كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، أَوْ شَهَادَةً عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَزِمَ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِمَا فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ بِمَنْ أُلْحِقَ ، وَنَفْيِهِ عَمَّنْ نَفَوْهُ ، وَهُوَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ ، غَيْرُ لَاحِقٍ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِنْ رَجَعَ الْقَائِفَانِ فِي قَوْلِهِمَا ، وَأَلْحَقُوهُ بِمَنْ نَفَوْهُ عَنْهُ لِخَطَأٍ اعْتَرَفَا بِهِ ، رُوعِيَ رُجُوعُهُمَا ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِقَوْلِهِمَا ، لَمْ يَنْقُصْ حُكْمَهُ وَأَمْضَاهُ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِمَا لَمْ يَكُنْ نَسَبُهُ لِلْأَوَّلِ ، وَلَا لِلثَّانِي . أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِبُطْلَانِ الشَّهَادَةِ ، بِالرُّجُوعِ عَنْهَا . وَأَمَّا الثَّانِي : فَلِتُعَارِضِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ . فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى الْقَائِفَيْنِ لُحُوقُ نَسَبِهِ ، وَبَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا عُمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى غَيْرِهِمَا عَدَمُ النَّسَبِ مِنْ جِهَةِ الْقَافَةِ ، وَوَجَبَ أَنْ يُوقَفَ النَّسَبُ لِلشَّكِّ ، حَتَّى يَنْتَسِبَ الْوَلَدُ بِطَبْعِهِ إِلَى أَحَدِهِمَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِنْ شَأْنِ الرَّحِمِ إِذَا تَمَاسَّتْ تَعَاطَفَتْ " . وَلَهُ فِي زَمَانِ انْتِسَابِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الْقَدِيمُ إِلَى اسْتِكْمَالِ سَبْعٍ ، وَهِيَ الْحَالُ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ أَبَوَيْهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ إِلَى بُلُوغِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِقَوْلِهِ فِي لَوَازِمِ الْحُقُوقِ قَبْلَ الْبُلُوغِ ، وَإِنْ قَبِلَ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحُقُوقِ ، فَإِذَا انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَصْدِيقُ الْأَبِ ، فَلَوْ رَجَعَ وَانْتَسَبَ إِلَى الْآخَرِ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِالْأَوَّلِ . وَلَوْ وُجِدَتِ الْقَافَةُ بَعْدَ انْتِسَابِهِ إِلَى أَحَدِهِمَا بعد انتساب الولد إلى أحدهما ، لَمْ يُلْحَقْ بِهِ لِاسْتِقْرَارِ لِحَوْقِهِ بِالِانْتِسَابِ إِلَى الْأَوَّلِ . وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ انْتِسَابِهِ إِلَى أحد المتنازعين عليه أَحَدِهِمَا ، قَامَتْ وَرَثَتُهُ ، مَقَامَهُ فِي الِانْتِسَابِ ، إِلَى أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ مَاتَ الْمُتَنَازِعَانِ وَالْوَلَدُ بَاقٍ جُمِعَ بَيْنِهِ وَبَيْنَ عَصَبَتِهِمَا ، وَكَانَ لَهُ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَهُمْ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَى أَحَدِهِمَا ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ التَّنَازُعُ فِي فِرَاشٍ مُشْتَرَكٍ انْتَسَبَ إِلَى مَنِ اخْتَارَ مِنَ الْحَيِّ ، أَوِ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ التَّنَازُعُ فِي لَقِيطٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ كَالْفِرَاشِ فِي انْتِسَابِهِ إِلَى أَحَدِهِمَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْبَاقِي ، لِانْقِطَاعِ دَعْوَى الْمَيِّتِ . وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَلَّدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاءَ الْيَمَنِ ، اخْتَصَمَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةٌ فِي وَلَدِ امْرَأَةٍ ، وَقَعُوا عَلَيْهَا ، فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ ؟ تَنَازَعُوا فِيهِ ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، وَأَلْحَقَهُ بِمَنْ قَرَعَ مِنْهُمْ ، وَأَخْبَرَ بِهِ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ حَتَى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقِيلَ : إِنَّهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِإِشْكَالِهِ عَلَى الْقَافَةِ ، وَقِيلَ : إِنَّمَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْعَةِ : لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي لُحُوقِ النَّسَبِ ، لِوُجُودِ مَا هُوَ أَقْوَى ، وَهُوَ انْتِسَابُ الْوَلَدِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا طَلَبَ الْقَائِفُ عَلَى قِيَافَتِهِ أَجْرًا ، وَلَمْ يَجِدْ بِهَا مُتَطَوِّعًا جَازَ أَنْ يُعْطَى عَلَيْهَا رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، لِأَنَّ لَهُ عَمَلًا يَنْقَطِعُ بِهِ عَنْ مَكْسَبِهِ ، كَمَا يُعْطَى الْقَاسِمُ وَالْحَاسِبُ وَيَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، أَوْ أَشَكَلَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يُلْحِقْهُ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ تعذر رزق القائف من بيت المال ، كَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا اسْتَحَقَّهَا ، وَفِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ دُونَ مَنْ نُفِيَ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِلُحُوقٍ دُونَ النَّفْيِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجِبُ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّ الْعَمَلَ مُشْتَرَكٌ فِي حَقِّهِمَا ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ نُفِيَ عَنْهُ كُهُوَ فِي حَقِّ مَنْ أُلْحِقَ بِهِ . وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِنْ كَانَ لِإِشْكَالِهِ عَلَيْهِ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْعَمَلُ ، وَإِنْ كَانَ لِتَكَافُؤِ الِاشْتِبَاهِ ، فَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَسْتَحِقُّهَا إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُمَا ، كَانَ تَغْلِيبًا بِوُجُودِ الْعَمَلِ مِنْهُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَسْتَحِقُّهَا إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ لَوْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا : اخْتَصَّ بِالْتِزَامِ الْآخَرِ ، تَعْلِيلًا بِالْإِلْحَاقِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا وُجِدَ وَادَّعَاهُ مَنْ يَجُوزُ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إذا أدعى الولد من يجوز أن يولد مثله لمثله ، لَحِقَهُ بِهِ ، فَإِنِ ادَّعَاهُ بَعْدَهُ آخَرٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ دَعَوَاهُ مَرْدُودَةٌ لِلُحُوقِ نَسَبِهِ بِالسَّابِقِ ، إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةَ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ دَعْوَى النَّاسِ مَسْمُوعَةٌ وَيَرَى الْقَافَةُ ، فَإِنْ نَفَوْهُ عَنِ الثَّانِي ، كَانَ عَلَى لُحُوقِهِ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِالثَّانِي أُرِيَ مَعَ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ نَفَوْهُ عَنْهُ لَحِقَ بِالثَّالِثِ ، وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ لَمْ يَأْتِ بِالْقَافَةِ بَيَانٌ ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَلْحَقُوهُ بِهِمَا ، وَوَقَفَ الْوَلَدُ إِلَى حَدِّ الِانْتِسَابِ لِيَنْتَسِبَ إِلَى أَحَدِهِمَا ، فَإِنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي ادِّعَاءِ اللَّقِيطِ ، وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ ، فَصَاحِبُ الْيَدِ كَالسَّابِقِ بِالدَّعْوَى ، فَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : يُلْحَقُ بِهِ إِلَّا أَنْ تُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِغَيْرِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ فِي الدَّعْوَى بِغَيْرِهِ لَا يُلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ تُلْحِقَهُ الْقَافَةُ ، أَوْ يَعْتَرِفَ لَهُ الْبَاقِي بِنَسَبِهِ ، أَوْ يَبْلُغَ حَدَّ الِانْتِسَابِ فَيَنْتَسِبَ إِلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ مَعَ بَقَاءِ الِانْتِسَابِ ، فَقَبْلَ الِانْتِسَابِ وَقَفَ مِنْ مَالِهِ مِيرَاثًا حَتَّى يَصْطَلِحَ الْمُدَّعُونَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ ( إدعاء النسب ) فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، أَنَّهُ يُوقِفُ مَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثَ أَبٍ ، كَمَا يُوقِفُ مِنْ مَالِهِ إِذَا مَاتَ مِيرَاثَ أَبٍ حَتَّى يَنْتَسِبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الِانْتِسَابِ ، فَيَسْتَحِقَّ مِيرَاثَ مَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ وَيَرُدُّ مَا وُقِفَ مِنَ الْبَاقِينَ عَلَى وَرَثَتِهِمْ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُوقَفُ لَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ ، وَيُدْفَعُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى وَرَثَتِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ ادَّعَى حُرٌّ وَعَبْدٌ مُسْلِمَانِ وَذِمِّيٌّ مَوْلُودًا وُجِدَ لَقِيطًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، كَالتَّدَاعِي فِيمَا سِوَاهُ ، فَيَرَاهُ الْقَافَةُ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِوَاحِدٍ ، فَهُوَ ابْنُهُ ، وَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَكُنِ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، يَبْلُغُ فَيَنْتَسِبُ إِلَى أَيِّهِمْ شَاءَ فَيَكُونُ ابْنُهُ وَتَنْقَطِعَ عَنْهُ دَعْوَى غَيْرِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ يَسْتَوِي إِذَا ادَّعَى الْوَلَدُ ، الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ ، وَالْكَافِرُ لَقِيطًا أَوْ مِنْ فِرَاشٍ مُشْتَرَكٍ ، وَلَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِذَا تَنَازَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ أَلْحَقْتُهُ في استلحاق ولد بِالْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ . وَإِنْ تَنَازَعَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ ، أَلْحَقْتُهُ بِالْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ ، وَلَوْ تَنَازَعَ حُرٌّ كَافِرٌ وَعَبْدٌ مُسْلِمٌ ، أَلْحَقْتُهُ بِالْحُرِّ الْكَافِرِ ، دُونَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ، لِيَكُونَ الْوَلَدُ مُلْحَقًا بِأَكْمَلِهِمَا حُكْمًا . اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ ، فَصَارَتْ كَالْيَدِ لِمَنْ وَاقَعَهَا ، فَتَرْجَحُ بِهَا . وَلِأَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا حَضَانَتَهُ كَانَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْعَبْدِ الْكَافِرِ ، كَذَلِكَ حُكْمُ النَّسَبِ وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُمَا قَدِ اشْتَرَكَا فِي سَبَبِ الدَّعْوَى ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي حُكْمِهِمَا ، كَالْمُسْلِمَيْنِ الْحُرَّيْنِ . وَلِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ بِالدَّعْوَى عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ كَانَ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ ، وَلَا يُدْفَعُ عَنْهَا بِحُكْمِ الدَّارِ ، كَذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْحُرِّ ، أَوِ الْمُسْلِمِ ، كَالْمَالِ ، وَفِيهِ انْفِصَالٌ . فَأَمَّا الْحَضَانَةُ فَفِيهَا وِلَايَةٌ ، لَوْ تَفَرَّدَ بِهَا كَافِرٌ وَعَبْدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا وَلَيْسَ كَالنَّسَبِ الَّذِى يَلْحَقُ بِالْعَبْدِ ، وَالْكَافِرِ .



فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الدَّعْوَى دعوى المسلم والكافر في إثبات الولد لأحدهما ، فَإِنْ أُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ ، لَحِقَ بِهِ نَسَبًا ، وَدِينًا ، وَإِنْ أُلْحِقَ بِالْكَافِرِ ، لَحِقَ بِهِ نَسَبًا ، وَفِي إِلْحَاقِهِ بِهِ دِينًا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُلْحَقُ بِهِ فِي دِينِهِ اعْتِبَارًا بِالْوِلَادَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُلْحَقُ بِدِينِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الدَّارِ ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ، حَتَّى يَبْلُغَ فَيُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ، وَإِنِ ادَّعَى الْكُفْرَ أُرْهِبَ ثُمَّ أُقِرَّ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْكُفْرِ أُقِرَّ فِي يَدِهِ وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي ، أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ ، لِئَلَّا يُلَقِّنَهُ الْكُفْرَ ، فَيَدَّعِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَنَازَعَ وَالِدٌ ، وَوَلَدُهُ فِي وَلَدٍ ادَّعَيَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، عَنِ الْتِقَاطٍ أَوِ اشْتِرَاكٍ فِي فِرَاشٍ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ، وَلَا يَغْلِبُ دَعْوَى الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ أَمَةٍ ، اشْتَرَكَا فِي إِصَابَتِهَا ، فَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ لِلْأَبِ ، أَوْ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَبِ ، فَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالْأَبِ ، وَإِنْ كَانَتْ لِلِابْنِ فَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالْأَبِ وَالِابْنِ ، وَهَذَا حُكْمٌ لَا يُوجِبُهُ دَلِيلٌ ، وَلَا يَقْتَضِيهِ تَعْلِيلٌ ، لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ وَالْبُنُوَّةَ لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا أَحْكَامُ الدَّعَاوَى ، كَالْأَمْوَالِ . وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ادِّعَاءِ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ ، وَالْجَدِّ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ حُكْمُ الْأَبِ وَالِابْنِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَنَازَعَ فِي الْوَلَدِ امْرَأَتَانِ ، وَقِيلَ : إِنَّ دَعْوَاهُمَا مَسْمُوعَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ فِيهِ ، اسْتَعْمَلَ الْقَافَةَ فِيهَا ، إِذَا عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وِلَادَتِهِ ، وَكَانَتَا فِي مُنَازَعَتِهِ ، كَالرَّجُلَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ ، وَالْأُخْرَى كَافِرَةٌ تنازع امرأتان إحدهما مسلمة والأخرى كافرة في الولد ، كَانَتَا سَوَاءً ، فِي ادِّعَائِهِ . أَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا حُرَّةً ، وَالْأُخْرَى أَمَةً ، تَسَاوَيَا فِيهِ ، وَجَازَ لِلْأَمَةِ أَنْ تَخْتَصَّ بِالدَّعْوَى دُونَ السَّيِّدِ لِاخْتِصَاصِهَا بِحَقِّ النَّسَبِ ، وَتَفَرَّدَ السَّيِّدُ بِحَقِّ الْمِلْكِ ، فَإِنْ أَلْحَقَتِ الْقَافَةُ الْوَلَدَ بِالْأُمِّ ، لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهَا رِقٌّ تَعْلِيلًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْلَدَهَا حُرٌّ بِشُبْهَةٍ . وَالثَّانِي : لِأَنَّ إِلْحَاقَ الْقَافَةِ طَرِيقَةُ الِاجْتِهَادِ ، دُونَ الْعِلْمِ وَلَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وِلَادَتِهَا لَهُ فَفِي دُخُولِهِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ التَّعْلِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُرٍّ بِشُبَهِهِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ، لِأَنَّهُ لَحِقَ بِهَا عَنْ عِلْمٍ ، لَا عَنِ اجْتِهَادٍ ، وَحُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ ، وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لِلْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ ، وَالْمُسْلِمَةِ دُونَ الْكَافِرَةِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَافَةِ حُكْمُ الْوَلَدِ فِي تَنَازُعِ ، وُقِفَ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَلَدِ إِلَى أَحَدِهِمَا ، كَمَا يُوقَفُ عَلَى إِثْبَاتِهِ إِلَى الْآخَرِ ، أَوْ إِلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ ، لِأَنَّ الطَّبْعَ يُحَرِّكُ الْإِنْسَانَ وَيَجْذِبُهُ ، فَلَوْ أَنَّ وَلَدًا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِيهِ ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنَّهُ أَخُوهُ مِنْ أَبِيهِ ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ بَاقِيَيْنِ لَمْ تُسْمِعْ دَعْوَاهُمَا ، وَكَانَ أَبَوَاهُمَا أَحَقُّ بِالدَّعْوَى مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ فَإِنْ وَرِثَهَا مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا لَمْ تُسْمِعْ دَعْوَاهُمَا ، إِلَّا بِاجْتِمَاعِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا أَحَدُهُمْ بَطَلَتِ الدَّعْوَى وَإِنْ تَفَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِيرَاثِ أُمِّهِ ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا ، وَجَازَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ الْقَافَةُ مَعَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّبَهِ ، فَإِنَّ الشَّبَهَ يَنْتَقِلُ مِنَ الْأَبَاءِ إِلَى الْأَبْنَاءِ ، حَتَّى يَشْتَرِكَ بِهِ الْأُخْوَةُ ، فَإِذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِإِخْوَةِ أَحَدِهِمَا ، حُكِمَ بَيْنِهِمَا بِالْأُخُوَّةِ كَمَا يُحْكَمُ بِالْبُنُوَّةِ ، لِأَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ ادَّعَى أَخًا مِنْ أُمِّهِ ، وَأَبِيهِ ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَاهُ ، وَأَلْحَقَهُ بِهِ ، أَخًا بِفِرَاشِ أَبِيهِ ، فَقَالَ : هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخًا ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، حِينَ نَازَعَهُ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍ عَنْ أَخِيهِ ، لِأَنَهُ عَاهَرَ بِأُمِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَهَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُتَنَازِعَانِ فِي الْوَلَدِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ حُكْمِ الْقَافَةِ جَمَعَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ مَنْ نَاسَبَ الْمُتَنَازِعَيْنِ ، مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، كَالْبَنِينَ ، وَالْبَنَاتِ ، وَالْأُخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ، وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ، وَلَا يُخْتَصُّ بِالذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ ، لِوُجُودِ الشَّبَهِ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَأَلْحَقَهُ الْقَافَةُ بِمَنْ كَانَ شِبْهَ أَقَارِبِهِ فِيهِ ، وَنَفَوْهُ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ أَقَارِبُهُ فِيهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّبَهُ فِي أَقْرَبِ مُنَاسِبِيهِ ، أَوْ أَبْعَدِهِمْ لِأَنَّ عِرْقَ النَّسَبِ يَنْزِعُ إِلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ عَلَى إِيجَادِ الشَّبَهِ ، وَمِنَ الْآخَرِ فِي الْأَبْعَدِينَ ، أُلْحِقَ بِمَنْ كَانَ شَبِهَ فِي الْأَقْرَبِينَ ، دُونَ مَنْ كَانَ شَبَهُهُ فِي الْأَبْعَدِينَ ، لِأَنَّ الشَّبَهَ فِي الْأَقْرَبِ أَقْوَى مِنَ الشَّبَهِ فِي الْأَبْعَدِ .

بَابُ جَوَابِ الشَّافِعِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي الْوَلَدِ يَدَعِيهِ عِدَةُ رِجَالٍ

بَابُ جَوَابِ الشَّافِعِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي الْوَلَدِ يَدَعِيهِ عِدَةُ رِجَالٍ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : زَعَمْتَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ : إِنِ ادَعَاهُ اثْنَانِ ، فَهُوَ ابْنُهُمَا بِالْأَثَرِ ، فَإِنِ ادَعَاهُ ثَلَاثَةٌ ، فَهُوَ ابْنَهُمُ بِالْقِيَاسِ ، وَإِنِ ادَعَاهُ أَرْبَعَةٌ ، لَمْ يَكُنِ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، قَالَ : هَذَا خَطَأٌ مِنْ قَوْلِهِ ، قُلْتُ فَإِذَا زَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي نَسَبِهِ وَلَوْ كَانُوا مِائَةً ، كَمَا يَشْتَرِكُونَ فِي الْمَالِ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَالِ ، أَيَمْلِكُ الْحَيُّ إِلَّا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَقَدْ زَعَمْتَ إِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرِثَهُ مِيرَاثَ ابْنٍ تَامٍّ ، وَانْقَطَعَتْ أَبُوَّتُهُ ، فَإِنْ مَاتَ وَرِثَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ ، فَهَلْ رَأَيْتَ أَبًا قَطُّ إِلَى مُدَّةٍ ؟ قُلْتُ : أَوَرَأَيْتَ إِذَا قُطِعَتْ أُبُوَّتُهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَيَتَزَوَّجُ بَنَاتَهُ ، وَهُنَّ الْيَوْمَ أَجْنَبِيَّاتٌ ، وَهُنَّ بِالْأَمْسِ لَهُ أَخَوَاتٌ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ هَذَا ، قُلْتُ : وَأَكْثَرُ ، قَالَ : كَيْفَ كَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُوَرِّثَهُ ؟ قُلْتُ : نُوَرِّثُهُ فِي قَوْلِكَ مِنْ أَحَدِهِمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ ، كَمَا نُوَرِّثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ ، لِأَنَّ جَمِيعَ كُلِّ أَبٍ أَبُو بَعْضِ الِابْنِ وَلَيْسَ بَعْضُ الِابْنِ ابْنًا لِبَعْضِ الْأَبِ دُونَ جَمِيعِهِ ، كَمَا لَوْ مَلَكُوا عَبْدًا كَانَ جَمِيعُ كُلِّ سَيِّدٍ مِنْهُمْ مَالِكًا لِبَعْضِ الْعَبْدِ ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْعَبْدِ مِلْكًا لِبَعْضِ السَّيِّدِ دُونَ جَمِيعِهِ ، فَتَفَهَّمْ ذَلِكَ تَجِدْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ مُنَاظَرَةٌ جَرَتْ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَمْ يُثْبِتْهَا الرَّبِيعُ فِي كِتَابِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ لِبَعْضِ النَّاسِ وَصَرَّحَ بِهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ فَقَالَ : قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَنَقَلَهَا الْمُزَنِيُّ عَنْهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَنْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْقَافَةِ ، وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْقَافَةِ فِيمَنْ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ مِنَ الْأَبَاءِ الْمُتَنَازِعَيْنِ ، فِيهِ فَأَلْحَقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِاثْنَيْنِ ، وَلَمْ يُلْحِقْهُ بِأَكْثَرَ اتِّبَاعًا لِمَا حُكِيَ مِنَ الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِلْحَاقِهِ بِاثْنَيْنِ . وَأَلْحَقَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةٍ ، وَلَمْ يُلْحِقْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُمْ ، فَاللَّاحِقُ بِالثَّانِي

أَثَرًا ، وَاللَّاحِقُ بِالثَّالِثِ قِيَاسًا ، وَمُنِعَ مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالرَّابِعِ قِيَاسًا ، وَأَلْحَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَنِ ادَّعَاهُ وَإِنْ كَانُوا مِائَةً قِيَاسًا عَلَى الْأَثَرِ فِي الثَّانِي ، فَنَاظَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِلًا فِي الْعَدَدِ بِقَوْلِهِمَا ، فَلِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا فِي تَرْكِ الْقِيَافَةِ ، وَإِلْحَاقِهِ بِالِاثْنَيْنِ ، وَإِذَا بَطَلَ قَوْلُهُمَا فِي إِلْحَاقِهِ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ ، بَطَلَ قَوْلُهُ فِي إِلْحَاقِهِ بِالِاثْنَيْنِ . وَلِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقَافَةِ بِالشَّبَهِ ، وَالْأَثَرِ ، وَالْعُرْفِ . فَابْتَدَأَ الشَّافِعِيُّ بِمُنَاظَرَتِهِ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الرَّابِعِ ، كَالثَّالِثِ فَلِمَ جَعَلَ الثَّالِثَ قِيَاسًا ، وَلَمْ يَجْعَلِ الرَّابِعَ قِيَاسًا ، وَإِنِ امْتَنَعَ فِي الرَّابِعِ ، امْتَنَعَ فِي الثَّالِثِ ، فَبَطَلَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إِلَّا الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الثَّانِي ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ عُمَرَ فَرَوَى عَنْهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ ، أَنَّهُ قَالَ لِلْوَلَدِ : انْتَسِبْ إِلَى أَيِّهِمَا شِئْتَ . وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، أَنَّهُ قَضَى بِهِ لَهُمَا يَرِثَانِهِ وَيَرِثُهُمَا ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا فَلَمْ تَكُنْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْأُخْرَى ، فَتَعَارَضَا ، وَأَوْجَبَ التَّعَارُضُ سُقُوطُهُمَا .

فَصْلٌ : ثُمَّ عَدَلَ الشَّافِعِيُّ فِي مُنَاظَرَتِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي نَسَبِهِ ، وَلَوْ كَانُوا مِائَةً كَمَا يَشْتَرِكُونَ فِي الْمَالِ ، فَأَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَالَ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَالِ ، لَمْ يَمْلُكِ الْحَيُّ إِلَّا مَا كَانَ يَمْلِكُ قَبْلَ مَوْتِ صَاحِبِهِ . قَالَ : لَا . فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : " زَعَمْتَ إِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرِثَهُ مِيرَاثَ ابْنٍ تَامٍّ ، وَانْقَطَعَتْ أُبُوَّتُهُ " فَأَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا قِيَاسَهُمْ عَلَى الْمَالِ ، لِأَنَّ مَوْتَ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ لَا يُوجِبُ انْتِقَالَ حَقِّهِ إِلَيْهِمْ ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَوْتَ أَحَدِ الْأَبَاءِ يُوجِبُ انْتِقَالَ أُبُوَّتِهِ إِلَيْهِمْ ، فَبَطَلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قِيَاسًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : إِنْ قَالَ زَعَمْتَ أَنْ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَرِثَهُ مِيرَاثَ أَبٍ تَامٍّ وَانْقَطَعَتْ أُبُوَّتُهُ ، فَإِنْ مَاتَ وَرِثَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ ، فَهَلْ رَأَيْتَ أَبًا قَطُّ إِلَى مُدَّةٍ ؟ فَأَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذَا إِلْحَاقَ نَسَبِهِ بِالْجَمَاعَةِ ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمُ انْقَطَعَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، فَصَارَ أَبًا فِي حَيَاتِهِ وَغَيْرَ أَبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَجَعَلُوا نَسَبَهُ مُقَدَّرًا بِمُدَّةِ حَيَّاتِهِ ، وَلَمْ نَرَ أَبًا قَطُّ إِلَى مُدَّةٍ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذَا انْقَطَعَتْ أُبُوَّتُهُ عَنِ الْمَيِّتِ ، أَيَتَزَوَّجُ بَنَاتَهُ ، وَهُنَّ

الْيَوْمَ أَجْنَبِيَّاتٌ ، وَكُنَّ لَهُ بِالْأَمْسِ أَخَوَاتٍ ؟ فَأَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا مَا قَالُوهُ مِنِ انْقِطَاعِ أُبُوَّتِهِ بِالْمَوْتِ ، فَقَالَ بَنَاتُ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ ، مَا حُكْمُهُمْ مَعَ الْوَلَدِ أَيَحْلِلْنَ لَهُ أَمْ لَا ؟ فَقَدْ كُنَّ لَهُ بِالْأَمْسِ أَخَوَاتٌ ، فَإِنْ قَالَ : يَحْلِلْنَ ، بَطَلَ أَنْ يَكُنَّ بِالْأَمْسِ أَخَوَاتٌ مُحَرَّمَاتٌ وَيَصِرْنَ فِي الْيَوْمِ أَجْنَبِيَّاتٌ مُحَلَّلَاتٌ ، وَإِنْ قَالَ يَحْرُمْنَ ، بَطَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَهُنَّ أَبٌ جَامِعٌ بَيْنَ نَسَبِهِ وَنَسَبِهِنَّ ، وَيَصِرْنَ أَجْنَبِيَّاتٍ مُحَرَّمَاتٍ . وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ : مِمَّا قَالُوهُ فِي التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ ، أَنَّهُ إِنْ مَاتَ جَعَلُوا مِيرَاثَهُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ ، وَأَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثَ بَعْضِ أَبٍ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَعْطَوْهُ جَمِيعَ مِيرَاثِ أَبٍ تَامٍّ ، فَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ أَبٍ ، وَلَمْ يَجْعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ ابْنٍ . فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلشَّافِعِيِّ : كَيْفَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُوَرِّثَهُ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَلْزَمُكَ أَنْ تُوَرِّثَهُمْ فِي قَوْلِكَ : أَنْ نُورِّثَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائْةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ ابْنٍ ، كَمَا نُوَرِّثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ ، فَاعْتَرَضَ الْمُزَنِيُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ : لِأَنَّ جَمِيعَ كُلِّ أَبٍ أَبُو بَعْضِ الِابْنِ وَلَيْسَ بَعْضُ الِابْنِ ابْنًا لِبَعْضِ الْأَبِ دُونَ جَمِيعِهِ . ثُمَّ اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ : " كَمَا لَوْ مَلَكُوا عَبْدًا ، كَانَ جَمِيعُ كُلِّ سَيِّدٍ مِنْهُمْ مَالِكًا لِبَعْضِ الْعَبْدِ ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْعَبْدِ مِلْكًا لِبَعْضِ السَّيِّدِ ، دُونَ جَمِيعِهِ فَشَذَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَسَاعَدَ الْمُزَنِيَّ عَلَى اعْتِرَاضِهِ ، وَمُنِعَ فِيمَا أَلْزَمَهُمُ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا لَهُمْ ، تَعْلِيلًا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إِلَى صِحَّةِ إِلْزَامِ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ ، وَأَبْطَلَ اعْتِرَاضَ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَا يَبْطُلُ اعْتِرَاضُ الْمُزَنِيِّ ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَاءِ أَبٌ لِكُلِّ الْوَلَدِ ، وَكُلُّ الْوَلَدِ ابْنٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَاءِ ، فَبَطَلَ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُزَنِيُّ مِنِ اشْتِرَاكِ السَّادَةِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَعْضُ الْوَلَدِ ابْنًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَاءِ إستلحاق الولد ، وَجَبَ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَبَاءِ ، أَنْ لَا يَرِثَهُ مِنْ بَعْضِ الْبَنِينَ مَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِجَمِيعِ الْبُنُوَّةِ ، فَصَحَّ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفَسَدَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا بَطَلَ إِلْحَاقُ الْوَلَدِ بِآبَاءٍ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الْقَافَةِ ، لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ : فَوَجَبَ فَسَادُ أَحَدِهِمَا صِحَّةُ الْآخَرِ ، وَقَدِ اسْتُشْهِدَ مِنْ عِلْمِ الْقَافَةِ فِي إِلْحَاقِ الْأَنْسَابِ ، مَا يُزِيلُ الِارْتِيَابٍ بِهِ ، فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا شَكَّ فِي ابْنٍ لَهُ ، فَسَارَ بِهِ إِلَى دِيَارِ بَنِي مُدْلِجٍ وَمَعَ الْأَبِ أَخٌ لَهُ ، وَهُمَا عَلَى رَاحِلَتَيْنِ ، وَالْوَلَدُ مَاشٍ ، فَأَعْيَا ، وَأَقْبَلَ صَبِيٌّ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ الْأَبُ : ارْدُفْ هَذَا الْغُلَامَ بِنَا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ : أُرْدِفُهُ بِأَبِيهِ ، أَوْ بِعَمِّهِ ؟ فَقَالَ : بِأَبِيهِ . فَأَرْدَفَهُ بِهِ ، فَعَادَ مِنْ فَوْرِهِ وَزَالَ مَا كَانَ فِي

نَفْسِهِ . وَكَالَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ أَبِي لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ إِبْرَاهِيمَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، بَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ ، فَسَلَّمَ ، وَذَهَبَ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ . وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ فِرَاسَةٌ ، فَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ قَالَ : كُنْتُ بِحَضْرَةِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، إِذَا جَاءَ رَجُلٌ ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ مَلِيًّا وَقَالَ لَهُ : أَلَكَ أَخٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَلَكِنَّهُ غَائِبٌ فِي الْبَحْرِ مُنْذُ سِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ لَعَلَّهُ هَذَا الْجَائِي فَقَامَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ أَخُوهُ قَدْ قَدِمَ مِنْ سَاعَتِهِ ، وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : مَا صِنَاعَةُ هَذَا ؟ فَقَالَ : لَا أَعْرِفُ . وَلَكِنْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَيَّاطًا ، أَوْ نَجَّارًا ، فَسَأَلَنَا الرَّجُلَ عَنْ صِنَاعَتِهِ ، فَقَالَ : كُنْتُ خَيَّاطًا فَصِرْتُ نَجَّارًا . وَقَالَ الْمُصَنَّفُ : كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ ، وَأَنَا جَالِسٌ بِجَامِعِ الْبَصْرَةِ ، وَرَجُلٌ يَتَكَلَّمُ فَجَمَعَنِي وَأَصْحَابِي حُضُورُهُ ، فَلَمَّا سُمِعَتُ كَلَامَهُ ، قُلْتُ لَهُ : وُلِدْتَ بِأَذْرَبِيجَانَ ، وَنَشَأَتْ بِالْكُوفَةِ ، قَالَ : نَعَمْ . فَعَجِبَ مِنِّي مَنْ حَضَرَ ، وَالْقِيَافَةُ ، وَالْفِرَاسَةُ ، غَرِيزَةٌ فِي الطِّبَاعِ يُعَانُ فِيهَا الْمَجْبُولُ عَلَيْهَا ، وَيَعْجِزُ فِيهَا الْمَصْرُوفُ عَنْهَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابُ دَعْوَى الْأَعَاجِمِ وِلَادَةَ الشِّرْكِ وَالطِّفْلِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ

بَابُ دَعْوَى الْأَعَاجِمِ وِلَادَةَ الشِّرْكِ وَالطِّفْلِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَإِذَا ادَعَى الْأَعَاجِمُ وِلَادَةً بِالشِّرْكِ ، فَإِنْ جَاؤُونَا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ ، قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كَمَا قَبِلْنَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصِلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ حِفْظَ الْأَنْسَابِ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يَجِبُ حِفْظُهُ وَتَعْيِينُهُ ، وَقِسْمٌ يَجِبْ حِفْظُهُ وَلَا يُجِبْ تَعْيِينُهُ ، وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ حِفْظُهُ وَلَا تَعْيِينُهُ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : الَّذِي يَجِبُ حِفْظُهُ وَتَعْيِينُهُ فَهِيَ الْأَنْسَابُ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بِهَا التَّوَارُثُ ، لِقُرْبِهِمَا وَضَبْطِ عَدَدِهَا ، فَحِفْظُهَا بَيْنَ الْمُتَنَاسِبِينَ فِيهَا وَاجِبٌ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ ، عَلَى تَفْضِيلِ النَّسَبِ وَتَعْيِينِ الدَّرَجِ ، لِأَنَّهَا تُوجِبُ مِنْ حُقُوقِ التَّوَارُثِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ ، وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ بِمَا لَا يُوصِلُ إِلَى مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّهِ إِلَّا مِنْهُمْ ، فَلَزِمَهُمْ حِفْظُهُ وَتَعَدُّدُهُ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ حِفْظُهُ ، وَلَا يُجِبُ تَعْيِينُهُ ، فَهِيَ الْأَنْسَابُ الْمُتَبَاعِدَةُ عَنِ التَّوَارُثِ ، وَتَخْتَصُّ بِأَحْكَامٍ تَأْبَى مِنْ عَدَدِهَا ، وَهُمْ ذَوُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لِاخْتِصَاصِهِمْ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ، وَتَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَيْهِمْ ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَمِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْبُطُونِ الْمُتَمَيِّزَةِ ، لِيَكُونُوا مَشْهُورِينَ فِي عَشَائِرِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُمُ اتِّصَالُ أَنْسَابِهِمْ ، لِيُعَرِّفَهُمْ وُلَاةَ الْغِنَى فِي حَقِّهِمْ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيُعَرِّفَهُمْ وُلَاةَ الصَّدَقَاتِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهَا . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : الَّذِي لَا يَجِبُ حِفْظُهُ وَلَا تَعْيِينُهُ ، فَهِيَ الْأَنْسَابُ الْمُتَبَاعِدَةُ عَنِ التَّوَارُثِ ، وَلَا تَخْتَصُّ بِحُكْمٍ يَأْبَى بِهِ مَنْ عَدَاهَا كَسَائِرِ الْأُمَمِ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ إِنْ كَانَ عَرَبِيًّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَمْيِيزِ الْعَرَبِ مِنَ الْعَجَمِ فِي حُكْمِ الِاسْتِرْقَاقِ ، فَإِنْ مُيِّزُوا فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مِنْهُمْ كَمَا لَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْأُمَمِ ، وَأَيِّ أَجْنَاسِ الْعَالَمِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْأَنْسَابِ الَّتِي يَجِبُ

حِفْظُهَا ، وَتَعْيِينُهَا لِاسْتِحْقَاقِ التَّوَارُثِ ، فَإِذَا كَانُوا أَحْرَارًا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِمْ ، انْقَسَمُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ مِنْ وِلَادَةِ الْإِسْلَامِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ مِنْ وِلَادَةِ الشِّرْكِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ . فَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مِنْ وِلَادَةِ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ، فَعَلَيْنَا فِي أَنْسَابِهِمْ حَقَّانِ : أَحَدُهُمَا : حَفِظُ أَنْسَابِهِمْ . وَالثَّانِي : أَنْ تُعْرَفَ فُرُشُ وِلَادَتِهِمْ : لِوُجُوبِ حُرْمَتِهِمْ نُطَفًا ، وَمَوْلُودِينَ ، فَإِنِ ادَّعَوْا اتِّصَالَ قَوَاعِدِ أَنْسَابِهِمْ ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا ، لَزِمَ اعْتِبَارُهَا بِفُرُشِ وِلَادَتِهِمْ ، فَإِنْ خَالَفْتَ مَا تَعَارَفُوا عَلَيْهِ حُمِلُوا فِي أَنْسَابِهِمْ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ عَلَى فُرُشِ وِلَادَتِهِمْ ، وَأُبْطِلَ تَصَادُقُهُمْ عَلَى مَا خَالَفَهَا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي فُرُشِ وِلَادَتِهِمْ مَا خَالَفَهَا ، حُمِلُوا فِيهَا عَلَى تَصَادُقِهِمْ ، وَحُفِظَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْسَابُ الَّتِي تَصَادَقُوا عَلَيْهَا ، وَيَسْتَوِي فِيهَا الْمُتَلَاصِقَةُ كَالْأَبَاءِ مَعَ الْأَبْنَاءِ ، وَالْأَنْسَابِ الْمُنْفَصِلَةِ ، كَالْأُخْوَةِ ، وَالْأَعْمَامِ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفُرُشِ مَا يُخَالِفُهُمْ ، فَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ التَّصَادُقِ فَتَكَاذَبُوا ، كَانَ التَّكَاذُبُ مَرْدُودًا بِالتَّصَادُقِ ، لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَعْلُو الْإِقْرَارَ مَرْدُودٌ ، إِلَّا أَنْ يُقَدِّمَ بَيِّنَةً بِخِلَافِ مَا تَصَادَقُوا عَلَيْهِ ، فَيُحْكَمُ بِهَا . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وِلَادَةِ الشِّرْكِ ، فَعَلَيْنَا حِفْظُ أَنْسَابِهِمْ ، بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِحُرْمَتِهِمْ بِالْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَبِرَهَا بِفُرِشِ وِلَادَتِهِمْ ، بِسُقُوطِ حُرْمَةِ نُطَفِهِمْ بِالشِّرْكِ ، فَحُمِلُوا فِي الْأَنْسَابِ عَلَى تَصَادُقِهِمْ ، وَتُحْفَظُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّصَادُقِ بِوُجُوبِ حُرْمَتِهِمْ مَوْجُودِينَ وَسُقُوطِهَا نُطَفًا . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ ، فَلَا يَلْزَمُنَا حِفْظُ أَنْسَابِهِمْ نُطَفًا ، وَلَا مَوْلُودِينَ لِسُقُوطِ حُرْمَتِهِمْ فِي الْحَالَيْنِ ، فَإِذَا تَصَادَقُوا فِي أَنْسَابِهِمْ لَمْ يُعْتَرَضْ فِيهَا عَلَيْهِمْ ، وَكَانُوا فِيهَا مَحْمُولِينَ عَلَى تَصَادُقِهِمْ وَإِنْ تَكَاذَبُوا فِيهَا ، بَطَلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصَادُقِهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فِيهِمْ أَلْزَمُ مِنَ الْآخَرِ ، فَإِنْ تَحَاكَمُوا فِيهَا إِلَيْنَا ، حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ بِمَا يَكُونُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّحَاكُمِ مِنَ التَّصَادُقِ ، أَوِ التَّكَاذُبِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا ثَبَتَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي أُصُولِ الْأَقْسَامِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا ، وَحَضَرَ مِنْهُمْ مَنْ لَا رِقَّ عَلَيْهِ ، وَلَا وَلَاءَ ، فَادَّعَى نَسَبَ لَقِيطٍ لَا رِقَّ عَلَيْهِ ، وَلَا وَلَاءَ نُظِرَ فِي دَعْوَاهُ .

فَإِنِ ادَّعَاهُ وَلَدًا ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ إِذَا مُكِّنَتْ ، وَلَحِقَ بِهِ وَلَدًا وَنَاسَبَ جَمِيعَ مَنْ نَاسَبَهُ مُدَّعِيهِ ، مِنْ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ، وَإِخْوَانِهِ ، وَأَعْمَامِهِ ، سَوَاءٌ صَدَّقُوهُ عَلَيْهِ أَوْ خَالَفُوهُ ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أُجْرِيَ عَلَى اللَّقِيطِ حُكْمُ الْإِسْلَامَ وَوَجَبَ حِفْظُ نَسَبِهِ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ ، لِئَلَّا يُلَقِّنَهُ الْكُفْرَ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْكَفْرِ ، وَلَمْ يَجِبْ حِفْظُ نَسَبِهِ ، لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ، وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ، مُنِعَ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَصِفَ الْإِسْلَامَ ، إِذَا بَلَغَ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ إِخْرَاجِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِذَا أُجْبِرَ عَلَى الْكُفْرِ . وَإِنِ ادَّعَاهُ أَخًا ، وَلِمَ يَدَّعِيهِ وَلَدًا ، رُدَّتْ دَعْوَاهُ إِنْ كَانَ أَبُوهُ بَاقِيًا ، وَكَانَ الْأَبُ أَحَقُّ بِالدَّعْوَى مِنْهُ ، وَسُمِعَتْ إِنْ كَانَ مَيِّتًا ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَارِثٌ سِوَاهُ ، وَلَا يُسْمَعُ إِنْ وَرِثَهُ غَيْرُهُ ، حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ ، ثُمَّ إِذَا سُمِعَتْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ، وَأُلْحِقَ بِهِ أَخًا ، صَارَ مُنَاسِبًا لِجَمِيعِ مَنْ نَاسَبَهُ مِمَّنْ عَلَا وَسَفَلَ مِنْ عَصَبَاتٍ ، وَذَوِي أَرْحَامٍ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَالْكُفْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ . وَلَوِ ادَّعَى نَسَبَ بَالِغٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ ، لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ رِقٌّ ، وَلَا وَلَاءٌ كَانَتْ دَعْوَاهُ عَلَى تَصْدِيقِهِ ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَعَدِمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ لَحِقَ بِهِ نَسَبُهُ بِالدَّعْوَى ، وَالتَّصْدِيقِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمَيْنِ ، فَحِفْظُ نَسَبِهِمَا وَاجِبٌ فِي الْجِهَتَيْنِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ ، فَحِفْظُ نَسَبِهِمَا غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْجِهَتَيْنِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَا فِي الدَّعْوَى قَدْ تَنَازَعَا إِلَى حَاكِمٍ حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِلُحُوقِ النَّسَبِ ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ لِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي حَقِّ النَّسَبِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ مُسْلِمًا ، وَهُوَ يُقِرُّ بِالْكُفْرِ ، فَإِنْ كَانَ مَوْلُودًا عَلَى الْإِسْلَامِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ كَافِرًا ، وَقِيلَ : الْآنَ أَنْتَ بِتَصْدِيقِكَ لَهُ عَلَى الْأُبُوَّةِ مُسْلِمٌ ، وَادِّعَاؤُكَ الْكُفْرَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّدَّةِ ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ وَإِلَّا قُتِلْتَ ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مِنْ وِلَادَةِ الشِّرْكِ ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَوْلُودًا لَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ ، أُقِرَّ الْوَلَدُ عَلَى كُفْرِهِ ، وَوَجَبَ حِفْظُ نَسَبِهِ فِي حَقِّ أَبِيهِ ، دُونَ حَقِّهِ . وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ كَافِرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ أَبٌ كَافِرٌ ، وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَلْحَقَ نَسَبُهُ بِكَافِرٍ ، وَيَجْرِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ دِينِهِ ، وَوَجَبَ حِفْظُ نَسَبِهِ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي حَقِّ الْأَبِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ كَانُوا مَسْبِيَّيْنِ عَلَيْهِمْ رِقٌّ ، أَوْ أُعْتِقُوا فَثَبَتَ عَلَيْهِمْ وَلَاءٌ ، لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وِلَادَةٍ مَعْرُوفَةٍ قَبْلَ السَّبْيِ ، وَهَكَذَا أَهْلُ حِصْنٍ وَمَنْ يُحْمَلُ إِلَيْنَا مِنْهُمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسْبِيٌّ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ اسْتَرَقَّهُ مُسْلِمٌ وَأَعْتَقَهُ ، فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ ، ثُمَّ قَدِمَ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ مَنِ ادَّعَى نَسَبَهُ ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِدَعْوَاهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ النَّسَبِ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ فِي الْإِسْلَامِ ، حُكِمَ بِهَا وَثَبَتَ النَّسَبُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيهِ يَدَّعِي نَسَبًا أَعْلَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ ، أَوْ نَسَبًا أَسْفَلَ كَالْبُنُوَّةِ . وَإِنْ عَدِمَ مُدَّعِيهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُدَّعِي وَمَنْ عَلَيْهِ رِقٌّ ، أَوْ وَلَاءٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : مِنْ أَنْ يُصَدِّقَاهُ عَلَى النَّسَبِ ، فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَعْلَى مِنَ الْأُبُوَّةِ ، وَالْأَسْفَلِ مِنَ الْبُنُوَّةِ . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُنْكِرَاهُ ، أَوْ يُكَذِّبَاهُ ، فَلَا نَسَبَ وَلَيْسَ لَهُ إِحْلَافُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، أَمَّا الْعِتْقُ ، فَلِأَنَّ إِقْرَارَهُ لَا يَنْفَذُ مَعَ إِنْكَارِ مُعْتِقِهِ ، وَأَمَّا مُعْتِقُهُ ، فَيَلْتَزِمُ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ . وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يُنْكِرَهُ الْمُعْتِقُ ، وَيُصَدِّقَهُ مُعْتِقُهُ ، فَلَا نَسَبَ لَهُ ، وَلَهُ إِحْلَافُ الْمُعْتِقِ بَعْدَ تَصْدِيقِ مُعْتِقِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالنَّسَبِ ثَبَتَ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُعْتِقُ ، وَيُكَذِّبَهُ مُعَتِقُهُ ، فَلَا يَخْلُو مُدَّعِي النَّسَبِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبًا أَعْلَى ، أَوْ نَسَبًا أَسْفَلَ ، فَإِنِ ادَّعَى نَسَبًا أَعْلَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ ، لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبَ بَيْنَهُمَا مَعَ التَّصْدِيقِ ، الْأَثَرُ وَتَعْلِيلٌ : أَمَّا الْأَثَرُ : فَأَثَرَانِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ أَنْ لَا تُوَرِّثَ حَمِيلًا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ . وَالثَّانِي : مَا رَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِي مِيرَاثِ الْحَمِيلِ ، فَاجْمَعُوا أَنْ لَا يُوَرَّثَ حَمِيلٌ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ . فَصَارَ هَذَا الْأَثَرُ الثَّانِي إِجْمَاعًا . وَأَمَّا التَّعْلِيلُ : فَلِأَنَّ مُعْتِقَهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِوَلَائِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَرِثَهُ ، وَكَانَ لُحُوقُ النَّسَبِ يَدْفَعُهُ عَنِ الْمِيرَاثِ ، لِتَقْدِيمِ الْمِيرَاثِ بِالنَّسَبِ عَلَى الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا إِبْطَالُ حَقٍّ بِصِفَةٍ مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِينَ بِإِقْرَارٍ مَظْنُونٍ مُحْتَمَلٍ .

فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيِسَ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ يَرِثُهُ ؟ فَأَقَرَّ بِابْنٍ يَحْجُبُ أَخَاهُ عَنِ الْمِيرَاثِ ، ثَبَتَ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِهِ ، فَمَا الْفَرْقُ ؟ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ نَتِيجَةُ مِلْكٍ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ بِصِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِي دَفْعِهِ إِقْرَارٌ عَنْ مُشَارِكٍ فِيهِ ، وَالْمِيرَاثُ بِالنَّسَبِ مُشْتَرَكٌ ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِإِقْرَارِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ ، فَهَذَا حُكْمُ النَّسَبِ الْأَعْلَى . فَأَمَّا دَعْوَى النَّسَبِ الْأَسْفَلِ ميراث الحميل : وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَمِيلُ أَنَّ هَذَا الْمُعْتَقَ ابْنُهُ ، فَيُصَدِّقَهُ عَلَى الْبُنُوَّةِ وَيُكَذِّبَهُ مُعْتِقُهُ ، فَفِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَجْهَانِ : وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَعَ تَكْذِيبِ مُعْتِقِهِ ، كَالنَّسَبِ الْأَعْلَى . وَالثَّانِي : يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ مُعْتِقُهُ ، لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُ : لِإِدْخَالِ وَلَدِهِ فِي وَلَاءِ مُعْتِقِهِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ النَّسَبِ الْأَعْلَى ، فَلِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ الْأَسْفَلِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالنَّسَبِ الْأَعْلَى . وَسُمِّيَ حَمِيلًا ، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ بِنَسَبٍ مَجْهُولٍ . فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : " فَكَذَا أَهْلُ حِصْنٍ وَمَنْ يُحْمَلُ إِلَيْنَا مِنْهُمْ ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى طَائِفَةٍ ، قَالُوا إِنَّ الْحَمِيلَ إِذَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ حِصْنٍ أَوْ دَيْرٍ فَتَثْبُتُ وَهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ ، لِإِطْلَاقِ الْأَثَرِ وَعُمُومِ التَّعْلِيلِ . مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيِ الطِّفْلِ أَوِ الْمَعْتُوهِ كَانَ مُسْلِمًا ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، أَعْلَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْأَدْيَانِ ، وَالْأَعْلَى أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَهُ ، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَى قَوْلِنَا ، وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، فَإِنِ اجْتَمَعَ إِسْلَامُ الْأَبَوَيْنِ ، كَانَ إِسْلَامًا لِصِغَارِ أَوْلَادِهِمَا مَعَهُمَا يَكُونُ لِلْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ ، فَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ إِسْلَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا أَبًا أَوْ أُمًّا . وَقَالَ عَطَاءٌ : يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأُمِّ قَطْعًا وَمِنَ الْأَبِ ظَنًّا . وَقَالَ مَالِكٌ : يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ ، لِرُجُوعِهِ فِي النَّسَبِ إِلَى أَبِيهِ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) [ الزُّخْرُفِ : ] .

وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْمِلَّةُ ، فَدَلَّ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِمِلَّةِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) [ يس : ] . فَدَلَّ عَلَى إِضَافَةِ الْأَوْلَادِ إِلَى الْآبَاءِ ، دُونَ الْأُمَّهَاتِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [ الطُّورِ : ] . وَهُمْ ذُرِّيَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُتْبَعُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَهُمْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ " فَدَلَّ عَلَى إِسْلَامِهِمْ ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَقٌّ ، وَالْكُفْرَ بَاطِلٌ ، وَاتِّبَاعُ الْحَقِّ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ الْبَاطِلِ ، وَلِأَنَّ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ أَقْوَاهُمَا وَأَعْلَاهُمَا ، وَالْإِسْلَامُ أَقْوَى ، وَأَعْلَى مِنَ الْكُفْرِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَغْلِبَ الْإِسْلَامُ عَلَى حُكْمِ الْكُفْرِ ، لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) [ التَّوْبَةِ : ] . وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى " . وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيُّ ابْنِ أَمَةٍ أَسْلَمَ فِدْيَتُهُ دِيَةُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ تَزَوَّجَ كَافِرَةً فما حكم الولد كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا ، كَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ انْفِصَالٌ عَنْ دَلِيلِهِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [ الزُّخْرُفِ : ] . فَإِنَّهُ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لَهُمْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فِي عُدُولِهِمْ عَنْهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) ، [ يس : ] . فَهُوَ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّذْكِيرِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ الْجَدُّ ، أَوِ الْجَدَّةُ فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٌ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ بَقَاءِ الْأَبَوَيْنِ ، وَعَدَمِهِمَا ، لِأَنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ ، بِمَنْ دُونَهُمَا لِلْبَعْضِيَّةِ ، الَّتِي بَيْنَهُمَا كَالْأَبَوَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ بَقَاءِ الْأَبَوَيْنِ وَعَدَمِهِمَا لِأَنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ بِمَنْ دُونَهُمَا . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْأَبَوَيْنِ ، وَلَا يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ ، لِأَنَّهُمْ بِحُكْمِ الْأَقْرَبِ أَخَصُّ مِنْهُمْ بِحُكْمِ الْأَبْعَدِ ، إِذَا كَانَ بَاقِيًا ، وَالْمَوْجُودِ دُونَ الْمَفْقُودِ إِذَا كَانَ مَيِّتًا .

بَابُ مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ

بَابُ مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَسْكُنَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ بَعْدَ مَا تَفَرَّقَا ، كَانَ الْبَيْتُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ، أَوْ يَمُوتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا ، فَيَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَرَثَتُـهُمَا ، فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ ، فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً ، فَالْقِيَاسُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ عِنْدِي بِالْغَفْلَةِ عَنْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ ، هَذَا الْمَتَاعُ بِأَيْدِيِهِمَا جَمِيعًا ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَقَدْ يَمْلِكُ الرَّجُلُ مَتَاعَ الْمَرْأَةِ ، وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَتَاعَ الرَّجُلِ ، وَلَوِ اسْتَعْمَلْتُ الظُّنُونَ عَلَيْهِمَا ، لَحَكَمْتُ فِي عَطَّارٍ ، وَدَبَّاغٍ ، يَتَنَازَعَانِ عِطْرًا وَدِبَاغًا فِي أَيْدِيِهِمَا ، بِأَنْ نَجْعَلَ لِلْعَطَّارِ الْعِطْرَ وَلِلدَّبَّاغِ الدِّبَاغَ ، وَلَحَكَمْتُ فِيمَا يَتَنَازَعُ فِيهِ مُعْسِرٌ وَمُوسِرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ بِأَنْ أَجْعَلَهُ لِلْمُوسِرِ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالظُّنُونِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ فِي دَارٍ يَسْكُنَاهَا ، إِمَّا مِلْكًا لَهُمَا ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا ، أَوْ لِغَيْرِهِمَا ، فَاخْتَلَفَا فِي مَتَاعِهَا الَّذِي فِيهَا مِنْ آلَةٍ ، وَبُسُطٍ وَفُرُشٍ ، وَدَرَاهِمَ ، وَدَنَانِيرَ ، وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ ، أَوْ مَاتَا ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ وَرَثَتُهُمَا ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْبَاقِي وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَخٍ ، أَوْ أُخْتٍ ، وَكَانَا يَسْكُنَانِ دَارًا ، اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِهَا ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ . فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِمِلْكِ مَا ادَّعَاهُ ، حُكِمَ بِهَا ، وَإِنْ عَدِمَا الْبَيِّنَةَ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ ، فَهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي الْيَدِ حُكْمًا ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ ، فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا نِصْفَيْنِ ، وَيَشْتَرِكَانِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ كَالْعَمَائِمِ ، وَالطَّيَالِسَةِ ، وَالْأَقْبِيَةِ ، وَالسِّلَاحِ . وَفِيمَا يُخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ كَالْحُلِيِّ ، وَالْمَقَانِعِ ، وَمُصَبَّغَاتِ الثِّيَابِ ، وَقُمُصِ النِّسَاءِ . وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، مِنَ الْبُسُطِ ، وَالْفُرُشِ ، وَالْآلَةِ ، وَلَا يَخْتَصُّ الرِّجَالُ بِآلَةِ الرِّجَالِ ، وَلَا النِّسَاءُ بِآلَةِ النِّسَاءِ ، وَيَسْتَوِي فِيهَا يَدُ الْمُشَاهَدَةِ ، وَيَدُ الْحُكْمِ ، وَيَدُ الْمُشَاهَدَةِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا فِي أَيْدِيهِمَا ، وَيَدُ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِمَا .

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : يُجْعَلُ مَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لِلرِّجَالِ ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ ، فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ وَيَدِ الْحُكْمِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا يَدَ مُشَاهَدَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ حُكْمٍ ، كَانَ مَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لِلزَّوْجِ ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ لِلزَّوْجَةِ ، وَمَا يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ ، فَإِنْ مَاتَا قَامَ وَرَثَتُهُمَا مَقَامَهُمَا ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَبَقِيَ الْآخَرُ ، كَانَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِهِ قَوْلَ الْبَاقِي مِنْهُمَا ، فَصَارَ مُخَالِفًا لَنَا فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَيَدِ الْحُكْمِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ . وَالثَّانِي : فِيمَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا بَيْنَهُمَا . وَالثَّالِثُ : مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ جَعَلَهُ لِلزَّوْجَةِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا بَيْنَهُمَا . وَالرَّابِعُ : فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا جَعَلَهُ لِلزَّوْجِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا بَيْنَهُمَا . وَالْخَامِسُ : فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا جَعَلَهُ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا ، وَهُوَ عِنْدَنَا بَيْنَهُمَا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ، فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ ، أَنْ يَكُونَ جِهَازًا لِمِثْلِهَا ، وَقَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ ، وَقَالَ زُفَرُ بِمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي تَفْصِيلِ الْمَتَاعِ وَتَمْيِيزِهِ عَلَى الْفَرْقِ فِي الْمُشَاهَدَةِ بَيْنَ يَدِ الْمُشَاهَدَةِ وَيَدِ الْحُكْمِ ، أَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمُشَاهَدَةِ عَلَى نِصْفِهِ ، وَفِي الْحُكْمِ عَلَى جَمِيعِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ مُدَّعِيًا لَوِ ادَّعَاهُ فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ جَمِيعَهُ إِلَّا عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى دُونَ الْآخَرِ ، وَلَوِ ادَّعَاهُ فِي يَدِ الْحُكْمِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ جَمِيعَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَدَ الْمُشَاهَدَةِ ، يَدٌ عَلَى نِصْفِهِ ، وَيَدَ الْحُكْمِ يَدٌ عَلَى جَمِيعِهِ ، فَافْتَرَقَا ، فَلِذَلِكَ مَا افْتَرَقَا فِيهِ إِذَا تَنَازَعَا ، وَاسْتَدَامَا عَلَى التَّفْصِيلِ فِي يَدِ الْحُكْمِ ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ ، فَإِنَّ يَدَ الْحُكْمِ أَقْوَى مِنْ يَدِ الْمُشَاهَدَةِ ، فِي اسْتِيلَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ ، عَلَى جَمِيعِهِ وَاخْتِصَاصِهَا فِي الْمُشَاهَدَةِ عَلَى نِصْفِهِ ، فَلَمَّا وَقَعَ التَّرْجِيحُ فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ بَيْنَ رَاكِبِ الدَّابَّةِ ، وَقَائِدِهَا ، فِي جَعْلِ الدَّابَّةِ لِرَاكِبِهَا دُونَ قَائِدِهَا ، اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ، كَانَ التَّرْجِيحُ فِي يَدِ الْحُكْمِ ، بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ أَوْلَى . وَرُبَّمَا حَرَّرُوا قِيَاسًا ، وَقَالُوا : كُلُّ يَدٍ ثَبَتَ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ ، جَازَ أَنْ يَقَعَ فِيهَا التَّرْجِيعُ قِيَاسًا عَلَى يَدِ الْمُشَاهَدَةِ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْأَثَاثَ ، وَآلَتَهُ ، مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ دُونَهَا فَإِنَّهُ السَّابِقُ إِلَى اقْتِنَائِهِ ، وَالْمُنْفَرِدُ بِابْتِيَاعِهِ ، فَصَارَ فِيهِ أَرْجَحَ ، فَاخْتَصَّ بِهِ دُونَهَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا ، أَحَقُّ بِهِ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ ، فَإِنَّهُ أَسْبَقُ يَدًا ، وَأَقْوَى

تَصَرُّفًا ، وَأَظْهَرُ عِلْمًا ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْحَادِثَةَ ، إِذَا حَاذَاهَا أَصْلَانِ أُلْحِقَتْ بِأَقْوَاهُمَا شَبَهًا بِهَا ، كَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ . وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ فِي الْجَمِيعِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ " وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْيَدِ مُدَّعٍ ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ . وَلِأَنَّهُ أَثَرٌ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ ، فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ . وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْيَدِ يَمْنَعُ مِنَ التَّرْجِيحِ بِالْعُرْفِ ، قِيَاسًا عَلَى يَدِ الْمُشَاهَدَةِ . وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ يَدُ الْمُشَاهَدَةِ ، لَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ يَدُ الْحُكْمِ ، كَتَنَازُعِ الدَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ ، فِي عِطْرِهِ وَدِبَاغَتِهِ . وَلِأَنَّ مَا يَسْقُطُ فِيهِ اعْتِبَارًا الْعُرْفُ فِي الْيَدِ الْمُفْرَدَةِ ، سَقَطَ فِيهِ اعْتِبَارُهُ فِي الْيَدِ الْمُشْتَرَكَةِ ، كَالْغَنِيِّ ، وَالْفَقِيرِ ، فِي اللُّؤْلُؤِ ، وَالْجَوْهَرِ ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مَعَ اشْتِرَاكِ الْيَدِ مُعْتَبَرًا ، لَأَوْجَبَ تَنَازُعَ الْعَطَّارِ ، وَالدَّبَّاغِ فِي الْعِطْرِ وَالدِّبَاغَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْعِطْرَ لِلْعَطَّارِ وَالدِّبَاغَةَ لِلدَّبَّاغِ ، وَفِي تَنَازُعِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ، فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ أَنْ تُجْعَلَ لِلْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ ، وَفِي أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الصُّنَّاعِ ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَهُ ، فَكَذَلِكَ فِي أَثَاثِ الْبَيْتِ ، وَهَذَا إِلْزَامٌ لَا يَتَحَقَّقُ عَنْهُ انْفِصَالٌ وَيَدُ الْمُشَاهَدَةِ تَدْفَعُ جَمِيعَ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ أَنَّ يَدَ الْحُكْمِ تُوجِبُ اسْتِيلَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِهِ ، اسْتِشْهَادًا بِمَا ذَكَرُوهُ ، فَهِيَ أَنَّهَا دَعْوَى نُخَالِفُهُمْ فِيهَا ، وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِ الْحُكْمِ ، أَنْ يَدَّعِيَهُ إِلَّا عَلَيْهَا ، وَلَا يَدَّعِيَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَى نِصْفِهِ ، كَالْيَدِ الْمُشَاهَدَةِ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ ، ثُمَّ لَمَّا صَارَتْ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِهِ ، أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِتَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِبَعْضِهِ ، وَعَكْسُهُ فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ أَشْبَهُ ، لِتَفَرُّدِهِ بِالْيَدِ عَلَى الْبَعْضِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَلَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ رَاكِبِ الدَّابَّةِ ، وَقَائِدِهَا ، فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ، فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الرَّاكِبَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْقَائِدِ ، لِأَنَّ لِلرَّاكِبِ مَعَ الْيَدِ تَصَرُّفًا لَيْسَ لِلْقَائِدِ كَلَابِسِ الثَّوْبِ وَمُمْسِكِهِ ، يَكُونُ اللَّابِسُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْمُمْسِكِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الْأَثَاثِ ، مِنْ سُبُوقِ يَدِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ أَنَّهَا دَعْوَى مَدْفُوعَةٌ ، لِجَوَازِ أَنْ تَسْبِقَ يَدُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ بِصَنْعَةٍ أَوِ ابْتِيَاعٍ مِنْ صَانِعٍ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ

قَدْ تَرِثُ مَتَاعَ الرَّجُلِ ، وَالرَّجُلَ قَدْ يَرِثُ مَتَاعَ النِّسَاءِ ، وَإِنْ كَانَ فِي مِيرَاثِ مَتَاعِ الرِّجَالِ ، وَمَتَاعِ النِّسَاءِ ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ سَابِقَةٌ ، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِمَتَاعِ جِهَةٍ دُونَ صَاحِبِهِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِتَرْجِيحِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، فَهُوَ أَنَّ تَعَارُضَ الْأُصُولِ فِي الْأَحْكَامِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ الْأَشْبَهِ ، لِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ فِيهِ إِذَا انْفَرَدَ ، وَلَمَّا كَانَتِ الْأَمْلَاكُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَبَهُ الْعُرْفِ فِي الْيَدِ الْمُنْفَرِدَةِ ، لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْيَدِ الْمُشْتَرِكَةِ ، كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ .

فَصْلٌ : إِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَسَاوِي الزَّوْجَيْنِ ، فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ، تَحَالَفَا عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ ، وَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ ، لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِهِ ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِهِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، لِأَنَّ الْيَدَ مَا اخْتَصَّتْ بِالشَّيْءِ ، وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكُلِّ الْمَتَاعِ . فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ يَمْتَنِعُ هَذَا كَمَا لَمْ يَمْتَنِعْ فِي الرَّهْنِ ، إِذَا أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمُسْتَأْجِرِ يَدٌ عَلَى جَمِيعِهِ . قِيلَ : يَدُهُمَا فِي الرَّهْنِ مُخْتَلِفَةٌ ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُسْتَوْثِقٌ بِالرَّقَبَةِ ، وَالْمُسْتَأْجِرَ مُسْتَوْثِقٌ بِالْمَنْفَعَةِ ، وَيَدَهُمَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ مُتَّفِقَةٌ ، فَامْتَنَعَ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ فِي الرَّهْنِ . وَإِذَا وَجَبَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ ، لَا عَلَى جَمِيعِهِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَحْلِفَا ، فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا مِلْكًا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَنْكُلَا فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا يَدًا . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَحْلِفَ أَحَدُهُمَا وَيَنْكُلَ الْآخَرُ ، فَيُحْكَمُ لِلْحَالِفِ بِالنِّصْفِ ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ النَّاكِلِ تُرَدُّ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْحَالِفِ فَإِنْ حَلَفَ الْيَمِينَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّدِّ ، حُكِمَ لَهُ بِالْجَمِيعِ ، نِصْفُهُ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ ، وَنِصْفُهُ بِيَمِينِ الرَّدِّ بَعْدَ نُكُولِ صَاحِبِهِ ، وَإِنِ امْتَنَعَ فِي يَمِينِ الرَّدِّ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ ، إِلَّا فِي النِّصْفِ الَّذِي حَلَفَ بِيَمِينِ الْيَدِ وَكَانَ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ النَّاكِلِ مُقَرًّا عَلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ أَخْذِ الرَّجُلِ حَقَّهُ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ إِيَّاهُ

بَابُ أَخْذِ الرَّجُلِ حَقَّهُ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ إِيَّاهُ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَكَانَتْ هِنْدُ زَوْجَةً لِأَبِي سُفْيَانَ ، وَكَانَتِ الْقَيِّمَ عَلَى وَلَدِهَا لِصِغَرِهِمْ ، بِأَمْرِ زَوْجِهَا ، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا شَكَتْ إِلَيْهِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ ، فَمِثْلُهَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الرَّجُلِ ، فَيَمْنَعُهُ إِيَّاهُ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ بِوَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ، كَانَتْ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا بَاعَ عِرْضَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ حَقَّهُ ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَدِّ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " قِيلَ إِنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنِ الْخِيَانَةُ مَا أَذِنَ بِأَخْذِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا الْخِيَانَةُ أَنْ آخُذَ لَهُ دِرْهَمًا بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ دِرْهَمِي ، فَأَخُونُهُ بِدِرْهَمٍ ، كَمَا خَانَنِي فِي دِرْهَمِي ، فَلَيْسَ لِي أَنْ أَخُونَهُ بِأَخْذِ مَا لَيْسَ لِي وَإِنْ خَانَنِي " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُقِرٍّ وَمَلِيءٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَإِنْ أَخَذَهُ كَانَ آثِمًا ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَإِنْ كَانَ جِنْسَ دَيْنِهِ ، لِأَنَّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ أَيِّ أَمْوَالِهِ شَاءَ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِهِ ، وَيَجْرِي عَلَى مَا أَخَذَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا وَجَبَ لَهُ ، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَخْتَصُّ بِمَا فِي الذِّمَمِ ، دُونَ الْأَعْيَانِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَقْدِرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ ، فَهُوَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِالْمُحَاكَمَةِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ . فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ بِالْمُحَاكَمَةِ ، وَذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إِمَّا لِامْتِنَاعِ الْغَرِيمِ بِالْقُوَّةِ ، وَإِمَّا لِجُحُودِهِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ ، فَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ

قَدْرَ دَيْنِهِ سِرًّا ، بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، لَمْ يَتَجَاوَزْ إِلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ ، جَازَ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ، وَإِنْ قَدَرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى أَخْذِهِ بِالْمُحَاكَمَةِ ، وَعَجَزَ عَنْهُ بِغَيْرِ الْمُحَاكَمَةِ ، وَذَلِكَ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا لِمَطْلِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ ، أَوِ الْإِنْكَارِ مَعَ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَخْذِ دَيْنِهِ سِرًّا مِنْ جِنْسِهِ ، فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، لِأَنَّ إِحْوَاجَهُ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ عُدْوَانٌ مِنَ الْغَرِيمِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى أَخْذِهِ ، إِلَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، فَفِي جَوَازِ أَخْذِهِ سِرًّا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ تَعْلِيلًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عُدْوَانِ الْغَرِيمِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ، أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إِلَّا بِالْمُحَاكَمَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِمَا يَزُولُ عَنْهُ الْهَمُّ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ ، إِلَّا بِالْحَاكِمِ فَهَذَا شَرْحُ مَذْهَبِنَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ دَيْنِهِ إِذَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْ غَرِيمِهِ ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِهِ ، جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ دَنَانِيرَ ، أَوْ دَنَانِيرَ فَوَجَدَ دَرَاهِمَ ، لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فِي الْأَمْتِعَةِ وَالْعُرُوضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ ، احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " . وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا فِي يَدِ الْغَرِيمِ مِنْ رُهُونٍ ، وَوَدَائِعَ . وَلِأَنَّهُ إِذَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ [ إِمَّا أَنْ ] يَمْلِكَهُ أَوْ يَبِيعَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهُ ، لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَى بَيْعِهِ ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ فِي أَخْذِهِ . وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَمَقَالٌ " . فَكَانَتِ الْيَدُ عَلَى الْعُمُومِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عِيَاضٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ : إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ، وإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي ، وَوَلَدِي ، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ سِرًّا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " .

وَلِأَنَّ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُ جِنْسِهَا فِي مَالِهِ ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَمِنْ جِنْسِهِ ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ ، جَازَ لَهُ أَخْذُهُ مَعَ تَعَذُّرِ الْجِنْسِ أَنْ يُأْخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قِيَاسًا عَلَى أَخْذِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ ، جَازَ أَنْ يَتَوَصَّلَ مُسْتَحِقُّهُ إِلَى أَخْذِهِ ، إِذَا امْتَنَعَ بِحَسَبِ الْمُمْكِنِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحَاكَمَةِ . فَإِنْ قِيلَ : فَالْحَاكِمُ يُجْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَبِيعُ عَلَيْهِ . قِيلَ : عِنْدَنَا يَبِيعُ عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ ، إِذَا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ عُرُوضًا ، أَوْ عَقَارًا ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْعَقَارِ فِي الدُّيُونِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا مَبِيعٌ عَلَيْهِ ، فِي الْحَالَيْنِ جَبْرًا ، لِأَنَّ جَمِيعَ الدُّيُونِ تُقْضَى مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ كَدَيْنِ الْمَيِّتِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَهُوَ إِنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنْ لَا يَدْفَعَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ دَيْنِهِ ، وَهُوَ مَظْلُومٌ ، أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، وَهُوَ ظَالِمٌ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : " أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " . وَهُوَ أَنَّ الْأَمَانَةَ هِيَ الْوَدِيعَةُ تُؤَدَّى إِلَى مَالِكِهَا ، وَلَيْسَ مَالُ الْغَرِيمِ وَدِيعَةً ، يَكُونُ أَمَانَةً ، وَقَوْلِهِ " وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " فَلَيْسَ مُسْتَوْفِي حَقِّهِ خَائِنًا ، فَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ الْخِطَابُ . فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى الْخَبَرِ ؟ قِيلَ : يُحْمَلُ مَعْنَاهُ مَعَ ضَعْفِهِ ، عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إِمَّا عَلَى الْأَعْرَاضِ إِذَا هُتِكَتْ ، وَالْحُقُوقِ إِذَا بَطَلَتْ ، وَإِمَّا عَلَى الْوَدَائِعِ إِذَا جُحِدَتْ ثُمَّ أُدِّيَتْ . وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ رُهُونٍ وَوَدَائِعَ ، فَتِلْكَ لَا يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤْخَذَ فِي دَيْنِهِ ، وَهَذَا مَالُهُ فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ دَيْنِهِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالتَّقْسِيمِ فِي أَخْذِهِ مِلْكًا ، أَوْ مَبِيعًا فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ يُؤْخَذُ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ عَنِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرِ عَنِ الدَّرَاهِمِ ، وَلَا يُمْنَعُ جَوَازُهُ ، فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ لَنَا فِي الْبَيْعِ مَا سَنَذْكُرُهُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ أَخْذَهُ مِنْ جِنْسِهِ ، وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ . قِيلَ لَهُ : إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّكَ ، لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَعْدِلَ إِلَى غَيْرِ جِنْسِكَ ، وَكُنْتَ فِي أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مُتَعَدِّيًا ، فَإِنْ كَانَ حَقُّكَ دَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ إِلَّا دَرَاهِمَ ، وَإِنْ كَانَ حَقُّكَ دَنَانِيرَ ، لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ إِلَّا دَنَانِيرَ ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ حَقُّكَ بُرًّا ، أَوْ شَعِيرًا أَخَذْتَ جِنْسَ حَقِّكَ مِنَ الْبُرِّ ، وَالشَّعِيرِ .

وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِوَزْنِهِ ، وَكَيْلِهِ وَيَصِيرَ بِأَخْذِهِ فِي ضَمَانِهِ ، وَعَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ جِنْسُ حَقِّهِ وَعَدَلَ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ ، فَإِذَا أَخَذَهُ فَفِي حُكْمِ يَدِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا يَدُ أَمَانَةٍ ، لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ ، حَتَّى تُبَاعَ فَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْهُ كَالرَّهْنِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَلَفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ بَيْعِهِ ، كَانَ حَقُّهُ بَاقِيًا ، وَجَازَ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَالِ الْغَرِيمِ ثَانِيَةً ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ يَدَهُ ضَامِنَةٌ لِمَا أَخَذَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ ، وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، لِأَنَّ الرَّهْنَ عَنْ مُرَاضَاةٍ ، وَهَذَا عَنْ إِجْبَارٍ . فَعَلَى هَذَا إِنْ تَلَفَ فِي يَدِهِ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِصَاصًا عَنْ دَيْنِهِ إِذَا تَجَانَسَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ . وَإِذَا كَانَ مَا أَخَذَهُ بَاقِيًا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَبْقِيَهُ فِي يَدِهِ رَهْنًا ، لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ تُبْذَلُ وَقَبُولٍ ، فَإِنِ اسْتَبْقَاهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى بَيْعِهِ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ ، ضِمْنَهُ وَجْهًا وَاحِدًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ بَيْعَهُ فِي حَقِّهِ ، فَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ ، يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ ، لِتَعَذُّرِ بَيْعِ الْحَاكِمِ لَهُ ، إِذَا تَعَذَّرَتِ الْبَيِّنَةُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ ، لِامْتِنَاعِ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِبَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَالرَّهْنِ وَيَتَوَصَّلُ إِلَى بَيْعِ الْحَاكِمِ لَهُ ، بِأَنْ يَأْتَمِنَ عَلَيْهِ رَجُلًا ، وَيُحْضِرَهُ إِلَى الْحَاكِمِ ، وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى غَرِيمٍ وَقَدْ اؤْتُمِنَ هَذَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ أَنْ يَبِيعَهُ فِي دَيْنِي ، وَأَسْأَلُ إِلْزَامَهُ بَيْعَ ذَلِكَ ، وَإِلْزَامَهُ قَضَاءَ دَيْنِي مِنْ ثَمَنِهِ ، وَيَعْتَرِفُ الْحَاضِرُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الدَّيْنِ وَائْتِمَانِهِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ لِيُبَاعَ فِي دَيْنِهِ ، فَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْحَاكِمُ مَعَ يَدِهِ وَاعْتِرَافِهِ عَنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ ، وَلَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِإِذْنِهِ ، وَيَصِلُ صَاحِبُ الدَّيْنِ إِلَى حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ هَذَا ، وَأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ الدَّيْنَ عَلَى الْمَدْفُوعِ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَيُوَافِقَهُ عَلَى إِقْرَارِهِ ، وَأَنَّ مَا بِيَدِهِ مِلْكُهُ ، حَتَّى يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ ، وَهَذَا كَذِبٌ صُرَاحٌ ، وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ مُحْتَمَلٌ ، وَذِكْرُ صَرِيحِ الْكَذِبِ حَرَامٌ ، وَكَذَا التَّحَيُّلُ الْمَوْضُوعُ يَتَنَزَّهُ عَنْهُ أَهْلُ الْوَرَعِ وَالتَّحَرُّجِ ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

_____كِتَابُ الْعِتْق _____

بَابُ عِتْقِ الشِّرْكِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ

من أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْعِتْق بَابُ عِتْقِ الشِّرْكِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ ، وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمُ ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ ) وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِنَّمَا عِتْقُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ مِنَ الْقُرَبِ الَّتِي تَتَرَدَّدُ بَيْنَ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى العتق : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ . ( الْبَلَدِ : : ) يَعْنِي عِتْقَ رَقَبَةٍ مِنَ الرِّقِّ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : فِي جَهَنَّمَ عَقَبَةٌ لَا يَقْتَحِمُهَا إِلَّا مَنْ فَكَّ رَقَبَةً . وَقَالَ تَعَالَى : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يَعْنِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِتْقِ : وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ مُنْعَمًا . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ : " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ " ( النِّسَاءِ : ) ، وَفِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ " ، وَفِي الْكِتَابَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْعِتْقِ " فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا " ( النُّورِ : ) ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنَ النَّارِ . وَرَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ . وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَذَرَتْ أَنْ تَعْتِقَ عَشَرَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ ، فَسُبِيَ قَوْمٌ مَنْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَعْتِقِي الصَّمِيمَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَأَعْتِقِي هَؤُلَاءِ . .

وَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْمَانَ ، وَشُقْرَانَ ، وَثَوْبَانَ ، وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ . وَاشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بِلَالًا ، وَكَانَ يُعَذَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " بِلَالٌ سَيِّدُنَا وَعَتِيقُ سَيِّدِنَا " . وَفِي قَوْلِهِ : " بِلَالٌ سَيِّدُنَا " ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ : أَحَدُهَا : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَيِّدُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ . وَالثَّانِي : لِسَابِقَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِيهِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّوَاضُعَ وَكَسْرَ النَّفْسِ . وَقَدْ أَعْتَقَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الثَّرْوَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فِي عَصْرِ الرَّسُولِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَعْدَهُ ، فَدَلَّ عَلَى فَضْلِ الْعِتْقِ ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَكْثَرُهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَلِأَنَّ فِي الْعِتْقِ فَكًّا مِنْ ذُلِّ الرِّقِّ بِعِزِّ الْحُرِّيَّةِ ، وَكَمَالِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ نُقْصَانِهَا ، وَالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ الْمَنْعِ مِنْهُ ، وَتَمَلُّكِ الْمَالِ بَعْدَ حَظْرِهِ عَلَيْهِ ، فَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ مِنَ الْمُعْتِقِ ، وَأَجْزَلِ النِّعَمِ عَلَى الْمُعْتَقِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَّرَ بِهِ الذُّنُوبَ ، وَجَبَرَ بِهِ الْمَآثِمَ ، وَمَحَا بِهِ الْخَطَايَا ، وَمَا هُوَ بِهَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ .

فَصْلٌ الْعِتْقُ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ، فَالْعِتْقُ ضَرْبَانِ : وَاجِبٌ ، وَتَطَوُّعٌ فَالْوَاجِبُ : خَاصٌّ فِي بَعْضِ الرِّقَابِ : وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ . وَالتَّطَوُّعُ : أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ : مِنْ مُؤْمِنَةٍ ، وَكَافِرَةٍ ، وَسَلِيمَةٍ ، وَمَعِيبَةٍ . وَالْعِتْقُ يَقَعُ بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ ، وَكِنَايَةً . وَالصَّرِيحُ لَفْظَتَانِ : أَعْتَقْتُكَ ، وَحَرَّرْتُكَ . يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِمَا مَعَ وُجُودِ النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا . وَالْكِنَايَةُ : قَوْلُهُ حَرَّمْتُكَ ، وَسَبَيْتُكَ ، وَأَطْلَقْتُكَ ، وَخَلَّيْتُكَ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُعْتِقْ ، وَلَا يُعْتِقُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ كَالطَّلَاقِ ، وَيَصِحُّ مُعَجَّلًا ، وَمُؤَجَّلًا ، وَنَاجِزًا ، وَعَلَى صِفَةٍ ، وَبِعِوَضٍ ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ ، اعْتِبَارًا بِالطَّلَاقِ ، وَبِعِلْمِ الْعَبْدِ ، وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ ، وَمَعَ إِرَادَتِهِ ، وَكَرَاهَتِهِ .

فَصْلٌ الْعِتْقُ يَسْرِي كَسِرَايَةِ الطَّلَاقِ وَسِرَايَتُهُ أَعَمُّ مِنْ سِرَايَةِ الطَّلَاقِ

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَهُوَ يَسْرِي كَسِرَايَةِ الطَّلَاقِ ، وَسِرَايَتُهُ أَعَمُّ مِنْ سِرَايَةِ الطَّلَاقِ : لِأَنَّهُ يَسْرِي إِلَى مِلْكِ الْمُعْتَقِ وَإِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ ، وَسِرَايَةُ الطَّلَاقِ لَا تَسْرِي إِلَّا

إِلَى مِلْكِ الْمُطَلَّقِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ بَعْضًا مِنْ عَبْدِهِ ، حكم عتقه كَقَوْلِهِ : نِصْفُهُ حُرٌّ . عَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَلَمْ يَقِفِ الْعِتْقُ الَّذِي بَاشَرَهُ . وَرَوَى قَتَادَةُ ، عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لَكَ شَرِيكٌ . وَإِذَا أَعْتَقَ شُرَكَاءُ لَهُ فِي عَبْدٍ شِرْكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهُ ، وَرُوعِيَتْ حَالُهُ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى عِتْقُهُ إِلَى شَرِيكِهِ ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ قِيمَةُ حِصَّتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَا أَنْ يَعْتِقَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ ، وَكَانَتْ حِصَّتُهُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِ ، إِنْ شَاءَ أَعْتَقَهَا وَإِنْ شَاءَ اسْتَبْقَاهَا ، وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ فِيمَا رَقَّ مِنْهُ فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَتَتَبَعَّضُ فِي الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَبَعَّضَ فِيهِ فَيَكُونُ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مَرْقُوقًا . وَالْوَاجِبُ تَكْمِيلُ الْحُرِّيَّةِ في العتق فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وأعتق حقه في العبد المشترك كَانَ شَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : : أَحَدُهَا : أَنْ يَعْتِقَ حِصَّتَهُ مُبَاشَرَةً فَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي حِصَّتِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالسَّوِيَّةِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا . وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَأْخُذَ الْمُعْتِقُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ ، وَيَكُونُ الْمُعْتَقُ فِيهِ بَيْنَ خِيَارَيْنِ : إِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ فِي حِصَّتِهِ فِيهِ بِقِيمَتِهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ، كَانَ الشَّرِيكُ فِي حِصَّتِهِ بَيْنَ خِيَارَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَعْتِقَهَا وَإِمَّا أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِيهَا . وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ : لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ حِصَّتِهِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى عِتْقِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ . وَقَالَ الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ : يُعْتَقُ حِصَّةُ الْمُعْتِقِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الشَّرِيكِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يُعْتَقُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ عَلَى الْمُعْتِقِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ " .

قَالُوا : وَهَذَا نَصٌّ . قَالُوا : وَلِأَنَّ تَنَافِيَ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ تَمْنَعُ مِنْ تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ كَمَا امْتُنِعَ مِنْ تَبْعِيضِ الزَّوْجِيَّةِ إِبَاحَةً وَحَظْرًا . قَالُوا : وَلِأَنَّهُ مَا لَمْ تُبَعَّضِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ فِي مِلْكِ الْوَاحِدِ . لَمْ تُبَعَّضْ فِي مِلْكِ الِاثْنَيْنِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ عِتْقَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَجْعَلُ الْعَبْدَ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنْ حُرِّيَّةِ نَفْسِهِ كَالْغَاصِبِ فِي حَقِّ الْآخَرِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَسْعِيَ فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ كَمَا يُؤْخَذُ الْغَاصِبُ بِقِيمَةِ غَصْبِهِ . وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ ، وَإِلَّا فَقَدَ عَتَقَ مِنْهُ فَأُعْتِقَ وَرُقَّ مِنْهُ مَا رُقَّ " . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِتْقِهِ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ دُونَ حَقِّ الْمُعْسِرِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، وَرَوَى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، وَرَوَى أَيُّوبُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمْ وَجَزَّأَهُمُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . فَمَنَعَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ جَزَّأَهُمْ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَزِّئُهُمْ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ ، وَأَعْتَقَ مِنْهُمُ اثْنَيْنِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْتَرِقُّهُمْ ، وَأَوْجَبَ اسْتِسْعَاءَهُمْ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْهُ ، فَصَارَ مَذْهَبُهُ مُخَالِفًا لِلْخَبَرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَدْفُوعًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ عِتْقٌ بَعِوَضٍ ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ الْعَبْدُ كَالْكِتَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقَوَّمْ عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُعْسِرِ : فَأَوْلَى أَلَّا يُقَوَّمَ عَلَى الْعَبْدِ بِالسِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُعْسِرِ لِلْعِلْمِ بِإِعْسَارِ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، وَإِعْسَارِ الْمُعْتِقِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ . وَلِأَنَّ مَا يَقْتَفِيهِ التَّقْوِيمُ هُوَ الْعِتْقُ لِدُخُولِ الضَّرَرِ بِهِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ فَلَمَّا سَقَطَ التَّقْوِيمُ فِي حَقِّ الْمُعْتِقِ بِإِعْسَارِهِ وَهُوَ مُبَاشِرٌ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنِ الْعَبْدِ بِمَا قَدْ يَجُوزُ أَلَّا يَصِلَ إِلَيْهِ مِنْ سِعَايَتِهِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ ضَرَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِمْ بِالْخَبْرَيْنِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِيهِ .

وَالثَّانِي : اسْتِعْمَالُهُ . فَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فَمِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عِيسَى عَنْ سَعِيدٍ وَلَمْ يَذْكُرِ السِّعَايَةَ . وَالثَّانِي : أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ السِّعَايَةِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ قَتَادَةَ ، وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ مَنْ هُوَ أَضْبَطُ مِنْ سَعِيدٍ وَهُوَ مِسْعَرٌ الْحَافِظُ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ السِّعَايَةَ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ وَأَنَّ قَتَادَةَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ ، فَذَكَرَ قَتَادَةُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَوَهِمَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَضَمَّهُ إِلَى رِوَايَتِهِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ : رِوَايَةُ هَمَّامٍ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ فَصَّلَ مَذْهَبَ قَتَادَةَ عَنْ رِوَايَتِهِ ، وَسَعِيدٌ أَزْوَجَهَا فِي الرِّوَايَةِ . وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْخَبَرِ فِي السِّعَايَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُرَاضَاةِ ، دُونَ الْإِجْبَارِ إِذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَأَجَابَ إِلَيْهِ السَّيِّدُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ . وَالْإِجْبَارُ شَاقٌّ ، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ اسْتِفْعَالٌ ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِلطَّلَبِ . كَقَوْلِهِمُ اسْتَسْلَفَ ، وَاسْتَصْعَبَ ، وَاسْتَقْرَضَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اسْتِسْعَائِهِ فِي خِدْمَةِ الشَّرِيكِ وَاكْتِسَابِهِ لَهُ بِحَقِّ مِلْكِهِ لَا لِإِطْلَاقِ الِاسْتِسْعَاءِ فِي احْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ تَنَافِيَ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ يَمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ أَنَّا نُغَلِّبُ أَحَدَهُمَا وَلَا نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَزَالَ التَّنَافِي . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْوَاحِدِ ، فَهُوَ أَنَّ اخْتِيَارَهُ لِلْمُعْتِقِ أَوْجَبَ سِرَايَتَهُ إِلَى مِلْكِهِ ، وَلَمْ يُوجِبْ سِرَايَتَهُ إِلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ إِذَا اسْتَقَرَّ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَعْلِهِمُ الْعَبْدَ كَالْغَاصِبِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلٌ ، وَلَا لَهُ عَلَى رِقِّهِ يَدٌ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ كَالْغَاصِبِ الْمُتَعَدِّي بِيَدِهِ وَاسْتِهْلَاكِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ فِي عِتْقِ الْمُوسِرِ : " وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عِتْقِ الْمُوسِرِ " مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالْقَوْلِ وَبِدَفْعِ الْقِيمَةِ . وَالْآخَرُ أَنْ يَعْتِقَ الْمُوسِرُ ، وَلَوْ أَعْسَرَ كَانَ الْعَبْدُ حُرًّا ، وَاتُّبِعَ بِمَا ضُمِنَ ، وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ . ( قَالَ

الْمُزَنِيُّ ) وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي كِتَابِ " الْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ " وَقَالَ فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ " : يَعْتِقُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ ، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَنِيفَةَ " ، وَقَالَ أَيْضًا : فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ الموسر الذي أعتق حصته في عبد الشركة أُخِذَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ أَرْشِ الْمَالِ ، لَا يَمْنَعُهُ الْمَوْتُ حَقًّا لَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً . وَالْعَبْدُ حُرٌّ فِي شَهَادَتِهِ وَمِيرَاثِهِ وَجِنَايَاتِهِ ، قَبِلَ الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا . ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ قُطِعَ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى أَصَحُّ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَطْعُهُ بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقُرْعَةِ أَنَّ الْمُعْتِقَ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ حَتَّى أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى فَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْ أَعْتَقَ الثَّانِي كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لَوْ كَانَ مَلَكَهُ بِحَالِهِ لَوْ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ إِيَّاهُ وَقَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا كَالْعِتْقِ وَأَنَّ شَرِيكَهُ إِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ كَانَ مَهْرُهَا عَلَيْهِ تَامًّا وَفِي ذَلِكَ قَضَاءٌ لِمَا قُلْنَا وَدَلِيلٌ آخَرُ لَمَّا كَانَ الثَّمَنُ فِي إِجْمَاعِهِمْ ثَمَنَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي بَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَالْآخَرُ قِيمَةُ مُتْلَفٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّقْسِيطِ فَلَمَّا حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ بِالْقِيمَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا قِيمَةُ مُتْلَفٍ عَلَى شَرِيكِهِ يَوْمَ أَتْلَفَهُ فَهَذَا كُلُّ قَضَاءٍ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الْقَوْلُ يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عِتْقَ الْمُوسِرِ يَسْرِي إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي عِتْقِهَا عَلَيْهِ بِمَاذَا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : نَصَّ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ ، وَاخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَكِتَابِ الْوَصَايَا أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الشَّرِيكِ بِنُطْقِهِ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَيَدْفَعُهَا بَعْدَ نُفُوذِ الْعِتْقِ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ إِلَى شَرِيكِهِ وَهُوَ قَبْلَ دَفْعِهَا عَلَى بَقَاءِ حِصَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : الْأَشْبَهُ ذَكَرَهُ عَنْهُ الْبُوَيْطِيُّ وَحَرْمَلَةُ ، أَنَّ الْعِتْقَ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ حكمه مَوْقُوفٌ مُرَاعًى فَإِذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ بِاللَّفْظِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنِ الرِّقِّ . وَنَظِيرُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ مَتَى يَنْتَقِلُ عَنِ الْبَائِعِ إِلَى الْمُشْتَرِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : بِالْعَقْدِ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَانِ الْخِيَارِ .

وَالثَّانِي : بِالْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى . فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا . فَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فَدَلِيلُهُ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَكَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ " وَلِأَنَّ فِيهِ الْحِصَّةَ مُعْتَبَرَةٌ وَقْتَ عِتْقِهِ فَدَلَّ عَلَى نُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهَا بِلَفْظَةٍ . وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَدَلِيلُهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَيُّمَا عَبْدٍ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ قِسْمَةَ عَدْلٍ لَيْسَتْ بِوَكْسٍ وَلَا شَطَطٍ ثُمَّ يُعْتَقُ " وَلِأَنَّ الْعِتْقَ عَنْ عِوَضٍ فَتَحْرِيمُهُ يَدْفَعُ الْعِوَضَ كَالْكِتَابَةِ . وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ : أَنَّ الْعِتْقَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى فَدَلِيلُهُ أَنَّ تَعَارُضَ الرِّوَايَتَيْنِ يَقْتَضِي الْوَقْفَ وَالْمُرَاعَاةَ لِاسْتِعْمَالِ الْخَبْرَيْنِ ، وَلِأَنَّ فِي الْوَقْفِ إِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالْعَبْدِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إِدْخَالِهِ عَلَى الشَّرِيكِ بِتَعْجِيلِ الْعِتْقِ أَوْ عَلَى الْعَبْدِ بِتَأْخِيرِهِ ، وَيَكُونُ وَقْفُ عِتْقِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ أَيَسْلَمُ فَيَخْرُجُ الْعِتْقُ مِنْ ثُلُثِهِ ، أَوْ يَتْلَفُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ تَحْرِيرُ عِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى سَلَامَةِ مَالِهِ ، فَإِنْ سَلِمَ عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ حِينِ تَلَفَّظَ بِعِتْقِهِ وَإِنْ تَلِفَ مَالُهُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إِلَّا ثُلُثُهُ ، وَأَنَّ بَاقِيَهُ لَمْ يَزَلْ مَوْقُوفًا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَشْهَرَ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ تُعْتَقُ بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ، وَتَكَلَّمَ عَلَى قِيمَتِهِ فُصُولًا بَعْضُهَا تَحْقِيقٌ لِمَذْهَبِهِ وَبَعْضُهَا نُصْرَةٌ لِصِحَّتِهِ . فَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي الْعِتْقِ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ : يَعْتِقُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَجَعَلَ الْمُزَنِيُّ تَكْرَارَ هَذَا الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ فِيهَا إِثْبَاتًا لَهُ وَنَفْيًا لِغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمَ لِأَنَّ أَقَاوِيلَهُ إِذَا فُرِّقَتْ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَكْرَارِهَا

فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَلَوْ كَانَ مَا تَوَهَّمَ صَحِيحًا لَاقْتَضَى إِذَا كَرَّرَ أَحَدَهُمَا فِي مَوَاضِعَ وَكَرَّرَ الْأُخْرَى فِي مَوَاضِعَ أَنْ يَكُونَ نَافِيًا لَهُمَا وَالَّذِي يَقْتَضِي تَحْقِيقَ مَذْهَبِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَقُولَ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَحْتَجْ لَهُ . فَأَمَّا تَكْرَارُهُ وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تَأْثِيرَ لَهُمَا كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِزِيَادَةِ الشُّهُودِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَهَا تَأْثِيرٌ فِي أَنَّ غَيْرَهَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ . وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَصِيرُ بِهَا أَرْجَحَ مِنْ غَيْرِهِ فَرَجَّحَ بِهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُرَجِّحْ بِهَا آخَرُونَ . وَالْفَصْلُ الثَّانِي قَالَ الْمُزَنِيُّ : فَقَالَ - يَعْنِي الشَّافِعِيَّ - فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ الموسر الذي أعتق حصته في عبد الشركة أَخَذَ مَا لَزِمَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَمْنَعُ الْمَوْتُ حَقًّا لَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ احْتِجَاجًا أَنَّ أَخْذَ قِيمَةِ الْحِصَّةِ مِنْ شَرِيكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ دَلِيلٌ عَلَى نُفُوذِ الْعِتْقِ فِي حَيَاتِهِ وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَرِيكِهِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ فِي أَحَدِهَا ، فَقَدْ كَانَ مِنْهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِعِتْقِهِ ، فَكَانَ مَأْخُوذًا بِعِتْقِهِ فِي تَرِكَتِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ عَبْدًا فَسَرَى الْجُرْحُ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ وَجَبَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَكَذَلِكَ إِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، وَمَاتَ ، كَانَ غُرْمُ مَا تَلِفَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ وَجَبَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ فِي حَيَاتِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ مِنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى نُفُوذِ الْعِتْقِ فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّنَا إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ ، كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، مَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فِي حَيَاتِهِ . وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي : أَنَّهُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ، فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِعِتْقِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غُرْمُ الْقِيمَةِ فِي تَرِكَتِهِ ، لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِعِتْقِهِ ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ فِي شَهَادَتِهِ ، وَحُدُودِهِ ، وَمِيرَاثِهِ ، وَجِنَايَاتِهِ ، قَبْلَ الْقِيمَةِ وَبَعْدَهَا ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ قِيلَ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ بِاللَّفْظِ ، جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ فِي شَهَادَاتِهِ ، وَوَاجِبَاتِهِ ، وَجِنَايَاتِهِ ، وَحُدُودِهِ ، وَمِيرَاثِهِ . وَإِنْ قِيلَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ ، إِلَّا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ، جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَبِيدِ فِي هَذَا كُلِّهِ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّ عِتْقَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ ، كَانَتْ أَحْكَامُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ ، مَوْقُوفَةً ، فَإِنْ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ، جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ فِي جَمِيعِهَا ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ بِهَا ، جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعَبِيدِ فِي جَمِيعِهَا ، فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَحَدِ أَقَاوِيلِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ . وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : فَقَدْ قَطَعَ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى أَصَحُّ قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَمَا

قَطَعَ بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ ، أَوْلَى مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْنِ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ ، إِنْ كَانَ مِنْهُ قَطْعًا بِصِحَّتِهِ كَانَ تَحْقِيقًا لِمَذْهَبِهِ وَعُدُولًا عَنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَطَعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِيهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ ، وَالْمُزَنِيُّ عَدْلٌ فِيمَا رَوَاهُ مَعْمُولٌ بِمَا حَكَاهُ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَتِهِ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ ، فَلَا امْتِنَاعَ مِنْ تَصْحِيحِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ . وَالْفَصْلُ الْخَامِسُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَدِيمِ ، أَنَّ الْعِتْقَ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ ، حَتَّى أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ ، وَالْأَمْوَاتِ ، فَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى . فَيُقَالُ لَهُ . أَمَّا الْقُرْعَةُ بَيْنَ مَنْ أَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ إِذَا عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ قِيمَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَاجِبَةٌ ، وَخُرُوجُهَا لِأَحَدِهِمْ ، مُوجِبٌ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ ، وَخَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، بَانَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَذْهَبُهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِتْقِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَخْذِ قِيمَتِهِ ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، فَإِنَّ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ صَادَفَ مِلْكَهُ ، فَوَقَعَ وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْقُرْعَةُ لِاسْتِرْقَاقِ مَا عَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ ، فَصَارَ الْعِتْقُ مُتَقَدِّمًا ، وَاسْتِدْرَاكُهُ بِالْعَجْزِ مُتَأَخِّرًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِتْقُهُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَرَى إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ ، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ السِّرَايَةُ إِلَّا بِدَفْعِ بَدَلِهِ ، لِئَلَّا يُزَالَ مِلْكُهُ الْمُسْتَقِرُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ مُسْتَقِرٍّ ، ثُمَّ يُسْتَخْرَجُ مِنْ مَعْنَى الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ لَمَّا لَمْ يَتَحَرَّرْ إِلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَا قِيمَتِهِ وَجَبَ أَلَّا تُعْتَقَ حِصَّةُ الشَّرِيكِ ، إِلَّا بِأَنْ يَصِلَ إِلَى قِيمَتِهِ فَيَصِيرُ مَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ . الْفَصْلُ السَّادِسُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ أَعْتَقَ الثَّانِي ، كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكُهُ بِحَالَةِ الْعِتْقِ ، بِإِعْتَاقِهِ إِيَّاهُ ، قِيلَ : قَدْ ذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّ عِتْقَ الشَّرِيكِ لَا يَقَعُ إِذَا قِيلَ إِنَّ حِصَّتَهُ قَدْ عَتَقَتْ عَلَى الْمُعْتِقِ بِلَفْظِهِ ، وَيُعْتَقُ عَلَى الشَّرِيكِ إِذَا قِيلَ إِنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَخَلَصَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ ، أَنَّ عِتْقَ الشَّرِيكِ لَا يَقَعُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ إِنْ قِيلَ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ سَرَى إِلَى حِصَّتِهِ ، فَقَدْ أَعْتَقَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الْعِتْقَ لَا يَسْرِي إِلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا لِلْمُعْتِقِ حَقُّ السِّرَايَةِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ ، فَأَوْقَعَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي مِلْكِهِ حَجْرًا مَنَعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِعِتْقٍ وَغَيْرِهِ ، وَالْحَجْرُ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْعِتْقِ مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ ، كَالْأَمَةِ إِذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلْبُضْعِ لِمَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجَةِ مِنَ الْفَسْخِ ، وَصَارَ حَقُّهَا فِيهِ مَوْقِعًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي طَلَاقِهِ ،

فَإِنْ فَسَخَتْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَإِنْ أَقَامَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِرَفْعِ الْحَجْرِ بِالْإِقَامَةِ . وَالْفَصْلُ السَّابِعُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَقَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِنْ أَحْبَلَهَا أَحَدُهُمَا حكمه صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ، كَالْعِتْقِ وَإِنَّ شَرِيكَهُ إِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ كَانَ مَهْرُهَا عَلَيْهِ تَامًّا . وَفِي ذَلِكَ قَضَاءٌ لِمَا قَبْلُ ؛ لِأَنَّ إِحْبَالَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَهَا جَارٍ مَجْرَى عِتْقِهِ ، لَهُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْإِحْبَالِ ، فَإِذَا وَطِئَهَا الشَّرِيكُ الْآخَرُ ، كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَهْرِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ ، لَا تَصِيرُ لِلْمُحْبِلِ أُمَّ وَلَدٍ ، إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ وَطِئَهَا الشَّرِيكُ ، كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ دَفَعَ الْمُحْبِلُ الْقِيمَةَ بَانَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ بِالْإِحْبَالِ ، وَكَانَ عَلَى الشَّرِيكِ إِذَا وَطِئَ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعِ الْقِيمَةَ بَانَ أَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا إِلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْإِحْبَالِ وَالْعِتْقِ فَرْقٌ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اسْتِشْهَادِهِ بِهِ دَلِيلٌ . وَالْفَصْلُ الثَّامِنُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَدَلِيلٌ آخَرُ لَمَّا كَانَ الثَّمَنُ فِي إِجْمَاعِهِمْ بِتَمْيِيزِ أَحَدِهِمَا بَيْعًا عَنْ تَرَاضٍ ، يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَالْآخَرُ فِيهِ تَلَفٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّقْسِيطِ ، فَلَمَّا حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُعْتِقِ بِالْقِيمَةِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهَا قِيمَةُ مُتْلَفٍ عَلَى شَرِيكِهِ ، يَوْمَ أَتْلَفَهُ . فَهَذَا كُلُّهُ قَضَاءٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . فَيُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ : جَعَلْتَ الْأَثْمَانَ ضَرْبَيْنِ : ( الْأَوَّلُ ) ضَرْبٌ لِأَعْيَانٍ ثَابِتَةٍ بِعَقْدٍ عَنْ تَرَاضٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ كَالْبَيْعِ . ( الثَّانِي ) وَضَرْبٌ يَكُونُ فِيهِ مُتْلَفًا وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ كَالشَّرِيكِ فَجَعَلْتَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ لِمَا اسْتَحَقَّ فِيهَا مِقْدَارًا ، لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ ، أَنَّهُ قِيمَةُ مُتْلَفٍ بِالْعِتْقِ . وَهَاهُنَا ضَرْبٌ ثَالِثٌ ، يُسْتَحَقُّ فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّغَابُنُ وَلَيْسَ بِمُتْلَفٍ ، وَلَا مُسْتَهْلَكٍ وَهُوَ الشَّفِيعُ يَنْتَزِعُ الشِّقْصَ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهِ التَّغَابُنُ ، وَلَيْسَ بِتَالِفٍ ، وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ، عَلَى زَيْدٍ اسْتَحَقَّ بَيْعَهُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ الْمُقَدَّرَةِ ، وَلَيْسَ بِتَالِفٍ فَلَمَّا كَانَ هَذَا ضَرْبًا ثَالِثًا تَقَدَّرَ فِيهِ الثَّمَنُ وَزَالَ عَنْهُ التَّغَابُنُ ، وَهَذَا بَاقٍ غَيْرُ تَالِفٍ دَخَلَتْ فِيهِ حِصَّةُ الشَّرِيكِ الْمُقَدَّرَةُ عَنْ غَيْرِ مُتْلَفٍ .

وَهَذَا مِنَ الضَّرْبِ الثَّالِثِ وَإِنْ خَرَجَ عَنِ الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ يَكُونُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ ، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى التَّفْرِيعِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا . فَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَيْهَا ، هَلْ يَقْتَرِنُ بِعِتْقِ مِلْكِهِ ، أَوْ يَتَعَقَّبُهُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ نُفُوذِ الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُعْتَقُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ نُفُوذِ الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ وَلَا يُعْتَقُ الْجَمِيعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَفْظِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلَفَّظَ بِعِتْقِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ لَمْ يُعْتَقْ بِلَفْظِهِ ، فَدَلَّ عَلَى عِتْقِهِ بِالسِّرَايَةِ دُونَ لَفْظِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : قَالَهُ شَاذٌّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ جَمِيعَهُ يُعْتَقُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عِتْقَ مُبَاشَرَةٍ ، لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُمَا عَنْ لَفْظٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا بِاللَّفْظِ ، وَيَكُونُ الْمُعْتَقُ مَأْخُوذًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، عَقِيبَ عِتْقِهِ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي بِقِيمَتِهِ مَعَ عِتْقِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ عَقِيبَ الْعِتْقِ ، مَاتَ حُرًّا ، وَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ ، وَلَمْ تَسْقُطِ الْقِيمَةُ عَنْ مُعْتِقِهِ ، وَيَمْلِكُ إِكْسَابَ نَفْسِهِ ، وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهُ ، وَزَكَاةُ فِطْرِهِ ، عَنْ مُعْتِقِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ أَعْسَرَ بِهَا ، بَعْدَ يَسَارِهِ كَانَتْ دَيْنًا يُحَاصُّ بِهَا الشَّرِيكُ جَمِيعَ غُرَمَائِهِ ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْمُعْتِقُ وَالشَّرِيكُ فِي قِيمَةِ الْحِصَّةِ ، وَتَعَذَّرَتِ الْبَيِّنَةُ بِهَا ، كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْمُعْتِقِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أَمَةٌ حَامِلٌ ، فَوَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا ، وَقَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهَا ، عَتَقَ مَعَهَا ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَةُ وَلَدِهَا . وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ كَانَ مَوْرُوثًا وَوَارِثًا . وَلَوْ ضُرِبَ بَطْنُهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، كَانَ فِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ ، أَوْ أَمَةٍ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ . وَإِذَا قِيلَ بِالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَهَلْ يَكُونُ الْعِتْقُ مُعْتَبَرًا بِالدَّفْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ ، أَمْ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ الْعِتْقُ مُعْتَبَرًا بِدَفْعِ الْمُعْتَقِ ، وَتَمْكِينِ الشَّرِيكَيْنِ قَبْضَهُ ، سَوَاءٌ قَبَضَهُ مِنْهُ ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَاقِعٌ بِهَا فَاعْتُبِرَ بِفِعْلِ مَنْ كَانَ الْعِتْقُ وَاقِعًا فِي حَقِّهِ ، فَعَلَى هَذَا تَصِيرُ الْقِيمَةُ دَاخِلَةً فِي مِلْكِ الشَّرِيكِ بِدَفْعِ الْمُعْتِقِ لَهَا ، وَتَمَكُّنِ الشَّرِيكِ مِنْ قَبْضِهَا ، وَلَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ دُونَ الْمُعْتِقِ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمُهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُعْتَقُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، حَتَّى يَقْبِضَهَا الشَّرِيكُ لِأَنَّ تَأَخُّرَ الْعِتْقِ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ ، إِنَّمَا وَجَبَ لِيَصِلَ إِلَى حَقِّهِ مِنْهَا ، وَهُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ وَاصِلٍ إِلَيْهِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ ، فَإِنْ تَمَانَعَ مِنَ الْقَبْضِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ

تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ ، كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ مَالِ الْمُعْتِقِ دُونَ الشَّرِيكِ ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ غُرْمُهَا ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا لَوْ أَبْرَأَ الشَّرِيكَ مِنَ الْقِيمَةِ ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا الْمُعْتِقُ ، لِوُقُوعِ الْعِتْقِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَلَيْسَ الْإِبْرَاءُ دَفْعًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ إِبْرَاءِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ عَتَقَ بِهِ ، وَقَامَ مَقَامَ أَدَائِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْكِتَابَةِ عَنْ مُرَاضَاةٍ فَغَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الدُّيُونِ فِي الذِّمَمِ ، وَهَذَا الْمُعْتِقُ عَنْ إِجْبَارٍ فَغَلَبَ فِيهَا حَكْمُ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ، وَيَكُونُ لِمُعْتِقِهِ نِصْفُ وَلَائِهِ . يَسْتَحِقُّ بِهِ نِصْفَ مِيرَاثِهِ ، وَنِصْفُهُ الْآخَرُ رِقًّا لِشَرِيكِهِ يَمْلِكُ بِهِ نِصْفَ مَا تَرَكَهُ الْعَبْدُ مِنْ مَالٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ لِمَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَحَبْسِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي حَقِّهِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ دَفْعُ الْقِيمَةِ مُوجِبًا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهِ ، عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْرَّمَ بِحُكْمِ الْعِتْقِ مَا لَا يُنَفَّذُ فِيهِ الْعِتْقُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَإِذَا كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أَمَةٌ حَامِلٌ ، فَوَلَدَتْ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، كَانَتْ حِصَّةُ الْمُعْتِقِ مِنْهُ مَوْلُودَةً عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، وَحِصَّةُ الشَّرِيكِ مِنْهُ مَوْلُودَةً عَلَى الرِّقِّ ، وَالْمُعْتِقُ مَأْخُوذٌ بِقِيمَتِهَا كَالْأُمِّ ، وَيُعْتَقَانِ مَعًا عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ . وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةِ جَنِينٍ حُرٍّ ، وَنِصْفُ دِيَةِ جَنِينٍ مَمْلُوكٍ ، فَيَكُونُ فِيهِ نِصْفُ الْغُرَّةِ ، وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ يَرِثُ الْمُعْتِقُ مَا وَجَبَ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَيَمْلِكُ الشَّرِيكُ ، مَا وَجَبَ بِرِقِّهِ ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ حِصَّةَ الشَّرِيكِ مِنَ الْجَنِينِ وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ ، لَا يُضْمَنُ إِلَّا بِالْجِنَايَةِ ، ثُمَّ نَفَقَةُ الْعَبْدِ ، وَزَكَاةُ فِطْرِهِ سَاقِطَةٌ عَنْ مُعْتِقِهِ ، وَمُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ الْمَالِكِ لِرِقِّ حِصَّتِهِ ، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ إِلَّا بَعْدَ عِتْقِهَا ، بِأَخْذِ قِيمَتِهَا وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ ، فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الشَّرِيكِ دُونَ الْمُعْتِقِ ، لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَزُلْ إِلَّا بِقَوْلِهِ . وَإِنْ قِيلَ بِالثَّالِثِ : أَنَّ الْعِتْقَ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ ، مَوْقُوفٌ مُرَاعًى ، فَإِنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ بَانَ بِهَا ، تَقَدَّمَ الْعِتْقُ بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ وَجَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْقِيمَةِ لَمْ يَعْتِقْ وَجَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَدَفْعُ الْقِيمَةِ وَاجِبٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِنْ بَذَلَهَا الْمُعْتِقُ أُجْبِرَ الشَّرِيكَ عَلَى قَبْضِهَا ، وَإِنْ طَلَبَهَا الشَّرِيكُ أُجْبِرَ الْمُعْتِقُ عَلَى دَفْعِهَا ، وَإِنْ أَمْسَكَ الشَّرِيكُ عَنِ الطَّلَبِ ، وَأَمْسَكَ الْمُعْتِقُ عَنِ الدَّفْعِ ، كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُعْتِقَ بِالدَّفْعِ ، وَالشَّرِيكَ بِالْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُمَا بِذَلِكَ لِمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِمَا مِنْ

تَكْمِيلِ عِتْقِهِ ، فَإِنْ أَمْسَكَ الْعَبْدُ - مَعَ إِمْسَاكِهِمَا - كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِتَكْمِيلِ الْعِتْقِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى . وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ دَفْعِ الْقِيمَةِ المستحقة على من أعتقه اسْتَحَقَّهَا الشَّرِيكُ عَلَى الْمُعْتِقِ ، وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا يُوجِبُ تَقَدُّمَ عِتْقِهِ بِاللَّفْظِ ، وَيَكُونُ وَلَاءُ نِصْفِهِ مُسْتَحَقًّا لِلْمُعْتِقِ ، وَوَلَاءُ نِصْفِهِ الْبَاقِي مَوْقُوفًا عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَيَكُونُ إِكْسَابُ الْعَبْدِ فِي حَيَاتِهِ - يَمْلِكُ مِنْهَا نِصْفَهَا بِحُرِّيَّتِهِ ، وَنِصْفُهَا مَوْقُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ الْمَالِكِ لِرِقِّهِ وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَدْرِ رِقِّهِ . وَإِذَا أَعْسَرَ الْمُعْتِقُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ يَسَارِهِ ، المستحقة على من أعتقه أُنْظِرَ بِهَا إِلَى مَيْسَرِتِهِ وَكَانَ قَدْرُ الرِّقِّ وَالْكَسْبِ عَلَى وَقْفِهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَلَى إِعْسَارِهِ ارْتَفَعَ الْوَقْفُ وَتَصَرَّفَ الشَّرِيكُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَرَقِّ وَمَلَكَ مَا قَابَلَهُ مِنَ الْكَسْبِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

مَسْأَلَةٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُوسِرٌ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُدَّعِي وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُوسِرٌ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُدَّعِي وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَادَّعَى قِيمَةَ نَصِيبِهِ عَلَى شَرِيكِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ ، وَأَنَّ عِتْقَهُ سَرَى إِلَى حِصَّتِهِ ، وَطَالَبَهُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ ، فَلَا يَخْلُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُقِرَّ بِالْعِتْقِ ، أَوْ يُنْكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَفِي عِتْقِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : يُعْتَقُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ بِقِيمَتِهَا ، وَيَكُونُ لَهُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا تُعْتَقُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إِلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِدَفْعِهَا حَتَّى يَتَكَامَلَ الْعِتْقُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : إِنَّ عِتْقَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَإِذَا دُفِعَتْ بَانَ تَقَدُّمُ الْعِتْقِ بِاللَّفْظِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعِتْقَ ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ وَهِيَ شَاهِدَانِ ، وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ لِمِلْكِهِ وَكَانَ عِتْقُ حِصَّةِ الْمُدَّعِي عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا شَاهِدٌ ، وَامْرَأَتَانِ ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ فِي عِتْقٍ ، وَإِنْ عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ ، أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ وَحِصَّتُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ . وَفِي عِتْقِ حِصَّةِ الْمُدَّعِي قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ حِصَّتَهُ تُعْتَقُ عَلَيْهِ ، إِذَا قِيلَ إِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي بِنَفْسِ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ، وَيَنْفَعُ غَيْرَهُ ، فَقُبِلَ إِقْرَارُهُ ، عَلَى نَصِيبِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ بِالْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ،

أَوْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ عَتَقَتْ حِصَّةُ الْمُدَّعِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ إِلَى حِصَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لَزِمَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَرِثَ مِنْ رِقِّ ابْنِهِ سَهْمًا ، عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى بَاقِيهِ . وَكَانَ وَلَاءُ مَا عَتَقَ مِنْهُ مَوْقُوفًا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَإِذَا لَمْ تُعْتَقْ حِصَّةُ الْمُدَّعِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَانَتْ مُقَرَّةً عَلَى مِلْكِهِ ، وَفِي جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ لِاسْتِقْرَارُ مِلْكِهِ عَلَيْهَا بِإِبْطَالِ السِّرَايَةِ إِلَيْهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ لِإِقْرَارِهِ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ . فَلَوْ عَادَ الْمُنْكِرُ فَاعْتَرَفَ بِالْعِتْقِ بَعْدَ جُحُودِهِ ، عَتَقَ مِلْكَهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ سِرَايَةُ عِتْقِهِ إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ .

مَسْأَلَةٌ ادَّعَى شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنِ ادَّعَى شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ ، قَالَ : وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إِذَا لَمْ يُعْتَقْ نَصِيبُ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْتَقْ نَصِيبُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَقُ بِالْأَوَّلِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قَدْ قَطَعَ بِجَوَابِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ صَاحِبَهُ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَقَدْ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ قِيمَتَهُ فَتَفَهَّمْ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَضُرُّهُ لَزِمَهُ ، وَمَنِ ادَّعَى حَقًّا لَمْ يَجِبْ لَهُ وَهَذَا مُقِرٌّ لِلْعَبْدِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ فَيَلْزَمُهُ وَمُدَّعٍ عَلَى شَرِيكِهِ بِقِيمَةٍ لَا تَجِبُ لَهُ وَمِنْ قَوْلِهِ ، وَجَمِيعُ مَنْ عَرَفْتُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ بِعْتُكَ نَصِيبِي بِثَمَنٍ وَسَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ وَإِنَّكَ قَبَضْتَهُ وَأَعْتَقْتَهُ وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْعِتْقِ لِنَصِيبِهِ نَافِذٌ عَلَيْهِ مُدَّعٍ لِثَمَنٍ لَا يَجِبُ لَهُ فَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَقْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْ قَالَ ، أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إِذَا أَعْتَقْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ كَانَ حُرًّا فِي مَالِ الْمُعْتِقِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَرَادَ بِهَا أَنْ يَعُودَ الشَّرِيكُ الْمُنْكِرُ ، لِمَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِتْقِ ، فَيَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْتَقَ ، فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ وَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَيَكُونُ عِتْقُهَا عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ : أَحَدُهَا : يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَهُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ ، وَيَكُونُ عِتْقُهُ فِي الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مَوْقُوفًا عَلَى دَفْعِ قِيمَتِهِ . وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِهَا أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ ، أَنَّهُ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، حكمه فَسَرَى الْعِتْقُ إِلَى نَصِيبِهِ ، وَاسْتَحَقَّ بِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ ، وَيُنْكِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَى صَاحِبِهِ ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ ، فَإِنْ

حَلَفَ أَحَدُهُمَا ، وَنَكَلَ الْآخَرُ ، قُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ ، وَإِنْ حَلَفَا مَعًا ، أَوْ نَكَلَا فَفِي عِتْقِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : قَدْ عَتَقَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ ، إِذَا قِيلَ إِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي بِاللَّفْظِ فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْعَبْدِ حُرًّا ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِوَلَائِهِ . فَإِنْ تَصَادَقَا بَعْدَ التَّحَالُفِ وَالْإِنْكَارِ ، حُمِلَا عَلَى مُقْتَضَى تَصَادُقِهِمَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَذِهِ الدَّعْوَى إِذَا قِيلَ بِالْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ لَا تُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى رِقِّهِ ، وَفِي جَوَازِ تَصَرُّفِهِمَا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ . ثُمَّ عَاوَدَ الْمُزَنِيُّ تَصْحِيحَ الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ مِنْ سِرَايَةِ الْعِتْقِ إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ بِخَمْسَةِ فُصُولٍ : أَحَدُهَا : إِنْ قَالَ قَدْ قَطَعَ يَعْنِي " الشَّافِعِيَّ " بِجَوَابِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ صَاحِبَهُ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ ، وَقَدْ أَعْتَقَ نَصِيبَ الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ قِيمَتَهُ فَتَفَهَّمْ . فَيُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ هَذَا إِنَّمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَحَدِ أَقَاوِيلِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي بِاللَّفْظِ ، وَلَمْ يَقُلْهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ اقْتِصَارًا بِالتَّفْرِيعِ عَلَى أَحَدِهِمَا اخْتِصَارًا وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَقْتَضِيهِ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَحَدِ أَقَاوِيلِهِ ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ . وَالْفَصْلُ الثَّانِي : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَضُرُّهُ لَزِمَهُ ، وَمَنِ ادَّعَى حَقًّا لَمْ يَجِبْ لَهُ ، وَهَذَا مُقِرٌّ لِلْعَبْدِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ فَلَزِمَهُ ، وَمُدَّعٍ عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةً لَا تَجِبُ لَهُ . وَهَذَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ تَحْقِيقًا لِاخْتِيَارِهِ ، وَتَعْلِيلًا لِصِحَّتِهِ ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ صَحَّحَ هَذَا التَّعْلِيلَ وَأَجْرَاهُ فِي كُلِّ مَعْلُولٍ بِهِ ، لَكِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِحُكْمِ الْقَوْلِ إِذَا جَعَلَ الْعِتْقَ سَارِيًا بِاللَّفْظِ . وَلَيْسَ بِتَعْلِيلٍ لِصِحَّتِهِ أَنَّهُ يَسْرِي بِاللَّفْظِ . وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ نَقَضَ تَعْلِيلَهُ ، وَمَنَعَ أَنْ يَكُونَ جَارِيًا فِي كُلِّ مَعْلُولٍ بِهِ ، فَإِنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا عَلَى زَيْدٍ بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبَضْهُ ، وَأَنْكَرَ زَيْدٌ فَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ بِالْعَبْدِ ، وَمُدَّعٍ عَلَيْهِ الثَّمَنَ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ ، كَمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لَهُ . وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : فِي قَوْلِهِ : " وَجَمِيعُ مَنْ عَرَفْتُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ بِعْتُكَ نَصِيبِي بِثَمَنٍ ، وَأَسْلَمْتُهُ إِلَيْكَ ، وَأَنْتَ مُوسِرٌ ، وَأَنَّكَ قَبَضْتَهُ وَأَعْتَقْتَهُ ، وَأَنْكَرَ

شَرِيكُهُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْعِتْقِ لِنَصِيبِهِ ، نَافِذٌ عَلَيْهِ ، وَمُدَّعٍ لِثَمَنٍ لَا يَجِبُ لَهُ . وَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ ، وَهَذَا قَضَاءٌ لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ ، وَهَذَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ احْتِجَاجًا عَلَى وُقُوعِ الْعِتْقِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ بِاللَّفْظِ وَالسِّرَايَةِ بِأَنَّ الشَّرِيكَ لَوِ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ أَنَّهُ بَاعَهُ حِصَّتَهُ بِثَمَنٍ لَهُ فَقَبَضَهُ ، وَأَنَّهُ سَلَّمَ الْحِصَّةَ إِلَيْهِ وَعَتَقَهَا ، وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ التَّسْلِيمَ وَالْعِتْقَ فَحِصَّةُ الْمُدَّعِي قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا إِذَا كَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ . وَلَوْ قَالَ عَتَقْتُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ فِي نُفُوذِ عِتْقِهِ عَلَيْهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُعْتَقُ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ مُعْتِقًا لِمِلْكٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي حُكْمِ الْحَجْرِ لِارْتِهَانِهِ عَلَى ثَمَنِهِ ثُمَّ إِذَا لَزِمَهُ الْعِتْقُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سِرَايَةِ الْعِتْقِ بِاللَّفْظِ دُونَ الْقِيمَةِ ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ جَعَلَهُ مُعْتِقًا لِمِلْكٍ يُنَفَّذُ فِيهِ الْعِتْقُ ، فَلِذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى ، وَفِي مَسْأَلَةِ السِّرَايَةِ جَعَلَهُ مُعْتِقًا لِغَيْرِ مِلْكِهِ فَجَازَ أَلَّا تَقَعَ فِيهِ السِّرَايَةُ حِينَ لَمْ يَقَعْ عِتْقُ الْمُبَاشَرَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالسِّرَايَةِ يَتَفَرَّعُ عَنْ عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَرْعِ مَعَ عَدَمِ أَصْلِهِ . وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إِذَا أَعْتَقْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَهُ العبد المشترك كَانَ حُرًّا فِي مَالِ الْمُعْتِقِ " وَهَذَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ إِلْزَامًا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ بِسِرَايَةِ اللَّفْظِ دُونَ دَفْعِ الْقِيمَةِ بِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ : إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ ، في ملكية العبد فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَهُ فِي حِصَّتِهِ ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَعَتَقَتْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَلَّقَهَا بِعِتْقِ صَاحِبِهِ . وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا لَمْ يُعْتِقْ عَلَى الشَّرِيكِ حِصَّتَهُ بِالصِّفَةِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي بِاللَّفْظِ أَوْ يَقَعُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا . وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالصِّفَةِ إِذَا قِيلَ إِنَّ عِتْقَهَا فِي حَقِّ الْمُعْتِقِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ قَوْلُ سَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالصِّفَةِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ عَلَى الْمُعْتِقِ بِالسِّرَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِ الصِّفَةِ ، وَإِنْ قِيلَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَقَدْ أَوْقَعَ عِتْقَهُ حَجْرًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ عَلَى عِتْقِ بَاقِيهِ فَلَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ عَقَدَ الشَّرِيكُ صِفَةَ عِتْقِهِ فِي حَالٍ هُوَ فِيهَا غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ . قِيلَ : هُوَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَصِيرُ فِيهَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي ثَانِي حَالٍ .

وَالْفَصْلُ الْخَامِسُ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِعِتْقِهِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُرٌّ قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهِ . قِيلَ لِلْمُزَنِيِّ : لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قِيمَةَ حِصَّةِ الشَّرِيكِ مُعْتَبَرَةً بِوَقْتِ الْعِتْقِ العبد المشترك عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ، لَكِنْ لَا يَدُلُّ اعْتِبَارُهَا بِالْعِتْقِ عَلَى وُجُوبِهَا وَقْتَ الْعِتْقِ ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ ، اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ وَجَبَتْ بِمَوْتِهِ ، وَكَالضَّارِبِ بَطْنَ الْأَمَةِ ، إِذَا أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا حكمه اعْتُبِرَتْ دِيَةُ جَنِينِهَا بِقِيمَتِهَا وَقْتَ ضَرْبِهَا وَإِنْ وَجَبَتْ بِإِلْقَائِهِ مَيِّتًا . وَقَدْ أَطَالَ الْمُزَنِيُّ فَأَطَلْنَا وَلَوِ اخْتَصَرَ كَانَ أَوْلَى بِهِ وَبِنَا وَإِنْ مَضَى فِي خِلَالِ الْكَلَامِ أَحْكَامٌ مُسْتَفَادَةٌ .

مَسْأَلَةٌ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ قُطِعَ بِعِتْقِهِ قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهِ وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِعِتْقِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُرٌّ قَبْلَ دَفْعِ قِيمَتِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَا يَخْلُو حَالُ الْعَبْدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ فَاعْتِبَارُهُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ، فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ كَافِرًا ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا فِي عِتْقِهِ ، مَا لَمْ يَتَحَاكَمُوا فِيهِ إِلَيْنَا ، فَإِنْ تَحَاكَمُوا فِيهِ إِلَى حَاكِمِنَا فَفِي وُجُوبِ حُكْمِهِ بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ وَيَكُونُ فِيهِ مُخَيَّرًا ، وَهُمْ فِيهِ مُخَيَّرُونَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الِالْتِزَامُ ، وَيَحْكُمُ بِمَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا . فَعَلَى حَاكِمِنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِيهِ ، وَعَلَيْهِمَا الْتِزَامُ حُكْمِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِّ الْمُسْلِمِ ، فَيُنَفَّذُ عِتْقُ الْمُعْتِقِ وَيُنْظَرُ حَالُهُ . فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَقِيلَ يَسْرِي عِتْقُهُ بِلَفْظِهِ ، لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ الْقِيمَةِ ، مَا لَمْ يُطَالِبْ بِهَا الشَّرِيكُ ، وَكَانَ لَهُ جَمِيعُ وَلَائِهِ ، وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ لَا يُعْتِقُ حِصَّةَ الشَّرِيكِ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ إِنَّهُ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى ، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُعْتِقَ بِتَعْجِيلِ الْقِيمَةِ لِيَتَعَجَّلَ بِهَا عِتْقَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ رِقٌّ لِكَافِرٍ ، فَإِنْ عَجَّلَهَا وَإِلَّا أَخَذَهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا ، فَإِنْ قَبِلَهَا الشَّرِيكُ وَإِلَّا أَعْتَقَهَا عَلَيْهِ حُكْمًا .

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا ، العبد بين الشريكين إذا أعتق أحدهما نصيبه فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ كَافِرًا ، فَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الشَّرِيكَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَسَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَلَا يَخْلُو حَالُ مُعْتِقِهِ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسْلِمَ ، أَوِ الْكَافِرَ . فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ ، عَتَقَتْ حِصَّتُهُ ، وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهَا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ . فَإِنْ قِيلَ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ بِسِرَايَةِ لَفْظِهِ ، وُقِفَتِ الْقِيمَةُ عَلَى مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ بِهَا . وَإِنْ قِيلَ إِنَّ عِتْقَهُ لَا يَسْرِي إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، أُخِذَ بِتَعْجِيلِهَا لِأَنْ يَتَعَجَّلَ عِتْقَهَا ، وَلَا يَسْتَدِيمُ الْكَافِرُ مِلْكَ رِقِّهَا . وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ ، وَقِيلَ لِلشَّرِيكِ الْكَافِرِ لَا يَقَرُّ مِلْكُكَ عَلَى اسْتِرْقَاقِ مُسْلِمٍ ، وَأَنْتَ بَيْنَ خِيَارَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَعْتِقَهُ ، أَوْ تَبِيعَهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، فَإِنْ دَبَّرَهُ لَمْ يُقَرَّ تَدْبِيرُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِيفَاءِ رِقِّهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ، وَإِنْ كَاتَبَهُ فَفِي إِقْرَارِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ هُوَ الْكَافِرَ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي حِصَّتِهِ ، وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ وَأُقِرَّ رِقُّ بَاقِيهِ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا . فَإِنْ قِيلَ بِسِرَايَةِ عِتْقِهِ بِلَفْظِهِ ، عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُ يُغَرَّمُ قِيمَةَ مُتْلَفٍ ، يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّ عِتْقَهُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا التَّقْوِيمِ ، هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ ، أَوْ مَجْرَى قِيمَةِ مُسْتَهْلَكٍ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ ، وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، أَنَّهُ تَقْوِيمُ مُسْتَهْلَكٍ . فَعَلَى هَذَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ كَتَقْوِيمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ . وَيُؤْخَذُ بِتَعْجِيلِ الْقِيمَةِ لِيَتَعَجَّلَ بِهَا الْعِتْقَ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَوَازُ تَقْوِيمِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنَ ابْتِيَاعِ الْكَافِرِ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ : أَحَدُهُمَا : يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَيَبْطُلُ التَّقْوِيمُ ، وَيَكُونُ مِلْكُ رِقِّهِ بَاقِيًا عَلَى الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَلَا يَبْطُلُ التَّقْوِيمُ ، وَيُعْتَقُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ كَمَا يُعْتَقُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ، وَهَذَا أَظْهَرُهُمَا فِي التَّقْوِيمِ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُهُمَا فِي الْبَيْعِ ، لِإِفْضَاءِ التَّقْوِيمِ إِلَى الْعِتْقِ وَإِفْضَاءِ الْبَيْعِ إِلَى الْمِلْكِ .

مَسْأَلَةٌ إِذَا أَدَّى الْمُوسِرُ قِيمَتَهُ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا أَدَّى الْمُوسِرُ قِيمَتَهُ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ " . العبد بين الشريكين إذا أعتق أحدهما نصيبه

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِنَّمَا يُرِيدُ بِيَسَارِ الْمُعْتِقِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقَدْرِ قِيمَةِ الْبَاقِي مِنْ رِقِّهِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ ، فَاضِلَةٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ ، وَسَوَاءٌ صَارَ بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ فَقِيرًا أَوْ كَانَ غَنِيًّا . فَإِذَا تَحَرَّرَ عَتَقَ بَاقِيَهُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ، وَكَانَ لَهُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ بِعِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ وَعِتْقِ السِّرَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ بِهِمَا عَلَى سَوَاءٍ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " ، وَهُوَ مُعْتَقٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالسِّرَايَةِ ، وَسَوَاءٌ تَمَاثَلَ الْعِتْقَانِ ، أَوْ تَفَاضَلَا ، وَأَنَّهُ يَسْرِي عِتْقُ الْيَسِيرِ إِلَى الْكَثِيرِ كَمَا يَسْرِي عِتْقُ الْكَثِيرِ إِلَى الْيَسِيرِ ، وَاعْتِبَارُ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ . فَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْعِتْقِ مُعْسِرًا وَقْتَ التَّقْوِيمِ فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي بِاللَّفْظِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ حُدُوثُ اعْتِبَارِهِ ، وَكَانَتِ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُؤْخَذُ بِهَا إِذَا أَيْسَرَ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ ، فَمَا لَمْ يُحَاكِمْهُ الشَّرِيكُ فِيهَا ، كَانَتْ حِصَّتُهُ عَلَى وَقْفِهَا ، وَإِنْ حَاكَمَهُ فِيهَا وَطَلَبَ الْقِيمَةَ ، أَوْ فَسَخَ الْوَقْفَ لِيَتَصَرَّفَ فِي حِصَّتِهِ ، كَشَفَ عَنْ حَالِ الْمُعْتِقِ ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ إِعْسَارُهُ حُكِمَ بِفَسْخِ الْوَقْفِ كَمَا يُحْكَمُ لِلزَّوْجَةِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ إِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَجَازَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حِصَّتِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ . وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِ الْحِصَّةِ مُعْسِرًا بِبَعْضِهَا ، عَتَقَ عَلَيْهِ مِنَ الْحِصَّةِ قَدْرُ مَا أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ ، وَكَانَ فِيمَا أَعْسَرَ بِهِ مِنْهَا فِي حُكْمِ الْمُعْسِرِ .

مَسْأَلَةٌ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَكَانَ شَرِيكُهُ عَلَى مِلْكِهِ يَخْدِمُهُ يَوْمًا وَيَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا فَمَا اكْتَسَبَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لُهْ "

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَكَانَ شَرِيكُهُ عَلَى مِلْكِهِ يَخْدِمُهُ يَوْمًا وَيَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا فَمَا اكْتَسَبَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لُهْ في ملكية العبد " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَالْمُعْتَبَرُ بِإِعْسَارِهِ أَلَّا يَمْلِكَ قِيمَةَ الْحِصَّةِ الْبَاقِيَةِ لِشَرِيكِهِ ، وَلَا قِيمَةَ شَيْءٍ مِنْهَا وَقْتَ عِتْقِهِ ، فَإِنْ مَلَكَهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَدِ اسْتُحِقَّ فِيهَا يَصِيرُ بِاسْتِحْقَاقِهَا فِي الدَّيْنِ مُعْسِرًا بِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لَا يَسْتَحِقُّ تَعْجِيلَهُ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْيَسَارِ فِي عِتْقِ الْحِصَّةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ مَا هُوَ مُقَرٌّ عَلَى مِلْكِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَفِيهِ قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ ؟ : أَحَدُهُمَا : يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْيَسَارِ ، إِذَا قِيلَ إِنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِعْسَارِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ

الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ ، فَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا بِهَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِي مِلْكِهِ ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَسْرِي عِتْقُهُ مَعَ إِعْسَارِهِ كَمَا يَسْرِي مَعَ يَسَارِهِ ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُؤْخَذُ بِهَا إِذَا أَيْسَرَ كَمَا يَسْرِي الطَّلَاقُ فِي الزَّوْجَةِ إِذَا طَلَّقَ بَعْضَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ طَلَاقٌ وَإِبَاحَةٌ ، كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجْتَمِعَ حُرِّيَّةٌ وَرِقٌّ . وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ فَأَعْتَقَ " . وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَكْمِيلِ الْعِتْقِ رَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الشَّرِيكِ ، بِأَلَّا يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فِي عَبْدِهِ الْمُشْتَرَكِ ، وَأَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ كَامِلَ التَّصَرُّفِ ، وَسِرَايَةُ الْعِتْقِ مَعَ إِعْسَارِ الْمُعْتِقِ أَعْظَمُ ضَرَرًا عَلَى الشَّرِيكِ مِنِ اسْتِبْقَاءِ رِقِّهِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُرْفَعَ أَقَلُّ الضَّرَرَيْنِ بِأَعْظَمِهِمَا ، وَوَجَبَ أَنْ يُرْفَعَ أَعْظَمُهُمَا بِأَقَلِّهِمَا . وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْصُلَ فِي الزَّوْجَةِ شِرْكٌ بَيْنَ زَوْجَيْنِ ، وَجَازَ أَنْ يَقَعَ فِي الرِّقِّ شِرْكٌ بَيْنَ مَالِكَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَبَعَّضَ الطَّلَاقُ وَجَازَ أَنْ يَتَبَعَّضَ الرِّقُّ . وَالثَّانِي : أَنَّ طَلَاقَ بَعْضِ الزَّوْجَةِ يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِبَاقِيهَا ، وَعِتْقَ بَعْضِ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِخْدَامِ بَاقِيهِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ بَاقِيَةٌ عَلَى رِقِّهَا بِإِعْسَارِ الْمُعْتِقِ ، فَقَالَ الْمُعْتِقُ : أَنَا أَسْتَدِينُ وَأَقْتَرِضُ قِيمَةَ حِصَّةِ الشَّرِيكِ إِنْ حَدَثَ لَهُ يَسَارٌ بَعْدَ الْعِتْقِ ، كَانَ الشَّرِيكُ أَمْلَكَ بِحِصَّتِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِإِجَابَتِهِ .

فَصْلٌ إِذَا تَبَعَّضَتْ فِي الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ بِإِعْسَارِ مُعْتِقِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ " يَخْدِمُ سَيِّدَهُ يَوْمًا وَيَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا فَمَا اكْتَسَبَ فِيهِ فَهُوَ لَهُ فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُهَايَأَةِ

فَصْلٌ : فَإِذَا تَبَعَّضَتْ فِي الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ بِإِعْسَارِ مُعْتِقِهِ حكمه فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " يَخْدِمُ سَيِّدَهُ يَوْمًا وَيَتْرُكُ لِنَفْسِهِ يَوْمًا فَمَا اكْتَسَبَ فِيهِ فَهُوَ لَهُ " ، فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُهَايَأَةِ . فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُهَايَأَةَ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ ، فَلَمَّا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ أُجْرِيَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِبَعْضِهِ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا مُهَايَأَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ مَعَ الشَّرِيكِ الْبَاقِي لِنُقْصَانِ تَصَرُّفِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْمُهَايَأَةِ الْمُتَقَدِّمَةَ ، وَيَجُوزَ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا مَعَ الشَّرِيكِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْحُرِّيَّةِ كَامِلٌ فِي حَقِّهِ مِنَ الْكَسْبِ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ مَأْلُوفٌ بِصِنَاعَةٍ مَعْرُوفَةٍ يَتَمَاثَلُ فِيهَا كَسْبُ أَيَّامِهِ كُلِّهَا جَازَ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا مَعَ الشَّرِيكِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ مَأْلُوفٌ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا مَعَهُ وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ لِلشَّرِيكَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَعْدِلَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْكَسْبِ إِلَى الِاسْتِخْدَامِ ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ كَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ كَسْبِهِ .

فَإِذَا صَحَّتِ الْمُهَايَأَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ ، وَإِذَا كَانَا مُقِيمَيْنِ عَلَيْهَا ، يَوْمًا لِلْعَبْدِ ، وَيَوْمًا لِلسَّيِّدِ ، دَخَلَ فِيهَا مَأْلُوفُ الْكَسْبِ ، وَمَأْلُوفُ النَّفَقَةِ ، فَاخْتُصَّ الْعَبْدُ بِمَا كَسَبَهُ فِي يَوْمِهِ ، وَيُحْمَلُ فِيهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ نَفَقَتِهِ ، وَاخْتُصَّ السَّيِّدُ فِي يَوْمِهِ بِمَا كَسَبَ الْعَبْدُ ، وَيُحْمَلُ فِيهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ نَفَقَتِهِ . فَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْلُوفِ مِنَ الْكَسْبِ ، كَالْكَنْزِ وَاللُّقَطَةِ ، وَغَيْرُ الْمَأْلُوفِ مِنَ النَّفَقَةِ ، كَزَكَاةِ الْفِطْرِ ، فَفِي دُخُولِهَا فِي الْمُهَايَأَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمُهَايَأَةِ ، كَالْمَأْلُوفِ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَا فِي يَوْمِ الْعَبْدِ اخْتُصَّ بِالْكَنْزِ ، وَاللُّقَطَةِ ، وَتَحَمُّلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَا فِي يَوْمِ السَّيِّدِ اخْتُصَّ بِذَلِكَ دُونَ الْعَبْدِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هَذَا فِي زَمَانِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، فَلَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ ، وَيَكُونُ حُدُوثُ ذَلِكَ فِي زَمَانِ أَحَدِهِمَا ، مُوجِبًا لِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مَا عَدَاهُمَا مِنَ الْمَأْلُوفِ جَارِيًا عَلَى الْمُهَايَأَةِ .

مَسْأَلَةٌ إِنْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ وَرِثَهُ بِقَدْرِ وَلَائِهِ فَإِنْ مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ وَرِثَهُ بِقَدْرِ وَلَائِهِ فَإِنْ مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) الْقِيَاسُ أَنْ يَرِثَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُونُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ النَّاسَ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُونَ وَهَذَا وَذَاكَ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَنْ عَتَقَ بَعْضُهُ ، وَرَقَّ بَعْضُهُ ، هَلْ يَرِثُ وَيُورَثُ ؟ وَهُمَا فَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا : هَلْ يَرِثُ إِذَا مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ ، أَمْ لَا ؟ . وَفِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خِلَافٌ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَرِثُ كَالْحُرِّ مِيرَاثًا كَامِلًا ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ ، وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ، وَذَهَبَ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ إِذَا كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ الرِّقِّ وَإِنْ قَلَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ فِيمَا سِوَى الْمِيرَاثِ ، مِنْ نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ ، وَوِلَايَتِهِ ، وَشَهَادَتِهِ ، جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ فِي مِيرَاثِهِ ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مَانِعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ ، فَإِذَا لَمْ يَزُلِ الرِّقُّ لَمْ يَزُلْ مَانِعُ الْمِيرَاثِ . قَالَ الْمُزَنِيُّ : " الْقِيَاسُ أَنْ يَرِثَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُ " . قِيلَ قَدْ يُوَرَّثُ مَنْ لَا يَرِثُ ، كَالْجَنِينِ يُوَرَّثُ وَلَا يَرِثُ ، وَالْعَمَّةُ تُوَرَّثُ وَلَا تَرِثُ ،

وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ ، تَرِثُ وَلَا تُوَرَّثُ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا قِيَاسًا مُسْتَمِرًّا فِي غَيْرِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ ، فَلَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : " النَّاسُ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُونَ " ، قِيلَ لَهُ : لَمْ يَقُلْهُ الشَّافِعِيُّ تَعْلِيلًا عَامًّا ، فَيَجْعَلُهُ قِيَاسًا مُسْتَمِرًّا ، وَإِنَّمَا قَالَهُ رَدًّا عَلَى مَنْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِمَاءِ أَبِيهِ وَلَمْ يُوَرِّثْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثَ أَبٍ ، وَوَرَّثَ الْوَلَدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، مِيرَاثَ ابْنٍ ، فَقَالَ : النَّاسُ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُونَ ؛ لِأَنَّهُ كَمِثْلِ النَّسَبِ ، وَلَمْ يُكْمَلِ الْمِيرَاثُ فَتَوَجَّهَ الرَّدُّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ ، وَلَمْ يَتَوَجَّهِ الرَّدُّ بِهِ لِلْمُزَنِيِّ .

فَصْلٌ إِذَا مَاتَ هَذَا الَّذِي تَبَعَّضَتْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ هَلْ يُوَرَّثُ أَمْ لَا

فَصْلٌ : وَإِذَا مَاتَ هَذَا الَّذِي تَبَعَّضَتْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ هَلْ يُوَرَّثُ أَمْ لَا ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ : لَا يُوَرَّثُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَيَكُونُ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِحُرِّيَّتِهِ ، لَمْ يُوَرَّثْ بِهَا . وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : يَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ سَيِّدِ رِقِّهِ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ : يَكُونُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَسَيِّدِ رِقِّهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِّهِ . فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ النُّصُوصِ الثَّلَاثَةِ . فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي طَائِفَةٍ يُخَرِّجُونَ هَذِهِ النُّصُوصَ الثَّلَاثَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : تَكُونُ لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ . وَالثَّانِي : تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ سَيِّدِهِ . وَالثَّالِثُ : تَكُونُ بَيْنَهُمَا تُوَرَّثُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ ، وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ ، تَعْلِيلًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ . وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ ، يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَخْرِيجِ هَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ ، وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ ، فَإِذَا كَانَ قَدْ مَاتَ فِي زَمَانِ سَيِّدِهِ وَقَدِ اسْتُهْلِكَ مَا كَانَ قَدْ مَلَكَهُ بِحُرِيَّتِهِ يَكُونُ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ إِذَا كَانَ قَدْ مَاتَ فِي زَمَانِ نَفْسِهِ ، وَقَدْ أَخَذَ السَّيِّدُ مَا مَلَكَهُ عِنْدَ رِقِّهِ ، فَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ سَيِّدِهِ . ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُهَايَأَةٍ وَفِي يَدِهِ مَالٌ بِالْحَقَّيْنِ ، كَانَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالسَّيِّدِ مِيرَاثًا بِالْحُرِّيَّةِ ، وَمِلْكًا بِالرِّقِّ . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ ، يَكُونُ جَمِيعُ مَا يُخَلِّفُهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِالْحُرِّيَّةِ ، وَالرِّقِّ ، مُنْتَقِلًا إِلَى بَيْتِ الْمَالِ ، لَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَرَثَةُ ، لِبَقَاءِ أَحْكَامِ رِقِّهِ ، فَكَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْلَى الْجِهَاتِ بِاسْتِحْقَاقِهِ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا تَكُونُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا عَبْدًا وَبَعْضُهَا حُرًّا كَمَا لَا تَكُونُ امْرَأَةٌ بَعْضُهَا طَالِقًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ طَالِقٍ قِيلَ لَهُ أَتَتَزَوَّجُ بَعْضَ امْرَأَةٍ كَمَا تَشْتَرِي بَعْضَ عَبْدٍ أَوْ تُكَاتِبُ الْمَرْأَةَ كَمَا تُكَاتِبَ الْعَبْدَ أَوْ يَهَبُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَهَبُ عَبْدَهُ فَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَكَانَهُ ؟ قَالَ : لَا ، قِيلَ : فَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَبْعَدَ مِنَ الْعَبْدِ مِمَّا قِسْتَهُ عَلَيْهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَصَدَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا أَبَا حَنِيفَةَ ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى فِي وُجُوبِ السِّعَايَةِ ، حِينَ مَنَعَا أَنْ تَكُونَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا حُرٌّ وَبَعْضُهَا مَمْلُوكٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ مِنَ اجْتِمَاعِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، أَوْجَبَ السِّعَايَةَ وَمِنْ جَوَّزَ اجْتِمَاعَهُمَا لَمْ يُوجِبْهَا ، وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَمْنَعَانِ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُوجِبَا السِّعَايَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى مَنَعَا مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا فَلِذَلِكَ أَوْجَبَا السِّعَايَةَ وَكَانَ مِنْ دَلِيلِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا شَيْئَانِ : أَوْرَدَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَهُمَا وَانْفَصَلَ عَنْهُ ، وَأَعْرَضَ عَنِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ . فَأَمَّا الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ : إِنْ قَالُوا : لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا حُرٌّ ، وَبَعْضُهَا رِقٌّ ، لِتَنَافِي أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهَا طَالِقٌ ، وَبَعْضُهَا غَيْرُ طَالِقٍ ، لِتَنَافِي أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَالطَّلَاقِ . فَانْفَصَلَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِالْفَرْقِ الْمَانِعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْعَبْدِ بِأَنْ يَمْلِكَهُ جَمَاعَةٌ حكمه يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ ، وَالِاشْتِرَاكَ فِي الزَّوْجَةِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا جَمَاعَةٌ ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ ، فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مَمْلُوكٌ ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ يَتَبَعَّضُ فِي مِلْكِيَّتِهِ فَيَتَبَعَّضُ فِي أَحْكَامِهِ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ الْوَاحِدَةُ بَعْضُهَا طَالِقٌ ، وَبَعْضُهَا غَيْرُ طَالِقٍ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَتَبَعَّضُ فِي الْأَزْوَاجِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَبَعَّضَ فِي أَحْكَامِهِ . وَالْفَرْقُ الثَّانِي : أَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَيُورَثَ وَيُوهَبَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ ، وَالْمِلْكُ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ ، وَالزَّوْجَةُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ ، لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ وَلَا تُوهَبَ وَلَا تُورَثَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِمْتَاعُ ، وَالِاسْتِمْتَاعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ . وَأَمَّا الثَّانِي : مِنِ اسْتِدْلَالِهِمُ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ ، أَنْ قَالُوا : الْإِيمَانُ أَصْلٌ لِلْحُرِّيَّةِ ، وَالْكُفْرُ أَصْلٌ لِلرِّقِّ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ تَجْتَمِعَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ فِي النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ . وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَيْسَ الْكُفْرُ مُوجِبًا لِلرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْكَافِرُ حُرًّا ، وَلَا الْإِيمَانُ مُوجِبًا لِلْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُسْتَرَقًّا ، وَإِنَّمَا كَانَا سَبَبًا لَهُمَا يَزُولَانِ مَعَ بَقَائِهِمَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَطْرَأَ الْإِيمَانُ عَلَى رِقٍّ نَابِتٍ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَطْرَأَ الْإِيمَانُ

عَلَى كُفْرٍ ثَابِتٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ ، وَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ شَرِيكَانِ لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ السُدُسُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا رَجُلًا فَأَعْتَقَ عَنْهُمَا مَعًا كَانَ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْبَاقِي لِشَرِيكَيْهِمَا سَوَاءً

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَعْتَقَ شَرِيكَانِ لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ السُدُسُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا رَجُلًا فَأَعْتَقَ عَنْهُمَا مَعًا حكمه كَانَ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْبَاقِي لِشَرِيكَيْهِمَا سَوَاءً لَا أَنْظُرُ إِلَى كَثِيرِ الْمِلْكِ وَلَا قَلِيلِهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا يُفْضِي لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الشُفْعَةِ أَنَّ مَنْ لَهُ كَثِيرُ مِلْكٍ وَقَلِيلُهُ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نَصِفُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ سُدُسُهُ ، وَأَعْتَقَ صَاحِبًا النِّصْفِ وَالسُّدُسِ حَقَّهُمَا مَعًا وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى اجْتِمَاعِ اللَّفْظَيْنِ حَتَّى لَا يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِحَرْفٍ ، وَلَا مَدٍّ وَلَا تَشْدِيدٍ . وَالثَّانِي : أَنْ يُعَلِّقَا عِتْقَهُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَقَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : إِنْ دَخَلَ هَذَا الْعَبْدُ الدَّارَ ، أَوْ طَارَ هَذَا الْغُرَابُ فَنَصِيبِي مِنْهُ حُرٌّ ، فَإِذَا دَخَلَ الدَّارَ ، أَوْ طَارَ الْغُرَابُ عَتَقَ نَصِيبُهُمَا مَعًا . وَالثَّالِثُ : أَنْ يُوَكِّلَا فِي عِتْقِهِ وَكِيلًا ، فَيَعْتِقَهُ عَنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ عِتْقُهُمَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ ، وَكَانَا مُوسِرَيْنِ ، قُوِّمَتْ حِصَّةُ الثَّالِثِ ، وَهِيَ الثُّلُثُ ، عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ . وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَ الْمُعْتِقِينَ فَيَصِيرُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثَا وَلَائِهِ ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثُ وَلَائِهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا قَدْرُ الْمِلْكَيْنِ وَيُسَوَّى بَيْنَ مَنْ قَلَّ سَهْمُهُ ، وَكَثُرَ . وَقَالَ مَالِكٌ : يُقَوَّمُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْمِلْكَيْنِ ، وَيُفَضَّلُ بَيْنَهُمَا لِتَفَاضُلِهِمَا فِي الْمَالَيْنَ ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ مُسْتَحَقٌّ بِسِرَايَةِ عِتْقِهِمَا ، وَسِرَايَةِ كَثِيرِ الْعِتْقِ أَكْثَرُ مِنْ سِرَايَةِ قَلِيلِهِ . وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ . فَاسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِدُ ، وَالْجَمَاعَةُ ، لِإِطْلَاقِ أَمْرِهِ ، وَلِأَنَّهُمَا قَدِ اشْتَرَكَا فِي إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى شَرِيكِهِمَا بِقَلِيلِ الْمَلِكِ وَكَثِيرِهِ ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مُدْخِلٌ لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ مِثْلُ كَثِيرِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي التَّقْوِيمِ الْمُوجِبِ لِرَفْعِ ضَرَرِهِمَا ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُمَا يَجْرِي مَجْرَى الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا ، وَهُمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي جِنَايَةٍ تَفَاضَلَا فِي عَدَدِ جِرَاحِهَا فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً ، وَجَرَحَهُ الْآخَرُ مِائَةَ جِرَاحَةٍ كَانَتِ الدِّيَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَعْدَادِهِمَا ، وَلَا تَتَقَسَّطُ عَلَى أَعْدَادِ جِرَاحِهِمَا ، كَذَلِكَ الْعِتْقُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا ، بِأَعْدَادِ الْمُعْتِقِينَ ، وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَمْلَاكِ الْمُعْتِقِينَ ، وَسِرَايَةُ الْعِتْقِ كَسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ ، فَلَمْ يُسَلَّمْ لِمَالِكٍ اسْتِدْلَالُهُ .

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : " إِذَا اسْتَوَيَا فِي التَّقْوِيمِ مَعَ تَفَاضُلِهِمَا فِي الْمِلْكِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِي الشُّفْعَةِ ، كَذَلِكَ إِذَا تَفَاضَلَا فِي الْمِلْكِ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْأَخْذِ " . قِيلَ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى هَذَا ، وَأَنْ يَشْتَرِكَ صَاحِبُ النِّصْفِ وَالسُّدُسِ فِيهَا بِالسَّوِيَّةِ كَالْعِتْقِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُمَا يَتَفَاضَلَانِ فِيهَا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْعِتْقِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْمِلْكِ ، فَتُقَسَّطُ عَلَيْهِ ، وَالتَّقْوِيمُ مُسْتَحَقٌّ بِالْعِتْقِ ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ بِالْتِزَامِ مَئُونَةِ الْقَسَمِ وَغَيْرِهِ ، وَالْمَئُونَةُ مُعْتَبِرَةٌ بِالْمِلْكِ ، فَتَقَسَّطَتِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمِلْكِ ، وَالتَّقْوِيمُ مُسْتَحَقٌّ بِدُخُولِ الضَّرَرِ بِالْعِتْقِ ، الْجَارِي مَجْرَى الْجِنَايَةِ ، فَتَقَسَّطَتْ عَلَى الْمُعْتِقِينَ ، دُونَ الْمِلْكِ ؟ وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ، وَكَانَ صَاحِبُ النِّصْفِ مُوسِرًا ، وَمُعْتِقُ السُّدُسِ مُعْسِرًا ، قُوِّمَتِ الْحِصَّةُ كُلُّهَا عَلَى مُعْتِقِ النِّصْفِ ، وَلَوْ كَانَ مُعْتِقُ السُّدُسِ مُوسِرًا وَمُعْتِقُ النِّصْفِ مُعْسِرًا ، قُوِّمَتِ الْحِصَّةُ كُلُّهَا عَلَى مُعْتِقِ السُّدُسِ ، وَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، لَمْ تُقَوَّمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكَانَتِ الْحِصَّةُ عَلَى رِقِّهَا لِمَالِكِهَا ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهَا الْيَسَارَ فَأَنْكَرَاهُ حَلِفَا لَهُ ، وَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِمَا ، وَفِي عِتْقِ الْحِصَّةِ عَلَى مَالِكِهَا بِهَذِهِ الدَّعْوَى قَوْلَانِ : يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي أَحَدِهِمَا ، إِذَا قِيلَ إِنَّ الْعِتْقَ فِي حِصَّتِهِ يَقَعُ بِالسِّرَايَةِ ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي إِذَا قِيلَ إِنَّهَا لَا تُعْتَقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ . وَلَوِ ادَّعَى أَحَدُ الْمُعْتِقِينَ عَلَى الْآخَرِ الْيَسَارَ ، في تحمل قيمة عتق العبد فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُعْسِرًا ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَقِّهِ وَتُسْمَعُ مِنْ مَالِكِ الْحِصَّةِ ، لِتَأْثِيرِهَا فِي حَقِّهِ ، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِيَسَارِهِ مُشَارِكًا لَهُ فِي تَحَمُّلِ الْقِيمَةِ ، وَلَا يُسْمَعُ مِنْ مَالِكِ الْحِصَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَقِّهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ إِذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتِقِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ النَّصِيبِ لَا يَخْرُجُ مِلْكُهُ مِنْهُ إِلَّا بِمَا يَرْضَى

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ عتق العبد المشترك فَفِيهَا قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْتِقِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ النَّصِيبِ لَا يَخْرُجُ مِلْكُهُ مِنْهُ إِلَّا بِمَا يَرْضَى ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ عَلَى مَا شَرَحْتُ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي قِيمَةِ مَا أَتْلَفَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ وَلِأَنَّ السَّيِّدَ مُدَّعٍ لِلزِّيَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْغَارِمَ مُنْكِرٌ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِيمَةَ حِصَّةِ الشَّرِيكِ مُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ الْعِتْقِ عتق العبد المشترك عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ نُقْصَانٍ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إِتْلَافًا ، أَوْ سَبَبًا ، لِإِتْلَافٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عِنْدَ حُدُوثِهِ ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا كَانَتْ قَتْلًا ، أَوْ سَبَبًا أَفْضَى إِلَى الْقَتْلِ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ قَتْلُ عِتْقِ بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَعْضِ مُوكِسٌ لِقِيمَتِهِ ، وَهَذَا الْوَكْسُ بِعِتْقِهِ الْجَارِي مَجْرَى جِنَايَتِهِ ، فَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ زِيَادَةٍ فِي قِيمَةِ الْحِصَّةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهَا فَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا عَتَقَتْ بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ ، لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُعْتِقُ ، وَكَذَلِكَ إِنْ قِيلَ بِالثَّانِي إِنَّ عِتْقَهَا مَوْقُوفٌ مُرَاعًى لَمْ يَضْمَنْهَا ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ عِتْقِهَا ، وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا تُعْتَقُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَمَعَهَا فَفِي ضَمَانِ الْمُعْتِقِ لِمَا حَدَثَ مِنْ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ ، بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَبْلَ دَفْعِهَا ، وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَضْمَنُهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ دُونَ النُّقْصَانِ ، كَالْغَاصِبِ فِي ضَمَانِهِ لِأَكْثَرِ الْقِيمَةِ ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَهْلِكَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، فَاخْتَلَفَا فِيهَا ، فَقَالَ : الْمُعْتِقُ مِائَةٌ ، وَقَالَ الشَّرِيكُ مِائَتَانِ الإختلاف في إعتبار قيمة العبد المشترك . فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَاقِيًا لَمْ تَتَغَيَّرْ قِيمَتُهُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِهِمَا وَ " يُقَوِّمُهَا ثِقَتَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، فَإِذَا قَوَّمَاهَا لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقِيمَةِ مِنْ خَمْسَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُوَافِقَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُعْتِقُ ، وَهُوَ الْمِائَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِيهَا . وَالثَّانِي : أَنْ يُوَافِقَ مَا ادَّعَاهُ الشَّرِيكُ وَهُوَ الْمِائَتَانِ فَيَسْتَحِقُّهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِيهَا . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ وَسَطًا بَيْنَهُمَا ، غَيْرَ مُوَافِقَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ مِائَةٌ وَخَمْسِينَ ، فَيُحْكَمَ بِهَا عَلَيْهِمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ الشَّرِيكُ أَكْثَرَ مِنْهُمَا ، وَلَا نَقْتَنِعُ مِنَ الْمُعْتِقِ بِأَقَلَّ مِنْهُمَا . وَالرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى أَكْثَرِهِمَا ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، فَلَا يُحْكَمُ لِلشَّرِيكِ إِلَّا بِمِائَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا مُبَرَّأٌ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا . وَالْخَامِسُ : أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً عَنْ أَقَلِّهِمَا وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ بِخَمْسِينَ ، فَلَا نَقْتَنِعُ مِنَ الْمُعْتَقِ بِأَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِهَا ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَقْوِيمُهُ فِي زَمَانِ الْعِتْقِ ، إِمَّا لِمَوْتِهِ ، أَوْ غَيْبَتِهِ ، وَإِمَّا لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِ بِالْكِبَرِ بَعْدَ الصِّغَرِ ، أَوْ بِالْمَرَضِ بَعْدَ الصِّحَّةِ ، أَوْ بِالزَّمَانَةِ بَعْدَ السَّلَامَةِ ، فَفِي اخْتِلَافِهَا فِي الْقِيمَةِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الْمُعْتِقِ مَعَ يَمِينِهِ ، إِذَا قِيلَ إِنَّ عِتْقَهُ قَدْ يَسْرِي إِلَى حِصَّةِ الشَّرِيكِ بِلَفْظِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَارِمًا . وَالْقَوْلُ فِي الْغُرْمِ قَوْلُ الْغَارِمِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الشَّرِيكِ مَعَ يَمِينِهِ ، إِذَا قِيلَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، إِلَى أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهَا يَدًا لَا تُنْتَزَعُ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ ، إِلَّا بِقَوْلِهِ كَالثَّمَنِ فِي الشُّفْعَةِ ، إِذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي . وَقَالَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا يَتَحَالَفُ الْمُتَبَايِعَانِ إِذَا اخْتَلَفَا وَهُوَ مِنْ تَخْرِيجِهِ وَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ تَحَالُفَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُوجِبٌ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَأَفَادَ وَتَحَالُفَ هَذَيْنِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِرَفْعِ الْعِتْقِ ، فَلَمْ يُفِدْ وَهُمَا بَعْدَ التَّحَالُفِ عَلَيْهَا بَاقِيَانِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهَا . وَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ أَعَادَ نُصْرَةَ اخْتِيَارِهِ ، وَفِي بَعْضِ مَا مَضَى مِنْ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ مَقْنَعٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ لَوْ قَالَ هُوَ خَبَّازٌ وَقَالَ الْغَارِمُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَارِمِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ هُوَ خَبَّازٌ وَقَالَ الْغَارِمُ لَيْسَ كَذَلِكَ الإختلاف في إعتبار قيمة العبد المشترك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَارِمِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَيَدَّعِي الشَّرِيكُ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ صَانِعًا خَبَّازًا ، أَوْ نَجَّارًا ، أَوْ كَاتِبًا فَلَهُ الْقِيمَةُ الزَّائِدَةُ بِصَنْعَتِهِ ، وَيَقُولُ الْمُحَقِّقُ هُوَ غَيْـرُ صَانِعٍ فَلَكَ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ بِصَنْعَتِهِ ، فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ : حَيٌّ وَمَيِّتٌ . فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الْغَارِمِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ . إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ ، فَكَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ ، وَإِنَّمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَحَدِهِمَا . وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُعْتِقِ الْغَارِمِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَدَّعِي حُدُوثَ صَنْعَةٍ لَيْسَتْ فِي الْخِلْقَةِ ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ الصَّنْعَةُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مُنْكِرِهَا دُونَ مُدَّعِيهَا ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا يُمْكِنُ اخْتِبَارُ حَالِهِ اخْتُبِرَتْ فِيهِ تِلْكَ الصَّنْعَةُ فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا رُدَّتْ دَعْوَى الشَّرِيكِ فِيهَا وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ ، وَلَا تَلْزَمُهُ إِلَّا قِيمَتُهُ غَيْرَ صَانِعٍ ، فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ قَدْ كَانَ يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ ، وَقْتَ الْعِتْقِ لَكِنَّهُ نَسِيَهَا بِعِلَّةٍ ، فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْعِتْقِ قَرِيبًا ، . لَا تُنْسَى الصَّنْعَةُ فِي مِثْلِهِ لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى ، وَإِنْ تَطَاوَلَ وَجَازَ أَنْ تُنْسَى تِلْكَ الصَّنْعَةُ فِي مِثْلِهِ سُمِعَتْ مِنْهُ وَأُحْلِفَ عَلَيْهَا الْمُعْتِقُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا قِيمَتُهُ غَيْرَ صَانِعٍ .

وَلَوْ قَالَ الشَّرِيكُ هُوَ يُحْسِنُ هَذِهِ الصَّنْعَةَ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ كَتَمَهَا ، وَامْتَنَعَ مِنْ إِظْهَارِهَا . فَقَوْلُهُ مُحْتَمَلٌ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَبْدِ دُونَ الْمُعْتِقِ ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَهُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَلَا يَدَّعِيَهُ عَلَى الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِكِتْمَانِهِ فَتَتَوَجَّهَ الدَّعْوَى إِلَيْهِ ، وَيَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ أَنَّهُ كَتَمَ مَا يُحْسِنُ ، وَلَوِ اخْتُبِرَ الْعَبْدُ فَكَانَ يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ نُظِرَ ، فَإِنْ قَصُرَ زَمَانُ مَا بَيْنَ الْعِتْقِ وَالتَّقْوِيمِ عَنْ تَعَلُّمِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ ، ثَبَتَ تَقَدُّمُهَا ، وَلَمْ يَحْلِفِ الشَّرِيكُ عَلَيْهَا ، وَاسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ صَانِعًا ، وَإِنْ تَطَاوَلَ وَاتَّسَعَ لِتَعَلُّمِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ ، صَارَ تَقَدُّمُهَا دَاخِلًا فِي الْجَوَازِ ، فَصَارَ كَادِّعَائِهَا فِي مَيِّتٍ ، فَيَكُونُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَيِّتِ مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا عَلَى الطَّرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُعْتِقِ مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ الْعِتْقِ غَيْرُ صَانِعٍ ، وَلَمْ يَحْلِفْ أَنَّهُ غَيْرُ صَانِعٍ كَمَا يُحْلَفُ فِي الْمَيِّتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ لَوْ قَالَ هُوَ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ حَتَّى يَعْلَمَ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ هُوَ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْغُرْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، في قيمة العبد المعتق فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ حَتَّى يَعْلَمَ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قَدْ قَالَ فِي الْغَاصِبِ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ أَنَّ بِهِ دَاءً أَوْ غَائِلَةً وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحُرِّ يَجْنِي عَلَى يَدِهِ فَيَقُولُ الْجَانِي ، هِيَ شَلَّاءُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَى اخْتِلَافُهُمَا فِي الصَّنْعَةِ الزَّائِدَةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي اخْتِلَافِهَا فِي عَيْبٍ يُنْقِصُ مِنَ الْقِيمَةِ فَيَدَّعِي الْمُعْتِقُ أَنَّهُ كَانَ سَارِقًا ، أَوْ آبِقًا ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ سَارِقٍ ، أَوْ آبِقٍ وَيَقُولُ الشَّرِيكُ كَانَ سَالِمًا لَيْسَ بِسَارِقٍ ، وَلَا آبِقٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الشَّرِيكِ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ غَيْرُ سَارِقٍ ، وَلَا آبِقٍ وَلَهُ قِيمَةُ عَبْدٍ سَلِيمٍ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالطَّرِيقُ الثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْغَارِمِ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الزِّيَادَةِ ، وَالنُّقْصَانِ ، فَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ بِالصَّنْعَةِ الْقَوْلُ قَوْلَ مُنْكِرِهَا ، وَهُوَ الْغَارِمُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ ، وَيَكُونُ فِي النُّقْصَانِ بِالْعَيْبِ الْقَوْلُ قَوْلَ مُنْكِرِهَا ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْعَيْبِ ، فَأَمَّا الْغَاصِبُ إِذَا اخْتَلَفَ مَعَ الْمَالِكِ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَادَّعَى الْغَاصِبُ أَنَّهُ بِهِ دَاءٌ ، أَوْ غَائِلَةٌ حكمه فَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْغَاصِبِ ، دُونَ الْمَالِكِ وَجُعِلَ فِي ضَمَانِ الْعِتْقِ الْقَوْلُ فِيهِ

قَوْلُ الْمَالِكِ دُونَ الْمُعْتِقِ وَضَمَانُ الْغَاصِبِ وَالْمُعْتِقِ سِيَّانِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مَعَ تَسَاوِي الضَّمَانَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ دَعْوَى الْغَاصِبِ كَانَتْ فِي نَقْصٍ يَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ شَلَلٍ ، أَوْ خَرَسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِلْقَةً فِيهِ ، وَطَارِئًا عَلَيْهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْغَاصِبِ الْغَارِمِ ، دُونَ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَلَلٌ وَلَا خَرَسٌ ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْمُعْتِقِ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ دُونَ الْمَالِكِ كَالْغَاصِبِ . وَالَّذِي قَالَهُ فِي دَعْوَى الْمُعْتِقِ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِ كَانَ فِي ادِّعَاءِ نَقْصٍ طَارِئٍ ، لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةَ ، كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ سَارِقًا وَلَا آبِقًا ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِ دُونَ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، أَنَّهُ لَيْسَ بِسَارِقٍ وَلَا آبِقٍ ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ ، كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَالِكِ كَالْمُعْتِقِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ فِي الْغَصْبِ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي النَّقْصِ ، وَالْقَوْلَ فِي الْعِتْقِ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي النَّقْصَيْنِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ ، وَالْعِتْقِ : أَنَّ الْغَصْبَ اسْتِهْلَاكُ مُحْصَنٍ لَا يَمْلِكُ بِغُرْمِهِ شَيْئًا ، فَجَعَلَ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ الْمُسْتَهْلِكِ وَالْعِتْقَ مُعَاوَضَةً يَمْلِكُ الْمُعْتِقُ بِهِ الْوَلَاءَ ، فَجَعَلَ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَ الْمُتَعَوِّضِ ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَعْضَاءٍ ظَاهِرَةٍ يُمْكِنُ الْمَجْنِيُّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَلَامَتِهَا ، فَالْقَوْلُ فِي نَقْصِهَا قَوْلُ الْجَانِي . وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَعْضَاءٍ بَاطِنَةٍ ، يَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى سَلَامَتِهَا ، فَفِي نَقْصِهَا إِذَا ادَّعَاهُ الْجَانِي قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْجِنَايَاتِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ إِذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقًا بَتَاتًا ثُمَّ مَاتَ كَانَ فِي ثُلُثِهِ كَالصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقًا بَتَاتًا ثُمَّ مَاتَ في ملكية العبد كَانَ فِي ثُلُثِهِ كَالصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ الْمَوْتُ مُعْتَبَرٌ فِي ثُلُثِ الْمُعْتِقِ ، فَإِنِ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ تَحَرَّرَ الْعِتْقُ ، وَنَفَذَ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الثُّلُثِ رُدَّ ، وَعَادَ الْمُعْتَقُ رَقِيقًا ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ وَحُكِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَأَصْلِ التَّرِكَةِ لِصَدَقَاتِ الزَّوْجَاتِ ، وَمَا يَصْرِفُهُ فِي النَّفَقَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَهَذَا خَطَأٌ خَالَفَ بِهِ مَنْ سِوَاهُ .

وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِ بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَدَعَاهُمْ ، وَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ، وَهَذَا نَصٌّ يَدْفَعُ كُلَّ خِلَافٍ . فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ كَانَ عِتْقُهُ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ، كَمَا يَكُونُ عِتْقُ الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ ، وَيَسْرِي عِتْقُهُ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ إِذَا احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ ، كَمَا يَسْرِي عِتْقُ الصَّحِيحِ إِذَا احْتَمَلَهُ كُلُّ مَالِهِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الثُّلُثِ مِنْ خَمْسَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِعِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ وَعِتْقِ السِّرَايَةِ ، فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ ثُمَّ بِالسِّرَايَةِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ثُلُثِهِ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ ، وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ وَلَائِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَعْجِزَ الثُّلُثُ عَنْ عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ ، وَعِتْقِ السِّرَايَةِ لِاسْتِحْقَاقِ تَرِكَتِهِ فِي دِينِهِ ، وَيُرَدُّ عِتْقُهُ فِي جَمِيعِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَبِالسِّرَايَةِ ، وَيَعُودُ إِلَى الرِّقِّ ، وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِأَحَدِ الْمُعْتَقِينَ ، وَيَعْجِزَ عَنِ الْآخَرِ ، فَيَجْعَلُ الثُّلُثَ مَصْرُوفًا فِي عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ عِتْقِ السِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْمُبَاشَرَةِ أَصْلٌ وَعَتَقَ السِّرَايَةِ فَرْعٌ كَعِتْقِ الْمُعْسِرِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِأَحَدِهِمَا ، وَبَعْضِ الْآخَرِ ، فَيُكْمَلُ عِتْقُ الْمُبَاشَرَةِ وَيُجْعَلُ النَّقْصُ فِي عِتْقِ السِّرَايَةِ كَعِتْقِ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ . وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِبَعْضِ أَحَدِهِمَا ، وَيَعْجِزَ عَنِ الْبَاقِي ، فَيُجْعَلُ الْبَعْضُ نَافِذًا فِي عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ وَيُرَدُّ الْبَاقِي فِي عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ ، وَيُبْطَلُ عِتْقُ السِّرَايَةِ ، فَلَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ : نَحْنُ نُمْضِي عِتْقَ الْمُبَاشَرَةِ وَنَغْرَمُ عِتْقَ السِّرَايَةِ كَانَ لَهُمْ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ فِي الْمُبَاشَرَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَجَاوُزُهُ إِلَى عِتْقِ السِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُعْسِرٌ بِهِ ، وَهُوَ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ فِي جِنَايَةٍ مُنِعَ ، فَكَانَ وَرَثَتُهُ بِالْمَنْعِ أَحَقُّ .

مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبٍ مِنْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يُعْتَقْ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْهُ إِلَّا مَا أَوْصَى بِهِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبٍ مِنْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ حكمه لَمْ يُعْتَقْ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْهُ إِلَّا مَا أَوْصَى بِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ : إِذَا وَصَّى بِعِتْقِ شِرْكٍ لَهُ فِي عَبْدٍ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، كَانَ عِتْقُ حِصَّتِهِ مُعْتَبَرًا فِي ثُلُثِهِ ، وَمُسْتَحَقٌّ تَحْرِيرُهَا عَلَى وَرَثَتِهِ ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ حَتَّى يَعْتِقَهَا الْوَرَثَةُ عَنْهُ ، وَلَوْ قَالَ : إِذَا مُتُّ ، فَنَصِيبِي مِنْهُ حُرٌّ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عِتْقُ الْوَرَثَةِ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَوْتَ فِي هَذَا صِفَةً لِلْعِتْقِ ، وَجَعَلَ

الْمَوْتَ فِي ذَلِكَ وَصِيَّةً بِالْمُعْتَقِ ، ثُمَّ يَسْتَوِيَانِ فِي اعْتِبَارِهِمَا مِنَ الثُّلُثِ ، فَإِذَا احْتَمَلَ الثُّلُثُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ مُتَّسِعًا لِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ إِلَّا قَدْرَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي وَصِيَّتِهِ ، فَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَبِعِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ : تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِعِتْقِهَا إِذَا احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ مُسْتَثْنًى لَهُمَا مِنْ مَالِهِ ، فَصَارَ مُوسِرًا بِهِمَا كَالْحُرِّ ، فَصَارَ عِتْقُ نَصِيبِهِ مُبَاشَرَةً ، وَعِتْقُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ سِرَايَةً ، وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ ، وَلَا تَسْرِي إِلَى نَصِيبِ شَرِيكَيْهِ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُوصٍ بِعِتْقِ مِلْكِ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَلْزَمْ غَيْرَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ عِتْقَ السِّرَايَةِ مَا سَرَى بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ وَلَا وَصِيَّةَ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عِتْقِ الْحَيِّ ، وَمَعْدُومٌ فِي عِتْقِ الْمَيِّتِ ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُوصِي يَمْلِكُ جَمِيعَ الْعَبْدِ ، فَوَصَّى بِعِتْقِ بَعْضِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، حكمه فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْحَيِّ إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ ، هَلْ يُنَفَّذُ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِ مُبَاشَرَةً أَوْ سِرَايَةً ؟ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ : أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَبْدِ مُبَاشَرَةً ، فَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُعْتَقُ بَاقِيهِ عَلَى الْحَيِّ بِالسِّرَايَةِ ، فَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ ، وَلَمْ يَسْرِ إِلَى جَمِيعِهِ ، وَإِذَا عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ عِتْقِ مَا أَوْصَى بِهِ رُدَّ الْعِتْقُ إِلَى مَا اتَّسَعَ لَهُ الثُّلُثُ إِلَّا أَنْ يُمْضِيَهُ الْوَرَثَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ، فَيَمْضِي عِتْقُهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابٌ فِي عِتْقِ الْعَبِيْدِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الثُّلُثِ

بَابٌ فِي عِتْقِ الْعَبِيْدِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الثُّلُثِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ حكمه جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كَمَا أَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِهِمْ وَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ثُلُثَ الْمَيِّتِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً لِلْوَارِثِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا لَمْ يَحْتَمِلِ الثُّلُثُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَلَا سِعَايَةَ لِأَنَّ فِي إِقْرَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ وَفِي قَوْلِهِ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ إِبْطَالًا لِلسِّعَايَةِ مِنْ حَدِيثَيْنِ ثَابِتَيْنِ . وَحَدِيثُ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ ضَعِيفٌ وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ جَمِيْعًا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ اسْتِسْعَاءً وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبِيدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ، وَلَمْ يُمْضِ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ حكمه جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ بِالْعَدَدِ إِنْ تَمَاثَلُوا ، أَوْ بِالْقِيمَةِ إِنْ تَفَاضَلُوا عَلَى مَا سَنَصِفُهُ مِنْ بَعْدُ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِتَتَمَيَّزَ الْحُرِّيَّةُ بِهَا ، وَيَتَمَيَّزُ الرِّقُّ بِهَا فِي ثُلُثِهِمْ ، وَسَوَاءٌ كَانُوا سِتَّةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ السِّتَّةَ إِتْبَاعًا لِلْخَبَرِ ، فَإِذَا جَزَّأَهُمْ ، وَهُمْ سِتَّةٌ جُعِلَ كُلُّ اثْنَيْنِ جُزْءًا ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، جَمَعَهُمَا جُزْءٌ خَرَجَتْ عَلَيْهِ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً جَمَعَهُمْ جُزْءَانِ خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ قُرْعَةُ الرِّقِّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَجْزِئَةَ ، وَلَا قُرْعَةَ ، وَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ ، وَيَسْتَسْعِيَا فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ ، لِتَتَكَامَلَ حُرِّيَّتُهُ بِالْعِتْقِ وَالسِّعَايَةِ ، فَخَالَفَنَا فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : التَّجْزِئَةُ لِتَتَكَامَلَ بِهَا حُرِّيَّةُ بَعْضِهِمْ ، وَرِقُّ بَعْضِهِمْ ، فَنَحْنُ نُجَزِّئُهُمْ ، وَهُوَ لَا يُجَزِّئُهُمْ . وَالثَّانِي : تَمْيِيزُ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ بِالْقُرْعَةِ نَحْنُ نَقْرَعُ لِتَمْيِيزِهِمَا ، وَهُوَ لَا يُقْرِعُ . وَالثَّالِثُ : وُجُوبُ السِّعَايَةِ لِيَمْنَعَ بِهَا مِنْ حُرِّيَّةِ بَعْضِ الْعَبْدِ ، وَاسْتِرْقَاقِ بَعْضِهِ ، وَنَحْنُ لَا نُوجِبُهَا ، وَيُجَوِّزُ حُرِّيَّةَ بَعْضِهِ ، وَاسْتِرْقَاقَ بَعْضِهِ . وَأَمَّا السِّعَايَةُ ، وَتَبْعِيضُ الْحُرِّيَّةِ ، وَالرِّقِّ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا . وَأَمَّا التَّجْزِئَةُ وَالْقُرْعَةُ ، فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُخْتَصٌّ بِهِمَا : فَأَمَّا التَّجْزِئَةُ

لِتَتَكَامَلَ بِهَا الْحُرِّيَّةُ فِي جُزْءٍ ، وَيَتَكَامَلَ بِهَا الرِّقُّ فِي جُزْأَيْنِ ، فَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ لِاعْتِبَارِهِمَا فِي الثُّلُثِ ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسِتَّةِ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ أُمْضِيَتِ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَلَا يَكْمُلُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِتْقُهُمْ بِمَثَابَتِهِ فِي حُرِّيَّةِ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَلَا يَكْمُلُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ . وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الِاشْتِرَاكِ ، فَلَمْ يَلْزَمْ تَكْمِيلُهُ بِالْقُرْعَةِ ، وَالْمَقْصُودَ بِالرِّقِّ إِزَالَةُ أَحْكَامِ الرِّقِّ ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الِاشْتِرَاكِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَكْمِيلُهُ بِالْقُرْعَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِجَازَةِ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ ، فَاسْتَغْنَى عَنْ تَكْمِيلِهِ بِالْوَصِيَّةِ ، وَالْمُعْتِقَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ، فَافْتَقَرَ إِلَى تَكْمِيلِهِ بِالْقُرْعَةِ . وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي : أَنْ قَالُوا : إِنَّ حُكْمَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ كَحُكْمِ الصَّحِيحِ فِي كُلِّ مَالِهِ ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ مَلَكَ الثُّلُثَ مِنْ سِتَّةِ أَعْبُدٍ ، فَأَعْتَقَهُمْ حكمه لَمْ يَكْمُلْ عِتْقُهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ، وَعَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَهَ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَمْلِكُهُ ، فَوَجَبَ مِثْلُهُ فِي الْمَرِيضِ إِذَا مَلَكَهُمْ ، وَأَعْتَقَهُمْ ، وَحَقُّهُ فِي الثُّلُثِ مِنْهُمْ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَهُ وَلَا يَكْمُلُ عِتْقُهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ . وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَالِكَ الثُّلُثِ يَكُونُ مُكَمِّلًا لَهُمْ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَمُنِعَ وَالْمَرِيضَ يُكَمِّلُ لِلثُّلُثِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يُمْنَعْ . وَالثَّانِي : أَنَّ مَالِكَ الثُّلُثِ لَوْ عَيَّنَ عِتْقَهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَمْ يَجُزْ ، وَالْمَرِيضَ لَوْ عَيَّنَ عِتْقَهُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ جَازَ فَافْتَرَقَا .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقُرْعَةُ الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا الْحُرِّيَّةُ مِنَ الرِّقِّ ، فَمَنَعَ مِنْهَا أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقُرْعَةَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ تَنْقُلُ الْحُرِّيَّةَ إِلَى الرِّقِّ ، وَالرِّقَّ إِلَى الْحُرِّيَّةِ ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْأَزْلَامِ الَّتِي مَنَعَ مِنْهَا الشَّرْعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ( الْمَائِدَةِ : ) وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقُرْعَةَ إِنَّمَا دَخَلَتْ لِتَمْيِيزِ عِتْقٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَمْ تَنْقُلِ الْحُرِّيَّةَ إِلَى

رِقٍّ ، وَلَا رِقًّا إِلَى حُرِّيَّةٍ ، أَلَا تَرَى لَوْ عُيِّنَ الْعِتْقُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَمْ يُنْقَلْ بِالْقُرْعَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ . وَإِنَّمَا يُقْرَعُ إِذَا أَطْلَقَ الْعِتْقَ فِي السِّتَّةِ ، وَاسْتَحَقَّ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ دَخَلَتْ لِتَمْيِيزِ مَا يُعْتَقُ ، وَيُرَقُّ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْقُرْعَةَ خَارِجَةٌ عَنْ حُكْمِ الْأَزْلَامِ الَّتِي هِيَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْأَزْلَامِ أَنَّهَا هِيَ الْآمِرَةُ ، وَهِيَ النَّاهِيَةُ ، وَكَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا : أَمَرَنِي رَبِّي ، وَعَلَى الْآخَرِ : نَهَانِي رَبِّي ، وَآخَرُ يَجْعَلُونَهُ عَقْلًا ، وَيُجْرُونَهَا مَجَارِيَ النُّجُومِ الَّتِي يَعْتَقِدُ الْمُنَجِّمُ أَنَّهَا هِيَ الْفَاعِلَةُ ، فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِإِبَاحَةِ شَيْءٍ مِنْهَا . وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ لِحُكْمٍ وَجَبَ بِالشَّرْعِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عَمِلَ بِهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّرْعِ ، وَوَافَقَ عَلَيْهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُجْعَلَ الْقُرْعَةُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مَجْرَى الْأَزْلَامِ الَّتِي نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا . وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي : أَنْ قَالُوا لَوْ كَانَتِ الْقُرْعَةُ دَلِيلًا لَمْ تَتَنَاقَضْ ، لَأَنَّ أَدِلَّةَ اللَّهِ لَا تَتَنَاقَضُ ، وَاسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ مُوجِبٌ لِلتَّنَاقُضِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أُعِيدَتْ ثَانِيَةً لَخَرَجَتْ بِغَيْرِ مَا خَرَجَ بِهِ الْأَوَّلُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُسْتَعْمَلَ ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ دُخُولِ الْقُرْعَةِ فِي قِسْمَةِ الْأَمْلَاكِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا فِي الْعِتْقِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَرَّةً ، فَكَانَتْ دَلِيلًا فِي الْأَوَّلِ ، وَلَمْ تَكُنْ دَلِيلًا فِي الثَّانِي فَلَمْ يَدْخُلْهَا إِذَا كَانَتْ دَلِيلًا تَنَاقُضٌ وَإِنْ دَخَلَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ دَلِيلًا تَنَاقُضٌ .

فَصْلٌ : وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ مِنَ التَّجْزِئَةِ وَالْقُرْعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : نَصٌّ وَاسْتِدْلَالٌ . فَأَمَّا النَّصُّ : فَوَارِدٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ اثْنَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَالَ قَوْلًا شَدِيدًا ثُمَّ دَعَاهُمْ ، فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً " . وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَرَدَّ أَرْبَعَةً إِلَى الرِّقِّ " .

فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ خَالَفَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، لِتَتَكَامَلَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَزِّئُهُمْ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِتَمْيِيزِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ كَمَّلَ الْحُرِّيَّةَ فِي اثْنَيْنِ ، وَالرِّقَّ فِي أَرْبَعَةٍ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ ، وَيُرِقُّ ثُلُثَيْهِ ، وَمَا خَالَفَ النَّصَّ كَانَ مَدْفُوعًا . فَإِنْ قَالُوا : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا قُلْتُمُوهُ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : ( جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ) أَيْ جَعَلَ جُزْءًا حُرِّيَّةً ، وَجُزْأَيْنِ رِقًّا . وَقَوْلُهُ : " أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ " أَيِ اسْتِقْصَاءً فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ اشْتِقَاقًا مِنَ الْمُقَارَعَةِ ، لَا مِنَ الْقُرْعَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : قَرَعَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا اسْتَقْصَى عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ : أَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً أَيْ أَعْتَقَ سَهْمَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ . قِيلَ : هَذَا تَأْوِيلٌ مَعْدُولٌ بِهِ عَنِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، وَيَبْطُلُ بِالدَّلِيلِ . أَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَعْنَى جَزَّأَهُمْ أَيْ جَعَلَ جُزْءًا حُرِّيَّةً ، وَجُزْأَيْنِ رِقًّا ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَجْزِئَةُ الْأَحْكَامِ دُونَ الْأَعْيَانِ ، وَحَمْلُ التَّجْزِئَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ ؟ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ تَجْزِئَةَ الْأَحْكَامِ مَعْلُومَةٌ بِالْعِتْقِ ، فَاسْتَغْنَتْ عَنْ تَجْزِئَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا فِعْلٌ ، وَالْفِعْلُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَحْكَامِ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَعْنَى أَقْرَعَ أَيِ اسْتَقْصَى فِي الْقِيمَةِ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَكُونُ قُرْعَةً فِي قِيمَتِهِمْ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : " أَعْتَقَ اثْنَيْنِ ( أَيْ سَهْمَيْنِ ) وَأَرَقَّ أَرْبَعَةَ " أَسْهُمٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا وَالرِّقُّ سَهْمَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّ التَّجْزِئَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْ هَذَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يُفِيدُ ، وَهَذَا مُغْنٍ عَنِ التَّجْزِئَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ مَا لَا يُفِيدُ . وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِمْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : عَلَى جَوَازِ التَّجْزِئَةِ لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ ، وَتَكْمِيلِ الرِّقِّ .

وَالثَّانِي : عَلَى جَوَازِ الْقُرْعَةِ لِتَمْيِيزِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ . وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّجْزِئَةِ لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ التَّجْزِئَةَ مُوَافِقَةٌ لِأُصُولِ الْوَصَايَا أَلَّا يَمْضِي فِي الْوَصَايَا إِلَّا مَا يَحْصُلُ لِلْوَرَثَةِ إِلَّا مِثْلَاهُ ، فَإِذَا جُزِّئُوا أَثْلَاثًا ، وَعَتَقَ مِنْهُمُ اثْنَانِ ، رَقَّ أَرْبَعَةٌ لِلْوَرَثَةِ ، فَصَارَ لَهُمْ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ ، وَإِذَا أُعْتِقَ ثُلُثُهُمْ عَلَى مَا قَالُوا ، وَاسْتَسْعُوا فِي بَاقِيهِمْ خَرَجَ بِالْعِتْقِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ ، وَتَرَدَّدَ مَالُ السِّعَايَةِ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ ، فَيَتَأَخَّرَ بِهِ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ ، وَبَيْنَ أَلَّا يَحْصُلَ ، فَتَبْطُلُ بِهِ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ ، وَمَا أَدَّى إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتِ الْأُصُولُ مَانِعَةً مِنْهُ . وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي : أَنَّ فِي التَّجْزِئَةِ إِيصَالُ الْوَرَثَةِ إِلَى حُقُوقِهِمْ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ ، فَيَصِيرُ الْمُعْتِقُ مُسْتَوْعِبًا لِتَرِكَتِهِ وَحَقِّهِ فِي ثُلُثِهَا ، وَالْوَارِثُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا ، وَقَدِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَيْهَا . وَمَا أَدَّى إِلَى هَذَا كَانَ الشَّرْعُ مَانِعًا مِنْهُ . وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْقُرْعَةِ لِتَمْيِيزِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الرِّقِّ ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، اسْتَشَارَ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَأَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي الْقُرْعَةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، فَأَشَارَا عَلَيْهِ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ ، فَعَمِلَ بِهَا ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِي عَصْرِهِ مُخَالِفٌ فِيهَا ، فَصَارَ قَوْلُ ثَلَاثَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ انْعَقَدَ بِهِمُ الْإِجْمَاعُ . وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْقُرْعَةُ فِي قِسْمَةِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ لِيَتَمَيَّزَ بِهَا نَقْلُ أَمْلَاكٍ عَنْ أَمْلَاكٍ ، كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي مِلْكِ الْوَاحِدِ لِيَتَمَيَّزَ بِهَا حُرِّيَّةُ مِلْكِهِ مِنْ رِقِّهِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ فِي مِلْكِ جَمَاعَةٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي الْعِتْقِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَكَانَ بِنَفْيِ التُّهْمَةِ أَحَقَّ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَجْزِئَتِهِمْ ، وَالْإِقْرَاعِ بَيْنَهُمْ ، فَحُكْمُهُمْ مَوْقُوفٌ فِي بَقَاءِ الْمُعْتِقِ فِي مَرَضِهِ التجزئة والإقراع في ملكية العبد لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعِتْقِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُمْ ، فَيَرِقُّوا ، وَلَا يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الرِّقِّ لِجَوَازِ أَنْ يُفِيدَهَا مَا لَا يَخْرُجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ ، فَيُعْتَقُوا وَلَا يُجَزَّءُونَ ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْرُوثٍ فِي حَيَاتِهِ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ ، فَلَا يُورَثُ ، وَتَكُونُ أَكْسَابُ الْعَبِيدِ الْمُعْتَقِينَ مَوْقُوفَةً عَلَى مَا يَسْتَبِينُ . فَإِذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ وَجَبَتِ التَّجْزِئَةُ ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْقُرْعَةُ وَاعْتُبِرَ قَدْرُ التَّرِكَةِ لِيَكُونَ الْعِتْقُ مُعْتَبِرًا بِثُلُثِهَا إِذَا أَقْنَعَ

الْوَرَثَةَ مِنْ إِجَازَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ فِي مَرَضِهِ مَالٌ يَخْرُجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ مَالُهُ ، فَلَا يَصِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ أَوْ يَرْكَبَهُ دَيْنٌ يُسْتَرَقُّونَ فِي قَضَائِهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ كَانَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ حُرًّا بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ ، وَمَلَكَ جَمِيعَ أَكْسَابِهِ فِي حَيَاةِ مُعْتِقِهِ . وَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ مَمْلُوكًا لَمْ يَزُلْ ، وَجَمِيعُ أَكْسَابِهِ تَرِكَةٌ مَوْرُوثَةٌ ، وَلَا تَقَعُ بِالْقُرْعَةِ حُرِّيَّةٌ وَلَا رِقٌّ ، وَإِنَّمَا لِتَتَمَيَّزَ بِهَا الْحُرِّيَّةُ مِنَ الرِّقِّ . وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ بِالْقُرْعَةِ يَقَعُ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حِينَ أَقْرَعَ بَيْنَ الْعَبِيدِ السِّتَّةِ أَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً " . وَهَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنَ الثُّلُثِ مُوجِبًا لِعِتْقِهِمْ بِلَفْظِ الْمَالِكِ ، وَجَبَ إِذَا عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ أَنْ تَكُونَ حُرِّيَّةُ مَنْ عَتَقَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ الْمَالِكِ . وَالثَّانِي : أَنَّ عِتْقَهُمْ بِالْقُرْعَةِ مُبْطِلٌ لِعِتْقِ الْمَالِكِ ، وَإِبْطَالَ عِتْقِ الْمَالِكِ مُوجِبٌ لِإِبْطَالِ الْقُرْعَةِ ، وَكُلَّ حُكْمٍ عُلِّقَ بِسَبَبٍ أَدَّى ثُبُوتُهُ إِلَى إِبْطَالِ سَبَبِهِ ، بَطَلَ الْحُكْمُ بِإِثْبَاتِ سَبَبِهِ . فَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَقْرَعَ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ، فَلَمْ يَكُنِ الْعِتْقُ إِلَّا مِنَ الْمَالِكِ ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ تَمْيِيزًا لِلْعِتْقِ مِنَ الرِّقِّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - .

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ وَغَيْرِهِمْ

بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ وَغَيْرِهِمْ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَحَبُّ الْقُرْعَةِ إِلَيَّ وَأَبْعَدُهَا مِنَ الْحَيْفِ عِنْدِي أَنْ تُقْطَعَ رِقَاعٌ صِغَارٌ مُسْتَوِيَةٌ فَيُكْتَبَ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمُ ذِي السَّهْمِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ تُجْعَلُ فِي بَنَادِقَ طِينٍ مُسْتَوِيَةٍ وَتُوزَنُ ثُمَّ تُسْتَجَفُّ ثُمَّ تُلْقَى فِي حِجْرِ رَجُلٍ لَمْ يَحْضُرِ الْكِتَابَةَ وَلَا إِدْخَالَهَا فِي الْبُنْدُقِ وَيُغَطَّى عَلَيْهَا ثَوْبٌ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَدْخِلْ يَدَكَ فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً فَإِذَا أَخْرَجَهَا فُضُمَّتْ وَقُرِئَ اسْمُ صَاحِبِهَا وَدُفِعَ إِلَيْهِ الْجُزْءُ الَّذِي أَقْرَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ أَقْرِعْ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي الَذِي يَلِيْهِ وَهَكَذَا مَا بَقِيَ مِنَ السُّهْمَانِ شَيْءٌ حَتَّى تَنْفَدَ وَهَذَا فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْعَةَ تَدْخُلُ فِي الْأَحْكَامِ بين الممالك لِتَمْيِيزِ مَا اشْتَبَهَ إِذَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ بِغَيْرِهَا ، لِتَزُولَ فِيهِ التُّهْمَةُ ، وَيَخْرُجَ عَنْ تَوَهُّمِ الْمُمَايَلَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ عَلَى أَحْوَطِ الْمُمْكِنَاتِ فِيهَا ، وَهِيَ عَلَى مَا وَصَفَهَا الشَّافِعِيُّ أَحْوَطُ مُمْكِنٍ فِيهَا ، فَاعْتَبِرْ فَمَا وَصَفَهُ مِنْهَا خَمْسَةُ أَشْيَاءَ مُبَالَغَةً فِي الِاحْتِيَاطِ ، وَاحْتِرَازًا مِنَ الْحِيلَةِ ، وَبُعْدًا مِنَ التُّهْمَةِ . وَقَالَ مَالِكٌ : كَيْفَمَا أَقْرَعَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ ، وَلَوْ بِأَقْلَامِ دَوَاتِهِ أَجْزَأَ ، وَهَذَا عُدُولٌ عَنِ الِاحْتِيَاطِ ، وَتَعَرُّضٌ لِلِارْتِيَابِ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْهُ الْحُكَّامُ . وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ تَكُونَ الرِّقَاعُ فِي بَنَادِقَ طِينٍ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الشَّمْعِ وَالْحَدِيدِ ؛ لِأَنَّ الشَّمْعَ لَيِّنٌ تَتِمُّ فِيهِ الْحِيلَةُ ، وَالْحَدِيدُ شَدِيدٌ لَا يَنْفَتِحُ ، وَإِنْ لِينَ بِالنَّارِ رُبَّمَا أُحْرِقَتْ رِقَاعُهُ . وَاخْتَارَ ثَانِيًا : بِأَنْ تَكُونَ الْبَنَادِقُ مُتَسَاوِيَةَ الْوَزْنِ وَالصِّفَةِ ، مُدَوَّرَةً قَدْ مُلِّسَتْ ، لِئَلَّا تَخْتَلِفَ فَتَتَمَيَّزَ . وَاخْتَارَ ثَالِثًا : أَنْ تُجَفَّفَ حَتَّى تَيْبَسَ ، فَلَا تَتِمُّ فِيهَا حِيلَةٌ . وَاخْتَارَ رَابِعًا : أَنْ تُوضَعَ مُغَطَّاةً ، وَيُؤْمَرَ مَنْ لَمْ يُشَاهِدُهَا بِالْإِخْرَاجِ حَتَّى لَا يَرَى مَا تَتَوَجَّهُ بِهِ إِلَيْهِ تُهْمَةٌ . وَاخْتَارَ خَامِسًا : أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ قَلِيلَ الْفِطْنَةِ ظَاهِرَ السَّلَامَةِ لِيَبْعُدَ مِنَ الْأَدْغَالِ ،

وَالْحِيلَةِ ، فَهَذَا أَحْوَطُ مَا يُمْكِنُ فِيهَا ، وَلَيْسَ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي صِفَتِهَا مِنْ هَذِهِ الْفُصُولِ الْخَمْسَةِ احْتِيَاطٌ يُؤْمَرُ بِهِ الْحُكَّامُ ، فَإِنْ قَصَّرَ فِي بَعْضِهَا أَسَاءَ ، وَلَمْ يُبْطَلْ حُكْمُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْعِتْقِ وَالدَّيْنِ وَالتَبْدِئَةِ بِالْعِتْقِ

بَيَانِ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ

بَابُ الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْعِتْقِ وَالدَّيْنِ وَالتَبْدِئَةِ بِالْعِتْقِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَيُجَزَّأُ الرَّقِيقُ إِذَا أُعْتِقَ ثُلُثُهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ إِذَا كَانَتْ قِيَمُهُمْ سَوَاءً وَيُكْتَبُ لَسَهْمِ الْعِتْقِ فِي وَاحِدٍ وَسَهْمَا الرِّقِّ فِي اثْنَيْنِ ثَمَّ يُقَالُ : أَخْرِجْ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ بِعَيْنِهِ وَيُعْرَّفُ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ وَرَقَّ الْجُزْءَانِ الْآخَرَانِ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ سَهْمُ الرِّقِّ رَقَّ ثُمَّ قِيلَ أَخْرِجْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقَ وَرَقَّ الثَّالِثُ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَيْهِ عَتَقَ الثَالِثُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيَمُهُمْ ضُمَّ قَلِيْلُ الثَّمَنِ إِلَى كَثِيرِ الثَمَنِ حَتَّى يَعْتَدِلُوا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيَمُهُمْ فَكَانَ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِائَةً وَقِيْمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةً وَقِيْمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةً جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْقِيَمِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ وَاحِدٍ مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ خَمْسِينَ ، وَثَلَاثَةٍ خَمْسِينَ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَاحِدِ عَتَقَ مِنْهُ نِصْفُهُ وَهُوَ الثُلُثُ مِنْ جَمِيْعِ الْمَالِ ، وَالْآخَرُونَ رَقِيقٌ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ اثْنَيْنِ عَتَقًا ثُمَّ أُعِيدَتِ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْوَاحِدِ وَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالْعِتْقِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنَ الثُلُثِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ فَكَانُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعًا جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ حَتَى يُسْتَكْمَلَ الثُلُثُ وَيُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الْبَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ ، بين العبيد لإخراج المعتق وَيَتَضَمَّنُ ثَلَاثَةَ فُصُولٍ : أَحَدُهَا : فِي التَّجْزِئَةِ . وَالثَّانِي : فِي التَّعْدِيلِ . وَالثَّالِثُ : فِي الْإِخْرَاجِ . فَأَمَّا التَّجْزِئَةُ ، فَهُوَ أَنْ يُجَزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ عِتْقَ الثُّلُثِ لِأَنَّ مَخْرَجُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ عِتْقَ الرُّبُعِ جَزَّءُوا أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ .

وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ عِتْقَ النِّصْفِ جَزَّءُوا جُزْأَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ مِنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ عَلَى هَذَا . وَأَمَّا التَّعْدِيلُ فَمُعْتَبَرٌ بِأَعْدَادِ الْعَبِيدِ وَقِيَمِهِمْ ، وَهُمْ فِي الْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ : أَحَدِهَا : أَنْ يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ مَخْرَجَ الثُّلُثِ ، وَتَتَسَاوَى قِيَمُهُمْ ، فَيَكُونُوا فِي مُوَافَقَةِ الْعَدَدِ ثَلَاثَةً ، أَوْ سِتَّةً ، أَوْ تِسْعَةً ، وَتَكُونُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَإِنْ كَانُوا سِتَّةً جُعِلَ كُلُّ اثْنَيْنِ جُزْءًا ، وَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مُعْتَبَرًا بِرَأْيِ الْحَاكِمِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُتَنَاسِبَانِ أَخَوَانِ أَوْ أَبٌ وَابْنٌ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى مِنَ التَّفْرِقَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ أَمَتَانِ ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى مِنَ التَّفْرِقَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ زَوْجَانِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى مِنَ التَّفْرِقَةِ ؟ فَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَ الْمُتَنَاسِبَيْنِ جَازَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةٌ مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّجْزِئَةِ ، لِئَلَّا تَخْتَلِفَ أَحْكَامُهُمَا ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا ، فَتَوَلَّهَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ . وَإِنَّ فُرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ كَجَوَازِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ فِي التَّجْزِئَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ ، لِيَجْتَمِعَا عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهَا ، فَيُفْضِي إِلَى فَسْخِ النِّكَاحِ الْمَعْقُودِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ . فَإِذَا جُزِّءُوا أَثْلَاثًا ، وَجُمِعَ بَيْنَ كُلِّ جُزْأَيْنِ اثْنَيْنِ كَانَ الْحَاكِمُ فِي الْإِخْرَاجِ بَيْنَ خِيَارَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكْتُبَ فِي الرِّقَاعِ الْأَسْمَاءَ ، وَيُخْرِجَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، فَيَكْتُبُ سَالِمًا وَغَانِمًا فِي رُقْعَةٍ ، وَنَافِعًا وَبِلَالًا فِي أُخْرَى ، وَنَجَاحًا وَإِقْبَالًا فِي الثَّالِثَةِ . وَهُوَ فِيمَا يَقُولُهُ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : أَوْلَاهُمَا وَأُعَجَلُهُمَا إِلَى فَصْلِ الْحَكَمِ : أَنْ يَقُولَ : أَخْرِجْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الْأَجْزَاءِ أُعْتِقَ مَنْ فِيهَا ، وَرَقَّ مَنْ فِي الْجُزْأَيْنِ الْآخَرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْعِتْقِ مَا يَخْرُجُ لِأَجْلِهِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَقُولَ : أَخْرِجْ عَلَى الرِّقِّ ، فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الْأَجْزَاءِ رَقَّ مَنْ فِيهِ ، وَبَقِيَ جُزْءَانِ أَحَدُهُمَا رَقِيقٌ ، وَالْآخَرُ حُرٌّ وَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَقُولَ : أَخْرِجْ عَلَى الرِّقِّ ، فَيَرِقُّ مَنْ فِيهِ ، وَيُعْتَقُ مَنْ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ : أَخْرِجْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ ، فَيُعْتَقُ مَنْ فِيهِ ، وَيَرِقُّ مَنْ فِي الْجُزْءِ الْبَاقِي .

وَالْخِيَارُ الثَّانِي : أَنْ يَكْتُبَ فِي الرِّقَاعِ الْحُرِّيَّةَ وَالرِّقَّ ، وَيُخْرِجُ عَلَى الْأَسْمَاءِ ، فَيَكْتُبُ فِي رُقْعَةٍ عِتْقًا ، وَفِي رُقْعَتَيْنِ رِقًّا . وَيَقُولُ : أَخْرِجْ لِسَالِمٍ وَغَانِمٍ . فَإِنْ خَرَجَ لَهُمَا سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَا ، وَرَقَّ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقُونَ ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُمَا سَهْمُ الرِّقِّ رَقَّا ، وَقَالَ : أَخْرِجْ لِنَافِعٍ وَبِلَالٍ فَإِنْ خَرَجَ لَهُمَا سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَا ، وَرَقَّ الْآخَرَانِ ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُمَا سَهْـمُ الرِّقِّ رَقَّا ، وَعَتَقَ الْآخَرَانِ . فَهَذَا حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي تَجْزِئَتِهِ وَإِخْرَاجِهِ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يُوَافِقَ الْعَدَدُ ، وَتَخْتَلِفَ الْقِيَمُ ، وَيُمْكِنَ التَّعْدِيلُ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق . مِثَالُهُ : أَنْ يَكُونُوا سِتَّةً ، قِيمَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِائَتَانِ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ . فَإِذَا جُمِعَتْ قِيَمُهُمْ كَانَتْ تِسْعَمِائَةٍ ثُلُثُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ فَيُجْعَلُ الْعَبْدَانِ اللَّذَانِ قِيمَتُهُمَا ثَلَاثُمِائَةِ سَهْمًا وَنَضُمُّ وَاحِدًا مِنَ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَتَانِ إِلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ ، وَيُجْعَلُ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا سَهْمًا قِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَتَتَعَدَّلُ السِّهَامُ الثَّلَاثَةُ فِي الْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ ، ثُمَّ الْحَاكِمُ فِي الْإِخْرَاجِ بَيْنَ خِيَارَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَتْبِ الْأَسْمَاءِ وَالْإِخْرَاجِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَبَيْنَ كَتْبِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَسْمَاءِ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يُوَافِقَ الْعَدَدُ ، وَتَخْتَلِفُ الْقِيَمُ ، وَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق . مِثَالُهُ : أَنْ يَكُونُوا سِتَّةً ، قِيمَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ ، فَمَجْمُوعُ قِيَمِهِمْ ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُجَزَّأُ سِهَامُهُمْ عَلَى الْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ ، فَنَجْعَلُ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ سَهْمًا ، وَنَجْعَلُ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ سَهْمًا ، وَنَجْعَلُ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ قِيْمَتُهُمْ مِائَةٌ سَهْمًا ، وَكَانَ الْإِخْرَاجُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْخِيَارَيْنِ ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَاحِدِ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ ، وَرَقَّ الْخَمْسَةُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ عَتَقَا ، وَرَقَّ الْأَرْبَعَةُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ قِيمَتُهُمْ مِائَةٌ عَتَقُوا ، وَرَقَّ الثَّلَاثَةُ . وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فَجَزَّأَهُمْ عَلَى الْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقْرَعَ عَلَى الْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ ، فَكَانَ الْعَدَدُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا مِنَ الْقِيمَةِ فَنَجْعَلُ الْعَبْدَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ سَهْمًا ، وَيُضَمُّ أَحَدُ الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ قِيمَتُهُمْ مِائَةٌ إِلَى الْعَبْدِ الَّذِي قِيمَتْهُ مِائَةٌ ، فَيَصِيرُ سَهْمُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ ، وَسَهْمُ الْبَاقِينَ أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْعَبْدَيْنِ الْمُقَوَّمِ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِثُلُثِ الْمِائَةِ رَقَّ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقُونَ فَصَارَ سَهْمُ الْعِتْقِ خَارِجًا عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ ، فَلَمْ يُنَفَّذِ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهَا لِزِيَادَتِهِمَا عَلَى الثُّلُثِ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا قُرْعَةً ثَانِيَةً ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ ، عَلَى

الْعَبْدَيْنِ الْمُقَوَّمِ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِثُلُثِ الْمِائَةِ رَقَّ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقُونَ فَصَارَ سَهْمُ الْعِتْقِ خَارِجًا عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ ، فَلَمْ يُنَفَّذِ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِمَا لِزِيَادَتِهِمَا عَلَى الثُّلُثِ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا قُرْعَةً ثَانِيَةً ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْمُقَوَّمِ بِمِائَةٍ عَتَقَ ، وَرَقَّ الْآخَرُ ، إِنْ خَرَجَ عَلَى الْمُقَوَّمِ بِثُلُثِ الْمِائَةِ عَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَثُلُثَا الْآخَرِ لِاسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ ، وَرَقَّ ثُلُثُهُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ ، لِمَا تَقْضِي إِلَيْهِ مِنْ إِعَادَةِ الْقُرْعَةِ مِرَارًا أَوْ تَبَعُّضِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ تَخْتَلِفَ قِيَمُهُمْ ، وَلَا يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ ، وَيُمْكِنَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق . مِثَالُهُ : أَنْ يَكُونُوا ثَمَانِيَةً : قِيمَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ أَرْبَعَةٍ مِائَةٌ ، فَمَجْمُوعُ قِيمَتِهِمْ ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَيُجَزَّءُونَ عَلَى الْقِيَمِ دُونَ الْعَدَدِ وَجْهًا وَاحِدًا ، وَافَقَ عَلَيْهِ مَنْ خَالَفَ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَمَّا لَمْ يُوَافِقْ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا يَعْدِلُ مِنَ الْقِيمَةِ فَنَجْعَلُ الْعَبْدَ الْمُقَوَّمَ بِمِائَةٍ سَهْمًا ، وَالثَّلَاثَةَ الْمُقَوَّمِينَ بِمِائَةٍ سَهْمًا ، وَالْأَرْبَعَةَ الْمُقَوَّمِينَ بِمِائَةٍ سَهْمًا ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْوَاحِدِ الْمُقَوَّمِ بِمِائَةٍ عَتَقَ وَرَقَّ السَّبْعَةُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمُقَوَّمِينَ بِمِائَةٍ عَتَقُوا ، وَرَقَّ الْخَمْسَةُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمُقَوَّمِينَ بِمِائَةٍ عَتَقُوا ، وَرَقَّ الْأَرْبَعَةُ . وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِائَتَيْنِ جُعِلَا سَهْمَيْنِ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْمُعْتَقِ عَلَى الْمُقَوَّمِ بِمِائَةِ عَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَرَقَّ جَمِيعُ الْآخَرِ ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْمُقَوَّمِ بِمِائَتَيْنِ عَتَقَ نِصْفُهُ ، وَرَقَّ نِصْفُهُ ، وَجَمِيعُ الْآخَرِ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ تَخْتَلِفَ قِيَمُهُمْ - ، وَلَا يُوَافِقَ عَدَدَهُمْ ، فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِيمَةِ وَلَا فِي الْعَدَدِ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق . مِثَالُهُ : أَنْ يَكُونُوا خَمْسَةً : قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ ، وَقِيمَةُ الثَّانِي مِائَتَانِ ، وَقِيمَةُ الثَّالِثِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الرَّابِعِ أَرْبَعُمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ الْخَامِسِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَمَجْمُوعُ قِيَمِهِمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ثُلُثُهَا خَمْسُمِائَةٍ ، فَفِي الْإِقْرَاعِ بَيْنَهُمْ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمُ التَّعْدِيلُ ، لِتَعَذُّرِهِ فِي الْقِيمَةِ وَالْعَدَدِ ، وَتُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ فِي رِقَاعٍ بِعَدَدِهِمْ ، وَتُخْرَجُ عَلَى الْعِتْقِ ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَتَقَ ، وَرَقَّ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقُونَ ، وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِأَرْبَعِمِائَةٍ عَتَقَ ، وَبَقِيَ بَعْدَهُ مِنَ الثُّلُثِ مِائَةٌ ، فَيُخْرَجُ اسْمٌ آخَرُ ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِثَلَاثِمِائَةٍ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ ، وَرَقَّ ثُلُثَاهُ ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقُونَ ، إِنْ خَرَجَ فِي الِابْتِدَاءِ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِثَلَاثِمِائَةٍ عَتَقَ ، وَبَقِيَ بَعْدَهُ مِنَ الثُّلُثِ مِائَتَانِ ، فَيُخْرَجُ اسْمٌ آخَرُ ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِمِائَتَيْنِ عَتَقَ جَمِيعُهُ ، وَرَقَّ الثَّلَاثَةُ الْبَاقُونَ ، وَلَوْ

خَرَجَ فِي الِابْتِدَاءِ سَهْمُ الْمُقَوَّمِ بِمِائَتَيْنِ عَتَقَ ، وَبَقِيَ بَعْدَهُ مِنَ الثُّلُثِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَيُخْرَجُ اسْمٌ آخَرُ ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِمِائَةٍ عَتَقَ ، وَبَقِيَ بَعْدَهُ مِنَ الثُّلُثِ مِائَتَانِ ، فَيُخْرَجُ اسْمٌ آخَرُ ، فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ الْمُقَوَّمِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَتَقَ مِنْهُ خُمْسَاهُ ، وَرَقَّ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ الِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ عَلَى الْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ فَيُجْعَلُ الْمُقَوَّمُ بِخَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَالْمُقَوَّمِ بِمِائَةٍ ، فَيُجْعَلُ سَهْمًا ثَانِيًا وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَالْمُقَوَّمِ بِمِائَتَيْنِ ، فَيُجْعَلُ سَهْمًا ثَالِثًا ، ثُمَّ يُخْرَجُ عَلَى الْعِتْقِ ، فَأَيُّ السِّهَامِ خَرَجَ عَتَقَ مَنْ فِيهِ ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَ بِهِ الثُّلُثَ ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ .

فَصْلٌ : وَالْقِسْمُ السَّادِسُ : أَنْ تَتَسَاوَى قِيَمُهُمْ ، وَلَا يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق . مِثَالُهُ : أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ ، فَمَجْمُوعُ قِيَمِهِمْ أَرْبَعُمِائَةٍ ، ثُلُثُهَا مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، فَتُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الرِّقَاعِ بِعَدَدِهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا ، فَإِذَا خَرَجَ اسْمُ أَحَدِهِمْ عَتَقَ ، وَأُخْرِجَ اسْمٌ ثَانٍ فَأُعْتِقَ ثُلُثُهُ ، وَرَقَّ ثُلُثَاهُ ، وَجَمِيعُ الْآخَرِينَ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِبَعْضِ رَقِيْقِهِ جُزِّئَ الرَقِيْقُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِبَعْضِ رَقِيْقِهِ جُزِّئَ الرَقِيْقُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق ثُمَّ جُزِّئُوا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الدَّيْنِ بِيعُوا ثُمَّ أَقْرَعَ لِيَعْتِقَ ثُلُثَهُمْ بَعْدَ الدَّيْنِ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِعْتُ مَنْ عَتَقَ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَيْنٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِي عِتْقٍ وَدَيْنٍ يَسْتَوْعِبَانِ التَّرِكَةَ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَبِيدٌ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ ، وَقَدْ أَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَوْعِبُ قِيَمَهُمْ أَوْ قِيمَةَ بَعْضِهِمْ ، حكمه فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَوْعِبًا لِقِيَمِهِمُ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَبَعْدَهُ وَصِيَّةٌ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصَايَا ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ بِهِ حُكْمُ الْعِتْقِ ، كَمَا بَطَلَ بِهِ حُكْمُ جَمِيعِ الْوَصَايَا وَالْمَوَارِيثِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِقِيَمِهِمُ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْعِتْقِ فِيمَا قَابَلَ قَدْرَ الدَّيْنِ ، وَكَانَ بَاقِيًا فِيمَا عَدَاهُ . وَالدَّيْنُ خَارِجٌ مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ ، وَالْعِتْقُ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِهَا ، فَتَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَسْهَلِ أَمْثِلَتِهَا ، لِيَكُونَ مِثَالًا لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعَةُ عَبِيدٍ يَعْتِقُهُمْ فِي مَرَضِهِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ، وَقِيمَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَيَمُوتُ وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنًا ، فَلِظُهُورِ الدَّيْنِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَظْهَرَ قَبْلَ تَحْرِيرِ الْعِتْقِ بِالْقُرْعَةِ . وَالثَّانِيَةُ : بَعْدَ تَحْرِيرِهِ بِهَا .

فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ وَجَبَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ يُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِلْعِتْقِ فَإِنْ قِيلَ : فَقَضَاءُ الدَّيْنِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قُرْعَةٍ ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ مَعَ الْوَصَايَا لَمْ يُقْرَعْ فِي التَّرِكَةِ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا . قِيلَ : إِنَّمَا أُقْرِعَ فِي الدَّيْنِ مَعَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْرَعْ فِيهِ مَعَ الْوَصَايَا لِأَمْرَيْنِ : فَرْقٌ وَتَعْلِيلٌ . فَأَمَّا الْفَرْقُ فَهُوَ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَمَّا اسْتُعْمِلَتْ فِي الْعِتْقِ إِذَا انْفَرَدَ ، وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الْوَصَايَا إِذَا انْفَرَدَتِ اسْتُعْمِلَتْ فِي الْعِتْقِ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْوَصَايَا إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الدَّيْنِ . وَأَمَّا التَّعْلِيلُ : فَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُتْرَكُ بِالْعَجْزِ عَلَى إِشَاعَتِهِ حَتَّى يُمَيَّزَ بِالْقُرْعَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاعَ مَا دَخَلَهُ الْعَجْزُ إِلَّا بِالْقُرْعَةِ وَالْوَصَايَا تُتْرَكُ بِالْعَجْزِ عَلَى إِشَاعَتِهَا ، وَلَا تُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ ، فَجَازَ أَنْ يُشَاعَ مَا دَخَلَهُ الْعَجْزُ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ . وَإِذَا وَجَبَ الْإِقْرَاعُ لِلدَّيْنِ كَمَا وَجَبَ الْإِقْرَاعُ لِلْعِتْقِ ، وَجَبَ تَقْدِيمُ الْإِقْرَاعِ لِلدَّيْنِ كَمَا وَجَبَ الْإِقْرَاعُ لِلْعِتْقِ ، لِإِمْضَاءِ الْعِتْقِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْمَعَ فِي الْإِقْرَاعِ الْوَاحِدِ بَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْعِتْقِ ، حكمه كَمَا وَهِمَ فِيهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ، لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لِتَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصَايَا . وَالثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ مَنْ قَرَعَ فِي الدَّيْنِ ، فَتُضَمُّ الزِّيَادَةُ إِلَى مَنْ أَفْرَدَ لِلْعِتْقِ أَوْ تُنْقَصَ الْقِيمَةُ ، فَتُتَمَّمُ مِمَّنْ أُفْرِدَ لِلْعِتْقِ . فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ ، فَمَعْلُومٌ مِنْ صُورَةِ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَابِلٌ لِرُبْعِ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِائَةٌ وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُ مِائَةٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يُجَزَّءُوا أَرْبَاعًا ، وَيُكْتَبُوا فِي أَرْبَعِ رِقَاعٍ ، وَالْمُقْرَعُ فِيهِ بَيْنَ خِيَارَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ ، وَيُخْرَجُ عَلَى الدَّيْنِ ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ بِيعَ فِيهِ . وَالثَّانِي : أَنْ يُكْتَبَ فِي رُقْعَةٍ دَيْنًا ، وَفِي ثَلَاثَةِ رِقَاعٍ تَرِكَةً ، وَيُخْرَجَ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الدَّيْنِ بِيعَ فِيهِ ، فَإِذَا تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ فِي الدَّيْنِ بِالْقُرْعَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَ الْبَاقِينَ فِي الْعِتْقِ إِلَّا بَعْدَ بَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَزِيدَ قِيمَتُهُ ، فَيُزَادُ عَلَى سِهَامِ الْعِتْقِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَنْقُصَ ، فَتُتَمَّمُ مِنْ سِهَامِ الْعِتْقَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَهْلِكَ فَيُقْرَعُ لِلدَّيْنِ ثَانِيَةً مِنْ سِهَامِ الْعِتْقِ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَلَى الْإِقْرَاعِ لِلْعِتْقِ حَتَّى يُبَاعَ الْقَارِعُ فِي الدَّيْنِ ، وَيُقْضَى بِثَمَنِهِ جَمِيعُ الدَّيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ ، وَيُرَقُّ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ ، فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ قِيمَتُهُمْ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَالدَّيْنُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، جُزِّئُوا فِي الدَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ عَلَى عَدَدِهِمْ ، فَإِذَا خَرَجَتْ فِيهِ قُرْعَةُ أَحَدِهِمْ بِيعَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ

وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَالْمِائَةُ الدَّيْنُ هِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ، وَيَبْقَى عَبْدَانِ ، وَرُبْعٌ قِيمَتُهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ فَيُجَزَّءُونَ أَثْلَاثًا ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ لِلْعِتْقِ ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى أَحَدِ الْكَامِلِينَ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَرَقَّ رُبْعُهُ مَعَ جَمِيعِ الْآخَرِ وَالرُّبْعُ الْبَاقِي مِنَ الْمَبِيعِ فِي الدَّيْنِ ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الرُّبْعِ الْبَاقِي مِنَ الْمَبِيعِ فِي الدَّيْنِ عَتَقَ ، وَقُرِعَ بَيْنَ الْكَامِلِينَ ، وَأُعْتِقَ مِنَ الْقَارِعِ نِصْفُهُ ، وَرَقَّ نِصْفُهُ ، وَجَمِيعُ الْآخَرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ ظُهُورُ الدَّيْنِ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْعِتْقِ بِالْقُرْعَةِ حكمه . مِثَالُهُ : أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْعَبِيدِ الْأَرْبَعَةِ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُمْ عَبْدٌ وَثُلُثٌ ، ثُمَّ تَظْهَرُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنًا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ قَبْلَ الْقُرْعَةِ ، - فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كِتَابِ ( الْأُمِّ ) أَنَّ قُرْعَةَ الْعِتْقِ مَاضِيَةٌ ، وَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ بِمَا اسْتَرَقَّهُ الْوَرَثَةُ ، وَهُوَ عَبْدَانِ وَثُلُثَا عَبْدٍ بِمِائَةٍ لِقَضَائِهِ لِلدَّيْنِ إِنْ لَمْ يَقْضُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَهُمْ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِ مَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِمْ لِلْمُعْتِقِ ، فَلَمْ يُحْتَجْ فِي بَيْعِهِ إِلَى قُرْعَةٍ ، وَيَبْقَى مَعَهُمْ عَبْدَانِ وَثُلُثَانِ ، وَقَدْ صَارَتِ التَّرِكَةُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ قِيمَتُهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ تَمَامُ حَقِّهِمْ فِي الثُّلُثَيْنِ ثُلُثُ عَبْدٍ ، وَقَدْ خَرَجَ بِالْعِتْقِ عَبْدٌ وَثُلُثٌ ، فَيُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالثُّلُثِ ، لِيُسْتَرَقُّ مِنْهُمَا ثُلُثُ عَبْدٍ يَسْتَكْمِلُ بِهِ الْوَرَثَةُ ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ ، فَإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الرِّقِّ عَلَى ثُلُثِ الْعَبْدِ رَقَّ لِلْوَرَثَةِ ، وَتَحَرَّرَ عِتْقُ الْآخَرِ كُلِّهِ ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى هَذَا الْآخَرِ الْكَامِلِ الْعِتْقِ قُرْعَةُ الرِّقِّ رَقَّ ثُلُثُهُ ، وَعَتَقَ ثُلُثَاهُ وَالثُّلُثُ الْآخَرُ ، وَصَارَ عِتْقُ الْعَبْدِ مُبَعَّضًا فِي عَبْدَيْنِ ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي اسْتِيفَاءِ حُكْمِ الْقُرْعَةِ الْأُولَى . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قُرْعَةَ الْعِتْقِ تَبْطُلُ بِظُهُورِ الدَّيْنِ بَعْدَهَا ، كَمَا كَانَتْ تَبْطُلُ بِظُهُورِ الدَّيْنِ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ حَقِّهَا كَأَخَوَيْنِ اقْتَسَمَا تَرِكَةً ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمَا أَخٌ ثَالِثٌ بَطَلَتْ قِسْمَتُهُمَا ، وَوَجَبَ أَنْ يَسْتَأْنِفَاهَا مَعَ الثَّالِثِ ، فَعَلَى هَذَا تُنْقَضُ الْقُرْعَةُ ، وَيَعُودُ مَنْ أُعْتِقَ بِهَا إِلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ، وَيَبْتَدِئُ فَيُقْرِعُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ ، فَيُبَاعُ فِيهِ أَحَدُهُمْ ، وَيَبْقَى بَعْدَ الْمَبِيعِ فِي الدَّيْنِ ثَلَاثَةٌ يُسْتَحَقُّ عِتْقُ أَحَدِهِمْ ، فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمْ لِلْعِتْقِ ، وَيُعَلَّقُ مِنْهُمْ مَنْ قُرِعَ ، وَيُرَقُّ الْآخَرَانِ . وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ تُحْفَظُ بِهِ حُرِّيَّةُ مَنْ عَتَقَ وَعُبُودِيَّةُ مَنْ رَقَّ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي قَدْ يُعْتَقُ بِهِ مَنْ رَقَّ ، وَيَرِقُّ بِهِ مَنْ عَتَقَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَ الْعَبِيدُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حَالِهِمْ ، وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ دَيْنًا الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ لِلدَّيْنِ ، وَبِيعَ فِيهِ أَحَدُهُمْ ، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ لِلْعِتْقِ ، وَأُعْتِقَ أَحَدُهُمْ ، وَرَقَّ لِلْوَرَثَةِ اثْنَانِ مِنْهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثَانِيَةٌ دَيْنًا ، كَانَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ الْمُسْتَرَقَّيْنِ ، وَيُسْتَرَقُّ مِنَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ ثُلُثُهُ ، فَيَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ عَبْدٌ وَثُلُثٌ ، وَيُنْفَذُ بِالْعِتْقِ ثُلُثَا عَبْدٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تَبْطُلُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ ، وَيُسْتَأْنَفُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِلدَّيْنِ ، فَإِذَا قَرَعَ فِيهِ أَحَدُهُمْ بِيعَ لِلدَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ مَحْكُومًا بِعِتْقِهِ أَوْ بِرِقِّهِ ، ثُمَّ اسْتُؤْنِفَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ ، فَأُعْتِقَ بِهَا ثُلُثَا أَحَدِهِمَا ، وَرَقَّ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثُهُ ، وَجَمِيعُ الْآخَرِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ مِائَةٌ ثَالِثَةٌ دَيْنًا بَعْدَ مَا بِيعَ فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ لَا تُنْقَضُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ ، وَيُبَاعُ مِمَّا اسْتَرَقَّهُ لِلْوَرَثَةِ عَبْدٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَيَبْقَى مَعَهُمْ ثُلُثُ عَبْدٍ ، فَيُسْتَرَقُّونَ مِنْ ثُلُثَيْ مَنْ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، لِيَصِيرَ لَهُمْ ثُلُثَا عَبْدٍ ، وَلِلْعِتْقِ ثُلُثُ عَبْدٍ . وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي : تُنْقَضُ قُرْعَةُ الْعِتْقِ ، وَيَعُودُ الْعَبْدَانِ الْآخَرَانِ إِلَى حُكْمِ الرِّقِّ ، فَيُبَاعُ فِي الدَّيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ ، وَيَبْقَى الْآخَرُ ، فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ . وَلَوْ ظَهَرَتْ بَعْدَهَا مِائَةٌ رَابِعَةٌ دَيْنًا بِيعَ فِيهِ مَنْ أَعْتَقَ وَمَنْ رَقَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا لِاسْتِيعَابِ الدَّيْنِ جَمِيعَ التَّرِكَةِ ، فَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ ، وَمَاتَ فَحُكِمَ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ ، وَرَقِّ ثُلُثَيْهِ لِوَرَثَتِهِ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَدْرُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُنْقَضُ مَا حُكِمَ بِهِ مِنْ عِتْقِ ثُلُثِهِ ، وَيُبَاعُ جَمِيعُهُ فِي دَيْنِهِ ، وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ، فَأَعْتَقَ تُسْعَهُ ، وَأَرَقَّ فِي الدَّيْنِ ثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِهِ ، وَجَعَلَ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعِتْقِ سَهْمٌ ، وَلِلدَّيْنِ سَهْمَانِ ثُمَّ سَهْمُ الْعِتْقِ مَقْسُومٌ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْوَرَثَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَيَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ سِتَّةٌ مِنْهَا ، وَهِيَ الثُّلُثَانِ لِلدَّيْنِ وَثُلُثُهُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْوَرَثَةِ أَثْلَاثًا ، لِلْعِتْقِ سَهْمٌ وَهُوَ التُّسْعُ ، فَيُعْتَقُ تُسْعُهُ ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ سَهْمَانِ تُرَدُّ عَلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فِي الثُّلُثِ ، وَلَا وَصِيَّةَ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَمَا لَا مِيرَاثَ إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَبِيعَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَحَدُهُمْ فِي الدَّيْنِ ، وَأُعْتِقَ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَحَدُهُمْ فِي الثُّلُثِ ، وَرَقَّ الْآخَرَانِ لِلْوَرَثَةِ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ الْمُسْتَرَقَّيْنِ الإقراع بين العبيد لإخراج المعتق كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ كَالدَّيْنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُسْتَرَقُّ مِنَ الْمُعْتَقِ ثُلُثُهُ ، وَلَا تُنْقَضُ الْقُرْعَةُ . وَالثَّانِي : تُنْقَضُ الْقُرْعَةُ ، وَتُسْتَأْنَفُ فِي الْعَبْدَيْنِ ، وَيُعْتَقُ ثُلُثَا أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُمَا ، وَلَوِ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ بَطَلَ فِيهِ الْعِتْقُ ، وَاسْتُؤْنِفَتِ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْبَاقِينَ عَلَى الرِّقِّ وَجْهًا وَاحِدًا ، وَأُعْتِقَ ثُلُثَا أَحَدِهِمَا ، وَرَقَّ بَاقِيهِ ، وَجَمِيعُ الْآخَرِ ، وَلَوِ اسْتَحَقَّ الْمُعْتَقُ ، وَأَحَدُ الْمُسْتَرَقَّيْنِ صَارَتِ التَّرِكَةُ عَبْدًا وَاحِدًا ، فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ .

فَصْلٌ : وَحُكْمُ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ لَوْ لَمْ يَعْتِقْهُمْ فِي مَرَضِهِ ، وَوَصَّى بِعِتْقِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، حكم عتق عبيده

وَهُمْ جَمِيعُ تَرِكَتِهِ كَحُكْمِهِمْ لَوْ أَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ عِتْقَهُمْ فِي الْمَرَضِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَوْتِ ، وَفِي الْوَصِيَّةِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ عِتْقَ الْمَرَضِ مُبَاشَرَةٌ يُنَفَّذُ بِلَفْظِهِ ، وَعِتْقَ الْوَصِيَّةِ يُنَفَّذُ بِلَفْظِ الْوَرَثَةِ ، فَإِنِ امْتَنَعُوا اسْتَوْفَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ قِيمَةَ الْمُعْتَقِينَ فِي الْمَرَضِ مُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ عِتْقِهِمْ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَقِيمَةُ الْمُعْتَقِينَ فِي الْوَصِيَّةِ مُعْتَبَرَةٌ بِقِيمَتِهِمْ وَقْتَ الْمَوْتِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ . وَالرَّابِعُ : أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ يَمْلِكُونَ بِهِ مَا اكْتَسَبُوهُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، وَكَسْبِ مَنْ رَقَّ مِنْهُمْ يَمْلِكُ الْمُعْتِقُ مِنْهُ مَا كَسَبُوهُ فِي حَيَاتِهِ ، وَيُضَافُ إِلَى تَرِكَتِهِ ، وَيَمْلِكُ الْوَرَثَةُ مَا اكْتَسَبُوهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَالْعِتْقُ بِالْوَصِيَّةِ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ أَكْسَابُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِي وَأَكْسَابُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْوَرَثَةِ ، يَسْتَوِي فِيهِ كَسْبُ مَنْ عَتَقَ مِنْهُمْ ، وَمَنْ رَقَّ قَبْلَ الْقُرْعَةِ لِلْعِتْقِ ، وَلَا يُقْضَى مِنْ هَذِهِ الْأَكْسَابِ دُيُونُ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ دُيُونَ الْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْ هَذِهِ الْأَكْسَابِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَفَادُوهَا مِنْ تَرِكَةٍ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهَا ، إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهَا . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ : إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَكَسَبَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَبَعْدَ مَوْتِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ حكم كسب العبد فَالْمِائَةُ الَّتِي كَسَبَهَا فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ دَاخِلَةٌ فِي تَرِكَتِهِ تُضَمُّ إِلَى قِيمَتِهِ ، وَيَدْخُلُ بِهَا دَوْرٌ يَزِيدُ فِي عِتْقِهِ ، وَالْمِائَةُ الَّتِي كَسَبَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ خَارِجَةٌ مِنَ التَّرِكَةِ ، وَلَا يَدْخُلُ بِهَا دَوْرٌ ، وَلَا يَزِيدُ بِهَا عِتْقٌ ، وَقَدْرُ مَا يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ ، وَيَمْلِكُ بِهِ نِصْفَ كَسْبِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ ، وَنِصْفَ كَسْبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَيَرِقُّ نِصْفُهُ لِلْوَرَثَةِ ، وَيَسْتَحِقُّونَ بِهِ نِصْفَ كَسْبِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ مِيرَاثًا ، وَنِصْفَ كَسْبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِلْكًا ، وَبَابُهُ فِي عَمَلِ الدَّوْرِ أَنْ يُجْعَلَ الْعِتْقُ سَهْمًا ، وَالْكَسْبُ سَهْمًا ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ مِثْلُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَيُجْعَلُ لِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، لِيَكُونَا مِثْلَيْ سَهْمِ الْعِتْقِ ، وَتُجْمَعَ السِّهَامُ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ، وَتُقَسَّمُ التَّرِكَةُ عَلَيْهَا ، وَهُمَا مِائَتَا دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَقَدْ ضُمَّ إِلَيْهَا الْكَسْبُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ مِائَةٌ ، فَيَكُونُ قِسْطُ كُلِّ سَهْمٍ مِنْهَا خَمْسِينَ دِرْهَمًا ، وَلِلْعِتْقِ سَهْمٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، فَعَتَقَ بِهِ نِصْفُهُ ، وَمَلَكَ بِهِ نِصْفُ كَسْبِهِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ ، وَرَقَّ نِصْفُهُ لِلْوَرَثَةِ ، وَمَلَكُوا نِصْفَ كَسْبِهِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ مِيرَاثًا ، فَصَارَ لَهُمْ بِالرِّقِّ وَالْكَسْبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ هِيَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْ نِصْفِهِ ، وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْوَرَثَةِ نِصْفَيْنِ ، بِحَسْبَ مَا فِيهِ مِنْ حُرِّيَّةٍ وَرِقٍّ . فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فِي عِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَكَانَ عَلَى السَّيِّدِ مِائَةُ دِرْهَمٍ

ضُمَّ كَسْبُ الْحَيَاةِ إِلَى التَّرِكَةِ ، وَخَرَجَ الْكَسْبُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْهَا ، فَصَارَتِ التَّرِكَةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُقْضَى نِصْفُهَا فِي الدَّيْنِ ، وَيَبْقَى نِصْفُهَا فِي الْعِتْقِ وَالْمِيرَاثِ فَيُعْتَقُ مِنْهُ رُبْعُهُ ، وَيَرِقُّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَبَابُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْعِتْقِ سَهْمًا ، وَلِلْكَسْبِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَيُقْسَمُ بَاقِي التَّرِكَةِ بَعْدَ الدَّيْنِ ، وَهُوَ مِائَةٌ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ قِسْطُ السَّهْمِ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِسَهْمِ الْعِتْقِ رُبْعُهُ ، وَيَمْلِكُ بِهِ رُبْعَ كَسْبِهِ ، وَيَرِقُّ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَهُوَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا ، وَيَمْلِكُونَ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا ، يَصِيرَانِ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا يُقْضَى مِنْهُمُ الدَّيْنُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا هِيَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ الْمُقَدَّرِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْمُكْتَسَبَةُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْوَرَثَةِ بِقَدْرِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، يَمْلِكُ الْعَبْدُ رُبْعَهَا بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ ، وَيَمْلِكُ الْوَرَثَةُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا كَسْبًا مُسْتَفَادًا ، بِمَا مَلَكُوهُ مِنْ رِقِّهِ لَا تَدَخُّلَ التَّرِكَةُ ، وَلَا يُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ . فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ : يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْهَا ، فَيَدْخُلُ بِهَا دَوْرٌ يَزِيدُ فِي الْعِتْقِ لِزِيَادَةِ مَا يُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ وَزِيَادَةُ دَوْرِهَا بِثُلُثِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الْكَسْبَ بَعْدَ الْوَفَاةِ يُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ وَلَا يُنَفَّذُ بِهِ الْوَصَايَا ، فَتُجْعَلُ الْمِائَةُ الْمُكْتَسَبَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَثْلَاثًا ، ثُلُثًا لِلْعَبْدِ بِكَسْبِ عِتْقِهِ ، وَثُلُثًا لِلْوَرَثَةِ بِكَسْبِ رِقِّهِ ، وَثُلُثًا يُضَافُ إِلَى التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، فَتَصِيرُ التَّرِكَةُ مَعَ هَذَا الثُّلُثِ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا ، يُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ مِائَةٌ ، وَيَبْقَى مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَائِهَا مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ تُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ هِيَ سَهْمٌ لِلْعِتْقِ وَسَهْمٌ لِلْكَسْبِ وَسَهْمَانِ لِلْوَرَثَةِ ، يَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَأُعْتِقَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، وَيَمْلِكُ بِهِ ثُلُثَ كَسْبِهِ ، وَيَرِقُّ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهُ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهُ ، وَقَدْ مَلَكَ مِنَ الْمُكْتَسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُلُثَهُ ، وَمَلَكَ الْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهِ ، وَهُمَا مُسْتَفَادَانِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ . قُلْتُ : كَأَنَّهُ جُعِلَ جُزْءٌ مِنَ الْعَبْدِ يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ ، فَهُوَ لِمَا يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ كَسْبِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ ، وَبَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ لِلدَّيْنِ ثُمَّ جَعَلَ سَهْمًا مِنْ رَقَبَتْهُ بِبَيْعِهِ سَهْمًا مِنَ الْكَسْبِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مَا بَقِيَ ، وَلَوْ كَسَبَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِائَةً لَصَارَ فِي مِلْكِهِ الَّذِي مَعَ رُبْعِ كَسْبِهِ ، وَبَقِيَّةُ كَسْبِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَسَقَطَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التَّرِكَةِ ، فَيَبْقَى مَا يَبْقَى ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَبَقِيَّةُ كَسْبِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَعْتَقْتَ ثُلُثًا وَأَرْقَقْتَ ثُلُثَيْنِ بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُونَ مَعًا مِنَ الثُّلُثِ أَعْتَقْتُ مَنْ أَرَقَقْتُ وَدَفَعْتُ إِلَيْهِمْ مَا اكْتَسَبُوا بَعْدَ عِتْقِ الْمَالِكِ إِيَّاهُمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِهِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَمْ يَظْهَرْ

لَهُ مَالٌ ، فَبِيعَ بَعْضُهُمْ فِي دَيْنِهِ ، وَأُعْتِقَ مِنْهُمْ قَدْرُ ثُلُثِهِ ، وَرَقَّ بَاقِيهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ ، فَإِنْ خَرَجُوا مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقُوا جَمِيعُهُمْ ، وَإِنْ نَقَصَ ثُلُثُهُ عَنْهُمْ أُعْتِقَ مِنْهُمْ قَدْرُ ثُلُثِهِ . مِثَالُهُ : أَنْ يُعْتِقَ أَرْبَعَةَ عَبِيدٍ قِيمَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَيَتْرُكُ دَيْنًا قَدْرُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ ، فَيَبِيعُ أَحَدَهُمْ فِي دَيْنِهِ ، وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمْ فِي ثُلُثِهِ ، وَاسْتَرَقَّ اثْنَانِ لِوَرَثَتِهِ ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، فَيُسْتَرْجَعُ بِظُهُورِ الْمِائَةِ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ فِي الدَّيْنِ ، وَيُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ ، وَيَصِيرُ بِظُهُورِ هَذِهِ الْمِائَةِ بِمَثَابَةِ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَمَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي نَقْضِ الْقُرْعَةِ بِظُهُورِ الدَّيْنِ أَنَّهَا لَا تُنْقَضُ بِظُهُورِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الدَّيْنِ يُوجِبُ نَقْصًا فِي الْعِتْقِ ، وَزِيَادَةَ الرِّقِّ تُنْقَضُ بِهِ قُرْعَةُ الرِّقِّ ، وَظُهُورُ الْمَالِ يُوجِبُ زِيَادَةَ الْعِتْقِ وَنُقْصَانَ الرِّقِّ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُنْقَضَ بِهِ قُرْعَةُ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ عِتْقُ مَنْ قُرِعَ بَاتًّا لَا رَجْعَةَ فِيهِ ، وَقَدْ بَقِيَ فِي الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِهِ أَنْ يُعْتَقَ مِنَ الثُّلُثِ ثُلُثُ وَاحِدٍ يُسْتَوْعَبُ بِهِ الثُّلُثُ ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، وَيُعْتَقُ ثُلُثُ أَحَدِهِمْ ، وَيُسْتَرَقُّ ثُلُثَاهُ مَعَ الْآخَرِينَ ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِائَةً ، فَيُعْتَقُ مِنَ الثَّلَاثَةِ ثُلُثَا عَبْدٍ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ خَمْسُمِائَةٍ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ عَتَقَ بِهَا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَبْدٌ كَامِلٌ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الدَّيْنِ سِتُّمِائَةٍ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ عَتَقَ بِهَا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَبْدٌ وَثُلُثٌ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الدَّيْنِ سَبْعُمِائَةٍ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ خَمْسُمِائَةٍ عَتَقَ بِهَا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَبْدٌ وَثُلُثَانِ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الدَّيْنِ ثَمَانُمِائَةٍ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ سِتُّمِائَةٍ عَتَقَ بِهَا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَبْدَانِ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الدَّيْنِ تِسْعُمِائَةٍ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ سَبْعُمِائَةٍ عَتَقَ بِهَا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَبْدَانِ وَثُلُثٌ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ ثَمَانُمِائَةٍ عَتَقَ بِهَا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَبْدَانِ وَثُلُثَانِ . وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ تِسْعُمِائَةٍ عَتَقَ بِهَا الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ تَصِيرُ بِهَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ ، وَالْعَبِيدُ أَرْبَعَةٌ قِيمَتُهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ هِيَ قَدْرُ الثُّلُثِ ، فَيُعْتَقُوا جَمِيعًا .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَحَرَّرَ عِتْقُ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَانَ بَعْدَ أَنْ أُجْرِيَ حُكْمُ الرِّقِّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَارًا ، بِعِتْقِ السَّيِّدِ فِي حَيَاتِهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُمْ ، فَيَبْطُلُ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ ، فَيَصِيرُونَ مَالِكِينَ لِجَمِيعِ أَكْسَابِهِمِ الَّتِي كَسَبُوهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَوْ كَانَ قَدْ مَاتَ لِأَحَدِهِمْ مَوْرُوثٌ ، وَمُنِعَ مِنْ مِيرَاثِهِ بِالرِّقِّ كَانَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مِنَ الْأَبْعَدِ ، وَانْتَزَعَ مِيرَاثَهُ مِنْهُ .

وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتَ ، وَأَخَذَ الْوَارِثُ مَالَهُ انْتُزِعَ مِنْهُ ، وَكَانَ وَارْثُهُ أَحَقَّ بِهِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الْحُرِّيَّةِ بَطَلَ نِكَاحُهَا ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ زَوْجُهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ بَطَلَ نِكَاحُهَا حَتَّى يَسْتَأْنِفَهُ وَلِيُّهَا ، وَلَوْ وَطِئَهَا الْوَارِثُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَانَ عَلَيْهِ مَهْرُهَا ، وَلَوْ كَانَ قَدْ زَنَى أَحَدُهُمْ ، وَجُلِدَ خَمْسِينَ كَمُلَ حَدُّهُ ، لِيَتِمَّ جَلْدُ مِائَةٍ إِنْ كَانَ بِكْرًا ، وَيُرْجَمُ إِنْ كَانَ ثَيِّبًا ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ قَدْ بَاعَ أَحَدَهُمْ بَطَلَ بَيْعُهُ ، وَرَجَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَى الْوَارِثِ بِثَمَنِهِ ، فَلَوْ كَانَ قَدْ رَهَنَهُ بَطَلَ رَهْنُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَّرَهُ بَطَلَتْ إِجَارَتُهُ ، وَرَجَعَ عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ مِنَ الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ ، وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْوَارِثِ بِمَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ قَدْ أَعْتَقَهُ بَطَلَ عِتْقُهُ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ ، وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى ، وَلَوْ جُنِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةُ عَمْدٍ ، وَأَخَذَ الْوَارِثُ أَرْشَهَا ، كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْجَانِي ، وَلَا يَسْقُطُ بِأَخْذِ الْوَارِثِ لِلْأَرْشِ وَيُرَدُّ الْأَرْشُ عَلَى الْجَانِي ، وَلَوْ كَانَ قَدْ بِيعَ فِي جِنَايَةٍ جَنَاهَا بَطَلَ بَيْعُهُ ، وَكَانَتْ جِنَايَتُهُ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَمْدًا فِي مَالِهِ ، وَاسْتُرْجِعَ مِنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ ، وَرُدَّ عَلَى مُشْتَرِيهِ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَمَاتَ الْعَبْدُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ فَفِي عِتْقِهِ وَنُفُوذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَدْ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي جَمِيعِهِ ، وَيَمُوتُ حُرًّا قَدْ جَدَّ وَلَاءُ وَلَدِهِ ، وَمَوْرُوثًا يَنْتَقِلُ كَسْبُهُ إِلَى وَرَثَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ حُقُوقِ الْوَرَثَةِ ، فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ، وَصَارَ كَعِتْقِ الصَّحِيحِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ عِتْقَهُ قَدْ بَطَلَ ، وَيَمُوتُ عَبْدًا ، وَيَنْتَقِلُ كَسْبُهُ إِلَى سَيِّدِهِ بِالْمِلْكِ ، وَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْمَعْمُولُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ : أَنَّ مَوْتَهُ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي حَقِّهِ وَيَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ الرِّقِّ فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ ، وَعِتْقُهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لَهُ إِنْ جَرَى فِي اعْتِبَارِهِ مِنَ الثُّلُثِ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ قَبُولُهُ ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ رَدُّهُ ، وَعَلَى هَذَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ ، فَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ كَسْبٍ كَانَ ثُلُثُهُ حُرًّا ، وَثُلُثَاهُ مَمْلُوكًا ، يَجُرُّ بِثُلُثِهِ ثُلُثَ وَلَاءِ وَلَدِهِ ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ كَسْبٍ فَلَهُ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَلَّا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ سَيِّدِهِ ، فَيَنْظُرُ فِي قَدْرِ كَسْبِهِ ، فَإِنْ كَانَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وِرْثَهَا السَّيِّدُ ، وَعَتَقَ جَمِيعُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ إِلَى التَّرِكَةِ مِثْلَا قِيمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ مَاتَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ مَمْلُوكًا ، وَكَانَتِ الْمِائَةُ لِلسَّيِّدِ نِصْفُهَا بِحَقِّ الْوَلَاءِ ، وَنِصْفُهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ ، وَهِيَ مِثْلَا قِيمَةِ نَصِفِهِ . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ سَيِّدِهِ ، فَإِنْ قِيلَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي

الْقَدِيمِ أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ إِذَا مَاتَ لَمْ يُورَثْ ، وَكَانَ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ ، كَانَ حُكْمُهُ عَلَى مَا مَضَى إِذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ . وَإِنْ قِيلَ : بِمَذْهَبِهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مَوْرُوثًا دَخَلَ الدَّوْرُ فِي عِتْقِهِ بِقَدْرِ كَسْبِهِ ، فَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ نِصْفُهُ ، وَرَقَّ نِصْفُهُ . وَبَابُهُ فِي حِسَابِهِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ سَهْمًا لِعِتْقِهِ ، وَبِكَسْبِهِ سَهْمَيْنِ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ ضِعْفُ قِيمَتِهِ ، وَيَجْعَلَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ سَهْمَيْنِ ضِعْفَ قِيمَتِهِ ، وَجَمَعَ سَهْمَ وَرَثَتِهِ وَسَهْمَيْ وَرَثَةِ سَيِّدِهِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ، وَلَا تَجْمَعْ إِلَيْهَا سَهْمَ الرَّقَبَةِ لِتَلَفِهَا ثُمَّ أَقْسِمِ الْكَسْبَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مِائَتَانِ يَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِهَا ، وَهُوَ نِصْفُهُ يَمْلِكُ وَارِثُهُ بِهِ نِصْفَ كَسْبِهِ وَيَمْلِكُ وَرَثَةُ سَيِّدِهِ نِصْفَ كَسْبِهِ ، وَيَرِقُّ نِصْفُهُ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا أُعْتِقَ مِنْ نِصْفِهِ . وَلَوْ كَانَ كَسَبَ مِائَةَ دِرْهَمٍ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَبَابُهُ أَنْ جَعَلَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ سَهْمًا لِعِتْقِهِ وَبِكَسْبِهِ سَهْمًا لِوَرَثَتِهِ ، وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ سَهْمَيْنِ ، وَتَجْمَعُ بَيْنَ سَهْمِ وَرَثَتِهِ وَسَهْمَيْ وَرَثَةِ سَيِّدِهِ ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ ، وَتَقْسِمَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مِائَةٌ يَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثًا ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِهَا ، وَهُوَ ثُلُثُهُ يَمْلِكُ وَرَثَتُهُ بِهِ ثُلُثَ كَسْبِهِ ، وَيَمْلِكُ وَرَثَةُ سَيِّدِهِ ثُلُثَيْ كَسْبِهِ بِرِقِّ ثُلُثَيْهِ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأَيُّ الرَقِيقِ أَرَدْتَ قِيْمَتَهُ لِعِتْقِهِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ مَاتَ فَإِنَّمَا قِيمَتُهُ يَوْمَ وَقَعَ الْعِتْقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ وَالْكَلَامُ فِيهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ : أَحَدُهَا : اعْتِبَارُ قِيمَةِ مَنْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ . وَالثَّانِي : اعْتِبَارُ قِيمَةِ مَنْ وَصَّى بِعِتْقِهِ . وَالثَّالِثُ : اعْتِبَارُ قِيمَتِهَا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ . فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ مَنْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ ، فَمُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ عِتْقِهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ لَهُ بِعِتْقِهِ . وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ مَنْ وَصَّى بِعِتْقِهِ ، فَمُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ مَوْتِهِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ بِوَقْتِ وَصِيَّتِهِ ، وَلَا بِوَقْتِ عِتْقِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ لِاسْتِحْقَاقِ عِتْقِهِ بِالْمَوْتِ ، فَاعْتُبِرَتْ بِوَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ . وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ : فِي اعْتِبَارِ قِيمَتِهِ فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ ، فَمُعْتَبَرَةٌ بِأَقَلِّ قِيمَتِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ، وَإِلَى وَقْتِ قُبِضَ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِمْ ، فَلَمْ تُحْتَسَبْ

عَلَيْهِمْ كَالثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ ، وَالنُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَالِفٌ مِنَ التَّرِكَةِ ، فَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِمْ كَالْمَيِّتِ وَالْمَغْصُوبِ ، فَلِذَلِكَ كَانَ مُحْتَسَبًا فِي حَقِّهِمْ بِأَقَلِّ قِيمَتِهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا صَحَّتْ أَحْكَامُهُ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ : أَحَدُهَا : فِي الْقِيمَةِ إِذَا زَادَتْ . وَالثَّانِي : فِي الْقِيمَةِ إِذَا نَقَصَتْ . وَالثَّالِثُ : فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ ، وَالْعِتْقِ بِالْوَصِيَّةِ . فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي الْقِيمَةِ إِذَا زَادَتْ ، فَحُكْمُ الزِّيَادَةِ مِثْلُ حُكْمِ الْكَسْبِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى بَلَغَ مِائَتَيْنِ ، فَالزِّيَادَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِهَا ، فَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي التَّرِكَةِ ، وَلَا يَدْخُلُ بِهَا دَوْرٌ فِي زِيَادَةِ الْعِتْقِ ، وَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ . وَإِنْ حَدَثَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي التَّرِكَةِ ، وَدَخَلَ بِهَا دَوْرٌ فِي زِيَادَةِ الْعِتْقِ ، وَبَابُ دَوْرِهِ فِي وُصُولِكَ إِلَى مِقْدَارِ عِتْقِهِ أَنْ تَجْعَلَ لَهُ بِعِتْقِهِ سَهْمًا ، وَلَهُ بِفَضْلِ قِيمَتِهِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَاجْمَعْهَا ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ، وَاقْسِمْ قِيمَةَ الْعَبْدِ عَلَيْهَا ، وَهِيَ مِائَتَانِ ، يَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ خَمْسِينَ فَأَعْتَقَ مِنْهُ بِهَا عَلَى قِيمَتِهِ ، وَقْتَ الْعِتْقِ يُعْتَقُ نِصْفُهُ ، وَيَرِقُّ نِصْفُهُ ، وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ مِائَةٌ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهُ . وَلَوْ تَرَكَ السَّيِّدُ مَعَ الْعَبْدِ مِائَةً جَعَلْتَ لِلْعِتْقِ سَهْمًا ، وَلِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَقَسَّمْتَ التَّرِكَةَ ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ الْأَرْبَعَةِ ، فَيَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ ، فَأَعْتِقْ مِنْهُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ ، وَيَرِقُّ رُبْعُهُ ، وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ يَضُمُّهَا الْوَرَثَةُ إِلَى الْمِائَةِ ، فَيَصِيرُ مَعَهُمْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ حَتَّى بَلَغَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ جَعَلْتَ لَهُ بِعِتْقِهِ سَهْمًا ، وَبِفَضْلِ قِيمَتِهِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ ، وَجَعَلْتَ لِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَاقْسِمِ التَّرِكَةَ ، وَهِيَ سِتُّمِائَةٍ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ يَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ ، فَأَعْتِقْ مِنْهُ بِهَا عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ ، وَتُرِقُّ رُبْعَهُ ، وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ . وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً ، وَكَسَبَ مِائَةً جَعَلْتَ لَهُ بِالْعِتْقِ سَهْمًا ، وَبِفَضْلِ الْقِيمَةِ سَهْمًا ، وَبِالْكَسْبِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، تَصِيرُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ ، فَاقْسِمِ التَّرِكَةَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةٍ يَخْرُجُ قِسْطُ السَّهْمِ ثَمَانِينَ ، فَأَعْتِقْ مِنْهُ بِهَا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ ، وَيَمْلِكُ بِهَا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ ثَمَانِينَ ، وَيَرِقُّ لِلْوَرَثَةِ خُمُسُهُ ، وَقِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ ، وَيَمْلِكُونَ خُمْسَ كَسْبِهِ ، وَهُوَ عِشْرُونَ ، فَإِذَا ضُمَّ الْمِائَةُ الْمَتْرُوكَةُ صَارَ مَعَهُمْ مِائَةٌ وَسِتُّونَ ، وَهِيَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ .



فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي الْقِيمَةِ إِذَا نَقَصَتْ ، فَيَدْخُلُ بِنُقْصَانِهَا دَوْرٌ عَلَى الْعِتْقِ يَزِيدُ بِهِ الرِّقُّ كَمَا دَخَلَ بِزِيَادَتِهَا دَوْرٌ عَلَى الرِّقِّ زَادَ بِهِ الْعِتْقُ . فَإِذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ قَبْضِ الْوَرَثَةِ حَتَّى صَارَتْ خَمْسِينَ ، جَعَلْتُ لِلْعِتْقِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَقَدْ عَادَتِ الْقِيمَةُ إِلَى نِصْفِهَا ، فَأَنْقُصُ مِنْ سَهْمِ الْعِتْقِ نِصْفَهُ يَبْقَى سَهْمَانِ وَنِصْفٌ ، فَأَقْسِمُ التَّرِكَةَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ خَمْسُونَ يَخْرُجُ قِسْطُ نِصْفِ السَّهْمِ خُمُسَهَا ، فَأَعْتِقُ خُمُسَهُ ، وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْعِتْقِ عِشْرُونَ ، وَأَسْتَرِقُّ لِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ ، وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ أَرْبَعُونَ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَى الْعَبْدِ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ ، كَمَا لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ ، وَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتُسِبَ لَهُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ حَتَّى زَادَ فِي دَوْرِ عِتْقِهِ ، وَجَبَ أَنْ يُحْتَسَبَ عَلَيْهِ نُقْصَانُهَا لِيَزِيدَ فِي دَوْرِ رِقِّهِ . وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَمِائَةٍ ، فَنَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ مِائَتَيْنِ ، جَعَلْتُ لَهُ بِالْعِتْقِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَقَدْ عَادَ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا ، فَأَنْقُصُهَا مِنْ سَهْمِ عِتْقِهِ ، يَبْقَى لَهُ خُمْسَا سَهْمٍ ، فَأَقْسِمُ الْقِيمَةَ عَلَى سَهْمَيْنِ وَخُمْسَيْنِ ، يَكُنِ الْخُمْسَانِ مِنْهَا السُّدْسُ ؛ لِأَنَّ مَبْسُوطَهَا اثْنَا عَشَرَ خُمْسًا ، وَيُقَرُّ سَهْمُ الْعِتْقِ ، فَأَعْتِقُ سُدْسَهُ ، وَقِيمَةُ السُّدْسِ مِنَ الْخُمْسَيْنِ مِائَةٌ وَثُلُثُهُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، وَيَرِقُّ الْوَرَثَةُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ ، وَقِيمَتُهَا مِنَ الْمِائَتَيْنِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ . وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ عِتْقِهِ سِتَّمِائَةٍ ، فَنَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَكَسْبُ الْعَبْدِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَأَجْبُرُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ بِزِيَادَةِ الْكَسْبِ ، وَأَعْتِقُ ثُلُثَهُ ، وَقِيمَتُهُ مِنَ السِّتِّمِائَةِ مِائَتَانِ يَمْلِكُ بِهِ ثُلُثَ كَسْبِهِ مِائَةً فَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ ، وَقِيمَتُهُ مِنَ الثَلَاثِمِائَةِ مِائَتَانِ ، وَلَهُمْ بِهِ ثُلُثَا كَسْبِهِ مِائَتَانِ ، يَصِيرُ مَعَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ وَهِيَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ . وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سِتُّمِائَةٍ ، فَنَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ مِائَةٌ ، فَأضْمُمِ الدَّيْنَ إِلَى نُقْصَانِ الْقِيمَةِ ، يَصِيرُ الْبَاقِي مِنْهَا ثَلَاثَمِائَةٍ فَأَجْعَلُ لِلْعِتْقِ سَهْمًا ، وَلِلْوَرَثَةِ سَهْمَيْنِ ، وَأَنْقُصُ مِنْ سَهْمِ الْعِتْقِ نَصِفَهُ يَعُودُ النُّقْصَانُ إِلَى نِصْفِهِ ، يَبْقَى سَهْمَانِ وَنِصْفٌ يَكُونُ نِصْفُ سَهْمِ الْعِتْقِ مِنْهَا خُمْسَهَا ، فَأَعْتِقُ مِنْهُ خُمْسَهُ ، وَقِيمَتُهُ مِنَ السِّتِّمِائَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَأَقْضِي الْمِائَةَ الدَّيْنَ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةٍ يَبْقَى ثَلَاثُمِائَةٍ لِلْوَرَثَةِ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ ، وَهِيَ مِثْلَا مَا خَرَجَ بِالْعِتْقِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ : فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ ، وَهُمَا جَمِيعًا مِنَ الثُّلُثِ لَكِنَّ عِتْقَ الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى عِتْقِ الْوَصِيَّةِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ ، وَوَصَّى بِعِتْقِ آخَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُعَيَّنَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ ، وَالْعَبْدُ الْمُعْتَقُ بِالْوَصِيَّةِ ، فَيَقُولُ : هَذَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110