كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

فَأَمَّا إِنْ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ ، وَكَسْبُهُ مَوْقُوفٌ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَرِقَّ فَفِي مُسْتَحِقِّ كَسْبِهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مُسْتَحِقِّ قِيمَتِهِ ، لَوْ قُتِلَ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ لِأُمِّهِ إِذَا قِيلَ : إِنَّ قِيمَتَهُ لَهَا . وَالثَّانِي : لِسَيِّدِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ قِيمَتَهُ لَهُ .

فَصْلٌ : وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَلَدِ فِي نَفَقَتِهِ أي ولد المكاتبة ، وَلَهُ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُكْتَسِبًا ، فَتَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ ، لِأَنَّ لِلْمُكْتَسِبِ مَا فَضَلَ عَنْهَا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُكْتَسِبٍ ، فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِمُسْتَحِقِّ كَسْبِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الْأُمَّ تَسْتَحِقُّهُ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ قِيلَ : يَكُونُ مَوْقُوفًا ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ ، لِكَوْنِهِ عَلَى مِلْكِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي سَهْمِ الْمَصَالِحِ ، لِأَنَّهُ مِنْهَا ، وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ كَانَتْ مَؤُونَتُهُ وَدَفْنُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .

فَصْلٌ : وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَلَدِ أَنْ يُعْتِقَهُ السَّيِّدُ وَعِتْقُهُ مُعْتَبَرٌ بِأَيِّهِمَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ أي المكاتبة ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ كَسْبَهُ لِلْأُمِّ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ السَّيِّدِ لِمَا فِي عِتْقِهِ مِنْ تَفْوِيتِ كَسْبِهِ عَلَيْهَا . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّ كَسْبَهُ لِلسَّيِّدِ نَفَذَ عِتْقُهُ ، كَعِتْقِ غَيْرِهِ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَإِنْ قِيلَ : كَسْبُهُ مَوْقُوفٌ ، فَفِي نُفُوذِ عِتْقِهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي عَجْزِ الْأُمِّ هَلْ تَسْتَحِقُّ إِتْمَامَ كِتَابَتِهَا بِكَسْبِهِ ؟ فَإِنْ قِيلَ : لَهَا إِتْمَامُ كِتَابَتِهَا بِكَسْبِهِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ السَّيِّدِ ، وَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ نَفَذَ عِتْقُ السَّيِّدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ السَّيِّدُ كَانَتْ كِتَابَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نُفُوذِ عِتْقِهِ ، تَصِحُّ إِنْ جَازَ عِتْقُهُ وَتَبْطُلُ إِنْ رُدَّ عِتْقُهُ ، فَإِذَا صَحَّتْ كِتَابَتُهُ عَتَقَ بِأَسْبَقِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَدَائِهِ وَأَدَاءِ أُمِّهِ ، لِأَنَّهُ إِذَا أُعْتِقَ بِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ أَنْ يَتَحَرَّرَ عِتْقُهُ إِذَا اجْتَمَعَا بِوُجُودِ أَسْبَقِهِمَا ، فَإِنْ سَبَقَ أَدَاؤُهُ عَلَى أَدَاءِ أُمِّهِ عَتَقَ بِأَدَائِهِ عَنْ كِتَابَتِهِ ، وَإِنْ سَبَقَ أَدَاءُ أُمِّهِ عَلَى أَدَائِهِ عَتَقَ بِأَدَاءِ أَمِّهِ تَبَعًا ، وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ بِعِتْقِهِ .

فَصْلٌ : وَالْفَصْلُ الْخَامِسُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ بِنْتًا فَيَطَؤُهَا السَّيِّدُ بنت المكاتبة ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لَاحِقٌ بِهِ ، وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِعُلُوقِهِ حُرًّا ، لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ ، وَقَدْ صَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَهِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا تُعْتَقُ بِأَعْجَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَدَائِهَا أَوْ مَوْتِ سَيِّدِهَا ، وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الْكَسْبِ ، فَيَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : لَا مَهْرَ عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْكَسْبَ لَهُ .

وَالثَّانِي : عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْأُمِّ ، إِذَا قِيلَ : إِنَّ الْكَسْبَ لِلْأُمِّ يُؤَدِّيهِ إِلَيْهَا ، تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا . وَالثَّالِثُ : يُوقَفُ مَهْرُ مِثْلِهَا إِذَا قِيلَ : إِنَّ الْكَسْبَ مَوْقُوفٌ ، فَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّةِ وَقْفِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُوقَفُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنَ السَّيِّدِ . وَالثَّانِي : يُوقَفُ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ ، وَهُوَ عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ هَذَا الْوَلَدِ إِذَا جُعِلَ تَبَعًا لِأُمِّهِ سَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ ، لِقُصُورِ مِلْكِهِ ، وَلِمَصِيرِهِ فِي حُكْمِ أُمِّهِ . فَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَدُ الْبَنَاتِ كَالْبَنَاتِ ، وَوَلَدُ الْبَنِينَ كَالْأُمَّهَاتِ ولد المكاتبة ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، لِأَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ تَبَعٌ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَوَلَدُ الِابْنِ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، فَلِذَلِكَ صَارَ وَلَدُ الْبَنَاتِ كَالْبَنَاتِ ، وَوَلَدُ الْبَنِينَ كَالْأُمَّهَاتِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ ، فَإِنْ وَطِئَهَا طَائِعَةً فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرَانِ ، وَإِنْ أَكْرَهْهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَيُعَزَّرُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ ، لِأَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ خَارِجَةٌ عَنْ تَصَرُّفِهِ ، وَمَالِكَةٌ لِتَصَرُّفِ نَفْسِهَا ، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ ، لِبَقَائِهَا عَلَى تَصَرُّفِ السَّيِّدِ ، فَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا . فَإِنْ وَطِئَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَتَهُ حكمه فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّ بَقَاءَ رِقِّهِ عَلَيْهَا مِنْ أَقْوَى الشُّبَهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُمَا ، سَوَاءٌ عَلِمَا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا ، لَكِنْ إِنْ عَلِمَا بِالتَّحْرِيمِ عُزِّرَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا لَمْ يُعَزَّرَا ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ عُزِّرَ الْعَالِمُ مِنْهُمَا دُونَ الْجَاهِلِ ، وَعَلَيْهِ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ بِالْكِتَابَةِ كَسْبَهَا ، وَالْمَهْرُ كَسْبٌ فَيُقَدِّرُهُ الْحَاكِمُ وَيَتَقَاصَّا بِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا ، وَلَا يَتَقَاصَّا بِهِ إِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ . فَإِنْ أَحْبَلَهَا كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا لَاحِقًا بِهِ ، لِبَقَاءِ رِقِّهِ عَلَيْهَا ، وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِوَلَدِهَا لِحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ عُلُوقِهِ ، لِأَنَّهُ ابْنُ أَمَتِهِ ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي كِتَابَتِهَا ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِأَعْجَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَدَائِهَا أَوْ مَوْتِهِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمُزَنِيُّ ، فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ : إِنْ أَكْرَهْهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَكَانَ دَلِيلُهُ : أَنَّهَا إِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا طاوعت المكاتبة سيدها في الوطء ، فَفَرَّقَ الْمُزَنِيُّ فِي مَهْرِ الْكِتَابَةِ بَيْنَ الْمُكْرَهَةِ وَالْمُطَاوِعَةِ . وَحَكَى الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرَ مِثْلِهَا طَائِعَةً أَوْ كَارِهَةً .

وَإِنَّمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ فِي التَّعْزِيرِ ، فَجَعَلَهُ الْمُزَنِيُّ فَرْقًا بَيْنَهُمَا فِي الْمَهْرِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا خَرَّجَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْمَهْرِ مِنَ الْغِرَّةِ بَيْنَ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ ، فَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ثَانِيًا وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الرَّاهِنِ إِذَا أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ ، أَنَّ الْمَهْرَ عَلَى قَوْلَيْنِ ، لِأَنَّ الطَّائِعَةَ آذِنَةٌ فِي الْإِصَابَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَهْرُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنْ تَخْرِيجِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ ، وَسَوَّوْا فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بَيْنَ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ الطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ أي المكاتبة التي وطئها سيدها ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ ، كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْإِصَابَةِ لِلطَّائِعَةِ وَالْكَارِهَةِ ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْمَهْرِ فِي الْمُطَاوَعَةِ وَالْإِكْرَاهِ فَأَصَابَهَا مِرَارًا أي وطء السيد للمكاتبة نَظَرَ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ غُرْمِ الْمَهْرِ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَثُرَتِ الْإِصَابَةُ لِتَدَاخُلِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ غُرْمِ الْمَهْرِ بِالْإِصَابَةِ الْأَوْلَى فَعَلَيْهِ مَهْرٌ ثَانٍ بِمَا تَجَدَّدَ مِنَ الْإِصَابَةِ بَعْدَ الْغُرْمِ ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ . وَمِثَالُهُ : السَّارِقُ إِذَا تَكَرَّرَتْ مِنْهُ السَّرِقَةُ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَطْعِ السَّرِقَةِ الْأَوْلَى قُطِعَ لِلثَّانِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ لِلْأَوْلَى قُطِعَ قَطْعًا وَاحِدًا لِلْأَوْلَى الثَّانِيَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِهَا فَقَالَتْ : وَلَدْتُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ، وَقَالَ السَّيِّدُ : بَلْ قَبْلُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ مَرْقُوقٌ ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَتِ الْمُكَاتَبَةُ : وَلَدْتُ وَلَدِي هَذَا بَعْدَ كِتَابَتِي ، فَهُوَ تَبَعٌ لِي يُعْتَقُ بِعِتْقِي ، وَقَالَ السَّيِّدُ : بَلْ وَلَدْتِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ، فَهُوَ عَبْدِي ، وَاحْتُمِلَ مَا قَالَاهُ وَعُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ فِيهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَصْلَهُ الرِّقُّ ، فَلَمْ يَزَلْ عَنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ إِنْ حُرِّرَ فِي وَقْتِ الْكِتَابَةِ دُونَ الْوِلَادَةِ ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِهَا ، وَفِي شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهَا فَكَانَ حُكْمُ الْيَقِينِ أَوْلَى مِنْ حُكْمِ الشَّكِّ ، فَإِنْ حَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ كَانَ الْوَلَدُ خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ ، وَهُوَ عَبْدٌ لِسَيِّدِهِ ، لَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ ، وَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْأُمِّ وَصَارَ تَبَعًا لَهَا إِذَا حَلَفَتْ ، وَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ فَفِي رَدِّهَا عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : تُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ تَبَعًا لِأُمِّهِ إِنْ حَلَفَ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا تُرَدُّ لِخُرُوجِهِ مِنَ اخْتِلَافِهِمَا وَبِجَهْلِهِ بِكِتَابَتِهَا ، وَيُحْكَمُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ عِنْدَ نُكُولِ الْأُمِّ وَيَكُونُ عَبْدًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَفِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ ، وَلَكِنْ حُمِلَ اخْتِلَافُهُمَا عَلَى عُمُومِ ظَاهِرِهِ ، لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ مِنْ حُرَّةٍ حُرٌّ ، لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ ، وَوَلَدُهُ مِنْ أَمَةِ السَّيِّدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ ، وَوَلَدُهُ مِنْ أَمَتِهِ مِلْكٌ لَهُ يُعْتَقْ بِعِتْقِهِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِي السَّيِّدِ ، إِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ، ثُمَّ كَاتَبَ الْعَبْدَ وَبَاعَ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ ، فَيَبْطُلُ نِكَاحُهَا بِابْتِيَاعِهِ ، وَيَكُونُ أَوْلَادُهُ قَبْلَ الِابْتِيَاعِ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ ، وَبَعْدَ الِابْتِيَاعِ مِلْكًا لَهُ يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهِ ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْوَلَدِ فَقَالَ السَّيِّدُ : وَلَدَتْهُ قَبْلَ الِابْتِيَاعِ فَهُوَ عَبْدِي ، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ : بَلْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الِابْتِيَاعِ فَهُوَ مِلْكِي ، وَيُعْتَقُ بِعِتْقِي ، وَأُمْكِنَ مَا قَالَا ، فَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ عَلَيْهَا ، وَبَيِّنَةُ الْمُكَاتَبِ شَاهِدَانِ لَا غَيْرَ : لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ لِإِثْبَاتِ عِتْقٍ ، وَبَيِّنَةُ السَّيِّدِ شَاهِدَانِ وَامْرَأَتَانِ ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ لِإِثْبَاتِ مِلْكٍ ، فَإِنْ عَدِمَا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ مَعَ يَمِينِهِ دُونَ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ مِلْكًا وَلَهُ عَلَيْهِ يَدٌ ، فَصَارَ بِيَدِهِ أَقْوَى مِنَ السَّيِّدِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ جَعَلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ جَعَلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَمْلِكُ وَلَدَهَا ، فَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا عَلَيْهِ تَأْثِيرٌ ، وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ وَلَدَهُ فَكَانَ لِيَدِهِ عَلَيْهِ تَأْثِيرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْمُكَاتَبَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا

بَابُ الْمُكَاتَبَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَلَمْ تَحْبَلْ أي المكاتبة بين أثنين فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا يُدْفَعُ إِلَيْهَا ، فَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ كَانَ لِلَّذِي لَمْ يَطَأْهَا نِصْفُهُ مِنْ شَرِيكِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا كَانَتِ الْمُكَاتَبَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ حكم وطئها لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَطَأَهَا لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ وَطْءُ الْمُشْتَرَكَةِ إِذَا كَانَتْ أَمَةً ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ إِذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ إِذَا كَانَتْ لِوَاحِدٍ حكمه ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَطْؤُهَا إِذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً ، فَإِنْ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا ، لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فِيهَا ، لَكِنْ يُعَزَّرُ مِنْهُمَا مَنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ ، وَلَا يُعَزَّرُ مَنْ جَهِلَ ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا ، لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ تَعَجَّلَتْ مَهْرَهَا مِنَ الْوَاطِئِ ، فَإِذَا حَلَّ عَلَيْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ فَأَدَّتْ عَتَقَتْ ، وَإِنْ عَجَزَتْ رَقَّتْ ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ قَدْ حَلَّ عِنْدَ وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَى الْوَاطِئِ نَظَرَ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مِثْلُهُ دَفَعَتْهُ إِلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَطَأْ وَكَانَ الْمَهْرُ قِصَاصًا مِنْ حَقِّ الْوَاطِئِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا غَيْرُهُ أَخَذَتْ مِنَ الْوَاطِئِ نِصْفَ مَهْرِهَا ، وَدَفَعَتْهُ إِلَى الَّذِي لَمْ يَطَأْ ، وَكَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ قِصَاصًا مِنْ حَقِّ الْوَاطِئِ لِيَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِيهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ بَاقِيًا عَلَى الْوَاطِئِ بِحَالِهِ حَتَّى عَجَزَتْ وَرَقَّتْ ، نَظَرَتْ فَإِنْ كَانَ بِيَدِهَا بَعْدَ الْعَجْزِ مِثْلُ الْمَهْرِ أَخَذَهُ مِنْهَا الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَطَأْ ، وَبَرِئَ الْوَاطِئُ مِنَ الْمَهْرِ ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ حَقِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا بَعْدَ الْعَجْزِ شَيْءٌ بَرِئَ الْوَاطِئُ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسُوقَ نِصْفَهُ إِلَى الشَّرِيكِ لِيَسْتَوِيَا فِيهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ حَبِلَتْ وَلَمْ تَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ فَاخْتَارَتِ الْعَجْزَ أَوْ مَاتَ الْوَاطِئُ فَإِنَّ لِلَّذِي لَمْ يَطَأْ نِصْفَ الْمَهْرِ وَنِصْفَ قِيمَتِهَا عَلَى الْوَاطِئِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً بِمَوْتِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَحْبَلَهَا ، وَلَمْ تَدَّعِ

اسْتِبْرَاءَهَا أي المكاتبة لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ فِرَاشًا ، وَيَكُونُ نِصْفُهَا لَهُ أُمَّ وَلَدٍ ، وَالْكِتَابَةُ فِي جَمِيعِهَا بِحَالِهَا ، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ الْمُحْبِلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسِرِ الْإِحْبَالُ إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ ، وَلَمْ تُقَوَّمْ عَلَيْهِ ، وَرُوعِيَ مَا يَكُونُ مِنْ أَدَائِهَا ، فَإِنْ أَدَّتْ إِلَيْهَا عَتَقَتْ ، وَكَانَ عِتْقُهَا مُتَحَرِّرًا بِالْكِتَابَةِ ، وَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ فِي حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَإِنْ عَجَزَتْ عَادَتْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ رَقِيقًا ، وَصَارَتْ حِصَّةُ الْمُحْبِلِ أُمَّ وَلَدٍ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ، وَلَا يُقَوَّمُ بَاقِيهَا فِي تَرِكَتِهِ ، بَلْ تَكُونُ عَلَى رِقِّ شَرِيكِهِ ، فَلَوْ مَاتَ هَذَا الْمُحْبِلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَعَجْزِهَا أي المكاتبة الموطوءة عَتَقَتْ حِصَّةُ الْمُحْبِلِ ، وَبَطَلَتِ الْكِتَابَةُ فِيهَا ، وَكَانَ بَاقِيهَا عَلَى كِتَابَتِهِ ، وَلِوَارِثِ الْمُحْبِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا بِيَدِهَا وَقْتَ مَوْتِهِ ، فَأَمَّا الْوَلَدُ مَعَ إِعْسَارِ الْأَبِ فَنَصِفُهُ حُرٌّ ، لِأَنَّهُ قُدِّرَ حِصَّتُهُ مِنْهُ ، وَفِي تَقْوِيمِ نِصْفِ الْبَاقِي عَلَيْهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُقَوَّمُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلِكِ ، وَيَصِيرُ جَمِيعُ الْوَلَدِ حُرًّا لِوَقْتِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا ، كَمَا لَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْأُمُّ مَعَ الْإِعْسَارِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي نِصْفِهِ الْبَاقِي وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا لِلشَّرِيكِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ ، وَيَعْتِقُ إِنْ عَتَقَتْ ، فَهَذَا حُكْمُ الْمُحْبِلِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا .

فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الْمُحْبِلِ مُوسِرًا لَزِمَ تَقْوِيمُ الْبَاقِي عَلَيْهِ ، وَسَرَى حُكْمُ الْإِيلَادِ إِلَيْهِ المحبل للمكاتبة ، وَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَوْ يَكُونُ تَقْوِيمُهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَجْزِهَا ، عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تُقَوَّمَ فِي الْحَالِ تَغْلِيبًا لِلْإِيلَادِ عَلَى الْكِتَابِ لِلُزُومِ حُكْمِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَكُونُ تَقْوِيمُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَجْزِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْإِيلَادِ لِتَقَدُّمِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِتَقْوِيمِهَا فِي الْحَالِ قُبِلَتْ كِتَابَتُهَا فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالتَّقْوِيمِ وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ فِي حِصَّةِ الْمُحْبِلِ بَاقِيَةً ، لِأَنَّهُ لَا يَتَنَافَى اجْتِمَاعُ الْكِتَابَةِ وَالْإِيلَادِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَدَّتْ كِتَابَتَهَا فِي حِصَّةِ الْمُحْبِلِ وَسَرَى الْعِتْقُ إِلَى جَمِيعِهَا كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَ بَعْضِهَا ، وَإِنْ عَجَزَتْ بَطَلَتْ كِتَابَتُهَا وَصَارَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ . فَأَمَّا الْوَلَدُ عَلَى هَذَا قَدْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا بِالْمِلْكِ ، وَصَارَ بَاقِيهِ حُرًّا بِالسِّرَايَةِ ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِلشِّرْكِ أَمْ لَا ؟ مُعْتَبِرٌ بِحَالِ وَضْعِهِ ، وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَضَعَهُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ بَعْدَهُ . فَإِنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ إِلَى الشَّرِيكِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهَا أي المكاتبة التي حملت من وطء سيدها فَلَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ .

لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ ، مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ ، فِيمَا تَصِيرُ بِهِ حِصَّةُ الشَّرِيكِ أُمَّ وَلَدٍ : فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِي جَمِيعِهَا بِالْإِحْبَالِ ، فَعَلَى هَذَا لَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي الْوَلَدِ ، لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ بَاقِيهَا لَا يَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إِلَّا بِالْإِيلَادِ وَدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ مِنَ الْوَلَدِ ، لِثُبُوتِ رِقِّهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ تَقْوِيمَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَجْزِهَا عَنِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ ، أَوْ تَعْجِزَ . فَإِنْ أَدَّتْ كِتَابَتُهَا إِلَيْهِمَا عَتَقَ جَمِيعُهَا بِالْكِتَابَةِ ، وَبَطَلَ حُكْمُ الْإِيلَادِ المكاتبة تؤدي المال للشريكين ، فَأَمَّا وَلَدُهَا فَلَا يُوقَفُ ، وَتُقَوَّمُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فِيهِ عَلَى الْأَبِ ، وَيَتَحَرَّرُ عِتْقُ جَمِيعِهِ ، وَإِنْ عَجَزَتِ الْأُمُّ عَنِ الْكِتَابَةِ انْفَسَخَتِ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُحْبِلْ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا لِمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ حَقِّ الْمُحْبِلِ فِي تَقْوِيمِهَا عَلَيْهِ ، فَتُقَوَّمَ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ ، وَتَصِيرَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، ثُمَّ لَهَا وَلِلْمُحْبِلِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْإِنْظَارِ بِالْكِتَابَةِ فِي حَقِّهِ ، فَيَجُوزَ ذَلِكَ لَهُمَا إِذَا تَرَاضَيَا بِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابَةِ حَقٌّ لِغَيْرِهَا ، بِخِلَافِ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُحْبِلْ ، أَوْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً فِي نِصْفِهَا وَهُوَ حَقُّ الْمُحْبِلِ ، وَبَاطِلَةً فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، وَهُوَ حَقُّ الَّذِي لَمْ يُحْبِلْ ، فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَ نِصْفُهَا بِالْكِتَابَةِ وَبَاقِيهَا بِالسِّرَايَةِ ، وَإِنْ عَجَزَتْ فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ ، وَكَانَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى الْإِنْظَارِ بَلْ يَخْتَلِفَا فِيهِ ، فَالْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا يَلْزَمُهَا الْمَقَامُ عَلَى الْعَقْدِ ، وَالسَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْظَارُ بِالْمَالِ ، فَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى الْفَسْخِ بَعْدَ الْعَجْزِ انْفَسَخَتْ بِهِ الْكِتَابَةُ ، وَإِذَا انْفَسَخَتِ اسْتَقَرَّ بَعْدَ فَسْخِهَا حُكْمُ الْوِلَادَةِ ، وَصَارَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ يُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ . فَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَلْتَزِمُ الْأَبُ قِيمَةَ نِصْفِهِ لِشَرِيكِهِ ، وَيَتَحَرَّرُ عِتْقُ جَمِيعِهِ ولد المكاتبة عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ وَطِئَاهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَإِنْ عَجَزَتْ تَقَاصَّا الْمَهْرَيْنِ المكاتبة " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وَطْءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ، فَأَمَّا إِذَا وَطِئَهَا الشَّرِيكَانِ مَعًا أي المكاتبة فما حكمهما ؟ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ شُبْهَةِ

الْمِلْكِ ، وَيُعَزَّرَا إِنْ عَلِمَا بِالْحَظْرِ ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا يَدْفَعَانِهِ إِلَيْهَا ، تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا ، فَإِنْ تَحَرَّرَ عِتْقُهَا بِالْأَدَاءِ اسْتَقَرَّ مَهْرُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكَانَ لَهَا إِنْ لَمْ تَقْبَضْهُ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ فَلَهَا فِي مَهْرِهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ المكاتبة الموطوءة من الشركين : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا قَدْ دَفَعَاهُ إِلَيْهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُمَا عَلَيْهَا إِلَّا بِمَا وَجَدَاهُ فِي يَدِهَا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، فَيَرْجِعُ الدَّافِعُ بِمَا فِي يَدِهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي بَاقِيهِ ، فَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَدْفَعْ بِنِصْفِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَهْرِ وَيَبْرَأُ مِنْ بَاقِيهِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ بَاقِيًا عَلَيْهَا ، فَيَسْتَحِقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ ، وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قِصَاصًا أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ ، فَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ قِصَاصًا ، أَعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَاسْتَوْفَى نِصْفَ مَالِهِ ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْبِسَ مَا عَلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَ مَالَهُ ، وَالْمُبْتَدِئُ بِالْمُطَالَبَةِ هُوَ الْمُبْتَدِئُ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَإِنْ جَعَلْنَا ذَلِكَ قِصَاصًا ، فَإِنْ تَسَاوَى الْمَهْرَانِ بَرِئَا بِالْقِصَاصِ ، وَإِنْ تَفَاضَلَ الْمَهْرَانِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا بِكْرًا وَالْآخَرُ ثَيِّبًا ، سَقَطَ الْأَقَلُّ مِنَ الْأَكْثَرِ . وَرَجَعَ مُسْتَحِقُّ الزِّيَادَةِ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ كَانَتْ حَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا الْأَوَّلُ المكاتبة بين الشريكين فَهُوَ وَلَدُهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ مَهْرِهَا ، وَفِي نِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا يَغْرَمُهُ ، وَالْآخَرُ : لَا غُرْمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَجَبَ بِهِ . ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) الْقِيَاسُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا نِصْفُ قِيمَتِهَا دُونَ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا بِالْحَبَلِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ ( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) فِي الْوَاطِئِ الْآخَرِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا : يَغْرَمُ نِصْفَ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحَمْلِ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَالْآخَرُ : جَمِيعُ مَهْرِ مِثْلِهَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدٍ لِصَاحِبِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا حَبِلَتْ بَعْدَ وَطْءِ الشَّرِيكَيْنِ ، وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُمَا . وَالثَّانِي : أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِي ، دُونَ الْأَوَّلِ . وَالرَّابِعُ : أَنْ يُمْكِنَ لُحُوقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَذَلِكَ فِي إِحْدَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : إِمَّا أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَتِهِ ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ ، لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ . وَإِمَّا أَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ إِصَابَتِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ . وَإِمَّا أَنْ تَضَعَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَتِهِ وَقَدِ اسْتَبْرَأَهَا ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ ، لِارْتِفَاعِ فِرَاشِهِ بِالِاسْتِبْرَاءِ ، فَإِذَا انْتَفَى الْوَلَدُ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ كَانَ فِي حُكْمِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا ، فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ عَبْدًا مَرْقُوقًا لِلسَّيِّدَيْنِ . وَالثَّانِي : يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا ، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا ، وَيَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّيِّدَيْنِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِإِصَابَتِهِ تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَاهُ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يُلْحَقَ الْوَلَدُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ إِصَابَةِ الْأَوَّلِ ، وَدُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ المكاتبة يطئها الشريكان أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي ، فَيَكُونُ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْوَلَدِ ، وَكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَيَ نِصْفِهَا وَفِي تَقْوِيمِ بَاقِيهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ اعْتِبَارِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا ، وَإِنْ عَجَزَتْ سَقَطَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ ، إِنْ لَمْ يَكُونَا قَدْ دَفَعَاهُ وَتَقَاصَّا النِّصْفَ الْبَاقِي عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ نِصْفُهَا الْبَاقِي ، وَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ التَّقْوِيمُ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَجْزِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَهْرُ وَاجِبًا عَلَى الثَّانِي لِلْمُكَاتَبَةِ تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَى الْأَوَّلِ ، لِوَقْتِهَا ، وَلَا يَنْتَظِرُ بِالتَّقْوِيمِ عَجْزَهَا ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَصِيرُ الْمُقَوَّمُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ بِنَفْسِ الْإِيلَادِ أَوْ بِهِ وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ ؟ المكاتبة الموطوءة من شريكين عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَصِيرُ النِّصْفُ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ أُمَّ وَلَدٍ بِنَفْسِ الْإِيلَادِ ، كَمَا صَارَ مَا مَلَكَهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ بِنَفْسِ الْإِيلَادِ ، فَعَلَى هَذَا لَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ وَلَدِهِ ، وَيَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الثَّانِي نِصْفُهُ وَاجِبٌ لِلْأَوَّلِ ، لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَكُونُ لَهَا إِنْ عَتَقَتْ وَلِلْأَوَّلِ إِنْ رَقَّتْ ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ النِّصْفَ الْمُقَوَّمَ مِنْهَا لَا يَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ بَعْدَ الْإِيلَادِ ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَ نِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهِ ، وَيَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الثَّانِي بِوَطْئِهِ لِلْمُكَاتَبَةِ ، تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا ، فَإِنْ عَجَزَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُهُ ، وَكَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْأَوَّلِ ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَتَقَاصَّانِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ مَسْطُورُ الْمَسْأَلَةِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ يَلْحَقَ الْوَلَدُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، بِأَنْ تَضَعَهُ إِمَّا لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ ، أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهِ المكاتبة يطئها الشريكان ، فَلَا يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ نِصْفُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ وَطْءِ الثَّانِي ، وَلَا تَدَّعِي اسْتِبْرَاءً فَيَلْحَقُ بِالثَّانِي فَيَكُونُ مَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَارِيًا عَلَى حُكْمِهِ لَوْ لَمْ يُحْبِلْهَا الثَّانِي ، وَمَا يَلْزَمُ الثَّانِي فِي تَقْوِيمِ الْأُمِّ ، وَحُكْمِ الْوَلَدِ وَالْمَهْرِ جَارِيًا عَلَى حُكْمِ لُحُوْقِهِ بِالْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ نِصْفُهَا لَهُ أُمَّ وَلَدٍ لِوَقْتِهِ ، وَلَا يُبْطِلُ فِيهِ الْكِتَابَةَ ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ حَالُ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ النِّصْفُ الْبَاقِي ، وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ لِلْأَوَّلِ ، وَكَانَ نِصْفُ الْوَلَدِ حُرًّا ، وَفِي نِصْفِهِ الثَّانِي وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : حُرٌّ وَعَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ لِلْأَوَّلِ يُؤَدِّيهَا إِذَا أَيْسَرَ . وَالثَّانِي : مَرْقُوقٌ ، وَهَلْ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي حِصَّةِ الْأَوَّلِ إِنْ عَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ النِّصْفُ الْآخَرُ ، وَهَلْ يُقَوَّمُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْعَجْزِ ؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُقَوَّمُ بَعْدَ الْعَجْزِ ، فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ نِصْفِ الْوَلَدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُقَوَّمُ لِوَقْتِهِ فِي الْحَالِ ، فَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ قِيمَتِهِ نِصْفُ الْوَلَدِ قَوْلَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِيرُ نِصْفُهَا الْبَاقِي مِنْهُ أُمَّ وَلَدٍ . فَإِنْ قِيلَ : بِالْإِيلَادِ فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِلْوَلَدِ . وَإِنْ قِيلَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ بَعْدَ الْإِيلَادِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ ، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ فِي النِّصْفِ الْمُقَوَّمِ ، وَلَا تَبْطُلُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، فَيُرَاعَى حَالُهَا فِي الْأَدَاءِ وَالْعَجْزِ ، فَإِنْ عَجَزَتْ صَارَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَ جَمِيعُهَا ، نِصْفُهَا بِالْكِتَابَةِ ، وَنِصْفُهَا بِالسِّرَايَةِ ، فَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَيَأْتِي مَسْطُورًا مِنْ بَعْدُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الْآخَرِ مِنْهُمَا كِلَاهُمَا يَدَّعِيهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا تَدَّعِي اسْتِبْرَاءً حكم المكاتبة فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ عَجَزَتْ أُخِذَ بِنَفَقَتِهَا وَأُرِيَ الْقَافَةَ ، فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقُوهُ لَحِقَ ، فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا لَمْ يَكُنِ ابْنَ وَاحِدِ

مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى أَحَدِهِمَا وَتَنْقَطِعَ عَنْهُ أُبُوَّةُ الْآخَرِ ، وَعَلَيْهِ لِلَّذِي انْقَطَعَتْ أُبُوَّتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا إِنْ كَانَ مُوسِرًا وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَنِصْفُهَا لِشَرِيكِهِ بِحَالِهِ ، وَالصَّدَاقَانِ سَاقِطَانِ عَنْهُمَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْأَقْسَامِ الْمَاضِيَةِ ، وَهُوَ أَنْ يُمْكِنَ لُحُوقُ الْوَلَدِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ ، وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَطْءِ الثَّانِي ، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْ يَدَّعِي الِاسْتِبْرَاءَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَوَّلِ ، لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الْحَمْلِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِي ، لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الْحَمْلِ ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ عُرِضَ الْوَلَدُ عَلَى الْقَافَةِ لِيُلْحِقُوهُ بِأَحَدِهِمَا ، فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالْأَوَّلِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ، وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالثَّانِي كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ ، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الْقَافَةِ وَقَفَ الْوَلَدُ عَلَى الِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدِهَا ، وَفِي زَمَانِ انْتِسَابِهِ ولد المكاتبة إذا وطئها الشريكان قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : إِذَا اسْتَكْمَلَ سَبْعَ سِنِينَ فِي الْحَالِ الَّتِي يُخَيِّرُ فِيهَا بَيْنَ أَبَوَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَنْقَادُ بِطَبْعِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : الْبُلُوغُ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى زَمَانِ الِانْتِسَابِ قِيلَ لَهُ : انْتَسِبْ إِلَى أَحَدِهِمَا بِطَبْعِكَ الْمَائِلِ إِلَيْهِ ، فَإِنَّ الْأَنْسَابَ تَتَعَاطَفُ . رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ الرَّحِمَ إِذَا تَمَاسَّتْ تَعَاطَفَتْ ) فَإِذَا انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ ، وَانْقَطَعَتْ عَنْهُ أُبُوَّةُ الْآخَرِ ، وَيَكُونُ حُكْمُ مَنْ لَحِقَ بِهِ ، وَانْتَفَى عَنْهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مَوْقُوفٌ عَلَى هَذَا الِانْتِسَابِ تَعَلَّقَ بِزَمَانِ الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ ولد المكاتبة التي وطئها الشريكان : فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ : فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْوَاطِئَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ فِيهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ كَانَتْ كِتَابَتُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فِي جَمِيعِهَا ، وَيَمْلِكُ جَمِيعَ كَسْبِهَا ، وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِجَمِيعِ مَهْرِهَا ، تَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَدَاءِ كِتَابَتِهَا ، فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَتْ وَإِنْ عَجَزَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا ، تُوقَفُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا تَعْتِقُ إِلَّا بِآخِرِهِمَا مَوْتًا ، إِنْ مَاتَا قَبْلَ الْبَيَانِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي نِصْفِهَا قَدْ بَطَلَتْ وَبَقِيَتْ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَيَكُونُ نِصْفُ كَسْبِهَا مَوْقُوفًا عَلَى مَنْ تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا ، فَإِنْ أَدَّتْ تَحَرَّرَ عِتْقُ جَمِيعِهَا ، نِصْفُهَا بِالْكِتَابَةِ ، وَنِصْفُهَا بِالسِّرَايَةِ ، وَإِنْ عَجَزَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا ، لَا بِعَيْنِهِ فَيُوقَفُ أَمْرُهَا فِيهِ ، وَفِي الْفَاضِلِ مِنْ كَسْبِهَا بَعْدَ الْعَجْزِ وَفِي النِّصْفِ الْمَرْقُوقِ مِنَ الْكَسْبِ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْبَيَانِ فِيمَا بَعْدُ ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَصِفُهَا يَكُونُ فِي حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْكِتَابَةُ فِي جَمِيعِهَا بَاقِيَةٌ ، وَالْأَدَاءُ يَكُونُ إِلَيْهَا ، فَإِنْ عَتَقَتْ بِهِ بَطَلَ حُكْمُ الْإِيلَادِ ، وَإِنْ عَجَزَتْ كَانَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَنِصْفُهَا مَرْقُوقًا ، وَتُوقَفَ عَلَى الْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ مَاتَا عَتَقَ نَصِفُهَا بِمَوْتِ آخِرِهِمَا ، وَكَانَ النِّصْفُ الْمَمْلُوكُ مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فَلَا تَقْوِيمَ عَلَى الْمُوسِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنَ الْمُعْسِرِ وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ بِحَالِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، لِأَنَّهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا تُفْسَخُ بِالْجَوَازِ .

فَصْلٌ : وَالْحُكْمُ الثَّانِي : فِي الْوَلَدِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهِمَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ مِنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ ، فَيَكُونُ جَمِيعُ الْوَلَدِ حُرًّا ولد المكاتبة التي وطئها الشريكان . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ ، فَنِصْفُ الْوَلَدِ حُرٌّ ، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ حُرًّا وَيَتَحَرَّرُ عِتْقُ جَمِيعِهِ ، وَيَجْرِي مَجْرَى أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَكُونُ مَمْلُوكًا يَجْرِي عَلَى نِصْفِهِ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ ، وَعَلَى نِصْفِهِ حُكْمُ الرِّقِّ . فَإِنِ اجْتَمَعَ الْوَاطِئَانِ عَلَى بَيْعِ نِصْفِهِ الْمَرْقُوقِ جَازَ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ مِنْهُمَا ، وَإِنْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِبَيْعِ نِصْفِهِ لَمْ يَجُزْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَبًا . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا ، فَيَكُونُ نِصْفُهُ حُرًّا وَفَى نِصْفِهِ الْآخَرِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ حُرًّا ، وَيَتَحَرَّرُ عِتْقُ جَمِيعِهِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ لَحِقَ بِالْمُوسِرِ كَانَ حُرًّا ، وَإِنْ لَحِقَ بِالْمُعْسِرِ كَانَ مَمْلُوكًا ، وَلَوِ اجْتَمَعَا عَلَى بَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ .

فَصْلٌ : وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ : فِي النَّفَقَةِ ، وَهُمَا نَفَقَتَانِ : نَفَقَةُ الْوَلَدِ ، وَنَفَقَةُ الْأُمِّ ولد المكاتبة التي وطئها الشريكان وولدت . فَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَمُعْتَبَرَةٌ بِأَحْوَالِهِ الثَّلَاثِ :

أَحَدُهَا : أَنْ يُحْكُمَ بِحَرِيَّةِ جَمِيعِهِ ، فَيُؤْخَذَانِ جَمِيعًا بِنَفَقَتِهِ ، فَلَوْ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا رَجَعَ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَحْكُمَ بِحُرِّيَّةِ نِصْفِهِ وَرِقِّ نِصْفِهِ ، فَيُؤْخَذَانِ جَمِيعًا بِهَا ، وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ إِذَا لَحِقَ بِهِ لِأَنَّ الْآخَرَ يَصِيرُ مَالِكًا لِرِقِّهِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَحْكُمَ بِحَرِيَّةِ نِصْفِهِ وَوُقُوفِ نِصْفِهِ فَيُؤْخَذَانِ جَمِيعًا بِنَفَقَتِهِ ، فَإِنْ أُلْحِقَ بِالْمُوسِرِ وَبَانَ بَاقِيهِ حُرًّا رَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ مَا أَنْفَقَ ، وَإِنْ لَحِقَ بِالْمُعْسِرِ وَبَانَ بَاقِيهِ مَمْلُوكًا فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا . وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأُمِّ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهَا ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ولد المكاتبة التي وطئها الشريكان وولدت : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ قَدْ تَحَرَّرَ عِتْقُ جَمِيعِهَا بِالْأَدَاءِ ، فَنَفَقَتُهَا سَاقِطَةٌ عَنْهَا ، فَلَا يُؤْخَذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِهَا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا قَدْ صَارَ أُمَّ وَلَدٍ ، لِعَجْزِهَا وَلِيَسَارِ الْوَاطِئَيْنِ فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ ، وَيُؤْخَذَانِ جَمِيعًا بِهَا . فَإِذَا بَانَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ رَجَعَ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَنِصْفُهَا مَمْلُوكًا لِعَجْزِهَا وَإِعْسَارِ الْوَاطِئَيْنِ ، فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمَا وَمُسْتَقِرَّةٌ بَيْنَهُمَا ، وَلَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَعْدَ الْبَيَانِ لِأَنَّهَا إِذَا صَارَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ صَارَ نِصْفُهَا الْبَاقِي مَرْقُوقًا لِلْآخَرِ ، فَاسْتَوَيَا فِي الْتِزَامِهَا فَسَقَطَ التَّرَاجُعُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ جَاءَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَلَدٍ يَدَّعِيهِ وَلَمْ يَدَّعِهِ صَاحِبُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا أَدَّى نِصْفَ قِيمَتِهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا لِشَرِيكِهِ ، وَالْقَوْلُ فِي نِصْفِ وَلَدِهَا كَمَا وَصَفْتُ ، وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ الْآخَرُ بِالْوَاطِئِ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ سَقَطَ تَكُونُ قِصَاصًا مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ ، وَإِنَّمَا لَحِقَ وَلَدُهَا بِهِ بِالشُّبْهَةِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ مَضَى قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قُلْتُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ أُمُّ وَلَدٍ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لَمَا كَانَ عَلَى الْمُحْبِلِ الثَّانِي جَمِيعُ مَهْرِهَا وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْهَا فَتَفَهَّمَ ذَلِكَ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِي وَطْءِ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا وَضَعَتْ مِنْهُمَا وَلَدَيْنِ ، وَتَعَيَّنَ وَلَدُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَوَلَدُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ وَلَا دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ حكم المكاتبة ، فَيَلْحَقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدُهُ ، وَيُعَزَّرَانِ إِنْ عَلِمَا ، وَلَا يُحَدَّانِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ صَوَّرَهَا

الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " إِذَا رَقَّتْ بِالْعَجْزِ ، لِأَنَّ حُكْمَهَا إِنْ لَمْ تَعْجِزْ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ وَمَحْكُومٌ فِيهِ بِمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اعْتُبِرَتْ حَالُ الْوَاطِئَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْوَاطِئَيْنِ للمكاتبة . إِمَّا أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ . أَوْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ . أَوْ يَكُونُ الْأَوَّلُ مُوسِرًا وَالثَّانِيَ مُعْسِرًا . أَوْ يَكُونُ الْأَوَّلُ مُعْسِرًا وَالثَّانِي مُوسِرًا . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ ، فَنَبْدَأُ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ حُكْمِ الثَّانِي . أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَلَدُهُ حُرٌّ كُلُّهُ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَتَصِيرُ حِصَّتُهُ مِنْهَا وَهِيَ النِّصْفُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهَا وَهُوَ النِّصْفُ لِيَصِيرَ جَمِيعُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَفِيمَا يَصِيرُ بِهِ مَا يُقَوَّمُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : بِالْإِحْبَالِ . وَالثَّانِي : بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ . وَالثَّالِثُ : مَوْقُوفٌ مَرَاعًى ، فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ عُلِمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ بِالْعُلُوقِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا عُلِمَ أَنْ لَمْ تَكُنْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ ، وَأَمَّا قِيمَةُ نِصْفِ الْوَلَدِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ فَإِنْ جُعِلَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِالْإِحْبَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ ، وَإِنْ جُعِلَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ . وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَنَا جَمِيعَهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ، فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ ، وَجَمِيعُ قِيمَةِ الْوَلَدِ ، وَلَا تَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِالتَّقْوِيمِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ قَبْلَ أَنْ جَعَلَنَا جَمِيعَهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ مَهْرِهَا ، وَيَكُونُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهَا ، وَنِصْفُ وَلَدِهِ حُرٌّ ، وَفِي بَاقِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إِذَا أَيْسَرَ . وَالثَّانِي : مَمْلُوكٌ لِلشَّرِيكِ وَيَكُونُ عَلَى الثَّانِي نِصْفُ مَهْرِهَا ، وَيَصِيرُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَنِصْفُ وَلَدِهِ حُرٌّ ، وَفِي بَاقِيهِ وَجْهَانِ عَلَى مَا مَضَى وَيَتَقَاصَّانِ مَا عَلَيْهَا ، وَيَتَرَاجَعَانِ فَضْلًا إِنْ كَانَ فِيهِ .

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا وَالثَّانِي مُعْسِرًا ، فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ ، وَفِي نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَوْلَانِ ، وَيَكُونُ عَلَى الثَّانِي إِذَا جُعِلَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ جَمِيعُ الْمَهْرِ ، وَيَكُونُ جَمِيعُ وَلَدِهِ مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ ، وَفِي حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدٍ وَيَتَقَاصَّانِ مَا عَلَيْهَا ، وَيَتَرَاجَعَانِ الْفَضْلَ فِيهِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مُعْسِرًا وَالثَّانِي مُوسِرًا ، فَيَكُونُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَنِصْفُ وَلَدِهِ حُرٌّ ، وَفِي بَاقِيهِ وَجْهَانِ ، وَيَكُونُ نِصْفُهَا الثَّانِي أُمَّ وَلَدٍ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَجْهًا وَاحِدًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ وَلَدَهُ وُلِدَ قَبْلَ وَلَدِ صَاحِبِهِ الشريكين إذا وطئا المكاتبة أُلْحِقُ بِهِمَا الْوَلَدَانِ وَوُقِفَتْ أُمُّ الْوَلَدِ وَأُخِذَا بِنَفَقَتِهَا ، وَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَأُخِذَ الْآخَرُ بِنَفَقَةِ نَصِيبِ نَفْسِهِ ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ ، فَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ بِكُلِّ حَالٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا أَنْ تَأْتِيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَلَدٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ ، وَلَكِنْ يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ وَلَدَهُ هُوَ الْأَسْبَقُ ، فَيُنْظَرُ فِي سِنِّ الْوَلَدَيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَسْبَقِهِمَا وِلَادَةً سَقَطَ التَّنَازُعُ ، وَجُعِلَ الْأَسَنُّ مِنْهُمَا هُوَ لِلْأَوَّلِ وَالْأَصْغَرُ مِنْهُمَا هُوَ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنِ اشْتَبَهَتْ سِنُّ الْوَلَدَيْنِ ، وَلَمْ يُرَ فِيهَا بَيَانٌ رَجَعَ إِلَى الْبَيِّنَةِ ، فَإِنْ وُجِدَتْ عُمِلَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ فُقِدَتْ وَالتَّنَازُعُ مُحْتَمَلٌ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْوَاطِئَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إذا إدعى كل منهما الأسبقية لولده من المكاتبة : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا . فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي بِالسَّبْقِ أَنَّ جَمِيعَهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَأَنَّ شَرِيكَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَجَمِيعُ قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ ، فَصَارَا بِهَذَا التَّنَازُعِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَمُخْتَلِفَيْنِ فِي شَيْءٍ . أَمَّا مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَنِصْفُ الْمَهْرِ ، اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَاخْتَلَفَا فِي نِصْفِهِ الْبَاقِي ، فَلَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِصَاحِبِهِ ، فَيَتَقَاصَّا بِهِ ، وَيَكُونُ نِصْفُهُ الْبَاقِي مَوْقُوفًا .

وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَا فِيهِ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّ جَمِيعَهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ أَمْرُهَا مَوْقُوفًا بَعْدَ التَّحَالُفِ ، وَلَا قِيمَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهَا وَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ ، فَإِذَا مَاتَا جَمِيعًا عَتَقَتْ ، لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا مَوْقُوفًا عَلَى بَيَانٍ إِنْ تَحَدَّدْ . وَأَمَّا قِيمَةُ الْوَلَدِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِنِصْفِهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَمُنْكَرٌ مَا سِوَاهَا ، وَهُوَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ مُنْكِرٌ لِجَمِيعِهَا ، فَإِنْ عَمِلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَقَاصَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ ، وَوَقَفَ الْبَاقِي عَلَى الْبَيَانِ كَالْمَهْرِ ، وَإِنْ عَمِلَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَقَفَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَيَانِ كَالْأُمِّ ، وَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي نَفَقَةِ الْأُمِّ حَتَّى يَقَعَ الْبَيَانُ فَيَسْتَحِقَّ التَّرَاجُعُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ إذا إدعى كل منهما الأسبقية لولده من المكاتبة لَمْ يَكُنْ لِتَنَازُعِهِمَا تَأْثِيرٌ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَوِي حُكْمُهُ فِي تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ ، لِأَنَّ نِصْفَهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهَا ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ وَلَدِهِ حُرٌّ ، وَفِي نِصْفِهِ الْآخَرِ وَجْهَانِ ، وَإِذَا كَانَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ سَوَاءً سَقَطَ حُكْمُ تُنَازِعِهِمَا ، وَكَانَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ ، فَأَيُّهُمَا مَاتَ عَتَقَ نَصِفُهَا بِمَوْتِهِ ، وَكَانَ عِتْقُ النِّصْفِ الْآخَرِ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ الْآخَرِ ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَيَتَقَاصَّانِهِ ، وَفِي قِيمَةِ نِصْفِ وَلَدِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ وَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ وَلَا قِصَاصَ ، وَلَا عِتَاقَ . وَالثَّانِي : يَجِبُ وَيَصِيرُ جَمِيعُهُ حُرًّا وَيَتَقَاصَّانِ ذَلِكَ وَيَتَرَاجَعَانِ فَضْلًا إِنْ كَانَ فِيهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا تُوقَفُ ، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " أَنَّ وَلَاءَهَا مَوْقُوفٌ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ المكاتبة ، فَسَوَّى وُقُوفَ الْوَلَاءِ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِي الْيَسَارِ مُشْكَلٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ مَوْقُوفًا وَفِي الْإِعْسَارِ غَيْرُ مُشْكَلٍ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا ، وَلِأَصْحَابِنَا عَمَّا نَقَلَهُ الرَّبِيعُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَجَابَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ : أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ فِي النَّقْلِ . وَالثَّانِي : وَهُوَ جَوَابُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُعْسِرَيْنِ وَقْتَ التَّنَازُعِ ، مُوسِرَيْنِ وَقْتَ الْإِحْبَالِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا ، فَنِصْفُهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْمُوسِرِ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ أحد الواطئين للمكاتبة ، وَإِنَّمَا لَا يَتَنَازَعَانِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْهُمَا ، فَالْمُوسِرُ يَقُولُ : هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِي بِالْقِيمَةِ لِتَقَدُّمِي فِي الْإِيلَادِ ، وَالْمُعْسِرُ يَقُولُ : هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِي بِالْمِلْكِ لِتَقَدُّمِي بِالْإِيلَادِ ، فَيَكُونُ وَلَاءُ نِصْفِهِ الَّذِي تَنَازَعَاهُ مَوْقُوفًا ، وَوَلَاءُ نِصْفِهَا لِلْمُوسِرِ ، وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّ جَمِيعَ وَلَائِهَا مَوْقُوفٌ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا .

وَهَذَا الْجَوَابُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُوسِرَيْنِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوسِرُ عَتَقَ نَصِفُهَا ، وَكَانَ نِصْفُهَا الْبَاقِي مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ الْمُعْسِرِ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَوْتُ الْمُعْسِرِ لَمْ يُعْتَقْ شَيْءٌ مِنْهَا ، وَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمُوسِرِ ، فَأَمَّا الْمَهْرُ إذا إدعى كل منهما الأسبقية لولدهمن المكاتبة فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِفُهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ فَيَتَقَاصَّانِهِ ، وَتُوقَفُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُعْسِرِ دُونَ الْمُوسِرِ ، وَأَمَّا الْوَلَدُ ، فَوَلَدُ الْمُوسِرِ مِنْهَا حُرٌّ كُلُّهُ ، وَفِي وَلَدِ الْمُعْسِرِ وَجْهَانِ ، وَإِذَا حَرَّرْتَ ذَلِكَ عَلَى الْأُصُولِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَضَحَ لَكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابُ تَعْجِيلِ الْكِتَابَةِ

بَابُ تَعْجِيلِ الْكِتَابَةِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِ النَّجْمِ إِذَا عَجَّلَهُ لَهُ الْمُكَاتَبُ ، وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) وَإِذَا كَانَتْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ مَالًا يَتَغَيَّرُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ مِثْلَ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَمَّا مَا يَتَغَيَّرُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ أَوْ كَانَتْ لِحُمُولَتِهِ مُؤْنَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ إِلَّا فِي مَوْضِعِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ بِخَرَابَةٍ أَوْ فِي بَلَدٍ فِيهِ نَهْبٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَاتَبَهُ فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ . تَعْجِيلُ مَالِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ نُجُومِهِ كَتَعْجِيلِ السَّلَمِ قَبْلَ حُلُولِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَجَمْلَتُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَالُ الْكِتَابَةِ إِذَا عَجَّلَهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ يَقْبَلَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ ، فَإِنْ قَبِلَهُ عَتَقَ بِهِ الْمُكَاتَبُ ، فَإِنْ قِيلَ : فَشَرْطُ الْعِتْقِ أَدَاءُ الْمَالِ عِنْدَ مَحَلِّهِ ، فَهَلَّا امْتَنَعَ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِدَفْعِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إِنْ دَفَعْتْ إِلَيَّ أَلْفًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَدَفَعَهَا فِي شَعْبَانَ لَمْ يَعْتِقْ ؟ قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةً يَغْلِبُ حُكْمُهَا عَلَى الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ ، وَلِذَلِكَ عَتَقَ بِالْإِبْرَاءِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْتِقَ بِالتَّقَدُّمِ ، وَلَيْسَ كَالْعِتْقِ بِالصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ دُونَ الْعِوَضِ ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَبْرَأَهُ فِيهَا مِنَ الْمَالِ لَمْ يُعْتَقْ ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَدَّمَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ قَبُولِهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ ، فَلَا يَخْلُو تَأْخِيرُ قَبْضِهِ أي مال الكتابة مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِقَاصِدٍ أَوْ لَا يَكُونَ ، فَإِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِهِ غَرَضٌ مَعْهُودٌ يَصِحُّ لِقَاصِدٍ ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ طَعَامًا رَطْبًا إِنْ تُرِكَ إِلَى أَجْلِهِ فَسَدَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا يَحْتَاجُ إِلَى مَئُونَةٍ أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ مَوْتٍ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ لِإِحْرَازِهَا إِلَى مَحَلِّهَا مَئُونَةً ، فَلَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحَلِّهِ ، لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الضَّرَرِ فِي تَعَجُّلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَأْمُونَ التَّلَفِ مَعْدُومَ الْمَئُونَةِ كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، فَعَلَيْهِ قَبُولُهُ إِذَا كَانَ الرَّدَى مَأْمُونًا ، لِمَا رَوَاهُ

الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " وَقَدْ رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَاشْتَرَيْتُ وَبِعْتُ حَتَّى رَبِحْتُ مَالًا ، فَجِئْتُ أَنَسًا بِكِتَابَتِي كُلِّهَا ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِلَّا نُجُومًا ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ فَقَبِلَهَا . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اشْتَرَتْهُ مِنْ سُوقِ ذِي الْمَجَازِ ، وَقَدِمَتْ مَكَّةَ فَكَاتَبَتْهُ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَأَدَّى عَامَّةَ الْمَالِ ، ثُمَّ أَتَى بِبَاقِيهِ فَقَالَتْ : لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ ، وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ ، فَخَرَجَ بِالْمَالِ إِلَى عُمَرَ ، وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ : ضَعْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرَاسِلْهَا بِأَخْذِ الْمَالِ وَعِتْقِ أَبِي سَعِيدٍ ، فَإِنِ اخْتَرْتِ أَخْذَهُ شَهْرًا بِشَهْرٍ أَوْ سَنَةً بِسَنَةٍ ، فَافْعَلِي ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخَذَتِ الْمَالَ . وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا عَلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ ، وَلِذَلِكَ إِذَا بَاعَهُ بِدَيْنٍ زَادَ فِي الثَّمَنِ ، وَإِذَا بَاعَهُ نَقْدًا نَقَصَ مِنْهُ ، فَإِذَا عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ ، وَزَادَ خَيْرًا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا كَانَ وَقْتَ التَّعْجِيلِ مُفْتَتَنًا مُخَوَّفًا في مال الكتابة رُوعِيَ وَقْتُ الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا آمِنًا ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَهُ خَوْفٌ فَعَجَّلَ فِيهِ الْكِتَابَةَ لَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ قَبُولُهَا ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَظْرِ عَلَى مَا تَعَجَّلَ ، حَتَّى إِذَا حَلَّ لَزِمَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْكِتَابَةِ مُفْتَتَنًا مُخَوَّفًا مِثْلَ وَقْتِ التَّعْجِيلِ نُظِرَ ، فَإِنْ صَارَ ذَلِكَ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ قَبُولُ التَّعْجِيلِ ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا يُرْجَى زَوَالُهُ فَفِي لُزُومِ قَبُولِهِ لِلتَّعْجِيلِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، عَلَيْهِ قَبُولُهُ لِتَمَاثُلِ الزَّمَانَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ ، لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ، لِأَنَّ زَوَالَ الْخَوْفِ قَدْ كَانَ مَأْمُولًا عِنْدَ الْمَحَلِّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَعَجُّلُ الضَّرَرِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَ الْكِتَابَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ إِمَّا تَعْجِيلًا أَوْ فِي مَحَلِّهِ ، فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مَئُونَةٌ أَوْ فِي طَرِيقِهِ خَطَرٌ مال الكتابة المنقول لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ ، إِلَّا فِي بَلَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مَئُونَةٌ وَلَا كَانَ فِي طَرِيقِهِ خَطَرٌ رُوعِيَ حَالُ السَّيِّدِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ الْمَالِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ رُوعِيَتْ مَسَافَةُ الْبَلَدَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَرِيبًا لَا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةَ لَزِمَهُ قَبُولُهُ ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةَ فَفِي لُزُومِ قَبُولِهِ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ فِي إِبْعَادِ مَالِهِ عَنْ بَلَدِهِ .

وَالثَّانِي : يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فِيهِ لِأَنَّ إِحْرَازَهَا مُتَمَاثِلَةً ، وَاسْتِيطَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ بَعْضَ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنَ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ وَلَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَى سَنَةٍ فَشَرَطَ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنَ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّهُ يُضَارِعُ الرِّبَا ؛ لِأَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْمَالِ لِيَزِيدَ فِي الْأَجَلِ ، فَيُعْطِيَ خَمْسَمِائَةٍ مُعَجَّلَةً بِأَلْفٍ إِلَى سَنَةٍ ، وَهَذَا نَقْصٌ فِي الْمَالِ لِنُقْصَانِ الْأَجَلِ ، فَبَذَلَ أَلْفًا إِلَى سَنَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ ، فَاسْتَوَيَا فِي حُكْمِ الرِّبَا وَالتَّحْرِيمِ ، وَإِذَا ثَبَتَ فَسَادُهُ بِمَا ذَكَرْنَا بَطَلَ التَّعْجِيلُ وَكَانَ بَاقِي الْكِتَابَةِ إِلَى أَجَلِهِ وَإِذَا بَطَلَ التَّعْجِيلُ بَطَلَ الْإِبْرَاءُ وَرُدَّ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فِي مُقَابَلَةِ التَّعْجِيلِ ، فَصَارَا بَاطِلَيْنِ .

فَصْلٌ : وَلَوِ ابْتَدَأَ الْمُكَاتَبُ فَعَجَّلَ مِنَ الْأَلْفِ خَمْسَمِائَةٍ ، وَأَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مِنْ بَاقِيهَا ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ كَانَ هَذَا جَائِزًا كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ ، فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : وَضْعٌ وَتَعْجِيلٌ لَا يَجُوزُ ، وَأَجَازَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَتَوَهَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْإِبْرَاءِ عَلَى شَرْطِ التَّعْجِيلِ ، وَلَيْسَ الْجَوَابُ مُخْتَلِفًا كَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُزَنِيُّ ، وَإِنَّمَا أَجَازَ التَّعْجِيلَ وَالْإِبْرَاءَ بِغَيْرِ شَرْطٍ بين المكاتب وسيده وَأَبْطَلَهُمَا مَعَ الشَّرْطِ ، فَاخْتَلَفَ جَوَابُهُ لِاخْتِلَافِ الشَّرْطِ ، لَا لِاخْتِلَافِ الْقَوْلِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَلْيَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ وَيَرْضَ السَّيِّدُ بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ ، فَيَجُوزُ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) عِنْدِي أَنْ يَضَعَ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَتَعَجَّلَ ، وَأَجَازَهُ فِي الدَّيْنِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٍ ، إِذَا اخْتَارَ التَّوَصُّلَ إِلَى وُقُوعِ الْعِتْقِ بِبَعْضِ الْبَاقِي ، فَعَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ حَتَّى عَادَ عَبْدًا ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ السَّيِّدُ بَعْدَ الْعَجْزِ فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَعْطَيْتَنِي دِينَارًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، جَازَ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ بِالْعَجْزِ قَدِ اسْتَأْنَفَا عِتْقًا بِصِفَةٍ ، فَصَارَ الْعِتْقُ وَاقِعًا بِهَا لَا بِالْكِتَابَةِ .

فَصْلٌ : وَلَكِنْ لَوْ جَعَلَا عِتْقَ الصِّفَةِ مَشْرُوطًا بِالْعَجْزِ ، فَقَالَ السَّيِّدُ : إِنْ عَجَّزَتْ نَفْسَكَ أَوْ أَعْطَيْتَنِي دِينَارًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَعَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ ، وَأَعْطَى دِينَارًا عَتَقَ بِهِ ، وَكَانَ هَذَا أَحْوَطَ لِلْمُكَاتَبِ مِمَّا تَقَدَّمَ ، لِأَنَّهُ إِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَقَدِ انْعَقَدَتِ الصِّفَةُ بِعِتْقِهِ ، لِوُجُودِ

شَرْطِهِمَا ، فَصَارَتْ لَازِمَةً لَا خِيَارَ لِلسَّيِّدِ فِيهَا بَعْدَ الْعَجْزِ ، وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى مُخَيَّرٌ بَعْدَ الْعَجْزِ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ عِتْقَهُ بِالصِّفَةِ أَوْ لَا يَعْقِدَهُ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ ، وَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا : إِنْ أَعْطَيْتَنِي دِينَارًا فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ بِدَفْعِهِ ، وَيَغْلِبُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فَصَارَ الْعِتْقُ فِيهَا عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ ، فَيَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ فِيهَا قِيمَتُهُ ، فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ قَبْلُ مَعَ الدِّينَارِ الَّذِي عَتَقَ بِهِ مِنْ بَعْدُ ، وَيَتَقَاصَّانِهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسَيْنِ ، وَيَتَرَاجَعَا فَضْلًا إِنْ كَانَ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُ كِتَابَتِهِ وَبَيْعُ رَقَبَتِهِ وَجَوَابَاتٌ فِيهِ

الجزء السابع

بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُ كِتَابَتِهِ وَبَيْعُ رَقَبَتِهِ وَجَوَابَاتٌ فِيهِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ وَالشُّفْعَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، الْمُكَاتَبُ مَالِكٌ لِتَصَرُّفِ نَفْسِهِ بِالْمَبِيعِ ، وَالشِّرَاءِ ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَمَالِكٌ لِمَا بِيَدِهِ مِنْ كُلِّ مَا مَلَكَهُ بِتَصَرُّفِهِ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ رَفَعَتْ عَنْهُ يَدَ السَّيِّدِ ، وَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنِ اسْتِخْدَامِهِ ، وَأَمَّا مِلْكُهُ لِكَسْبِهِ فَلِأَنَّ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَّا مِنْ مِلْكِهِ ، وَلِذَلِكَ مُنِعَ السَّيِّدُ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَخْذِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَإِذَا صَارَ بِمَا بَيَّنَّا مَالِكًا لِتَصَرُّفِهِ وَلِكَسْبِهِ ، فَعَلَيْهِ فِيهِمَا لِلسَّيِّدِ حَقُّ الْحَجْرِ حَتَّى لَا يَسْتَهْلِكَهَا فِي غَيْرِ حَقٍّ ، وَلَا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُ الْحَجْرِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ ، ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ مُرَاعًى يَسْتَقِرُّ بِالْأَدَاءِ ، وَيَزُولُ بِالْعَجْزِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ بَيْعٍ وَسَلَمٍ وَإِجَارَةٍ وَأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ ، نَفَذَ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ نَفَذَ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ ، وَكَانَ لُزُومُهُ بَيْنَهُمَا كَلُزُومِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، لِأَنَّهُ فِيمَا سِوَى الْكِتَابَةِ جَارٍ مَجْرَاهُ ، فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ مِنْ سَيِّدِهِ ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ مِنْهُ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْ سَيِّدِهِ ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْهُ ، وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إِلَّا كَالْأَجَانِبِ .

فَصْلٌ : وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ قَدْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ ، فَتَكُونَ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْإِجَارَةِ مُسْتَحِقَّ الْمَنْفَعَةِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْكِتَابَةِ مَالِكًا لَهَا ، فَتَنَافَى اجْتِمَاعُهُمَا ، فَثَبَتَتِ الْإِجَارَةُ لِتَقَدُّمِهَا ، وَبَطَلَتِ الْكِتَابَةُ لِتَأَخُّرِهَا ، وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ أَجَّرَهُ صَحَّتِ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَتِ الْإِجَارَةُ مكاتبة السيد عبده إِثْبَاتًا لِأَسْبَقِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ ، فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنَافِعَهُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ أَنَّهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ مُعَرَّضٌ لِلْبَيْعِ الَّذِي تَمْنَعُ مِنْهُ الْكِتَابَةُ ، فَصَارَا مُتَنَافِيَيْنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ ، فَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ بِهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِهْلَاكِ مَالِهِ وَأَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَهَبُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ لِكَسْبِهِ غَيْرَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ حَجْرًا ، وَلَا يَصْرِفُ مَا بِيَدِهِ إِلَّا فِي أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : فِي دَيْنٍ يُسْتَحَقُّ . وَالثَّانِي : فِي طَلَبِ فَضْلٍ يُسْتَزَادُ . وَالثَّالِثُ : فِي مَئُونَةٍ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا . فَأَمَّا الدَّيْنُ فَنَوْعَانِ : مُرَاضَاةٌ ، وَإِكْرَاهٌ . فَأَمَّا دَيْنُ الْمُرَاضَاةِ فَكَالْإِجَارَاتِ ، وَالْقُرُوضِ . وَأَمَّا دَيْنُ الْإِكْرَاهِ فَكَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ ، فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا مَعًا ، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُ السَّيِّدِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَأَمَّا طَلَبُ الْفَضْلِ ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ : تِجَارَةٌ ، وَعَمَلٌ . فَأَمَّا التِّجَارَةُ ، فَتَكُونُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ فِيمَا بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مُغَابَنَةٌ . وَأَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ احْتِرَافُهُ بِيَدَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ إِذَا تَصَدَّى لَهُ ، وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إِنْ قَعَدَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الِاكْتِسَابِ ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ . وَأَمَّا مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنَ الْمُؤَنِ فَنَوْعَانِ : مَئُونَةُ تَثْمِيرِ مَالِهِ ، وَمَئُونَةٌ لِحِرَاسَةِ نَفْسِهِ ، فَأَمَّا مَئُونَةُ التَّثْمِيرِ فَكَسَقْيِ الزُّرُوعِ ، وَعَلُوفَةِ الْمَوَاشِي ، وَنَقْلِ الْأَمْتِعَةِ . وَأَمَّا مَئُونَةُ نَفْسِهِ ، فَكَالَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَأْكُولِهِ وَمَلْبُوسِهِ أَوْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ فِي كِلَا الْمَئُونَتَيْنِ مَا لَمْ يَخْرُجْ فِيهِمَا إِلَى حَدِّ السَّرَفِ . فَأَمَّا نَفَقَتُهُ فِي مَلَاذِّهِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَعْهُودًا بِمِثْلِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ، وَمَا خَرَجَ عَنِ الْمَعْهُودِ مُنِعَ مِنْهُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ فِيمَا وَصَفْنَاهُ ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ هِبَةٍ ، أَوْ مُحَابَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِرٍّ ، فَإِنْ وَهَبَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ مَرْدُودَ الْهِبَةِ ، وَإِنْ وَهَبَ بِإِذْنِهِ فَفِي صِحَّةِ هِبَتِهِ قَوْلَانِ أي المكاتب : أَحَدُهُمَا : نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ مَاضِيَةٌ ، لِأَنَّ

ذَلِكَ الْمَوْهُوبَ لَا يَتَجَاوَزُهُمَا ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا مَعَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِاجْتِمَاعِهِمَا كَالشَّرِيكَيْنِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : حَكَّاهُ الرَّبِيعُ ، أَنَّ الْهِبَةَ بَاطِلَةٌ مَعَ إِذْنِهِ كَبُطْلَانِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ ضَعِيفٌ وَمِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَوِيٌّ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْدُثَ عَنِ الضَّعِيفِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ . وَالثَّانِي : أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ ، فَضَعُفَ الْإِذْنُ عَنْهُ ، وَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ . فَأَمَّا خَلْعُ الْمُكَاتَبَةِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْهِبَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِمَّا فِي الْهِبَةِ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْمُكَافَأَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَهَا ، أَوْ جَمِيلِ الذِّكْرِ وَثَوَابِ الْآخِرَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَهَا ، وَلَيْسَ فِي الْخَلْعِ مُكَافَأَةٌ ، وَلَا ثَنَاءٌ ، وَلَا ثَوَابٌ . وَأَمَّا مُحَابَاةُ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَاعَ وَاشْتَرَى إِذَا خَرَجَ عَمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ ، فَهُوَ كَالْهِبَةِ إِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ بَذَلَ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي بِرٍّ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مَرْدُودٌ إِذَا أَمْكَنَ اسْتِدْرَاكُهُ ، وَبِإِذْنِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ لَا يُكَفِّرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ إِلَّا بِالصَّوْمِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يُكَفِّرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ إِلَّا بِالصَّوْمِ ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَفَّارَةٌ فما الحكم ؟ فَفَرْضُهُ فِيهَا أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ دُونَ الْإِطْعَامِ وَالْعِتْقِ ، لِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ ، فَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى الْعِتْقِ لَمْ يُجْزِهِ ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِيهِ لِغَيْرِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَإِنْ عَدَلَ إِلَى الْإِطْعَامِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ ، أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ ، وَفِي أَجْزَائِهِ عَلَى الْقَدِيمِ إِذَا قِيلَ : إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ ، وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ قَوْلَيِ الْهِبَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ بَاعَ فَلَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَجَبَ الْبَيْعُ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَمُسْتَحَقٌّ فِي عَقْدِ كُلِّ بَيْعٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ ، وَالْمَالِكُ

وَالْوَكِيلُ ، وَيَكُونُ مُسْتَحَقًّا لِلْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، فَهَلْ يَكُونُ قَطْعًا لِلْخِيَارِ كَالِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ : وَإِذَا بَاعَ فَلَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى مَاتَ الْمُكَاتَبُ فما حكم البيع ؟ وَجَبَ الْبَيْعُ ، وَظَاهِرُ هَذَا الْوَجْهِ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ : " إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ " ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ مَوْرُوثًا لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَيَنْتَقِلُ إِلَى وَارِثِ الْحُرِّ وَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْتِ الْمُكَاتَبِ " وَجَبَ الْبَيْعُ " يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ مَوْتَ الْمُكَاتَبِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ ، لِأَنَّهُ يَمُوتُ عَبْدًا ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ انْقِطَاعَ الْخِيَارِ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَوَابَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ فِي مَوْتِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ : أَحَدُهُمَا : يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالْمَوْتِ فِي بَيْعِ الْحُرِّ وَبَيْعِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُكَاتَبِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ بِافْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَنْقَطِعَ بِافْتِرَاقِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَبْدَانِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِ الْحُرِّ وَلَا بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ ، وَيَنْتَقِلُ عَنِ الْحُرِّ إِلَى وَارِثِهِ ، وَعَنِ الْمُكَاتَبِ إِلَى سَيِّدِهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُيُوعِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْقَطِعْ بِافْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْقَطِعَ بِافْتِرَاقِ الْمَوْتِ . وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِ الْحُرِّ ، وَيَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى وَارِثِهِ وَيَنْقَطِعُ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى سَيِّدِهِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَالَ يَنْتَقِلُ عَنِ الْحُرِّ مِيرَاثًا ، وَعَنِ الْمُكَاتَبِ مِلْكًا ، فَقَامَ وَارِثُ الْحُرِّ مَقَامَهُ ، وَلَمْ يَقُمْ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مَقَامَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ نَظَرَ الْمُكَاتَبِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَائِدٌ إِلَى سَيِّدِهِ ، فَاكْتَفَى السَّيِّدُ فِيهِ بِنَظَرِ مُكَاتَبِهِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ لَا يَنْتَقِلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِقَوْلِهِ فِيهِ إِلَى الْمُوكِلِ وَنَظَرِ الْحُرِّ لِنَفْسِهِ فَانْتَقَلَ بِمَوْتِهِ إِلَى وَارِثِهِ لِيَسْتَدْرِكَ بِهِ الْحَظَّ إِلَى نَفْسِهِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا مَوْتُ الْمُكَاتَبِ فِي خِيَارِ الثَّلَاثِ ، فَيَنْتَقِلُ بَاقِي الْخِيَارِ فِيهِ إِلَى سَيِّدِهِ مَذْهَبًا وَاحِدًا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمَا لَمَّا افْتَرَقَا فِي انْقِطَاعِهِ بِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ افْتَرَقَا فِي انْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ . وَالثَّانِي : أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ الْمَاضِي ، وَخِيَارَ الثَّلَاثِ مُسْتَحَقٌّ بِالشَّرْطِ الْبَاقِي فَافْتَرَقَا .

مَسْأَلَةٌ لَا يَبِيعُ بِدَيْنٍ وَلَا يَهَبُ لِثَوَابٍ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يَبِيعُ بِدَيْنٍ المكاتب " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ تَغْرِيرًا بِالْمَالِ ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، وَفِي جَوَازِهِ بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ ، لِأَنَّ التَّغْرِيرَ فِيهِ عَلَى مَالِكِ الدَّيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِالدَّيْنِ رَهْنًا خَوْفَ تَلَفِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا مُضَارَبَةً ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مُضَارَبَةً ، لِأَنَّ التَّغْرِيرَ فِي الدَّفْعِ عَائِدٌ عَلَيْهِ ، وَفِي الْأَخْذِ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا فِي سَلَمٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا فِي سَلَمٍ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا . مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يَهَبُ لِثَوَابٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لَا تَصِحُّ مِنَ الْمُكَاتَبِ الْهِبَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، سَوَاءٌ كَاتَبَ لِثَوَابٍ تَجِبُ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ أَوْ بِغَيْرِ ثَوَابٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا جَازَتِ الْهِبَةُ لِثَوَابٍ ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ ؟ قِيلَ : لَا تَصِحُّ مِنْهُ هِبَةُ الثَّوَابِ ، وَإِنْ صَحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ إِجْمَاعٌ ، وَاسْتِحْقَاقَ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى خِلَافٍ . وَالثَّانِي : تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الثَّوَابِ ، وَفَرَّقَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ مَا تَعَجَّلَ مِنَ الْعِوَضِ وَتَأَجَّلَ ، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِيهَا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَإِذْنُهُ إِذَا صَحَّتِ الْهِبَةُ مُعْتَبَرٌ فِي عَقْدِهَا وَإِقْبَاضِهَا ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعَقْدِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِقْبَاضِ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ ، لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّمْلِيكُ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْإِقْبَاضِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَإِنْ أَذِنَ فِي الْإِقْبَاضِ ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ ، فَيَصِيرُ الْإِقْبَاضُ مُتَجَرِّدًا عَنْ غَيْرِ عَقْدٍ .

فَصْلٌ : وَإِذَا وَهَبَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ ، فَقَبُولُهُ لَهَا كَإِذْنِهِ فِيهَا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بَاطِلٌ ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ يَحْتَسِبُ السَّيِّدُ بِهَا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ . وَالثَّانِي : صَحِيحَةٌ ، فَإِنْ قِيلَ فِيهَا بِوُجُوبِ الثَّوَابِ وَجَبَتِ الْمُكَافَأَةُ فِيهَا عَلَى السَّيِّدِ يَدْفَعُهَا إِلَى مُكَاتَبِهِ ، أَوْ يَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ ، وَإِنْ قِيلَ بِسُقُوطِ الثَّوَابِ فِيهَا رُوعِيَ

حَالُ الْمُكَاتَبِ ، فَإِنْ أَدَّى مَالَ كِتَابَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا اسْتَقَرَّ مِلْكُ السَّيِّدِ عَلَى الْهِبَةِ ، وَإِنْ عَجَزَ وَكَانَ فِي الْهِبَةِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ ، فَفِي رُجُوعِ الْمُكَاتَبِ بِهَا لِيُؤَدِّيَهَا فِي كِتَابَتِهِ ، فَيَعْتِقَ بِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَرْجِعُ بِهَا كَالْهِبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَيَرْجِعُ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَرْجِعُ بِهَا لِيُؤَدِّيَهَا فِي عِتْقِهِ ، لِأَنَّ مَالَ الْمُكَاتَبِ مُسْتَحَقٌّ لِلسَّيِّدِ فِي كِتَابَتِهِ ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إِلَيْهِ اسْتَحَقَّ بِهِ الْعِتْقَ . فَأَمَّا هِبَةُ الْمُكَاتَبِ لِوَلَدِ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَالسَّيِّدُ قَابِلُهَا ، فَيَصِيرُ قَبُولُهُ لَهَا كَإِذْنِهِ فِيهَا ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا الْمُكَاتَبُ إِنْ عَجَزَ ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا فَهُوَ الْقَابِلُ ، وَيَكُونُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي اعْتِبَارِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ بَطَلَتْ ، وَإِنْ أَذِنَ فَعَلَى قَوْلَيْنِ :

فَصْلٌ : وَإِذَا أَبْرَأَ الْمُكَاتَبُ مِنْ دَيْنٍ يَسْتَحِقُّهُ كَانَ كَالْهِبَةِ مِنْهُ ، فَإِنْ أَبْرَأَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ بَطَلَ الْإِبْرَاءُ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ ، فَإِنْ صَالَحَ الْمُكَاتَبَ عَلَى مَالٍ لَهُ فَإِنْ كَانَ صُلْحًا يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْرَاءِ كَانَ فِي حُكْمِهِ يَبْطُلُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ جَارِيًا مَجْرَى الْبَيْعِ اعْتُبِرَ صُلْحُهُ ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ صَحَّ كَالْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَهُوَ كَالْهِبَةِ يَبْطُلُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ إِقْرَارُهُ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِقْرَارُهُ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ كَانَ إِقْرَارُهُ بِبَيْعِهَا مَقْبُولًا مَا كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَ عَجْزِهِ ، لِأَنَّهُ فِي الْكِتَابَةِ نَافِذُ الْبَيْعِ المكاتب ، فَنَفَذَ إِقْرَارُهُ فِيهِ ، وَبَعْدَ الْعَجْزِ مَرْدُودُ الْبَيْعِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ إِقْرَارُهُ فِيهِ وَجَرَى مَجْرَى الْحَاكِمِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ فِي وِلَايَتِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ بَعْدَ عَزْلِهِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالشِّرَاءِ فَمَقْبُولٌ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْعَجْزِ فَمُعْتَبَرٌ بِحَالَةِ الثَّمَنِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ بِدَفْعٍ أَوْ إِبْرَاءٍ كَانَ إِقْرَارُهُ مَقْبُولًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إِزَالَةَ مِلْكٍ ، وَفِي الشِّرَاءِ إِثْبَاتَ مِلْكٍ ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ نَظَرَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ قِيمَةِ السِّلْعَةِ فَمَا دُونَ نَفَذَ إِقْرَارُهُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لَمْ يَخْلُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمُغَابَنَةٍ فِيهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ، فَيَكُونَ الْإِقْرَارُ نَافِذًا ، وَالشِّرَاءُ مَرْدُودًا . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ مِنْ نَقْصِ سِعْرٍ أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ ، فَيَنْفُذَ الْإِقْرَارُ وَيَلْزَمَ الشِّرَاءُ ،

لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ إِذَا عَجَزَ عَنْهَا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مَقْبُولٌ ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِالْكِتَابَةِ مُسَلَّطًا عَلَى مَا أَفْضَى إِلَيْهِ فَنَفَذَ إِقْرَارُهُ فِيهِ ، فَإِنْ عَجَزَ مَا بِيَدِهِ عَنْ أَدَائِهِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ كَانَتْ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ دَنَانِيرُ وَلِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ فَجَعَلَا ذَلِكَ قِصَاصًا جاز

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ دَنَانِيرُ وَلِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ فَجَعَلَا ذَلِكَ قِصَاصًا أي المكاتب جَازَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقُلْنَا : إِنَّهُ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ مَالٌ ، وَحَلَّ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ مَالٌ ، هَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَالَيْنِ فِي الذِّمَّةِ قِصَاصًا بِالْآخَرِ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ أَمْ لَا ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ مَضَتْ : أَحَدُهَا : يَكُونُ قِصَاصًا إِذَا تَرَاضَيَا بِالْقِصَاصِ ، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا إِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى التَّرَاضِي بِهِ ، لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْتَحَقُّ مِنْ مَالٍ مُعَيَّنٍ إِلَّا بِرِضَا مَنْ هُوَ عَلَيْهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَكُونُ قِصَاصًا إِذَا رَضِيَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ ، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا إِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، كَالْحَوَالَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَكُونُ قِصَاصًا وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا كَالْوَارِثِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ صَارَ قِصَاصًا مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ . وَالرَّابِعُ : لَا يَكُونُ قِصَاصًا بِحَالٍ ، وَإِنْ تَرَاضَيَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَالَّةٌ وَلَهُ عَلَى السَّيِّدِ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَا الْأَلْفَ بِالْمِائَةِ قِصَاصًا لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَيْهِ عَرْضًا وَكِتَابَتُهُ نَقْدًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْقِصَاصِ ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَا حَلَّ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ ، وَمَا عَلَى السَّيِّدِ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ . فَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَا نَقْدًا كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ ، فَهَذَا الَّذِي يَكُونُ قِصَاصًا عَلَى الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَرْضًا لِأَنَّ السَّيِّدَ كَاتَبَهُ عَلَى ثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ ، وَأَسْلَمَ الْمُكَاتَبُ إِلَى سَيِّدِهِ فِي ثِيَابٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا قِصَاصًا وَإِنْ تَرَاضَيَا قَوْلًا وَاحِدًا ، لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَصِحُّ وَلَا يُبَرَّءَانِ إِلَّا بِقَبْضٍ

وَإِقْبَاضٍ فَإِنْ بَدَأَ الْمُكَاتَبُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ إِلَى سَيِّدِهِ كَانَ الْخِيَارُ إِلَى سَيِّدِهِ فِيمَا عَلَيْهِ لِمُكَاتَبِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ السَّلَمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَأْخُوذِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ النَّقْلِ وَبَعْدِهِ . وَإِنْ بَدَأَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ مِنَ السَّلَمِ إِلَى مُكَاتَبِهِ كَانَ الْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَقْبُوضِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ بَعْدَ نَقْلِهِ جَازَ ، وَإِنْ أَعْطَاهُ قَبْلَ نَقْلِهِ ، فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا فِي الْبُيُوعِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا نَقْدًا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ نُجُومُ الْمُكَاتَبِ دَرَاهِمَ ، وَلَهُ عَلَى السَّيِّدِ دَنَانِيرُ فهل يتقاصا ؟ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَاصَّا ، لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ وَيُطَالِبَ بِمَا لَهُ ، فَأَيُّهُمَا دَفَعَ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَادَ إِلَيْهِ بَدَلًا مِنْ حَقِّهِ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ ، لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَهُ قَابِضُ الدَّرَاهِمِ أَنْ يَدْفَعَهَا بَدَلًا مِنَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ حَقِّهِ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ ، وَإِنْ طَلَبَهَا لَمْ يَلْزَمْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّنَانِيرُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى بَدَلٍ عَنْهَا إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَا عَرْضًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ النُّجُومُ ثِيَابًا مَوْصُوفَةً ، وَمَا عَلَى السَّيِّدِ مِنَ السَّلَمِ غَنَمًا مَوْصُوفَةً بين المكاتب وسيده ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ مَا عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَدَلًا مِنْ مَالِهِ ، وَإِنْ تَرَاضَيَا بِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ ، وَيُطَالِبُ بِحَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ عَرْضًا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ نُجُومُ الْمُكَاتَبِ دَرَاهِمَ ، وَلَهُ عَلَى سَيِّدِهِ ثِيَابٌ مِنْ سَلَمِ ، فَإِنْ بَدَأَ الْمُكَاتَبُ فَدَفَعَ إِلَى سَيِّدِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَرَاهِمِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَهَا السَّيِّدُ عِوَضًا مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَيْهِ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَاضَيَا ، لِأَنَّهُ بَيْعُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَإِنْ بَدَأَ السَّيِّدُ فَدَفَعَ إِلَى مُكَاتَبِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ السَّلَمِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَهَا الْمُكَاتَبُ بَدَلًا مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لِلسَّيِّدِ إِذَا تَرَاضَيَا ، لِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ وَالنَّقْدِ بَدَلًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِنْ نَقْدٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَدَّى كِتَابَتَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ . وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ وَلَاءَهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَمُوتَ فَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَبْدٌ لِعَبْدِهِ عَتَقَ ، وَالثَّانِي أَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي حِينِ لَا يَكُونُ لَهُ بِعِتْقِهِ وَلَاؤُهُ ، فَإِنْ مَاتَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتَقِ بَعْدَمَا يُعْتَقُ وُقِفَ مِيرَاثُهُ فِي قَوْلِ مَنْ وَقَفَ الْمِيرَاثَ كَمَا وَصَفْتُ ، فَإِنْ عَتَقَ الْمَكَاتَبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَلَهُ ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ عَجَزَ فَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إِذَا كَانَ حَيًّا يَوْمَ يَمُوتُ ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنَ الرِّجَالِ مِيرَاثُهُ ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ . وَقَالَ

فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى كِتَابِ مَالِكٍ : إِنَّهُ لَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ فَأَدَّى لَمْ يُعْتَقْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يُعْتَقْ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي مُكَاتَبٍ مَلَكَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ ، فَنُفُوذُ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِيهِ ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ عِتْقُهُ مَرْدُودًا ، لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ مِلْكٍ وَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ ، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْعِتْقُ ، وَإِنْ عَتَقَ أَوْ كَاتَبَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، فَفِي عِتْقِهِ وَكِتَابَتِهِ أي المكاتب قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : بُطْلَانُهَا ، وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمُكَاتَبِ عِتْقٌ وَلَا كِتَابَةٌ ، لِنَقْصِ مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ ، فَصَارَ أَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَبْطُلُ عِتْقُهُ بِنَقْصِ تَصَرُّفِهِ مَعَ تَمَامِ مِلْكِهِ ، وَلِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْعِتْقُ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ عِتْقَهُ نَافِذٌ وَكِتَابَتَهُ جَائِزَةٌ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ بِإِذْنِهِ كَمَا يَزُولُ مَنْعُ الرَّهْنِ مِنَ الْعَيْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلِأَنَّ حَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ، فَاقْتَضَى أَنْ يَنْفُذَ الْعِتْقُ عَلَى الْأَحْوَالِ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِاخْتِصَاصِ الْمِلْكِ بِهِمَا ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ ، فَإِذَا أَنْفَذَ الْعِتْقَ ، وَصَحَّتِ الْكِتَابَةُ ، فَفِي وَلَاءِ الْمُعْتِقِ قَوْلَانِ اللذان صدرا عن المكاتب : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ بِالْعِتْقِ لِمَالِكٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَيْسَ الْمُكَاتَبُ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْوَلَاءَ قَبْلَ عِتْقِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ الْعِتْقُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَعَلَى هَذَا إِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ كَانَ مِيرَاثُهُ بِالْوَلَاءِ لِسَيِّدِهِ ، وَلَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ ، فَهَلْ يَجُرُّ إِلَيْهِ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ ، وَيَنْتَقِلُ عَنْ سَيِّدِهِ إِلَيْهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ ، وَيَكُونُ بَاقِيًا لِلسَّيِّدِ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ كَالنَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ مَحَلِّ ثُبُوتِهِ ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ ثُمَّ لِعُصْبَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُرُّ الْوَلَاءَ ، وَيَنْتَقِلُ عَنِ السَّيِّدِ إِلَيْهِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْعِتْقَ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْجَرَّ وَلَاءُ الْأَوْلَادِ عَنْ مُعْتِقِ الْأُمِّ إِلَى مُعْتِقِ الْأَبِ وَهُوَ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لِعِتْقِ الْأَوْلَادِ ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْجَرَّ وَلَاءُ الْعِتْقِ فِي الْمُبَاشَرَةِ عَنِ السَّيِّدِ إِلَى الْمُكَاتَبِ الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقِ ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَلَاءِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ لِلسَّيِّدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ الْمُعْتِقِ دُونَ السَّيِّدِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ . وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ وُقُوفُ الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوْكَدَ مِنَ النَّسَبِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُوقَفَ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِرَاشِ عَلَى بَيَانِ الْقَافَةِ أَوِ انْتِسَابِ الْوَلَدِ ، فَكَانَ الْوَلَاءُ فِي الْوُقُوفِ بِمَثَابَتِهِ ، وَيُرَاعَى حَالُ الْمُكَاتَبِ الْمُعْتِقِ ، فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَلَاءُ

مُعْتَقِهِ ، وَإِنْ رَقَّ بِالْعَجْزِ صَارَ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عِتْقِ الْمُكَاتَبِ ، فَفِي مِيرَاثِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ مَوْقُوفًا ، لِأَنَّ وَلَاءَهُ مَوْقُوفٌ كَمَا يُوقَفُ مِيرَاثُ الِابْنِ إِذَا مَاتَ ، وَكَانَ نَسَبُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ مِيرَاثَهُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ ، وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَاءُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ، لِأَنَّ السَّيِّدَ وَارِثٌ فِي الْحَالِ ، وَالْمُكَاتَبَ غَيْرُ وَارِثٍ فِيهَا ، فَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ الِانْتِقَالَ إِلَى حَالِ الْمِيرَاثِ كَالْحُرِّ إِذَا خَلَّفَ أَبًا مَمْلُوكًا وَجَدًّا حُرًّا كَانَ مِيرَاثُهُ لِجَدِّهِ ، وَلَا يُوقَفُ عَلَى عِتْقِ أَبِيهِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا مُكَاتَبُ الْمُكَاتَبِ لمن يؤدي مال الكتابة إِذَا قِيلَ بِصِحَّةِ كِتَابَتِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَالَ كِتَابَتِهِ إِلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ مَالِكُهُ الْمُتَوَلِّي عَقْدَ كِتَابَتِهِ ، وَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا فِي الْأَدَاءِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ ، وَيَعُودَا مَرْقُوقَيْنِ ، فَيَكُونَا مَعًا مِلْكًا لِلسَّيِّدِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ ، وَيُعْتَقَ ، وَيَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي ، وَيَرِقَّ ، فَيَكُونَ عَبْدًا لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ دُونَ السَّيِّدِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَيَرِقَّ وَيُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي وَيُعْتَقَ ، فَيَصِيرَ الْأَوَّلُ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ ، وَيَكُونُ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي لِلسَّيِّدِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يُؤَدِّيَا جَمِيعًا وَيُعْتَقَا ، فَيَكُونَ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لِلسَّيِّدِ ، وَوَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي مُعْتَبَرًا بِأَسْبَقِهِمَا عِتْقًا ، فَإِنْ سَبَقَ عِتْقُ الْمَكَاتَبِ الْأَوَّلِ كَانَ وَلَاءُ الثَّانِي لَهُ ، وَإِنْ سَبَقَ عِتْقُ الْمَكَاتَبِ الثَّانِي كَانَ فِي وَلَائِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لِلسَّيِّدِ . وَالثَّانِي : لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَبَيْعُ نُجُومِهِ مَفْسُوخٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : بَيْعُ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ حكمه لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ حَلَّتْ أَوْ كَانَتْ إِلَى أَجَلِهَا ، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ، فَجَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلًا لَهُ ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ حِكَايَةً عَنْ مَالِكٍ ، احْتِجَاجًا بِأَنَّ بَيْعَ بَرِيرَةَ كَانَ مَعْقُودًا عَلَى نُجُومِهَا ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى مِلْكٍ فَصَحَّ كَمَا لَوْ عَقَدَهُ عَلَى عَبْدِهِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغَرَرِ ، وَهَذَا غَرَرٌ ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْعَجْزِ ، وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ، وَلِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ

يُعْقَدَ عَلَيْهِ بَيْعُ لَازِمٍ لِتَنَافِيَهَا ، وَلِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ : إِنْ وَصَلَ الْمُشْتَرِي إِلَى نُجُومِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْبَائِعِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْكِتَابَةِ مَلَكَ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ ، وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ ابْتِيَاعِهِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ دَرَكَ مَا فَاتَ قَبْضُهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ ، وَقَدْ عَدَلَ بِهِ إِلَى جِهَةِ الْمُكَاتَبِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الدَّرَكَ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَنِ ، وَقَدْ عَدَلَ بِهِ إِلَى رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ جَعَلَ وَلَاءَهُ لِغَيْرِ مُعْتِقِهِ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ عَدَلَ بِعِتْقِهِ عَنِ الصِّفَةِ الْمَعْقُودَةِ فِي قَوْلِ الْبَائِعِ : إِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ آخِرَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، إِلَى صِفَةٍ غَيْرِ مَعْقُودَةٍ فِي أَنَّهُ إِذَا أَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي صَارَ حُرًّا . وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ جَعَلَهُ عَقْدًا عَلَى مَجْهُولٍ ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مِلْكِ الْمَالِ أَوِ السَّرِقَةِ ، فَأَمَّا بَيْعُ بَرِيرَةَ فَإِنَّمَا عُقِدَ عَلَى رَقَبَتِهَا بَعْدَ الْعَجْزِ ، لِأَنَّهَا أَتَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَسْتَعِينُ بِهَا فِي مَالِ كِتَابَتِهَا ، وَالْبَيْعُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَى مِلْكٍ كَمَا ذَكَرَهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَدَّى إِلَى الْمُشْتَرِي كِتَابَتَهُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ عَتَقَ كَمَا يُؤَدِّي إِلَى وَكِيلِهِ فَيُعْتَقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا صَحَّ بِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ ، فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مَالَ نُجُومِهِ حكمه ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا : إِنْ أَدَّاهَا بِأَمْرِ سَيِّدِهِ عَتَقَ ، وَحَكَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا : فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُخَرِّجُ اخْتِلَافَ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَقَامَهُ بِالْعَقْدِ مَقَامَ نَفْسِهِ ، فَصَارَ بِمَثَابَةِ وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهِ ، وَهُوَ يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْوَكِيلِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ بِأَدَائِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَائِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ عَتَقَ بِأَدَائِهِ إِلَى الْوَكِيلِ ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِي قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ، فَكَانَ الْأَدَاءُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِهِ ، وَالْوَكِيلُ قَبَضَهُ لِمُوكِّلِهِ ، فَصَارَ إِلَى مُسْتَحَقِّهِ ، فَعَتَقَ بِهِ . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ : لَيْسَ اخْتِلَافُ الْجَوَابِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، وَذَلِكَ أَنْ يُرَاعَى حَالُ الْأَدَاءِ ، فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِهِ ، لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَيْفَ شَاءَ ، وَيُمَلِّكَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ لَهُ ، وَغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ لَمْ يُعْتَقْ بِهِ الْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُخْبَرْ حَالَهُ ، لِأَنَّهُ

أَدَّاهُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُتَأَوِّلًا جَوَازَ الدَّفْعِ أَوْ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ ، لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا ، فَمَذْهَبُنَا صِحَّةُ الْأَدَاءِ ، وَنُفُوذُ الْعِتْقِ بِشِرَاءِ الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ دُونَ الْمُشْتَرِي ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَبَضَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى السَّيِّدِ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْأَدَاءَ فَاسِدٌ ، وَالْعِتْقَ غَيْرُ وَاقِعٍ لَمْ يَبِرَّ الْمُكَاتَبُ بِمَا أَدَّى ، وَرَجَعَ بِهِ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى السَّيِّدِ ، فَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إِلَى سَيِّدِهِ الحكم عَتَقَ بِهِ حِينَئِذٍ وَاسْتَقَرَّ رُجُوعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَبَضَ ، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ إِلَى رِقِّ السَّيِّدِ ، وَصَارَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْتِرْجَاعِ بِمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي .

مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، يُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ مِنْ شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالنَّسَبِ فما الحكم لو إشترى ؟ كَوَالِدَيْهِ ، وَمَوْلُودَيْهِ حِفْظًا لِمَالِهِ ، فَإِنِ اشْتَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ الشِّرَاءُ بَاطِلًا ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ : يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ قِيَاسًا وَامْتَنَعَ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا ، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَفِيدُ كَسْبَهُ بِابْتِيَاعِهِ ، وَيُدْخِلُهُ إِنْ عَتَقَ فِي وَلَاءِ سَيِّدِهِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِهِ مَا فِيهِ مِنِ اسْتِهْلَاكِ ثَمَنِهِ ، وَالْتِزَامِ نَفَقَتِهِ ، وَكَسْبُهُ مَظْنُونٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ ، وَوَلَاؤُهُ لَا يُعَاوَضُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ ابْتِيَاعُهُ إِتْلَافًا ، فَكَانَ مَرْدُودًا ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ كَالْهِبَةِ : أَحَدُهُمَا : بَاطِلٌ . وَالثَّانِي : جَائِزٌ . وَيَتَمَلَّكُ كَسْبَهُ وَيَلْتَزِمُ نَفَقَتَهُ وَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ لَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْلِكَ ثَمَنَ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ ، لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ حَقًّا .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِنْ أَوْصَى لَهُ بِهِمْ وَيَكْتَسِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَأْخُذُ فَضْلَ كَسْبِهِمْ وَمَا أَفَادُوا ، فَإِنْ مَرِضُوا أَوْ عَجِزُوا عَنِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا أَوْصَى لِلْمُكَاتَبِ بِابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ وُهِبَا لَهُ الحكم جَازَ لَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ ، إِذَا كَانَ وَالِدُهُ أَوْ وَلَدُهُ مُكْتَسِبًا ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْقَبُولِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ بِالْقَبُولِ مَالًا ، وَلَا اسْتَفَادَ بِهِ كَسْبًا ، فَإِذَا مَلَكَهُمْ بِالْقَبُولِ لَمْ يَعْتِقُوا ، وَكَانُوا تَبَعًا لَهُ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَكْسَابِهِمْ وَيَمْلِكُ مَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَتِهِمْ ، فَإِنْ مَرِضُوا أَوْ تَعَرَّضُوا لِلْكَسْبِ فَلَمْ يَكْتَسِبُوا أَنَفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَالْمُكَاتَبُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ ، قِيلَ : لَيْسَ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِالنَّسَبِ ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَاتُهُمْ بِالْمِلْكِ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَنْ وُصِّيَ بِهِ مِنْهُمْ غَيْرَ مُكْتَسِبٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ زَمِنًا ، وَوَلَدُهُ طِفْلًا ، فَفِي جَوَازِ قَبُولِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَجْهَانِ الموهوبين له من أقاربه : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ ، لِأَنَّ اسْتِهْلَاكَ مَالِهِ فِي نَفَقَاتِهِمْ كَاسْتِهْلَاكِهِ فِي أَثْمَانِهِمْ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ لِجَوَازِ أَنْ تَحْدُثَ لَهُمْ أَكْسَابٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، وَرُبَّمَا صَحُّوا فَصَحَّ مِنْهُمُ الْعَمَلُ ، وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالظَّاهِرِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَقْتَ الْقَبُولِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْجَوَازِ مِمَّا قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ جَنَوْا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ وَبِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ والد المكاتب وولده " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لِأَنَّ مَا يَفْدِيهِمْ بِهِ إِذَا جَنَوْا كَالثَّمَنِ الْمَصْرُوفِ فِي ابْتِيَاعِهِمْ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ ابْتِيَاعِهِمْ ، فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنَ افْتِدَائِهِمْ ، وَيُبَاعُوا فِي جِنَايَاتِهِمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ وَجْهًا وَاحِدًا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَبِيعُهُمْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، فَصَارَ فِي بَيْعِهِمْ كَالْوَكِيلِ ، فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَاتُهُمْ تَسْتَوْعِبُ أَثْمَانَهُمْ بِيعَ جَمِيعُهُمْ ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ بِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُمْ عَلَى مِلْكِ الْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ بِعِتْقٍ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بَاقِي الرِّقِّ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ فَهِيَ لِلْمُكَاتَبِ ، فَإِنْ أَوْجَبَتِ الْقَوَدَ فَالْخِيَارُ لَهُ دُونَهُمْ ، وَإِنْ أَوْجَبَتِ الْمَالَ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ دُونَ السَّيِّدِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيَكُونَ لِسَيِّدِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ قِيلَ

بِيعَتْ بَرِيرَةُ ، قِيلَ : هِيَ الْمُسَاوِمَةُ بِنَفْسِهَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالْمُخْبِرَةُ بِالْعَجْزِ بِطَلَبِهَا أُوقِيَّةً وَالرَّاضِيَةُ بِالْبَيْعِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ إِنْ عَتَقَ لِلْمُشْتَرِي ، وَحَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ . وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ . وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ إِنْ عَتَقَ لِلْبَائِعِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَسَائِرِ كُتُبِهِ : إِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ : يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِهِ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ بِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كُوتِبَتْ بَرِيرَةُ عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ ، فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَسْتَعِينُهَا ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَا ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتِ عَدَدْتُ لَهُمْ مَالَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِي ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا ، فَذَكَرَتْ لَهُمْ ذَلِكَ ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ ، فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَّتْهَا بِمَا قِيلَ لَهَا : فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَا آذَنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَتْ : أَتَتْنِي بَرِيرَةُ تَسْتَعِينُنِي فِي كِتَابَتِهَا ، فَقُلْتُ : لَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِي ، فَذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ابْتَاعِيهَا وَأَعْتِقِيهَا ، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ " فَاشْتَرَتْهَا ، فَأَعْتَقَتْهَا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، قَضَاءُ اللَّهُ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُونَ : أَعْتِقْ فُلَانًا وَالْوَلَاءُ لِي ، إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " . وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا ، هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّرَاقُطْنِيِّ ، وَهُوَ نَصٌّ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ ، وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْعَبْدِ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَالْعَبْدِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْمَعَانِي الْخَمْسَةِ فِي فَسَادِ بَيْعِ نُجُومِهِ ، وَلِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ عَاوَضَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِكِتَابَتِهِ حَتَّى زَالَ مِلْكُهُ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ بَيْعِهِ ، كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ إِنْ تَوَجَّهَ إِلَى نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ ، لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ عَلَيْهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَى الرَّقَبَةِ اقْتَضَى أَنْ

تَكُونَ نُجُومُ الْكِتَابَةِ لِلسَّيِّدِ الْبَائِعِ ، لِخُرُوجِهَا مِنَ الْبَيْعِ ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ ، وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا ، وَلِأَنَّ بَيْعَهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مُشْتَرِيهِ ، لِأَنَّ صِفَةَ عِتْقِهِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَا عَلَى بَائِعِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ ، وَفِي ثُبُوتِ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ الْمُنَافِي لِحُكْمِهِ ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ إِذَا نَفَذَ بَعْدَ بَيْعِهِ مُفْضٍ إِلَى سُقُوطِ الْوَلَاءِ لِمُسْتَحَقِّهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ سَبَبَ عِتْقِهِ ، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ عَلَى الرَّقَبَةِ ، لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى الْعِتْقِ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ يُوجِبُ أَنْ يَسْتَقِرَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ فَتَنَافَى اجْتِمَاعُهَا ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ بِالْكِتَابَةِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ ، فَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ ، فَصَارَ مُسَاوَمَةُ بَرِيرَةَ لِمَوَالِيهَا وَهُمْ آلُ الْمُغِيرَةِ ، فِي ابْتِيَاعِ نَفْسِهَا فَسْخًا مِنْهَا ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ بَاعَ مَا بَاعَهُ كَانَ بَيْعُهُ الثَّانِي فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ ، كَذَلِكَ يَكُونُ مُسَاوَمَةُ بَرِيرَةَ فِي نَفْسِهَا وَابْتِيَاعَهَا فَسْخًا ، وَبَيْعُهَا بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ جَائِزٌ ، أَلَا تَرَى أَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَائِشَةَ بِعِتْقِهَا ، وَلَوْ بَقِيَتِ الْكِتَابَةُ لَعُتِقَتْ بِهَا ؟ قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْمُكَاتَبَ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِهِ كَالْعَبْدِ ، فَلَيْسَ يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ الْعَبْدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ ، وَإِنْ وَافَقَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا . وَأَمَّا الْمُعْتَقُ نِصْفُهُ فَمُخَالِفٌ لِلْمُكَاتَبِ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَأَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، فَخَالَفَ الْمُكَاتَبَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ : " اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ " . قُلْتُ أَنَا : لِلْشَّافِعِيِّ فِي هَذَا جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ وَيُجِيزُ الْعِتْقَ وَيَجْعَلُهُ خَاصًّا ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : هَذَا مِنْ أَشَدِّ مَا يُغْلَطُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ هِشَامٌ وَحْدَهُ وَغَيْرُهُ قَدْ خَالَفَهُ وَضَعَّفَهُ . ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنْكِرُ عَلَى نَاسٍ شَرْطًا بَاطِلًا وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى بَاطِلٍ وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ وَعَلَيْهِمْ أَغْلَظُ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ أَنَّ لَكِ إِنِ اشْتَرَيْتِ وَأَعْتَقْتِ الْوَلَاءَ أَيْ لَا تَغُرِّيهِمْ ، وَاللُّغَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَقَالَ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا وَقَالَ : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ : وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ فَقَامَتْ " لَهُمْ " مَقَامَ " عَلَيْهِمْ " فَتَفَهَّمْ رَحِمَكَ اللَّهُ .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ : عَلَى حُكْمٍ ، وَعَلَى سُؤَالٍ ، وَعَلَى جَوَابٍ . فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ . وَالثَّانِيَةُ : الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ . فَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ ، وَثَالِثٌ حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ ، وَالشَّرْطَ لَازِمٌ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ ، وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ . وَالثَّالِثُ : وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ بَاطِلَانِ ، وَهُوَ أَقْيَسُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ . فَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ حكم فَالشَّرْطُ فِي الْوَلَاءِ بَاطِلٌ ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ شَرْطِ الْعِتْقِ وَشَرْطِ الْوَلَاءِ ، أَنَّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ قُرْبَةً ، فَجَازَ لِأَجْلِهَا أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ، وَيَلْزَمَ الشَّرْطُ ، وَلَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَلَاءِ قُرْبَةٌ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُوجِبِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَبَطَلَ ، وَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ الْبَيْعُ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا السُّؤَالُ فَقَدْ أَفْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَأَجَابَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ بَاطِلًا فَلِمَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَ فَسَادِهِ وَحَظْرِهِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ فِي فَاسِدٍ وَلَا مَحْظُورٍ . فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِجَوَابَيْنِ ، وَأَجَابَ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ بِجَوَابٍ ثَالِثٍ ، وَأَجَابَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِجَوَابٍ رَابِعٍ ، وَأَجَابَ أَبُو عَلِيٍّ الظَّهْرِيُّ بِجَوَابٍ خَامِسٍ ، وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ جَوَابًا سَادِسًا . فَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيِّ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ ( وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ ) زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمْ يَرْوِهَا ، فَكَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْلَى مِنَ الْأَخْذِ بِهَا لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : إِنْكَارُ الرُّوَاةِ لَهَا . وَالثَّانِي : مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْهَا . وَالثَّالِثُ : صِفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَا يَجُوزُ مِثْلَ ذَلِكَ مَعَهَا لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي حَقِّهِ أَشَدَّ ، وَعَلَى أَهْلِهِ فِيهِ أَغْلَظُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي مَحْظُورٍ عَلَيْهِمْ وَغُرُورٍ لِغَيْرِهِمْ ، فَهَذَا جَوَابٌ .

وَالْجَوَابُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ : مَعَ إِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَبَبٍ خَاصٍّ دَعَتْ إِلَيْهِ حَادِثَةٌ خَاصَّةٌ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَذِنَ بِهِ فِي وَقْتِ جَوَازِهِ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ نَسْخٌ ، فَأَظْهَرَ نَسْخَهُ فَفَسَخَهُ كَمَا أَمَرَ سَهْلَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، وَكَانَ كَبِيرًا ، ثُمَّ نَسَخَ رَضَاعَ الْكَبِيرِ ، وَقَالَ : الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْوَلَاءَ وَيَرَوْنَهُ مَالًا ، فَغَلَّظَ الْأَمْرَ فِيهِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِهِ بِأَنْ أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ بَيْعِهِ ، وَلِذَلِكَ غَضِبَ ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، وَخَطَبَ وَقَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهُ أَوْثَقُ ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ ظَنُّوا أَنَّ نَهْيَهُ إِنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى إِفْرَادِهِ بِالْبَيْعِ ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ جَائِزٍ صَحَّ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَفْسَخَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ شَرْطِهِ ، لِيَكُونَ الْفَسْخُ أَوْكَدَ ، وَالنَّهْيُ أَغْلَظَ ، كَمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنَ الْكَبَائِرِ ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ( الْبَقَرَةَ : ) ، تَوَقَّفُوا ، فَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ، ثُمَّ فَسَخَ عَلَيْهِمْ إِحْرَامَهُمْ بِالْحَجِّ ، وَجَعَلَهُ عُمْرَةً لِيَكُونَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ فِي إِثْبَاتِ أَوَامِرِهِ ، فَهَذَا جَوَابٌ ثَانٍ . وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ : وَهُوَ جَوَابُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ بِمَعْنَى وَاشْتَرِطِي عَلَيْهِمُ الْوَلَاءَ ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقُومُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : لَهُمُ اللَّعْنَةُ ، ( الرَّعْدِ : ) ، بِمَعْنَى : عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ، ( الْإِسْرَاءِ : ) ، أَيْ فَعَلَيْهَا ، وَقَدْ رَدَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَوْضِعَ الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، فَيَعْدِلُ بِهِ إِلَى الْمَجَازِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ هَاهُنَا مُمْكِنٌ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ . وَالثَّانِي : أَنَّ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا ، وَقَوْلَهُ فِي خُطْبَتِهِ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ . ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ لَهُمْ ، فَأَبْطَلَهُ عَلَيْهِمْ ، فَهَذَا حُكْمُ الْجَوَابِ الثَّالِثِ . وَالْجَوَابُ الرَّابِعُ : وَهُوَ جَوَابُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ خَارِجٌ مِنْهُ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ ، لَا مَخْرَجَ الْإِذْنِ وَالْجَوَازِ ، كَمَا قَالَ

تَعَالَى : فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ، ( الْكَهْفِ : ) وَهَذَا إِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ التَّخْيِيرَ فَهُوَ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ . وَالْجَوَابُ الْخَامِسُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ " . أَيِ اشْتَرِطِي لَهُمُ الْعِتْقَ ، فَعَبَّرَ عَنِ الْعِتْقِ بِالْوَلَاءِ لِحُدُوثِهِ عَنْهُ ، وَاسْتِحْقَاقِهِ بِهِ ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا عُدُولٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ . وَالْجَوَابُ السَّادِسُ : وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ تَقَدَّمَ الْعَقْدَ ، لِأَنَّهُ كَانَ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ ، وَهُوَ إِنَّمَا يَلْزَمُ إِذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ ، فَأَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْطَالَ حُكْمِهِ ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ ضَعْفٌ ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَلَ الشَّرْطَ لِفَسَادِهِ ، وَلَمْ يُبْطِلْهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لِأَزَالَ الِالْتِبَاسَ ، وَلَأَبَانَ الْحُكْمَ الْمَقْصُودَ .

بَابُ كِتَابَةِ النَّصْرَانِيِّ

تَجُوزُ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ بِمَا تَجُوزُ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ

بَابُ كِتَابَةِ النَّصْرَانِيِّ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَتَجُوزُ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ بِمَا تَجُوزُ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَشَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَمَنَعَ مِنْ كِتَابَةِ النَّصْرَانِيِّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ ( النُّورِ : ) وَهَذَا قَوْلُهُ فَاسِدٌ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إِمَّا أَنْ يَغْلِبَ فِيهَا حُكْمُ الْبَيْعِ أَوْ حُكْمُ الْعِتْقِ ، وَالنَّصْرَانِيُّ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ كَالْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّ مَا خُوطِبَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ يَعُمُّ حُكْمُهُ ، وَلَا يَقِفُ عَلَيْهِمْ ، وَإِذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ رُوعِيَ فِيهَا مَا يُرَاعَى فِي عُقُودِ مُكَاتَبَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَحْكَامِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَيْنَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيُبَاعَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا كَانَتْ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ جَائِزَةً حُمِلَا عَلَيْهَا ، وَأَخَذَا بِمُوجِبِهَا ، سَوَاءٌ أَقَامَهَا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ أَوِ الْمُكَاتَبُ أَوْ هُمَا ، لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَصِحُّ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا انْتِقَالُ الْمُكَاتَبِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرِثُهُ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا ، وَالسَّيِّدُ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ لَمْ يُقَرَّ عَلَى مِلْكِهِ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِرْقَاقِ مُسْلِمٍ ، وَأُخِذَ بِبَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ ، وَلَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ قَبْلَ عَجْزِهِ لِخُرُوجِهِ بِالْكِتَابَةِ عَنْ حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَإِفْضَائِهِ بِهَا إِلَى عِتْقِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَلَالٍ عِنْدَهُمْ حَرَامٌ عِنْدَنَا أَبْطَلْنَا مَا بَقِيَ مِنَ الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ أَدَّاهَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إِلَيْنَا فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَضَى فِي النَّصْرَانِيَّةِ ، وَلَوْ أَسْلَمَا وَبَقِيَ مِنَ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ مِنْ خَمْرٍ فَقَبَضَهُ السَّيِّدُ عَتَقَ بِقَبْضِهِ آخِرَ كِتَابَتِهِ وَرَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ مُكَاتَبَةَ النَّصْرَانِيِّ لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :

أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً بِحَلَالٍ كُلِّهِ . وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً بِحَرَامٍ كُلِّهِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً بِحَرَامٍ وَحَلَالٍ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً بِحَلَالٍ كُلِّهِ ، وَذَلِكَ أَنْ يَعْقِدَاهَا بِمَا يَتَعَاقَدُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَعْوَاضِ الْمُبَاحَةِ ، فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ أَقَامَا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَسْلَمَا ، وَيُؤْخَذَانِ بِمُوجِبِهَا مِنْ عِتْقٍ بِالْأَدَاءِ أَوْ رِقٍّ بِالْعَجْزِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَاهَا بِحَرَامٍ كُلِّهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مُكَاتَبَةَ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي يَرَوْنَهُ مَالًا وَلَا نَرَاهُ مَالًا ، وَلَهُمَا إِذَا أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ تَقَابُضِ جَمِيعِهِ ، فَالْعِتْقُ بِهِ وَاقِعٌ ، وَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا لِنُفُوذِهِ فِي الشِّرْكِ الْمَعْفُوِّ عَنْ عُقُودِهِمْ فِيهِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الْإِسْلَامِ مَعَ بَقَاءِ جَمِيعِهِ ، فَالْكِتَابَةُ بِهِ فَاسِدَةٌ ، وَإِنْ تَرَافَعَا فِيهَا إِلَى الْحَاكِمِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِإِبْطَالِهَا ، فَإِنْ تَأَدَّاهَا مِنْهُ بَعْدَ إِبْطَالِ الْحُكْمِ لَهَا لَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ ، وَإِنْ تَأَدَّاهَا قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِبْطَالِهَا وَقَعَ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ لِحُصُولِهِ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ غَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الصِّفَةِ ، وَكَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِقِيمَةِ مَا قَبَضَهُ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ خَمْرٍ ، لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَنَا فِي حَقِّ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ بَاقِيًا أُخِذَ بِإِرَاقَتِهِ ، وَقَتْلِ الْخِنْزِيرِ ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِرَدِّهِمَا . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ ، فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ ، وَالْمَقْبُوضُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَلَا يُعْتَدُّ فِي قِسْطِ الْقِيمَةِ . فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ لَوْ أَصَدَقَهَا فِي الشِّرْكِ خَمْرًا ، وَأَسْلَمَا بَعْدَ تَقَابُضِ بَعْضِهِ كَانَ الْمَقْبُوضُ مُعْتَدًّا بِقِسْطِهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهَلَّا كَانَتِ الْكِتَابَةُ بِمَثَابَتِهِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهَا ، وَيَقِفُ أَوَّلُهَا عَلَى أَدَاءِ آخِرِهَا حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا إِلَّا دِرْهَمًا عَجَزَ عَنْهُ كَانَ لَهُ اسْتِرْقَاقُهُ بِهِ كَمَا يَسْتَرِقُّهُ بِالْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمَقْبُوضُ فِي الشِّرْكِ مُعْتَدًّا بِهِ مِنْ قِسْطِ الْكِتَابَةِ ، وَخَالَفَ الصَّدَاقَ الَّذِي يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ ، وَلَا يَقِفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ ، فَكَانَ الْمَقْبُوضُ فِيهِ فِي الشِّرْكِ مُعْتَدًّا بِقِسْطِهِ مِنَ الْمَهْرِ ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْمَقْبُوضِ مِنْهُ فِي الشِّرْكِ نَظَرَ ، فَإِنْ تَرَافَعَا إِلَى الْحَاكِمِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ، وَلَمْ يَعْتَدَّ فِيهَا بِأَدَاءِ الْبَاقِي ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبْضِ الْبَاقِي ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ أَنْ يُعَاوِضَ بِخَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ ، فَإِنْ قَبَضَهُ عَتَقَ بِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الصِّفَةِ ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ .



فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَاهَا بِحَلَالٍ وَحَرَامٍ مُكَاتَبَةَ النَّصْرَانِيِّ ، فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَعْضِ الْعِوَضِ كَتَحْرِيمِ جَمِيعِهِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ تَقَابُضِ جَمِيعِهِ ، فَيَكُونَ الْعِتْقُ وَاقِعًا ، وَلَا تَرَاجُعَ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ قَبْضِ جَمِيعِهِ ، فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ حَكَمَ بِإِبْطَالِهَا لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، وَإِذَا حَصَلَ الْأَدَاءُ قَبْلَ التَّحَاكُمِ عَتَقَ بِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الصِّفَةِ ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ ، وَرَجَعَ الْمُكَاتَبُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى مِنَ الْعِوَضِ الْحَلَالِ دُونَ الْحَرَامِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ تَقَاصَّاهُ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَتَقَابَضَا الْحَلَالَ ، وَيَبْقَى الْحَرَامُ ، فَتَكُونَ بَاطِلَةً ، فَإِنْ أَدَّى الْحَرَامَ قَبْلَ التَّحَاكُمِ عَتَقَ بِالصِّفَةِ وَتَرَاجَعَا . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَتَقَابَضَا الْحَرَامَ فِي الشِّرْكِ ، وَيَبْقَى الْحَلَالُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهَا : يَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا ، لِأَنَّ الْحَرَامَ بِقَبْضِهِ فِي الشَّرَكِ قَدْ صَارَ عَفْوًا ، وَالْبَاقِي مِنَ الْحَلَالِ فِي الْإِسْلَامِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا ، فَعَلَى هَذَا يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ الْحَلَالَ ، وَيَعْتِقُ بِهِ وَلَا تَرَاجُعَ فِيهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْحَلَالَ بَعْضُ الْعِوَضِ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلِلسَّيِّدِ إِبْطَالُهَا ، لِئَلَّا يُعْتَقَ بِأَدَائِهَا وَيَصِيرَ عَبْدًا ، فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهَا وَلَا حَكَمَ بِإِبْطَالِهَا حَاكِمٌ عَتَقَ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ ، وَرَجَعَ الْمُكَاتَبُ بِمَا أَدَّاهُ وَكَانَ قِصَاصًا إِنْ تَجَانَسَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ اشْتَرَى مُسْلِمًا فَكَاتَبَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ تَامٌّ ، فَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ وَتَرَاجَعَا كَمَا وَصَفْتُ . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ فَمَتَى عَجَزَ بِيعَ عَلَيْهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) الْقَوْلُ الْآخَرُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ النَّصْرَانِيِّ بِكِتَابَتِهِ ، وَعَسَى أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ ، فَإِنْ عَجَزَ رَقَّ وَبِيعَ مَكَانَهُ ، وَفِي تَثْبِيتِهِ الْكِتَابَةَ إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ نَصْرَانِيٌّ عَلَى مَا قُلْتُ دَلِيلٌ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا ، فَفِي عَقْدِ الشِّرَاءِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : بَاطِلٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ كِتَابَةٌ ، وَإِنْ كُوتِبَ لَمْ يَعْتِقْ فِيهَا بِالْأَدَاءِ لَا عَلَى صِحَّةٍ ، وَلَا عَلَى فَسَادٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَى مِلْكِهِ ، لِئَلَّا يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهِ صَغَارٌ ، وَيُؤْخَذُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ إِمَّا بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ ، الْخِيَارُ إِلَى السَّيِّدِ فِي الْبَيْعِ أَوِ الْعِتْقِ ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدَهُمَا زَالَ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ ، وَإِنْ دَبَّرَهُ وَلَمْ يُعْتِقْهُ لَمْ يُقَرَّ عَلَى تَدْبِيرِهِ لِمَا فِي التَّدْبِيرِ مِنِ اسْتِدَامَةِ رِقِّهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ ، وَإِنْ كَاتَبَهُ فَفِي صِحَّةِ الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا قَدْ رَفَعَتْ عَنْهُ يَدَ السَّيِّدِ ، فَزَالَ عَنْهُ الصَّغَارُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ أُقِرَّ عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْكِتَابَةَ فَاسِدَةٌ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ بَقَاءَ الرِّقِّ وَثُبُوتَ الْحَجْرِ صَغَارٌ ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَرْفَعُ الرِّقَّ ، وَلَا تَمْنَعُ الْحَجْرَ ، فَلَمْ تَصِحَّ . وَالثَّانِي : أَنَّ رَفْعَ الصَّغَارِ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ، لِأَنَّ رِضَى الْعَبْدِ بِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ ، فَلَمَّا لَمْ يُقَرَّ الصَّغَارُ مُؤَبَّدًا لَمْ يُقَرَّ إِلَى غَايَةٍ . فَأَمَّا إِذَا كَاتَبَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا تُقَرُّ الْكِتَابَةُ ، وَلَا يُبَاعُ فِيهَا ، لِأَنَّهَا عُقِدَتْ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ ثُمَّ طَرَأَ الْإِسْلَامُ عَلَى مُكَاتَبٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، فَلِذَلِكَ أُقِرَّتْ ، وَإِذَا عُقِدَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَدْ عُقِدَتْ عَلَى عَبْدٍ وَجَبَ بَيْعُهُ ، فَلِذَلِكَ بَطَلَتْ ، وَلَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ ثُمَّ كُوتِبَ كَانَتْ كِتَابَتُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَوْجِيهًا ، وَفَرْقًا . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ رُوعِيَ حَالُهَا ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ زَالَ الِاعْتِرَاضُ عَنِ السَّيِّدِ ، وَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ أَخَذَ السَّيِّدُ حِينَئِذٍ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْهَا بِيعَ عَلَيْهِ جَبْرًا ، وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ ، فَلَا يُسْتَهْلَكُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِفَسَادِ الْكِتَابَةِ مُنِعَ فِي الْحَالِ مِنْ إِقْرَارِهِ عَلَى تَمَلُّكِهِ ، وَأُخِذَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الْمَالِكُ حَتَّى أَدَّى الْمَكَاتَبُ كِتَابَتُهُ عَتَقَ فِي كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ ، فَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَيَتَقَاصَّانِهِ إِنْ تَجَانَسَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ

كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أُثْبِتُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا فِي إِبْطَالِ كِتَابَتِهِ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ يَمْلِكُونَ مِلْكًا صَحِيحًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَمْلِكُونَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَمْلِكُونَ مِلْكًا ضَعِيفًا ، وَلِلْكَلَامِ عَلَيْهَا مَوْضِعٌ قَدْ تَقَدَّمَ ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، ( الْأَحْزَابِ : ) ، دَلِيلٌ كَافٍ ، لِأَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ إِضَافَةَ مِلْكٍ تَامٍّ . وَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُ الْحَرْبِيِّ ، فَكَاتَبَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ بِعَرْضٍ يَمْلِكُ الْحَرْبِيُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَمَلَكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِمُكَاتَبِهِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بِحَالِهَا ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا فِيهَا مَا لَمْ يَتَرَافَعَا فِيهَا إِلَيْنَا ، فَإِنْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا اعْتَبَرْنَاهَا ، فَإِنْ عُقِدَتْ بِمَا تَصِحُّ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا ، وَإِنْ عُقِدَتْ بِمَا لَا تَصِحُّ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ حُكِمَ بِفَسَادِهَا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا أَحْدَثَ لَهُ السَّيِّدُ قَهْرًا أَبْطَلَ بِهِ كِتَابَتَهُ ، رُوعِيَ حَالُ قَهْرِهِ وَإِبْطَالِهِ لِكِتَابَتِهِ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ نَفَذَ حُكْمُ قَهْرِهِ ، وَبَطَلَ مَا عَقَدَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ ، لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إِبَاحَةٍ وَمَنْ تَغَلَّبَ فِيهَا عَلَى شَيْءٍ مَلَكَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ تَغَلَّبَ عَلَى سَيِّدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَرَقَّهُ ، وَدَخَلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ ، وَصَارَ الْعَبْدُ حُرًّا مَالِكًا لِسَيِّدِهِ ، وَالسَّيِّدُ مَمْلُوكًا لِعَبْدِهِ ؟ كَذَلِكَ غَلَبَةُ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ ، وَإِبْطَالُهُ لِكِتَابَتِهِ تَشَارُكٌ عَلَى تَغْلِيبِهِ وَقَهْرِهِ ، فَإِذَا دَخَلَا بَعْدَ ذَلِكَ دَارَ الْإِسْلَامِ أُقِرَّا عَلَى مَا خَرَجَا عَلَيْهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، وَبَطَلَتِ الْكِتَابَةُ وَلَمْ يُعْتَقْ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، وَإِنْ دَخَلَا دَارَ الْإِسْلَامِ وَهُمَا عَلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ السَّيِّدُ فِيهَا فَسْخَ الْكِتَابَةِ غَلَبَةً وَقَهْرًا لَمْ تَنْفَسِخْ ، وَكَانَتْ عَلَى لُزُومِهَا ، وَيُؤْخَذُ السَّيِّدُ بِحُكْمِهَا بِخِلَافِ فِعْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارَ عَدْلٍ وَأَمَانٍ ، وَدَارَ الْحَرْبِ دَارُ غَلَبَةٍ وَقَهْرٍ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنَعَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مَا فِيهَا ، وَأَبَاحَتْ دَارُ الشِّرْكِ مَا فِيهَا " .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ ، فَإِنْ سُبِيَ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا مِنْ مُسْلِمٍ بِعِتْقِهِ إِيَّاهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي مُسْلِمٍ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ حَرْبِيًّا ، فَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ ، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ ، فَلَوْ دَخَلَ بِعَبْدِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بِحَالِهَا لَمْ تَزِدْهَا دَارُ الْإِسْلَامِ إِلَّا تَأْكِيدًا ، وَلِلْعَبْدِ أَمَانٌ عَلَى نَفْسِهِ ، بِمِلْكِ الْمُسْلِمِ لَهُ ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ ، فَيُرَاعَى حَالُ كِتَابَتِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا رَقَّ ، وَكَانَ عَبْدًا لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ صَارَ حُرًّا ، وَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ ، وَلَا يُقَرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِجِزْيَةٍ ، لِأَنَّهُ حُرٌّ ، فَإِنْ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَرَقَّ ، وَكَانَ السَّابِي عَلَى خِيَارِهِ بَيْنَ قَتْلِهِ أَوْ أَخْذِ فِدَائِهِ ، أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ فِيهِ مَمْنُوعًا مِنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَحْدَهُ ، لِأَنَّ فِي اسْتِرْقَاقِهِ إِبْطَالًا لِوَلَائِهِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ مُسْلِمٌ ، فَلَمْ يَجُزْ . فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ لَوْ سُبِيَ حَرْبِيٌ هُوَ ابْنٌ لِمُسْلِمٍ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ ، فَمَا الْفَرْقُ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالِاسْتِرْقَاقِ ، وَالْوَلَاءَ يَبْطُلُ بِالِاسْتِرْقَاقِ . فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْحُكْمُ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ حَرْبِيَّةٌ فَسُبِيَتْ أَفَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِالسَّبْيِ أَمْ يَكُونُ بَاقِيًا لِلْمُسْلِمِ كَالْوَلَاءِ ؟ قِيلَ : قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَكُونُ بَاقِيًا . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : النِّكَاحُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِالْعُيُوبِ ، فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْفَسْخُ بِالسَّبْيِ ، وَالْوَلَاءُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ ، وَلَا يَزُولُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَزَلْ بِالسَّبْيِ . فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالسَّبْيِ ، وَالْمُسْلِمُ لَوِ اسْتَأْجَرَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ دَابَّةً فَغُنِمَتْ لَمْ تَبْطُلْ إِجَارَتُهُ ، وَالنِّكَاحُ أَوْكَدُ ؟ قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُدَّةٌ لَا يَسْتَدِيمُ بِهَا الضَّرَرُ عَلَى الْغَانِمِينَ ، فَلَزِمَتْ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا ، وَلَيْسَ تَنْقَطِعُ مُدَّةُ النِّكَاحِ لِتَأْبِيدِهَا ، فَانْفَسَخَ لِاسْتِدَامَةِ ضَرَرِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَاتَبَهُ الْمُسْتَأْمَنُ عِنْدَنَا وَأَرَادَ إِخْرَاجَهُ مُنِعَ وَقِيلَ : إِنْ أَقَمْتَ فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِلَّا فَوَكِّلْ بِقَبْضِ نُجُومِهِ ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لَكَ وَإِنْ مِتُّ دُفِعَتْ إِلَى وَرَثَتِكَ . وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ يَكُونُ مَغْنُومًا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيًّا لَا يُغْنَمُ مَالُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ فَوَارِثُهُ فِيهِ بِمَثَابَتِهِ ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِعَبْدِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمِنًا ، ثُمَّ

كَاتَبَ عَبْدَهُ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ كِتَابَتِهِ فَإِنْ سَاعَدَهُ الْمَكَاتَبُ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الرُّجُوعِ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ ، وَاسْتَعْدَانَا عَلَيْهِ مَنَعْنَاهُ مِنْ إِخْرَاجِهِ مَعَهُ ، لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَجْرِي عَلَى الْعُقُودِ فِيهَا أَحْكَامُ الْوَفَاءِ بِهَا ، وَهُوَ إِذَا خَرَجَ بِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَغْلِبَهُ عَلَى إِبْطَالِ كِتَابَتِهِ ، فَلِذَلِكَ مُنِعَ ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ قَدْ مَنَعَ سَيِّدَهُ مِنْهُ ، فَصَارَ لَهُ مَالُ الْكِتَابَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ مَعَ صَاحِبِ الدَّيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَرْبِيُّ قَدْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَيْنَا بِعَبْدِهِ مُسْتَأْمِنًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَدِّهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ ، فَافْتَرَقَا .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا ، وَأَنَّ الْحَرْبِيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ إِخْرَاجِ مَنْ كَاتَبَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ إِخْرَاجِ مَنْ كَاتَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، قِيلَ لِلْحَرْبِيِّ بَعْدَ مَنْعِهِ مِنْ إِخْرَاجِ مُكَاتَبِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ : أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِاسْتِيدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَبَيْنَ أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَضُهُ لَكَ ، فَتَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُقَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُنِعَ مِنَ اسْتِدَامَةِ مُقَامِهِ إِلَّا بِجِزْيَةٍ يُؤَدِّيهَا عَنْ رَقَبَتِهِ ، لِيَصِيرَ لَهُ بَعْدَ الْأَمَانِ ذِمَّةٌ بِالْجِزْيَةِ ، فَإِنِ اسْتَأْدَى مَالَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ عِتْقِهِ ، إِلَّا بِجِزْيَةٍ ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا مُعْتَبِرًا بِجِزْيَةِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ عَبْدًا ، وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْجِزْيَةُ ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِسَيِّدِهِ ، وَلَوْ عَادَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ عِتْقِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ، فَسُبِيَ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِذِمِّيٍّ ، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ وَلَاؤُهُ لِمُسْلِمٍ ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَرَقَّ ، فَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِرْقَاقُ مَوْلَاهُ ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَرَقَّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَرَقَّ مَوْلَاهُ ، فَإِنْ وَكَلَّ هَذَا الْحَرْبِيُّ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي قَبْضِ الْكِتَابَةِ ، وَعَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ قَامَ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِ مَالِ الْكِتَابَةِ مَقَامَهُ ، فَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إِلَيْهِ مَالَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ ، وَكَانَ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ ، فَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ عَلَى حَالِهِ ، فَنَقَضَ سَيِّدُهُ الْأَمَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا مُحَارِبًا ، فَهَلْ يُغْنَمُ مُكَاتَبُهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَحَدُهُمَا : يُغْنَمُ هَذَا الْمُكَاتَبُ ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِأَمَانِ السَّيِّدِ ، فَإِذَا ارْتَفَعَ أَمَانُهُ بِنَقْضِ الْعَهْدِ زَالَ الْمَنْعُ ، فَعَلَى هَذَا يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ مَالَ الْكِتَابَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ ، لِأَنَّهُ فَيْءٌ يُصْرَفُ مَالُ الْأَدَاءِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ ، وَكَانَ قِنًّا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يُغْنَمُ الْمُكَاتَبُ ، وَيَكُونُ الْأَمَانُ مُسْتَبْقًى فِي حَقِّهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ أَمَانٌ عَلَى مَالِهِ دُونَ نَفْسِهِ وَأَمَانٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ مَالِهِ ، وَأَمَانٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَكَذَلِكَ جَازَ إِذَا انْتَقَضَ أَمَانُهُ فِي نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي مَالِهِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا إِذَا مَاتَ سَيِّدُهُ بعد أن كاتبه ، فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُزَنِيُّ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَلَا

يَكُونُ غَنِيمَةً ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْرُوثِ فِي مَالِهِ بِحُقُوقِهِ كُلِّهَا كَالْمَرْهُونِ ، وَمَا اسْتُحِقَّتْ بِهِ النَّفَقَةُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " يَصِيرُ مَغْنُومًا يُؤَدِّي مَالَ كِتَابَتِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ إِنْ عَتَقَ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ رَقَّ كَانَ فَيْئًا لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يُورِثُ ، وَلَا يَتَجَاوَزُ الْمُسْتَأْمِنَ ، وَقَدْ زَالَ الْأَمَانُ بِالْمَوْتِ ، وَصَارَ الْمُكَاتَبُ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ أَمَانٌ ، فَلِذَلِكَ صَارَ مَغْنُومًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ خَرَجَ فَسُبِيَ فَمُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فُودِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا وَرُدَّ مَالُ مُكَاتَبِهِ إِلَيْهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنِ اسْتُرِقَّ وَعَتَقَ مُكَاتَبُهُ بِالْأَدَاءِ وَمَاتَ الْحَرِبِيُّ رَقِيقًا لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُعْتَقَ الْحَرْبِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونَ لَهُ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ وَمَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ كَانَ مَوْقُوفًا لَهُ أَمَانٌ فَلَمْ يَبْطُلْ أَمَانُهُ مَا كَانَ رَقِيقًا وَلَمْ نَجْعَلْهُ لَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَأْخُذَهُ مَوْلَاهُ ، فَلَمَّا عَتَقَ كَانَتِ الْأَمَانَةُ مُؤَدَّاةً ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : فِيهَا قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي : لَمَا رَقَّ كَانَ مَا أَدَّى مُكَاتَبُهُ فَيْئًا . وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ : يَصِيرُ مَالُهُ مَغْنُومًا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي خَتَمَ بِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ أَنْ يَمْلِكَ بَطَلَ عَنْ مَالِهِ مِلْكُهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي حَرْبِيٍّ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ اسْتِئْمَانِهِ ، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنَّ أَمَانَهُ يَزُولُ بِعَوْدِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ مَالِهِ الَّذِي عَادَ مَعَهُ وَلَا يَزُولُ أَمَانُهُ عَنِ الْمَالِ الَّذِي خَلَّفَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، لِأَنَّ الْأَمَانَ يَتَمَيَّزُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَيَكُونُ مَالُ الْكِتَابَةِ يَسْتَوْفِيهِ وَكِيلُ هَذَا السَّيِّدِ الْحَرْبِيِّ ، فَإِنْ سُبِيَ هَذَا السَّيِّدُ فَأَمِيرُ الْجَيْشِ فِيهِ بِالْخِيَارِ فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ فِي أَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ : مِنْ قَتْلِهِ ، أَوْ مُفَادَاتِهِ ، أَوِ اسْتِرْقَاقِهِ ، أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ قَتْلُهُ بَعْدَ الْأَسْرِ كَمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَسْرٍ ، وَهَلْ يُغْنَمُ الْمُكَاتَبُ أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ ، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ أَوْ فُودِيَ بِهِ كَانَ الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ أَمَانًا لَهُ ، فَيَكُونُ الْمُكَاتَبُ فِي حَقِّ هَذَا السَّيِّدِ عَلَى حُكْمِهِ قَبْلَ أَسْرِهِ يُؤَدِّي مَالَ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إِلَى وَكِيلِهِ إِنْ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ، وَإِنِ اسْتُرِقَّ هَذَا السَّيِّدُ بَعْدَ أَسْرِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالِاسْتِرْقَاقِ ، لِأَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ ، وَلَا يَنْتَقِلُ مَالُهُ إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي اسْتَرَقَّهُ ، لِأَنَّ السَّيِّدَ إِنَّمَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ عَبْدِهِ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِ ، وَذَاكَ مَالٌ قَدْ كَسَبَهُ قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ سَيِّدُهُ ، وَلَا يَكُونُ أَيْضًا لِوَارِثِ هَذَا الْأَسِيرِ الْمُسْتَرَقِّ ، لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ حَيٌّ وَلَا يُورَثُ مَمْلُوكٌ وَلَا حَيٌّ .



فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى حُكْمِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِ سَيِّدِهِ ، فَتَكُونُ كِتَابَتُهُ بِحَالِهَا لَا تَبْطُلُ بِاسْتِرْقَاقِ سَيِّدِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إِلَى وَكِيلِ السَّيِّدِ ، لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالِاسْتِرْقَاقِ قَدْ أَبْطَلَ وِكَالَتَهُ ، وَيَكُونُ الْحَاكِمُ هُوَ الْمُسْتَأْدِي لَهَا أَوْ مَنْ يَنْدُبُهُ لِذَلِكَ مِنْ أُمَنَائِهِ ، وَيَكُونُ حُكْمُ اسْتِرْقَاقِهِ مَبْنِيًّا عَلَى حُكْمِ مَوْتِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يُغْنَمْ مَالُهُ كَانَ مَوْرُوثًا عَنْهُ ، فَلِذَلِكَ إِذَا اسْتُرِقَّ لَمْ يُغْنَمْ مَالُهُ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي فِيهَا ، وَيَكُونُ مَالُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَا يَحْدُثُ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ مَوْتٍ عَلَى رِقٍّ ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ مَالُهُ وَمُكَاتَبُهُ مَغْنُومًا ، فَفِيهِ إِذَا اسْتُرِقَّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ مَغْنُومًا ، لِأَنَّ الرِّقَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَالْمَوْتِ ، فَاسْتَوَيَا فِي غَنِيمَةِ مَالِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ مَالَهُ لَا يُغْنَمُ بِاسْتِرْقَاقِهِ ، وَإِنْ غُنِمَ بِمَوْتِهِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ ، لِاسْتِحَالَةِ حَيَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَزَوَالَ مِلْكِهِ بِالرِّقِّ يُرْجَى عَوْدُهُ ، لِجَوَازِ عِتْقِهِ بَعْدَ رِقِّهِ ، فَلَا يُغْنَمُ عَلَيْهِ مَالُهُ بِالرِّقِّ ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ عِتْقِهِ أَوْ مَوْتِهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ بَعْدَ رِقِّهِ ، فَإِنْ قُلْنَا : يَكُونُ مَغْنُومًا كَانَ مَا يُؤَدِّيهِ الْمُكَاتَبُ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ كَانَ وَلَاؤُهُ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : " وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ " يَعْنِي : أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِهِ ، لِأَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَتِهِمْ ، وَإِنْ عَجَزَ هَذَا الْمُكَاتَبُ وَرَقَّ كَانَ مَمْلُوكًا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَسَوَاءٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَمُوتَ سَيِّدُهُ عَلَى رِقِّهِ أَوْ يُعْتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ مَالَهُ يَكُونُ بَعْدَ حُدُوثِ رِقِّهِ مَوْقُوفًا عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ عِتْقِهِ أَوْ مَوْتِهِ فَلَهُ حَالَتَانِ : حَالَةٌ يُعْتَقُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَحَالَةٌ يَمُوتُ عَلَى رِقِّهِ ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ عَادَ مَالُهُ الْمَوْقُوفُ إِلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ بَاقِيًا عَلَى كِتَابَتِهِ أَدَّاهَا عَتَقَ وَكَانَ وَلَاؤُهُ إِنْ عَتَقَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّاهَا إِلَى الْحَاكِمِ أَخَذَ مِنَ الْحَاكِمِ مَا اسْتَأْدَاهُ مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَكَانَ لَهُ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى رِقِّهِ كَانَ مَالُهُ مَغْنُومًا لَا يُرَدُّ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَلَا عَلَى وَارِثِهِ ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ مُكَاتَبِهِ ، فَإِنَّ لَهُ حَالَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَعْجِزَ ، وَيَرِقَّ ، فَيَكُونَ مَغْنُومًا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ فَلَا يَخْلُو حَالَةُ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِرْقَاقِ سَيِّدِهِ ، فَفِي وَلَائِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ لِبَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَزُولُ الْوَلَاءُ ، وَيَرْتَفِعُ ، وَيَصِيرُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِمَّنْ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِ سَيِّدِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ ، ثَابِتٌ ، وَفِي مُسْتَحِقِّهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ . وَالثَّانِي : يَكُونُ لِسَيِّدِ السَّيِّدِ ، مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا عَتَقَ الثَّانِي قَبْلَ عِتْقِ الْأَوَّلِ كَانَ فِي وَلَاءِ الثَّانِي قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ لِلسَّيِّدِ . وَالثَّانِي : مَوْقُوفٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ، فَيَكُونَ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا لِبَيْتِ الْمَالِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ لَوْ أَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مُكَاتَبٍ ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مُكَاتَبٍ ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي مُسْلِمٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، فَسَبَوْهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ ، لِأَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُسْلِمٍ ، وَقَدْ وَافَقَنَا عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِ مُكَاتَبَهُ ، وَلَا مُدَبَّرَهُ ، وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ ، وَخَالَفَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِ ، وَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ أَصْلٌ يُحِجُّهُ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ الْمَسْبِيُّ لِذِمِّيٍّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ لَمْ يَمْلِكِ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِالسَّبْيِ ، لِأَنَّ لِدَارِ الْإِسْلَامِ حُرْمَةً تَمْنَعُ مِنْهُ ، وَإِذَا كَانَ فَالْمُكَاتَبُ بَعْدَ السَّبْيِ عَلَى كِتَابَتِهِ ، وَلَيْسَ لِلسَّبْيِ تَأْثِيرٌ فِي حَلِّهَا ، لِلُزُومِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ ، فَإِذَا أَدَّى فِي حَالِ السَّبْيِ عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ . إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَقْهُورًا ، فَإِنْ كَانَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَسْبِ ، فَذَلِكَ الزَّمَانُ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ ، وَلِلسَّيِّدِ إِذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ أَنْ يُعَجِّزَهُ بِهَا ، وَيُعِيدَهُ عَبْدًا ، وَإِنْ كَانَ مَقْهُورًا فِيهَا لِغَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اسْتِخْدَامِهِ حَتَّى قَدَرْنَا عَلَيْهِ ، فَهَلْ يُحْسَبُ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ الَّتِي كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى نَفْسِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُكَاتَبِ إِذَا غَلَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِاسْتِخْدَامِهِ : أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ ، لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكِتَابَةِ لِاكْتِسَابِ الْمُكَاتَبِ فِيهَا وَالِاكْتِسَابُ فِي زَمَانِ الْغَلَبَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، فَلَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ ، فَعَلَى

هَذَا يُلْغَى زَمَانُ الْغَلَبَةِ فِي السَّبْيِ ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ ، وَيُسْتَأْنَفُ الْأَجَلُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ السَّبْيِ لَهُ ، فَإِذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ طُولِبَ بِكِتَابَتِهِ ، فَإِنْ أَدَّاهَا وَإِلَّا أَعَادَهُ السَّيِّدُ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ زَمَانَ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ فِي نُجُومِهِ ، وَأَجَلِ كِتَابَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهَا فَجَرَى مَجْرَى عَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ فِي زَمَانِ الْقَهْرِ فِي احْتِسَابِهِ عَلَيْهِ مَجْرَى عَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ بِالْمَرَضِ وَوُجُوبِ احْتِسَابِهِ عَلَيْهِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ حَلَّتْ نُجُومُهُ ، وَهُوَ مَقْهُورٌ بِالسَّبْيِ كَانَ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ وَإِعَادَتُهُ عَبْدًا ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَعْجِيزِهِ وَفَسْخِ كِتَابَتِهِ أَمْ لَا ، عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ لَهُ تَعْجِيزُهُ وَفَسْخُ كِتَابَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ يَفْسَخُهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ حَاضِرًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا مَعَ غَيْبَتِهِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ يَنُوبُ عَنِ الْمُكَاتَبِ فِي غَيْبَتِهِ ، لِئَلَّا يَصِيرَ مُنْفَرِدًا بِهَا ، وَلِيَكُونَ الْحَاكِمُ كَاشِفًا عَنْ حَالِ الْمُكَاتَبِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي ، مِنْهُ فَإِذَا فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ وَصَارَ عَبْدًا فِي الْحُكْمِ ثُمَّ عَادَ وَبَانَ أَنَّهُ كَانَ ذَا مَالٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِيصَالِهِ إِلَى سَيِّدِهِ بَطَلَ الْحُكْمُ بِتَعْجِيزِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ ، وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ بَعْدَ أَدَائِهِ .

مَسْأَلَةٌ لَوْ كَاتَبَهُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ إِلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ حُرًّا

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ إِلَيْنَا مُسْلِمًا كَانَ حُرًّا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ ، فَلَهُ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَغَلَّبٍ عَلَى نَفْسِهِ ، فَيَكُونَ عَلَى حَمْلِهِ كِتَابَتُهُ يُؤَدِّيهَا إِلَى سَيِّدِهِ ، وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى نَفْسِهِ ، فَيَصِيرَ بِالْغَلَبَةِ حُرًّا قَدْ زَالَ عَنْهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ لِنُفُوذِ أَحْكَامِ الْغَلَبَةِ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ غَلَبَ سَيِّدَهُ فَاسْتَرَقَّهُ صَارَ عَبْدًا لَهُ ، فَكَذَلِكَ لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالْأَدَاءِ ، فَغَلَبَهُ السَّيِّدُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَأَعَادَهُ إِلَى رِقِّهِ صَارَ عَبْدًا ، لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ تُبِيحُ مَا فِيهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

كِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ

كِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ كَانَ جَائِزًا ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ : إِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ قَدْ وَصَفْتُهَا فِيهِ وَقَضَيْتُ أَنَّ جَوَابَهُ فِي الْمُكَاتَبَ أَصَحُّهَا . قَالَ : فَإِنْ نَهَى الْحَاكِمُ الْمُكَاتَبَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْمُرْتَدِّ كِتَابَتَهُ فَدَفَعَهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا وَأَخَذَهُ فَإِنْ عَجَزَ ثُمَّ أَسْلَمَ السَّيِّدُ أَلْغَى السَّيِّدُ التَّعْجِيزَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ كِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ لِعَبْدِهِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُكَاتِبَهُ فِي حَالِ إِسْلَامِهِ ، وَقَبْلَ رِدَّتِهِ ، فَالْكِتَابَةُ مَاضِيَةٌ ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا حُدُوثُ الرِّدَّةِ ، وَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ مَوْقُوفًا ، وَدَاخِلًا تَحْتَ الْحَجْرِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَ الْكِتَابَةِ ، وَكَانَ لَهُ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ إِنْ عَتَقَ ، وَمِلْكُ رَقَبَتِهِ إِنْ رَقَّ ، وَإِنْ مَاتَ فِي الرِّدَّةِ أَوْ قُتِلَ عَلَيْهَا كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ مَعَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ ، وَوَلَاءُ الْمُكَاتَبِ إِنْ عَتَقَ وَمِلْكُ رَقَبَتِهِ إِنْ رَقَّ فَيْئًا فِي بَيْتِ الْمَالِ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَبْتَدِئَ كِتَابَتَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ ، وَقَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ لِعَبْدِهِ ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ كِتَابَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَذَكَرَ فِي تَدْبِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا جَائِزَةٌ ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ كِتَابَتُهُ جَائِزَةً . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ تَدْبِيرَهُ بَاطِلٌ ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ كِتَابَتُهُ بَاطِلَةً . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ تَدْبِيرَهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ صَحَّتْ ، وَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ بَطَلَتْ ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَصِحُّ تَخْرِيجُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّهَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً مُرَاعَاةً عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ مَوْقُوفًا ، لِأَنَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا كَالْبَيْعِ ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابَةِ إِلَّا قَوْلَانِ : بُطْلَانُهَا فِي أَحَدِهِمَا ، وَجَوَازُهَا فِي الْآخَرِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، وَأَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ ، أَنَّهُ

يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ فِي الْكِتَابَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً كَالتَّدْبِيرِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةُ الْمَرِيضِ ، وَهِبَاتُهُ مَوْقُوفَةً ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ كِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ لِعَبْدِهِ : أَحَدُهَا : جَائِزَةٌ ، سَوَاءٌ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ . وَالثَّانِي : بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ صَحَّتْ ، وَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ بَطَلَتْ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُعْتَقِ الْمُكَاتَبُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِحُكْمِ الْمَنْعِ مِنْهَا ، فَجَرَتْ مَجْرَى كِتَابَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إِلَيْهِ قَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ عَتَقَ ، وَإِنْ أَدَّاهَا إِلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَقْ لِدَفْعِهَا إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ لِقَبْضِهَا ، وَأُخِذَ بِأَدَائِهَا إِلَى الْحَاكِمِ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا أَعَادَهُ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ عَتَقَ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَأْدَاهُ فِي رِدَّتِهِ ، وَخَالَفَ مَا يَسْتَأْدِيهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ إِذَا فُكَّ حَجْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِأَدَائِهِ فِي حَالِ حِجْرِهِ ، لِأَنَّ حَجْرَ السَّفَهِ فِي حَقِّ السَّفِيهِ حِفَاظًا لِمَالِهِ عَلَيْهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَسَبُ بِالْأَدَاءِ ، وَحَجْرُ الرِّدَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لِحِفْظِهِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا زَادَ صَارَ لَهُ ، فَاحْتَسَبَ بِهِ ، وَجَرَى مَجْرَى رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ لَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ ، فَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَوَرِثَهُ ابْنُهُ بَرِئَ بِذَلِكَ الدَّفْعِ ، وَإِنْ قُلْنَا تُوقَفُ الْكِتَابَةُ كَانَ الْأَدَاءُ فِيهَا إِلَى الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ صَحَّتِ الْكِتَابَةُ وَالْأَدَاءُ ، وَصَارَ الْمُكَاتَبُ حُرًّا ، وَإِنْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ وَالْأَدَاءُ ، وَكَانَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَسْتَأْنِفَ كِتَابَتَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي رِدَّتِهِ كِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ لِعَبْدِهِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ، فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحَجْرِ يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ الْعُقُودِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى الْأَقَاوِيلِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الْحَجْرَ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ ، وَلِذَلِكَ سَوَّى بَيْنِ الْحَالَيْنِ ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا إِنْ بَطَلَتْ أَوْ صَحَّتْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ ارْتَدَّ الْعَبْدُ ثُمَّ كَاتَبَهُ جَازَ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ ، فَكَاتَبَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ رِدَّتِهِ صَحَّتْ كِتَابَتُهُ لِبَقَائِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ عَلَى مِلْكِ السَّيِّدِ ، وَجَوَازِ تَصَرُّفِ السَّيِّدِ فِيهِ بِبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ ، وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ فِي كَسْبِهِ ، لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ ، وَيُؤْخَذُ بِأَدَائِهِ إِلَى السَّيِّدِ فِي كِتَابَتِهِ ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ بِهَا ثُمَّ رُوعِيَ حَالُ رِدَّتِهِ ، فَإِنْ قُتِلَ بِهَا كَانَ مَالُهُ فَيْئًا . وَإِنْ تَابَ مِنْهَا بِالْإِسْلَامِ كَانَ مَالُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثًا لِسَيِّدِهِ بِالْوَلَاءِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَدَاءِ عَادَ عَبْدًا ، وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ إِنْ أَقَامَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ مَا بِيَدِهِ لِلسَّيِّدِ مِلْكًا لَا إِرْثًا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ

جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ فِي الْجُرْحِ وَلِوَارِثِهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوِ الْأَرْشُ فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فَلَهُمْ تَعْجِيزُهُ وَلَا دَيْنَ لَهُمْ عَلَى عَبْدِهِمْ وَبِيعَ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَلِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ تَكُونَ عَلَى طَرَفٍ ، فَالْحَقُّ فِيهَا مُخْتَصٌّ بِالسَّيِّدِ ، فَيُرَاعَى حَالُهَا ، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْجَبَ الْمَالَ ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ بِهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ لِئَلَّا يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ ، فَإِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ بِطَرَفِهِ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بَعْدَ الْقِصَاصِ بِحَالِهَا قَبْلَهُ ، فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الْمَالِ اسْتَحَقَّ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ ، لَا فِي رَقَبَتِهِ ، لِأَنَّ مَالِكَ الرَّقَبَةِ قَبْلَ جِنَايَتِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَيَصِيرُ الْعَمْدُ فِيهَا بَعْدَ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ كَالْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ ، فَيُؤْخَذُ الْمُكَاتَبُ بِدَفْعِ الْأَرْشِ مُعَجَّلًا ، وَبِمَالِ الْكِتَابَةِ مُؤَجَّلًا ، فَإِنِ اتَّسَعَ كَسْبُهُ لَهُمَا عَتَقَ بِأَدَائِهَا ، وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَجَّزَهُ السَّيِّدُ بِهِ لِيُعِيدَهُ عَبْدًا ، سَوَاءٌ عَجَزَ عَنْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، لِيُحْفَظَ بِالتَّعْجِيزِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَقَّيْنِ ، فَإِذَا عَادَ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا بَطَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلَا فِي رَقَبَتِهِ مَالٌ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مَالٌ عَنْ مُعَامَلَةٍ ، وَفِي رَقَبَتِهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ السَّيِّدِ ، فَيَكُونَ الْوَارِثُ مُسْتَحِقَّهَا ، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْجَبَتِ الدِّيَةَ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ ، وَصَارَ الْوَارِثُ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَلِمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا ، فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ ، فَإِذَا اقْتَصَّ فَلَا كِتَابَةَ ، وَإِنْ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ كَانَتْ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الطَّرَفِ فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ ، وَكَالْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ ، وَصَارَ الْوَارِثُ مُسْتَحِقًّا لَهَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ دُونَ رَقَبَتِهِ يَسْتَحِقُّهَا مَعَ مَالِ كِتَابَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَائِهَا ، وَيُسْتَرَقُّ بِالْعَجْزِ عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ وَرَقِيقِهِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ فَعَلَى سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ عَبْدِهِ الْجَانِي يَوْمَ جَنَى أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَى أَدَائِهَا مَعَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا جَنَى عَبْدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ جِنَايَةً عَمْدًا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ أَوِ الْعَفْوِ عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ ، فَإِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ وَكَانَتْ نَفْسًا فَقَدِ اسْتَهْلَكَ بِهَا مِلْكَ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ كَانَتْ طَرَفًا نَقَصَ بِهَا مِلْكَهُ ، وَإِنْ عَفَا عَنْهَا إِلَى الدِّيَةِ صَارَ عَمْدُهَا كَالْخَطَأِ فِي تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي ، يُبَاعُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ سَيِّدُهُ الْمُكَاتَبُ عَنْهَا ، فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ اسْتِصْلَاحًا لِمَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ، فَإِنْ مُكِّنَ الْمُكَاتَبُ مِنْ بَيْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ دَفْعِ ثَمَنِهِ ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ ، فَفِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَسْتَحِقُّ بِهَا قَدْرَ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا ، فَكَذَلِكَ إِذَا فَدَى ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِهَا ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَسْتَحِقُّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ إِذَا مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ مُكِّنَ مِنْ بَيْعِهِ لَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ، فَصَارَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ بَيْعِهِ قَطْعًا لِهَذِهِ الرَّغْبَةِ فَلِذَلِكَ ضَمِنَهَا الْمَانِعُ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ ، لِأَنَّ بَذْلَ الزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ اسْتِهْلَاكٌ لِمَالِهِ ، فَجَرَى مَجْرَى الْهِبَةِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي افْتِدَائِهِ ، فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ كَإِذْنِهِ لَهُ بِالْهِبَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( وَلَهُ تَعْجِيلُ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَقَبْلَ الدَّيْنِ الْحَالِّ مَا لَمْ يَقِفِ الْحَاكِمُ لَهُمْ مَالَهُ كَالْحُرِّ فِيمَا عَلَيْهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ حُقُوقٌ طُولِبَ بِهَا مِنْ كِتَابَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، وَدُيُونُ مُعَامَلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ ، وَبِمَا فِي

يَدِهِ ، وَبِيَدِهِ مَالٌ هُوَ عَلَى تَصَرُّفِهِ فِيهِ ، فَلَهُ فِيمَا حَلَّ مِنْهُ أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ أَيِّ الْحُقُوقِ شَاءَ ، فَإِنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا حَالًّا ، وَمَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا مُؤَجَّلًا ، وَالِدَيْنُ قَدْ يَثْبُتُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا ، فَإِنْ حَلَّتِ الْكِتَابَةُ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَاجْتَمَعَا مَعَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، فَصَارَ الْجَمِيعُ مِنَ الْأَمْوَالِ الْحَالَّةِ عَلَيْهِ ، فَلَهُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ مَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى كِتَابَتِهِ لِمَا فِيهَا مِنِ اسْتِصْلَاحِ نَفْسِهِ ، وَحِفْظِ كِتَابَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ افْتِدَاءُ عَبْدِهِ إِلَّا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ، لِأَنَّ بَيْعَ عَبْدِهِ فِي الْجِنَايَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي كِتَابَتِهِ ، فَلِذَلِكَ مَا افْتَرَقَا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ : مَالُ الْكِتَابَةِ وَدُيُونُ الْمُعَامَلَةِ وَأُرُوشُ الْجِنَايَةِ ، وَبِيَدِهِ مَالٌ وَجَمِيعُ الْحُقُوقِ حَالَّةٌ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ قَضَاءَ مَا شَاءَ مِنْهَا إِذَا كَانَ مَا بِيَدِهِ مُتَّسِعًا لِجَمِيعِهَا ، وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ مَعَ اتِّسَاعِ الْمَالِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ بَعْضِهَا ، فَإِنْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ جَمِيعِهَا فَلَهُ مَا لَمْ يَحْجُرِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ أَيِّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ ، فَإِنْ قَدَّمَ الدَّيْنَ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِسَيِّدِهِ ، وَلَا لِمُسْتَحِقِّ جِنَايَتِهِ ، وَإِنْ قَدَّمَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِسَيِّدِهِ وَلَا لِمُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ ، وَإِنْ قَدَّمَ مَالَ الْكِتَابَةِ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ ، وَلَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ، سَوَاءٌ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَعْتِقْ ، لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ وَصِحَّةِ أَدَائِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّلَ الدَّيْنَ قَبْلَ مَحَلِّهِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لِأَنَّ تَعْجِيلَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ كَالْهِبَةِ ، لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ النَّقْدِ أَقَلُّ وَفِي بَيْعِ النِّسَاءِ أَكْثَرُ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْأَجَلِ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ لَمْ يَجُزْ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ السَّيِّدُ ، وَفِي جَوَازِهِ بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ عَجَّلَ مَالَ الْكِتَابَةِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْهِبَةِ لِسَيِّدِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ وَقَفَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَدَّى إِلَى سَيِّدِهِ وَإِلَى النَّاسِ دُيُونَهُمْ شَرْعًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي هَذَا كُلَّهُ عَجَّزَهُ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ إِلَّا أَنْ يُنْظِرُوهُ ، وَمَتَى شَاءَ مَنْ أَنْظَرَهُ عَجَّزَهُ ثُمَّ خَيَّرَ الْحَاكِمُ سَيِّدَهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُبَاعَ فِيهَا فَيُعْطَى أَهْلُ الْجِنَايَةِ حُقُوقَهُمْ دُونَ مَنْ دَايَنَهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَتَى عَتَقَ اتُّبِعَ بِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَا لَمْ يَسْأَلْهُ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ سَأَلُوهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ تَخْلُ الْحُقُوقُ أَنْ تَكُونَ حَالَّةً ، أَوْ مُؤَجَّلَةً ، فَإِنْ كَانَتِ الْحُقُوقُ مُؤَجَّلَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ بِهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ فِي الْوَقْتِ ، وَإِنْ كَانَتْ حَالَّةً لَمْ يَخْلُ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْمَالِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَّسِعًا لِقَضَاءِ جَمِيعِهَا ، أَوْ يَضِيقَ عَنْهَا ، فَإِنِ اتَّسَعَ لِجَمِيعِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ ، وَأَخَذَهُ بِقَضَائِهَا ، وَإِنْ ضَاقَ

مَا بِيَدِهِ عَنْهَا نُظِرَ فِي طَالِبِ الْحَجْرِ ، فَإِنْ طَلَبَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي حَقِّ السَّيِّدِ ، لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنْ طَلَبَ أَرْبَابَ الدَّيْنِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَحْجُرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ حَجْرَ الْمُفْلِسِ حِفْظًا لِحُقُوقِهِمْ ، وَإِنْ طَلَبَ مُسْتَحِقُّ الْجِنَايَةِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ نُظِرَ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أُجِيبَ إِلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إِلَّا فِيمَا فِي يَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُجَابُ إِلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ عَلَّقَتْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ بِمَا فِي يَدِهِ فَصَارَتْ كَالدُّيُونِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُجَابُ إِلَى الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الْأَرْشِ فِي رَقَبَتِهِ ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ عِنْدَ إِعْسَارِهِ إِلَى أَخْذِ الْأَرْشِ مِنْهَا .

فَصْلٌ : فَإِذَا حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " أَدَّى إِلَى سَيِّدِهِ وَإِلَى النَّاسِ دُيُونَهُمْ شَرْعًا " فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِيهِ أُسْوَةٌ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أُسْوَةٌ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ ، فَيَشْتَرِكُ فِيهِ أَرْبَابُ الدُّيُونِ ، وَأَصْحَابُ الْجِنَايَاتِ وَالسَّيِّدِ ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُطَالِبٌ بِحَقٍّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَكُونُونَ أُسْوَةٌ مَعَ اتِّسَاعِ الْمَالِ ، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ . فَأَمَّا مَعَ ضِيقِ الْمَالِ فَيُقَدَّمُ أَرْبَابُ الدُّيُونِ ، لِأَنَّهُمْ بِمَا فِي يَدِهِ أَخَصُّ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دُيُونِهِمْ فَضْلٌ كَانَ مُسْتَحِقُّ الْجِنَايَةِ أَحَقَّ بِهَا مِنَ السَّيِّدِ لِاسْتِقْرَارِ حَقِّهِ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَضْلٌ صَارَتْ حِينَئِذٍ إِلَى السَّيِّدِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا فَرَّقَ مَالَهُ فِيهِمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَبَقِيَتْ لَهُمْ حُقُوقٌ وَجَمِيعُهَا حَالَّةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُمْ إِنْظَارُهُ بِهَا إِلَّا بِاخْتِيَارِهِمْ ، فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى إِنْظَارِهِ بِهَا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يَلْزَمُهُمْ هَذَا الْإِنْظَارُ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّوْهُ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ، وَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءُوا كَالْهِبَةِ إِذَا لَمْ تُقْبَضُ . وَقَالَ مَالِكٌ : يَلْزَمُهُمُ الْإِنْظَارُ ، وَلَيْسَ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي لُزُومِ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَا صَحَّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِ كَالْأَثْمَانِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ لَزِمَ الْإِنْظَارُ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ ، وَمَا لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِ كَالْقَرْضِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَلْزَمِ الْإِنْظَارُ بِهِ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُمَا .



فَصْلٌ : فَإِنْ لَمْ يُنْظِرُوهُ وَطَالَبُوهُ بِحُقُوقِهِمْ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّيِّدِ وَمُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يُعَجِّزَهُ ، وَلَيْسَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ تَعْجِيزُهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ تَعْجِيزُهُ أَيْضًا ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ . وَدُيُونُ الْمُعَامَلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ ، وَتَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَفِيمَا بِيَدِهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَرْبَابِهَا تَعْجِيزُهُ بِهَا ، وَاخْتُصَّ السَّيِّدُ وَصَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِتَعْجِيزِهِ ، وَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إِنْظَارِهِ ، فَيَكُونَ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ فِيهِ ، وَيَكْتَسِبُ بَعْدَ الْإِنْظَارِ ، وَفِيمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ كَسْبٍ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَخْتَصَّ بِأَرْبَابِ الدُّيُونِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةً بَيْنَ جَمِيعِ الْحُقُوقِ . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْجِيزِهِ وَإِعَادَتِهِ عَبْدًا ، فَلَهُمَا ذَلِكَ ، فَإِذَا صَارَ بِالتَّعْجِيزِ عَبْدًا كَانَتِ الدُّيُونُ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَسَارِهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ مِنْهَا ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ بَعْدَ التَّعْجِيزِ : أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَفْدِيَهُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَاتِهِ اسْتِبْقَاءً لِمِلْكِهِ أَوْ يُبَاعَ فِيهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ بِيعَ فِي جِنَايَاتِهِ ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَ مُسْتَحِقُّوهَا أُسْوَةً فِي ثَمَنِهِ بِقَدَرِ أُرُوشِهِمْ ، وَسَوَاءٌ فِيهَا مَنْ تَقَدَّمَتْ جِنَايَتُهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ ، فَإِنْ فَضَلَ لَهُمَا فَضْلٌ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ ، هَلْ وَجَبَتِ ابْتِدَاءً فِي رَقَبَتِهِ أَوْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَانْتَقَلَتْ إِلَى رَقَبَتِهِ . فَإِنْ قِيلَ : وَجَبَتِ ابْتِدَاءً فِي رَقَبَتِهِ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا هَدَرًا . وَإِنْ قِيلَ : وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إِلَى رَقَبَتِهِ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ المكاتب ، فَفِيمَا يَفْدِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَفْدِيهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ لَا غَيْرَ ، يَشْتَرِكُ فِيهَا أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَفْدِيهِ بِأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ كُلِّهَا ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ أَضْعَافًا . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَدْعُوَ السَّيِّدُ إِلَى إِنْظَارِهِ ، وَيَدْعُوَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ إِلَى تَعْجِيزِهِ فَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ : إِنْ ضَمِنْتَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ ، فَلَكَ إِنْظَارُهُ ، وَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ مِنْهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ ، فَلِصَاحِبِهَا تَعْجِيزُهُ وَبَيْعُهُ فِي جِنَايَاتِهِ لِيَصِلَ إِلَى حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ .

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَدْعُوَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ إِلَى إِنْظَارِهِ ، وَيَدْعُوَ السَّيِّدُ إِلَى تَعْجِيزِهِ ، فَتَعْجِيزُ السَّيِّدِ أَحَقُّ مِنْ إِنْظَارِ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ ، فَإِذَا عَجَّزَهُ السَّيِّدُ وَفِي يَدِهِ مَالٌ كَانَ أَرْبَابُ الدُّيُونِ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ وَجْهًا وَاحِدًا ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ عَبْدًا ، وَمَا بِيَدِ الْعَبْدِ مِنْ مَالٍ فَصَرَفَهُ فِي دُيُونِ مُعَامَلَاتِهِ أَحَقُّ مِنْ سَيِّدِهِ ، وَمِنْ جِنَايَاتِهِ ، فَإِنْ بَقِيَتْ مِنْ دُيُونِهِمْ بَقَايَا كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ مِنْهَا ، وَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الدُّيُونِ فَضْلٌ كَانَ صَرْفُهُ فِي مُسْتَحِقِّ الْجِنَايَةِ أَحَقَّ مِنَ السَّيِّدِ ، وَبِيعَ فِي بَاقِي جِنَايَتِهِ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ مِنْهَا .

فَصْلٌ : وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ تَعْجِيزِهِ مَاتَ عَبْدًا ، وَصَارَتْ جِنَايَتُهُ هَدَرًا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إِذَا مَاتَ وَكَانَ مَا بِيَدِهِ مَصْرُوفًا فِي دُيُونِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الدُّيُونِ فَضْلٌ كَانَ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الدُّيُونِ بَقِيَّةٌ كَانَتْ فِي ذِمَّةِ مَيِّتٍ لَا يُؤْخَذُ بِهَا حَيٌّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِنَايَاتُ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَعًا وَبَعْضُهَا قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَبَعْدَهُ يَتَحَاصُّونَ فِي ثَمَنِهِ مَعًا ، وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ كَانَ ثَمَنُهُ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : - وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَجَّزَ إِلَّا بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، فَإِذَا عُجِّزَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ ، لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ ، فَأَمَّا بَيْعُهُ فِي أُرُوشِ جِنَايَاتِهِ فَمُسْتَحِقٌّ إِلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ مِنْهَا ، فَإِنْ فَدَاهُ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ ، وَفِيمَا يَفْدِيهِ بِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أُرُوشِ جِنَايَاتِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَفْدِيهِ بِأُرُوشِ جِنَايَاتِهِ كُلِّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ بِيعَ جَبْرًا عَلَيْهِ ، وَكَانَ ثَمَنُهُ مَصْرُوفًا فِي أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً يَشْتَرِكُ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمَتْ جِنَايَتُهُ وَتَأَخَّرَتْ ، فَلَوْ جَنَى قَبْلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ جَنَى فِي حَالِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ جَنَى بَعْدَ التَّعْجِيزِ المكاتب اشْتَرَكَ أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ الثَّلَاثِ فِي ثَمَنِهِ ، لِتَعَلُّقِ جَمِيعِهَا بِرَقَبَتِهِ يَتَحَاصُّونَ فِيهِ بِقَدْرِ أُرُوشِهِمْ ، فَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ عَنْ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ أَرْشِهِ رَجَعَ حَقُّهُ عَلَى الْبَاقِينَ ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمْ لَاسْتَوْعَبَ بِالْجِنَايَةِ جَمِيعَ ثَمَنِهِ ، وَجَرَى مَجْرَى أَهْلِ الْوَصَايَا إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ وَعَفَا أَحَدُهُمْ تَوَفَّرَ سَهْمُهُ عَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ ، وَكَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ إِذَا أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمْ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَطَعَ يَدَ سَيِّدِهِ فَبَرَأَ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ اتَّبَعَهُ بِأَرْشِ يَدِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا قَطَعَ الْمُكَاتَبُ يَدَ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ ، وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ كَحَالِهَا قَبْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ فِيهِ ، فَهَلْ لَهُ الدِّيَةُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَسْتَحِقُّهَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ كَالْقِصَاصِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يَسْتَحِقُّهَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مُسْتَقِرٌّ ، وَوُجُوبَ الدِّيَةِ مُتَرَقَّبٌ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ بِالسِّرَايَةِ أَوِ النُّقْصَانِ بِالْمُشَارَكَةِ ، فَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا إِلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا بِالْأَوْلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُسْتَحَقُّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ ، فَقَدِ اجْتَمَعَ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ حَقَّانِ : مَالُ الْكِتَابَةِ ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ ، وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ دِيَةِ الْيَدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : دِيَةُ الْيَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ هَذَانِ الْحَقَّانِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، أَخَذَهُ السَّيِّدُ بِهِمَا ، فَإِنْ أَتَاهُ الْمُكَاتَبُ بِأَحَدِهِمَا نَظَرَ ، فَإِنْ جَعَلَهُ الْمَكَاتَبُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَكَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ بَاقِيًا إِنْ عَجَزَ عَنْهُ الْمُكَاتَبُ ، فَلِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ بِهِ وَإِعَادَتُهُ إِلَى الرِّقِّ ، وَإِنْ جَعَلَ الْمُكَاتَبُ مَا أَدَّاهُ مَصْرُوفًا إِلَى مَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَلِلسَّيِّدِ الْخِيَارُ فِي قَبُولِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوِ الْعُدُولِ بِهِ إِلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، لِئَلَّا يَعْتِقَ بِالْكِتَابَةِ ، وَيَتْوَى بِإِعْسَارِهِ وَحُرِّيَّتِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ ، فَإِنِ اخْتَارَ أَخْذَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ ، وَبَقِيَ لَهُ مَالُ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ بِهِ ، وَصَارَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُهُ بِهِ ، وَكَانَ قَدْرُ الْأَرْشِ مُعْتَبَرًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ إِلَّا بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَحْدَهُ إِلَّا أَنْ تَنْدَمِلَ يَدُهُ ، وَأَيُّ مَالٍ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَحْسُوبًا مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مِنْ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ ، أَصَحُّهُمَا هَاهُنَا الْمَنْعُ مِنْهُ : لِأَنَّهُ مَعَ تَأْجِيلِهِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ ، فَإِذَا انْدَمَلَتْ يَدُ السَّيِّدِ لَمْ يَخْلُ حَالَ انْدِمَالِهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ فَقَدْرُ

الْأَرْشِ مُعْتَبَرٌ بِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ دِيَةِ الْيَدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ . وَإِنْ كَانَ الِانْدِمَالُ بَعْدَ عِتْقِهِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُعْتَبَرُ بِهَا جِنَايَةُ الْحُرِّ أَوْ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُعْتَبَرُ بِهَا جِنَايَةُ الْحُرِّ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِهَا بَعْدَ حُرِّيَّةِ الْمُكَاتَبِ ، فَلِهَذَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْيَدِ مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ قَطْعَهَا بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُعْتَبَرُ بِهَا حَالَ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّهُ جَنَاهَا وَهُوَ مُكَاتَبٌ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ . وَالثَّانِي : بِدِيَةِ الْيَدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ عَلَى يَدِهِ نَظَرَ ، فَإِنْ كَانَ الْقَوَدُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْقُطْ بِعِتْقِهِ ، وَكَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُكَاتَبِ وَقْتَ عِتْقِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مَالٌ أَوْ لَا يَكُونُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ مَالٌ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ بِخِلَافِ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ ، لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إِذَا كَانَ عَنِ اخْتِيَارِهِ ، فَلَمْ يَتَضَمَّنِ الْإِبْرَاءُ مِنَ الْجِنَايَةِ ، وَعِتْقُ السَّيِّدِ كَانَ عَنِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ ، فَصَارَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِبْرَاءِ مِنَ الْجِنَايَةِ ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ حِينَ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَتَعَلَّقُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ ، لِثُبُوتِهَا فِي رَقَبَتِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَبْرَأُ مِنَ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَبْرَأُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ ، وَيُسْتَوْفَى مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ ، فَإِنْ عَجَزَ الْمَالُ عَنْهُ نَظَرَ ، فَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِعَجْزِ الْمَالِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنَ الْبَاقِي ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ السَّيِّدُ بِعَجْزِ الْمَالِ لَمْ يَبْرَأِ الْمُكَاتَبُ مِنَ الْبَاقِي ، وَكَانَ مَأْخُوذًا بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأَيُّ الْمُكَاتَبَيْنِ جَنَى وَكِتَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لَزِمَتْهُ دُونَ أَصْحَابِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا كَاتَبَ جَمَاعَةً مِنْ عَبِيدِهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَنَّ فِي كِتَابَتِهِمْ قَوْلَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : بَاطِلَةٌ . وَالثَّانِي : جَائِزَةٌ . وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا جَنَى أَحَدُهُمْ كَانَ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِجِنَايَتِهِ دُونَ أَصْحَابِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . وَقَالَ مَالِكٌ : تَكُونُ الْجِنَايَةُ فِي كِتَابَتِهِمْ ، وَيُؤْخَذُونَ جَمِيعًا بِأَرْشِهَا ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ ، لِأَنَّ عَقْدَ الْحُرَّيْنِ عَلَى الْتِزَامِ الْعَقْلِ ، وَتَحَمُّلِ الْجِنَايَةِ لَا يُوجِبُ تَحَمُّلَهَا ، فَكَانَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ الْخَالِي مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ التَّحَمُّلَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَ هَذَا الْجَانِي وَلَدَ الْمُكَاتَبِ وُهِبَ لَهُ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وَلَدَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُفْدَ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لِأَنِّي لَا أَجْعَلُ لَهُ بَيْعَهُمْ وَيُسَلَمُونَ فَيُبَاعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَمَا بَقِيَ بِحَالِهِ يُعْتَقُ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ أَوِ الْمُكَاتَبَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَقَبِلَهُ فَجَنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَجَنَى ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ ، وَإِنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ ، فَكَانَ مَا يَفْتَدِيهِ بِهِ إِتْلَافًا لِمَالِهِ ، وَخَالَفَ الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ مَالٌ يَحُوزُهُ فَكَانَ مَا يَفْتَدِيهِ بِهِ اسْتِصْلَاحًا لِمَالِهِ ، فَإِنِ افْتَدَى الْمُكَاتَبُ وَلَدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْهِبَةِ بِإِذْنِهِ ، فَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ من يملكه فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِافْتِدَائِهِ إِنْ شَاءَ ، وَبَيْعِهِ فِي جِنَايَتِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا ، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْدِيَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا وَكَانَ بَاقِيهِ عَلَى حُكْمِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ وَلَدَ مُكَاتَبٍ لِأَبِيهِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَإِنْ كَانَ وَلَدَ مُكَاتَبَةٍ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَكُونُ لِسَيِّدِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُكَاتَبِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ جَنَى بَعْضُ عَبِيدِهِ عَلَى بَعْضٍ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا فَلَا يَقْتُلُ وَالِدَهُ بِعَبْدِهِ وَهُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَبِيدٌ ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا نَظَرَ الْقَتْلَ ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً كَانَتِ الْجِنَايَةُ هَدَرًا ، لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمَالَ ، وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ مَالٌ ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ ، لِمَا فِي الْقِصَاصِ مِنَ اسْتِصْلَاحِ الْمِلْكِ فِي حَسْمِ الْقَتْلِ ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَبًا

لِلْمُكَاتَبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَبِيهِ لِعَبْدِهِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِنَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَصَّ مِنْهُ بِعَبْدِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ أَبَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ وَالِدٍ بِوَلَدٍ . فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ابْنَ الْمُكَاتَبِ فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ ابْنِهِ بِعَبْدِهِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ ابْنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ وَلَدٍ بِوَالِدٍ . فَأَمَّا إِنْ عَفَا الْمُكَاتَبُ عَنِ الْقِصَاصِ صَارَتِ الدِّيَةُ هَدَرًا كَالْخَطَأِ ، فَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، وَعَادَ عَبْدًا قَبْلَ الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ ، فَلِلسَّيِّدِ مِنَ الْقِصَاصِ مَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ يَقْتَصُّ مِمَّنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بِغَيْرِ أَدَاءٍ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوِ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ أَدَّى فَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْجَزْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا مِنْ كَسْبِهِ ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْكِتَابَةِ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُؤَدِّيَ مَالَ الْكِتَابَةِ وَيُعْتَقَ بِهِ ، فَيَنْتَقِلَ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ مِنْ رَقَبَتِهِ إِلَى ذِمَّتِهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لِرِقِّهِ بِالْأَدَاءِ ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا اسْتَهْلَكَ ، وَيَكُونَ ضَامِنًا لِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا ، لِأَنَّهَا طَرَأَتْ وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُعَجِّلَ السَّيِّدُ عِتْقَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، فَيَكُونَ السَّيِّدُ هُوَ الضَّامِنُ لِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ الْكِتَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ ، فَصَارَ مُسْتَحْدِثًا لِاسْتِهْلَاكِ رَقَبَتِهِ فَلِذَلِكَ ضَمِنَ جِنَايَتَهُ ، وَوَجَبَ فِيهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا ، كَمَا لَوْ ضَمِنَهَا الْمُكَاتَبُ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَعْجِزَ وَيَرِقَّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ بِابْتِدَائِهَا فِي مَالِ كِتَابَتِهِ أَوْ بِانْتِهَائِهَا بَعْدَ رِقِّهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِابْتِدَائِهَا فِي الْكِتَابَةِ ، فَعَلَى هَذَا يَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُعْتَبَرُ بِانْتِهَائِهَا فِي حَالِ رِقِّهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيمَا يَفْدِيهِ بِهِ السَّيِّدُ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقِيمَةِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ . وَالثَّانِي : بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ ، إِلَّا أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ بَيْعِهِ ، فَلَا يَلْزَمُ فِي الْجِنَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ أَدَّى فَعَتَقَ فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوِ الْجِنَايَةِ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا ، وَالْآخَرُ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوِ الْجِنَايَةِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ جِنَايَاتٌ كَثِيرَةٌ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قَدْ قَطَعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَرِّقَةٌ أَوْ مَعًا فَسَوَاءٌ وَهُوَ عِنْدِي بِالْحَقِّ أَوْلَى " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا تَكَرَّرَتْ جِنَايَاتُ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَخْلُ حَالُ تُكَرُّرِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْغُرْمِ أَوْ بَعْدَهُ ، فَإِنْ تَكَرَّرَتْ بَعْدَ الْغُرْمِ كَأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً ، فَغَرِمَهَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِهَا ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا مُسْتَأْنِفًا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا ، فَيَصِيرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِنَايَتَيْنِ ضَامِنًا لِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ إِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ ضَامِنًا لِذَلِكَ إِنْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءٍ ، وَإِنْ تَكَرَّرَتِ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْغُرْمِ كَأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً وَلَمْ يُغَرَّمْ أَرْشَهَا حَتَّى جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى ، فَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ إِنْ أَدَّى فَعَتَقَ أَوْ يَضْمَنُهُ سَيِّدُهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمُعْتِقُ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِنَايَاتِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةٍ كَامِلَةٍ أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّ لِكُلِّ جِنَايَةٍ حُكْمُهَا ، فَلَا تَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مُفْضِيًا إِلَى الْتِزَامِ قِيمَةٍ كَثِيرَةٍ إِذَا كَثُرَتْ جِنَايَاتُهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُغَرَّمُ فِي جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ ، وَإِنْ كَثُرَتْ إِلَّا أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا ، وَيَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ بِيعَ فِيهَا بَعْدَ عَجْزِهِ وَرِقِّهِ لَمْ يَكُنْ لِأَرْبَابِ الْجِنَايَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ لِتَدَاخُلِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ ، كَذَلِكَ فِي عِتْقِهِ بِكِتَابَتِهِ أَوْ بِعِتْقِ سَيِّدِهِ ، لَكِنَّهُ إِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا ، هَلْ يُعْتَبَرُ بِهَا الِابْتِدَاءُ أَوِ الِانْتِهَاءُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :

فَصْلٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : قَدْ قَطَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَرِّقَةٌ أَوْ مَعًا سَوَاءٌ ، وَهُوَ عِنْدِي أَوْلَى بِالْحَقِّ ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي تَدَاخُلِ الْجِنَايَاتِ وَالْتِزَامِ

أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فِي جَمِيعِهَا مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أُرُوشِهَا ، لَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَا لَا دَلِيلَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَهَا مُتَفَرِّقَةً وَمُجْتَمِعَةً سَوَاءٌ إِذَا بِيعَ فِيهَا وَقُسِّمَ ثَمَنُهُ فِي جَمِيعِهَا مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَرْشِهَا . فَأَمَّا وَهُوَ غَيْرُ مَبِيعٍ فِيهَا فَلَا . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّهُ إِذَا بِيعَ فِيهَا لَمْ يَبْقَ لِلْجِنَايَاتِ مَحَلٌّ غَيْرَ ثَمَنِهِ لِأَجْلِ التَّمْكِينِ مِنْهُ ، وَمَعَ الْمَنْعِ بِالْعِتْقِ تَتَّسِعُ الذِّمَّةُ لِأَكْثَرَ مِنَ الْقِيمَةِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَابِ الْجِنَايَاتِ مَمْنُوعٌ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ ، فَانْفَرَدَ بِحُكْمِهِ ، فَلِذَلِكَ مَا افْتَرَقَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ عَبْدُهُ جِنَايَةً لَا قِصَاصَ فِيهَا كَانَتْ هَدَرًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَبْدُ الْمُكَاتَبِ إِذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةَ خَطَأٍ تُوجِبُ الْمَالَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ ، أَوْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ . فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَالِدٍ وَلَا وَلَدٍ كَانَتِ الْجِنَايَةُ هَدَرًا ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ مَالٌ ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا . وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهُ فِي غَيْرِ الْجِنَايَةِ كَوَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ ، فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فِي الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ فِي غَيْرِ الْجِنَايَةِ جَازَ بَيْعُهُ فِي الْجِنَايَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فِي الْجِنَايَةِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ مَانِعٌ مِنْ بَيْعِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ ، وَلَيْسَ الْمَنْعُ مِنَ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ الْجِنَايَةِ مُوجِبًا لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْجِنَايَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ إِذَا جَنَتْ عَلَى سَيِّدِهَا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَمْدِ الْمُوجِبَةُ لِلْقَوَدِ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَبَيْنَ مَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبِ . فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَظَرَ ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَلَدِهِ اقْتَصَّ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ إِنْ كَانَتْ فِي طَرَفٍ ، وَاقْتَصَّ مِنْهُ السَّيِّدُ إِنْ كَانَتْ فِي نَفْسٍ ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يُقْتَلُ بِالْوَالِدِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِنْ وَالِدِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي طَرَفٍ ، وَلَا لِسَيِّدِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي نَفْسٍ ، لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِالْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مِنَ الْمُكَاتَبِ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَتْ

عَلَى وَلَدِهِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنَ الْمُكَاتَبِ ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدٍ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَالِدِهِ فَهَلْ لِوَالِدِهِ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا قِصَاصَ لَهُ ، لِأَنَّهُ عَبْدُهُ ، وَالْمَوْلَى لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَبْدِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : قَدْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُ أَبِيهِ جَرَى مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ مَجْرَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ ، فَلِذَلِكَ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّبَ رَقِيقَهُ وَلَا يَحُدُّهُمْ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ لِغَيْرٍ حُرٍّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لِأَنَّ تَأْدِيبَهُمُ اسْتِصْلَاحُ مِلْكٍ ، وَحَدُّهُمْ وِلَايَةٌ ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ تَأْدِيبُهُمْ ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ حَدُّهُمْ ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَحُدَّهُمْ ، وَلَا يُؤَدِّبَهُمْ ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا حَدُّ الْمُكَاتَبِ وَلَا تَأْدِيبُهُ لِارْتِفَاعِ يَدِهِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لَهُ

بَابُ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لَهُ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَأَرْشُ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ : مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ ، لِأَنَّهُ قِيمَةُ مِلْكٍ مُسْتَهْلَكٍ ، وَالسَّيِّدُ هُوَ الْمَالِكُ دُونَهُ ، قَالَ : وَلِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ يُؤَدَّى مِنَ الْأَكْسَابِ الْمُسْتَفَادَةِ ، وَلَيْسَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مِنْ كَسْبِهِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، بَلْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ دُونَ سَيِّدِهِ لِخُرُوجِ الْمُكَاتَبِ عَنْ حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَلِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةٌ عَنْ رِقِّهِ ، وَلِأَنَّ مَهْرَ الْكِتَابَةِ لَمَّا كَانَ لَهَا دُونَ السَّيِّدِ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّيِّدِ ، وَبِهَذَا يَفْسُدُ مَا ذَكَرَهُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا ، فَالْجِنَايَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ في حق المكاتب : طَرَفٌ ، وَنَفْسٌ . فَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الطَّرَفِ فَهِيَ الَّتِي يَخْتَصُّ الْمُكَاتَبُ بِهَا ، فَإِذَا كَانَتْ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ فَفِيهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ ، فَإِنِ انْدَمَلَتْ حُكِمَ لَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ يَسْتَعِينُ لَهُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ ، فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا . وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ فَهِيَ لِلسَّيِّدِ ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ بِهَا عَبْدًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَقُ بِأَرْشِ يَدِهِ وَطَلَبَهُ الْعَبْدُ جُعِلَ قِصَاصًا وَعَتَقَ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا يَضْمَنُ لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَعَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ، وَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ غَيْرَ حَالَّةٍ كَانَ لَهُ تَعْجِيلُ الْأَرْشِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا لَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِذْ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ ، وَانْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى جِنَايَةِ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ عَلَى نَفْسٍ ، فَتَكُونَ هَدَرًا لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ ، وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ ، لَكِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ ، فَإِنْ خَلَّفَ الْمَكَاتَبُ مَالًا كَانَ بِيَدِهِ ،

فَذَلِكَ الْمَالُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ قَاتِلُهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَأْخُذُهُ مِيرَاثًا ، فَيَمْنَعُهُ الْقَتْلَ مِنْ أَخْذِهِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ مِلْكًا ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ بِالْقَتْلِ مِنْ أَخْذِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفِهِ كَقَطْعِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ ، فَلَا قَوَدَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهَا ، لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُقَادُ بِعَبْدِهِ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْيَدِ قَبْلَ انْدِمَالِهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا تَلْزَمُهُ دِيَتُهَا إِلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ ، لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ انْدِمَالِهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِنْظَارُهُ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ وَلِلْمُكَاتَبِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ . وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يَعْجِزَ فَيَرِقَّ ، فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ ، فَلِلْجِنَايَةِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ تَنْدَمِلَ ، فَيُحْكَمُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا ، لِأَنَّهَا لَمْ تَسْرِ ، فَرُوعِيَ فِيهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَسْرِيَ إِلَى نَفْسِهِ ، فَيُحْكَمُ عَلَى السَّيِّدِ بِجَمِيعِ دِيَتِهِ ، لِأَنَّهَا سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ حُرٌّ ، فَرُوعِيَ فِيهَا حُكْمُ الِانْتِهَاءِ ، وَلَا يَرِثُهُ السَّيِّدُ بِالْوَلَاءِ ، لِأَنَّهُ قَاتِلٌ ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَرَقَّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ سَقَطَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَنِ السَّيِّدِ ، سَوَاءٌ انْدَمَلَتْ أَوْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ ، لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ هَدَرٌ ، لَكِنَّهُ يَلْتَزِمُ الْكَفَّارَةَ إِنْ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ ، فَهَذَا حُكْمُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .

فَصْلٌ : وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُعَجِّلُ لَهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ جِنَايَةِ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ ، فَلَا يُوقِفُ عَلَى ظَنٍّ يُرْتَقَبُ ، فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ لَهُ عَلَى السَّيِّدِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا ، أَوْ جَمِيعِ دِيَتِهِ حُرًّا ، لِجَوَازِ أَنْ تَسْرِيَ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَأَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ يَقِينٌ ، فَأَوْجَبْنَاهُ ، وَوَقَفْنَا مَا زَادَ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ بَيَانٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْكِتَابَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَلَّ أَوْ بَاقِيًا إِلَى أَجَلِهِ ، فَإِنْ حَلَّ لَمْ يَخْلُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ تَقَاصَّاهُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْأَرْبَعَةِ . ثُمَّ رُوعِيَ حَالُهُ بَعْدَ الْقِصَاصِ ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ ، وَبَرِئَ السَّيِّدُ ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ ، وَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِبَاقِي الْجِنَايَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ بَرِئَ السَّيِّدُ مِنَ الْجِنَايَةِ ، وَرَجَعَ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِبَاقِي الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا ، وَتَقَابَضَاهُ ، وَطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يَتَبَارَءَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِحَّ ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ مُؤَجَّلًا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْ سَيِّدِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا مِنْ كِتَابَةٍ مُؤَجَّلَةٍ

فَإِنْ أَرَادَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا مِنْ كِتَابَةٍ مُؤَجَّلَةٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَعْجِيلِ مُؤَجَّلٍ ، وَإِذَا صَارَ قِصَاصًا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمَا إِنْ تَسَاوَيَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَبَرِئَ السَّيِّدُ وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِالْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ بَرِئَ السَّيِّدُ وَرَجَعَ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِالْبَاقِي .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا وَتَقَاصَّا مَا حَكَمْنَا بِهِ مِنْ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَلِلْجِنَايَةِ حَالَتَانِ جِنَايَةِ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ تَنْدَمِلَ فِي الْكَفِّ ، فَالْمُسْتَقِرُّ فِيهَا عَلَى السَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ عَبْدًا ، فَإِنْ كَانَ مَا حَكَمْنَا بِهِ مِنْ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَقَدِ اسْتَوْفَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَتُهُ حُرًّا هِيَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ رَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَسْرِيَ الْجِنَايَةُ إِلَى نَفْسِهِ ، فَالْمُسْتَقِرُّ عَلَى السَّيِّدِ جَمِيعُ دِيَتِهِ حُرًّا ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ أَدَّاهُ ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ رَجَعَ وَارِثُ الْمُكَاتَبِ عَلَى السَّيِّدِ بِتَمَامِ الدِّيَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ وَارِثٌ إِلَّا بِالْوَلَاءِ لَمْ يَرِثْهُ السَّيِّدُ ، لِأَنَّهُ قَاتِلٌ ، وَكَانَ لِأَقْرَبِ عُصْبَتِهِ إِلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عُصْبَةٌ فَلِبَيْتِ الْمَالِ .

بَابُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَرَقِيقِهِ عَمْدًا

بَابُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَرَقِيقِهِ عَمْدًا مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى الْمُكَاتَبِ عَمْدًا فَأَرَادَ الْقِصَاصَ وَالسَّيِّدُ الدِّيَةَ فَلِلْمُكَاتَبِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ السَّيَدَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَبَدَنِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ عَبْدًا مِنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ فَهُوَ فِيهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ ، لِانْقِطَاعِ يَدِ السَّيِّدِ عَنْ مَالِهِ وَبَدَنِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُكَاتَبُ الْقَوَدَ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ أَرَادَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْقَوَدِ ، وَيَمْلِكَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى كَسْبِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ إِلَّا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِجَمِيعِ الْأَرْشِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا طَالَبَ بِالدِّيَةِ ، فَفِيهِ عَفْوٌ عَنِ الْقَوَدِ ، وَلَوْ طَالَبَ بِالْقَوَدِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَفْوٌ عَنِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ قَوَدٍ ، فَكَانَ الْعُدُولُ إِلَى الْبَدَلِ عَفْوًا عَنِ الْمُبْدَلِ ، وَلَمْ يَكُنِ الْعُدُولُ أَرْشَ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ يَكُونُ الْعُدُولُ إِلَيْهِ عَفْوًا عَنِ الرَّدِّ ، وَلَا تَكُونُ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ عَفْوًا عَنِ الْأَرْشِ ، فَأَمَّا الْعَفْوُ عَنِ الْقَوَدِ ، فَلَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ مُصَرِّحًا بِطَلَبِهَا ، فَلَهُ ذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ ، وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَوَدِ ، وَيُصَرِّحَ بِالْعَفْوِ عَنِ الدِّيَةِ ، فَيَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ ، وَفِي عَفْوِهِ عَنِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : تَصِحُّ إِذَا قِيلَ : إِنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ الْقَوَدَ وَحْدَهُ ، وَأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يُجْبَرُ عَلَى اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ ، فَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الدِّيَةِ كَمَا صَحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ عَفْوَهُ عَنِ الدِّيَةِ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ إِذَا قِيلَ : إِنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ لِأَنَّ فِي عَفْوِهِ عَنْهَا إِسْقَاطًا لِمَا مَلَكَهُ

بِهَا ، فَجَرَى مَجْرَى الْهِبَةِ فَبَطَلَ الْعَفْوُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ ، وَفِي بُطْلَانِهِ بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ كَالْهِبَةِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَوَدِ ، وَلَا يُصَرِّحَ فِي الدِّيَةِ بِعَفْوٍ وَلَا طَلَبٍ ، فَيَسْقُطَ الْقَوَدُ بِعَفْوِهِ ، وَفِي سُقُوطِ الدِّيَةِ بِإِمْسَاكِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : تَسْقُطُ إِذَا قِيلَ : إِنْ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ الْقَوَدَ ، وَأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ اخْتِيَارُ الدِّيَةِ عَلَى الْفَوْرِ سَقَطَ حُكْمُهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ إِذَا قِيلَ : إِنْ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ ، فَلَا يَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ أَحَدِهِمَا عَفْوًا عَنِ الْآخَرِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا صَالَحَ عَنِ الدِّيَةِ جِنَايَةِ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَإِنْ كَانَ صُلْحَ بَدَلٍ عَدَلَ عَنْ جِنْسِ الدِّيَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْإِبْدَالِ صَحَّ الصُّلْحُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِسْقَاطٌ وَمُغَابَنَةٌ ، وَإِنْ كَانَ صُلْحَ إِبْرَاءٍ بِأَنَّ صَالَحَ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى بَعْضِهَا ، فَإِنْ قِيلَ : يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْجَمِيعِ كَانَ عَفْوُهُ عَنِ الْبَعْضِ أَصَحَّ ، وَإِنْ قِيلَ : يَبْطُلُ عَفْوُهُ عَنِ الْجَمِيعِ بَطَلَ عَفْوُهُ عَنِ الْبَعْضِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ مَعًا ثُمَّ عَتَقَ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ عَفَا وَلَا يَمْلِكُ إِتَلَافَ الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا قِيلَ بِصِحَّةِ عَفْوِهِ عَنِ الدِّيَةِ فَقَدْ سَقَطَتْ ، سَوَاءٌ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ أَوْ رَقَّ بِالْعَجْزِ ، وَلَا مُطَالَبَةَ لِلسَّيِّدِ بِهَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْهَا ، فَأَمَّا إِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ عَنِ الدِّيَةِ فَلِلْمُكَاتَبِ إِنْ عَتَقَ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا ، وَلِلسَّيِّدِ إِنَّ رَقَّ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا لِبَقَاءِ الدِّيَةِ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


بَابُ عِتْقِ السَّيِّدِ الْمُكَاتَبَ فِي الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ

بَابُ عِتْقِ السَّيِّدِ الْمُكَاتَبَ فِي الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِذَا وَضَعَ السَّيِّدُ عَنِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَتَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ فَوُضِعَ عَنْهُ مِنَ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُ عَلَى الْكِتَابَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ إِبْرَاءٌ لَهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عِتْقٌ لَهُ ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إِبْرَائِهِ وَعِتْقِهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَأَبْرَأَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ ، أَوْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ الْمُخَوِّفِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ ، فَهُوَ مِنْ عَطَايَا مَرَضِهِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، وَالَّذِي يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَالِ كِتَابَتِهِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ عَبْدٌ قِنٌّ اعْتَبَرَ قِيمَتَهُ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَانَ الْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ دُونَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ عَتَقَ بِهِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ ثُلُثِهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَالِ كِتَابَتِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَهُ مِنْ ثُلُثٍ ، فَيَعْتِقَ جَمِيعَ الْمُكَاتَبِ ، وَيَبْرَأَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَحْتَمِلَ الثُّلُثُ شَيْئًا مِنْهُ لِدُيُونٍ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ ، فَيَبْطُلَ عِتْقُهُ وَإِبْرَاؤُهُ ، وَيُؤْخَذُ بِأَدَاءِ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَيَعْتِقُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِوَارِثٍ ، وَلَا غَرِيمٍ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَانَ تَعْجِيزُهُ وَإِعَادَتُهُ إِلَى الرِّقِّ مَوْقُوفًا عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ تَعْجِيزَهُ كَانَ لَهُمْ ، وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ تَعْجِيزَهُ كَانَ لَهُمْ ، فَإِنِ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى إِنْظَارِهِ جَازَ ، وَأَيُّهُمْ رَجَعَ عَنْ إِنْظَارِهِ ، وَطَلَبَ تَعْجِيزَهُ ، فَلَهُ ذَلِكَ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَحْتَمِلَ الثُّلُثُ بَعْضَ ذَلِكَ ، وَيَعْجِزَ عَنْ بَعْضِهِ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ مُحْتَمِلًا لِلنِّصْفِ مِنْ أَقَلِّ أَمْرَيْهِ ، فَيَعْتِقَ نِصْفُهُ ، وَيَكُونَ نِصْفُهُ الْبَاقِي عَلَى كِتَابَتِهِ - يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ ، وَيَرِقُّ النِّصْفُ مِنْهُ بِعَجْزِهِ .

فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ يَصِحُّ عِتْقُ بَعْضِهِ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ بَعْضِ كِتَابَتِهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ فِي جِنَايَةٍ مِنْ بَعْضِ كِتَابَتِهِ لَمْ يُعْتَقْ شَيْءٌ مِنْهُ ، فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ فِيمَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ مِنْ إِبْرَاءِ بَعْضِهِ ؟ قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ صِفَةَ الْعِتْقِ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ بَعْضِ الْكِتَابَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ يُوجَدْ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُ ، وَصِفَةُ الْعِتْقِ فِي إِبْرَائِهِ فِي الْمَرَضِ قَدْ وُجِدَتْ ، فَلِذَلِكَ عَتَقَ ، وَإِنَّمَا رُدَّ بَعْضُ الْعِتْقِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، فَافْتَرَقَا . فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْكِتَابَةُ فِي بَعْضِهِ مَعَ عِتْقِ بَعْضِهِ ، وَتَبْعِيضُ الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ ؟ قِيلَ : لَا يَجْتَمِعَانِ فِي ابْتِدَاءِ الْكِتَابَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي انْتِهَائِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَتَقَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ إِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَبَاقِي كِتَابَتِهِ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ كَانَتْ أَلْفًا وَثَمَنُهُ خَمْسَمِائَةٍ فَيُعْتَقُ بِخَمْسِمِائَةٍ . وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ : وَلَوْ أَعْتَقَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ المكاتب عَتَقَ ثُلُثُهُ ، فَإِنْ أَدَّى ثُلُثَيِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ كُلُّهُ ، وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ ثُلُثَاهُ ، وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ كِتَابَتُهُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لَهُ فَيَعْتِقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَالَّةً أَوْ دَيْنًا يُحْسَبُ فِي الثُّلُثِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا أَوْصَى السَّيِّدُ بِعِتْقِ مُكَاتَبِهِ أَوْ بِإِبْرَائِهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ يُعْتَبَرَانِ فِي الثُّلُثِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، فَإِنْ خَرَجَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الثُّلُثِ عَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ وَلَمْ يُخَلِّفْ مَالًا سِوَاهُ لَمْ يَخْلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ عَتَقَ ثُلُثُهُ فِي الْحَالِ ، وَقِيلَ لَهُ : إِنْ أَدَّيْتَ ثُلُثَيْ كِتَابَتِكَ عَتَقَ جَمِيعُكَ بِالْوَصِيَّةِ وَالْأَدَاءِ ، وَإِنْ عَجَزْتَ اسْتَرَقَّ الْوَرَثَةُ ثُلُثَيْكَ ، فَصَارَ ثُلُثُكَ حُرًّا ، وَثُلُثَاكَ مَرْقُوقًا . وَإِنْ كَانَ مَالُ الْكِتَابَةِ مُؤَجَّلًا ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَتَعَجَّلُ عِتْقُ ثُلُثِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَتَعَجَّلُ عِتْقُ شَيْءٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ بِالْوَصِيَّةِ مَا لَا يَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ ، وَفِي تَعْجِيلِ الْعِتْقِ وَوُقُوفِ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْأَدَاءِ مَنْعٌ لِلْوَرَثَةِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مِثْلَيْ مَا خَرَجَ بِالْوَصِيَّةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا ، فَكُلَّمَا أَدَّى مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا إِلَى الْوَرَثَةِ عَتَقَ مِنْهُ مِثْلُ نِصْفِهِ ، لِيَصِيرَ إِلَى الْوَرَثَةِ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْوَصِيَّةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ : أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ ثُلُثُهَ فِي الْحَالِ ، وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَدَاءِ ، فَإِنْ وَفَّاهُ عَتَقَ ، وَصَارَ جَمِيعُهُ حُرًّا ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ رَقَّ ثُلُثَاهُ ، وَكَانَ ثُلُثُهُ حُرًّا ، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي الْعِلَّةِ فِي

تَعْجِيلِ الْعِتْقِ ، وَوُقُوفِ الْبَاقِي ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ : لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُكَاتَبِ حَاضِرٌ ، وَالْوَرَثَةُ فِي بَاقِيهِ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : مِنْ عِتْقٍ بِأَدَاءٍ ، أَوْ رِقٍّ بِعَجْزٍ . وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِحَاضِرٍ إِذَا كَانَ بَاقِي الْمَالِ غَائِبًا . وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا : إِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ قَدْ أَوْصَى بِهِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ بَرِئَ مِنْ ثُلُثِ الدَّيْنِ ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ بَاقِيًا لِلْوَرَثَةِ إِلَى أَجْلِهِ ، وَهَكَذَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالدَّيْنِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ وَقَفْتُ ، فَإِنْ أَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا يُخْرِجُ بِهِ مِنَ الثُّلُثِ جَازَتِ الْكِتَابَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُفْدِ جَازَتْ كِتَابَةُ ثُلُثِهِ إِذَا كَانَتْ كِتَابَةَ مِثْلِهِ وَلَمْ تَجُزْ فِي ثُلُثَيْهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، الْكِتَابَةُ فِي الْمَرَضِ الْمُخَوِّفِ إِذَا تَعَقَّبَهُ الْمَوْتُ مُعْتَبَرَةٌ مِنَ الثُّلُثِ ، لِأَنَّهَا كَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا قَدْ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْمِلْكِ فَخَالَفَ الْبَيْعَ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ فِيهِ إِلَّا بِالْعَقْدِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَهِيَ عَلَى الصِّحَّةِ فِي جَمِيعِهِ مَا لَمْ يَمُتِ السَّيِّدُ ، فَإِنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ عَتَقَ بِهَا إِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنَ الْكِتَابَةِ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ نَقَصَ فَبِقِسْطِهِ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَتَهُ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ لَا يُخْرِجُ ، فَإِنْ خَرَجَتْ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ يُؤَدِّيهَا إِلَى الْوَرَثَةِ لِيَعْتِقَ بِأَدَائِهَا أَوْ يُسْتَرَقَّ بِالْعَجْزِ عَنْهَا ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ قِيمَتَهُ مِنَ الثُّلُثِ ، وَلَا كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ لَزِمَتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَارِثِ وَرَدِّهِ ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ جَازَتْ ، وَإِنْ رَدَّهَا بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثَيْهِ ، وَلَزِمَتْ فِي ثُلُثِهِ ، فَإِذَا أَدَّى ثُلُثَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ مَمْلُوكًا . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ ، وَكِتَابَةُ بَعْضِ الْعَبْدِ لَا تَصِحْ ، وَكَيْفَ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ بِأَدَاءِ ثُلُثِ الْكِتَابَةِ وَصِفَةُ الْعِتْقِ مَشْرُوطَةٌ بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ قَدْ كَانَ عَلَى جَمِيعِهِ ، فَصَحَّتْ ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَعْضُهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ ، فَلَمْ يُوجِبْ بُطْلَانَ بَاقِيهَا فِي حَقِّ الْمَوْرُوثِ لِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَقِّهِ . وَإِذَا عَادَتِ الْكِتَابَةُ إِلَى ثُلُثِهِ عَادَ مَالُهَا إِلَى ثُلُثِهِ ، فَصَارَ هُوَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعِتْقِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَمَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ يُقِرُّ بِقَبْضِهِ فِي صِحَّتِهِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِقْرَارُ السَّيِّدِ فِي مَرَضِهِ بِقَبْضِ الْكِتَابَةِ مِنْ مُكَاتَبِهِ لَازِمٌ كَالْإِقْرَارِ بِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، سَوَاءٌ كَاتَبَهُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ ، لِأَنَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ الْقَبْضُ صَحَّ إِقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ ، وَلِأَنَّهُ إِقْرَارٌ بِحَقٍّ ، فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا وَضَعَ عَنْهُ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْئًا وَعَلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ ، وَأَبْرَأَهُ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ ، وَأَبْرَأَهُ مِنْ دَرَاهِمَ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ كِتَابَتِهِ ، لِأَنَّ مَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ ، فَكَانَ هَذَا الْإِبْرَاءُ مِنْهُ عَبَثًا إِلَّا أَنْ يَقُولَ : وَقَدْ كَاتَبْتُهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، قَدْ أَبْرَأْتُكَ بِقِيمَةِ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، فَصَحَّ إِبْرَاؤُهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ بِقِيمَةِ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مِنْ بَعْدُ : قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ بِإِبْرَائِي مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ قَدْرَ مَا يَقُومُ مِنَ الدَّرَاهِمِ بِهَا عُمِلَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَإِنَّمَا بَطَلَتِ الْبَرَاءَةُ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَرُدَّهُ ، فَإِنِ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ قِيمَةَ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَوْ وَصَّى السَّيِّدُ بِهَذَا الْإِبْرَاءِ كَانَ حُكْمُهُ مَعَ الْوَارِثِ كَحُكْمِهِ مَعَهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُبْرِئَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَلَوْ قَالَ : قَدِ اسْتَوْفَيْتُ آخِرَ كِتَابَتِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا قَالَ : قَدِ اسْتَوْفَيْتُ مِنْكَ مَالَ كِتَابَتِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ يَجُزْ ، وَكَانَ إِقْرَارًا بَاطِلًا ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعِلَّةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ : لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءٌ يَرْفَعُ حُكْمَ مَا اتَّصَلَ بِهِ ، كَمَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُكْمُ الطَّلَاقِ ، وَالْعِتَاقِ ، وَالْأَيْمَانِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ فِي الْكَلَامِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي ، فَصَارَ مَعْنَاهُ : سَأَسْتَوْفِي مِنْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَأَمَّا إِنْ قَالَ : قَدِ اسْتَوْفَيْتُ مِنْكَ مَالَ كِتَابَتِكَ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعِلَّةِ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى ظَاهِرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ . وَقَالَ آخَرُونَ : لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ مُقَيَّدٌ بِصِفَةٍ ، وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ : " لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ " عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ دُونَ مَشِيئَةِ غَيْرِهِ ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُخْتَصٌّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ . وَأَمَّا إِنْ قَالَ : قَدِ اسْتَوْفَيْتُ مِنْكَ آخِرَ كِتَابَتِكَ وَأَطْلَقَ ، لَمْ يَكُنْ هَذَا إِقْرَارًا بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا حَلَّ مِنْ نُجُومِهِ دُونَ مَا لَمْ يَحِلَّ ، أَوْ أَنْ يُرِيدَ بِهِ آخِرَ نَجْمٍ دُونَ أَوَّلِهِ ، أَوْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ الْبَاقِي بِأَسْرِهِ ، فَلِاحْتِمَالِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى يُرِيدَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُكَاتَبَ

الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُكَاتَبَ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدٌ لَهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ حَاصَّ أَهْلَ الْوَصَايَا وَكُوتِبَ عَلَى كِتَابَةِ مِثْلِهِ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَصَايَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قِيلَ : إِنْ شِئْتَ كَاتَبْنَا ثُلُثَكَ وَوَلَاءُ ثُلُثِكَ لِسَيِّدِكَ وَالثُّلُثَانِ رَقِيقٌ لِوَرَثَتِهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا خِلَافُ أَصْلِ قَوْلِهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا وَصَّى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُعْتَبَرَةً مِنْ ثُلُثِهِ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ مِنْ وَجْهٍ ، وَكَالْعِتْقِ مِنْ وَجْهٍ ، يَعُودُ الْوَلَاءُ فِيهِ إِلَى السَّيِّدِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَطَايَا وَالْعِتْقِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ ، فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ أَنْ تَخْرُجَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ لَا تَخْرُجُ ، فَإِنْ خَرَجَتْ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ كُوتِبَ جَمِيعُهُ إِنْ شَاءَ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْكِتَابَةَ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابَتِهِ ، فَإِنْ عَادَ فَطَلَبَهَا بَعْدَ الرِّقِّ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْوَرَثَةُ كِتَابَتَهُ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ ، وَإِنْ أَرَادَ الْكِتَابَةَ فِي الِابْتِدَاءِ أُجِيبُ إِلَيْهَا ، وَرَجَعَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُكَاتَبُ بِهِ إِلَى الْوَصِيَّةِ ، فَإِنْ سَمَّاهُ السَّيِّدُ ، وَذَكَرَ الْقَدْرَ الَّذِي يُكَاتَبُ بِهِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا ، لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ ضَرَرٌ ، إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مُحْتَسَبَةٌ عَلَى الْمَيِّتِ فِي ثُلُثِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرًا كُوتِبَ كِتَابَةَ مِثْلِهِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ عَلَى رَجُلٍ بِيعَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، وَكِتَابَةُ الْمِثْلِ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْبَيْعِ بِالنَّسَاءِ يَكُونُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ نَقْدًا ، فَإِذَا صَحَّتْ كِتَابَتُهُ ، وَانْعَقَدَتْ عَلَى مَا وَصَفْنَا أَدَّى مَالَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ كَسْبًا لَهُمْ لَا يُضَمُّ إِلَى تَرِكَةِ الْمُوصِي ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالٍ حَدَثَ بَعْدَ الْوَفَاةِ ، فَجَرَى مَجْرَى مَا حَدَثَ مِنْ نَمَاءِ النَّخْلِ ، وَنِتَاجِ الْمَاشِيَةِ ، فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْمُكَاتَبُ مَالَ كِتَابَتِهِ عَتَقَ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي ، يَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إِلَى الذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ وَرَثَتُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْظَارِهِ ، وَبَيْنَ تَعْجِيزِهِ وَاسْتِرْجَاعِهِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ قِيمَتِهِ ، وَلَمْ يُخْرِجْ جَمِيعَهَا مِنْهُ ، فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَعَهُ وَصَايَا أَوْ لَا تَكُونُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ وَصَايَا تَوَفَّرَ الثُّلُثُ كُلُّهُ فِي قِيمَتِهِ ، وَكُوتِبَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ وَصَايَا فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصَايَا وَالْعِتْقِ إِذَا

اجْتَمَعَا فِي الْوَصِيَّةِ ، هَلْ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ ، أَوْ يَكُونُ أُسْوَةَ جَمِيعِ الْعَطَايَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا فِي الْوَصَايَا . أَحَدُهُمَا : يَكُونُ الْعِتْقُ أُسْوَةَ الْوَصَايَا ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أُسْوَةَ جَمِيعِ الْعَطَايَا وَالْوَصَايَا يَتَحَاصُّونَ فِي الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الْعَطَايَا وَالْوَصَايَا ، لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ بِالسِّرَايَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْكِتَابَةِ ، هَلْ تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْعِتْقِ الْمَحْضِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْعِتْقِ الْمَحْضِ ، لِإِفْضَائِهَا إِلَيْهِ ، فَعَلَى هَذَا تُقَدَّمُ الْكِتَابَةُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا كَمَا يُقَدَّمُ الْعِتْقُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الْعِتْقِ الْمَحْضِ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ ، فَصَارَ بِالْمُعَاوَضَاتِ فِي ابْتِدَائِهِ أَشْبَهَ ، وَلَا يُوجِبُ إِفْضَاؤُهُ إِلَى الْعِتْقِ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصَايَا كُلِّهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى الرَّجُلُ بِأَبِيهِ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْوَصَايَا وَإِنْ أَفْضَى إِلَى عِتْقِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أُسْوَةَ جَمِيعِ الْوَصَايَا ، وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِهَا بِالْحِصَصِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ عَوْدِ كِتَابَتِهِ لِعَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ قِيمَتِهِ إِلَى بَعْضِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَوَاءً فَلَزِمَتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ ، وَجَبَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُكَاتِبُوهُ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا اخْتَارَ كِتَابَةَ الْمِثْلِ إِنْ لَمْ يُقَدَّرْ بِالْوَصِيَّةِ ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الْمُوصِي وَحْدَهُ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ حِصَّتَهُ قِيلَ : إِنَّمَا مُنِعَ الشَّرِيكُ مِنْ مُكَاتَبَةِ حِصَّتِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ بِهَا ضَرَرٌ عَلَى شَرِيكِهِ ، وَالْوَرَثَةُ هَاهُنَا إِنَّمَا صَارَ لَهُمُ الْمِلْكُ بَعْدَ دُخُولِ الضَّرَرِ بِالْكِتَابَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْمَنْعُ مِنْهَا . فَإِذَا صَحَّتِ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِهِ أَدَّى مَالَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ ، فَإِنْ وَفَّاهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ ، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مَيِّتٍ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ ؟ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرَّقَ ثُلُثَهُ الَّذِي كَانَ مُكَاتَبًا ، فَهَلْ يَعُودُ إِلَى التَّرِكَةِ حَتَّى تَتَوَفَّرَ بِهِ الْوَصَايَا أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَعُودُ إِلَى التَّرِكَةِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اعْتُبِرَ مِنَ الثُّلُثِ لِيُعْتَقَ ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَقْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ، وَكَانَ تَرِكَةً . الْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَعُودُ إِلَى التَّرِكَةِ ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي الثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى

الْعِتْقِ ، فَإِذَا عَادَ بِالْعَجْزِ إِلَى الرِّقِّ صَارَ مَالًا مُسْتَفَادًا لِلْوَرَثَةِ ، كَمَا كَانَ مَالُ الْأَدَاءِ مِلْكًا مُسْتَفَادًا لَهُمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ : كَاتِبُوا أَحَدَ عَبِيدِي السيد ، لَمْ يُكَاتِبُوا أَمَةً . وَلَوْ قَالَ : إِحْدَى إِمَائِي ، لَمْ يُكَاتِبُوا عَبْدًا وَلَا خُنْثَى . وَإِنْ قَالَ : أَحَدَ رَقِيقِي ، كَانَ لَهُمُ الْخِيَارُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا : أَوْ خُنْثَى " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا اسْمُ الْعَبِيدِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِمُ الْإِمَاءُ ، وَاسْمُ الْإِمَاءِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِنَّ الْعَبِيدُ ، فَأَمَّا الْخَنَاثَى فَإِنْ كَانُوا عَلَى إِشْكَالِهِمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي اسْمِ الْعَبِيدِ ، وَلَا فِي اسْمِ الْإِمَاءِ ، وَإِنْ زَالَ إِشْكَالُهُمْ ، فَفِي دُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْعَبِيدِ إِنْ كَانُوا ذُكُورًا ، وَفِي اسْمِ الْإِمَاءِ إِنْ كَانُوا إِنَاثًا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَدْخُلُونَ فِيهِ بِزَوَالِ الْإِشْكَالِ لِاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِمْ فِي الْجِنْسِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ زَوَالِ الْإِشْكَالِ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْعَبِيدِ ، وَلَا فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْإِمَاءِ ، لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ دُونَ النَّادِرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَوَصَّى بِمُكَاتَبَةِ عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَاتِبَ مَنْ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبِيدِ ، وَإِذَا وَصَّى أَنْ يُكَاتِبَ أَمَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَاتِبَ مَنْ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِمَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا قَالَ : كَاتِبُوا رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي السيد ، دَخَلَ فِيهِمُ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ ، وَكَانَ الْوَارِثُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً . فَأَمَّا الْخُنْثَى : فَإِنْ زَالَ إِشْكَالُهُ دَخَلَ فِي أَسْهُمِ الرَّقِيقِ ، وَجَازَ أَنْ يُكَاتَبَ لِأَنَّهُ عَبْدٌ إِنْ بَانَ ذَكَرًا ، أَوْ أَمَةً إِنْ بَانَتْ أُنْثَى ، وَإِنْ كَانَ عَلَى إِشْكَالِهِ بَاقِيًا ، فَقَدْ خَرَّجَ أَصْحَابُنَا دُخُولَهُ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْعَبِيدِ ، وَجَوَازَ كِتَابَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ : يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الِاسْمِ ، وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ فِي الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّ اسْمَ الرَّقِيقِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْجِنْسِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَمِيعُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ الرَّبِيعِ وَأَشَارَ إِلَى نَقْلِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الِاسْمِ وَلَا تَجُوزُ كِتَابَتُهُ فِي الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ مَحْمُولٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْعُرْفِ كَالْأَيْمَانِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ مَوْتِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ

بَابُ مَوْتِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ مُكَاتَبَهُ بِرِضَاهَا فَمَاتَ وَابْنَتُهُ غَيْرُ وَارِثَةٍ إِمَّا لِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا أَوْ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ ، وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَسَدَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ مِنْ زَوْجِهَا بَعْضَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ بِمُكَاتَبِهِ إِذَا أَذِنَتْ فِيهِ ، لِأَنَّ رِضَا الْوَلِيِّ وَالْمَنْكُوحَةِ بِسُقُوطِ الْكَفَاءَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ وَبِنْتُهُ غَيْرُ وَارِثَةٍ لِاخْتِلَافِ دِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ ، لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ مِنْهُ فِي الْحَالَيْنِ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً بَطَلَ نِكَاحُهُ ، لِأَنَّهَا مَلَكَتْ بَعْضَ زَوْجِهَا ، وَمِلْكُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ مُبْطِلٌ لِنِكَاحِهَا ، لِتَنَافِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إِذَا مَلَكَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ مَلَكَتْهُ قَبْلَ الْعَقْدِ بَطَلَ النِّكَاحُ ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَإِذَا مَلَكَتِ الْمَرْأَةُ دَيْنًا عَلَى زَوْجِهَا لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْمِلْكِ إِذَا مَنَعَتِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ مَنَعَتِ اسْتَدَامَتَهُ ، كَالْعَبْدِ يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِعَقْدِهِ بَعْدَ مِلْكِهِ ، وَبِمَلِكِهِ بَعْدَ عَقْدِهِ ، كَذَلِكَ نِكَاحُ الْكَاتِبِ لَمَّا بَطَلَ بِمِلْكِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ فِي اسْتَدَامَتِهُ . وَلَيْسَ لِقَوْلِهِ : إِنَّمَا تَمْلِكُ الدَّيْنَ دُونَ الرَّقَبَةِ وَجْهٌ ، لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِالْعَجْزِ ، وَالدُّيُونُ لَا تُمَلَّكُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا فِي بَابِ الْعَبِيدِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إِلَّا لِأَجْلِ الْمِلْكِ ، فَكَذَلِكَ فِي اسْتَدَامَتِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ دَفَعَ مِنَ الْكِتَابَةِ مَا عَلَيْهِ إِلَى أَحَدِ الْوَصِّيَّيْنِ أَوْ أَحَدِ وَارِثَيْنِ أَوْ إِلَى وَارِثٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ وَصَايَا لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا بِوُصُولِ الدَّيْنِ إِلَى أَهْلِهِ وَكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقِّهِ إِذَا لَمْ يَدْفَعْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أَوْ إِلَى وَصِيٍّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَتِهِ ، وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ ، لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَتِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَلْزَمُهُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْكِتَابَةِ إِلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِتَرِكَتِهِ ، وَلَا يُعْتَقُ حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ . فَإِذَا ثَبَتَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ فَلَا تَخْلُو تَرِكَةُ السَّيِّدِ إِذَا مَاتَ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا دُيُونٌ وَوَصَايَا أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا دُيُونٌ وَلَا وَصَايَا ، فَالْمُسْتَحِقُّ لَهَا الْوَرَثَةُ ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا اعْتَبُرِتْ حَالُهُ ، فَإِنْ كَانَ جَائِزَ الْأَمْرِ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِقَبْضِ مَالِهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا ، فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ عَتَقَ ، وَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقْ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ حَاكِمًا أَوْ غَيْرَ حَاكِمٍ ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ الْجَائِزُ الْآمِرِ غَائِبًا نَظَرَ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ دَفَعَهُ إِلَى وَكِيلِهِ وَعَتَقَ بِدَفْعِهِ ، فَإِنْ عَدَلَ بِدَفْعِهِ إِلَى حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ الْغَائِبِ وَكِيلٌ دَفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ ، وَعَتَقَ بِدَفْعِهِ ، فَإِنْ عَدَلَ بِدَفْعِهِ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ مُنَاسِبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ الْوَاحِدُ مَوْلًى عَلَيْهِ دَفَعَهُ إِلَى وَلِيِّهِ ، وَعَتَقَ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ ، فَإِنْ عَدَلَ بِدَفْعِهِ إِلَى غَيْرِ وَلِيِّهِ لَمْ يَعْتِقْ ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ جَمَاعَةً دَفَعَهُ إِلَيْهِمْ إِنْ جَازَ أَمْرُهُمْ أَوْ إِلَى وَلِيِّ مَنْ كَانَ مَوْلًى عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَى بَعْضِهِمْ لَمْ يَعْتِقْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا تَعَلَّقَ بِتَرِكَةِ السَّيِّدِ دُيُونٌ وَوَصَايَا كاتب عبده وتعلقت بتركته ديون ووصايا ، فَنَذْكُرُ حُكْمَ الدُّيُونِ إِذَا انْفَرَدَتْ ، وَحُكْمَ الْوَصَايَا إِذَا انْفَرَدَتْ ، لِيُعْلَمَ بِهِ حُكْمُ اجْتِمَاعِهِمَا ، فَنَقُولُ : إِنَّ الدُّيُونَ لَا يَخْلُو أَنْ يُوصِيَ السَّيِّدُ بِدَفْعِهَا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ لَا يُوصِي بِهِ ، فَإِنْ أَوْصَى بِدَفْعِهَا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَأَرْبَابُ الدُّيُونِ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِقَبْضِهِ دُونَ الْوَرَثَةِ ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ إِذْنًا بِدَفْعِ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ ، وَجَرَى دَفْعُهُ إِلَيْهِمْ مَجْرَى دَفْعِهِ إِلَى الْوَرَثَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ دُيُونٌ ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا صَارَ كَالْوَارِثِ الْوَاحِدِ ، وَيُعْتَقُ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ جَائِزَ الْأَمْرِ ، وَلَا يَلْزَمُ اسْتِئْذَانُ الْوَارِثِ فِيهِ ، وَلَا الِاجْتِمَاعُ مَعَ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى قَبْضِهِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِجَمَاعَةٍ عَتَقَ بِدَفْعِهِ إِلَى جَمِيعِهِمْ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ بِالْحِصَصِ ، وَلَا يَعْتِقُ بِدَفْعِهِ إِلَى بَعْضِهِمْ ، وَجَرَوْا مَجْرَى الْوَرَثَةِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً ، فَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ وَصِيٌّ فِي قَضَاءِ دُيُونٍ لَهُ لَمْ يَعْتِقِ الْمُكَاتَبُ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ ، لِأَنَّ أَرْبَابَ الدُّيُونِ لَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِمْ . فَإِنْ لَمْ يُوصِ السَّيِّدُ بِدَفْعِ مَالِ الْكِتَابَةِ فِي دَيْنِهِ ، فَعَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يَجْمَعَ فِي دَفْعِ مَالِ الْكِتَابَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَأَرْبَابِ الدُّيُونِ ، لِأَنَّ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْضُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَأْخُذُوا مَالَ الْكِتَابَةِ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَإِنْ دَفَعَهَا الْمُكَاتَبُ إِلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ دُونَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَعْتِقْ ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ دُونَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ لَمْ يَعْتِقْ ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الدَّفْعِ عَتَقَ .



فَصْلٌ : وَأَمَّا الْوَصَايَا تعيين الوصية من مال الكتابة ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يُعَيِّنَهَا السَّيِّدُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ لَا يُعَيِّنَهَا ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَابُ الْوَصَايَا مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ ، فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ لَزِمَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَجْمَعَ فِي دَفْعِهَا بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْوَرَثَةِ دُونَ أَرْبَابِ الْوَصَايَا ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْوَصِيِّ دُونَ الْوَرَثَةِ لَمْ يُعْتَقْ ، لِأَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَدْفَعُوا الْوَصَايَا مِنْ غَيْرِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ دُونَ الْوَصِيِّ لَمْ يُعْتَقْ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ هُوَ الْوَالِي عَلَى الْوَصِيَّةِ ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الدَّفْعِ عَتَقَ ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَعَيِّنِينَ إِلَّا بِاجْتِهَادِ الْوَصِيِّ ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْوَصَايَا مُعَيَّنِينَ ، لَزِمَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَجْمَعَ فِي دَفْعِهَا بَيْنَ أَهْلِ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ دُونَ الْوَصِيِّ ، لِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا إِذَا تَعَيَّنُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ لِلْوَصِيِّ ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ دُونَ أَهْلِ الْوَصَايَا لَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا دُونَ الْوَرَثَةِ لَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الدَّفْعِ عَتَقَ . وَإِنْ عَيَّنَ السَّيِّدُ الْوَصَايَا فِي مَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا لِمُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ ، فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنِينَ لَزِمَ الْمُكَاتَبَ دَفْعُهَا إِلَى أَهْلِ الْوَصَايَا الْمُعَيَّنِينَ دُونَ الْوَصِيِّ وَالْوَرَثَةِ ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَعْدِلُوا بِالْوَصَايَا إِلَى أَمْوَالِهِمْ ، فَإِذَا انْفَرَدَ أَهْلُ الْوَصَايَا بِهَا عَتَقَ ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَصَايَا لِغَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ لَزِمَ الْمُكَاتَبَ دَفْعُهَا إِلَى الْوَصِيِّ وَحْدَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ ، لِأَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا ، إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ ، وَدُونَ أَهْلِ الْوَصَايَا ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَيَّنُوا إِلَّا بِاجْتِهَادِ الْوَصِيِّ الْقَابِضِ ، فَلِذَلِكَ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ وَحْدَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110