كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لِأَبِ الْمَوْلَى سُدُسُ الْوَلَاءِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ كَالْمَالِ ، وَهَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ مَعَ الِابْنِ سُدُسَ الْوَلَاءِ ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُسْتَحَقٌّ لِمُجَرَّدِ التَّعْصِيبِ وَتَعْصِيبُ الِابْنِ أَقْوَى مِنْ تَعْصِيبِ الْأَبِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْوَلَاءِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَبْنَاءَ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ مِنَ الْآبَاءِ فَهُوَ لِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ الْإِنَاثِ ، فَيَكُونُ لِابْنِ الْمَوْلَى دُونَ بِنْتِ الْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَقَالَ طَاوُسٌ : هُوَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْمَالِ ، وَهَكَذَا قَالَ فِي الْأَخِ وَالْأُخْتِ يَرِثَانِ الْوَلَاءَ لِلذِّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَحُكِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ النِّسَاءَ إِذَا تَرَاخَى نَسَبُهُنَّ لَمْ يَرِثْنَ بِتَعْصِيبِ النَّسَبِ كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ ، وَتَعْصِيبُ الْوَلَاءِ أَبْعَدُ مِنْ تَعْصِيبِ النَّسَبِ ، فَكَانَ بِسُقُوطِ مِيرَاثِ النِّسَاءِ أَحَقُّ .

فَصْلٌ : فَإِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنَ مَوْلًى فَأَبُو الْمَوْلَى بَعْدَهُ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لِإِدْلَائِهِمْ بِهِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَبِ فِي مُسْتَحِقِّ الْوَلَاءِ إذا لم يكن أبو المولى فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْجَدُّ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْإِخْوَةِ . وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ : الْإِخْوَةُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْجَدِّ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إِنَّهُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ . وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : إِنَّهُ لِلْإِخْوَةِ دُونَ الْجَدِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ : لِأَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْرَبُ إِلَى الْأَبِ مِنَ الْجَدِّ كَمَا أَنَّ ابْنَ الِابْنِ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ ، فَعَلَى هَذَا يُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ الْجَدَّ وَالْإِخْوَةَ فِيهِ سَوَاءٌ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : لِأَنَّهُ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ فِي الْمَالِ فَقَاسَمَهُمْ فِي الْوَلَاءِ عَلَى هَذَا لَوْ نَقَصَتْهُ مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ مِنْ ثُلُثِ الْوَلَاءِ لَمْ يُفْرَضْ لَهُ الثُّلُثُ ، بِخِلَافِ الْمَالِ : لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَرْضِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ . فَلَوْ كَانُوا خَمْسَةَ إِخْوَةٍ وَجَدًّا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ أَسْدَاسًا عَلَى عَدَدِهِمْ لِلْجَدِّ مِنْهُ السُّدُسُ وَلَا يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، بِخِلَافِ الْمَالِ ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ مَعَ أَبِي الْجَدِّ وَجَدِّ الْجَدِّ ، وَإِنْ عَلَا كُلُّهُمْ مَعَ الْجَدِّ الْأَخِيرِ ، فَأَمَّا بَنُو الْإِخْوَةِ وَالْجَدُّ إذا اجتمعا في الولاء فَعَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنَ الْجَدِّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَكَذَلِكَ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إِنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ ، لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ وَلَا يَحْجُبُ اشْتِرَاكَ بَنِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ ، وَيُقَدَّمُ مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَلِأُمٍّ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يَتَقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ ، وَيَتَقَدَّمُ الْجَدُّ بِالْوَلَاءِ عَلَى الْأَعْمَامِ لِأَنَّهُمْ بَنُوهُ ، فَأَمَّا أَبُو الْجَدِّ وَالْعَمِّ إذا اجتمعا في الولاء فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : إِنَّ أَبَا الْجَدِّ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ لِوِلَادَتِهِ .

وَالثَّانِي : إِنَّ الْعَمَّ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ لِقُرْبِهِ . وَالثَّالِثُ : إِنَّ أَبَا الْجَدِّ وَالْعَمِّ سَوَاءٌ ، يَشْتَرِكَانِ فِي الْوَلَاءِ يَتَرَتَّبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ تَرْتِيبَ الْعَصَبَاتِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَصَبَةٌ فَمَوْلَى الْمَوْلَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَصَبَتُهُ ، ثُمَّ مَوْلَاهُ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا وُجِدُوا ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا وَوُجِدَ مَوْلَى عَصَبَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَوْلَى آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَرَّثَ : لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَسْرِي إِلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَى أَبْنَائِهِ أَوْ أَخَوَاتِهِ لَمْ يَرِثْ : لِأَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ لَا يَسْرِي إِلَى أَبِيهِ وَلَا إِلَى أَخِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مَوْلًى مِنْ أَسْفَلَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ لَمْ يَرِثْهُ فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ . وَقَالَ طَاوُسٌ : لَهُ الْمِيرَاثُ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَوْسَجَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ إِرْثًا إِلَّا غُلَامًا لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هَلْ لَهُ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : لَا إِلَّا غُلَامًا لَهُ كَانَ أَعْتَقَهُ . فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهُ لَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَلَّا مِيرَاثَ لَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ . وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُوَرِّثُ مَوَالِيَ عُمَرَ دُونَ بَنَاتِهِ : لِأَنَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَرِثَ لِإِنْعَامِهِ فَصَارَ مِيرَاثُهُ كَالْجَزَاءِ ، وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلُ غَيْرُ مُنْعِمٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِيرَاثًا وَلَا جَزَاءً ، فَأَمَّا إِعْطَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لَهُ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طُعْمَةً مِنْهُ : لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ يَرَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ فِي النَّسَبِ ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ عَبْدًا ، ثُمَّ يَمُوتُ السَّيِّدُ وَيُخْلِفُ ابْنَيْنِ فَيَرِثَانِ مَالَهُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ يَمُوتُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَيَخْلُفُ ابْنًا فَيَنْتَقِلُ مِيرَاثُ ابْنِهِ عَنِ الْجَدِّ إِلَيْهِ ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ ابْنُ الْمَوْلَى دُونَ ابْنِ ابْنِهِ ، وَقَالَ شُرَيْحٌ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ انْتِقَالَ الْمِيرَاثِ فَيَصِيرُ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ بَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ : لِأَنَّ مِيرَاثَ السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ صَارَ إِلَيْهِمَا وَلَمْ يَجْعَلُوا الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ اعْتِبَارًا بِمُسْتَحِقِّ الْوَلَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى ، وَمَنْ جَعَلَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ اعْتُبِرَ مُسْتَحِقُّ الْوَلَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَبِتَوْرِيثِ الْكَبِيرِ ، قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ ، فَلَوْ جُعِلَ كَالْمَالِ صَارَ مَوْرُوثًا ، وَلِأَنَّ الْمَالَ يَنْتَقِلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إِلَى عَصَبَةِ مَوْلَاهُ الْأَعْلَى ، وَلَيْسَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ كَالْمَالِ : فَلِذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا لِلْمَالِكِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَتَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وِأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ ، فَأَخَذَ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِيرَاثَهُ دُونَ الْأَخِ لِلْأَبِ ، ثُمَّ مَاتَ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَتَرَكَ ابْنًا ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ جَعَلَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ فَجَعَلَهُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ دُونَ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ : لِأَنَّهُ الْآنَ أَقْرَبُهُمَا إِلَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَمَنْ جَعَلَهُ مَوْرُوثًا كَالْمَالِ جَعَلَهُ لِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ : لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى ، وَلِلْوَلَاءِ كِتَابٌ يَسْتَوْفِي فُرُوعَهُ فِيهِ مَعَ جَرِّ الْوَلَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

فَصْلٌ : فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَصُورَتُهُ : فِي رَجُلٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ وَلَا وَلَاءٌ فَيُوَالِي رَجُلًا يُعَاقِدُهُ وَيُحَالِفُهُ وَيُنَاصِرُهُ ، فَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لَا يَتَوَارَثَانِ بِهِ .

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : يَتَوَارَثَانِ بِهَذِهِ الْمُوَالَاةِ ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَتَوَارَثَانِ بِهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهَا مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ صَاحِبُهُ ، فَإِنْ عَقَلَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهَا . فَاسْتَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ التَّوَارُثِ بِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [ النِّسَاءِ : 33 ] وَبِرِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَالَى رَجُلًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْتَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبَا إِلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَأَثْبَتَهُ لِلْمُعْتِقِ وَنَفَاهُ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتِقِ . وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لِمَالِهِ جِهَةٌ يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ بِالْمُوَالَاةِ إِلَى غَيْرِهَا كَالَّذِي لَهُ نَسَبٌ أَوْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ ، وَلِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ لَا يَتَوَارَثُ بِهَا مَعَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ لَا يَتَوَارَثُ بِهَا مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَمَنْسُوخَةٌ حِينَ نُسِخَ التَّوَارُثُ بِالْحِلْفِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْتَ أَحَقُّ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ فَمَعْنَاهُ أَحَقُّ بِنَفْسِهِ دُونَ مَالِهِ فِي نُصْرَتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . آخِرُ كِتَابِ الْعَصَبَةِ

بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ

بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ أحوال ميراثه مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَالْجَدُّ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ الْأَدْنَيْنِ أَوْ أَحَدًا مِنْ أُمَّهَاتِ أَبِيهِ ، وَإِنْ عَالَتِ الْفَرِيضَةُ إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوِ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِيهِمَا مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ صَارَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ كَامِلًا وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ ، وَأُمَّهَاتُ الْأَبِ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأَبِ وَيَرِثْنَ مَعَ الْجَدِّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْجَدُّ الْمُطْلَقُ فَهُوَ أَبُو الْأَبِ لَا غَيْرَ ، فَأَمَّا أَبُو الْأُمِّ فَهُوَ جَدٌّ بِتَقْيِيدٍ ، ثُمَّ الْجَدُّ يَجْمَعُ رَحِمًا وَتَعْصِيبًا كَالْأَبِ ، فَيَرِثُ تَارَةً بِالرَّحِمِ فَرْضًا مُقَدَّرًا ، وَيَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ تَارَةً مُرْسَلًا ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فِي مَوْضِعٍ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِالْأَبِ وَحْدَهُ ، وَلَهُ فِي مِيرَاثِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَجْمَعُوا أَنَّهُ فِيهَا كَالْأَبِ ، وَحَالَةٌ أَجْمَعُوا أَنَّهُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَبِ ، وَحَالٌ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ فِيهَا كَالْأَبِ أَمْ لَا ؟ فَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ فِيهَا كَالْأَبِ فَمَعَ الْبَنِينَ وَبَنِيهِمْ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَحْدَهُ ، وَمَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ إِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَالْأَبِ وَيَسْقُطُ سَائِرُ الْعَصَبَاتِ سِوَى الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ وَبَنِي الْإِخْوَةِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ حَكَاهَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَاسَمَ الْجَدَّ مَعَ بَنِي الْإِخْوَةِ ، وَلَيْسَتْ ثَابِتَةً ، وَيَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ ، فَهَذِهِ حَالٌ هُوَ وَالْأَبُ فِيهَا سَوَاءٌ ، وَأَمَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلْأَبِ ، فَفِي فَرِيضَتَيْنِ هُمَا : زَوْجٌ وَأَبَوَانِ ، أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ ، فَإِنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ ، فَإِنْ كَانَ مَكَانُ الْأَبِ جَدٌّ فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْفَرِيضَتَيْنِ ، أَمَّا مَعَ الزَّوْجَةِ فَبِاتِّفَاقٍ ، وَأَمَّا مَعَ الزَّوْجِ فَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ لِلْأَبِ ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ جَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُمِّ نِصْفَيْنِ ، وَهِيَ إِحْدَى مُرَبَّعَاتِهِ : لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ أَرْبَاعًا ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا ذَكَرْنَا ، وَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّ نَفْسِهِ دُونَ أُمَّهَاتِ الْأَبِ ، فَهَذِهِ حَالٌ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ فِيهَا مُخَالِفٌ لِلْأَبِ ، وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا هَلِ الْجَدُّ فِيهِ كَالْأَبِ أَمْ لَا ؟ فَمَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، وَقَدْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فِيهِ تَكْرَهُ الْقَوْلَ فِيهِ حَتَّى رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَجْرَؤُكُمْ عَلَى قَسْمِ الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ

وَقَالَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ " ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : سَلُونَا عَنْ عَضَلِكُمْ وَدَعُونَا مِنَ الْجَدِّ لَا حَيَّاهُ اللَّهُ " . فَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي سُقُوطِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالْجَدِّ ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ كَالْأَبِ ، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُهُ ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ ، بَلْ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَبِهَذَا قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ ، وَقَالَ بِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ سُرَيْجٍ وَدَاوُدُ ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ وَلَا يُسْقِطُهُمْ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ كَيْفِيَّةِ مُقَاسَمَتِهِ لَهُمْ . وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ بِالْجَدِّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ [ يُوسُفَ : 38 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [ الْحَجِّ : 78 ] ، فَسَمَّاهُ أَبًا ، وَإِذَا كَانَ اسْمُ الْأَبِ مُنْطَلِقًا عَلَى الْجَدِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحُكْمِ كَالْأَبِ ، وَلِأَنَّ لِلْمَيِّتِ طَرَفَيْنِ أَعْلَى وَأَدْنَى ، فَالْأَعْلَى الْأَبُ وَمَنْ عَلَا ، وَالْأَدْنَى الِابْنُ وَمَنْ سَفَلَ ، فَلَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْأَبِ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ . وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فَاسْتَوَى حُكْمُ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَالطَّرَفِ الْآخَرِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ الْجَدَّ عَصَبَةٌ لَا يَعْقِلُ ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ الْعَصَبَةَ الَّتِي تَعْقِلُ كَالِابْنِ ، وَلِأَنَّ مَنْ جَمَعَ الْوِلَادَةَ وَالتَّعْصِيبَ أَسْقَطَ مَنْ عَدَا الْوِلَادَةِ وَتَفَرَّدَ بِالتَّعْصِيبِ كَالِابْنِ ، وَلِأَنَّ لِلْجَدِّ تَعْصِيبًا وَرَحِمًا يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا ، فَكَانَ أَقْوَى مِنَ الْأَخِ الَّذِي لَيْسَ يُدْلِي إِلَّا بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِابْنٍ وَالْأَخُ يُدْلِي بِالْأَبِ ، وَالِابْنُ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ ، فَكَانَ الْإِدْلَاءُ بِالِابْنِ أَقْوَى مِنَ الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ ، وَلِأَنَّ لِلْجَدِّ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا بِقُوَّتِهِ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَعَلَى مَالِهَا وَيَضْعُفُ الْأَخُ بِمَا قَصَّرَ فِيهَا . قَالُوا : وَلِأَنَّ الْأَخَ لَوْ قَاسَمَ الْجَدَّ كَالْأَخَوَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يَقْتَسِمَهَا فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ وَرِثَ فِيهَا جَدٌّ كَمَا يُقَاسِمُ الْأَخُ الْأَخَ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ وَرِثَ فِيهَا أَخٌ ، فَلَمَّا لَمْ يُقَاسِمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يُقَاسِمْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ الْجَدَّ فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ كَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، أَوْ كَالْأَخِ لِلْأَبِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُمَا ، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ مِنْهُمَا : لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِمَا ، فَلَوْ كَانَ كَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَمْ يَرْثِ مَعَهُ الْأَخُ لِلْأَبِ ، وَلَوْ كَانَ كَالْأَخِ لِلْأَبِ لَمَا وَرِثَ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَإِذَا امْتَنَعَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِهِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



فَصْلٌ : وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ في الميراث بِقَوْلِهِ تَعَالَى : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ [ النِّسَاءِ 7 ] ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [ الأَحْزَاب 6 ] ، وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْآيَتَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخُصَّ الْجَدَّ بِالْمَالِ دُونَ الْإِخْوَةِ ، وَلِأَنَّ الْأَخَ عَصَبَةٌ يُقَاسِمُ أُخْتَهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْجَدِّ كَالِابْنِ طَرْدًا وَبَنِي الْإِخْوَةِ وَالْعَمِّ عَكْسًا . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ : لِأَنَّ الْأَخَ وَإِنْ عَصَّبَ أُخْتَهُ يَسْقُطُ بِالْأَبِ وَهُوَ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَسْقُطَ بِالْجَدِّ الَّذِي لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ . قِيلَ : إِنَّمَا سَقَطُوا بِالْأَبِ لِمَعْنًى عُدِمَ فِي الْجَدِّ وَهُوَ إِدْلَاؤُهُمْ بِالْأَبِ دُونَ الْجَدِّ ، وَلِأَنَّ قُوَّةَ الْأَبْنَاءِ مُكْتَسَبَةٌ مِنْ قُوَّةِ الْآبَاءِ ، فَلَمَّا كَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَسْقُطُونَ مَعَ بَنِي الْجَدِّ ، فَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لَا يَسْقُطُونَ مَعَ الْجَدِّ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا الْجَمْعُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ يُسْقِطُونَ الْجَدَّ كَمَا أَنَّ بَنِي الْإِخْوَةِ يُسْقِطُونَ بَنِي الْجَدِّ وَهُمُ الْأَعْمَامُ . قِيلَ : إِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا بِهَذَا عَلَى مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لَا عَلَى مَنْ سَقَطَ بِالْإِخْوَةِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مِيرَاثِهِمْ فَصَحَّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ إِلَى ثُلُثِ الْبَاقِي لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ كَالْعَمِّ طَرْدًا وَكَالْأَبِ عَكْسًا ، وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبَيْنِ يُدْلِيَانِ إِلَى الْمَيِّتِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ لَمْ يَسْقُطْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَالْأَخَوَيْنِ وَكَابْنَيِ الِابْنِ : لِأَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ كِلَاهُمَا يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ ، وَلِأَنَّ تَعْصِيبَ الْإِخْوَةِ كَتَعْصِيبِ الْأَوْلَادِ : لِأَنَّهُمْ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَيَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ أَعْلَى الْوَجْهَيْنِ ، وَيَفْرِضُ النِّصْفَ لِلْأُنْثَى مِنْهُمْ ، وَالْجَدُّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِخِلَافِهِمْ ، فَكَانُوا بِمُقَاسَمَةِ الْجَدِّ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِهِمْ بِهِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّعْصِيبِ وَالرَّحِمِ وَالْآخَرُ يَتَفَرَّدُ بِالتَّعْصِيبِ دُونَ الرَّحِمِ ، كَانَ الْمُتَفَرِّدُ بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ أَقْوَى ، كَالِابْنِ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأَبِ ، فَلَمَّا كَانَ الْجَدُّ جَامِعًا لِلْأَمْرَيْنِ وَالْأَخُ مُخْتَصٌّ بِأَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى : لِأَنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَ كِلَاهُمَا يُدْلِيَانِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ يَقُولُ : أَنَا أَبُو أَبِي الْمَيِّتِ ، وَالْأَخُ يَقُولُ : أَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ ، فَصَارَ الْأَخُ أَقْوَى مِنَ الْجَدِّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ مِنْهَا : أَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ وَالْجَدَّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ ، وَالْإِدْلَاءُ بِالْبُنُوَّةِ أَقْوَى ، وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ يُدْلِيَانِ بِهِ وَهُوَ الْأَبُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ لَكَانَ لِلْجَدِّ مِنْ تَرِكَتِهِ السُّدُسُ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا لِلِابْنِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْأَخَ قَدْ شَارَكَ الْمَيِّتَ فِي الصُّلْبِ وَرَاكَضَهُ فِي الرَّحِمِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَخُ أَقْوَى مِنَ الْجَدِّ بِهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ ، كَانَ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي مِيرَاثِهِ ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا جَرَى مِنْ نَظَرِ الصَّحَابَةِ فِيهِ ، فَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ فَرِيضَةً فِي الْجَدِّ حَتَّى صَارَ هُوَ جَدًّا ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَهُ عَاصِمًا مَاتَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ فَتَرَكَ جَدَّهُ عُمَرَ وَإِخْوَتَهُ ، فَعَلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِ ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ : هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي الْجَدِّ شَيْئًا ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ عَنْ فَرِيضَةِ الْجَدِّ فَأَعْطَاهُ السُّدُسَ ، فَقَالَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، قَالَ : لَا دَرَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ آخَرُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَرِيضَةِ

الْجَدِّ فَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ ، فَقَالَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي قَالَ : لَا دَرَيْتَ ؟ ثُمَّ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ : إِنَّهُ كَانَ مِنْ رَأْيِي وَرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلِي أَنْ أَجْعَلَ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ فَمَاذَا تَرَى ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا يُجْعَلُ شَجَرَةٌ خَرَجَ مِنْهَا غُصْنٌ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْغُصْنِ غُصْنَانِ ، فِيمَ تَجْعَلُ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ وَهُمَا خَرَجَا مِنَ الْغُصْنِ الَذِي خَرَجَ مِنْهُ الْجَدُّ ؟ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبَى طَالِبٍ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ لِزَيْدٍ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَجْعَلْ وَادٍ سَالَ فَانْشَعَبَتْ مِنْهُ شُعْبَةٌ ، ثُمَّ انْشَعَبَتْ مِنَ الشُّعْبَةِ شُعْبَتَانِ ، فَلَوْ رَجَعَ مَاءُ إِحْدَى الشُّعْبَتَيْنِ دَخَلَ فِي الشُّعْبَتَيْنِ جَمِيعًا فِيمَ تَجْعَلُ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَوْلَا رَأْيُكُمَا أَجْمَعُ مَا رَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي وَلَا أَنْ أَكُونَ أَبَاهُ . قَالَ الشَّعْبِيُّ : فَجَعَلَ الْجَدَّ أَخًا مَعَ الْأَخَوَيْنِ وَمَعَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ، فَإِذَا كَثُرُوا تَرَكَ مُقَاسَمَتَهُمْ وَأَخَذَ الثُّلُثَ ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلَ جَدٍّ وَرِثَ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ طَالَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا تَجْمَعُ خَبَرًا وَاحْتِجَاجًا وَمَثَلًا فَلِذَلِكَ اسْتَوْفَيْنَاهَا . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْجَدَّ أَبًا فَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْأَبِ انْطَلَقَ عَلَيْهِ تَوَسُّعًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِالْجَدِّ أَخَصُّ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِالْأَبِ ؟ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : هَذَا جَدٌّ وَلَيْسَ بِأَبٍ ، لَمْ يَكُنْ مُضِلًّا ، وَالْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِحَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ دُونَ مَجَازِهَا ، وَلَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَبِ ، وَكَمَا تُسَمَّى الْجَدَّةُ أُمًّا وَلَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْأُمِّ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ طَرَفَهُ الْأَدْنَى يَسْتَوِي حُكْمُ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ، فَكَذَلِكَ طَرَفُهُ الْأَعْلَى ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ابْنَ الِابْنِ لَمَّا كَانَ كَالِابْنِ فِي حَجْبِ الْأُمَّ كَانَ كَالِابْنِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ ، وَلَمَّا كَانَ الْجَدُّ مُخَالِفًا لِلْأَبِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ إِلَى ثُلُثِ الْبَاقِي كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الِابْنِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا يَعْقِلُ . فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَقْلِ دَلَّ عَلَى قُوَّةِ التَّعْصِيبِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَقْرَبَ الْعَصَبَاتِ اخْتَصَّ بِتَحَمُّلِ الْعَقْلِ مِنَ الْأَبَاعِدِ ، لِقُوَّةِ تَعْصِيبِهِمْ وَضَعْفِ الْأَبَاعِدِ ، وَلَيْسَ خُرُوجُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ عَنِ الْعَقْلِ عَنْهُ لِمَعْنًى يَعُودُ إِلَى التَّعْصِيبِ فَيُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى الْقُوَّةِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا عَلَى الضَّعْفِ وَذَلِكَ لِأَجْلِ التَّعْصِيبِ ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الِابْنِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ أَسْقَطَ الْإِخْوَةَ الْمُدْلِينَ بِالْأَبِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْجَدُّ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ لَمْ يُسْقِطِ الْإِخْوَةَ الْمُدْلِينَ بِالْأَبِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْجَدَّ قَدْ جَمَعَ الْوِلَادَةَ وَالتَّعْصِيبَ كَالْأَبِ فَهُوَ أَنَّ الْأَبَ إِنَّمَا أَسْقَطَهُمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِهِ لَا لِرَحِمِهِ وَعَصَبَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنِ وَإِنِ انْفَرَدَ بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ يَجْمَعُ تَعْصِيبًا وَرَحِمًا . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ إِدْلَاءَ الْجَدِّ بِابْنٍ وَإِدْلَاءَ الْأَخِ بِأَبٍ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ دَلِيلًا مِنْ أَنَّ إِدْلَاءَ الْأَخِ بِالْبُنُوَّةِ وَإِدْلَاءَ الْجَدِّ بِالْأُبُوَّةِ لِإِدْلَائِهِمَا جَمِيعًا بِالْأَبِ ، فَكَانَ إِدْلَاءُ الْأَخِ أَقْوَى .

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِوِلَايَةِ الْجَدِّ فِي الْمَالِ وَالتَّزْوِيجِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ الْقُوَّةِ فِي الْمِيرَاثِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ لَا يَلِي وَلَا يُزَوِّجُ وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الْأَبِ وَإِنْ وَلِيَ وَزَوَّجَ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ شَارَكَهُ فِي مَوْضِعٍ لَشَارَكَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَرِثَ الْجَدُّ فِيهِ بِالتَّعْصِيبِ الَّذِي شَارَكَ الْأَخُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي مِيرَاثِهِ لَا لِمِيرَاثِهِمَا فِي نَسَبِهِ ، وَإِنَّمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَرِثُ الْجَدُّ فِيهِ بِالرَّحِمِ : لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَخِ رَحِمٌ يُسَاوِيهِ فِيهَا . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْجَدَّ وَالْإِخْوَةَ مُجْتَمِعُونَ عَلَى الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ فَلَمْ يَضْعُفْ عَنْهُ الْأَخُ لِلْأَبِ بَعْدَ الْأُمِّ لِمُسَاوَاتِهِ فِيمَا أَدْلَى بِهِ ، كَمَا لَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِأُمِّهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْإِخْوَةِ حَالُهُمْ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ : لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ، فَكَانَ مَنْ جَمَعَهُمَا أَقْوَى مِمَّنِ انْفَرَدَ بِأَحَدِهِمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَكُلُّ جَدٍّ وَإِنْ عَلَا فَكَالْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ جَدٌّ دُونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَجْبِ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ وَإِنْ بَعُدْنَ فَالْجَدُّ يَحْجُبُ أُمَّهَاتِهِ وَإِنْ بَعُدْنَ ، وَلَا يَحْجُبُ أُمَّهَاتِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ اللَّاتِي لَمْ يَلِدْنَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِّ الْأَدْنَى وَالْجَدِّ الْأَبْعَدِ فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، فَأَبْعَدُهُمْ فِيهِ كَأَقْرَبِهِمْ ، كَمَا كَانَ الْأَبْعَدُ فِي الْإِدْلَاءِ كَأَقْرَبِهِمْ ، فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا جَعَلْتُمُ الْجَدَّ الْأَعْلَى كَالْجَدِّ الْأَدْنَى فِي مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ فَهَلَّا جَعَلْتُمْ بَنِي الْإِخْوَةِ مَعَهُمْ كَالْإِخْوَةِ ؟ قِيلَ الْمَعْنِيُّ فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَا فِيهِ مِنَ التَّعْصِيبِ وَالْوِلَادَةِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْبَعِيدِ كَوُجُودِهِ فِي الْقَرِيبِ ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى الِابْنِ فِي التَّعْصِيبِ وَالْحَجْبِ مَوْجُودٌ فِي ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ : لِأَنَّ مُقَاسَمَةَ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ إِنَّمَا كَانَ بِقُوَّتِهِمْ عَلَى تَعْصِيبِ أَخَوَاتِهِمْ وَحَجْبِ أُمِّهِمْ ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ قَدْ عَدِمُوا هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَلَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَلَا يُعَصِّبُونَ الْأَخَوَاتِ : فَلِذَلِكَ قَصَّرُوا عَنِ الْإِخْوَةِ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ وَلَمْ يُقَصِّرُوا فِي الْجَدِّ عَنْ مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ كَالْجَدِّ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَحُكْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فِي الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ وَمُقَاسِمَةِ الْإِخْوَةِ كَالْجَدِّ الْأَدْنَى إِلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْجَدَّ الْأَدْنَى يُسْقِطُ سَائِرَ أُمَّهَاتِ الْأَجْدَادِ لِأَنَّهُنَّ وَلَدْنَهُ ، وَالْجَدُّ الْأَعْلَى لَا يُسْقِطُ أُمَّهَاتِ الْجَدِّ الْأَدْنَى لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَلِدْنَهُ ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ أُمَّهَاتِ نَفْسِهِ اللَّاتِي وَلَدْنَهُ ، ثُمَّ هُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَفِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ كَالْجَدِّ الْأَدْنَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ أَحَدٌ مِنَ الْإِخْوَةِ أَوِ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَلَيْسَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى قَاسَمَ أَخًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا ، فَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ الْمَالِ وَمَا بَقِيَ لَهُمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ

وَلَا يُسْقِطُهُمْ فَقَدِ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِ مَعَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ مقاسمة الجد للإخوة والأخوات في التركة مُقَاسَمَتِهِ لَهُمْ ، فَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ مَا لَمْ تَنْقُصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ الثُّلُثِ ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ فُرِضَ لَهُ الثُّلُثُ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَاسَمَ بِالْجَدِّ إِلَى السُّدُسِ ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ السُّدُسِ فُرِضَ لَهُ السُّدُسُ ، فَيُقَاسِمُ بِهِ إِلَى خَمْسَةِ إِخْوَةٍ ، وَيَفْرِضُ لَهُ مَعَ السِّتَّةِ السُّدُسَ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ . وَحُكِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ قَاسَمَ بِالْجَدِّ إِلَى نِصْفِ السُّدُسِ ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ مِنْهُ فَرَضَ لَهُ نِصْفَ السُّدُسِ ، فَكَأَنَّهُ قَاسَمَ بِهِ إِلَى أَحَدَ عَشَرَ أَخًا ، وَفَرَضَ لَهُ نِصْفَ السُّدُسِ مَعَ الثَّانِيَ عَشَرَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الْخَطَأِ : لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ أَضْعَفَ مِنْهُ مَعَ الْبَنِينَ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مَعَ الِابْنِ مِنَ السُّدُسِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مَعَ الْإِخْوَةِ مِنَ السُّدُسِ ؟ ! وَأَمَّا مُقَاسَمَةُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهِ إِلَى السُّدُسِ فَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنَ الْأَبِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ إِذَا فَرَضَ لَهُ لَمْ يَزِدْ فِي فَرْضِهِ عَلَى السُّدُسِ ، فَكَانَ الْجَدُّ إِذَا فَرَضَ لَهُ أَوْلَى أَلَّا يُزَادَ عَلَى السُّدُسِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ يُفْرَضُ لَهُ الثُّلُثُ مَعَ الْإِخْوَةِ إِنْ نَقَصَتْهُ الْمُقَاسَمَةُ هُوَ أَنَّ فِي الْجَدِّ رَحِمًا وَتَعْصِيبًا فَمِيرَاثُهُ مَعَ الِابْنِ بِرَحِمِهِ فَيَأْخُذُ بِهِ السُّدُسَ ، وَمِيرَاثُهُ مَعَ الْإِخْوَةِ بِتَعْصِيبِهِ كَمَا أَنَّهُمْ بِالتَّعْصِيبِ يَرِثُونَ ، فَلَوْ فَرَضَ لَهُ السُّدُسَ لَا يَسْقُطُ تَعْصِيبُهُ وَوَرِثَ بِرَحِمِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْإِخْوَةِ مَا يَدْفَعُونَ الْجَدَّ عَنْ تَعْصِيبِهِ : فَلِذَلِكَ فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ لِيَكُونَ السُّدُسُ بِالرَّحِمِ . وَالسُّدُسُ بِالتَّعْصِيبِ الَّذِي أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالرَّحِمِ ، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُ الْأَخَوَانِ إِلَى الثُّلُثِ ، وَقَدِ اسْتَقَرَّ فِي أُصُولِ الْحَجْبِ أَنَّ الِابْنَيْنِ إِذَا حَجَبَا إِلَى فَرْضٍ كَانَ مَنْ زَادَ عَلَيْهِمَا فِي حُكْمِهَا فِي اسْتِقْرَارٍ ذَلِكَ الْفَرْضِ بَعْدَ الْحَجْبِ ، وَلَا يَحْجُبُ الثَّالِثُ زِيَادَةً عَلَى حَجْبِ الثَّانِي ، كَالْأَخَوَيْنِ لَمَّا حَجَبَا الْأُمَّ إِلَى السُّدُسِ لَمْ يَزِدْهَا الثُّلُثُ حَجْبًا عَلَى الثَّانِي حَتَّى يَنْقُصَ بِهِ مِنَ السُّدُسِ ، كَذَلِكَ الْجَدُّ لَا يَنْقُصُهُ الثَّالِثُ مِنَ الثُّلُثِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَنْقُصَ الْجَدَّ لِلْإِخْوَةِ ، فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ كُنْتُ مُسْتَنْقِصًا أَحَدًا لِأَحَدٍ لَأَنْقَصْتُ الْإِخْوَةَ لِلْجَدِّ ، أَلَيْسَ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ يَرِثُونَ دُونَ إِخْوَتِي ، فَمَا لِي لَا أَرِثُهُمْ دُونَ إِخْوَتِهِمْ ، لَإِنْ أَصْبَحْتُ لَأَقُولَنَّ فِي الْجَدِّ قَوْلًا ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ ذُو فَرْضٍ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَسَيَأْتِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ شَارَكَ الْجَدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونُوا إِخْوَةً مُنْفَرِدِينَ ، فَإِنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ أَخَوَيْنِ وَلَا يُقَاسِمُ مَنْ زَادَ ، فَإِنْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ جَدًّا وَأَخًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ جَدًّا وَأَخَوَيْنِ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَإِنْ كَانَتْ جَدًّا وَثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ فُرِضَ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ ، وَهَكَذَا يُفْرَضُ لَهُ الثُّلُثُ مَعَ مَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ .

وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ ميراث الجد ، فَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَفْرِضَانِ لِلْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ مَعَ الْجِدِّ وَيَجْعَلَانِ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِهِنَّ لِلْجَدِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنَ السُّدُسِ فَيُفْرَضُ لَهُ السُّدُسُ ، وَنَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَفْرِضُ لِلْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا ، وَتَرْكُ الْفَرْضِ لَهُنَّ مَعَ الْجَدِّ أَوْلَى كَالْأَخِ ، فَلَمَّا لَمْ يَفْرِضْ لَهُنَّ مَعَ الْأَخِ لَمْ يَفْرِضْ لَهُنَّ مَعَ الْجَدِّ : لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَاسَمَ الذُّكُورَ قَاسَمَ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنَ الْإِنَاثِ كَالِابْنِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ جَدًّا وَأُخْتًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ ، وَلَمَّا كَانَتْ جَدًّا وَأُخْتَيْنِ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ : لِلْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ ، فَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ : لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ ، فَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَأَرْبَعَ أَخَوَاتٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ : لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ ، وَتَسْتَوِي الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ ، وَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَخَمْسَ أَخَوَاتٍ فَرَضَ لِلْجَدِّ الثُّلُثَ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ مِنَ الثُّلُثِ ، فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ ثُلُثِ الْجَدِّ بَيْنَهُنَّ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ ميراث الجد فَيُقَاسِمُهُمْ إِلَى الثُّلُثِ ، ثُمَّ يَفْرِضُ لَهُ الثُّلُثَ إِنْ نَقَصَتْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْهُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ جَدًّا وَأَخًا وَأُخْتًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ : لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ ، وَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَأَخًا وَأُخْتَيْنِ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَلِلْأَخِ سَهْمَانِ ، وَلِلْأُخْتَيْنِ سَهْمَانِ ، وَتَسْتَوِي الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ ، وَلَوْ كَانَتْ جَدًّا وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتًا فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ مِنْهُ : لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا سَهْمَانِ مِنْ سَبْعَةٍ : فَلِذَلِكَ فَرَضَ لَهُ الثُّلُثَ ، وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَهَكَذَا يَفْرِضُ لَهُ الثُّلُثَ مَعَ أَخٍ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ مِنْهُ ، ثُمَّ هَكَذَا مَنْ زَادَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى زَوْجٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ بَدَأْتُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ ، ثُمَّ قَاسَمَ الْجَدُّ مَا يَبْقَى أُخْتًا أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَخًا وَأُخْتًا ، وَإِنْ زَادُوا كَانَ لِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَإِنْ كَثُرَ الْفَرْضُ الْمُسَمَّى بِأَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ وَلَمْ يُجَاوِزِ الثُلُثَيْنِ قَاسَمَ أُخْتًا أَوْ أُخْتَيْنِ ، فَإِنْ زَادُوا فَلِلْجَدِّ السُّدُسُ ، وَإِنْ زَادَتِ الْفَرَائِضُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ لَمْ يُقَاسِمِ الْجَدُّ أَخًا وَلَا أُخْتًا ، وَكَانَ لَهُ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي تَفَرُّدِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ إِذَا شَارَكَهُمْ ذُو فَرْضٍ بِالْمِيرَاثِ ، فَأَمَّا إِذَا شَارَكَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلِلْجَدِّ مَعَهُمْ عِنْدَ دُخُولِ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَيْهِمُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : إِمَّا الْمُقَاسَمَةُ ، أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ ، أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ أَكْثَرَ قَاسَمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مُقَاسَمَتِهِ لَهُمْ ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ الْبَاقِي أَكْثَرَ فَرْضٍ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي :

لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَحْجُبُونَ إِلَى أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ ، وَإِنْ كَانَ السُّدُسُ أَكْثَرَ فَرَضَ لَهُ السُّدُسَ : لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ بِرَحِمِهِ عَنِ السُّدُسِ : فَلِذَلِكَ جَعَلْنَا لَهُ الْأَكْثَرَ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ ، أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي ، أَوْ سُدُسَ الْجَمِيعِ ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا ، فَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ حال الجد والأخوة مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ : فَيُعْطِي الْجَدَّ الْأَكْثَرَ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ ثُلُثَ الْبَاقِي : لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ الْجَمِيعِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَخًا وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَوْفَرُ لَهُ ، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً ، وَجَدًّا ، وَأَخًا ، وَأُخْتًا ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَوْفَرُ لَهُ ، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً ، وَأَخًا ، وَجَدًّا ، وَأُخْتًا ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ، وَالْبَاقِي بَيْنِ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ ، وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا ، وَأَخًا ، وَأُخْتَيْنِ ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتَيْنِ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ ، وَالْمُقَاسَمَةُ وَثُلُثُ الْبَاقِي سَوَاءٌ ، وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا ، وَأَخَوَيْنِ ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ : لِأَنَّهُ أَكَثُرُ الْمُقَاسَمَةِ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لِلذِّكْرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأُمًّا وَأَخًا وَأُخْتًا وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ النِّصْفَ لَا غَيْرَ وَذَلِكَ فَرْضَانِ : فَرْضُ الزَّوْجِ ، وَفَرْضُ الْبِنْتِ ، فَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ فَكَانَتِ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَأَخًا وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا ، وَأَخًا ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ وَالْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى خَمْسَةٍ ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا ، وَأَخَوَيْنِ ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالْمُقَاسَمَةُ وَثُلُثُ الْبَاقِي وَسُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ سَوَاءٌ ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا ، وَأَخْوِيَنِ ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى ، وَهُوَ سُدُسُ الْجَمِيعِ أَيْضًا وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لَا يُقَاسِمُهُمُ الْجَدُّ ، لِتُسَاوِيهِ بِالْمُقَاسِمَةِ عَنْ ثُلُثِ مَا يَبْقَى وَسُدُسِ الْجَمِيعِ ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ فَرْضَ الْبِنْتِ : فَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْجَدُّ عَلَى السُّدُسِ مَعَ الْبِنْتِ ، أَوْ بِنْتِ الِابْنِ ، وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ إِنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ مَعَ الْبِنْتِ كَمَا يُقَاسِمُ مَعَ غَيْرِ الْبِنْتِ : لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَضْعُفُ عَنِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ، فَلَمَّا اقْتَسَمَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ الْبِنْتِ اقْتَسَمَهُ الْأَخُ وَالْجَدُّ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ بِنْتًا ، وَأَخًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأَخَوَيْنِ ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى وَهُوَ السُّدُسُ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَنْقُصُهُ عَنْهُ وَالْبَاقِيَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ ، فَيَكُونُ لِلْجَدِّ الْأَكْثَرُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ : لِأَنَّ ثُلُثَ الْبَاقِي أَقَلُّ مِنْهُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ

زَوْجَةً ، وَأُمًّا ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ : لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لَهُ مِنَ السُّدُسِ ، وَتُفَضَّلُ الْأُمُّ بِسَهْمِهَا عَلَى الْجَدِّ ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ ، وَفَضَّلَهَا زَيْدٌ : لِأَنَّ الْأُمَّ أَقْوَى وِلَادَةً وَأَقْرَبَ دَرَجَةً فَلَمْ يَمْتَنِعْ تَفْضِيلُهَا عَلَى الْجَدِّ ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا ، وَأُمًّا ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالْمُقَاسَمَةُ أَوْفَرُ ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ ، وَأَخًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ ، وَالْمُقَاسَمَةُ وَالسُّدُسُ سَوَاءٌ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْأَخِ أُخْتٌ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَقَلُّ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثَيْنِ : لِلْجَدِّ السُّدُسُ ، وَرُبَّمَا اسْتَوَى السُّدُسُ وَالْمُقَاسَمَةُ ، فَإِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَبِنْتًا وَأَخًا وَجَدًّا كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ سَهْمٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً ، وَأَمًّا ، وَبِنْتًا ، وَأَخًا ، وَجَدًّا ، كَانَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا ، وَبِنْتًا ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا ، فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَسُدُسٌ لِلْجَدِّ وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ ، فَيُقَاسِمُ بِهِ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ مَا لَمْ تَنْقُصْهُ عَنْ فَرْضِهِ أَوْلَى ، فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " فَإِنْ عَالَتِ الْفَرِيضَةُ فَالسُّدُسُ لِلْجَدِّ وَالْعَوْلُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَمَّا الْعَوْلُ فَهُوَ زِيَادَةُ الْفُرُوضِ فِي التَّرِكَةِ حَتَّى تَعْجِزَ التَّرِكَةُ عَنْ جَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى الْفُرُوضِ بِالْحِصَصِ ، وَلَا يُخَصُّ بِهِ بَعْضُ ذَوِي الْفُرُوضِ مِنْ دُونِ بَعْضٍ ، فَهَذَا هُوَ الْعَوْلُ ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِهِ عَنْ رَأْيِ جَمِيعِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَأَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَيْهِ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ خَالَفَهُمْ فِي الْعَوْلِ ، وَأَظْهَرَ خِلَافَهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي تَفَرَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّحَابَةِ ، وَقَالَ : أُكْمِلُ فَرْضَ مَنْ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ ، كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ ، وَأُدْخِلُ النَّقْصَ عَلَى مَنْ نَقَلَهُ اللَّهُ مِنْ فَرْضٍ إِلَى غَيْرِ فَرْضٍ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِانْتِقَالِهِنَّ مَعَ إِخْوَتِهِنَّ مِنْ فَرْضٍ إِلَى غَيْرِ فَرْضٍ . وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : أَتَرَوْنَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يُحْصِ فِي مَالٍ قَسَّمَهُ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا ، فَبِهَذَانِ النِّصْفَانِ قَدْ ذَهَبْنَا بِالْمَالِ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ ؟ قَالَ عَطَاءٌ : فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، إِنَّ هَذَا لَا يُغْنِي عَنْكَ وَلَا عَنِّي شَيْئًا لَوْ مِتُّ أَوْ مِتَّ قُسِّمَ مِيرَاثُنَا عَلَى مَا قَالَهُ الْيَوْمَ مِنْ خِلَافِ رَأْيِكَ ، قَالَ فَقَالَ إِنْ شَاءُوا فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَهُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَهُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ، مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا .

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَا وَزُفَرُ بْنُ أَوْسٍ وَمَا كُنْتُ أَلْقَى رَجُلًا فِي الْعَرَبِ يَحِيكُ فِي صَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَالَ : فَقَالَ لَهُ زُفَرُ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ ؟ فَقَالَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ ، قَالَ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ وَأَيُّهَا الَتِي قَدَّمَهَا اللَّهُ وَأَيُّهَا الَّتِي أَخَّرَ ؟ فَقَالَ كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ تَزَلْ عَنْ فَرِيضَةٍ إِلَّا إِلَى فَرِيضَةٍ هِيَ الَّتِي قَدَّمَهَا اللَّهُ ، وَكُلُّ فَرِيضَتَيْنِ عَالَتْ عَنْ فَرِيضَتِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا مَا بَقِيَ فَهِيَ الَّتِي أَخَّرَ ، فَأَمَّا الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ فَالزَّوْجُ فَلَهُ النِّصْفُ ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يُزِيلُهُ فَلَهُ الرُّبُعُ لَا يُزِيلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ ، وَالْمَرْأَةُ لَهَا الرُّبُعُ ، فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ صَارَ لَهَا الثُّمُنُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ ، وَالْأُمُّ لَهَا الثُّلُثُ ، فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ صَارَ لَهَا السُّدُسُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ ، فَهَذِهِ الْفَرَائِضُ الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ ، وَالَّتِي أَخَّرَ فَرِيضَةُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ ، فَإِذَا أَزَالَتْهُمَا الْفَرَائِضُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا مَا يَبْقَى ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ وَمَا أَخَّرَهُ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ اللَّهُ وَلَمْ تَعُلْ فَرِيضَةٌ ، فَقَالَ لَهُ الْبَصْرِيُّ : فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسِيرَ بِهَذَا الرَّأْيِ عَلَى عُمَرَ ؟ قَالَ : هِبْتُهُ ، وَكَانَ امْرَأً وَرِعًا . فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ إِمَامٌ عَدْلٌ فَأَمْضَى أَمْرًا فَمَضَى وَكَانَ امْرَأً وَرِعًا لَمَا اخْتَلَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِسْقَاطِ الْعَوْلِ وَاحْتِجَاجِهِ فِيهِ فَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ دَلِيلُ ذَلِكَ مَعَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الِاحْتِجَاجِ أَنَّهُ لَيْسَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ بِأَقْوَى مِنَ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ ، فَلَمَّا أَخَذَ الْبَنُونَ وَالْإِخْوَةُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ ، وَإِنْ قِيلَ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ . وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَوْلِ وَإِدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ حكمه قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، وَكَانَ الْأَمْرُ لِجَمِيعِهِمْ عَلَى سَوَاءٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِالنَّقْصِ دُونَ بَعْضٍ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قُصُورُ التَّرِكَةِ عَنِ الدَّيْنِ وَضِيقِ الثُّلُثِ عَنِ الْوَصِيَّةِ تُوجِبُ تَوْزِيعَ ذَلِكَ بِالْحِصَصِ وَإِدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْقِسْطِ وَلَا يُخَصُّ بِهِ الْبَعْضُ مَعَ تَسَاوِي الْكُلِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ التَّرِكَةِ بِمَثَابَةٍ فِي إِدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى جَمِيعِهَا بِالْحِصَصِ ، وَلِأَنَّ لَوْ جَازَ نَقْصُ بَعْضِهِمْ تَوْفِيرًا عَلَى الْبَاقِينَ لَكَانَ نَقْصُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِإِدْلَائِهِمَا بِسَبَبٍ أَوْلَى مِنْ نَقْصِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ إِدْلَائِهِمَا بِنَسَبٍ ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ وَالْأُمَّ إِنْ أُعْطَوْا مَعَ كَثْرَةِ الْفُرُوضِ وَضِيقِ التَّرِكَةِ أَعْلَى الْفَرْضَيْنِ كَمَّلَا ، وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى غَيْرِهِمْ ظُلْمٌ لِمَنْ شَارَكَهُمْ وَجَعَلُوا أَعْلَى فِي الْحَالَةِ الْأَدْنَى ، وَإِنْ أُعْطَوْا أَقَلَّ الْفَرْضَيْنِ فَقَدْ حُجِبُوا بِغَيْرِ مَنْ حَجَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فَاسِدٌ ، وَإِذَا فَسَدَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ الْعَوْلُ . فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ ضَعْفَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُفَضَّلُوا عَلَى الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ : إِنَّ فِي إِعْطَائِهِنَّ الْبَاقِي تَسْوِيَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ ، وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فِيمَا قَدَّرَهُ لِأَحَدِهِمَا وَأَرْسَلَهُ لِلْآخَرِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ الْمُقَدَّرِ وَالْمُرْسَلِ .

وَأَمَّا ضِيقُ الْمَالِ عَنْ نِصْفَيْنِ وَثُلُثٍ ، فَلَعَمْرِي إِنَّهُ يَضِيقُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْعَوْلِ ، وَيَتْبَعُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْعَوْلِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ يُقَدِّمُ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ ، فَكُلُّهُمْ مُقَدِّمٌ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَيْسَ يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ حَجْبُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ فَرْضَ جَمِيعِهِمْ مُقَدَّرٌ وَفِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِبْطَالُ التَّقْدِيرِ فَرْضَهُمْ فَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَلَيْسَ يُعَالُ لِأَحَدٍ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَجَدٌّ ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلَلْأُخْتِ النِّصْفُ يُعَالُ بِهِ ، ثُمَّ يُضَمُّ الْجَدُّ سُدُسُهُ إِلَى نِصْفِ الْأُخْتِ فَيُقْسَمَانِ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِنِصْفِهَا ، وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ : لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ ، وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ في الميراث ثَلَاثَةَ أُصُولٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِلْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ مَعَ الْجَدِّ في الميراث ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا فَرَضَا لِلْأَخَوَاتِ الْمُنْفَرِدَاتِ مَعَ الْجَدِّ ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ . وَالثَّانِي : أَنْ يُفَضِّلَ أُمًّا عَلَى جَدٍّ ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ . وَالثَّالِثُ : أَلَّا يُعِيلَ مَسَائِلَ الْجَدِّ ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ يُعِيلُونَ مَسَائِلَ الْجَدِّ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُولُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْجَدَّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالتَّعْصِيبِ وَمَسَائِلُ الْعَصِبَاتِ لَا تَعُولُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اجْتِمَاعُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ يَمْنَعُ مِنْ عَوْلِ مَسَائِلِ الْجَدِّ ، فَإِنَّ انْفِرَادَ الْأَخَوَاتِ مَانِعٌ مِنَ الْعَوْلِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ لِزَيْدٍ عَمِلَ عَلَيْهَا فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ فَإِنَّهُ فَارَقَ فِيهَا أَصْلَيْنِ مِنْهَا ، وَالْأَكْدَرِيَّةُ هِيَ : زَوْجٌ ، وَأُمٌّ ، وَأُخْتٌ ، وَجَدٌّ في الميراث ، اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ تَابَعَهُ : أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ ، وَقَدْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ ، لِأَنَّهُمَا لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ ، وَعَالَتْ بِثُلُثِهَا إِلَى ثَمَانِيَةٍ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ، وَلِلْأُمِّ

الثُّلُثَ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ ، وَتَعُولُ بِنِصْفِهَا إِلَى تِسْعَةٍ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ . وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ ، وَيَعُولُ نِصْفُهَا إِلَى تِسْعَةٍ ، ثُمَّ تَجْمَعُ سِهَامَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَتَجْعَلُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَلَا تُقَسَّمُ ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي تِسْعَةٍ تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تِسْعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ سِتَّةٌ ، وَيَبْقَى اثْنَا عَشَرَ لِلْأُخْتِ ثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْجَدِّ ثُلُثَاهَا ثَمَانِيَةٌ ، فَفَارَقَ زِيدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فَرَضَ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ وَهُوَ لَا يَرَى الْفَرْضَ لَهَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَعَالَ مُقَاسَمَةَ الْجَدِّ وَهُوَ لَا يُعِيلُهَا وَأَقَامَ عَلَى أَصْلِهِ الثَّالِثِ فِي جَوَازِ تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْجَدِّ ، وَإِنَّمَا فَارَقَ فِيهَا أَصْلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَالْعَوْلِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ السُّدُسُ ، فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَى الْجَدِّ أَسْقَطَ الْأُخْتَ وَهُوَ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّهُ قَدْ عَصَّبَهَا ، وَالذَّكَرُ إِذَا عَصَّبَ أُنْثَى فَأَسْقَطَهَا سَقَطَ مَعَهَا كَالْأَخِ إِذَا عَصَّبَ أُخْتَهُ وَأَسْقَطَهَا سَقَطَ مَعَهَا ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْأُخْتِ أَخٌ أَسْقَطَهُ الْجَدُّ : لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَصَّبْ بِالْجَدِّ كَالْأُخْتِ ، فَجَازَ أَنْ يُسْقِطَهُ الْجَدُّ وَيَرِثَ دُونَهُ ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْجَدِّ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْرِضَ لِلْأُخْتِ وَيَسْقُطُ الْجَدُّ : لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْوَالِدِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الْأُخْتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِالْأُخْتِ فَدَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ فَرَضَ لَهُمَا وَأَعَالَ ، ثُمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقِرَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا فَرَضَ لَهُ : لِأَنَّ فِيهِ تَفْضِيلَ الْأُخْتِ عَلَى الْجَدِّ وَالْجَدُّ عِنْدَهُ كَالْأَخِ الَّذِي يُعَصِّبُ أُخْتَهُ ، وَكُلُّ ذَكَرٍ عَصَّبَ أُنْثَى قَاسَمَهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ : فَلِذَلِكَ مَا فَرَضَ زَيْدٌ وَأَعَالَ وَقَاسَمَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ . وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْأَكْدَرِيَّةِ فَقَالَ الْأَعْمَشُ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ الْأَكْدَرُ فَأَخْطَأَ فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجَدَّ كَدَّرَ عَلَى الْأُخْتِ فَرْضَهَا ، وَقَالَ آخَرُونَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ فِي أَنْ فَارَقَ فِيهَا أَصْلَيْنِ لَهُ ، وَقَدْ يُلْقِي الْفَرْضِيُّونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مُعَايَاةِ الْفَرَائِضِ فَيَقُولُونَ : أَرْبَعَةٌ وَرِثُوا تَرِكَةً فَجَاءَ أَحَدُهُمْ فَأَخَذَ ثُلُثَهَا ، ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي فَأَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي ، ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثُ فَأَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعُ فَأَخَذَ الْبَاقِي : لِأَنَّ الزَّوْجَ يَأْخُذُ ثُلُثَهَا ، ثُمَّ الْأُمُّ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي ، ثُمَّ الْأُخْتُ تَأْخُذُ ثُلُثَ بَاقِيهَا .

فَصْلٌ : فَلَوْ كَانَ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ مَكَانَ الْأُخْتِ أَخًا سَقَطَ بِالْجَدِّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأُخْتَ تَعْصِيبُهَا بِالْجَدِّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطَهَا وَلَا يَسْقُطَ مَعَهَا ، وَالْأَخُ لَمْ يَتَعَصَّبْ بِالْجَدِّ بَلْ بِنَفْسِهِ ، فَجَازَ أَنْ يُسْقِطَهُ الْجَدُّ وَيَأْخُذَ بِالرَّحِمِ ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا ، وَأُمًّا ، وَأَخًا ، وَجَدًّا ، وَأُخْتًا ، كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي وَهُوَ السُّدُسُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَلَوْ كَانَتْ زَوْجًا ، وَأُمًّا ، وَبِنْتًا ، وَأُخْتًا ، وَجَدًّا في الأكدرية كَانَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ ، تَعُولُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ : لِأَنَّهَا تَعَصَّبَتْ بِالْبِنْتِ فَلَمْ يُوجِبْ سُقُوطَهَا سُقُوطَ الْجَدِّ مَعَهَا ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ

عَوْلُهَا : لِأَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَرِثْ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ ، وَإِنَّمَا لَا تَعُولُ مَسَائِلُ الْجَدِّ الَّتِي يُقَاسِمُ فِيهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى مَسَائِلِ الْجَدِّ ، وَقَدْ تَعُولُ فِي غَيْرِهَا كَمَا تَعُولُ مَعَ الْأَبِ .

فَصْلٌ : فِي مُلَقَّبَاتِ الْجَدِّ مِنْهَا الْخَرْقَاءُ وَهِيَ أُمٌّ ، وَأُخْتٌ ، وَجَدٌّ ، وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهَا عَلَى سِتَّةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْفُقَهَاءُ : أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ ، وَالْبَاقِيَ لِلْجَدِّ . وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ لِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ : لِأَنَّهُ لَا يُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى جَدٍّ . وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ ، وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثَ ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ . وَالرَّابِعُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ : لِأَنَّهُ يُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى جَدٍّ . وَالْخَامِسُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأُمِّ وَالْجَدِّ نِصْفَانِ . وَالسَّادِسُ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ ، وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ مَا يُوَضِّحُ هَذَا الْجَوَابَ ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْخَرْقَاءَ في الميراث : لِأَنَّ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَخْرِقُهَا ، وَسُمِّيَتْ مُثَلَّثَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَسُمِّيَتْ مُرَبَّعَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ وَالْأَخَوَاتِ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَا يَصِيرُ فِي أَيْدِي الَّذِينَ لِلْأَبِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَيُصِيبُهَا بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ أَكْثَرُ مِنَ النِّصْفِ فَيُرَدُّ مَا زَادَ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَنْ قَاسَمَ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ في الميراث فِي أَنَّهُ مَتَى انْفَرَدَ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَاسَمُوهُ ، وَإِذَا انْفَرَدَ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ قَاسَمُوهُ كَمُقَاسَمَةِ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَاخْتَلَفُوا فِي اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ مَعَهُ ، فَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يَسْقُطُونَ بِوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أُنْثَى وَاحِدَةً وَوَلَدُ الْأَبِ إِنَاثًا وَلَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَيُفْرَضُ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ سَقَطْنَ بِهِ مَعَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ وَلَدُ الْأَبِ لَمَّا سَقَطُوا بِوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ

عَنِ الْمِيرَاثِ مَعَ الْجَدِّ سَقَطُوا فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ سَبَبٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ يُقَاسِمُونَ الْجَدَّ مَعَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، ثُمَّ يَرُدُّونَ مَا حَصَلَ لَهُمْ عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أُنْثَى وَاحِدَةً ، فَلَا تُزَادُ فِيمَا يَرُدُّ عَلَيْهَا عَلَى النِّصْفِ ، فَإِنْ وَصَلَ بَعْدَ النِّصْفِ شَيْءٌ تَقَاسَمَهُ وَلَدُ الْأَبِ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ . وَالدَّلِيلُ عَلَى مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ بِوَلَدِ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ هُوَ أَنَّ مُقَاسَمَةَ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ إِنَّمَا كَانَ لِإِدْلَاءِ جَمِيعِهِمْ بِالْأَبِ ، فَلَمَّا ضَعُفَ الْجَدُّ عَنْ دَفْعِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ بِانْفِرَادِهِمْ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْعُفَ عَنْ دَفْعِهِمْ إِذَا اجْتَمَعُوا مَعَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُمْ : فَلِذَلِكَ مَا اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فِي مُقَاسَمَتِهِ ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَقْوَى سَبَبًا مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ دَفَعُوهُمْ عَمَّا صَارَ إِلَيْهِمْ حِينَ ضَعُفَ الْجَدُّ عَنْ دَفْعِهِمْ : فَلِذَلِكَ عَادَ مَا أَخَذَهُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْجُبَ الْإِخْوَةُ شَخْصًا ثُمَّ يَعُودُ مَا حَجَبُوهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ يَحْجُبُ الْأُمَّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، ثُمَّ يَعُودُ السُّدُسُ الَّذِي حَجَبَهَا عَنْهُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، فَهَكَذَا فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ ، وَهَكَذَا الْأَخَوَانِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مَعَ الْأَبَوَيْنِ ، ثُمَّ يَعُودُ الْحَجْبُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْأَخَوَيْنِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ إِنَّمَا تَحْجُبُ الِاسْتِحْقَاقَ بِهَا فَهُوَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ صَحِيحٌ ، وَقَدِ اسْتَحَقَّهُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَصَارَتِ الْمُقَاسَمَةُ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا لِغَيْرِهِ .

فَصْلٌ : فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخًا لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، ثُمَّ يَرُدُّ الْأَخُ لِلْأَبِ سَهْمَهُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَصِيرُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَيْنِ ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ ، وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأُخْتًا لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ ، ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ سَهْمًا عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَصِيرُ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَانِ ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَلَوْ تَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأُخْتًا لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ، ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمًا فَيَصِيرُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَلَوْ تَرَكَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَجَدٍّ مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ ، ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتَانِ سَهْمًا عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَصِيرُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخًا لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ، ثُمَّ يَرُدُّ الْأَخُ لِلْأَبِ مِنْ سَهْمِهِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تَمَامَ النِّصْفِ سَهْمًا وَنِصْفًا فَيَصِيرُ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ ، وَمَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ نِصْفُ سَهْمٍ ، وَمَعَ الْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَتَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ ، فَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ ، وَجَدًّا ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ ، ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتَانِ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ تَمَامَ النِّصْفِ لِيَنْتَقِلَ إِلَى عَشَرَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ عِشْرِينَ ، فَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ هُمْ تَرُدُّ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تَمَامَ النِّصْفِ سَهْمَيْنِ ، وَيَقْتَسِمُونَ السَّهْمَ الْبَاقِيَ وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ .

فَلَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ ، ثُمَّ تَرُدُّ الْأُخْتَانِ لِلْأَبِ سَهْمَيْهِمَا عَلَى الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ : لِأَنَّ ذَلِكَ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ فَيَصِيرُ مَعَ الْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةً وَمَعَ الْجَدِّ سَهْمَانِ ، وَيَرْجِعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ ، وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا ، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى : لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سُدُسُهَا لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ خَمْسَةٌ ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تَمَامُ النِّصْفِ تِسْعَةٌ ، وَيَبْقَى سَهْمٌ وَاحِدٌ لِوَلَدِ الْأَبِ عَلَى خَمْسَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَكُنْ تِسْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ تِسْعِينِيَّةَ زَيْدٍ . وَلَوْ تَرَكَ أُمًّا ، وَأُخْتًا لِأَبٍ وَلِأُمٍّ ، وَأَخًا ، وَأُخْتًا لِأَبٍ ، وَجَدًّا مقاسمة الجد ، كَانَ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ : لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ وَثُلُثَ الْبَاقِي سَوَاءٌ ، فَإِنْ عَمِلَهَا عَلَى الْمُقَاسَمَةِ كَمَّلَتْ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفَ ، وَجَعَلَتِ الْبَاقِيَ بَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَيَصِحُّ عَمَلُهَا مِنْ مِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ ، وَإِنْ عَمِلْتَهَا عَلَى إِعْطَاءِ الْجَدِّ ثُلُثَ الْبَاقِي أَخَذْنَا عَدَدًا تَصِحُّ مِنْهُ مَخْرَجَ السُّدُسِ وَثُلُثَ الْبَاقِي وَأَصْلُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْأُمِّ مِنْهَا السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي خَمْسَةٌ ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ تِسْعَةٌ ، وَالْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ بَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ فَتَصِحُّ مِنْهَا عَلَى هَذَا الْعَمَلِ الْمُخْتَصَرِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ مُخْتَصَرَةَ زَيْدٍ في الميراث . وَالْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ حَذَفْنَا الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِ مَنْ سِوَاهُ كَرَاهَةَ الْإِطَالَةِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَأَكْثَرُ مَا تَعُولُ بِهِ الْفَرِيضَةُ في الميراث ثُلُثَاهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَقْصُورٌ عَلَى فِقْهِ الْفَرَائِضِ دُونَ الْعَمَلِ ، غَيْرَ أَنَّنَا لَا نُحِبُّ أَنْ نُخْلِهِ مِنْ فُصُولٍ تَشْتَمِلُ عَلَى أُصُولِ الْحِسَابِ وَطَرِيقِ الْعَمَلِ لِيَكُونَ الْكِتَابُ كَافِيًا ، وَلِمَا قَصَدْنَا حَاوِيًا . فَأَوَّلُ الْفُصُولِ أُصُولُ الْمَسَائِلِ : قَدْ ذَكَرْنَا جَمْعًا وَتَفْصِيلًا أَنَّ الْفُرُوضَ سِتَّةٌ : النِّصْفُ ، وَالرُّبُعُ ، وَالثُّمُنُ ، وَالثُّلُثَانِ ، وَالثُّلُثُ ، وَالسُّدُسُ في الميراث . وَمَخْرَجُ حِسَابِهَا مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ : أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لَا تَعُولُ ، وَثَلَاثَةٌ تَعُولُ ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّتِي لَا تَعُولُ من الفرائض مَا أَصْلُهُ مِنِ اثْنَيْنِ ، وَمِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَمِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نِصْفٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ نِصْفَانِ فَأَصِلُهَا مِنِ اثْنَيْنِ وَلَا تَعُولُ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا عَصَبَةً إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُخْتٌ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُلُثٌ أَوْ ثُلُثَانِ أَقَرَّهُمَا فَأَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا تَعُولُ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَرِثَ فِيهَا عَصَبَةُ الْأَخِ فَرِيضَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رُبُعٌ أَوْ نِصْفٌ وَرُبُعٌ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَلَا تَعُولُ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا عَصَبَةٌ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمُنٌ أَوْ كَانَ مَعَ الثُّمُنِ نِصْفٌ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَلَا تَعُولُ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا عَصَبَةٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أُصُولٍ لَا تَعُولُ ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَعُولُ من الفرائض فَمَا أَصْلُهُ مِنْ سِتَّةٍ وَمِنِ اثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ سُدُسٌ أَوْ كَانَ مَعَ السُّدُسِ ثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِلَى تِسْعَةٍ وَإِلَى عَشَرَةٍ وَهُوَ أَكْثَرُ الْعَوْلِ ، وَلَهُ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ وَأَكْثَرُ مَا تَعُولُ بِهِ

الْفَرِيضَةُ ثُلُثَاهَا : لِأَنَّهَا عَالَتْ بِأَرْبَعَةٍ هِيَ ثُلُثَا السِّتَّةِ فَانْتَهَى عَوْلُهَا إِلَى عَشَرَةٍ ، وَكُلُّ فَرِيضَةٍ عَالَتْ إِلَى عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ إِلَّا امْرَأَةٌ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا زَوْجٌ وَلَا يَرِثَ فِيهَا أَبٌ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا أَخَوَاتٌ وَلَا يَرِثَ فِيهَا جَدٌّ : لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا وَلَدُ الْأُمِّ ، وَهَذِهِ الْفَرِيضَةُ الَّتِي تَعُولُ إِلَى عَشَرَةٍ يُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ أُمَّ الْقُرُوحِ ( أم الفروخ ) الملقبات في الميراث ، وَمَا تَعُولُ إِلَى تِسْعَةٍ فَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ إِلَّا امْرَأَةً وَلَا يَرِثُ فِيهَا أَبٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرِثَ فِيهَا جَدٌّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا تَعُولُ إِلَيْهِ مَسَائِلُ الْجَدِّ وَيُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ الْغَرَّاءَ في الميراث ، وَمَا تَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ ، فَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ إِلَّا امْرَأَةً ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ فِيهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَيُسَمِّيهَا الْفَرْضِيُّونَ الْمُبَاهَلَةَ في الميراث ، فَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَعُولُ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رُبُعٌ مَعَ سُدُسٍ أَوْ ثُلُثٍ وَثُلُثَيْنِ فَأَصْلُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشْرَةَ وَلَا تَعُولُ إِلَى الْإِفْرَادِ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا إِلَى الْأَزْوَاجِ فِيمَا ذَلِكَ ، وَمَا عَالَ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ فِيهِ إِلَّا رَجُلًا وَلَا يَرِثُ فِيهِ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَمَا عَالَ إِلَى خَمْسَةٍ وَإِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً ، وَجَازَ أَنْ يَرِثَ فِيهِ أَبٌ أَوْ جَدٌّ ، فَهَذَا ثَانِي الْأُصُولِ الَّتِي تَعُولُ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمُنٌ مَعَ سُدُسٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ ثُلُثَيْنِ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ ، وَلَا يَكُونُ الْمَيِّتُ فِيهَا إِلَّا رَجُلًا ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَرِثَ فِيهَا الْأَبَوَانِ مَعَ الْبَنَاتِ ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عَالَتْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُورَثَ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ . وَوَجْهُ تَصْحِيحِهَا إِذَا اجْتَمَعَ فِي سِهَامِ الْفَرِيضَةِ عَدَدَانِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا ، فَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ تَخْلُ سِهَامُ فَرِيضَتِهِمُ الْمَقْسُومَةُ عَلَى أَعْدَادِ رُءُوسِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنْقَسِمَةً عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ عَلَيْهِمْ ، أَوْ مُوَافِقَةً لِعَدَدِهِمْ ، أَوْ غَيْرَ مُنْقَسِمَةٍ وَلَا مُوَافِقَةٍ . فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ سِهَامُ فَرِيضَتِهِمْ مُنْقَسِمَةً عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَالْمَسْأَلَةُ تَصِحُّ مِنْ أَصْلِهَا . مِثَالُهُ : زَوْجٌ وَثَلَاثَةُ بَنِينَ في الميراث أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ سَهْمٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ . وَهَكَذَا زَوْجَةٌ وَابْنَانِ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ في الميراث أَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ سَهْمٌ ، وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَيْهِمْ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ ، فَهَذَا قِسْمٌ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَلَّا تَنْقَسِمَ سِهَامُهُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا يُوَافِقَ عَدَدُ رُءُوسِهِمْ لِعَدَدِ سِهَامِهِمْ ، إِمَّا لِزِيَادَةِ عَدَدِ الرُّءُوسِ عَلَى عَدَدِ السِّهَامِ ، وَإِمَّا لِزِيَادَةِ السِّهَامِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، فَتَضْرِبُ عَدَدَ الرُّءُوسِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ .

مِثَالُهُ : أُمٌّ وَثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ في الميراث أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ : لِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَلَا تُوَافِقُ عَدَدَهُمْ ، فَاضْرِبْ عَدَدَ رُءُوسِهِمْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتَصِحُّ مِنْهَا ، فَهَذَا قِسْمٌ ثَانٍ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَلَّا تَنْقَسِمَ سِهَامُهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ ، وَلَكِنْ يُوَافِقُ عَدَدَ سِهَامِهِمْ لِعَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَالْمُوَافَقَةُ أَنْ يُنَاسِبَ أَحَدُ الْفَرْدَيْنِ الْآخَرَ بِجُزْءٍ صَحِيحٍ مِنْ نِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثٍ ، أَوْ رُبُعٍ ، أَوْ خُمُسٍ ، أَوْ سُدُسٍ ، أَوْ سُبُعٍ ، أَوْ ثُمُنٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْزَاءِ الصَّحِيحَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى مَعْرِفَتِكَ لِمَا يُوَافِقُ بِهِ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ الْآخَرَ ، فَرُدَّ عَدَدَ الرُّءُوسِ إِلَى مَا يُوَافِقُ بِهِ عَدَدَ سِهَامِهَا مِنْ نِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثٍ ، أَوْ رُبُعٍ ، ثُمَّ تَضْرِبُ وَفْقَ عَدَدِهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ فَتَصِحُّ مِنْهُ وَيُجْعَلُ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الْعَدَدِ الَّذِي ضَرَبْتَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ . مِثَالُهُ : زَوْجٌ وَسِتَّةُ بَنِينَ في الميراث أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ : لِلزَّوْجِ مِنْهَا الرُّبُعُ سَهْمٌ وَالْبَاقِي ثَلَاثَةٌ عَلَى سِتَّةٍ لَا يَنْقَسِمُ ، وَلَكِنَّ السِّتَّةَ تُوَافِقُ الثَّلَاثَةَ بِالْأَثْلَاثِ : لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَتَرُدُّ السِّتَّةَ إِلَى وَفْقِهَا وَهُوَ اثْنَانِ ، ثُمَّ تَضْرِبُ الِاثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةً وَمِنْهُ تَصِحُّ ، فَهَذَا إِذَا كَانَتِ السِّهَامُ الْمُنْكَسِرَةُ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ ، فَأَمَّا إِذَا انْكَسَرَتِ السِّهَامُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ الفريضة فَأَكْثَرَ مَا تَنْكِسِرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ ، فَإِنْ كَانَ الْمُنْكَسِرُ عَلَى جِنْسَيْنِ ، فَلَا يَخْلُو عَدَدُ الْجِنْسَيْنِ الَّذِينَ قَدِ انْكَسَرَ عَلَيْهِمَا سِهَامُهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ . أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ . وَالثَّانِي : أَلَّا يُسَاوِيَهُ وَلَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ . وَالثَّالِثُ : أَلَّا يُسَاوِيَهُ وَلَا يَدْخُلَ فِيهِ وَلَكِنْ يُوَافِقُهُ . وَالرَّابِعُ : أَلَا يُسَاوِيَهُ وَلَا يَدْخُلَ فِيهِ وَلَا يُوَافِقَهُ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فَتَقْتَصِرُ عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ وَتَضْرِبُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا فَتَصِحُّ مِنْهُ وَيَنُوبُ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ عَنِ الْآخَرِ . مِثَالُهُ : أُمٌّ وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ وَلِلْخَمْسِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلِأَوْلَادِ الْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ لَا يَنْقَسِمَانِ عَلَيْهِنَّ ، فَاضْرِبْ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُنْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ لِلْأُمِّ سَهْمٌ مِنْ سَبْعَةٍ مَضْرُوبٌ لَهَا فِي خَمْسَةٍ ، وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَرْبَعَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ مَضْرُوبٌ لَهُنَّ فِي خَمْسَةٍ يَكُنْ عِشْرِينَ ، وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ سَهْمَانِ مَضْرُوبَانِ فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشَرَةً . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ لَا يُسَاوِي الْآخَرَ في سهام الفريضة ، وَلَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ كَدُخُولِ الِاثْنَيْنِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ وَكَدُخُولِ الثَّلَاثَةِ فِي السِّتَّةِ وَالتِّسْعَةِ ، وَكَدُخُولِ الْعَشَرَةِ فِي الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ ، وَمَعْرِفَتُكَ بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يَصِحُّ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :

أَحَدُهَا : إِمَّا أَنْ تُقَسِّمَ الْأَكْثَرَ عَلَى الْأَقَلِّ فَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ . وَالثَّانِي : إِمَّا أَنْ تُضَاعِفَ الْأَقَلَّ فَيَفْنَى بِهِ الْأَكْثَرُ . وَالثَّالِثُ : إِمَّا أَنْ يَنْقُصَ الْأَقَلُّ مِنَ الْأَكْثَرِ ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْأَكْثَرِ ، فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ كَانَ الْأَقَلُّ مُوَافِقًا لِلْأَكْثَرِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ ، كَدُخُولِ الثَّمَانِيَةِ فِي السِّتَّةَ عَشَرَ تُوَافِقُهَا بِالْأَثْمَانِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَنْصَافِ وَكَدُخُولِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فِي السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ تَوَافِقُهَا بِأَجْزَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ وَبِالْأَسْدَاسِ وَالْأَثْلَاثِ وَالْأَنْصَافِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ وَيُقَاسُ عَدَدُ الرُّءُوسِ وَعَدَدُ السِّهَامِ بِأَقَلِّ الْأَجْزَاءِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسَيْنِ مِنْ رُءُوسِ الْوَرَثَةِ : لِأَنَّ دُخُولَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يُغْنِيكَ عَنِ الْوَفْقِ بَيْنَهُمَا ، فَاقْتَصِرْ عَلَى ضَرْبِ الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ . مِثَالُهُ : زَوْجَتَانِ وَأَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ أصلها ، لِلزَّوْجَتَيْنِ الرُّبُعُ سَهْمٌ وَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ الْإِخْوَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَالِاثْنَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ ، فَاضْرِبِ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي هِيَ عَدَدُ الْإِخْوَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ لَا يُسَاوِي الْآخَرَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ ، وَلَكِنْ يُوَافِقُهُ بِجُزْءٍ صَحِيحٍ في سهام الفريضة مِنْ نِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثٍ ، أَوْ رُبُعٍ ، وَمَعْرِفَتُكَ لِمَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْمُوَافَقَةِ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْعَدَدَانِ مُتَّفِقِينَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَقَلِّ مِنْهَا ، غَيْرَ أَنَّكَ لَا تَسْتَعْمِلُهُ فِي وَفْقِ مَا بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اسْتِغْنَائِكَ عَنْهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبِ الْأَكْثَرِ فِي الْأَقَلِّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَلَّا يَدْخُلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَعُدَّ بِهِ الْأَكْثَرَ ، ثُمَّ تَنْظُرَ بِهِ الْبَاقِي مِنَ الْأَكْثَرِ فَتَعُدُّ بِهِ الْأَقَلَّ ، فَإِنْ عَدَّهُ عَدًّا صَحِيحًا حَتَّى صَارَ دَاخِلًا فِيهِ ، وَالْبَاقِي مِنْ عَدَدِ الْأَكْثَرِ هُوَ الْوَفْقُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً كَانَ اتِّفَاقُهُمَا بِالْأَثْلَاثِ ، وَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةً فَبِالْأَرْبَاعِ ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةً فَبِالْأَخْمَاسِ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ ثَمَانِيَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ، فَإِذَا عَدَدْتَ الثَّمَانِيَةَ وَالْعِشْرِينَ بِالثَّمَانِيَةِ بَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ، فَإِذَا عَدَدْتَ الثَّمَانِيَةَ بِالْأَرْبَعَةِ اسْتَوْفَتْهَا وَدَخَلَتْ فِيهَا فَيُعْلَمُ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ بِالْأَرْبَاعِ ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَّةُ الْأَكْثَرِ لَا تَعُدَّ الْأَقَلَّ عَدَدًا صَحِيحًا يَسْتَوْفِيهِ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ عَدَدْتَ بِهَا بَقِيَّةَ الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ عَدَدْتَهَا عَدًّا صَحِيحًا وَاسْتَوْفَتْهَا فَفِيهِ أَقَاوِيلُ هُوَ وَفْقُ الْعَدَدَيْنِ ، وَإِنْ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ عَدَدْتَ بِهَا الْبَقِيَّةَ الَّتِي قَبْلَهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَدًا بِعَدَدِ كُلِّ بَقِيَّةٍ مَا بَقِيَ قَبْلَهَا حَتَّى تَجِدَ عَدَدًا يُعَدُّ مَا قَبْلَهُ وَيَسْتَوْفِيهِ عَدَدًا صَحِيحًا ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ هُوَ الْوَفْقُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي وَاحِدًا فَرْدًا فَيُعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ لَا يَتَّفِقَانِ بِشَيْءٍ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ سِتَّةً وَخَمْسِينَ وَالْآخَرُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ فَيَبْقَى بَعْدَ إِسْقَاطِ الْأَقَلِّ مِنَ الْأَكْثَرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، فَنَعُدُّ بِهَا الْأَقَلَّ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، فَنَعُدُّ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ بِالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَبْقَى سَبْعَةٌ فَتَعُدُّ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِالسَّبْعَةِ تَعُدُّ بِهَا وَتَسْتَوْفِيهَا فَيُعْلَمُ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ يَتَّفِقَانِ بِالْأَسْبَاعِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَالْآخِرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، فَإِذَا أَسْقَطْتَ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَقِيَتْ أَرْبَعَةً فَتَعُدُّ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ يَبْقَى وَاحِدٌ فَتَعْلَمُ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ لَا يَتَّفِقَانِ ، فَهَذَا أَصْلٌ

فَافْهَمْهُ ، ثُمَّ عُدْنَا إِلَى جَوَابِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مُوَافِقًا لِلْآخَرِ ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ، فَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وَفْقَ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وَفْقَ الْأَكْثَرِ فِي الْأَقَلِّ فَهُمَا سَوَاءٌ ، ثُمَّ ضَرَبْتَ مَا حَصَلَ بِيَدِكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ . مِثَالُهُ : زَوْجٌ وَسِتُّ جَدَّاتٍ وَتِسْعُ أَخَوَاتٍ تَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمٌ عَلَى سِتَّةٍ لَا يَنْقَسِمُ ، وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ عَلَى تِسْعَةٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُهَا وَعَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ سِتٌّ يُوَافِقُ عَدَدَ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ تِسْعٌ بِالْأَثْلَاثِ ، فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ، فَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وَفْقَ السِّتَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي التِّسْعَةِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ وَفْقَ التِّسْعَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي السِّتَّةِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، ثُمَّ اضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالسِّهَامِ مُوَافَقَةٌ وَبَيْنَ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ مُوَافَقَةٌ رَدَدْتُ عَدَدَ كُلِّ جِنْسٍ إِلَى وَفْقِ سِهَامِهِ بِمَا وَافَقْتَ بَيْنَ وَفْقِ الْعَدَدَيْنِ ، ثُمَّ ضَرَبْتَ مَا حَصَلَ مِنْ وَفْقِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِثَالُهُ : أُمٌّ وَسِتَّةَ عَشَرَ أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ أُخْتًا لِأُمٍّ تَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ : لِلْأُمِّ مِنْهَا السُّدُسُ سَهْمٌ ، وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ عَلَى سِتَّ عَشَرَ لَا تَنْقَسِمُ ، وَلَكِنْ تَوَافِقُ بِالْأَرْبَاعِ تَرُدُّ الْأَخَوَاتِ إِلَى الْأَرْبَعَةِ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لَا تَنْقَسِمُ ، وَلَكِنْ تُوَافِقُ بِالْأَنْصَافِ إِلَى سِتَّةٍ ، ثُمَّ أَرْبَعَةٍ تُوَافِقُ السِّتَّةَ بِالْأَنْصَافِ ، فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ ، ثُمَّ اضْرِبْ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ ، ثُمَّ تَضْرِبُ كُلَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ سَبْعَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ ، فَيَكُونُ لِلْأُمِّ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ يَنْقَسِمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ يَنْقَسِمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمَانِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ لَا يُسَاوِي الْآخَرَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَا يُوَافِقُهُ فَتَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ عَالَتْ ، مِثَالُهُ : زَوْجٌ وَخَمْسُ بَنَاتٍ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ ، أَصْلُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْأَخَوَاتِ مَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَاضْرِبْ خَمْسَةً هِيَ عَدَدُ الْبَنَاتِ فِي ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ يَكُنْ خَمْسَةَ عَشْرَةَ ، ثُمَّ اضْرِبِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ يَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِينَ ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ ضَرَبْتَ سِهَامَ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْجِنْسِ الْآخَرِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ . مِثَالُهُ : إِذَا أَرَدْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ بِنْتٍ ضَرَبْتَ عَدَدَ سِهَامِ الْبَنَاتِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ فِي رُءُوسِ الْأَخَوَاتِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، فَيَكُونُ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ بِنْتٍ وَهُنَّ خَمْسٌ ، فَيَكُونُ لَهُنَّ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ أُخْتٍ ضَرَبْتَ عَدَدَ سِهَامِهِمْ وَهُوَ وَاحِدٌ فِي عَدَدِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ تَكُنْ خَمْسَةٌ ، فَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ أُخْتٍ وَهُنَّ ثَلَاثٌ ، فَيَكُونُ لَهُنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَهَذَا حُكْمُ الْجِنْسَيْنِ إِذَا كَانَ الْحَيِّزُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ ، فَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ ، وَكَانَ كُلُّ جِنْسٍ لَا تَنْقَسِمُ

عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ ، فَإِنْ كَانَ عَدَدُ كُلِّ جِنْسٍ مُسَاوِيًا لِعَدَدِ الْجِنْسِ الْآخَرِ اقْتَصَرْتَ عَلَى ضَرْبِ أَحَدِ الْأَعْدَادِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ . مِثَالُهُ : ثَلَاثُ جَدَّاتٍ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَعْدَادِ يَدْخُلُ فِي بَعْضٍ اقْتَصَرْتَ عَلَى ضَرْبِ الْأَكْثَرِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ . مِثَالُهُ : زَوْجَتَانِ وَسِتُّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَاثْنَتَا عَشَرَ أُخْتًا لِأَبٍ ، فَيَكُونُ عَدَدُ الزَّوْجَتَيْنِ دَاخِلًا فِي عَدَدِ الْإِخْوَةِ : لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَدْخُلَانِ فِي السِّتَّةِ وَفِي الِاثْنَيْ عَشَرَ ، وَالسِّتَّةُ تَدْخُلُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ ، فَاضْرِبْ عَدَدَ الْإِخْوَةِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الرُّءُوسِ كُلٌّ يُوَافِقُ بَعْضًا وَفَّقْتَ أَحَدَهُمَا ، ثُمَّ رَدَدْتَ إِلَيْهِ مِنْ رُءُوسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسَيْنِ ، ثُمَّ ضَرَبْتَ أَحَدَ الْوَفْقَيْنِ فِي الْآخَرِ ، ثُمَّ ضَرَبْتَ مَا اجْتَمَعَ فِي عَدَدِ الْجِنْسِ الْمَوْقُوفِ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ . وَمِثَالُهُ : أَحَدٌ وَعِشْرُونَ جَدَّةً وَخَمْسٌ وَثَلَاثُونَ بِنْتًا وَثَلَاثُونَ أُخْتًا لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةِ سِهَامٍ الْجَمِيعُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُهُنَّ : لِأَنَّ لِلْجَدَّاتِ سَهْمًا عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ ، وَلِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَلِلْأَخَوَاتِ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ عَلَى ثَلَاثِينَ ، لَكِنَّ أَعْدَادَ الرُّءُوسِ يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَإِنْ وُفِّقَتْ عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَانَ عَدَدُ الْبَنَاتِ وَهُوَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ مُوَافِقًا لَهُ بِالْأَسْبَاعِ فَيَرُدُّهَا إِلَى خَمْسَةٍ وَعَدَدُ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ مُوَافِقًا لَهُ بِالْأَثْلَاثِ فَيَرُدُّهُ إِلَى عَشَرَةٍ وَالْخَمْسَةُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ وَفْقِ الْبَنَاتِ دَاخِلَةٌ فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي رَجَعَتْ مِنْ وَفْقِ الْأَخَوَاتِ ، فَاضْرِبِ الْعَشَرَةَ فِي الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةً ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ سِتَّةٍ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا لَهُ فِي مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةٍ ، وَإِنْ وُفِّقَتْ عَدَدُ الْبَنَاتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَافَقَهَا عَدَدُ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى سِتَّةٍ وَوَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ بِالْأَسْبَاعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَالثَّلَاثَةُ الرَّاجِعَةُ مَنْ وَفْقِ الْجَدَّاتِ تَدْخُلُ فِي السِّتَّةِ ، فَاضْرِبْ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةٍ ، ثُمَّ فِي سِتَّةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ ، فَإِنْ وُفِّقَتْ عَدَدُ الْأَخَوَاتِ وَهِيَ ثَلَاثُونَ وَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ بِالْأَثْلَاثِ إِلَى سَبْعَةٍ ، وَوَافَقَهَا عَدَدُ الْبَنَاتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى سَبْعَةٍ ، وَإِحْدَى السَّبْعَتَيْنِ تَنُوبُ عَنِ الْأُخْرَى ، فَاضْرِبْ إِحْدَاهُمَا فِي ثَلَاثِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةً ، ثُمَّ فِي سِتَّةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ ، فَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ مَا لِكُلِّ جِنْسٍ ضَرَبْتَ عَدَدَ سِهَامِهِ فِي مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةٍ ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ضَرَبْتَ سَهْمَهُ فِيمَا عَادَ مِنْ وَفْقِ الْجِنْسِ الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِ جِنْسِهِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِكُلِّ جَدَّةٍ عَشَرَةٌ : لِأَنَّ سَهْمَ الْجَدَّاتِ وَاحِدٌ وَمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِهِنَّ عَشَرَةٌ فَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ : لِأَنَّ سِهَامَ الْبَنَاتِ أَرْبَعَةٌ وَمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِهِنَّ سِتَّةٌ ، وَإِذَا ضُرِبَتِ الْأَرْبَعَةُ فِي السِّتَّةِ كَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلِكُلِّ أُخْتٍ سَبْعَةٌ : لِأَنَّ سَهْمَ الْأَخَوَاتِ وَاحِدٌ وَمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ عَدَدِ الْجِنْسَيْنِ

الْمَضْرُوبِ فِي عَدَدِهِنَّ سَبْعَةٌ فَصَارَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعَةً ، وَلَوِ اتَّفَقَتِ الرُّءُوسُ مَعَ السِّهَامِ رَدَدْتَ الرُّءُوسَ إِلَى وَفْقِ سِهَامِهَا ، ثُمَّ وَافَقْتَ بَيْنَ وَفْقِ الرُّءُوسِ بَعْضًا لِبَعْضٍ ، ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا . مِثَالُهُ : اثْنَا عَشَرَ جَدَّةً وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ أُخْتًا لِأَبٍ وَعِشْرُونَ أُخْتًا لِأُمٍّ تَعُولُ بِسُدُسِهَا إِلَى سَبْعَةٍ لِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مُنْكَسِرٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ أَرْبَعَةٌ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ يُوَافِقُ بِالْأَرْبَاعِ إِلَى ثَمَانِيَةٍ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ سَهْمَانِ عَلَى عِشْرِينَ يُوَافِقُهُ بِالْأَنْصَافِ إِلَى عَشَرَةٍ ، فَإِنْ وُفِّقَتْ عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ كَانَ وَفْقَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ مُوَافِقًا لَهَا بِالْأَرْبَاعِ إِلَى اثْنَيْنِ ، وَكَانَ وَفْقُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَهُوَ عَشَرَةٌ يُوَافِقُهَا بِالْأَنْصَافِ إِلَى خَمْسَةٍ ، فَاضْرِبِ اثْنَتَيْنِ فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشَرَةً ، ثُمَّ اضْرِبِ الْعَشَرَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُنْ ثَمَانِيَ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ ، وَإِنْ وَافَقَتْ وَفْقَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ بِالْأَرْبَاعِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَوَافَقَهَا وَفْقَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَهُوَ عَشَرَةٌ بِالْأَنْصَافِ إِلَى خَمْسَةٍ ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ، ثُمَّ فِي ثَمَانِيَةٍ وَفْقَ الْأَخَوَاتِ تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلُهَا تَكُنْ ثَمَانَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَإِنْ وُفِّقَتْ وَفْقَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَافَقَهَا عَدَدُ الْجَدَّاتِ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ بِالْأَنْصَافِ إِلَى سِتَّةٍ وَوَافَقَهَا وَفْقَ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ بِالْأَنْصَافِ إِلَى أَرْبَعَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ تُوَافِقُ لِسِتَّةٍ بِالْأَنْصَافِ ، فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَكُنِ اثْنَا عَشَرَ ، ثُمَّ فِي عَشَرَةٍ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ مَنْ وَفْقِ الْإِخْوَةُ تَكُنْ مِائَةً وَعِشْرِينَ فِي سَبْعَةٍ هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلُهَا تَكُنْ ثَمَانَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَمَتَى وَقَفْتَ أَحَدَ الْأَعْدَادِ فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عَدَدٍ ، ثُمَّ وَقَفْتَ غَيْرَ ذَلِكَ الْعَدَدِ فَصَحَّتْ مِنْ عَدَدٍ آخَرَ فَالْعَمَلُ خَطَأٌ حَتَّى يَصِحَّ الْعَمَلَانِ مَنْ عَدَدٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا أَرَدْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجَدَّاتِ ، فَاضْرِبْ سَهْمَ الْجَدَّاتِ وَهُوَ وَاحِدٌ فِيمَا ضَرَبْتَهُ مِنْ وَفْقِ الْجِنْسَيْنِ لِوَفْقِ لِعَدَدِهِنَّ حِينَ وَقَفْتَهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَكُنْ عَشَرَةٌ وَهُوَ مَا تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ أُخْتٍ ضَرَبْتَ وَفْقَ سِهَامِهِنَّ لِرُءُوسِهِنَّ وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا بِالْأَرْبَاعِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ مِنْ وَفْقِ الْجِنْسَيْنِ بِوَفْقِ عَدَدِهِنَّ حِينَ وَقَفْتَهُ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ مَا تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ أُخْتٍ ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا لِكُلِّ أَخٍ ضَرَبْتَ وَفْقَ سِهَامِهِمْ لِرُءُوسِهِمْ وَهُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا بِالْأَنْصَافِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ مِنْ وَفْقِ الْجِنْسَيْنِ لِوَفْقِ عَدَدِهِمْ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ تَكُنِ اثْنَا عَشَرَ وَهُوَ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ أَخٍ ، فَهَذَا أَصْلٌ قَدْ أَوْضَحْتُ لَكَ فِيهِ مَا يَسْهُلُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَاتِ

فَصْلٌ : فِي الْمُنَاسَخَاتِ في الميراث وَإِنَّمَا قِيلَ مُنَاسَخَةً لِأَنَّ الْمَيِّتَ الثَّانِي لَمَّا مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ مَوْتُهُ نَاسِخًا لَمَّا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا مَاتَ مَيِّتٌ فَلَمْ يُقَسِّمْ وَرَثَتُهُ تَرِكَتَهُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمْ وَخَلَّفَ وَرَثَةً ، فَلَا يَخْلُو حَالُ وَرَثَتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ فِي الْمِيرَاثِ ، أَوْ غَيْرَ شُرَكَائِهِ فِيهِ ، فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ شُرَكَائِهِ فِيهِ عَمِلْتَ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَنَظَرْتَ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْهَا ، ثُمَّ عَمِلْتَ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَقَسَمْتَهَا عَلَى سِهَامِهِ فَسَتَجِدُهَا لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :

إِمَّا أَنْ تُقَسَّمَ عَلَيْهَا ، أَوْ تُوَافِقَهَا ، أَوْ لَا تُقَسَّمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُهَا ، فَإِنِ انْقَسَمَتْ عَلَيْهَا صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ بِمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى . مِثَالُهُ : زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لَمْ تُقَسَّمِ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ حَتَّى مَاتَتِ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَخَلَّفَتِ ابْنًا وَبِنْتًا فَمَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لِعَوْلِهَا بِثُلُثِهَا لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَ ابْنِهَا وَبِنْتِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَتُقَسَّمُ فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، فَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي لَا تَنْقَسِمُ عَلَى سِهَامِهِ ، وَلَكِنْ تُوَافِقُهَا وَافَقَتْ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ضَرَبْتَهُ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ لِسِهَامِهَا وَمِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ فِيمَا رَجَعَ مِنْ وَفْقِ سِهَامِهَا . مِثَالُهُ ابْنَانِ وَبِنْتَانِ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَخَلَّفَ زَوْجَةً وَبِنْتًا وَثَلَاثَةً بَنِي ابْنٍ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ مَيِّتٍ سَهْمٌ ، وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ تُوَافِقُ سَهْمَيْهِ بِالْأَنْصَافِ إِلَى أَرْبَعَةٍ فَاضْرِبْهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ سِتَّةٌ تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى شَيْءٌ ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ هِيَ الرَّاجِعَةُ مِنْ دَفْعِهِ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ لِسِهَامِ مَيِّتِهَا ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ فِي وَاحِدٍ هُوَ الرَّاجِعُ مِنْ وَفْقِ سَهْمِ الْمَيِّتِ الثَّانِي لِسِهَامِ مَسْأَلَتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي لَا تَنْقَسِمُ عَلَى سِهَامِهِ وَلَا تُوَافِقُهَا ضَرَبْتَ سِهَامَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى . مِثَالُهُ : زَوْجَةٌ ، وَبِنْتٌ ، وَأُخْتٌ ، مَاتَتِ الْأُخْتُ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا ، وَبِنْتَا ، وَعَمًّا ، الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، مَاتَتِ الْأُخْتُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مِنْهَا وَمِثْلِهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُهَا ، فَاضْرِبْهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَكُنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ هِيَ سِهَامُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ضَرَبْتَهُ لَهُ فِي ثَلَاثَةٍ هِيَ سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ ثَالِثٌ قَسَّمَتْ مَسْأَلَتَهُ عَلَى سِهَامِهِ ، فَإِنِ انْقَسَمَتْ صَحَّتِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ وَوَافَقَتْ ضَرَبْتَ وَفْقَهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ ، وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ ضَرَبْتَ سِهَامَهَا فِي سِهَامِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ ، ثُمَّ هَكَذَا لَوْ مَاتَ رَابِعٌ وَخَامِسٌ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي هُمْ شُرَكَاءَهُ فِي التَّرِكَةِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَيْسَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ فَتَجْعَلُ التَّرِكَةَ مَقْسُومَةً عَلَى سِهَامِ الْبَاقِينَ وَلَا تَعْمَلُ مَسْأَلَةُ الثَّانِي ، وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ . وَمِثَالُهُ : أَرْبَعَةُ بَنِينَ ، وَأَرْبَعُ بَنَاتٍ ، مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ وَخَلَّفَ إِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ ، كَانَتْ مَسْأَلَةَ الْأُولَى بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْبَنِينَ عَنْ سَهْمَيْنِ فَعَادَ سَهْمَاهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ فَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى

عَشَرَةِ أَسْهُمٍ ، فَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ عَنْ سَهْمٍ مِنْ عَشَرَةٍ وَخَلَّفَتْ إِخْوَتَهَا الْبَاقِينَ ، صَارَ سَهْمُهَا بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى تِسْعَةٍ ، فَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ آخَرُ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ ، صَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبْعَةٍ ، وَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ أُخْرَى عَنْ سَهْمٍ مِنْ سَبْعَةٍ ، صَارَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنٌ آخَرُ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ ، صَارَ الْمَالُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ ، وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى إِنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا ابْنٌ وَبِنْتٌ ، صَارَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ : لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ إِلَيْهِمَا مِنَ الْجَمَاعَةِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الَّذِينَ مَاتُوا لَمْ يَكُونُوا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ ، فَإِنْ كَانَ فَرْضُ ذِي الْفَرْضِ مِنَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِفَرْضِهِ مِنَ الْمَيِّتِ الثَّانِي كَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ إِذَا وَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ بِأَنَّهَا أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ مِنَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مُخَالِفًا لِلْفَرْضِ مِنَ الْمَيِّتِ الثَّانِي كَالزَّوْجَةِ تَرِثُ مِنَ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَتَرِثُ مِنَ الثَّانِي إِذَا كَانَ ابْنًا بِأَنَّهَا أُمٌّ ، فَإِنَّكَ تُعْطِيهَا فَرْضَهَا مِنَ التَّرِكَتَيْنِ ، ثُمَّ تُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْعَصَبَةِ إِذَا كَانُوا لِلْأَوَّلِ بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَلِلثَّانِي إِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ : لِأَنَّ سَبِيلَ مِيرَاثِهِمْ مِنَ التَّرِكَتَيْنِ وَاحِدٌ ، وَرُبَّمَا كَانَتْ مَسَائِلُ الْمُنَاسِخَاتِ بَعْدَ التَّصْحِيحِ تَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إِلَى أَقَلِّ مِنْ عَدِدِهَا الْمُوَافِقِ بَعْضَ السِّهَامِ لِبَعْضٍ فَسَقَطَتْ وَفْقَهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ ، فَتَرُدُّ سِهَامَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إِلَى ذَلِكَ الْوَفْقِ ، وَتَرُدُّ سِهَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ إِلَى مِثْلِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْوَفْقُ نِصْفًا رَدَدْتَ الْجَمِيعَ إِلَى النِّصْفِ ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثًا رَدَدْتَ الْجَمِيعَ إِلَى الثُّلُثِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

فَصْلٌ فِي قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ

فَصْلٌ : فِي قِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَإِذَا أَرَدْتَ قِسْمَةَ التَّرِكَةِ لَمْ تَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالْعَقَارِ وَالضَّيَاعِ ، فَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ ، أَوْ مَا قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ نَظَرْتَ مَبْلَغَ التَّرِكَةِ وَسِهَامَ الْفَرِيضَةِ وَلَكَ فِي قِسْمَتِهَا عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ . أَحَدُهَا : أَنْ تُقَسِّمَ عَدَدَ التَّرِكَةِ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ مِمَّا خَرَجَ لِكُلِّ سَهْمٍ ضَرَبْتَهُ فِي سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ ، فَيَكُونَ ذَلِكَ مَبْلَغَ حَقِّهِ مِنْهَا . مِثَالُهُ : زَوْجٌ ، وَأَبَوَانِ ، وَبِنْتَانِ ، وَالتَّرِكَةُ خَمْسُونَ دِينَارًا ، فَالْفَرِيضَةُ تَصِحُّ مَعَ عَوْلِهَا بِالرُّبُعِ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، فَتُقَسِّمُ الْخَمْسِينَ عَلَيْهَا يَخْرُجُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ ، فَتَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ ، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ تَكُنْ عَشَرَةً ، وَهُوَ حَقُّهُ مِنَ التَّرِكَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، وَهُوَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَهَذَا وَجْهٌ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ تَضْرِبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي عَدَدِ التَّرِكَةِ فَمَا اجْتَمَعَ قَسَمْتَهُ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ بِالْقَسْمِ فَهُوَ نَصِيبُهُ ، مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَأْخُذَ سِهَامَ الزَّوْجِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فَتَضْرِبُهَا فِي عَدَدِ التَّرِكَةِ وَهُوَ خَمْسُونَ تَكُنْ مِائَةً وَخَمْسِينَ ، ثُمَّ تُقَسِّمُهَا عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ عَشَرَةً ، وَهِيَ حَقُّ الزَّوْجِ ، ثُمَّ تَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ

الْأَبَوَيْنِ وَهِيَ سَهْمَانِ فِي الْخَمْسِينَ تَكُنْ مِائَةً ، ثُمَّ تُقَسِّمُهَا عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، ثُمَّ تَضْرِبُ سِهَامَ كُلِّ بِنْتٍ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي الْخَمْسِينَ تَكُنْ مِائَتَيْنِ ، ثُمَّ تُقَسِّمُهَا عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا ، فَهَذَا وَجْهٌ ثَانٍ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ تَنْسُبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ عَدَدِ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ بِالنِّسْبَةِ جَعَلْتَهُ لَهُ مِنْ عَدَدِ التَّرِكَةِ . مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنْ تَنْسُبَ سِهَامَ الزَّوْجِ مِنْ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ خُمُسَهَا ، فَاعْطِهِ بِهِ خُمُسَ التَّرِكَةِ وَهُوَ عَشَرَةٌ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ هُمَا ثُلُثَا خُمُسِهَا فَتُعْطِيهِ ثُلْثَيْ خُمُسِ التَّرِكَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ هِيَ خُمُسٌ وَثُلُثُ خُمُسٍ فَتُعْطِيهَا خُمُسَ التَّرِكَةِ وَثُلُثَ خُمُسِهَا تَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا ، فَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ . وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ تُوَافِقَ بَيْنَ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَعَدَدِ التَّرِكَةِ ، ثُمَّ تَضْرِبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ ، وَيُقَسَّمُ مَا اجْتَمَعَ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ حَقُّهُ . مِثَالُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ سِهَامَ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ فِيهَا وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ تُوَافِقُ عَدَدَ التَّرِكَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسُونَ بِالْأَخْمَاسِ فَارْدُدْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى وَفْقَةٍ تَجِدُ الْخَمْسِينَ تَرْجِعُ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى عَشَرَةٍ ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى ثَلَاثَةٍ ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُقَسِّمَ لِلزَّوْجِ ، فَاضْرِبْ عَدَدَ سِهَامِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَكُنْ ثَلَاثِينَ ، ثُمَّ اقْسِمِ الثَّلَاثِينَ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ يَكُنِ الْخَارِجُ بِالْقَسْمِ عَشَرَةً وَهُوَ حَقُّ الزَّوْجِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سَهْمَانِ تَضْرِبُ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ تَكُنْ عِشْرِينَ ، ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَهُوَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ، وَلِكُلِّ بِنْتٍ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَكُنْ أَرْبَعِينَ ، ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى وَفْقِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا ، وَهُوَ حَقُّ كُلِّ بِنْتٍ ، فَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ ، وَقَدْ لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ فِي كُلِّ تَرِكَةٍ : لِأَنَّهُ قَدْ لَا تُوَافِقُ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ لِعَدَدِ التَّرِكَةِ فَيَسْقُطُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ ، وَقَدْ لَا تَتَنَاسَبُ سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ لِسِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَيَسْقُطُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ . وَأَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فِي كُلِّ تَرِكَةٍ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ ضَيَاعًا تقسيم التركة فَلَكَ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَجْعَلَهُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَتَسْتَغْنِي عَنْ ضَرْبٍ وَقِسْمٍ ، وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا قَلَّتْ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ فِيهِ ، وَإِمَّا أَنْ تَجْرِيَ السِّهَامُ عَلَى أَجْزَاءِ الدَّرَاهِمِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَجْزَاءِ الدَّنَانِيرِ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى قَرَارِيطِهِ وَحَبَّاتِهِ ، فَتُقَسَّمُ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ عَلَى دَوَانِيقِ الدِّرْهَمِ وَهِيَ سِتَّةٌ ، ثُمَّ عَلَى قَرَارِيطِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ، ثُمَّ عَلَى حَبَّاتِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ، ثُمَّ عَلَى أَجْزَاءِ حَبَّاتِهِ بِمَا تَجَزَّأَتْ ، وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا كَثُرَتْ سِهَامُ الْفَرِيضَةِ فِيهِ عِنْدَ الْمُنَاسَخَاتِ ، فَإِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ أَلْفًا وَمِائَتَيْ سَهْمٍ كَانَ النِّصْفُ سِتَّمِائَةِ سَهْمٍ ، وَالثُّلُثُ أَرْبَعَمِائَةِ سَهْمٍ ، وَالرُّبُعُ ثَلَاثَمِائَةِ سَهْمٍ ، وَالسُّدُسُ مِائَتَيْ سَهْمٍ ، وَنِصْفُ السُّدُسِ مِائَةَ سَهْمٍ ، وَالْقِيرَاطُ خَمْسُونَ سَهْمًا ، وَالْحَبَّةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا : لِأَنَّ قِيرَاطَ الدِّرْهَمِ حَبَّتَانِ ، ثُمَّ تَتَجَزَّأُ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ عَلَى الْحَبَّةِ فَالْوَاحِدُ خُمُسُ خُمُسِهَا ، ثُمَّ تَتَضَاعَفُ إِلَى أَنْ تَسْتَكْمِلَهَا ، فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ نَظَرْتَ إِلَى سِهَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْوَرَثَةِ وَقِسْطِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الدِّرْهَمِ فَأَوْجَبْتَهُ لَهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابُ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ

بَابُ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ ( قَالَ ) وِمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ وَرَّثَ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهُمْ فَقَالَ : هَلْ رَأَيْتَ أَحَدًا لَا يَرِثُ وَلَدَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وَيَرِثَهُ وَلَدُهُ ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنَ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَبْنَاءِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا المرتد ؟ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ : أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَسَوَاءٌ الزِّنْدِيقُ وَغَيْرُهُ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ : أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ يَكُونُ فَيْئًا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا الزِّنْدِيقَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ يَقْصِدُ بِرِدَّتِهِ إِزْوَاءَ وَرَثَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، فَيَكُونُ مَالُهُ مِيرَاثًا لَهُمْ . وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ الَّذِي كَسَبَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَبَعْدَ رِدَّتِهِ يَكُونُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَالِبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ . وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا كَسَبَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ امْرَأَةً ، فَيَكُونُ جَمِيعُهُ مَوْرُوثًا ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ . وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ مَالَهُ لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ دُونَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ . وَالْمَذْهَبُ السَّادِسُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلْقَمَةَ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي عُرُوبَةَ وَأَنَّ مَالَهُ يَنْتَقِلُ إِلَى أَهْلِ الدِّينِ الَّذِينَ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ مَوْرُوثًا عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [ الْأَنْفَالِ 75 ] وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيِّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُتِيَ بِالْمُسْتَوْرِدِ الْعِجْلِيِّ وَقَدِ ارْتَدَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَجَعَلَ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : وَبِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ - قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنْ أُقَسِّمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ وَرَثَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْمُشْرِكُ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْلِمِ طَرْدًا وَكَالْمُشْرِكِ عَكْسًا ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَسَبَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا كَمَالِ الْمُسْلِمِينَ ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَسَبَهُ فِي حَالِ حَقْنِ دَمِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَيْئًا بِإِبَاحَةِ دَمِهِ كَمَالِ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ سَاوَوْا بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَفَضَّلُوهُمْ بِالرَّحِمِ وَالتَّعْصِيبِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْهُمْ لِقُوَّةِ شَبِهِهِمْ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ مَالَهُ لِأَهْلِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [ الْمَائِدَةِ : 51 ] . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا رِوَايَةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ، فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُفْرِ عَلَى الْمُرْتَدِّ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [ النِّسَاءِ : 137 ] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَاهُ جَدَّ مُعَاوِيَةَ إِلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَخَمَّسَ مَالَهُ ، فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْتِحْلَالِ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيمِهِ مُرْتَدًّا ، وَجَعَلَ مَالَهُ بِتَخْمِيسِهِ إِيَّاهُ فَيْئًا ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : أَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ ، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَنْ حَدَثَ عِصْيَانُهَا بِالْكُفْرِ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَاعَتِهَا بِالْإِيمَانِ : لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا مُسْتَفَادٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَرِثْ بِحَالٍ لَمْ يُورَثْ كَالْكَاتِبِ ، وَلِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا مَلَكَهُ فِي إِبَاحَةِ دَمِهِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا مَلَكَ فِي حَقْنِ دَمِهِ كَالذِّمِّيِّ طَرْدًا وَالْقَاتِلِ عَكْسًا ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ مَلَكَهُ بِعَوْدِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ بِقَتْلِهِ عَلَى الرِّدَّةِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [ الْأَنْفَالِ 75 ] ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْمُرْتَدُّ أَوْلَى بِالْمُسْلِمِ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَصِرِ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِالْمُرْتَدِّ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَأَمَّا دَفْعُ عَلِيٍّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - مَالَ الْمُسْتَوْرِدِ إِلَى وَرَثَتِهِ إِنَّمَا كَانَ لَمَّا رَأَى الْمَصْلَحَةَ بِاجْتِهَادِهِ وَهُوَ إِمَامٌ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِرَأْيِهِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا مِنْهُ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ لَا عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ . وَأَمَّا تَوْرِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَدَفْعِ أَمْوَالِ الْمُرْتَدِّينَ إِلَى وَرَثَتِهِمْ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِثْلِ مَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَالِ الْمُسْتَوْرِدِ عَلَى طَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ ، أَوْ بِحَمْلٍ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ عَنْ بَدَلِ الزَّكَاةِ حِينَ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْمُتَعِ لِتَأَوُّلِهِمْ وَمَقَامِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْمُشْرِكُ فَمُنْتَقِضٌ بِالْمُكَاتَبِ ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُسْلِمِ بَقَاءُ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْقَاتِلِ فَهُوَ دَلِيلُنَا : لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا مَلَكَ فِي إِبَاحَةِ دَمِهِ مَوْرُوثًا ، كَانَ

مَا مَلَكَ فِي حَقْنِ دَمِهِ مَوْرُوثًا ، وَلَمَّا كَانَ الْمُرْتَدُّ لَا يُورَثُ عَنْهُ مَا مَلَكَ فِي إِبَاحَةِ دَمِهِ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ مَا مَلَكَ فِي حَقْنِ دَمِهِ ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ جَمَعُوا الْإِسْلَامَ وَالْقَرَابَةَ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِسْلَامِ فَفَاسِدٌ بِالذِّمِّيِّ لَا يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْلَى بِمَالِهِ ، ثُمَّ لَيْسَ يَصِيرُ مَالُ الْمُرْتَدِّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِيرَاثًا فَيُجْعَلَ وَرَثَتُهُ أَوْلَى ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ فَيْئًا كَمَا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَا كَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَيْئًا وَلَا يَجْعَلُونَ وَرَثَتَهُ أَوْلَى بِهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ فَيْئًا غَيْرَ مَوْرُوثٍ فَهُوَ مُقِرٌّ عَلَى مِلْكِهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُقْتَلْ ، سَوَاءٌ أَقَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْحَاكِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْتَقَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَقَضَى بِحُلُولِ دُيُونِهِ الْمُؤَجَّلَةِ ، فَإِنْ رَجَعَ مُسْلِمًا رَجَعَ بِمَا وَجَدَ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا اسْتَمْلَكُوهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبِّرِيهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي أَسِيرٍ تَنَصَّرَ فِي أَرْضِ الرُّومِ فَكَتَبَ إِنْ جَاءَ بِذَلِكَ الثَّبْتُ فَاقْسِمْ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ " ، وَلِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ قَدْ صَارَ غَيْرُهُ أَمْلَكَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمَوْتِ ، وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ أَوْجَبَ انْتِقَالَهُ كَالْمَوْتِ . وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ قِيَاسًا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَيَاةِ فِي الْأَمْوَالِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمُرْتَدِّ ، وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِحَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ بِحَالِ الْمُشْرِكِ ، وَلَيْسَ يُحْكَمُ بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَيَاتِهِ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَيِّتَ مَوْرُوثًا وَالْحَيَّ وَارِثًا ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يَصِيرَ الْحَيُّ مَوْرُوثًا لَجَازَ أَنْ يَصِيرَ الْمَيِّتُ وَارِثًا ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَبَ إِبَاحَةَ الدَّمِ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِالْمَوْتِ مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ كَالْقَتْلِ ، وَلِأَنَّ حُدُوثَ الرِّدَّةِ لَا تُوجِبُ أَحْكَامَ الْمَوْتِ كَالْمُقِيمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَدُخُولُ دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَالْمُسَافِرِ إِلَيْهَا ، فَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَحْكِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَتَنَصَّرَ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ لِيَتَوَلَّوْا حِفْظَهُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُنَا قَبُولُهُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ مَعَ أَنَّ فِي انْتِقَالِ مِلْكِهِ اخْتِلَافًا ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهِ ، ثُمَّ لَيْسَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِمُوجِبٍ لِحُكْمِ الْمَوْتِ : لِأَنَّ مَالَ الْحَيِّ قَدْ تَنَقَّلَ بِأَسْبَابٍ غَيْرِ الْمَوْتِ .

فَصْلٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " قَدْ زَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ حُرًّا يَرِثُهُ أَبُوهُ إِذَا مَاتَ وَلَا يَرِثُ هَذَا النِّصْفَ مِنْ أَبِيهِ إِذَا مَاتَ أَبُوهُ فَلَمْ يُورِثْهُ مِنْ حَيْثُ وَرِثَ مِنْهُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يُورَثُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنَ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَعْلِيلِهِ إِبْطَالَ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنَ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَبْنَاءِ ، فَأَبْطَلَ الْمُزَنِيُّ هَذَا التَّعْلِيلَ عَلَيْهِ بِالْعَبْدِ إِذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ وَلَا يَرِثُ

هُوَ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ ، فَجَعَلَ ذَلِكَ إِبْطَالًا لِتَعْلِيلِهِ وَاحْتِجَاجًا لِنَفْسِهِ فِي أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَمَا يُورَثُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ . وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : رَدٌّ لِاعْتِرَاضِهِ . وَالثَّانِي : فَسَادُ اسْتِدْلَالِهِ . فَأَمَّا رَدُّ اعْتِرَاضِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ نِصْفَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُورَثُ كَمَا لَا يَرِثُ ، فَعَلَى هَذَا يَسْلَمُ الِاسْتِدْلَالُ وَيَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ . وَالثَّانِي : أَنَّ تَعْلِيلَ الشَّافِعِيِّ كُلَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى السَّبَبِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ إِذَا مَنَعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا مَنَعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا كَالْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ : لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي قَطْعِ التَّوَارُثِ بِهِ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا مَعْنَى يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ . فَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الْمَوْرُوثُ وَحْدَهُ فَلَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ وَهُوَ يُورَثُ ؟ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ خُصَّ بِهِ وَغَيْرُ مُتَعَدٍّ إِلَى وَارِثِهِ ، وَهَكَذَا الَّذِي نِصْفُهُ حُرٌّ قَدِ اخْتَصَّ بِالْمَعْنَى الْمَانِعِ دُونَ وَارِثِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا . وَأَمَّا فَسَادُ اسْتِدْلَالِهِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَرِثَ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَمَا يُورَثُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ فَهُوَ أَنَّ الْكَمَالَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَاعًا فِي الْوَارِثِ دُونَ الْمَوْرُوثِ : فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ مَوْرُوثًا : لِأَنَّ وَارِثَهُ كَامِلٌ وَلَمْ نَجْعَلْهُ وَارِثًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَامِلٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : ( وَقَالَ ) فِي الْمَرْأَةِ إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا مَرِيضًا ميراث المطلقة بائنا في المرض فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا تَرِثُهُ ، وَالْآخَرُ لَا تَرِثُهُ ، وَالَّذِي يَلْزَمُهُ أَلَا يُورِثَهَا : لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهَا بِإِجْمَاعٍ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي بِهِ يَتَوَارَثَانِ ، فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ كَمَا لَا يَرِثُهَا لِأَنَّ النَّاسَ عِنْدَهُ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُورَثُونَ وَلَا يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يُورَثُونَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيُّ فِي جُمْلَةِ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ يَقْتَضِي شَرْحَهَا وَذِكْرَ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا وَالِانْفِصَالَ عَنِ اعْتِرَاضِ الْمُزَنِيِّ بِهَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي اعْتِرَاضٍ بِمَنْ نَصْفُهُ حُرٌّ وَنَصْفُهُ مَمْلُوكٌ ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : طَلَاقٌ فِي الصِّحَّةِ وَطَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ فَضَرْبَانِ : بَائِنٌ ، وَرَجْعِيٌّ ميراث المطلقة . فَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَا تَوَارُثَ فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ دُونَ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ . وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَهُوَ دُونَ الثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ، وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ لَمْ يَتَوَارَثَا ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهَا تَرِثُهُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَلَيْسَ يَخْلُو قَوْلُهُمَا ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَجْعَلَ الْغُسْلَ مِنْ بَقَايَا الْعِدَّةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبًا لَهُمَا فِي الْعِدَّةِ دُونَ الْمِيرَاثِ وَلَا وَجْهَ لَهُ : لِأَنَّ الْعِدَّةَ اسْتِبْرَاءٌ ، وَلَيْسَ الْغُسْلُ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَا انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِانْقِضَاءِ الْحَيْضِ وَيُوجِبَا الْمِيرَاثَ مَعَ بَقَاءِ الْغُسْلِ

فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبًا لَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْعِدَّةِ ، وَلَا وَجْهَ لَهُ : لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يُوجِبُ انْقِضَاءَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ مِنْهُمَا فَارْتَفَعَ بِارْتِفَاعِهَا ، وَلَوْ جَازَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ لَصَارَ الْمِيرَاثُ مَوْقُوفًا عَلَى خِيَارِهَا إِنْ شَاءَتْ تَأْخِيرَ الْغُسْلِ ، فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَوَارِثُ الْمَيِّتِ فَقَالَ وَارِثُ الْمَيِّتِ : مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَلَا تَوَارُثَ ، وَقَالَ الْبَاقِي مِنْهُمَا بَلْ كَانَ الْمَوْتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلِيَ الْمِيرَاثُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَاقِي مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ حَتَّى يُعْلَمَ سُقُوطُهُ . وَالثَّانِي : أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ بَقَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ تَقَضِّيهَا .

فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ وأحكام الميراث ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُخَوِّفٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ عَلَى مَا مَضَى . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مُخَوِّفًا ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَعَقَّبَهُ صِحَّةٌ ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ . وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ : هُوَ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ يَرِثُ فِيهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ مَا يَتَعَقَّبُهُ الصِّحَّةُ فَلَيْسَ بِمُخَوِّفٍ ، وَإِنَّمَا ظُنَّ بِهِ الْخَوْفُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَلَا يَتَعَقَّبَهُ الصِّحَّةُ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ حَادِثًا عَنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ كَمَرِيضٍ غَرِقَ ، أَوْ أُحْرِقَ ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَائِطٌ ، أَوِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ ، فَهَذَا حُكْمُ الطَّلَاقِ فِيهِ كَحُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ يَرِثُ فِيهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ حُدُوثَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِهِ يَرْفَعُ حُكْمَهُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الْمَوْتِ مِنْهُ فَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الْمَرَضِ ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِي الْمَرَضِ : استحقاق التركة في هذه الحالة تَوَارَثَا فِي الْعِدَّةِ ، سَوَاءٌ مَاتَ الزَّوْجُ أَوِ الزَّوْجَةُ ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فِي الْمَرَضِ : استحقاق التركة في هذه الحالة ، فَإِنْ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْهَا إِجْمَاعًا ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِيرَاثِهَا عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى حَكَى الشَّافِعِيُّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ مَذَاهِبَ جَعَلَهَا أَصْحَابُنَا أَرْبَعَةَ أَقَاوِيلَ لَهُ ، قَوْلَانِ مِنْهَا نَصًّا ، وَقَوْلَانِ مِنْهَا تَخْرِيجًا . أَحَدُهُمَا : لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ كَمَا لَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنَ التَّابِعِينَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، فَإِنِ انْقَضَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ وَشُرَيْحٌ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ نَصًّا .

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَإِنِ انْقَضَتْ عَدَّتُهَا ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَعَلَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا ثَالِثًا لِلشَّافَعِيِّ تَخْرِيجًا . وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ : أَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ أَبَدًا ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ ، وَجَعَلَهُ أَصْحَابُنَا قَوْلًا رَابِعًا لِلشَّافِعِيِّ تَخْرِيجًا ، فَإِذَا قِيلَ : لَا تَرِثُ فَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيُّونَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنْ كَانَ ثَابِتًا سَقَطَ بِهِ الْخِلَافُ ، وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَمْنَعَ مِنَ الْمِيرَاثِ فِي حَالِ الْمَرَضِ كَاللِّعَانِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يَمْنَعُ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَنَعَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ كَالطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ الْعَقْدِ ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ بِطَلَاقِ الْمَرِيضِ كَانَ سُقُوطُ الْمِيرَاثِ أَوْلَى ، وَإِذَا قِيلَ : تَرِثُ ، فَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكِلَابِيَّةَ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ . وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُكْمِلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ، وَكَانَ بِهِ الْفَالِجُ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ ، فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ مِنْ عُثْمَانَ عَنِ ارْتِيَاءِ وَاسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ لَا سِيَّمَا زَوْجَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعَ إِشْهَارِ أَمْرِهَا وَمُنَاظَرَةِ الصَّحَابَةِ فِيهَا ، فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ : أَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تُورِثَ مَبْتُوتَةً ، قُلْنَا : مَا ادَّعَيْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعًا فَيَرْتَفِعُ ، بِخِلَافِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَرِيضُ مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضْرَارِ الْوَارِثِ ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ إِسْقَاطِ الْوَارِثِ ، وَلِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْمِيرَاثِ تُهْمَتَانِ : تُهْمَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ ، وَتُهْمَةٌ فِي إِسْقَاطِهِ ، فَلَمَّا كَانَتِ التُّهْمَةُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَهِيَ تُهْمَةُ الْقَاتِلِ رَافِعَةً لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمِيرَاثَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ فِي إِسْقَاطِهِ بِالطَّلَاقِ رَافِعَةً لِإِسْقَاطِ الْمِيرَاثِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَرِثْهُ ، وَكَانَ إِقْرَارًا فِي الْمَرَضِ لَا طَلَاقًا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : هُوَ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ وَتَرِثُ . وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ : لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَقْدِ لَا يَكُونُ عَقْدًا وَإِنْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لَازِمًا ، فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَإِنْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لَازِمًا ، وَلَوْ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُهَا فَأَقَرَّ بِتَقْدِيمِ طَلَاقِهَا لَمْ يَحْنَثْ : لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِهِ فِي الْمَرَضِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فِي الْمَرَضِ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَقَالَ فِي صِحَّتِهِ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا فِي مَرَضِهِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَدْ عَيَّنَ الطَّلَاقَ عِنْدَ لَفْظِهِ ، فَلَا تَرِثُ : لِأَنَّهُ مُقِرٌّ فِي الْمَرَضِ بِطَلَاقٍ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَمَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ لَفْظِهِ ، ثُمَّ عَيَّنَهُ عِنْدَ بَيَانِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْمُعَيَّنَةِ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ الْبَيَانِ هَلْ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَقْتَ

اللَّفْظِ أَوْ وَقْتَ الْبَيَانِ ؟ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ : إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا عِنْدَ وَقْتِ لَفْظِهِ ، وَمِنْهُ تَبْتَدِئُ بِالْعِدَّةِ ، فَعَلَى هَذَا لَا مِيرَاثَ لَهَا : لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ لَفْظِهِ كَانَ صَحِيحًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْبَيَانِ ، فَعَلَى هَذَا تَرِثُ : لِأَنَّهُ عِنْدَ بَيَانِهِ مَرِيضٌ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ لِصِفَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ ، كَقَوْلِهِ فِي صِحَّتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ ، فَقَدِمَ زَيْدٌ وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ شَهْرٍ ، فَجَاءَ الشَّهْرُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَهَا الْمِيرَاثُ : لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي الْمَرَضِ ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ : لِأَنَّ التُّهْمَةَ عَنْهُ فِي هَذَا الطَّلَاقِ مُرْتَفِعَةٌ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهَا الْمِيرَاثُ لِلتُّهْمَةِ فِي إِزْوَائِهَا . فَأَمَّا إِذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ : إِنْ دَخَلْتُ أَنَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ دَخَلَهَا فِي مَرَضِهِ ، كَانَ كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ : لِأَنَّهُ دَخَلَهَا بِاخْتِيَارِهِ فِي مَرَضِهِ ، فَصَارَ مُتَّهَمًا فِي إِزْوَائِهَا عَنِ الْمِيرَاثِ ، وَلَكِنْ لَوْ وَكَّلَ فِي صِحَّتِهِ وَكِيلًا فِي طَلَاقِهَا فَلَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى مَرِضَ الزَّوْجُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الطَّلَاقِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ : لِأَنَّ عَقْدَ الْوِكَالَةِ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَصَارَتِ التُّهْمَةُ عَنْهُ عِنْدَ عَقْدِهِ مُرْتَفِعَةٌ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ : لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى فَسْخِ وَكَالَتِهِ فِي مَرَضِهِ ، فَصَارَ بِتَرْكِ الْفَسْخِ مُتَّهَمًا .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِ مَوْتِي . وَقَعَ طَلَاقُهَا فِيهِ ، وَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ : لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِعَقْدِ يَمِينِهِ ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهَا : إِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، لَمْ تُطَلَّقْ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ طَلَاقٌ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهُوَ فِي الصِّحَّةِ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِي الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ أَسْبَابِ مَوْتِي ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا : لِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهِ كَانَ قَبْلَ مَرَضِهِ ، فَصَارَ طَلَاقًا فِي الصِّحَّةِ ، أَلَا تَرَى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِي الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ أَسْبَابِ مَوْتِي ، كَانَ عِتْقُهُ إِنْ مَاتَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ الثُّلُثِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ بِاخْتِيَارِهَا ميراث الزوجة مِثْلَ أَنْ يُخَالِعَهَا ، أَوْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ فَيُطَلِّقُهَا ، أَوْ يُعَلِّقُ طَلَاقَهَا بِمَشِيئَتِهَا ، فَتَشَاءُ الطَّلَاقَ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَهَا الْمِيرَاثُ إِنِ اخْتَارَتِ الطَّلَاقُ : لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الْمَرَضِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ : لِأَنَّ تَوْرِيثَهَا إِنَّمَا كَانَ لِاتِّهَامِهِ فِي حِرْمَانِهَا ، وَقَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُرْتَفِعٌ بِاخْتِيَارِهَا وَسُؤَالِهَا ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا فِي مَرَضِهِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَةِ أَفْعَالِهَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ وَطُلِّقَتْ ، نَظَرَتْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَقَوْلِهِ لَهَا : إِنْ أَكَلْتِ أَوْ شَرِبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَلَا تَجِدُ بُدًّا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى اخْتِيَارِهَا الطَّلَاقُ ، فَيَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ ، وَهَكَذَا لَوْ

قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ صَلَّيْتِ الْفَرَائِضَ ، أَوْ صُمْتِ شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَصَلَّتْ وَصَامَتْ ميراث الزوجة ، كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ : لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهَا : إِنْ أَكَلْتِ هَذَا الطَّعَامَ أَوْ لَبِسْتِ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ كَلَّمْتِ هَذَا الرَّجُلَ ، أَوْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، أَوْ تَطَوَّعْتِ بِصَلَاةٍ ، أَوْ صِيَامٍ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ طُلِّقَتْ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا : لِأَنَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بُدًّا فَصَارَتْ مُخْتَارَةً لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إِلَّا أَنْ لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ فَتَرِثُ : لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَارَةٍ لِلطَّلَاقِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ ، أَوْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ ، لَمْ تَرِثْ : لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَقْتَ طَلَاقِهَا لَمْ يَرِثْ ، فَصَارَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا وَعِتْقِهَا ميراث الزوجة وَرِثَتْ : لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ إِلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِإِسْلَامِهَا وَلَا بِعِتْقِهَا حِينَ طَلَّقَهَا فَلَا تَرِثُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ ، فَلَوْ قَالَ لَهَا السَّيِّدُ : أَنْتِ حُرَّةٌ فِي غَدٍ ، وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي يَوْمِهِ وَرِثَتْ : لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ حِينَ عَلِمَ بِعِتْقِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا مِيرَاثَ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ ، فَأَعْتَقَهَا السَّيِّدُ فِي يَوْمِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ حِينَ طَلَّقَهَا ، فَلَوْ قَالَ لَهَا السَّيِّدُ أَنْتِ حُرَّةٌ فِي غَدٍ ، فَلَمَّا عَلِمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ ميراث الزوجة ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَهَا الْمِيرَاثُ لِاتِّهَامِهِ فِيهِ . وَالثَّانِي : لَا مِيرَاثَ لَهَا : لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ بِطَلَاقٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ الْحُرِّيَّةُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَارْتَدَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ ميراث الزوجة لَمْ تَرِثْهُ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ . وَقَالَ مَالِكٌ : تَرِثُهُ ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِلطَّلَاقِ مَانِعٌ مِنْ مِيرَاثِهَا وَهِيَ بِالرِّدَّةِ مُخْتَارَةٌ لَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا بِالرِّدَّةِ قَدْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ لَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ . فَأَمَّا إِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ دُونَهَا بَعْدَ طَلَاقِهِ وَفِي مَرَضِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا تَرِثُهُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : تَرِثُهُ ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ رِدَّتِهَا وَرِدَّتِهِ ، بِأَنَّ رِدَّتَهَا اخْتِيَارٌ مِنْهَا لِلْفُرْقَةِ ، وَلَيْسَ رِدَّتُهُ اخْتِيَارٌ فِيهَا لِذَلِكَ ، وَهَذَا الْفَرْقُ فَاسِدٌ لِاسْتِوَاءِ الرِّدَّتَيْنِ فِي إِفْضَائِهِمَا إِلَى حَالَةٍ لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ تَرِثْهُ فَاسْتَوَتْ رِدَّتُهَا فِي ذَلِكَ وَرِدَّتُهُ ، وَلَوِ ارْتَدَتِ الزَّوْجَةُ فِي مَرَضِهَا ، ثُمَّ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَرِثُهَا لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِذَلِكَ فِي إِزْوَائِهِ عَنِ الْمِيرَاثِ كَمَا يُتَّهَمُ الزَّوْجُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَنْسُبُ الْعَاقِلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالرِّدَّةِ إِزْوَاءَ وَارِثٍ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِهِ عَلَى الْوَارِثِ لَيْسَ كَالطَّلَاقِ الَّذِي لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ .



فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ إِنْ لَمْ أَدْفَعْ إِلَيْكَ مَهْرَكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا : لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْحِنْثِ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ : لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ ، وَلَوْ مَاتَتْ فَاخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَوَارِثُهَا ، فَقَالَ الزَّوْجُ : قَدْ كُنْتُ دَفَعْتُ إِلَيْهَا مَهْرَهَا فِي حَيَاتِهَا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَلِيَ الْمِيرَاثُ ، وَقَالَ وَارِثُهَا : مَا دَفَعْتَ إِلَيْهَا وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْكَ وَلَا مِيرَاثَ لَكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي أَلَّا يَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ فِي بَقَاءِ الْمَهْرِ ، فَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْمَهْرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ : لِأَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا طَلَاقَ ، وَإِذَا حَلَفَ الْوَارِثُ حُكِمَ لَهُ بِالْمَهْرِ : لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَهْرِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ ، سَوَاءٌ كَانَ لِعَانُهُ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ ، أَوْ عَنْ قَذْفٍ فِي الْمَرَضِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَرِثُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيُّ : إِنْ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَرِثْهُ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ تَبَعٌ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ ، وَذَاكَ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ، وَالْفُرْقَةُ فِي الطَّلَاقِ مَقْصُودَةٌ ، فَجَازَ أَنْ يَفْتَرِقَ حُكْمُهَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ . وَالثَّانِي : أَنَّ سُقُوطَ الْمِيرَاثِ بِنَفْيِ النَّسَبِ أَغْلَظُ مِنْ سُقُوطِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي نَفْيِ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً فِي سُقُوطِ الْمِيرَاثِ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً فِي سُقُوطِ الْمِيرَاثِ . فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَا كَانَ نَفْيُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي حَالِ الْمَرَضِ مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ ؟ قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ اللِّعَانِ مَا يَنْفِي عَنْهُ التُّهْمَةَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ الطَّلَاقِ مَا يَنْفِي عَنْهُ التُّهْمَةَ فَافْتَرَقَا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ لِأَجْلِ إِيلَائِهِ وَرِثَتْ كَمَا تَرِثُ بِالطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْإِيلَاءِ ، بِخِلَافِ اللِّعَانِ ، وَلَوْ كَانَ آلَى مِنْهَا فِي الصِّحَّةِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ إِيلَائِهِ فِي الصِّحَّةِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَمُطَالَبَتُهُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ مِنْ فَيْئِهِ ، أَوْ طَلَاقٍ فَهَذِهِ لَا تَرِثُ : لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا فَصَارَ مُتَّهَمًا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَهَذِهِ تَرِثُ أَيْضًا : لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَصَارَ مُتَّهَمًا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ بِالْفَيْئَةِ ، أَوِ الطَّلَاقِ فَفِيهَا إِذَا وَرِثَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْمَوْلَى إِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ هَلْ يُطَلَّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ جَبْرًا أَمْ لَا ؟ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ جَبْرًا ، فَعَلَى هَذَا لَا مِيرَاثَ لَهَا : لِأَنَّ طَلَاقَهَا كَانَ وَاجِبًا : لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِأَوْجَبَهُ الْحَاكِمُ جَبْرًا .

وَالثَّانِي : لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ، فَعَلَى هَذَا لَهَا الْمِيرَاثُ : لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مُخْتَارًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا فَسَخَ الزَّوْجُ نِكَاحَ امْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِإِحْدَى الْعُيُوبِ الَّتِي تُوجِبُ فَسْخَ نِكَاحٍ لَمْ تَرِثْهُ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ بِالْعُيُوبِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إِسْقَاطُهُ فَلَمْ يُتَّهَمْ ، وَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ : لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ لَا يُسْقِطُهُ ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ أُمُّ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَوْلَيْنِ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا وَلَمْ تَرِثْهُ ، سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهَا بِأَمْرِهِ ، أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ : لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ تَبَعٌ لِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ وَطِئَ أُمَّ زَوْجَتِهِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ مَرِيضٌ بَطَلَ نِكَاحُهَا وَلَمْ يَرِثْ .

فَصْلٌ : وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ ، ثُمَّ مَاتَ ، فَإِنْ قِيلَ بِمَذْهَبِهِ الْجَدِيدِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ ، فَالْمِيرَاثُ لِلْأَرْبَعِ اللَّاتِي تَزَوَّجَهُنَّ ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْأَرْبَعِ الْمَنْكُوحَاتِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ : لِأَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ وَارِثٌ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَرْبَعِ الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمَنْكُوحَاتِ : لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِسْقَاطُ مِيرَاثِهِنَّ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَيْهِنَّ ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الْإِرْثِ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ إِحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ خَامِسَةً وَمَاتَ ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ لِلْمَنْكُوحَةِ رُبُعَ الْمِيرَاثِ وَيُوقِفُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ مَعَ الْمَنْكُوحَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْأَرْبَعِ أَرْبَاعًا دُونَ الْمَنْكُوحَةِ الْخَامِسَةِ ، وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ يَدْفَعْنَ الْمَنْكُوحَاتِ عَنِ الْمِيرَاثِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا وَرِثَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَعْتَدُّ بِأَكْثَرِ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ، أَوِ الْأَقْرَاءِ ، أَوْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ : لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُغَيِّرُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ شَيْئًا إِلَّا الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُتَّهَمٌ وَمَا سِوَاهُ فَهُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الصِّحَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ مِيرَاثِ الْمُشْتَرِكَةِ

بَابُ مِيرَاثِ الْمُشْتَرِكَةِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " قُلْنَا فِي الْمُشْتَرِكَةِ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ : لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حُكْمُهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَصَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا ( قَالَ ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَلْ وَجَدْتَ الرَّجُلَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَالٍ ، ثُمَّ تَأْتِي حَالَةٌ أُخْرَى ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا . ( قُلْتُ ) نَعَمْ مَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفَنَا فِيهِ صَاحِبُكَ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا لِنِكَاحِهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثٍ ، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ طَلْقَةٍ لَمْ تَنْهَدِمْ كَمَا تَنْهَدِمُ الثَّلَاثُ : لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مَعْنًى فِي إِحْلَالِ الْمَرْأَةِ هَدَمَ الطَّلَاقَ الَّذِي تَقَدَّمَهُ إِذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ إِلَّا بِهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَكَانَتْ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِنِكَاحٍ قَبْلَ زَوْجٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فَنَسْتَعْمِلُهُ ( قَالَ ) إِنَّا لَنَقُولُ بِهَذَا فَهَلْ تَجِدُ مِثْلَهُ فِي الْفَرَائِضِ ؟ ( قُلْتُ ) نَعَمُ الْأَبُ يَمُوتُ ابْنُهُ وَلِلِابْنِ إِخْوَةٌ ، فَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَاتِلًا وَرِثُوا وَلَمْ يَرِثِ الْأَبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ قَدْ زَالَ وَمَنْ زَالَ حُكْمُهُ فَكَمَنَ لَمْ يَكُنْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى الْمُشْتَرِكَةُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي التَّشْرِيكِ فِيهَا بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَتُسَمَّى الْحِمَارِيَّةَ : لِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ مَنَعَ مِنَ التَّشْرِيكِ : أَعْطِهِمْ بِأُمِّهِمْ وَهَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا . وَشُرُوطُ الْمُشْتَرِكَةِ في الميراث أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ زَوْجٍ وَأُمٍّ ، أَوْ يَكُونُ مَكَانَ الْأُمِّ جَدَّةٌ وَوَلَدُ الْأُمِّ أَقَلُّهُمُ اثْنَانِ أَخَوَانِ ، أَوْ أُخْتَانِ ، أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ ذُو فَرْضٍ ، وَمَنْ لَا فَرْضَ لَهُ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَخٌ ، أَوْ أَخَوَانِ ، أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ شُرُوطَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ، وَلِلْأُمِّ أَوِ الْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ الْأَخَوَانِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَمْ لَا ؟ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنْ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُونَ وَلَدَ الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ وَيَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَابْنُ سِيرِينَ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالنَّخَعِيٌّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَلَدُ الْأُمِّ يَخْتَصُّونَ بِالثُّلُثِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الشَّعْبِيُّ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو

يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْقَوْلَانِ مَعًا ، أَمَّا زَيْدٌ فَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ ، وَرَوَى النَّخَعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ شَرَّكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ ، وَقَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ : مَا أَجِدُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إِلَّا وَقَدِ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِي الْمُشْتَرِكَةِ إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ ، وَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُشَرِّكْ وَأَتَى فِي الثَّانِي فَشَرَّكَ وَقَالَ تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى مَا تُقْضَى ، فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنَ التَّشْرِيكِ فَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : اقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ فَمَنَعَ مِنْ مُشَارَكَةِ الْعَصَبَةِ لِذَوِي الْفُرُوضِ وَإِعْطَائِهِمْ مَا فَضَلَ عَنْهَا إِنْ فَضَلَ ، وَلَيْسَ فِي الْمُشْتَرِكَةِ بَعْدَ الْفُرُوضِ فَضْلٌ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ مُشَارَكَةُ ذِي فَرْضٍ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكُوا ذَوِي الْفُرُوضِ كَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ، وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ عَصَبَةً سَقَطَ عِنْدَ اسْتِيعَابِ الْفُرُوضِ لِلتَّرِكَةِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأَخٍ جَازَ لَمَّا اسْتَوْعَبَ الزَّوْجُ وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ الْمَالَ فَرْضًا سَقَطَ الْأَخُ ، وَلِأَنَّ كُلَّ أَخٍ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ إِذَا انْفَرَدَ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِعَصَبَتِهِ مُوجِبًا لِحِرْمَانِهِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِلْأَبِ وَأُمٍّ لَوْ كَانَ مَعَهَا أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أُخْتٌ لِلْأَبِ كَانَ لَهَا السُّدُسُ ، فَكَانَ تَعْصِيبُ الْأَخِ مُوجِبًا لِحِرْمَانِهِ سُدُسَ الْأُخْتِ ، كَذَلِكَ تَعْصِيبُ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَمْنَعُهُمْ مِنْ مُشَارَكَةِ وَلَدِ الْأُمِّ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَضَّلَ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ إِدْلَاءِ جَمِيعِهِمْ بِالْأُمِّ جَازَ أَنْ يَخْتَصُّوا بِالْفَرْضِ دُونَهُمْ ، وَإِنْ أَدْلَى جَمِيعُهُمْ بِالْأُمِّ ، أَلَا تَرَى لَوْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَأَخًا لَأُمٍّ وَعَشَرَةَ إِخْوَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَنَّ لِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسَ وَلِجَمِيعِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَهُمْ عَشَرَةُ السُّدُسَ ، فَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُخْتَصَّ بِالْإِرْثِ دُونَهُمْ . قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُوا وَلَدَ الْأُمِّ فِي فَرْضِهِمْ إِذَا لَمْ يَرِثُوا بِأَنْفُسِهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ لَجَازَ إِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَيَكُونَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخَصُّ لِلْأَبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ ، وَلَا يُفَضَّلُ ذَلِكَ بِالْأُمِّ : لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ ، وَفِي الْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى إِسْقَاطِ التَّشْرِيكِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ . قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ يُشَارِكُونَ وَلَدَ الْأُمِّ فِي فَرْضِهِمْ إِذَا لَمْ يَرِثُوا بِأَنْفُسِهِمْ لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ لَجَازَ إِذَا كَانَتِ الْفَرِيضَةُ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْإِدْلَاءِ بِالْأَبِ وَلَا يُفَضِّلُ تِلْكَ بِالْأُمِّ : لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ وَفِي الْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى إِسْقَاطِ التَّشْرِيكِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَوَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ . قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْفَرْضِ إِذَا لَمْ يَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ لَجَازَ أَنْ

يَجْمَعُ لَهُمْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَيُشَارِكُوا وَلَدَ الْأُمِّ فِي فَرْضِهِمْ وَيَأْخُذُونَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ بِتَعْصِيبٍ وَفِي إِبْطَالِ هَذَا إِبْطَالٌ لِفَرْضِهِمْ . وَدَلِيلُنَا عَلَى التَّشْرِيكِ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ [ النِّسَاءِ 17 ] فَاقْتَضَى ظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومِ اسْتِحْقَاقَ الْجَمِيعِ إِلَّا مِنْ حِصَّةِ الدَّلِيلِ وَلِأَنَّهُمْ سَاوَوْا وَلَدَ الْأُمِّ فِي رَحِمِهِمْ ، فَوَجَبَ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِي مِيرَاثِهِمْ قِيَاسًا عَلَى مُشَارَكَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَلِأَنَّهُمْ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ ، فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الثُّلُثِ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدُ أَبٍ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بِسَبَبَيْنِ يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرِثَ بِالْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِيهِ مَعْنَى التَّعْصِيبِ وَالْفَرْضِ جَازَ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِالتَّعْصِيبِ أَنْ يَرِثَ بِالْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ ، وَلِأَنَّ أُصُولَ الْمَوَارِيثِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ ، وَأَدْنَى الْأَحْوَالِ مُشَارَكَةُ الْأَقْوَى لِلْأَضْعَفِ ، وَلَيْسَ فِي أُصُولِ الْمَوَارِيثِ سُقُوطٌ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ ، وَوَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَقْوَى مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْأُمِّ وَزِيَادَتِهِمْ بِالْأَبِ ، فَإِذَا لَمْ يَزِدْهُمُ الْأَبُ قُوَّةً لَمْ يَزِدْهُمْ ضَعْفًا ، وَأَسْوَأُ حَالِهِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ السَّائِلُ : هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضَ فَلِأَوْلَى ذَكَرٍ ، فَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَأْخُذُونَ بِالْفَرْضِ لَا بِالتَّعْصِيبِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِمْ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ : أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِالْفَرْضِ لِعَدَمِ إِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ ، وَخَالَفَهُمْ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَنْ كَانَ عَصَبَةً سَقَطَ عِنْدَ اسْتِيعَابِ الْفُرُوضِ لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ . فَالْجَوَابُ عَنْهُ : إِنَّ تَعْصِيبَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ سَقَطَ ، وَلَيْسَ سُقُوطُ تَعْصِيبِهِمْ يُوجِبُ سُقُوطَ رَحِمِهِمْ كَالْأَبِ إِذَا سَقَطَ أَنْ يَأْخُذَ بِالتَّعْصِيبِ لَمْ يُوجِبْ سُقُوطَ أَخْذِهِ بِالْفَرْضِ . فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَجَدًّا وَأَخًا ، سَقَطَ الْأَخُ : لِأَنَّهُ الْجَدُّ يَأْخُذُ فَرْضَهُ بِرَحِمِ الْوِلَادَةِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ مَعَ الْأَخِ لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ وَخَالَفَ وَلَدُ الْأُمِّ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَنْ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ بِالتَّعْصِيبِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِعَصَبَتِهِ سَبَبًا لِحِرْمَانِهِ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ لَوْ كَانَ مَكَانَهَا أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ . فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ يَرِثُ بِهِ إِلَّا بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ بِمُجَرَّدِ التَّعْصِيبِ عَلَى ذَوِي الْفَرْضِ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ الْأَخُ لِلْأَبِ أَسْقَطَهَا : لِأَنَّهُ نَقَلَهَا عَنِ الْفَرْضِ إِلَى التَّعْصِيبِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ : لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا بِالْأُمِّ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكُوهَا وَلَدَ الْأُمِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا مَعَهُمْ لَمْ يُسْقِطُوهُمْ ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَسْقُطُوا بِهِمْ .

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَضَّلَ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَازَ أَنْ يَسْقُطُوا بِهِمْ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفَضَّلُوا عَلَيْهِمْ : لِأَنَّهُمْ وَرِثُوا بِتَعْصِيبِهِمْ دُونَ أُمِّهِمْ وَمِيرَاثِهِمْ بِالتَّعْصِيبِ أَقْوَى : لِأَنَّهُمْ قَدْ يَأْخُذُونَ بِهِ الْأَكْثَرَ ، فَجَازَ أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ الْأَقَلَّ ، فَإِذَا سَقَطَ تَعْصِيبُهُمْ لَمْ يَسْقُطُوا بِرَحِمِهِمْ : لِأَنَّهَا أَقَلُّ حَالَتِهِمْ فَلِهَذَا الْمَعْنَى جَازَ أَنْ يَفْضُلُوهُمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطُوهُمْ ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْبِنْتَ إِنَّمَا تُسْقِطُ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَنْ تَفَرَّدَ إِدْلَاؤُهُ بِالْأُمِّ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فِي وَاحِدٍ لَمْ يُسْقِطْ ، ثُمَّ رَأَيْنَا مَنْ جَمَعَ الْإِدْلَاءَ بِالْأَبَوَيْنِ أَقْوَى ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِكَةِ : لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِيهَا جَعَلَ الْأَضْعَفَ أَقْوَى وَأَحَقَّ فَأَيْنَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُضَادَّةِ وَكَيْفَ طَرِيقُ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ التَّبَايُنِ ؟ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَوْ وَرِثُوا بِالْفَرْضِ لَجَمَعُوا بَيْنَ التَّعْصِيبِ وَالْفَرْضِ كَالْأَبِ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُمْ أَضْعَفُ مِنَ التَّعْصِيبِ : لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بِهِ اجْتِهَادٌ عَنْ نَصٍّ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ لَهُمْ بَيْنَ التَّعْصِيبِ الْأَقْوَى وَالْفَرْضِ الْأَضْعَفِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَرَضُ الْأَبِ لِقُوَّتِهِ وَمُسَاوَاتِهِ التَّعْصِيبَ الَّذِي فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ الْمِيرَاثَانِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ التَّشْرِيكِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ وَبَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْمُشْتَرِكَةِ وَجَبَ أَنْ يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ : لِأَنَّ وَلَدَ الْأُمِّ لَا يُفَضَّلُ ذَكَرُهُمْ عَلَى إِنَاثِهِمْ . فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَخَوَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالسَّوِيَّةِ ، فَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْأَخَوَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرِكَةً : لِأَنَّ لِلْأَخَوَاتِ فَرْضًا ، فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ وَتَعُولُ إِلَى عَشَرَةٍ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَخٌ صَارَتْ مُشْتَرِكَةً : لِأَنَّ مُشَارَكَةَ الْأَخِ لَهُمَا أَسْقَطَ فَرْضَهُمَا وَيَأْخُذُونَ جَمِيعًا بِالتَّشْرِيكِ ، فَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْأُمِّ وَاحِدًا سَقَطَ التَّشْرِيكُ : لِأَنَّهُ يَبْقَى مِنَ الْفُرُوضِ سُدُسٌ يَأْخُذُهُ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِالتَّعْصِيبِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ

بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَقُلْنَا إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَرِثَتْ أُمُّهُ حَقَّهَا وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةَ وَلَاءِ عَتَاقَةٍ كَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً ، أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا كَانَ مَا بَقِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهَا بِقَوْلِنَا إِلَّا فِي خَصْلَةٍ إِذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً ، أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ ، وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ لَا تَثْبُتُ وَقَالُوا كَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ كَمَا جَعَلْتُمْ مَوَالِيَهُ مَوَالِيَ أُمِّهِ ؟ ( قُلْنَا ) بِالْأَمْرِ الَّذِي لَمْ نَخْتَلِفْ فِيهِ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ ، ثُمَّ تَرَكْتُمْ فِيهِ قَوْلَكُمْ أَلَيْسَ الْمَوْلَاةُ الْمُعْتَقَةُ تَلِدُ مِنْ مَمْلُوكٍ ؟ أَلَيْسَ وَلَدُهَا تَبَعًا لِوَلَائِهَا كَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ يَعْقِلُ عَنْهُمْ مَوَالِي أُمِّهِمْ وَيَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ فِي التَّزْوِيجِ لَهُمْ ؟ قَالُوا نَعَمْ ، قُلْنَا : فَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَتَكُونُ عَصَبَتُهَا عَصَبَةَ وَلَدِهَا يَعْقِلُونَ عَنْهُمْ ، أَوْ يُزَوِّجُونَ الْبَنَاتِ مِنْهُمْ ؟ قَالُوا لَا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ مَوَالِي الْأُمَّ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فِي وَلَدِ مَوَالِيهِمْ ، وَكَانَ الْأَحْوَالُ لَا يَقُومُونَ ذَلِكَ الْمَقَامُ فِي بَنِي أُخْتِهِمْ فَكَيْفَ أَنْكَرْتَ مَا قُلْنَا وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَاحِدٌ ؟ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ يَنْتَفِي عَنْ أَبِيهِ وَيَلْحَقُ بِأُمِّهِ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ بِأُمِّهِ وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ بِمَاذَا يَكُونُ مِنَ اللِّعَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ . أَحَدُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ يَقَعُ الْفُرْقَةُ وَيَنْتَفِي عَنْهُ الْوَلَدُ . وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنْ بِلِعَانِهِمَا جَمِيعًا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَيَنْتَفِي عَنْهُ الْوَلَدَ . وَالثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِلِعَانِهَا وَحُكْمِ الْحَاكِمِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَيَنْتَفِي عَنْهُ الْوَلَدُ وَحِجَاجُ هَذَا الْخِلَافِ يَأْتِي فِي كُتَّابِ اللِّعَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

فَإِذَا انْتَفَى الْوَلَدُ بِاللِّعَانِ عَنِ الزَّوْجِ وَلَحِقَ بِالْأُمِّ انْتَفَى تَعْصِيبُ النَّسَبِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ تَصِيرُ الْمُلَاعَنَةُ ، أَوْ عَصَبَتُهَا عَصَبَةً لَهُ أَمْ لَا ؟ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ عَصَبَةً وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ وَلَا عَصَبَتُهَا لَهُ عَصَبَةً ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَصِيرُ أُمُّهُ عَصَبَةً لَهُ ، ثُمَّ عَصَبَتُهَا مِنْ بَعْدِهَا ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : تَصِيرُ عَصَبَةُ الْأُمِّ عَصَبَةً لَهُ ، وَلِلْأُمِّ فَرْضُهَا ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ أُمَّهُ وَعَصَبَتَهَا عَصَبَةً لَهُ بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا . وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : الْمَرْأَةُ تَحُوزُ ثُلُثَ مَوَارِيثِ عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى صَدِيقٍ لِي مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَسْأَلُهُ عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنِّي سَأَلْتُ فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : بَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ رَجُلًا إِلَى الْحِجَازِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا بَعَثُوهُ إِلَّا فِي مِيرَاثِ الْمُلَاعَنَةِ يَسْأَلُ عَنْهُ ، فَجَاءَهُمُ الرَّسُولُ أَنَّهُ لِأُمِّهِ وَعَصَبَتِهَا ، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فِي التَّعْصِيبِ وَالْعَقْلِ ، فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ بِالتَّعْصِيبِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِالتَّعْصِيبِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ كُلَّ جِهَةٍ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهَا الْوَلَاءُ فِيهَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ التَّعْصِيبُ مِنْهَا كَالْأَبِ . وَالثَّانِي : أَنَّ مَا حِيزَ بِهِ الْمِيرَاثُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ جَازَ أَنْ يُحَازَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَالْوِلَادَةِ . وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ، وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأُمِّ الثُّلُثُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ ، وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلًا فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا ، فَكَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا ، وَهَذَا نَصٌّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بِمَنْ لَا تَعْصِيبَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْصِيبٌ كَابْنِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ : لِأَنَّهَا قَرَابَةٌ بِعِتْقٍ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْمُعْتَقُ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا الْإِرْثَ كَالرَّضَاعِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَحْرَزَ مَعَهُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْإِرْثَ بِالْقَرَابَةِ كَالْعَبْدِ الْكَافِرِ ، وَلِأَنَّ التَّعْصِيبَ قَدْ يُعْدَمُ بِالْمَوْتِ مَعَ مَعْرِفَةِ النِّسَبِ

كَمَا يُعْدَمُ بِاللِّعَانِ لِلْجَهْلِ بِالنَّسَبِ ، فَلَمَّا كَانَ عَدَمُهُ بِالْمَوْتِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى الْأُمِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ بِاللِّعَانِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى الْأُمِّ ، وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ عَدَمَ التَّعْصِيبِ مِنْ جِهَةٍ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَهُ إِلَى غَيْرِ جِهَتِهِ كَالْمَوْتِ ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ لَوْ صَارَتْ عَصَبَةً كَالْأَبِ لَوَجَبَ أَنْ تَحْجُبَ الْإِخْوَةَ كَمَا يَحْجُبُهُمُ الْأَبُ ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَعْصِيبِهَا ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَصَبَةِ لِلْمِيرَاثِ فِي مُقَابَلَةٍ تَحْمِلُهُمْ لِلْعَقْلِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ، فَلَمَّا لَمْ تَعْقِلْ عَصَبَةُ الْأُمِّ وَلَمْ يُزَوِّجُوا لَمْ يَرِثُوا . وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا تَفَرَّعَ مِنَ النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا بِثُبُوتِ النَّسَبِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقْلِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهُوَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ : لِأَنَّ لَهُ جَدَّيْنِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا تَابِعِيٌّ ، وَالثَّانِي صَحَابِيٌّ ، فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمَا لَحِقَ بِالْمُرْسَلِ ، فَلَمْ يُلْزِمِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ أَنَّهُ جَعَلَ مِيرَاثَهُ لِأُمِّهِ إِذَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَاءٌ ، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ وَلَاؤُهَا مِنْ بَعْدِهَا وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا تَحُوزُ مِيرَاثَهُ وَهُوَ قَدْرُ فَرْضِهَا ، وَيُسْتَفَادُ بِهِ أَنَّ لِعَانَهَا عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ مِيرَاثِهَا مِنْهُ . أَمَّا حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ فَمُرْسَلٌ ، ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِيهِ : لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ قَضَى بِهِ ؟ قَالُوا : قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فِي كَفَالَتِهِ وَالْقِيَامِ بِحَضَانَتِهِ : لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمِيرَاثِ فِيهِ ذِكْرٌ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ، وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَقْوَى وَخَالَفَ النَّسَبَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَكَذَا مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ مِنَ التَّعْصِيبِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا وَمَاتَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ فَتَرَكَ أُمَّهُ وَخَالًا ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَالُ كُلُّهُ لِأُمِّهِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي لِلْخَالِ : لِأَنَّهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي لِمَوَالِيهَا إِنْ كَانَ عَلَى الْأُمِّ وَلَاءٌ : لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي وَلَاءِ أُمِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأُمِّ وَلَاءٌ فَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ أُمًّا وَأَخًا وَأُخْتًا ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأُمِّ ، وَعَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ ، فَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ تَوْءَمَيْنِ ابْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَتَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَخِيهِ هَلْ يَرِثُهُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ ، أَوْ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا : أَنَّهُ يَرِثُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَدِمَا الْأَبَ عَدِمَا الْإِدْلَاءَ بِالْأَبِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى إِنْ كَانَ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : حُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرِثُهُ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ : لِأَنَّ التَّوْءَمَيْنِ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ ، وَالْحَمْلُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَيَّهُمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُلَاعِنُ تَبِعَهُ الْآخَرُ فِي اللُّحُوقِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ : لِأَنَّهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْمَوْلَى وَبَيْتِ الْمَالِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا ميراثه فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي نَفْيِهِ عَنِ الزَّانِي وَلُحُوقِهِ بِالْأُمِّ وَعَلَى مَا مَضَى مِنَ الِاخْتِلَافِ هَلْ تَصِيرُ الْأُمُّ وَعَصَبَتُهَا عَصَبَةً لَهُ أَمْ لَا ؟ غَيْرَ أَنَّ تَوْءَمَ الزَّانِيَةِ ميراثه لَا يَرِثُ إِلَّا مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَوِفَاقِ مَالِكٍ ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَوْءَمِ الْمُلَاعَنَةِ ميراثه ، فَإِنِ ادَّعَى الزَّانِي الْوَلَدَ الَّذِي وَلَّدَتْهُ الزَّانِيَةُ مِنْهُ ، فَلَوْ كَانَتِ الزَّانِيَةُ فِرَاشًا لِرَجُلٍ كَانَ الْوَلَدُ فِي الظَّاهِرِ لَاحِقًا بِمَنْ لَهُ الْفِرَاشُ ، وَلَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي لِادِّعَائِهِ لَهُ : لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ . فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الزَّانِيَةُ خَلِيَّةً وَلَيْسَتْ فِرَاشًا لِأَحَدٍ يَلْحَقُهَا وَلَدُهَا ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي وَإِنِ ادَّعَاهُ ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِذَا ادَّعَاهُ بَعْدَ قِيَامِ الْبِيِّنَةِ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إِذَا ادَّعَاهُ بَعْدَ الْحَدِّ وَيَلْحَقُهُ إِذَا مَلَكَ الْمَوْطُوءَةَ وَإِنْ لَمْ يَدِّعِهِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا وَلَوْ بِيَوْمٍ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ ، ثُمَّ اسْتَدَلُّوا جَمِيعًا مَعَ اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَمَعْنَى يَلِيطُ ، أَيْ : يَلْحَقُ . قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنِ الْوَاطِئِ بِاللِّعَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ لُحُوقِهِ بِهِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ ، فَكَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَا ، وَهَذَا خَطَأٌ فَاسِدٌ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي عَاهَرْتُ بِأَمَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا اعْتِهَارَ فِي الْإِسْلَامِ ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا أَوِ امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا ، فَادَّعَى الْوَلَدَ فَلَيْسَ بِوَلَدِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَوْ لَحِقَ بِادِّعَاءِ الزَّانِي إِيَّاهُ لَلَحِقَ بِهِ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ كَوَلَدِ الْمَوْطُوءَةِ يُشَبِّهُ فِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ مَعَ ادِّعَائِهِ لَهُ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِالِاعْتِرَافِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَفَ بِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ ، فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ فِي عِهَارِ الْبَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ عِهَارِ

الْإِسْلَامِ ، وَالْعِهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَخَفُّ حُكْمًا مِنَ الْعِهَارِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَصَارَتِ الشُّبْهَةُ لَاحِقَةً بِهِ وَمَعَ الشُّبْهَةِ يَجُوزُ لُحُوقُ الْوَلَدِ ، وَخَالَفَ حُكْمَهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ . وَأَمَّا وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مُخَالِفٌ لِوَلَدِ الزِّنَا الميراث ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ لَمَّا كَانَ لَاحِقًا بِالْوَاطِئِ قَبْلَ اللِّعَانِ جَازَ أَنْ يَصِيرَ لَاحِقًا بِهِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ : لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ اللُّحُوقُ وَالْبِغَاءُ طَارِئٌ وَوَلَدُ الزِّنَا لَمْ يَكُنْ لَاحِقًا بِهِ فِي حَالٍ فَيَرْجِعُ حُكْمُهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ .

بَابُ مِيرَاثِ الْمَجُوسِ

بَابُ مِيرَاثِ الْمَجُوسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " إِذَا مَاتَ الْمَجُوسِيُّ وَبِنْتُهُ امْرَأَتُهُ ، أَوْ أُخْتُهُ أَوْ أُمُّهُ نَظَرْنَا إِلَى أَعْظَمِ السَّبَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ وَأَلْقَيْنَا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ ، فَإِذَا كَانَتْ أُمَّ أُخْتٍ وَرَثَّنَاهَا بَأَنَّهَا أُمٌّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْأُخْتُ قَدْ تَزُولُ ، وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( وَقَالَ ) بَعْضُ النَّاسِ أَوْرَثَهَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ مَعًا ، قُلْنَا : فَإِذَا كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ وَهِيَ أُمٌّ ؟ ( قَالَ ) أَحْجُبُهَا مِنَ الثُّلُثِ بِأَنَّ مَعَهَا أُخْتَيْنِ وَأُوَرِّثُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ ( قُلْنَا ) أَوَلَيْسَ إِنَّمَا حَجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِهَا لَا بِنَفْسِهَا ؟ ( قَالَ ) بَلَى قُلْنَا وَغَيْرُهَا خِلَافُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْنَا : فَإِذَا نَقَّصْتَهَا بِنَفْسِهَا ، فَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَّصَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوَرَأَيْتَ مَا إِذَا كَانَتْ أُمًّا عَلَى الْكَمَالِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَهَا بِبَعْضِهَا دُونَ الْكَمَالِ ؟ تُعْطِيهَا أُمًّا كَامِلَةً وَأُخْتًا كَامِلَةً وَهَمَا بَدَنَانِ ، وَهَذَا بَدَنٌ وَاحِدٌ ؟ قَالَ : فَقَدْ عَطَّلْتَ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ . قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى اسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا إِلَّا بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ ، لَمْ يَجُزْ إِلَّا تَعْطِيلُ أَصْغَرِهِمَا لَأَكْبَرِهِمَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا كَانَ الْوَلَدُ مِنْهَا ابْنَهَا وَابْنَ ابْنِهَا وَكَانَتْ لَهُ أُمًّا وَجَدَّةَ أُمِّ أَبٍ ، وَكَانَ لِلْأَبِ ابْنًا أَخًا لِأُمٍّ كَانَ الْأَبُ لَهُ أَبًا وَأَخًا لِأُمٍّ . وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ بِنْتَهُ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا ، فَكَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ ابْنًا وَابْنَ بِنْتٍ ، وَكَانَ الْأَبُ أَبًا وَجَدَّ أَبِ أُمٍّ ، وَكَانَ الِابْنُ لِلْبِنْتِ ابْنًا وَأَخًا لِأَبٍ وَكَانَتْ لَهُ أُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ . وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُخْتَهُ فَأَوْلَدَهَا ابْنًا كَانَ الْأَبُ أَبَاهُ وَخَالَهُ ، وَكَانَ الِابْنُ لَهُ ابْنًا وَابْنَ أُخْتٍ ، وَكَانَ لِلْأُخْتِ ابْنًا وَابْنَ أَخٍ ، وَكَانَتْ لَهُ أُمًّا وَعَمَّةً ، وَقَدْ تَتَّفِقُ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَجُوسِيِّ وَقَدْ أَسْلَمُوا أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا فِي مَوَارِيثِهِمْ ، أَوْ كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَعَ الشُّبْهَةِ ، فَإِنِ اجْتَمَعَ فِيهِ عَقْدُ نِكَاحٍ وَقَرَابَةٌ سَقَطَ التَّوْرِيثُ بِالنِّكَاحِ لِفَسَادِهِ وَتَوَارَثُوا بِالْقَرَابَةِ الْمُفْرَدَةِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنِ اجْتَمَعَ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ قَرَابَتَانِ بِنَسَبٍ تُوجِبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْمِيرَاثَ ، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى كَأُمٍّ هِيَ جَدَّةٌ ، أَوْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ ، وَرِثَتْ بِابْنَتِهَا وَأُلْغِيَتِ الْمَحْجُوبَةُ مِنْهُمَا إِجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَ إِحْدَاهُمَا لَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ ، أَوْ أُخْتٌ هِيَ بِنْتٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ تُورَثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ مَعًا أَمْ لَا ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَوَرِّثُهَا بِالْقَرَابَتَيْنِ مَعًا . وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ

عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أُوَرِّثُهَا بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ وَأُسْقِطُ الْأُخْرَى ، وَلَا أَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْمِيرَاثَيْنِ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَحَمَّادٌ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ بِهَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى التَّوْرِيثِ بِالْقَرَابَاتِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَلَمْ يَجُزْ مَعَ النَّصِّ إِسْقَاطُ بَعْضِهَا . قَالُوا : وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ السَّبَبَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ عِنْدَ انْفِصَالِهَا لَا يَمْنَعُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْإِرْثِ بِهِمَا ، كَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأُمٍّ . قَالُوا : لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْقَرَابَتَيْنِ يُفِيدُ فِي الشَّرْعِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ : إِمَّا التَّقْدِيمُ كَأَخٍ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ ، وَإِمَّا التَّفْضِيلُ كَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأُمٍّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمَا لَغْوًا لَا يُفِيدُ تَقْدِيمًا وَلَا تَفْضِيلًا لِمَا فِيهِ مِنْ هَدْمِ الْأُصُولِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَلِذَلِكَ لَمَّ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إِحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [ النِّسَاءِ 11 ] ، فَلَمْ يَزِدِ اللَّهُ تَعَالَى الْبِنْتَ عَلَى النِّصْفِ ، وَهُمْ يَجْعَلُونَ لِلْبِنْتِ إِذَا كَانَتْ بِنْتَ ابْنٍ النِّصْفَ وَالسُّدُسَ ، وَالنَّصُّ يَدْفَعُ هَذَا ، وَلِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ فَرْضَانِ مُقَدَّرَانِ مِنْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ كَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا تَأْخُذُ النِّصْفَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ وَالسُّدُسَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأُمٍّ ، وَلِأَنَّ كُلَّ نَسَبٍ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ التَّوَارُثَ جَعَلَ إِلَيْهِ طَرِيقًا كَالْبُنُوَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ ، فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلْ إِلَى اجْتِمَاعِ هَاتَيْنِ الْقَرَابَتَيْنِ وَجْهًا مُبَاحًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ اجْتِمَاعَ التَّوَارُثِ مِنْهُمَا ، وَقَدْ يَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَدَنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجْتَمِعِ التَّوَارُثُ بِهِمَا كَالْخُنْثَى لَا يَرِثُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى . وَالثَّانِي : أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ إِذَا حَدَثَ عَنْ مَحْظُورٍ لَمْ يَجُزِ التَّوَارُثُ بِهِ كَالْأُخْتِ إِذَا صَارَتْ زَوْجَةً ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَجُوسِيًّا لَوْ تَرَكَ أُخْتًا وَأُمًّا هِيَ أُخْتُهُ ، لَمْ يَخْلُ أَنْ تُحْجَبَ الْأُمُّ إِلَى السُّدُسِ أَوْ لَا تُحْجَبُ ، فَإِنْ لَمْ تُحْجَبْ فَقَدْ كَمَّلَ فَرْضَ الْأُمِّ مَعَ الْمِيرَاثِ الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ حَجَبَتْ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَجَبَهَا بِغَيْرِهَا وَهُمْ قَدْ حَجَبُوهَا بِنَفْسِهَا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِحَجْبِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِ الشَّرْعِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالظَّاهِرِ فَهُوَ حَمْلُ الْمَقْصُودِ بِهَا عَلَى انْفِرَادِ الْأَسْبَابِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْمُعْتَادِ دُونَ النَّادِرِ الشَّاذِّ ، وَلَيْسَ يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ وَمَنَعَ الْعُرْفُ دُونَ مَا جَاءَ الشَّرْعُ بِهِ وَاسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ وَقُرَابَاتُ الْمَجُوسِ الْحَادِثَةِ عَنْ مَنَاكِحِهِمْ لَمْ يَرِدْ بِهَا شَرْعٌ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهَا عُرْفٌ ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى ابْنَيْ أَحَدِهِمَا أَخٌ لِأُمٍّ : لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَهُ وَالْعُرْفَ اسْتَمَرَّ فِيهِ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْقَرَابَتَيْنِ يُفِيدُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَفْضِيلٍ ، فَفَاسِدٌ

بِالْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الزَّوْجِ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي تَأْخُذُهُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى أَنَّ جَمْعَهَا بَيْنَ الْقَرَابَتَيْنِ يَمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ الْأَمْرَيْنِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ تَوْرِيثُ ذِي الْقَرَابَتَيْنِ مِنَ الْمَجُوسِ ، أَوْ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ بِأَقْوَاهُمَا ، نَظَرْتَ ، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى فَالْمُسْقِطَةُ هِيَ الْأَقْوَى وَالتَّوْرِيثُ بِهَا أَحَقُّ ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا لَا تُسْقِطُ الْأُخْرَى فَالتَّوَارُثُ يَكُونُ بِأَقْوَاهُمَا وَاجْتِمَاعِ الْقَرَابَتَيْنِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ التَّوَارُثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي مَنَاكَحِ الْمَجُوسِ يَكُونُ فِي سِتِّ مَسَائِلَ : أَحَدُهُمَا : أَبٌ هُوَ أَخٌ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا أَخًا لِأُمٍّ ، فَهَذَا يَرِثُ لِكَوْنِهِ أَبًا : لِأَنَّ الْأَخَ يَسْقُطُ مَعَ الْأَبِ . وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنٍ ، فَهَذَا يَرِثُ بِأَنَّهُ ابْنٌ . وَالثَّالِثَةُ : بَنْتٌ هِيَ بِنْتُ ابْنٍ فَهَذِهِ تَرِثُ بِأَنَّهَا بِنْتٌ . وَالرَّابِعَةُ : أُمٌّ هِيَ أُخْتٌ ، وَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا أُخْتًا لِأَبٍ فَتَرِثُ بِأَنَّهَا أُمٌّ : لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأُمِّ أَقْوَى مِنْ مِيرَاثِ الْأُخْتِ : لِأَنَّهَا تَرِثُ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ ، وَالْأُخْتُ تَسْقُطُ مَعَهُمَا . وَالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَهِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ ، أَوْ إِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ . . . فَتَرِثُ بِأَنَّهَا بِنْتٌ . وَالْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : جَدَّةٌ هِيَ أُخْتٌ ، فَإِنْ كَانَتِ الْجَدَّةُ أُمَّ الْأُمِّ ، فَإِنَّ الْأُخْتَ لَا تَكُونُ إِلَّا الْأُمَّ وَلَا يَخْلُو حَالُ مَنْ وُجِدَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُورَثَ مَعَهُمْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَرَابَتَيْنِ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَرِثُ مَعَهُمُ الْأُخْتُ وَالْجَدَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تَرِثُ هَذِهِ بِأَنَّهَا جَدَّةٌ أَمْ بِأَنَّهَا أُخْتٌ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَرِثُ بِأَنَّهَا جَدَّةٌ : لِأَنَّ الْجَدَّةَ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ ، وَالْأُخْتُ تَسْقُطُ مَعَ الْأَبِ وَالِابْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أُمًّا تَرِثُ بِأَنَّهَا أُخْتٌ : لِأَنَّ مِيرَاثَ الْجَدَّةِ طُعْمَةٌ وَمِيرَاثَ الْأُخْتِ نَصٌّ ، وَلِأَنَّ فَرْضَ الْجَدَّةِ لَا يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْجَدَّاتِ وَفَرْضَ الْأُخْتِ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَخَوَاتِ ، وَلِأَنَّ الْأَخَوَاتِ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ تَارَةً ، وَبِالتَّعْصِيبِ أُخْرَى ، وَالْجَدَّاتِ لَا يَرِثْنَ إِلَّا بِالْفَرْضِ فَلِهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثِ صَارَتِ الْأُخْتُ أَقْوَى مِنَ الْجَدَّةِ . فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يُورَثُ مَعَهُمْ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْقَرَابَتَيْنِ فَهَذَا يَنْظُرُ ، فَإِنْ كَانَ التَّوَارُثُ مَعَهُمْ يَكُونُ بِالَّتِي جَعَلْنَاهَا أَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ ، مِثْلَ أَنْ يَغْلِبَ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا جَدَّةٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْجَدَّةُ دُونَ الْأُخْتِ ، أَوْ يَغْلِبُ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا أُخْتٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْأُخْتُ دُونَ الْجَدَّةِ فَهَذِهِ تَرِثُ مَعَهُمْ بِالْقَرَابَةِ الَّتِي غَلَبْنَاهَا وَجَعَلْنَاهَا أَقْوَى ، وَإِنْ كَانَ التَّوَارُثُ مَعَهُمْ بِالْقَرَابَةِ

الَّتِي جَعَلْنَاهَا أَضْعَفَ ، مِثْلَ أَنْ يَغْلِبَ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا جَدَّةٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْأُخْتُ دُونَ الْجَدَّةِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ ، أَوْ يَغْلِبُ تَوْرِيثُهَا بِأَنَّهَا أُخْتٌ وَهُمْ مِمَّنْ تَرِثُ مَعَهُمُ الْجَدَّةُ دُونَ الْأُخْتِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تُورَثُ مَعَهُمْ بِالْقَرَابَةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ مَعَهُمْ : لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْأُخْرَى إِنْ لَمْ تَزِدْهَا خَيْرًا لَمْ تَزِدْهَا شَرًّا ، وَلَا يُرَاعَى حُكْمُ الْأَقْوَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالْمُشَارَكَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَسْقُطُ تَوْرِيثُهَا بِأَضْعَفِهِمَا إِذَا لَمْ تَرِثْ بِالْأَقْوَى : لِأَنَّ أَقْوَاهُمَا قَدْ أَسْقَطَ حُكْمَ أَضْعَفِهِمَا حَتَّى كَانَ الْإِدْلَاءُ بِالْأَضْعَفِ مَعْدُومًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى

بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْخُنْثَى تعريفه هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ كَالرِّجَالِ وَفَرْجٌ كَالنِّسَاءِ ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَكَرٌ وَلَا فَرْجٌ وَيَكُونُ لَهُ ثُقْبٌ يَبُولُ مِنْهُ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُشْكَلُ الْحَالِ فَلَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَالْحُكْمُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ ذَكَرِهِ فَهُوَ ذَكَرٌ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الذُّكُورِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْفَرْجُ عُضْوًا زَائِدًا ، وَإِنْ كَانَ بَوْلُهُ مِنْ فَرْجِهِ فَهُوَ أُنْثَى يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِنَاثِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْفَرْجُ عُضْوًا زَائِدًا ، لِرِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ . وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مَاتَ فَتَرَكَ أَوْلَادًا رِجَالًا وَنِسَاءً فِيهِمْ خُنْثَى فَسَأَلُوا مُعَاوِيَةَ فَقَالَ : مَا أَدْرِي ائْتُوا عَلِيًّا بِالْعِرَاقِ قَالَ : فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ : مَنْ أَرْسَلَكُمْ ؟ فَقَالُوا : مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ - : يَرْضَى بِحُكْمِنَا وَيَنْقِمُ عَلَيْنَا ؟ ! بَوِّلُوهُ ، فَمِنْ أَيِّهِمَا بَالَ فَوَرِّثُوهُ . فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ مِنْهُ ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ : أَعْتَبِرُ أَسْبَقَهُمَا وَأَجْعَلُ الْحُكْمَ لَهُ . قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ اللَّبَّانِ الْفَرْضِيُّ : وَقَدْ حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ أَرَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُزَنِيِّ ، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ ، وَمَذْهَبُهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِأَسْبَقِهِمَا ، وَلَوِ اعْتَبَرَ السَّبْقَ كَمَا قَالُوا لَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ حِينَ قَالَ أُرَاعِي أَكْثَرَهُمَا أَفَتُكَيِّلُهُ ؟ وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْخُنْثَى إِذَا أَشْكَلَ حَالُهُ ميراث الخنثي اعْتُبِرَتْ أَضْلَاعُهُ ، فَإِنَّ أَضْلَاعَ الرِّجَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَأَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ ، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْمَالِ عَلَى غَيْرِهِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ خُرُوجَ الْبَوْلِ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِيرَاثِهِ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْطِي الْخُنْثَى أَقَلَّ نَصِيبِهِ مِنْ مِيرَاثِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، وَتُعْطِي الْوَرَثَةُ الْمُشَارِكُونَ لَهُ أَقَلَّ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، وَيُوقِفُ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أُعْطِيهِ أَقَلَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مِيرَاثِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، وَأُقَسِّمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ، وَلَا أُوقِفُ شَيْئًا ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْخُنْثَى فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ إِمَّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، وَرُوِيَ عَنْهُ

أَنَّهُ جَعَلَهُ ذَكَرًا ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَخِيرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ . فَإِنْ تَرَكَ خُنْثَيَيْنِ : قَالَ أَبُو يُوسُفَ إِنَّ لَهُمَا حَالَيْنِ : حَالًا يَكُونَانِ ذَكَرَيْنِ وَحَالًا يَكُونَانِ أُنْثَيَيْنِ ، وَأُعْطِيهِ نِصْفَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادُوا ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : أُنَزِّلُ الْخُنْثَيَيْنِ أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ : ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَيَيْنِ وَالْأَكْبَرُ ذَكَرًا وَالْأَصْغَرُ أُنْثَى ، أَوِ الْأَكْبَرُ أُنْثَى وَالْأَصْغَرُ ذَكَرًا ، وَأُنَزِّلُ الثَّلَاثَةَ ثَمَانِيَةَ أَحْوَالٍ وَالْأَرْبَعَةَ سِتَّةَ عَشَرَ حَالًا ، وَالْخَمْسَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَالًا . وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ دَفْعِ الْأَقَلِّ إِلَيْهِ وَدَفْعِ الْأَقَلِّ إِلَى شُرَكَائِهِ ، وَإِيقَافِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ أَوْلَى لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ دُونَ الشَّكِّ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ يُعَيَّنُ ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ شَكٌّ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَائِرُ أَحْكَامِهِ سِوَى الْمِيرَاثِ لَا يُعْمَلُ فِيهَا إِلَّا عَلَى الْيَقِينِ ، فَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنًا وَوَلَدًا خُنْثَى ، فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِلِابْنِ النِّصْفُ إِنْ كَانَ خُنْثَى رَجُلًا ، وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ كَأَنَّهُ أُنْثَى وَيُوقِفُوا السُّدُسَ ، فَإِنْ بَانَ ذَكَرًا رُدَّ عَلَى الْخُنْثَى ، وَإِنْ بَانَ أُنْثَى رُدَّ عَلَى الِابْنِ ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ لِلْخُنْثَى الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَنْ قَالَ بِتَنْزِيلِ الْأَحْوَالِ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ الثُّلُثُ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ ، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا أُنْثَى سُدُسَانِ وَنِصْفٌ وَلِلِابْنِ لَوْ كَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى الثُّلُثَانِ ، وَلَوْ كَانَ ذَكَرًا النِّصْفُ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ سَبْعَةَ أَسْدَاسٍ ، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا نِصْفٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ . وَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَتَرَكَ وَلَدًا خُنْثَى وَعَمًّا ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِلْبِنْتِ الثُّلُثِ وَلِلْخُنْثَى الثُّلُثُ : لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مَوْقُوفٌ لَا يُدْفَعُ إِلَى الْعَمِّ ، فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا رُدَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ بَانَ أُنْثَى دُفِعَ إِلَى الْعَمِّ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُدْفَعُ الثُّلُثُ الْبَاقِي إِلَى الْعَمِّ ، وَلَا يُوقَفُ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ حَالَيْنِ قَالَ لِلْبِنْتِ الثُّلُثُ فِي الْحَالَيْنِ فَيُدْفَعُ إِلَيْهَا ، وَلِلْخُنْثَى السُّدُسُ إِنْ كَانَ ذَكَرًا الثُّلُثَانِ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى الثُّلُثُ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ الْكُلُّ ، وَكَانَ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا النِّصْفُ فَيَأْخُذُهُ ، وَلِلْعَمِّ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى الثُّلُثُ ، وَلَيْسَ لَهُ إِنْ كَانَ ذَكَرًا شَيْءٌ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ الثُّلُثُ ، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا السُّدُسُ ، وَيُقَسَّمُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ ، وَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا وَخُنْثَى ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هُوَ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا : لِأَنَّ الْخُنْثَى إِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهُوَ مِنْ خَمْسَةٍ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَمِنْ أَرْبَعَةٍ ، فَصَارَ مَجْمُوعُ الْفَرِيضَتَيْنِ مِنْ عِشْرِينَ ، وَهُوَ مَضْرُوبٌ خَمْسَةً فِي أَرْبَعَةٍ لِلِابْنِ الْخُمُسَانِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ ،

وَلِلْبِنْتِ الْخَمُسُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْخُنْثَى الرُّبُعُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَيُوقَفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى رُدَّ عَلَيْهِ ، فَصَارَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ كَالِابْنِ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى رُدَّ مِنْهَا عَلَى الِابْنِ سَهْمَانِ ، وَعَلَى الْبِنْتِ سَهْمٌ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ وَلِلْخُنْثَى سَهْمٌ وَلَا يُوقَفُ شَيْءٌ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ حَالَيْنِ يَقُولُ هِيَ مِنْ عِشْرِينَ لِلِابْنِ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا ثَمَانِيَةٌ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى عَشَرَةٌ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْبِنْتِ إِنْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا أَرْبَعَةٌ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى خَمْسَةٌ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ تِسْعَةٌ ، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلِلْخُنْثَى إِنْ كَانَ ذَكَرًا ثَمَانِيَةٌ ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى خَمْسَةٌ ، فَصَارَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، فَكَانَ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا سِتَّةٌ وَنِصْفٌ وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعِينَ لِنُزُولِ الْكَسْرِ ، فَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا خُنْثَى وَوَلَدَ ابْنِ خُنْثَى وَعَمًّا ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَيُوقِفُ السُّدُسَ بَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَالْخُنْثَيَيْنِ : لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا وَيُوقِفُ الثُّلُثَ بَيْنَ الْعَمِّ وَالْخُنْثَيَيْنِ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَلِوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ حَالَيْنِ يَقُولُ إِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ فَلِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَلِوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ ، فَيَأْخُذُ الْوَلَدُ نِصْفَ الْحَالَيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ ، وَيَأْخُذُ وَلَدُ الِابْنِ نِصْفَ الْحَالَيْنِ وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ ، وَيَأْخُذُ الْعَمُّ نِصْفَ الْحَالَيْنِ وَهُوَ السُّدُسُ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُنَزِّلُ بِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ يُنَزِّلُهَا أَرْبَعَةَ أَحْوَالٍ فَيَقُولُ : إِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَا اثْنَتَيْنِ فَلِلْوَلَدِ النِّصْفُ وَلِوَلَدِ الِابْنِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَوَلَدُ الِابْنِ أُنْثَى ، فَالْمَالُ لِلْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى وَوَلَدُ الِابْنِ ذَكَرًا فَلِلْوَلَدِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي لَوَلَدِ الِابْنِ ، فَصَارَ لِلْوَلَدِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَحْوَالِ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ ، فَكَانَ لَهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ رُبُعُهَا وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَالٍ ، وَلِوَلَدِ الِابْنِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَحْوَالِ ثُلُثُ الْمَالِ ، فَكَانَ لَهُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ رُبُعُ ذَلِكَ وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ ، ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

فَصْلٌ فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ

فَصْلٌ : فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ حَمْلًا يَرِثُهُ ، نُظِرَ حَالَةُ وَرَثَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ يَحْجُبُهُمْ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْجُبُهُمْ وَلَكِنْ يُشَارِكُهُمْ فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ مَا يُوقَفُ لِلْحَمْلِ ، فَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُوقَفُ لِلْحَمْلِ نَصِيبُ غُلَامٍ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْوَرَثَةِ ضَمِينٌ ، وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ نَصِيبُ أُنْثَى ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ نَصِيبُ أَرْبَعَةٍ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مَنْ وَجَدَ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ . وَرَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ فَقَالَ سَأَلْتُ شَرِيكًا فَقَالَ يُوقَفُ نَصِيبُ أَرْبَعَةٍ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ بَنِي ابْنِ إِسْمَاعِيلَ أَرْبَعَةً وُلِدُوا فِي بَطْنٍ : مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ ، قَالَ يَحْيَى : وَأَظُنُّ الرَّابِعَ إِسْمَاعِيلَ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُوقَفُ

سَهْمُ مَنْ يُشَارِكُ الْحَمْلَ فِي مِيرَاثِهِ حَتَّى يُوضَعَ فَيَتَبَيَّنَ حُكْمُهُ ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَتَقَدَّرْ أَقَلُّ مِنْ فَرْضِهِمْ : لِأَنَّ عَدَدَ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ عَلَى الْيَقِينِ وَالْمِيرَاثُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّكِّ وَلَا بِالْغَالِبِ الْمَعْهُودِ ، وَلَيْسَ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْدِيرِهِ بِالْوَاحِدِ أَوْ بِالِاثْنَيْنِ أَوْ بِالْأَرْبَعَةِ وَجْهٌ ، لِجَوَازِ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ الْيَمَنِ طَالِبًا لِلْعِلْمِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ ، أَنَّ امْرَأَةً بِالْيَمَنِ وَضَعَتْ حَمْلًا كَالْكَرِشِي وَظَنَّ أَلَّا وَلَدَ فِيهِ ، فَأُلْقِيَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَحَمَى بِهَا تَحَرَّكَ فَأَخَذَ وَشَقَّ فَخَرَجَ مِنْهُ سَبْعَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ عَاشُوا جَمِيعًا ، وَكَانُوا خُلُقًا سَوِيًّا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي أَعْضَائِهِمْ قَصْرٌ ، قَالَ : وَصَارَعَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَصَرَعَنِي فَكُنْتُ أُعَيَّرُ بِالْيَمَنِ ، فَيُقَالُ لِي : صَرَعَكَ سُبُعُ رَجُلٍ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُجَوَّزًا وَإِنْ كَانَ نَادِرًا جَازَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ ابْنًا وَزَوْجَةً حَامِلًا فَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ لَا يَنْقُصُهَا الْحَمْلُ مِنْهُ ، وَلَا يَدْفَعُهَا عَنْهُ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِابْنِ ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَهُ النِّصْفُ ، وَيُوقَفُ النِّصْفُ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَهُ الثُّلُثُ وَيُوقَفُ الثُّلُثَانِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ الْخَمُسُ وَتُوقَفُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُوقَفُ الْجَمِيعُ حَتَّى يُوضَعَ الْحَمْلُ ، وَلَوْ تَرَكَتِ الْأُمُّ زَوْجًا وَابْنَ عَمٍّ وَأُمًّا حَامِلًا ، وَطَلَبَتِ الْوَرَثَةُ أَنْصِبَاءَهُمْ نُظِرَ فِي حَمْلِ الْأُمِّ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ أُعْطِيَ الزَّوْجُ النِّصْفَ وَالْأُمُّ السُّدُسَ : لِأَنَّهَا مَا تَلِدُ اثْنَيْنِ فَيَحْجُبَانِهَا وَيُوقَفُ الثُّلُثُ ، فَإِنْ وَلَدَتِ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ دُفِعَ الثُّلُثُ إِلَيْهِمْ ، فَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدًا دُفِعَ إِلَيْهِ السُّدُسُ وَرُدَّ السُّدُسُ الْبَاقِي عَلَى الْأُمِّ لِتَسْتَكْمِلَ الثُّلُثَ ، فَإِنْ وَضَعَتْ مَيِّتًا كَمَّلَ لِلْأَبِ الثُّلُثَ وَدُفِعَ السُّدُسُ إِلَى ابْنِ الْعَمِّ وَيَنْبَغِي لِزَوْجِ الْأُمِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ وَطْئِهَا لِيَعْلَمَ تَقَدُّمَ حَمْلِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَوَطِئَهَا نُظِرَ ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَفَاةِ كَانَ الْوَلَدُ وَارِثًا لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ بِهِ عَلَى الْوَفَاةِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَمْ تَرْثِ لِإِمْكَانِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ إِلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَرَثَةُ بِتَقَدُّمِهِ فَيَرِثُ هَذَا إِذَا كَانَ حَمْلُهَا مِنْ غَيْرِ الْأَبِ . فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْأُمُّ حَامِلًا مِنْ أَبِي الْمَيِّتَةِ دُفِعَ إِلَى الزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ وَإِلَى الْأُمِّ الثُّمُنُ وَوُقِفَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِهِ : لِأَنَّهَا قَدْ تَلِدُ بِنْتَيْنِ فَيَكُونَا أُخْتَيْنِ مِنْ أَبٍ فَتَعُولُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ ، فَإِنْ وَضَعَتِ اثْنَيْنِ بَنِينَ أَخَذَ الْمَوْقُوفَ ، وَإِنْ وَضَعَتْ بِنْتًا وَاحِدَةً دُفِعَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَوْقُوفِ بِثَلَاثَةِ أَثْمَانِ الْمَالِ وَرُدَّ الثُّمُنُ الْبَاقِي عَلَى الْأُمِّ ، وَإِنْ وَضَعَتِ ابْنًا كُمِّلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَدُفِعَ الْبَاقِي إِلَى الِابْنِ . وَإِنْ وَضَعَتِ ابْنَتَيْنِ كُمِّلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَدُفِعَ الْبَاقِي إِلَى الِابْنَتَيْنِ . وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَزَوْجَةَ أَبٍ حَامِلًا مِنْهُ أُعْطِيَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الْمَالِ ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ ، وَوُقِفَ السُّبُعُ الْبَاقِي ، فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَرِثْ وَلَمْ تَرِثْ أُخْتُهُ وَرُدَّ السُّبُعُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ نِصْفَيْنِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى أَوْ إِنَاثًا دُفِعَ السُّبُعُ الْمَوْقُوفُ إِلَى الْمَوْلُودَةِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

فَصْلٌ بَابٌ فِي الِاسْتِهْلَالِ

فَصْلٌ : بَابٌ فِي الِاسْتِهْلَالِ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا رَكَضَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ

رَكْضَتِهِ إِلَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، ثُمَّ قَرَأَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [ آلِ عِمْرَانَ 36 ] ، فَمَتَى اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ . رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : إِنِ اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ وَالِاسْتِهْلَالُ هُوَ الصُّرَاخُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : إِهْلَالُ الْحَجِّ لِرَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ بِالتَّلْبِيَةِ ، وَسُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا لِاسْتِهْلَالِ النَّاسِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ، فَأَمَّا مَا سِوَى الِاسْتِهْلَالِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ، فَحُكِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الِاسْتِهْلَالِ مَقَامَ الِاسْتِهْلَالِ ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : الْعُطَاسُ اسْتِهْلَالٌ وَيُورَثُ بِهِ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ : الْبُكَاءُ وَالْعُطَاسُ اسْتِهْلَالٌ وَيَرِثُ بِالثَّلَاثَةِ لَا غَيْرَ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالصَّحَابَةُ بِأَيِّ وَجْهٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ مِنْ حَرَكَةٍ ، أَوْ صِيَاحٍ ، أَوْ بُكَاءٍ ، أَوْ عُطَاسٍ وَرِثَ وَوُرِثَ : لِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الْمِيرَاثِ فَبِأَيِّ وَجْهٍ عُلِمَتْ فَقَدْ وَجُدِتْ وَوُجُودُهَا مُوجِبٌ لِتَعَلُّقِ الْإِرْثِ بِهَا ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِذَا اسْتَهَلَّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ مَيِّتًا ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : إِذَا اسْتَهَلَّ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ وَرِثَ وَوُرِثَ وَإِنْ خَرَجَ بَاقِيهِ مَيِّتًا . وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرِثُ إِلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ انْفِصَالِهِ : لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَمْلِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِهِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ ؟ وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَمَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ وَزَوْجَةً حَامِلًا فَوُلِدَ لَهُ ابْنًا وَبِنْتًا فَاسْتَهَلَّ الِابْنُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ ، ثُمَّ اسْتَهَلَّتِ الْبِنْتُ بَعْدَهُ ثُمَّ مَاتَتْ ، فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ : لِأَنَّ فِيهَا زَوْجَةً وَثَلَاثَةَ بَنِينَ وَبِنْتًا ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْمُسْتَهِلُّ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْهَا . وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتًا فَعَادَتِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى بِالِاخْتِصَارِ إِلَى سِتَّةٍ : لِأَنَّ الْبَاقِيَ سِتَّةٌ ، ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ الْمُسْتَهِلَّةُ عَنْ سَهْمٍ مِنْهَا وَمَسْأَلَتُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ : لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ فَاضْرِبْهَا فِي السِّتَّةِ الَّتِي رَجَعَتِ الْمَسْأَلَةُ إِلَيْهَا يَكُنِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَخَذَهُ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي وَاحِدٍ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ سِتَّةٍ فَهُوَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ ، فَلَوْ كَانَتِ الْبِنْتُ هِيَ الْمُسْتَهِلَّةُ أَوَّلًا وَمَاتَتْ ، ثُمَّ اسْتَهَلَّ الِابْنُ بَعْدَهَا وَمَاتَ فَقَدْ مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنْ سَهْمٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ : لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ ، فَاضْرِبِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ فِي الثَّمَانِيَةِ يَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ ، مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَمِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي وَاحِدٍ هُوَ تَرِكَةُ الْبِنْتُ الْمُسْتَهِلَّةُ . فَعَلَى هَذَا كَانَ لِلِابْنِ الْمُسْتَهِلِّ بَعْدَهَا سَهْمَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، وَلَهُ خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي وَاحِدٍ ، فَصَارَ مَالُهُ مِنْهَا أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَمَسْأَلَتُهُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ : لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ وَهِيَ لَا تُوقِفُ تَرِكَتَهُ بِشَيْءٍ ، فَاضْرِبِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ تَكُنْ أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا ، وَمِنْهَا

يَصِحُّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ ، فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ أُمًّا وَأَخًا وَأُمَّ وَلَدٍ حَامِلًا مِنْهُ فَوَلَدَتِ ابْنًا وَبِنْتًا تَوْءَمَيْنِ فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَوُجِدَا مَيِّتَيْنِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ الْمُسْتَهِلُّ فَالْعَمَلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَمَلِ الْمُنَاسَخَاتِ : لِأَنَّ الْوَارِثَ الْمُسْتَهِلَّ قَدْ صَارَ مَوْرُوثًا وَبَيْنَ عَمَلِ مَسَائِلِ الْمَعْقُودِ لِاسْتِخْرَاجِ أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَنَقُولُ إِنْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الْمُسْتَهِلُّ فَلِلِأُمِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ : لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَعَمًّا ، فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْأُمِّ مِنْهَا سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ ثَلَاثَةً وَلِأُمِّ الْوَلَدِ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسٍ تَكُنْ خَمْسَةً وَلِلْعَمِّ سَهْمَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي خَمْسَةٍ تَكُنْ عَشَرَةً . وَإِنْ كَانَتِ الْبِنْتُ هِيَ الْمُسْتَهِلَّةُ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ ، ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ : لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَعَمًّا فَيَنْقَسِمُ سِهَامُهَا عَلَيْهِمَا السِّتَّةُ تَدْخُلُ فِي الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ تُوَافِقُهَا بِالْأَسْدَاسِ ، مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي سُدُسِ الْأُخْرَى فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهُوَ لَهَا : لِأَنَّ لَهَا مِنَ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ فِي سُدُسِ السِّتَّةِ وَهُوَ وَاحِدٌ تَكُنْ ثَلَاثَةً وَلَهَا مِنَ السِّتَّةِ وَاحِدٌ مَضْرُوبٌ فِي سُدُسِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَكُنْ ثَلَاثَةً فَاسْتَوَى سَهْمُهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَأَخَذَتْهُ وَلِأُمِّ الْوَلَدِ الْأُولَى خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبَةٌ فِي سُدُسِ السِّتَّةِ وَهُوَ وَاحِدٌ يَكُنْ خَمْسَةً وَلَهَا مِنَ السِّتَّةِ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ مَضْرُوبٌ فِي سُدُسِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ يَكُنْ ثَلَاثَةً فَتُعْطَى ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ : لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ ، وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُولَى عَشَرَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي وَاحِدٍ تَكُنْ عَشَرَةً وَلَهُ مِنَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ فَيُعْطَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ : لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ ، وَيُوقَفُ سَهْمَانِ مِنَ الْعَمِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِلْأُمِّ ، ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ

بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ الْمُزَنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " احْتِجَاجٌ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ يُؤَوِّلُ الْآيَةَ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ لَهُمُ الشَّافِعِيُّ : لَوْ كَانَ تَأْوِيلُهَا كَمَا زَعَمْتُمْ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهَا قَالُوا فَمَا مَعْنَاهَا ؟ قُلْنَا تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ ، ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [ الْأَحْزَابِ : 6 ] عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَا مُطْلَقًا ، أَلَا تَرَى الزَّوْجَ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا رَحِمَ لَهُ ؟ أَوَلَا تَرَى أَنَّكُمْ تُعْطُونَ ابْنَ الْعَمِّ الْمَالَ كُلَّهُ دُونَ الْخَالِ وَأَعْطَيْتُمْ مَوَالِيَهُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الْأَخْوَالِ فَتَرَكْتُمُ الْأَرْحَامَ وَأَعْطَيْتُمْ مَنَ لَا رَحِمَ لَهُ ؟ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ تَوْرِيثُهُمْ مَعَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ لَهُمُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِعُدُولِ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ حَقِّهِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةً وَإِنْ بَعُدَتْ وَلَا ذُو فَرْضٍ بِرَحِمٍ وَلَا مَوْلًى مُعْتَقٌ ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ ذَوُو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ لَهُمُ الْمِيرَاثَ مَعَ عَدَمِهِ وَوَرَثَتُهُ ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَدَدْنَا قَوْلَهُ وَأَوْضَحْنَا فَسَادَهُ ، وَإِذَا صَحَّ تَوْرِيثُهُمْ فَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَتَفَرَّعُونَ ، وَهُمُ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ أَبِي الْأُمِّ وَالْخَالُ وَأَوْلَادُهُ وَالْخَالَةُ وَأَوْلَادُهَا وَالْعَمَّةُ وَأَوْلَادُهَا وَوَلَدُ الْبَنَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَوَلَدُ الْأَخَوَاتِ وَوَلَدُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَأَوْلَادُهُمْ ، فَاخْتَلَفَ مُوَرِّثُوهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ إِلَى تَوْرِيثِهِمْ بِالْقَرَابَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ وَلَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَإِنْ سَفَلُوا ، ثُمَّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ وَلَدُ أَبَوَيِ الْأَبَوَيْنِ يَجْعَلُونَ وَلَدَ كُلِّ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَقْرَبَ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ فِي الْخَالَاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ وَالْعَمَّاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ إِذْ أَحَقَّهُنَّ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ كَانَ لِأَبٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ كَانَ لِأُمٍّ ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ مُوَرِّثِيهِمْ إِلَى التَّنْزِيلِ فَيَقُولُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْلَى بِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ مِنْ عَصَبَةٍ أَوْ ذِي فَرْضٍ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَلْقَمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَاللُّؤْلُئِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَحْوُهُ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَيَجْعَلُونَ وَلَدَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِمْ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ بِمَنْزِلَةِ آبَائِهِمْ وَالْأَخْوَالَ وَالْخَالَاتِ وَآبَاءَ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَخَالَ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ وَخَالَ الْأَبِ بِمَنْزِلَةٍ أُمِّ الْأَبِ ، وَالْعَمَّ لِلْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ .

فَأَمَّا الْعَمَّاتُ فَاخْتَلَفَ الْمُنَزِّلُونَ فِيهِنَّ فَنَزَّلَهُمْ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْعَمِّ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ وَضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ وَكَأَنَّهُمْ ذَكَّرُوهُنَّ ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ أَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْعَمَّةَ مَنْزِلَةَ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَوَلَدَ الْأَخَوَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ وَنُزُولُهَا مَعَ غَيْرِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ، وَاخْتَلَفَ الْمُنَزِّلُونَ فِي تَوْرِيثِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، فَالْمَعْمُولُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ أَقْرَبَهُمْ أَوْلَى بِوَارِثٍ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ ، فَإِنِ اسْتَوَوْا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبَ مَنْ أَدْلَى بِهِ ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ ذِي رَحِمٍ بِمَنْزِلَةِ سَبَبِهِ وَإِنْ بَعُدَ ، فَوَرَّثُوا الْبَعِيدَ مَعَ الْقَرِيبِ إِذَا كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ ، فَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَّثُوا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّنْزِيلِ فِي تَنْزِيلِ وَارِثِ الْأُمِّ مِثْلَ ابْنِ أَخِيهَا وَعَمِّهَا وَابْنِ عَمِّهَا وَابْنِ أَبِيهَا وَأُمِّ جَدِّهَا هَلْ يُنَزِّلُونَ فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ بِمَنْزِلَتِهَا وَإِنْ بَعُدُوا مِنْهَا ، أَوْ يُنَزِّلُونَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ يُنَزِّلُونَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : لَقَبُ الْأُمِّ ، ثُمَّ أَجْعَلُهَا لِوَرَثَتِهَا ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى ، فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا وَلَدَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ مِنَ الْأُمِّ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَبِالْجُمْهُورِ مِنْ قَوْلِ الْمُنَزِّلِينَ يُفْتَى وَعَلَيْهِ يُعْمَلُ : لِأَنَّهُ أَجْرَى عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ أَهْلَ الْقَرَابَةِ : فَلِذَلِكَ ذَهَبْنَا إِلَيْهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْبَنَاتِ

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْبَنَاتِ إِذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَثَلَاثَةَ بَنَاتِ بِنْتٍ ثَانِيَةٍ وَأَرْبَعَ بَنَاتِ بِنْتٍ ثَالِثَةٍ ، فَالْمَالُ فِي الْأَصْلِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ بِعَدَدٍ مَنْ أَدْلَيْنَ بِهِ مِنَ الْأُمَّهَاتِ ، ثُمَّ يَجْعَلُ كُلَّ سَهْمٍ لِوَلَدِهَا ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا الثُّلُثُ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا لِبِنْتِ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ ، وَاثْنَا عَشَرَ سَهْمًا لِثَلَاثِ بَنَاتٍ الْبِنْتُ الثَّانِيَةُ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَاثْنَا عَشَرَ سَهْمًا لِأَرْبَعِ بَنَاتٍ الْبِنْتُ الثَّالِثَةُ أَرْبَاعًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُقَسَّمُ بَيْنَهُنَّ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَثْمَانًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمٌ ، كَمَا يُقَسَّمُ بَيْنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى أَعْدَادِهِمْ وَلَا يُعْتَبَرُ أَعْدَادُ آبَائِهِمْ كَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنَ ابْنٍ وَخَمْسَةَ بَنِي ابْنٍ آخَرَ قَسَّمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ أَسْدَاسًا عَلَى أَعْدَادِهِمْ وَلَمْ يُقَسِّمْ نِصْفَيْنِ عَلَى أَعْدَادِ آبَائِهِمْ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ الْعَصَبَاتِ يَرِثُونَ بِأَنْفُسِهِمْ : فَلِذَلِكَ قَسَّمَ عَلَى عَدَدِهِمْ ، وَذَوُو الْأَرْحَامِ يُدْلُونَ بِغَيْرِهِمْ فَقَسَّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ مَعَ أُخْتِهِ وَبِنْتَ بِنْتٍ أُخْرَى كَانَ لِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنِ الْبِنْتِ مَعَ أُخْتِهِ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَبِيدٍ وَإِسْحَاقَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ كَانَ لِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ سَهْمُ أُمِّهَا وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ سَهْمُ أَبِيهَا

وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَيْهَا فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ : لِأَنَّهَا أَقْرَبُ ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ ، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ . أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَلِأَنَّهَا بَعْدَ دَرَجَةِ بِنْتِ ابْنِ وَارِثَةٍ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْبُعْدِ ، وَهَذِهِ تُدْلِي بِوَارِثٍ ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الدُّرَجِ يُقَدَّمُ مَنْ أَدْلَى بِوَارِثٍ ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ وَابْنَ ابْنِ بِنْتِ ابْنٍ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ ابْنِ بِنْتِ الِابْنِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ : لِأَنَّهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الدُّرَجِ أَقْرَبُ إِدْلَاءً بِوَارِثٍ .

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْأَخَوَاتِ

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْأَخَوَاتِ وَإِذَا تَرَكَ بِنْتَ أُخْتٍ وَابْنَيْ أُخْتٍ أُخْرَى كَانَ النِّصْفُ لِبِنْتِ الْأُخْتِ وَالنِّصْفُ لِابْنَيِ الْأُخْتِ الْأُخْرَى ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنَ أُخْتٍ لِأَبٍ كَانَ لِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَيْهِمْ وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ . فَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ أُخْتٍ لِأَبٍ مَعَ أَخِيهَا وَابْنَ أُخْتٍ لِأُمٍّ مَعَ أُخْتِهِ كَانَ لِوَلَدِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَلِوَلَدِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ الرُّبُعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ . فَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَثَلَاثَ بَنَاتٍ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَصْلِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ : سَهْمٌ لِابْنِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَسَهْمٌ لِابْنِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ وَبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ سَهْمًا .

فَصْلٌ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ

فَصْلٌ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَإِذَا تَرَكَ بِنْتَيْ أَخٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ أَخٍ آخَرَ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَ بِنْتَيِ الْأَخِ نِصْفَيْنِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ خَمْسِ بَنَاتِ الْأَخِ الْآخَرِ عَلَى خَمْسَةٍ ، وَتَصِحُّ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ ، فَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ إِخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ كَانَ لِبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ : لِأَنَّ أَبَاهَا مَعَ أَخَوَيْهَا غَيْرُ وَارِثٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَالُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ . وَلَوْ تَرَكَ ابْنَ أَخٍ لِأُمٍّ مَعَ أُخْتِهِ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ السُّدُسُ بَيْنَ ابْنِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْأَخِ مِنَ

الْأُمِّ نِصْفَيْنِ وَلِبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ الْبَاقِي ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لِابْنِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْأَخِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ كَأَنَّهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأُمِّ مِنَ الْأَبِ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ . وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ أَخٍ لِأُمٍّ وَابْنَ أَخٍ لِأُمٍّ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ ، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ . وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لِوَلَدِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى عَدَدِهِمْ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْأَخَوَاتِ مَعَ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْأَخَوَاتِ مَعَ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَإِذَا تَرَكَ بِنْتَيْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمٌ نَصِيبُ أَبِيهِ ، وَلِابْنَتَيِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَانِ نَصِيبُ أَبِيهِمَا ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ لِبِنْتِي الْأَخِ أَرْبَعَةٌ كَأَنَّهُمَا أَخَوَانِ ، وَلِابْنِ الْأُخْتِ سَهْمٌ كَأَنَّهُ أُخْتٌ . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِابْنِ الْأُخْتِ سَهْمَانِ وَلِبِنْتَيِ الْأَخِ سَهْمَانِ يُقَسَّمُ عَلَى رُءُوسِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ . فَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ لِابْنَيِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لِابْنَيِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأَبِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ لِابْنَيِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ . وَلَوْ تَرَكَ ابْنَ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَهُ أُخْتُهُ وَبِنْتَيْ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتَ أُخْتٍ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : لِابْنِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَلِبِنْتَيِ الْأَخِ لِلْأَبِ ثُلُثَا مَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمَانِ ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لِوَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ وَلِابْنَتَيِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْبَاقِي ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِبِنْتِ الْأُخْتِ . وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبِنْتَ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ . وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَبِنْتَ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ كَانَ لِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ ابْنِ الْأَخِ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَالُ بَيْنَ بَنَاتِ الْأَخَوَاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِبِنْتِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ .

فَصْلٌ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ

فَصْلٌ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ خَالَةٌ مِنْ أُمٍّ وَعَمَّةٌ مِنْ أَبٍ وَأُمٌّ الإرث ، لِلْخَالَةِ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي لِلْعَمَّةِ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ ، وَكَذَلِكَ إِنْ

كَانَتِ الْخَالَةُ مِنْ أَبِ عَمَّةٍ لِأُمٍّ وَبِنْتُ خَالَةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ الْمَالُ لِلْعَمَّةِ لِلْأُمِّ : لِأَنَّهَا أَقْرَبُ خَالَةٍ لِأُمٍّ وَبِنْتُ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، الْمَالُ لِلْخَالَةِ : لِأَنَّهَا أَقْرَبُ . ثَلَاثُ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثُ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ الإرث ، الثُّلُثُ بَيْنِ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّاتِ عَلَى خَمْسَةٍ ، لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ مُفْتَرِقَاتٌ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الثُّلُثُ لِلْخَالَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ . عَمَّةٌ لِأَبٍ وَخَالَتَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَخَالٌ وَخَالَةٌ لِأَبٍ لِلْعَمَّةِ الثُّلُثُ وَلِلْخَالَتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَبَاقِي الثُّلُثِ لِلْخَالِ ، وَالْخَالُ مِنَ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ : عَمَّتَانِ مِنْ أَبٍ وَعَمٍّ وَعَمَّةٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ مِنْ أَبٍ ، تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا : لِلْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ رُبُعُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْخَالَةِ مِنَ الْأَبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وَبَاقِي الثُّلُثِ لِلْخَالِ وَلِلْعَمَّتَيْنِ مِنَ الْأَبِ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ أَسْهُمٍ ، وَلِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ مِنَ الْأُمِّ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ . خَالٌ وَخَالَةٌ مِنْ أَبٍ وَخَالٌ وَخَالَةٌ مِنْ أُمٍّ وَعَمَّةٍ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَعَمَّةٍ مِنْ أَبٍ الإرث تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ سَهْمًا : لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ ثُلُثُ الثُّلُثِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلِلْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا ، وَلِلْعَمَّةِ مِنَ الْأَبِ رُبُعُ الثُّلُثَيْنِ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ . خَالٌ وَخَالَةٌ مِنْ أُمٍّ وَبِنْتُ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ الإرث الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْعَمِّ ، وَفِي قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَبْعَدُ وَأَقْرَبُ ، وَيُورِثُونَ كُلَّ ذَكَرٍ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَّا وَلَدَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ .

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ

فَصْلٌ فِي وَلَدِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثِ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ الإرث . الثُّلُثُ بَيْنَ ثَلَاثِ بَنَاتِ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ بَنَاتِ الْعَمَّاتِ الْمُفْتَرِقَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ كَأُمَّهَاتِهِنَّ ، وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الثُّلُثُ لِبِنْتِ الْخَالَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ . ثَلَاثُ بَنَاتِ ثَلَاثَةِ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ وَبِنْتُ عَمَّةٍ مِنْ أَبٍ وَبِنْتُ عَمَّةٍ مِنْ أُمٍّ الإرث سُدُسُ الثُّلُثِ لِبَنَاتِ الْخَالِ مِنَ الْأُمِّ وَبَاقِيهِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لِبِنْتِ الْخَالِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَتَسْقُطُ مَعَهَا بِنْتُ الْخَالِ مِنَ الْأَبِ لِسُقُوطِ أَبِيهَا مَعَ أَبَوَيْهَا ، وَيَكُونُ الثُّلُثَانِ بَيْنَ بِنْتَيِ الْعَمَّتَيْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا لِبِنْتِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَسَهْمٍ لِبِنْتِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأُمِّ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ . ابْنٌ وَبِنْتُ خَالٍ مِنْ أُمٍّ وَخَمْسُ بَنَاتِ خَالَةٍ مِنْ أُمٍّ وَبِنْتُ عَمٍّ وَابْنَا عَمَّةٍ مِنْ أُمٍّ الإرث نِصْفُ الثُّلُثِ بَيْنِ الِابْنِ وَابْنَةِ الْخَالِ مِنَ الْأُمِّ نِصْفَيْنِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بَيْنَ بَنَاتِ الْخَالَةِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أَعْدَادِهِنَّ أَخْمَاسًا ، وَلِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ نِصْفُ الثُّلُثَيْنِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بَيْنَ ابْنَيِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأُمِّ ، فَيَأْخُذُ كُلُّ فَرِيقٍ نَصِيبَ مِنْ يُدْلِي بِهِ ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتِّينَ سَهْمًا . ابْنُ خَالٍ مِنْ أُمٍّ وَبِنْتُ خَالَةٍ مِنْ أَبٍ وَبِنْتُ عَمَّةٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ الإرث ، فَلِابْنِ الْخَالِ مِنَ الْأُمِّ رُبُعُ الثُّلُثِ وَلِبِنْتِ الْخَالَةِ مِنَ الْأَبِ

ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَلِابْنِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبِ رُبُعُ الثُّلُثَيْنِ وَلِبِنْتِ الْعَمَّةِ مِنَ الْأَبِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ ، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا .

فَصْلٌ فِي خَالَاتِ الْأُمِّ وَعَمَّاتِهَا وَخَالَاتِ الْأَبِ وَعَمَّاتِهِ

فَصْلٌ : فِي خَالَاتِ الْأُمِّ وَعَمَّاتِهَا وَخَالَاتِ الْأَبِ وَعَمَّاتِهِ خَالَةُ أُمٍّ وَخَالَةُ أَبٍ الإرث فَخَالَةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ وَخَالَةُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأَبِ فَصَارَتَا جَدَّتَيْنِ ، فَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَعَلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الْقَرَابَةِ لِخَالَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِخَالَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ . وَعَمَّةُ أُمٍّ وَعَمَّةُ أَبٍ الإرث فَعَمَّةُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ وَهُوَ وَارِثٌ وَعَمَّةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ، فَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِعَمَّةِ الْأَبِ . وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ لِعَمَّةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِعَمَّةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ . وَخَالَةُ أُمٍّ وَعَمَّةُ أَبٍ الإرث لِخَالَةِ الْأُمِّ السُّدُسُ : لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةٍ أُمِّ الْأُمِّ ، وَالْبَاقِي لِعَمَّةِ الْأَبِ : لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ . خَالَةُ أُمٍّ وَعَمَّةُ أُمٍّ وَخَالَةُ أَبٍ وَعَمَّةُ أَبٍ الإرث لِخَالَةِ الْأُمِّ وَخَالَةُ الْأَبِ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَدَّتَيْنِ ، وَالْبَاقِي لِعَمَّةِ الْأَبِ : لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ وَلَا شَيْءَ لِعَمَّةِ الْأُمِّ : لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِ الْأُمِّ . ثَلَاثُ خَالَاتٍ وَثَلَاثُ عَمَّاتِ أَبٍ كُلِّهِنَّ مُفْتَرِقَاتٍ وَثَلَاثُ عَمَّاتٍ وَثَلَاثَةُ أَعْمَامٍ وَثَلَاثُ خَالَاتِ أُمٍّ كُلِّهِنَّ مُفْتَرِقِينَ الإرث فَنِصْفُ السُّدُسِ بَيْنَ خَالَاتِ الْأُمِّ عَلَى خَمْسَةٍ ، وَنِصْفُ السُّدُسِ بَيْنَ خَالَاتِ الْأَبِ عَلَى خَمْسَةٍ : لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلَةِ جَدَّتَيْنِ ، وَالْبَاقِيَ بَعْدَ السُّدُسِ بَيْنَ عَمَّاتِ الْأَبِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ ، وَتَسْقُطُ أَعْمَامُ الْأُمِّ وَعَمَّاتُهَا لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ . ابْنُ عَمٍّ مَعَهُ أُخْتُهُ وَبِنْتُ خَالٍ وَبِنْتُ خَالِ أُمٍّ مَعَ أَخِيهَا وَابْنُ خَالِ أَبٍ مَعَهُ أُخْتُهُ الإرث ، فَالنِّصْفُ بَيْنَ بِنْتِ خَالِ الْأُمِّ وَأُخْتِهَا أَثْلَاثًا : لِأَنَّهُمَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ ابْنِ خَالِ الْأَبِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا : لِأَنَّهُمَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأَبِ ، وَلَا شَيْءَ لِابْنِ عَمِّ الْأُمِّ وَأُخْتِهِ : لِأَنَّهُمَا بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

فَصْلٌ فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ الَّذِينَ يَرِثُونَ بِرَحِمٍ

فَصْلٌ فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ الَّذِينَ يَرِثُونَ بِرَحِمٍ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " إِذَا وَرِثَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ قَاسَمَهُمْ مَا كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنَ الثُّلُثِ ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْهَا أُعْطِيَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدٍ ، وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ فُقَهَاءِ الْبُلْدَانِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ لِخِصَالٍ ، مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ : مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ فَأَسْمَى الْجَدَّ فِي النَّسَبِ أَبًا وَلَمْ يُنْقِصْهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ السُّدُسِ ، وَهَذَا حُكْمُهُمْ لِلْأَبِ وَحَجَبُوا بِالْجَدِّ بَنِي الْأُمِّ ، وَهَكَذَا حُكْمُهُمْ فِي

الْأَبِ ، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ وَأَحْكَامِ الْأَبِ فِيمَا سِوَاهَا ؟ قُلْنَا إِنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِيهَا قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلْجَدِّ عَلَى الْأَبِ : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا يَرِثُ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ لَوَرِثَ وَدُونَهُ أَبٌ ، أَوْ كَانَ قَاتِلًا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا فَالْأُبُوَّةُ تَلْزَمُهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ، وَإِنَّمَا وَرِثْنَاهُ بِالْخَبَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ لَا بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ وَنَحْنُ لَا نَنْقُصُ الْجَدَّةَ مِنَ السُّدُسِ ، أَفَتَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ يَحْجُبُونَ بِهَا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ ، وَقَدْ حَجَبْتُمُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ بِابْنَةِ ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ أَفَتَحْكُمُونَ لَهَا بِحُكْمِ الْأَبِ ؟ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَجْتَمِعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ وَقُلْنَا ، أَلَيْسَ إِنَمَا يُدْلِي الْجَدُّ بِقَرَابَةِ أَبِي الْمَيِّتِ بِأَنْ يَقُولَ الْجَدُّ أَنَا أَبُو أَبِي الْمَيِّتِ ، وَالْأَخُ أَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيِّتِ ، فِكِلَاهُمَا يُدْلِي بِقَرَابَةِ أَبِي الْمَيِّتِ ؟ قُلْنَا أَفَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ أَبُوهُ الْمَيِّتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَنَّهُمَا كَانَ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ ؟ قَالُوا يَكُونُ لِأَخِيهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِجَدِّهِ سُدُسٌ قُلْنَا : فَإِذَا كَانَ الْأَخُ أَوْلَى بِكَثْرَةِ الْمِيرَاثِ مِمَّنْ يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ ، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَحْجُبَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْأَبِ الَّذِي يُدْلِيَانِ بِقَرَابَتِهِ بِالَذِي هُوَ أَبْعَدُ ؟ وَلَوْلَا الْخَبَرُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُعْطَى الْأَخُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَالْجَدُّ سَهْمًا كَمَا وَرِثْنَاهُمَا حِينَ مَاتَ ابْنُ الْجَدِّ وَأَبُو الْأَخِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَبُو أَبِي أُمٍّ ، وَأَبُو أُمِّ أَبٍ الإرث ، الْمَالُ لِأَبِي أُمِّ الْأَبِ : لِأَنَّهُ يُدْلِي بِوَارِثٍ ، وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ : لِأَبِي أَبِي الْأُمِّ الثُّلُثُ ، وَلِأَبِي أُمِّ الْأَبِ الثُّلُثَانِ . أَبُو أُمِّ أُمٍّ ، وَأَبُو أُمِّ أَبٍ الإرث ، الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أُمٍّ وَأُمِّ أَبٍ . جَدُّ أُمِّ أُمٍّ ، وَجَدُّ أُمِّ أَبٍ ، الْمَالُ بَيْنَ أَبِي أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ ، وَأَبِي أُمِّ أُمِّ الْأَبِ نِصْفَيْنِ . أَبُو أَبِي أُمٍّ ، وَأَبُو أُمِّ أَبٍ الإرث ، الْمَالُ لِأَبِي أُمِّ الْأَبِ . أَبُو أَبِي أُمُّ أُمٍّ ، وَأَبُو أَبِي أَبِي أُمٍّ ، وَأَبُو أَبِي أُمِّ أَبٍ الإرث ، نِصْفُ الْمَالِ بَيْنَ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأُمِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالنِّصْفُ بَيْنِ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ : لِأَنَّكَ إِذَا نَزَّلْتَ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأُمِّ صَارَ فِي أَوَّلِ دَرَجَتِهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي أُمِّ أُمٍّ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أُمٍّ وَهِيَ وَارِثَةٌ ، وَإِذَا نَزَّلَتْ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأَبِ صَارَ فِي أَوَّلِ دَرَجَتِهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي أُمِّ أَبٍ ، ثُمَّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أَبٍ وَهِيَ وَارِثَةٌ ، فَهَاتَانِ جَدَّتَانِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ : نَصِفٌ لِأُمِّ الْأُمِّ يَرِثُهُ عَنْهَا أَبُوهَا ، ثُمَّ يَرِثُ عَنِ ابْنِهَا أَبَوَاهُ ، وَكَذَلِكَ النِّصْفُ الَّذِي لِأُمِّ الْأَبِ يَرِثُهُ عَنْهَا أَبُوهَا ، ثُمَّ يَرِثُ فِي أَبِيهَا أَبَوَاهُ ، وَأَمَّا أَبُو أَبِي أَبِي الْأُمِّ فَبَعْدَ دَرَجَتَيْنِ يَصِيرُ أَبَا أُمٍّ ، وَلَيْسَ بِوَارِثٍ : فَلِذَلِكَ لَمْ يَرِثْهَا ، فَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْمُنَزِّلِينَ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ . أُمُّ أَبِي أَبِي أُمٍّ ، وَأَبُو أُمِّ أَبِي أُمٍّ ، وَأَبُو أَبِي أُمِّ أَبٍ ، وَأَبُو أَبِي أُمٍّ الإرث ، النِّصْفُ بَيْنَ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ الْأُمِّ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالنِّصْفُ بَيْنِ أَبَوَيْ أَبِي أَبِي أُمِّ الْأَبِ عَلَى ثَلَاثَةٍ : لِأَنَّ أَبَوَيْ أَبِي أُمِّ

الْأُمِّ فِي أَوَّلِ دَرَجَتِهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي أُمِّ أُمٍّ ، ثُمَّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أُمٍّ وَهِيَ وَارِثَةٌ وَأَبُو أَبِي أُمِّ الْأَبِ فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ أَبٍ وَهِيَ وَارِثَةٌ ، فَصَارَ مَعَكَ بَعْدَ دَرَجَتَيْنِ جَدَّتَانِ : أُمُّ أُمٍّ ، وَأُمُّ أَبٍ . وَأَمَّا أَبُو أَبِي أَبِي أُمٍّ فَبَعْدَ دَرَجَتَيْنِ أَبُو أُمٍّ ، وَلَيْسَ بِوَارِثٍ ، وَأَمَّا أَبُو أُمِّ أَبِي أُمٍّ فَبَعْدَ دَرَجَتَيْنِ أَيْضًا أَبُو أُمٍّ ، وَلَيْسَ بِوَارِثٍ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَمَاتَ السَّبَبَ فَجَعَلَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سِتَّةٍ السُّدُسُ ، وَمَا بَقِيَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

فَصْلٌ فِي تَوْرِيثِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَيْنِ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ

فَصْلٌ فِي تَوْرِيثِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَيْنِ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِمْ إِذَا دَخَلَ مَعَهُمْ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ هَلْ يُعْتَبَرُ إِدْخَالُهُمَا مَعَ مَنْ يُدْلِي بِذَوِي الْفُرُوضِ مِنْهُمْ وَالْعَصَبَاتِ أَمْ لَا ؟ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَتَرِكَةٍ تَسْتَأْنِفُ قِسْمَتَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يُدْلُونَ مِنْ ذِي فَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُئِيِّ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ : أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ يُعْطَيَانِ فَرْضَهُمَا وَيَخْرُجَانِ ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى قَدْرِ فُرُوضِهِمْ كَأَنْ لَا زَوْجَ مَعَهُمْ وَلَا زَوْجَةَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمَا : أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ يَدْخُلَانِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ مَعَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ . مِثَالُهُ : زَوْجٌ ، وَبِنْتُ بِنْتٍ ، وَخَالَةٌ ، وَبِنْتُ أُخْتٍ الإرث ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِخْرَاجِ : يَأْخُذُ الزَّوْجُ النِّصْفَ ، وَيُقْسِمُ الْبَاقِي عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : لِبِنْتِ الْبِنْتِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْخَالَةِ السُّدُسُ سَهْمٌ وَاحِدٌ ، وَالْبَاقِي وَهُوَ سَهْمَانِ لِبِنْتِ الْأُخْتِ ، وَتَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ أَنَّ بَعْدَ التَّنْزِيلِ يَصِيرُونَ زَوْجًا ، وَأُمًّا ، وَبِنْتًا وَأُخْتًا ، فَتَكُونُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ : لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ سَهْمَانِ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمٌ ، ثُمَّ اجْمَعْ سِهَامَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَهِيَ تِسْعَةٌ وَأَعْطِ الزَّوْجَ النِّصْفَ سَهْمًا مِنِ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ اقْسِمِ الْبَاقِيَ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لَا تَنْقَسِمُ ، فَاضْرِبْ تِسْعَةً فِي اثْنَيْنِ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ : لِلزَّوْجِ النِّصْفُ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ ، وَلِبِنْتِ الْبِنْتِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ ، وَلِلْخَالَةِ سَهْمَانِ ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ سَهْمٌ ، وَالْفَرْقُ إِنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ فِيمَا يُورَثُ فِيهِ بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِفَرْضٍ وَحْدَهُ أَوْ تَعْصِيبٍ وَحْدَهُ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ . زَوْجَةٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ ، وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ ، وَبِنْتُ عَمٍّ الإرث ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِخْرَاجِ : لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ، وَالْبَاقِي عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ لِبِنْتِ الْبِنْتِ نِصْفُهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ سُدُسُهُ سَهْمٌ وَلِبِنْتِ الْعَمِّ بَاقِيهِ وَهُوَ سَهْمَانِ ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْإِدْخَالِ جَعَلَهُمْ بَعْدَ التَّنْزِيلِ زَوْجَةً ، وَبِنْتًا وَبِنْتَ ابْنٍ وَعَمًّا ، فَتَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ ثَلَاثَةٌ ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ ، وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْعَمِّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَاجْمَعْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110