كتاب : فتح القدير
المؤلف : كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي

ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَتْلَفَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ ، كَذَا فِي الْكَافِي ، وَهَذَا ( فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ ، فَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَلْزَمُهُ الْمِثْلُ ) وَمِنْهَا الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ ( لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ ) أَيْ بِالْقِيمَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ .
هَذَا وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ الضَّامِنُ ، فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْقَدْرِ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ

قَالَ ( وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ ) رَفْعًا لِلْفَسَادِ ، وَهَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفِدْ حُكْمَهُ فَيَكُونُ الْفَسْخُ امْتِنَاعًا مِنْهُ ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِقُوَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ ذَلِكَ دُونَ مَنْ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُرَاضَاةُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ .
قَالَ ( فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ ، وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ .

( قَوْلُهُ : وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ ) أَيْ لِلْمَعْصِيَةِ فَرَفْعُهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ مَكْرُوهٌ وَالْجَرْيَ عَلَى مُوجَبِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ تَمْلِيكٌ أَوْ انْتِفَاعٌ بِوَطْءٍ أَوْ لَبْسٌ أَوْ أَكْلٌ كَذَلِكَ : أَيْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ .
وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهِ شَرْعًا قَطْعِيٌّ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ ، وَعُرِفَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِرَفْعِ الْمَعْصِيَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَالَ : وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ أَرَادَ مُجَرَّدَ بَيَانِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْفَسْخِ فَوَقَعَ تَعْلِيلُهُ أَخَصَّ مِنْ دَعْوَاهُ .
وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إلَى الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَوْبٍ بِخَمْرٍ فَيَمْلِكُ كُلٌّ فَسْخَهُ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقَّ الشَّرْعِ فَفِيهِ إلْزَامُ مُوجِبِ الْفَسْخِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْخِلَافَ ( وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِشَرْطٍ زَائِدٍ ) كَالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ وَنَحْوِهِ ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ يَمْلِكُ فَسْخَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَسْتَقِلُّ ( مَنْ لَهُ ) مَنْفَعَةُ ( الشَّرْطِ ) وَالْأَجَلِ بِالْفَسْخِ كَالْبَائِعِ فِي صُورَةِ الْإِقْرَاضِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْأَجَلِ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ ( دُونَ مَنْ عَلَيْهِ ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّرْطِ إذَا كَانَتْ عَائِدَةً عَلَيْهِ صَحَّ فَسْخُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُسْقِطَ الْأَجَلَ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ ، فَإِذَا فَسَخَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ ، وَعِنْدَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَانْتَفَى اللُّزُومُ عَنْ الْعَقْدِ ،

وَالْعَقْدُ إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ تَمَكَّنَ كُلٌّ مِنْ فَسْخِهِ .
كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْكَافِي فَعَلَى هَذَا الْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ ، أَمَّا إذَا زَادَ الْمُشْتَرَى فِي يَد الْمُشْتَرِي زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ أَوْ لَا أَوْ مُنْفَصِلَةً كَذَلِكَ أَوْ انْتَقَصَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَسَنَذْكُرُهُ .
وَقَوْلُهُ ( إلَّا أَنَّهُ ) إلَى آخِرِهِ جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لِقُوَّةِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ .
فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُرَاضَاةُ فِي حَقِّهِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَهُ ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا بَيْعًا صَحِيحًا ( نَفَذَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ ) الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فِي ( الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ ) بِالْعَقْدِ ( الثَّانِي وَنَقْضِ الْأَوَّلِ ) مَا كَانَ إلَّا ( لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ ) عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( يُقَدَّمُ ) بِإِذْنِ اللَّهِ لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسِعَةِ عَفْوِهِ وَجُودِهِ وَفَقْرِ الْعَبْدِ وَضِيقِهِ ، وَلَا يَنْقُضُ بِالصَّيْدِ إذَا أَحْرَمَ مَالِكُهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ حَيْثُ يُقَدَّمُ حَقُّ الشَّرْعِ عَلَى الْعَبْدِ .
؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ لَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ ، فَيُطْلِقُهُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَلَا يُنْقَضُ بِاسْتِرْدَادِ وَارِثِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُتَعَلِّقَ لِلْوَارِثِ هُوَ نَفْسُ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْبَائِعِ فِي

الرَّدِّ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَذَلِكَ ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالْمَبِيعِ فَكَالْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ لَا بِتَصَرُّفٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ قِيلَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَيْضًا إنَّمَا يُنْقَلُ إلَيْهِ الْمَبِيعُ مَشْغُولًا بِذَلِكَ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ فَلَا يَصِلُ مَا بَاعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي إلَّا مَشْغُولًا بِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ وَ ) أَيْضًا ( الْأَوَّلُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ ) ؛ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ( حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ) أَيْ الْبَائِعِ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ مَعَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَإِلَّا كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ ، قِيلَ عَلَيْهِ فَعَدَمُ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فِي بَيْعِ نَفْسِهِ حِينَئِذٍ أَوْلَى .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفِهِ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِرْدَادِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَائِنَ مِنْ جِهَتِهِ تَسْلِيطٌ عَلَى الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمُسَلَّطُ ، وَهَذَا التَّسْلِيطُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ لَهُ رَحْمَةً عَلَيْهِ أَنْ يُتَدَارَكَ بِالتَّوْبَةِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِفِعْلِ الْمُسَلَّطِ ، فَإِذَا لَمْ يُتَدَارَكْ حَتَّى فَعَلَ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَبْدٍ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُكْنَةَ بِتَقْصِيرِهِ ، وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ إلَّا لِتَدَارُكِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ ، وَمَتَى أَخَّرَ حَتَّى تَعَلَّقَ حَقُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُوصَى لَهُ فَقَدْ فَوَّتَهُ .
أَمَّا الْوَارِثُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِخَلَاصِ مَيِّتِهِ مِنْ

الْمَعْصِيَةِ مَا أَمْكَنَ فَشُرِعَ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ لِذَلِكَ .
وَهَذَا ( بِخِلَافِ صَرْفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ ) بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الشَّفِيعِ ، وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ وَحَقَّ الْبَائِعِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُعَارِضُهُ ، وَيَتَرَجَّحُ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّفِيعِ تَسْلِيطٌ عَلَى الشِّرَاءِ كَمَا فِي الْبَائِعِ .
وَأُورِدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ مِنْ حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ ثَانٍ فَيَكُونُ نَاسِخًا .
أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَخُ إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقُوَّةِ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ فَتَتَرَجَّحُ الشُّفْعَةُ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ ، وَبِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ ، وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ انْقَطَعَ الِاسْتِرْدَادُ عَلَى مَا مَرَّ ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ نَظِيرُ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ .
إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ عُذْرٌ ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ ) الْمُرَادُ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا بِخَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَأَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ) وَسَلَّمَهُ ( فَهُوَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ ) فِيهِ ( وَ ) إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ ( بِالْإِعْتَاقِ قَدْ هَلَكَ ) فَوَقَعَ الْإِيَاسُ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ ( فَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ ، وَبِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ انْقَطَعَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عَلَى مَا مَرَّ ) فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مِنْ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ : أَعْنِي الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ وَالِاسْتِرْدَادُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقِّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فَقَدْ فَوَّتَ الْمُكْنَةَ بِتَأْخِيرِ التَّوْبَةِ .
( وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ ) بَعْدَ قَبْضِهِ ( نَظِيرُ الْبَيْعِ ) يَعْنِي إذَا كَاتَبَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ رَهَنَهُ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ ( لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ ) لِحَقِّ الْعَبْدِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ ( إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ ) وَلَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِمَا بِذَلِكَ ، بَلْ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إذَا انْتَقَضَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ ، ثُمَّ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ إنَّمَا يَعُودُ إذَا لَمْ يَقْضِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ قَضَى بِهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِتَحَوُّلِ حَقِّهِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ فَقَضَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ لَيْسَ لِمَالِكِهِ أَخْذُهُ ؛ لِمَا قُلْنَا .
وَقَوْلُهُ ( وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ) فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ( لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَرَفْعُ الْفَسَادِ عُذْرٌ ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَكُونُ )

الِاسْتِرْدَادُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي لَمْ تَحْدُثْ ( امْتِنَاعًا ) عَنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَالنِّكَاحُ كَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ ، فَإِذَا زَوَّجَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الرَّقَبَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُهُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ، فَإِنَّ مَعَ الِاسْتِرْدَادِ النِّكَاحَ قَائِمٌ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْبَائِعُ ، نَعَمْ تَصِيرُ بِحَيْثُ لَهُ مَنْعُهَا وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا مَعَهُ بَيْتًا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَفِرَ بِهَا لَهُ وَطْؤُهَا .
وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ أَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَأَخَذَ مُوجَبَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ أَوْ بَطَّنَهُ وَحَشَاهُ انْقَطَعَ الِاسْتِرْدَادُ كَمَا فِي الْغَصْبِ ؛ وَلَوْ صَبَغَهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَخْذِهِ وَإِعْطَاءِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَتَرْكِهِ وَتَضْمِينِ قِيمَتِهِ كَالْغَصْبِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ انْقَطَعَ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي انْقَطَعَ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الصَّبْغَ بِالصُّفْرَةِ يَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْغَصْبِ وَلَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِرْدَادُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي فَيَسْتَرِدُّ الْبَائِعُ مِنْ الْوَارِثِ وَلَا بِمَوْتِ الْبَائِعِ فَيَسْتَرِدُّ وَارِثُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَزِيَادَةُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَا تَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ ، إلَّا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَالْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ ، وَنُقْصَانُهُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يَمْنَعُ فَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَيْهِ وَيُضَمِّنَهُ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ

الْأَرْشَ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْجَانِي ، وَفِي قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي .
وَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ مِنْهُ وَلَا الِاسْتِرْدَادُ مِنْ الْبَائِعِ ، فَلَوْ رَدَّ أَوْ اسْتَرَدَّ لَزِمَهُ الْعُقْرُ لِلْبَائِعِ ، أَمَّا إنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا

قَالَ ( وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعُ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ ( وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ) ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ، فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالرَّاهِنِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا لِمَا بَيَّنَّا .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ ) قِيلَ يَعْنِي الْقِيمَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَوْ الثَّمَنَ الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ ( لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ ) وَعَلَى هَذَا الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ الَّتِي دَفَعَهَا لِلْمُؤَجِّرِ .
وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ حَتَّى يَقْبِضَ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ ( وَلَوْ مَاتَ الْبَائِعُ ) بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ الْمُؤَجِّرُ إجَارَةً فَاسِدَةً أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمَقْبُوضُ كَذَلِكَ ، فَاَلَّذِي فِي يَدِهِ الْمَبِيعُ أَوْ الرَّهْنُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ ( لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ، فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ) إلَّا أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْمُشْتَرِي بِقَدْرِ مَا أَعْطَى فَمَا فَضَلَ فَلِلْغُرَمَاءِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ الدَّيْنَ أَوْ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْمُحْتَالُ بِدَيْنِ الْحَوَالَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ مَعَ أَنَّ دَيْنَ الْمُحِيلِ صَارَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْمُحْتَالِ كَمَا فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ إنَّمَا يُوجِبُهُ ثُبُوتُ الْحَقِّ مَعَ الْيَدِ لَا مُجَرَّدُ الْحَقِّ وَلَا يَدَ لِلْمُحْتَالِ ( ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ ) الَّتِي دَفَعَهَا ( قَائِمَةً يَأْخُذُهَا ) الْمُشْتَرِي ( بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ) خِلَافًا لِمَا ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّرْفِ ، وَرِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ تَتَعَيَّنُ وَهُوَ

الْأَصَحُّ ، لَكِنْ سَيَأْتِي مَا يُقَوِّيَ رِوَايَةَ أَبِي حَفْصٍ ( ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ ) وَالثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ ( وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( لَهُ أَخْذُ مِثْلِهَا ) وَكَذَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ .
وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُبَاعُ الْمَبِيعُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَمَّا دَفَعَهُ يُصْرَفُ إلَى الْغُرَمَاءِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ مِثْلُ حَقِّهِ الْمُسْتَهْلَكِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ

قَالَ ( وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ .
( وَقَالَا : يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ ) وَالْغَرْسُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ .
لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ ، بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ ، ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى ، وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ ، بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ وَشَكَّ يَعْقُوبُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي ) أَوْ غَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا ( فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ) وَانْقَطَعَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْدَادِهَا بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُنْقَضُ الْبِنَاءُ ) وَيُقْلَعُ الْغَرْسُ ( وَتُسْتَرَدُّ الدَّارُ .
لَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ ) فِي الدَّار الَّتِي يَسْتَحِقُّ فِيهَا الشُّفْعَةَ ( أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ ) بَيْعًا فَاسِدًا فِي الِاسْتِرْدَادِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ( يَحْتَاجُ ) فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي الدَّارِ ( إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ ) بَعْدَ الْعِلْمِ وَلَا يُورَثُ .
وَحَقُّ هَذَا الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ وَيَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ ( وَ ) الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ ( حَقَّ الشُّفْعَةِ الْأَضْعَفَ لَا يُبْطِلُ الْبِنَاءَ ) وَالْغَرْسَ ( فَأَقْوَاهُمَا ) وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ ( أَوْلَى ) أَنْ لَا يَبْطُلَ بِهِمَا فَيَثْبُتُ بِدَلَالَةِ ثُبُوتِهِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ ) بِهِ ( حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ ) وَالْهِبَةِ ( بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ فَإِنَّهُ ) وَإِنْ كَانَ أَضْعَفَ ( لَمْ يُوجَدْ ) مَا يُبْطِلُهُ وَهُوَ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْفِعْلِ : أَعْنِي الْبِنَاءَ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ النَّقْضُ وَالْقَلْعُ ( وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ) أَيْضًا بَلْ يَأْخُذُهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَنْكَرَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ لِمُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ ؛ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَشَكَّ يَعْقُوبُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) بِذَلِكَ ، قَالُوا إنَّهُ شَكَّ فِي حِفْظِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ لَا فِي مَذْهَبِهِ : يَعْنِي أَنَّ مَذْهَبَهُ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ( فَإِنَّ

مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى ) هَذَا ( الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ ) فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا بَنَى فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا شُفْعَةَ ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَابِتَةٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، فَلَوْلَا قَوْلُهُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ بِالْبِنَاءِ لَمْ يُوجِبْ الشُّفْعَةَ فِيهَا ، غَيْرَ أَنَّ حِكَايَةَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَإِنَّمَا رَوَيْت لَك أَنَّهُ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ فَقَالَ بَلْ رَوَيْت لِي أَنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا صَرِيحٌ فِي الْإِنْكَارِ لَا فِي الشَّكِّ ، وَصَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَنْقُلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمَا وَعَدَمَ الْخِلَافِ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وُجُودًا وَعَدَمًا ، فَوُجُودُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ وَعَدَمُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَثُبُوتُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ بِالْجَرِّ .
وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّارِحِينَ قَالُوا : وَثُبُوتُهُ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَعَلَى الِاخْتِلَافِ خَبَرُهُ ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَبْنِيٍّ وَالْمَعْنَى : ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى الْخِلَافِ ، فَعِنْدَهُ يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَهُوَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَثْبُتُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْأَوْجَهَ ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، وَالْمَعْنَى حَقُّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتُ

انْقِطَاعِهِ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ فَلَهُ الْقَلْعُ وَالْهَدْمُ ، وَعِنْدَهُ يَنْقَطِعُ فَلَا يُسْتَرَدُّ .
وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ طَلَبَ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا وَقْتَ الشِّرَاءِ .
وَأُورِدُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا وَجَبَ نَقْضُهُمَا لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَفِيهِ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ نَقْضُهُمَا لِحَقِّ الْبَائِعِ وَهُوَ أَقْوَى وَفِيهِ إعْدَامُ الْفَسَادِ .
أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ، فَإِنَّ الْبَائِعَ جَانٍ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّقْضِ لِأَجْلِ مَنْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ النَّقْضُ لِمَنْ جَنَى .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا نُقِضَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِأَجْلِ الشَّفِيعِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، كَمَا إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ عَنْ الْعَبْدِ .
أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إنَّمَا يَزُولُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّفِيعِ فَيَثْبُتُ حَقُّ نَقْضِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ حُكْمًا لِمِلْكِهِ .
هَذَا وَقَوْلُهُمَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ الْبِنَاءَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ يَمْنَعُ الِاتِّفَاقَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى إيجَابِ الْقَلْعِ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَقَدْ لَا ، فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِر يَعْلَمُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ الْقَلْعَ فَفِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْبَقَاءَ ، قُلْنَا : الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا أَيْضًا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ عِنْدَنَا ، وَقَوْلُكُمْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مَحِلُّ النِّزَاعِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ أَنْ يَعْلَمَ الْخِلَافَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ النَّقْضَ فَفِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلُ قَصْدِهِ عَدَمَ الْبَقَاءِ إلَّا مُدَّةً مَا .
وَأَمَّا تَعْلِيلُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ عَبْدًا آخَرَ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبْلَ الْهِبَةِ فِيهِ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَفْسُ الْعَاقِدِ الْجَانِي

بِعَقْدِهِ هُوَ الَّذِي بَنَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بِجِنَايَتِهِ .
وَفِعْلُهُ الْمُقَرِّرُ لِمَعْصِيَتِهِ أَنْ يَقْطَعَ حَقَّ الْقَاصِدِ لِلتَّوْبَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ حَقُّ مَنْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَذِنَ فِي تَقْدِيمِ حَقِّهِ

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهَا فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يَتَعَيَّنَانِ عَلَى الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ ، وَهَذَا فِي الْخُبْثِ الَّذِي سَبَبُهُ فَسَادُ الْمِلْكِ ، أَمَّا الْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً ، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا .
قَالَ ( وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ إيَّاهُ ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ ) ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ ، وَبَدَلُ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ .
.

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا ) الْمُشْتَرِي ( وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِبَائِعِهِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ ) الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا عَمِلَ فَرَبِحَ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَالَ نَوْعَانِ : نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ وَهُوَ مَا سِوَاهُمَا .
وَالْخُبْثُ نَوْعَانِ : خُبْثٌ فِي الْبَدَلِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْمُبْدَلِ ، وَخُبْثٌ لِفَسَادِ الْمِلْكِ .
فَالْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ يَعْمَلُ فِي النَّوْعَيْنِ حَتَّى أَنَّ الْغَاصِبَ أَوْ الْمُودَعَ إذَا تَصَرَّفَا فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَهُمَا عَرَضٌ أَوْ نَقْدٌ وَأَدَّيَا ضَمَانَهُمَا وَفَضَلَ رِبْحٌ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَثْبُتُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ ، وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ بَدَلَ مَالِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ ، لَكِنَّهُ إنَّمَا تَوَسَّلَ إلَى الرِّبْحِ بِالْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَتَمَكَّنَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبْحِ بِمَالِ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَنَّ نَقْدَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ إنْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ كَالْحَقِيقَةِ فِي أَبْوَابِ الرِّبَا ، وَالْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ دُونَ الْخُبْثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخُبْثِ فِيمَا يُوجِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمِلْكِ حَقِيقَةَ الْخُبْثِ ، وَهُوَ مَا يَتَعَيَّنُ كَالْجَارِيَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَيَتَعَدَّى إلَى بَدَلِهَا .
وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فِيمَا يُوجِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمِلْكِ الشُّبْهَةَ وَهُوَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ ، وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بِالنَّصِّ وَهُوَ نَهْيُهُ عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ فَلَا يَتَعَدَّى ، وَإِلَّا

اُعْتُبِرَ مَا دُونَهَا كَشُبْهَةِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهَلُمَّ فَيَنْسَدُّ بَابُ التِّجَارَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ ، فَلِذَا قَالَ : يَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِالرِّبْحِ فِيهَا وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ : إنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ تَتَعَيَّنُ فَحُكْمُ الرِّبْحِ فِي النَّوْعَيْنِ كَالْغَصْبِ لَا يَطِيبُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ رِوَايَةَ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ هُوَ الْأَصَحُّ ، فَحِينَئِذٍ الْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا بِمَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي طَيِّبِ الرِّبْحِ صَرِيحُ الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ ، فَإِنَّ فِيهِ مُحَمَّدًا عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا بِأَلْفٍ وَتَقَابَضَا وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ قَالَ : يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا كَمَا قَالَ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ ) أَيْ عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ ، بِخِلَافِ مَا سِوَاهَا مِنْ الشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَالشَّرِكَةِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْبِيَاعَاتِ أَوْ الْمُعَاوَضَاتِ مَذْكُورًا لِلْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ شَرْطُ الطِّيبِ الضَّمَانُ وَقَدْ وُجِدَ ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَطِيبُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهَلَكَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا

وَيُعْطِيَ مِثْلَهَا عِنْدَهُمَا ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إلَخْ ) .
قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَبَضَهَا عَلَى أَنَّهَا دَيْنُهُ ( يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالتَّسْمِيَةِ ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ عِنْدَ دَعْوَاهُ الْمَالَ ( ثُمَّ اسْتَحَقَّ بِالتَّصَادُقِ ) فَكَانَ الْمَقْبُوضُ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الدَّيْنُ ( وَبَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ ) أَيْ مِلْكًا فَاسِدًا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا ، أَمَّا عَيْنًا فَبِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَاسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ يَصِحُّ عِتْقُ الْعَبْدِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكًا لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ ، إذْ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالْعَبْدُ بَدَلُ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ .
وَإِذَا مَلَكَهُ فَاسِدًا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ خُبْثًا فَطَابَ لَهُ الرِّبْحُ .
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِقَاضِي خَانْ : بَدَلُ الْمُسْتَحَقُّ مَمْلُوكٌ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَبَاعَهُ الْمَدْيُونُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِهَذَا الْبَيْعِ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَلَمْ يَحْنَثْ ، وَبَيَانُ فَسَادِ الْمِلْكِ فِي بَدَلِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الْمُبْدَلَ يَجِبُ رَدُّهُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ ؛ وَلَوْ حَصَلَ الرِّبْحُ فِي دَرَاهِمَ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ تَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخُبْثِ ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْ دَرَاهِمَ فِيهَا شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ شُبْهَةِ الْخُبْثِ فَلَا تُعْتَبَرُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَدَلًا عَمَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي أَصْلِ

دَعْوَاهُ الدَّيْنَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ ) .
قَالَ ( وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ ) وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ وَقَالَ { لَا تَنَاجَشُوا } قَالَ ( وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : لَا يَسْتَمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ } ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيحَاشًا وَإِضْرَارًا ، وَهَذَا إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى مَبْلَغٍ ثَمَنًا فِي الْمُسَاوَمَةِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا .
قَالَ ( وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ ) وَهَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، إلَّا إذَا لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَحَيْثُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالضَّرَرِ .

( فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ ) لَمَّا كَانَ دُونَ الْفَاسِدِ أَخَّرَهُ عَنْهُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ دُونَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بَلْ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْعَقْدِ ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْكَرَاهَاتُ كُلُّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْإِثْمِ .
وَمُقْتَضَى النَّظَرِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أُصُولِنَا الشِّرَاءُ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ بِشَرْطِهِ ، وَالْحَاضِرُ لِلْبَادِي فِي الْقَحْطِ وَالْإِضْرَارِ فَاسِدًا ، وَتَلَقِّي الْجَلَبِ إذَا لَبِسَ بَاطِلًا أَوْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّهْيَ مُطْلَقُهُ لِلتَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ .
وَهَذِهِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ سَبَبًا لِلنَّهْيِ تُؤَكِّدُ الْمَنْعَ لَا تَصْرِفُهُ عَنْهُ ، فَإِنَّ فِي اعْتِرَاضِ الرَّجُلِ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ بَعْدَ الرُّكُونِ وَطِيبِ نَفْسِ الْبَائِعِ بِالْمُسَمَّى إثَارَةً لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ ، وَشِرَاءُ مَا جِيءَ بِهِ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ لِيُغَالِيَ عَلَى النَّاسِ ضَرَرٌ عَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَحْرُمُ ، وَكَذَا الْبَيْعُ مِنْ الْقَادِمِينَ مَعَ حَاجَةِ الْمُقِيمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ سِعْرَ الْبَلَدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ ، أَوْ مُنْعَقِدًا وَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، وَكَوْنُ الْوَصْفِ مُجَاوِرًا أَوْ لَازِمًا لَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَا إذْ الِاصْطِلَاحَاتُ لَا تَنْفِي الْمَعَانِيَ الْحَقِيقَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْبُطْلَانِ أَوْ الْفَسَادِ ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفَسَادِ لَيْسَ إلَّا كَوْنَ الْعَقْدِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ لِلْمَعْصِيَةِ بِمُبَاشَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَيَمْلِكُ الْبَدَلَ مِنْهُ بِالْقَبْضِ ، وَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ لَيْسَ إلَّا لِوُجُوبِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ بِرَفْعِهِ ، وَيَجِبُ فِي هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ ذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْعُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الظَّنِّيَّةِ سَمَّوْهُ مَكْرُوهًا عَلَى اصْطِلَاحِنَا ، وَلَمَّا كَانَ الرُّكْنُ وَهُوَ مُبَادَلَةُ

الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي ثَابِتًا جَعَلْته فَاسِدًا ( قَوْلُهُ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ } ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ ) بَعْدَمَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا فَإِنَّهُ تَغْرِيرٌ لِلْمُسْلِمِ ظُلْمًا ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا فَزَادَ الْقِيمَةَ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَجَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعُ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ إذْ كَانَ شِرَاءُ الْغَيْرِ بِالْقِيمَةِ .
( قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَنَاجَشُوا } ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَلَا تَنَاجَشُوا ، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ } وَالنَّجَشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ ( قَوْلُهُ وَعَنْ السَّوْمِ ) أَيْ وَنَهَى عَنْ السَّوْمِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي لَفْظِ { لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ، وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ إلَى أَنْ قَالَ { وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ } وَعَرَفْت مُثِيرَهُ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيحَاشِ وَالْإِضْرَارِ ، وَشَرْطَهُ وَهُوَ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِثَمَنٍ وَيَقَعَ الرُّكُونُ بِهِ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَدْفَعُ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ أَوْ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَجِيهٌ فَيَبِيعُهُ مِنْهُ لِوَجَاهَتِهِ .
وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ بِأَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ثَمَنِ سِلْعَةٍ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقُولُ أَنَا أَبِيعُك مِثْلَ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِأَنْقَصَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ فَيَضُرُّ بِصَاحِبِ السِّلْعَةِ فَظَهَرَ تَصْوِيرُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَالْوَارِدُ فِيهِمَا حَدِيثَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ لَفْظِ الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ } جَامِعًا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَجَازًا ، إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرِدْ حَدِيثُ الِاسْتِيَامِ ، وَكَذَا مَحِلُّهُ فِي الْخِطْبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فَهُوَ بَيْعُ مَنْ يُزِيدُوا وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ ( قَوْلُهُ وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ } .
قَالَ : لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا .
وَلِلتَّلَقِّي صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ الْمُشْتَرُونَ لِلطَّعَامِ مِنْهُمْ فِي سَنَةِ حَاجَةٍ لِيَبِيعُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِزِيَادَةٍ ، وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِالسِّعْرِ ، وَلَا خِلَافَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلَيْهِمْ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْصَى ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ اتَّفَقَ أَنْ خَرَجَ فَرَآهُمْ فَاشْتَرَى فَفِي مَعْصِيَتِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ يَعْصِي ، وَالْوَجْهُ لَا يَعْصِي إذَا لَمْ يَلْبَسْ .
وَعِنْدَنَا مَحْمَلُ النَّهْيِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ لَبِسَ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَضُرَّ وَلَمْ يَلْبَسْ فَلَا بَأْسَ

قَالَ ( وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي ) فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَبِعْ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي } وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ .
قَالَ : ( وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَذَرُوا الْبَيْعَ } ثُمَّ فِيهِ إخْلَالٌ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ .
قَالَ ( وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ ) لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ قَالَ ( وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ ) وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا .
وَقَدْ صَحَّ { أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى نَوْعٍ مِنْهُ } .

قَوْلُهُ وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي ) تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ ، وَمَحْمَلُ النَّهْيِ ( إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي عَوَزٍ ) أَيْ حَاجَةٍ ( أَوْ قَحْطٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي ) لِلْإِضْرَارِ بِهِمْ وَهُمْ جِيرَانُهُ ( أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ ) وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ : هُوَ أَنْ يَمْنَعَ السِّمْسَارَ الْحَاضِرُ الْقَرَوِيَّ مِنْ الْبَيْعِ وَيَقُولَ لَهُ لَا تَبِعْ أَنْتَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك فَيَتَوَكَّلُ لَهُ وَيَبِيعُ وَيُغَالِي .
وَلَوْ تَرَكَهُ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ لَرَخَّصَ عَلَى النَّاسِ .
وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ زَادَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } وَفِي الْمُجْتَبَى : هَذَا التَّفْسِيرُ أَصَحُّ ، ذَكَرَهُ فِي زَادِ الْفُقَهَاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْحَدِيثَ ، وَعَلَى هَذَا فَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا لَيْسَ هُوَ تَفْسِيرُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَهُوَ صُورَةُ النَّهْيِ بَلْ تَفْسِيرٌ لِضِدِّهَا وَهِيَ الْجَائِزَةُ ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّمْسَارِ وَتَعَرُّضِهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ عِلِّيَّةِ نَهْيِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي قَالَ : الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سِمْسَارًا فَنَهَى عَنْهُ لِلسِّمْسَارِ ( قَوْلُهُ وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ .
قَالَ تَعَالَى ) إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى { وَذَرُوا الْبَيْعَ } كَأَنَّهُ يَجْعَلُ الْوَقْتَ مِنْ حِينِ الْأَذَانِ مَشْغُولًا بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَعْظِيمًا لَهَا كَمَا قَالُوا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ ( وَفِيهِ ) زِيَادَةُ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى ( الْإِخْلَالِ بِوَاجِبِ السَّعْيِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ) وَهُوَ مَا يَكُونُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ، وَقَوْلُهُ ( كُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ ) أَيْ كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا يُكْرَهُ : أَيْ لَا

يَحِلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ( وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا حَتَّى يَجِبَ الثَّمَنُ ) وَيَثْبُتَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، لَكِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَقَدَّمْنَا قَوْلَ مَالِكٍ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ وَفِي النَّجْشِ .
وَكَذَا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، وَعَلَّلَ الصِّحَّةَ ( بِأَنَّ الْفَسَادَ ) فِيهِ ( فِي مَعْنًى خَارِجٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ ) وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْكَافِي ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْعَقْدِ لَيْسَ فِي صُلْبِهِ قَالَ : إلَّا أَنْ يَئُولَ الْخَارِجُ بِالْمُجَاوِرِ ، وَأَنْتَ عَلِمَتْ مَا عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ ) وَهُوَ صِفَةُ الْبَيْعِ الَّذِي فِي أَسْوَاقِ مِصْرَ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ فِي الدَّلَالَةِ ( لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ ) رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ { رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ لَهُ : أَمَّا فِي بَيْتِك شَيْءٌ ؟ قَالَ : بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ ، قَالَ : ائْتِنِي بِهِمَا ، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، فَقَالَ : مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا بِدِرْهَمَيْنِ ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ : اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِكَ ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ فَأْسًا فَأْتِنِي بِهِ ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ

يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبَعْضِهَا طَعَامًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ : لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ } .
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ : سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةٌ ( قَوْلُهُ نَوْعٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ : أَيْ الَّذِي لَا يَحِلُّ عَلَى مَا عَرَفْت أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ ، وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ لِمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَوْ ؛ لِأَنَّهَا مَسَائِلُ يَجْمَعُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ التَّفْرِيقُ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ

قَالَ ( وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
{ وَوَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ : مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ ؟ فَقَالَ : بِعْت أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ : أَدْرِكْ أَدْرِكْ ، وَيُرْوَى : اُرْدُدْ اُرْدُدْ } ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقِّ مُسْتَحِقٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ .
قَالَ ( فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا .
وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى

مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ ( وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ، وَقَدْ صَحَّ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ وَكَانَتَا أَمَتَيْنِ أُخْتَيْنِ } .

( وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ ) بِأَيِّ سَبَبِ فَرْضٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ شِرَاءً أَوْ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا ( صَغِيرَيْنِ ) أَوْ ( أَحَدُهُمَا وَبَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا ) سَوَاءٌ كَانَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَذَكَرَهُ بِصُورَةِ النَّفْيِ مُبَالَغَةً فِي الْمَنْعِ ، وَلَا يُنْظَرُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى جَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْمَوْتُ إلَى انْقِضَاءِ زَمَانِ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ ( وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( { مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ) وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ؛ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ حُيَيِّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ ، وَلِلِاخْتِلَافِ فِيهِ لَمْ يُصَحِّحْهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِقِصَّةٍ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ؟ { مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا } وَقَالَ : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَفِيهِ طَلِيقُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَتَارَةً عَنْهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، وَتَارَةً عَنْ طَلِيقٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَهُوَ الْمَحْفُوظُ .
وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ طَلِيقًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ يُرِيدُ خُصُوصَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَشُهْرَةٌ وَأَلْفَاظٌ تُوجِبُ صِحَّةَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ فِيهِ ، وَهُوَ مَنْعُ التَّفْرِيقِ إلَّا أَنَّ فِي سَوْقِهَا طُولًا عَلَيْنَا .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ

الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ { عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك ؟ فَأَخْبَرْته فَقَالَ : رُدَّهُ رُدَّهُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو دَاوُد بِأَنَّ مَيْمُونًا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ كَذَلِكَ .
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَأَمَرَنِي بِبَيْعِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتهمَا وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ : أَدْرِكْهُمَا فَارْتَجِعْهُمَا وَبِعْهُمَا جَمِيعًا فَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا } وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَنَفَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْعَيْبَ عَنْهُ وَقَالَ : هُوَ أَوْلَى مَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ ، وَلَا يَضُرُّ عَلَى أَصْلِنَا عَلَى مَا عُرِفَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ ) أَيْ يُصْلِحُ شَأْنَهُ ( فَكَانَ فِي التَّفْرِيقِ قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا } وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ .
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنْبَأَنَا مَالِكُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ

الزِّيَادِيُّ عَنْ أَبِي قُنْبُلٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُبَجِّلْ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا } وَعَلَى نَحْوِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهُوَ مَعْنًى مَشْهُورٌ لَا شَكَّ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلُهُ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ ) كَمَحْرَمِ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ ( وَلَا قَرِيبُ غَيْرُ مَحْرَمٍ ) كَابْنِ الْعَمِّ ( وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ ) وَمَوْرِدُهُ كَانَ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ كَمَا فِي الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا وَالْأَخَوَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْخَالِ وَابْنِ أُخْتِهِ وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَا وَرَدَ إلَّا فِي الْوَالِدَةِ وَالْأَخَوَيْنِ .
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ تُثْبِتُ مَعْنًى دَلَالِيًّا وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُوَافِقُ فِي عُرْفِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ خُصُوصَ الْوَالِدَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الْوَالِدَ أَيْضًا مِثْلُهَا فَفُهِمَ مِنْهُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ ثُمَّ جَاءَ نَصُّ الْأَخَوَيْنِ ، فَعُلِمَ أَنْ لَا قَصْرَ عَلَى الْوِلَادِ بَلْ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ فَثَبَتَ فِي الْخَالِ وَالْخَالَةِ بِالدَّلَالَةِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي الدَّلَالَةِ وَالْمَفْهُومِ بَقِيَ إيرَادُ نَقْضِ الْعِلَّةِ بِثَمَانِيَةِ مَسَائِلَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةَ ، مِنْهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ : مَا إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحِقٍّ كَدُفَعِ أَحَدِهِمَا بِجِنَايَةٍ ، أَوْ اسْتِيلَاءِ دَيْنٍ لَزِمَ الصَّغِيرَ كَاسْتِهْلَاكِهِ مَالَ

الْغَيْرِ مَعَ أَنَّهُ فِي دَفْعِهِ غَيْرُ مَجْبُورٍ إذْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ الْفِدَاءَ وَالدَّيْنَ وَيَسْتَبْقِيَهُ وَرَدَّهُ وَحْدَهُ بِعَيْبٍ بِحِصَّتِهِ فَيَرُدُّهُ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا أَوْ يُمْسِكُهُمَا كَمَا فِي مِصْرَاعِي الْبَابِ إذَا وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا .
وَالرَّابِعَةُ أَنْ يُدَبِّرَ أَحَدَهُمَا أَوْ يَسْتَوْلِدَ الْأَمَةَ وَحِينَئِذٍ جَازَ بَيْعُهُ الْآخَرُ وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَكُونَ لِحَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ، فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مَعَ أَنَّ الْمَنْعَ كَمَا هُوَ لِلْبَائِعِ كَذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي ، وَالسَّادِسَةُ لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فِي مِلْكِهِ أَحَدُهُمْ صَغِيرٌ حَلَّ بَيْعُ أَحَدِ الْكَبِيرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ .
وَالسَّابِعَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا بِمَالٍ وَبِلَا مَالٍ وَيُكَاتِبَهُ مَعَ أَنَّهُ حُصُولُ الْفُرْقَةِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ .
وَالثَّامِنَةُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُرَاهِقًا فَرَضِيَ بِالْبَيْعِ وَاخْتَارَهُ وَرَضِيَتْهُ أُمُّهُ جَازَ بَيْعُهُ ، فَالْجَوَابُ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : ( لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ ) فِي مَنْعِ التَّفْرِيقِ ( دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ ) وَهُوَ الصَّغِيرُ ( لَا ) إلْحَاقُ ( الضَّرَرِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَالِكِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَلَوْ مَنَعْنَا التَّفْرِيقَ كَانَ إلْزَامًا لِلضَّرَرِ بِالْمَالِكِ ، وَالْعِلَّةُ هِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِيَّةِ غَيْرِ الْمُسْتَلْزِمِ ضَرَرًا بِالْمَالِكِ ، فَعِنْدَ اسْتِلْزَامِهِ تَكُونُ عِلَّةُ الْمَنْعِ مُنْتَفِيَةً عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ أَوْ مُخَصَّصَةً بِاسْتِلْزَامِ ضَرَرِهِ عِنْدَ مَنْ يُخَصِّصُهَا ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الرَّابِعِ إذْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ رَأْسًا ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُمَا وَالِانْتِفَاعُ بِبَدَلِهِمَا .
وَعَنْ الْخَامِسِ بِأَنَّ

مَفْسَدَةَ التَّفْرِيقِ عَارَضَهَا هُنَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ يَذْهَبُ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَمَفْسَدَةُ كَوْنِهِ هُنَاكَ يَشِبُّ وَيَكْتَهِلُ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ التَّفْرِيقِ عَلَى الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، فَالدِّينُ ظَاهِرٌ وَالدُّنْيَا تَعْرِيضُهُ عَلَى الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ ، وَالسَّبْيُ هَلَاكٌ .
وَيَجِيءُ مَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِهِ .
وَعَنْ السَّادِسِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا هُوَ مَظِنَّةُ الضَّيَاعِ وَالِاسْتِيحَاشِ ، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الثَّالِثِ .
عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ الثَّالِثِ فِي الْكِفَايَةِ قَدْ اجْتَمَعَ فِي الصَّغِيرِ عَدَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ كَالْعَمِّ وَالْخَالِ ، أَوْ اتَّحَدَتْ كَخَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْحِشُ بِفِرَاقِ الْكُلِّ ، وَعَنْ السَّابِعِ بِأَنَّ الْعِتْقَ وَالْكِتَابَةَ عَيْنُ الْجَمْعِ لَا التَّفْرِيقِ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ وَالْمُكَاتَبَ يَزُولُ الْحَجَرُ عَنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَوْنِ مَعَ أَخِيهِ حَيْثُمَا كَانَ وَأَيْنَمَا صَارَ ، وَعَنْ الثَّامِنِ بِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا لَمَّا اخْتَارَا ذَلِكَ فَقَدْ تَحَقَّقْنَا خُلُوَّ الْوَصْفِ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ عَنْ الْحِكْمَةِ فَلَا يُشْرَعُ مَعَهُ الْحُكْمُ فَآلَ الْكُلُّ إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ .
وَمِنْ صُوَرِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَبْدٌ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَوَلَدُهُ صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَابْنِهِ وَإِنْ كَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَهَذَا تَفْرِيقٌ بِحَقٍّ ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ كُرِهَ ذَلِكَ وَجَازَ الْعَقْدُ ) إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا ، أَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالشَّرَائِعِ .

وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ فِي مِلَّتِهِمْ حَلَالًا لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَّا إنْ كَانَ بَيْعُهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي مِلَّتِهِمْ لَا يَجُوزُ ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ) أَيْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرِكْهُمَا وَارْتَجِعْهُمَا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالِارْتِجَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ( وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَالْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ ) وَالنَّهْيَ لِلْمُجَاوَرَةِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بِخِلَافِهِ لِوَصْفٍ لَازِمٍ ( فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ ) عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ بِالْإِدْرَاكِ وَالِارْتِجَاعِ عَلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ مَعَ ظُهُورِ أَنْ يُقِيلَهُ رَغْبَةً فِي ثَوَابِ الْإِقَالَةِ أَوْ أَنْ يَبِيعَ الْأَخُ لِآخَرَ مِنْهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ مَنْعِ التَّفْرِيقِ إنَّمَا تَمْتَدُّ إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْحَيْضِ .
وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا فِي الْمَبْسُوطِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَالتَّفْرِيقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ } وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا ، فَقِيلَ إلَى مَتَى ؟ فَقَالَ : إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ } رَفَعَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَفِي أَظْهَرْ قَوْلَيْهِ إلَى زَمَانِ التَّمْيِيزِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ بِالتَّقْرِيبِ ، وَإِلَى زَمَانِ سُقُوطِ الْأَسْنَانِ ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَطَّأَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ، وَقَالَ : الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ ، وَسَبَبُهُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ

بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ ، قَالَ الذَّهَبِيُّ : كَذَّابٌ ، وَقِيلَ رَمَاهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ حُكْمٌ ثَابِتٌ شَرْعًا ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : إذَا رَاهَقَا وَرَضِيَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمَا ، وَرُبَّمَا يَرَيَانِ الْمُصْلِحَةَ فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ) لِيَثْبُتَ فِيهِ الْمَنْعُ إلْحَاقًا بِالدَّلَالَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ( وَقَدْ صَحَّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ } ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ .
قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ أَنْ غَلَّطَهُ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ ذَكَرَهَا ، لَكِنْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَدَلَّهُمْ بْنِ دَهْثَمٍ انْتَهَى وَبَشِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ الْقِبْطِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَيْنِ وَبَغْلَةً كَانَ يَرْكَبُهَا ، فَأَمَّا إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ فَتَسَرَّاهَا فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ مَارِيَةُ أُمُّ إبْرَاهِيمَ .
وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ } وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ آخَرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مُرْسَلًا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقِسِ ، إلَى أَنْ قَالَ : وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً وَبَغْلَةً مَسْرُوجَةً وَجَارِيَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أُمُّ إبْرَاهِيمَ ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِجُهَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ وَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ

جُهَيْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ } وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ .
وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى حَاطِبٍ قَالَ : { بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَجِئْتُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ فَأَقَمْت عِنْدَهُ ثُمَّ بَعَثَ إلَيَّ وَجَمَعَ بَطَارِقَتَهُ ، إلَى أَنْ قَالَ : وَهَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَك إلَى مُحَمَّدٍ ، فَأَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ جِوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِأَبِي جُهَيْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ } فَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَطُرُقِهِ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّ الْجَارِيَتَيْنِ كَانَتَا أُخْتَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ .
لَا جَرَمَ ذَكَرَ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ الْكَلَاعِيُّ فِي كِتَابِ الِاكْتِفَاءِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ : أَنَّ الْمُقَوْقِسَ أَرْسَلَ إلَى حَاطِبٍ لَيْلَةً إلَى أَنْ قَالَ : فَارْجِعْ إلَى صَاحِبِكَ فَقَدْ أَمَرْت لَهُ بِهَدَايَا وَجَارِيَتَيْنِ أُخْتَيْنِ فَارِهَتَيْنِ وَبَغْلَةٍ مِنْ مَرَاكِبِي وَأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبًا وَعِشْرِينَ ثَوْبًا مِنْ لِينٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَأَمَرْت لَك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَارْحَلْ مِنْ عِنْدِي وَلَا تَسْمَعْ مِنْك الْقِبْطُ حَرْفًا وَاحِدًا فَهَذَا مَعَ تَوْثِيقِ الْوَاقِدِيِّ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، وَقَدْ أَسَلَفنَا تَوْثِيقَهُ ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ ، وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي خَاتِمَةِ مَنَاقِبِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ أَبُو دَاوُد لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَذْكُورَاتِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ : { خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ

فَغَزَوْنَا فَنَارَةً ، إلَى أَنْ قَالَ : فَجِئْت بِهِمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِمَا امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ ، فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ ، فَقُلْت هِيَ لَك ، فَفَدَى بِهَا أُسَارَى مَكَّةَ } انْتَهَى مُخْتَصَرًا فَهَذَا التَّفْرِيقُ وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ لَكِنْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَهُ وَاسْتَوْهَبَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَى أُمِّهَا بَلْ أَبْعَدَ دَارَهَا حِينَ فَدَى بِهَا ، فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْكَبِيرِينَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
[ فُرُوعٌ ] إذَا كَانَ مَعَ الصَّغِيرِ أَبَوَاهُ لَا يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُمٌّ وَأَخٌ أَوْ أُمٌّ وَعَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ أَخٌ جَازَ بَيْعُ مَنْ سِوَى الْأُمِّ ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ لَا يُبَاعُونَ إلَّا مَعًا اعْتِبَارًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَمَّنْ سِوَاهَا وَلِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ غَيْرِهَا ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ ، وَالْجَدَّةُ كَالْأُمِّ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَدَّةٌ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ جَازَ بَيْعُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ لَمْ يُبَاعُوا إلَّا مَعًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ مَعَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ إخْوَةٌ كِبَارٌ ، فِي رِوَايَةِ الْأَمَالِي لَا يُبَاعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَنْ سِوَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ السَّبَبُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَبْعَدُ مَعَ الْأَقْرَبِ .
وَعِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْجِهَةِ أَحَدُهُمَا يُغْنِي ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ سِتَّةَ إخْوَةٍ ثَلَاثَةٌ كِبَارٌ وَثَلَاثَةٌ صِغَارٌ فَبَاعَ مَعَ كُلِّ صَغِيرٍ كَبِيرًا جَازَ اسْتِحْسَانًا ،

فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ بَاعَ غَيْرَ الشَّقِيقَةِ ؛ وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ فَصَارَا أَبَوَيْنِ لَهُ ثُمَّ مَلَكُوا جُمْلَةُ الْقِيَاسِ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِاتِّحَادِ جِهَتِهِمَا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُبَاعُ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ فَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ الَّذِي يَبِيعُ فَيَمْتَنِعُ احْتِيَاطًا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَدَدٌ أَحَدُهُمْ أَبْعَدُ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ لَا يُفَرِّقُ ، وَلَكِنْ يُبَاعُ الْكُلُّ أَوْ يُمْسِكُ الْكُلَّ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ وَالْخَالَيْنِ جَازَ أَنْ يُمْسِكَ مَعَ الصَّغِيرِ أَحَدَهُمَا وَيَبِيعَ مَا سِوَاهُ ؛ وَمِثْلُ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ أَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ ؛ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

( بَابُ الْإِقَالَةِ ) .
( الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا ( فَإِنْ شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَرُدُّ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَتَبْطُلُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فَيُجْعَلُ فَسْخًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فَسْخٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَيُجْعَلُ بَيْعًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ .
لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ .
وَمِنْهُ يُقَالُ : أَقِلْنِي عَثَرَاتِي فَتُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ .
وَإِذَا تَعَذَّرَ يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ : وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي .
وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ السِّلْعَةِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ وَالْفَسْخِ كَمَا قُلْنَا ، وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ وَلَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا ، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ : إذَا شَرَطَ

الْأَكْثَرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ ، إذْ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا أَوْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ لِمَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَحِينَئِذٍ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِالْأَقَلِّ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ ، وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعْلُهُ بَيْعًا مُمْكِنٌ فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ ، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا سُكُوتٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ وَأَقَالَ يَكُونُ فَسْخًا فَهَذَا أَوْلَى ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ ، وَإِذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ لِمَا بَيَّنَّاهُ .

( بَابُ الْإِقَالَةِ ) مُنَاسَبَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِوُجُوبِ التَّفَاسُخِ فِي الْعُقُودِ الْمَكْرُوهَةِ السَّابِقَةِ ، وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
وَأَيْضًا الْإِقَالَةُ بَيَانُ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعَقْدُ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ ثُبُوتِهِ وَأَبْوَابُ الْبِيَاعَاتِ السَّابِقَةِ كُلُّهَا مَعَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ بَيَانُ كَيْفَ يَثْبُتُ فَأَعْقَبَ الرَّفْعَ مُعْظَمُ أَبْوَابِ الْإِثْبَاتِ .
ثُمَّ قِيلَ : الْإِقَالَةُ مِنْ الْقَوْلِ ، وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ ، فَأَقَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقَوْلَ : أَيْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْبَيْعُ كَأَشْكَاهُ أَزَالَ شِكَايَتَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا قُلْتُهُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ لَا وَاوٌ فَلَيْسَ مِنْ الْقَوْلِ ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ ، وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ اللُّغَةِ : قَالَ الْبَيْعُ قَيْلًا وَإِقَالَةً فَسَخَهُ ( قَوْلُهُ الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ( لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ } زَادَ ابْنُ مَاجَهْ { يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
وَأَمَّا لَفْظُ نَادِمًا فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ (

وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا ) الَّتِي لَهَا شُرِعَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَالْمَعْنَى إنَّمَا يُفِيدُ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ ، وَأَمَّا لُزُومُ كَوْنِهِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ فَلِوَجْهٍ يُفِيدُهُ الْمَعْنَى الَّذِي مَهَّدَهُ بِقَوْلِهِ ( وَالْأَصْلُ ) أَيْ الْأَصْلُ فِي لُزُومِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَبْطُلَ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ ( أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ) وَحَقِيقَةُ الْفَسْخِ لَيْسَ إلَّا رَفْعُ الْأَوَّلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَثْبُتُ الْحَالُ الْأَوَّلُ ، وَثُبُوتُ الْحَالِ الْأَوَّلِ هُوَ بِرُجُوعِ عَيْنِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى مَالِكِهِ كَأَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ غَيْرُهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَ الْأَوَّلِ وَنَفْيَ غَيْرِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَخِلَافُ الْجِنْسِ وَالْأَجَلِ ، نَعَمْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهِمَا جُعِلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا بَيْعًا فَيُعْطَى بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا حُكْمَ الْبَيْعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ .
( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ فَسْخًا ) كَأَنْ وُلِدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَكَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضًا بِالدَّرَاهِمِ فَهَلَكَ ( تَبْطُلُ ، هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا ) بِأَنْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَبِيعٍ مَنْقُولٍ فَتُجْعَلُ فَسْخًا .
فَإِنْ تَعَذَّرَ كَوْنُهَا بَيْعًا وَفَسْخًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضَا بِالدَّرَاهِمِ فَتَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَرْضِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قُلِبَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ فَسْخٌ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ فَبَيْعٌ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ فَتَبْطُلُ ؛ وَالْعَجَبُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَقِلْنِي فَقَالَ أَقَلْتُك مَعَ أَنَّهَا بَيْعٌ عِنْدَهُ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ عَلَى

مَا سَلَفَ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّهَا فَسْخٌ وَيَقُولُ : لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْمُضِيِّ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِي بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَمْ يُعْطِ حُكْمَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ ، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، هَكَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ ، وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ مَادَّةُ قَافٍ لَامٍ بَلْ لَوْ قَالَ تَرَكْت الْبَيْعَ وَقَالَ الْآخَرُ رَضِيت أَوْ اخْتَرْت تَمَّتْ ، وَيَجُوزُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ ، كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقَلْتُك وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْت ، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ( أَنَّ اللَّفْظَ ) أَيْ لَفْظَ الْإِقَالَةِ وُضِعَ ( لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ ) بِدَلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ ( يُقَالُ : أَقِلْنِي عَثْرَتِي ) بِمَعْنَى أَسْقِطْ أَثَرَهَا بِاعْتِبَارِهَا عَدَمًا بَعْدَ وُجُودِهَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ إذْ حَقِيقَتُهُ رَفْعُ الْوَاقِعِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا غَيْرُ مُمْكِنٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ ( فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ ) الْفَسْخُ ( يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي ، وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ ) وَخُصُوصُ اللَّفْظِ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا فِي التَّوْلِيَةِ وَأَخْذِ الدَّار بِالشُّفْعَةِ ( وَلِهَذَا تَبْطُلُ ) الْإِقَالَةُ ( بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ ) بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ ، وَوَجَبَ لِلَّذِي كَانَ بَائِعًا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي .
( وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ ) فَإِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ بَيْعًا ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَيْعًا كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِي مَنْقُولٍ قَبْلَ قَبْضِهِ صِرْنَا إلَى

مَجَازِهِ بِجَعْلِهِ فَسْخًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ ، وَكَوْنُهُ لَا يُبْتَدَأُ عَقْدُ الْبَيْعِ بِإِنْشَائِهِ بِهِ مَمْنُوعٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ ، وَانْتِفَاؤُهُ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْبَيْعِ ، وَهَذَا بَيْعٌ هُوَ فَرْعُ بَيْعٍ سَابِقٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ سَبْقِهِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ ) عَلَى مَا قُلْنَا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ ) وَكَوْنُهُ يَثْبُتُ بِهِ لَوَازِمُ الْبَيْعِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْهَلَاكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَالِثٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِنْ حَقِيقَتِهِ ، إذْ اللَّوَازِمُ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً تَتَرَتَّب عَلَى حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا تَكُونُ الْإِقَالَةُ بَيْعًا لِذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : فَتَكُونُ بَيْعًا لِثُبُوتِ حَقِيقَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي لَا لِثُبُوتِ اللَّوَازِمِ الْخَارِجِيَّةِ ، قُلْنَا : إنَّمَا نُرِيدُ بِالْبَيْعِ مَا كَانَ مُفِيدًا لِهَذِهِ الْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً لَا تَرَاجُعًا بِطَرِيقِ الرَّفْعِ حُكْمًا عَلَى الشَّرْعِ بِذَلِكَ : أَيْ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ ، عَلَى أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا شَرْعًا أَوْ بِقَيْدِ أَنْ لَا يَكُونَ تَرَاجُعًا ، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَلْفَاظِ ، بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ هُوَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الْبَيْعِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الرَّفْعَ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ ( ضِدُّهُ ) أَيْ ضِدُّ الْعَقْدِ أَوْ نَقِيضُهُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ .
وَهَذَا طَرِيقُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي الضِّدِّ

إنَّمَا يَكُونُ لِتَهَكُّمٍ أَوْ تَمْلِيحٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْفِقْهِ أَوْ يَكُونُ لِمُشَاكَلَتِهِ لِلَفْظٍ وَقَعَ فِي صُحْبَتِهِ كَ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ، وَلَيْسَ هُنَا ذَلِكَ ( فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ ) لَيْسَ بِاعْتِبَارِ جَعْلِنَا إيَّاهُ مَجَازًا عَنْهُ ، وَلَكِنْ ( لِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ ) وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ ( بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ ) بِبَدَلٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيَصْرِفَا مُوجَبَ الْبَيْعِ عَنْهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا وَيَظْهَرُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، وَلِئَلَّا يَفُوتَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَالشُّفْعَةِ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ أَوْ الْخِلْطَةِ ، فَإِذَا فُرِضَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي عَوْدِهَا إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشُّفْعَةِ تَخَلَّفَ مَقْصُودُهُ ( قَوْلُهُ إذَا ثَبَتَ هَذَا ) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ ( فَنَقُولُ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ ) إذَا شَرَطَا ( فِي الْإِقَالَةِ ) الْأَكْثَرَ ( كَأَنْ تَقَايَلَا عَلَى مِائَةٍ ) وَالْبَيْعُ بِخَمْسِينَ ( فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ) وَإِنَّمَا بَطَلَ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لَا رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ .
( لِأَنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ ) وَلَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ الْعَقْدَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ عَلَى مِائَةٍ ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ رَفْعَهُ عَلَى مِائَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ الْعَقْدُ بِمِائَةٍ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فَلَا رَفْعَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَهُ وُجُودٌ ، وَإِيَّاهُ عَنَيَا بِالْإِقَالَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُمَا زَادَاهُ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَثْبُتُ الرَّفْعُ بِرَفْعِهِمَا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ الَّذِي زَادَاهُ ( بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِيهِ وَيَتَحَقَّقُ بِهِ الرِّبَا ) وَيَصِيرُ بَيْعًا فَاسِدًا

فَلَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ ( وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ ) عِنْدَهُ يَصِحُّ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ( لِمَا بَيَّنَّا ) أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ هُوَ وَيَثْبُتُ قَدْرُ الْأَوَّلِ ( إلَّا أَنْ ) يَكُونَ ( حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ ) فَيَصِحُّ بِالنُّقْصَانِ جَعْلًا لَلْحَطّ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ ( وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ عَلَى الزِّيَادَةِ فَجُعِلَ بَيْعًا ، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ .
( وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) بِاعْتِبَارِهِ مُرِيدًا لِلْأَوَّلِ لَكِنَّهُ سَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ ( وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ ) بِأَنْ قَالَ أَقَلْتُك ( يَكُونُ فَسْخًا ) عَلَيْهِ ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ ( أَوْلَى ) ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ ، وَلَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ ( لِمَا بَيَّنَّا ) مِنْ جَعْلِ الْحَطِّ بِإِزَاءِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْبِ [ فَرْعٌ ] بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْبَيْعِ بَاقٍ .

وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجْعَلُ التَّسْمِيَةَ لَغْوًا عِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ ، وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ ، وَغَيْرِهِ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ ، وَفِي الْعَقَارِ يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ لِإِمْكَانِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَهُ .

( قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَأَقَالَ عَلَى دَنَانِيرَ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قَدْرَهَا ( فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُجْعَلُ التَّسْمِيَةُ لَغْوًا ، وَعِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا ) أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا جُعِلَ بَيْعًا ( قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَبْضِ ( ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ ) زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَعَذَّرُ مَعَهَا الْفَسْخُ حَقًّا لِلشَّرْعِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةً كَانَتْ كَالسِّمَنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالرَّفْعَ ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُتَّصِلَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ مَعَهَا ، وَالْإِقَالَةُ لَا تَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا فَسْخًا ( وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا ) وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْخِلَافِ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِي مَنْقُولٍ فَقَبِلَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ لَا الْفَسْخُ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ .
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَثَمَرَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي مَوَاضِعَ أَيْضًا : مِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَهُ شَفِيعٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِع لِلشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ اتِّفَاقًا ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ صَرْفًا كَانَ التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِقَالَةِ لِإِقَالَةِ مُسْتَحِقِّ الشَّرْعِ فَكَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّرْعِ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ جَازَ وَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ، وَمِنْهَا أَنَّ السِّلْعَةَ لَوْ كَانَتْ هِبَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ .

( قَالَ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَيْعِ دُونَ الثَّمَنِ ( فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي ) ؛ لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ ، وَإِنْ تَقَايَضَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

( قَوْلُهُ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَالٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُتَعَيِّنٌ ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ دَيْنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ إلَى نَقْدٍ ، وَإِمَّا مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فِيمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالدَّيْنُ مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً ، وَلِذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِلْمَالِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ ، وَهِبَةُ الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ بِحَالٍ ، وَلَا تَتَأَدَّى زَكَاةُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ، أَنْقَصُ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ ، وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عِظَامٌ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَبِيعِ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ وَجَبَ إظْهَارُهَا ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ سَوَاءٌ ، فَأَظْهَرْنَاهَا فِي الْبَقَاءِ فَجَعَلْنَا بَقَاءَ الْبَيْعِ حُكْمًا مُضَافًا إلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ ، فَإِذَا هَلَكَ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الدَّرَاهِمُ بَاقِيَةً فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ ، إذْ رَفْعُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ .
وَإِنَّمَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ هَلَكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّلَمَ فِي هَذَا كَبَيْعِ الْمُقَايَضَةِ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ شَرْعًا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ الْعَيْنَ ثَمَنًا وَالدَّيْنَ عَيْنًا مَبِيعًا ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلَهُ فِي الْإِقَالَةِ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْمُقَايَضَةِ كَمَا سَنَذْكُرُ ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا وَالْبَدَلَانِ قَائِمَانِ ثُمَّ هَلَكَ

أَحَدُهُمَا أَيًّا كَانَ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلُهُ ( وَلَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ ) .
( قَوْلُهُ وَلَوْ تَقَايَضَا ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ : أَيْ تَبَايَعَا بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ فَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ ( جَازَتْ الْإِقَالَةُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ ) مِنْ وَجْهٍ ( فَكَانَ الْبَيْعُ بَاقِيًا ) بِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِنْهُمَا فَأَمْكَنَ الرَّفْعُ فِيهِ ، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَمَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ إنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ وَعَلَيْهِ لِبَائِعِ الْعَبْدِ قِيمَةُ الْعَبْدِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبِعْ وَلَكِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْآخَرُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ أَيْضًا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَايَضَةِ وَالصَّرْفِ فَإِنَّ هَلَاكَ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْإِقَالَةِ ، وَفِي الْمُقَايَضَةِ مَانِعٌ أَنَّهُ فِي الصَّرْفِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بَلْ رَدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْإِقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا فَلَا تَبْطُلْ بِهَلَاكِهِمَا ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ ، وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ وَرَأْسَ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهُ ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ .
وَلَوْ تَقَايَلَاهُ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ صَحَّتْ وَعَلَى رَبِّ السَّلَمِ رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ عَقْدًا عَلَى دَيْنٍ كَعَيْنٍ وَرَدَّ عَلَيْهَا الْعَقْدَ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً

عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ

[ فُرُوعٌ ] .
مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ ، وَلِذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ تَتَوَقَّفُ الْإِقَالَةُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالْإِبْرَاءِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، .

وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَا تَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ، .

وَفَسْخُ الْمُوَكِّلِ مَعَ الْمُشْتَرِي جَائِزٌ ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ : إقَالَةُ الْوَارِثِ جَائِزَةٌ ، وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ جَوَازَ إقَالَةِ الْوَصِيِّ ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبِعْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ ، وَكَذَا الْمُتَوَلِّي أَيْضًا لَوْ اشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَيْسَ لَهُ الْإِقَالَةُ .

وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَقَدْ رَخُصَتْ الدَّرَاهِمُ رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَا بِمَا دَفَعَ وَكَذَا لَوْ رَدَّ بِالْعَيْبِ ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ لَوْ فُسِخَتْ وَلَوْ عَقَدَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ كَسَدَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ الْكَاسِدَةَ ، وَلَوْ عَقَدَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ جَدَّدَا بِحَالٍ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ ، وَكَذَا لَوْ عَقَدَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ جَدَّدَا بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ ، أَمَّا لَوْ جَدَّدَا بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ وَأَقَلَّ فَلَا وَهُوَ حَطٌّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ زِيَادَةٌ فِيهِ ، وَقَالُوا لَوْ بَاعَ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَحَطَّ عَنْهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ عَقَدَا بِعَشَرَةٍ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ ، إذْ الْحَطُّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إلَّا فِي الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ لَوْ كَانَ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيه بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ بِعْهُ لِنَفْسِك فَإِنْ بَاعَهُ جَازَ وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ بِعْهُ أَوْ زَادَ قَوْلُهُ مِمَّنْ شِئْت لَا يَصِحُّ فِي الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ، وَلَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ : يَعْنِي إذَا قَبِلَ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَعْتِقْهُ فَأَعْتَقَهُ جَازَ الْعِتْقُ عَنْ الْبَائِعِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعِتْقُ بَاطِلٌ ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحِ فَسْخٌ ، وَعَلَيْهِ مَا فَرَّعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ وَغَيْرِهَا ، بَاعَ أَمَةً فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا إلَّا إنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ جُحُودَ الْمُشْتَرِي فَسْخٌ فِي حَقِّهِ ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَقَدْ تَمَّ

الْفَسْخُ مِنْهُمَا ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا ، فَإِنْ تَرَكَ الْمُشْتَرِي الْخُصُومَةَ وَسَمِعَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ جَارِيَةً أُخْرَى فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَقَالَ هِيَ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا وَقَبَضْتهَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قَبْضَ غَيْرِهَا ، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِهَا حَلَّ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّ أُخْرَى فَقَدْ رَضِيَ بِتَمَلُّكِ الْبَائِعِ الثَّانِيَةَ بِالْأَوْلَى ، فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَاطِي ، وَكَذَا الْقَصَّارُ وَالْإِسْكَافُ ، .

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَالسَّمَكِ وَالْفَاكِهَةِ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي إلَى بَيْتِهِ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَطَالَ مُكْثُهُ وَخَافَ الْبَائِعُ فَسَادَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ اسْتِحْسَانًا ، وَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِيَ كَذَلِكَ ظَاهِرًا ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ .

وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي : بِعْته مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَقَلْنَا بِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِ الْإِقَالَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الْإِقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ .

( بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ ) .
قَالَ ( الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ ) وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ ؛ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ فِعْلَ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا ، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا ، وَقَدْ صَحَّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلِّنِي أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ : هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا } .

( بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ ) .
( قَوْلُهُ : الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ دَنَانِيرَ اشْتَرَاهَا بِدَرَاهِمَ مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ ، وَأُجِيبَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مُرَابَحَةٍ ، وَكَوْنُهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى السُّؤَالِ الْمُرَابَحَةُ جَائِزَةٌ بِلَا اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ ، وَهَذَا مِنْ مِمَّا صَدَقَاتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِمَّا هُوَ بِبَيْعٍ مُتَعَيِّنٍ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّ كَوْنَ مُقَابِلِهِ ثَمَنًا مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالضَّرُورَةِ مَبِيعٌ مُطْلَقًا ثُمَّ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَمْ تَكُنْ عَيْنُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ مُتَعَيِّنَةً لِتَلْزَمَ مَبِيعًا ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُ وُرُودُهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي صَحَّحْنَا بِهِ الْإِيرَادَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ النَّقْلُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ فِيهِ أَجَلٌ فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْئَيْنِ فَلَمْ يَصْدُقْ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الطَّرْدِ ، وَكَوْنُ الْمُرَابَحَةِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ هُوَ مَعْنَى عَدَمِ وُجُودِهَا شَرْعًا فَيُرَدُّ السُّؤَالُ ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَسَائِلُ : الْأُولَى مَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ عَابَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا فَهَذَا بَيْعُ مُرَابَحَةٍ ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِمَا قَامَ عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ

مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ أَنَّهُ يَجُوز ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ : قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُكَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ ، وَمَعْنَى الرَّقْمِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِقْدَارًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَزْيَدَ ثُمَّ يُرَابِحَهُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ إذَا قَالَ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا ، فَإِنْ غَبَنَ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ فَمِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ ، وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَصْبَ مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ ، وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ لَمَّا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ جَائِزًا فَالْقِيمَةُ بِالْقَضَاءِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ .
وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنَّهُ يَقُولُ قَامَ عَلِيَّ كَذَا ، وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَالثَّالِثَةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ ، وَهُوَ إذَا قَالَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدْفَعْ مَا عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَلَا ثَمَنَ سَابِقٌ أَصْلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَمِمَّا يُرَدُّ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَبْدًا مَثَلًا فَبَاعَ الْمَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَبْدِ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُرَابَحَةً ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا بِمِثْلِهِ ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِي حُكْمِ عَبْدٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَعْيَانِ .
( قَوْلُهُ وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ ) اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا بِالْمَعْنَى وَعَلَى التَّوْلِيَةِ بِالنَّصِّ فَقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِهِ ، وَفِي التَّوْلِيَةِ أَحَادِيثُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا :

مِنْهَا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { التَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ سَوَاءٌ } لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَا خِلَافَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا بِالْمَدِينَةِ قَالَ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ } وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ .
وَفِيهِ { إنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِالثَّمَنِ } أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدْ أَخَذْتهَا بِالثَّمَنِ } وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ : { وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْقَصْوَاءُ } ، فَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَصِحُّ بِالْمَعْنَى ، وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ فِيهَا { فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُ : ارْكَبْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا أَرْكَبْ بَعِيرًا لَيْسَ لِي ، قَالَ : فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : لَا وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : قَدْ أَخَذْتهَا بِذَلِكَ ، قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا } .
ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّهُ سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا بِالثَّمَنِ { وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ ، وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بَنَى

بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : لَوْلَا الصَّدَاقُ ، فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا } ، وَالنَّشُّ هُنَا عِشْرُونَ دِرْهَمًا ؟ { قَالَ : إنَّمَا فَعَلَ لِتَكُونَ الْهِجْرَةُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهَا } ، وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ قَوْلُهُ ( لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ ) وَلَمَّا لَمْ يَكْفِ ثُبُوتُ الشَّرَائِطِ فِي الشَّرْعِيَّةِ أَفَادَ عِلَّتَهَا بِقَوْلِهِ ( وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ ) عَلَى ( فِعْلِ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ بِنَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا ) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ لِجَوَازِهِمَا بَعْدَ الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَا يُخِلَّ بِمَا عُلِمَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ ، بَلْ دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ هُوَ دَلِيلُ جَوَازِهِمَا ، إذْ لَا زِيَادَةَ فِيهِمَا إلَّا اقْتِرَانُهُمَا بِإِخْبَارٍ خَاصٍّ ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِثَمَنِ كَذَا مُخْبِرًا بِأَنَّ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ لَا أَرْضَى بِدُونِهَا .

قَالَ ( وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ ( وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ وَقَدْ بَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ مَوْصُوفٍ جَازَ ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ ( وَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ ده يازده لَا يَجُوزُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ( وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالطَّرَّازِ وَالصَّبْغِ وَالْفَتْلِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ ) ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ ( وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْته بِكَذَا ) كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَسَوْقُ الْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى ، وَبِخِلَافِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ حَذَاقَتُهُ .

وَمِنْ مَعْرِفَةِ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ يَعْلَمُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ ( وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ ) يَعْنِي الثَّمَنَ ( مِمَّا لَهُ مِثْلٌ ) كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِمَا ( لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ) بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُقَايَضَةً مَثَلًا لَوْ رَابَحَهُ أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهُ كَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا أَوْ بِقِيمَةِ عَبْدٍ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ .
أَمَّا لَوْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَصَلَ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ فَرَابَحَهُ عَلَيْهِ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي بِيَدِك وَرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ كُرِّ شَعِيرٍ أَوْ رِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ ( جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ ) مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ ( مَا لَوْ بَاعَهُ ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ ( بِرِبْحِ ده يازده ) فَإِنَّهُ ( لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ ) فَإِنَّ مَعْنَى ده يازده كُلُّ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ ، وَهَذَا فَرْعُ مَعْرِفَةِ عَدَدِ الْعَشْرَاتِ وَهُوَ بِتَقْوِيمِ الْعَبْدِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ ده يازده وَمَعْنَاهُ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشْرَ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رَبِحَهَا وَاحِدٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ مَفْهُوم ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ لُزُومَ ذَلِكَ رَفْعًا لِلْجَهَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَابَحَةُ عَلَى الْعَبْدِ بده يازده تَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِهِ أَوْ بِمِثْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ كُلُّ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ رِبْحُهَا جُزْءٌ آخَرُ مِنْهُ ، وَحِينَ عَرَفَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ .
[ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ ] اشْتَرَى عَبْدًا بِعَشَرَةٍ خِلَافِ نَقْدِ

الْبَلَدِ وَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فَالْعَشَرَةُ مِثْلُ مَا نَقَدَ وَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي ، وَالرِّبْحَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ ، فَإِنْ نَسَبَ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ بِعْتُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ ، وَفِي الْمُحِيطِ : اشْتَرَى بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ ، وَقَالَ بِبَلْخٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى نَقْدِ بَلْخٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ نَقْدُ نَيْسَابُورَ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ .
وَإِذَا كَانَ نَقْدُ نَيْسَابُورَ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ دُونَ نَقْدِ بَلْخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَرَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى نَقْدِ نَيْسَابُورَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ وَاشْتَرَاهُ بِبَلْخٍ بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَوْزَنُ وَأَجْوَدُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ مَا دَفَعَ عِوَضًا عَنْهُ ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ فَدَفَعَ عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا بِعَقْدٍ آخَرَ .
وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ ) أَسْوَدَ كَانَ الصَّبْغُ أَوْ غَيْرَهُ ( وَالطِّرَازَ وَالْفَتْلَ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ ) بَرًّا أَوْ بَحْرًا ( لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ يَلْحَقُ بِهِ ) أَيْ بِرَأْسِ الْمَالِ .
( وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ ) مِنْ الطِّرَازِ وَالْفَتْلِ ( يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ ) مِنْ

مَكَان إلَى مَكَان ( يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، وَالْمَعْنَى الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَادَةُ التُّجَّارِ حَتَّى يَعُمَّ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا ( وَ ) إذَا ضَمَّ مَا ذُكِرَ ( يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا ، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ ، وَسَوْقُ الْغَنَمِ ) وَالْبَقَرِ ( كَالْحَمْلِ ) يَضُمُّهُ ( بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْبَيْتِ لِلْحِفْظِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ ) وَلَا الْقِيمَةِ فَلَا يُضَمُّ ، وَكَذَا سَائِقُ الرَّقِيقِ وَحَافِظُهُمْ وَحَافِظُ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ ، بِخِلَافِ سَائِقِ الْغَنَمِ ( وَ ) كَذَا ( أُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ ) صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا أَوْ شِعْرًا ( لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُتَعَلِّمِ ( وَهُوَ حَذَاقَتُهُ ) فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمُعَلَّمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً ، وَكَوْنُهُ بِمُسَاعِدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلِّمِ هُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا لَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى الصَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَالتَّعْلِيمُ عِلَّةٌ عَادِيَّةٌ فَكَيْفَ لَا يُضَمُّ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ، قَالَ : وَكَذَا فِي تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَالْعَرَبِيَّةِ ، قَالَ : حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَكَذَا لَا يَلْحَقُ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَجُعْلِ الْآبِقِ ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يَلْحَق بِالسَّائِقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ ، وَتُضَمُّ أُجْرَةُ السِّمْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ : لَا تُضَمُّ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى

الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعُرْفُ فِيهِ ، وَقِيلَ : إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ ، وَقِيلَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ تُضَمُّ ، كُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التُّجَّارِ ، وَلَا يُضَمُّ ثَمَنُ الْجِلَالِ وَنَحْوِهَا فِي الدَّوَابِّ ، وَتُضَمُّ الثِّيَابُ فِي الرَّقِيقِ وَطَعَامِهِمْ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً ، وَيُضَمُّ عَلَفُ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَأَلْبَانِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيُضَمُّ مَا زَادَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ ، وَكَذَا دَجَاجَةٌ أَصَابَ مِنْ بَيْضِهَا يُحْتَسَبُ بِمَا نَالَهُ وَبِمَا أَنْفَقَ وَيُضَمُّ الْبَاقِي وَتُضَمُّ أُجْرَةُ التَّجْصِيصِ وَالتَّطْيِينِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ وَالْقَنَاةِ فِي الْأَرْضِ مَا بَقِيَتْ هَذِهِ ، فَإِنْ زَالَتْ لَا تُضَمُّ ، وَكَذَا سَقْيُ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَكَسْحِهِ .
وَلَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ بِنَفْسِهِ أَوْ طَيَّنَ أَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يُضَمُّ شَيْئًا مِنْهَا ، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ أَوْ بِإِعَارَةٍ .

( فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَحُطُّ فِيهِمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُخَيَّرُ فِيهِمَا ) لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ ؛ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا ، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ ، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بِالْحَطِّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُحَطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْفَائِتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ ) إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَقَدْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْخِيَانَةِ مُنَاقِضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ ، وَالْحَقُّ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الْحَطِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ ( فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ) وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا فِي التَّوْلِيَةِ يُحَطُّ قَدْرُهَا ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُحَطُّ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُخَيَّرُ فِيهِمَا ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( لِمُحَمَّدٍ : إنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلتَّسْمِيَةِ ) لِأَنَّ الثَّمَنَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَبِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ، وَلَا خِيَارَ بِأَنَّهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فِيهِمَا لَا يَتَعَلَّقُ الِانْعِقَادُ بِهِ .
إنَّمَا هُوَ ( تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ ) كَوَصْفِ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ ( فَبِفَوَاتِهِ ) بِظُهُورِ أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ ذَاكَ ( يَتَخَيَّرُ .
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ ) أَيْ فِي عَقْدِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ ( كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً ) وَذَلِكَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَمُرَابَحَةٌ عَلَيْهِ ( وَذَلِكَ بِالْحَطِّ غَيْرَ أَنَّهُ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ مِقْدَارَ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَحُطُّهُ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ ) عَلَى نِسْبَتِهِ ، حَتَّى لَوْ رَابَحَ فِي ثَوْبٍ عَلَى عَشَرَةٍ بِخَمْسَةٍ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ بِثَمَانِيَةٍ يَحُطُّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ ، دِرْهَمَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمِنْ الرِّبْحِ خُمُسَهُ وَهُوَ دِرْهَمٌ .
( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي

التَّوْلِيَةِ وَهُوَ ( أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِيهَا لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ) وَالْعَقْدُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِاعْتِبَارِهَا فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ إلَى بَيْعٍ آخَرَ بِثَمَنٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ الْآخَرُ وَ ) أَمَّا ( فِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يَحُطَّ ) لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مُرَابَحَةً لِتَغَيُّرِ التَّصَرُّفِ ( وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ ) فَإِنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّ الرِّبْحَ أَكْثَرُ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي ( فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ ) بِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ ( فَلَوْ هَلَكَ ) الْمَبِيعُ ( قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ ) أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ( أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ) وَفِيهِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْفَسْخِ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ( بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ جُزْءٌ فَائِتٌ يُطَالَبُ بِهِ ( فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ ) .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ انْتَقَصَ يُحَطُّ ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ ) .
صُورَتُهُ : إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا ، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ ، لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ ، كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبِ الشُّبْهَةِ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى خَمْسَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيُطْرَحُ عَنْهُ خَمْسَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ) مِنْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ ( فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ ) الرِّبْحُ ( اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً ) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ؟ ( هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ( صُورَتُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ عَنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا مِنْهُ الْخَمْسَةَ الَّتِي رَبِحَهَا ( فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً ) عَلَى خَمْسَةٍ ( وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ ؛ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ ( بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا ) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقُولُ هَذَا كُنْت بِعْته فَرَبِحْت فِيهِ عَشَرَةً ثُمَّ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ وَأَنَا أَبِيعُهُ بِرِبْحِ كَذَا عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ .
( وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ) الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَهُوَ ( عَشَرَةٌ فِي الْفَصْلَيْنِ ) مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ( لَهُمَا أَنْ الْعَقْدَ الثَّانِيَ ) وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ كَانَ بَاعَهُ مِنْهُ فَهُوَ ( عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ ) وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ خِيَارٌ لَا يَكُونُ فِي الثَّانِي ، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ مُرَابَحَةً أَوْ وَضِيعَةً ، وَلِذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ أَصْلًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ الثَّانِيَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ .
وَصَارَ ( كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ

ثَالِثٌ ) بِأَنْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعِشْرِينَ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ ) أَيْ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ( مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ ) مِنْ ذَلِكَ الرِّبْحِ ( بِأَنْ يَظْهَرَ ) الْمُشْتَرِي ( عَلَى عَيْبٍ ) فَيَرُدَّهُ فَيَزُولُ الرِّبْحُ عَنْهُ ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ تَأَكَّدَ : أَيْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ الرِّبْحِ وَلِلتَّأْكِيدِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْإِيجَابِ كَمَا فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِتَأْكِيدِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ بِارْتِدَادٍ ، وَعَلَى اعْتِبَارِ التَّأْكِيدِ يَصِيرُ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُشْتَرِيًا بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَوْبًا وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَكُونُ الْخَمْسَةُ بِإِزَاءِ الْخَمْسَةِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ ( لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الصُّلْحِ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الشِّرَاءُ بِعَشَرَةٍ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَصِيرُ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِعَشْرَةٍ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهُوَ حُصُولُ الثَّوْبِ بِلَا عِوَضٍ ، أُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ إنَّمَا حَصَلَ بِهِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِيَانَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ ، وَشَرْعِيَّةُ الْمُرَابَحَةِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِبَادِ لَا الشَّرْعِ ، وَلِذَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَقَدْ عَلِمَ يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي الرِّبَا لَوْ رَضِيَا بِهِ ، وَأُورِدَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وُهِبَ لَهُ

ثَوْبٌ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِعَشَرَةٍ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ بِهِ انْقِطَاعُ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ إلَّا فِي عَقْدٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ مُرَابَحَةً بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَضٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى أَشْيَاءَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَتَعْيِينُهَا لَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الْغَلَطِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ ( وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ ) لِتَأْكِيدِ الرِّبْحِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّالِثِ وَوَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْبُطْلَانِ بِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الرِّبْحِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ .

قَالَ ( وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ ) ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ بِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْمَوْلَى ( يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ ) بِعَشَرَةٍ ( فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ ) بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ( لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ ) أَعْنِي الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ وَيُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ سَالِمًا ( فَلَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ ، وَكَذَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً إذَا عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ ، وَلَكِنْ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَحَّحْنَاهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ ( مَعَ الْمُنَافِي ) وَهُوَ كَوْنُهُ عَبْدَهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِكَوْنِ الْمَالِ لَهُ لَوْلَا الدَّيْنُ ( فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَار لل ) عَقْدِ ( الْأَوَّلِ ) وَهُوَ الْكَائِنُ بِعَشَرَةٍ ( فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لِأَجْلِ الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ وَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى ( وَكَانَ بِبَيْعِهِ ) أَجَلُ ( الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي ) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ ( فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ مُكَاتَبَ السَّيِّدِ بِالِاتِّفَاقِ .
وَقَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَمًا لِلْمُرَابَحَةِ لَا لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا مِنْ وَجْهٍ ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ

بَيْعُ أَمَانَةٍ تَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَخِيَانَةٍ ، وَالْمُسَامَحَةَ جَارِيَةٌ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَيُتَّهَمُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَذَلِكَ ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ اشْتَرَى هَؤُلَاءِ مِنْهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَامَ عَلَى الْبَائِعِ ، إلَّا أَنَّهُمَا خَالَفَا فِي هَذِهِ فَقَالَا : يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَالْحُقُوقِ فَكَانَا كَالْأَخَوَيْنِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُ لِلْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ .
وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ لِلْآخَرِ وَتَجْرِي الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمْ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا ، ثُمَّ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ كَوْنُهُ مَدْيُونًا بِمَا يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْجَامِعِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : وَالْمَشَايِخُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ كَقَاضِي خَانَ ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُحِيطِ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَقَالَ : عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ : إذَا اشْتَرَى مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذِكْرَهُ وَعَدَمَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ ، بَلْ إذَا كَانَ لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ مَعَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ كَسْبِهِ فَلَأَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ الثَّانِي أَصْلًا إنَّمَا يَبِيعُ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ .
وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ لِثُبُوتِ صِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَعَدَمِهِ ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ ، وَلَوْ

اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً ، إنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى وَلَا يُبَيِّنُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي وَنَصِيبَ نَفْسِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ نَحْوُ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ اُشْتُرِيَتْ بِأَلْفٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَاشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ سِتُّمِائَةٍ وَنَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ .

قَالَ ( وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَقْصُودٌ وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ .

وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ ، لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ ) وَهُوَ وَجْهُ الْمَنْعِ لِزُفَرَ لَكِنَّا أَجَزْنَاهُ ( لِمَا فِيهِ مِنْ ) فَائِدَةِ ( اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ) بَعْدَمَا كَانَتْ مُنْتَفِيَةً لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ عَنْهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ ( وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمُضَارِبَ ( وَكِيلٌ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ ( فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ ) وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهِ مِنْهُ ، كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ مَا وَكَّلَهُ بِشِرَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ جَائِزٌ ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ مَالُ الْمُضَارِبِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى لَا يَجُوزُ حَجْرُ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ( فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي نِصْفِ الرِّبْحِ ) الَّذِي هُوَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ ، وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ ، وَلَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً فَاقْتَسَمَاهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ ، إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ اسْتِيفَاءً مَحْضًا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَادَلَةً كَالْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً

لِابْتِنَائِهِ عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْئًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِهَا بِنَفْسِهَا ( يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ ) أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ بِهَا هَذَا الْعَوَرُ ( وَ ) كَذَا لَوْ ( وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ ) وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ ، وَهَذَا ( لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا ) جُزْءٌ مِنْ ( الثَّمَنِ ) ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ ( وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ) إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ ( لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ) وَهُوَ مَا إذَا اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ ) مُرَابَحَةً ( مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ) وَزُفَرَ ، وَالِاحْتِبَاسُ بِفِعْلِهِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ ) بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ( فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ) وَالتَّقْيِيدُ بِفَقْءِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ فَقَأَتْ عَيْنَهَا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ كَمَا بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا شَيْئًا ، وَأَخْذُ الْأَرْشِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ إذَا أَعْوَرَهَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَالْفَرْقُ لَنَا ( أَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ ) فَخَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ بِالْقَصْدِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ ( فَيُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَذِرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهُمَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا ) .

( وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ) وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ .

( وَ ) مِنْ هَذَا ( لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ ) أَوْ طَعَامًا فَتَغَيَّرَ ( يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ) وَقَرْضٌ بِالْقَافِ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ بِالْفَاءِ ( وَلَوْ تَكَسَّرَ ) الثَّوْبُ ( بِطَيِّهِ وَنَشْرِهِ ) لَزِمَهُ الْبَيَانُ ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَاخْتِيَارُهُ هَذَا حَسَنٌ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ الْمُرَابَحَةِ اعْتِمَادُ الْغَبِيِّ أَنَّ الثَّمَنَ قِيمَتُهَا حَيْثُ اشْتَرَى مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهِ فَيَطِيبُ قَلْبُهُ بِشِرَائِهَا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قِيمَتُهَا ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَرُومُ شِرَاءَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا كَيْ لَا يُغْبَنَ ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَرْضَ فَكَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا لَهُ ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا .
فَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً ، يَعْنِي بِلَا بَيَانٍ ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ غَلَائِهِ ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ إلْزَامٌ قَوِيٌّ ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِهِ الْفَائِتِ وَصْفٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُشْتَرَى بِأَجَلٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ ، أُجِيبُ أَنَّ الْأَجَلَ يُعْطَى لِأَجْلِهِ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَادَةً فَيَكُونُ كَالْجُزْءِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ ، وَعَلَى قَوْلِهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً

فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرِي بِالْوَطْءِ حَابِسًا جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ فِي هَذَا لَيْسَ لِمَا ذَكَرْت بَلْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا فَإِمَّا مَعَ الْعُقْرِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَطْءِ مَجَّانًا أَوْ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَوْدِ الْجَارِيَةِ مَعَ زِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الزِّيَادَةِ ، وَلَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الْوَطْءَ بِلَا عِوَضٍ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ وَطْءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا تُسَلَّمُ كُلُّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْوَطْءُ بِلَا عِوَضٍ ، وَلَا يَجُوزُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ وَيُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ زِيَادَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ شَيْءٌ وَجَبَ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَكَذَا الْوَطْءُ ، [ فُرُوعٌ ] لَوْ أَصَابَ مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ شَيْئًا رَابَحَ بِلَا بَيَانٍ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ وَصُوفِهَا ، فَإِنَّهُ إذَا رَبِحَ يَسْقُطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَدْرُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ فِي طَعَامِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي غَيْرِ السَّرَفِ ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْغَنَمُ أَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ يَبِيعُ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِغَيْرِ فِعْلٍ ثُمَّ الزِّيَادَةُ تَجْبُرُهُ ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ

الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لَمْ يَبِعْ الْأَصْلَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا أَصَابَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمُتَوَلِّدُ كَجُزْءِ الْمَبِيعِ ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْأَلْبَانَ وَالسَّمْنَ فَإِنَّهُ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ : اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهُ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ وَضِيعَةً قَالَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا وَلَوْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ ، وَلِهَذَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ وَبَيْعُهُمَا فِي الْعَبْدِ سَوَاءٌ ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْعُقُودِ فَإِنَّ الثَّمَنَ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ وَلَّاهُ حَطَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يُحَطُّ عَنْ الثَّانِي بِهَذَا السَّبَبِ شَيْءٌ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا ، بَلْ هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدٌ بِمَا بَقِيَ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُوَكِّلِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْكُلَّ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ وَيُوَلِّيَهُ .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ ) ؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا ، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْعَيْبِ ( وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، قَالَ : ( فَإِنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَدَّهُ إنْ ) شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ( وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ ، وَسَيَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُنَجَّمٌ مُعْتَادٌ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا ) أَوْ غَيْرَهُ ( بِأَلْفٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ ) وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِالْأَلْفِ ( فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي ) بِذَلِكَ ( فَ ) لَهُ الْخِيَارُ ( إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ ) بِالْأَلْفِ وَالْمِائَةُ حَالَّةٌ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ( لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ ) ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ ، ( وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ) بِالْأَلْفِ ( وَبَاعَ أَحَدَهُمَا ) بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ ، وَهَذَا خِيَانَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَبِيعًا حَقِيقَةً ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ يَكُونُ هَذَا شُبْهَةَ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَةُ الْخِيَانَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ .
( فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي هَذَا يُزَادُ لِأَجْلِ الْأَجَلِ ، هَذَا إذَا عَلِمَ الْخِيَانَةَ قَبْلَ هَلَاك الْمَبِيعِ ( فَلَوْ عَلِمَ ) بَعْدَمَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ( لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ حَالَّةٍ ) ؛ لِأَنَّ ( الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ ) حَقِيقَةً وَاَلَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ مُجَرَّدَ رَأْيٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَكَذَا ( لَوْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْهَلَاكِ : يَعْنِي يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ وَقَبُولُهُ بِالْأَلْفِ الْحَالَّةِ ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا ( وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ) بَعْدَ الْهَلَاكِ ( يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ نَظِيرُ ) قَوْلِهِ فِي ( مَا إذَا اسْتَوْفَى ) صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ دَائِنِهِ ( مَكَانَ ) الدَّيْنِ (

الْجِيَادِ زُيُوفًا ) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِزِيَافَتِهَا حَتَّى أَنْفَقَهَا فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَهَا مِنْ الزُّيُوفِ وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ ( وَسَيَأْتِيكَ ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ ( وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِمُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا ) عَلَى الْبَائِعِ ، قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَادُ التَّنْجِيمِ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ ) مَا كَانَ إلَّا ( حَالًّا ) فِي الْعَقْدِ ، أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِلَا شَرْطِ أَجَلٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ إلَى شَهْرٍ مَطْلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِالْأَلْفِ .

قَالَ ( وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ( فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ ، يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

( قَوْلُهُ : وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ : يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ ) مَا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ ( فَهُوَ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ ) وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ ( لَمْ يَتَقَرَّرْ ) إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الْمَجْلِسِ ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِرَقْمِهِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الرَّقْمِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَهُ عَرْضِيَّةُ الصِّحَّةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ يُعْتَبَرُ الْوَاقِعُ فِي أَطْرَافِهِ كَالْوَاقِعِ مَعًا كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ : أَيْ بَيَانِ قَدْرِ الثَّمَنِ ( كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْمَجْلِسِ ، كَذَا هَذَا يَكُونُ سُكُوتُهُ عَنْ تَعْيِينِ الثَّمَنِ فِي تَحَقُّقِ الْفَسَادِ مَوْقُوفًا إلَى آخِرِهِ ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِيهِ اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ الَّذِي سَكَتَ فِيهِ عَنْهُ ، وَإِنْ انْقَضَى قَبْلَهُ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَلَا يَنْقَلِبُ بَعْدَهُ صَحِيحًا ( وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ ) بَعْدَ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ ( لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ ) فَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ ( كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا يَتَخَيَّرُ .

[ فُرُوعٌ ] .
اشْتَرَى ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى ذِرَاعٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ذُرْعَانِهِ ، وَلَوْ رَابَحَ عَلَى مَالِهِ نِسْبَةً مَعْلُومَةً مِنْهُ كَنِصْفِهِ ثُلُثُهُ ثَمَنُهُ جَازَ ، .

وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ بِمِائَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَيَّ النِّصْفَيْنِ شَاءَ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَ كُلَّهُ مُرَابَحَةً عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ، وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ وَلَوْ بَاعَهُ الثَّمَنَ عَرْضًا أَوْ أَعْطَى بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ جِيَادٍ وَنَقَدَهُ زُيُوفًا فَتَجَوَّزَ بِهَا الْبَائِعُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى عَشَرَةٍ جِيَادٍ ، وَلَوْ وَهَبَ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ ، وَكَذَا إنْ بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادِ بَيْعٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ اشْتَرَى بِهِ ، .

وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَ إلَى الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ .

وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ خِيَارٌ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مُرَابَحَةً فَاطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ .

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ لَا يَشْتَرِي بِذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْغَبْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ جَازَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ ، لَكِنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُهُ وَجَبَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْمُرَابَحَةِ مَا كَانَ إلَّا لِتُهْمَةِ الْحَطِيطَةِ ، فَإِذَا تَيَقَّنَ انْتِفَاءَهَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ اشْتَرَيَا رِزْمَةَ ثِيَابٍ فَاقْتَسَمَاهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ مَا خَصَّهُ مُرَابَحَةً ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا جِنْسًا وَاحِدًا فَاقْتَسَمَاهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَلَوْ اشْتَرَى الرِّزْمَةَ وَاحِدٌ فَقَوَّمَهَا ثَوْبًا ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِنْهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَا قُوِّمَ إلَّا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ : قِيمَةُ هَذَا أَلْفٌ أَوْ قُوِّمَ هَذَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى هَذِهِ الْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّقْمِ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهِ ، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ وَوَصَفَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ، وَلَوْ بَاعَهُ نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْف ثَمَنِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَطَعَامٍ أَكَلَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِانْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْإِجْزَاءِ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَهُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ : أَعْنِي الذُّرْعَانَ ، وَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَابِحَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ ، وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كُلُّ ثَوْبٍ

بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُرَابِحُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ ده يازده فَطَرِيقُهُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةً فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مِائَةً وَعَشَرَةً فَتَسْقُطُ عَشَرَةٌ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ تِسْعَةً وَجُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ ،

( فَصْلٌ ) .
وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ .

.
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِتَكُونَ اتِّفَاقِيَّةً ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُجِيزُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا فِي الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الطَّعَامَ بِالنَّهْيِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، وَفِي لَفْظٍ " حَتَّى يَقْبِضَهُ " قُلْنَا : قَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ : وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَ الطَّعَامِ أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَئِمَّةُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَعَضَّدَ قَوْلَهُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ابْتَعْت زَيْتًا فِي السُّوقِ ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْته لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي فِيهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ } ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ : سَنَدُهُ جَيِّدٌ .
وَقَالَ : ابْنُ إِسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ : { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ هَذِهِ الْبُيُوعَ وَأَبِيعُهَا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ ؟ قَالَ : لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ } وَرَوَاهُ

أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ : هَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عِصْمَةَ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَرِّجِينَ مِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ ابْنَ عِصْمَةَ بَيْنَ ابْنِ مَاهَكَ وَحَكِيمٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا ، وَابْنُ عِصْمَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ .
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ : قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ مَجْهُولٌ ، وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ نَفْسِهِ عَنْ حَكِيمٍ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصَبْغَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ الْجُشَمِيَّ حِجَازِيٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ : إنَّهُ ضَعِيفٌ ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَكِلَاهُمَا مُخْطِئٌ ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ هَذَا بِالنُّصَيْبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى دَلِيلِ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الْعَقَارِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُذْكَرُ هُنَاكَ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، ثُمَّ عَلَّلَ الْحَدِيثَ ( لِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ) الْأَوَّلِ ( عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ ) قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } ، وَالْغَرَرُ : مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّا رَأَيْنَا التَّصَرُّفَ فِي إبْدَالِ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ جَائِزًا فَلَا يَضُرُّهَا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَهْرِ لَهَا ، وَبَدَلُ الْخُلْعِ لِلزَّوْجِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إذْ كَانَتْ لَا تَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ فَظَهَرَ أَنَّ السَّبَبَ مَا قُلْنَا

، هَذَا وَقَدْ أَلْحَقُوا بِالْبَيْعِ غَيْرَهُ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا التَّصَدُّقُ بِهِ ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ .
وَكَذَا إقْرَاضُهُ وَرَهْنُهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِذَا أَجَازَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا إذَا كَانَتْ عَيْنًا أَوْلَى ، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ عَيْنًا فِي الْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ عَيْنًا ، لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَأَنْ يُشْرِكَ فِيهِ غَيْرَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا ، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ ، كَالْمَهْرِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كُلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَيْنًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَرِثَ عَنْهُ ، فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِهِ ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ تَمَامَ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمَانِعَ زَائِلٌ عِنْدَ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ وَقَاسَهُ بِهِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ إذْ لَا مَانِعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتَيْ جَازَ ، وَيَكُونُ الْفَقِيرُ

نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : الْبَيْعُ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ ، وَأَيْضًا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَغَرَرُ الِانْفِسَاخِ يَمْنَعُ تَمَامَهُ فَكَانَ قَاصِرًا فِي حَقِّ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ ، وَأَمَّا أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ طَلَبُ التَّمْلِيكِ لَا تَصَرُّفٌ مَبْنِيَّ عَلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ اُعْتُبِرَ الْغَرَرُ امْتَنَعَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَضْعَفُ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَحَقَّقُ بِهِ قَبْلَهُ ، وَيَزِيدُ بِاعْتِبَارِ الْهَلَاكِ أَيْضًا فَكَانَ أَكْثَرَ مَظَانًّا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بَعْدَهُ يَسُدُّ بَابَ الْبَيْعِ ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَهَبَهُ يَجُوزُ عَلَى اعْتِبَارِهِ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ ، فَإِنْ قِيلَ : هَذَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُجَاوِرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ الْفَسَادَ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ ، أُجِيبُ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْمَبِيعِ لَا مُجَاوِرَ لَهُ ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ الْهَلَاكِ ، وَأُورِدَ عَلَى التَّأْثِيرِ أَنَّ بُعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ : أَيُّ امْتِنَاعٍ فِيهِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ فَيُتَرَادَّانِ ، وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْبَيْعِ بَعْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ .

( وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ ) رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ ، وَلَا غَرَرَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ ، وَالْغَرَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ عَمَلًا بِدَلَائِل الْجَوَازِ وَالْإِجَارَةِ ، قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ .

( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ ( رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ ) يَعْنِي عُمُومَهُ ، وَهُوَ مَا فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ } بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَنْقُولِ : أَعْنِي قَوْلَهُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَعِ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ } وَلِلنَّهْيِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ ، وَلَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بِرِبْحٍ يَلْزَمُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَصَارَ بَيْعُ الْعَقَارِ كَإِجَارَتِهِ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ فَكَذَا بَيْعُهُ ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْحَادِثِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَالْمِلْكُ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ ، وَفِي هَذَا الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ سَوَاءٌ ( وَلَهُمَا ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ ) وَالْمَانِعَ الْمُثِيرَ لِلنَّهْيِ وَهُوَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ مُنْتَفٍ .
( فَإِنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ ) وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ إلَّا إذَا صَارَ بَحْرًا وَنَحْوُهُ ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ : إنَّ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ بَحْرًا أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الرِّمَالُ ، فَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَفِي الِاخْتِيَارِ : حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عُلُوًّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ( مَعْلُولٌ بِهِ ) أَيْ بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ

التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ بِالْغَرَرِ نَافِذٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهِ ، وَبِهِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ إنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ ، وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي اسْتِدْعَاءِ مِلْكٍ تَامٍّ فَوْقَ الْبَيْعِ ، وَيَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْعِتْقُ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : التَّزَوُّجُ لَا يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَهْرُ الْمُعَيَّنُ لَزِمَ الزَّوْجَ قِيمَتُهُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ ، وَأُورِدَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ تَخْصِيصُ عُمُومِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ ، وَالْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، الْجَوَابُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ أَشْيَاءَ : مِنْهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَكَذَا الْمَهْرُ يَجُوزُ لَهَا بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ ، وَكَذَا الزَّوْجُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ ، وَكَذَا رَبُّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا مَلَكَهُ غَيْرُهُ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ جَازَ ، وَكَذَا أَخْذُ الشَّفِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمَلُّكَهُ حِينَئِذٍ شِرَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا يَخْرُجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ بِالْإِجَارَةِ فَفِي مَنْعِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْعٌ فَإِنَّهُ قِيلَ : إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ وَالْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى : وَإِذَا عُرِفَ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ وَفِي الْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ كَانَ تَتْمِيمُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ هُنَا مَا يُمَيِّزُ الْمَبِيعَ عَنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ

قَدْ سَلَّفَ فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانٌ أَبَدًا وَذَوَاتُ الْقِيَمِ مَبِيعَةٌ أَبَدًا وَالْمِثْلِيَّاتُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ إذَا قُوبِلَتْ بِالنَّقْدِ مَبِيعَةٌ أَوْ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ مُعَيَّنَةُ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَمَبِيعَةٌ ، كَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ ، وَقِيلَ الْمِثْلِيَّاتُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً وَقُوبِلَتْ بِغَيْرِهَا ثَمَنٌ مُطْلَقًا ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا الْبَاءُ .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْأَثْمَانُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ اسْتِبْدَالًا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَرْضِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ ، وَالْمَبِيعَاتُ تَقَدَّمَ حَالُهَا عِنْدَ ذِكْرِنَا الْإِلْحَاقَ ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَهُ ثُمَّ أَقَالَ فَبَيْعُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ ، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْفَسَخَ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ فَبَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ ، وَمَا هُوَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ يَجُوزُ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْأَجْنَبِيِّ .

قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ ) { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ : صَاعُ الْبَائِعِ ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي } ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ مُذَارَعَةً ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ ، بِخِلَافِ الْقَدْرِ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ ، وَلَا بِكَيْلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ ، وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَتَحَقَّقَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا فَهُوَ كَالْمَذْرُوعِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا ، وَكَالْمَوْزُونِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَشْرُوطِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً ) أَيْ اشْتَرَاهُ عَلَى كَذَا كَيْلًا أَوْ رَطْلًا ( فَاكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ ) لِنَفْسِهِ ( ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً ) فِي الْمَوْزُونِ ( لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ : صَاعُ الْبَائِعِ ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي } ) رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ هَكَذَا لَكِنْ بِلَفْظِ الصَّاعَانِ مُعَرَّفًا أَسْنَدَهُ عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ .
وَأُعِلَّ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَبِلَفْظِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ : { فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ } رَوَاهُ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ : لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَلَهُ طَرِيقَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَانِ ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ { أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ كَانَا يَبْتَاعَانِ التَّمْرَ وَيَجْعَلَانِهِ فِي غَرَائِرَ ثُمَّ يَبِيعَانِهِ بِذَلِكَ الْكَيْلِ ، فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَاهُ حَتَّى يَكِيلَا لِمَنْ ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا } فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ تَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَقَبُولِ الْأَئِمَّةِ إيَّاهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَحِينَ عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ بِجَعْلِهِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ إذْ بِالْكَيْلِ يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ عَنْ حَقِّ الْبَائِعِ إذْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ أَوْ أَزْيَدَ فَيَضِيعُ مَالُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَالُ الْبَائِعِ عِنْدَهُ فَأَلْحَقُوا بِمَنْعِ

الْبَيْعِ مَنْعَ الْأَكْلِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُبْنَى عَلَى الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَأَلْحَقُوا بِالْمَكِيلِ الْمَوْزُونَ ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إذَا اُشْتُرِيَ مُعَادَّةً ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ قَبْلَ الْعَدِّ ثَانِيًا لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ ، وَهُوَ وُجُوبُ تَعَرُّفِ الْمِقْدَارِ وَزَوَالُ احْتِمَالِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لِلْبَائِعِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ الثَّانِي قَبْلَ الْعَدِّ ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يُلْحِقُوهَا ؛ فَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الذَّرْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي ، وَلَوْ نَقَصَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِلَا ذَرْعٍ كَانَ مُسْقِطًا خِيَارَهُ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْصِ وَلَهُ ذَلِكَ ، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا ، فَلَوْ كَانَ ثَمَنًا بِأَنْ اشْتَرَى بِهَذَا الْبُرِّ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ فَقَبَضَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ ، فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ قَبْضِهِ ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ مِنْهُ بَيْعُ الطَّعَامِ إلَّا مُكَايَلَةً فَيَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِهِ مُجَازَفَةً ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ ظَاهِرَهُ مَتْرُوكٌ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُكَايَلَةً .
أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً بِيعَ صُبْرَةً فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَاطُ الْمِلْكَيْنِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنَّفِ فِيهِ ( لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ ) قِيلَ : مَعْنَاهُ : الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِأَنْ ابْتَاعَ

صُبْرَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَشَرَةٌ فَظَهَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَكَلَّفَ غَيْرُهُ ، وَكَذَا مَا يُفِيدُ ظَاهِرُهُ مِنْ الْتِزَامِ جَرَيَانِ الصَّاعَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مُكَايَلَةً وَبَاعَهُ كَذَلِكَ ، أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً إلَى كَيْلٍ وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي .
وَقَوْلُ الرَّاوِي حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ : صَاعُ الْبَائِعِ مَعْنَاهُ صَاعُ الْبَائِعِ لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ الزِّرَاعَةِ أَوْ اشْتَرَى مُجَازَفَةً أَوْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ ثُمَّ بَاعَهَا فَالْحَاجَةُ إلَى صَاعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ صَاعُ هَذَا الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ لَكِنَّهُ شِرَاءٌ صُورَةً عَارِيَّةٌ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ مَا يَرُدُّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ قَبْضُ بَدَلِهِ فِي مَالِ الصَّرْفِ فَكَانَ تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ حُكْمًا ؛ وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُكَايَلَةً ثُمَّ بَاعَهَا مُجَازَفَةً قَبْلَ الْكَيْلِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَاطِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِمِلْكِ بَائِعِهِ ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ ، وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الْمَبِيعِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا ، وَنَصَّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَكَلَ حَرَامًا ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، إلَّا أَنَّهُ آثِمٌ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ ، فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إذَا أَكَلَهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَكَلَ حَرَامًا ( قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ ) مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي (

وَإِنْ كَانَ ) كَالَهُ لِنَفْسِهِ ( بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي ) عَنْ شِرَائِهِ هُوَ ( لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ ) بِالنَّصِّ ( وَلَا بِكَيْلِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ ) الثَّانِي ( بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي ) وَغَيْبَةِ وَكِيلِهِ فِي الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْغَائِبِ لَا يَتَحَقَّقُ وَهَذَا الْكَيْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لِتَسْلِيمِ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ ( وَإِنْ كَالَهُ ) أَوْ وَزَنَهُ ( بَعْدَ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي ) مَرَّةً فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، قَالَ عَامَّتُهُمْ : كَفَاهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ إذَا قَبَضَهُ ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَرَّتَيْنِ احْتِجَاجًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ صَيْرُورَةُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ وَاتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ ، وَمَحْمَلُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إذَا وُجِدَ عَقْدَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا لِأَجْلِ رَبِّ السَّلَمِ وَأَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ اقْتِضَاءً عَنْ سَلَمِهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ يُشْتَرَطُ صَاعَانِ : صَاعٌ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَصَاعٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فَيَكِيلُهُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ يَكِيلُهُ لِنَفْسِهِ ، بِخِلَافِ كَيْلِهِ بِغَيْبَتِهِ لِانْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ مِنْ الْغَائِبِ فَيَثْبُتُ احْتِمَالُ الِاخْتِلَاطِ فَلَا يَجُوزُ ، وَيُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ مَا فِي الْجَامِعِ فِي بَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ إذَا كَالَ الْبَائِعُ قَفِيزًا مِنْهَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ فِي قَفِيزٍ مِمَّا بَقِيَ وَلَا يَقَعُ بِهِ الْإِفْرَازُ ، وَمِنْ هُنَا يَنْشَأُ فَرْعٌ وَهُوَ مَا لَوْ كِيلَ الطَّعَامُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ بَعْدَ شِرَائِهِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ سَوَاءٌ اكْتَالَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكْتَلْ بَعْدَ شِرَائِهِ هُوَ لَمْ يَكُنْ قَابِضًا

فَبَيْعُهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَلَا يَجُوزُ .

قَالَ ( وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ ) لِقِيَامِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ، قَالَ ( وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ) فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ ، بَلْ عَلَى اعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصِّلَةِ ، لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا ؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ مِلْكَهُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَكَذَا الْحَطُّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ الثَّمَنِ صَارَ مُقَابَلًا بِكُلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ فَصَارَ بِرًّا مُبْتَدَأً ، وَلَنَا أَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ عَدْلًا ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الرَّفْعِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّغَيُّرِ ، وَصَارَ كَمَا إذَا أَسْقَطَا الْخِيَارَ أَوْ شَرَطَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ إذَا صَحَّ يَلْتَحِق بِأَصْلِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ لَا بِنَفْسِهِ ، بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ لَا تَغْيِيرٌ لِوَصْفِهِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِ ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ ، وَيَظْهَرُ حُكْمُ الِالْتِحَاقِ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ حَتَّى يَجُوزَ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُبَاشِرَ عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَفِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَ بِمَا بَقِيَ فِي الْحَطِّ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ الثَّابِتِ فَلَا يَمْلِكَانِهِ ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛

لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يُسْتَنَدُ ، بِخِلَافِ الْحَطِّ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَيُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا .

( قَوْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ ) بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَنَا سِوَى بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّهُ مُنِعَ بِالنَّصِّ لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ ، وَلَيْسَ فِي الثَّمَنِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَسَائِرُ الدُّيُونِ كَالثَّمَنِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ كَالْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا .
وَاسْتِثْنَاءُ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ حُكْمَ عَيْنِ الْمَبِيعِ ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا فِي الصَّرْفِ وَأَيَّدَهُ السَّمْعُ وَهُوَ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ حُجْرَتَهُ فَأَخَذْت بِثَوْبِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ : إذَا أَخَذْت وَاحِدًا مِنْهَا بِالْآخَرِ فَلَا يُفَارِقْكَ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ ، فَإِنَّ هَذَا بَيْعُ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالنَّقْدِ الْمُخَالِفِ لَهُ } ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ ، قَالَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ ، وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ ، وَحَدَّثَنِي فُلَانٌ أَرَاهُ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ ، وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ وَأَنَا أَهَابُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضِ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ

مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ ابْنِ عُمَرَ وَشِدَّةِ اتِّبَاعِهِ لِلْأَثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْتَضِي أَحَدَ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ مُسْتَمِرًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَرَّفَهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَبَيْنَهُمَا بَيْعٌ مَعْنَاهُ دَيْنٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فَمَنَعَ النَّسِيئَةَ فِيهِ ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَالصَّرْفُ فِيهِ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرَّثَ فِي الْمِلْكِ وَكَانَ لِلْمَيِّتِ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ ، فَكَذَا لِلْوَارِثِ وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ .
( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ لِلْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ ، وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ ) وَسَنَذْكُرُ شَرْطَ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ) مِنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةِ حَتَّى كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَ الزِّيَادَةَ وَلَا مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ إعْطَائِهَا ، وَلَوْ سَلَّمَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ رَجَعَ بِهَا مَعَ أَصْلِ الثَّمَنِ ، وَفِي صُورَةِ الْحَطِّ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا سَلَّمَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ ( وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحَّانِ ) أَيْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ ( عَلَى اعْتِبَارِ الِالْتِحَاقِ ) بِأَصْلِ الْعَقْدِ ( بَلْ الزِّيَادَةُ بِرٌّ مُبْتَدَأٌ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ) وَالْحَطُّ إبْرَاءٌ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ مَتَى رَدَّهُ يَرْتَدُّ ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ الْتَحَقَ الْعَقْدَ صَارَ مِلْكَهُ وَهُوَ مَا زَادَهُ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ .
وَكَذَا الثَّمَنُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ

جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ كَانَ الْمَزِيدُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ : أَعْنِي الثَّمَنَ ، قُلْنَا : إنَّمَا يَكُونُ مَا ذَكَرْتُمْ لَوْ الْتَحَقَا بِالْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ تَغْيِيرِهِ ، لَكِنَّا إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا بِالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ غَيَّرَا الْعَقْدَ عَنْ وَجْهِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ إلَى كَوْنِهِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ ، وَرَأَيْنَا الشَّرْعَ أَثْبَتَ لَهُمَا وِلَايَةَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ وَمِنْ وُجُودِهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فِي الْوُجُودِ إلَى إعْدَامِهِ بِلَا سَبَبٍ سِوَى اخْتِيَارِهِمَا .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَتَحْوِيلُهُ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ إلَى اللُّزُومِ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَعَكْسُهُ بِإِلْحَاقِ الْخِيَارِ ، وَكَذَا مِنْ كَوْنِهِ حَالًّا إلَى مُؤَجَّلٍ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ كَمَا سَنَذْكُرُ فِي تَأْجِيلِ الثَّمَنِ الْحَالِّ عِنْدَنَا ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالْإِقَالَةِ وَهِيَ تُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا تَغْيِيرُهُ مِنْ وَصْفِ كَوْنِهِ رَابِحًا إلَى خَاسِرًا أَوْ خَاسِرًا إلَى رَابِحٍ ، وَإِلَى كَوْنِهِ عَدْلًا ، وَثَبَتَ صِحَّةُ الْحَطِّ شَرْعًا فِي الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا إذَا تَرَاضَيَا بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَهْرِ عَلَى حَطِّ بَعْضِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ جَازَ ، وَإِذَا ثَبَتَ تَصْحِيحُ ذَلِكَ لَزِمَ الِالْتِحَاقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ضَرُورَةً إذْ تَغْيِيرُهُ يُوجِبُ كَوْنَهُ عَقْدًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَبِالضَّرُورَةِ يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِهِ إذْ وَصْفُ الشَّيْءِ يَقُومُ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لِأَصْلِهِ إذْ يَصِيرُ الْبَدَلُ الْآخَرُ هِبَةً فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ إلَى عَقْدِ التَّبَرُّعِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ .
وَإِذَا ثَبَتَ الِالْتِحَاقُ انْتَفَى قَوْلُهُمْ : الزِّيَادَةُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَا ( وَيَظْهَرُ حُكْمُ الِالْتِحَاقِ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ فَتَجُوزُ ) الْمُرَابَحَةُ ( عَلَى الْكُلِّ ) مِنْ الْأَصْلِ وَالزَّائِدِ ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَابِحَ

عَلَى الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ وَمَا زَادَهُ الْبَائِعُ مَبِيعًا لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ ، وَكَذَا التَّوْلِيَةُ ( وَيُبَاشِرُ ) الْعَقْدَ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ ( عَلَى الْبَاقِي ) بَعْدَ الْحَطِّ ( وَ ) كَذَا ( فِي الشُّفْعَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا ) الشَّفِيعُ ( بِالْبَاقِي ) فَقَطْ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ الْتَحَقَا لَزِمَ أَنْ يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ الْأَصْلِ وَالزَّائِدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِدُونِ الزِّيَادَةِ ، أَوْ يُقَالُ فَلِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّفِيعِ ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ ( وَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا ) فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ ( بِدُونِ الزِّيَادَةِ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ الثَّابِتِ ) قَبْلَهَا ، فَإِنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِأَخْذِهَا بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي الْأَوَّلُ وَعُقِدَ بِهِ ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ تَصَرُّفٌ حَادِثٌ مِنْهُمَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا ذَلِكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ شَرَعَ يَذْكُرُ شَرْطَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ .
فَقَالَ : ( ثُمَّ الزِّيَادَةُ ) إلَى آخِرِهِ : يَعْنِي أَنَّ شَرْطَهَا قِيَامُ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ فَلَوْ هَلَكَ حَقِيقَةً بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوْ آجَرَ أَوْ رَهَنَ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ أَوْ طَحَنَ الْحِنْطَةَ ، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَسْلَمَ مُشْتَرِي الْخَمْرِ ذِمِّيًّا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ ، إذْ الْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الْمَطْحُونِ وَالْمَنْسُوجِ وَلِهَذَا يَصِيرُ الْغَاصِبُ أَحَقَّ بِهَا إذَا فَعَلَ فِي الْمَغْصُوبِ ذَلِكَ ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ شَرْطُهَا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ ، فَلَوْ زَادَ بَعْدَ مَوْتِهَا لَا تَصِحُّ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَبِيعَةَ ثُمَّ زَادَ حَيْثُ تَثْبُتُ

الزِّيَادَةُ ، وَكَذَا إذَا آجَرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ خَاطَ الثَّوْبَ أَوْ اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ قَطَعَ يَدَ الْمَبِيعِ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ حَيْثُ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ هَذِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ صُوَرِ الْهَلَاكِ ( لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ) وَالِالْتِحَاقُ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ مُسْتَنِدًا فَالْمُسْتَنَدُ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا فِي الْحَالِّ ثُمَّ يَسْتَنِدَ ، وَثُبُوتُهُ مُتَعَذِّرٌ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَتَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ فَلَا يَثْبُتُ كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ لَا يَنْبَرِمُ بِالْإِجَازَةِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا وَقْتَهَا ( قَوْلُهُ : عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَا يَصِحُّ الْحَطُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : وَكَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَضَمِنَهَا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا عِوَضًا ، وَهَذَا الِالْتِزَامُ صَحِيحٌ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ كَمَا لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ صَالَحَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَالٍ وَضَمِنَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ هَذَا فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ فَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَتَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ ( بِخِلَافِ الْحَطِّ ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ حَطُّ ( الْبَدَلِ ) أَيْ الثَّمَنِ ( عَمَّا يُقَابِلُهُ ) وَحَاصِلُهُ إخْرَاجُ الْقَدْرِ الْمَحْطُوطِ عَنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا ، فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الثَّمَنِ دُونَ الْمَبِيعِ ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ فَيَثْبُتُ الْحَطُّ مُلْتَحِقًا بِأَصْلِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْحَطُّ

بِسَبَبِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْهَلَاكِ ؟ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَبِهِ يَكُونُ الثَّمَنُ مَا سِوَى مَا رَجَعَ بِهِ ، فَإِسْقَاطُ عِوَضِ الْمَعْدُومِ يَصِحُّ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ .

قَالَ ( وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُؤَقَّتًا ، وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ .
قَالَ ( وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا ) ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ( إلَّا الْقَرْضَ ) فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحَّ بِلَفْظَةِ الْإِعَارَةِ ، وَلَا يَمْلِكُهُ مِنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ ، إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يُقْرِضُوهُ وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى فَيَلْزَمُ حَقًّا لِلْمُوصِي ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ حَالٍّ لَا يَصِيرُ مُؤَجَّلًا بِالتَّأْجِيلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَالًّا لَيْسَ إلَّا وَعْدًا بِالتَّأْخِيرِ ، قُلْنَا ( الثَّمَنُ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ ) وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الدَّعْوَى وَهُوَ لُزُومُ الْأَجَلِ بِالتَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ يَقُولُ : لَا شَكَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّأْخِيرُ شَرْعًا إذَا أَخَّرَ ، وَقَوْلُهُ ( أَلَا تَرَى ) إلَى آخِرِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ مُسْتَقِلًّا فِي الْمَطْلُوبِ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتُ عِنْدَ إسْقَاطِهِ السُّقُوطَ وَالتَّأْجِيلَ الْتِزَامُ الْإِسْقَاطِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَيَثْبُتُ شَرْعًا السُّقُوطُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا ثَبَتَ شَرْعًا سُقُوطُهُ مُطْلَقًا بِإِسْقَاطِهِ مُطْلَقًا ( وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ ) وَمَجِيءِ الْمَطَرِ ( لَا يَجُوزُ ) وَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بِهِ ابْتِدَاءً ( وَإِنْ كَانَتْ ) يَسِيرَةً ( كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ يَجُوزُ ) وَيَلْزَمُ كَمَا إذَا كَفَلَ إلَيْهَا ( وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ) يَعْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ لِيَفْسُدَ بِهِ بَلْ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ ( وَكُلُّ دَيْنٍ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا لَمَا ذَكَرْنَا ، إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ ) وَلَوْ شَرَطَ الْأَجَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْقَرْضِ صَحَّ الْقَرْضُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَصِحُّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ صَارَ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُقْرِضُ فَأَجَّلَ وَرَثَتُهُ صَرَّحَ قَاضِي خَانَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الْمُقْرِضُ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَا يُعَارِضُهُ وَلَا يُفِيدُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

يُؤَجِّلَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِ الْقَرْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَيْسَ مِنْ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ تَأْجِيلُ بَدَلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ إذْ بِاسْتِهْلَاكِهَا لَا تَصِيرُ قَرْضًا ، وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ فَيُؤَجِّلَ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَيَلْزَم حِينَئِذٍ .
وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ ( لِأَنَّهُ صِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِعَارَةٌ حَتَّى يَصِحَّ ) الْقَرْضُ ( بِلَفْظِ أَعَرْتُك ) هَذِهِ الْأَلْفَ بَدَلَ أَقْرَضْتُك وَنَحْوِهِ ( وَ ) لِهَذَا ( لَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الصِّلَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ ) وَالْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ ( وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَلْزَمُ رَدُّ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْذُ مِثْلِهِ ( فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلَ ، كَمَا ) لَا يَلْزَمُ تَأْجِيلُ ( الْإِعَارَةِ ) فَإِنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ الْمَتَاعَ إلَى شَهْرٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فِي الْحَالِ إذْ لَا تَأْجِيلَ فِي التَّبَرُّعِ ( وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ ) أَيْضًا ( لِأَنَّهُ يَصِيرُ ) بِهَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ ( بَيْعَ دَرَاهِمَ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا ) ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ كَانَ التَّبَرُّعُ مُلْزِمًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا كَالْكَفِّ عَنْ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ يُنَافِي مَوْضُوعَ التَّبَرُّعَاتِ ، قَالَ تَعَالَى { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } نَفَى السَّبِيلَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ نُصُوصِيَّةِ الِاسْتِغْرَاقِ ، فَلَوْ لَزِمَ تَحَقُّقُ سَبِيلٍ عَلَيْهِ ثُمَّ لِلْمِثْلِ الْمَرْدُودِ حُكْمُ الْعَيْنِ كَأَنَّهُ رَدَّ الْعَيْنَ ، وَلَوْلَا هَذَا الِاعْتِبَارُ كَانَ تَمْلِيكَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بِلَا قَبْضٍ فِي الْمَجْلِسِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا كَالْعَيْنِ ، وَإِذَا جُعِلَتْ كَالْعَيْنِ فَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ ( بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفًا

لِفُلَانٍ إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَلْزَمُ ) ذَلِكَ ( مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ ) فَيَلْزَمُ كَمَا تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ سَنَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فِي الْحَالِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ أَوْسَعُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَعْدُومَةً فِي الْحَالِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَنَظَرًا لَهُ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةً ، وَلِلرَّحْمَةِ عَلَيْهِ أَجَازَهَا الشَّرْعُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ مِلْكِيَّتِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ،

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( بَابُ الرِّبَا ) .
قَالَ الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَالْعِلَّةُ عِنْدَنَا الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ وَالْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ .
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيُقَالُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَالْفَضْلُ رِبًا } وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ : الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ .
وَيُرْوَى بِرِوَايَتَيْنِ بِالرَّفْعِ مِثْلٌ وَبِالنَّصْبِ مِثْلًا .
وَمَعْنَى الْأَوَّلِ بَيْعُ التَّمْرِ ، وَمَعْنَى الثَّانِي بِيعُوا التَّمْرَ ، وَالْحُكْمُ مَعْلُومٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الطَّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ ، وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ .
وَالْأَصْلُ هُوَ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْنِ التَّقَابُضِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ ، فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ إظْهَارَ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ وَهُوَ الطَّعْمُ لِبَقَاءِ الْإِنْسَانِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْمَصَالِحِ بِهَا ، وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ .
وَلَنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ ، إذْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ وَذَلِكَ بِالتَّمَاثُلِ ، أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى ، أَوْ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ بِاتِّصَالِ التَّسْلِيمِ بِهِ ، ثُمَّ يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهِ حُرْمَةُ الرِّبَا وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى ، وَالْمِعْيَارُ يَسْوَى الذَّاتَ ، وَالْجِنْسِيَّةُ

تَسْوَى الْمَعْنَى فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا ، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا ، أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ ، أَوْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ } وَالطَّعْمُ وَالثَّمَنِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ ، وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِهَا الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا دُونَ التَّضْيِيقِ فِيهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا ذَكَرَهُ .

( بَابُ الرِّبَا ) هُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيَّةِ قَطْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا } بِسَبَبِ زِيَادَةٍ فِيهِ فَمُنَاسَبَتُهُ بِالْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَهَذِهِ مَنْهِيَّةٌ ، وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ ، وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ، وَفَتْحُهَا خَطَأٌ ( قَوْلُهُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ ) وَفِي عِدَّةٍ مِنْ النُّسَخِ : الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ إلَى آخِرِهِ ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا زِيَادَةُ " مُتَفَاضِلًا " .
الرِّبَا يُقَالُ لِنَفْسِ الزَّائِدِ ، وَمِنْهُ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا } أَيْ الزَّائِدَ فِي الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ عَلَى الْمَدْفُوعِ وَالزَّائِدُ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ بَيْعِ بَعْضِهَا بِجِنْسِهِ ، وَسَنَذْكُرُ تَفْصِيلَهَا .
وَيُقَالُ لِنَفْسِ الزِّيَادَةِ : أَعْنِي بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ ، وَمِنْهُ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } أَيْ حَرَّمَ أَنْ يُزَادَ فِي الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَدْفُوعِ وَأَنْ يُزَادَ فِي بَيْعِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ بِجِنْسِهَا قَدْرًا لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِعْلٌ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ : الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ لَفْظِ مُحَرَّمٍ لَا يُرَادُ كُلٌّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى إسْقَاطِ لَفْظِ مُتَفَاضِلًا ، أَوْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِتَقْدِيرِ إثْبَاتِهَا فَكَانَ الْمُرَادُ حُكْمَ الرِّبَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ ، أَمَّا عَلَى اسْتِعْمَالِ الرِّبَا فِي حُرْمَتِهِ فَيَكُونُ لَفْظُ الرِّبَا مَجَازًا ، أَوْ عَلَى حَذْفِهِ وَإِرَادَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ ، وَالرِّبَا مُرَادٌ بِهِ الزِّيَادَةُ مُبْتَدَأٌ ، وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ : أَيْ حُرْمَةُ الزِّيَادَةِ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ .
ثُمَّ قَوْلُهُ ( فَالْعِلَّةُ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ ) مُرَتَّبًا

بِالْفَاءِ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى مُشْتَقٍّ يُوجِبُ كَوْنَ مَبْدَإِ الِاشْتِقَاقِ عِلَّتَهُ ، وَلَمَّا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعَ الْجِنْسِ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ ( وَ ) قَدْ ( يُقَالُ ) بَدَلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ( الْقَدْرُ وَهُوَ أَشْمَلُ ) وَأَخْصَرُ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، إذَا يَشْمَلُ الْعَدَّ وَالذَّرْعَ وَلَيْسَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا : أَيْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ كَوْنُهُ مَكِيلًا مَعَ اتِّحَادِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْجِنْسِ فَهِيَ عِلَّةٌ مُرَكَّبَةٌ ( وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ ) أَخْرَجَ السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِثْلَهُ سَوَاءً " وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ { يَدًا بِيَدٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى } ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ { فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ } وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالتَّقْدِيرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِيعُوا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ " مِثْلٌ " بِالرَّفْعِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا } وَهَكَذَا قَالَ إلَى آخِرِ السِّتَّةِ ، وَكَذَا مَا رَوَى مُحَمَّدٌ

فِي كِتَابِ الصَّرْفِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ هَكَذَا } إلَى آخِرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ، وَذَكَرَ التَّمْرَ بَعْدَ الْمِلْحِ آخِرًا .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا } إلَى أَنْ قَالَ : { وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ ، وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا } انْتَهَى .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَوَازَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى زِيَادَةِ الْفِضَّةِ وَالشَّعِيرِ ، بَلْ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ الذَّهَبَ وَالْبُرَّ جَازَ ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ مِنْ تَفْضِيلِ الذَّهَبِ عَلَى الْفِضَّةِ وَالْبُرِّ عَلَى الشَّعِيرِ ( قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ ) يَعْنِي حُرْمَةَ الرِّبَا أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ ( مَعْلُولٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِيَاسِ عِنْدَ شَرْطِهِ ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ ، وَكَذَا عُثْمَانُ الْبَتِّيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ حُكْمَ الرِّبَا مُقْتَصِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا .
أَمَّا الظَّاهِرِيَّةُ فَلِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقِيَاسَ ، وَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَلِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ فِي كُلِّ أَصْلٍ أَنَّهُ مَعْلُولٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ هُنَا وَلِأَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَدَدَ وَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي قَوْلِهِ { خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ } قُلْنَا : تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ كَالطَّعَامِ فِي قَوْلِهِ { لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ } كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ ، وَسَنُقِيمُ عَلَيْهِ الدَّلِيلَ .
وَأَمَّا إبْطَالُ الْعَدَدِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، وَلَوْ سُلِّمَ

فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِهِ ، وَالْإِبْطَالُ الْمَمْنُوعُ هُوَ الْإِبْطَالُ بِالنَّقْصِ ، أَمَّا بِالزِّيَادَةِ بِالْعِلَّةِ فَلَا ، وَتَخْصِيصُ هَذِهِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلَاتِ الْكَائِنَةِ يَوْمئِذٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِيهَا ، وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ قَصْرُ حُكْمِ الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ ، وَهُوَ أَيْضًا مَأْثُورٌ عَنْ قَتَادَةَ وَطَاوُسٍ ، قِيلَ فَانْحَزَمَ قَوْلُهُ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ ) يَعْنِي الْقَدْرَ وَالْجِنْسَ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ ، وَبِأَحَدِهِمَا مُفْرَدًا يَحْرُمُ النَّسَاءُ وَيَحِلُّ التَّفَاضُلُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ وَالْمُسَاوَاةُ مُخَلِّصٌ ) مِنْ الْحُرْمَةِ ( وَهِيَ ) أَعْنِي الْحُرْمَةَ ( الْأَصْلُ ) وَعِنْدَ مَالِكٍ الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ ، فَكُلُّ مَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ فَهُوَ رِبًا وَمَا لَا فَلَا ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الْبُرَّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لِيُفِيدَ بِكُلِّ مَعْنًى ظَاهِرًا فِيهِ ، فَنَبَّهَ بِالْبُرِّ عَلَى مُقْتَاتٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَقُومُ الْأَبْدَانُ بِهِ ، وَالشَّعِيرُ يُشَارِكُهُ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَفًا وَقُوتًا لِبَعْضِ النَّاسِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ فَيَلْحَقُ بِهِ الذُّرَةُ وَنَحْوُهَا ، وَنَبَّهَ بِالتَّمْرِ عَلَى كُلِّ حَلَاوَةٍ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالزَّبِيبِ ، وَبِالْمِلْحِ عَلَى أَنَّ مَا أَصْلَحَ الْمُقْتَاتَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ فَهُوَ فِي حُكْمِهَا فَيُلْحَقُ الْأَبَازِيرُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مُعَلَّلَانِ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ عِنْدَهُمْ وَهِيَ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ وَأُصُولَ الْأَثْمَانِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ : الْعِلَّةُ الطُّعْمُ مَعَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ، وَفِي الْجَدِيدِ : هِيَ الطُّعْمُ فَقَطْ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ ،

وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا عَيْنَهُمَا وَالتَّعَدِّي إلَى الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَجْهٌ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا رِبًا فِيهَا لِانْتِفَاءِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ وَعَنْ هَذَا لَمْ يُجْعَلْ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ نَسَاءً .
وَعَلَى الْجَدِيدِ يَحْرُمُ الرِّبَا فِي الْمَاءِ ، وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَالطَّعَامُ مُشْتَقٌّ مِنْ الطُّعْمِ فَكَانَ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً ، وَرُوِيَ { لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ } إلَى آخِرِهِ .
فَأَفَادَ أَنَّ الْحُرْمَةَ أَصْلٌ وَالْمُسَاوَاةَ مُخَلِّصٌ مِنْهَا ، إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ " لَا تَبِيعُوا " لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُطْلَقًا ، فَمَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُسَاوَاةُ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فَامْتَنَعَ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْقَدْرِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا النَّصِّ ، إذَا يَجُوزُ الْحَفْنَةُ بِالْحَفْنَتَيْنِ ، وَهَذَا الطَّرِيقُ يُفِيدُ أَنَّهَا عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ ، وَلَوْ أَخَذْنَا فِي اسْتِنْبَاطِ عِلَّتِهِ أَدَّانَا إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَيْضًا .
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْ التَّقَابُضِ وَالتَّمَاثُلِ وَهَذَا الِاشْتِرَاطُ ( يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ ) فَوَجَبَ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْعِزَّةَ وَالْخَطَرَ ، وَفِي الطُّعْمِ ذَلِكَ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ النُّفُوسِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ الَّتِي بِهَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ الْعُرُوضِ الَّتِي بِهَا حُصُولُ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ بَقَاءِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُصُولِ الشَّهَوَاتِ ( وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ ) وَالْقَدْرِ ( فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي إظْهَارِ الْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ ( فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا ، وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ ) كَالرَّجْمِ مَعَ

الْإِحْصَانِ ( وَلَنَا أَنَّهُ ) أَيْ النَّصُّ الْمَشْهُورُ ( أَوْجَبَ التَّمَاثُلَ شَرْطًا لِلْبَيْعِ ) وَإِيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ ( هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِ الْحَدِيثِ ) إذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارِ لَفْظِ بِيعُوا حَيْثُ انْتَصَبَ مِثْلًا : أَيْ بِيعُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ هِيَ الْأَصْلُ .
وَقَوْلُهُ { لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ } الْحَدِيثَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ النَّهْيُ إلَى مَا بَعْدَ إلَّا نَحْوَ مَا جَاءَ زَيْدٌ إلَّا رَاكِبًا ، وَحَاصِلُهُ الْأَمْرُ بِالتَّسْوِيَةِ عِنْدَ بَيْعِهَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ الْمُنْبِئِ عَنْ التَّقَابُلِ إذْ كَانَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ فَاسْتَدْعَى شَيْئَيْنِ كَمَا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ وَكَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ بِالتَّمَاثُلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي كَوْنِهِ مُسْتَدْعِيَ الْعَقْدِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْقَدْرِ لِيَتِمَّ مَعْنَى الْبَيْعِ ( أَوْ ) أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ ( صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى ) فَإِنَّهُ إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ قَابَلَ كُلُّ جُزْءٍ كُلَّ جُزْءٍ ، فَإِذَا كَانَ فَضْلٌ فِي أَحَدِهِمَا صَارَ ذَلِكَ الْفَضْلُ تَاوِيًا عَلَى مَالِكِهِ ، فَلِقَصْدِ صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ التَّوَى أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُوبِلَ الْمَالُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ جُزْءٌ لَمْ يُقَابَلْ بِجُزْءٍ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّوَى إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ مَعَ تَحَقُّقِ الْفَضْلِ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ ، ثُمَّ مِنْ تَتْمِيمِ التَّمَاثُلِ الْمُسَاوَاةُ فِي التَّقَابُضِ فَإِنَّ لِلْحَالِ مَزِيَّةً عَلَى الْمُؤَخَّرِ فَإِيجَابُ التَّقَابُضِ أَيْضًا لِذَلِكَ وَبِهِ ظَهَرَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّيَانَةِ عَنْ التَّفَاوُتِ حِفْظًا عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ( وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ ) تَمَامُهَا ( بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَالْمِعْيَارُ يَسْوَى

الذَّاتَ ) أَيْ الصُّورَةَ ( وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى فَيَظْهَرَ بِذَلِكَ الْفَضْلُ فَيَتَحَقَّقَ الرِّبَا ، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْخَالِي عَنْ عِوَضِ شَرْطٍ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَقْدِ ، وَعَلِمْت أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَلَزِمَ مَا قُلْنَا مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَعَ الْجِنْسِ ( وَلَمْ يُعْتَبَرْ ) فِي إثْبَاتِ الْمُمَاثَلَةِ عَدَمُ تَفَاوُتِ ( الْوَصْفِ ) إمَّا ( لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عُرْفًا ) وَفِيهِ نَظَرٌ ( أَوْ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ ) وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو عِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ عَنْ تَفَاوُتٍ مَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ } إنْ صَحَّ يُفِيدُهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفَادٌ مِنْ حَدِيثِ بَيْعِ التَّمْرِ بِالْجَنِيبِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ، وَعِلَّةُ إهْدَارِهِ مَا ذَكَرْنَا ، وَعِنْدَ تَأَمُّلِ هَذَا الْكَلَامِ يَتَبَادَرُ أَنَّ الْمُتَنَاظِرَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَكَذَا مَالِكٌ عَيَّنُوا الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ ، وَهَؤُلَاءِ عَيَّنُوا الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ ، فَإِنَّ الْكَيْلَ يُعَرِّفُ الْمُمَاثَلَةَ فَيُعْرَفُ الْجَوَازُ وَعَدَمَهَا فَيُعْرَفُ الْحُرْمَةُ .
فَالْوَجْهُ أَنْ يَتَّحِدَ الْمَحَلُّ وَذَلِكَ بِجَعْلِهَا الطُّعْمَ وَالِاقْتِيَاتَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوا عِنْدَهُمْ .
وَعِنْدَنَا هِيَ قَصْدُ صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَحِفْظِهَا عَلَيْهِمْ ، وَظُهُورُ هَذَا الْقَصْدِ مِنْ إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِقْدَارِ وَالتَّقَابُضِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى لُبٍّ فَضْلًا عَنْ فَقِيهٍ .
وَأَمَّا الطُّعْمُ فَرُبَّمَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِهِ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الطُّعْمَ مِمَّا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ اشْتِدَادًا تَامًّا ( وَالسَّبِيلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ دُونَ التَّضْيِيقِ ) فَإِنَّ

السُّنَّةَ الْإِلَهِيَّةَ جَرَتْ فِي حَقِّ جِنْسِ الْإِنْسَانِ أَنَّ مَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرَ كَانَ إطْلَاقُ الشَّرْعِ فِيهِ أَوْسَعَ كَالْمَاءِ وَالْكَلَإِ لِلدَّوَابِّ ، فَإِنْ قَالَ : دَلَّ التَّرْتِيبُ عَلَى الْمُشْتَقِّ عَلَيْهِ ، قُلْنَا : ذَلِكَ بِشَرْطِ كَوْنِهِ صَالِحًا مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ الْأَعْيَانِ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ لَا يَعْرِفُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْخِطَابِ غَيْرَهُ بَلْ التَّمْرُ وَهُوَ غَالِبُ مَأْكُولِهِمْ لَا يُسَمُّونَهُ طَعَامًا وَلَا يَفْهَمُونَهُ مِنْ لَفْظِ الطَّعَامِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِيمَا قَدَّمْنَا أَجَازَ التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ سِوَى الطَّعَامِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يُرِدْ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِنْ الْبَقْلِ وَالْمَاءِ وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَوْلَا دَلِيلٌ آخَرُ عَمَّهُ .
وَإِلْحَاقُهُ بِالْبُضْعِ فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّ الْبُضْعَ مَصُونٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَعَادَةً عَنْ الِابْتِذَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَكَانَ الِاشْتِرَاطُ مِنْ تَحْقِيقِ غَرَضِ الصِّيَانَةِ ، بِخِلَافِ بَاقِي الْأَمْوَالِ فَإِنَّ أَصْلَهَا الْإِبَاحَةُ ، وَيُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُبَاحًا حَتَّى الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَإِنَّمَا لَزِمَ فِيهَا الْعَقْدُ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ إنْسَانٍ بِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ التَّغَالُبِ فَوَضْعُهَا عَلَى ضِدِّ وَضْعِ الْبُضْعِ مِنْ الِابْتِذَالِ وَالِامْتِهَانِ دَفْعًا لِلْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَإِلْحَاقُهَا بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا حَصَرُوا الْمُعَرَّفَ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ أَجَازُوا بَيْعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ مُجَازَفَةً ، فَأَجَازُوا بَيْعَ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمِعْيَارِ الْمُعَرِّفِ لِلْمُسَاوَاةِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَضْلُ ، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ لَا بِالْمِثْلِ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجَوْزِ مِنْ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ .
أَمَّا

فِيهِ فَكَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْجَوْزَةَ مِثْلُ الْجَوْزَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ ، وَكَذَا التَّمْرَةُ بِالتَّمْرَةِ لَا فِي حُكْمِ الرِّبَا ، لِأَنَّ الْجَوْزَةَ لَيْسَتْ مِثْلًا لِلْجَوْزَةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْمُمَاثَلَةِ وَلِوُجُودِ التَّفَاوُتِ ، إلَّا أَنَّ النَّاسَ أَهْدَرُوا التَّفَاوُتَ فَقُبِلَ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ فَأَمَّا فِي حَقِّ الشَّرْعِ وَهُوَ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ فَلَا .
وَمِنْ فُرُوعِ ضَمَانِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِالْقِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ حَفْنَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ، فَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَتْ الطَّعْمُ حَرُمَ الْحَفْنَةُ وَالتُّفَّاحَةُ بِثِنْتَيْنِ وَقَالُوا مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ ، فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ بِهَا ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ ، فَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ نِصْفِ صَاعٍ فَصَاعِدًا بِحَفْنَةٍ .
وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ : لَا رِوَايَةَ فِي الْحَفْنَةِ بِقَفِيزٍ وَاللُّبِّ بِالْجَوْزِ ، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا ، وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ ، وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ ، بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ ، وَلَقَدْ أُعْجَبُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا

.
وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَقَالَ : كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ حَرَامٌ

إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ إذًا : بَيْعُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ لِوُجُوبِ شَرْطِ الْجَوَازِ ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى مَكَانَ قَوْلِهِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ ، وَفِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ ( وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ ) لِتَحَقُّقِ الرِّبَا وَلَا يَجُوزُ ( بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ) لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْوَصْفِ ( وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِالْمِعْيَارِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَضْلُ ، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْعِلَّةُ هِيَ الطَّعْمُ وَلَا مُخَلِّصَ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فَيَحْرُمُ ، وَمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ ، وَلَوْ تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجِصِّ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ .
وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ .

( وَ ) يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجِصِّ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ ( وَالْجِنْسِ ) مَعَ التَّفَاضُلِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لِلصِّيَانَةِ ( وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ ) هَذَا وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالصِّيَانَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ ، وَجَوَازُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَالًّا .
فَإِنْ قِيلَ : الصِّيَانَةُ حِكْمَةٌ فَتُنَاطُ بِالْمُعَرِّفِ لَهَا وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ .
قُلْنَا : إنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عِنْدَ خَفَاءِ الْحِكْمَةِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا ، وَصَوْنُ الْمَالِ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ ، فَإِنَّ الْمُمَاثَلَةَ وَعَدَمَهَا مَحْسُوسٌ وَبِذَلِكَ تُعْلَمُ الصِّيَانَةُ وَعَدَمُهَا ، غَيْرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ ضَبْطُ هَذِهِ الْحِكْمَةِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ تَفَادِيًا عَنْ نَقْضِهِ بِالْعَبْدِ بِعَبْدَيْنِ وَثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بِهَرَوِيَّيْنِ .
وَفِي الْأَسْرَارِ : مَا دُونَ الْحَبَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا قِيمَةَ لَهُ

قَالَ ( وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ .
وَإِذَا وُجِدَا .
حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ .
وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ مِثْلَ أَنْ يُسَلِّمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ ، فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَحُرْمَةُ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لِأَنَّ بِالنَّقْدِيَّةِ وَعَدَمِهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا شُبْهَةُ الْفَضْلِ ، وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ غَيْرُ مَانِعٍ فِيهِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فَالشُّبْهَةُ أَوْلَى .
وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ فَتَتَحَقَّقَ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهِيَ مَانِعَةٌ كَالْحَقِيقَةِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ النُّقُودَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ ، وَإِنْ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ فِي صِفَةِ الْوَزْن ، فَإِنَّ الزَّعْفَرَانَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَهُوَ مُثَمَّنٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، وَالنُّقُودُ تُوزَنُ بِالسَّنَجَاتِ وَهُوَ ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ .
وَلَوْ بَاعَ بِالنُّقُودِ مُوَازَنَةً وَقَبَضَهَا صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْوَزْنِ ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ ) وَهُوَ الْقَدْرُ ( حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ ) كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِمَرْوِيَّيْنِ إلَى أَجَلٍ وَالْجَوْزِ بِالْبِيضِ إلَى أَجَلٍ ( لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ ) وَعَدَمُ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ ، لَكِنْ إذَا اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ لَزِمَ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا تُؤَثِّرُ الْعَدَمَ بَلْ لَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْوُجُودِ فَيَبْقَى عَدَمُ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ ، وَإِذَا عُدِمَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ ( وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ ) مُطْلَقًا ( الْإِبَاحَةُ ) إلَّا مَا أَخْرَجَهُ دَلِيلٌ مِنْ أَصْنَافِهِ كَانَ الثَّابِتُ الْحِلَّ ( وَإِذَا وُجِدَا ) أَيْ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ وَهُوَ الْقَدْرُ ( حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ ) كَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ التَّسَاوِي وَالتَّقَابُضِ ( لِوُجُودِ الْعِلَّةِ ) الْمُعَرِّفَةِ لِلْحُكْمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ( وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ مِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ ) ثَوْبًا ( هَرَوِيًّا فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ ) فِي صُورَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ مَعَ عَدَمِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ بِعَبْدَيْنِ أَوْ الْهَرَوِيَّ بِهَرَوِيَّيْنِ حَاضِرًا جَازَ ( أَوْ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ ) فِي صُورَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَضْمُومِ وَهُوَ الْمُسَوَّى ، وَكَذَا حَدِيدٌ فِي رَصَاصٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجُوزَ فُلُوسٌ فِي خُبْزٍ وَنَحْوِهِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهَا وَزْنِيَّةٌ ( فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ ) جَمِيعًا ( وَحُرْمَةُ النَّسَاءِ بِأَحَدِهِمَا ) وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ لَيْسَ غَيْرُ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ نَسَاءً ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ .
وَأَيْضًا دَلَّ

الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ جَيْشًا فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ " وَهَذَا يَكُونُ سَلَمًا .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا بِأَرْبَعَةٍ إلَى أَجَلٍ .
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا يُقَالُ لَهُ عُصْفُورٌ بِعَشْرَيْنِ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ " .
وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يُظْهِرُ التَّفَاوُتَ فِيهِ حُكْمًا ، وَالتَّفَاوُتُ حَقِيقَةً أَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْهُ حُكْمًا ، فَإِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ بِأَنْ بَاعَ الْوَاحِدَ بِالِاثْنَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى جَازَ هَذَا الْبَيْعُ إذَا كَانَ حَالًّا اتِّفَاقًا فَالتَّفَاوُتُ حُكْمًا أَوْلَى ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ بِالنَّقْدِيَّةِ إلَى آخِرِهِ ( وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ وَ ) عُرِفَ أَنَّ ( النَّقْدِيَّةَ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ ) حَتَّى تُعُورِفَ الْبَيْعُ بِالْحَالِ بِأَنْقَصَ مِنْهُ بِالْمُؤَجَّلِ ( فَتَتَحَقَّقُ ) بِوُجُودِهِ ( شُبْهَةُ ) عِلَّةِ ( الرِّبَا ) فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبَا ( وَشُبْهَةُ الرِّبَا مَانِعَةٌ كَحَقِيقَةِ الرِّبَا ) بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مُجَازَفَةً وَإِنْ ظَنَّ التَّسَاوِيَ وَتَمَاثَلَتْ الصُّبْرَتَانِ فِي الرُّؤْيَةِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا شُبْهَةُ ثُبُوتِ الْفَضْلِ ، بَلْ قَالُوا : لَوْ تَبَايَعَا مُجَازَفَةً ثُمَّ كِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَظَهَرَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا أَيْضًا خِلَافًا لِزُفَرَ ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطُ الْجَوَازِ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ ، وَكَذَا الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ نَسِيئَةً يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِمَّا أَخْرَجَهُ

السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ { فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ } فَأَلْزَمَ التَّقَابُضَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ تَحْرِيمُ النَّسِيئَةِ ، وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرَهُمَا يَدًا بِيَدٍ .
وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا } ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً } فَقَامَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ وُجُودَ أَحَدِ جُزْأَيْ عِلَّةِ الرِّبَا عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ النَّسَاءِ ثُمَّ عَلَّلْنَا بِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الرِّبَا : أَعْنِي الْفَضْلَ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ لِلشُّبْهَةِ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ أَنْ يَحْرُمَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ التَّفَاضُلُ أَيْضًا ، لِأَنَّ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ حُكْمَ الْعِلَّةِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ حُكْمِ الْعِلَّةِ وَحُكْمُ الْعِلَّةِ هُوَ حُرْمَةُ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فَيَثْبُتَ فِيهِمَا ، ثُمَّ يُقَدَّمُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى حَدِيثِ الْبَعِيرِ بِبَعِيرَيْنِ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَذَلِكَ مُبِيحٌ ، أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا .
وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنْ لَا يَجُوزَ إسْلَامُ النُّقُودِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الزَّعْفَرَانِ وَفِي سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ .
أَجَابَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْوَزْنَ فِي النُّقُودِ وَفِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ مُخْتَلِفٌ ، فَإِنَّهُ فِي النُّقُودِ بِالْمَثَاقِيلِ وَالدَّرَاهِمِ الصَّنَجَاتِ ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ بِالْأَمْنَاءِ وَالْقَبَّانِ ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي الصُّورَةِ بَيْنَهُمَا ، وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ آخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ

وَالزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ يَتَعَيَّنُ ، وَآخَرُ حُكْمِيٌّ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ النُّقُودَ مُوَازَنَةً وَقَبَضَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْوَزْنِ ، وَتَفْسِيرُهُ لَوْ اشْتَرَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُوَازَنَةً فَوَزَنَهَا الْبَائِعُ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهَا فَقَبَضَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ وَزْنِهَا ثَانِيًا ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الْوَزْنِ فِي مِثْلِهِ ( فَإِذَا اخْتَلَفَا ) أَيْ النَّقْدُ وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَزْنِ ( صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ ) وَقَوْلُهُ صُورَةً وَمَعْنًى وَحُكْمًا نَشْرٌ مُرَتَّبٌ بَعْدَ اللَّفِّ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْيِينَ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَزْنِ ، وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بِاعْتِبَارِهِ اخْتِلَافًا فِي مَعْنَى الْوَزْنِ ، وَكَذَا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الزَّعْفَرَانَ وَالْمِسْكَ وَالزَّبَادَ يُوزَنُ بِالصَّنَجَاتِ أَيْضًا ، وَكَذَا الْأَخِيرُ ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْدِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ لَا يَجُوزُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ بَعْدَمَا اتَّزَنَهُ مِنْ بَائِعِهِ وَقَبَضَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْوَزْنَ مَمْنُوعٌ ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُوَازَنَةً مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَلْزَمَ بَعْدَ هَذَا الْبَيْعِ أَنْ يَزِنَهُ الْآخَرُ لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ لِيَصِحَّ تَصَرُّفُ الْآخَرِ فِيهِ ، وَكَذَا نَقُولُ فِي الدَّرَاهِمِ إذَا قَبَضَهَا ، وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إذَا بِالدَّرَاهِمِ حَتَّى كَانَتْ ثَمَنًا أَوْ بَاعَهَا لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ، بِخِلَافِ الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَذَلِكَ ثَمَنٌ وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْحُكْمِيِّ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَهُ غَيْرَ مُشَارِكٍ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَزْنِ .
وَإِذَا ضَعُفَ هَذَا فَالْوَجْهُ فِي هَذَا أَنْ يُضَافَ تَحْرِيمُ الْجِنْسِ

بِانْفِرَادِهِ إلَى السَّمْعِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَيُلْحَقَ بِهِ تَأْثِيرُ الْكَيْلِ الْوَزْنَ بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ يُسْتَثْنَى إسْلَامُ النُّقُودِ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يُفْسِدَ أَكْثَرَ أَبْوَابِ السَّلَمِ وَسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ خِلَافَ النَّقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَلَّمَ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا كَإِسْلَامِ حَدِيدٍ فِي قُطْنٍ أَوْ زَيْتٍ فِي جُبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَزْنِيًّا بِالصَّنْعَةِ إلَّا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ؛ فَلَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِيمَا يُوزَنُ جَازَ إلَّا فِي الْحَدِيدِ لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا وَمَنَعَهُ فِي الْحَدِيدِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ إنَاءٍ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ نُحَاسًا كَانَ أَوْ حَدِيدًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَثْقَلَ مِنْ الْآخَرِ ، بِخِلَافِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّ صُورَةَ الْوَزْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِيهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْوَزْنِ بِالْعَادَةِ .
وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ حِينَئِذٍ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ طَرِيقَةِ الْوَزْنِ .
أُجِيبُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِامْتِنَاعِ كَوْنِ النَّقْدِ مُسَلَّمًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُمَا مُتَعَيِّنَانِ لِلثَّمَنِيَّةِ ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعًا ؟ قِيلَ : إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُسَلَّمِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، هَذَا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ وَاخْتِلَافُ الْمَقْصُودِ ؛ فَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا .
قُلْنَا : بَلْ

جِنْسَانِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ اسْمًا وَمَعْنًى ، وَإِفْرَادُ كُلٍّ عَنْ الْآخَرِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسَانِ ، وَإِلَّا قَالَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ ، وَكَوْنُ اسْمِ الْأَعَمِّ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَخَصِّ لَا يُوجِبُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ يَكُونُ مُتَمَاثِلًا كَالْحَيَوَانِ يُطْلَقُ عَلَى أُمُورٍ مُتَبَايِنَةٍ بِلَا شَكٍّ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا بِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ ، وَالثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ وَهُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ وَقِوَامِ الثَّوْبِ بِهَا ، وَكَذَا الْمَرْوِيُّ الْمَنْسُوجُ بِبَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ وَاللَّدُّ الْأَرْمَنِيُّ وَالطَّالَقَانِيُّ جِنْسَانِ ، وَالتَّمْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالشَّبَهُ أَجْنَاسٌ ، وَكَذَا غَزْلُ الصُّوفِ وَالشَّعْرُ وَلَحْمُ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ وَشَحْمُ الْبَطْنِ أَجْنَاسٌ ، وَدُهْنُ الْبَنَفْسَجِ وَالْخَيْرِيُّ جِنْسَانِ ، وَالْأَدْهَانُ الْمُخْتَلِفَةُ أُصُولُهَا أَجْنَاسٌ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْلِ زَيْتٍ غَيْرِ مَطْبُوخٍ بِرَطْلٍ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبٍ لِأَنَّ الطِّيبَ زِيَادَةٌ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78