كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ : لِأَنَّنَا قَدْ تَيَقَّنَّا حُصُولَ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَشَكَكْنَا فِي زَوَالِهَا بِإِرَاقَةِ أَحَدِهِمَا ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ حُكْمًا ثَبَتَ بِيَقِينٍ . فَصْلٌ : فَأَمَّا دَلَائِلُ الِاجْتِهَادِ فَهِيَ الْأَمَارَاتُ الَّتِي يُسْتَدْرَكُ بِهَا حَالُ النَّجَاسَةِ ، وَقَدْ تَكُونُ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجِهَاتٍ شَتَّى ، فَمِنْهَا تَغَيُّرُ أَوْصَافِهِ ، وَمِنْهَا حَرَكَةُ الْمَاءِ وَاضْطِرَابُهُ ، وَمِنْهَا آثَارُ نَجَاسَتِهِ لِقُرْبِهِ ، وَمِنْهَا انْكِشَافُ أَحَدِهِمَا ، وَتَغْطِيَةُ غَيْرِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ مَعَهَا فِي النَّفْسِ طَهَارَةُ الطَّاهِرِ وَنَجَاسَةُ النَّجِسِ ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اجْتِهَادُ الْأَعْمَى في معرفة الماء النجس فِيهَا بِمَا عَدَا حَاسَّةَ الْبَصَرِ مِنَ الرَّوَائِحِ ، وَالطُّعُومِ وَسَمَاعِ الْحَرَكَةِ ، وَالِاضْطِرَابِ لِاشْتِرَاكِ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فِي إِدْرَاكِهَا بِالْحِسِّ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُهُ إِذَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَتَوَصَّلَ بِالِاجْتِهَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ الطَّاهِرِ مِنَ النَّجِسِ أَمْ لَا ، فَإِنْ تَوَصَّلَ بِالِاجْتِهَادِ إِلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا اسْتَعْمَلَهُ ، وَيُسْتَحَبُّ لَوْ أَرَاقَ النَّجِسَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ لِئَلَّا يُعَارِضَهُ الشَّكُّ مِنْ بَعْدِهِ أَوْ خَوْفًا مِنَ الْخَطَأِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يُرِقْهُ وَاسْتَعْمَلَ الطَّاهِرَ جَازَ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ لِمَا نَذْكُرُهُ مِنَ الْفَرْقِ هُنَاكَ ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَلَمْ يُؤَدِّهِ الِاجْتِهَادُ إِلَى شَيْءٍ ، وَكَانَ الِاشْتِبَاهُ بَاقِيًا في معرفة الماء الطاهر من النجس فَيَنْبَغِي أَنْ يُرِيقَ أَحَدَ الْإِنَاءَيْنِ فِي الْآخَرِ ، فَإِنْ بَلَغَا قُلَّتَيْنِ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا فَيَسْتَعْمِلُهُ وَيُصَلِّي وَإِنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ ، فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ إِرَاقَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَوْ مُسْتَحَبٌّ لَهُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ إِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ اسْتَعْمَلَهُ ، وَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ وَلَمْ يُعِدْ ، وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ : لَا يَلْزَمُهُ إِرَاقَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ يَسْتَكْمِلُ قُلَّتَيْنِ فَيَلْزَمُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِنِ اسْتِكْمَالَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ : لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ مَاءٍ طَاهِرٍ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِوُجُودِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَإِنْ أُشْكِلْ . فَصْلٌ : فَلَوِ اجْتَهَدَ رَجُلَانِ فِي إِنَاءَيْنِ فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى طَهَارَةِ مَا نَجَّسَهُ صَاحِبُهُ اسْتَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنَاءَهُ الَّذِي بَانَ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَاجْتِهَادِ رَجُلَيْنِ فِي الْقِبْلَةِ إِلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْتَمَّ بِصَاحِبِهِ : لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِنَجَاسَةٍ ، فَإِنْ جَمَعَا بَطُلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فَرْعًا يُغْنِي شَرْحُهُ عَنِ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، وَهُوَ فِي خَمْسَةٍ تَوَضَّئُوا وَسَمِعُوا مِنْ أَحَدِهِمْ صَوْتًا فَنَفَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ ، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَمْسَةِ أَمَّ جَمِيعَ أَصْحَابِهِ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَتَّى أَمَّ الْخَمْسَةُ فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ . فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فِي أَوَّلِ الْجَمَاعَاتِ وَهِيَ الصُّبْحُ وَلَا فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ الظُّهْرُ وَلَا فِي الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْعَصْرُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ مِنَ الْإِمَامَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ الْمَغْرِبُ فَلَا إِعَادَةَ فِيهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ

إِلَّا عَلَى الَّذِي أَمَّ فِي الْخَامِسَةِ : لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الصَّوْتَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ائْتَمَّ بِهِمْ مِنْ قَبْلُ فَقَدْ أَضَافَ الصَّوْتَ إِلَى الرَّابِعِ ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْحَدَثِ وَمَنِ ائْتَمَّ بِمَنِ اعْتَقَدَ حَدَثَهُ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَالْإِعَادَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ الْأَرْبَعَةِ لِإِضَافَتِهِمُ الْحَدَثَ إِلَى الْخَامِسِ وَهُوَ الْإِمَامُ ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ إِعَادَةُ الرَّابِعَةِ الَّتِي كَانَ مَأْمُومًا فِيهَا . فَصْلٌ : وَإِذَا اسْتَعْمَلَ بِاجْتِهَادِهِ فِي الْإِنَاءَيْنِ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بَانَ لَهُ نَجَاسَةُ مَا اسْتَعْمَلَهُ ، وَطَهَارَةُ مَا تَرَكَهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ ، فَإِنْ بَانَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ اجْتَنَبَ بَاقِيَ مَا اسْتَعْمَلَهُ ، وَكَانَ نَجِسًا ، وَاسْتَعْمَلَ الْإِنَاءَ الْآخَرَ ، وَكَانَ طَاهِرًا وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِمَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ ، وَغَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ مِنْ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَإِنْ بَانَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ : يَجْتَنِبُ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ ، وَيَسْتَعْمِلُ الثَّانِيَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ اجْتِهَادُهُ الثَّانِي وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ : لِأَنَّهَا صَلَاةٌ قُضِيَتْ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا تُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ ، لِاعْتِقَادِهِ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَجِسٌ ، وَمَنِ اعْتَقَدَ نَجَاسَةَ مَاءٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ شَيْئًا مِنَ الثَّانِي ، بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ لِمَا نَفَذَ مِنَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ ، وَالْحُكْمُ إِذَا نَفَذَ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يُنْقَضْ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاجْتِهَادُ الثَّانِي قَدْ نَقَضَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَلَزِمَهُ إِعَادَةُ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ وَغَسْلُ مَا أَصَابَ مِنْ ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ وَهُوَ لَا يَقُولُ هَذَا فَعَلِمَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الثَّانِي وَتَرْكُ غَسْلِ مَا أَصَابَ الْأَوَّلُ مِنْ بَدَنِهِ لَكَانَ حَامِلًا لِنَجَاسَةِ يَقِينٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ يَعْنِي عَبْدَ الْوَهَّابِ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا تَطَهَّرَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ جَائِزٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ النَّاسِ وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [ الْمَائِدَةِ : ] فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُوجِبَةً لِتَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى حَالٍ دُونَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْأَمْرِ بِهَا ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ، وَقَالَ : هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ " . فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الصَّلَاةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِ وُضُوئِهِ ، وَقَالُوا : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ سُورَةِ الْمَائِدَةِ لَا بَعْدَهَا ، فَسَكَتَ أَبُو مَسْعُودٍ قَالُوا : فَكَانَ عَلِيٌّ يَرَى ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِسُورَةِ الْمَائِدَةِ . قَالُوا : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ : لَأَنْ يُقْطَعَ رِجْلَايَ بِالْمُوسَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ .

قَالُوا : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ، قَالُوا : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : أَنْ لَا يَقُولُوا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا خَيْرًا . وَالثَّانِي : أَنْ لَا يَمْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَجْهَرُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمُ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ ، وَذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى تَطْهِيرِهِمَا مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ مَا هُوَ أَيْسَرُ وَأَقْرَبُ ، وَيُجِيزُونَ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَبْعَدُ ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى حَائِلٍ دُونَهُ امْتَنَعَ مِثْلُهُ فِي الرِّجْلَيْنِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ قَدْ يَجِبُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ كَوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ فِي الْجَنَابَةِ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى مَسْحِ الْخُفَّيْنِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِهِمَا كَذَلِكَ الْوُضُوءُ . وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِهِ السُّنَّةُ الْمَرْوِيَّةُ مِنَ الطُّرُقِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ذَكَرُهُ أَبُو دَاوُدَ . وَرَوَى بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبيِ نُعَيْمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسِيتَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي - جَلَّ وَعَزَّ - ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ . وَرَوَى بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ أَنَّ جَرِيرًا بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَقَالَ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ قَالُوا : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، قَالَ مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ . ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ

يَقُولُ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ، فَذَهَبْتُ أَتَنَحَّى عَنْهُ ، فَجَذَبَنِي حَتَى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ فَلَمَّا فَرَغَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، قَالَ الْمَغِيرَةُ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمِّ جُبَّتِهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمُ الرَّكْعَةَ الَتِي بَقِيَتْ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ " فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَفَرَغَ النَّاسُ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ قَدْ أَحْسَنْتُمْ . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ : لِأَنَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَكَذَلِكَ إِسْلَامُ جَرِيرٍ ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنِي بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا يَعْنِي : أَنَّ بَعْضَهُمْ شَافَهَهُ وَبَعْضَهُمْ رَوَى لَهُ عَنْهُمْ : لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَلْقَ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا وَإِنْ أَوْجَبَتْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَالسُّنَّةُ جَاءَتْ بِالرُّخْصَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَكَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِذَا ظَهَرَتَا ، وَالسُّنَّةُ وَارِدَةٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا لُبِسَا . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَيُحْمَلُ النَّصْبُ عَلَى غَسْلِهِمَا إِذَا كَانَتَا ظَاهِرَتَيْنِ ، وَيُحْمَلُ الْجَرُّ عَلَى مَسْحِهِمَا إِذَا كَانَتَا فِي الْخُفَّيْنِ ، فَتَكُونُ الْآيَةُ بِاخْتِلَافِ قِرَاءَتَيْهَا دَالَّةً عَلَى الْأَمْرَيْنِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ " هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ " فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الرُّخْصَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقَدَمَيْنِ ، وَمَنْ كَانَ ظَاهِرُ الْقَدَمَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَوْهُ مِنْ سُؤَالِ عَلِيٍّ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ فَمِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْحَدِيثِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ سَأَلَهُ اسْتِخْبَارًا عَنْ زَمَانِ الْمَسْحِ لَا إِنْكَارًا لَهُ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ لِيَظْهَرَ فِي النَّاسِ قِلَّةُ ضَبْطِ أَبِي مَسْعُودٍ ، وَضَعْفُ حَزْمِهِ ، وَسُوءُ فَهْمِهِ : لِأَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ كَانَ مِمَّنْ تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِنْكَارِ عَائِشَةَ ، وَقَوْلِهَا مَا قَالَتْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : إِنَّهَا لَمْ تُنْكِرِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَإِنَّمَا كَرِهَتْ بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمُحْوِجِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا ، وَقَالَتْ : لَأَنْ تُقْطَعَ رِجْلَايَ فَلَا أُسَافِرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ السَّفَرِ الَّذِي يُمْسَحُ فِيهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّ إِنْكَارَهَا مَعَ ثُبُوتِ السُّنَّةِ وَاشْتِهَارِهَا وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهَا مَدْفُوعٌ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَدْ قَالَ سَعْدٌ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ سَلْ أَبَاكَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةٍ فَهُوَ أَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ وَمَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ، وَقَدْ مَسَحَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : وَأَنْ تَمْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ فَرَوَى عَنْهُمْ جَوَازَهُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَوْجَبَ الْمَنْعَ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَهُوَ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى السُّنَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، ثُمَّ مُنْتَقِضٌ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ ظُهُورُ الْعُضْوِ يُوجِبُ غَسْلَهُ وَيَمْنَعُ مِنْ مَسْحِهِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ اسْتَثْنَتِ الرِّجْلَيْنِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ غَسْلِهِمَا إِلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى مَخْصُوصٍ وَمَنْصُوصٍ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْهَادِهِمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَدْ فَرَّقَتِ السُّنَّةُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ أَنَّ غَسْلَ مَا جَاوَزَ الْقَدَمَيْنِ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهُ فِي الْخُفَّيْنِ وَجَبَ خَلْعُهُمَا وَإِذَا خَلَعَهُمَا ظَهَرَتِ الرِّجْلَانِ فَلَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَعَ ظُهُورِهِمَا وَوَجَبَ غَسْلُهُمَا مَعَ جَمِيعِ الْبَدَنِ .

فَصْلٌ الْخِلَافُ فِي تَحْدِيدِ وَقْتِ الْمَسْحِ

فَصْلٌ : الْخِلَافُ فِي تَحْدِيدِ وَقْتِ الْمَسْحِ فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وقته فِي الْوُضُوءِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ هُوَ مَحْدُودٌ أَمْ لَا : فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ

الْحَسَنِ وَعُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إِلَى تَحْدِيدِهِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ ، وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : " يَا رَسُولَ اللَهِ أَنَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، قَالَ نَعَمْ ، قَالَ يَوْمًا قَالَ وَيَوْمَيْنِ ، قَالَ : وَثَلَاثَةً ، قَالَ : نَعَمْ ، وَمَا شَئْتَ وَبِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ ، وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا " . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ فِيهِ غَيْرُ مَحْتُومٍ مُقَدَّرٍ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عُمَارَةَ أَنَّهُ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : كَمْ عَهْدُكَ بِالْمَسْحِ ، فَقُلْتُ مِنَ الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ أَصَبْتَ السُّنَّةَ ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ فِي الطَّهَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْدُودٍ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْجَبِيرَةِ .

فَصْلٌ دَلِيلُ مَنْ حَدَّدَهُ بِوَقْتٍ

فَصْلٌ : دَلِيلُ مَنْ حَدَّدَهُ بِوَقْتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْدِيدِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَزِينِ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : " أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ فَقَالَ . مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ ، قَالَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ ، قُلْتُ : مَا حَاكَ فِي صَدْرِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وقته بَعْدَ

الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ ، وَكُنْتَ امْرَءًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُكَ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ : نَعَمْ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرَى أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ : سَلْ عَلِيًّا ، فَإِنَّهُ كَانَ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : " كَانَ الْنَبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ . وَبِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى تَحْدِيدِ الْمَسْحِ وَالْحَدِّ بِمَنْعِ الْمَحْدُودِ مِنْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي حُكْمِهِ ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ إِذَا كَانَ عَلَى حَائِلٍ يُقَدَّرُ بِالْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مُجَاوِزَةٍ كَالْجَبِيرَةِ وَحَاجَةِ الْمُقِيمِ إِلَى لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لَا يَسْتَدِيمُ فِي الْغَالِبِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُسَافِرُ لَا تَسْتَدِيمُ حَاجَتُهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ . فَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ فَدَالٌّ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ مَا شَاءَ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ كُلَّ ثَلَاثٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاسْتِدَامَتِهِ مَا شَاءَ . وَأَمَّا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ : لِأَنَّهُ مَا اسْتَزَادَهُ ، وَلَوِ اسْتَزَادَهُ لَجَازَ أَنْ لَا يَزِيدَهُ بَلْ هُوَ ظَنٌّ يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عُمَارَةَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بِخِلَافِهِ ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْجَبِيرَةِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْجَبِيرَةُ أَصْلًا فَقَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ مَسْحُ الرَّأْسِ امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ أَصْلٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَاجَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ بَدَلًا مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكَافَّةِ إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَجَوَّزَا ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَى رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ

يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ ، وَالتَّسَاخِينُ : الْخِفَافُ ، وَالْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ : وَرَكْبٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَطْلُبُ مِنْهُمُ لِهَا تِرَّةً مِنْ جَذْبِهَا لِلْعَصَائِبِ يَعْنِي : الْعَمَائِمَ . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْمَشَاوِذِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمَشَاوِذُ : الْعَمَائِمُ ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ : إِذَا مَا شَدَدْتُ الْرأْسَ مِنِّي بِمِشْوَذٍ فَقَصْدُكَ مِنِّي تَغْلِبُ ابْنَةَ وَائِلِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ فَأَوْجَبَ مَسْحَ الرَّأْسِ بِغَيْرِ حَائِلٍ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ : " هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ " . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ فَصَلَّى بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ ، وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ فَلَوْ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ لَمَا تَكَلَّفَ هَذَا ، وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ لَا يُجْزِئُ ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الرَّأْسِ مُمْكِنٌ ، مَعَ بَقَاءِ الْعِمَامَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَعَ بَقَاءِ الْخُفَّيْنِ ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا : لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْغَسْلِ إِلَى الْمَسْحِ رُخْصَةٌ ، وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ رُخْصَتَانِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثَيْنِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَرَادَ عَصَائِبَ الْجِرَاحِ ، وَلِذَلِكَ خَاطَبَ أَهْلَ السَّرَايَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَنَى صِغَارَ الْعَمَائِمِ الَّتِي يَصِلُ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا إِلَى مَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنَّ مَا ذَكَرَ الْفَرَزْدَقُ مِنَ الْعَصَائِبِ فِي شِعْرِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْأَلْوِيَةَ والْمَشَاوِذَ : هِيَ عَصَائِبُ تُلَفُّ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْحُرُوبِ عَلَامَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا تَطَهَّرَ الرَّجُلُ الْمُقِيمُ بِغُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهَرَتَانِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْتِ مَا أَحْدَثَ يَوْمًا

وَلَيْلَةً وَذَلِكَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَى الْوَقْتِ الَذِي أَحْدَثَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا ثَبَتَ تَحْدِيدُ الْمَسْحِ مدته لِلْمُقِيمِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوَّلِ زَمَانِهِ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَوَّلُ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ لِبَاسِهِ الْخُفَّيْنِ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَوَّلُ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ مَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلُ زَمَانِهِ مَنْ وَقْتِ حَدَثِهِ بَعْدَ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ . وَاسْتَدَلَّ مَنِ اعْتَبَرَ أَوَّلَ زَمَانِ حَدَثِهِ مِنْ وَقْتِ اللِّبَاسِ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ مُدَّةَ اللِّبَاسِ . وَاسْتَدَلَّ مَنِ اعْتَبَرَ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ فَجَعَلَ ذَلِكَ مُدَّةَ الْمَسْحِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إِنَّكَ تَجْعَلُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ ، ثُمَّ تَسْتَدِلُّ بِالْمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِمَا ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ اعْتُبِرَ فِيهَا الْوَقْتُ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهَا مَحْسُوبٌ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ فِعْلُهَا وَصِفَتُهَا مُعْتَبَرَةً بِوَقْتِ أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ إِنْ كَانَتْ ظُهْرًا فَأَوَّلُ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ ، وَصِفَتُهَا فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ وَالْفِعْلِ ، فَإِنْ كَانَ وَقْتَ فِعْلِهَا وَأَدَائِهَا مُسَافِرًا قَصَرَ ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا أَتَمَّ ، كَذَلِكَ الْمَسْحُ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ : لِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَصِفَتَهُ فِي مَسْحِ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ مُعْتَبَرٌ بِوَقْتِ الْمَسْحِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ زَمَانَ الْمَسْحِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ ، فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لِبَاسِ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ مِنْ وَقْتِ حَدَثِهِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ إِنْ كَانَ مُقِيمًا ، وَإِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا ، وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ سِتُّ صَلَوَاتٍ مُؤَقَّتَاتٍ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ فَيُصَلِّيَ سَبْعًا ، مِثَالُهُ : أَنْ يُحْدِثَ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الْوَقْتِ فَيَمْسَحُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعِشَاءَ ثُمَّ الصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ ، فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ الْعَصْرَ يَجْمَعُهَا إِلَيْهَا ، وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُسَافِرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ سِتَّ عَشْرَةَ صَلَاةً ، إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ فَيُصَلِّيَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهُنَّ عَشْرٌ فِي يَوْمَيْنِ ، وَسَبْعٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ جَمْعِهِ ، وَيَجُوزُ فِي زَمَانِ الْمَسْحِ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ مِنَ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ : لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ لَا بِالصَّلَوَاتِ ، فَلَوْ شَكَّ فِي وَقْتِ حَدَثِهِ هَلْ كَانَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ، حَسِبَهُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ يَحْتَسِبُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ ، لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنُ حُدُوثِ حَدَثِهِ ،

وَشَاكٌّ فِي تَقَدُّمِهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ رُخْصَةٌ ، وَالرُّخَصُ تُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، وَأُحْوَطُ حَالَتِهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَوَّلِ زَمَانَيْ شَكِّهِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى بِالْمَسْحِ خَمْسًا أَوْ سِتًّا حَسِبَهَا فِي الْمَسْحِ سِتًّا احْتِيَاطًا لِلْمَسْحِ ، وَفِي الْأَدَاءِ خَمْسًا احْتِيَاطًا لِلْفَرْضِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ فَقَدِ انْقَطْعَ الْمَسْحُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَصَلَّى بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْمَسْحِ أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَالصَّلَاةَ " . إِذَا انْقَضَى الْمَسْحُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَا تَقَدَّمُ مِنَ الْمَسْحِ شَيْئًا ، وَلَا أَنْ يَسْتَأْنِفَ بَعْدَهُ مَسْحًا ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ تَقَضِّي زَمَانِ الْمَسْحِ فِي صَلَاةٍ ، بَطُلَتْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ تَقَضِّي زَمَانِ الْمَسْحِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ ، وَأَنْ يُصَلِّيَ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، وَلَا يَجُوزُ إِنْ كَانَ لَابِسَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ شَيْئًا ، وَاسْتَدَلَّا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الشَّرْعَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرُورُ الزَّمَانِ حَدَثًا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الطَّهَارَاتِ . وَالثَّانِي : أَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ بَدَلًا مِنْ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ ، وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ مُبْدَلِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُرُورُ الزَّمَانِ مُؤَثِّرًا فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّرَ زَمَانَ الْمَسْحِ ، وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ الزَّمَانِ حَدًّا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِفِعْلِ الْمَسْحِ أَوَ حَدًّا لِاسْتِدَامَةِ حُكْمِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ حَدًّا لِأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادًا أَوْلَى مِنْ صَاحِبِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا وَجَعَلَ مَأْخَذَهُ مِنَ الزَّمَانِ وَقْتًا لِفِعْلِ الْمَسْحِ ، وَحُكْمِهِ جَمِيعًا ، وَلَا يَصِحُّ جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَبَيْنَ سَائِرِ الطَّهَارَاتِ ، وَكَذَلِكَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ : لِأَنَّ الْمَسْحَ مَحْدُودُ الزَّمَانِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِمُرُورِ الزَّمَانِ تَأْثِيرٌ فِي نَقْضِهِ ، وَلَيْسَ لِسَائِرِ الطَّهَارَاتِ زَمَانٌ مَحْدُودٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ مُرُورُ الزَّمَانِ فِي نَقْضِهِ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَقَضِّيَ زَمَانِ الْمَسْحِ بِتَقَضِّي ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ عِنْدَ تَقَضِّيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَوْ حَدَثٍ ، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ لُبْسَ خُفَّيْهِ وَالْمَسْحَ عَلَيْهِمَا إِنْ شَاءَ ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَتَوَضَّأُ . وَالثَّانِي : يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ فِي زَمَانِ الْمَسْحِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ وَلَوْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمٍ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِاتِّفَاقٍ فِي الْحُكْمِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْعِلَّةِ ، فَالشَّافِعِيُّ يَجْعَلُ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ أَغْلَظُ حَالَيْهِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ نِهَايَةُ حَالَيْهِ ، فَأَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَمَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ : لِأَنَّهُ أَغْلَظُ حَالَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ : لِأَنَّهَا نِهَايَةُ حَالَيْهِ ، وَتَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَلَيَالِيهِنَّ " وَهَذَا مُسَافِرٌ ، وَلِأَنَّهُ مَاسِحٌ جَمَعَ بَيْنَ حَضَرٍ وَسَفَرٍ ، فَوَجَبَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَهُ بِانْتِهَائِهَا كَالْمُسَافِرِ ، إِذَا أَقَامَ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً " وَهَذَا قَدْ كَانَ مُقِيمًا فَلَزِمَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ ، وَلِأَنَّهُ مَاسِحٌ جَمَعَ بَيْنَ حَضَرٍ وَسَفَرٍ فَوَجَبَ أَنْ يُغَلِّبَ حُكْمَ الْحَضَرِ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ ، كَالْمُسَافِرِ إِذَا أَقَامَ ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، فَوَجَبَ إِذَا أَنْشَأَهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ أَنْ يُغَلِّبَ حُكْمَ الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ إِذَا افْتَتَحَهَا مُقِيمًا ثُمَّ سَافَرَ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ انْفِصَالٌ عَنْ دَلَائِلِهِمْ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا فَيُسَافِرَ أَوْ يَكُونَ مُسَافِرًا فَيُقِيمَ فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا ثُمَّ يُسَافِرُ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ لُبْسِ خُفَّيْهِ ، وَقَبْلَ حَدَثِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ لَا يَخْتَلِفُ الْمَسْحُ فِيهِ ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ اللُّبْسِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ لُبْسِ خُفَّيْهِ ، وَبَعْدَ حَدَثِهِ ، وَقَبْلَ مَسْحِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَمْسَحُ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ ، وَأَوَّلُ زَمَانِ مَسْحِهِ مِنْ وَقْتِ حَدَثِهِ فِي الْحَضَرِ ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسْحَ مُقِيمٍ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ مَسْحِهِ ، مَوْجُودَةٌ فِي الْحَضَرِ وَالْحَدَثُ كَالْمَسْحِ فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ زَمَانِ الْمَسْحِ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ حَدَثِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَلَمْ يَمْسَحْ ، فَقَدِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ كَمَا لَوْ مَسَحَ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خَطَأٌ ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الْعِبَادَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِزَمَانِ الْفِعْلِ ، لَا بِوَقْتِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ مُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ فِعْلِهِ لَا وَقْتِ وُجُوبِهَا ، وَكَذَا الْمَسْحُ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو سَفَرُهُ بَعْدَ الْحَدَثِ وَقَبْلَ الْمَسْحِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ

مَسَحَ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسْحَ مُقِيمٍ : لَأَنْ يَقْضِيَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ فِي حُكْمِ فِعْلِهَا فِي الْحَضَرِ ، فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ ، كَذَلِكَ فِي الْمَسْحِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْسَحُ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ بِالْمَسْحِ إِلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ أَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَيَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسْحَ مُقِيمٍ وَقَدْ مَضَى خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا ، فَلَوْ كَانَ قَدْ أَكْمَلَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ ، قَبْلَ سَفَرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدُ فِي سَفَرِهِ شَيْئًا لِاسْتِيفَاءِ مَسْحِ الْإِقَامَةِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ مَسْحًا مُبْتَدِئًا . وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يُسَافِرَ وَيَشُكَّ هَلْ مَسَحَ قَبْلَ سَفَرِهِ أَمْ لَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ عَلَى أَغْلَظِ حَالَيْهِ ، وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ مُسَافِرًا ، ثُمَّ أَقَامَ بِالْمَسْحِ قَبْلَ سَفَرِهِ فَيَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، مَسْحَ مُقِيمٍ : فَإِنْ خَالَفَهُ وَمَسَحَ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ أَعَادَ مَا صَلَّى بِالْمَسْحِ فِي الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ شَاكٌّ فِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ ، فَلَوْ صَلَّى بِالْمَسْحِ يَوْمَيْنِ ، وَهُوَ عَلَى شَكِّهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ قَبْلَ مَسْحِهِ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَسْتَوْفِي مُدَّةَ الْمَسْحِ فِي السَّفَرِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مَا صَلَّى بِالْمَسْحِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي : لِأَنَّهُ حِينَ صَلَّى كَانَ شَاكًّا فِي طَهَارَتِهِ ، فَصَلَّى كَمَنْ صَلَّى عَلَى شَكٍّ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا أَعَادَ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا ثُمَّ يُقِيمُ مسح على خفيه مسافرا ثم أقام ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ شَيْئًا أَمْ لَا ، فَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِي سَفَرِهِ حَتَّى أَقَامَ مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسْحَ مُقِيمٍ ، وَإِنْ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَوْفَى مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمْ لَا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ بَعْدَ إِقَامَةٍ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَإِنِ اسْتَوْفَى فِي السَّفَرِ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لَمْ يَجُزْ إِذَا أَقَامَ أَنْ يَمْسَحَ شَيْئًا ، وَلَوْ كَانَ قَدْ نَوَى الْمُقَامَ وَهُوَ فِي تَضَاعِيفِ صَلَاةٍ بَطُلَتْ لِتَقَضِّي مَسْحِهِ بِالْإِقَامَةِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، فَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ مُقَامَ ثَلَاثَةٍ أَتَمَّ مَسْحَ خُفَّيْهِ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ لِبَقَائِهِ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ وَلَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعٍ اخْتَصَرَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسْحَ مُقِيمٍ : لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ هل يمسح على خفيه لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثًا ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً : وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَمْسَحَ شَيْئًا : لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَا يَتَرَخَّصُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا : لِأَنَّ مَسْحَ

الْخُفَّيْنِ مُلْحَقٌ بِطَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي هِيَ عِبَادَاتٌ مَفْعُولَةٌ فَاسْتَوَى فِيهَا الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي بِالصَّلَاةِ ، وَأَنْ يُتْرَكَ فَتَمْنَعُ مِنْهُ الْمَعْصِيَةَ كَالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ هل يُجْزِئْهُ إِذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ على خفيه لَمْ يُجْزِئْهُ إِذَا أَحْدَثَ أَنْ يَمْسَحَ حَتَى يَكُونَ طَاهِرًا بِكَامِلِهِ قَبْلَ لِبَاسِهِ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَإِنْ نَزَعَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ تَمَامِ طَهَارَتِهِ ثُمَّ لَبِسَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ لِأَنَّ لِبَاسَهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) كَيْفَمَا صَحَّ لُبْسُ خُفَّيْهِ عَلَى طُهْرٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدِي . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَإِنْ لَبِسَهُمَا مُحَدِثًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ غَسَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ، حَتَّى يَنْزِعَ الْخُفَّ الَّذِي لَبِسَهُ أَوَّلًا قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ ، وَيُعِيدُ لُبْسَهُ قَبْلَ حَدَثِهِ فَيَصِيرُ لَابِسًا لَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَنْزِعَهُمَا مَعًا ، ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا قَبْلَ حَدَثِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ : يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، وَلَا فَائِدَةَ فِي نَزْعِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لُبْسِهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ " وَلَمْ يُفَرِّقْ ، وَلِأَنَّهُ حَدَثٌ طَرَأَ عَلَى طَهَارَةٍ وَلُبْسٍ فَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا لَبِسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الْغَسْلِ ، قَالُوا وَلِأَنَّ نَزْعَ الْخُفَّيْنِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْمَسْحِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ قَالُوا : وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ تَجْرِي مَجْرَى ابْتِدَائِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خُفًّا هُوَ لَابِسُهُ حَنِثَ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ لُبْسَهُ فَصَارَ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ فِي حُكْمِ مَنِ ابْتَدَأَ لُبْسَهُ فِي جَوَازِ مَسْحِهِ . وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْمَسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ " نَعَمْ إِنْ أَدْخَلْتَهُمَا ، وَهُمَا طَاهِرَتَانِ " فَجَعَلَ اللُّبْسِ بَعْدَ طُهْرِهِمَا شَرْطًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا ، وَلِأَنَّهُ لُبِسَ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ قِيَاسًا عَلَى لُبْسِهِ قَبْلَ غَسْلِ قَدَمَيْهِ ، وَلِأَنَّ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ يَفْتَقِرُ إِلَى الطَّهَارَةِ ، وَمَا كَانَ إِلَى الطَّهَارَةِ مُفْتَقِرًا ، كَانَ تَقْدِيمُهَا عَلَى جَمِيعِهِ لَازِمًا ، كَالصَّلَاةِ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الطَّهَارَةِ عَلَى جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَبَاحَ بِسَبَبٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ كَالْإِفْطَارِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى السَّفَرِ وَالْمَرَضِ ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ مُسْتَبَاحٌ لِشَرْطَيْنِ : اللُّبْسُ وَالْحَدَثُ ، فَمَا لَزِمَ تَقْدِيمُ الطَّهَارَةِ عَلَى الْحَدَثِ لَزِمَ تَقْدِيمُهَا عَلَى اللُّبْسِ : لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ ، وَلِأَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ ، أَلَا تَرَى

أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ انْتَقَضَ مَسْحُهُ ، كَمَا لَوْ نَزَعَ جَمِيعَ الْخُفَّيْنِ فَوَجَبَ إِذَا لَبِسَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَبِسَ جَمِيعَ الْخُفَّيْنِ . فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ فَمَحْمُولٌ عَلَى نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ . وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَا بَعْدَ الْغَسْلِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ لُبْسُهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ نَزْعَ الْخُفَّيْنِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْمَسْحِ ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ أَيْضًا ، وَهُوَ عِنْدَ تَقَضِّي زَمَانِ الْمَسْحِ ، فَكَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ تَجْرِي مَجْرَى ابْتِدَائِهِ فَصَحِيحٌ فِي الْإِتْمَامِ ، وَبَاطِلٌ فِي الْمَسْحِ ، أَلَا تَرَى لَوْ أَحْدَثَ ، وَكَانَ لَابِسًا جَازَ أَنْ يَمْسَحَ ، وَلَوِ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ حَدَثِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ فَبَانَ أَنَّ ابْتِدَاءَ اللُّبْسِ فِي الْمَسْحِ مُخَالِفٌ لِاسْتِدَامَتِهِ . فَصْلٌ : فَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ، وَأَدْخَلَهُمَا الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ وَقَدَمُهُ فِي سَاقِ الْخُفِّ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ حَدَثِهِ لَابِسًا لِخُفِّهِ لُبْسًا كَامِلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفِّ شَيْءٌ بَانَ مِنْهُ بَعْضُ الرِّجْلِ وَإِنْ قَلَّ ، لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفٍّ غَيْرِ سَاتِرٍ لِجَمِيعِ الْقَدَمِ وَإِنْ كَانَ خَرْقُهُ مِنْ فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ خَرْقَ الْخُفِّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ ، أَوْ فِي غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَدَمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ فِي سَاقِ الْخُفِّ ، فَجَائِزٌ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ مَعَ هَذَا الْخَرْقِ : لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ خُفًّا لَا سَاقَ لَهُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْقَدَمِ ، رَوَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَسْأَلُ بِلَالًا عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ ، فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ ، وَالْمُوقَانِ : خُفَّانِ قَصِيرَانِ لَيْسَ لَهُمَا سَاقٌ ، فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ لَمْ يَتَفَاحَشِ الْخَرْقُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَفَاحَشَ لَمْ يَجُزْ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَمْسَحُ مَا أَمْكَنَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَمْ يَجُزْ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْسَحُ إِنْ كَانَ الْخَرْقُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَكْثَرُ الْأَصَابِعِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ : لَا

يَمْسَحُ عَلَيْهِ إِذَا ظَهَرَ مِنَ الْخَرْقِ شَيْءٌ مِنَ الْقَدَمِ ، وَإِنْ قَلَّ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ الْمَسْحَ عَلَيْهِ مَعَ خَرْقِهِ الخف بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا " ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا أَطْلَقَ اسْمَ الْخُفِّ عَلَيْهِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ خَرْقٌ لَا يُبِيحُ لُبْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ ، قِيَاسًا عَلَى خُرُوقِ الْخَرَزِ ، وَلِأَنَّ إِبَاحَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، رِفْقٌ وَتَرْفِيهٌ ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى لُبْسِهِ وَالْمَشَقَّةَ لَاحِقَةٌ فِي نَزْعِهِ ، فَلَوْ كَانَتْ خُرُوقُ الْخُفِّ تَمْنَعُ مِنْ لُبْسِهِ وَتَدْعُو إِلَى نَزْعِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِفَافِ لَزَالَ مَعْنَى الرِّفْقِ بِالتَّغْلِيظِ ، وَالتَّرْفِيهِ بِالْمَشَقَّةِ . وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ : وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [ الْمَائِدَةِ : ] فَكَانَ عُمُومُهَا يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُهُ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى خُفَّيْنِ صَحِيحَيْنِ ، وَلِأَنَّ ظُهُورَ الْأَصَابِعِ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ كَمَا لَوْ نَزَعَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ الْقَدَمِ تَعَلَّقَ بِبَعْضِ الْقَدَمِ قِيَاسًا عَلَى غَسْلِهِمَا عِنْدَ ظُهُورِهِمَا ، وَلِأَنَّ مَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْمَسْحِ يَسْتَوِي حُكْمُ وُجُودِهِ فِي بَعْضِ الْقَدَمَيْنِ وَفِي جَمِيعِ الْقَدَمَيْنِ أَصْلُهُ : انْقِضَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عِنْدَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ يَتَعَلَّقُ بِالطَّهَارَةِ وَبِاسْتِتَارِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْخُفَّيْنِ ، فَلَمَّا كَانَ تَرْكُ بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ كَانَ تَرْكُ بَعْضِ الْمَسْحِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيِ الْمَسْحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ بَعْضِهِ كَتَرْكِ جَمِيعِهِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْمَسْحِ كَالطَّهَارَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظُهُورُ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْأُخْرَى تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْغَسْلِ كَانَ طُهُورُ بَعْضِ الرَّجُلِ بِالْمَنْعِ مِنْ مَسْحِ الْبَاقِي مِنْهُمَا أَوْلَى ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْخَبَرِ فَمَخْصُوصٌ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى خُرُوقِ الْخَرَزِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ خُرُوقَ الْخَرَزِ لَا يُرَى مِنْهَا خُفٌّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا سِوَاهُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ - خَرْقُ الْخَرَزِ - يَنْسَدُّ بِمَا يَدْخُلُهَا مِثْلَ الْخُيُوطِ فَلَا يَظْهَرُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقَدَمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا سِوَاهُ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْحَاجَةِ إِلَى لُبْسِهَا وَالْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْخُفَّ إِذَا تَخَرَقَ امْتُنِعَ فِي الْغَالِبِ مِنْ لِبَاسِهِ ، وَإِنَّمَا يُلْبَسُ مِنَ الْخِفَافِ غَالِبًا مَا كَانَ صَحِيحًا مِنْهَا .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ خَرْقَ الْخُفِّ يَمْنَعُ مِنَ الْمَسْحِ عَلَيْهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَدَّمِهِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرْقَ الْمُقَدَّمِ ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ خَرْقِ الْخُفِّ ، لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنَ الْمَسْحِ هَذَا إِذَا كَانَ فِي ظِهَارَةِ الْخُفِّ وَبِطَانَتِهِ .

فَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي الْبِطَانَةِ دُونَ الظِّهَارَةِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ خُفًّا بِلَا بِطَانَةٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ الْخَرْقُ فِي ظِهَارَةِ الْخُفِّ دُونَ بِطَانَتِهِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْبِطَانَةُ جُلُودًا جَازَ مَسْحُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَرْقًا ، لَمْ يَجُزْ ، فَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُخَرَّقًا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُ خُفًّا صَحِيحًا جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى وَحْدَهُ ، وَكَانَ الْأَسْفَلُ كَاللِّفَافَةِ وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا صَحِيحًا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهُ مُخَرَّقًا مَسْحَ عَلَى الْأَسْفَلِ وَحْدَهُ دُونَ الْأَعْلَى .

فَصْلٌ : وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا بِشَرَجٍ فَإِنْ كَانَ الشَرَجُ فَوْقَ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَوْقَهُ تُشَدُّ بِالتَّشْرِيجِ أَمْ لَا ؟ وَإِنْ كَانَ الشَّرَجُ فِي الْقَدَمِ ، فَإِنْ كَانَتْ فُتُوقُهُ إِذَا شَرَجَ لَمْ تُسَدَّ وَلَمْ يَتَغَطَّ الْقَدَمَانِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ فُتُوحُهُ تُسَدُّ ، وَيَتَغَطَّى الْقَدَمَانِ أَجَزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَحَكَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الشَّرْحِ نَصًّا عَنِ الشَّافِعِيِّ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ : " وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبَانِ مُجَلَّدِي الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ حَتَى يَقُومَا مَقَامَ الْخُفَّيْنِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْجَوْرَبَ المسح عليه عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُجَلَّدَ الْقَدَمِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا لَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْخُفِّ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، كَالنَّعْلِ . وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ هُذَيلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ . وَلِأَنَّ مَا أَمْكَنَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا اسْتَتَرَ بِهِ مَحَلُّ الْفَرْضِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، كَالْخُفِّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِلِبَاسِ الْخُفِّ تَعَلَّقَ بِلِبَاسِ الْجَوْرَبِ الْمُجَلَّدِ كَالْفِدْيَةِ عَلَى الْحَرَمِ فَأَمَّا النَّعْلُ فَلَا يَسْتُرُ الْقَدَمَ فَلَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهَا . و الضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبُ غَيْرَ مُجَلَّدٍ الْقَدَمَ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبُ غَيْرَ مُنَعَّلٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، اسْتِدْلَالًا بِالْخَبَرِ أَنَّهُ مَسْحٌ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمُجَلَّدَيْنِ . وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ وَارَى قَدَمَيْهِ بِمَا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ

كَاللَّفَائِفِ وَالْخِرَقِ ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُجَلَّدَيْنِ وَالْمَعْنَى فِي الْمُجَلَّدَيْنِ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا مُمْكِنٌ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مُنَعَّلَ الْأَسْفَلِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَشِفُّ وَيَصِلُ بَلَلُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ إِلَى الْقَدَمِ ، فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَشِفُّ وَيَمْنَعُ صِفَاقُهُ مِنْ وُصُولِ بَلَلِ الْمَسْحِ إِلَى قَدَمَيْهِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ ، وَالثَّانِي : يَجُوزُ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ .

مَسْأَلَةٌ شَرَائِطُ الْمَسْحِ

مَسْأَلَةٌ : شَرَائِطُ الْمَسْحِ على الخف قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَمَا لَبِسَ مِنْ خُفٍّ خَشَبٍ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ خُفٍّ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ثَلَاثُ شَرَائِطَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا ، وَرَابِعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ جَوْرَبٍ . أَحَدُ الشَّرَائِطِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْقَدَمِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ شَيْءٌ لَا مِنْ أَعْلَى الْخُفِّ وَسَاقِهِ ، وَلَا مِنْ خَرْقٍ فِي وَسَطِهِ أَوْ أَسْفَلِهِ ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنَ الْقَدَمِ مِنْ أَيِّ جِهَةِ ظَهَرَ ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ . وَالثَّانِي : أَنْ لَا يَصِلَ بَلَلُ الْمَسْحِ إِلَى الْقَدَمِ ، فَإِنْ وَصَلَ إِمَّا لِخِفَّةِ نَسْجٍ أَوْ رِقَّةِ حَجْمٍ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ . وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : أَنْ يُمْكِنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ لِضِعْفِهِ ، أَوْ ثِقَلِهِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ . وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ : مُخْتَلَفٌ فِيهِ : أَنْ يَكْونَ مُبَاحَ اللُّبْسِ ، فَلَا يَكُونُ مَسْرُوقًا ، وَلَا مَغْصُوبًا لِأَنَّهُ لَا يُتَرَخَّصُ فِي مَعْصِيَةٍ فَإِنْ كَانَ مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا فَفِي جَوَازِ مَسْحِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ، وَكَذَا لَوْ لَبِسَ خُفًّا مِنْ ذَهَبٍ ، كَانَ حَرَامَ اللُّبْسِ كَالْمَغْصُوبِ ، فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَمْنَعُ مِنَ الرُّخْصَةِ .

وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ جَائِزٌ : لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مُقَارَنَةُ الْغَصْبِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يَمْسَحُ عَلَى جُرْمُوقَيْنِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنِ انْفِرَادِهِ عَنْهُمْ وَزَعَمَ إِنَّمَا أُرِيدُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمِرْفَقُ فَكَذَلِكَ الْجُرْمُوقَانِ مِرْفَقٌ وَهُوَ بِالْخُفِّ شَبِيةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَمَّا الْجُرْمُوقُ فَهُوَ خُفٌّ يُلْبَسُ عَلَى خُفٍّ ، فَإِنْ لَبِسَهُ دُونَ الْخُفِّ الَّذِي تَحْتَهُ ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَبِسَهُمَا ، فَإِنْ كَانَا مَخِيطَيْنِ قَدْ حَرَّزَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، كَالْخُفِّ الْمُبَطَّنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَخِيطَيْنِ جَازَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْأَسْفَلِ مِنْهُمَا ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْأَعْلَى أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ جَائِزٌ ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً " وَلِأَنَّ مَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ مَلْبُوسٌ - جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ مَلْبُوسٌ كَالْخُفِّ إِذَا لُبِسَ عَلَى جَوْرَبٍ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى إِذَا كَانَ مَخِيطًا بِالْأَسْفَلِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنِ الْأَسْفَلِ كَالْمَلْبُوسِ عَلَى خُفٍّ مُخَرَّقٍ ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُرْفَقٌ لِلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهِ ، فَكَذَا الْجُرْمُوقُ : لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ لَاحِقَةٌ فِي نَزْعِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْأَعْلَى لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ مَا جُعِلَ بَدَلًا فِي الطَّهَارَةِ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ بَدَلًا آخَرَ كَالتَّيَمُّمِ ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْلَمُ لُبْسُهُ فَلَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، كَالْقُفَّازَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ لِمَمْسُوحٍ فَلَمْ يَقُمْ فِي إِسْقَاطِ الْفَرْضِ مَقَامَ الْمَمْسُوحِ كَالْعِمَامَةِ ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَثِّرْ نَزْعُهُ فِي نَقْضِ طَهَارَتِهِ ، لَمْ يُؤَثِّرْ لُبْسُهُ فِي جَوَازِ مَسْحِهِ كَاللَّفَائِفِ فَوْقَ الْخُفِّ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا : بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَسْحَ انْتَزَعَ الْأَعْلَى ، وَمَسَحَ عَلَى الْأَسْفَلِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَسْفَلُ مِنْهُمَا هُوَ الْخُفُّ ، أَوِ الْجُرْمُوقُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ قَدْ تَخَرَّقَ أَوِ انْفَتَقَ فَيَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْأَعْلَى فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مُخَرَّقًا فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ ، وَيَمْسَحُ عَلَى الْأَسْفَلِ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَسْحَ عَلَى الْأَسْفَلِ نَزَعَ الْأَعْلَى أَوَّلًا ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْأَسْفَلِ ، فَإِنْ مَسَحَ

عَلَى الْأَسْفَلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْزِعَ الْأَعْلَى ، فَقَدْ كَانَ أَبُو حَامِدٍ الِإِسْفَرَايِينِيُّ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهِ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَإِنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ أَصْلٌ بِذَاتِهِ ، فَكَيْفَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَسْحُهُ أَجْزَأَهُ ، وَمَسْحُ الْخُفِّ بَدَلٌ فَاخْتَصَّ بِأَكْمَلِ صِفَاتِ الْمَسْحِ ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا جَوَازُ هَذَا الْمَسْحِ كَجَوَازِ مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ ، وَلَيْسَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ تَأْثِيرٌ . فَصْلٌ : وَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى فَلَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَلْبَسَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ عَلَى طَهَارَةٍ ، فَإِنْ لَبِسَ الْأَسْفَلَ عَلَى طَهَارَةٍ ، وَالْأَعْلَى عَلَى حَدَثٍ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، حَتَّى يَلْبَسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ ، فَيَمْسَحُ حِينَئِذٍ عَلَى الْأَعْلَى ، فَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْأَعْلَى عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ ، ثُمَّ نَزَعَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ طَهَارَتَهُ صَحِيحَةٌ كَمَنْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ مُبَطَّنٍ ، ثُمَّ كَشَطَ أَعْلَاهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ فَسَدَتْ بِنَزْعِهِ ، لِاخْتِصَاصِهِ بِحُكْمِهِ ، وَصَارَ كَمَنْ نَزَعَ خُفَّهُ مِنْ رِجْلِهِ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ وَالْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ الْأَسْفَلِ . وَالثَّانِي : يَقْتَصِرُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ الْأَسْفَلِ وَحْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ وَفِي الْقَدِيمِ وَكِتَابُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَتَوَضَّأُ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا وَالَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ لَا يَنْتَقِضُ فِي السُّنَّةِ إِلَّا بِالْحَدَثِ وَإِنَّمَا انْتَقَضَ طُهْرُ الْقَدَمَيْنِ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِعَدَمِ ظُهُورِهِمَا كَمَسْحِ الْتَيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ ، فَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الْمَعْدُومِ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَسْحِ يُبْطِلُ الْمَسْحَ وَيُوجِبُ الْغَسْلَ ، كَانَ كَذَلِكَ ظُهُورُ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْمَسْحِ يُبْطِلُ الْمَسْحَ وَيُوجِبُ الْغَسْلَ ، وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ سِوَى الْقَدَمَيْنِ مَغْسُولٌ وَلَا غَسْلَ عَلَيْهِمَا ثَانِيَةً إِلَّا بِحَدَثٍ ثَانٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ نَزَعَ خُفَّهُ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ أَوْ بَعْدَ تَقَضِّيهَا لَمْ يَحُلَّ حَالُهُ عِنْدَ نَزْعِهِ أَنْ يَكُونَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَوَضِّئًا ، فَإِنْ كَانَ مُحَدِثًا تَوَضَّأَ ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا مَنَعَ مِنَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ الْحَدَثِ أَوْجَبَ اسْتِئْنَافَ الطَّهَارَةِ كَالْحَدَثِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لَا غَيْرُ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَعَطَاءٌ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ اللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَدَلٌ زَالَ حُكْمُهُ بِظُهُورِ مُبْدَلِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ

إِلَّا غَسْلُ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْهُ ، كَالتَّيَمُّمِ لَمَّا كَانَ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ انْتِقَاضُهُ يُوجِبُ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، وَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ لَمَّا كَانَ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ كَانَ انْتِقَاضُهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا يُوجِبُهُ الْقَوْلَانِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصْلِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ : هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ : فِي تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ : بَلْ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي طَهَارَةِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ إِذَا انْتَقَضَتْ هَلْ يَنْتَقِضُ بِهَا طَهَارَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ أَمْ لَا : لِأَنَّ طُهْرَ الْقَدَمَيْنِ انْتَقَضَ بِظُهُورِهِمَا .

فَصْلٌ : إِذَا أَخْرَجَ رِجْلَهُ مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ إِلَى سَاقِهِ ، فَقَدْ رَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ صِحَّةَ طَهَارَتِهِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الِإِسْفَرَايِينِيُّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ قَدَمَيْهِ لَمْ تَظْهَرْ فَلَمْ يَنْتَقِضْ طُهْرُهُمَا ، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَقَرُّهُ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ مِنَ الْخُفِّ ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ : قَدِ انْتَقَضَ طُهْرُ قَدَمِهِ : لِزَوَالِهَا عَنْ مَحَلِّ الْمَسْحِ كَمَا لَوْ ظَهَرَتْ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَ إِدْخَالِ قَدَمِهِ فِي سَاقِ الْخُفِّ ، وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ فِي مَحَلِّ الْقَدَمِ كَمَنْ أَحْدَثَ وَهُوَ طَاهِرُ الرِّجْلَيْنِ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِخْرَاجُهُمَا إِلَى سَاقِ الْخُفِّ كَظُهُورِ الرِّجْلَيْنِ .

فَصْلٌ : إِذَا لَبِسَ الْمُتَيَمِّمُ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فهل يمسح على الخف لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ بِوُجُودِ الْمَاءِ ، فَصَارَ كَمَنْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى حَدَثٍ . فَصْلٌ : إِذَا لَبِسَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ بَعْدَ وُضُوئِهَا خُفًّا ثُمَّ أَحْدَثَتْ قَبْلَ أَنْ صَلَّتْ بِوُضُوئِهَا شَيْئًا جَازَ ، إِذَا تَوَضَّأَتْ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى خُفِّهَا لِفَرْضٍ وَاحِدٍ وَمَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ صَلَّتْ قُبَلَ حَدَثِهَا فَرْضًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ إِذَا أَحْدَثَتْ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ ، وَجَازَ أَنْ تَمْسَحَ لِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ ، وَجَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَجَازَ الْمَسْحَ فِيهِمَا عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وُضُوءَ الْمُسْتَحَاضَةِ يَرْفَعُ حَدَثَهَا لِفَرْضٍ وَاحِدٍ ، وَلِسَائِرِ التَّطَوُّعِ ، فَإِذَا أَحْدَثَتْ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ صَارَتْ كَلَابِسِ خُفٍّ عَلَى طَهَارَةٍ فَجَازَ لَهَا الْمَسْحُ وَإِذَا أَحْدَثَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ كَانَتْ كَلَابِسِ خُفٍّ عَلَى حَدَثٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهَا الْمَسْحُ .

فَصْلٌ : إِذَا ارْتَفَعَ دَمُ الْمُسْتَحَاضَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ فهل تمسح على الخف لَمْ يَجُزْ لَهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ : لِأَنَّ انْقِطَاعَ دَمِهَا يَرُدُّهَا إِلَى الْحَدَثِ الْأَوَّلِ فَصَارَتْ كَلَابِسِ خُفٍّ عَلَى حَدَثٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ كَيْفَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ

بَابُ كَيْفَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ وَاحْتَجَّ بِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : السُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَاهُ دُونَ أَسْفَلِهِ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ أَعْلَى خُفَّيْهِ قَالَ : وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَسْحُهُ غَيْرَ مَسْنُونٍ كَالسَّاقِ . وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَلْزَمُ سَتْرُهُ بِالْخُفِّ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَسْحُهُ مَسْنُونًا عَلَى الْقَدَمِ ، وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ مَمْسُوحٌ ، فَكَانَ مِنَ السُّنَّةِ اسْتِيعَابُ مَسْحِهِ كَالرَّأْسِ فَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْلَى الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ أَسْفَلِهِ ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْخِلَافُ هَلْ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَضُمَّ مَسْحَ أَعْلَاهُ إِلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِ أَمْ لَا ؟ وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى السَّاقِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ إِنْ سَلِمَ الْوَصْفُ لَهُ أَنَّ السَّاقَ لَا يَلْزَمُ سَتْرُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأُحِبُّ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إِلَى سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إِلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِنَّمَا خَصَّ الْيُمْنَى بِالْأَعْلَى وَالْيُسْرَى بِالْأَسْفَلِ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ ، وَقَالَتْ كَانَتْ يُمْنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا عَلَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يُسْرَاهُ لِمَا سَفُلَ . وَالثَّانِي : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هَكَذَا كَانَ يَمْسَحُ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ مِنَ السُّنَّةِ مَعَ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ أَنْ يَمْسَحَ حَوْلَ الْعَقِبِ في المسح على الخفين عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّ مَسْحَهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى أَنَّ مَسْحَهُ مَسْنُونٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، لِأَنَّهُ مِنْ بَقَايَا مَحَلِّ الْفَرْضِ ، فَلَوْ مَسَحَ الْأَعْلَى بِالْيُسْرَى وَالْأَسْفَلَ بِالْيُمْنَى لَكَانَ مُخَالِفًا لِلْأَدَبِ فِي الْفِعْلِ وَمُؤَدِّيًا لِسُنَّةِ الْمَسْحِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَتَرَكَ الظَّاهِرَ أَعَادَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الظَّاهِرِ وَتَرَكَ الْبَاطِنَ في المسح على الخفين أَجْزَأَةُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : حَالُ كَمَالٍ وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ عَلَى مَا مَضَى . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : حَالُ إِجْزَاءٍ ، وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : حَالٌ لَا كَمَالَ فِيهَا وَلَا إِجْزَاءَ وَهُوَ أَنْ يُمْسَحَ مَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ سَاقِ الْخُفِّ . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : مُخْتَلَفٌ فِيهَا ، وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ أَسْفَلَ الْخُفِّ دُونَ أَعْلَاهُ فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ الْمَذْهَبُ ، وَأَنَّ مَسْحَهُ لَا يُجْزِئُ وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَذْهَبُ إِلَى جَوَازِهِ ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَحْكِهِ نَصًّا ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ دَلِيلِ كَلَامِهِ : لِأَنَّهُ قَالَ : وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَتَرَكَ الْبَاطِنَ ، أَجْزَأَهُ ، فَظَنَّ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ أَنَّ مَسْحَ بَاطِنِهِ دُونَ ظَاهِرِهِ لَا يُجْزِئُ فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخْرِجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ . وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ " لِأَنَّهُ يُلَاقِي الْأَنْجَاسَ ، فَكَانَ مَسْحُهُ لِإِزَالَةِ مَا لَاقَى مِنَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى ، لَكِنَّ الرَّأْيَ مَتْرُوكٌ بِالنَّصِّ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُجْزِئُ مَسْحُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ : لِأَنَّهُ يُقَابِلُ مَسْحَ الْفَرْضِ

كَالْأَعْلَى ، وَأَمَّا مَسْحُ الْعَقِبِ وَحْدَهُ فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يُجْزِئُ قِيَاسًا عَلَى السَّاقِ . وَالثَّانِي : يُجْزِئُ : لِأَنَّهُ يُقَابِلُ مَحَلَّ الْفَرْضِ كَالْقَدَمِ الْأَعْلَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَكَيْفَمَا أَتَى بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ بِكُلِّ الْيَدِ أَوْ بَعْضِهِ أَجْزَأَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ الْوَاجِبُ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ مَسْحُ بَعْضِهِ ، وَإِنْ قَلَّ بِكُلِّ الْيَدِ أَوْ بَعْضِهَا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْوَاجِبُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ ، قَالَ : وَأَقَلُّ الْأَصَابِعِ ثَلَاثٌ ، قَالَ : وَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَسْحُ ، دُونَ الْمَسِّ ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ يَكُونُ مَسًّا وَلَا يَكُونُ مَسْحًا : لِأَنَّ الْمَسَّ الْمُلَاقَاةُ ، وَالْمَسْحُ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى الْمُلَاقَاةِ إِمْرَارٌ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا انْطَلَقَ اسْمُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ ، وَلِأَنَّهُ أَتَى فِي مَحَلِّ الْمَسْحِ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ ، كَمَا لَوْ مَسَحَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَلَاثٌ إِمَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ ، وَلَيْسَ فِي تَقْدِيرِهِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَصِحَّ التَّقْدِيرُ ، وَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ فَصَارَتْ مَجْهُولَةً ، وَالْمَقَادِيرُ لَا تَثْبُتُ بِمَجْهُولٍ فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَجْهُولٌ ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَلَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا دَونَهُ لَا يُجْزِئُ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ - مَسْحُ الْأَسْفَلِ - وَحْدَهُ لَا يُجْزِئُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا مَسٌّ لَا مَسْحٌ حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَيْهِ إِمْرَارٌ فَهُوَ أَنَّهَا دَعْوَى قَدِ اجْتَمَعْنَا عَلَى إِبْطَالِهَا : لِاتِّفَاقِنَا أَنَّ الْإِمْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ غَيْرِ إِمْرَارٍ أَجْزَأَ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : مِثْلَهُ فِيمَا قَالَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ

بَابُ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَالِاخْتِيَارُ فِي السُّنَّةِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ الِاغْتِسَالُ لَهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْغُسْلُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " يُرِيدُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ ، وَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ رَاحَ : " وَالْوُضُوءَ أَيْضًا : وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : غُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَرَوَى قَوْلَهُ عَنْ مَالِكٍ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " وَبِرِوَايَةِ بُكَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ ، وَمَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ ، وَبِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ فَضْلٌ " وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ النَّاسُ مُهَّانُ أَنْفُسِهِمْ فَيَرُوحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ بِهَيْئَتِهِمْ وَقِيلَ لَهُمْ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ " . وَرَوَى عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ : أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا فَقَالَ : لَا : وَلَكِنَّهُ طُهْرٌ وَخَيْرٌ لِمَنِ اغْتَسَلَ ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَحْمِلُونَ

عَلَى ظُهُورِهِمْ ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إِنَمَا هُوَ عَرِيشٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ، وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرِّيحَ ، فَقَالَ أَيُّهَا الْنَاسُ إِذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا ، وَلِيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوَسِعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الْعَرَقِ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ . وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ : أَيُّ سَاعَةٍ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ وَأَقْبَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ : الْوُضُوءَ أَيْضًا ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ . مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ عَلِمَا وُجُوبَهُ لَرَجَعَ عُثْمَانُ وَمَا تَرَكَهُ عُمَرُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ لِسَبَبٍ مُسْتَقْبَلٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ سُنَّةً كَالْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَعَكْسُهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَخْبَارِهِمْ فَهُوَ : أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى وُجُوبِ الِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ حكمه مَسْنُونٌ فَهُوَ سُنَّةٌ لِمَنْ لَزِمَهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فَلَيْسَ الْغُسْلُ سُنَّةً لَهُ ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَنْ أَهِلِهَا ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِعُذْرٍ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ الْغُسْلُ مَسْنُونًا لَهُ و مَأْمُورًا بِهِ : عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَيْسَ بِسُنَّةٍ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ كَانَ مَعْذُورًا بِتَرْكِ الْغُسْلِ لَهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ : لِأَنَّ زَوَالَ عُذْرِهِ يَجُوزُ وَلُزُومَ الْجُمُعَةِ لَهُ مُمْكِنٌ . فَأَمَّا غُسْلُ الْعِيدِ حكمه فَسُنَّةٌ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْعِيدِ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ وَجْهًا وَاحِدًا . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ أَنَّ غُسْلَ الْعِيدِ مَأْمُورٌ بِهِ لِأَخْذِ الزِّينَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ حَضَرَ الْعِيدَ ، وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ كَاللِّبَاسِ ، وَغُسْلُ الْجُمُعَةَ مَأْمُورٌ بِهِ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ ، لِأَنْ لَا يُؤْذِيَ بِهَا مَنْ جَاوَرَهُ ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرُ زَالَ مَعْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَيُجْزِيهِ غُسْلُهُ لَهَا إِذَا كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ لِلْمُغْتَسِلِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ غُسْلَهُ لَهَا مُجْزِئٌ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ غُسْلَهُ مُجْزِئٌ لَهَا ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُجْزِئُهُ ؟ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " وَاسْمُ الرَّوَاحِ إِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ : وَلِأَنَّ مَشْرُوعَاتِ الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ ، كَالْأَذَانِ وَكَالْغُسْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ . وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أُوَاسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ غَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الْإِمَامَ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا " فَجَعَلَ الْغُسْلَ فِي الْبُكُورِ أَفْضَلَ ، وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً " وَلِأَنَّ هَيْئَاتِ الْجُمُعَةِ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ ، وَلِأَنَّ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْغُسْلِ لَهَا إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا مَشَقَّةً لَاحِقَةً وَذَرِيعَةً إِلَى الْفَوَاتِ : لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ تُعَجَّلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَا تَنْفَكُّ مِنْ فَوَاتِ الْغُسْلِ أَوِ الصَّلَاةِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ " مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " فَهُوَ أَنَّ الرَّوَاحَ الِانْصِرَافُ إِلَى الشَّيْءِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ وَمَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ : أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ مُبَكِّرُ غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ وَالتَّهْجِيرُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَجَعَلَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَجَعَلَهُ بَعْدَ الرَّوَاحِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْأَذَانِ فَفَاسِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ ، عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ مَشْرُوعَاتِ الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا مِنْ مَسْنُونَاتِ الْيَوْمِ فَجَازَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا يُجْزِئُهُ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ : لِأَنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ تَبَعٌ لِيَوْمِهَا ، وَقِيَاسًا عَلَى غُسْلَ الْعِيدِ لَمَّا جَازَ قَبْلَ الْفَجْرِ جَازَ بَعْدَ الْفَجْرِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " فَأَضَافَهُ إِلَى الْيَوْمِ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ إِيقَاعُ الْغُسْلِ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَمْنَعُهُ لِإِجْزَائِهِ لِلْجُمُعَةِ كَالْغُسْلِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ تَبَعٌ لِيَوْمِهِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا ، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى غُسْلِ يَوْمِ الْعِيدِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ فَسَقَطَ السُّؤَالُ . وَالثَّانِي : يَجُوزُ ، فَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ ضِيقُ وَقْتِ الْغُسْلِ فِي الْعِيدِ بَعْدَ الْفَجْرِ لِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ لَهَا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى التَّوْسِعَةِ فِي تَقْدِيمِ الْغُسْلِ وَالطِّيبِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَاغْتَسَلَ لَهُمَا جَمِيعًا أَجْزَأَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ غُسْلَانِ : وَاجِبٌ : وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَمَسْنُونٌ : وَهُوَ الْجُمُعَةُ ، فَإِنِ اغْتَسَلَ لَهُمَا غُسْلَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ وَيُقَدِّمُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ، وَإِنِ اغْتَسَلَ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا يَنْوِيهِمَا مَعًا أَجْزَأَهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُجْزِئُ لِاخْتِلَافِ مُوجِبَيْهِمَا ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِمَا وَهَذَا أَغْلَظُ : لِأَنَّ الْغُسْلَ إِذَا تَرَادَفَ تَدَاخَلَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ . وَلِأَنَّهُ لَمَّا نَابَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنِ الْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَنُوبَ عَنِ الْمَسْنُونِ وَلَيْسَ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا وَجْهٌ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ تَدَاخُلِهِمَا كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ نَوَى بِالْغُسْلِ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ لَمْ يُجْزِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْوِيَ مِنَ الْجَنَابَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : فِيمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ ، فَاغْتَسَلَ أَحَدُ الْغُسْلَيْنِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَحْدَهَا ، دُونَ الْجُمُعَةِ ، أَوْ يَنْوِيَ الْجُمُعَةَ وَحْدَهَا ، دُونَ الْجَنَابَةِ ، وَإِنْ نَوَى بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ دُونَ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ ، وَفِي إِجْزَائِهِ غُسْلَ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ بِنِيَةِ الْجَنَابَةِ كَمَا يُجْزِئُ إِذَا نَوَى فِي أَحَدِ الْأَحْدَاثِ لِجَمِيعِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : رَوَاهُ الرَّبِيعُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا لِاخْتِلَافِ سَبَبَيْهِمَا فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا لِمَاضٍ ، وَالْآخَرِ لِمُسْتَقْبَلٍ ، فَمَنَعَ مِنْ أَنْ يُجْزِئَ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ نَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ دُونَ الْجَنَابَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا ، وَأَمَّا الْجُمُعَةِ فَلِوُجُوبِ مَا هُوَ أَمْكَنُ مِنْهَا .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُجْزِئُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَجْعَلُ الطَّهَارَةَ الْمَنْدُوبَ إِلَيْهَا قَائِمَةً مَقَامَ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يُجْزِئَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ الَّتِي نَوَاهَا دُونَ الْجَنَابَةِ الَّتِي لَمْ يَنْوِهَا ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّمَا لِكُلِ امْرِئٍ مَا نَوَى " .

فَصْلٌ : وَإِذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ اجْتَنَبَ بَعْدَهُ عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ ، وَلَمْ يُعِدْ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ ، وَخَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَقَالَ : يُعِيدُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ تَنْظِيفٌ فَإِذَا تَعَقَّبَهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ زَادَهُ تَنْظِيفًا وَلَمْ يُعِدْهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأُحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِلْأَعْيَادِ سُنَّةٌ اخْتِيَارًا وَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ لَمْ يُجْزِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ وَأَوْلَى الْغُسْلِ أَنْ يَجِبَ عِنْدِي بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ مُفْضِيًا إِلَيْهِ وَلَوْثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ بِهِ ثُمَّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَلَا نُرَخِّصُ فِي تَرْكِهِ وَلَا نُوجِبُهُ إِيجَابًا لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَقَدْ ثَبَتَ تَأْكِيدُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَأَجْمَعُوا إِنْ مَسَّ خِنْزِيرًا أَوْ مَسَّ مَيْتَةً أَنَّهُ لَا غُسْلَ وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا غُسْلَ مَا أَصَابَهُ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ ؟ ! " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَوَاجِبٌ ، وَأَمَّا الْغُسْلُ مَنْ غُسْلِهِ وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ فَقَدْ رَوَى صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ ، وَمَنْ مَسَّهُ مُفْضِيًا إِلَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ " . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْتُ بِهِ ، فَلَمْ يَصِحَّ : لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا ، فَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ ، وَالْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ سُنَّةٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا كَانَ سُنَّةً مَعَ ضَعْفِ الْحَدِيثِ : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ ، وَكَذَلِكَ صَحَابَتُهُ ، رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ الْجَنَابَةِ ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمِنَ الْحِجَامَةِ وَمِنْ

غُسْلِ الْمَيِّتِ وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَثَبَتَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ أَخْرَجَ لِصِحَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ طَرِيقًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ وَاجِبًا ؟ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ . وَالثَّانِي : يَكُونُ مَعَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ اسْتِحْبَابًا لِاحْتِمَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ اسْتِحْبَابًا وَإِمَّا وَاجِبًا ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَيْسَ هُوَ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى ، وَإِنَّمَا فَعَلَ اسْتِسْلَامًا لِلشَّرْعِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ ، وَأَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ نَجَاسَةُ الْمَيِّتَ ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْأَنْجَاسِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ يَابِسًا وَوَاجِبٌ إِنْ كَانَ رَطْبًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كَمَا تَلْزَمُ الطَّهَارَةُ لِمُلَامَسَةِ النِّسَاءِ الْأَحْيَاءِ لِحُرْمَتِهِنَّ لِيُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى أَكْمَلِ طَهَارَةٍ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ ، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ مُقَدَّمٌ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ ، وَإِنْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ فَفِي تَأْكِيدِهِ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ أَوْكَدُ سُنَّةً : لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي وُجُوبِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ أَوْكَدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ، لِوُقُوفِ الْخَبَرِ عَلَى الصِّحَّةِ وَتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ . فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ أَنْكَرَهُ وَمَنَعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ حَتْمًا أَوْ نَدْبًا تَعَلُّقًا بِأَنَّ مَنْ مَسَّ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يَتَوَضَّأْ فَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جَمَعَ مَا فَرَّقَتِ السُّنَّةُ بَيْنَهُمَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ يَرْفُضُ الْأُصُولَ : لِأَنَّ مَنْ مَسَّ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً تَوَضَّأَ ، وَمَنْ مَسَّ مَيْتَةً أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يَتَوَضَّأْ ، وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَ مُؤْمِنٍ تَوَضَّأَ وَلَوْ مَسَّ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً لَمْ يَتَوَضَّأْ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ وَارِدًا بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ دُونَ الْخِنْزِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

بَابُ حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَطُهْرِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا
أسماء الحيض التي ورد الشرع بها

بَابُ حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَطُهْرِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " قَالَ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) " مِنَ الْمَحِيضِ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) تَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْحَيْضَ تعريفه هُوَ مَا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ مِنَ الدَّمِ إِذَا كَانَ عَلَى وَصْفٍ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ لَهُ بِسِتَّةِ أَسْمَاءٍ بَعْضُهَا فِي اللِّسَانِ مَذْكُورٌ وَبَعْضُهَا فِي اللُّغَةِ مَشْهُورٌ . أَحَدُهَا : وَهُوَ أَشْهَرُهَا عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ الْحَيْضُ ، وَفِي تَكَلُّفِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ فِي شَرْعٍ أَوْ لُغَةٍ عَنَاءٌ مُسْتَهْجَنٌ وَسُمِّيَ حَيْضًا لِسَيَلَانِهِ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ : حَاضَ السَّبِيلُ ، وَفَاضَ إِذَا سَالَ وَمِنْهُ قَوْلُ عِمَارَةَ بْنِ عَقِيلٍ : أَجَالَتْ حَصَاهُنَّ الدَّوَارِي وَحَيَّضَتْ عَلَيْهِنَّ حَيْضَاتِ السُّيُولِ الطَّوَاحِمِ السُّيُولُ الدَّوَارِي الَّتِي تُدِيرُ التُّرَابَ ، وَكَذَلِكَ الذَّارِيَاتُ ، والْهَوَاجِمُ السُّيُولُ الْعَالِيَةُ وَحَيَّضَتْ أَيْ سَيَّلَتْ ، وَحَيْضَاتُ السُّيُولِ مَا سَالَ مِنْهَا فَسُمِّيَ بِهِ دَمُ الْحَيْضِ حَيْضًا لِسَيَلَانِهِ . وَالثَّانِي : الطَّمْثُ ، وَالْمَرْأَةُ طَامِثٌ ، قَالَ الْفَرَّاءُ : الطَّمْثُ الدَّمُ ، وَكَذَلِكَ قِيلَ إِذَا افْتَضَّ الرَّجُلُ الْبِكْرَ قَدْ طَمَثَهَا أَيْ أَدْمَاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [ الرَّحْمَنِ : ] . وَقَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ الْفَرَزْدَقُ : دُفِعْنَ إِلَيَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي وَهُنَّ أصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ وَالثَّالِثُ : الْعَرْكُ ، وَالْمَرْأَةُ عَارِكٌ وَالنِّسَاءُ عَوَارِكُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَةُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَيُرْوَى إِذَا عَارَكَتْ يَعْنِي : إِذَا حَاضَتْ مَأْخُوذٌ مِنْ عَرَاكِ الرِّجَالِ وَقَالَ الشَّاعِرُ : أَفِي السِّلْمِ أَعْيَارُ أَجَفَاءٍ وَغِلْظَةٍ وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النِّسَاءِ الْعَوَارِكِ

وَالرَّابِعُ : الضَّحِكُ وَالْمَرْأَةُ ضَاحِكٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ حَاضَتْ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : وَضَحِكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَا كَمِثْلِ دَمِ الْحَرْقِ يَوْمَ اللِّقَا وَالْخَامِسُ : الْإِكْبَارُ ، وَالْمَرْأَةُ مُكْبَرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ [ يُوسُفَ : ] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ حِضْنَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ قَالَ الشَّاعِرُ : نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أطهَارِهِنَّ وَلَا نَأتِي النِّسَاءَ إِذَا أُكْبِرْنَ إِكْبَارًا وَالسَّادِسُ : الْإِعْصَارُ ، وَالْمَرْأَةُ مُعْصِرٌ وَقَالَ الشَّاعِرُ : جَارِيَةٌ قَدْ أَعْصَرَتْ أَوْ قَدْ دَنَا إِعْصَارُهَا وَمِنْهُ اشْتُقَّ لِلسَّحَابِ اسْمُ الْإِعْصَارِ لِخُرُوجِ الْمَطَرِ مِنْهُ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنَ الرَّحِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا [ النَّبَأِ : ] . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ : فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمَعْصَرُ أَيْ : حَائِضٌ ، فَالْحَيْضُ فِي النِّسَاءِ خِلْقَةٌ فَطَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ أَنَّ الَّذِي يَحِيضُ مِنَ الْحَيَوَانِ أَرْبَعَةٌ ؛ الْمَرْأَةُ ، وَالضَّبْعُ وَالْأَرْنَبُ وَالْخُفَّاشُ وَحَيْضُ الضَّبْعِ وَالْأَرْنَبِ مَشْهُورٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ قَالَ الشَّاعِرُ فِي حَيْضِ الضَّبْعِ : تَضْحَكُ الضَّبْعُ لِقَتْلَى هُذَيْلٍ وَتَرَى الذِّئْبَ بِهَا يَسْتَهِلُّ يَعْنِي : تَحِيضُ . فَصْلٌ : وَرَوَى يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا آدَمُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ : زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ قَالَ : إِنِّي عَاقَبْتُهَا أَلَّا تَحْمِلَ إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَعَ إِلَّا كُرْهًا وَدَمَيْتُهَا فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ ، قَالَ : فَرَأَيْتُ حَوَّاءَ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ : عَلَيْكِ الرِّثَّةُ وَعَلَى بَنَاتِكِ .

فَصْلٌ : وَكَانَ السَّبَبُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْحَيْضِ وَمَا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ مِنَ الْحَائِضِ مَا رُوِيَ أَنَّ

أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمِ الْحَيْضِ وَالْحَائِضِ ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ سُؤَالِهِمْ ، فَقَالَ قَتَادَةُ : كَانَ سَبَبُ سُؤَالِهِمْ أَنَّ الْعَرَبَ ، وَمَنْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَجْتَنِبُونَ مُسَاكَنَةَ الْحَائِضِ وَمُوَاكَلَتَهَا وَمُشَارَبَتَهَا فَسَأَلُوا عَنْهُ لِيَعْلَمُوا حُكْمَ الشَّرْعِ فِيهِ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : بَلْ كَانُوا يَعْتَزِلُونَ وَطْأَهُنَّ فِي الْفَرْجِ وَيَأْتُوهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُدَّةَ حَيْضِهِنَّ فَسَأَلُوا لِيَعْلَمُوا حُكْمَهُ فِيهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [ الْبَقَرَةِ : ] . فَبَدَأَ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ . فَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [ الْبَقَرَةِ : ] فَالْمَحِيضُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِبَارَةً عَنْ دَمِ الْحَيْضِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَوْلِهِ هُوَ أَذًى فَالْأَذَى هُوَ مَا يُؤْذِي فَسَمَّى دَمَ الْحَيْضِ أَذًى : لِأَنَّهُ لَهُ لَوْنٌ وَرَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ وَنَجَاسَةٌ مُؤْذِيَةٌ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ عِبَادَاتٍ وَتَغَيُّرِ أَحْكَامٍ ، وَقَوْلُهُ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : اعْتِزَالُ جَمِيعِ بَدَنِهَا أَنْ يُبَاشِرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَهَذَا قَوْلُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ اسْتِعْمَالًا لِعُمُومِ اللَّفْظِ . وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ اعْتِزَالُ وَطْئِهَا دُونَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِرِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُنَّ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ وَلَمْ يُوَاكِلُوهَا ، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [ الْبَقَرَةِ : ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ وَرَوَتْ صَفِيَّةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي فَيَقْرَأُ وَأَنَا حَائِضٌ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَدْنُو إِلَى الْحَائِضِ ، وَمَالِي إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ أَيْ : مَيْلٌ إِلَيْهَا لِحَاجَةٍ وَقَوْلُهُ فِي الْمَحِيضِ فِي هَذَا الْمَحِيضِ الثَّانِي ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ دَمُ الْحَيْضِ كَالْحَيْضِ الْأَوَّلِ . وَالثَّانِي : زَمَانُ الْحَيْضِ لِيَعُمَّ زَمَانَ جَرَيَانِ الدَّمِ وَمَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ أَوْقَاتِ انْقِطَاعِهِ .

وَالثَّالِثُ : مَكَانُ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ كَمَا يُقَالُ : مَبِيتٌ وَمَقِيلٌ لِمَكَانِ الْبَيْتُوتَةِ ، وَمَكَانِ الْقَيْلُولَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ . وَقَوْلُهُ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ قِرَاءَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فَاعْتَزِلُوا بِالتَّخْفِيفِ وَضَمِّ الْهَاءِ ، وَمَعْنَاهُ : انْقِطَاعُ الدَّمِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَحْدِيدٌ لِآخِرِ زَمَانِ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَطْهُرْنَ فِيهِ قِرَاءَتَانِ وَالثَّانِيَةُ : بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْهَاءِ . وَمَعْنَاهُ : حَتَّى يَغْتَسِلْنَ . وَقَوْلُهُ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : تَطَهَّرْنَ مِنَ الدَّمِ بِانْقِطَاعِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . وَالثَّانِي : يَطْهُرْنَ بِالْمَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ : لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّهَارَةَ إِلَى فِعْلِهِنَّ وَلَيْسَ انْقِطَاعُ الدَّمِ مِنْ فِعْلِهِنَّ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَفِي صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : غَسْلُ الْفَرْجِ وَهَذَا قَوْلُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ . وَالثَّانِي : الْوُضُوءُ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ . وَالثَّالِثُ : الْغُسْلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ . وَقَوْلُهُ : فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهَا : الْقُبُلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ دُونَ الدُّبُرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ . وَالثَّانِي : مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ لَا مِنْ قِبَلِ حَيْضِهِنَّ ، وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وقَتَادَةَ . وَالثَّالِثُ : فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ لَا مِنْ قِبَلِ الْفُجُورِ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ . وَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [ الْبَقَرَةِ ] وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ : أَحَدُهَا : الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ . وَالثَّانِي : الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ أَنْ يَأْتُوهَا ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ . وَالثَّالِثُ : الْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ أَنْ يَعُودُوا فِيهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهَا وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا .

فَهَذَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُكْمِ الْحَيْضِ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَدَارُ الْحَيْضِ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ : أَحَدُهَا : حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُعْتَادَةِ . وَالثَّانِي : حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فِي الْمُمَيِّزَةِ . وَالثَّالِثُ : حَدِيثُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ . فَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَهْرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأيَامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَنْقِ بِثَوْبٍ ثَمَّ لِتُصَلِّيَ . وَأَمَا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَرَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي ، فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ . وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْنَةُ بِنْتِ جَحْشٍ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَجِئْتُ إِلَى النَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَإِنَّهُ لَحَدِيثٌ مَا بُدٌّ مِنْهُ وَإِنِي لِأَسْتَحِي مِنْهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هُوَ يَا هَنْتَاهُ فَقَالَتْ إِنِي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا

تَرَى قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصَوْمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مِنْهَا فَإِنِي أَبْعَثُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَالتَجِمِي قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاتَّخِذِي ثَوْبًا قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا فَقَالَ النَّبِيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجَزَاكِ عَنِ الْآخَرِ فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ قَالَ إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكْضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحِيضِي سِتَةَ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمٍ اللَهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي فَإِنَّهُ يُجْزِيكِ وَكَذَا افْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِينَ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ ثمَ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَافْعَلِي وَتَغْتَسِلِينَ عِنْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ تُصَلِّينَ الصُّبْحَ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ .
الأحكام التي تتعلق بحيض المرأة فَصْلٌ : فَإِذَا أُوضِحَ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَحَيْضُ الْمَرْأَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَبْعَةُ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَيُسْقِطُ الْقَضَاءَ أَمَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ : فَلِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتِ النَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَأَمَّا سُقُوطُ الْقَضَاءِ فَلِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قَدْ كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ وَلَا نُؤمَرُ بِقَضَائِهَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الصِّيَامِ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ لِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ : " إِنْ كَانَ لَيَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ فِي رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ " يَعْنِي : صَوْمَ مَا أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ ، ثُمَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَضَاءِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْقَضَاءِ وَالصَّوْمِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ لُحَوْقُ الْمَشَقَّةِ فِي قَضَائِهَا لِلصَّلَاةِ دُونَ الصِّيَامِ فَزَادَتِ الْمَشَقَّةُ فِي قَضَائِهَا وَقَلِيلَةُ الصِّيَامِ وَعَدَمُ الْمَشَقَّةِ فِي قَضَائِهِ . وَالثَّالِثُ : الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ

أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي . وَالرَّابِعُ : دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَمَّا الْمَسْجِدُ فَلَا أُحِلُّهُ لِجُنُبٍ وَلَا لِحَائِضٍ " وَلِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ ، ثُمَّ كَانَ نَصُّ الْكِتَابِ يَمْنَعُ الْجُنُبَ مِنَ الَمَقَامِ فِيهِ فَكَانَتِ الْحَائِضُ مَعَ مَا يُخَافُ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ بِدَمِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْعِ وَإِذَا مُنِعَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الِاعْتِكَافِ لَا مَحَالَةَ . وَالْخَامِسُ : مَسُّ الْمُصْحَفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [ الْوَاقِعَةِ : ] . وَالسَّادِسُ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ وَلِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنْ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ أَنْ يَقْرَءَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ . وَالسَّابِعُ : الْوَطْءُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [ الْبَقَرَةِ : ] فَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَهُوَ مَا عَلَا عَنِ السُّرَّةِ وَانْحَدَرَ عَنِ الرُّكْبَةِ فَمُبَاحٌ لِرِوَايَةِ حَبِيبٍ عَنْ مَيْمُونَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ إِلَى أَنْصَافِ الْفَخِذَيْنِ أَوِ الرُّكْبَتَيْنِ تَحْتَجِرُ بِهِ وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُضَاجِعَهَا . فَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ الْإِزَارِ من الحائض وَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إِذَا عَدَلَ عَنِ الْفَرْجِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ : أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : مَا تَحْتَ الْإِزَارِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ مُبَاحٌ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا يَحِلُّ مِنَ الْحَائِضِ فَقَالَ : مَا أَحَسَمَ الْحَجْرَيْنِ ، وَلِأَنَّ الْفَرْجَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالتَّحْرِيمِ دُونَ مَا حَوْلَهُ كَالدُّبُرِ ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ وَهُوَ مَشْهُورٌ أَنَّهُمْ يُكَنُّونَ عَنِ الْفَرْجِ بِالْإِزَارِ قَالَ الْأَخْطَلُ :

قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ : إِنَّهُ إِنْ كَانَ يَضْبُطُ نَفْسَهُ عَنْ إِصَابَةِ الْفَرْجِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَتِهِ أَوْ لِقُوَّةٍ تُخْرِجُهُ جَازَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَضْبُطْ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ لِقُوَّةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةٍ تُخْرِجُهُ لَمْ يَجُزْ فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِي فَوْرِ حَيْضَتِنَا أَنْ نَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُنَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ السَّبْعَةِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ حَيْضٍ وُجِدَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمَانِ يَخْتَصَّانِ بِبَعْضِ النِّسَاءِ وَهُمَا : الْبُلُوغُ وَالْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ فَصَارَتْ مَعَ هَذَيْنِ تِسْعَةَ أَحْكَامٍ فَإِنْ خَالَفَتِ الْمَرْأَةُ فِي حَالِ حَيْضِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَهِيَ عَاصِيَةٌ بِارْتِكَابِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِيمَا سِوَى الْوَطْءِ ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَإِنْ كَانَ فِيمَا سِوَى الْفَرْجِ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِيهِ وَلَا عَلَى الْوَاطِئِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ قَالَ : مَنْ أَتَى امْرَأَةً وَهِيَ حَائِضٌ إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْتُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا فِيهِ فَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ وَمَذْهَبُنَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يُخْرِجُونَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلًا وَلَا يَجْعَلُونَهُ مَذْهَبًا : لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُولُ : لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْقَدِيمِ اسْتِحْبَابًا لَا وَاجِبًا : لِاحْتِمَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَمَا صَحَّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ : أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ فِي الْحَيْضِ وَلَا الْمَوْطُوءَةِ الْحَائِضِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ إِذَا حُرِّمَ لِأَجْلِ الْأَذَى لَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ كَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي أَبُولُ دَمًا قَالَ : يُوشِكُ أَنْ تَطَأَ امْرَأَتَكَ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ : اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ التِّسْعَةِ فِي تَعَلُّقِهَا بِالْحَيْضِ كَانَ دَمُ حَيْضِهَا بَاقِيًا فَالْأَحْكَامُ بِحَالِهَا وَالتَّحْرِيمُ ثَابِتٌ . وَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا وَاغْتَسَلَتْ حَلَّ جَمِيعُ ذَلِكَ لَهَا لِارْتِفَاعِ حَيْضِهَا ، وَعَوْدِهَا إِلَى حَالِ الطُّهْرِ . فَأَمَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا وَقَبْلَ الْغُسْلِ فَتُقَسَّمُ هَذِهِ التِّسْعَةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ : يَجُوزُ لَهَا فِعْلُهُ قَبْلَ الْغُسْلِ : وَهُوَ الصَّوْمُ وَحْدَهُ : لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى طَهَارَةٍ فَجَازَ لَهَا الدُّخُولُ فِيهِ قَبْلَهَا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : مَا لَا يَجُوزُ لَهَا فِعْلُهُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَهُوَ الصَّلَاةُ ، وَالطَّوَافُ ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ، وَفِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَجْهَانِ : إِلَّا أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَّا بَعْدَ الْغُسْلِ . فَإِذَا اغْتَسَلَتْ قَضَتْ مَا تَرَكَتْ مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا وَقَبْلَ الْغُسْلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلَّي " . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ وَهُوَ الْوَطْءُ . فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى بَقَائِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ حَتَّى تَغْتَسِلَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنِ انْقَطَعَ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَهُوَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ الحائض ، وَإِنِ انْقَطَعَ لِأَقَلِّ مِنَ الْعَشَرَةِ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ يَمُرَّ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [ الْبَقَرَةِ : ] فَجَعَلَ انْقِطَاعَ الدَّمِ غَايَةً . وَالْحُكْمُ بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا قَالَ : وَلِأَنَّهَا أَمِنَتْ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فَجَازَ وَطْؤُهَا كَالْمُغْتَسِلَةِ . قَالَ : وَلِأَنَّهَا اسْتَبَاحَتْ فِعْلَ الصَّوْمِ فَجَازَ وَطْؤُهَا كَالْمُتَيَمِّمِ . قَالَ : وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ وَجَبَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا ، وَعِلَّةُ التَّحْرِيمِ : حُدُوثُ الدَّمِ . فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ قَالَ : وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إِلَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ وَبَقَاءُ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا كَالْجُنُبِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [ الْبَقَرَةِ : ] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا : بِالتَّخْفِيفِ وَضَمِّ الْهَاءِ . وَمَعْنَاهَا : انْقِطَاعُ الدَّمِ . وَالْأُخْرَى بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْهَاءِ مَعْنَاهَا الْغُسْلُ . وَاخْتِلَافُ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالْآيَتَيْنِ فَيُسْتَعْمَلَانِ مَعًا . وَيَكُونُ تَقْدِيرُ ذَلِكَ : فَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ وَيَغْتَسِلْنَ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ فَجَعَلَ بَعْدَ الْغَايَةِ شَرْطًا هُوَ الْغُسْلُ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَيْهِنَّ وَلَيْسَ انْقِطَاعُ الدَّمِ مِنْ فِعْلِهِنَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلْنَ الطَّهَارَةَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [ الْبَقَرَةِ : ] وَالثَّنَاءُ يُسْتَحِقُّ بِالْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ مِنْ جِهَةِ مَنْ تَوَجَّهَ الثَّنَاءُ إِلَيْهِ . فَأَمَّا فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَدْحًا وَلَا ذَمًّا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِغَايَةٍ وَشَرْطٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِوُجُودِ الْغَايَةِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ . وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [ النِّسَاءِ : ] فَجَعَلَ بَعْدَ الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ الْبُلُوغُ لِلنِّكَاحِ شَرْطًا هُوَ إِينَاسُ الشَّرْطِ . فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الرُّشْدِ . وَالْمَعْنَى هُوَ أَنَّ كُلَّ مَمْنُوعَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ بِحَدَثِ الْحَيْضِ فَوَطْؤُهَا حَرَامٌ . قِيَاسًا عَلَى زَمَانِ الْحَيْضِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ وَغَيْرَهُ لَمْ يَحِلَّ الْوَطْءُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ حَرَّمَهُ مَعَهُ كَالْحَجِّ ، وَلِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْحَيْضِ يَسْتَوِي حَالُهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْحَيْضِ بَيْنَ انْقِطَاعِهِ لِأَكْثَرِهِ وَأَقَلِّهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى شُرِطَ فِي إِبَاحَتِهِ الطَّهَارَةُ لَمْ يُسْتَبَحْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُغْتَسِلَةِ بِعِلَّةِ أَنَّهَا أَمِنَتْ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْوَصْفِ . لِأَنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ قَبْلَ أَنْ أَمِنَتْ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فَلَهُ وَطْؤُهَا . ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُغْتَسِلَةِ اسْتِبَاحَتُهَا لِلصَّلَاةِ ، وَكَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْمُتَيَمِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ الْعَشَرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَاسْتَبَاحَتِ الدُّخُولَ فِي الصَّوْمِ وَلَمْ تَسْتَبِحِ الْوَطْءَ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْعِلَّةِ وَقْتٌ لِارْتِفَاعِ حُكْمِهَا : فَهُوَ أَنَّ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ خِلَافًا . وَلَوْ سَلِمَ لَهُ ذَلِكَ لَكَانَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يُخْلِفْ تِلْكَ الْعِلَّةَ عِلَّةً أُخْرَى وَقَدْ خَلَفَتْهَا عِلَّةٌ وَهِيَ الْمَنْعُ مِنَ الصَّلَاةِ لَحَدَثِ الْحَيْضِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى بَقَاءِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَالْفَرْقُ فِي الْمَعْنَى يَمْنَعُ صِحَّةَ الْجَمْعِ وَهُوَ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَمَّا لَمْ تَمْنَعْ مِنَ الْوَطْءِ لَمْ يَكُنْ بَقَاءُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا مَانِعًا . وَلَمَّا مَنَعَ الْحَيْضُ مِنَ الْوَطْءِ كَانَ بَقَاءُ الْغُسْلِ فِيهِ مَانِعًا . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ وَطْأَهَا قَبْلَ الْغُسْلِ حَرَامٌ فَمَتَى كَانْتْ قَادِرَةً عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَعَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ وَالِاغْتِسَالُ بِهِ . وَإِنْ كَانَتْ عَادِمَةً لِلْمَاءِ قَامَ التَّيَمُّمُ فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ مَقَامَ الْغُسْلِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِهِ . فَلَوْ أَحْدَثَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ مُنِعَتْ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَتَيَمَّمَ لِأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ قَدِ ارْتَفَعَ وَطَرَأَ حَدَثُ غَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ " الْوَطْءِ . وَلَكِنْ لَوْ رَأَتِ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ حَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ الحائض ، لِأَنَّهَا بِوُجُودِ الْمَاءِ قَدْ عَادَتْ إِلَى حَدَثِ الْحَيْضِ الْمَانِعِ مِنْ

الْوَطْءِ . فَلَوْ عَدِمَتِ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ حَلَّتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ . فَإِذَا تَيَمَّمَتْ فَوَطَأَهَا ثُمَّ أَرَادَ وَطْأَهَا ثَانِيَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ أَنْ يَطَأَهَا ثَانِيَةً حَتَّى تُعِيدَ التَّيَمُّمَ ثَانِيَةً . كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ فَرِيضَةً ثَانِيَةً إِلَّا بِتَيَمُّمٍ ثَانٍ . وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ لِارْتِفَاعِ حَدَّثِ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ الْمُتَقَدِّمِ . فَأَمَّا إِذَا تَيَمَّمَتِ الْحَائِضُ وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى . فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْوَقْتِ الْمَاضِي أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ : قَدْ بَطُلَ تَيَمُّمُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ تَيَمُّمٍ ثَانٍ . لِأَنَّ التَّيَمُّمَ أَضْعَفُ حَالًا مِنَ الْغُسْلِ فَقَصُرَ حُكْمُهُ عَنْ حُكْمِ الْغُسْلِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي يَجُوزُ وَطْؤُهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ تَيَمُّمٍ ثَانٍ : لِأَنَّهُ لَيْسَ خُرُوجُ الْوَقْتِ بِأَغْلَظَ مِنَ الْحَدَثِ . فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ طُرُوءُ الْحَدَثِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَخُرُوجُ الْوَقْتِ وَدُخُولُ غَيْرِهِ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

زَمَانِ الْحَيْضِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِذَا اتَّصَلَ بِالْمَرْأَةِ الدَمُ نَظَرَتْ فَإِنْ كَانَ دَمُهَا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ لَهُ رَائِحَةٌ فَتِلْكَ الْحَيْضَةُ نَفْسُهَا فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الدَمُ وَجَاءَهَا الدَّمُ الْأَحْمَرُ الْرقِيقُ الْمُشْرِقُ فَهُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَتِ الْحَيْضَةُ وَهُوَ الطُّهْرُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ كَمَا وَصَفْتُ وَتُصَلِّيَ وَيَأْتِيَهَا زَوْجُهَا . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ لِلْحَيْضِ مُقَدِّمَاتٍ ثَلَاثًا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا لِتَكُونَ الْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا . فَالْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي زَمَانِ الْحَيْضِ . وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ . وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِفَةِ الْحَيْضِ . فَصْلٌ : فَأَمَّا زَمَانُ الْحَيْضِ فَأَقَلُّ زَمَانٍ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ تِسْعُ سِنِينَ وَأَكْثَرُهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ : لِأَنَّ مَا كَانَ الْحَدُّ فِيهِ مُعْتَبَرًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْعِ مَحْدُودًا كَانَ الرُّجُوعُ فِي حَدِّهِ إِلَى مَا وُجِدَ مِنَ الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي جَارِي الْعَادَةِ حُدُوثُ الْحَيْضِ لِأَقَلِّ مِنْ تِسْعِ سِنِينَ . قَالَ

الشَّافِعِيُّ : وَأَعْجَلُ مَنْ سَمِعْتُ مِنَ النِّسَاءِ تَحِيضُ نِسَاءُ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ وَقَدْ رَأَيْتُ جَدَّةً لَهَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً . وَقَدْ يُمْكِنُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ يَكُونَ لَهَا تِسْعَةَ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْبَرَنَا بِمَا وَجَدَ لَا بِمَا يُمْكِنُ فَكَانَ أَوَّلُ زَمَانِ الْحَيْضِ بَعْدَ اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْعَادَاتِ تِسْعَ سِنِينَ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ التِّسْعُ حَدُّ تَحْقِيقٍ أَوْ حَدُّ تَقْرِيبٍ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حَدُّ تَحْقِيقٍ مُتَغَيِّرُ الْحُكْمِ فِيهِ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ وَنُقْصَانِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ حَدُّ تَقْرِيبٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ نُقْصَانُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ . وَهَذَا كَاخْتِلَافِهِمْ قِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ . فَأَمَّا أَكْثَرُ زَمَانِ حَيْضِهِنَّ فَلَمْ يَنْحَصِرْ بِحَدٍّ لِاخْتِلَافِهِ وَتَبَايُنِهِ ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ لِحَرِّهَا وَبَرْدِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا يُقَالُ لَهُ حَيْضٌ وَلَا اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى أَثَرِ حَيْضٍ .

قَدْرُ الْحَيْضِ

وَأَمَّا قَدْرُ الْحَيْضِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَمِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنَ الطُّهْرِ خَمْسَةُ فُصُولٍ : فَصْلٌ : فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ وَالْحِجَاجُ عَلَيْهِ . وَالثَّانِي : فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا . وَالثَّالِثُ : فِي أَوْسَطِهِ وَهُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فَهُوَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ . وَالرَّابِعُ : فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ مِنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْوِفَاقُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الْخِلَافِ فِيهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ . وَالْخَامِسُ : فِي أَكْثَرِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ . فَلَوْ رَأَتِ الدَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ دَمَ فَسَادٍ وَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَلَا اسْتِحَاضَةً . وَلَوْ تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَفِيهِ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ .

صِفَةُ الْحَيْضِ

فَصْلٌ : فَأَمَّا صِفَةُ الْحَيْضِ فَدَمُ الْحَيْضِ فِي الْغَالِبِ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُحْتَدِمٌ مَرِيجٌ وَالْمُحْتَدِمُ : هُوَ الْحَارُّ الْمُحْتَرِقُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمٌ مُحْتَدِمٌ إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْحَرِّ سَاكِنَ الرِّيحِ . وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِي الْغَالِبِ فَهُوَ أَحْمَرُ رَقِيقٌ مُشْرِقٌ وَرُبَّمَا تَغَيَّرَ دَمُ الْحَيْضِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ إِلَى السَّوَادِ . وَإِمَّا لِمَرَضٍ طَرَأَ أَوْ غِذَاءٍ اخْتَلَفَ أَوْ زَمَانٍ تَقَلَّبَ أَوْ بُلْدَانٍ اخْتَلَفَتْ فَيُعْرَفُ إِذَا تَغَيَّرَ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَعَ السَّلَامَةِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ مَعَ افْتِرَاقِهِمَا فِي الصِّفَةِ : أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَدَمَ الِاسْتِحَاضَةِ يَسِيلُ مِنَ الْعَادِلِ : وَهُوَ عِرْقٌ يَسِيلُ دَمُهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ حَكَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فِي دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ .



فَصْلٌ : فَإِذَا تَمَهَّدَ مَا وَصَفْنَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْحَيْضِ فَالنِّسَاءُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرَبٍ : طَاهِرٌ ، حَائِضٌ ، وَمُسْتَحَاضَةٌ ، وَذَاتُ فَسَادٍ . فَأَمَّا الطَّاهِرُ فَهِيَ الَّتِي تَرَى النَّقَاءَ وَمَعْنَاهُ أَنْ تَسْتَدْخِلَ الْقُطْنَ فَيَخْرُجُ نَقِيًّا . وَأَمَّا الْحَائِضُ : فَهِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ فِي زَمَانٍ يَكُونُ حَيْضًا . وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ : فَهِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ فِي أَثَرِ الْحَيْضِ عَلَى صِفَةٍ لَا تَكُونُ حَيْضًا . وَأَمَّا ذَاتُ الْفَسَادِ : فَهِيَ الَّتِي تَبْتَدِئُ بِدَمٍ لَا يَكُونُ حَيْضًا : وَإِذَا كَانَ النِّسَاءُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ فَالطَّاهِرُ مِنْهُنَّ يَتَعَلَّقُ عَلَيْهَا حُكْمُ الطُّهْرِ ، وَالْحَائِضُ يَتَعَلَّقُ عَلَيْهَا حُكْمُ الْحَيْضِ . وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَيَنْقَسِمُ حَالُهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً . وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً . وَالثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ صَاحِبَةَ تَمْيِيزٍ وَعَادَةٍ . وَالرَّابِعُ : أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا تَمْيِيزٌ وَلَا عَادَةٌ . فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُمَيِّزَةُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَصُورَتُهَا فِي امْرَأَةٍ تَصِلُ بِهَا الدَّمَ حَتَّى تُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَعْضُهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ ، وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ رَقِيقٌ ، فَهَذِهِ هِيَ الْمُمَيِّزَةُ . فَتُمَيِّزُ مِنْ دَمِهَا كَانَ أَسْوَدَ ثَخِينًا فَيَكُونُ حَيْضُهَا وَمَا كَانَ مِنْهُ أَحْمَرَ رَقِيقًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا اعْتِبَارَ بِالتَّمْيِيزِ وَتُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ الشَّهْرِ قَالَ : وَلِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُوجَدُ فَيَكُونُ حَيْضًا وَقَدْ يُوجَدُ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ مُتَمَيِّزًا أَوْ أَيَّامَ الْعَادَةِ إِذَا قَارَبَهَا الدَّمُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَيْضًا ، وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : " إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ " فَرَدَّهَا إِلَى تَمْيِيزِهَا وَاعْتِبَارِ لَوْنِهِ وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَائِضِ دَفْعَاتٍ وَلِدَمِ الْحَيْضِ رِيحٌ لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُ الْحَيْضِ فَلْتَغْتَسِلْ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ مُتَعَلِّقٌ بِدَمٍ وَأَيَّامٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ الدَّمُ عَلَى الْأَيَّامِ كَالْعِدَّةِ تُقَدَّمُ الْأَقْرَاءُ عَلَى الشُّهُورِ . وَلِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ إِذَا الْتَبَسَ وَأَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ بِصِفَاتِهِ كَانَ التَّمْيِيزُ بِصِفَاتِهِ أَوْلَى كَالْمَنِيِّ وَالْمِذِيِّ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَهُوَ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْمُعْتَادَةِ دُونَ الْمُمَيِّزَةِ . وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَارِدٌ فِي الْمُمَيِّزَةِ دُونَ الْمُعْتَادَةِ فَتَسْتَعْمِلُ الْخَبَرَيْنِ فِيمَا وَرَدَا فِيهِ وَلَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَيَّامِ الْعَادَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا حَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ الدَّمِ فَهُوَ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ : لِأَنَّ أَيَّامَ الْعَادَةِ قَدْ تُوجَدُ خَالِيَةً مِنَ الدَّمِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ

يَجْعَلَ حُكْمَ الْأَيَّامِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الدَّمِ وَالدَّمُ قَدْ يَكُونُ حَيْضًا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بين الحيض والاستحاضة مُعْتَبَرٌ فَاعْتِبَارُهُ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ رَقِيقٌ . فَإِنْ كَانَ لَوْنًا وَاحِدًا فَلَا تَمْيِيزَ وَيُنْظَرُ فِيهِ : فَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ فَكُلُّهُ حَيْضٌ إِنْ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ ذَاتَ حَيْضٍ . وَإِنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ . وَإِنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَتُرَدُّ إِلَى مَا سَنَذْكُرُهُ . وَإِنْ كَانَ الدَّمُ أَحْمَرَ رَقِيقًا فَلَهَا حَالَتَانِ : مُبْتَدَأَةٌ ، وَذَاتُ حَيْضٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَيْضٍ فَهُوَ كَالسَّوَادِ إِذَا انْفَرَدَ يَكُونُ حَيْضًا إِنْ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَمْ يَتَجَاوَزْ خَمْسَةَ عَشَرَ . وَاسْتِحَاضَةً إِنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : إِنَّهَا كَذَاتِ الْحَيْضِ فِي أَنَّهُ حَيْضٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مَشْرُوحًا فِي مَوْضِعِهِ . وَالشَّرْطُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ سَوَادُ الدَّمِ قَدْرًا يَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا يَتَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ . فَإِنْ قَصُرَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَمْيِيزَ وَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدًا فِي كَوْنِهِ دَمَ فَسَادٍ إِنْ نَقُصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، أَوِ اسْتِحَاضَةً دَخَلَتْ فِي حَيْضٍ إِنْ تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ . وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَجَاوَزَ الدَّمُ الْأَحْمَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ لِيَدْخُلَ الِاسْتِحَاضَةُ فِي الْحَيْضِ فَإِنِ انْقَطَعَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكِلَا الدَّمَيْنِ سَوَادُهُ وَحُمْرَتُهُ حَيْضٌ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ حُكِمَ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ وَلَزِمَهَا اعْتِبَارُهُ فِي حَيْضِهَا . فَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو دَمُهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَقَدَّمَ السَّوَادُ وَتَتَأَخَّرَ الْحُمْرَةُ . وَالثَّانِي : أَنْ تَتَقَدَّمَ الْحُمْرَةُ وَيَتَعَقَّبَهَا السَّوَادُ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ السَّوَادُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالْحُمْرَةُ فِي الْوَسَطِ . وَالرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالسَّوَادُ فِي الْوَسَطِ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ السَّوَادُ وَتَتَعَقَّبَهُ الْحُمْرَةُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِيَ الشَّهْرِ دَمًا أَحْمَرَ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ تَدَعُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ . وَأَيَّامُ الدَّمِ الْأَحْمَرِ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ يَلْزَمُهَا فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ : لِأَنَّ التَّمْيِيزَ فَاصِلٌ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ لَكِنْ إِنْ كَانَ هَذَا الشَّهْرُ أَوَّلَ شُهُورِ اسْتِحَاضَتِهَا لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ بِانْتِقَالِهَا مِنَ السَّوَادِ إِلَى الْحُمْرَةِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِهِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ حَالِهِ . حَتَّى

إِذَا تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَتَعَقَّبُ اسْتِحَاضَتَهَا فَقَضَتْ مَا تَرَكَتْ مِنَ الصَّلَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحُمْرَةِ وَاسْتَقْبَلَتْهَا فِيمَا تَعْقُبُ . فَإِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الثَّانِي فَقَدْ ثَبَتَتِ اسْتِحَاضَتُهَا . فَتُصَلِّي وَتَصُومُ حَتَّى يَنْتَقِلَ مِنَ السَّوَادِ إِلَى الْحُمْرَةِ ، لِأَنَّهُ لِاعْتِبَارِ حَالِهَا فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي قَدْ صَارَ فِي الْأَغْلَبِ اسْتِحَاضَةً ، وَإِنْ جَازَ لِانْقِطَاعِهِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَنْ يَكُونَ حَيْضًا . وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ وَبَاقِي الشَّهْرِ دَمًا أَصْفَرَ كَانَ الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ حَيْضًا تَقُومُ مَقَامَ السَّوَادِ عِنْدَ عُدَّتِهِ وَكَانَ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةً تَقُومُ مَقَامَ الْحُمْرَةِ عِنْدَ تَقَدُّمِهَا . فَلَوْ رَأَتْ فِي ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِي الشَّهْرِ دَمًا أَحْمَرَ كَانَ حَيْضُهَا الْعَشَرَةَ السَّوَادَ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى حَيْضِهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ : لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّمْيِيزِ ، وَلِكُلِّ حَيْضَةٍ حُكْمٌ ، وَهَكَذَا لَوْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ الثَّالِثِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِي الشَّهْرِ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ كَانَ حَيْضُهَا سَبْعًا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَسْتَدِيمَ الْحُمْرَةُ بَعْدَ السَّوَادِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَبَيْنَ أَنْ تَبْلُغَ قَدْرًا يَزِيدُ مَعَ السَّوَادِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةٌ . فَإِنْ لَمْ يَزِدْ فَلَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةٌ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ فَإِنِ اتَّصَلَ الدَّمُ الْأَحْمَرُ بَعْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً . وَإِنِ انْقَطَعَ الْعَشَرَةَ فَمَا دُونُ كَانَتْ حَائِضًا وَكَانَ الزَّمَانُ حَيْضًا . وَإِنِ اخْتَلَفَا فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَهُ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ كَانَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ حَيْضًا . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا بَعْدَهُ مِنَ الصُّفْرَةِ هَلْ تَكُونُ اسْتِحَاضَةً أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَيَكُونُ دَمَ فَسَادٍ وَجُعِلَتِ الِاسْتِحَاضَةُ مَا دَخَلَتْ عَلَى إِثْرِ الْحَيْضِ فَيَ زَمَانٍ ثُمَّ تَجَاوَزَتْ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَسَوَّى بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِيمَا دَخَلَ عَلَى زَمَانِ الْحَيْضِ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْحُمْرَةُ ثُمَّ يَتَعَقَّبَهَا السَّوَادُ في دم الحيض فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَنْقُصَ الْحُمْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ ، وَيَبْلُغُ السَّوَادُ الْمُتَعَقِّبُ قَدْرَ الْحَيْضِ ، مِثَالُهُ أَنْ تَرَى الْحُمْرَةَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . وَتَرَى السَّوَادَ بَعْدَهُ مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ . فَالْحُمْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَمُ فَسَادٍ وَالْحَيْضُ مَا بَعْدَهُ مِنَ السَّوَادِ وَلَيْسَ لَهَا اسْتِحَاضَةً وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّمْيِيزَ بِاخْتِلَافِ الدَّمَيْنِ وَكَانَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا لِدَمِ الْحَيْضِ صَارَ الثَّانِي بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَبْلُغَ الْحُمْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ قَدْرَ الْحَيْضِ وَيَنْقُصَ السَّوَادُ الْمُتَعَقِّبُ عَنْ

قَدْرِ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْحُمْرَةِ وَتَرَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَمًا أَسْوَدَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا لَا يَتَجَاوَزَانِ قَدْرَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ مَا تَرَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتَرَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ فَكِلَا الدَّمَيْنِ يَكُونُ حَيْضًا فِي غَيْرِ الْمُبْتَدَأَةِ وَفِي الْمُبْتَدَأَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ : وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَجَاوَزَ جَمِيعًا قَدْرَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَتَرَى بَعْدَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَمًا أَسْوَدَ . فَحَيْضُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّمِ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ إِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَيْضٍ غَيْرَ مُبْتَدَأَةٍ وَفِي الْمُبْتَدَأَةِ وَجْهَانِ . وَمَا يَتَعَقَّبُهُ مِنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ التَّمْيِيزِ لِمُجَاوَزَةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَنَقْصِ السَّوَادِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَنْقُصَ الْحُمْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ وَيَنْقُصَ السَّوَادُ الْمُتَعَقِّبُ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ أَيْضًا . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَتَرَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَعْدَهُ دَمًا أَسْوَدَ فَهَذَا وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي شُرُوطِهَا أَنْ يَتَجَاوَزَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَقْسَامِ الْمُمَيِّزَةِ فَكَذَلِكَ مَا أَوْرَدْنَاهُ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ ذَاتَ حَيْضٍ فَكِلَا الدَّمَيْنِ حَيْضٌ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ تَبْلُغَ الْحُمْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ قَدْرَ الْحَيْضِ وَيَبْلُغَ السَّوَادُ الْمُتَعَقِّبُ أَيْضًا قَدْرَ الْحَيْضِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَجَاوَزَا جَمِيعًا قَدْرَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثَالُهُ أَنْ تَرَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ ثُمَّ تَرَى بَعْدَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ . فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا الْعَشَرَةُ السَّوَادُ الْمُتَأَخِّرَةُ دُونَ الصُّفْرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ لِأَنَّ السَّوَادَ قَدْ وُجِدَ بِصِفَةِ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الصُّفْرَةِ وَكَذَا الزَّمَانَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ فِي الْإِمْكَانِ وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَيْضٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي عَلِيٍّ أَنَّ حَيْضَهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَشَرَةِ الْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ دُونَ مَا تَعَقُّبٍ مِنَ الْعَشَرَةِ السَّوَادِ . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ تَدْخُلُ عَلَى الْحَيْضِ ، وَالْحَيْضُ لَا يَدْخُلُ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ ، فَلَمَّا كَانَتِ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامِ الصُّفْرَةُ أَوِ الْحُمْرَةُ لَوِ انْفَرَدَتْ كَانَتْ حَيْضًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنَ السَّوَادِ اسْتِحَاضَةً لِتَمَيُّزِ الدَّمَيْنِ وَامْتِنَاعِ كَوْنِهِمَا حَيْضًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَجُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ حَيْضَهَا مَا تَأَخَّرَ مِنْ

عَشَرَةِ السَّوَادِ دُونَ مَا تَقَدُّمٍ مِنْ عَشَرَةِ الصُّفْرَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِصِفَةِ الْحَيْضِ مَعَ تَسَاوِي الزَّمَانَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُوجَدَ صِفَةُ الْحَيْضِ فِي دَمٍ مُمْكِنٍ فَيُجْعَلُ الْحَيْضُ فِيمَا سِوَاهُ وَلِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَيْضِ أَنْ يَبْدُوَ قَوِيًّا أَسْوَدَ ثُمَّ يَرِقُّ وَيَصْفُو وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَبْدُوَ رَقِيقًا صَافِيًا ثُمَّ يَقْوَى وَيَسْوَدُّ . وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْحَيْضَةَ تَبْدُو فَتَكُونُ دَمًا خَاثِرًا ثُمَّ يَرِقُّ الدَّمُ وَيَصْفُو ثُمَّ يَكُونُ صُفْرَةً فَإِذَا رَأَتِ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ فَهُوَ الطُّهْرُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الزَّمَانُ قَدْرَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ ثُمَّ تَرَى بَعْدَهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ فَمَنْ جَعَلَ الصُّفْرَةَ هُنَاكَ حَيْضًا جَعَلَ كِلَا الزَّمَانَيْنِ هَاهُنَا حَيْضًا وَمَنْ جَعَلَ السَّوَادَ هُنَاكَ حَيْضًا جَعَلَ السَّوَادَ الْخَمْسَةَ هَاهُنَا حَيْضًا فَهَذَا حُكْمُ الْمُمَيِّزَةِ إِذَا رَأَتْ صُفْرَةَ الدَّمِ وَحُمْرَتَهُ مِثْلَ سَوَادِهِ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِهَا .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ السَّوَادُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالْحُمْرَةُ أَوِ الصُّفْرَةُ فِي الْوَسَطِ فَهَذَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ قَدْرًا يَكُونُ حَيْضًا وَلَا يَتَجَاوَزُ جَمِيعُهُ قَدْرَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ . فَفِي الصُّفْرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ الْأَسْوَدَيْنِ في الحيض وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَيْضٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ . وَالثَّانِي : اسْتِحَاضَةٌ فِي حُكْمِ الطُّهْرَيْنِ الدَّمَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنَ التَّلْفِيقِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ فِي حُكْمِ الْحَيْضِ . وَالثَّانِي : فِي حُكْمِ الطُّهْرِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُبْتَدَأَةُ وَذَاتُ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ بِمَا تُقَدِّمُ مِنَ السَّوَادِ قَدْ صَارَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ قَدْرًا يَكُونُ حَيْضًا وَيَتَجَاوَزُ جَمِيعُهُ قَدْرَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ : أَنْ تَرَى سَبْعَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا السَّبْعُ السَّوَادُ وَالسَّبْعُ الصُّفْرَةُ وَمَا تَعَقَّبَهُ مِنَ السَّوَادِ اسْتِحَاضَةٌ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ حَيْضُهَا السَّبْعَةَ السَّوَادَ الْأُولَى وَالسَّبْعَةَ السَّوَادَ الْأَخِيرَةَ وَتَكُونُ السَّبْعَةُ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةً . وَلَا يَكُونُ عَلَى قَوْلَيِ التَّلْفِيقِ لِمُجَاوَزَةِ قَدْرِ الْحَيْضِ فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ كَانَ حَيْضُهَا الثَّمَانِيَةُ السَّوَادُ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الدَّمَيْنِ اسْتِحَاضَةً عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا لِأَنَّكَ إِذَا ضَمَمْتَ إِلَى السَّوَادِ الْأَوَّلِ وَاحِدًا مِنَ الدَّمَيْنِ تَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَلَمْ يُضَمَّ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ وَلَا يَبْلُغُ

جَمِيعُهَا قَدْرَ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى سَاعَةً دَمًا أَسْوَدَ وَسَاعَةً دَمًا أَصْفَرَ وَسَاعَةً دَمًا أَسْوَدَ فَهَذَا كُلُّهُ دَمُ فَسَادٍ وَذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ أَحْكَامِ الْمُمَيِّزَةِ : لِأَنَّ مُقَابَلَةَ التَّقْسِيمِ فِي هَذَا الْفَصْلِ اقْتَضَاهُ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ لَكِنْ يَبْلُغُ جَمِيعُهَا قَدْرَ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ : " أَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَثَلَاثَةً أَصْفَرَ وَثَلَاثَةً أَسْوَدَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضًا . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يَكُونُ حَيْضًا : لِأَنَّهُ يَخْرِجُ الصُّفْرَةَ فَيَكُونُ بَاقِي السَّوَادِ ثُلُثَيْ يَوْمٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا . فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ حَيْضًا يَوْمًا وَنِصْفًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا يَكُونُ حَيْضًا يَوْمًا وَنِصْفًا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَاحِدًا وَالنِّصْفُ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةٌ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ كَطُهْرِ التَّلْفِيقِ . وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّوَادَيْنِ قَدْرَ الْحَيْضِ وَتَنْقُصُ الصُّفْرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض . فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَهِيَ الدِّمَاءُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ زَمَانَ السَّوَادَيْنِ وَنِصْفُ يَوْمِ الصُّفْرَةِ طُهْرٌ بَيْنَهُمَا . فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ السَّبْعَةِ اسْتِحَاضَةٌ لِمُجَاوَزَتِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ السَّوَادَانِ دُونَ الصُّفْرَةِ . وَالْقِسْمُ السَّادِسُ : أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّوَادَيْنِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ فَتَبْلُغُ الصُّفْرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ قَدْرَ الْحَيْضِ . " مِثَالُهُ : أَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ كُلِّهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا النِّصْفَانِ السَّوَادَانِ إِنِ انْضَمَّ إِلَيْهِمَا مَعَ الْيَوْمِ لَيْلَةٌ وَالْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ اسْتِحَاضَةٌ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ فَيَكُونُ كَطُهْرِ التَّلْفِيقِ وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَى يَوْمِ السَّوَادَيْنِ لَيْلَةٌ صَارَ السَّوَادُ تَبَعًا لِلصُّفْرَةِ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ كُلُّهَا - وَهِيَ أَيَّامُ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ - حَيْضًا فِي ذَاتِ الْحَيْضِ وَفِي الْمُبْتَدَأَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ . وَالْقِسْمُ السَّابِعُ : أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّوَادِ الْأَوَّلِ وَالصُّفْرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ قَدْرَ الْحَيْضِ

وَيَنْقُصُ السَّوَادِ الْآخَرِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض فَكُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ . أَمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ فَعَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الصُّفْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَإِنْ تَعَقَّبَهَا سَوَادٌ . وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَلِأَنَّ الصُّفْرَةَ لَمْ يَتَعَقَّبْهَا مِنَ السَّوَادِ قَدْرٌ يَكُونُ حَيْضًا فَصَارَتْ تَبَعًا وَكَانَ الْكُلُّ حَيْضًا فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الثَّمَانِيَةُ السَّوَادُ وَالسَّبْعَةُ الصُّفْرَةُ وَيَكُونُ النِّصْفُ يَوْمٍ السَّوَادُ دَمَ فَسَادٍ لِمُجَاوَزَةِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَتَمَيُّزِهِ عَمَّا قَبْلُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ حَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَهُوَ زَمَانُ الدَّمَيْنِ الْأَسْوَدَيْنِ وَالسَّبْعَةُ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةٌ مَحْضَةٌ فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ زَمَانَيِ السَّوَادِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ وَالثَّمَانِيَةُ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةٌ مَحْضَةٌ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّوَادِ الْأَوَّلِ وَالصُّفْرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ وَيَبْلُغُ السَّوَادُ الْأَخِيرُ قَدْرَ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ الحائض فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ زَمَانَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ السَّوَادُ الْأَخِيرُ وَلَا يَكُونُ السَّوَادُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِمَا تَعَقَّبَهُ مِنَ الصُّفْرَةِ . فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ الحائض : فَحَيْضُهَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ : لِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى التَّمْيِيزِ مَعَ تَجَاوُزِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مَا لَوِ انْفَرَدَ كَانَ حَيْضًا ، فَهَذَا مَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الصُّفْرَةُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَالسَّوَادُ فِي الْوَسَطِ فَهَذَا عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُبْلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ قَدْرَ الْحَيْضِ مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ الحائض : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَيَّامَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ الْخَمْسَةُ السَّوَادُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْخَمْسَةِ الصُّفْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حَيْضًا فَلَوْ رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ كَانَ حَيْضُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا السِّتَّةَ الصُّفْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالسِّتَّةَ السَّوَادَ الْمُتَوَسِّطَةَ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ السِّتَّةِ الصُّفْرَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ اسْتِحَاضَةٌ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنِ الصُّفْرَتَيْنِ اسْتِحَاضَةٌ . فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا

أَصْفَرَ فَحَيْضُهَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا الثَّمَانِيَةُ السَّوَادُ وَلَا تُضَمُّ إِلَيْهَا وَاحِدٌ مِنَ الصُّفْرَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُجَاوِزًا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ مِثَالُهُ أَنْ تَرَى ثُلُثَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَثُلُثَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ فَيَكُونُ كُلُّهُ دَمَ فَسَادٍ ، وَجَمِيعُهُ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا يَوْمٌ وَنِصْفُ زَمَانِ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ النِّصْفُ السَّوَادُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ النِّصْفِ الصُّفْرَةِ وَلَا تَكُونُ الصُّفْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حَيْضًا . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّفْرَتَينِ قَدْرَ الْحَيْضِ وَيَنْقُصُ السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ زَمَانُ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ وَهَكَذَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا لِأَنَّ السَّوَادَ الْمُتَوَسِّطَ لَا يَكُونُ انْفِرَادُهُ حَيْضًا فَصَارَ تَبَعًا لِلصُّفْرَتَيْنِ . فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ . فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ الْأَوَّلُ وَالسَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ وَتَكُونُ الصُّفْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ اسْتِحَاضَةٌ تَمَيَّزَتْ عَنِ الْأَوَّلِ بِمَا تَوَسَّطَهَا مِنَ السَّوَادِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً لَا تَمْيِيزَ لَهَا لِأَنَّ السَّوَادَ بِانْفِرَادِهِ لَا يَكُونُ حَيْضًا لِنَقْصِهِ وَالصُّفْرَتَانِ تَزِيدُ عَنْ قَدْرِهِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّفْرَتَيْنِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ وَيَبْلُغُ السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ قَدْرَ الْحَيْضِ - مِثَالُهُ أَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ زَمَانَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ ، وَنِصْفُ السَّوَادِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الصُّفْرَةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ . وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّفْرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالسَّوَادِ الْمُتَوَسِّطِ قَدْرَ الْحَيْضِ وَتَنْقُصُ الصُّفْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفُ السَّوَادِ الْمُتَوَسِّطِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الصُّفْرَةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الصُّفْرَةُ الثَّمَانِيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ السَّبْعَةِ السَّوَادِ وَالصُّفْرَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ ؛ لِمُجَاوَزَتِهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَهِيَ السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ وَالصُّفْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ، فَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ ، فَحَيْضُهَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ - وَهِيَ السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ وَالصُّفْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ - اسْتِحَاضَةٌ فَأَمَّا الصُّفْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ تَكُونُ دَمَ فَسَادٍ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ الِاسْتِحَاضَةَ إِلَّا مَا كَانَتْ عَلَى

أَثَرِ حَيْضٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ الصُّفْرَةُ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ أَيْضًا كَالصُّفْرَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الِاسْتِحَاضَةِ عَلَى الْحَيْضِ كَمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنِ الْحَيْضِ . وَالْقِسْمُ السَّادِسُ : أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصُّفْرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالسَّوَادِ الْمُتَوَسِّطِ عَنْ قَدْرِ الْحَيْضِ وَتَبْلُغُ الصُّفْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ قَدْرَ الْحَيْضِ . مِثَالُهُ أَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَصْفَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ كُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ وَهُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ تَكُونُ جَمِيعُهَا كَالصُّفْرَةِ الْمَحْضَةِ لِأَنَّ السَّوَادَ الْمُتَوَسِّطَ بِنُقْصَانِهِ عَنِ الْحَيْضِ يَكُونُ تَبَعًا فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ حَيْضٍ كَانَتِ السِّتَّةُ كُلُّهَا حَيْضًا - وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَدَمُ فَسَادٍ - فَهَذَا حُكْمُ الْمُمَيِّزَةِ عَلَى مَا انْقَسَمَتْ إِلَيْهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا - يُرِيدُ الْحَيْضَةَ - فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي " وَلَا يَقُولُ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا إِلَّا وَهِيَ بِهِ عَارِفَةٌ ( قَالَ ) وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ دَمُهَا بِمَا وَصَفَتْ ثَمَّ فَتَعْرِفُهُ وَكَانَ مُشْتَبِهًا نَظَرَتْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَيْضَتُهَا فِيمَا مَضَى مِنْ دَهْرِهَا فَتَرَكَتِ الصَّلَاةَ لِلْوَقْتِ الَذِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِتَنْظُرَ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَهَا فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثَمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثَمَّ تُصَلِّي " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا اسْتُحِيضَتِ الْمُعْتَادَةُ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِزِيَادَةٍ وَهَكَذَا الْمُمَيِّزَةُ وَقَالَ مَالِكٌ : تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَوْقَ عَادَتِهَا إِلَى أَنْ تَبْلُغَ عَادَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمَيْنِ تَمَامَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [ الْبَقَرَةِ : ] فَكَانَ أَمْرُهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا يُوجِبُ الِاسْتِظْهَارَ لِفِعْلِهَا وَيَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِظْهَارِ مِنْ تَرْكِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ " لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنِ مِنَ الشَهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِهَا مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ قَالَ : " فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي " فَكَانَ أَمْرُهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَيَّامِ الْعَادَةِ مَانِعًا مِنَ الِاسْتِظْهَارِ بِشَيْءٍ بَعْدُ - وَمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " اسْتُحِيضَتْ أمُّ

حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَبْعَ سِنِينَ فَاشْتَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا : " هَذِهِ لَيْسَتْ بِحَيْضَةٍ وَلَكِنَّ هَذَا عِرْقٌ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي " فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الِاسْتِظْهَارِ بِزِيَادَةٍ فَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ إِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِظْهَارِ لِلصَّلَاةِ فِيمَنْ شَكَّتْ فِي عَادَتِهَا ثَلَاثٌ هِيَ أَمْ أَرْبَعٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَسْتَظْهِرَ بِالرُّجُوعِ إِلَى ثَلَاثٍ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِتَأْتَلِفَ الْأَخْبَارُ وَلَا تَخْتَلِفَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( قَالَ ) وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ ثُمَّ إِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ حَيْضٌ ، فَأَمَّا الْكُدْرَةُ فَلَيْسَتْ حَيْضًا إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا سَوَادٌ ، وَهَذَا خَطَأٌ ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ تَقَدَّمَهُ سَوَادٌ أَمْ لَا ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كُنَّا نُعِدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ ألْحَيْضِ حَيْضًا وَلِأَنَّ كُلَّمَا كَانَ حَيْضًا عِنْدَ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ كَانَ حَيْضًا ، وَإِنِ انْصَرَفَ عَنْ غَيْرِهِ كَالصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ " أَيَّامُ الْحَيْضِ حَيْضٌ " فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ : يَعْنِي : فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ ، فَإِنْ تَجَاوَزَتْ أَيَّامَ الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي قَدِيمِ أَمْرِهِ . وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا وَهِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ تَجَاوَزَتْ أَيَّامَ الْعَادَةِ وَرَجَعَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ ، وَقَالَ : كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى وَجَدْتُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَجَعَلَ حُكْمَ الْمُبْتَدَأَةِ ، وَذَاتِ الْحَيْضِ سَوَاءً ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْلَا مَا وَجَدْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ : وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ دُونَ مَا جَاوَزَهَا مِنَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِرِوَايَةِ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ . وَكَانَتْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كُنَا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا يَعْنِي بَعْدَ أَيَّامِ الْعَادَةِ ، قَالَ : وَلِأَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ ثَبَتَ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ .

أَمَّا وُجُودُ شَاهِدٍ فِيهِ وَصِفَةٍ مُحِلَّةٍ وَهُوَ السَّوَادُ أَوْ مُصَادَمَةُ أَيَّامِ الْعَادَةِ ، فَلَمَّا تَجَاوَزَتْ أَيَّامَ الصِّفَةِ بِتَغَيُّرِهِ إِلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ ، وَتَجَاوَزَتْ أَيَّامَ الْعَادَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ ، لِفَقْدِ الْعِلْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمٍ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ بِرِوَايَةِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدَّرَجَةِ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الصُّفْرَةِ ، فَتَقُولُ لَهُنَّ : لَا تُصَلِّينَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ ، فَدَلَّ إِطْلَاقُهَا عَلَى اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَالْعَادَةَ مَعْنَيَانِ يُعْتَبَرُ بِهِمَا الْحَيْضُ عِنْدَ إِشْكَالِهِ وَمُجَاوَزَةِ أَيَّامِهِ ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَادَةُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْحَيْضِ إِذَا لَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِيهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ ، وَلِأَنَّ الْمَنِيَّ هُوَ الثَّخِينُ الْأَبْيَضُ وَقَدْ يَتَغَيَّرُ إِلَى الصُّفْرَةِ وَالرِّقَّةِ لِعِلَّةٍ تَحْدُثُ ، ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ لَوْنِهِ ؟ كَذَلِكَ مَا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ مِنَ الدَّمِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِي أَيَّامِهِ بِاخْتِلَافِ لَوْنِهِ فَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فَوَارِدٌ فِيمَا وُجِدَ فِي الطُّهْرِ ، وَالطُّهْرُ مَا تَجَاوَزَ أَيَّامَ الْحَيْضِ ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَيْضِ بِمَعْنَيَيْنِ فَيُقَالُ : وَبِمَعْنَى ثَالِثٍ ، وَهُوَ وُجُودُهُ فِي زَمَانٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا .

فَصْلٌ : فَعَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ تَكُونُ فُرُوعُ هَذَا الْفَصْلِ فَإِذَا كَانَتْ عَادَةُ امْرَأَةٍ أَنْ تَرَى مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ، وَبَاقِيَ شَهْرِهَا طُهْرًا ، فَرَأَتْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ ، وَبَاقِيَ الشَّهْرِ طُهْرًا فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ زَمَانُ الدَّمَيْنِ مَعًا لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ وَالْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةٌ لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ . فَرْعٌ : فَلَوْ بَدَأَتْ وَعَادَتُهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ، وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ ، وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ ، كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كُلُّ ذَلِكَ حَيْضًا ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ الْخَمْسَةُ السَّوَادُ ، وَالْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَالسَّوَادِ بِخِلَافِ الصُّفْرَةِ ، وَيَجْعَلُ الْخَمْسَةَ الصُّفْرَةَ اسْتِحَاضَةٌ لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ . فَرْعٌ : فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، وَبَاقِيهِ طُهْرًا ، فَرَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ ، كَانَتِ الْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حَيْضًا : لِوُجُودِهَا فِي زَمَانٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، عَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ اسْتِحَاضَةٌ لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ . فَرْعٌ : فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهِ دَمًا

أَسْوَدَ ثُمَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ كَانَ جَمِيعُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَيَجْعَلُ حَيْضَهَا مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَيُفَرِّقُ حُكْمَ الصُّفْرَةِ فَيَجْعَلُ خَمْسَةً مِنْهَا حَيْضًا لِوُجُودِهَا فِي " أَيَّامِ الْعَادَةِ وَخَمْسَةً اسْتِحَاضَةً لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ دَمُهَا بِمَا وَصَفْتُ لَكَ فَتَعْرِفُهُ وَكَانَ مُشْتَبِهًا نَظَرَتْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَيْضُهَا فِيمَا مَضَى مِنْ دَهْرِهَا فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِلْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ . وَصُورَتُهَا : فِي امْرَأَةٍ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ حَتَّى يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَكُلُّهُ لَوْنٌ وَاحِدٌ ، لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَهَا عَادَةٌ سَالِفَةٌ فِي حَيْضِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى عَادَتِهَا السَّالِفَةِ ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَادَةِ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ فَرَدَّهَا إِلَى التَّمْيِيزِ وَلَمْ تُعْتَبَرِ الْعَادَةُ قَالَ : وَلِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ حَيْضًا ، وَتُوجَدُ أَيَّامَ الْعَادَةِ بِغَيْرِ دَمٍ ، فَلَا يَكُونُ حَيْضًا ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَادَةِ تَأْثِيرٌ . وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ ، قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ ، فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَرَوَى أَبُو الْيَقْظَانِ عَنْ عَدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أقْرَائِهَا ثُمَ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي حَتَّى أَيَّامَ حَيْضِهَا " وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِدَمٍ وَأَيَّامٍ فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَيَّامِ عِنْدَ إِعْوَازِ الدَّمِ كَالْعِدَّةِ تَنْتَقِلُ عَنِ الْأَقْرَاءِ إِلَى الشُّهُورِ .

فَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَمُسْتَعْمَلٌ فِي الْمُمَيِّزَةِ : لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالتَّمْيِيزِ لِمَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهَا ، وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَيُسْتَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ . وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ أَيَّامَ الْعَادَةِ لَا تَكُونُ حَيْضًا ، فَإِنْ عَنَى إِذَا خَلَتْ مِنَ الدَّمِ ، فَصَحِيحٌ ، وَإِذَا أَرَادَ إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا الدَّمُ فَفَاسِدٌ ، وَهَذِهِ أَيَّامُ عَادَةٍ قَارَنَتْ دَمًا فَلَمْ يَسْلَمْ لِلِاسْتِدْلَالِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ فَقْدِ التَّمْيِيزِ ، فَلِلْعَادَةِ ضَرْبَانِ عند المرأة في الحيض : مُتَّفِقَةٌ وَمُخْتَلِفَةٌ . فَأَمَّا الْمُتَّفِقَةُ : فَضَرْبَانِ : مُتَّفِقَةٌ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ و مُتَّفِقَةٌ بِالتَّمْيِيزِ فَأَمَّا الْمُتَّفِقَةُ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَهُوَ أَنْ تَحِيضَ عَلَى مُرُورِ الشُّهُورِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشْرًا ، وَتَرَى بَاقِيَهُ طُهْرًا ؟ فَإِذَا أَشْكَلَ حَيْضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ وَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ رُدَّتْ إِلَى الْعَشْرِ ، وَهِيَ الْعَادَةُ الْمُتَّفِقَةُ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَعَادَتْ صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا السَّالِفَةُ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَوْسَطُهُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إِذَا كَانَ قَدْرًا يَكُونُ حَيْضًا ، فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا فِي الْأَمْرَيْنِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ، فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا . فَلَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَرَأَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَبَاقِيَ الشَّهْرِ طُهْرًا ثُمَّ أُشْكِلَ دَمُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَتَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَجَبَ رَدُّهَا فِيمَا أُشْكِلَ مَنْ شَهْرِهَا الثَّانِي إِلَى الْعَشَرَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا مِنْ قَبْلُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ صَارَتِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا عَادَةً لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا أَصْحَابُنَا : لِأَنَّ فَقْدَ التَّمْيِيزِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَادَةِ ، فَكَانَ اعْتِبَارُ عَادَتِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مَرَّةً أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ عَادَةٍ غَيْرِهَا ثُمَّ هَكَذَا تُعْتَبَرُ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ فَإِنِ اسْتَدَامَ بِهَا الْإِشْكَالُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ رُدَّتْ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعَادَةِ فِيمَا ثَبَتَ لَهَا مِنَ الْإِشْكَالِ بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ أَيَّامِ الْعَادَةِ : لِأَنَّ حُكْمَ الْإِشْكَالِ مَا ثَبَتَ لَهَا ، وَانْقِطَاعُ دَمِهَا ، وَإِنْ جَاوَزَ قَدْرَ الْعَادَةِ مُجَوَّزٌ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ . وَأَمَّا الْمُتَّفِقَةُ بِالتَّمْيِيزِ فَهُوَ أَنْ تَرَى الْمُبْتَدَأَةُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِيَ الشَّهْرِ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةً بِالتَّمْيِيزِ الْحَاصِلِ لَهَا ثُمَّ تَرَى كَذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي ، ثُمَّ

فِي الثَّالِثِ ، فَتَسْتَقِرُّ عَادَتُهَا بِالتَّمْيِيزِ عَلَى عَشَرَةٍ فَإِذَا أُشْكِلَ دَمُهَا فِي بَعْضِ الشُّهُورِ فَقَدَّمَتِ التَّمْيِيزَ رُدَّتْ إِلَى الْعَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِالتَّمْيِيزِ ، وَهِيَ عَشَرَةٌ ، وَأَعَادَتْ صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَهَكَذَا لَوْ مَيَّزَتِ الْمُبْتَدَأَةُ شَهْرًا وَاحِدًا فَكَانَ حَيْضُهَا مِنْ جُمْلَتِهِ عَشَرَةً ، ثُمَّ أُشَكِلَ دَمُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي ، رُدَّتْ إِلَى الْعَشَرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وصَارَتِ الْمَرَّةُ لَهَا عَادَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . فَصْلٌ : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي : وَهِيَ الْعَادَةُ الْمُخْتَلِفَةُ ، فَهِيَ ضَرْبَانِ : مُرَتَّبَةٌ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ . فَأَمَّا الْمُرَتَّبَةُ فَصُورَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً وَفِي الثَّانِي سَبْعَةً ، وَفِي الثَّالِثِ عَشَرَةً ، ثُمَّ تَعُودُ النَّوْبَةُ فَتَحِيضُ فِي الرَّابِعِ خَمْسَةً ، وَفِي الْخَامِسِ سَبْعَةً ، وَفِي السَّادِسِ عَشَرَةً ، ثُمَّ هَكَذَا فِي سَائِرِ دَهْرِهَا يَجْرِي الْأَمْرُ فِي حَيْضِهَا عَلَى نَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ وَعَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ ثُمَّ يُشَكَلُ دَمُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ وَيَتَجَاوَزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ ، فَيُنْظَرُ مَا كَانَ تَقْتَضِيهِ نَوْبَةُ عَادَتِهَا فِي حَيْضِهَا مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَتُرَدُّ إِلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ خَمْسَةً جَعَلَتْ هَذَا سَبْعَةً وَمَا بَعْدَهُ عَشَرَةً ، وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ سَبْعَةً جَعَلَتْ هَذَا عَشَرَةً ، وَمَا بَعْدَهُ خَمْسَةً ، وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ خَمْسَةً جَعَلَتْ هَذَا خَمْسَةً ، وَمَا بَعْدَهُ سَبْعَةً ، ثُمَّ تَدُورُ النَّوْبَةُ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا كَانَتْ عَلَى إِشْكَالِهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ : لِأَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ قَدَّرَ لَهَا عَادَةً مُسْتَقِيمَةً ، فَصَارَتْ كَالْعَادَةِ الْمُتَّفِقَةِ ، فَلَوْ نَسِيَتْ مَا كَانَ تَقْتَضِيهِ نَوْبَةُ عَادَتِهَا ، وَتَرَتُّبُ حَيْضَتِهَا رُدَّتْ إِلَى أَقَلِّ نَوْبَتِهَا ، وَهِيَ الْخَمْسَةُ : لِأَنَّهَا يَقِينٌ ، وَاحْتِيَاطٌ ، فَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي ، فَإِذَا مَضَى عَلَيْهَا الْيَوْمُ السَّابِعُ ، اغْتَسَلَتْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ نَوْبَةُ شَهْرِهَا سَبْعَةً ، فَإِذَا مَضَى عَلَيْهَا الْيَوْمُ الْعَاشِرُ ، اغْتَسَلَتْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ نَوْبَةُ شَهْرِهَا عَشَرَةً . وَأَمَّا غَيْرُ الْمُرَتَّبَةِ ، فَصُورَتُهَا : أَنْ تَحِيضَ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً ، وَفِي شَهْرٍ سَبْعَةً وَفِي شَهْرٍ عَشَرَةً ، لَا يَنْقُصُ حَيْضُهَا عَنِ الْخَمْسَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَلَيْسَ بِهَا نَوْبَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلَا عَادَةٌ رَاتِبَةٌ ، وَتَتَقَدَّمُ الْخَمْسَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ تَارَةً ، وَتَتَأَخَّرُ عَنْهَا تَارَةً ، فَإِذَا أُشْكِلَ دَمُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ وَتَجَاوَزَتْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ نَظَرَتْ إِلَى عَادَتِهَا فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي قَبْلَ إِشْكَالِ دَمِهَا ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ عَادَتِهَا ، وَهِيَ الْخَمْسُ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا . لَا تَخْتَلِفُ وَأَعَادَتْ صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَادَتِهَا هِيَ الْعَشْرُ ، فَإِنْ تَكَرَّرَتْ قَبْلَ الْإِشْكَالِ بِشَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ رُدَّتْ إِلَيْهِمَا ، وَأَعَادَتْ صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَيْهَا أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرُ الْعَادَةِ نَصَّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْأُمِّ لِقُرْبِهِ مِنْ شَهْرِ الْإِشْكَالِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِتَنْظُرْ

عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ : وَتُرَدُّ إِلَى أَقَلِّ الْعَادَةِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ ، وَحَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِدُخُولِهَا فِي السَّبْعَةِ وَالْعَشَرَةِ : لِأَنَّ مَنْ حَاضَتْ سَبْعَةً وَعَشَرَةً فَقَدْ حَاضَتْ خَمْسَةً ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ وَالِاسْتِظْهَارِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ سَدِيدٍ : لِأَنَّ مُبْتَدَأَةً لَوْ حَاضَتْ فِي أَوَّلِ شُهُورِ حَيْضِهَا خَمْسًا ، وَفِي الثَّانِي : عَشْرًا ، ثُمَّ أُشْكِلَ دَمُهَا فِي الثَّالِثِ ، وَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ رُدَّتْ إِلَى الْعَشْرَةِ اتِّفَاقًا : لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى شَهْرِ الِاسْتِكْمَالِ وَلَمْ تَكُنِ الْحُمْرَةُ مُعْتَبَرَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ أَحْوَطَ : لِأَنَّهَا أَبْعَدُ كَذَلِكَ غَيْرُ الْمُبْتَدَأَةِ فَهَذَا حُكْمُ الْمُعْتَادَةِ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ .

فَصْلٌ : فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ الَّتِي قَدِ اجْتَمَعَ لَهَا تَمْيِيزٌ وَعَادَةٌ ، وَصُورَتُهَا : فِي امْرَأَةٍ قَدِ اسْتَقَرَّتْ لَهَا عَادَةٌ فِي حَيْضِهَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ شُهُورِهَا وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي شَهْرِهَا حَتَّى تَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَهُوَ مُتَمَيِّزٌ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ أَوْ أَصْفَرُ ، فَصَارَتْ جَامِعَةً بَيْنَ التَّمْيِيزِ فِي حَيْضِهَا ، وَبَيْنَ الْعَادَةِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ شُهُورِهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى تَمْيِيزِهَا دُونَ عَادَتِهَا ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ : بَلْ تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا دُونَ تَمْيِيزِهَا اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَادَةَ تَأْتَلِفُ ، وَالتَّمْيِيزَ يَخْتَلِفُ ، وَالْمُؤْتَلِفُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنَ الْمُخْتَلِفِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْعَادَةَ مُتَكَرِّرَةٌ ، وَالتَّمْيِيزَ مُنْفَرِدٌ ، وَمَا تَكَرَّرَ أَوْلَى اعْتِبَارًا مِمَّا انْفَرَدَ ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ التَّمْيِيزَ صِفَةُ مَحَلِّ حَيْضِ الْإِشْكَالِ وَالْعَادَةُ فِي غَيْرِهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى الشَّيْءِ بِصِفَتِهِ أَوْلَى مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ التَّمْيِيزَ دَلَالَةٌ حَاضِرَةٌ ، وَالْعَادَةَ دَلَالَةٌ مَاضِيَةٌ ، وَالدَّلَالَةُ الْحَاضِرَةُ أَوْلَى اعْتِبَارًا مِنَ الدَّلَالَةِ الْمَاضِيَةِ ، كَالْمُتَدَاعِيَيْنِ دَارًا وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ حَاضِرَةٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ ، إِذَا كَانَتْ لَهُ يَدٌ مُتَقَدِّمَةٌ ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالَيْنِ فَكِلَاهُمَا مَدْخُولٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُمْ يُسَوُّونَ بَيْنَ مَا ائْتَلَفَ مِنَ التَّمْيِيزِ وَاخْتَلَفَ فِي تَقْدِيمِ الْعَادَةِ عَلَيْهِ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَلِأَنَّهُمْ يُسَوُّونَ بَيْنَ مَا تَكَرَّرَ مِنَ التَّمْيِيزِ وَانْفَرَدَ فِي تَقْدِيمِ الْعَادَةِ عَلَيْهِ عَلَى

هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ يَكُونُ تَفْرِيعُ هَذَا الْفَصْلِ فَإِذَا اعْتَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَحِيضَ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ، وَتَرَى بَاقِيَهُ طُهْرًا فَرَأَتْ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِيَهُ دَمًا أَصْفَرَ ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تُرَدُّ إِلَى الْعَشَرَةِ السَّوَادِ اعْتِبَارًا بِالتَّمْيِيزِ ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ تُرَدُّ إِلَى الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِيَهُ طُهْرًا فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ وَبَاقِيَهُ دَمًا أَصْفَرَ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا لِاجْتِمَاعِ التَّمْيِيزِ فِيهَا وَالْعَادَةُ ، وَإِذَا اعْتَادَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِيَهُ طُهْرًا فَرَأَتْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ وَبَاقِيَهُ دَمًا أَسْوَدَ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ ، وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ ، لِتَمْيِيزِهِ مِمَّا يُجَاوَزُ بِهِ ، وَلَا يَكُونُ الْأَسْوَدُ حَيْضًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ لَا تَمْيِيزَ لَهَا ، وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ ، فَيَسْتَوِي الْحُكْمَانِ ، وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَيَانِ فَتَكُونُ مُمَيِّزَةً عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَمُعْتَادَةً عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي . فَرْعٌ : وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ دَمًا أَسْوَدَ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ ، وَالْخَمْسَةُ السَّوَادُ ، وَلِتَمْيِيزِهَا عَمَّا لَيْسَ بِحَيْضٍ مِنْ بَعْدُ . وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ ، لِمُوَافَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ . وَالثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ : لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ . فَرْعٌ : وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ دَمًا أَسْوَدَ وَبَاقِيهِ طُهْرًا فَرَأَتْ فِي شَهْرِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ فِي أَوَّلِهِ ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ، ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ الْأَسْوَدَ ، فَإِنِ انْقَطَعَ مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَدْ دَخَلَتِ الِاسْتِحَاضَةُ فِي الْحَيْضِ ، وَلَهَا عَادَةٌ بِلَا تَمْيِيزٍ فَتُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا فِي الْقَدْرِ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُهُ مِنْ قَبْلُ ، وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ ، وَهَلْ تَحِيضُ قَدْرَ الْعَادَةِ مِنْ زَمَانِ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ زَمَانِ الدَّمِ ، عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ :

أَحَدُهُمَا : مِنْ زَمَانِ الدَّمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ . وَالثَّانِي : مِنْ زَمَانِ الْعَادَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُبْتَدِئًا لَا مَعْرِفَةَ لَهَا بِهِ أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلَاةِ ثُمَّ إِذَا جَاوَزَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اسْتَيْقَنَتْ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا تَمْيِيزٌ وَلَا عَادَةٌ ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَنَاسِيَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَقْسَامٌ تَتَعَلَّقُ عَلَيْهَا أَحْكَامٌ . فَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَهِيَ الَّتِي بَدَأَ بِهَا الدَّمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَيْضٌ مِنْ قَبْلُ ، وَلَهَا سِنٌّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمُهَا فِيهِ حَيْضًا ، وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ رُؤْيَةِ الدَّمِ إِذَا كَانَ كَدَمِ الْحَيْضِ أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ فَإِنِ اسْتَدَامَ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً بَانَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَدُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَانَ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَلَزِمَهَا إِعَادَةُ مَا تَرَكَتْ مِنَ الصَّلَاةِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ لِرُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنِ انْقَطَعَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ فَرْضُ الصَّلَاةِ لَهَا لَازِمًا وَأَجْزَأَهَا مَا صَلَّتْ ، وَإِنِ اسْتَدَامَ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً تَرَكَتِ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ ، قَالَ : لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا تَدَعُ فِيهِ الصَّلَاةَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ تَلْزَمُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ وَالتَّجْوِيزِ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : غَيْرُ الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا بَدَأَتْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ تَدَعُ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّجْوِيزُ مَوْجُودٌ . وَالثَّانِي : الْمُعْتَادَةُ إِذَا تَجَاوَزَ دَمُهَا قَدْرَ الْعَادَةِ تَدَعُ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّجْوِيزُ مَوْجُودًا وَإِذَا بَطُلَ بِهَذَيْنِ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ هَذَا التَّجْوِيزِ ، وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهَا ، وَهُوَ أَنَّ مَا ابْتَدَأَتْ بِرُؤْيَتِهِ حَيْضٌ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا وَدَامَ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ دَمًا أَسْوَدَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ دَمًا أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَصْفَرُ ، فَإِنْ كَانَ دَمًا أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ مَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يَكُونُ حَيْضًا ، وَيَكُونُ دَمَ فَسَادٍ ، وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَعَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ ، وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَلِأَنَّهُ قَدْ خَلَا مِنْ عَلَامَتَيِ الْحَيْضِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضًا ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِوُجُودِ الدَّمِ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَقَدَّمَ السَّوَادُ ثُمَّ تَتَعَقَّبُهُ الصُّفْرَةُ مِثَالُهُ : أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ تَكُونُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا لِوُجُودِ الدَّمَيْنِ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ يَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ زَمَانَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ ، وَلَا تَكُونُ الصُّفْرَةُ حَيْضًا : لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ لَيْسَتْ لَهَا عَادَةٌ فَصَارَتِ الصُّفْرَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْعَادَةِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَتَقَدَّمَ الصُّفْرَةُ ثُمَّ يَتَعَقَّبَهَا السَّوَادُ مِثَالُهُ : أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ فَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ تَكُونُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الصُّفْرَةِ ، وَمَا تَعَقَّبَ مِنَ السَّوَادِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَكُونُ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ السَّوَادَ دُونَ الصُّفْرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَعَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ ، فَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَعَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الصُّفْرَةَ إِذَا تَعَقَّبَهَا سَوَادٌ لَمْ تَكُنْ حَيْضًا . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَوَسَّطَ السَّوَادُ بَيْنَ دَمَيِ الصُّفْرَةِ ، مِثَالُهُ : أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ، وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ ، فَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا زَمَانَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِهَا فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ هِيَ زَمَانُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ ، وَلَا يَكُونُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الصُّفْرَةِ وَلَا مَا تَأَخَّرَ حَيْضًا لِوُجُودِهِمَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ الْخَمْسَةُ السَّوَادُ ، وَالْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ، وَلَا تَكُونُ الصُّفْرَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حَيْضًا لِمَا يَعْقُبُهَا مِنَ السَّوَادِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ تَتَوَسَّطَ الصُّفْرَةُ بَيْنَ دَمِ السَّوَادِ مِثَالُهُ : أَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ، فَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا زَمَانَ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِهَا فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ زَمَانَ الدَّمَيْنِ الْأَسْوَدَيْنِ الْأُوَلُ وَالْأُخَرُ وَزَمَانُ الصُّفْرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ طُهْرٌ لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ تَكُونُ الْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ لِمَا تَعَقَّبَهَا مِنَ السَّوَادِ كَطُهْرِ التَّلْفِيقِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا تَجَاوَزَ دَمُ الْمُبْتَدَأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَدْ صَارَتْ حِينَئِذٍ مُسْتَحَاضَةً لَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا تَمْيِيزٌ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ عَمِلَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ آنِفًا وَسَالِفًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ فَفِيمَا تُرَدُّ إِلَيْهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إِنَّمَا تُرَدُّ إِلَى أَقَلِّ

الْحَيْضِ يَوْمًا وَلَيْلَةً : لِأَنَّهُ يَقِينٌ وَاحْتِيَاطٌ وَمَا جَاوَزَهُ شَكٌّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطَ بِالشَّكِّ فَرْضَ الصَّلَاةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَسَبْعَةِ أَيَّامٍ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ " تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا " وَلِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبُ عَادَاتِ النِّسَاءِ ، فَاقْتَضَى أَنْ تُرَدَّ إِلَيْهَا كَمَا تُرَدُّ إِلَى غَالِبِ عَادَاتِهِنَّ إِذَا اسْتَدَامَ الدَّمُ بِهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً ، وَلَيْسَ الْيَقِينُ فِيهِ مُعْتَبَرًا كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي الْقَدْرِ غَالِبُ الْعَادَاتِ ، وَلَا يَكُونُ الْيَقِينُ فِيهِ مُعْتَبَرًا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تُرَدُّ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ ، فَخَالَفَ الْقَوْلَيْنِ مَعًا : احْتِجَاجًا بِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَيْضٍ بِيَقِينٍ ، فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ إِلَّا إِلَى طُهْرٍ بِيَقِينٍ . وَدَلِيلُنَا مَعَ الْخَبَرِ أَنَّهُ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِاسْتِحَاضَتِهَا فَوَجَبَ رَدُّهَا عَنِ الْأَكْثَرِ إِلَى مَا دُونِهِ كَالْمُعْتَادَةِ فِي رَدِّهَا عَنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ إِلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِظْهَارَ لِلْعَادَةِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِظْهَارِ عَلَيْهَا فَامْتَنَعَ بِذَلِكَ رَدُّهَا إِلَى أَكْثَرِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ رَدُّهَا ، إِلَى الْيَقِينِ ، وَهُوَ الْأَقَلُّ أَوْ إِلَى الْأَغْلَبِ وَهُوَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ هَلْ تُرَدُّ إِلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ التَّخْيِيرِ أَمْ لَا : عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ السِّتَّةِ أَوِ السَّبْعَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا غَيْرُ مُخَيَّرَةٍ ، وَإِنَّمَا فَرْضُ الِاجْتِهَادِ إِلَيْهَا فِي حَيْضِ نَظَائِرِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ كَانَ غَالِبُ حَيْضِهِنَّ سِتًّا فَمَا دُونُ حَيَّضَتْ نَفْسَهَا سِتًّا وَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ نَفْسُهَا مَعًا ثُمَّ تَصْنَعُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَلَوْ كَانَ أَوَّلُ دَمِهَا الَّذِي رَأَتْهُ أَصْفَرَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ سَوَادٌ ، وَدَخَلَتِ الِاسْتِحَاضَةُ فِي الْحَيْضِ ، وَوَجَبَ رَدُّهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَفِي الثَّانِي إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُرَدُّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِلَى زَمَانِ الدَّمِ الْأَصْفَرِ أَوْ إِلَى زَمَانِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ ، عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ تُرَدُّ إِلَى الدَّمِ الْأَصْفَرِ لِتَقَدُّمِهِ . وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ تُرَدُّ إِلَى الدَّمِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِدَمِ الْحَيْضِ ، وَإِذَا رُدَّتْ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ كَانَ الْقَدْرُ الَّذِي رُدَّتْ إِلَيْهِ مِنَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَوِ السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ حَيْضًا يَقِينًا لَا تَقْضِي مَا تَرَكَتْ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَكَانَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا يَقِينًا تُصَلَّى وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الزَّمَانِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْضِيَ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا : لِأَنَّ رَدَّهَا إِلَى هَذَا الْقَدْرِ يَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ حُكْمِ الْحَيْضِ عَلَى مَا سِوَاهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْحَيْضِ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ ، فَتُصَلِّي وَلَا تَقْضِيَ وَتَصُومُ وَتَقْضِي : لِأَنَّ الْحَائِضَ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصِّيَامِ وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَأُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ : لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا ، وَأُمِرَتْ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا ، وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ إِتْيَانِهَا ، وَكَذَا تُمْنَعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ فَهَذَا حُكْمُ الْمُبْتَدَأَةِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا النَّاسِيَةُ فَتَنْقَسِمُ حَالُهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِقَدْرِ حَيْضِهِا وَوَقْتِهِ . الْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِقَدْرِ حَيْضِهَا ذَاكِرَةً لِوَقْتِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِوَقْتِ حَيْضِهَا ذَاكِرَةً لِقَدْرِهِ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ النَّاسِيَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَوَقْتِهِ أحكامها ، فَصُورَتُهُ فِي امْرَأَةٍ اتَّصَلَ دَمُهَا وَاسْتَدَامَ وَهُوَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ وَلَهَا عَادَةٌ فِي الْحَيْضِ سَالِفَةٌ ، قَدْ نَسِيَتْ قَدْرَهَا ، وَلَا تَعْلَمُ هَلْ كَانَ يَوْمًا أَوْ خَمْسًا أَوْ عَشْرًا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَنَسِيَتْ وَقْتَهَا فَلَا تَعْلَمُ هَلْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ ؟ هَلْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ ، فَهَذِهِ يُسَمِّيهَا أَصْحَابُنَا الْمُتَحَيِّرَةُ لِإِشْكَالِ أَمْرِهَا وَتَرَدُّدِهَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَغْلَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُخْرِجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُبْتَدَأَةِ لَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ " وَإِذَا ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا تَرَكَتِ الصَّلَاةَ لِأَقَلِّ مَا تَحِيضُ لَهُ النِّسَاءُ ، وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ " فَظَنَّ أَنَّهُ أَرَادَ هَذِهِ النَّاسِيَةَ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ : لِأَنَّ أَوَّلَ زَمَانِ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْجَهْلِ بِالزَّمَانِ ، وَلِأَصْحَابِنَا عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ وَالنَّاسِيَةِ ، وَعَطَفَ بِالْجَوَابِ عَلَيْهِمَا مُرِيدًا لِلْمُبْتَدَأَةِ دُونَ النَّاسِيَةِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا . وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ النَّاسِيَةَ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إِذَا كَانَتْ ذَاكِرَةً لِوَقْتِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ . فَأَمَّا النَّاسِيَةُ لِلْأَمْرَيْنِ قَدْرًا وَوَقْتًا ، فَهِيَ مَجْهُولَةُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ، وَهِيَ فِي مَحْظُورَاتِ الْحَيْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ . . قِسْمٌ يَجِبُ عَلَيْهَا اجْتِنَابُهُ ، وَقِسْمٌ يَجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُهُ ، وَقِسْمٌ يُخْتَلَفُ فِيهِ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي يَلْزَمُهَا اجْتِنَابُهُ فَهُوَ حَمْلُ الْمُصْحَفِ أَوْ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ

فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالتَّطَوُّعِ بِنَفْلِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ ، فَتُمْنَعُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ : خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا ، وَلَيْسَ يَضُرُّهَا تَرْكُهُ إِنْ كَانَتْ طَاهِرًا . فَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي يَلْزَمُهَا فِعْلُهُ وَهُوَ مَا كَانَ فَرْضًا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ ، فَيَلْزَمُهَا فِعْلُهُ : لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا ، وَلَيْسَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالشَّكِّ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَشَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : وَطْءُ الزَّوْجِ . وَالثَّانِي : سُنَنُ الصَّلَوَاتِ الْمُوَظَّفَاتِ ، وَفِيهِمَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُمَا وَأَمَّا وَطْءُ الزَّوْجِ فَلَرُبَّمَا صَادَفَ حَيْضًا مَحْظُورًا ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَسْتَبِيحَهَا بِالشَّكِّ ، وَأَمَّا السُّنَنُ مِنَ الصَّلَوَاتِ الرَّاتِبَةِ ، فَلِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْحَيْضِ أَغْلَظُ مِنْ تَرْكِهَا فِي الطُّهْرِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا مُمَكَّنَةٌ مِنْهُمَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ مِنْ فِعْلِهِمَا ، أَمَّا وَطْءُ الزَّوْجِ فَلِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا يَقِينًا ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا شَكٌّ . وَالثَّانِي : أَنَّ مَنْعَهُ مِنْهَا مَعَ اسْتِدَامَةِ حَالِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ ، وَلَيْسَتْ كَالْمُبْتَدَأَةِ إِذَا أُشْكِلَ حَالُهَا ، لِأَنَّ زَمَانَ الشَّكِّ يَسِيرٌ . وَأَمَّا السُّنَنُ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَلِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمَفْرُوضَاتِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ، فَلَمَّا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِفِعْلِ الْمَفْرُوضَاتِ صَارَتْ مَأْمُورَةً بِفِعْلِ الْمَسْنُونَاتِ . وَالثَّانِي : أَنَّ تَعَارُضَ الشَّكَّيْنِ قَدْ تَقَابَلَا ، وَالْأَصْلُ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَالْكَلَامُ بَعْدَهَا فِي فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ . وَالثَّانِي : فِي إِجْزَاءِ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ عِبَادَةٍ . فَأَمَّا الطَّهَارَةُ للمستحاضة فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَعْرِفَ وَقْتَ غُسْلِهَا حِينَ كَانَ يَنْقَطِعُ دَمُهَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ حَيْضِهَا أَمْ لَا فَإِنْ عَرَفَتْهُ ، وَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ [ اغْتَسَلَتْ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ ] مِنْ كُلِّ يَوْمٍ وَتَوَضَّأَتْ لِمَا سِوَى الْمَغْرِبِ مِنَ الصَّلَوَاتِ : لِأَنَّ الْمَغْرِبَ كُلَّ يَوْمٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ حَيْضِهَا فَلَزِمَهَا الْغُسْلُ فِيهِ ، وَمَا سِوَى الْمَغْرِبِ لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فِيهِ فَلَمْ تَغْتَسِلْ فِيهِ ، وَتَوَضَّأَتْ : لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ ، وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ بِالظَّاءِ مُعْجَمَةً ، يُرِيدُ بِهِ مَا وَصَفْنَا مِنْ مُسْتَحَاضَةٍ ذَكَرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ الظُّهْرِ فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ فِي ظُهْرِ كُلِّ يَوْمٍ ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ بِالطَّاءِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ ، يَعْنِي : عِنْدَ تَقَضِّي الْحَيْضِ ، وَإِقْبَالِ الطُّهْرِ ، وَلِكُلِّ رِوَايَةٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِهَا دَلِيلٌ ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ وَقْتُ غُسْلِهَا حِينَ كَانَ يَنْقَطِعُ دَمُهَا ، وَنَسِيَتْ فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَصْبِرَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَيَكُونُ الْغُسْلُ فِي آخِرِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهَا بَعْدَ الْغُسْلِ إِلَّا فِعْلُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ دَمُهَا فِي آخِرِهِ فَلَا يُجْزِئُهَا مَا قَدَّمَتْ فِي أَوَّلِهِ مِنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ ، وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : اسْتُحِيضَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ " فَهَذَا الْكَلَامُ فِي طَهَارَتِهَا .

فَصْلٌ : وَأَمَّا إِجْزَاءُ مَا فَعَلَتْهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ التي تفعلها المستحاضة فَهِيَ ثَلَاثُ عِبَادَاتٍ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالطَّوَافُ . فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ أَنَّهَا تُصَلِّي فِي آخِرِ كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ صَلَاةً وَاحِدَةً ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ فِيهِ طَاهِرًا ، وَلَا يَلْزَمُهَا إِعَادَتُهَا : لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ أَدَّتْهَا فِي وَقْتِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يَلْزَمْهَا قَضَاؤُهَا ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : عَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عِنْدَ غُسْلِ الْمَغْرِبِ ، وَتُعِيدُ الْمَغْرِبَ وَعِشَاءَ الْآخِرَةِ عِنْدَ غُسْلِ الصُّبْحِ ، قَالَ : لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْقَطِعَ دَمُهَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِرَكْعَةٍ فَتَجِبُ عَلَيْهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلَا يُجْزِئُهَا صَلَاتُهَا مِنْ قَبْلُ ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ فَيَلْزَمُهَا الْمَغْرِبُ وَعِشَاءُ الْآخِرَةِ ، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ عِنْدِي مَدْخُولٌ : لِأَنَّهَا بِالشَّكِّ فِي الْحَيْضِ مُلْتَزِمَةٌ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ مَأْخُوذَةٌ بِأَدَائِهَا عَلَى الْيَقِينِ : لِأَنَّ الْفَرْضَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ فِي الْأَدَاءِ ، وَهِيَ إِذَا صَلَّتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ] جَازَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ فِي أَوَّلِهِ وَإِذَا صَلَّتْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ فِيهِ فَلَمْ يَنْتَقِضْ فِعْلُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ وَقْتِهَا ، إِنَّهَا مُؤَدِّيَةٌ لَهَا بِيَقِينٍ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتْرُكُ تَنْزِيلَيْنِ هُمَا أَغْلَظُ أَحْوَالِهَا فِي الْتِزَامِ فَرْضِ الْوَقْتِ ، وَصِفَةُ أَدَائِهَا أَحَدَ التَّنْزِيلَيْنِ أَنْ يَسْتَدِيمَ الطُّهْرُ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِمْكَانِ أَدَائِهَا ثُمَّ تَحِيضُ فِي بَاقِيهِ فَتَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ : لِأَنَّهُ آخِرُ طُهْرِهَا . وَالتَّنْزِيلُ الثَّانِي : أَنْ يَسْتَدِيمَ الْحَيْضُ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ تَطْهُرُ فِي بَاقِيهِ فَتَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِالْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طُهْرِهَا . فَحَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ التَّنْزِيلَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا إِذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ثُمَّ تُصَلِّيَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ صَلَاةً ثَانِيَةً بِالْغُسْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ طُهْرِهَا

فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ صَلَّتْ فِي أَوَّلِهِ بِالْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ : لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ثُمَّ أَعَادَتِ الصَّلَاةَ بِالْغُسْلِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ مَا يَلْزَمُهَا بِهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ تُعِيدُ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْغُسْلِ لِجَوَازِ أَنْ تَبْتَدِيَ بِالطُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَلْزَمُهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، فَإِنْ قَدَّمَتِ الْعَصْرَ الثَّانِيَةَ عَلَى الظُّهْرِ الثَّالِثَةِ كَانَ غُسْلُ الْعَصْرِ لَهُمَا وَتَوَضَّأَتْ لِلظُّهْرِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ ، وَإِنْ قَدَّمَتْ ثَالِثَةَ الظُّهْرِ عَلَى ثَانِيَةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ الْغُسْلَ لَهُمَا وَتَوَضَّأَتْ لِلْعَصْرِ ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ صَلَّتِ الْمَغْرِبَ بِالْغُسْلِ صَلَاةً وَاحِدَةً : لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ عِشَاءِ الْآخِرَةِ صَلَّتْهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا وَأَعَادَتْ مَعَهَا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ بِغُسْلِهَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، لِجَوَازِ أَنْ تَبْتَدِئَ بِالطُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ عِشَاءِ الْآخِرِ فَيَلْزَمُهَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَعِشَاءُ الْآخِرِ ، وَتَتَوَضَّأُ لِلْآخِرَةِ مِنْهُمَا ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّتِ الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ، ثُمَّ أَعَادَتْ فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ طُهْرِهَا فَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلظُّهْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهِيَ أَغْلَظُ صَلَاتِهَا حُكْمًا عَلَيْهَا مَرَّةً فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ ، وَثَانِيَةً فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ ، وَثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْغُسْلِ الْوَاحِدِ لَهَا فِي الْعَصْرِ ، وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْعَصْرِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ ، وَثَانِيَةً فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْمَغْرِبِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ ، وَثَانِيَةً فِي آخِرِ وَقْتِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالْغُسْلِ لَهَا ، وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْوُضُوءِ وَثَانِيَةً بِالْغُسْلِ ثُمَّ كَذَلِكَ الصُّبْحُ فَتَصِيرُ مُؤَدِّيَةً لِفَرْضِ الْخَمْسِ يَقِينًا . فَصْلٌ : وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِذَا أَهَّلَ شَهْرُ رَمَضَانَ صَامَتْ جَمِيعَهُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا : فَإِذَا صَامَتْهُ اعْتَدَّتْ مِنْهُ بِصِيَامِ نِصْفِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَأَعَادَتْ صَوْمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي شَهْرٍ آخَرَ : لِأَنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ فِي نِصْفِ شَهْرِهَا حَائِضًا وَفِي نِصْفِهِ طَاهِرًا فَكَذَلِكَ اعْتَدَّتْ مِنْ فَرْضِهَا بِصَوْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ [ أَقَلُّ طُهْرِهَا فِيهِ ، وَأَعَادَتْ صَوْمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ ] أَكْثَرُ حَيْضِهَا فِيهِ وَلَيْسَ يَتَعَيَّنُ لَهَا مَا تَعْتَدُّ بِصَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ : لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَّلِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَسَطِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِهِ ، وَلَا يَكُونُ جَهْلُهَا بِتَعْيِينِهِ مُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ الِاحْتِسَابِ بِهِ ، فَهَذَا مَا أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا مِنِ احْتِسَابِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْهُ . قُلْتُ أَنَا : وَهَذَا الْإِطْلَاقُ عِنْدِي لَيْسَ بِصَحِيحٍ : لِأَنَّ لَهَا حَالَيْنِ حَالٌ يُعْلَمُ أَنَّ حَيْضَهَا قَدْ كَانَ يَبْتَدِئُ بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الِاحْتِسَابِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ الْكَامِلِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ ، وَحَالٌ يُجْهَلُ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَبْتَدِئُ فِيهِ حَيْضُهَا وَلَا

يُعْلَمُ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذِهِ لَا تُحْتَسَبُ مِنْ صَوْمِ شَهْرِهَا الْكَامِلِ إِلَّا بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا : لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهَا الْحَيْضُ فِي تَضَاعِيفِ الْيَوْمِ مَنْ نِصْفِهِ ، وَيَسْتَدِيمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَكُونُ آخِرُهُ نِصْفُ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَبْطُلُ صَوْمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْحَيْضِ فِيهِ ، وَصَوْمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَعْدَهُ كَامِلَةً ، وَصَوْمُ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ بَاطِلٌ : لِوُرُودِ الْحَيْضِ فِيهِ ، وَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ مَا سِوَاهُ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِنْ كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا ، وَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى مَا وَصَفْنَا ، فَإِذَا صَامَتْ شَهْرًا لِلْقَضَاءِ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ كَامِلًا احْتُسِبَ مِنْهُ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَبَقِيَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَتَقْضِيهِمَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا احْتَسَبَتْ مِنْهُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَبَقِيَ عَلَيْهَا قَضَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَأَمَّا صِيَامُ الْأَيَّامِ الْمُفْرَدَةِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ . قَالَ أَصْحَابُنَا صَامَتْ يَوْمًا وَاحِدًا وَأَمْسَكَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا ثَانِيًا ، لِيَكُونَ أَحَدُ الْيَوْمَيْنِ مُصَادِفٌ الطُّهْرَ بِيَقِينٍ : لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَائِضًا ، فَأَسْوَأُ أَحْوَالِهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَوَّلَ حَيْضِهَا ، وَتَسْتَدِيمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَكُونُ الْيَوْمُ الْآخِرُ الَّذِي صَامَتْهُ بَعْدَ إِمْسَاكِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا بِيَقِينٍ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرًا فَقَدْ أَجْزَأَهَا صَوْمُهُ ، وَلَا يَضُرُّهَا صَوْمُ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَإِنْ صَادَفَ حَيْضًا قَالُوا : فَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ صَامَتْهُمَا ثُمَّ أَمْسَكَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ عَدَدٌ يُكْمِلُ مَعَ أَيَّامِ الصَّوْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ تَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ لِيَكُونَ أَحَدَ الطَّوَافَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمِنَ التَّعْلِيلِ مُصَادِفًا لِطُهْرٍ بِيَقِينٍ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [ ثُمَّ أَمْسَكَتْ عَنِ الصِّيَامِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ] صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهَا فَيَكُونُ أَحَدَ الطَّوَافَيْنِ مُصَادِفًا لِطُهْرٍ بِيَقِينٍ ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَامَتْهَا ، وَأَمْسَكَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ صَامَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ صَامَتْهَا ، وَأَمْسَكَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ صَامَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَأَمْسَكَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ صَامَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَهَكَذَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ مِنَ الْأَيَّامِ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ تُصُومُهَا ، وَتُمْسِكُ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْأَيَّامِ مَا يَسْتَكْمِلُ مَعَهَا تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ تُعِيدُ صِيَامَ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَبْتَدِئُ بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَعْلَمْ ذَاكَ مِنْ حَالِهَا وَجَوَّزَتْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُجْزِئُهَا فِي الْقَضَاءِ مَا وَصَفُوهُ : لِأَنَّهَا إِذَا صَامَتْ لِقَضَاءِ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا جَازَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي صَامَتْهُ ، وَآخِرُهُ نِصْفَ الْيَوْمِ [ الْأَخِيرِ ] الَّذِي صَامَتْهُ تَكْمِلَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا : فَلَا يُجْزِئُهَا صَوْمُ وَاحِدٍ مِنَ الْيَوْمَيْنِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ مَوْجُودًا فِيهِمَا ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ الَّذِي يَسْلَمُ بِهِ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، وَيُؤَدِّي فَرْضَ صَوْمِهَا بِيَقِينٍ أَنْ تَزِيدَ فِي صَوْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ عَلَى

الْعَدَدِ الَّذِي يَزِيدُ قَضَاؤُهُ مِنَ الْأَيَّامِ صَوْمَ يَوْمٍ وَاحِدٍ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ الْعَدَدِ لِتَجْرِيَةِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الِاحْتِمَالِ ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ صَامَتْ يَوْمَيْنِ ، وَأَمْسَكَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ صَامَتْ يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَيَصِحُّ لَهَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ وَاحِدٌ بِيَقِينٍ : لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَيْضُهَا فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الصِّيَامِ الْأَوَّلِ ، كَانَ آخِرُهُ نِصْفَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الصِّيَامِ الْآخَرِ أَجْزَأَهَا صَوْمُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي : لِمُصَادَفَتِهِ طُهْرًا أَوْ إِنْ كَانَ أَوَّلُ حَيْضِهَا نِصْفَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الصِّيَامِ الْأَوَّلِ ، كَانَ آخِرُهُ نِصْفَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الصِّيَامِ الثَّانِي ، فَسَلِمَ لَهَا نِصْفُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ : لِمُصَادَفَتِهِ طُهْرًا ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأَمْسَكَتِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ حَيْضِهَا نِصْفَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الصِّيَامِ فَآخِرُهُ نِصْفُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الصِّيَامِ الْآخَرِ فَأَجْزَأَهَا الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ حَيْضِهَا نِصْفَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الصِّيَامِ الْأَوَّلِ فَآخِرُهُ نِصْفُ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ الصِّيَامِ الْأَخِيرِ فَأَجْزَأَهَا صَوْمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، لِتَقَدُّمِهُ عَلَى الْحَيْضِ وَصَوْمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الصِّيَامِ الْأَوَّلِ : لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْحَيْضِ ، وَصَوْمُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الصِّيَامِ الْأَخِيرِ لِتَأَخُّرِهِ عَنِ الْحَيْضِ ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ حَيْضِهَا نِصْفَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الصِّيَامِ الْأَوَّلِ فَآخِرُهُ نِصْفُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الصِّيَامِ الْأَخِيرِ ، فَأَجْزَأَهَا صَوْمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنَ الصِّيَامِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَامَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ [ وَأَمْسَكَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ] لِيَسْلَمَ لَهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَامَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ، وَأَمْسَكَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ صَامَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ، فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ صَامَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ ، وَأَمْسَكَتْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ صَامَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ ، فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي صَوْمِ مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ بِأَنْ تَصُومَهُ مَعَ يَوْمٍ زَائِدٍ ثُمَّ تُمْسِكُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تُعِيدُ صَوْمَ تِلْكَ الْأَيَّامِ مَعَ الْيَوْمِ الزَّائِدِ فَيَسْلَمُ لَهَا صَوْمُ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . فَصْلٌ : فَأَمَّا الطَّوَافُ إِذَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَأَرَادَتْ فَعَلَيْهَا أَنْ تَطُوفَ ثُمَّ تُمْسِكَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ أَوَّلِ سَاعَةٍ بَدَأَتْ فِيهَا بِالطَّوَافِ ثُمَّ تَطُوفُ عُقَيْبَ ذَلِكَ طَوَافًا ثَانِيًا فَيَصِحُّ لَهَا أَحَدُ الطَّوَافَيْنِ . مِثَالٌ : أَنْ تَكُونَ قَدْ بَدَأَتْ بِالطَّوَافِ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَتُمْسِكُ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ ثُمَّ تَطُوفُ ثَانِيَةً عُقَيْبَ الزَّوَالِ سَوَاءً عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَبْتَدِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِخِلَافِ الصِّيَامِ : لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ فِي بَعْضِهِ لَا يَصِحُّ ، وَالطَّوَافُ فِي يَوْمٍ قَدْ كَانَتْ حَائِضًا فِي بَعْضِهِ يَصِحُّ ، فَإِذَا فَعَلَتْ مَا وَصَفْنَا كَانَ أَحَدُ الطَّوَافَيْنِ مُصَادِفًا لِطُهْرٍ بِيَقِينٍ ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي أَوَّلِ حَيْضِهَا كَانَ الثَّانِي فِي أَوَّلِ طُهْرِهَا وَإِنْ كَانَ

الْأَوَّلُ فِي وَسَطِ الْحَيْضِ كَانَ الثَّانِي فِي وَسَطِ الطُّهْرِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي الطُّهْرِ فَهُوَ الْمُجْزِئُ ، وَلَا تَضُرُّ مُصَادَفَةُ الثَّانِي لِلْحَيْضِ ، فَأَمَّا إِنْ أَرَادَتْ طَوَافًا غَيْرَ وَاجِبٍ ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَبْتَدِئَ بِهِ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الْإِشْكَالِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَطَوَّعَ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مَسْنُونًا لَهُ سَبَبٌ رَاتِبٌ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَلْزَمَهُ فِي تَرْكِهِ جُبْرَانُ دَمٍ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، فَلَهَا أَنْ تَطُوفَهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلَا تُمْنَعَ مِنْهُ ، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهَا مِنْ دَمِ الْجُبْرَانِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَلْزَمَ فِي تَرْكِهِ دَمٌ ، كَطَوَافِ الْقُدُومِ فَهَلْ تُمْنَعُ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْمَسْنُونَاتِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمُوَظَّفَاتِ هَذَا حُكْمُ النَّاسِيَةِ لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَوَقْتِهِ حَتَّى خَرَجَ بِنَاءُ الِاسْتِيفَاءِ إِلَى الْإِطَالَةِ الَّتِي أَنَا لَهَا كَارِهٌ لَكِنْ مَا اقْتَضَتْ إِبَانَةُ الْمَشْرُوحِ كَانَ إِغْفَالُهُ تَقْصِيرًا وَتَرْكُهُ عَجْزًا .

فَصْلٌ : فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ النَّاسِيَةِ وَهِيَ النَّاسِيَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا الذَّاكِرَةُ لِوَقْتِهِ أحكامها ، وَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ أَعْلَمُ أَنَّ لِي مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً لَكِنِّي نَاسِيَةٌ لِقَدْرِهَا فَلَا أَعْلَمُ أَيَوْمٌ هِيَ أَمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهَذِهِ فِي حُكْمِ الْمُبْتَدَأَةِ فِي أَنْ تَحِيضَ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً ، وَفِي قَدْرِ مَا تُرَدُّ إِلَيْهِ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ : أَحَدُهَا : تُرَدُّ إِلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ . وَالثَّانِي : تُرَدُّ إِلَى وَسَطِهِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ ، وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُرَدُّ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ : لِأَنَّ مَا تَجَاوَزَهَا مُخْتَصٌ بِالْإِشْكَالِ دُونَ مَا حَلَّ فِيهَا ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ " تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا " وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عَادَتُهَا مُعْتَبَرَةً عِنْدَ وُجُودِهَا اقْتَضَى أَنْ تَكُونَ عَادَةُ غَيْرِهَا مُعْتَبَرَةً عِنْدَ عَدَمِهَا ، اسْتِدْلَالًا بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِفَرْضِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ إِمَّا اعْتِبَارُ الْيَقِينِ ، وَذَلِكَ أَقَلُّ الْحَيْضِ ، وَإِمَّا اعْتِبَارُ الْغَالِبِ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فَأَمَّا اعْتِبَارُ أَكْثَرِهِ فَخَارِجٌ عَنِ الِاحْتِيَاطِ : لِفَرْضِ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَكُونُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي رُدَّتْ إِلَيْهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ ، وَمَا بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : طُهْرٌ بِيَقِينٍ . وَالثَّانِي : مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا ، فيِهِ وَجْهًا وَاحِدًا : لِقُرْبِ زَمَانِهِ ، وَهَلْ يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ مِنَ الْمَسْنُونَاتِ مَعَهَا ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ ، فَلَوْ قَالَتْ أَعْلَمُ أَنَّ لِي فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ حَيْضٍ ، وَأَشُكُّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا ، فَهَذِهِ أَيْضًا عَلَى

قَوْلَيْنِ إِنِ اعْتَبَرْنَا الْيَقِينَ فِي رَدِّ هَذِهِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْغَالِبَ تِلْكَ رَدَدْنَاهَا إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَتَيَقَّنُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ ، وَأَشُكُّ فِي الزِّيَادَةِ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ تُرَدُّ إِلَى خَمْسٍ اعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ ، وَالثَّانِي تُرَدُّ إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَتْ أَتَيَقَّنُ سَبْعًا مِنْ أَوَّلِهِ ، وَأَشُكُّ فِي الزِّيَادَةِ رُدَّتْ إِلَى السَّبْعِ عَلَى الْيَقِينِ ، فَإِذَا أَهَلَّ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَحَالُهَا مَا وَصَفْنَا تَرَكَتْ مِنْ أَوَّلِهِ صِيَامَ الْقَدْرِ الَّذِي رُدَّتْ إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَمِنَ الثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ ، وَصَامَتْ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ، وَاحْتَسَبَتْ مِنْهُ بِمَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَهُوَ النِّصْفُ الثَّانِي مِنْهُ : لِأَنَّهَا فِيهِ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَهَلْ تُحْتَسَبُ بِمَا بَيْنَ الْقَدْرِ الَّذِي رُدَّتْ إِلَيْهِ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ ، وَهِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى قَوْلَيْنِ إِنْ قِيلَ إِنَّهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ، احْتَسَبَتْ وَأَعَادَتْ صِيَامَ الْأَيَّامِ الَّتِي رُدَّتْ إِلَيْهَا لَا غَيْرَ ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، أَعَادَتْ صِيَامَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كُلِّهَا ، وَهُوَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَقَضَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ وَأَجْزَأَهَا : لِأَنَّهَا فِيهِ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ . فَرْعٌ : وَلَوْ قَالَتْ : أَعْلَمُ أَنَّ لِي مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً ، وَهِيَ إِمَّا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْهُ ، وَأَنَا نَاسِيَةٌ لِقَدْرِهَا أحكامها في الطهر ، وَفِي أَيِّ الزَّمَانَيْنِ هِيَ مِنَ الشَّهْرِ ، فَهَذِهِ لَهَا طُهْرٌ ، وَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ لِأَنَّكَ تُنْزِلُهَا تَنْزِيلَيْنِ ، فَتَجْعَلُ فِي أَحَدِ التَّنْزِيلَيْنِ حَيْضَهَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتَحِيضُهَا مِنْ أَوَّلِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَتُصَلِّي هَذَا الْقَدْرَ بِالْوُضُوءِ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ تَقَضِّيهِ وَهِيَ فِيمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ طَاهِرٌ إِمَّا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، أَوْ طُهْرُ شَكٍّ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَهَذَا أَحَدُ التَّنْزِيلَيْنِ . وَالتَّنْزِيلُ الثَّانِي : أَنْ تَجْعَلَ حَيْضَهَا أَوَّلَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ فَتَحِيضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ السَّادِسَ عَشَرَ وَحْدَهُ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَهِيَ مِنَ السَّادِسِ عَشَرَ إِلَى [ الثَّالِثِ ] وَالْعِشْرِينَ ، فَتُصَلِّي فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالْوُضُوءِ : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ مُتَيَقَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا مَضَى هَذَا الْقَدْرُ اغْتَسَلَتْ فِي آخِرِهِ وَهِيَ بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ طَاهِرًا مَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ طُهْرُ شَكٍّ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي . فَرْعٌ : وَلَوْ قَالَتْ أَعْلَمُ أَنَّ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً لَا أَعْلَمُ قَدْرَهَا وَلَا مَوْضِعَهَا مِنَ الشَّهْرِ هَلْ هِيَ أَوَّلُهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ أحكامها في الطهر : فَهَذِهِ لَيْسَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ ، وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ ، وَحُكْمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ قَدْرَ مَا تُرَدُّ إِلَيْهِ فَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَسِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي ثُمَّ تَغْتَسِلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ ، وَالْكَلَامُ مِمَّا تَحْتَسِبُ بِهِ مِنْ صِيَامِ شَهْرِهَا عَلَى مَا مَضَى فَهَذَا حُكْمُ النَّاسِيَةِ لِقَدْرِ حَيْضِهَا الذَّاكِرَةِ لِوَقْتِهِ .

فَصْلٌ : فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ النَّاسِيَةِ ، وَهِيَ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ حَيْضِهَا الذَّاكِرَةُ لِقَدْرِهِ أحكامها في الطهر ، وَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ أَنَا نَاسِيَةٌ لِزَمَانِهِ ، فَهَذِهِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَنْسَى شُهُورَهَا وَمَوْقِعَ الْحَيْضِ مِنْهَا ، مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حِيضَتِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَنَا نَاسِيَةٌ هَلْ هِيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شُهُورٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَنَاسِيَةٌ هَلْ هِيَ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ : فَهَذَا فِي حُكْمِ النَّاسِيَةِ لِلْأَمْرَيْنِ الْمُسَمَّاةُ الْمُتَحَيِّرَةُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ تَحِيضُ بِالصِّيَامِ ، وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا صَامَتْ شَهْرَ رَمَضَانَ احْتُسِبَ بِهِ إِلَّا قَدْرَ أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّتِي عَلِمَتْهَا ، وَهِيَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَقْضِيهَا فِي عِشْرِينَ يَوْمًا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ قَضَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ يَوْمٌ مِنَ الْعَشَرَةِ مُبَعَّضًا مِنْ يَوْمَيْنِ فَيَبْطُلُ بِالْعَشَرَةِ صِيَامُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَتَقْضِيهَا فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا هِيَ ضِعْفُهَا ، وَزِيَادَةُ يَوْمٍ لِجُبْرَانِ التَّبْعِيضِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا تِسْعَةُ أَيَّامٍ إِنْ عَلِمَتْ تَقَدُّمَ حَيْضِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ لِيَكُونَ الْيَوْمُ الزَّائِدُ فِي الْإِمْسَاكِ جُبْرَانًا لِلتَّبْعِيضِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ [ وَأَمْسَكَتْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ وَصَامَتْ ] آخَرِينَ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَامَتْهَا وَأَمْسَكَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا يَوْمًا لِجُبْرَانِ التَّبْعِيضِ ، وَتَصُومُ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْأَيَّامِ ثُمَّ تُسْقِطُهَا مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا مَعَ الْيَوْمِ الزَّائِدِ ، وَتَنْظُرُ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ هُوَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي تُمْسِكُهَا ، ثُمَّ تُعِيدُ صِيَامَ تِلْكَ الْأَيَّامِ بَعْدَهَا وَتَكُونُ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ : لِأَنَّ حَيْضَ هَذِهِ أَقَلُّ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا - مُخَالَفَتُهَا فِي الْحُكْمِ . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَذْكُرَ شُهُورَهَا ، وَتَنْسَى مَوْضِعَ الْحَيْضِ مِنْهَا أحكامها في الطهر مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَأَنَا نَاسِيَةٌ لِمَوْضِعِ الْحَيْضِ مِنْهَا فَهَذِهِ فِي حُكْمِ الَّتِي قَبْلَهَا إِلَّا فِي الطَّهَارَةِ وَحْدَهَا ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ تَتَوَضَّأُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِعَدَمِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِيهِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَ تَقَضِّي الْعَشَرَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ : لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا أَنْ تَعْلَمَ وَقْتَ غُسْلِهَا مِنَ الْيَوْمِ ، فَتَغْتَسِلُ فِي مَثْلِهِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ ، ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا يَكُونُ الْجَوَابُ فِيمَا زَادَ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا ، أَوْ نَقَصَ فِي الْفَصْلَيْنِ مَعًا . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَنْسَى شُهُورَهَا وَتَذْكُرَ مَوْضِعَ الْحَيْضِ مِنْهَا مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَنَا نَاسِيَةٌ هَلْ هِيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شُهُورٍ ، فَهَذِهِ تَغْتَسِلُ عِنْدَ تَقَضِّي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشَّهْرِ وَتَحْتَسِبُ بِالشَّهْرِ

مِنْ صَوْمِهَا إِلَّا قَدْرَ الْعَشَرَةِ الَّتِي بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ، وَتَقْضِيهَا فِيمَا بَعْدَ الْعَشْرِ ، وَيُجْزِئُهَا : لِأَنَّهَا عَلَى يَقِينٍ مِنِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا بَعْدَ تَقَضِّي الْعَشْرِ ، فَلَا يَلْزَمُهَا إِلَّا غُسْلٌ وَاحِدٌ . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ تَذْكُرَ شُهُورَهَا ، وَأَنَّ الْحَيْضَ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِ أَعْشَارِ الشَّهْرِ ، وَتَنْسَى يَقِينَ ذَلِكَ الْعَشْرِ . مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ أَحَدُ أَعْشَارِهِ بِكَمَالِهِ ، وَأَنَا نَاسِيَةٌ أَيَّ الْأَعْشَارِ هِيَ ، إِمَّا الْأَوَّلَ بِكَمَالِهِ أَوِ الثَّانِيَ بِكَمَالِهِ أَوِ الثَّالِثَ بِكَمَالِهِ ، فَهَذِهِ تُصَلِّي الْعَشْرَ الْأَوَّلَ بِالْوُضُوءِ ، وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهِ ، وَتُصَلِّي الْعَشْرَ الثَّالِثَ بِالْوُضُوءِ ، وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهِ : لِأَنَّ تَقَضِّيَ حَيْضِهَا مُجَوَّزٌ فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ فَلَزِمَهَا ثَلَاثَةُ اغْتِسَالَاتٍ ، فَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي أَحَدُ أَخْمَاسِ الشَّهْرِ بِكَمَالِهِ ، وَأَنَا نَاسِيَةٌ لَهُ ، لَزِمَهَا سِتَّةُ اغْتِسَالَاتٍ ، الْغُسْلُ الْأَوَّلُ فِي آخِرِ الْخَامِسِ وَالْغُسْلُ الثَّانِي فِي آخِرِ الْعَاشِرِ ، وَالْغُسْلُ الثَّالِثُ فِي آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ ، وَالْغُسْلُ الرَّابِعُ فِي آخِرِ الْعِشْرِينَ ، وَالْغُسْلُ الْخَامِسُ فِي آخِرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ ، وَالْغُسْلُ السَّادِسُ فِي الثَّلَاثِينَ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَكُونُ الْجَوَابُ فِيمَا زَادَ وَنَقَصَ . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ تَذْكُرَ حَيْضَهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ وَتَنْسَى حَالَهَا فِيمَا سِوَاهُ . وَمِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَنَا نَاسِيَةٌ لَهَا لَكِنِّي أَذْكُرُ أَنَّنِي كُنْتُ حَائِضًا فِي الْعَاشِرِ مِنْهُ فَالْأَصْلُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ حَالُ هَذِهِ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا أَنْ تَجْعَلَ الْعَاشِرَ تَارَةً فِي آخِرِ حَيْضِهَا ، وَتَنْظُرَ أَيْنَ أَوَّلُهُ تَارَةً أَوَّلَ حَيْضِهَا وَتَنْظُرَ أَيْنَ آخِرُهُ ، وَتَجْعَلَ مَا قَبْلَ أَوَّلِهِ طُهْرًا وَمَا بَعْدَ آخِرِهِ طُهْرًا ، وَمَا بَيْنَهُمَا شَكٌّ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ يَوْمَ الْحَيْضِ تُصَلِّيهِ بِالْوُضُوءِ ، وَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُ تُصَلِّيهِ بِالْغُسْلِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فِي شَكٍّ إِلَى آخِرِ التَّاسِعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَاشِرُ آخِرَ حَيْضِهَا ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِي الْعَاشِرِ ، لِيَقِينِ الْحَيْضِ فِيهِ ، وَهِيَ مِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى التَّاسِعَ عَشَرَ فِي شَكٍّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَاشِرُ أَوَّلَ حَيْضِهَا لَكِنْ تُصَلِّي [ بِالْغُسْلِ صَلَاةً لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِيهِ ] ثُمَّ هِيَ فِي آخِرِ شَهْرِهَا طَاهِرٌ بِيَقِينٍ ، فَلَوْ قَالَتْ : وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي يَوْمِ الْعِشْرِينَ حَائِضًا فَهِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى الْعَاشِرِ مِنْهُ طَاهِرًا لِقُصُورِ الْحَيْضِ عَنْ الِابْتِدَاءِ فِيهِ ، وَمِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى التَّاسِعَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ : لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِي الْعِشْرِينَ لِيَقِينِ الْحَيْضِ فِيهِ ، وَهِيَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إِلَى التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لِجَوَازِ انْتِهَاءِ الْحَيْضِ فِيهِ إِنْ كَانَ يَوْمُ الْعِشْرِينَ أَوَّلَهُ ، وَتُصَلِّي بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِيهِ ، وَهِيَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ : لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ ، فَلَوْ قَالَتْ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ حَائِضًا

فَهِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى الْخَامِسِ مِنْهُ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ لِقُصُورِ الْحَيْضِ عَنِ الِابْتِدَاءِ فِيهِ ، وَمِنَ السَّادِسِ إِلَى الرَّابِعَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ فِيهِ ، وَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ : لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ لِيَقِينِ حَيْضِهَا ، وَهِيَ مِنَ السَّادِسِ عَشَرَ إِلَى آخِرِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ ، فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لِجَوَازِ انْتِهَاءِ الْحَيْضِ إِلَيْهِ ، وَتُصَلِّي بِالْغُسْلِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِهِ فِيهِ ، وَهِيَ مِنَ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ ، وَلَوْ قَالَتْ : - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ حَائِضًا فَهَذِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الرَّابِعِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَهِيَ مِنَ الْخَامِسِ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ فِي حَيْضٍ بِيَقِينٍ : لِأَنَّهَا أَيَّامٌ لَا تَنْفَكُّ فِي التَّنْزِيلَيْنِ مَعًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا ، وَهِيَ مِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى آخِرِ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِيهِ ثُمَّ هِيَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ : لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَتْ : - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ حَائِضًا بِيَقِينٍ ، فَهِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ : لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْهُ ، وَمِنَ السَّادِسَ عَشَرَ إِلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَهِيَ مِنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إِلَى الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فِي حَيْضٍ بِيَقِينٍ : لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ فِي التَّنْزِيلَيْنِ مَعًا أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ثُمَّ هِيَ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، وَتُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِيهِ ، فَلَوْ قَالَتْ : - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي الثَّانِي عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَائِضًا فَهَذِهِ تَنْزِيلُهَا عَلَى حَالَيْنِ فَتَجْعَلُ فِي إِحْدَى الْحَالَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ أَوَّلَ حَيْضِهَا ، وَتَنْظُرُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ ، وَفِي الْحَالِ الْأُخْرَى الثَّامِنَ عَشَرَ آخِرُ حَيْضِهَا ، وَتَنْظُرُ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُ ثُمَّ تَجْعَلُ مَا قَبْلَ الِابْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ طُهْرًا وَمَا قَبْلَ الْأَوَّلِ شَكًّا بِالْوُضُوءِ وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي حَيْضًا ، وَمَا بَعْدَ الثَّانِي إِلَى الِانْتِهَاءِ شَكًّا بِالْغُسْلِ فَعَلَى هَذَا هِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الثَّامِنِ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهِيَ مِنَ التَّاسِعِ إِلَى آخِرِ الْحَادِي عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَمِنَ الثَّانِي عَشَرَ إِلَى الثَّامِنَ عَشَرَ فِي حَيْضٍ بِيَقِينٍ ، وَمِنَ التَّاسِعِ عَشَرَ إِلَى الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ، فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، وَمِنَ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ . فَصْلٌ : الْقِسْمُ السَّادِسُ : أَنْ تَذْكُرَ طُهْرَهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ ، وَتَنْسَى حَالَهَا فِيمَا سِوَاهُ . مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَنَا نَاسِيَةٌ لَهَا ، لَكِنِّي كُنْتُ فِي الْعَاشِرِ مِنْهُ طَاهِرًا . فَالْأَصْلُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ ، أَنْ نَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ آخِرُ طَرَفَيِ الطُّهْرِ يَقْصُرُ عَنْ عَدَدِ أَيَّامِ الْحَيْضِ كَانَ جَمِيعُهُ طُهْرًا ، وَنَزَلَتْ حَيْضَهَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ تَنْزِيلَيْنِ ، وَاعْتَبَرَتْ حُكْمَهُ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ يَتَّسِعُ لِعَدَدِ أَيَّامِ الْحَيْضِ نَزَّلَتْ كُلَّ طَرَفٍ تَنْزِيلَيْنِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا طَاهِرٌ مِنْ

أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ : لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْعَاشِرِ أَقَلُّ عَدَدًا مِنْ عَشْرِ الْحَيْضِ ، فَكَانَ طُهْرًا ثُمَّ هِيَ مِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي [ بِالْوُضُوءِ وَمِنَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي ] بِالْغُسْلِ فَلَوْ قَالَتْ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ طَاهِرًا كَانَتْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَمِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى التَّاسِعَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، وَهِيَ طَاهِرٌ فِيمَا تَيَقَّنَتْهُ مِنَ الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ ، ثُمَّ هِيَ مِنَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ : لِأَنَّهُ قَدْ يَتَّسِعُ هَذَا الْعَدَدُ أَيَّامَ الْحَيْضِ الْعَشَرَةَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ ، فَلَوْ قَالَتْ : - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ طَاهِرًا فَهَذِهِ تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ بِالْوُضُوءِ ، وَمِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى آخِرِ الرَّابِعَ عَشَرَ بِالْغُسْلِ ، وَهِيَ فِيمَا تَيَقَّنَتْهُ مِنَ الْخَامِسَ عَشَرَ طَاهِرٌ ، وَمِنَ السَّادِسَ عَشَرَ إِلَى آخِرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فِي شَكٍّ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَمِنَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِالْغُسْلِ ، فَلَوْ قَالَتْ : كُنْتُ فِي الثَّامِنِ وَالثَّانِي عَشَرَ طَاهِرًا ، فَهَذِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الثَّانِي عَشَرَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ : لِأَنَّ مَا قَبْلَ الثَّامِنِ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ الْحَيْضِ ، ثُمَّ هِيَ مِنَ الثَّالِثَ عَشَرَ إِلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَهِيَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ، وَالثَّانِي وَالْعِشْرِينَ حَائِضٌ بِيَقِينٍ : لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ فِي التَّنْزِيلَيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَهِيَ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ السَّابِعُ : أَنْ تَذْكُرَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ حَائِضًا ، وَفِي يَوْمٍ مِنْهُ طَاهِرًا وَتَنْسَى حَالَهَا فِيمَا سِوَاهُ . مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ كَانَ حَيْضِي مِنَ الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَا أَعْرِفُهَا لَكِنِّي كُنْتُ فِي الثَّامِنِ حَائِضًا ، وَفِي الثَّامِنَ عَشَرَ طَاهِرًا ، فَهَذِهِ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا : لِأَنَّهَا مِنَ الثَّامِنَ عَشَرَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ ، فَيَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيْضٌ بِيَقِينٍ ، وَتَكُونُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ السَّابِعِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَهِيَ فِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ حَائِضٌ بِيَقِينٍ ، وَمِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى آخِرِ السَّابِعَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، فَلَوْ قَالَتْ : - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كُنْتُ فِي الثَّامِنِ طَاهِرًا ، وَفِي الثَّامِنَ عَشَرَ حَائِضًا ، فَهَذِهِ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا : لِأَنَّ مَا قَبْلَ الثَّامِنِ طُهْرٌ ، وَلَا يَكُونُ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ غَيْرَ الْيَوْمِ الَّذِي عَرَفَتْهُ ، فَتَكُونُ مِنَ التَّاسِعِ إِلَى آخِرِ السَّابِعَ عَشَرَ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ الَّذِي تَيَقَّنَتْ حَيْضَهَا

فِيهِ ، وَهِيَ مِنَ التَّاسِعَ عَشَرَ إِلَى آخِرِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ [ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ ] طَاهِرٌ بِيَقِينٍ ، فَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ ، وَكُنْتُ فِي الرَّابِعِ حَائِضًا ، وَفِي السَّابِعِ طَاهِرًا تَحِيضُ هَذِهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ : لِأَنَّهَا فِي السَّابِعِ وَمَا بَعْدَهُ طَاهِرٌ فَيَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْحَيْضِ الْيَقِينِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ، وَمِنَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ يَوْمَانِ أَوَّلٌ بِالْوُضُوءِ ، وَسَادِسٌ بِالْغُسْلِ : لِأَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا إِنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ كَانَ آخِرُهُ الْخَامِسَ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الثَّانِي آخِرُهُ السَّادِسَ فَكَانَتْ مِنَ الثَّانِي إِلَى آخِرِ الْخَامِسِ حَائِضًا بِيَقِينٍ ، وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مَشْكُوكٌ فِيهِ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَالسَّادِسُ مَشْكُوكٌ فِيهِ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، فَلَوْ قَالَتْ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - : كُنْتُ فِي الثَّالِثِ طَاهِرًا ، وَفِي الثَّامِنِ حَائِضًا فَهَذِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ ، طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَفِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَفِي السَّادِسِ وَالسَّابِعِ وَالثَّامِنِ حَائِضٌ بِيَقِينٍ : لِأَنَّهُ كَانَ الثَّامِنَ الَّذِي عَلِمَتْ حَيْضَهَا فِيهِ آخِرُهُ فَأَوَّلُهُ الرَّابِعُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَاشِرُ آخِرًا فَأَوَّلُهُ السَّادِسُ ، ثُمَّ هِيَ مِنَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ فِي شَكٍّ لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ فَيَكُونُ الْيَقِينُ مِنْ طُهْرِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْيَقِينُ مِنْ حَيْضِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَالشَّكُّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّامِنُ : أَنْ تَذْكُرَ أَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا فِي يَوْمٍ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَتَنْسَى حَالَهَا فِيمَا سِوَاهُ . مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي مِنَ الشَّهْرِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَأَنَّنِي كُنْتُ إِمَّا فِي الْخَامِسِ مِنْهُ حَائِضًا أَوْ مِنَ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذِهِ يَحْصُلُ حَيْضُهَا تَارَةً فِي الْخَامِسِ ، وَتُنَزَّلُ تَنْزِيلَيْنِ ، وَتَارَةً مِنَ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ ، فَتُنَزَّلُ تَنْزِيلَيْنِ فَتَصِيرُ مُنَزَّلَةً أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ فِي شَكٍّ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا الْخَامِسَ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، وَهِيَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ ، لِأَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي التَّنْزِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَلَا تَبْتَدِئُ مِنْهُ فِي التَّنْزِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، ثُمَّ هِيَ مِنَ السَّادِسَ عَشَرَ إِلَى الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فِي شَكٍّ ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ آخِرَ حَيْضِهَا ، وَمِنَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ فِي شَكٍّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الشَّهْرِ آخِرَ حَيْضِهَا ، لَكِنْ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ : لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ فِيهِ يَجُوزُ ، فَلَوْ قَالَتْ : وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كُنْتُ حَائِضًا إِمَّا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ أَوْ فِي الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ فَهَذَا عَلَى الْأَصْلِ الْمُقَدَّرِ تَكُونُ فِي شَكٍّ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ فَإِنَّهَا طَاهِرٌ فِيهِ ، لَكِنْ تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ بِالْوُضُوءِ ، وَمِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى آخِرِ التَّاسِعَ عَشَرَ بِالْغُسْلِ ، وَمِنَ الْعِشْرِينَ إِلَى التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بِالْوُضُوءِ وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهِ . فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ التَّاسِعُ : أَنْ تَذْكُرَ أَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرًا فِي وَاحِدٍ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ ، وَتَنْسَى حَالَهَا فِيمَا سِوَاهُ .

مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حيِضي عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ ، وَأَنَّنِي كُنْتُ إِمَّا فِي الْخَامِسِ مِنْهُ طَاهِرًا ، أَوْ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ ، فَهَذِهِ مِمَّنْ لَمْ يُسْتَفَدْ بِهَذَا الْقَوْلِ لَهَا حُكْمًا ، وَلَمْ تَزِدْ بَيَانًا وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ قَالَتْ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ لَا أَعْرِفُهَا ، فَتُصَلِّي عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهِ بِالْوُضُوءِ ، وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ . فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الْعَاشِرُ : أَنْ لَا تَذْكُرَ حَيْضًا وَلَا طُهْرًا وَتَتَيَقَّنَ أَيَّامَ حَيْضِهَا حُكْمًا : وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ الْحَيْضُ فِيهَا ، فَإِنْ زَادَ الْحَيْضُ عَلَى النِّصْفِ يَوْمًا تَيَقَّنَتْ حَيْضَ يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ كُلَّمَا زَادَ يَوْمٌ زَادَ يَقِينُ حَيْضِهَا يَوْمَانِ . مِثَالُهُ : أَنْ تَقُولَ أَعْلَمُ أَنَّ حَيْضِي سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ لَا أَعْرِفُهَا فَهَذِهِ لَهَا تَنْزِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُجْعَلَ أَوَّلُ حَيْضِهَا أَوَّلَ الْعَشْرِ فَيَكُونُ آخِرُهَا السَّادِسَ . وَالتَّنْزِيلُ الثَّانِي : أَنْ يُجْعَلَ آخِرُ حَيْضِهَا آخِرَ الْعَشْرِ فَيَكُونُ أَوَّلُهُ الْخَامِسَ ، فَيَعْلَمُ أَنَّ الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ حَيْضٌ يَقِينًا وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ قَبْلَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ . وَلَوْ قَالَتْ : كَانَ حَيْضِي فِي سَبْعٍ مِنَ الْعَشْرِ كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنَ الرَّابِعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَشْرِ آخِرُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْعَشْرِ أَوَّلَهُ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَبْلَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ . وَلَوْ قَالَتْ : كَانَ حَيْضِي ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنَ الثَّالِثِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَشْرِ آخِرَهُ إِلَى الثَّامِنِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْعَشْرِ أَوَّلَهُ ، وَلَهَا يَوْمَانِ قَبْلَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ . وَلَوْ قَالَتْ : كَانَ حَيْضِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ ، مِنَ الثَّالِثِ يَوْمُ شَكٍّ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَمِنْ آخِرِهِ يَوْمُ شَكٍّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ . فَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ : لِأَنَّ أَيَّامَ حَيْضِهَا لَا تَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِنَ الْعِشْرِينَ لَا أَعْرِفُهَا كَانَ لَهَا يَوْمَانِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ الْعَاشِرُ وَالْحَادِي عَشَرَ ، وَمَا قَبْلَ الْعَاشِرِ شَكٌّ تُصَلِّي [ بِالْوُضُوءِ ، وَمِنْ بَعْدِ الْحَادِي عَشَرَ شَكٌّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ] . فَلَوْ قَالَتْ : كَانَ حَيْضِي اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مِنَ الْعِشْرِينَ كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنَ التَّاسِعِ إِلَى الثَّانِي عَشَرَ ، وَمَا قَبْلَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ، وَمَا بَعْدَهَا شَكٌّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَيَّامِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ ، فَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنَ الْعِشْرِينَ كَانَ

يَقِينُ حَيْضِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنَ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثَ عَشَرَ وَسَبْعَةٌ مِنْ قَبْلِهَا شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَسَبْعَةٌ بَعْدَهَا شَكٌّ بِالْغُسْلِ [ وَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنَ الْعِشْرِينَ كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّابِعِ إِلَى الرَّابِعَ عَشَرَ ، وَقَبْلَهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَبَعْدَهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ شَكٌّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ ] . فَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنَ الْعِشْرِينَ كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّادِسِ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ قَبْلَهَا شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهَا شَكٌّ بِالْغُسْلِ ، وَالْأَصْلُ الَّذِي يُؤَدِّيكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَأَيَّامِ شَكِّهَا أَنْ تُلْغِيَ عَدَدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَيَّامِ ، وَتَنْظُرَ الْبَاقِيَ مِنْهَا فَتُلْقِيهِ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْهَا هُوَ الْحَيْضُ الْيَقِينُ ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ هِيَ عَدَدُ الشَّكِّ فِي الطَّرَفَيْنِ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَلْقَيْتَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْأَحَدِ وَالْعِشْرِينَ ، فَيَكُونُ الْبَاقِي سِتَّةَ أَيَّامٍ فَتُلْقِي السِّتَّةَ مِنَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ الْبَاقِي مِنْهَا تِسْعَةَ أَيَّامٍ فَتَكُونُ التِّسْعَةُ هِيَ الْحَيْضُ الْيَقِينُ وَالسِّتَّةُ هِيَ شَكٌّ قَبْلَهَا ، وَشَكٌّ بَعْدَهَا فَيَكُونُ أَوَّلُ التِّسْعَةِ مِنَ السَّابِعِ ، وَآخِرُهَا الْخَامِسَ عَشَرَ . فَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ مِنَ الثَّامِنِ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ ، وَقَبْلَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْوُضُوءِ ، وَبَعْدَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْغُسْلِ ، فَيَصِيرُ كُلَّمَا زَادَ عَدَدُ الْأَيَّامِ نَقَصَ مِنْ يَقِينِ حَيْضِهَا يَوْمٌ . فَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا [ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنَ التَّاسِعِ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَقَبْلَهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَبَعْدَهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْغُسْلِ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنَ الْعَاشِرِ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَقَبْلَهَا تِسْعَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَبَعْدَهَا تِسْعَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْغُسْلِ وَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنَ الْحَادِي عَشَرَ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَقَبْلَهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَبَعْدَهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ شَكٌّ بِالْغُسْلِ . وَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا أَرْبَعَةَ أَيامٍ مِنَ الثَّانِي عَشَرَ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَقَبْلَهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَبَعْدَهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا شَكٌّ بِالْغُسْلِ . وَلَوْ قَالَتْ : حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَانَ يَقِينُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الثَّالِثَ عَشَرَ إِلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَقَبْلَهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا شَكٌّ بِالْوُضُوءِ وَبَعْدَهَا إِحْدَى عَشَرَ يَوْمًا شَكٌّ بِالْغُسْلِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110