقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ مُسْتَتْبِعًا فَسَادَ الْمَغْرِبِ .
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الظَّنِّ الْخَطَأِ فِيهِ مِنْ الْجَاهِلِ بَلْ إنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَى الْمُجْتَهَدِ وَيَسْتَتْبِعُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الظَّنُّ لِزِيَادَةِ الضَّعْفِ .
فَفَسَادُ الْعَصْرِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً ، وَفَسَادُ الْمَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ .
وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْعِشَاءَ فَفَسَادُهَا بِسَبَبِ فَسَادِ

الْوَقْتِيَّاتِ .
وَفَسَادُ الْوَقْتِيَّاتِ هُوَ الْفَسَادُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهِيَ نَظِيرُ الْعُشْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِذَا قَدَّمَهَا فَفَسَادُهَا حِينَئِذٍ لِوُجُودِ الْفَائِتَةِ بِيَقِينٍ وَهِيَ آخِرُ الْمَتْرُوكَاتِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ ( وَإِذَا فَسَدَتْ الْفَرْضِيَّةُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ ) ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ .
وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ ( ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا ، حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ فَسَادًا بَاتًّا لَا جَوَازَ لَهُ بِحَالٍ ) وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ .

( قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ ) يَعْنِي أَصْلَ الْوَقْتِ ، وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الظُّهْرِ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا يَقَعُ الْعَصْرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَالْعَصْرَ فِي الْمَكْرُوهِ .
وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ مَا لَا يَسَعُ الظُّهْرُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ جَوَازِ الظُّهْرِ فِي الْمَكْرُوهِ ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ وَالشَّمْسُ حَمْرَاءُ وَغَرَبَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا .
طَعَنَ فِيهِ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ : بَلْ يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا تَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً .
وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ حِينَ شَرَعَ كَانَ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لِمَا أَمَرَ بِهِ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ ) وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِيَصِلَ بِهَا مَسْأَلَةَ بُطْلَانِ الْوَقْتِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا فَسَدَتْ الْفَرْضِيَّةُ ) بِتَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ فِيهَا ( لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ ) حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ ) يَعْنِي لَيْسَ الْمَوْجُودُ مِمَّا يُبْطِلُ أَصْلَ الصَّلَاةِ كَالْحَدَثِ بَلْ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ .
وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ بُطْلَانِ الْوَصْفِ وَبُطْلَانِ الْأَصْلِ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ فِي خِلَالِ الْيَوْمِ لَا

يَبْطُلُ صَوْمُهُ فَيَصِيرُ مُفْطِرًا بَلْ يَبْطُلُ وَصْفُ وُقُوعِهِ كَفَّارَةً .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ { فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ } ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ السَّادِسَةَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْخَمْسَ .
وَلَوْ صَلَّى السَّادِسَةَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْقَضَاءِ صَحَّ الْخَمْسُ ، وَهَذَا مَا يُقَالُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ تُفْسِدُ خَمْسًا وَوَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ حُكْمٌ وَالْكَثْرَةَ عِلَّةٌ لَهُ ، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ فَسَكَتَ ثَبَتَ الْإِذْنُ فِيمَا يَبِيعُ بَعْدَ هَذَا لَا فِيهِ نَفْسِهِ ، وَكَذَا صَيْرُورَةُ الْكَلْبِ مُعَلَّمًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا عِلَّةُ حِلِّ أَكْلِ مَأْخُوذِهِ وَأَثَرُهُ فِي حِلِّ مَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ .
وَجْهُ قَوْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْمُسْقِطَ الْكَثْرَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْثِرَ السُّقُوطَ ، وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا بِلَا تَرْتِيبٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَيَزُولُ الْمَنْعُ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعَجُّلِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ كَوْنُهَا فَرْضًا عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابُ تَامٌّ ، فَإِنْ تَمَّ عَلَى تَمَامِهِ كَانَ فَرْضًا وَإِلَّا نَفْلًا ، وَكَوْنُ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ فَرْضًا عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ ، فَإِنْ أَعَادَهَا كَانَتْ نَفْلًا ، وَالظُّهْرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَدَمِ شُهُودِهَا ، فَإِنْ شَهِدَهَا كَانَ نَفْلًا ، وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمَعْذُورِ إذَا انْقَطَعَ الْعُذْرُ فِيهَا عَلَى عَوْدِهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ وَإِلَّا صَحَّتْ ، وَكَوْنُ الزَّائِدِ عَلَى الْعَادَةِ

حَيْضًا عَلَى عَدَمِ مُجَاوَزَةِ الْعَشَرَةِ ، فَإِنْ جَاوَزَ فَاسْتِحَاضَةٌ وَإِلَّا حَيْضٌ ، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّتْهَا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ الْعَادَةِ فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ ، فَإِنْ عَادَ فَفَاسِدَةٌ وَإِلَّا صَحِيحَةٌ .
وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَثْبُتُ حِينَئِذٍ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ ، وَأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورِ يَقْطَعُ بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ سَوَاءٌ ظَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ أَوْ لَا .

( وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) خِلَافًا لَهُمَا ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا ، وَلَا تَرْتِيبَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى السُّنَّةَ وَالْوِتْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَعِنْدَهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَنَ دُونَ الْوِتْرِ ، لِأَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ عِنْدَهُ .
وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فُرُوعٌ ) تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا كَسَلًا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا جَحَدَ أَوْ اسْتَخَفَّ وُجُوبَهَا .

صَبِيٌّ نَامَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ يَقْضِي الْعِشَاءَ ، هِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَ عَنْهَا الْإِمَامَ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ .

أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَاهِلًا بِالشَّرَائِعِ لَمْ يَقْضِ خِلَافًا لِزُفَرَ ، قَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ أَسْلَمَ فِينَا .
قُلْنَا : الْخِطَابُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْعِلْمِ بِهِ أَوْ بِدَلِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِينَا فَإِنَّ عِنْدَهُ دَلِيلَهُ .

صَلَّى وَارْتَدَّ ، وَأَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَانَ الرِّدَّةِ خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى حَبْطِ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى بِالرِّدَّةِ ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْئًا ثُمَّ أَدْرَكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ مُسْلِمًا فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ إذْ أَدْرَكَ السَّبَبَ خَالِيًا عَنْ الْأَدَاءِ فَتَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الْوَضْعِ فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ فِي حَالِ كُفْرِهِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إعَادَةُ حَجِّهِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْوَقْتِ إلَى الصَّلَاةِ كَنِسْبَةِ الْعُمْرِ إلَى الْحَجِّ فَحَبَطَ ثُمَّ أَدْرَكَ وَقْتَهُ مُسْلِمًا فَلَزِمَهُ .

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ ( يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ } وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ } وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ } فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ سَالِمًا وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ ، وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَيَأْتِي بِتَسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ .

( بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ ) ( قَوْلُهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ ، وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ ، وَكَذَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا ، وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يُسْقِطُ السَّهْوَ .
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ السُّجُودِ أَنْ يُسَلِّمَ وَمِنْ قَصْدِهِ السُّجُودَ ، بَلْ لَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يَسْجُدَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ وَلَا يَبْطُلُ سُجُودُهُ ، كَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يُفْسِدَهَا لَا تَفْسُدُ إلَّا بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْقَصْدِ بِالْفِعْلِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّهْوَ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ .
وَأَمَّا رَفْعُ الْقَعْدَةِ فَلَا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَذَكَّرَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْقَعْدَةِ فَسَجْدَةٌ فَإِنَّهُمَا يَرْفَعَانِ الْقَعْدَةَ حَتَّى يُفْتَرَضَ الْقُعُودُ بَعْدَهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَهَا .
وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَلَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ ، وَهَذَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ .

( قَوْلُهُ رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ } ) فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ .
وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ .
حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ } وَرُوِيَ أَنَّهُ { سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ } فِي السِّتَّةِ أَيْضًا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ ، إلَى أَنْ قَالَ : فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ } .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ } فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ } قَالَ الْبَيْهَقِيُّ انْفَرَدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ الْحَقُّ فِي ابْنِ عَيَّاشٍ تَوْثِيقُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَقَالَةً فِي الرِّجَالِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، قَالَ عَبَّاسُ عَنْ يَحْيَى ابْنِ مَعِينٍ ثِقَةٌ ، وَتَوْهِينُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ لَا يُقْبَلُ ، وَنَاهِيك بِأَبِي زُرْعَةَ ، وَقَالَ : لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِّ بَعْدَ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَحْفَظُ مِنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، وَغَايَةُ مَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ قَوْلُهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ حَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَخُلُقٌ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَكَثِيرٍ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ .
وَرِوَايَتُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الشَّامِيِّينَ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ

بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ وَهُوَ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ وَثَّقَهُ دُحَيْمٌ ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ بِالنُّونِ وَهُوَ أَبُو الْمُخَارِقِ الشَّامِيُّ ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَبُو حُمَيْدٍ ، وَيُقَالُ أَبُو حِمْيَرٍ الْحِمْصِيُّ ، قَالَ أَبُو زَرْعَةُ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً وَبَعْضُ النَّاسِ يَسْتَنْكِرُ حَدِيثَهُ ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَهُوَ عَنْ ثَوْبَانَ .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إبْرَاهِيمُ : لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَيْنَا وَقَالَ : فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ } فَهَذَا تَشْرِيعٌ عَامٌّ قَوْلِيٌّ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَنْ سَهْوِ الشَّكِّ وَالتَّحَرِّي ، وَلَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُ أَوْ بَيْنَ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَقَدْ تَمَّ أَمْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ حُجِّيَّتِهِ .
( قَوْلُهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ إلَخْ ) لَمَّا أَوْقَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِيبَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْفِعْلِ وَكَانَ دَلِيلُهُمْ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ الثُّبُوتِ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ عَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ ، إذْ قَدْ شَارَكُوهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ دَلِيلُنَا أَرْجَحُ ثُبُوتًا وَتَرْجِيحُ الْقَوْلِ عَلَى

الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ فَقَالَ ذَاكَ لَوْ سَلِمَ دَلِيلُكُمْ مِنْ الْمُعَارِضِ ، لَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ يُعَادِلُهُ ، فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ الْأَحَطِّ رُتْبَةً فِي الثُّبُوتِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُعَارِضِ لَا لِتَرْجِيحِهِ بِالْفِعْلِ الْمَرْوِيِّ ثَانِيًا ، وَلَا لِتَرْجِيحِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِهِ لِيَكُونَ تَرْجِيحًا بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ ، فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ إنَّمَا صِيرَ إلَى مَا بَعْدَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ لَا إلَى مَا فَوْقِهِمَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالَانِ الْقَائِلَانِ أَنَّ الرَّسْمَ فِي الْمُعَارَضَةِ أَنْ يُصَارَ إلَى مَا بَعْدَ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَالسُّنَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِ نَصِّ الْكِتَابِ ، وَالْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ السُّنَّةِ لَا إلَى مَا فَوْقَهُمَا وَالْقَوْلُ فَوْقَ الْفِعْلِ فَكَيْفَ وَقَفَ الصَّيْرُورَةَ إلَيْهِ عَلَى تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ تَرْجِيحًا فَالتَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ بَاطِلٌ عِنْدَنَا .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا سَقَطَ النَّظَرُ إلَى الْفِعْلِ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِنَا لِلُزُومِ التَّسَاقُطِ بِالتَّعَارُضِ يَلْزَمُ كَوْنُ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْقَوْلِيِّ فَيُنَافِيهِ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَنَا يَجُوزُ .
فَالْجَوَابُ مَا قَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ فَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذِهِ ، وَعَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلُزُومُ التَّسَاقُطِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُتَعَارَضِينَ جَمِيعًا ، وَهُنَا يُمْكِنُ إذْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّةِ السُّجُودِ وَهُوَ الْجَبْرُ لَا يَنْتَفِي بِوُقُوعِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلَيْنِ بَيَانًا لِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ ، وَأَوْلَوِيَّةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ إيقَاعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ ، وَيُؤَكِّدُهُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سُجُودَ

السَّهْوِ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِ الْعِلَّةِ وَهُوَ وَقْتُ وُقُوعِ السَّهْوِ تَفَادِيًا عَنْ تَكْرَارِهِ ، إذْ الشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَأُخِّرَ لِيَكُونَ جَبْرًا لِكُلِّ سَهْوٍ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يُسَلِّمْ فَتَوَهُّمُ السَّهْوِ ثَابِتٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَشَغَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ .
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ بِهَذَا النَّقْصِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ تَكَرَّرَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصًا لَازِمًا غَيْرَ مَجْبُورٍ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ لِهَذَا الْمُجَوِّزِ .
وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا تَجِبُ إعَادَتُهَا بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنْ قُلْت : لِمَ لَمْ يُحْمَلْ اخْتِلَافُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ عَلَى مَوْرِدَيْهِمَا ، وَمَوْرِدُ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ كَانَ فِي النَّقْصِ وَمَوْرِدُهُ بَعْدَهُ كَانَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَهَذَا الْمَأْخَذُ مَأْخَذُهُ .
فَالْجَوَابُ كَانَ ذَلِكَ مُحَتَّمًا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِكُلِّ سَهْوٍ ، أَوْ فِي كُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ } فَلَمَّا وَرَدَ ذَلِكَ لَزِمَ حَمْلُ اخْتِلَافِ الْفِعْلَيْنِ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوْلَى وُقُوعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا الَّذِي صِرْنَا إلَيْهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ الْمَرْوِيَّاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ .
فَإِنْ قُلْت : كَمَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ كَذَلِكَ تَعَارَضَتْ رِوَايَاتُ قَوْلِهِ ، فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا

اسْتَيْقَنَ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ } وَغَيْرَهُ أَيْضًا فَالْجَوَابُ الْكَلَامُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يُعَارِضْ حَدِيثَ ثَوْبَانَ فِيهِ دَلِيلٌ قَوْلِيٌّ أَنَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَسَائِرُ أَمْثَالِهِ مِنْ الْقَوْلِيَّاتِ خَاصَّةٌ فِي الشَّكِّ وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي هَذَا ، عَلَى أَنَّ الْقَوْلِيَّةَ فِي الشَّكِّ قَدْ تَعَارَضَتْ أَيْضًا ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، قِيلَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : إنَّهُ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ ، وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مُخْتَصَرًا ( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ، وَقِيلَ وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَوْنَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ التَّحِيَّةُ ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ التَّحْلِيلِ .
وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَخِي فَخْرِ الْإِسْلَامِ .
وَنَسَبَ

الْقَائِلَ بِالتَّسْلِيمَةِ إلَى الْبِدْعَةِ فَدَفَعَهُ أَخُوهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَتَقَصَّيْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْبِدْعَةِ .
وَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ مَا قَالَهُ مِنْ صَرْفِ السَّلَامِ : يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ وَالسَّلَامُ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَانِ

وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْقَعْدَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آخِرُ .
وَقِيلَ قَبْلَ السُّجُودِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ لِأَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ .
وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ

قَالَ ( وَيَلْزَمُهُ السَّهْوُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ وَاجِبَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ ، لِأَنَّهَا تَجِبُ لِجَبْرِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الْعِبَادَةِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ .
( قَوْلُهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا ) كَسَجْدَةٍ أَوْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ إذَا رَكَعَهُمَا فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ، وَفِي رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ الثَّانِي ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْمَسْنُونَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ لَا يُرْفَضُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ

( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا ( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ ) فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِ التَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوْلَى وَالثَّنَاءِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوَائِدِ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَفِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ زَائِدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ السُّجُودُ ، وَكَذَا فِيهَا كُلِّهَا بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الْأُولَى .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَنْ الشِّمَالِ أَوَّلًا سَاهِيًا وَتَقَدَّمَتْ .
وَلَوْ تَرَكَ الْقَوْمَةَ سَاهِيًا بِأَنْ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ سَاجِدًا .
فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ أَنَّ عَلَيْهِ السُّجُودَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا عِنْدَ هُمَا ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَحْثًا أَنَّ وُجُوبَهَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَفْسُدُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَهُ ، وَلَا تَجِبُ بِتَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ ) كَتَأْخِيرِ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ مِنْ الْأَوْلَى ، أَوْ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ سَاهِيًا وَلَوْ بِحَرْفٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ بَلْ بِتَمَامِهَا ، وَقِيلَ بَلْ بِاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ .
وَالتَّحْقِيقُ انْدِرَاجُ الْكُلِّ فِي مُسَمَّى تَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ وَاجِبٌ ، فَالتَّأْخِيرُ تَرْكُ وَاجِبٍ .
وَقَالُوا : لَوْ افْتَتَحَ فَشَكَّ أَنَّهُ هَلْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَبَّرَ إنْ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ سَهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَجِبُ ، وَلَوْ شَكَّ فِي هَذِهِ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَهَا لَا سُجُودَ

سَهْوٍ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ ، وَلَوْ انْصَرَفَ لِسَبْقِ حَدَثٍ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ عَلِمَ وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلِأَنَّهُ فِي حُرْمَتِهَا

قَالَ ( وَيَلْزَمُهُ إذَا تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِعْلًا وَاجِبًا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِتَسْمِيَتِهِ سُنَّةً أَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ .
قَالَ ( أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ ( أَوْ الْقُنُوتَ أَوْ التَّشَهُّدَ أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ ) لِأَنَّهَا وَاجِبَاتٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً وَهِيَ أَمَارَةُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهَا وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ ، وَفِيهَا سَجْدَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ .

( قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) أَيْ فِي إحْدَى أُولَيَيْ الْفَرْضِ لَا أُخْرَيَيْهِ .
وَمُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا لَا أَقَلَّهَا وَكَذَا تَرْكُ السُّورَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ قِرَاءَةَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ .
حَتَّى لَوْ قَرَأَ مِنْ سُورَةٍ هَذَا الْقَدْرَ فَقَطْ لَا سَهْوَ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ بِالسُّجُودِ ، فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَعُودُ فَيَقْرَأُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يُعِيدُ السُّورَةَ ثُمَّ الرُّكُوعَ فَإِنَّهُمَا يَرْتَفِضَانِ بِالْعَوْدِ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِي السُّورَةِ السُّورَةَ ، ثُمَّ يُعِيدُ الرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِ بِالْعَوْدِ إلَى مَا مَحَلُّهُ قَبْلَهُ عَلَى التَّعْيِينِ شَرْعًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إلَّا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْهَا فِيهِ وَمَا لَا يَقْضِيهِ وَكَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ .
وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا فِي الْأُولَيَيْنِ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَيَصِيرَانِ كَالْأُولَيَيْنِ فَيَجْهَرُ فِيهِمَا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَلَوْ بَدَأَ بِحَرْفٍ مِنْ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فَذَكَرَ فَقَرَأَ الْفَاتِخَةَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ ، وَفِي هَذَا إذَا وَزَنْتَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفَكُّرِ نَظَرٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ مِنْ السُّورَةِ مِقْدَارَ مَا يَتَأَدَّى فِيهِ رُكْنٌ لِيَجِبَ السَّهْوُ .
وَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا سَهْوَ ، وَفِي الْأُولَيَيْنِ مُتَوَالِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ ، لَا إنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لِلُزُومِ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي ، إذْ لَيْسَ الرُّكُوعُ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ ، فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِفِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي

الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِيهِمَا فَلَا تَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ يَجِبُ بَعْدَهُ الرُّكُوعُ بَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ أَوْ الْقُنُوتَ ) أَوْ تَكْبِيرَتَهُ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُهُ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ ، أَمَّا لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعَ قَبْلَ الرَّفْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَقِيلَ لَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ .
وَالْأَوْجَهُ الْأُوَلُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعَنْهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ .
ثُمَّ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى رِوَايَةَ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ وَجَعَلَهَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ ، وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ عَدَمِ ارْتِفَاضِ الرُّكُوعِ لَوْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ الْعَوْدِ إلَى قِرَاءَتِهِ وَكَأَنَّهُ لِضَعْفِ وُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ .
وَلَوْ قَرَأَ الْقُنُوتَ فِي الثَّالِثَةِ وَنَسِيَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا رَكَعَ قَامَ وَقَرَأَ وَأَعَادَ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَا مَحَلُّهُ قَبْلَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَمَحَلَّهَا فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ لَهَا ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَيُعِيدُهُ اسْتِحْبَابًا

( قَوْلُهُ أَوْ التَّشَهُّدَ ) أَوْ بَعْضَهُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، قَالُوا إنْ كَانَ إمَامًا يَأْخُذُ بِهَذَا كَيْ لَا يَلْتَبِسَ عَلَى الْقَوْمِ ، ثُمَّ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ التَّشَهُّدِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ السُّجُودَ إلَّا فِي الْأَوَّلِ .
أَمَّا التَّشَهُّدُ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ ، فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ شَيْءٍ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَمْ يُتَصَوَّرْ إيجَابُ السُّجُودِ .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَهُ وَسَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ارْتَفَضَ قُعُودُهُ ، فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِ قَدْرِ التَّشَهُّدِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ قُعُودَهُ مَا ارْتَفَضَ أَصْلًا لِأَنَّ مَحَلَّ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ الْقَعْدَةُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى رَفْضِهَا ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ حَتَّى رَكَعَ فَذَكَرَ فَقَامَ لِلْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : تَفْسُدُ لِأَنَّهُ ارْتَفَضَ رُكُوعُهُ بِالْقِيَامِ ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَرْتَفِضُ لِأَنَّ الرَّفْضَ كَانَ لِلْقِرَاءَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ .
وَقِيلَ الْفَسَادُ قِيَاسُ ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ أُقِيمَ مَقَامَ نَفْسِهَا لِدَلِيلٍ أَوْجَبَهُ هُنَاكَ وَلَيْسَ الْقِيَامُ أُقِيمَ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ هَذَا .
وَأَمَّا لَوْ قَرَأَ حِينَ عَادَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ فَسَدَتْ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَفْسُدُ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ حِينَ قَامَ حَتَّى سَجَدَ آخِذًا بِأَحَدِ ذَيْنِك الْقَوْلَيْنِ ، وَلَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ لَا سَهْوَ

عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهُمَا مَحَلُّهُ ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا فَإِنَّ فِيهِ السَّهْوَ .
وَلَوْ قَرَأَهُ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَهْوٌ أَوْ بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى .
وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْقَعْدَةِ إنَّمَا يَجِبُ السَّهْوُ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّشَهُّدِ ، أَمَّا إذَا فَرَغَ فَلَا يَجِبُ .
وَتَكْرَارُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يُوجِبُ السُّجُودَ دُونَ الْأَخِيرَةِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ عَدَمَ الْوُجُوبِ

( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُنُوتِ نَظَرًا إذْ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ

( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَخْ ) قَدْ أَسْلَفْنَا فِي اسْتِفَادَةِ الْوُجُوبِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ نَظَرٌ .

( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ السُّجُودُ .
وَعَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْفَسَادِ فِي تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْ النَّفْلِ سَاهِيًا ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ فِيهَا السَّهْوُ

( وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ تَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ ) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ ، وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَعَنْ كَثِيرٍ مُمْكِنٌ ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ .
.

( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ فِي الْمُخَافَتَةِ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ خَافَتْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ آيَةٍ قَصِيرَةٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ أَغْلَظُ مِنْ قَلْبِهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَغَلُظَ حُكْمُهُ ، وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ الْمُخَافَتَةِ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فِي الْجَهْرِ بِحَالٍ فَأَوْجَبْنَا فِي الْجَهْرِ وَإِنْ قَلَّ ، وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةُ فِي الْمُخَافَتَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْأَكْثَرِيَّةَ فِي الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا ثَنَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا شُرِعَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقِيَّةً فَبِالنَّظَرِ إلَى جِهَةِ الثُّنَائِيَّةِ لَا يُوجِبُ ، وَإِلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ يُوجِبُ قَدْرَ الْفَرْضِ مِنْهَا فَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِلْجِهَتَيْنِ ، وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ أَمَّا فِي الْمُخَافَتَةِ فَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْهَا مُتَعَسِّرٌ ، فَإِنَّ فِي مَبَادِئِ التَّنَفُّسَاتِ غَالِبًا يَظْهَرُ الصَّوْتُ ، وَفِي الْحَدِيثِ { وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا } ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا السَّبَبِ .
وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا قُرْآنٌ أَلْبَتَّةَ ، وَكَوْنُهَا ثَنَاءً بِصِيغَتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ثَنَاءٌ وَقَصَصٌ ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اعْتِبَارَ جِهَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ فِيهِ فِي حَقِّ مَا نَحْنُ فِيهِ .
وَكَوْنُ شَرْعِيَّتِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَمْنُوعٌ ، بَلْ شُرِعَ فِيهِمَا ابْتِدَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ وَالسُّكُوتِ ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ .
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ

لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ الْجَهْرِ لَهُ ، وَقَدَّمْنَا زِيَادَةَ كَلَامٍ فِيهِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ

قَالَ ( وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ ) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ ( فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا .
( قَوْلُهُ وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ ) وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ السَّهْوِ مَعَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ بَلْ يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ حَتَّى يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ ، وَعَنْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقِيَامِ بَلْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَنْقَطِعَ ظَنُّهُ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ عَقَدْنَا لِلْمَسْبُوقِ فَصْلًا نَافِعًا بِذَيْلِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ

( قَوْلُهُ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ ) يَعْنِي الْإِمَامَ ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْمَأْمُومِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا لُزُومُ النَّقْصِ فِي صَلَاتِهِ إذْ هِيَ بِنَاءٌ عَلَى النَّاقِصَةِ وَلِذَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهَا فَاحْتَاجَ إلَى الْجَابِرِ كَالْإِمَامِ ، وَالْآخَرُ لُزُومُ الْمُتَابَعَةِ شَرْعًا حَتَّى قَالُوا لَوْ تَرَكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا مَعَهُ بَعْدَ مَا تَشَهَّدَ كَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ فَيَتَشَهَّدَ وَيَلْحَقَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ هُنَا فَرْضٌ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَرَكَهَا لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَقْضِي هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ ضِمْنَ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِإِحْرَازِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إذَا خَافَ فَوْتَهَا ، وَهُنَا لَا يَقْضِي التَّشَهُّدَ بَعْدَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ ثُمَّ يَتَّبِعَ .
كَاَلَّذِي نَامَ خَلْفَ إمَامِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ ، عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ تَبِعُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُجُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا سَاهِينَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي مَحَلِّ السَّهْوِ بَلْ عَامِدِينَ

( فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ ) لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ ، وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا .

( قَوْلُهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا ) أَيْ فِي نَفْسِ مَا يُؤَدِّيهِ مَعَ الْإِمَامِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صُورَةً كَمَا لَوْ كَانَ لَاحِقًا سَهَا إمَامُهُ فِيمَا فَاتَهُ مَعَهُ لِنَوْمِهِ مَثَلًا فَانْتَبَهَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ السُّجُودَ إذَا فَرَغَ وَالْفَرْضُ أَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَسْجُدْ لَزِمَ الْمُخَالَفَةُ لِأَنَّ السُّجُودَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَوْضِعِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ سَجَدَ بَعْدَمَا انْتَبَهَ هُوَ أَوْ عِنْدَ مَا جَاءَ مِنْ وُضُوئِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَلَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَانِيًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ وَالْمُقِيمِ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ الْإِمَامِ مِنْ قَضَاءِ الْمَسْبُوقِ وَإِتْمَامِ الْمُقِيمِ إذَا سَهِيَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلٍّ قَبْلَهُ شَرْعًا فَلَا مُخَالَفَةَ فَيَسْجُدَانِ لِسَهْوِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مُتَابَعَتُهُ فَيَتَكَرَّرُ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ وَلَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَلَا لِسَهْوِهِمَا فِيمَا يَقْضِي اللَّاحِقُ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ اتَّحَدَتَا حَقِيقَةً لِتَحَقُّقِ الِانْفِرَادِ وَالِائْتِمَامِ ، بِخِلَافِ صَلَاةِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهَا وَاحِدَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيمَا يَقْضِيهِ حُكْمًا ، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ لِمَا سَهَا فِيهِ مِمَّا يَقْضِيهِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِيهِ فَيَكُونُ لَوْ سَجَدَ مُخَالِفًا وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ

وَتَابَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ .
وَأَمَّا الْأُولَى فَيَسْجُدُونَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَسْبُوقُونَ وَالْأُولَى لَاحِقُونَ ، وَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ السَّاهِيَ الْحَدَثُ بَعْدَ سَلَامِهِ اسْتَخْلَفَ لِيَسْجُدَ الْخَلِيفَةُ كَمَا لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ ، وَلَيْسَ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الِاسْتِخْلَافِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذْ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى السَّلَامِ ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يَسْجُدُ قَبْلَهُ وَهُوَ هُنَا قَدْ صَارَ إمَامًا لِلْمُسْتَخْلِفِ ، وَمَعَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ لَمْ تَفْسُدْ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ ، وَيَسْجُدُ الْخَلِيفَةُ لِلْمَسْبُوقِ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ الْآنَ مُقْتَدٍ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُمْ سَجَدَ آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمَسْبُوقِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَسْبُوقِ عَلَى السُّجُودِ وَمَنْعَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى السَّلَامِ لِانْتِفَاءِ مَحَلِّيَّةِ السُّجُودِ قَبْلَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ ، أَمَّا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ كَوْنَهُ بَعْدَ السَّلَامِ إنَّمَا هُوَ الْأَوْلَى فَلَا ، فَالْأَوْجُهُ تَعْلِيلُ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى السُّجُودِ بِكَوْنِهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ ، وَلَا يَسْجُدُ فِي أَثْنَائِهَا إلَّا مُقْتَدِيًا وَهُوَ قَدْ صَارَ إمَامًا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَ الْإِمَامِ مُدْرِكٌ بَلْ الْكُلُّ مَسْبُوقُونَ قَامُوا وَقَضَوْا مَا سُبِقُوا بِهِ فُرَادَى لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَسْبُوقِ انْعَقَدَتْ لِلْأَدَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ ، ثُمَّ إذَا فَرَغُوا لَا يَسْجُدُونَ فِي الْقِيَاسِ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَسْجُدُونَ

( وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ إلَى حَالَةِ الْقُعُودِ أَقْرَبُ عَادَ وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ ) لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ ، ثُمَّ قِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ ( وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ ) لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى ( يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ .

( قَوْلُهُ لِلتَّأْخِيرِ ) أَيْ لِتَأْخِيرِ الْقُعُودِ ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قِيَامًا وَإِلَّا لَمْ يُطْلِقْ لَهُ الْعَوْدَ فَكَانَ مُعْتَبَرًا قُعُودًا أَوْ انْتِقَالًا بِالضَّرُورَةِ ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ يُنَافِيهِ اعْتِبَارُ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَتْبِعِ لِوُجُوبِ السُّجُودِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ ) الْأَصَحُّ فِيهِ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ بِأَنْ يَسْتَوِيَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ : يَعْنِي وَظَهْرُهُ بَعْدُ مُنْحَنٍ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فِي رِوَايَةِ إذَا قَامَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِيَنْهَضَ يَقْعُدُ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ثُمَّ قَالَ : وَإِنْ رَفَعَ أَلْيَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَرُكْبَتَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يَرْفَعْهُمَا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي قَبْلَهَا فَيَكُونُ الْحَاصِلُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ .
وَقَدْ اخْتَارَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ مَا إذَا فَارَقَتْ رُكْبَتَاهُ الْأَرْضَ دُونَ أَنْ يَسْتَوِيَ نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ شَبَهُ الْجَالِسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ .
فَالْحَاصِلُ ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَسُجُودِهِ وَعَدَمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَوْدِ ثُمَّ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى ، أَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا يَعُودُ ، قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا رَوَاهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَسَبَّحُوا لَهُ فَرَجَعَ } ، وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ } بِالْحَمْلِ عَلَى حَالَتَيْ الْقُرْبِ مِنْ الْقِيَامِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ ، ثُمَّ لَوْ عَادَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ عَدَمِهِ قِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِكَمَالِ

الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ ، بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِيَامِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لِإِظْهَارِ مُخَالِفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ الْكَفَرَةِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعْنَاهُ أَصْلًا عَلَى أَنَّا نَقُولُ الْجِنَايَةُ هُنَا بِالرَّفْضِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْقِيَامِ لِلسُّجُودِ رَفْضًا لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا قَدْرَ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى رَكَعَ صَحَّتْ ، هَذَا وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا يَحِلُّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُتَحَقِّقُ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ ، أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحِّحِ .

( وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ ) لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ .
قَالَ ( وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ ) لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَتَرْتَفِضُ ( وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا ) أَيْ وَاجِبًا قَطْعِيًّا وَهُوَ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ

( وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ شُرُوعَهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ صَلَاةٌ حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي ( وَتَحَوَّلَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ ( فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ ، ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ بَنَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) لَهُ أَنَّ الْحَاصِلَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ كَوْنُهُ صَلَّاهَا بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ مِثْلُ زِيَادَةِ مَا دُونَهَا ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا } قُلْنَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَعَ فِعْلِهَا ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى خُصُوصِ أَخَصَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَهُوَ مَا إذَا صَلَّاهَا خَمْسًا مَعَ تَرْكِ الْقَعْدَةِ فَجَازَ كَوْنُهُ مَعَ فِعْلِهَا ، ثُمَّ بِتَرَجُّحِ ذَلِكَ حَمْلًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ الْأَقْرَبُ ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَافُ بِكَوْنِهِ فِي صَلَاتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْ الْوَصْفَيْنِ ، فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا حُكْمٌ بِالضَّرُورَةِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْفَرِيضَةِ ، بِخِلَافِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ .

( قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ ) فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَبِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَفِي تَحَوُّلِهَا نَفْلًا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً عِنْدَهُمَا كَيْ لَا يَنْتَفِلَ بِالْوِتْرِ ، وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ؟ قِيلَ نَعَمْ ، وَالصَّحِيحُ لَا لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ وَاجِبًا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَصْلِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ لِأَنَّهُ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَاللُّزُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا بِالِالْتِزَامِ أَوْ إلْزَامِ الرَّبِّ تَعَالَى ابْتِدَاءً ، وَشُرُوعُهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بَلْ لِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَقَطَ أَصْلًا ، وَلَكِنْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ ثُمَّ قَطَعَ لَزِمَهُ قَضَاءُ سِتٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْفَصْلِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ : لَوْ قَطَعَهَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِمَا نَذْكُرُ فِيهِ .

( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ ) وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ ، لِأَنَّ السُّجُودَ لَوْ تَمَّ قَبْلَ الرَّفْعِ لَمْ يَنْقُضْهُ الْحَدَثُ ، لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ كُلِّ رُكْنٍ وُجِدَ فِيهِ سَبْقُ الْحَدَثِ عِنْدَ الْبِنَاءِ ، وَعَلَى الِاعْتِدَادِ بِمَا لَحِقَ فِيهِ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ إذَا سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ فِي ابْتِدَائِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي هَذَا وَلَوْ كَانَ الرُّكْنُ تَمَّ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ حِينَئِذٍ بَعْدَ تَمَامِهِ ، وَكُلُّ رُكْنٍ أَدَّاهُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ؛

( قَوْلُهُ فِي السُّجُودِ ) أَيْ سُجُودِ الْخَامِسَةِ بَنَى : أَيْ عَلَى الْفَرْضِ : أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحَدَثِ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ فَرْضِهِ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَأْتِيَ فَيَقْعُدَ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، لِأَنَّ الرَّفْعَ حَصَلَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَكُونُ مُكَمِّلًا لِلسَّجْدَةِ لِيَفْسُدَ الْفَرْضُ بِهِ ، وَهَذَا مَا أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ ، فَإِنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِمَا سَنَذْكُرُ فِي تَتِمَّةٍ نَعْقِدُهَا فِي السَّجَدَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فَسَدَ فَرْضُهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إصْلَاحُهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهِ .
وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ : بَطَلَتْ وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا .
فَأَخْبَرَ بِجَوَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ .
وَزِهْ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ ، وَهُوَ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ .
قِيلَ قَالَهُ لِغَيْظٍ لَحِقَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ مَا بَلَغَهُ مِنْ عَيْبِهِ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَإِنْ صَارَ مَأْوًى لِلْكِلَابِ وَالدَّوَابِّ

( وَلَوْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلْخَامِسَةِ وَسَلَّمَ ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَأَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ .
( قَوْلُهُ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ ) إنَّمَا يَعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ وَسَلَّمَ قَائِمًا حُكِمَ بِصِحَّةِ فَرْضِهِ لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ حَالَ الْقِيَامِ ، وَهَلْ يَتَّبِعُهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْقِيَامِ ؟ قِيلَ نَعَمْ ، فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ تَبِعُوهُ ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيّ عَنْ عُلَمَائِنَا لَا يَتَّبِعُونَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَيَنْتَظِرُونَهُ ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ السَّجْدَةِ تَبِعُوهُ فِي السَّلَامِ ، وَإِنْ سَجَدَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ ، وَإِذَا عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ

( وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّ فَرْضُهُ ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ إصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ ، وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُهُ { لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْبَتْرَاءِ } ، ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ( وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا ) لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ .
وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ ، وَلَوْ قَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ ، وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ الْمُقْتَدِي فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ .

( قَوْلُهُ ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ .
الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ تَنُوبُ ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ السُّنَّةَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِ السُّنَّةِ فِي وُقُوعِهَا سُنَّةً ، بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّهَا بِتَحْرِيمَةٍ قُصِدَتْ ابْتِدَاءً لِلنَّفْلِ فَلِذَا تَقَعُ الْأُولَيَانِ مِنْهَا سُنَّةً ، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي الْعَصْرِ : أَعْنِي صَلَّاهَا خَمْسًا بَعْدَمَا قَعَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ فِي الْفَجْرِ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ ، قَالُوا لَا يَضُمُّ سَادِسَةً لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا ، وَكَذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا ( قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى صَلَاةٍ غَيْرِ الَّتِي سَهَا فِيهَا ، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَسْجُدُ فِي أُخْرَى .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النُّقْصَانَ دَخَلَ فِي فَرْضِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَهُوَ السَّلَامُ ، وَهَذَا النَّفَلُ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ ، كَمَنْ صَلَّى سِتًّا تَطَوُّعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَسَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَسْجُدُ فِي الْآخِرِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ بِنَاءً عَلَى الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ الْكَائِنِ بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ النُّقْصَانُ فِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ ، إذْ الْوَاجِبُ أَنْ يَشْرَعَ فِي النَّفْلِ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِلنَّفْلِ وَهَذِهِ كَانَتْ لِلْفَرْضِ .
كَذَا فِي الْكَافِي .

وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ ، وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ مُرَادُهُ مَسْنُونُ الثُّبُوتِ فَيَعُمُّ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْمُرَادُ وَهُوَ تَعْلِيلٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ ، فَالْأَوَّلُ لِمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي لِأَبِي يُوسُفَ ، وَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَهُ اسْتِحْسَانًا يُقَابِلُهُ قِيَاسٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ .
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيَسْجُدُ قِيَاسًا اسْتِحْسَانًا ، وَقُدِّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ بِلَا تَسْلِيمٍ وَلَا تَحْرِيمَةٍ عَمْدًا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ بَلْ فِي الْفَرْضِ ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ يَمْنَعُ أَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ ، وَلَوْ قَطَعَهَا : يَعْنِي صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ إتْمَامِ الرَّكْعَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ ؛

( قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) لِمَا ذُكِرَ ( وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْفَرْضِ ) فَانْقَطَعَ إحْرَامُهُ ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي إحْرَامَيْنِ لِصَلَاتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاقٍ لِأَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ اشْتَمَلَ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَوَصْفَ الْفَرِيضَةِ وَالِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ أَوْجَبَ انْقِطَاعَ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ صَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ بِلَا تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ، فَلَوْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقِطَاعُ الْإِحْرَامِ اُحْتِيجَ إلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ الْإِحْرَامُ مُنْقَطِعًا مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ ) كَأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ : وَعِنْدَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ ، يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ ، ثُمَّ الْفَتْوَى هُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ غَيْرُ مَضْمُونٍ قَصْدًا غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِنُقْصَانِ عَزِيمَتِهِمَا ، فَإِذَا انْتَقَضَتْ عَزِيمَةُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِأَنْ شَرَعَ فِيهِ عَلَى عَزْمِ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ لَا عَزْمِ التَّطَوُّعِ الْتَحَقَ بِهِمَا حِينَئِذٍ ، وَهَذَا يَخُصُّ الْإِمَامَ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُقْتَدِي .

قَالَ ( وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَسَهَا فِيهِمَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَيَيْنِ لَمْ يَبْنِ ) لِأَنَّ السُّجُودَ يَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا سَجَدَ السَّهْوَ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ يُبْطِلُ جَمِيعَ الصَّلَاةِ ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَدَّى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ .
( قَوْلُهُ لَمْ يَبْنِ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ ؛

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ ) الْحَاصِلُ أَنَّ نَقْضَ الْوَاجِبِ وَإِبْطَالَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اسْتَلْزَمَ تَصْحِيحُهُ نَقْضَ مَا هُوَ فَوْقَهُ ، فَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ امْتَنَعَ الْبِنَاءُ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ سُجُودُ السَّهْوِ وَوَجَبَ الْبِنَاءُ فِي الْمُسَافِرِ يَسْجُدُ ثُمَّ يَنْوِي الْإِقَامَةَ لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْمُوجِبِ ، وَمَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَقَلَّهُمَا مَحْذُورًا .
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ : حَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ لِضَرُورَةٍ تَرْجِعُ إلَى إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَا أُخْرَى ، وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ تَعْمَلُ فِي إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَظَهَرَ عُودُ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّهَا ، فَأَمَّا كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ فَصَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ تَعُدْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ صَلَاةٍ أُخْرَى فَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا اُعْتُبِرَ مُحَلَّلًا ، لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبِنَاءُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِذَا بَنَى قِيلَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْآخِرِ لِأَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ وَقَعَ جَابِرًا حِينَ وَقَعَ ، وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِمَا طَرَأَ مِنْ وَصْلِ الْبَاقِي .

( وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ كَانَ دَاخِلًا وَإِلَّا فَلَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ دَاخِلٌ سَجَدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ ، لِأَنَّ عِنْدَهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ فَلَا يَظْهَرُ دُونَهَا ، وَلَا حَاجَةَ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ ، وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .

( قَوْلُهُ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ ) أَيْ النُّقْصَانِ الْكَائِنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ بَلْ نَظَرِيَّةٌ ، إذْ لَا مَانِعَ فِي الْعَقْلِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَابِرِ بَعْدَهَا مُتَّصِلًا ، لَكِنْ تَرَكُوا بَيَانَهَا لِأَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ بَيْنَهُمْ وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْ الْعِلَّةِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ ) أَيْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَظْهَرُ عَدَمُ عَمَلِهِ دُونَهَا : أَيْ دُونَ السَّجْدَةِ ، وَهَذِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ قَبْلَ السَّجْدَةِ حَلَّلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَوَانُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ السَّجْدَةُ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَمَلُهُ فَيَثْبُتُ التَّحْلِيلُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَبْلَهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ سَجَدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ إذْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الضَّرُورَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَخَلُّفِ تَحْلِيلِهِ عَنْهُ ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْلَانِ لِلْمَشَايِخِ حَكَاهُ خِلَافًا صَرِيحًا بَيْنَهُمْ فِي الْبَدَائِعِ ، مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ .
قَالَ : وَهُوَ أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ وَالتَّوَقُّفِ فِي بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ ، وَبُطْلَانُهَا أَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ وَاحِدَةٌ ، فَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ ا هـ .
وَلَا يَبْعُدُ جَعْلُ الشَّرْعِ نَفْسَ السُّجُودِ وَالْعُودَ إلَيْهِ إعَادَةً ، وَيَعْنِي بِالْفُرُوعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مُقْتَدِيًا أَلْبَتَّةَ ، وَعِنْدَهُمَا يُوقَفُ عَلَى السُّجُودِ ، وَانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُنْتَقَضُ ، وَكَذَا لَوْ ضَحِكَ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَفِي تَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَهُ قَبْلَ

السُّجُودِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَصِيرُ أَرْبَعًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، وَيَسْقُطُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُجُودَ السَّهْوِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَيَتْرُكُ وَيَقُومُ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ إذْ كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ .
وَفِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقْتَدِي قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي قَضَاءُ شَيْءٍ عِنْدَهُمَا وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ قَبْلَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ .
وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَهُمَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، لَا أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ أَنْ يُثْبِتَ الْخُرُوجَ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ بِالسُّجُودِ يَدْخُلُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ مِنْ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالِاقْتِدَاءِ ، وَلُزُومِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ الْمُقَابِلِ لِمَا اخْتَارَهُ مِمَّا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنُهُ فِي حُرْمَتِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ لِلْمُتَأَمِّلِ ، إذْ حَقِيقَتُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَوَّلًا ، فَالثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدُهُمَا عَيْنًا ، وَالسُّجُودُ وَعَدَمُهُ مُعَرَّفٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّجْوِيزَيْنِ ، وَهَذَا قَطُّ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، بَلْ الْوُقُوفُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ ، وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَدْرِ تَحَقُّقَ ثُبُوتِ الْخِلَافِ

السَّابِقِ فِي مَعْنَى التَّوَقُّفِ .

وَ ( مَنْ سَلَّمَ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ) لِأَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ فَلَغَتْ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ ) لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ فَهُوَ مُحَلَّلٌ مِنْهُ ، وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ الْقَطْعُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ تَرْكَ السُّجُودِ ، وَالنِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْعَمَلِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ إبْطَالُ مَا رُكْنُهُ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ وَهُوَ السُّجُودُ فَلَغَتْ ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا تُؤْثِرُ إبْطَالَ الْإِيمَانِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ رُكْنَهُ عَمَلُ الْبَاطِنِ فَقَطْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ فَرْضٌ فِيهِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْعَمَلَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ لِيَنْدَفِعَ مَا يُقَالُ هَذِهِ مَقْرُونَةٌ بِالْعَمَلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ هَذَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ قَاطِعًا وَإِلَّا لَمْ يَعُدْ إلَى حُرْمَتِهَا ، بَلْ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ كَانَ مُحَلِّلًا مُخْرِجًا ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ وُقُوعُهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ كَانَ قَاطِعًا مَعَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ، فَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهُ وَهُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَقَدْ قَطَعَ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَتَعَذَّرَ جَبْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ نَفْسَ سُجُودِ السَّهْوِ ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَسَدَتْ ، وَإِنْ سَلَّمَ غَيْرَ ذَاكِرٍ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَصِرْ خَارِجًا ، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْفُرُوعُ فَلْنَذْكُرْ طَرَفًا يَنْفَعُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقُولُ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى : إذَا سَلَّمَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ ، وَلَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّلَاةِ ، حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ هَذَا السَّلَامِ صَارَ

دَاخِلًا ، فَإِنْ سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ صُلْبِيَّةً وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الدَّاخِلِ بِفَسَادِهَا بَعْدَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الدَّاخِلِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي فَرْضٍ رُبَاعِيٍّ مُتَنَفِّلًا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا وَرَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَانْصَرَفَ إنْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ خَلْفَهُ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَسَدَتْ فِي الصُّلْبِيَّةِ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَعَدَمُ الْجَبْرِ فِي التِّلَاوِيَّةِ وَالسَّهْوِيَّةِ .
وَإِنْ مَشَى إمَامُهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ بَنَى مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا لَا إنْ جَاوَزَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ فَقِيلَ إنْ مَشَى قَدْرَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ عَادَ أَوْ أَكْثَرَ امْتَنَعَ الْبِنَاءُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ .
وَقِيلَ إنْ جَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لَا يَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ فِي حُكْمِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّهُ تَرَكَ صُلْبِيَّةً فَقَامَ وَاسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَسَدَتْ ، لِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِقْبَالِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأُولَى فَصَارَ خَالِطًا الْمَكْتُوبَةَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا ، وَهَذِهِ نَظِيرُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَسَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَكَبَّرَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَصَلَّى ثَلَاثًا إنْ صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَتْ الْمَغْرِبُ وَإِلَّا فَسَدَتْ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمَغْرِبِ ثَانِيًا لَمْ تَصِحَّ فَبَقِيَ فِي الْأُولَى ، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ تَمَّتْ وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا يُعَدُّ سَلَامُهُ قَاطِعًا ، فَإِذَا تَذَكَّرَ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ

ثُمَّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ، وَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلتِّلَاوَةِ خَاصَّةً كَانَ قَاطِعًا وَسَقَطَتْ عَنْهُ التِّلَاوِيَّةُ وَالسَّهْوُ لِامْتِنَاعِ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ ، إلَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ حَيْثُ قَالَ : إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ لِلتَّشَهُّدِ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ .
وَإِنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِيَّةِ لَمْ يَكُنْ سَلَامُهُ قَاطِعًا وَيَفْعَلُ كَالْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُمَا ولِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَهُوَ قَاطِعٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَتِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُنَّ أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِيَّةِ لَمْ يَقْطَعْ وَيَقْضِي الْأُولَيَيْنِ مُرَتِّبًا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ، وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ فِي الْمُقْضَى مِنْ السَّجَدَاتِ ، وَسَنُبَيِّنُهُ فِي التَّتِمَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ أَوْ التِّلَاوِيَّةِ فَسَدَتْ وَكَانَ سَلَامُهُ قَاطِعًا ، وَهَذَا فِي الصُّلْبِيَّةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَمْدًا ذَاكِرًا رُكْنًا عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي التِّلَاوِيَّةِ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ سَلَامَهُ فِي حَقِّ الرُّكْنِ سَلَامُ سَهْوٍ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ ، وَفِي حَقِّ الْوَاجِبِ عَمْدٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ أَيْضًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ دُونَ التِّلَاوِيَّةِ وَدُفِعَ بِأَنَّ جَانِبَ الْوَاجِبِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَانِبَ الرُّكْنِ إنْ لَمْ يُوجِبْهُ لَا يَمْنَعْ مِنْ الْإِخْرَاجِ ، فَكُلُّ سَلَامٍ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لِأَنَّهُ جُعِلَ مُحَلِّلًا

شَرْعًا .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ السَّهْوِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَغَلَبَةِ النِّسْيَانِ ، وَلَا يَكْثُرُ سَلَامُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْوَاجِبَ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ فَبَقِيَ مُخَرَّجًا عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ ، وَإِذَا تَمَّتْ عِلَّةُ الْإِخْرَاجِ وَجَانِبُ الرُّكْنِ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قُلْنَا صَارَ مَحْكُومًا بِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ شَرْعًا قَبْلَ إكْمَالِ الْأَرْكَانِ فَتَفْسُدُ .
وَمَا أَحْسَنَ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخْصَرَهَا حَيْثُ قَالَ : فَسَدَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، وَإِذَا جُعِلَتْ قَضَاءً الَّتِي كَانَ نَاسِيًا لَهَا وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا .
وَإِذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةِ بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلْكُلِّ أَوْ سَاهِيًا عَنْ الْكُلِّ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ يُقَدِّمُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ التَّكْبِيرَ ثُمَّ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ قَبْلَ السَّهْوِ سَقَطَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ ، وَلَوْ لَبَّى قَبْلَ التَّكْبِيرِ يَسْقُطُ التَّكْبِيرُ ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَتِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوٌ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا سَجَدَهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي وُجُوبِهِمَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْبَاقِيَ ، وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ فَسَدَتْ أَوْ بِالتَّكْبِيرِ لَا تَفْسُدُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ بَعْدَ فِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ } ( وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ } ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ } وَالِاسْتِقْبَالُ بِالسَّلَامِ أَوْلَى ، لِأَنَّهُ عُرِفَ مُحَلِّلًا دُونَ الْكَلَامِ ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ يَلْغُو ، وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ آخِرَ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقِعْدَةِ .

قَوْلُهُ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ) قَيَّدَ بِالظَّرْفِ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ ، إلَّا إنْ وَقَعَ فِي التَّعْيِينِ لَيْسَ غَيْرُ بِأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ الرُّكُوعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّكْعَةِ وَسَجْدَتَيْنِ لِأَنَّ السُّجُودَ الَّذِي كَانَ أَوْقَعَهُ دُونَهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَجْدَةً فَقَدْ سَجَدَ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً وَشَكَّ أَنَّهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ الظُّهْرِ يَتَحَرَّى ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُتِمُّ الْعَصْرَ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْهَا ثُمَّ يُعِيدُ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ احْتِيَاطًا اسْتِحْبَابًا ، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَدَّى رُكْنًا وَشَكَّ أَنَّهُ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ لَا أَوْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ أَوْ هَلْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ أَوْ لَا إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَقْبَلَ وَإِلَّا مَضَى وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَا غَسْلُ ثَوْبِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّ هَذِهِ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ أَوْ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شُرُوعٌ بَعْدُ لِيُجْعَلَ لِلْقُنُوتِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ نَوَى لِيَكُونَ لِلِافْتِتَاحِ .
وَفِي الْفَتَاوَى : لَوْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَأَعَادَ التَّكْبِيرَ وَالثَّنَاءَ ثُمَّ تَذَكَّرَ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلَا تَكُونُ الثَّانِيَةُ اسْتِقْبَالًا وَقَطْعًا لِلْأُولَى .
هَذَا فِي تَرْكِ الْفِعْلِ فَلَوْ كَانَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ قِرَاءَةً فَسَدَتْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا قِرَاءَةَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ صَلَاةٍ يُعِيدُ

صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ لِأَنَّهُمَا يَفْسُدَانِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ .
إلَّا إنْ كَانَ مُتَذَكِّرًا أَنَّهُ تَرَكَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ يُعِيدُ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْوِتْرِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَهَا فِي أَرْبَعٍ أَعَادَ الرُّبَاعِيَّاتِ الثَّلَاثَ فَقَطْ ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا تَذَكَّرَ تَرْكَهَا فِي ثَلَاثٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَنْ يُعِيدَ مَا سِوَى الْفَجْرِ ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ .
وَقَدْ أَسْلَفْنَا أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ تَرْكَ صَلَاةٍ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَشَكَّ فِيهِ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؛

( قَوْلُهُ وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ ) قِيلَ مَعْنَاهُ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ فِي عُمُرِهِ مِنْ حِينِ بَلَغَ ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ السَّهْوَ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا شَكَّ إلَخْ ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَحَادِيثُ هِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْتَقْبِلْ } وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ يَعْرِفُونَهُ ، وَمَعْنَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَدْرِي صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا : يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ .
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَشُرَيْحٍ ، وَمَا فِي الصَّحِيحِ { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ } وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَلَفْظُ التَّحَرِّي وَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ مِسْعَرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُمْ ، فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْحَافِظُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ .
وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ الْكُلُّ سَلَكُوا فِيهَا طَرِيقَ الْجَمْعِ بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَحْمَلٍ يُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ ، فَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَوَّلُ شَكٍّ عَرَضَ لَهُ إمَّا مُطْلَقًا فِي عُمُرِهِ أَوْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَاخْتِيرَ الْحَمْلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ لَيْسَ عَادَةً

لَهُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَوَّلَ بِلَا شَكٍّ وَالثَّانِيَ ظَاهِرًا ، وَيُسَاعِدُهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ الْحَرَجَ بِإِلْزَامِ الِاسْتِقْبَالِ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ كَثْرَةِ عُرُوضِ الشَّكِّ لَهُ ، وَصَارَ كَمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى يَقِينِ الْإِسْقَاطِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ عُرُوضَهُ قَلِيلٌ ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ فَلَا يَدْفَعُ الشَّكُّ حُكْمَ الظَّاهِرِ ، وَحَمْلُ عَدَمِ الْفَسَادِ الَّذِي تَظَافَرَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَكْثُرُ مِنْهُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِتَقْدِيرِ الْإِلْزَامِ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا بِالنَّافِي فَوَجَبَ أَنَّ حُكْمَهُ الْعَمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي وَيُجْعَلُ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ الثَّانِي ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ مَحْمَلُ الثَّالِثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ .
وَأَمَّا مَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ مِنْ إنَاطَةِ سُجُودِ السَّهْوِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ وَإِنْ ذَكَرَ الصَّوَابَ يَقِينًا وَبَنَى عَلَيْهِ فَمَحْمَلُهُ أَنْ يَشْغَلَهُ الشَّكُّ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ حَتَّى لَزِمَهُ تَأْخِيرُ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ .

( قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ آخِرُ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ ) وَهُوَ الْقَعْدَةُ مَعَ تَيَسُّرِ طَرِيقٍ تُوَصِّلُهُ إلَى يَقِينِ عَدَمِ تَرْكِهَا ثُمَّ هَذِهِ الْإِفَادَةُ قُصُورٌ لِأَنَّ الْمَسْطُورَ يُفِيدُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُهُ مَحَلَّ قُعُودٍ سَوَاءٌ كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ أَوْ لَا ، وَلِنَسْقِ ذَلِكَ قَالُوا : إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ أَنَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا أُولَى أَوْ ثَانِيَةٌ تَحَرَّى ، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ .
وَكَذَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الشَّكِّ إذَا عَمِلَ بِالتَّحَرِّي أَوْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ يَسْجُدُ ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يَنْبَغِي إغْفَالُ ذِكْرِ السُّجُودِ فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ فَيُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ بِحُكْمِ وُجُوبِ الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ يَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ تَحَرَّى .
فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ قَائِمٌ قَعَدَ وَلَا يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا الثَّالِثَةَ فَيَكُونُ تَارِكًا لِفَرْضِ الْقَعْدَةِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى لِجَوَازِ كَوْنِ الْقِيَامِ الَّذِي رَفَضَهُ بِالْقُعُودِ ثَانِيَتَهُ وَقَدْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَى لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ قَاعِدًا .
وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ وَقَعَ عَلَى أَنَّهَا ثَالِثَةٌ تَحَرَّى فِي الْقَعَدَاتِ فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى مَا قَبْلَهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ فَسَدَتْ ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ دَارَتْ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَتَفْسُدُ احْتِيَاطًا .
وَإِنْ شَكَّ أَنَّهَا أُولَى أَوْ ثَالِثَةٌ لَا يُتِمُّ رَكْعَةً بَلْ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَيَرْفُضُ

الْقِيَامَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَلَوْ كَانَ شَكُّهُ فِي أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ أُولَى وَقَعَ فِي سُجُودِهِ يَمْضِي فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةَ .
لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أُولَى لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ يَلْزَمُهُ تَكْمِيلُهَا .
ثُمَّ إذَا رَفَعَ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ يَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً .
وَلَوْ شَكَّ فِي سُجُودِهِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ إنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ ثَانِيَةً كَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَالِثَةً لَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى ارْتَفَعَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ وَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَذَكُّرِ صُلْبِيَّةٍ مِنْ أَنَّ إعَادَةَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ التَّذَكُّرُ مُسْتَحَبٌّ .
وَلَوْ فَرَّعْنَاهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ هُنَا لِعَدَمِ ارْتِفَاضِ السَّجْدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ تَبْطُلَ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى سَجَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَا ، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ عَمِلَ بِالتَّحَرِّي عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ فَيَجْعَلُهَا أُولَى ثُمَّ يَقْعُدُ لِجَوَازِ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ ، وَالْقَعْدَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ فِي الْحُكْمِ وَالْقَعْدَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا رَابِعَةٌ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ لِأَنَّهَا الْأَخِيرَةُ حُكْمًا .
فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقُعُودَ مَنُوطٌ

بِتَوَهُّمِ كَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلِّ لُزُومِهِ وَاجِبًا أَوْ فَرْضًا ، وَلَوْ شَكَّ فِي أَنَّهَا الرَّابِعَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ أَوْ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ أَوْ الْخَامِسَةُ فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَجْرِ فَيَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَقْنُتُ فِيهَا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْنُتُ فِيهَا أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَتَيْنِ فِي رَمَضَانَ إذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ لَا يَقْنُتُ ثَانِيًا فِي ثَالِثَتِهِ .
وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ الثَّالِثَةِ جُعِلَ كَإِدْرَاكِهِ الْقُنُوتَ مَعَهُ نَظِيرُهُ مَنْ سَمِعَ مِنْ إمَامٍ آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْهَا ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ مَعَهُ صَارَ مُدْرِكًا لِكُلِّ مَا فِيهَا ، وَهَذَا الْفَرْقُ بِالْمَسْبُوقِ فِي الْوِتْرِ وَالسَّاهِي فِيهِ فِي حَقِّ الْقُنُوتِ هُوَ مُخْتَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ مَأْمُورٌ أَنْ يَقْنُتَ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ آخِرَ صَلَاتِهِ فَقَدْ قَنَتَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَقْنُتُ ثَانِيًا لِأَنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَالشَّاكُّ لَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعِهِ فَيَقْنُتُ مَرَّةً أُخْرَى وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ فِي بَابِ الْوِتْرِ .
.

[ تَتِمَّةٌ : فِي تَرْكِ السَّجَدَاتِ وَالرُّكُوعِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فِي السَّهْوِ ] أَمَّا تَرْكُ السُّجُودِ فَقَدْ انْتَظَمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وُجُوبُ قَضَائِهِ ، وَهَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ تَحَرَّى فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ شَاكًّا فِي أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ مَا قَبْلَهَا نَوَى الْقَضَاءَ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْأَخِيرَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرُوا فِيمَنْ سَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَسَجَدَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ صُلْبِيَّةً مِنْ الْأُولَى فَسَدَتْ صَلَاتُهُ .
وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ وَنَابَتْ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِيَحْتَاجَ فِي صَرْفِ السَّجْدَةِ إلَيْهَا إلَى النِّيَّةِ ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ التِّلَاوَةَ دُونَ السَّهْوِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَفِي الْمُنْتَقَى : لَا تَنُوبُ التِّلَاوَةُ وَالسَّهْوُ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تِلَاوَةٌ أَوْ سَهْوٌ حِينَئِذٍ كِلَاهُمَا تَنُوبَانِ ، وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهُمَا وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ، أَوْ مِنْ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً .
وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ تَرَكَهَا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّ السَّجْدَتَيْنِ يُضَمَّانِ إلَى الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ، وَفِي رِوَايَةٍ إلَى الرُّكُوعِ الثَّانِي ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَصِيرُ

مُدْرِكًا ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ أَيِّهِمَا تَرَكَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا وَيَتَشَهَّدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَا يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا مِنْ الْأُولَى وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَةً وَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ ، فِي السَّجْدَةِ .
وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ : هَذَا إذَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ الِالْتِحَاقَ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ .
وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ : يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً مُطْلَقًا ، وَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيَضُمُّ إلَى الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ إلَى الرُّكُوعِ الثَّانِي وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى .
ثُمَّ رَأَيْت أَنْ أَكْتُب تَمَامَ فَصْلِ السَّجَدَاتِ الْمَذْكُورِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ قَالَ : مَسَائِلُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولٍ : مِنْهَا أَنَّ السَّجْدَةَ مَتَى فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً ، وَالْقَضَاءُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ فَائِتَةً عَنْ مَحَلِّهَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَحَلِّهَا رَكْعَةٌ تَامَّةٌ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ يَحْتَمِلُ الرَّفْضَ فَيَرْتَفِضُ وَتَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانَ مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّذَكُّرُ قُبَيْلَ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِلْخُرُوجِ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ وَتُقَدَّمُ السَّجْدَةُ عَلَى الرَّكْعَةِ ، وَلَوْ قَدَّمَ الرَّكْعَةَ عَلَيْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ لَا غَيْرُ ، فَإِذَا أَتَى بِهَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَلَا يَضُرُّهُ زِيَادَةُ

رَكْعَةٍ ، وَمَتَى قَدَّمَ الرَّكْعَةَ عَلَيْهَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى التَّطَوُّعِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ .
وَمِنْهَا أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا ، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ تَرَكَهُ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ لَازِمٌ وَأَدَاءَ السُّنَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْمَتْرُوكِ مِنْ السَّجَدَاتِ وَإِلَى الْمُؤَدَّاةِ فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ فَالْعِبْرَةُ لَهُ ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقَلِّ أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ ، .

وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْفَجْرِ سَاهِيًا ثُمَّ ذَكَرَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَجَدَهَا وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، وَيَنْوِيَ بِهِ مَا عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقْضِي رَكْعَةً يَتَشَهَّدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا لَا غَيْرُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ فَلَا تَكُونُ مَحْسُوبَةً مِنْ صَلَاتِهِ فَلَزِمَهُ قَضَاءُ رَكْعَةٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا .
وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً أُخْرَى ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِهَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا سَجَدَ أُخْرَى تَلْتَحِقُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كُلَّ رَكْعَةٍ بِسَجْدَةٍ ، فَمَتَى صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى صَارَ مُتَطَوِّعًا بِالثَّالِثَةِ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ مِنْ الْفَجْرِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ حَتَّى يُتِمَّ الْفَرْضَ وَيَنْوِيَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّجَدَاتِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ ، وَإِنْ تَرَكَ النِّيَّةَ فِي الْكُلِّ لَا يُجْزِئُهُ ، وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ رَكَعَ فِي صَلَاتِهِ .

وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْمَغْرِبِ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ رَكْعَتَانِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ إلَّا أَنَّ الرَّكْعَةَ دَاخِلَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَلَا يَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَقْعُدُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ تَرَكَ خَمْسًا سَجَدَ سَجْدَةً وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، قَالُوا هَذَا إذَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَفْسُدُ ، .

وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الظُّهْرِ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ سَجَدَ ثَلَاثًا وَقَعَدَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً ، وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعًا يَسْجُدُ أَرْبَعًا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِقَعْدَتَيْنِ ، وَإِنْ تَرَكَ خَمْسًا سَجَدَ ثَلَاثًا وَلَا يَقْعُدُ بَعْدَهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْقَعْدَةَ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لِأَنَّهُ إنْ تَمَّ لَهُ رَكْعَتَانِ فَالْقَعْدَةُ سُنَّةٌ ؛ وَإِنْ تَمَّ لَهُ ثَلَاثٌ فَالْقَعْدَةُ بِدْعَةٌ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ تَرَكَ سِتًّا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَيَقْعُدُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ .
لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ .
فَإِنْ أَتَى بِهِمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ ، أَوْ فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ تَرَكَ سَبْعًا سَجَدَ سَجْدَةً وَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ، قَالُوا هَذَا إذَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ ، وَإِذَا سَجَدَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَالْحِيلَةُ لِجَوَازِ صَلَاتِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِسَجْدَتَيْنِ وَيَنْوِيَ بِإِحْدَاهُمَا عَمَّا عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَحِقَ إحْدَاهُمَا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَتَلْتَحِقَ الثَّانِيَةُ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ إذَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَتَشَهَّدَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الثَّلَاثِ جَازَتْ صَلَاتُهُ ، وَلَوْ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَكَذَلِكَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ .
.

( فَصْلٌ مِنْهُ ) لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى الثَّانِيَةِ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً لَا يَعْلَمُ كَيْفَ تَرَكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ قَعَدَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى التَّطَوُّعِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ فَيُحْكَمُ بِالْفَسَادِ احْتِيَاطًا ؛ وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْسُدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ الْفَرِيضَةِ ، وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعًا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى التَّطَوُّعِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمَتْرُوكَ مِنْ السَّجَدَاتِ إذَا كَانَ نِصْفَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا تَفْسُدُ ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَتَرَكَ سَجْدَةً إلَى خَمْسٍ تَفْسُدُ ، وَلَوْ تَرَكَ سِتًّا لَا تَفْسُدُ ، وَلَوْ تَرَكَ سَبْعًا لَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ، وَلَوْ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ، وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَتَرَكَ سَجْدَةً إلَى أَرْبَعٍ تَفْسُدُ ، وَلَوْ تَرَكَ خَمْسًا لَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ وَيُصَلِّي رَكْعَةً ، وَلَوْ تَرَكَ سِتًّا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلْنَسُقْ فَصْلَهُ بِتَمَامِهِ مِنْ الْبَدَائِعِ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ رُكُوعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ السُّجُودِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَالْتَحَقَ السُّجُودُ بِالْعَدَمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ وَكَانَ أَدَاءُ هَذَا الرُّكُوعِ أَدَاءً فِي مَحَلِّهِ ، فَإِذَا أَتَى بِالسُّجُودِ بَعْدَهُ صَارَ مُؤَدِّيًا رَكْعَةً تَامَّةً ، وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ ثُمَّ سَجَدَ فَهَذَا قَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ رُكُوعَهُ وَقَعَ مُعْتَبَرًا لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ .
إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ .
فَإِذَا قَامَ وَقَرَأَ لَمْ يَقَعْ قِيَامُهُ وَقِرَاءَتُهُ مُعْتَدًّا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ فَلَغَا ، فَإِذَا سَجَدَ صَادَفَ السُّجُودُ مَحَلَّهُ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ رُكُوعٍ مُعْتَبَرٍ فَتَقَيَّدَ رُكُوعُهُ بِهِ فَقَدْ وُجِدَ انْضِمَامُ السَّجْدَتَيْنِ إلَى الرُّكُوعِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً ، وَكَذَا إذَا قَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ رُكُوعَانِ وَوُجِدَ السُّجُودُ فَيَلْتَحِقُ بِأَحَدِهِمَا وَيَلْغُو الْآخَرُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي بَابِ الْحَدَثِ جَعَلَ الْمُعْتَبَرَ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ ، وَفِي بَابِ السَّهْوِ مِنْ نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ جَعَلَ الْمُعْتَبَرَ الرُّكُوعَ الثَّانِي .
حَتَّى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ

الْحَدَثِ ، وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا ، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ لِأَنَّ رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فَوَقَعَ الثَّانِي مُكَرَّرًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ .
فَإِذَا سَجَدَ يَتَقَيَّدُ بِهِ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً ؛ وَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّ سُجُودَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ لِحُصُولِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ، فَإِذَا قَرَأَ وَرَكَعَ تَوَقَّفَ هَذَا الرُّكُوعُ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّدَ بِسُجُودٍ بَعْدَهُ ، فَإِذَا سَجَدَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ تَقَيَّدَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ بِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً ، وَكَذَا إنْ رَكَعَ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً لِمَا مَرَّ ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا السُّجُودَ مُلْتَحِقٌ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا مَرَّ ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا لِإِدْخَالِهِ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا تَفْسُدُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ : زِيَادَةُ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ وَهِيَ سُجُودُ الشُّكْرِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ إلَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ ، ثُمَّ إدْخَالُ الرُّكُوعِ الزَّائِدِ أَوْ السُّجُودِ الزَّائِدِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ، وَالصَّلَاةُ لَا تَفْسُدُ بِوُجُودِ أَفْعَالِهَا بَلْ بِوُجُودِ مَا يُضَادُّهَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً لِأَنَّهَا فِعْلُ صَلَاةٍ كَامِلٌ فَانْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ مُتَنَقِّلًا إلَيْهِ فَلَا يَبْقَى فِي الْفَرْضِ فَكَانَ فَسَادُ الْفَرْضِ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا لِلْمُضَادَّةِ ،

بِخِلَافِ زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ انْتَهَى .
وَكَوْنُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ قُرْبَةً وَهُوَ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْمُتَكَثِّرَةِ ، وَسَتَتِمُّ الْفَائِدَةُ بِهَا آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ .

وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فِي السَّهْوِ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ : صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ إمَامٌ صَلَّى بِقَوْمٍ فَلَمَّا سَلَّمَ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّك صَلَّيْت الظُّهْرَ ثَلَاثًا ، قَالُوا إنْ كَانَ عِنْدَ الْمُصَلَّى أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُخْبِرِ ، وَإِنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ .
رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ احْتِيَاطًا ، وَإِنْ شَكَّ فِي قَوْلِ عَدْلَيْنِ يُعِيدُ صَلَاتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عَدْلًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
.

وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فَقَالُوا صَلَّيْت ثَلَاثًا وَقَالَ بَلْ أَرْبَعًا ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمْ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرْبَعًا وَالْإِمَامُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ لَكَانَ الْإِمَامُ ، فَإِنْ أَعَادَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ وَأَعَادُوا مَعَهُ مُقْتَدِينَ بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنْ كَانَ الصَّادِقُ كَانَ هَذَا اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُتَنَفِّلِ ، وَإِلَّا فَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُفْتَرِضِ ، .

وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا وَاسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فِي شَكٍّ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ شَيْءٌ لِمُعَارَضَةِ الْمُسْتَيْقِنِ بِالنُّقْصَانِ الْمُسْتَيْقِنَ بِالتَّمَامِ ، وَالظَّاهِرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ هُوَ التَّمَامُ ، وَعَلَى الْمُسْتَيْقِنِ بِالنَّقْصِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ يَقِينَهُ لَا يَبْطُلُ بِيَقِينِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ بِالْقَوْمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَى مُسْتَيْقِنِ التَّمَامِ لِمَا قُلْنَا ؛ وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ بِالنُّقْصَانِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْوَقْتِ أَعَادُوا احْتِيَاطًا ، وَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا اسْتَيْقَنَ عَدْلَانِ بِالنُّقْصَانِ وَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ .

وَلْنَذْكُرْ الْفَائِدَةَ الْمَوْعُودَةَ آنِفًا : رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَاءَهُ أَمْرٌ سُرَّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى } ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ { خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَسَجَدَ فَأَطَالَ ، فَقَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، فَسَجَدْتُ شُكْرًا لِلَّهِ } رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ بِنَحْوِهِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي ، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي ، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي } ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ سَاجِدًا لَمَّا جَاءَ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ } ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَتْهُ الْبِشَارَةُ بِتَوْبَتِهِ خَرَّ سَاجِدًا .
وَرَوَى الْحَاكِمُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ مَرَّةً لِرُؤْيَةِ زَمِنٍ ، وَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَلَ وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ ، وَمَرَّ عُمَرُ فَنَزَلَ وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ } انْتَهَى .
وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ فَتْحِ الْيَمَامَةِ وَقَتْلِ مُسَيْلِمَةَ ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ فَتْحِ الْيَرْمُوكِ ، وَعَلِيٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذِي الثِّدْيَةِ مَقْتُولًا بِالنَّهْرَوَانِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ .

بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ ( إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَنْبِ تُومِئُ إيمَاءً } ؛ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ .
( بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ ) ( قَوْلُهُ إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ ) الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ ، لَكِنْ يَخَافُ بِسَبَبِهِ إبْطَاءَ بُرْءٍ أَوْ كَانَ يَجِدُ أَلَمًا شَدِيدًا إذَا قَامَ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ ، فَإِنْ لَحِقَهُ نَوْعُ مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الْقِيَامِ بِسَبَبِهَا ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا أَوْ خَادِمٍ .
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ : الصَّحِيحُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ لَا كُلِّهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ ، حَتَّى لَوْ كَانَ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَحَرَّمَ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدَ .
وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا قَالَ { كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ } ، زَادَ النَّسَائِيّ { فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا ، { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } } .

قَالَ ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْمَأَ إيمَاءً ) يَعْنِي قَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ ( وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا ( وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنْ قَدَرْتَ أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِئْ بِرَأْسِكَ } فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ ؛ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ ، فَإِنَّ وَضْعَ ذَلِكَ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِانْعِدَامِهِ
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِيمَاءَ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ قَدَرْتَ الْحَدِيثَ ) رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ ، فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا ، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ : صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْتَ ، وَإِلَّا فَأَوْمِئْ إيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكِ } قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعَطَاءٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ .
انْتَهَى .
أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ثِقَةٌ .
وَرُوِيَ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمَرْجِعُ ضَمِيرِ لِانْعِدَامِهِ لِلْإِيمَاءِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78