كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

لِلِاسْتِيفَاءِ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءً بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشُّيُوعُ يَضُرُّهُ ، وَبَعْدَ الْمَمَاتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ وَالشُّيُوعُ لَا يَضُرُّهُ ، وَصَارَ كَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ تَهَاتَرَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَيُقْضَى بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْمَمَاتِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَجُمْلَتُهَا أَنَّ الْعَبْدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوَّلًا فِي يَدِ وَاحِدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ سَبَقَ عَقْدَهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي السَّبَقِ وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ : وَبِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ ، وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى أَقُولُ : فِي تَحْرِيرِ الْمَذْكُورِ نَوْعُ اخْتِلَالٍ وَاضْطِرَابٍ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ فِي الشِّقِّ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ : فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَخْ ، وَتَرَكَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الشِّقِّ الثَّانِي ، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، مَعَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ذَاكَ الشِّقِّ أَيْضًا ، وَأَيْضًا إنْ أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ : وَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ يَلْزَمُ التَّنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَإِنْ أَرَادَ بِهَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ : وَبِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا

إنَّمَا يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، فَكَانَ حَقُّ قَوْلِهِ : الْمَزْبُورِ أَنْ يُذْكَرَ مُتَّصِلًا بِبَيَانِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا لَا يَخْفَى

بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ ( قَالَ وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَجُوزُ ) ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى الصُّورَةِ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ ؛ إذْ الْعَيْنُ أَمَانَةٌ ، وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الشَّخْصَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَاهُ مِنْ الرَّهْنِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ قَالَ ( وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ ( فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَهِيَ الْمَضْمُونَةُ ( وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ ( وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ ، لَكِنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَاهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَاهَا رَهْنًا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ كَذَلِكَ ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ وَقَدْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ

لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَوُصُولِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ ( وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِهِ يَأْخُذُهَا إذَا أَدَّى الدَّيْنَ ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَا قَامَ مَقَامَهَا ، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ

( بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحْكَامَ الرَّاجِعَةَ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ لِمَا أَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ يَقْفُو حُكْمَ الْأَصْلِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هَا هُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَا : وَرَضِيَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَقُولُ : لَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ ، وَإِلَّا فَرِضَاهُمَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ فِي مَعْنَى الْعَدْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي : لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَحَسْبُ انْتَهَى ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : يُشِيرُ إلَى دَفْعِ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ كَمَا أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ فَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَلِمَ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَضْمَنُ لِلْمُسْتَحِقِّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ، وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَالِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِقَائِلٍ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ أَقُولُ : هَذِهِ الْعِلَاوَةُ الَّتِي زَادَهَا الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّ عَدَمَ قَوْلِ الْخَصْمِ بِذَلِكَ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ السُّؤَالِ الْمُتَّجَهِ عَلَى أَصْلِنَا ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَوَجَّهَ السُّؤَالُ مِنْ قِبَلِ الْخَصْمِ ، وَعَنْ هَذَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ : لَيْسَ لِلسَّائِلِ مَذْهَبٌ ، وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ

فَلِلْخَصْمِ أَنْ يُورِدَ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ عَلَيْنَا بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بِمَا هُوَ مُسَلَّمٌ عِنْدَنَا لَا بِطَرِيقِ التَّحْقِيقِ بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَهُ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ عَنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا غَيْرُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ : أَيْ جَعَلَ الْقِيمَةَ فِي يَدِ الْعَدْلِ هُنَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : فِيهِ بَحْثٌ ، بَلْ الْمُرَادُ إذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الزَّيْلَعِيُّ انْتَهَى أَقُولُ : إنْ كَانَ وَجْهُ بَحْثِهِ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْعُمُومِ فِيمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ لَمَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا : أَيْ بِرَأْيِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ، مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَتَحَقَّقُ الْعُمُومُ لِذَلِكَ بَلْ يَخْتَصُّ بِمَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِ الْقَاضِي لَوْ كَانَ لَفْظُ جَعَلَ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَلَفْظُ فَعَلَ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ مُبَيِّنًا لِلْفَاعِلِ ، وَكَانَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ رَاجِعًا إلَى الْقَاضِي ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَكَانَ لَفْظُ الْقِيمَةِ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَائِمًا مَقَامَ الْفَاعِلِ فَيَتَحَمَّلُ الْعُمُومَ لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ ، وَإِنْ كَانَ وَجْهُ بَحْثِهِ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْعُمُومِ فِيمَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ لَمَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا فِي يَدِ غَيْرِ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ فَأَمْرُهُ هَيِّنٌ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَنْ جُعِلَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ الضَّمَانِ رَهْنًا فِي يَدِ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ أَنْ جُعِلَتْ رَهْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ظَاهِرًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَوَّلِ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ ( وَإِنْ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْعَزْلِ إتْوَاءً حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ ، فَكَذَا بِوَصْفِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ ( وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ إنَّمَا يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ

قَالَ ( وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى بِحُقُوقِهِ وَأَوْصَافِهِ ( وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ فَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ ، كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ بَعْدَمَا صَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَعْيَانًا يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ أَعْيَانًا قُلْنَا : التَّوْكِيلُ حَقٌّ لَازِمٌ لَكِنْ عَلَيْهِ ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِيمَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ ( وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَمَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ ( وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَقْدِرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْبَيْعِ

قَالَ ( فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ الَّذِي فِي يَدِهِ الرَّهْنُ أَنْ يَبِيعَهُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي لُزُومِهِ ( وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِالْخُصُومَةِ وَغَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَبَى أَنْ يُخَاصِمَ أُجْبِرَ عَلَى الْخُصُومَةِ ) لِلْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ فِيهِ إتْوَاءَ الْحَقِّ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتْوِي حَقَّهُ ، أَمَّا الْمُدَّعِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا شُرِطَ بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ يُجْبَرُ رُجُوعًا إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، وَهَذَا أَصَحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ

( وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَكَانَ رَهْنًا ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا ، وَإِذَا تَوَى كَانَ مَالَ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدُفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا قَالَ ( وَإِنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَأَوْفَى الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ فَضَمِنَهُ الْعَدْلُ كَانَ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ غَيْرَهُ ) وَكَشْفُ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا أَوْ قَائِمًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ يَنْفُذُ الْبَيْعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِذَا ضَمَّنَ الْعَدْلَ فَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ

حَقٍّ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ سُلِّمَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ بَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتُقِضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامَلَ الرَّاهِنَ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الثَّمَنَ الْمُرْتَهِنُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا رُجُوعَ ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُقْتَضَى ،

بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ

قَالَ ( وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ ( فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ فَقَدْ مَاتَ بِالدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ ( وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ ) أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً قُلْنَا : هَذَا طَعْنُ أَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ ، وَالْمِلْكُ بِكُلِّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَضْمَنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَقَدْ طَوَّلْنَا الْكَلَامَ فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى

بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ ( وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ ( فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ ( وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا ) ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَالْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ ( وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْمَأْذُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا ( وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ ، حَتَّى لَوْ افْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ ( وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لَهُ إنَّمَا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ حَقِّهِ ، وَحَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَيْهِ ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ

يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ هَذَا ( وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي ، فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي .

بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ) لَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَأَخِّرًا طَبْعًا عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا أَخَّرَهُ وَضْعًا لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ ( قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ مُحَمَّدٍ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ قَالَ : بَيْعُ الْمَرْهُونِ فَاسِدٌ ، وَفِي مَوْضِعٍ قَالَ : جَائِزٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَوْقُوفٌ وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَجُزْ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفْسِدُهُ إذَا خُوصِمَ إلَيْهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي التَّسْلِيمَ وَقَوْلُهُ جَائِزٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَهُ وَسَلَّمَهُ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوحِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ فَاسِدٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ ، فَإِنَّهُ كَالْفَاسِدِ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ فِي الْفِعْلِ ، أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَفَةِ فَإِنَّهُ عَلَى شَرَفِ أَنْ يَفْسُدَ إذَا لَمْ يُجِزْهُ انْتَهَى أَقُولُ : لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَا بِتَأْوِيلٍ فِقْهِيٍّ بَلْ هُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّأْوِيلِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي فِيهِ نَوْعُ إلْغَازٍ وَتَعْمِيَةٍ فَلَا يُنَاسِبُ أَصْحَابَ هَذَا الْفَنِّ سِيَّمَا فِي مَوْضِعِ الْكَشْفِ وَالْبَيَانِ ( قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ ) أَقُولُ : فِي تَمَامِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ مَعَ جَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ هُنَاكَ أَيْضًا فَالْوَجْهُ فِي التَّعْلِيلِ هَا هُنَا أَنْ يُقَالَ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَصَلَ

بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ بِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ : مَسْأَلَةُ الْإِعْتَاقِ مِنْ قِبَلِ أَصْحَابِنَا ، وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ تَدَبَّرْ

( وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ رَهَنَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ بِهِ ، أَمَّا لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ ، وَاَلَّذِي فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ ، وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ قَالَ ( وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ ) وَفِي بَعْضِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَيْثُ يَنْفُذُ عَلَى بَعْضِ أَقْوَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَعْنًى بِالتَّضْمِينِ ، وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتُهَا ؛ إذْ الْحُرُّ يَقْبَلُهَا ، أَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ الرَّهْنَ فَلَا يَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو بِصَرْفِهِ بِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَعْتَقَ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ ، وَلَا خَفَاءَ فِي قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي ، وَعَارِضُ الرَّهْنِ لَا يُنْبِئُ عَنْ زَوَالِهِ ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ ، فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ، وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَإِعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَلْغُو بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ

السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِذَا نَفَذَ الْإِعْتَاقُ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ، وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ( وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مُتَحَقِّقٌ ، وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ ( وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ إلَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ يَرْجِعُ إلَى مَنْ يَنْتَفِعُ بِعِتْقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ، أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَيْسَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ ، بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِتَكْمِيلِهِ ، وَهُنَا يَسْعَى فِي ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ إعْتَاقِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ فِي الْمُسْتَسْعَى الْمُشْتَرَكِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَفِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ شَرَطَ الْإِعْسَارَ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ حَقِيقَتِهِ الثَّابِتَةِ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ فَوَجَبَ السِّعَايَةُ هُنَا فِي حَالَةِ وَاحِدَةٍ إظْهَارُ النُّقْصَانِ رُتْبَتَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَسْعَى لِلْبَائِعِ إلَّا

رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْهُونُ يَسْعَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ أَضْعَفُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ عَيْنِهِ ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَالْمُرْتَهِنُ يَنْقَلِبُ حَقُّهُ مِلْكًا ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الِاسْتِرْدَادُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا السِّعَايَةَ فِيهِمَا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
( قَوْلُهُ وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ مَانِعَةٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالْبَيْعِ كَمَا يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ يَفْتَقِرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْآبِقِ وَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا بِدَلِيلِ نَفَاذِ إعْتَاقِ الْآبِقِ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ حَيْثُ قَالَ : أَقُولُ هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُتَوَقَّفُ ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ ؛ إذْ الْفَاسِدُ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ دُونَ الْمَوْقُوفِ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَا فَاسِدٌ انْتَهَى أَقُولُ : هَذَا الِاعْتِرَاضُ ظَاهِرُ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَفْسُدَ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُتَوَقَّفُ أَنْ لَوْ انْتَفَى الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَالْمُنْتَفَى فِي بَيْعِ الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءُ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَصْلًا فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ ؛ إذْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْصُلُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ

( وَلَوْ ) ( أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ ) بِأَنْ قَالَ ( لَهُ رَهَنْتُك عِنْدَ فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ) ( تَجِبُ السِّعَايَةُ ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَهُوَ يُعْتَبَرُ ، بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَنَحْنُ نَقُولُ أَقَرَّ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي حَالٍ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ قَالَ ( وَلَوْ دَبَّرَهُ الرَّاهِنُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِهِ ( وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ الِاسْتِيلَادُ بِالِاتِّفَاقِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِأَدْنَى الْحَقَّيْنِ وَهُوَ مَا لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ فَيَصِحُّ بِالْأَعْلَى ( وَإِذَا صَحَّا خَرَجَا مِنْ الرَّهْنِ ) لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ ؛ إذْ لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمَا ( فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا ) عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِعْتَاقِ ( وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْمُرْتَهِنُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُ الْمَوْلَى ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ حَيْثُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّهُ ، وَالْمُحْتَبَسُ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا يُؤَدِّيَانِ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ يَسَارِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى ، وَالْمُعْتَقُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِلْكَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ عَلَى مَا مَرَّ وَقِيلَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا يَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ قِنًّا ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الرَّهْنِ حَتَّى تُحْبَسَ مَكَانَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ ، وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرَ وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ

يَقْضِ لَمْ يَسْعَ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُ ، وَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى

قَالَ ( وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ ، وَالضَّمَانُ رَهْنٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَيْنِ ( فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ فَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ رَهَنَ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزِّيَادَةَ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْفِكَاكِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ اسْتِيفَاءً ، إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ ( وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ غَرِمَ الْقِيمَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ ( وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ ) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ ( وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَهُوَ عَلَى صِفَةِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ ( ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ( وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ) ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ

( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ ، هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ، وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ : شَرْحُ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ خُرُوجٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا لَيْسَ بِلَفْظِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْبِدَايَةِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ ، وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِرَهْنِ عَبْدِهِ إلَى هُنَا فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ لَفْظِ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ فِي أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ مَعْطُوفًا عَلَى لَفْظِ شَيْخٍ آخَرَ فِي كِتَابٍ آخَرَ ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ عَطْفُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَهُوَ الْبِدَايَةُ عَلَى عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ مَعَ تَقَدُّمِ تَحَقُّقِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى تَحَقُّقِ عِبَارَةِ الشَّرْحِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَذْكُورٌ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا فَيَتِمُّ ، وَيَحْسُنُ عَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَتَرْتِيبُ عِبَارَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالْبِدَايَةِ هَكَذَا فَإِنْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَقَضَى الدَّيْنَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ

الرَّاهِنُ الرَّهْنَ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ تَكُنْ الْحَاكِمَ الْفَيْصَلَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ ، وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ أُتْلِفَ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ سِوَى مَا ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ ، وَكَيْفَ يَكُونُ مَا انْتَقَصَ بِهِ كَالْهَالِكِ حَتَّى يَسْقُطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ مَا لَمْ يُنْتَقَصْ إلَّا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ انْتَهَى أَقُولُ : لَيْسَ اسْتِشْكَالُهُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ثُمَّ انْتَقَصَتْ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ سَقَطَ عَنْ الدَّيْنِ لَا مَحَالَةَ مِقْدَارُ تَمَامِ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهُ بِالْإِتْلَافِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهُ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا تَامًّا ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ أَصْلًا وَهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَيْفَ خَفِيَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْفَاضِلِ

قَالَ ( وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ) لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ ( فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ ( وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْحَالِّ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي وَلَدِ الرَّهْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْهَلَاكِ ، وَإِذَا بَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ الْقَبْضُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَعُودُ بِصِفَتِهِ ( وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ ) لِمَا قُلْنَا ( وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ ) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مُحْتَرَمًا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ

( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ لِمَا قُلْنَا ) يُشِيرُ بِقَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا إلَى قَوْلِهِ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : فِيهِ : إنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ مَعَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِيدَاعِ وَالرَّهْنِ أَقُولُ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَبَيْنَ الْوَضْعِ فِي يَدِ الْعَدْلِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ ، وَفِي الْكِفَايَةِ مُفَصَّلًا مُسْتَوْفًى فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمَا فَمَنْ شَاءَ فَلْيُرَاجِعْهُمَا قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَإٍ ) قَالَ الشُّرَّاحُ : وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ ، وَحُكْمُ الرَّهْنِ كَحُكْمِ الْإِجَارَةِ انْتَهَى وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ : وَحُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَحُكْمِ الْعَارِيَّةِ بِأَنْ قَالَ : إذَا كَانَ الْإِيدَاعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ انْتَهَى أَقُولُ : لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَنْ رَضِيَا بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ ابْتِدَاءً ، وَكَلَامُ الشُّرَّاحِ هُنَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَ أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْآخَرِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِيدَاعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بِنَفْسِهِ يُنْتَقَضُ قَبْضُهُ السَّابِقُ بِالْإِيدَاعِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدِ الْوَدِيعَةِ وَيَدِ الرَّهْنِ لِكَوْنِ إحْدَاهُمَا مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ دُونَ الْأُخْرَى كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْوَضْعِ فِي يَدِ الْعَدْلِ ابْتِدَاءً فَيَقُومُ يَدُ الْعَدْلِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ مَقَامَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ فَيَصِيرُ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَمَا تَبَيَّنَ فِي بَابِهِ وَلَمْ

يُوجَدْ شَيْءٌ آخَرُ يَقْتَضِي انْتِقَاضَ هَذَا الْقَبْضِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى حَالِهِ

( وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ ، أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا

( وَإِذَا اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ ) لِبَقَاءِ يَدِ الرَّهْنِ ( وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ ) لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ ( وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ ) لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّاهِنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ ( وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ ) لِمَا بَيَّنَّاهُ

( وَمَنْ اسْتَعَارَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ زَوَالًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ ، وَالْإِطْلَاقُ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ( وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ، وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ ( وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَبِالْمُرْتَهِنِ وَبِالْبَلَدِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ ( فَإِذَا خَالَفَ كَانَ ضَامِنًا ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ( وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ( وَإِنْ وَافَقَ ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ( إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ الْمَالُ عَنْ الرَّاهِنِ ) لِتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ ( وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلرُّجُوعِ دُونَ الْقَبْضِ بِذَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِرِضَاهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ

وَوَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .
( وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ذَهَبَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةُ دَيْنِهِ لِلْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى الرَّاهِنِ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ مَا صَارَ بِهِ مُوفِيًا لِمَا بَيَّنَّاهُ ( وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ حَيْثُ يُخَلِّصُ مِلْكَهُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى الْمُعِيرُ فَأُجْبِرَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الدَّفْعِ ( بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَضَى الدَّيْنَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ ؛ إذْ هُوَ لَا يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ ( وَلَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَ مَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِهَذَا ، وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ( وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ .
( كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ فَكَذَا فِي إنْكَارِ وَصْفِهِ ( وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ لِيُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَالْمُسَمَّى وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَوْعُودِ الْمُسَمَّى ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَسَلَامَتِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْهُ

( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مُغْلَقَاتِ هَذَا الْكِتَابِ ، وَكَانَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ بَدَلَ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ أَعْسَرَ الرَّاهِنُ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ تَصْحِيفٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ أَوْ الْقَارِئِ وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ : مَعْنَى قَوْلِهِ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ : بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَيُوَافِقُهُ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا قَضَى دَيْنَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ : مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ : أَرَادَ أَنْ يَفْتَكَّهُ نِيَابَةً عَنْ الرَّاهِنِ جَبْرًا عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : قَوْلُهُ افْتَكَّهُ جَبْرًا عَنْ الرَّاهِنِ قِيلَ مَعْنَاهُ : مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَقِيلَ نِيَابَةً وَلَعَلَّهُ مِنْ الْجُبْرَانِ : يَعْنِي جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْ الرَّاهِنِ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ انْتَهَى أَقُولُ : فِيهِ كَلَامٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا اخْتَارَهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا يَتَمَشَّى فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَفْتَكَّهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ دَيْنِ الرَّاهِنِ ؛ إذْ لَمْ يَفُتْ عَنْ الرَّاهِنِ إذْ ذَاكَ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ مَجِيءِ أَوَانِهِ حَتَّى يَكُونَ افْتِكَاكُ الْمُعِيرِ الرَّهْنَ هُنَاكَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الرَّاهِنِ جُبْرَانًا لِمَا فَاتَ عَنْهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْسِهِ ، مَعَ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَبَرَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ أَوْ مِنْ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْجُبْرَانِ ، وَمَحَلُّ الْإِغْلَاقِ فِي تَرْكِيبِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ عَنْ الدَّاخِلَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا كَوْنُ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ ؛ إذْ هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَعَلَى الْمَعْنَى الَّذِي اخْتَارَهُ لَا يَظْهَرُ لِكَلِمَةِ : ( عَنْ ) مُتَعَلَّقٌ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى تَقْدِيرٍ لِمَا فَاتَ جُمْلَةً ، وَجَعْلِ كَلِمَةِ : ( عَنْ ) مُتَعَلِّقَةً بِلَفْظِ فَاتَ الْمُنْدَرِجِ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ جِدًّا فَكَيْفَ يُرْتَكَبُ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ مُتَعَلَّقِ كَلِمَةِ : عَنْ لَفْظَ نِيَابَةٍ وَحْدَهُ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : وَهَا هُنَا قَيْدٌ لَازِمٌ ذَكَرَهُ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ يُرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ ، بَلْ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى إذَا كَانَ مَا أَدَّاهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ لَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ : فَإِنْ عَجَزَ الرَّاهِنُ عَنْ الِافْتِكَاكِ فَافْتَكَّهُ الْمَالِكُ يَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا يَهْلَكُ الدَّيْنُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا فَرَهَنَهُ بِأَلْفَيْنِ فَأَفْتَكّهُ الْمَالِكُ بِأَلْفَيْنِ رَجَعَ بِقَدْرِ مَا يَهْلِكُ الدَّيْنُ بِهِ وَهُوَ الْأَلْفُ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَضْمَنْ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ إذَا افْتَكَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ انْتَهَى وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ : وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ

الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ انْتَهَى أَقُولُ : فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ لَا يَجِبُ أَنْ تُوَافِقَ الْمُدَّعِيَ فِي الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَلَا فِي التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ كُلِّيَّةَ الْكُبْرَى شَرْطٌ فِي أَشْهَرْ الْأَقْيِسَةِ وَأَقْوَاهَا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي جُزْئِيًّا فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ مِنْ تَقْيِيدِ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ تَقْيِيدُ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهَا أَيْضًا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ تَقْيِيدِ هَاتِيك الْمُقَدِّمَةِ بِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ فِي التَّبْيِينِ : وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا افْتَكَّهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ بِهِ أَكْثَرَ لَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى قِيمَتِهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الرَّهْنِ لَا يَحْصُلُ بِإِيفَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ فَكَانَ مُضْطَرًّا ، وَبِاعْتِبَارِ الِاضْطِرَارِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ مَعَ بَقَاءِ الِاضْطِرَارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَخْلِيصُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ الدَّيْنِ كُلِّهِ ؛ إذْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى أَقُولُ : فِي كَلَامِهِ هَذَا نَوْعُ غَرَابَةٍ ، ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَدْ ذَكَرَ حَاصِلَ اسْتِشْكَالِهِ بِطَرِيقِ السُّؤَالِ وَأَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : هُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ مِلْكِهِ إلَّا بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا قُلْنَا : الضَّمَانُ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِاعْتِبَارِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِيفَاءُ انْتَهَى وَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذِكْرِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ صَاحِبَا الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ مَرْضِيًّا عِنْدَ

الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِاسْتِشْكَالِهِ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ رَأَى السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ مَسْطُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الِاتِّصَالِ بِمَا اسْتَشْكَلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَحَلَّ فَسَادِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ فِيهَا إشْكَالًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ

( وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُعِيرُ جَازَ ) لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ( ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ ( وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعِيرُ قِيمَتَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ بِرِضَاهُ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ ( وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ فَيَرُدَّهَا إلَى الْمُعِيرِ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعِيرُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ بِرِضَاهُ وَقَدْ أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ ) أَقُولُ : كَانَ الْحَقُّ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ : لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ ، وَقَدْ أَتْلَفَهَا بِالْإِعْتَاقِ ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الْمَذْكُورِ فِي التَّعْلِيلِ إنَّمَا هُوَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ دُونَ رَقَبَتِهِ كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ

( وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلِ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ فَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ حِينَ رَهَنَهُمَا ، فَإِنَّهُ كَانَ أَمِينًا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ ( وَكَذَا إذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ ثَمَّ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ فَلَمْ يَعْطَبْ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفِكَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ لَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْفِكَاكِ وَقَدْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ ، أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الرَّهْنِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْآمِرِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَتَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ

قَالَ ( وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ ، وَتَعَلُّقُ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ يَمْنَعُ نَفَاذَ تَبَرُّعِهِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا أَتْلَفَهُ الْوَرَثَةُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ

قَالَ ( وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُ الْمَالِكِ ، وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ فَيَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ

قَالَ ( وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى مَالِهِمَا هَدْرٌ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : جِنَايَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ ، أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ مُسْتَنِدًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ ، فَكَانَتْ جِنَايَةً عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ لَهُ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا تُعْتَبَرُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْعَبْدَ وَهُوَ الْفَائِدَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِيهِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَالْمَضْمُونِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ حَقِيقَةٌ مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ

( قَوْلُهُ أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ : أَيْ أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا فِي حُكْمِهَا وَهِيَ أَنَّ جِنَايَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدْرٌ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ : لَا وَجْهَ عِنْدِي لِإِقْحَامِ لَفْظِ الْوَجْهِ فِي تَفْسِيرِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ؛ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَمَّا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ الْوِفَاقِيَّةِ : أَيْ عِلَّتُهَا فَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ أَدْخَلَ اللَّامَ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا تَرَى فَيَئُولُ الْمَعْنَى إلَى أَنَّ عِلَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ عِلَّةَ الْعِلَّةِ لَا عِلَّةَ نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ قَطْعًا قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : قَوْلُهُ وَدَفَعَاهُ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى نَفْسِهِ وَمُخَلِّصُهُ الْمُشَاكَلَةُ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا ذِكْرَهُ بِلَفْظِ الدَّافِعِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ أَوْ التَّغْلِيبِ سَمَّاهُ دَافِعًا وَثَنَّاهُ انْتَهَى أَقُولُ : لَا صِحَّةَ لِتَوْجِيهِ الْمُشَاكَلَةِ هَا هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ ذِكْرُ لَفْظٍ وَأُرِيدَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَصْلُ مَعْنَاهُ وَفِي الْأُخْرَى غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك } وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذِكْرُ لَفْظٍ بَلْ وَقَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فَسَبِيلُهُ التَّغْلِيبُ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى

قَالَ ( وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ) وَأَصْلُهُ أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَهُوَ يَقُولُ : إنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ وَلَنَا أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِهِ الْخِيَارُ وَلَا فِي الْغَصْبِ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ ؛ إذْ الْيَدُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ بَقِيَ مَرْهُونًا بِكُلِّ الدَّيْنِ ، فَإِذَا قَتَلَهُ حُرٌّ غَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ؛ لِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّ الْجَابِرَ بِقَدْرِ الْفَائِتِ ، وَأَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِالدَّمِ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِيَّةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ فَكَذَا فِيمَا قَامَ مَقَامَهُ ، ثُمَّ لَا يُرْجَعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ ، وَقِيمَتُهُ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ أَلْفًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقُولُ : لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا الْأَلْفَ بِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الْمِائَةَ وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ فِي الْعَيْنِ ، فَإِذَا هَلَكَ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا تِسْعَمِائَةٍ بِالْهَلَاكِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا

الْكُلَّ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَ ( وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَقَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ فَيَرْجِعُ بِتِسْعِمِائَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى ، وَكَذَا هَذَا قَالَ ( وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ مَكَانَهُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَالِهِ وَقَالَ زُفَرُ : يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ لَهُ أَنَّ يَدَ الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ ، إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعُشْرِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَلِأَصْحَابِنَا عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَانْتُقِضَ السِّعْرُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا ، فَكَذَلِكَ إذَا قَامَ الْمَدْفُوعُ مَكَانَهُ وَلِمُحَمَّدٍ فِي الْخِيَارِ أَنَّ الْمَرْهُونَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ كَالْمَبِيعِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ زُفَرَ ، وَعَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ ، وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ فِيهِ حُكْمُهُ الْفَسْخُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَشْرُوعٌ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً

ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ

( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدُفِعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ : وَهَذَا تَكْرَارٌ لَا مَحَالَةَ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الرَّهْنِ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ : وَهَذَا تَكْرَارٌ لَا مَحَالَةَ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ : يَعْنِي مَا عَبَّرْنَا عَنْهُ هَا هُنَا بِالصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ الرَّهْنِ إلَى مِائَةٍ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ جَعَلَ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ فِيمَا إذَا تَرَاجَعَ السِّعْرُ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُقُوعِ التَّكْرَارِ وَهُوَ لَازِمٌ أَيْضًا عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِمِثْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الَّذِي حَازَ قَصَبَاتِ السَّبْقِ فِي مِضْمَارِ التَّحْقِيقِ ، وَإِنَّمَا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ فِي غَيْرِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَةِ التَّرَاجُعِ وَلَا تَكْرَارَ ثَمَّةَ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ : مَا مَرَّ فِي بَيَانِ صُوَرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ عِبَارَةُ الْبِدَايَةِ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِنْصَافُ أَنَّهَا لَا تُسَاعِدُ جَعْلَ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فِي غَيْرِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ ، وَإِنَّمَا تُسَاعِدُ جَعْلَهَا فِي تَرَاجُعِ السِّعْرِ أَيْضًا كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْغَايَةِ ، أَوْ جَعْلَهَا فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ تَرَاجُعِ السِّعْرِ وَمِنْ عَدَمِ تَرَاجُعِهِ فَإِنَّ

نَصَّ عِبَارَةِ الْبِدَايَةِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ فِي السِّعْرِ وَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ وَرَجَعَ بِتِسْعِمِائَةٍ ، فَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدُفِعَ إلَيْهِ مَكَانَهُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ ضَمِيرَ قَتَلَهُ فِي الْمَعْطُوفِ رَاجِعٌ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ قَتَلَهُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الَّذِي نَقَصَ فِي السِّعْرِ ، فَكَذَا الضَّمِيرُ الَّذِي فِي الْمَعْطُوفِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنْ أَخْرَجَ الضَّمِيرَ فِي الْمَعْطُوفِ عَمَّا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ رُجُوعِهِ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ضَمِيرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ إرْجَاعِهِ إلَى مُطْلَقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمَذْكُورِ فِي ضِمْنِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمُقَيَّدِ بِنُقْصَانِ سِعْرِهِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْلُو مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ تَرَاجُعُ سِعْرِهِ إلَخْ عَنْ شَائِبَةِ التَّكْرَارِ ، وَأَمَّا إرْجَاعُ الضَّمِيرِ فِي الْمَعْطُوفِ إلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ الْمُقَيَّدِ بِعَدَمِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ فَمِمَّا لَا تُسَاعِدُهُ الْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ قَطْعًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ فَلَا وَجْهَ

لِلْمَصِيرِ إلَيْهِ تَبَصَّرْ تَرْشُدْ

( وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ ( وَلَوْ فُدِيَ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إصْلَاحُهَا ( وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ قَائِمٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا إلَى الْمُرْتَهِنِ الْفِدَاءُ لِقِيَامِ حَقِّهِ ( فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ الْفِدَاءِ يُطَالَبُ الرَّاهِنُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ وَمِنْ حُكْمِهَا التَّخْيِيرُ ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ ( فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ سَقَطَ الدَّيْنُ ) ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ لِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ ( وَكَذَلِكَ إنْ فَدَى ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْحَاصِلِ لَهُ بِعِوَضٍ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَهُوَ الْفِدَاءُ ، بِخِلَافِ وَلَدِ الرَّهْنِ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا حَيْثُ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنْ دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا

( وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ ، فَإِنْ أَدَّى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَ الْعَبْدَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ ، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ ، فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ ( وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ ) ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ، ( فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وَدَيْنُ غَرِيمِ الْعَبْدِ مِثْلُ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ اُسْتُحِقَّتْ لِمَعْنًى هُوَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَأَشْبَهَ الْهَلَاكَ ( وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْعَبْدِ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ دَيْنِ الْعَبْدِ وَمَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ ، ثُمَّ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ قَدْ حَلَّ أَخَذَهُ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ( وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحِلَّ ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ لَا يَفِي بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ( ثُمَّ إذَا أَدَّى بَعْدَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ

( قَوْلُهُ : لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : قَوْلُهُ وَحَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْجَرِّ : أَيْ : دَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ فِي الدِّيَاتِ وَقَوْلُهُ : لِتَقَدُّمِهِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى : أَيْ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْمَالِيَّةِ ، وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْعَيْنِ ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَا الْبَيَانِ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ : قَوْلُهُ وَحَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالنَّصْبِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ : دَيْنَ الْعَبْدِ أَوْ مَحَلِّهِ ، مَعْنَاهُ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَكَذَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَيْضًا مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ، فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ أَقْوَى ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ تَصْرِيحُ الْقُدُورِيِّ بِذَلِكَ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَوَّلًا ، وَتَقَدُّمَهُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ قَتِيلًا خَطَأً فَضَمَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ ذَكَرَ دَيْنَ الْعَبْدِ ثَانِيًا وَتَقَدُّمَهُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ قَوْلِهِ : وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ

عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ : قَوْلُهُ : وَحَقِّ وَلِيِّ بِالْجَرِّ : أَيْ دَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَمُقَدَّمٌ أَيْضًا عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ، حَتَّى لَوْ جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ ، فَأَقُولُ : هَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا تَدْفَعُ كَلَامَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : دَيْنُ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَدَّمَ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَأَنَّهُ مُنَاقَضَةٌ لَا مَحَالَةَ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَايَةِ أَقُولُ : لَا تَدَافُعَ بَيْنَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدُوا بِهَا ؛ إذْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى الْفَطِنِ تَحَقُّقُ تَقْدِيمِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ حَقِيقَةً عَلَى حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ أَوَّلًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ بَلْ بِيعَ وَدُفِعَ ثَمَنُهُ إلَى الْغُرَمَاءِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ : لِأَنَّهُ وَإِنْ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا ، لَكِنْ إذَا بِيعَ لَمْ يَبْقَ لِلدَّفْعِ أَثَرٌ فَعُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُقَدَّمًا حَقِيقَةً انْتَهَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ ) أَقُولُ : فِيهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أُسْلُوبِ تَحْرِيرِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مَسْكَةٍ أَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَهْلَكَ إذَا اسْتَغْرَقَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَفْضُلَ عَلَى دَيْنِ الْغَرِيمِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي بِيعَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَنْتَظِمَ الْمَعْنَى ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ مَسْأَلَةً مُبَايِنَةً

لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُقَابِلَةً لَهَا لَا مُتَفَرِّعَةً عَلَيْهَا ، وَيَكُونَ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : فَإِنْ فَضَلَ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ كَمَا تُسْتَعْمَلُ الْفَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ تَأَمَّلْ

( وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ يُقَالُ لَهُمَا افْدِيَاهُ ) ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مَضْمُونٌ ، وَالنِّصْفُ أَمَانَةٌ ، وَالْفِدَاءُ فِي الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَفِي الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ ، فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ، وَالدَّفْعُ لَا يَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَإِنَّمَا مِنْهُ الرِّضَا بِهِ ( فَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي رَاهِنًا كَانَ أَوْ مُرْتَهِنًا ) أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِدَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ ، وَفِي الدَّفْعِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّاهِنُ إبْطَالُ الْمُرْتَهِنِ ، وَكَذَا فِي جِنَايَةِ الرَّهْنِ إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَنَا أَفْدِي لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَخْتَارُ الدَّفْعَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فَهُوَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ وَلَهُ فِي الْفِدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الرَّاهِنِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ ، وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ الدَّفْعِ لِمَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَخْتَارُهُ ( وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا فِي حِصَّةِ الْأَمَانَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَخْتَارَهُ فَيُخَاطَبُ الرَّاهِنُ ، فَلَمَّا الْتَزَمَهُ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا ، وَهَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ الْحُضُورِ ، وَسَنُبَيِّنُ الْقَوْلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ وَفَدَاهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ نِصْفَ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ فَدَى أَوْ دَفَعَ فَلَمْ يُجْعَلْ الرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ مُتَطَوِّعًا ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نِصْفُ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نِصْفِ الْفِدَاءِ ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ

الْفِدَاءَ فِي نِصْفٍ كَانَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَدَّاهُ الرَّاهِنُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَطَوِّعٍ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَوْفَى نِصْفَهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ ( وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَدَى ، وَالرَّاهِنُ حَاضِرٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَلَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَمْكَنَهُ مُخَاطَبَتُهُ ، فَإِذَا فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَقَدْ تَبَرَّعَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا تَعَذَّرَ مُخَاطَبَتُهُ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ الْمَضْمُونِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِصْلَاحِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا

قَالَ ( وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَلَوْ تَوَلَّى الْمُوصَى حَيًّا بِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَالنَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِيَ مَالَهُ مِنْ غَيْرِهِ ( وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ ) ؛ لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ ( فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ ) اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ ( وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ ( وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَفِي رَهْنِ الْوَصِيِّ تَفْصِيلَاتٌ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

فَصْلٌ قَالَ ( وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ صَارَ خَلًّا يُسَاوِي عَشَرَةً فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ ) ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ ، إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا ، وَالْخَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً حَتَّى إنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا تَعَيَّبَا

فَصْلٌ ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ ، فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ اسْتِدْرَاكًا لِمَا فَاتَ فِيمَا سَبَقَ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ ؛ إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا ، وَالْخَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً ) أَقُولُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ مَدَارُ مَسْأَلَتِنَا الْمَذْكُورَةِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ لَمَا ظَهَرَ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ثُمَّ صَارَ خَلًّا فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ ، بَلْ كَانَ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ : وَمَنْ رَهَنَ عَصِيرًا بِعَشَرَةٍ فَتَخَمَّرَ فَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ لِكِفَايَةِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بِعَيْنِهِ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ فَتَأَمَّلْ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ ، فَمَا بَالُ هَذَا تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ ؟ قَالَ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الْمَحَلُّ بَاقِيًا ، وَهَاهُنَا يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ حُكْمًا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ فَلِذَلِكَ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ انْتَهَى أَقُولُ : فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ ؛ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَعُودَ وَيَقُولَ : لَوْ كَانَ يَتَبَدَّلُ الْمَحَلُّ هَا هُنَا بِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ إذْ عَلَى تَقْدِيرِ تَبَدُّلِ الْمَحَلِّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ هَالِكًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي هَاتِيك الصُّورَةِ ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ : إنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنَّ الْمُنْتَقَضَ لَا يَعُودُ ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْقَى الْعَقْدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ : هَذَا التَّبَدُّلُ لَيْسَ بِتَبَدُّلٍ حَقِيقِيٍّ بَلْ هُوَ تَبَدُّلٌ حُكْمِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ، وَاَلَّذِي

يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْبَيْعِ هَالِكًا إنَّمَا هُوَ التَّبَدُّلُ الْحَقِيقِيُّ دُونَ الْحُكْمِيِّ قُلْنَا : فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : مَا بَالُ هَذَا التَّبَدُّلِ الْحُكْمِيِّ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ هَالِكًا ، وَمَا الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ لِلْكَلَامِ مَجَالٌ فِي كُلِّ حَالٍ وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ : فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ مَآلَ مَا ذَكَرَهُ أَنْ يَكُونَ السَّالِبُ لِقَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ تَبَدُّلُ وَصْفِ الْعَصِيرِيَّةِ إلَى الْخَمْرِيَّةِ مُصَحِّحًا لَهَا وَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْخَمْرَ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً ، كَمَا إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً ، وَالْعُقُودُ شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ ابْتِدَاءً لِلنَّهْيِ عَنْ الِاقْتِرَابِ وَالِاغْتِرَارِ ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْبَقَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ : جَوَابُهُ الَّذِي عَدَّهُ أَوْلَى لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : إنَّ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَكُونُ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ ، وَالْخَمْرُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً حَيْثُ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ ، فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْخَمْرِ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فِي الْبَقَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخَمْرَ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَزْبُورَ الْمُورَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ : إنَّ الْخَمْرَ إنْ لَمْ

يَكُنْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ابْتِدَاءً فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ بَقَاءً ، بَلْ يَكُونُ مَآلُهُ تَغْيِيرَ تَعْلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ ، إلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّ مَا يَكُونُ حُكْمًا لِلْبَيْعِ يَكُونُ حُكْمًا لِلرَّهْنِ ، وَالْخَمْرُ قَابِلٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَكَذَا فِي الرَّهْنِ ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ عُدُولًا عَنْ تَعْلِيلِهِمْ الْمَرَضِيِّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ ؛ إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ مَا يَكُونُ حُكْمًا لِلْبَيْعِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ حُكْمًا لِلرَّهْنِ فَإِنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْحَبْسِ لِلْمُرْتَهِنِ لَا غَيْرُ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ

( وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا فَصَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِدِرْهَمٍ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ ، فَإِذَا حَيِيَ بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ حُكْمُهُ بِقَدْرِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُنْتَقَضُ لَا يَعُودُ ، أَمَّا الرَّهْنُ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَمْنَعُ مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ وَيَقُولُ : يَعُودُ الْبَيْعُ

قَالَ ( وَنَمَاءُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ، وَالرَّهْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَيْهِ ( فَإِنْ هَلَكَ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا ؛ إذْ اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُهَا ( وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ ، وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ ، فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا ، وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُوَرُ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى ، وَتَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ

( وَلَوْ رَهَنَ شَاةً بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : احْلِبْ الشَّاةَ فَمَا حَلَبَتْ فَهُوَ لَك حَلَالٌ فَحَلَبَ وَشَرِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ) أَمَّا الْإِبَاحَةُ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ وَالْخَطَرِ ؛ لِأَنَّهَا إطْلَاقٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَتَصِحُّ مَعَ الْخَطَرِ ( وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ( فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الشَّاةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ وَعَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ ، فَمَا أَصَابَ الشَّاةَ سَقَطَ ، وَمَا أَصَابَ اللَّبَنَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ وَالْفِعْلُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَخَذَهُ وَأَتْلَفَهُ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ فَبَقِيَ بِحِصَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الشَّاةِ إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي أَكْلِهِ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ النَّمَاءِ الَّذِي يَحْدُثُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ

قَالَ ( وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : لَا تَجُوزُ فِيهِمَا ، وَالْخِلَافُ مَعَهُمَا فِي الرَّهْنِ ، وَالثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَالْمَهْرُ وَالْمَنْكُوحَةُ سَوَاءٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُخْرَى أَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَالرَّهْنُ كَالْمُثَمَّنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَالْإِمْكَانِ وَلَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا ، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الدَّيْنِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الرَّهْنِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الدَّيْنِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا وَهَذَا شُيُوعٌ فِي الدَّيْنِ ، وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا مَعْقُودٍ بِهِ بَلْ وُجُوبُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ ، وَكَذَا يَبْقَى بَعْدَ انْفِسَاخِهِ ، وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي بَدَلَيْ الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلٌ يَجِبُ بِالْعَقْدِ ، ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَتُسَمَّى هَذِهِ زِيَادَةً قَصْدِيَّةً يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفًا يُقَسَّمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا ، فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَا الدَّيْنِ اعْتِبَارًا بِقِيمَتِهِمَا فِي وَقْتَيْ الِاعْتِبَارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ

فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْقَبْضِ

( قَوْلُهُ وَلَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ إلَخْ ) أَقُولُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي أَثْنَاءِ ذِكْرِ دَلِيلِهِمَا ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ حَيْثُ قَالَ : إنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَالرَّهْنُ كَالْمُثَمَّنِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَالْإِمْكَانِ ، وَعَنْ هَذَا تَرَكَ صَاحِبُ الْكَافِي الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ أَعْنِي قَوْلَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الِاحْتِرَازَ عَنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلَافِيَّةُ الْأُخْرَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ ، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ هُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَصْلِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ، فَإِنَّ أَصْلَهُمْ فِيهَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالْبَاعِثُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا بِهَذَا الِاحْتِرَازِ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَلِيلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُخْرَى هُوَ الْقِيَاسَ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ تَقْرِيرُهُ جَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ دَلِيلَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِكَوْنِهِمَا فِي خِلَافِيَّةٍ هَا هُنَا ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُمَا أَيْضًا هُوَ الْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنَّمَا الِاسْتِحْسَانُ أَصْلُهُمْ فِي الْخِلَافِيَّةِ الْأُولَى ( قَوْلُهُ : وَالِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي طَرَفِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا مَعْقُودٍ بِهِ ، بَلْ وُجُوبُهُ سَابِقٌ عَلَى الرَّهْنِ ) أَقُولُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : سَبْقُ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّهْنِ أَلْبَتَّةَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي زِيدَ دَيْنًا جَدِيدًا

حَادِثًا بِمُوجِبٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ مِنْ الِاسْتِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، فَالدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ أَصْلِ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ تَسْمِيَةً جَدِيدَةً فَتَصِيرُ كَالرَّهْنِ الِابْتِدَائِيِّ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ زَمَانَ وُجُوبِ الدَّيْنِ الْجَدِيدِ مُقَدَّمٌ عَلَى زَمَانِ الْتِحَاقِهِ بِالْأَصْلِ ، فَإِنَّ الِالْتِحَاقَ فَرْعُ التَّحَقُّقِ فَلِهَذَا حُكِمَ بِسَبْقِ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّهْنِ أَلْبَتَّةَ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ

( وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ زَادَ مَعَ الْوَلَدِ عَبْدًا ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِد أَلْفٌ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً يُقَسَّمُ مَا فِي الْوَلَدِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ زِيَادَةً مَعَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ ( وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأُمِّ يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِّمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْأُمِّ

قَالَ ( فَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَبْدًا آخَرَ قِيمَتَهُ أَلْفٌ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ ، فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا ، وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فَإِذَا رُدَّ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ثُمَّ قِيلَ : يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ الرَّهْنِ بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ ، كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ جِيَادٌ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا ظَنَّهَا جِيَادًا ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ وَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدَ الْقَبْضَ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ ، وَالْقَبْضُ يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِ فَيَنُوبُ قَبْضُ الْأَمَانَةِ عَنْ قَبْضِ الْعَيْنِ

( وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا ) خِلَافًا لِزُفَرَ ، ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَلَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ وَلَا جِهَتِهِ لِسُقُوطِهِ ، إلَّا إذَا أَحْدَثَ مَنْعًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا إذَا لَمْ تَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ

( وَكَذَا إذَا ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِالصَّدَاقِ فَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى صَدَاقِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَمْ تَضْمَنْ شَيْئًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى إلَى مَا اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ أَوْ الْمُتَطَوِّعُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرْنَا ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ ، فَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ فَقَائِمٌ ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي .

( قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي ) الْمُرَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ الْحُكْمِيُّ ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ الثَّانِي هُوَ الِاسْتِيفَاءُ الْحَقِيقِيُّ ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَقُولُ : هَا هُنَا نَوْعُ إشْكَالٍ ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ الْحُكْمِيَّ الَّذِي ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ إمَّا أَنْ يُنْتَقَضَ بِاسْتِيفَائِهِ الدَّيْنَ حَقِيقَةً بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، أَوْ لَمْ يُنْتَقَضْ بَلْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ ، فَإِنْ انْتَقَضَ لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ ، فَإِذَا هَلَكَ يَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُنْتَقَضَ لَا يَعُودُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُنْتَقَضْ بَلْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ يَلْزَمُ أَنْ يَتَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ اسْتِيفَائِهِ الدَّيْنَ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ، وَتَكَرُّرُهُ مُؤَدٍّ إلَى الرِّبَا ، فَاسِدٌ كَمَا مَرَّ أَيْضًا غَيْرَ مَرَّةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَقَضٍ بَلْ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ ، وَلَكِنَّهُ فِي قُوَّةِ الزَّوَالِ وَالِانْتِقَاضُ بِرَدِّ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ عَلَى الرَّاهِنِ سِيَّمَا إذَا وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، فَكَأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَمْ يَتَكَرَّرْ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ الِاسْتِيفَاءُ الْحُكْمِيُّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَمْ يُجْعَلْ فَاسِدًا ، هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي التَّقَصِّي عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَكَلُّفٍ

( وَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْهُ عَلَى عَيْنٍ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ ( وَكَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَيَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَرَاءَةِ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ، أَوْ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ( وَكَذَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ) لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ عَلَى قِيَامِهِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَّةَ هُنَا نُقَوِّضُ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فِي صُورَةٍ فِي الْإِبْرَاءِ وَقَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إلَى قَوْلِهِ : فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً انْتَهَى أَقُولُ : لَا مَسَاغَ عِنْدِي لَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَا هُنَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَوْفَى ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ مُسْتَوْفًى ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ هَا هُنَا بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ : وَلَوْ اسْتَوْفَى لَتَكَرَّرَ الْحَشْوُ فِي كَلَامِهِ ، وَحَاشَا لَهُ عَنْ ارْتِكَابِ مِثْلِ ذَلِكَ

كِتَابُ الْجِنَايَاتِ قَالَ ( الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : عَمْدٌ ، وَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَخَطَأٌ ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ ) وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ قَالَ ( فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ كَالْمُحَدَّدِ مِنْ الْخَشَبِ وَلِيطَةِ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَالنَّارِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمِّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ

( كِتَابُ الْجِنَايَاتِ ) أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْوِقَايَةِ وَالصِّيَانَةِ ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِصِيَانَةِ الْمَالِ ، وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ ؛ أَلَا يَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قُدِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الْجِنَايَاتِ بِنَاءً عَلَى تَقَدُّمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ ، كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ : وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ انْتَهَى أَقُولُ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْجِنَايَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ تَكْسِبُهُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا جِنَايَةً ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَقْبُحُ وَيَسُوءُ ، إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قَطْعًا وَجُرْحًا ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ ( قَوْلُهُ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : عَمْدٌ ، وَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَخَطَأٌ ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : وَجْهُ الِانْحِصَارِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ هُوَ أَنَّ الْقَتْلَ إذَا صَدَرَ عَنْ إنْسَانٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِ سِلَاحٍ ، فَإِنْ حَصَلَ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ قَصْدُ الْقَتْلِ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ عَمْدٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خَطَأٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسِلَاحٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ

مَعَهُ قَصْدُ التَّأْدِيبِ وَالضَّرْبِ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ ، وَبِهَذَا الِانْحِصَارِ يُعْرَفُ أَيْضًا تَفْسِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا انْتَهَى أَقُولُ : فِيهِ خَلَلٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَتْلَ الْخَطَأَ مَخْصُوصًا بِمَا حَصَلَ بِسِلَاحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ كَمَا يَكُونُ بِسِلَاحٍ يَكُونُ أَيْضًا بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ : فَإِنْ كَانَ هُوَ هُوَ يُشْبِهُ تَفْسِيرَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ فَهُوَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلَ بِخَطَأٍ مَحْضٍ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْحَصْرُ فِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ وَلَمَّا تَنَبَّهْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِمَا فِي وَجْهِ الْحَصْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ الْقُصُورِ قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ اسْتَقْرَيْنَا فَوَجَدْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ ، وَنَقَلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ وَجْهِ الْحَصْرِ فَقَالَ : وَضَعْفُهُ وَرَكَاكَتُهُ ظَاهِرَانِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبَيَانٍ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ : إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَتْلٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ضَمَانِ الْقَتْلِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ : كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ ، وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ، وَالْقَتْلِ رَجْمًا ، وَالْقَتْلِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ : وَنَظِيرُ هَذَا مَا

قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ : الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ جِنْسَ الْأَيْمَانِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ : يَمِينُ اللَّهِ ، وَيَمِينٌ بِالطَّلَاقِ ، وَيَمِينٌ بِالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى أَقُولُ : فِيمَا قَالُوا نَظَرٌ ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ ، بَلْ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ يَكُونُ قَتْلَ عَمْدٍ إنْ تَعَمَّدَ الْقَاتِلُ ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بِسِلَاحٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ ، وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ إنْ تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ ، وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ ، وَيَكُونُ خَطَأً إنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ التَّعَمُّدِ بَلْ كَانَ بِطَرِيقِ الْخَطَإِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْقَتْلِ خَارِجَةً مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لَا مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّ أَنْوَاعَ الْقَتْلِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ خُرُوجُ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ لِلْقَتْلِ لَا مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ ؟ قُلْتُ : قَدْ يَكُونُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُوبَ الْقَوَدِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَعَ أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ كَثِيرَةً : مِنْهَا كَوْنُ الْقَاتِلِ عَاقِلًا بَالِغًا إذْ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ أَصْلًا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ جُزْءَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ

الْأُمُّ وَلَدَهَا وَكَذَا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِلْكَ الْقَاتِلِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ مُطْلَقًا فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ ، وَلَا بِالْمُرْتَدِّ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ أَصْلًا ، وَلَا بِالْمُسْتَأْمَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ مَا ثَبَتَتْ مُطْلَقَةً بَلْ مُؤَقَّتَةً إلَى غَايَةِ مُقَامِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ ، فَكَذَا كَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ شَرْطًا لِتَرَتُّبِ كُلٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْقَتْلِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرُوا مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُبَاحَةِ لِلْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ بَلْ كُلُّهَا بِحَقٍّ ، فَدُخُولُهَا فِي نَفْسِ أَوْجُهِ الْقَتْلِ دُونَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لَهَا بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ شَرْطِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَتِيلِ مَعْصُومَ الدَّمِ ، وَكَوْنُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ قَتْلٍ تَتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْوَالُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ إذْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنَايَاتِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا دُونَ أَحْوَالِ مُطْلَقِ الْقَتْلِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجُهُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ تَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ضَرَبَهُ : أَيْ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ ، وَقَالَ : فَيَخْرُجُ الْعَمْدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ انْتَهَى أَقُولُ : يَرِدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِمَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى ، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدْ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأَبَانَ رَأْسَهُ وَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ ، وَإِنْ أَصَابَ

عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ وَجْهُ الْوُرُودِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ضَرْبَ الْمَقْتُولِ بَلْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ يَدِهِ ، مَعَ أَنَّهُ جَعَلَ ضَرْبَهُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حَكَمُ قَتْلِ النَّفْسِ ، وَهُوَ الْقَوَدُ تَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فَكَانَ مُتَعَمَّدًا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ ) أَقُولُ : فِيهِ بَحْثٌ ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا اسْتَعْمَلَ الْآلَةَ الْقَاتِلَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ ؛ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا بِسَهْمٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ ، وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ ، وَكَمَا إذَا رَمَى غَرَضًا بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَهَذَا مِنْ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ الَّذِي جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى الْقَصْدِ قَدْ تَحَقَّقَ هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ قَاطِبَةً فَإِنْ قُلْتَ : الْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَا اسْتِعْمَالُهَا مُطْلَقًا فَفِيمَا إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْآدَمِيِّ بَلْ كَانَ لِغَرَضٍ آخَرَ قُلْتُ : هَذَا التَّأْوِيلُ إنَّمَا يُفِيدُ فِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ دُونَ نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ أَيْضًا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ لَكِنَّ الْخَطَأَ فِي وَصْفِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ قُلْتَ : الْمُرَادُ اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِ الْمَقْتُولِ مِنْ حَيْثُ هُوَ آدَمِيٌّ لَا اسْتِعْمَالُهَا لِضَرْبِهِ مُطْلَقًا ، وَفِي نَوْعِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قُلْتُ : كَوْنُ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَمْرٌ مُضْمَرٌ رَاجِعٌ إلَى النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ فَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَمْدِ

فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ خَارِجِيٍّ لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ كَانَ مَدَارُ كَوْنِ الْقَتْلِ عَمْدًا مُجَرَّدَ اسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ : الْقَتْلُ الْعَمْدُ ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَسِلَاحٍ وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ لِيطَةٍ أَوْ نَارٍ وَجْهٌ ؛ إذْ يَلْزَمُ إذْ ذَاكَ أَنْ يَكُونَ قَيَّدَ قَصْدًا زَائِدًا بَلْ لَغْوًا لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ بِالْغَرَضِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ وَهُوَ ضَرْبُهُ مِمَّا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ فَيَكْفِي ذِكْرُهُ ، بَلْ لَمَّا كَانَ لِقَيْدِ تَعَمَّدَ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ وَجْهٌ ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَالْعَمْدُ مَا ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ فَتَدَبَّرْ

( وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } الْآيَةَ ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السُّنَّةِ ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ قَالَ ( وَالْقَوَدُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } إلَّا أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } أَيْ مُوجِبُهُ ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ قَالَ ( إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْ يُصَالِحُوا ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْعُدُولِ إلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَرْضَاةِ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ فَيَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ ، وَفِي قَوْلِ الْوَاجِبِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَابِرًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ جَبْرٍ فَيَتَخَيَّرُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَرَوَيْنَا مِنْ السُّنَّةِ ، وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَالْقِصَاصُ يَصْلُحُ لِلتَّمَاثُلِ ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَجَبْرًا فَيَتَعَيَّنُ ، وَفِي الْخَطَإِ وُجُوبُ الْمَالِ ضَرُورَةَ صَوْنِ الدَّمِ عَنْ الْإِهْدَارِ ، وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَنَا : وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّكْفِيرِ فِي الْعَمْدِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْخَطَأِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى إيجَابِهَا وَلَنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا تُنَاطُ بِمِثْلِهَا ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمَقَادِيرِ ، وَتَعَيُّنُهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ

الْأَعْلَى وَمِنْ حُكْمِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ }

( قَوْلُهُ وَمُوجِبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } الْآيَةَ ) أَقُولُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الدَّلِيلُ خَاصٌّ وَالْمُدَّعِي عَامٌّ ، لِأَنَّ إيجَابَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمَأْثَمُ ، وَالْقَوَدُ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقَادُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ وُجُوبَ الْقَوَدِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَأْثَمِ ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ مَخْصُوصَةٌ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ أَفَادَتْ الْمَأْثَمَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا فَقَطْ بِعِبَارَتِهَا إلَّا أَنَّهَا تُفِيدُ الْمَأْثَمَ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ عَمْدًا أَيْضًا بِدَلَالَتِهَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فَإِنْ قِيلَ : بَقِيَ خُصُوصُ الدَّلِيلِ مَعَ عُمُومِ الْمُدَّعِي مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ، وَإِنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَلَمْ يَتُبْ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يَقْتُلُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ بِدَلَالَةِ خَالِدًا فِيهَا فَكَانَ الْقَتْلُ بِدُونِ الِاسْتِحْلَالِ خَارِجًا عَنْ مَدْلُولِ الْآيَةِ قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَنْ يَقْتُلُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمَذْكُورِ فِيهَا هُوَ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ ، فَلَا يُنَافِي التَّعْمِيمُ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَلَئِنْ سُلِّمَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ وَفِي التَّفَاسِيرِ أَيْضًا فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ ، وَتَحَقُّقِ الْإِثْمِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا بِدُونِ الِاسْتِحْلَالِ أَيْضًا ، وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ مِنْ اسْتِحْلَالِهِ الْخُلُودُ

فِي النَّارِ ( قَوْلُهُ وَالْقَوَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } أَيْ مُوجِبُهُ ) يَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يُوجِبُ الْقَوَدَ بِالْقِصَاصِ أَيْنَمَا يُوجَدُ الْقَتْلُ ، وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } أَيْ مُوجِبُهُ قَوَدٌ ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ : لَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } لَا يُوجِبُ التَّقْيِيدَ ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَوْ لَمْ يُوجِبْ هَذَا الْخَبَرُ تَقْيِيدَ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ مُوجِبَ الْعَمْدِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِ لَفْظِ الْعَمْدِ فَائِدَةٌ انْتَهَى أَقُولُ : سُؤَالُهُ ظَاهِرُ الْوُرُودِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِ كُلِّ ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا سِوَاهُ حَامَ حَوْلَ ذِكْرِهِ وَأَمَّا جَوَابُهُ فَمَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ حُكْمِ الْعَمْدِ فَقَطْ بِأَنْ كَانَتْ الْحَادِثَةُ قَتْلَ الْعَمْدِ فَصَارَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ ، فَفَائِدَةُ ذِكْرِ لَفْظِ الْعَمْدِ حِينَئِذٍ تَطْبِيقُ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ ، وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ كَيْفَ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ تَفَكَّرْ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ ) أَقُولُ : جَعَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَوْلَهُ : وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ وَحِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا تَتَوَفَّرُ حُجَّةً تَامَّةً وَجَعَلَ قَوْلَهُ : وَالْعُقُوبَةُ

الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى فَقَالَ فِي تَقْرِيرِ الْأُولَى : وَتَقْرِيرِ حُجَّتِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ تَتَكَامَلُ بِهَا الْجِنَايَةُ ، وَكُلُّ مَا كَانَ يَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ ، وَقَالَ فِي تَقْرِيرِ الْأُخْرَى وَتَقْرِيرُهَا الْقَوَدَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ ، وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ انْتَهَى أَقُولُ : لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ الْمُتَنَاهِيَةَ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى كَوْنِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقَيَّدَةً بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى إطْلَاقِهَا لَتَنَاوَلَتْ الْعَمْدَ وَشِبْهَهُ وَالْخَطَأَ ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ عُقُوبَةٌ كَامِلَةٌ مَشْرُوعًا دُونَ الْعَمْدِيَّةِ أَيْضًا بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهَا ، وَكَوْنُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مُقَيَّدَة بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ هُوَ الْمُدَّعَى هَا هُنَا ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى يَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُفِيدَ الْمُدَّعِي مَا جَعَلَهُ حُجَّةً أُولَى ؛ لِأَنَّ نَتِيجَتَهَا عَلَى مُقْتَضَى تَقْرِيرِهِ أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ كَانَتْ حِكْمَةُ الزَّجْرِ عَلَيْهَا أَكْمَلَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ حِكْمَةُ الزَّجْرِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ أَصْلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ أَيْضًا زَجْرًا عَنْهُ فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ فَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ : وَالْعُقُوبَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ وَالْمَجْمُوعُ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَأَنَّ لَفْظَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لَا شَرْعَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَكَامُلِ الْجِنَايَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ أَوْ إلَى تَوَفُّرِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ كَمَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَقْرَبُ لَا إلَى الْعَمْدِيَّةِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ

الْعِنَايَةِ ، فَيُفِيدُ مَجْمُوعُ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْقَوَدَ الَّذِي هُوَ عُقُوبَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مَسْكَةٍ ثُمَّ أَقُولُ : بَقِيَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا شَيْءٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَرْجِعَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ بِأَسْرِهَا إلَى الْقِيَاسِ ، وَبِهَذَا صَحَّحُوا انْحِصَارَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي أَرْبَعَةٍ ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالْقِيَاسُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ ، وَتَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ نَسْخٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ ) يَعْنِي لَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ قَصْدِ الْوَلِيِّ لِقَتْلِ الْقَاتِلِ بَعْدَ مَا أَخَذَ الدِّيَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْخُذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهَا ثُمَّ يَقْتُلَهُ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ : لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ : لَا شَكَّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ شَرْعًا ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَصِيرُ مَحْقُونَ الدَّمِ بَعْدَهُ ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْوَلِيُّ بَعْدَهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ ، وَكَوْنُهُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ شَرْعًا يَكْفِي لِأَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ الْقَاتِلِ بِدُونِ رِضَاهُ ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَخْتَارُ الْهَلَاكَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْخَلَاصِ عَنْهُ شَرْعًا بِأَدَاءِ الْمَالِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْهَلَاكِ عَقْلًا بَعْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ أَيْضًا ، فَلَوْ اخْتَارَهُ الْقَاتِلُ وَامْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ يُعَدُّ ذَلِكَ سَفَهًا وَإِلْقَاءً لِنَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقُولُ : لَعَلَّ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : لِأَنَّهُ

تَعَيَّنَ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ أَنْ يُقَالَ : هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ : قِيلَ هَذَا الْوَهْمُ مَوْجُودٌ فِيمَا أَخَذَ الْمَالَ صُلْحًا وَقَدْ جَازَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي الصُّلْحِ الْمُرَاضَاةَ ، وَالْقَتْلُ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْعَدَمِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ رِضَا الْقَاتِلِ لَا يُفِيدُ وَرِضَا الْوَلِيِّ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ : إنَّ فِي الصُّلْحِ الْمُرَاضَاةَ ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْأَخْذِ فِيهِ بَعْدَ مَا وُجِدَ رِضَا الْقَاتِلِ ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ انْتَهَى أَقُولُ : بَحْثُهُ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : لِأَنَّ رِضَا الْقَاتِلِ لَا يُفِيدُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، فَإِنَّ رِضَاهُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ رِضَا الْوَلِيِّ يُفِيدُ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى رِضَا الْوَلِيِّ وَحْدَهُ ، فَإِنَّ التَّصَالُحَ وَالتَّوَافُقَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقْطَعُ مَادَّةَ الْعَدَاوَةِ وَالْبُغْضِ عَادَةً ، وَعَنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } بِخِلَافِ رِضَا الْوَلِيِّ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مَا يَنْدَمُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَحْدَهُ فَيَرْجِعُ عَنْهُ فَتَمَّ قَوْلُ الْمُجِيبِ وَالْقَتْلُ بَعْدَهُ ظَاهِرُ الْعَدَمِ ، وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَشَارَ إلَى مَا قُلْنَا حَيْثُ قَالَ فِي بَسْطِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ : قُلْتُ لَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَصَالَحَا بِرِضَاهُمَا عَلَى الْمَالِ كَانَ وَهُوَ قَصْدُ الْقَتْلِ مُنْدَفِعًا ؛ لِأَنَّ لِلتَّرَاضِي وَالتَّصَالُحِ تَأْثِيرًا فِي دَفْعِ الشَّرِّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } وَلَمَّا وَرَدَ الْخَيْرُ انْتَفَى الشَّرُّ لَا مَحَالَةَ لِلتَّضَادِّ بَيْنَهُمَا انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ : وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ : إنْ أَحَبُّو قَتَلُوا ، وَإِنْ أَحَبُّو أَخَذُوا الدِّيَةَ } وَبِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ

الْقِصَاصَ لِمَعْنَى الِانْتِقَامِ وَتَشَفِّي صُدُورِ الْأَوْلِيَاءِ ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُقْتَلُ بِوَاحِدٍ ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ ، فَكَانَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ وَذَلِكَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يُعَارِضُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ وَهُوَ الِانْتِقَامُ وَتَشَفِّي الصُّدُورِ ، فَإِنَّهُ شُرِعَ زَجْرًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إفْنَاءِ قَبِيلَةٍ بِوَاحِدٍ ، لَا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً عِنْدَ قَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، بَلْ الْقَاتِلُ وَأَهْلُهُ لَوْ بَذَلُوا مَا مَلَكُوهُ وَأَمْثَالَهُ مَا رَضِيَ بِهِ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ، فَكَانَ إيجَابُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ تَضْيِيعَ حِكْمَةِ الْقِصَاصِ انْتَهَى أَقُولُ : فِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ : إنَّمَا يَكُونُ إيجَابُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ تَضْيِيعًا لِحِكْمَةِ الْقِصَاصِ أَنْ لَوْ كَانَ إيجَابُهُ فِي مُقَابَلَتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ بَلْ عَلَى وَجْهِ تَخْيِيرِ الْوَلِيِّ بَيْنَ أَخْذِ الْمَالِ وَبَيْنَ الْقِصَاصِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْخَصْمِ فَلَا تَضْيِيعَ لِحِكْمَةِ الْقِصَاصِ ؛ إذْ لِلْوَلِيِّ حِينَئِذٍ الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْتِقَامِ وَتَشَفِّي الصُّدُورِ بِاخْتِيَارِ الْقِصَاصِ ، فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْهُ بَلْ اخْتَارَ الْمَالَ كَانَ تَارِكًا لِلِانْتِقَامِ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ كَمَا إذَا عَفَا أَوْ صَالَحَ فِي إسْقَاطِ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَلَا تُنَاطُ بِمِثْلِهَا ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ : فَإِنْ قُلْتَ : يُشْكِلُ بِكَفَّارَةِ قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ وَمَعَ هَذَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ قُلْتُ : هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَكَ حَلَالَانِ

فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ يَلْزَمُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ كَانَ جِنَايَةَ الْفِعْلِ لَوَجَبَ جَزَاءَانِ ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ انْتَهَى أَقُولُ : فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ مَضْمُونُ الدَّلِيلِ الْمَزْبُورِ ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُنَاطُ بِمَا هُوَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا أَصْلُ الْمُدَّعِي ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ ، فَإِذَا سُلِّمَ كَوْنُ قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ كَبِيرَةً مَحْضَةً يَلْزَمُ أَنْ يُشْكِلَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ جِنَايَةَ الْفِعْلِ أَوْ جِنَايَةَ الْمَحَلِّ ، وَكَوْنُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ إنَّمَا يُفِيدُ لَوْ أَوْرَدَ السُّؤَالَ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعِي ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ فِي جِنَايَةِ الْفِعْلِ دُونَ جِنَايَةِ الْمَحَلِّ ، وَقَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ جَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَا جَزَاءُ الْمَحَلِّ أَصْلًا ، فَلَوْ كَانَ قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ جِنَايَةً عَلَى الْمَحَلِّ لَا جِنَايَةَ الْفِعْلِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصْلُحَ الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ الْكَفَّارَةِ جَزَاءَ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لَا جَزَاءَ الْمَحَلِّ أَصْلًا ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ الْمَقَادِيرِ وَتَعَيُّنَهَا فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الْأَدْنَى لَا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِهَا لِدَفْعِ الْأَعْلَى ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ يَعْنِي أَنَّ تَعَيُّنَ الْكَفَّارَةِ فِي الشَّرْعِ لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى ، وَهُوَ الْخَطَأُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَمْدُ ، فَإِنَّ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَتَحَمَّلُ الْأَدْنَى لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِلْعَجْزِ عَنْهُ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ { وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ ، فَقَالَ : أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يَعْتِقْ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَإِيجَابُ النَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْجَبَهَا بِشِبْهِ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالْحَجَرِ أَوْ الْعَصَا الْكَبِيرَيْنِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ إشَارَةَ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } فَإِنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ كُلَّ الْجَزَاءِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَهُ وَهُوَ خَلَفٌ انْتَهَى أَقُولُ : لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ : هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ؛ إذْ الْقِصَاصُ وَاجِبٌ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَلَوْ اقْتَضَتْ الْفَاءُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا كُلَّ الْجَزَاءِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ أَيْضًا مَذْكُورًا فِي الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَإِنْ حُمِلَ الْجَزَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجَزَاءِ الْأُخْرَوِيِّ فَقَطْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ النَّظْمِ الشَّرِيفِ وَقِيلَ الْقِصَاصُ جَزَاءٌ دُنْيَوِيٌّ فَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ الْفَاءِ فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي شَأْنِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَقُولُ : يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عُرِفَ بِآيَةٍ أُخْرَى ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } فَإِنْ دَلَّتْ إشَارَةُ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ مِنْ جَزَاءِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ كَالْكَفَّارَةِ بِمُقْتَضَى كَوْنِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ الْفَاءِ كُلَّ الْجَزَاءِ فَقَدْ دَلَّتْ عِبَارَةُ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ

الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ تُرَجَّحُ عَلَى إشَارَةِ النَّصِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَعَمِلْنَا بِعِبَارَةِ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ مِنْ وَجْهٍ وَجَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا بَيَّنَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَجَزَاءُ الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ مِنْ الْجَزَاءِ الْمُضَافِ إلَى الْفَاعِلِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } هُوَ جَزَاءُ فِعْلِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ مَذْكُورًا فِيهِ ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَوْجَبْنَاهَا وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هَا هُنَا نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ : وَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ جَزَاءُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ كَانَ الْمَذْكُورُ جَزَاءَ الرِّدَّةِ ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الِاسْتِحْلَالِ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْخُلُودِ فَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ عَامَلَهُ بِعَدْلِهِ أَوْ عَلَى مَعْنَى تَطْوِيلِ الْمُدَّةِ مَجَازًا يُقَالُ خَلَدَ فُلَانٌ فِي السِّجْنِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ انْتَهَى أَقُولُ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَيْنِك الدَّلِيلَيْنِ الْمَسُوقَيْنِ لِعَدَمِ وَجْهِ حَمْلِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِمُسْتَقِيمٍ أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِي هَاتِيك الْآيَةِ جَزَاءَ قَتْلِ الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ جَزَاءَ الرِّدَّةِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهَا عَلَى الْمُسْتَحِلِّ ، إذْ يَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ جَزَاءَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الْقَتْلُ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ، وَلَا

شَكَّ أَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مُسْتَلْزِمٌ لِلرِّدَّةِ ، فَفِي الْآيَةِ ؛ إذْ ذَاكَ بَيَانُ جَزَاءِ الرِّدَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْقَتْلُ الْمَخْصُوصُ ، وَفِي التَّعْبِيرِ فِي الشَّرْطِ بِمَنْ { مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } دُونَ مَنْ يَرْتَدُّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَائِدَةُ التَّنْبِيهِ عَلَى سَبَبِيَّةِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْلَالِ لِلِارْتِدَادِ الَّذِي جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ عَلَى الْخُلُودِ ، وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ لَا يَخْفَى وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ زِيَادَةُ الِاسْتِحْلَالِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ ، بَلْ يَكُونُ الِاسْتِحْلَالُ حِينَئِذٍ مَدْلُولَ نَفْسِ الشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ { مُتَعَمِّدًا } مَعْنَى مُسْتَحِلًّا مَجَازًا بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْخُلُودِ ، فِي الْجَزَاءِ ، كَمَا أَنَّ أَئِمَّتَنَا حَمَلُوا مُتَعَمِّدًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ } وَبِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مَنْ يَقْتُلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْعَقَائِدِ ، فَيَكُونُ مَدَارُهُ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ يَقْتَضِي عَلَيْهِ الْمَأْخَذَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ لِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا يَقْتَضِي اسْتِحْلَالَ قَتْلِهِ فَيَحْصُلُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ مِنْ نَظْمِ النَّصِّ الْمَزْبُورِ فَلَا يَلْزَمُ النَّسْخُ أَصْلًا ، وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَجِلَّاءِ وَهُوَ أَصْحَابُ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَالنِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرْنَا قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ : وَهُوَ عِنْدَنَا إمَّا مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ ، وَيُؤَيِّدُهُ { أَنَّهُ نَزَلَ فِي مِقْيَسِ بْنِ حُبَابَةَ وَجَدَ أَخَاهُ هِشَامًا قَتِيلًا فِي بَنِي النَّجَّارِ وَلَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ ،

فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ دِيَتَهُ فَدَفَعُوا ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا } أَوْ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ ، فَإِنَّ الدَّلَائِلَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ عُصَاة الْمُؤْمِنِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْقَاضِي

قَالَ ( وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : إذَا ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ بِخَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَاصَرُ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا لِمَا أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهَا غَيْرَهُ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ شِبْهَ الْعَمْدِ ، وَلَا يَتَقَاصَرُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةٍ لَا تَلْبَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ إلَّا الْقَتْلَ كَالسَّيْفِ فَكَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا ، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَلِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى غِرَّةٍ مِنْ الْمَقْصُودِ قَتْلُهُ ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْقَتْلُ غَالِبًا فَقُصِرَتْ الْعَمْدِيَّةُ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ ، فَكَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ

قَالَ ( وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ ( وَالْكَفَّارَةُ ) لِشَبَهِهِ بِالْخَطَأِ ( وَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بُعْدٍ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ ، وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَتَجِبُ مُغَلَّظَةً ، وَسَنُبَيِّنُ صِفَةَ التَّغْلِيظِ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْقَتْلِ ، وَالشُّبْهَةُ تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ دُونَ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَمَالِكٌ وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ

( قَوْلُهُ وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِثْمُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ وَهُوَ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ ، وَالْكَفَّارَةُ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَإِ ) أَقُولُ : الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِشَبَهِهِ بِالْخَطَإِ قِيَاسُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ أَوْ إلْحَاقُ وُجُوبِهَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دَلَالَةً بِوُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ ، وَأَيًّا مَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَعَيُّنَهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَدْنَى فِي الشَّرْعِ لَا يُعَيِّنُهَا لِدَفْعِ الذَّنْبِ الْأَعْلَى كَمَا سَبَقَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْخَطَإِ ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَيْضًا أَعْلَى ذَنْبًا مِنْ الْخَطَإِ الْمَحْضِ ، فَإِنَّ الْجَانِيَ فِي الْأَوَّلِ قَاصِدٌ فِي الضَّرْبِ بِخِلَافِ الثَّانِي ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِي الْأَوَّلِ : وَمُوجِبُهُ الْمَأْثَمُ وَفِي الثَّانِي وَلَا إثْمَ فِيهِ فَالْأَوْلَى فِي بَيَانِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ : وَالْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } الْآيَةَ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً لَا بِمَعْنًى يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ ) أَقُولُ : مَدْلُولُ قَوْلِهِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَإِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ هُوَ الْخَطَأُ ، وَأَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَطَإِ ، وَلَيْسَ ذَاكَ بِوَاضِحٍ ؛ إذْ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَعَاقِلِ : وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ { حَمَلِ بْنِ مَالِكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْأَوْلِيَاءِ قُومُوا فَدُوهُ } انْتَهَى وَقَدْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ شِبْهَ عَمْدٍ لَا خَطَأً فَإِنَّ تَفْصِيلَهُ

عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً فِي فَصْلِ الْجَنِينِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ { حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ أَوْ بِمُسَطَّحِ خَيْمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، فَاخْتَصَمَ أَوْلِيَاؤُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ : دُوهُ ، فَقَالَ أَخُوهَا : أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ ، وَلَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ ، وَدَمُ مِثْلِهِ يُطَلَّ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ } وَفِي رِوَايَةٍ { دَعْنِي وَأَرَاجِيزَ الْعَرَبِ قُومُوا فَدُوهُ } وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا كَانَ بِجِنَايَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَإِ ، فَكَانَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ دُونَ الْقِيَاسِ ، وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ شِبْهَ الْعَمْدِ لَا الْخَطَأَ فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ : أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا } وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ : وَلَكِنْ الْمَعْهُودُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَيْنَاهُ ، وَقَالَ : وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّمَا قَالَ أَسْلَفْنَاهُ نَظَرًا إلَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ انْتَهَى أَقُولُ : فِيهِ كَلَامٌ ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا قَبْلُ قِيَاسُ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ عَلَى الْعَصَا الصَّغِيرَةِ فِي كَوْنِهِمَا غَيْرَ مَوْضُوعَتَيْنِ لِلْقَتْلِ وَلَا مُسْتَعْمَلَتَيْنِ لَهُ ، وَمَالِكٌ مُنْكِرٌ كَوْنَ الْقَتْلِ

بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ أَيْضًا شِبْهَ عَمْدٍ ، فَإِنَّهُ قَالَ : لَا أَدْرِي مَا شِبْهُ الْعَمْدِ ، وَإِنَّمَا الْقَتْلُ نَوْعَانِ : عَمْدٌ ، وَخَطَأٌ ؛ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ فَكَذَا فِي هَذَا الْفِعْلِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ الْمَذْكُورُ حُجَّةً عَلَيْهِ

قَالَ ( وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ : خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا ، فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ ، أَوْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا ، وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } الْآيَةَ ، وَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، لِمَا بَيَّنَّاهُ ( وَلَا إثْمَ فِيهِ ) يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ قَالُوا : الْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ ، فَأَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِثْمِ مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّثَبُّتِ فِي حَالِ الرَّمْيِ ، إذْ شَرْعُ الْكَفَّارَةِ يُؤْذِنُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى ( وَيُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْمًا فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْحِرْمَانِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ وُجِدَ بِالْقَصْدِ إلَى بَعْضِ بَدَنِهِ ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ

( قَوْلُهُ : وَالْخَطَأُ عَلَى نَوْعَيْنِ : خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ ، أَوْ يَظُنَّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا ) أَقُولُ : فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَا هُنَا تَسَامُحٌ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْقَصْدِ : وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا إلَخْ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ : وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ آدَمِيًّا وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ نَوْعَيْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ بِمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ ، بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْهُ جِدًّا فَلَمْ يَصْلُحْ لَأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لَهُ ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ نَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ هُوَ كَأَنْ يَرْمِيَ إشَارَةً إلَى الْعُمُومِ ، كَمَا تَدَارَكَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ : وَفِي الْخَطَإِ قَصْدًا كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا وَفِعْلًا كَرَمْيِهِ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا انْتَهَى ثُمَّ إنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ : الْخَطَأُ ضَرْبَانِ : خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ ، وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ فَالْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَصَدَرَ مِنْهُ فِعْلٌ آخَرُ ، كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ غَيْرَهُ وَالْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي قَصْدِهِ ، فَإِنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا الْفِعْلِ حَرْبِيًّا لَكِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الْقَصْدِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَا قَصَدَهُ انْتَهَى وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ : مَنْ قَالَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ فِعْلٌ آخَرُ فَكَأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ بَلْ يَصْدُرُ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ

إذَا رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ تَجَاوَزَ عَنْهُ إلَى مَا وَرَاءَهُ فَأَصَابَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ ، وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مَفْقُودٌ فِي الصُّورَتَيْنِ ، ثُمَّ إنَّهُ أَخْطَأَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْقَصْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ ، فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ انْتَهَى أَقُولُ : كُلٌّ مِنْ وَجْهَيْ رَدِّهِ سَاقِطٌ جِدًّا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ ، بَلْ قَالَ : فَالْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلًا فَصَدَرَ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ كَمَا صَدَرَ عَنْهُ فِعْلٌ آخَرُ ، وَمِنْ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ الْفِعْلُ الَّذِي قَصَدَهُ مِثَالُ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الرَّادُّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ ، وَمِثَالُ الثَّانِي : وَهُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَمَا إذَا رَمَى الْغَرَضَ فَأَخْطَأَ عَامًّا كَصُورَتَيْ صُدُورِ مَا قَصَدَهُ أَيْضًا وَعَدَمِ صُدُورِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فَطَانَةٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ تَحَقُّقَ الْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ فِي صُورَةِ إنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا مَمْنُوعٌ ، بَلْ الْمُتَحَقَّقُ هُنَاكَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ لَا نَفْسُ الْخَطَأِ ؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صُدُورِ فِعْلٍ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَفِي صُورَةِ إنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَقَتَلَ رَجُلًا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ فِعْلٌ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ وَقَعَ السُّقُوطُ بِفِعْلِهِ لَا بِاخْتِيَارٍ فَصَارَ لَا مَحَالَةَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي نَفْسِ الْخَطَإِ لَا فِيمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ فَإِنَّهُ قِسْمٌ آخَرُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ لِلْجِنَايَةِ سَيَأْتِي

ذِكْرُهُ مُسْتَقِلًّا فِيمَا بَعْدُ ( قَوْلُهُ وَلَا إثْمَ فِيهِ : يَعْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَقُولُ : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ : يَعْنِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ ؛ إذْ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ إصْلَاحُ إفْرَادِ الضَّمِيرِ أَيْضًا

قَالَ ( وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ ، وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، وَمُوجِبُهُ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَأُنْزِلَ مَوْقِعًا دَافِعًا فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ( وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُلْحَقُ بِالْخَطَإِ فِي أَحْكَامِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَنْزَلَهُ قَاتِلًا وَلَنَا أَنَّ الْقَتْلَ مَعْدُومٌ مِنْهُ حَقِيقَةً فَأُلْحِقَ بِهِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ إنْ كَانَ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا قَالُوا ، وَهَذِهِ كَفَّارَةُ ذَنْبِ الْقَتْلِ وَكَذَا الْحِرْمَانُ بِسَبَبِهِ ( وَمَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ ، وَمَا دُونَهَا لَا يَخْتَصُّ إتْلَافُهُ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ

بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ قَالَ ( الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ إذَا قَتَلَ عَمْدًا ) أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ ، وَأَمَّا حَقْنُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ قَالَ ( وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ ) لِلْعُمُومَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِهِ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى نُقْصَانٍ وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ وَبِالدَّارِ وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِمَا ، وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ ، وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ قَالَ ( وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَنَا مَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ } وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ وَالدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ ، وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى الْحَرْبِيَّ لِسِيَاقِهِ { وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ قَالَ ( وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَكَذَلِكَ كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ ؛

لِأَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ

بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ الْقَتْلِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ ) مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } وَمِنْ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : وَمِنْ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } عَلَى مَا مَرَّ فِي وَجْهِ كَوْنِ مُوجِبِ الْقَتْلِ الْقَوَدَ عَيْنًا ا هـ أَقُولُ : فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا كَوْنُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ خَاصَّةً فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَحْدَهَا لِإِطْلَاقِهَا ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } وَالدَّلِيلُ الْمَعْقُولُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ : وَالْقَوَدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } وَقَالَ : إلَّا أَنَّهُ تَقَيُّدٌ بِوَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } أَيْ مُوجِبُهُ ، وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِهَا تَتَكَامَلُ إلَخْ ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْدَرِجَ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ } إلَخْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَا هُنَا أَمَّا الْعَمْدِيَّةُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ ، وَمِنْ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } تَبَصَّرْ ( قَوْلُهُ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ : فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : جَازَ أَنْ تَكُونَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ مَانِعَةً ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ تَمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَيْنَ

الْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فَكَذَا أَثَرُهُ أَجَابَ بِقَوْلِهِ : وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ وَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ مَانِعًا ؛ إذْ لَوْ صَحَّ لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ أَقُولُ : هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ مَنْعُ مَانِعِيَّةِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ عَنْ الْقِصَاصِ وَحَاصِلُ الْمَشْرُوحِ مَنْعُ ثُبُوتِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي الْعَبْدِ ، وَمِنْ النَّصِّ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فَالصَّوَابُ فِي الشَّرْحِ أَنْ يُقَالَ : وَمَعْنَاهُ أَنَّ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الْعَبْدِ وَإِلَّا لَمَا جَرَى بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ ( قَوْلُهُ : وَالنَّصُّ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْحُرِّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِالْعَبْدِ فِي الْآيَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ بِالذِّكْرِ ، وَهُوَ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي أَنْ يُقْتَلَ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَلَا الْعَكْسُ بِالْإِجْمَاعِ وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ الْعَرَبِ اقْتَتَلَتَا وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا تَدَّعِي الْفَضْلَ عَلَى الْأُخْرَى فَقَالَتْ : لَا نَرْضَى إلَّا بِقَتْلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ بِالْأُنْثَى مِنَّا وَالْحُرِّ مِنْهُمْ بِالْعَبْدِ مِنَّا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّخْصِيصَ بِالذَّكَرِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ إلَّا أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ الْقَصْرَ نَحْوَ : الْكَرَمُ التَّقْوَى : أَيْ لَا غَيْرُهَا ، وَالْأَمِيرُ الشُّجَاعُ ؟ أَيْ لَا الْجَبَانُ ، وَنَحْوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَ { الْإِمَامُ

مِنْ قُرَيْشٍ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا لَا وَاحِدٌ مِنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَمْدُ قَوَدٌ } وَقَالُوا : وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ الْعَمْدُ لِلْجِنْسِ فَتُفِيدُ الْقَصْرَ عَلَى الْقَوَدِ فَلْيَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ إنَّمَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْجِنْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَعِلْمِ الْأُصُولِ أَيْضًا ، وَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَحَقُّقُ الْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَتُحْمَلُ اللَّامُ عَلَيْهِ دُونَ الْجِنْسِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فَائِدَةِ الْمُقَابَلَةِ بِبَيَانِ سَبَبِ النُّزُولِ فَكَانَ اللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ : إنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } أَيْ فِتْنَةُ الْكُفْرِ فَيُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ ا هـ أَقُولُ : قَدْ حَمَلَ الشُّبْهَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ هُنَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُسَاوَاةِ وَهُوَ خَبْطٌ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ صَرَّحَ قُبَيْلَ هَذَا بِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ حَيْثُ قَالَ : لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يَتِمُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ : كَوْنُ الْكُفْرِ مُبِيحًا يُورِثُ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَيَجْعَلُهَا اسْتِدْلَالًا آخَرَ فَهَلَّا يَكُونُ هَذَا مُنَافِيًا لِمَا سَبَقَ أَوْ مُسْتَدْرِكًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ سَيَقُولُ فِي الْجَوَابِ مِنْ قَبْلِنَا عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ : وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسْلِمِ ،

وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ ، وَذَلِكَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ ، عَلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا شُبْهَةَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ ؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِهِ لَا يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ ، وَإِنَّمَا يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ فِي دَمِ الذِّمِّيِّ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّبْهَةِ هُوَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَفْرِيعِ قَوْلِهِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ السِّبَاقُ وَاللِّحَاقُ بِلَا غُبَارٍ كَمَا لَا يَخْفَى ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا التَّعْلِيلِ : وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ : يَعْنِي عِنْدَهُ ، أَوْ الدَّارِ : يَعْنِي عِنْدَنَا ا هـ أَقُولُ : وَزَّعَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ إلَى الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا تَرَى ، فَحَمَلَ قَوْلَهُ إلَى التَّكْلِيفِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَوْلَهُ أَوْ الدَّارِ عَلَى مَذْهَبِنَا ، لَكِنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَالَ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَلَنَا أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ بِالدِّينِ أَوْ بِالدَّارِ قَالَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا هُنَاكَ ، وَهِيَ أَيْ الْعِصْمَةُ بِالدِّينِ : يَعْنِي عِنْدَهُ ، أَوْ بِالدَّارِ : يَعْنِي عِنْدَنَا ، فَقَدْ حَمَلُوا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِالدِّينِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الدِّينُ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ هُنَا بِثُبُوتِهَا عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ بِدُونِ تَحَقُّقِ دِينِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَقْتَضِيهِ شَرْحُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فِي

هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ أَقُولُ : لَعَلَّ كَلِمَةَ أَوْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ ، أَوْ الدَّارِ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : سِيَّانِ كَسْرُ رَغِيفِهِ أَوْ كَسْرُ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ عَلَى مَذْهَبِنَا ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ كَلِمَةِ الْوَاوِ بَدَلَ كَلِمَةِ أَوْ ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ نَظَرًا إلَى الدَّارِ وَإِلَى التَّكْلِيفِ ا هـ فَإِنْ قُلْتَ : لِمَ لَمْ تَحْمِلْ الْمَجْمُوعَ عَلَى مَذْهَبِنَا مَعَ إبْقَاءِ كَلِمَةِ أَوْ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا ؟ قُلْتُ : لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَحْدَهُ لَا يَقْتَضِي الْعِصْمَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْقِصَاصِ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا قُتِلَ مُكَلَّفٌ وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى الْحَرْبِيُّ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَافِرِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } هُوَ الْحَرْبِيُّ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ { وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى : مُؤْمِنٌ ، فَالْمَعْنَى : وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ بِكَافِرٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ وَهُوَ الذِّمِّيُّ إنَّمَا لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ دُونَ الذِّمِّيِّ ، فَإِنَّ جَرَيَانَ الْقِصَاصِ بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذِي الْعَهْدِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْمُسْلِمَ دُونَ الذِّمِّيِّ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ ، فَلَا جَرَمَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذِي الْعَهْدِ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ غَيْرَ الْمُسْلِمِ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَإِنْ قِيلَ : وَلَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ

يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا ذُو عَهْدِ فِي عَهْدِهِ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ : أَوْ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدِ فِي مُدَّةِ عَهْدِهِ قُلْنَا : لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً خُصُوصًا فِيمَا لَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ نَفْيُ الْقَتْلِ قِصَاصًا لَا نَفْيُ مُطْلَقِ الْقَتْلِ ، فَكَذَا فِي الثَّانِي تَحْقِيقًا لِمُقْتَضَى الْعَطْفِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ ، هَذَا جُمْلَةُ مَا فِي الْكَافِي وَأَكْثَرِ الشُّرُوحِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَخْذًا مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ : قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ : إنَّ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ مُفْرَدًا ، وَلَوْ كَانَ مُفْرَدًا لَاحْتَمَلَ مَا قَالُوا وَلَكِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ { وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَيَكُونُ كَلَامًا تَامًّا فِي نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَدَائِهِ إلَّا أَنْ لَا يُقْتَلَ ذُو عَهْدٍ مُدَّةَ عَهْدِهِ وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُقَدَّرُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ } ثُمَّ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو عَهْدٍ هُوَ الْحَرْبِيُّ بِالْإِجْمَاعِ فَيُقَدَّرُ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ ، وَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَرْبِيٍّ يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ أَعَمَّ ، وَالْأَعَمُّ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْأَخَصِّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ، فَمَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لَا يَكُونُ دَلِيلًا هَذَا خُلْفٌ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ أَقُولُ : فِيهِ خَلَلٌ مِنْ الْوُجُوهِ : الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَعَمَّ إنَّمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ

بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِيَّةُ الْأَخَصِّ : أَيْ لَا يَدُلُّ الْأَعَمُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الْأَخَصَّ وَحْدَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ : لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِإِحْدَى الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ انْدِرَاجُ الْأَخَصِّ تَحْتَ ذَلِكَ الْأَعَمِّ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَطْعًا بِوَاسِطَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِذَلِكَ الْأَخَصِّ وَلِغَيْرِهِ أَيْضًا ؛ أَلَا يَرَى أَنَّا إذَا قُلْنَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُتَحَرِّكٍ بِالْإِرَادَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِنْسَانِ مُتَحَرِّكًا بِالْإِرَادَةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِانْدِرَاجِهِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ ، وَكَذَا حَالُ سَائِرِ الْكُلِّيَّاتِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَحْتَهَا مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا سُتْرَةَ بِهِ ، فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ حَرْبِيٌّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَكَانَ كَافِرٌ أَعَمَّ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ لَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكَافِرِ وَحَصَلَ مَطْلُوبُ الشَّافِعِيِّ ، وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ عَلَى مُدَّعَاهُ كَمَا زَعَمَهُ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ وَالثَّانِي أَنَّ عَدَمَ كَوْنِ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيرَ شَيْءٍ فِي الْحَدِيثِ ؛ إذْ لَا يَتْبَعُ تَعَيُّنُ مَعْنَى الْحَدِيثِ جَعْلَ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى مُدَّعَاهُ ، بَلْ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ تَعَيُّنِ مَعْنَاهُ ، فَمَا مَعْنَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ عُمُومِ الْكَافِرِ فِي الْحَدِيثِ بِلُزُومِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ عُمُومِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَقْرِيرِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا عَدَّهُ مَحْذُورًا ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ لَازِمٌ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقَدَّرَ حَرْبِيٌّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ

بِمُقْتَضَى رَأْيِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ مُبَايِنٌ لِلذِّمِّيِّ لَا مَحَالَةَ ، وَعَدَمُ دَلَالَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَظْهَرُ مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ ، فَإِنْ لَزِمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرٌ فِي الْحَدِيثِ أَعَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ فَلَأَنْ لَزِمَ مِنْ أَنْ يُقَيَّدَ كَافِرٌ فِي الْحَدِيثِ بِحَرْبِيٍّ أَنْ لَا يَكُونَ مَا فَرَضْنَاهُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ دَلِيلًا لَهُ أَوْلَى ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ تَقْدِيرُ حَرْبِيٍّ عَلَى رَأْيِهِ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ خَرَجَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي تَوْجِيهِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ بِالْكُلِّيَّةِ فَضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ : وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ حَيْثُ قَالَ : وَلَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : نَعَمْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْطِفْ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " وَلَا ذُو عَهْدٍ " عَلَى كَافِرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَفَ عَلَيْهِ لَقِيلَ بِالْجَرِّ بَلْ هُوَ عَطْفٌ عَلَى مُؤْمِنٍ ، وَلَكِنْ نَقُولُ : إنَّ الذِّمِّيَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِالِاتِّفَاقِ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكَافِرِ الْحَرْبِيُّ ا هـ أَقُولُ : نَظَرُهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ لَيْسَ لِبَيَانِ مُغَايَرَةِ : ذُو عَهْدٍ فِي الْحَدِيثِ لِكَافِرٍ حَتَّى يَتَّجِهَ مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " وَلَا ذُو عَهْدٍ " لَمْ يُعْطَفْ عَلَى كَافِرٍ بَلْ لِبَيَانِ مُغَايَرَتِهِ لِمُؤْمِنٍ دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذُو عَهْدٍ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْمُؤْمِنُ أَيْضًا ؛ إذْ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِكَافِرٍ هُوَ الْحَرْبِيَّ ؛ إذْ الْمُؤْمِنُ لَا يُقْتَلُ بِذِمِّيٍّ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَسْلَمُ التَّقْيِيدُ بِحَرْبِيٍّ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذُو عَهْدٍ مُغَايِرًا لِمُؤْمِنٍ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الذِّمِّيَّ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ

بِكَافِرٍ هُوَ الْحَرْبِيَّ ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الذِّمِّيُّ أَيْضًا مَعَ أَنَّ خِلَافَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ كَوْنَ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ : وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ وُضُوحِهِ فِي نَفْسِهِ يُرْشِدُ إلَيْهِ جِدًّا تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَكَيْفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّارِحُ

( وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ ) لِمَا بَيَّنَّا

( قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ : وَهُوَ قَوْلُهُ : وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَلَمْ يَقْبَلْ رَأْيَ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالَ : وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَقِيلَ : هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْهُ فِي مِثْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّا قَدَّرْنَا ذَلِكَ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ ، إلَّا إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُحَارَبًا وَهُوَ الْحَقُّ ، وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ : لِمَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ فَلَمْ يَقُلْ لِمَا رَوَيْنَا ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ : فِي قَوْلِهِ وَيُغْنِينَا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ وَالْجَوَابِ عَنْهُ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ هُنَاكَ بِالْحَرْبِيِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُحَارِبِ يَرِدُ السُّؤَالُ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْمُحَارِبِ ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُحَارِبِ وَاجِبٌ فَمَا مَعْنَى نَفْيِهِ فِي الْحَدِيثِ ، فَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مِنْ قَبْلُ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْغِنَى عَنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ هُنَاكَ هُوَ الْمُسْتَأْمَنَ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْأَحْسَنُ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ : وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ مِنْ الْكَافِرِ الْمُسْتَأْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } عَطَفَ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، فَكَانَ مَعْنَاهُ : لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ

بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِهِ ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ ا هـ

( وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ ) قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ ، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ

( وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَبِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ ) لِلْعُمُومَاتِ ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفَاوُتِ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ امْتِنَاعَ الْقِصَاصِ وَظُهُورَ التَّقَاتُلِ وَالتَّفَانِي

قَالَ ( وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ } وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ ، وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ ، وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا ، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ

( قَوْلُهُ : وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ } ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ : قُلْت : خَصَّ بِهِ عُمُومَ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ الْخُصُوصُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يُقْتَصُّ بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَصَلُحَ مُخَصِّصًا أَوْ نَاسِخًا حُكْمَ الْكِتَابِ ا هـ أَقُولُ : الْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ لَا مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَا قَالَهُ أَنَّ الْكِتَابَ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ صَارَ مِمَّا خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِعَدَمِ اقْتِصَاصِ الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ فَصَارَ ظَنِّيًّا فَجَازَ تَخْصِيصُ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ مِنْ عُمُومِ الْكِتَابِ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلَى بِالسُّنَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ ؛ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ إنَّمَا يَصِيرُ ظَنِّيًّا إذَا كَانَ تَخْصِيصُهُ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَعْضُ مِنْ الْعَامِّ مُخْرَجًا بِدَلِيلٍ مَفْصُولٍ عَنْهُ فَيَكُونُ عُمُومُهُ مَنْسُوخًا لَا مَخْصُوصًا وَيَصِيرُ قَطْعِيًّا فِي الْبَاقِي وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يُخْرِجُ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ وَلَدِهِ عَنْ آيَةِ الْقِصَاصِ لَيْسَ كَلَامًا مَوْصُولًا بِهَا فَلَا يُنَافِي قَطْعِيَّتَهَا ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ قَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ عَنْهَا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ ، بَلْ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ حَدِيثًا مَشْهُورًا كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ هُنَا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ ( قَوْلُهُ : وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ ) قَالَ الشُّرَّاحُ : هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَارِثُ يَسْتَحِقُّ إفْنَاءَهُ لَا الْوَلَدُ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ : وَلَوْ قَالَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ

يَتَسَبَّبَ لِفِنَائِهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ ا هـ أَقُولُ : فِيهِ بَحْثٌ ؛ إذْ لَا يَرَى جِهَةَ سَبَبِيَّةِ الْمَقْتُولِ لِفَنَاءِ الْقَاتِلِ سِوَى اسْتِحْقَاقِهِ الْقِصَاصَ ، فَلَوْ قَالَ : فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَسَبَّبَ لِفِنَائِهِ ، فَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِتَسَبُّبِهِ لِفَنَائِهِ اسْتِحْقَاقَهُ الْقِصَاصَ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ السُّؤَالُ الْمَزْبُورُ وَيُحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِهَا شَيْئًا سِوَى اسْتِحْقَاقِهِ الْقِصَاصَ ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَيْفَ يَتِمُّ بِنَاءُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ ( قَوْلُهُ ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ عَلَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ، وَكَذَا الْوَالِدَةُ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ لِمَا بَيَّنَّا ) أَقُولُ : مِنْ الْعَجَائِبِ هُنَا أَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ : قُلْتُ : ذَكَرَ الْجَدَّةَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَلَمْ يُطْلِقْهَا ، وَذَكَرَ فِيهَا الْأَجْدَادَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَالْأُمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَصْلًا فَوَقَعَتْ لِي شُبْهَةٌ فِي الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَقَدْ زَالَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ذَكَرَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ قَالَ : وَلَا يُقْتَلُ أُصُولُ الْمَقْتُولِ بِهِ وَإِنْ عَلَوْا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيمَا إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا ا هـ وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَذْكُورَةٌ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا صَرَاحَةً فَكَيْفَ خَفِيَتْ عَلَيْهِ حَتَّى وَقَعَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فِي أَمْرِهَا

قَالَ ( وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرِهِ وَلَا مُكَاتَبِهِ وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْقِصَاصَ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ

قَالَ ( وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ

قَالَ ( وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزَّ رَقَبَتُهُ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ ، وَلِأَنَّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ فَيُحَزُّ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَمَا فِي كَسْرِ الْعَظْمِ

( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ : وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } وَهُوَ نَصٌّ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ سِلَاحًا أَقُولُ : فِيهِ خَلَلٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَصًّا عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ فَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً مَا كَانَ سِلَاحًا مِنْ غَيْرِ السَّيْفِ ، وَهُوَ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَدُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَإِثْبَاتِهِ مَعًا وَالْحَقُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ فِي الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ وَالسِّلَاحِ مُطْلَقًا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا : وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } أَيْ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ ، وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ ، هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَا قَوَدَ إلَّا بِسِلَاحٍ ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِالسَّيْفِ عَنْ السِّلَاحِ ا هـ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : فَإِنْ قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ قُلْنَا : الْقَوَدُ اسْمٌ لِفِعْلٍ هُوَ جَزَاءُ الْقَتْلِ دُونَ مَا يَجِبُ شَرْعًا ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ كَانَ مَجَازًا ، وَلِأَنَّ الْقُودَ قَدْ يَجِبُ بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ وَالْإِبْرَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ وُجُوبِ الْقَوَدِ بِدُونِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ، وَإِنَّمَا السَّيْفُ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِيفَاءِ ا هـ وَذَكَرَ هَذَا السُّؤَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا ، وَلَكِنْ قَصَرَ الْجَوَابَ عَنْهُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ أَقُولُ : فِي ذَاكَ الْوَجْهِ مِنْ

الْجَوَابِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مَدَارُ السُّؤَالِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ الْقَوَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَجِبُ شَرْعًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظُ يَجِبُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا قَوَدَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ السُّؤَالِ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ ؛ إذْ لَا مَجَازَ حِينَئِذٍ فِي لَفْظِ الْقَوَدِ فَإِنْ قُلْتَ : الْمَصِيرُ إلَى التَّقْدِيرِ لَيْسَ بِأَسْهَلَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى التَّجَوُّزِ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ لُزُومُ الْعُدُولِ إلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ مِنْ عِبَارَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ قُلْتُ : لَا مَحِيصَ عَنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلُوهُ عَلَيْهِ أَيْضًا ، فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى ذَاكَ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ لَيْسَ بِعَزِيزٍ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ

قَالَ ( وَإِذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا أَرَى فِي هَذَا قِصَاصًا ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ الْوَلَاءُ إنْ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكُ إنْ مَاتَ عَبْدًا ، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا ، وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتُهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يُبَالَى بِهِ ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ ( وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ عَبْدًا ، وَالْوَارِثُ إنْ مَاتَ حُرًّا إذْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَوْتِهِ عَلَى نَعْتِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ ، بِخِلَافِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَعَيَّنٌ فِيهَا ( وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ ، بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ

( قَوْلُهُ : وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ ) أَقُولُ : أَطْلَقَ الْوَارِثَ هُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحُرِّ وَقَيَّدَهُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ : وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْكَسَ الْأَمْرُ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ هُنَا رَقِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لِكَوْنِ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْأَرِقَّاءِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَطُّ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ هُنَاكَ فَإِنَّهُ الْمَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا فَبِالْمِلْكِ وَإِنْ مَاتَ حُرًّا فَبِالْوَلَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَرِقَّاءَ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَحْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِلَا رَيْبٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَحْرَارِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَرِقَّاءِ خِلَافَ ذَلِكَ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ، فَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ : وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ حُرٌّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ وَقَالَ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ : فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ أَوْ لَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَهُمْ فَإِنْ قُلْتَ : الرَّقِيقُ لَا يَكُونُ وَارِثًا ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَمْنَعُ عَنْ الْإِرْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الْوَارِثِ بِالْحُرِّ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ لِإِشْعَارِهِ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ أَيْضًا وَارِثًا قُلْتُ : الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرِثَ ، وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ عِنْدَ زَوَالِ الرِّقِّ عَنْهُ لَا مَنْ يَرِثُ بِالْفِعْلِ

فَيَتَحَمَّلُ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ تَقْيِيدُ الْوَرَثَةِ بِالْأَحْرَارِ فِي الصُّورَةِ الْأَتِيَّةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا قُيِّدَتْ بِهَا فِي الْكِتَابِ بَلْ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ، وَلَا وَارِثَ لَهُ أَوْ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ ا هـ أَقُولُ : هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ بَلْ يَكُونُ بَيَانَ كَوْنِ حُكْمِهِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ عَيْنَ الْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَبْوَابِ هَذَا الْكِتَابِ وَفُصُولِهِ مُتَّحِدَةُ الْأَحْكَامِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَجَالَ لَأَنْ يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ بَعْضِهَا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ ، عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ بِالذِّكْرِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ خِلَافَ حُكْمِ الْمَذْكُورِ عَلَى قَاعِدَةِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شَيْءٍ يُفِيدُ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي الْمَتْرُوكِ حُكْمَ الْمَذْكُورِ فَالْوَجْهُ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَرْكِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إنَّ حُكْمَ الْمَتْرُوكِ هَا هُنَا مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ دَلَالَةِ النَّصِّ ، فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ فَلَأَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَرِقَّاءُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ ) قَالَ

فِي غَايَةِ الْبَيَانِ : قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ : وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ إذَا مَاتَ عَاجِزًا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا قِصَاصَ ؛ لِأَنَّ عَجْزَ الْمُكَاتَبِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْكِتَابَةُ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَمَوْتُ الْمُعْتَقِ لَمْ يَنْفَسِخْ بِهِ عِتْقُهُ فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوَلَاءِ ، وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ا هـ أَقُولُ : فِيهِ نَظَرٌ ، قَدْ مَرَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَا يُبَالَى بِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى وَتَرَكَ وَفَاءً فَكَيْفَ يَتِمُّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ عَاجِزًا بِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي بَعْضِهِ بِالْوَلَاءِ وَفِي بَعْضِهِ بِالْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ إذْ لَا إفْضَاءَ إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَمِنْ أَيْنَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ السَّبَبِ ؟ ثُمَّ أَقُولُ : لَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً مَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى ، يَرْشُدُ إلَيْهِ ذِكْرُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ، وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ إلَخْ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَتْمِيمُ مَا أَجْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِالْعَجْزِ بِأَنْ يُقَالَ : فَالْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ فِي الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ بِالْمِلْكِ ، وَالْوَارِثُ يَسْتَحِقُّهُ فِي الْبَعْضِ الْمُعْتَقِ

بِالْإِرْثِ فَيَكُونُ السَّبَبَانِ رَاجِعَيْنِ إلَى الشَّخْصَيْنِ فَيُبَالَى بِاخْتِلَافِهِمَا لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُنَازَعَةِ تَأَمَّلْ تَقِفْ

( وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَل حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ

قَالَ ( وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ ( وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ ( وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا ) لِمَا ذَكَرْنَا ( وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هَا هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَلَّا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ، وَالصَّبِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ فِي هَذَا ، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الصَّحِيحِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِهِ السُّلْطَانُ ، وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ

( قَوْلُهُ وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ ) يَعْنِي إذَا قُتِلَ قَرِيبُ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ أَنْ يَقْتُلَ : أَيْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : وَإِذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ يَعْنِي ابْنَهُ فَلِأَبِيهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ الِاسْتِيفَاءُ أَقُولُ : هَذَا تَقْصِيرٌ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَهُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ دُونَ أَبِيهِ غَيْرَ مُنْحَصِرٍ فِي ابْنِ الْمَعْتُوهِ بَلْ يَعُمُّ ابْنَهُ وَغَيْرَهُ كَأَخِيهِ وَأُخْتِهِ لِأُمٍّ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَكَأُمِّهِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَتَحَمَّلُ التَّعْمِيمَ ، فَإِنَّ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ بِمَعْنَى قَرِيبِهِ يَعُمُّ الْكُلَّ فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عُمُومِ جَوَابِهَا وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَصَابَ فِي تَفْسِيرِ وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ ، وَلَكِنْ أَفْسَدَ بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ وَلِيٌّ الْمَعْتُوهَ أَيْ قَرِيبُهُ وَهُوَ ابْنُهُ : يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ ابْنٌ فَقُتِلَ ابْنُهُ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ا هـ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ ، وَالْحَقُّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّعْمِيمِ ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِهِمْ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى التَّمْثِيلِ دُونَ التَّخْصِيصِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهَا وَهُوَ تَشَفِّي الصَّدْرِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ : قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ ، فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَأَقُولُ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ ، وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ

، فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْغَايَةِ أَقُولُ : مَا نَسَبَهُ إلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ قَوْلُ كُلِّ الشَّارِحِينَ سِوَاهُ ، وَرَدُّهُ عَلَيْهِمْ مَرْدُودٌ ، فَإِنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى الْمَقَامِ وَمُرَادِ الشُّرَّاحِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَقَامِ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ الْقِصَاصُ لَهُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ كَانَ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ نِيَابَةً عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا لَهُ وِلَايَةُ إنْكَاحِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ ، وَمُرَادُ الشُّرَّاحِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْغَيْرِ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِ الْغَيْرِ ، فَإِنَّ الْأَخَ مَثَلًا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِهِمَا ، بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُمَا مَعًا وَبَيَّنُوا وَجْهَ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَلِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ ، يُعَدُّ ضَرَرُ الْوَلَدِ ضَرَرَ نَفْسِهِ فَجُعِلَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّشَفِّي كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ ، بِخِلَافِ الْأَخِ ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ : لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ : لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُسَلَّمٌ ، وَلَكِنْ لَا مِسَاسَ لَهُ بِالْمَقَامِ وَلَا بِمَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ هَا هُنَا فِي وِلَايَةِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ نِيَابَةً بِدُونِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْقِصَاصَ بِنَفْسِهِ أَصَالَةً ، وَهُوَ

مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ جِدًّا عِبَارَةُ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ : وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَهُ أَبٌ وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِي هَذَا الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ا هـ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْ الْغَيْرِ أَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِنَفْسِهِ أَصَالَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهِ وَقَالَ بِهِ وَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ هُنَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ قَطْعًا ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ : هَذَا فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ ا هـ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ : قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ : هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ ، أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ ، فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى ، وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ

فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ أَقُولُ : نَظَرُهُ سَاقِطٌ ، فَإِنَّ لِأَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنْ الْمَشَايِخِ صَرْفَ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ إلَى التَّقْيِيدِ إذَا اقْتَضَاهُ الْفِقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَا هُنَا كَذَلِكَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشُّرَّاحَ أَخَذُوا التَّقْيِيدَ هُنَا مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَصِلَ بَعْضٌ مَنْ أَنْفَسِ الشُّرَّاحِ أَيْضًا إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ ، فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا قَالُوا إطْلَاقُ ظَاهِرِ لَفْظِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ : وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ مُسَلَّمٌ وَقَوْلُهُ : وَالنَّفْعُ يَحْصُلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ فِي الْقِصَاصِ تَشَفِّيَ الصَّدْرِ وَمَا دُونَ الدِّيَةِ فِي مُقَابَلَةِ تَشَفِّي الصَّدْرِ لَا يُعَدُّ نَفْعًا عُرْفًا ، وَوِلَايَةُ الْأَبِ لِلْمَعْتُوهِ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ قَبِيلِ مَا يُعَدُّ نَفْعًا عُرْفًا وَعَادَةً وَأَمَّا تَنْوِيرُهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ جِدًّا ، فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مَا إذَا كَانَ الْمُصَالِحُ صَاحِبَ حَقِّ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ ، وَصُلْحُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنْ حَقِّهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَقَلِيلِهِ جَائِزٌ بِلَا رَيْبٍ ؛ إذْ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا أَخْذِ عِوَضٍ عَنْهُ أَصْلًا فَتَرْكُهُ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ وَإِنْ قَلَّ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمُصَالِحَ هُنَا وَلِيُّ صَاحِبِ حَقِّ الْقِصَاصِ ، وَهُوَ أَبُوهُ لَا نَفْسُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ فَلَا بُدَّ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ النَّظَرِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ لِكَوْنِ وِلَايَتِهِ نَظَرِيَّةً وَبِالْجُمْلَةِ مَدَارُ كَلَامِهِ هَذَا

أَيْضًا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ أَصَالَةً وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ نِيَابَةً ثُمَّ أَقُولُ : بَقِيَ شَيْءٌ فِي أَصْلِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَالٍ إذَا كَانَ أَنْظَرَ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْأَبُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ قِبَلِ الْمَعْتُوهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْمُصَالَحَةِ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ عَلَى الْمَعْتُوهِ لَمَّا كَانَتْ نَظَرِيَّةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ مَا هُوَ الْأَنْظَرُ لَهُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ الْوِلَايَةِ نَظَرِيَّةً لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ الْأَنْظَرُ ؛ لِأَنَّ فِي خِلَافِهِ أَيْضًا حُصُولَ أَصْلِ النَّظَرِ ، بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَنْفِ أَحَدٌ أَوْلَوِيَّةَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى الْمَالِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْمُصَالَحَةِ أَنْظَرَ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ مَمْنُوعٌ ، وَدَلَالَةُ عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُصَالَحَةُ أَنْظَرَ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ حُصُولُ مَنْفَعَةِ الْمَالِ لَهُ ، وَيَكُونُ الْقِصَاصُ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ دَفْعُ سَبَبِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِصَاصِ تَشَفِّي الصَّدْرِ أَوْ دَفْعُ سَبَبِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَوْلَوِيَّةُ الْعَمَلِ بِالْمُصَالَحَةِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ

قَالَ ( وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ الصِّغَارُ ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ التَّجَزِّي ، وَفِي اسْتِيفَائِهِمْ الْكُلَّ إبْطَالُ حَقِّ الصِّغَارِ فَيُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ ، وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ وَمَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ مَمْنُوعَةٌ

( قَوْلُهُ : وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ ) قَالَ صَاحِبَا النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ أَقُولُ : هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ عِبَارَةَ الْمَشْرُوحِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمَشْرُوحِ صِيغَةُ الْجَمْعِ ، وَكَذَا لَفْظُ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَصْوِيرُ مَعْنَى الْمَشْرُوحِ بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا وَلَا يُسَاعِدُهُ لَفْظُ الْأَوْلِيَاءِ فَضْلًا عَنْ لَفْظَيْ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَالظَّاهِرُ فِي التَّصْوِيرِ أَنْ يُقَالَ بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ إخْوَةٌ بَعْضُهُمْ صِغَارٌ وَبَعْضُهُمْ كِبَارٌ ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ ذَيْنِك الشَّارِحَيْنِ أَنْ يُقَالَ : لَيْسَ مَقْصُودُهُمَا شَرْحَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى وَفْقِ عَيْنِ عِبَارَتِهِ ، بَلْ مَقْصُودُهُمَا مُجَرَّدُ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ الْإِشَارَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ فِي تَحَقُّقِ مَادَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى تَحَقُّقِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ لَا فِي جَانِبِ الصَّغِيرِ وَلَا فِي جَانِبِ الْكَبِيرِ بَلْ وَلَا فِي مَجْمُوعِ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ ، وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ : أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ : أَيْ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَحَالِّ أَقُولُ : لَيْسَ هَذَا بِشَرْحٍ صَحِيحٍ عِنْدِي ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ ذِكْرُ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ مُسْتَدْرَكًا مَحْضًا إذْ يَتَنَاوَلُهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَيَسْتَغْنِي عَنْ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمَا قَدَّمَ قَوْلَهُ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ بَلْ

كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ : وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ عَنْ ذَلِكَ لِيَتَعَلَّقَ بِمَجْمُوعِ الْقَوْلَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ فِي الثَّانِي ، وَالصَّوَابُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ أَنْ يُقَالَ : أَيْ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ قَوْلَيْهِ الْمَزْبُورَيْنِ إشَارَةً إلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُغَايِرَةٍ لِلْأُخْرَى ، وَيُوَافِقُهُ صَرِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالدَّمِ مِنْ الدِّيَاتِ : صُورَةٌ مَسْأَلَةُ الْمَوْلَيَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَقُتِلَ الْعَبْدُ لَيْسَ لِلْكَبِيرِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الصَّغِيرُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ تَبَصَّرْ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ ) أَقُولُ : فِي تَمَامِ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ تَجَزُّؤِ سَبَبِ الْقِصَاصِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ عَلَى عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْقِصَاصِ نَفْسِهِ خَفَاءٌ ، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَجِدُ مَحْذُورًا فِي كَوْنِ السَّبَبِ بَسِيطًا وَالْمُسَبَّبِ مُرَكَّبًا ، كَيْفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ كَمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ هِيَ سَبَبٌ أَيْضًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ ، مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَجَزَّأُ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ وَالْمَالُ مُنَجَّزٌ بِلَا رَيْبٍ فَالْأَظْهَرُ فِي بَيَانِ كَوْنِ الْقِصَاصِ حَقًّا لَا يَتَجَزَّأُ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَثْنَاءَ تَقْرِيرِ دَلِيلِ الْإِمَامَيْنِ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَتْلَ غَيْرُ مُنَجَّزٍ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الرُّوحِ وَذَا لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ طَعَنَ فِي قَوْلِهِمْ هُنَا إنَّ سَبَبَ الْقِصَاصِ هُوَ الْقَرَابَةُ حَيْثُ قَالَ : كَيْفَ يَكُونُ سَبَبُهُ الْقَرَابَةَ وَهُوَ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ ا هـ أَقُولُ :

نَعَمْ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بَلْ لِلْمُعْتَقِ وَالْمُعْتَقَةِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ السَّبَبَ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ هُوَ الزَّوْجِيَّةُ ، وَفِي الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتَقَةِ هُوَ الْوَلَاءُ دُونَ الْقَرَابَةِ ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَا هُنَا وَهُوَ الْقَرَابَةُ إمَّا بِنَاءً عَلَى التَّغْلِيبِ لِكَوْنِ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فِي الْأَكْثَرِ قَرَائِبَهُ ، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْقَرَابَةِ هُنَا الِاتِّصَالَ الْمُوجِبَ لِلْإِرْثِ دُونَ حَقِيقَةِ الْقَرَابَةِ فَيَعُمُّ الْكُلَّ ( قَوْلُهُ : وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ ) قَالَ الشُّرَّاحُ : وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الْغُيَّبِ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ الْعَفْوِ فِي الْحَالِ وَعَدَمُهُ ، فَإِنَّ الْعَفْوَ فِي الْغَائِبِ مَوْهُومٌ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ عَفَا ، وَالْحَاضِرُ لَا يَشْعُرُ بِهِ فَلَوْ اسْتَوْفَى كَانَ اسْتِيفَاءً مَعَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْعَفْوُ فِي الصَّغِيرِ فَمَأْيُوسٌ حَالَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ ، وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ الْعَفْوُ مِنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَالِ لَا تُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْدَمَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى قَتْلِهِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَقُولُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ شُعُورٌ أَصْلًا بِكَوْنِ قَرِيبِهِ مَقْتُولًا بِأَنْ كَانَ فِي مَسِيرَةِ سَنَةٍ مَثَلًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ فَأَنَّى يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْعَفْوُ فِي الْحَالِ ؛ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعُ الشُّعُورِ بِهِ ، فَحَيْثُ لَا شُعُورَ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَفْوُ عَنْهُ ، وَمَسْأَلَةُ الْغَائِبِ تَعُمُّ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ فِيهَا مَا ذَكَرُوا مِنْ

التَّفْرِقَةِ ثُمَّ أَقُولُ : يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْغَائِبُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ قَبْلَهَا كُلُّ حَقٍّ يَثْبُتُ لِي عَلَى الْغَيْرِ فَإِنِّي عَفَوْتُهُ وَبَرِئْت مِنْهُ ، فَيَنْدَرِجُ فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ عَفَوْهُ عَنْ قَتْلِ قَرِيبِهِ أَيْضًا ، وَلَا يَلْزَمُ الشُّعُورُ بِخُصُوصِهِ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ فِي صُورَةِ أَنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ غَائِبًا ، وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْحَالِ فَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَعَلَّ حَلَّ هَذَا الْمَقَامِ بِهَذَا الْوَجْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَقَدْ أَهْمَلَهُ الْجُمْهُورُ

قَالَ ( وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْحَدِيدِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ لِوُجُودِ الْجُرْحِ فَكَمُلَ السَّبَبُ ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِ الْحَدِيدِ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا مِنْهُ لِلْآلَةِ ، وَهُوَ الْحَدِيدُ وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جَرَحَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعَلَى هَذَا الضَّرْبُ بِسِنْجَاتِ الْمِيزَانِ ؛ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِالْعُودِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِوُجُودِ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُهْدَرَ الدَّمُ ، ثُمَّ قِيلَ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ، وَقِيلَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْطِ ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُوَالَاةِ لَهُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُوجِبُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا { أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ } وَيُرْوَى " شِبْهِ الْعَمْدِ " الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ لَعَلَّهُ اعْتَرَاهُ الْقَصْدُ فِي خِلَالِ الضَّرَبَاتِ فَيَعْرَى أَوَّلُ الْفِعْلِ عَنْهُ وَعَسَاهُ أَصَابَ الْمَقْتَلَ ، وَالشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَ الدِّيَةُ

( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا الْكَبِيرَةِ فَيَكُونُ قَتْلًا بِالْمُثْقَلِ ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَقُولُ : كَانَ حَقُّ التَّحْرِيرِ هُنَا أَنْ يَقُولَ : وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا سَبَقَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالْعُودِ لَا وُجُوبُ الْقَوَدِ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَخِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ لَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا فِيهِ عَيْنُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقُصُورُ تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا جِدًّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَدْحِ وَلَا مِنْ جِهَةِ التَّوْجِيهِ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَنَبَّهُوا لَهُ

قَالَ ( وَمَنْ غَرَّقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا فِي الْبَحْرِ فَلَا قِصَاصَ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ : يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى حَزًّا وَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ لَهُمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ } وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ فَاسْتِعْمَالُهَا أَمَارَةُ الْعَمْدِيَّةِ ، وَلَا مِرَاءَ فِي الْعِصْمَةِ وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا } وَفِيهِ { وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ } ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْلِ ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ عَدَمِ الْعَمْدِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ ، وَمِنْهُ يُقَالُ : اقْتَصَّ أَثَرَهُ ، وَمِنْهُ الْقُصَّةُ لِلْجَلَمَيْنِ ، وَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَ الْجَرْحِ وَالدَّقِّ لِقُصُورِ الثَّانِي عَنْ تَخْرِيبِ الظَّاهِرِ ، وَكَذَا لَا يَتَمَاثَلَانِ فِي حِكْمَةِ الزَّجْرِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالسِّلَاحِ غَالِبٌ وَبِالْمُثْقَلِ نَادِرٌ ، وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ ، وَقَدْ أَوْمَتْ إلَيْهِ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ فِيهِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ ، وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ .

( قَوْلُهُ لَهُمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ } ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : وَقَوْلُهُ لَهُمْ : أَيْ لِلشَّافِعِيِّ وَلَهُمَا لَكِنْ لِلشَّافِعِيِّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ وَلَهُمَا الِاسْتِدْلَال بِالْمَعْقُولِ ا هـ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ : وَقَوْلُهُ لَهُمْ : أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ، لَكِنْ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ وَاسْتِدْلَالُهُمَا بِالْمَعْقُولِ ا هـ أَقُولُ : لَا مُسَاعَدَةَ فِي عِبَارَةِ الْمَشْرُوحِ لِهَذَا الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَ لَامَ التَّعْلِيلِ فِي الْمَعْقُولِ حَيْثُ قَالَ : وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْآلَةَ قَاتِلَةٌ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لَهُمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ } فَلَمْ يَبْقَ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ لَهُمْ إلَّا الْحَدِيثُ فَلَا مَجَالَ لِلتَّوْزِيعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى لَهُمْ الْحَدِيثُ وَالْمَعْقُولُ ، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَهُمْ الْحَدِيثُ ، وَلَهُمْ الْمَعْقُولُ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمُشَارَكَةِ مَجْمُوعِهِمْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ تَأَمَّلْ تَقِفْ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : إذْ لِلشَّافِعِيِّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ ، وَفِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَهُمَا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَعْمَلَا فِي الِاسْتِيفَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } ا هـ أَقُولُ : وَفِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَكَيْفِيَّةَ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يُسْتَفَادَانِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ غَرَّقْنَاهُ ، فَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ فِي نَفْسِهِ لَا مُوجِبَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ

يُتْرَكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } أَنْ لَوْ ثَبَتَ تَأَخُّرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ } أَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْهُ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ لَا يُقَالُ : يَكْفِي التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا إذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا لِأَنَّا نَقُولُ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } عَلَى أَنْ لَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِالسَّيْفِ ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَصْلُحُ لَأَنْ يُتَمَسَّكَ بِهِ مَعَ أَنَّ أَئِمَّتَنَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَطْلَبِ وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ ثُمَّ أَقُولُ : الْأَوْلَى عِنْدِي فِي تَوْجِيهِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ : الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ كُلِّهِمْ ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُبْقِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَحْمِلُ التَّغْرِيقَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا الْإِمَامَانِ فَيَحْمِلَانِهِ عَلَى الْكِنَايَةِ عَنْ الْإِهْلَاكِ لِكَوْنِ الْإِهْلَاكِ لَازِمَ التَّغْرِيقِ فَيَصِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " غَرَّقْنَاهُ " أَهْلَكْنَاهُ ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِغَرَّقْنَاهُ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ " مَنْ غَرَّقَ " وَإِنَّمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ ظَاهِرُ النَّصَّيْنِ يُطْلَبُ الْمُخَلِّصُ مَهْمَا أَمْكَنَ فِي التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَهَاهُنَا الْمُخَلِّصُ عِنْدَهُمَا يَتَيَسَّرُ بِحَمْلِ التَّغْرِيقِ عَلَى الْإِهْلَاكِ وَالْقَتْلِ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ تَدَبَّرْ ( قَوْلُهُ وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا } وَفِيهِ { وَفِي كُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ } ) أَقُولُ فِي دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَى

أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ التَّغْرِيقِ خَفَاءٌ كَمَا تَرَى ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ لِبَيَانِ وَجْهِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً إقْنَاعِيَّةً وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوْجِيهُ بِبَعْضِ مِنْ التَّمَحُّلَاتِ ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَرَكَ التَّمَسُّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ هَا هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ وَاكْتَفَى بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ مَعَ كَوْنِ عَادَتِهِ أَنْ يَقْتَفِيَ أَثَرَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي وَضْعِ الْمَسَائِلِ وَبَسْطِ الدَّلَائِلِ

قَالَ ( وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ) لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ

قَالَ ( وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَإِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ { وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالدِّيَةِ } قَالُوا : إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ ، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ }

قَالَ ( وَمَنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ عَلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا مُطْلَقًا وَكَانَ جِنْسًا آخَرَ ، وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ قَالَ ( وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَطَلَّ دَمَهُ } وَلِأَنَّهُ بَاغٍ فَتَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِبَغْيِهِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَهُ قَتْلُهُ وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِمْ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ ، وَالْمَعْنَى وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ وَفِي سَرِقَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي طَرِيقٍ فِي غَيْرِ مِصْرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَثُ وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ ، وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا قَالُوا : فَإِنْ كَانَ عَصًا لَا تَلْبَثُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا

قَالَ ( وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الدَّابَّةِ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَتَلَهُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ بِالْبَالِغِ الشَّاهِرِ ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْمُولًا عَلَى قَتْلِهِ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ أَمَّا فِعْلُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ حَقَّقْنَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ ، وَكَذَا عِصْمَتُهُمَا لِحَقِّهِمَا وَعِصْمَةُ الدَّابَّةِ لِحَقِّ مَالِكِهَا فَكَانَ فِعْلُهُمَا مُسْقِطًا لِلْعِصْمَةِ دُونَ فِعْلِ الدَّابَّةِ ، وَلَنَا أَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَفِعْلُ الدَّابَّةِ لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا وَكَذَا فِعْلُهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُمَا حَقَّهُمَا لِعَدَمِ اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا صَحِيحًا ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَتَجِبُ الدِّيَةُ

قَالَ ( وَمَنْ شَهَرَ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فِي الْمِصْرِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ ) مَعْنَاهُ : إذَا ضَرَبَهُ فَانْصَرَفَ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا بِالِانْصِرَافِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ

قَالَ ( وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ وَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَاتِلْ دُونَ مَالِك } وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ دَفْعًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا اسْتِرْدَادًا فِي الِانْتِهَاءِ ، وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إلَّا بِالْقَتْلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ : ( وَمَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ ، فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا ، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْقَطْعِ مِنْ الْمِفْصَلِ فَاعْتُبِرَ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْيَدِ وَصِغَرِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ لِإِمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ .
.
( بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، إذْ الْجُزْءُ يَتْبَعُ الْكُلَّ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ) أَيْ ذَاتُ قِصَاصٍ ، كَذَا فِي التَّفَاسِيرِ وَالشُّرُوحِ .
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : أَيْ ذُو قِصَاصٍ أَقُولُ : لَا وَجْهَ لِتَذْكِيرِ ذُو هُنَا إلَّا بِتَمَحُّلٍ رَكِيكٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْتَكَبَ بِلَا ضَرُورَةٍ سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ

قَالَ : ( وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَلَعَهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ) لِامْتِنَاعِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَلْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ : تُحْمَى لَهُ الْمِرْآةُ وَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِالْمِرْآةِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُهَا ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
.

قَالَ : ( وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } ( وَإِنْ كَانَ سِنُّ مَنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَكْبَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّنِّ لَا تَتَفَاوَتُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ .
قَالَ : ( وَفِي كُلِّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ الْقِصَاصُ ) لِمَا تَلَوْنَا .
قَالَ ( وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ ) وَهَذَا اللَّفْظُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ } وَالْمُرَادُ غَيْرُ السِّنِّ ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ فِي غَيْرِ السِّنِّ مُتَعَذِّرٌ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، بِخِلَافِ السِّنِّ لِأَنَّهُ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ ، وَلَوْ قَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ يُقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ .
.

( قَوْلُهُ وَلَوْ قَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ يَقْلَعُ الثَّانِي فَيَتَمَاثَلَانِ ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي : وَعَامَّةُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْمَقَامِ : وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ مِنْ أَصْلِهِ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لَتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ بِهِ لِثَاتُهُ ، وَلَكِنْ يُبْرِدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ ، وَعَزَاهُ الشُّرَّاحُ إلَى الْمَبْسُوطِ .
أَقُولُ : أُسْلُوبُ تَحْرِيرِهِمْ هَاهُنَا مَحَلُّ تَعَجُّبٍ ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لَا بِالرَّدِّ وَلَا بِالْقَبُولِ ، بَلْ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ ، وَكَانَ مِنْ دَأْبِ الشُّرَّاحِ التَّعَرُّضُ لِمَا فِي الْكِتَابِ إمَّا بِالْقَبُولِ وَإِمَّا بِالرَّدِّ ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَصْلًا .
نَعَمْ الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلْتُهُ هُنَا عَنْ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنَّهُ وَاقِعٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ لَيْسَ بِمَثَابَةِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ .
كَيْفَ وَقَدْ أَخَذَهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ فَذَكَرَهُ فِي مَتْنِهِ حَيْثُ قَالَ : وَلَا قَوْدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنِّ فَتُقْلَعُ إنْ قُلِعَتْ وَتُبْرَدُ إنْ كُسِرَتْ ، وَكَأَنَّ مَأْخَذَ مَتْنِ الْوِقَايَةِ هُوَ الْهِدَايَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُهُ ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتُونِ .
ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ هَاهُنَا هُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ هَلْ يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا أَمْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ حَيْثُ قَالَ : إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِكَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ يُؤْخَذُ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ بِالْمِبْرَدِ مِقْدَارُ مَا كَسَرَ مِنْ سِنِّ الْآخَرِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِقَلْعِ سِنٍّ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ وَلَكِنْ يُبْرَدُ سِنُّ الْقَالِعِ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ،

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ بِلَفْظِ النَّزْعِ ، وَالنَّزْعُ وَالْقَلْعُ وَاحِدٌ .
وَفِي الزِّيَادَاتِ نَصَّ عَلَى الْقَلْعِ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ

قَالَ : ( وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ ) لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ يَعُودُ إلَى الْآلَةِ ، وَالْقَتْلُ هُوَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا دُونَ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ إتْلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : قَدْ ذَكَرَهُ مَرَّةً لَكِنَّهُ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّهُ عَمْدٌ وَهَاهُنَا أَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ انْتَهَى .
أَقُولُ : يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا تَمَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ بِأَنْ قَالَ : يَعْنِي لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ ، فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّرْحُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامَيْنِ فَرْقٌ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ أَقُولُ : التَّحْقِيقُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ عِبَارَةُ نَفْسِهِ ، وَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ مَعْنًى مُغَايِرٌ لِمَعْنَى الْأُخْرَى ، فَإِنَّ مَا سَبَقَ هَكَذَا : وَمَا يَكُونُ شِبْهُ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا ` سِوَاهَا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ وَهُوَ تَعَمُّدُ الضَّرْبِ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى .
السِّلَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَبِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا سِوَى النَّفْسِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ بِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ عَنْهُ ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْقِصَاص لِمَانِعٍ يَقَعُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ ، كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا وَكَمَا إذَا وَرِثَ الِابْنُ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ ، فَلَأَنْ يَقَعَ فِي الْعَمْدِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ أَنَّ الَّذِي كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ لَا أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ ، فَإِنَّ ضَمِيرَ هُوَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ رَاجِعٌ إلَى مَا كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا إلَى شِبْهِ عَمْدٍ ، إذْ لَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ شِبْهُ الْعَمْدِ

خَطَأً لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِي الْأَطْرَافِ ، لِأَنَّ تَعَمُّدَ الضَّرْبِ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَيَا الْكَلَامَيْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَوْجِيهِ مَا سَبَقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَبَصَّرْ .

( وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحُرِّ يَقْطَعُ طَرَفَ الْعَبْدِ .
وَيُعْتَبَرُ الْأَطْرَافُ بِالْأَنْفُسِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا .
وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا بِتَقْوِيمِ الشَّرْعِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ .
بِخِلَافِ التَّفَاوُتِ فِي الْبَطْشِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فَاعْتُبِرَ أَصْلُهُ ، وَبِخِلَافِ الْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَلَا تَفَاوَتَ فِيهِ .

( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ ) قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ : فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى { وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ النِّزَاعِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ .
قُلْنَا : قَدْ خُصُّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ ، وَالنَّصُّ الْعَامُّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَخَصَّصْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ { قَطَعَ عَبْدٌ لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ ، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْضِ بِالْقِصَاصِ } انْتَهَى .
أَقُولُ : فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِنْهُ الْبَعْضُ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَأَمَّا إذَا أُخْرِجَ مِنْ النَّصِّ الْعَامِّ شَيْءٌ بِمَا هُوَ مَفْصُولٌ عَنْهُ غَيْرُ مَوْصُولٍ بِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَنِّيًّا فِي الْبَاقِي بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَخْرَجَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ بِهَا فَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى قَطْعِيَّتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَقَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ نَظِيرَ هَذَا النَّظَرِ فِي مَحَالِّهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ، وَلَا يُفِيدُ عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ، فَبَقِيَ الِاعْتِرَاضُ بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ .
وَالصَّوَابُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ آيَةُ الْقِصَاصِ وَالْقِصَاصُ يُنْبِئُ عَنْ

الْمُمَاثَلَةِ ، فَالْمُرَادُ بِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ لَا غَيْرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ هَاتِيَكَ الْآيَةِ مِنْ التَّنْزِيلِ حَيْثُ قَالَ : وَمَعْنَاهُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَتُعْرَفُ الْمُسَاوَاةُ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ حَيْثُ قَالَ : وَهُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ ، فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا ، وَأَشَارَ إلَيْهِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ : فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ مُجْرَاةً عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهَا حَتَّى يَكُونَ إطْلَاقُهَا حُجَّةً عَلَيْنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، وَكَيْف يُتَصَوَّرُ إجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهَا ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَيْنِ إذَا قَلَعَهَا بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَلْعِ ، وَكَذَا الْحَالُ فِي قَطْعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ الْمِفْصَلِ ، وَكَذَا فِيمَا إذَا قَطَعَ الْحُرُّ طَرْفَ الْعَبْدِ ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَدَارَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ إمْكَانُ الْمُمَاثَلَةِ وَأَنَّ مَعْنَى النَّظْمِ الشَّرِيفِ مَصْرُوفٌ إلَى ذَلِكَ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ النَّاشِئُ مِنْ تَوَهُّمِ الْإِطْلَاقِ .
ثُمَّ إنَّهُ بَقِيَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : سَلَّمْنَا وُجُودَ التَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ ، لَكِنَّ الْمَعْقُولَ مِنْهُ أَنْ يَمْنَعَ اسْتِيفَاءَ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ دُونَ الْعَكْسِ ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَقْطَعُونَ يَدَ الْمَرْأَةِ بِيَدِ الرَّجُلِ أَيْضًا ، وَالشُّرَّاحُ كَانُوا فِي طَرِيقِ دَفْعِهِ طَرَائِقَ قِدَدًا ، فَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ : فَالْجَوَابُ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ مَانِعًا مُطْلَقًا وَالشَّلَلُ لَيْسَ مِنْهُ

فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْمَنْفَعَةِ يَنْتَفِي بِهِ الْمُمَاثَلَةُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ، فَقُلْنَا : يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَطْرَافِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ دُونَ الْبَذْلِ بِالْأَطْرَافِ انْتَهَى .
أَقُولُ : فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّفَاوُتَ الْمَالِيَّ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَانِعًا مُطْلَقًا ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ تَفَاوُتًا مَالِيًّا بَلْ مُوجِبًا لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ كَالشَّلَلِ فَيُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ تَحَكُّمٌ بَحْتٌ ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ وَهِيَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ جَائِزٌ فِي الْأَطْرَافِ دُونَ الْبَذْلِ مُتَمَشِّيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ الْمَالِيِّ أَيْضًا بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّفَاوُتُ الْمَالِيُّ أَيْضًا مَانِعًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْقَصِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الشَّلَلِ مِمَّا لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ الْمَالِيَّ مَمْنُوعٌ ، كَيْفَ وَقِيمَةُ الْيَدِ تَتَفَاوَتُ بِالصِّحَّةِ وَالشَّلَلِ قَطْعًا ، فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ أَرْشَ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ وَجَعَلَ أَرْشَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ حُكُومَةَ عَدْلٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الدِّيَاتِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا ، وَلِأَنَّ أَرْشَ الْأَطْرَافِ مُخْتَلِفٌ فَصَارَتْ كَالصَّحِيحِ وَالْأَشَلِّ .
وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78