كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

أَدَّوْا إِلَيْكَ مَا أَدَّوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْثُ ذُبَابٍ يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ . فَلَوْ كَانَ عُشْرُهُ وَاجِبًا لَأَمَرَ بِأَخْذِهِ مِنْهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِ لَهُمْ ثُمَّ قَدْ أَخْبَرَ فِي حُكْمِهِ وَإِبَاحَتِهِ أَنَّهُ غَيْثُ ذُبَابٍ يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَى الْأَكْلِ حَقًّا يُؤَدَّى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ

بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ، [ الْأَنْعَامِ : ] ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ " . أَمَّا الزُّرُوعُ فَمِنَ الْأَمْوَالِ الْمُزَكَّاةِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَجْنَاسِ مَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ من الزروع ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ قُوتًا مُدَّخَرًا ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لَا غَيْرَ ، قَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ . وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لَا غَيْرَ ، قَالَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ . وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ زَرْعٍ نَبَتَ مِنْ بَزْرِهِ وَأُخِذَ بَزْرُهُ مِنْ زَرْعِهِ قَالَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ . وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْحُبُوبِ الْمَأْكُولَةِ غَالِبًا مِنَ الزُّرُوعِ قَالَ بِهِ مَالِكٌ . وَالْمَذْهَبُ السَّادِسُ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مِنَ الْحُبُوبِ الْمَأْكُولَةِ . وَالْقُطْنِ أَيْضًا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ . وَالْمَذْهَبُ السَّابِعُ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَزْرُوعٍ وَمَغْرُوسٍ مِنْ فَوَاكِهَ وَبِقَالٍ وَحُبُوبٍ وَخُضَرٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ : وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ، [ الْأَنْعَامِ : ] إِلَى قَوْلِهِ : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [ الْأَنْعَامِ : ] . وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ ، وَلِأَنَّهُ مَزْرُوعٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَجِبَ عُشْرُهُ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ

السَّلَامُ وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ . وَرَوَى أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْبُقُولِ زَكَاةٌ . وَرَوَى الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ زَكَاةٌ وَرَوَى مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرَبٍ ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْحُبُوبِ ، فَأَمَّا الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخَضْرَاوَاتُ فَعَفْوٌ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ، وَلِأَنَّهُ نَبْتٌ لَا يُقْتَاتُ غَالِبًا فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِ الْعُشْرُ كَالْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إِذَا وَجَبَتْ فِي جِنْسٍ فِيهِ الْعُشْرُ كَالْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إِذَا وَجَبَتْ فِي جِنْسٍ تَعَلَّقَتْ بِأَعْلَى نَوْعَيْهِ وَسَقَطَتْ عَنْ أَدْونِهِمَا ، كَالْحَيَوَانِ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ إِلَّا فِي أَعْلَى نَوْعَيْهِ وَهُوَ النَّعَمُ السَّائِمَةُ ، وَكَالْمَعَادِنِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إِلَّا فِي أَعْلَى نَوْعَيْهَا وَهِيَ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ ، وَكَالْعُرُوضِ وَلَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ إِلَّا فِي أَعْلَى نَوْعِهَا وَهِيَ عُرُوضُ التِّجَارَاتِ ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ زَكَاةُ الزُّرُوعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَعْلَى نَوْعَيْهِ دُونَ الْآخَرِ ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا : أَنَّهُ جِنْسُ مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوَجَبَ أَنْ تَخْتَصَّ الزَّكَاةُ بِأَعْلَى نَوْعَيْنِ مِنْ جِنْسِهِ كَالْحَيَوَانِ .

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [ الْبَقَرَةِ : ] ، فَهِيَ عَامَّةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْإِضْمَارِ فِيهَا ، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : إِلَّا الْفِضَّةَ وَنَحْنُ نَقُولُ إِلَّا مَا يُقْتَاتُ ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْإِضْمَارَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَتَعَارَضَا ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ فِي الْخَضْرَوَاتِ شَيْءٌ يَخُصُّهُ ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَنْفَصِلُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [ الْأَنْعَامِ : ] ، وَيَنْفَصِلُ عَنْهُ أَيْضًا بِجَوَابَيْنِ آخَرِينَ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ مِنْ صَدَقَةٍ يَتَطَوَّعُ بِهَا يَوْمَ الْحَصَادِ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَمَرَ بِإِيتَاءِ حَقِّهِ ، وَلَمْ يَقُلْ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَمَرَنَا بِإِخْرَاجِهِ يَوْمَ حَصَادِهِ ، وَالزَّكَاةُ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْحَصَادِ إِلَّا بَعْدَ الْجَزِّ وَالدِّيَاسِ ، فَبِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ، فَهَذَا أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ . وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّكَاةِ إِلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ الزَّكَاةَ بِمَا كَانَ مِنْهُ مَحْصُودًا ، وَالْحَصَادُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْأَشْجَارِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ ، فَإِنْ قِيلَ الْحَصَادُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : ] ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْصُدْهُمْ حَصِيدًا حَتَّى تَلْقَنِي عَلَى الصَّفَا . وَإِذَا كَانَ الْحَصْدُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ وَآتُو حَقَّهُ يَوْمَ اسْتِئْصَالِهِ ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِزَرْعٍ مِنْ غَيْرِهِ ، قِيلَ : عَنْ هَذَا جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَصَادِ فِي الزُّرُوعِ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ ، يُقَالُ : حَصْدُ الزَّرْعِ وَجَذُّ التَّمْرِ ، وَقَطْفُ الْعِنَبِ وَجَدُّ الْبَقْلِ وَجَنَى الْفَاكِهَةِ قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ وَقَالَ الشَّاعِرُ : إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيكُنَّ ظِلٌّ وَلَا جَنًا فَأَبْعَدَكُنَّ اللَّهُ مِنْ شَجَرَاتِ وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّنَا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَصَادَ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ : لِأَنَّ الثِّمَارَ لَا تُسْتَأْصَلُ بَلْ تُتْرَكُ أُصُولُهَا وَتُجْنَى ثِمَارُهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْآيَةِ مُسْتَعْمَلًا تَكَافَأَ النِّزَاعُ فِيهَا وَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَجَوَابُهُ كَجَوَابِ الْآيَةِ الْأُولَى فَنَقُولُ قَدْ رَوَاهُ مُعَاذٌ تَامًّا فَقَالَ : وَأَمَّا الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخَضْرَاوَاتُ فَعَفْوٌ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ، فَكَانَ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّهُ مُقْتَاتٌ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَالْخَضْرَاوَاتُ لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ مُقْتَاتَةٍ شَابَهَتِ الْحَشِيشَ وَالْحَطَبَ فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَمَا جَمَعَ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَيَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَيُقْتَاتُ مَأْكُولًا خُبْزًا وَسَوِيقًا أَوْ بِطِّيخًا فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ والذُّرَةِ وَهَذَا مِمَّا يُزْرَعُ وَيُقْتَاتُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ . إِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الزُّرُوعِ الْمُقْتَاتَةِ فَوُجُوبُهَا مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَيْبَسُ بَعْدَ حَصَادِهِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُدَّخَرُ بَعْدَ يُبْسِهِ . وَالرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقْتَاتُ حَالَ ادِّخَارِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَ وَجْهُ اقْتِنَائِهِ بِخُبْزٍ أَوْ طَبِيخٍ ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ الْأَرْبَعُ فِي زَرْعٍ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهِ ، وَهِيَ تَجْتَمِعُ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْعَلَسِ ، وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ والدُّخْنِ وَالْجَاوْرَسِ وَالْبَاقِلِّي وَاللُّوبِيَاءِ وَالْحِمِّصِ وَالْعَدَسِ وَالْمَاشِ وَالْجُلْبَانِ وَهُوَ كَالْمَاشِ ، فَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ دُونَ سِوَاهَا لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَيُؤْخَذُ مِنَ الْعَلَسِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ ، والسُّلْتِ وَالْقُطْنِيَّةِ كُلِّهَا إِذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، وَالْعَلَسُ وَالْقَمْحُ صِنْفٌ وَاحِدٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ . لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُبُوبِ الْمُزَكَّاةِ نصاب الزكاة فيها إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ الصِّنْفُ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الزَّكَاةَ فِي قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الثِّمَارِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِلَّا الْعَلَسَ فَإِنَّهُ صِنْفٌ مِنَ الْبُرِّ وَعَلَيْهِ قِشْرَتَانِ تَذْهَبُ بِالدِّيَاسِ إِحْدَاهُمَا وَتَبْقَى الْأُخْرَى ، لَا تَذْهَبُ إِلَّا أَنْ يُدَقَّ بِالْمِهْرَاسِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ الْقِشْرَةَ الَّتِي عَلَيْهِ مِثْلُ ضِعْفِهِ ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ مَعَ قِشْرِهِ ، وَقَدْ مَنَعَ أَصْحَابُنَا مِنَ السَّلَمِ فِيهِ وَمِنْ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ ، وَأَمَّا الْأَرُزُّ فَعَلَيْهِ قِشْرَتَانِ ، الْقِشْرَةُ الْأُولَى الَّتِي لَا يُطْبَخُ بِهَا ، وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهَا لِاحْتِسَابٍ بِهَا كَقِشْرَةِ الْعَلَسِ الَّتِي لَا يُطْبَخُ بِهَا وَالْقِشْرَةُ السُّفْلَى الْحَمْرَاءُ اللَّاصِقَةُ بِهِ ، فَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجْعَلُهَا كَقِشْرَةِ الْعَلَسِ لَا يُحْتَسَبُ بِهَا ، وَيَجْعَلُ فِيهِ الزَّكَاةَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ . وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا : لَا تَأْثِيرَ لِهَذِهِ الْقِشْرَةِ ، وَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، لِالْتِصَاقِ هَذِهِ الْقِشْرَةِ بِهَا ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا طُحِنَ مَعَهَا بِخِلَافِ قِشْرَةِ الْعَلَسِ الْجَافِيَةِ عَنْهَا ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِطَحْنِهَا مَعَهُ ، وَأَمَّا الذُّرَةُ الْبَيْضَاءُ وَالْحَمْرَاءُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ

قِشْرَةً خَفِيفَةً لَاصِقَةً بِهَا تُطْحَنُ مَعَهَا ، فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا وَلَا اعْتِبَارَ بِهَا ، وَهَذَا يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَرُزِّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَا يُضَمُّ صِنْفٌ مِنَ الْقُطْنِيَّةِ انْفَرَدَ بِاسْمٍ إِلَى صِنْفٍ ، وَلَا شَعِيرٍ إِلَى حِنْطَةٍ ، وَلَا حَبَّةٍ عُرِفَتُ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ إِلَى غَيْرِهَا فَاسْمُ الْقُطْنِيَّةِ يَجْمَعُ الْعَدَسَ والْحِمِّصَ قِيلَ : ثُمَّ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ دُونَ صَاحِبِهِ وَقَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْحُبُوبِ فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ أَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنَ النَّبَطِ فِي الْقُطْنِيَّةِ قِيلَ : وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُشْرَ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنَ الْقُطْنِيَّةِ والزَّبِيبِ فَيُضَمُّ ذَلِكَ كُلُّهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْقُطْنِيَّةُ وَهِيَ الْحُبُوبُ الْمُقْتَاتَةُ سِوَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ كَالْحِمِّصِ وَالْبَاقِلِّي وَالْعَدَسِ وَاللُّوبْيَاءِ ، وَالْأَرُزِّ الزكاة فيها وَمَا ذَكَرْنَا ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَاطِنَةٌ فِي الْمَنْزِلِ مَعَ أَرْبَابِهَا إِذَا ادُّخِرَتْ أَيْ : مُقِيمَةٌ . وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ : أَنَّهُ ضَمَّ الْقُطْنِيَّةَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ وَجَعَلَهَا جِنْسًا وَاحِدًا ، وَاعْتَبَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ جَمِيعِهَا وَجَعَلَ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسًا وَاحِدًا أَوِ اعْتَبَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْهَا تَعَلُّقًا ، بِأَنَّ اسْمَ الْقُطْنِيَّةِ جَامِعٌ ، وَإِنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا كَمَا أَنَّ اسْمَ التَّمْرِ جَامِعٌ وَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ أَنْوَاعَ التَّمْرِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْقُطْنِيَّةِ يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ الْعُشْرَ مِنَ الْقُطْنِيَّةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَا زَكَاةَ فِي الزَّرْعِ إِلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الْبُّرِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ، وَلِأَنَّهَا جِنْسَانِ لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَلَمْ يَجُزْ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ، وَلِأَنَّ الزَّكَوَاتِ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالْأَسَامِي الْجَامِعَةِ أَوِ الْأَسَامِي الْخَاصَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِالْأَسَامِي الْجَامِعَةِ وَجَبَ أَنْ تُضَمَّ الْحُبُوبُ كُلُّهَا : لِأَنَّ اسْمَ الْحُبُوبِ يَجْمَعُهَا ، وَالْمَاشِيَةُ كُلُّهَا : لِأَنَّ اسْمَ الْحَيَوَانَاتِ يَجْمَعُهَا ، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ : لِأَنَّ اسْمَ الثَّمَرِ يَجْمَعُهَا ، فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَسَامِي الْخَاصَّةِ الَّتِي تَجْمَعُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً كَالتَّمْرِ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا اسْمُ التَّمْرِ ، وَالْعِنَبِ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً يَقَعُ عَلَى جَمِيعٍ اسْمُ الْعِنَبِ ، كَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنَ الْقُطْنِيَّةِ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً ، وَبِهَذَا يَفْسُدُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ : لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنَ الْمَاشِيَةِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ضَمِّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ ، فَكَذَا فِي الْقُطْنِيَّةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْبُرُّ وَأَنْوَاعُهُ صِنْفٌ ، وَالْعَلَسُ نَوْعٌ مِنْهُ وَالشَّعِيرُ وَأَنْوَاعُهُ صِنْفٌ ، وَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنْهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ صِنْفٌ عَلَى حِيَالِهِ ، وَالدُّخْنُ وَأَنْوَاعُهُ صِنْفٌ ، وَالْجَاوَرْسُ نَوْعٌ مِنْهُ ، ثُمَّ مَا سِوَى هَذِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ فَلَا ضُمَّ صِنْفٌ مِنْهَا إِلَى صِنْفٍ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " قَالَ وَلَا يَبِينُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْفَثِّ وَإِنْ كَانَ قُوتًا ، وَلَا مِنْ حَبِّ الْحَنْظَلِ وَلَا مِنْ حَبِّ شَجَرَةٍ بَرِّيَّةٍ ، كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَلَا مِنَ الظِّبَاءِ صَدَقَةٌ ، وَلَا مِنَ الثُّفَاءِ وَلَا الْاسْفَيُوشِ وَلَا مِنْ حُبُوبِ الْبُقُولِ وَكَذَلِكَ الْقِثَّاءُ والْبِطِّيخُ وَحَبُّهُ وَلَا مِنَ الْعُصْفُرِ وَلَا مِنْ حِبِّ الْفُجْلِ وَلَا مِنَ السِّمْسِمِ وَلَا مِنَ التُّرْمُسِ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُهُ يُؤْكَلُ إِلَّا دَوَاءً أَوْ تَفَكُّهًا وَلَا مِنَ الْأَبْزَارِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَا لَا يَجِبُ ، ثُمَّ خَصَّ الشَّافِعِيُّ بِالذِّكْرِ أَشْيَاءَ كَيْلَا تَشْتَبِهَ وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَاتَةً فَمِنْ ذَلِكَ الْفَثُّ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ : هُوَ حَبُّ الْغَاسُولُ وَهُوَ الْأُشْنَانُ . وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ نَبْتٌ بِالْبَادِيَةِ يُشْبِهُ الشَّعِيرَ لَهُ رَأْسَانِ يَقْتَاتُهُ النَّاسُ فِي الْجَدَبِ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَذَلِكَ حَبُّ الْحَنْظَلِ وَنَبْتُ شَجَرِ الْبُرِّ ، وَكَذَلِكَ الثُّفَّاءُ وَهُوَ : حَبُّ الرَّشَادِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : تُؤَدِّي فِي الْأَمَرَّيْنِ الثُّفَّاءِ وَالصَّبْرِ ، وَالثُّفَّاءُ وَالصَّبْرُ قِيلَ : إِنَّهُ الْبَقْلُ الْحَرِّيفُ ، وَلَا زَكَاةَ فِي الْأَسْبِيُوشِ وَهُوَ بَزْرُ الْقَطُونَا ، وَلَا فِي حَبِّ الْفُجْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ ، وَفِي حَبِّ الْعُصْفُرِ ، وَهُوَ الْقُرْطُمُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا خَرَّجَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ ، وَلَا فِي التُّرْمُسِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْأَسْبِيُوشِ يَضْرِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ ، فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْمَرَارَةِ ، يُكْسَرُ بِالْمِلْحِ ، يَأْكُلُهُ أَهْلُ الشَّامِ تَفُكُّهًا ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ تَدَاوِيًا وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلْبَةِ ، وَلَا فِي الشَّهْدَانِجِ ، وَلَا فِي بَزْرِ الْكِتَّانِ ، وَلَا فِي الْكُزْبَرِ وَالْكَمُّونِ وَالْكَرَاويَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلْوَانِ وَلَا فِي الْجُلْجُلَانِ فَسَّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " فَقَالَ : الْحُلْوَانُ : الْعيدقُ ، وَالْجُلْجُلَانُ السِّمْسِمُ ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا أُكِلَ مِنَ النَّبَاتِ ضَرْبَانِ : مَزْرُوعٌ ، وَغَيْرُ مَزْرُوعٍ ، فَمَا كَانَ غَيْرَ مَزْرُوعٍ الزَّكَاةِ فِيها لَا زَكَاةَ فِيهِ وَمَا كَانَ مَزْرُوعًا الزَّكَاةِ فِيها عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يُؤْكَلُ قُوتًا كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَمَا ذَكَرْنَا فِيهِ وَاجِبَةٌ وَضَرْبٌ يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرَهُ ، وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ . وَضَرْبٌ يُؤْكَلُ إِبْزَارًا وَأُدْمًا كَالْكَرَاويَا وَالْكُزْبَرَةِ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَضَرْبٌ يُؤْكَلُ تَدَاوِيًا كَالرَّشَادِ وَالْإِهْلِيلَجِ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتِ الزَّكَاةُ بِالْأَقْوَاتِ ، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَاخْتَصَّتْ بِمَا عَمَّ نَفْعُهَا وَدَعَتْ حَاجَةُ الْكَافَّةِ إِلَيْهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ شَيْءٍ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَاسَ وَيَيْبَسُ ثَمَرُهُ وَزَبِيبُهُ وَيَنْتَهِي " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ زَكَاةَ الثِّمَارِ وقت وجوب زكاته تَجِبُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَدَاؤُهَا بَعْدَ الْيُبْسِ وَالْجَفَافِ ، فَإِذَا صَارَ الرُّطَبُ تَمْرًا وَالْعِنَبُ زَبِيبًا أُخِذَتْ زَكَاتُهُمَا ، فَأَمَّا الزَّرْعُ وقت وجوب زكاتها فَتَجِبُ زَكَاتُهُ إِذَا يَبِسَ وَاشْتَدَّ وَقَوِيَ وَاسْتَحْصَدَ ، وَتُؤَدَّى زَكَاتُهُ بَعْدَ دِيَاسِهِ وَتَصْفِيَتِهِ إِذَا صَارَ حَبًّا خَالِصًا ، وَمُؤْنَتُهُ مِنْ وَقْتِ حَصَادِهِ إِلَى حِينِ تَذْرِيَتِهِ وَتَصْفِيَتِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دُونَ أَهْلِ السُّهْمَانِ ، وَقَالَ عَطَاءٌ : الْمُؤْنَةُ مِنْ وَسَطِ الْمَالِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا رَبُّ الْمَالِ دُونَ أَهْلِ السُّهْمَانِ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي

الْمِلْكِ ، وَهَذَا غَلَطٌ : لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ إِلَى وَقْتِ التَّصْفِيَةِ إِنَّمَا وَجَبَ لِتَكَامُلِ مَنَافِعِهِ ، وَإِذَا وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ تَكَامُلِ الْمَنَافِعِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ التَّسْلِيمِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنَ الْحُبُوبِ الْمُزَكَّاةِ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ كِمَامِهَا إِلَّا الْعَلَسَ إِذَا بَقِيَ فِي إِحْدَى قِشْرَتَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : أُخَيِّرُ رَبَّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنْهُ وَسْقًا : لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْقِشْرَةِ أَبْقَى ، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ الْعُشْرَ ، فَأَمَّا الْحِنْطَةُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي سُنْبُلِهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ أَبْقَى لِتَعَذُّرِ كَيْلِهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِنْ أَخَذَهُ رُطَبًا كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ إِنْ لَمْ يُوجَدْ وَأَخَذَهُ يَابِسًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ إِخْرَاجَ زَكَاةِ الثِّمَارِ وقتها بَعْدَ الْيُبْسِ وَالْجَفَافِ ، وَالزُّرُوعِ بَعْدَ الدِّيَاسِ وَالتَّصْفِيَةِ ، فَلَوْ أَخَذَ الْوَالِي زَكَاةَ النَّخْلِ رُطَبًا ، وَالْكَرْمَ عِنَبًا وَالزَّرْعَ سُنْبُلًا كَانَ مُسِيئًا بِهِ ، وَلَزِمَهُ رَدُّهُ ، وَأَخَذَ الزَّكَاةَ بَعْدَ الْجَفَافِ وَالدِّيَاسِ ، فَإِنْ تَلِفَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ وَلَزِمَهُ رَدُّ قِيمَتِهِ عَلَى رَبِّهِ ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالزَّكَاةِ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالْجَفَافِ ، فَلَوْ كَانَ مَا أَخَذَهُ رُطَبًا بَاقِيًا فَيَبِسَ فِي يَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ عَنْ زَكَاتِهِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ طَالَبَهُ رُطَبَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا لَا غَيْرَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَا أُجِيزُ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رُطَبًا لِاخْتِلَافِ نُقْصَانِهِ وَالْقَشْرُ مُقاسَمُةٌ كَالْبَيْعِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، كُلُّ تَمْرَةٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهَا ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهَا بِرُطَبِهَا ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ ، وَلَا بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ ، وَلَا بَيْعُ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ ، وَلَا بَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ ، وَهَذَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مُسْتَوْفًى وَيُذْكَرُ الْخِلَافُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : وَالْقَشْرُ مُقَاسَمَةٌ كَالْبَيْعِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ في البيع قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا كَالْبَيْعِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا إِقْرَارُ حَقٍّ وَتَمْيِيزُ نَصِيبٍ ، وَسَيَجِيءُ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ ، فَإِذَا قِيلَ : إِنَّهَا كَالْبَيْعِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَسِمَ الشُّرَكَاءُ ثِمَارًا رُطَبَةً ، وَإِذَا قِيلَ : إِنَّهَا إِقْرَارُ حَقٍّ جَازَ اقْتِسَامُهُمْ لَهَا كَيْلًا وَوَزْنًا وَلَمْ يَجُزْ جُزَافًا : لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَتَمَيَّزُ وَأَمَّا قِسْمَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَأَهْلِ السُّهْمَانِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهَا مُقْنِعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ عِنَبٍ لَا يَصِيرُ زَبِيبًا أَوْ مِنْ رُطَبٍ لَا يَصِيرُ تَمْرًا أَمَرْتُهُ بِرَدِّهِ لِمَا وَصَفْتُ وَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ يَبِيعُهُ وَلَوْ قَسَّمَهُ عِنَبًا مُوَازَنَةً كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرْنَا حُكْمَ مَا لَا يَصِيرُ مِنَ الرُّطَبِ تَمْرًا ، وَمِنَ الْعِنَبِ زَبِيبًا الزكاة فيه ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ : " إِنْ أَخَذَهُ أَمَرْتُهُ بِرَدِّهِ " ثُمَّ قَالَ عَقِيبَهُ : " وَلَوْ قَسَّمَهُ عِنَبًا مُوَازَنَةً كَرِهْتُهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ " وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ فِي ظَاهِرِهِ ، وَلَكِنْ لِلْكَلَامَيْنِ تَأْوِيلٌ وَهُوَ : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ إِذَا لَمْ يَتَحَرَّ فِيمَا أَخَذَهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى فِي حَقِّهِ ، ثُمَّ قَالَ يُجْزِئُهُ إِذَا أَخَذَهُ بَعْدَ الِاسْتِفْضَاءِ وَالتَّحَرِّي وَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَزِيَادَةٍ فَاخْتَلَفَ جَوَابُهُ فِي الرَّدِّ وَالتَّقَاضِي لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْأَخْذِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الزَّرْعِ فِي أَوْقَاتٍ

بَابُ الزَّرْعِ فِي أَوْقَاتٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " الذُّرَةُ تُزْرَعُ مَرَّةً فَتَخْرُجُ فَتُحْصَدُ ثُمَّ تُسْتَخْلَفُ كيفية زكاتها فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصْدَتُهُ الْأُخْرَى وَهَكَذَا بَذْرُ الْيَوْمِ وَبَذْرٌ بَعْدَ شَهْرٍ : لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ لِلزَّرْعِ وَتَلَاحُقُهُ فِيهِ مُتَقَارِبٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الذُّرَةِ أَنَّهَا تُسْتَخْلَفُ بَعْدَ حَصَادِهَا ، وَلَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ الْعَادَةُ فِيمَا سِوَاهَا ، فَإِذَا اسْتَخْلَفْنَا الذُّرَةَ بَعْدَمَا حُصِدَتْ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ الذُّرَةُ حِينَ اسْتُحْصِدَتْ تَسَاقَطَتْ مِنْ قَصَبَتِهَا فَنَبَتَتْ ، فَهَذَا زَرْعٌ ثَانٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ ، وَلَا يُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ : لِأَنَّ بَذْرَهُ بَعْدَ حَصَادِهِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي بَذْرٍ وَلَا حَصَادٍ ، فَإِذَا بَلَغَ النِّصَابَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ ، " وَإِنْ نَقَصَ عَنِ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الذُّرَةُ قَدْ حُصِدَتْ فَيُسْتَخْلَفُ قَصَبُهَا وَتَحْمِلُ حَبًّا ثَانِيًا فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا : أَحَدُهُمَا : لَا يُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ وَيُعْتَبَرُ حُكْمُهُ بِذَاتِهِ كَالنَّخْلِ إِذَا حَمَلَ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ لَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُضَمُّ إِلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا زَرْعٌ وَاحِدٌ عَنْ بَذْرٍ وَاحِدٍ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ إِذَا حَمَلَ حِمْلَيْنِ ، هُوَ : أَنَّ النَّخْلَ ثَابِتُ الْأَصْلِ غُرِسَ لِبَقَائِهِ وَتَوَالِي ثَمَرِهِ ، وَكُلُّ حِمْلٍ مِنْهُ مُنْفَرِدٌ عَنْ غَيْرِهِ ، فَإِذَا حَمَلَ فِي السَّنَةِ حِمْلَيْنِ كَانَ كَمَا لَوْ حَمَلَ فِي عَامَيْنِ ، فَلَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّرْعُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتِ الْأَصْلِ وَلَا مَزْرُوعٌ لِلْبَقَاءِ وَتَوَالِي النَّمَاءِ ، وَإِنَّمَا زُرِعَ لِأَخْذِهِ بَعْدَ تَكَامُلِهِ فَخَالَفَ النَّخْلَ وَوَجَبَ ضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الذُّرَةُ حِينَ بُذِرَتْ تُعُجِّلَ نَبَاتُ بَعْضِهَا وَاسْتُحْصِدَ وَتَأَخَّرَ حَصَادُ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قَرِيبًا وَفَصْلُ حَصَادِهِمَا وَاحِدًا ، كَأَنَّهُ نَبَتَ دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ زَحَمَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَتُعُجِّلَ حَصَادُ مَا قَوِيَ وَتَأَخَّرَ حَصَادُ مَا ضَعُفَ ، فَهَذَا زَرْعٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ مَا

تَقَدَّمَ مِنْهُ إِلَى مَا تَأَخَّرَ كَثَمَرِ النَّخْلِ إِذَا طَلَعَ بَعْضُهُ وَأُبِّرَ بَعْضُهُ وَزَهَا بَعْضُهُ وَأَرْطَبَ بَعْضُهُ فَجَمِيعُهُ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ فَكَذَا الزَّرْعُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَبْعُدَ مَا بَيْنَهُمَا وَيَخْتَلِفَ فَصْلُ حَصَادِهِمَا كَأَنَّهُ بَذْرٌ فَنَبَتَ بَعْضُهُ وَتَأَخَّرَ بَعْضُهُ حَتَّى حُصِدَ الْأَوَّلُ فِي الصَّيْفِ وَحُصِدَ الثَّانِي فِي الْخَرِيفِ فَهَذَا زَرْعٌ قَدِ اتَّفَقَ زَمَانُ بَذْرِهِ وَاخْتَلَفَ زَمَانُ حَصَادِهِ زكاته ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُضَمُّ . وَالثَّانِي : لَا يُضَمُّ وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَ ذَلِكَ فِيمَا يَلِيهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا زَرَعَ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي خَرِيفٍ وَرَبِيعٍ وَصَيْفٍ هل يضم عند الزكاة فَفِيهِ أَقَاوِيلُ مِنْهَا أَنَّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ إِذَا زَرَعَ فِي سَنَةٍ وَإِنْ أَدْرَكَ بَعْضَهُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْهَا أنَ يُضَمَّ مَا أَدْرَكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أَدْرَكَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى ضُمَّ إِلَى مَا أَدْرَكَ فِي الْأُخْرَى وَمِنْهَا أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ لَا يُضَمُّ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَإِذَا كَانَ الزَّرْعَانِ حَصَادُهُمَا مَعًا فِي سَنَةٍ فَهُمَا كالزَّرْعِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ بَذْرُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّنَةِ وَحَصَادُ الْآخَرِ مُتَأَخِّرٌ عَنِ السَّنَةِ فَهُمَا زَرْعَانِ لَا يُضَمَّانِ وَلَا يُضَمُّ زَرْعُ سَنَةٍ إِلَى زَرْعٍ سَنَةٍ غَيْرِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِالذُّرَةِ أَنْ تُزْرَعَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فِي الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ وَالْخَرِيفِ ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهَا ، فَإِذَا زُرِعَتْ مِرَارًا فَفِي ضَمِّهَا أَرْبَعَةُ أَقَاوِيلَ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ . أَحَدُهَا : أَنَّهُ يُضَمُّ زَمَانُ مَا اتَّفَقَ بَذْرُهُ وَإِنِ اخْتَلَفَ زَمَانُ حَصَادِهِ وَلَسْنَا نُرِيدُ بِاتِّفَاقِ الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ بَذْرُهُمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا نَعْنِي أَنْ يَكُونَ بَذْرُهُمَا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ وَأَكْثَرُ ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ : إِنَّ الْبَذْرَ أَصْلٌ وَالْحَصَادَ نَوْعٌ ، فَكَانَ اعْتِبَارُ الزَّرْعِ بِأَصْلِهِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهِ بِنَوْعِهِ : لِأَنَّ الْبَذْرَ مِنْ أَفْعَالِنَا وَالْحَصَادَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنِ اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا فَاعْتِبَارُ مَا تَعَلَّقَ بِفِعْلِنَا أَيْسَرُ ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ أَجْدَرُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَا اتَّفَقَ زَمَانُ حَصَادِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَ زَمَانُ بَذْرِهِ : لِأَنَّ بِاسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ وُجُوبَ زَكَاتِهِ ، فَكَانَ الضَّمُّ بِاعْتِبَارِهِ أَوْلَى كَالثِّمَارِ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : يُضَمُّ مَا اتَّفَقَ زَمَانُ بَذْرِهِ وَزَمَانُ حَصَادِهِ فَيُرَاعَى الضَّمُّ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ ، فَإِنِ اتَّفَقَ زَمَانُ بَذْرِهِمَا وَزَمَانُ حَصَادِهِمَا ضُمَّا ، وَإِنِ اتَّفَقَ زَمَانُ بَذْرِهِمَا وَاخْتَلَفَ زَمَانُ حَصَادِهِمَا أَوِ اتَّفَقَ زَمَانُ حَصَادِهِمَا وَاخْتَلَفَ زَمَانُ بَذْرِهِمَا لَمْ يُضَمَّا ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَرَأَيْتُهُ

فِي الْأَصْلِ إِلَّا مَا ذَكَرَهَا هُنَا : لِأَنَّ الْبَذْرَ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْحَصَادَ شَرْطٌ فِي الِانْتِهَاءِ ، وَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الضَّمُّ بِاعْتِبَارِهِمَا . وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ يُضَمُّ مَا جَمَعَتِ السَّنَةُ الْوَاحِدَةُ بَذْرَهُ وَحَصَادَهُ ، وَلَسْنَا نَعْنِي بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا ، وَإِنَّمَا نَعْنِي عَامَ الزِّرَاعَةِ الَّذِي هُوَ فِي الْعُرْفِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوُهَا ، فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الطَّرَفَيْنِ وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِالْعَامِ الْجَامِعِ لَهُمَا : لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ ضَمُّ ثِمَارِ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ اقْتَضَى أَنْ يَجِبَ ضَمُّ زَرْعِ الْعَامِ الْوَاحِدِ أي من النوع الواحد بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ قَدْرِ الصَّدَقَةِ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ

بَابُ قَدْرِ الصَّدَقَةِ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَوْلًا مَعْنَاهُ ، مَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ فَفِيهِ نَصْفُ الْعُشْرِ ، وَمَا سُقِيَ بِغَيْرِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ سَمَاءٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَى ذَلِكَ ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا وَبِهَذَا أَقُولُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، الزَّرْعُ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْمَاءُ بِطَبْعِهِ وَجَرَيَانِهِ زكاته . وَالثَّانِي : مَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِآلَةٍ وَعَمَلٍ زكاته . فَأَمَّا مَا وَصَلَ إِلَيْهِ بِطَبْعِهِ وَجَرَيَانِهِ ، فَهُوَ مَا سُقِيَ بِمَاءِ سَمَاءٍ أَوْ سَيْحٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ كَانَ بَعْلًا أَوْ عَثَرِيًّا فَفِيهِ الْعُشْرُ . وَأَمَّا مَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْمَاءُ بِآلَةٍ وَعَمَلٍ فَهُوَ مَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ نَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ زُرْنُوقٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْعِبْرَةُ ، فَالسُّنَّةُ مَا رَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ وَالْعَيْنُ فَفِيهِ الْعُشْرُ ، وَمَا سَقَتْهُ السَّوَاقِي فَنِصْفُ الْعُشْرِ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ ، وَمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي وَالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ ، وَالْبَعْلُ مِنَ النَّخْلِ مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ هُنَالِكَ : لَا أُبَالِي عَلَى سَقْيٍ وَلَا بَعْلٍ وَإِنْ عَظُمَ الْإِبَاءُ . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِقَطَنِ بْنِ الْحَارِثِ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ " وَفِيمَا سُقِيَ بِالْجَدْوَلِ مِنَ الْعَيْنِ الْمَعِينِ الْعُشْرُ مِنْ تَمْرِهَا وَمِمَّا أَخْرَجَ أَرْضُهَا وَفِي الْعِذْيِ شَطْرُهُ بِقِيمَةِ الْأَمِينِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِمْ وَظِيفَةً وَلَا يُفَرَّقُ " قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : الْعِذْيُ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ يُخَالِفُ مَا يَقْتَضِيهِ الْخَبَرُ ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ وَالْعِذْيُ ، وَالْعِدْيُ وَاحِدٌ ، وَالسَّيْلُ مَا جَرَى مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْعِلَلُ الْمَاءُ بَيْنَ الشَّجَرِ . .

وَأَمَّا الْعِبْرَةُ فَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أُصُولِ الزَّكَوَاتِ أَنَّ مَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ قَلَّتْ زَكَاتُهُ ، وَمَا قَلَّتْ مُؤْنَتُهُ كَثُرَتْ زَكَاتُهُ ، أَلَّا تَرَى الرِّكَازَ لَمَّا قَلَّتْ مُؤْنَتُهَا وَجَبَ فِيهَا الْخُمُسُ ، وَأَمْوَالَ التِّجَارَاتِ لَمَّا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهَا وَجَبَ فِيهَا رُبُعُ الْعُشْرِ ، فَكَذَا الزُّرُوعُ الْمَسْقِيَّةُ بِغَيْرِ آلَةٍ لَمَّا قَلَّتْ مُؤْنَتُهَا وَجَبَ فِيهَا الْعُشْرُ ، وَالْمَسْقِيَّةُ بِآلَةٍ لَمَّا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهَا وَجَبَ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَمَا سُقِيَ مِنْ هَذَا بِنَهْرٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الْعُشْرُ فَلَمْ يُكْتَفَ بِهِ حَتَّى يُسْقِيَ بِالْغَرْبِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا عَاشَ فِي السَّقْيَيْنِ فَإِنْ عَاشَ بِهِمَا نِصْفَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَإِنْ عَاشَ بِالسَّيْلِ أَكْثَرَ زِيدَ فِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ قَدْ قِيلَ : يُنْظَرُ أَيُّهُمَا عَاشَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَكُونُ صَدَقَتُهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ مَا وَصَفْتُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الزَّرْعِ يَمِينِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهُوَ صَحِيحٌ . لَا يَخْلُو حَالُ الزَّرْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ سَقْيِهِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالسَّيْحِ من الزرع : زكاته فَهَذَا فِيهِ الْعُشْرُ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ سَقْيِهِ بِمَاءِ الرِّشَا وَالنَّضْحِ ، فَهَذَا فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ سَقْيُهُ بِهِمَا جَمِيعًا فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ فِي زَرْعَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ سُقِيَ أَحَدُهُمَا بِالسَّحْيِ وَالْآخَرُ بِالنَّضْحِ زكاته ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا ضُمَّا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أُخِذَ عُشْرُ أَحَدِهِمَا وَنِصْفُ عُشْرِ الْآخَرِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ زَرْعًا وَاحِدًا سُقِيَ بِالنَّضْحِ تَارَةً وَبِالسَّيْحِ أُخْرَى زكاته فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّقْيَيْنِ مَعْلُومًا . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا : فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا قَدْ ضُبِطَ قَدْرُ سَقْيِهِ بِمَاءِ السَّيْحِ وَقَدْرُ سَقْيِهِ بِمَاءِ النَّضْحِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَسَاوَيَا مَعًا فَيَكُونُ نِصْفُ سَقْيِهِ بِمَاءِ السَّيْحِ وَنِصْفُ سَقْيِهِ بِمَاءِ النَّضْحِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ : لِأَنَّهُ إِذَا ضُمَّ الْعُشْرُ إِلَى نِصْفِهِ وَأُخِذَ نِصْفُ مَجْمُوعِهِمَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَفَاضَلَا فَيَكُونُ أَحَدُ السَّقْيَيْنِ أَكْثَرَ فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَغْلِبُ حُكْمُ الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ سَقْيِهِ بِمَاءِ السَّيْحِ فَفِيهِ الْعُشْرُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ سَقْيِهِ بِمَاءِ النَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ اسْتِشْهَادًا بِأُصُولِ الشَّرْعِ فِي حُكْمِ الْأَغْلَبِ فِي

الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ ، وَفِي الْمَاءِ إِذَا اخْتَلَطَ بِمَائِعٍ ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِمَا مَشَقَّةً فَرُوعِيَ حُكْمُ أَغْلَبِهِمَا تَخْفِيفًا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ الصَّحِيحُ : يُعْتَبَرَانِ مَعًا وَيُؤْخَذُ مِنَ الزَّرْعِ بِحِسَابِهِمَا : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ الْعُشْرَ فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَنِصْفَ الْعُشْرِ فِيمَا سَقَتْهُ النَّوَاضِحُ ، فَوَجَبَ أَنْ يُعَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ عَلَى مَا عَلَّقَهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي اعْتِبَارِ حُكْمِ الْأَغْلَبِ تَغْلِيبٌ لِحُكْمِ الْأَقَلِّ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَ فِي الزَّرْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَا فِي الزَّرْعِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنْ كَانَ ثُلُثُ سَقْيِهِ بِالسَّيْحِ وَثُلُثَا سَقْيِهِ بِالنَّضْحِ فَفِيهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ سَقْيِهِ بِالنَّضْحِ وَثُلُثَا سَقْيِهِ بِالسَّيْحِ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ ، ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الْعِبْرَةِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ وَاعْتِبَارِ ذَلِكَ بِأَعْدَادِ السَّقْيَاتِ الَّتِي يَحْيَى الزَّرْعُ بِهَا ، فَإِذَا سُقِيَ بِالسَّيْحِ خَمْسُ سَقْيَاتٍ وَبِالنَّضْحِ عَشْرُ سَقْيَاتٍ كَانَ ثُلُثُهُ بِالسَّيْحِ وَثُلُثَاهُ بِالنَّضْحِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ السَّقْيَتَيْنِ في الزرع الذي سقي بالآلة والسماء معا وَشَكَّ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَيَشُكَّ فِي أَيِّهِمَا هُوَ الْأَكْثَرُ فَإِنْ قِيلَ بِمُرَاعَاةِ الْأَغْلَبِ وَاعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ : لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ، وَإِنْ قِيلَ بِمُرَاعَاتِهِمَا وَاعْتِبَارِ حِسَابِهِمَا ، قُلْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَدْرٍ وَاجِبَةٍ ، غَيْرَ أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنِ الْعُشْرِ وَيَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ ، فَيَأْخُذُ قَدْرَ الْيَقِينِ وَيَتَوَقَّفُ عَنِ الْبَاقِي حَتَّى يَسْتَبِينَ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَشُكَّ هَلْ هَمَّا سَوَاءٌ أَوْ أَحَدُهُمَا أَكَثُرُ ، فَإِنْ قِيلَ بِاعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ : لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَإِنْ قِيلَ بِاعْتِبَارِهِمَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ . فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ : لِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْحَالَيْنِ وَأَثْبَتُ لِحُكْمِ السَّقْيَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تُؤْخَذُ زِيَادَةٌ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ قَدْرُ الْيَقِينِ وَيُتَوَقَّفُ عَنِ الْبَاقِي حَتَّى يَسْتَبِينَ اعْتِبَارًا بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، وَإِسْقَاطًا لِحُكْمِ الشَّكِّ ، فَأَمَّا زَرْعُ النَّوَاضِحِ إِذَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ، فَلَوِ اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ وَالْوَالِي وَادَّعَى الْوَالِي مَا يُوجِبُ كَمَالَ الْعُشْرِ ، وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ مَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ اسْتِظْهَارٌ ، لِأَنَّهَا لَا تُطَابِقُ ظَاهِرَ الدَّعْوَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأَخْذُ الْعُشْرِ أَنْ يُكَالَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةٌ وَيَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ الْعَاشِرَ وَهَكَذَا نِصْفُ الْعُشْرِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . إِذَا أَرَادَ السَّاعِي مُقَاسَمَةَ رَبِّ الْمَالِ بَدَأَ أَوَّلًا نَصِيبَهُ لِكَثْرَةِ حَقِّهِ ، فَإِنَّ نَصِيبَ الْمَسَاكِينِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ ، فَإِنْ وَجَبَ فِي مَالِهِ الْعُشْرُ كَانَ لَهُ تِسْعَةُ أَقْفِزَةٍ وَأَخَذَ الْعَاشِرَ وَإِنْ وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ كَانَ لَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ قَفِيزًا وَأَخَذَ قَفِيزًا ، وَإِنَّ وَجَبَ ثُلُثَا الْعُشْرِ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَفِيزًا ، وَأَخَذَ قَفِيزًا ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ ، وَلَا يَجُوزُ إِذَا وَجَبَ الْعُشْرُ أَنْ يَكْتَالَ لَهُ عَشَرَةً وَيَأْخُذَ هُوَ وَاحِدًا : لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عُشْرًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ، فَأَمَّا صِفَةُ الْكَيْلِ ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِلَا دَقٍّ وَلَا زَلْزَلَةٍ وَلَا تَحْرِيكٍ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَيْلِ وَأَخْذِ الْفَضْلِ ، وَلَا يَضَعُ يَدَهُ فَوْقَ الْمِكْيَالِ ، وَيَضَعُ عَلَى رَأْسِ الْمِكْيَالِ مَا أَمْسَكَ رَأْسَهُ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ زِيَادَةٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَصَحُّ الْكَيْلِ وَأَوْلَاهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مَعَ خَرَاجِ الْأَرْضِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : أَرْضُ الْخَرَاجِ مِنْ سَوَادِ كِسْرَى كيفية زكاتها يَجِبُ أَدَاءُ خَرَاجِهَا وَيَكُونُ أُجْرَةً وَيُؤْخَذُ عُشْرُ زَرْعِهَا وَيَكُونُ صَدَقَةً ، لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْخَرَاجُ جِزْيَةٌ يُؤَدَّى وَلَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ زَرْعِهَا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَتِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ ، وَبِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنَعَتِ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا فَالدِّرْهَمُ الْخَرَاجُ ، وَالْقَفِيزُ الْعُشْرُ ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْعِرَاقَ هِيَ أَرْضُ الْخَرَاجِ يُمْنَعُ مِنْهَا ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ دِهْقَانَ نَهْرِ الْمَلِكِ وَهُوَ : فَيْرُوزُ بْنُ يَزْدَجِرْدَ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَلِّمُوا إِلَيْهِ أَرْضَهُ ، وَخُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ ، فَأَمَرَ بِأَخْذِ الْخَرَاجِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَخْذِ الْعُشْرِ ، وَلَوْ وَجَبَ لَأَمَرَ بِهِ ، قَالُوا وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْعُشْرُ ، وَذَلِكَ : لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَالْعُشْرُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ سَبَخَةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا خَرَاجٌ وَلَا عُشْرٌ ، لِأَنَّهَا لَا مَنْفَعَةَ لَهَا ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْآخَرُ لَمْ يَجُزِ اجْتِمَاعُهُمَا ، أَلَا تَرَى

أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ لِلتِّجَارَةِ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ سَائِمَةً لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاتَانِ مَعًا ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِحُكْمِ الشِّرْكِ ، وَالْعُشْرَ يَجِبُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَا . وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفَادِ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَفَادِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ كَالْمَعَادِنِ ، وَلِأَنَّ الْعُشْرَ وَجَبَ بِالنَّصِّ وَالْخَرَاجَ أُوجِبَ بِالِاجْتِهَادِ ، وَمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ أَثْبَتُ حُكْمًا فَلَمْ يَجُزْ إِبْطَالُهُ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ حُكْمًا ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ ، أُجْرَةٌ لَا جِزْيَةٌ ، لِجَوَازِ أَخْذِهِ مِنَ الْمُسْلِمِ ، وَإِذَا كَانَ أُجْرَةً لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الْعُشْرِ كَالْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْمُحْرِمِ إِذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا ، وَاخْتِلَافُ حَقِّهِمَا أَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ ، وَالْخَرَاجَ دَارَهِمُ تَجِبُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَاخْتِلَافُ مُوجِبِهِمَا أَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِي رَقَبَةِ الْأَرْضِ وُجِدَتِ الْمَنْفَعَةُ أَوْ فُقِدَتْ ، وَالْعُشْرُ وَاجِبُ الْمَنْفَعَةِ ، وَيَسْقُطُ بِفَقْدِ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ بِالْآخَرِ تَشْبِيهًا بِمَا ذَكَرْنَا . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رِوَايَةَ إِسْحَاقَ بْنِ عَنْبَسَةَ ، وَقِيلَ إِنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مَنْعُ اجْتِمَاعِهِمَا دَالًّا عَلَى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى إِسْقَاطِ الْخَرَاجِ ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ هَذَا الْقَلْبِ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ جِزْيَةٌ تَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَيَسْقُطُ عَنِ الْمُسْلِمِ ، وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ : مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا إِنَّ صَحَّ ، وَلَا أَرَاهُ صَحِيحًا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْفِتَنَ ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا : مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْفِتَنِ ، وَلَوْلَاهَا لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْهَا فَكَانَ دَالًّا عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا مُبْطِلًا لِمَذْهَبِهِمْ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي دِهْقَانِ نَهْرِ الْمَلِكِ ، فَلَا يَدُلُّ غَلَّى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ الْخَرَاجِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ وَجَبَ الْعُشْرُ لَأَمَرَ بِهِ ، قِيلَ : الْعُشْرُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الزَّرْعِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ حَصَادِ الزَّرْعِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِهِ بِأَخْذِ الْخَرَاجِ ، وَالِيًا عَلَى جِبَايَةِ الْعُشْرِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْعُشْرُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ : لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَالْعُشْرَ يَجِبُ فِي الزَّرْعِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْخَرَاجَ مِنْ أَحْكَامِ الشِّرْكِ ، وَالْعُشْرَ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِهِ : لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعُشْرَ عَلَى الذِّمِّيِّ ثُمَّ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِنَا : لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الشِّرْكِ لِجَوَازِ أَخْذِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْأَرْضُ الْمُسْتَأْجَرَةُ زكاتها فَعُشْرُ زَرْعِهَا وَاجِبٌ ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَالِكِ الزَّرْعِ الزكاة عليه أم على المالك . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : عَلَى الْمُؤَجِّرِ مَالِكِ الْأَرْضِ بِسَبَبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعُشْرَ مُقَابَلَةُ الْمَنْفَعَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ مَالِكُ الْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْعُشْرَ مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَالِكِ الْأَرْضِ كَحَفْرِ الْآبَارِ وَكَرَيِّ الْأَنْهَارِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ تَعَالَى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، [ الْبَقَرَةِ : ] ، وَالزَّرْعُ مُخْرَجٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَوَجَّهَ حَقُّ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالِاتِّفَاقِ مَنْ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْإِخْرَاجِ وَقَالَ تَعَالَى : كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ، [ الْأَنْعَامِ : ] ، فَأَمَرَ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ مَنْ أَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ ، وَالْأَكْلُ مُبَاحٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمُؤَاجِرِ ، وَلِأَنَّهُ زَرْعٌ لَوْ كَانَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُشْرَ فَوَجَبَ إِذَا كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ فِي مَالٍ يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَنْ مَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَالِكِ الْمَالِ كَالْخَرَاجِ ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ : لِأَنَّ الْخَرَاجَ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ فَوَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا ، وَالْعُشْرُ عَنِ الزَّرْعِ فَوَجَبَ عَلَى مَالِكِهِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْمُؤْنَةِ فَمِثْلُهُ سَوَاءٌ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يَجِبُ فِي زُرُوعِهِ وَلَا ثِمَارِهِ الْعُشْرُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِي زُرُوعِهِ وَثِمَارِهِ تَعَلُّقًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ كَالْخَرَاجِ ، وَهَذَا غَلَطٌ وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْعُشْرَ زَكَاةٌ بِقَوْلِهِ فِي الْكَرْمِ : يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ زَكَاةٌ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ بِأَنَّهُ حَقٌّ مَأْخُوذٌ بِاسْمِ الزَّكَاةِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الذِّمِّيِّ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ حَقٌّ يُصْرَفُ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الذِّمِّيِّ كَالزَّكَوَاتِ ، فَأَمَّا عُمُومُ الْخَبَرِ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا .

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْخَرَاجِ فَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنِ اخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا .

فَصْلٌ : فَلَوِ ابْتَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَبَدَأَ صَلَاحُهَا فِي مِلْكِهِ يَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ، لِأَنَّهَا مِلْكُ ذِمِّيٍّ ، فَلَوِ ابْتَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ : لِأَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِهَا سَابِقٌ لِمِلْكِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَمَا زَادَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَبِحِسَابِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنْ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أو زاد : الزكاة فيه ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ وَقِسْطِهِ ، قَلِيلًا كَانَ الزَّائِدُ أَوْ كَثِيرًا ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَاقْتَضَى عُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَلَمَّا اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بَقِيَ مَا زَادَ عَلَيْهَا عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ عَفْوَ الزَّكَاةِ عَفْوَانِ أَحَدُهُمَا فِي ابْتِدَاءِ الْمَالِ : لِيَبْلُغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الزَّرْعِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ، فَثَبَتَ أَحَدُ الْعَفْوَيْنِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ ، وَسَقَطَ الْعَفْوُ الثَّانِي لِفَقْدِ مَعْنَاهُ .

فَصْلٌ : إِذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ الزيادة على الواجب في الزكاة فيهما لَمْ يَجِبْ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ ، وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا أَحْوَالًا ، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : عَلَى مَالِكِهَا الْعُشْرُ فِي كُلِّ عَامٍ كَالْمَوَاشِي وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ ، فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ نَفْيَ مَا سِوَى الْعُشْرِ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ إِيجَابَ عُشْرِهِ بِحَصَادِهِ وَالْحَصَادُ لَا يَتَكَرَّرُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعُشْرُ أَيْضًا لَا يَتَكَرَّرُ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ الزكاة فيها ، وَمَا ادُّخِرَ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ مُنْقَطِعُ النَّمَاءِ مُعَرَّضٌ لِلنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْأَثَاثِ وَالْقُمَاشِ ، وَفَارَقَ الْمَوَاشِيَ وَالْوَرْسَ الَّتِي هِيَ مُرْصَدَةٌ لِلنَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ صَدَقَةِ الْوَرِقِ

" بَابُ صَدَقَةِ الْوَرِقِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ( قال ) وَبِهَذَا نَأْخُذُ ، فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ خَمْسَ أَوَاقٍ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِدَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ ، وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ بِمِثْقَالِ الْإِسْلَامِ فَفِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا زَكَاةُ الْوَرِقِ دليلها وَهِيَ الْفِضَّةُ فَوَاجِبَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ . فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ، [ التَّوْبَةِ : ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، [ الْمَعَارِجِ : ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، [ التَّوْبَةِ : ] ، وَالْكَنْزُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ مَا لَمْ يُؤَدَّ زَكَاتُهُ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ مَدْفُونًا وَمَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ مَدْفُونًا ، وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَذَكَرْنَا خِلَافَ ابْنِ دَاوُدَ وَابْنِ جَرِيرٍ . وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ فِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحَ ثُمَّ أُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، تُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَفِي الرِّقَّةِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا اسْمٌ لِلْفِضَّةِ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْعَرَبِ : إِنَّ الرِّقِينَ يُعْطِي أَفْنَ الْأَفِينِ قَالَ : وَالرِّقِينُ جَمْعُ رِقَّةً وَهِيَ الْفِضَّةُ . وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : أَنَّ الرِّقَّةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، قَالَ ثَعْلَبٌ : وَهُوَ أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ نَحْوٌ مِنْ نِبْرَاسِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ لَا شَاهِدَ فِيهِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَشَائِعٌ فِي خَاصَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْمِلَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .



فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ زَكَاةِ الْوَرِقِ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِي لِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِي صَدَقَةٌ وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِي مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ

بَابُ تَفْسِيرِ الْأُوقِيَّةِ

بَابُ تَفْسِيرِ الْأُوقِيَّةِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ، فَتَكُونُ الْخَمْسُ أَوَاقِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةٌ بِمَثَاقِيلِ الْإِسْلَامِ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَبَرَانِ . أَحَدُهُمَا : مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا زَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَاقِ أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا أَتَدْرُونَ مَا النَّشُّ ؟ النَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَالْخَبَرُ الْآخَرُ : رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَحُكِيَ عَنِ الْمُعَرِّيِّ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَدَدًا لَا وَزْنًا ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا وَزْنُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ عَدَدًا وَزْنُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَهَذَا جَهْلٌ بِنَصِّ الْإِخْبَارِ وَإِجْمَاعِ الْأَعْصَارِ وَمَا تَقْتَضِيهِ عِبْرَةُ الزَّكَوَاتِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ تَنْقُصُ حَبَّةً أَوْ أَقَلَّ ، أَوْ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ ، أَوْ لَهَا فَضْلٌ عَلَى الْوَازِنَةِ غَيْرَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ بَرْدِيٌّ خَيْرٌ قِيمَةً مِنْ مِائَةِ وَسْقٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ وَرِقُهُ يَنْقُصُ عَنِ الْمِائَتَيْنِ هل فيه زكاة ، وَلِقِلَّةِ نُقْصَانِهَا تَجُوزُ جَوَازَ الْمِائَتَيْنِ ، كَأَنَّهَا تَنْقُصُ حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ ، فَهَذِهِ لَا زَكَاةَ فِيهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ تَنْقُصُ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ أَوْ فِي

بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا نَقَصَتْ هَذَا الْقَدْرَ فَفِيهَا الزَّكَاةُ ، لِأَنَّهَا فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ تَجُوزُ جَوَازَ الْمِائَتَيْنِ ، وَهَذَا غَلَطٌ ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ هَاتُوا إِلَيَّ رُبُعَ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْمُزَكَّى عَنْهُ يُوجِبُ سُقُوطَ الزَّكَاةِ فِيهِ كَسَائِرِ النِّصْبِ ، وَمَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِهَا بِالْمِائَتَيْنِ فَيَفْسُدُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا ، أَنَّ أَخْذَهَا بِالْمِائَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَامِحَةِ لَوْ قَامَ مَقَامَ الْمِائَتَيْنِ لَوَجَبَ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ النِّصْبِ وَفِيمَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَقِّ الْمَسَاكِينِ ، وَلَقِيلَ إِذَا أَخْرَجَ خَمْسَةً إِلَّا حَبَّةً أَجْزَأَهُ ، لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْخَمْسَةِ ، وَلَقِيلَ فِي الرِّبَا إِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ إِلَّا حَبَّةً جَازَ : لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الدِّرْهَمِ ، وَفِي إِجْمَاعِنَا وَإِيَّاهُ عَلَى فَسَادِ هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ . وَالْفَصْلُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ وَرِقُهُ يَنْقُصُ عَنِ الْمِائَتَيْنِ وَهِيَ لِجَوْدَتِهَا تُؤْخَذُ بِالْمِائَتَيْنِ كَأَنَّهَا تَنْقُصُ عَشَرَةً وَقِيمَتُهَا لِجَوْدَةِ جَوْهَرِهَا تَزِيدُ عَشَرَةً ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا : لِنُقْصَانِ وَزْنِهَا عَنِ الْمِائَتَيْنِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : فِيهَا الزَّكَاةُ ، لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْمِائَتَيْنِ ، وَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَالْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَرِقٌ رَدِيئَةٌ وَوَرِقٌ جَيِّدَةٌ كيف تخرج زكاته أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَتْ وَرِقُهُ مُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ فَكَانَ بَعْضُهَا جَيِّدًا وَبَعْضُهَا رَدِيئًا وَكِلَاهُمَا فِضَّةٌ ضَمَّ الْجَيِّدَ إِلَى الرَّدِيءِ كَمَا يَضُمُّ جَيِّدَ التَّمْرِ إِلَى رَدِيئِهِ وَأُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِسَابِهِ لِتَمَيُّزِهِ ، فَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْكُلِّ مِنْ جَيِّدِهِ كَانَ أَوْلَى ، وَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْكُلِّ مِنْ رَدِيئِهِ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَابَلَ الرَّدِيءَ وَكَانَ فِيمَا قَابَلَ الْجَيِّدَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْجَيِّدِ ، مُسْتَأْنِفًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُجْزِئُهُ وَيُخْرِجُ قِيمَةَ مَا بَيْنَهُمَا ذَهَبًا كَمَا لَوْ أَخْرَجَ أَرْدَأَ الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ . أَخْرَجَ نَقْصَ مَا بَيْنَهُمَا وَرِقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَأَكْرَهُ الْوَرِقَ الْمَغْشُوشَ لِئَلَّا يَغُرَّ بِهِ أَحَدًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا ضَرْبُ الْوَرِقِ الْمَغْشُوشِ فَيُكْرَهُ لِلسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِفْسَادِ النُّقُودِ وَغَبْنَ ذَوِي الْحُقُوقِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ ، وَانْقِطَاعِ الْجَلْبِ

الْمُفْضِي جَمِيعُ ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَافِ الْأُمُورِ ، وَفَسَادِ أَحْوَالِ الْجُمْهُورِ فَأَمَّا جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا أي الورق المغشوش ، فَهُمَا فَصْلَانِ : نَبْدَأُ بِأَحَدِهِمَا : وَهُوَ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا أي الْوَرِقِ الْمَغْشُوشِ : اعْلَمْ أَنَّ الْمَغْشُوشَ ضَرْبَانِ : ضَرْبٌ يَكُونُ غِشُّهُ لِرَدَاءَةِ جِنْسِهِ ، فَتُكْرَهُ الْمُعَامَلَةُ بِهِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بَعْدَ إِعْلَامِهِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغُرُورِ وَالتَّدْلِيسِ وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ زَافَتْ دَرَاهِمُهُ فَلْيَأْتِ السُّوقَ فَلْيَشْتَرِ بِهَا الثَّوْبَ السَّمِيقَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَا كَانَ غِشُّهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْ جِنْسِهِ كَالْفِضَّةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِغَيْرِهَا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَدْرُ فِضَّتِهِ مَعْلُومًا ، وَجِنْسُ مَا خَالَطَهُ وَغُشَّ بِهِ مَعْرُوفًا ، قَدِ اشْتُهِرَتْ حَالُهُ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَعَلِمَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لَا يَخْتَلِفُ ضَرْبُهُ وَلَا يَتَنَاقَضُ فِضَّتُهُ ، فَالْمُعَامَلَةُ بِهِ جَائِزَةٌ حَاضِرًا بِعَيْنِهِ وَغَائِبًا فِي الذِّمَّةِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ قَدْرُ فِضَّتِهِ مَجْهُولًا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَا خَالَطَ الْفِضَّةَ مَقْصُودًا لَهُ قِيمَةٌ كَالْمَسِّ وَالنُّحَاسِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مُسْتَهْلَكًا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالزِّئْبَقِ وَالزَّرْنِيخِ ، فَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ غَيْرَ مُمْتَزِجَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَا مُمْتَزِجَيْنِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْفِضَّةُ غَيْرَ مُمَازِجَةٍ لِلْغِشِّ مِنَ النُّحَاسِ وَالْمَسِّ وَإِنَّمَا الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْمَسُّ فِي بَاطِنِهَا ، فَالْمُعَامَلَةُ بِهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ ، لَا مُعَيَّنَةٌ وَلَا فِي الذِّمَّةِ : لِأَنَّ الْفِضَّةَ وَإِنْ شُوهِدَتْ فَالْمَقْصُودُ الْآخَرُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مُشَاهَدٍ ، كَمَا لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِالْفِضَّةِ الْمَطْلِيَّةِ بِالذَّهَبِ : لِأَنَّ أَحَدَ مَقْصُودَيْهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مُشَاهَدٍ ، وَإِنْ كَانَتِ الْفِضَّةُ مُمَازِجَةً لِلْغِشِّ مِنَ النُّحَاسِ وَالْمَسِّ لَمْ تَجُزِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهْلِ بِهَا ، كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَعْجُونَاتِ لِلْجَهْلِ بِهَا ، وَفِي جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا إِذَا كَانَتْ حَاضِرَةً مُعَيَّنَةً وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِمَقْصُودِهَا كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ وَهُوَ أَظْهَرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ إِذَا شُوهِدَتْ ، وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ كَيْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ إِذَا شُوهِدَتْ وَإِنْ لَمْ يَجُزِ السَّلَمُ فِيهَا ، وَخَالَفَ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعَادِنِ : لِأَنَّ

التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْغِشِّ إِذَا كَانَ مَقْصُودًا ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ وبيان حكم كل قسم : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ مُمْتَزِجَيْنِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا ، لَا مُعَيَّنَةً وَلَا فِي الذِّمَّةِ : لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا مَجْهُولٌ بِمُمَازَجَةِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ . وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ غَيْرَ مُمْتَزِجَيْنِ وَإِنَّمَا الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْغِشُّ فِي بَاطِنِهَا كَالزَّرْنِيخِيَّةِ فَتَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا إِذَا كَانَتْ حَاضِرَةً مُعَيَّنَةً : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُشَاهَدٌ ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ : لِلْجَهْلِ بِمَقْصُودِهَا ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَرِقِ الْمَغْشُوشَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ : لِأَجْلِ الرِّبَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بَاعَ سُقَاطَةَ بَيْتِ الْمَالِ مِنَ الْمَغْشُوشِ وَالزَّائِفِ بِوَزْنِهِ مِنَ الْوَرِقِ الْجَيِّدِ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَدَّ الْبَيْعَ ، فَلَوْ أَتْلَفَهَا رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِثْلُهَا : لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا وَلَزِمَهُ رَدُّ قِيمَتِهَا ذَهَبًا ، وَالْحُكْمُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْوَرِقِ الْمَغْشُوشَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَ غِشُّهَا مِثْلَ نِصْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تُبَاعَ قَدْرَ حِصَّتِهَا نِصَابًا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا وُجُوبُ زَكَاتِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ فِضَّتِهَا نِصَابًا وَإِنْ كَانَ غِشُّهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ ، وَإِذَا بَلَغَتْ نِصَابًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْغِشَّ إِذَا نَقَصَ عَنِ النِّصْفِ سَقَطَ حُكْمُهُ ، حَتَّى لَوِ اقْتَرَضَ رَجُلٌ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً لَا غِشَّ فِيهَا فَرَدَّ عَشَرَةً فِيهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ غِشٍّ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهَا ، وَفَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ ، وَالِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ فِضَّتِهَا نِصَابًا الْوَرِقِ الْمَغْشُوشِ ، فَإِذَا عَلِمَ قَدْرَ الْفِضَّةِ يَقِينًا أَوِ احْتِيَاطًا وَأَخْرَجَ زَكَاتُهُ جَازَ ، وَإِنَّ شَكَّ وَلَمْ يَحْتَطْ مَيَّزَهَا بِالنَّارِ فَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا فِضَّةً خَالِصَةً جَازَ ، وَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا مِنْهَا أَجْزَأَهُ ، إِذَا عَلِمَ أَنَّ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْفِضَّةِ مِثْلَ مَا مَعَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا أَمْ لَا ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ خَلَطَهَا بِذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهَا النَّارَ حَتَى يَمِيزَ بَيْنَهُمَا ، فَيُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ قَدْ خَالَطَهَا ذَهَبٌ وَأَرَادَ إِخْرَاجَ زَكَاتِهَا فَلَهُ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَوَلَّى إِخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ يَقِينًا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ

مِنْهُمَا يَبْلُغُ بِانْفِرَادِهِ نِصَابًا أَوْ بِإِضَافَةٍ إِلَى مَا عِنْدَهُ نِصَابًا أَخْرَجَ زَكَاتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ قَدْرَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَعَمِلَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَأَخْرَجَ زَكَاةَ مَا يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَيَّزَهُمَا بِالنَّارِ ، وَأَخْرَجَ زَكَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنْ بَلَغَ بِانْفِرَادِهِ أَوْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى غَيْرِهِ نِصَابًا فَصَاعِدًا . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَوَلَّى الْإِمَامُ أَخْذَ زَكَاتِهَا مِنْهُ ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِيَقِينِ مَا فِيهَا مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَقَالَ أَعْلَمُ ذَلِكَ قَطْعًا وَإِحَاطَةً ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِنِ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ اسْتِظْهَارًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَلَكِنْ قَالَ : الِاحْتِيَاطُ أَنَّ مَا فِيهَا مِنَ الْفِضَّةِ كَذَا وَمِنَ الذَّهَبِ كَذَا لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ : لِأَنَّ ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْهُ وَالْإِمَامُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى قَوْلِهِ قَوْلُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ إِلَى قَوْلِهِ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْعَمَلُ عَلَى احْتِيَاطِهِ إِذَا تَوَلَّى إِخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ : لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِهِ ، فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرَ مُيِّزَتْ بِالنَّارِ وَخُلِّصَتْ بِالسَّبْكِ ، وَفِي مُؤْنَةِ السَّبْكِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ وَسَطِ الْمَالِ : لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ شُرَكَاؤُهُ فِي الْمَالِ قَبْلَ السَّبْكِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّ بِمُؤْنَتِهِ دُونَهُمْ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّ الْمُؤْنَةَ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ الزَّكَاةِ إِلَّا بِهَا كَالْحَصَادِ وَالصِّرَامِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَةٌ مَلْطُوخَةٌ عَلَى لِجَامٍ أَوْ مُمَوَّهٌ بِهَا سَقْفُ بَيْتٍ ، وَكَانَتْ تُمَيَّزُ فَتَكُونُ شَيْئًا إِنْ جُمِعَتْ بِالنَّارِ ، فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ عَنْهَا ، وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا تَمْوِيهُ السَّقْفِ وَالْأَرْوِقَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وإن وجد فكيف تكون زكاته فَحَرَامٌ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِسْرَافِ وَالْخُيَلَاءِ ، وَالتَّحَاسُدِ وَالْبَغْضَاءِ ، فَإِنْ مَوَّهَ رَجُلٌ سَقْفَ بَيْتٍ أَوْ حَائِطِ دَارِهِ بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ كَانَ آثِمًا ، وَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهُ وَلَا مَرْجِعَ لَهُ فَهُوَ مُسْتَهْلَكٌ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، فَإِنْ كَانَ تَخْلِيصُهُ مُمْكِنًا فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا ، فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَهُ أَوِ احْتَاطَ لَهُ وَإِلَّا مَيَّزَهُ وَخَلَّصَهُ ، وَأَمَّا حِلْيَةُ اللِّجَامِ فَإِنْ كَانَتْ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ ، وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ فِضَّةً فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ كَالذَّهَبِ فَعَلَى هَذَا يُزَكِّيهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ فَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ قَوْلَانِ : لِأَنَّهُ حُلِيٌّ مُبَاحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَمَا يُتِمُّ خَمْسَ أَوَاقٍ دَيْنًا لَهُ ، أَوْ غَائِبًا عَنْهُ أَحْصَى الْحَاضِرَةَ وَانْتَظَرَ الْغَائِبَةَ فَإِذَا اقْتَضَاهَا أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْكَلَامِ فِيهِمَا ثُمَّ بِنَاءُ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِمَا . فَأَحَدُ الْفَصْلَيْنِ : وُجُوبُ زَكَاةِ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : مُعَجَّلٌ وَمُؤَجَّلٌ ، وَالْمُعَجَّلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى مَلِيءٍ مُعْتَرِفٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَتَى شَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ ، سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ كَالْوَدِيعَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : " لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَغْصُوبِ " . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى مَلِيءٍ مُعْتَرِفٍ فِي الْبَاطِنِ مُمَاطِلٍ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ : خَوْفًا مِنْ جُحُودِهِ وَمَطْلِهِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى قَوْلًا وَاحِدًا . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ عَلَى مَلِيءٍ مُنْكِرٍ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُقِرٍّ مُعْسِرٍ وَجَوَابُهُمَا سَوَاءٌ ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَغْصُوبِ لَا يُزَكِّيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى أَوْ يَسْتَأْنِفُ بِهِ الْحَوْلَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ مَالِكًا لَهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَكُونُ مَالِكًا لَهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ مَا لَا حِنْثَ فِيهِ وَمَنْ حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ حَنِثَ قَالَ : لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ أَنْ يُبَرِّئَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي الزَّكَاةِ حُكْمَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ ، فَيَكُونُ وُجُوبُ زَكَاتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ : وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لَهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ مَالًا بَرَّ ، وَلَوْ حَلَفَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ بَرَّ ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ وَلَا الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ ثَمَرَةُ الْمِلْكِ ، ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهُ إِذَا حَلَّ أَجْلُهُ . وَالْفَصْلُ الثَّانِي : وُجُوبُ زَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ يَعْرِفُ سَلَامَتَهُ فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ نَقْلِ الصَّدَقَةِ أَحَدُهُمَا . يُجْزِئُهُ .

وَالثَّانِي : لَا يُجْزِئُهُ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ سَائِرًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لَكِنْ يَعْرِفُ سَلَامَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاتَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ ، فَإِذَا وَصَلَ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى قَوْلًا وَاحِدًا . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ سَائِرًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَلَا مَعْرُوفِ السَّلَامَةِ فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّالِّ ، لَا يُزَكِّيهِ قَبْلَ وُصُولِهِ ، فَإِذَا وَصَلَ هَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى أَوْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَانِ الْفَصْلَانِ ، فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٍ ، وَيَمْلِكُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أُخْرَى دَيْنًا أَوْ غَائِبَةً ، فَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا وَقَدْ حَالَ الْحَوْلُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الدَّيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ زَكَاتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ وَزَكَاةِ الْمِائَةِ الْحَاضِرَةِ جَمِيعًا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِمَّا تَجِبُ زَكَاتُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ بِالْمِائَةِ الْحَاضِرَةِ فَيَصِيرُ دَيْنُهُ ، فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّاهَا مَعَ الدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْغَائِبَةِ سَوَاءٌ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَمَا زَادَ وَلَوْ قِيرَاطًا فَبِحِسَابِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، الْوَقْصُ فِي الْوَرِقِ مُعْتَبَرٌ فِي ابْتِدَائِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي انْتِهَائِهِ ، فَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِهِ ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : " لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَجِبُ فِيهَا دِرْهَمٌ ، وَلَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ " ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَوَافَقَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ : تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَاتُوا رُبُعَ الْعُشْرِ مِنَ الْوَرِقِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَبِرِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ : لَا تَأْخُذْ مِنَ الْكَسْرِ شَيْئًا وَلَا مِنَ الْوَرِقِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ شَيْئًا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا دِرْهَمٌ وَقَالَ : وَلِأَنَّهُ جِنْسُ مَالٍ فِي ابْتِدَائِهِ وَقْصٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي أَثْنَائِهِ وَقْصٌ كَالْمَوَاشِي . وَدَلِيلُنَا : عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّقَّةِ رَبُعُ الْعُشْرِ فَكَانَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ خَارِجًا ، وَمَا سِوَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى حُكْمِ الْعُمُومِ بَاقِيًا ، وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ : هَاتُوا رُبُعَ الْعُشْرِ مِنَ الْوَرِقِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ وَهَذَا نَصٌّ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَائَتَيْنِ خَمْسَةٌ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَقْصٌ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَالزُّرُوعِ ، وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى نِصَابٍ فِي جِنْسِ مَالٍ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْأَرْبَعِينَ أَوْ كَالذَّهَبِ ، وَلِأَنَّ الْوَقْصَ فِي الزَّكَاةِ أنواعه وَقْصَانِ : وَقْصٌ فِي ابْتِدَاءِ الْمَالِ لِيَبْلُغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْوَرِقِ ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ وَقْصٌ فِي أَثْنَاءِ الْمَالِ : لِأَنْ لَا يَجِبَ كَسْرٌ يُسْتَضَرُّ بِإِيجَابِهِ فِيهِ ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْوَرِقِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ، فَثَبَتَ أَحَدُ الْوَقْصَيْنِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ ، وَسَقَطَ الْوَقْصُ الثَّانِي لِفَقْدِ مَعْنَاهُ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ : نَحْنُ نَعْمَلُ بِمُوجَبِهِ وَهُوَ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ ، فَإِنْ قِيلَ : الْمَحْدُودُ عِنْدَكُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا خَرَجَ عَنْهُ وَمَا نَقَصَ عَنِ الْأَرْبَعِينَ ، فَأَرُجُّ عَمَّا أَخَذَ بِالْأَرْبَعِينَ وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قِيلَ : كَذَلِكَ نَقُولُ إِلَّا أَنَّا نُوجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا كَامِلًا ، وَلَا نُوجِبُ فِيمَا دُونَهَا دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا نُوجِبُ بَعْضَ دِرْهَمٍ ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ ، أَيْ : لَا شَيْءَ فِيهَا كَامِلٌ هَذَا إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ مِنْ قَدْحٍ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَالْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ هُوَ أَبُو الْعَطُوفِ الْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، وَإِنَّمَا قُلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بِاسْمِهِ لِضَعْفِهِ وَاشْتِهَارِهِ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ . وَالثَّانِي : أَنَّ عُبَادَةَ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا فَكَانَ الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَوَاشِي ، فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرًا ، فَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي انْتِهَائِهَا وَقْصٌ ، وَالْوَرِقُ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِي أَثْنَائِهَا وَقْصٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنِ ارْتَدَّ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ وَالثَّانِي : يُوقَفُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالرِّدَّةِ ، وَإِنْ قُتِلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَبِهَذَا أَقُولُ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَعْنَاهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِنِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالزَّكَاةُ لَا تَسْقُطُ ، وَإِنِ ارْتَدَّ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَالزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتْي حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ ، وَقَوْلٌ ثَالِثُ مُخْتَلَفٌ فِي تَخْرِيجِهِ .

أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وُقُوفُ الْأَمْرِ عَلَى مُرَاعَاةِ حَالِهِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَجَبَتْ وَإِنْ قُتِلَ لَمْ تَجِبْ ، وَالْقَوْلُ خَرَّجَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ أَبُو الْعَبَّاسِ لَا زَكَاةَ فِي مَالِهِ بِحَالٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَخْرِيجَ هَذَا الْقَوْلِ وَسَبَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَحَرَامٌ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ الزَّكَاةَ مِنْ شَرِّ مَالِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا تُعْطُوا فِي الزَّكَاةِ مَا خَبُثَ أَنْ تَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَتْرُكُوا الطَّيِّبَ عِنْدَكُمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَقُلْنَا إِنَّ إِخْرَاجَ الرَّدِيءِ عَنِ الْجَيِّدِ لَا يَجُوزُ ، وَإِخْرَاجَ الْجَيِّدِ عَنِ الرَّدِيءِ لَا يَجِبُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْحَرَامُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ . وَالثَّانِي : الرَّدِيءُ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَهُوَ أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ : لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ، [ الْبَقَرَةِ : ] ، وَالْحَرَامُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْمَضَ فِي أَخْذِهِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ، مَنْقُولٌ وَهُوَ مَا رُويَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى فِيهِ عَذْقًا حَشَفًا فَقَالَ : " مَا هَذَا " ؟ فَقَالُوا : صَدَقَةُ فُلَانٍ ، يَعْنُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَغَضِبَ وَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ فُلَانٍ وَصَدَقَتِهِ " ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصَدِّقًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ بِفَصِيلٍ مَحْلُولٍ فِي الصَّدَقَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْظُرُوا إِلَى فُلَانٍ أَتَانَا بِفَصِيلٍ مَحْلُولٍ ، فَبَلَغَهُ فَأَتَاهُ بَدَلَهُ بِنَاقَةٍ كَوْمَاءَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْمَحْلُولُ هُوَ الْهَزِيلُ الَّذِي قَدْ حَلَّ جِسْمُهُ .

بَابُ صَدَقَةِ الذَّهَبِ وَقَدْرِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

بَابُ صَدَقَةِ الذَّهَبِ وَقَدْرِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَلَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي أَنْ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا ، جَيِّدًا كَانَ أَوْ رَدِيئًا أَوْ إِنَاءً أَوْ تِبْرًا ، فَإِنْ نَقَصَتْ حَبَّةٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ زَكَاةِ الْوَرِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الذَّهَبِ ، مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الذَّهَبِ مُنْعَقِدٌ ، وَنِصَابُهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ، الْوَاجِبُ فِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعِشْرِينَ وَلَوْ حَبَّةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَلَوْ حَبَّةً وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَا شَيْءَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ فِيهِ مِثْقَالٌ ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الزَّكَوَاتِ اسْتِفْتَاحُ فَرْضٍ بِكَسْرٍ ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ : نِصَابُ الذَّهَبِ مُعْتَبَرٌ بِقِيمَتِهِ مِنَ الْوَرِقِ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ ، قَالَ : لِأَنَّ الْوَرِقَ أَصْلٌ وَالذَّهَبَ فَرْعٌ ، فَاعْتُبِرَ نِصَابُهُ بِأَصْلِهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعِشْرِينَ حَبَّةً وَجَازَتْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ ، كَقَوْلِهِ فِي الْوَرِقِ ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إِنْ نَقَصَتْ رُبُعَ مِثْقَالٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ ، وَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ مِثْقَالٍ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَصِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ شَيْءٌ ، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ : لِأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ خَبَرٌ ثَابِتٌ ، لَكِنْ لَمَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا .



فَصْلٌ : فَإِذَا بَلَغَ الذَّهَبُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا هل تجب الزكاة فيه بِمَثَاقِيلِ الْإِسْلَامِ الَّتِي وَزْنُ كُلِّ سَبْعَةٍ مِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا بِحِسَابِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ إِنَاءً أَوْ تِبْرًا أَوْ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً إِذَا كَانَ جَمِيعُهَا ذَهَبًا ، وَاسْمُ الْجِنْسِ عَلَيْهِ مُنْطَلِقًا : لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِجِنْسِهِ لَا بِوَصْفِهِ كَالْوَرِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَوْ كَانَتْ لَهُ مَعَهَا خَمْسُ أَوَاقٍ فِضَةً إِلَّا قِيرَاطًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةٌ ، وَإِذَا لَمْ يُجْمَعِ التَّمْرُ إِلَى الزَّبِيبِ ، وَهُمَا يُخْرَصَانِ وَيُعْشَرَانِ وَهُمَا حُلْوَانِ مَعًا وَأَشَدُّ تَقَارُبًا فِي الثَّمَنِ وَالْخِلْقَةِ وَالْوَزْنِ مِنَ الذَّهَبِ إِلَى الْوَرِقِ ، فَكَيْفَ يَجْمَعُ جَامِعٌ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ؟ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِأَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ زكاة الذهب فَأَخَذَهَا فِي أَقَلَّ فَإِنْ قَالَ ضَمَمْتُ إِلَيْهَا غَيْرَهَا قِيلَ : تَضُمُّ إِلَيْهَا بَقَرًا فَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا قِيلَ : وَكَذَلِكَ فَالذَّهَبُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوَرِقِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا وَلَوْ بِقِيرَاطٍ وَأَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَوْ بِقِيرَاطٍ لَمْ يُضَمَّا وَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ ، وَأَحْمَدُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ . وَقَالَ مَالِكٌ ، والْأَوْزَاعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَصَاحِبَاهُ : " يَضُمُّ الذَّهَبَ إِلَى الْوَرِقِ " وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمِّهِ فَقَالَ مَالِكٌ : يَضُمُّ بِالْعَدَدِ فَيَجْعَلُ كُلَّ عِشَرَةٍ بِدِينَارٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ عَشْرُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ ضَمَّهَا وَزَكَّى ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَشَرَةُ تُسَاوِي مِائَةً وَالْمِائَةُ تُسَاوِي عَشَرَةً أَمْ لَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تُضَمُّ بِالْقِيمَةِ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ تُسَاوِي مِائَةً هل تجب الزكاة فيها ضَمَّهَا وَزَكَّى إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ أَحْوَطَ لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذَ بِهِ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ الضَّمِّ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ، [ التَّوْبَةِ : ] ، الْآيَةَ فَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ثُمَّ قَالَ : وَلَا يُنْفِقُونَهَا ، [ التَّوْبَةِ : ] ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَكُونَا فِي الزَّكَاةِ وَاحِدًا لَكَانَتْ هَذِهِ الْكِنَايَةُ رَاجِعَةً إِلَيْهِمَا بِلَفْظَةِ التَّثْنِيَةِ فَيَقُولُ وَلَا يُنْفِقُونَهُمَا فَلَمَّا كَنَّى عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي الزَّكَاةِ وَاحِدٌ ، وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّقَّةِ رَبُعُ الْعُشْرِ وَالرِّقَّةُ اسْمٌ يَجْمَعُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ قَالُوا : وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي كَوْنِهِمَا أَثْمَانًا وَقِيَمًا ، وَإِنْ قَدَّرَ زَكَاتَهُمَا رُبُعَ الْعُشْرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي وُجُوبِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ كَأَجْنَاسِ الْفِضَّةِ

وَالذَّهَبِ ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ : إِنْ قَالُوا إِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَالْقِيَمِ : فَوَجَبَ أَنْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ كَأَجْنَاسِ الْفِضَّةِ وَأَجْنَاسِ الذَّهَبِ . وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَكَانَ نَصُّ هَذَا الْحَدِيثِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا نَقَصَ عَنِ النِّصَابِ وَدَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الضَّمِّ ، وَلِأَنَّهُمَا مَالَانِ نِصَابُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ، وَلِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِمَا ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ وَإِنِ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهِ كَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ ، وَمَا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا لَا غَيْرَ لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهَا وَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا ، وَهَذَا الِاعْتِلَالُ يَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ نَقُولَ : لِأَنَّهُ مَالٌ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِانْفِرَادِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي . وَالثَّانِي : أَنْ نَقُولَ : لِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَلَمْ يَجِبِ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ كَالْمُنْفَرِدِ . الْجَوَابُ : أَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا : لِأَنَّهُ إِنْ جَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى تَسَاوِي حُكْمِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ نَصِّهَا ، وَإِنْ جَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى تَسَاوِي حُكْمِهِمَا مِنْ وَجْهٍ قُلْنَا بِمُوجِبِهَا وَسَوَّيْنَا بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ عَلَى قَوْلِ ثَعْلَبٍ ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إِبَانَةُ قَدْرِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ بِهِ عَمَّا قُصِدَ لَهُ وَلَوْ جَازَ ضَمُّهُمَا : لِأَنَّ الِاسْمَ يَجْمَعُهُمَا لَجَازَ ضَمُّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ : لِأَنَّ اسْمَ الْمَاشِيَةِ يَجْمَعُهَا ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى أَجْنَاسِ الْفِضَّةِ وَأَجْنَاسِ الذَّهَبِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفِضَّةَ جِنْسٌ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ ، فَلِذَلِكَ ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَلَيْسَ الذَّهَبُ مِنْ جِنْسِهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا يَجِبُ عَلَى رَجُلٍ زَكَاةٌ فِي ذَهَبٍ حَتَى يَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ ، فَإِنْ نَقَصَتْ شَيْئًا ثُمَّ تَمَّتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا مِنَ يَوْمِ تَمَّتْ عِشْرِينَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ .

كُلُّ مَالٍ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُ نِصَابِهِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا نَقَصَتْ قِيرَاطًا ثُمَّ تَمَّتْ ، أَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقَصَتْ دِرْهَمًا ثُمَّ تَمَّتْ ، أَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ نَقَصَتْ شَاةً ثُمَّ تَمَّتِ اسْتَأْنَفَ لِجَمِيعِهَا الْحَوْلَ مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا ، وَيَبْطُلُ حُكْمُ مَا مَضَى مِنْ حَوْلِهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ وَلَا اعْتِبَارَ لِنُقْصَانِهِ فِي أَثْنَائِهِ . وَقَالَ مَالِكٌ : النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي آخِرِ الْحَوْلِ دُونَ أَوَّلِهِ وَأَثْنَائِهِ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَرِقِ فَإِذَا بَلَغَتِ خَمْسَ أَوَاقٍ فَفِيهَا الصَّدَقَةُ لَمْ يَجْعَلْ كَمَالَ النِّصَابِ غَايَةً لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَمُلَ نِصَابُهُ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ فَلَمْ يَكُنْ نُقْصَانُهُ فِي أَثْنَائِهِ مُسْقِطًا لِزَكَاتِهِ ، كَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ إِذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّتْ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَالْمَالُ الَّذِي كَمُلَ بِهِ النِّصَابُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ فِي الْبَاقِي : لِأَنَّ حُكْمَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَاحِدٌ ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ نَقَصَ نِصَابُهُ عَنْ حَوْلِهِ فَاقْتَضَى سُقُوطَ زَكَاتِهِ قِيَاسًا عَلَى نُقْصَانِهِ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ حَوْلِهِ ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَا تُعْتَبَرُ زَكَاةُ قِيمَتِهِ انْقَطَعَ نِصَابُهُ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، قِيَاسًا عَلَى تَلَفِ جَمِيعِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَاسْتِفَادَةِ مِثْلِهِ ، وَلِأَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي اسْتَدَامَتِهِ كَالْجِزْيَةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ اعْتُبِرَ فِي وَسَطِهِ كَالسَّوْمِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ قَدْرِ النِّصَابِ ، وَاعْتِبَارُ الْحَوْلِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا زَكَاةَ عَلَى مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عُرُوضِ التِّجَارَاتِ ، فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهَا ، وَفِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مَشَقَّةٌ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ : لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِهِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ ، وَلِأَنَّ عَرَضَ التِّجَارَةِ لَوْ بَاعَهُ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ فَكَذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ كَمَالُ نِصَابِهِ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ ، وَلَوْ بَاعَ إِبِلًا بِبَقَرٍ وقت بداية الحول في الزكاة لَمْ يَبْنِ ، وَاسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ ، فَكَذَلِكَ اعْتُبِرَ كَمَالُ نِصَابِهَا فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ

بَابُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أنَهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَ أَخِيهَا أَيْتَامًا فِي حِجْرِهَا فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةً . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ ، ذَهَبًا ثُمَّ لَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ ( قَال ) وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ وَهَذَا مَما أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : الْحُلِيُّ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ذَهَبًا وَفِضَّةً . وَالثَّانِي : مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَمَا كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً ضَرْبَانِ : مَحْظُورٌ وَمُبَاحٌ وَنَذْكُرُ تَفْصِيلَهُمَا ، فَالْمَحْظُورُ زَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، وَالْمُبَاحُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَالشَّعْبِيُّ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ : الزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ بَعْدَ الظَّوَاهِرِ هِيَ الْعَامَّةُ بِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هِيَ ؟ فَقَالَ مَا بَلَغَتِ زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ .

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِي فَتَحَاتٌ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْتُ صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ ؟ فَقُلْتُ : لَا قَالَ : فَهُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْفَتَحَاتُ الْخَوَاتِيمُ وَأَنْشَدَ : إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَاكْسُوَانِي بُرْقُعًا وَفَتَحَاتٍ فِي الْيَدَيْنِ أَرْبَعَا وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَمَنِ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا بِنْتٌ لَهَا ، وَفِي يَدِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهَا أَتُعْطِينَ زَكَاةً هَذَا ؟ فَقَالَتْ : لَا فَقَالَ : أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ، قَالَ : فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْهُمَا وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَرُوِيَ أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي حُلِيًّا وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ ، وَإِنْ فِي حِجْرِي بِنْتُ أَخٍ لِي ، أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَجْعَلَ زَكَاةَ حُلِيٍّ فِيهِمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ فَلَكِ فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ . وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : هَذَا حُلِيِّي وَهُوَ سَبْعُونَ دِينَارًا فَخُذْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ دِينَارٍ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى امْرَأَةً تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهَا مَنَاجِدُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ : يَسُرُّكِ أَنْ يُحَلِّيكِ اللَّهُ مَنَاجِدَ مِنْ نَارٍ . قَالَتْ : لَا . قَالَ : فَأَدِّي زَكَاتَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْمَنَاجِدُ الْحُلِيُّ الْمُكَلَّلُ بِالْفُصُوصِ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَهُوَ أَظْهَرُ الْمَذْهَبَيْنِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ بِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَرَوَى

أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلَهُ ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ ، رَوَتْ فُرَيْعَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَامَةَ قَالَتْ حَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِعَاثًا وَحَلَّى أُخْتِي ، وَكُنَّا فِي حِجْرِهِ ، فَمَا أَخَذَ مِنَّا زَكَاةَ حُلِيٍّ قَطُّ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الرِّعَاثُ جَمْعُ رُعْثَةٍ وَهُوَ الْقُرْطُ وَقَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ : وَكُلُّ عَلِيلٍ عَلَيْهِ الرِّعَاثُ وَالْخَيَلَاتِ ضَعِيفٌ مَلَقْ وَالْخَيَلَاتُ : كُلُّ مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ ، وَلِأَنَّهُ جِنْسُ مَالٍ تَجِبُ زَكَاتُهُ بِشَرْطَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَوَّعَ نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَجِبُ فِيهِ . وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ فِيهِ كَالْمَوَاشِي الَّتِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَائِمَتِهَا وَتَسْقُطُ فِي الْمَعْلُوفَةِ مِنْهَا ، وَلِأَنَّهُ مُبْدَلٌ فِي مُبَاحٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ زَكَاتُهُ كَالْأَثَاثِ وَالْقُمَاشِ ، وَلِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنِ النَّمَاءِ السَّائِغِ إِلَى اسْتِعْمَالٍ سَائِغٍ ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ زَكَاتُهُ كَالْإِبِلِ الْعَوَامِلِ ، وَلِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْقَيْنَةِ كَالْعَقَارِ ، وَلِأَنَّهُ حُلِيٌّ مُبَاحٌ كَاللُّؤْلُؤِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَخْبَارِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُتَقَدِّمِ الْأَمْرِ حِينَ كَانَ الْحُلِيُّ مَحْظُورًا : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَظَرَهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي حَالِ الشِّدَّةِ وَالضِّيقِ ، وَأَبَاحَهُ فِي حَالِ السَّعَةِ وَتَكَاثُرِ الْفُتُوحِ ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رَوَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلَهُ مِنَ النَّارِ ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقَهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ زَكَاتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى إِعَارَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : زَكَاةُ الْحُلِيِّ

إِعَارَتُهُ عَلَى أَنَّهَا قَضَايَا فِي أَعْيَانٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهَا عَلَى حُلِيٍّ مَحْظُورٍ أَوْ لِلتِّجَارَةِ ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْمَعْنَى فِيهِمَا إِرْصَادُهُمَا لِلنَّمَاءِ : فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ زَكَاتُهُمَا ، وَالْحُلِيُّ غَيْرُ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ ، أَلَّا تَرَى أَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ لَمَّا أُرْصِدَتْ لِلنَّمَاءِ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا ، وَلَوْ أُعِدَّتْ لِلْقَيْنَةِ وَلَمْ تُرْصَدْ لِلنَّمَاءِ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا ، وَكَذَا الْحُلِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَمَنْ قَالَ فِيهِ الزَكَاةُ زَكَّى خَاتَمَهُ وَحِلْيَةَ سَيْفِهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمُصْحَفَهُ ، وَمَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي خَاتَمِهِ وَلَا حِلْيَةِ سَيْفِهِ وَلَا مِنْطَقَتِهِ إِذَا كَانَتْ مِنْ وَرِقٍ ، فَإِنِ اتَّخَذَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوِ اتَخَذَ لِنَفْسِهِ حُلِيَّ امْرَأَةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحَلَّى ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا وَلَا أَجْعَلُ فِي حُلِّيهَا زَكَاةً " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْحُلِيِّ مَحْظُورًا هل تجب فيه الزكاة فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُبَاحًا فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ قَوْلَانِ ، وَنَحْنُ الْآنَ نَذْكُرُ الْمُبَاحَ مِنَ الْمَحْظُورِ ، وَالْمُبَاحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أي من الحلي وبيان زكاته : أَحَدُهُمَا : مَا أُبِيحُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ . وَالثَّانِي : مَا أُبِيحُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ . وَالثَّالِثُ : مَا أُبِيحُ لَهُمَا ، فَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةُ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ : لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِسَيْفِهِ قَبِيعَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ وَإِعْزَازًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَا حِلْيَةُ الدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ : فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، فَأَمَّا حِلْيَةُ اللِّجَامِ بِالْفِضَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَحْظُورٌ وَفِيهِ الزَّكَاةُ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو إِسْحَاقَ : لِأَنَّهُ حِلْيَةٌ لِفَرَسِهِ لَا لِنَفْسِهِ . وَالثَّانِي : مُبَاحٌ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلٌ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَقِيلَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَكَانَ الْجَمَلُ لِأَبِي جَهْلٍ ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَإِنِ اتَّخَذَهُ النِّسَاءُ كَانَ مَحْظُورًا وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ .



فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ من الذهب فَالْخَلَاخِلُ ، وَالدَّمَالِجُ ، وَالْأَطْوَاقُ وَالْأَسْوِرَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِهِ كَانَ مُبَاحًا ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَمَّ تَجْرِ عَادَةُ النِّسَاءِ مِمَّا يَلْبَسُهُ عُظَمَاءُ الْفُرْسِ كَانَ مَحْظُورًا ، فَأَمَّا الثِّيَابُ الْمُثْقَلَةُ بِالذَّهَبِ الْمَنْسُوجَةُ بِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُنَّ كَالْحُلِيِّ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِنَّ : لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْإِسْرَافِ وَعِظَمِ الْخُيَلَاءِ ، فَأَمَّا تَعَاوِيذُ الذَّهَبِ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ ، فَأَمَّا نِعَالُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَمَحْظُورَةٌ ، وَكُلُّ مَا أَبَحْنَاهُنَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ : فَإِنِ اتَّخَذَهُ الرِّجَالُ لِلتَّحَلِّي بِهِ الذهب والفضة كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، وَلَكِنْ فِي تَحْلِيَةِ الصِّبْيَانِ بِهِ الذهب وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَحْظُورٌ فَعَلَى هَذَا فِيهِ الزَّكَاةُ . وَالثَّانِي : مُبَاحٌ فَعَلَى هَذَا فِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ من الحلي فَخَوَاتِمُ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةُ الْمُصْحَفِ ، فَأَمَّا حِلْيَتُهُ بِالذَّهَبِ المصحف فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مُبَاحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ الْقُرْآنِ . وَالثَّانِي : مَحْظُورٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، فَأَمَّا حِلْيَةُ عَلَاقَةِ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ فَمَحْظُورٌ لَا يَخْتَلِفُ ، وَيَجُوزُ لِلْأَجْدَعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ، فَقَدْ رُوِيَ أنَ عَرْفَجَةَ بْنَ أسْعَدٍ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكِلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَشُدَّا أَسْنَانَهُمَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا نُظِرَ ، فَإِنْ نَشِبَ فِي الْعُضْوِ وَتَرَاكَبَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ صَارَ كَالْمُسْتَهْلَكِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ نَزْعُهُ وَرَدُّهُ فَزَكَاتُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنِ اتَّخَذَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ إِنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ زَكَّيَاهُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا : لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّخَاذُهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : اتِّخَاذُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَكَاسِرَةِ وَالْأَعَاجِمِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ . وَإِذَا

كَانَ مَحْظُورًا فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، فَأَمَّا اتِّخَاذُهَا لِلِادِّخَارِ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا . مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمَا : أَنَّهُ مَحْظُورٌ : لِأَنَّ ادْخَارَهُ يَدْعُو إِلَى اسْتِعْمَالِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مُبَاحٌ : لِأَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى الِاسْتِعْمَالِ وَمَا سِوَاهُ مُبَاحٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَعَلَى الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ . فَأَمَّا تَعْلِيقُ قَنَادِيلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الْكَعْبَةِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ ، وَتَمْوِيهِهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مُبَاحٌ كَمَا أُبِيحُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ وَإِنَّ كَانَ حَرَامًا ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لِلدِّينِ وَإِعْزَازًا لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا لِلْكَعْبَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ : وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ مَحْظُورٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا : لِأَنَّهُ لَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَا عَمِلَ بِهِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ وَقْفًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا : لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَالِكٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ : لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ فَمَحْظُورٌ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، وَأَمَّا الْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرَ الْحَاجَةِ كَحَلْقَةٍ أَوْ زِرَّةٍ كَانَ مُبَاحًا ، قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْعَةٌ فِيهَا حَلْقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَزَكَاتُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَحْظُورٌ تَجِبُ زَكَاتُهُ ، وَكَذَا لَوِ اتَّخَذَ مَيْلًا أَوْ مُكْحُلًا أَوْ مُدْهُنًا أَوْ مُسْعُطًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، إِلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمَيْلَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا ، كَمَا لَوِ اسْتَعْمَلَ الذَّهَبَ لَرَبْطِ أَسْنَانِهِ فَيَكُونُ فِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ مَصُوغًا أَلْفَيْنِ فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْأَوَانِي الْمُحَرَّمَةُ فَزَكَاتُهَا عَلَى وَزْنِهَا لَا عَلَى قِيمَتِهَا ، فَإِذَا كَانَ وَزْنُ الْإِنَاءِ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ لِصَنْعَتِهِ أَلْفَيْنِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ أَلْفٍ اعْتِبَارًا بِوَزْنِهِ ، وَسَوَاءٌ كُسِرَ الْإِنَاءُ وَأُخِذَ زَكَاتُهُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةُ مَنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمَصُوغُ فَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا فَزَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ كَالْأَوَانِي ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَزْنُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ : نَعْتَبِرُ الصَّنْعَةَ وَنُوجِبُ الزَّكَاةَ شَائِعَةً فِي جُمْلَتِهِ ، ثُمَّ يُتْبَعُ قَدْرُ الزَّكَاةِ فِيهِ مَشَاعًا ، إِلَّا أَنْ يُعْطِيَ الْمَالِكُ قِيمَةَ الزَّكَاةِ ذَهَبًا ، أَوْ يُعْطِيَ مِنْ هَذَا الْأَلْفِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا مَصُوغَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا ، فَإِنْ أَعْطَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا قَالَ : لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ كَسْرَ

حُلِّيِّهِ وَإِخْرَاجَ زَكَاتِهِ مِنْ عَيْنِهِ مُنِعَهُ : لِأَنَّ فِيهِ إِتْلَافَ مَا اعْتَبَرَهُ مِنَ الصَّنْعَةِ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عِنْدِي غَلَطٌ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ إِذَا وَجَبَتْ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ لَا فِي قِيمَتِهِ ، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَزْنُ الْحُلِيِّ مِائَةً وَقِيمَتُهُ لِصَنْعَتِهِ مِائَتَانِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ : لِأَنَّ وَزْنَهُ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا ، وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا ، وَإِذَا وَجَبَتْ زَكَاةُ الْحُلِيِّ فِي عَيْنِهِ لَمْ يَجِبِ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ ، وَلَيْسَتِ الصَّنْعَةُ عَيْنًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ، فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ اعْتِبَارُ الصَّنْعَةِ لَوَجَبَ الْمُطَالَبَةُ بِزَكَاةِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ أَلْفًا طُولِبَ بِزَكَاةِ أَلْفَيْنِ ، فَإِنْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : لَسْتُ أَجْعَلُ الصَّنْعَةَ عَيْنًا وَإِنَّمَا أَجْعَلُهَا مِنْ صِفَاتِ الْعَيْنِ ، وَأَجْعَلُ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ عَلَى مَثَلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ ، كَمَا أَقُولُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا عَلَى مِثْلِ صِفَتِهَا وَضَرْبِهَا ، فَإِنْ دَفَعَ ذَهَبًا خَالِصًا غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِثْلَ ذَهَبِ الدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ لَمْ يَجُزْ ، فَكَذَا فِي الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ تَجِبُ زَكَاتُهُ فِي عَيْنِهِ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ فِي صَنْعَتِهِ ، فَإِنْ دَفَعَ مِثْلَ جِنْسِهِ غَيْرَ مَصُوغٍ لَمْ يَجُزْ ، قِيلَ لَهُ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، أَنَّ ضَرْبَ الدَّنَانِيرِ وَطَبْعَهَا أُقِيمَ مَقَامَ صِفَاتِ الْجِنْسِ مِنَ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ : لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ ، كَثُبُوتِ ضَمَانِ الْجِنْسِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي الزَّكَاةِ ، كَمَا وَجَبَ اعْتِبَارُ صِفَاتِ الْجِنْسِ ، وَلَيْسَتْ صِفَةُ الْحُلِيِّ جَارِيَةً مَجْرَى صِفَاتِ الْجِنْسِ : لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُهَا فِي الزَّكَاةِ ، يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْتُ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً لَزِمَهُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا مَصُوغًا لَمْ يَلْزَمْهُ مِثْلُهُ مَصُوغًا ، عَلَى أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ يُجِيزُ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ وَيَمْنَعُ مِنْهَا فِي زَكَاةِ الدَّنَانِيرِ أخذ القيمة فيها ، فَخَالَفَ الْمَذْهَبَ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْقِيَمِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ جَمَعَ فَلَا بِالْمَذْهَبِ أَخَذَ وَلَا لِلْحِجَاجِ انْقَادَ ، فَإِذَا وَضَحَ مَا ذَكَرْنَا فَلَا اعْتِبَارَ بِصِفَتِهِ وَلَا مُعَوَّلَ عَلَى قِيمَتِهِ وَيُزَكِّيهِ عَلَى وَزْنِهِ إِمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى حُلِيًّا مُبَاحًا لِلتِّجَارَةِ فكيف تكون زكاته ، فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فَفِي هَذَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الصَّنْعَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ : لِأَنَّ زَكَاةَ هَذَا فِي قِيمَتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا فِي الْمُسْتَعْمَلِ زَكَاةٌ فَهَلْ يُزَكَّى هَذَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْ زَكَاةَ الْعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : زَكَاةَ الْعَيْنِ . فَعَلَى هَذَا لَا اعْتِبَارَ بِالصَّنْعَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : زَكَاةَ التِّجَارَةِ . فَعَلَى هَذَا يَجِبُ اعْتِبَارُ الصَّنْعَةِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْقِيمَةِ . وَأَمَّا إِذَا أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ حُلِيًّا مَصُوغًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ مَصُوغًا وَسَوَاءٌ كَانَ مَالِكُهُ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ لُبْسَهُ أَمْ لَا . إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ مِمَّا يُسْتَبَاحُ لُبْسُهُ بِحَالٍ ، فَإِذَا كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ضُمِّنَ أَلْفَيْنِ وَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُضَمَّنُهَا دَرَاهِمَ فَيَلْزَمُهُ أَلْفَيْنِ دِرْهَمٍ أَلْفٌ مِنْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَلْفِ وَالْأَلِفُ الْأُخْرَى فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُضَمَّنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِإِزَاءِ الْأَلْفِ وَيُعْطَى مَكَانَ الصَّنْعَةِ ذَهَبًا : لِأَنْ لَا يَكُونَ قَدْ أَخَذَ أَلْفَيْنِ مَكَانَ أَلْفٍ ، فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ انْفَصَلَ عَنْ هَذَا بِأَنْ قَالَ : لَيْسَتِ الْأَلِفَانِ مَكَانَ أَلْفٍ وَإِنَّمَا أَلْفٌ مَكَانَ أَلْفٍ وَالْأَلْفُ الْأُخْرَى بِإِزَاءِ الصَّنْعَةِ ، أَلْا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَسَرَهُ فَأَذْهَبَ صَنْعَتَهُ وَلَمْ يَنْقُصْ وَزْنُهُ ضُمِّنَ أَلْفًا ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ ، لَمَا جَازَ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَ أَلْفًا وَذَهَبًا مَكَانَ أَلْفٍ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَلْفَيْنِ مَكَانَ أَلْفٍ ، وَأَمَّا إِنْ أَتْلَفَ إِنَاءً مَصُوغًا وَزْنُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ ادِّخَارَهُ مَحْظُورٌ ضُمِّنَ وَزْنُهُ دُونَ صَنْعَتِهِ : لِأَنَّ الصَّنْعَةَ الْمَحْظُورَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا فَتَكُونُ أَلْفًا ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنِّ ادِّخَارَهُ مُبَاحٌ ضُمِّنَ قِيمَتُهُ مَعَ صَنْعَتِهِ كَضَمَانِ الْحُلِيِّ لِإِبَاحَةِ صَنْعَتِهِ فَيَلْزَمُهُ أَلْفَانِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنِ انْكَسَرَ حُلِيُّهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْكَسْرُ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا يُمْكِنُ لُبْسُ الْحُلِيِّ مَعَهُ ، فَهَذَا فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْكَسْرِ ، وَيَكُونُ فِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْكَسْرُ كَثِيرًا يَمْنَعُ مِنْ لُبْسِهِ فَلِلْمَالِكِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا : أَنْ يُعِدَّهُ كَنْزًا وَيَقْتَنِيَهُ مَالًا وَيَصْرِفَهُ عَنْ حُكْمِ الْحُلِيِّ فَهَذَا كَنْزٌ تَجِبُ زَكَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَنْوِيَ إِصْلَاحَهُ وَيَزِيدَ عَمَلَهُ فَهَذَا فِي حُكْمِ الْحُلِيِّ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ . وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي إِصْلَاحِهِ وَلَا فِي اقْتِنَائِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْحُلِيِّ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا قَدْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْحُلِيِّ وَصَارَ مَالًا مُقْتَنًى فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ حُلِيًّا أَوِ اشْتَرَاهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ أَوْ خَدَمَهُ هِبَةً أَوْ عَارِيَةً أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ، فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِيهِ إِذَا أَرْصَدَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ ، فَإِنْ أَرْصَدَهُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ .

إِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ حُلِيًّا بِابْتِيَاعٍ أَوْ مِيرَاثٍ ، أَوْ وَصِيَّةٍ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ مَغْنَمٍ فَإِنِ اقْتَنَاهُ لِنَفْسِهِ ، أَوْ أَعَدَّهُ لِلتِّجَارَةِ بِهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ . وَإِنْ حَلَّى بِهِ نِسَاءَهُ أَوْ جَوَارِيَهُ فَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ ، وَلَوِ اتَّخَذَ رَجُلٌ حُلِيًّا لِلْإِعَارَةِ كَانَ مُبَاحًا وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَكَانَ شَيْخَ أَصْحَابِنَا فِي عَصْرِهِ : اتِّخَاذُ الْحُلِيِّ لِلْكِرَى وَالْإِجَارَةِ مَحْظُورٌ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ ، قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ مَحْظُورًا : لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ عُرْفِ السَّلَفِ بِالْإِجَارَةِ ، وَعَدَلَ عَمَّا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ ، وَالْإِعَارَةُ وَالْحُلِيُّ إِذَا عُدِلَ بِهِ عَمَّا وُضِعَ لَهُ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاةُ الْمَحْظُورِ وَاجِبَةٌ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا ، وَإِنْ كَانَ لِقَوْلِ الزُّبَيْرِيِّ وَجْهٌ ، وَيَخْتَارُ أَنْ يُكْرَى حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ ، وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فَإِنْ أَكْرَى حُلِيَّ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : جَوَازُهُ : لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ . وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ خَوْفَ الرِّبَا وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ : لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ إِجَارَةِ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ خَوْفَ الرِّبَا لَمُنِعَ مِنْ إِجَارَتِهِ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ خَوْفَ الرِّبَا ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ فَدَلَّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الِاعْتِبَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ : " لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ : لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةٌ ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ ، فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُمَا زَكَاةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ لَعَمْرِي حُجَّةُ مَنْ أَسْقَطَ زَكَاةَ الْحُلِيِّ ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةٌ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ زَكَاةٌ ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ وَلِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ هَذَا ، بِأَنَّ زَكَاةَ الْمَوَاشِي تَجِبُ بِوَصْفٍ زَائِدٍ ، وَهُوَ السَّوْمُ فَإِذَا اسْتُعْمِلَ فَقَدْ عُدِمَ الْوَصْفُ الْمُوجِبُ فَسَقَطَتِ الزَّكَاةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ : لِأَنَّ زَكَاتَهُمَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ يُعْتَبَرُ فَإِذَا اسْتُعْمِلَا لَمْ يَمْنَعِ اسْتِعْمَالُهُمَا وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِمَا ، أَوَ لَا تَرَى أَنَّ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْمَوَاشِي فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَمَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ فِيمَا لَا يَحِلُّ مِنَ الْأَوَانِي وَالْحُلِيِّ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْمَوَاشِي وَبَيْنَ مَا اسْتُعْمِلَ مِنَ الْحُلِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ زَكَاةٌ

بَابُ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ زَكَاةٌ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَمَا كَانَ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ يَاقُوتٍ وَمُرْجَانٍ وَحِلْيَةِ بَحْرٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَلَا فِي مِسْكٍ وَلَا عَنْبَرٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَنْبَرِ : إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرُه الْبَحْرُ ، وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا خَالَفَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ وَالْمَاشِيَةَ : وَالْحَرْثُ عَلَى مَا وَصَفْتُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : كُلُّ مَا اسْتُخْرِجَ مِنَ الْبَحْرِ مِنْ حِلْيَةٍ وَزِينَةٍ وَطِيبٍ ، فَلَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : فِي الْعَنْبَرِ وَحِلْيَةِ الْبَحْرِ الْخُمُسُ . وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ : الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ : عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، [ الْمَعَارِجِ : ] ، قَالُوا : وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ يَتَكَامَلُ عَاجِلًا : فَاقْتَضَى أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ قَالُوا : وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ الْمُسْتَفَادَةَ نَوْعَانِ مِنْ بَرٍّ وَبَحْرٍ فَلَمَّا وَجَبَتْ زَكَاةُ مَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْبَرِّ اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ زَكَاةُ مَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْبَحْرِ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ : رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ ، اللُّؤْلُؤُ حَجَرٌ ، وَالْجَوَاهِرُ أَحْجَارٌ : فَاقْتَضَى أَنْ لَا تَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ . وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَنْبَرُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ " . فَكَانَ قَوْلُهُ : " لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ " يَنْفِي وُجُوبَ الْخُمُسُ فِيهِ كَالْغَنِيمَةِ ، وَقَوْلُهُ : " هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ " يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِ مَنْ أَخَذَهُ .

وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعَنْبَرِ أَفِيهِ الزَّكَاةُ ؟ فَقَالَ : " لَا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ " أَيْ يَعْنِي : قَذَفَهُ وَأَلْقَاهُ ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ ، وَلِأَنَّ مَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْبَحْرِ نَوْعَانِ : حَيَوَانٌ ، وَجَمَادٌ فَلَمَّا لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ حَيَوَانِهِ مِنْ سُمُوكِهِ وَحِيتَانِهِ لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ جَمَادِهِ مِنْ حِلْيَةٍ وَزِينَةٍ ، وَبِعَكْسِهِ الْبَرُّ لَمَّا وَجَبَتْ زَكَاةُ حَيَوَانِهِ وَجَبَتْ زَكَاةُ غَيْرِ حَيَوَانِهِ ، مِنْ زُرُوعِهِ وَجَمَادِهِ . وَأَمَّا عُمُومُ الْآيَةِ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرِّكَازِ فَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا وُجُوبَ خُمُسِ جَمِيعِ الرِّكَازِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، لَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مُسْتَفَادٌ مِنْ مُشْرِكٍ كَالْغَنِيمَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حِلْيَةُ الْبَحْرِ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : لَمَّا وَجَبَتْ زَكَاةُ مَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْبَرِّ ، وَجَبَ أَنْ تَجِبَ زَكَاةُ مَا اسْتُفِيدَ مِنَ الْبَحْرِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ زَكَاةُ حَيَوَانِ الْبَرِّ جَازَ أَنْ تَجِبَ فِي غَيْرِ حَيَوَانِهِ ، وَلَمَّا لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ لَمْ تَجِبْ فِي غَيْرِ حَيَوَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَي بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عُنُقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ ؟ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَالِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقُرْظِ فَقَالَ ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِي كُلِّ عَامٍ هَذَا مَذْهَبُنَا . وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَجَابِرٌ ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ . وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ : دَاوُدُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ فَأَخْرَجَهَا بِالتِّجَارَةِ عَنِ الْحَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ . وَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءً ، لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهِ بِالتِّجَارَةِ مَعْنًى ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَكَانَ الْعَفْوُ عَلَى عُمُومِهِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا . قَالُوا : وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي تَجِبُ زَكَاتُهَا فَالزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا دُونَ قِيمَتِهَا كَالْمَوَاشِي وَالثِّمَارِ وَمَا لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا لَمْ تَجِبْ فِي قِيمَتِهَا ، كَالْأَثَاثِ وَالْعَقَارِ فَلَمَّا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ ، لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ .

قَالُوا : وَلِأَنَّ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْأَمْوَالِ لَا تَأْثِيرَ إِلَيْهِ فِي سُقُوطِ زَكَاتِهَا بِحَالٍ ، كَالْمَوَاشِي وَالثِّمَارِ فَلَمَّا سَقَطَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إِذَا نُوِيَ بِهَا الْقِنْيَةِ ، عُلِمَ أَنَّ زَكَاتَهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ . قَالُوا : وَلِأَنَّ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ إِرْصَادِ النَّمَاءِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ عَرَضَ لِلنَّمَاءِ كَالْعَقَارِ إِذَا أُوجِرَ وَالْمَعْلُوفَةِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا ، قَبْلَ إِرْصَادِهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَإِنْ أُرْصِدَتْ لِلتِّجَارَةِ فَهَذَا احْتِجَاجُ مَنْ أَسْقَطَ زَكَاةَ التِّجَارَةِ . وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ زَكَاتَهَا مَرَّةً ، فَهُوَ أَنْ قَالَ : الْمَقْصُودُ بِالتِّجَارَةِ حُصُولُ النَّمَاءِ بِالرِّبْحِ ، وَالرِّبْحُ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا نَضَّ الثَّمَنُ ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ ، كَالثِّمَارِ . قَالُوا : وَلِأَنَّ فِي إِيجَابِ زَكَاتِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ وَإِجْحَافًا بِرَبِّ الْمَالِ ، لِأَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا مِنْ زَكَاتِهَا مَا لَمْ يَتَعَجَّلِ الْمَالِكُ مِنْ رِبْحِهَا ، وَأُصُولُ الزَّكَوَاتِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ فِي الِارْتِفَاقِ ، وَقَدْ كَانَ يَجِبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى تِلْكَ : لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ ، إِلَّا أَنْ يَنِضَّ الثَّمَنُ وَتِلْكَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَضَّ ثَمَنُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ ، لَكِنْ سَنَحَ الْخَاطِرُ بِالْأُولَى ثُمَّ أَجَابَ بِالثَّانِيَةِ فَجَرَى الْقَلَمُ بِهِمَا كَذَلِكَ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ، [ التَّوْبَةِ : ] ، فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، [ الْمَعَارِجِ : ] ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ أَعَمُّ الْأَمْوَالِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " فَلَمَّا كَانَ مَانِعًا مِنَ الْحَقِّ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا أَثْبَتَ فِي الزَّكَاةِ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ الْمُثْبَتَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْحَقِّ الْمَنْفِيِّ . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مُصَّدِّقًا فَرَجَعَ شَاكِيًا مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَابْنِ جَمِيلٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ ظَلَمْتُمُوهُ : لِأَنَّهُ حَبَسَ أَدْرُعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْأَعْتُدُ : الْخَيْلُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَدْرُعَ وَالْخَيْلَ لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ الْعَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي وَجَبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ . وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ : كَيْفَ خَبَرُكَ يَا أَبَا ذَرٍّ ؟ فَقَالَ بِخَيْرٍ ثُمَّ قَامَ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَبَادَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَاحْتَوَشُوهُ وَكُنْتُ فِيمَنِ احْتَوَشَهُ فَقَالُوا لَهُ : حِدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ قَالَهُ بِالزَّاي مُعْجَمَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَزَّ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .

وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ . وَرَوَى الْحَكَمُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [ الْبَقَرَةِ : ] ، قَالَ : زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، وَلِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِنَّمَا خُصَّا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْجَوَاهِرِ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِإِرْصَادِهِمَا لِلنَّمَاءِ ، وَطَرِيقُ النَّمَاءِ بِالتَّقَلُّبِ وَالتِّجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ سَبَبًا لِإِسْقَاطِهَا ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهَا إِلَّا إِذَا نَضَّ ثَمَنُهَا ، فَحَدِيثُ حِمَاسٍ قَالَ : " مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى عُنُقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ : أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَهَا يَا حِمَاسُ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقُرْظِ فَقَالَ : ذَاكَ مَالٌ فَوَضَعَ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا ، فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ ، فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ " ، فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ . وَالثَّانِي : عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا . وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهَا فِي كُلِّ عَامٍ ، هُوَ أَنَّهُ مَالٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ فَوَجَبَ أَنْ يُزَكَّى فِي كُلِّ حَوْلٍ كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ لَاقْتَصَرْتُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ إِذَا قَلَّ أَنْصَارُ الْمُخَالِفِ وَضَعُفَ حِزْبُهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَفَّى الْعِلْمُ حَقَّهُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ ، فَهُوَ إِنَّمَا أَمْرٌ بِالتِّجَارَةِ لِيَكُونَ مَا يَعُودُ مِنْ رِبْحِهَا خَلَفًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا لِإِسْقَاطِ زَكَاتِهَا ، إِذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُسْقِطُ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا أَوْ يُبْطِلُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَاجِبًا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ، فَلَسْنَا نُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا نُوجِبُهَا فِي قِيمَتِهَا عَلَى أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ قَدِ اسْتَثْنَى فِي حَدِيثِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ فَالزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ قُلْنَا : الزَّكَاةُ وَجَبَتْ فِي الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَإِخْرَاجُهَا مِنَ الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ فَمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَمِنْهُ يُؤَدَّى لَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ إِذَا لَمْ تَجِبِ فِي الْعَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَجِبَ فِي الْقِيمَةِ ، هَذَا مِمَّا لَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى أَصْلٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِنَظِيرٍ وَلَا يُقْصَدُ بِدَلِيلٍ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ عَيْنٌ ، وَالزَّكَاةُ فِيهَا . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ لَا تَأْثِيرَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ قُلْنَا : لَيْسَتِ النِّيَّةُ مُسْقِطَةً ، وَلَا مُوجِبَةً ، وَإِنَّمَا إِرْصَادُهُ لِلنَّمَاءِ بِالتِّجَارَةِ مُوجِبٌ لِزَكَاتِهِ ، كَمَا أَنَّ إِرْصَادَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِلتَّحَلِّي بِهِ مُسْقِطٌ لِزَكَاتِهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ النِّيَّةَ فِي الْحُلِيِّ مُسْقِطَةٌ لِزَكَاتِهِ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ : إِنَّ النِّيَّةَ فِي التِّجَارَةِ مُوجِبَةٌ لِزَكَاتِهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ إِرْصَادِهِ لِلنَّمَاءِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِنْ أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ فَفَاسِدٌ بِالْحُلِيِّ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَإِذَا أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمَاشِيَةُ الْمَعْلُوفَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَلَوْ أُرْصِدَتْ لِلنَّمَاءِ بِالسَّوْمِ ، وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا أُرْصِدَ لِلنَّمَاءِ بِمَا لَمْ يُرْصَدْ لَهُ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِإِرْصَادِهِ لِلنَّمَاءِ وَتَسْقُطُ بِفَقْدِهِ ، وَسَائِرُ الْأُصُولِ يَشْهَدُ بِهِ . وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاتِهَا قَبْلَ أَنْ يَنِضَّ ثَمَنُهَا اعْتِبَارًا بِالثَّمَرَةِ ، فَفَاسِدٌ بِمَا نَضَّ مِنْ ثَمَنِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنِ ارْتِفَاقِ الْمَسَاكِينِ قَبْلَ رَبِّهِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُعْتَبَرًا فِيمَا لَهُ حَوْلٌ لَمُنِعَ الْمَالِكُ مِنْ تَعْجِيلِ الِارْتِفَاقِ قَبْلَ الْمَسَاكِينِ ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الِارْتِفَاقَ بِرِبْحِ مَا حَصَّلَ قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِقِ الْمَسَاكِينُ بِمِثْلِهِ جَازَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْمَسَاكِينُ مَا لَمْ يَنِضَّ ثَمَنُهُ ، وَلَمْ يُحَصَّلْ رِبْحُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِقِ الْمَالِكُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنِ الدَّلَالَتَيْنِ مَعًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا اتَّجَرَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ لِحَوْلِهَا ، وَالْمِائَةَ الَّتِي زَادَتْ لِحْولِهَا وَلَا يَضُمُّ مَا رَبِحَ إِلَيْهَا ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا ، وَإنَمَا صَرَفَهَا فِي غَيْرِهَا ثُمَّ بَاعَ مَا صَرَفَهَا فِيهِ ، وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سِتَةَ أَشْهُرٍ ثَمَّ يَشْتَرِي بِهَا عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ فَيَحُولُ الْحَوْلُ وَالْعَرَضُ فِي يَدَيْهِ ، فَيَقُومُ الْعَرَضُ بِزِيَادَتِهِ أَوْ بِنْقصِهِ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَحَوَّلَتْ فِي الْعَرَضِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ ، وَصَارَ الْعَرَضُ كَالدَّرَاهِمِ يُحْسَبُ عَلَيْهَا لِحَوْلِهَا ، فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُ الْعَرَضِ بَعْدَ الْحَوْلِ أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ ثَمَنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ .

أَحَدُهُمَا : أَنْ يَبِيعَهُ مَعَ حُلُولِ الْحَوْلِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَبِيعَهُ فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ ، فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ حُلُولِ الْحَوْلِ ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ . أَحَدُهَا : أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْأَصْلَ وَالرِّبْحَ ، فَيُخْرِجَ زَكَاةَ ثَلَاثِمِائَةٍ لَا يَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلًا ، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَا يَخْتَلِفُ سَوَاءٌ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ أَوْ فِي آخِرِهِ : لِأَنَّهُ نَمَا أَصْلُهُ فَضُمَّ إِلَيْهِ فِي حَوْلِهِ كَالسِّخَالِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَبِيعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ يُحَابَى أَوْ يَغْبِنَ بِمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ ، كَأَنَّهُ كَانَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ لِمُحَابَاةٍ ، أَوْ غَبَنَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ أَرْبَعِمِائَةٍ : لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ كَأَنَّهُ كَانَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَبَاعَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ إِمَّا لِرَغْبَةٍ أَوْ غِشِّهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُزَكِّي جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيُخْرِجُ زَكَاةَ ثَلَاثِمِائَةٍ : لِأَنَّهُ أَفَادَ الزَّكَاةَ بِالْعَرَضِ ، كَمَا لَوْ أَفَادَهَا بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا زَكَاةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ ، وَيَسْتَأْنِفُ بِهَا الْحَوْلَ كَالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ ، فَهَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْعَرَضِ عِنْدَ دُخُولِ الْحَوْلِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ بَاعَهُ فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ هَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ حُصُولِهَا ، أَوْ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ أَصْلِهَا ؟ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ، فَالْكَلَامُ فِيهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِائَةِ الزَّائِدَةِ ، هَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ حُصُولِهَا ، أَوْ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ أَصْلِهَا ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا : " يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ وَلَا تُضَمُّ إِلَى أَصْلٍ " ، وَقَالَ فِي كِتَابِ " الْقِرَاضِ " مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تُضَمُّ إِلَى الْأَصْلِ : لِأَنَّهُ قَالَ : " وَإِذَا قَارَضَهُ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى سِلْعَةً فَحَالَ الْحَوْلُ ، وَهِيَ تَسْوِي أَلْفَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ زَكَاةَ الْجَمِيعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ . وَالثَّانِي : أَنَّ زَكَاةَ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ - إِلَى آخِرِ الْفَصْلِ - فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ دَلِيلًا عَلَى ضَمِّ الزِّيَادَةِ إِلَى الْأَصْلِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ . أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَالَّذِي قَالَهُ هُنَا أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِالزِّيَادَةِ الْحَوْلَ ، وَلَا يَضُمُّهَا إِلَى الْأَصْلِ هُوَ إِذَا ظَهَرَتِ الزِّيَادَةُ وَقْتَ الْبَيْعِ ، وَالَّذِي قَالَهُ فِي الْقِرَاضِ أَنَّهَا تُضَمُّ إِلَى الْأَصْلِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ إِذَا ظَهَرَتِ الزِّيَادَةُ ، وَقْتَ الشِّرَاءِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ : لِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ فِي ظُهُورِ الزِّيَادَةِ .

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِالزِّيَادَةِ الْحَوْلَ وَلَا يَضُمُّهَا إِلَى الْأَصْلِ قَوْلًا وَاحِدًا ، سَوَاءٌ ظَهَرَتْ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ وَقْتَ الْبَيْعِ ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ هَاهُنَا ، وَمَا قَالَهُ فِي " الْقِرَاضِ " مُوَافِقٌ لِهَذَا : لِأَنَّهُ قَالَ : " يُزَكِّي رَأْسَ الْمَالِ أَوْ رِبْحَهُ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ " يَعْنِي : كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَوْلُ الرِّبْحِ مِنْ يَوْمِ نَضَّ ، وَحَوْلُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ يَوْمِ مُلِكَ ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ : وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ : إِذِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تُضَمَّ الزِّيَادَةُ إِلَى الْأَصْلِ وَلَا يَسْتَأْنِفَ لَهَا الْحَوْلَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي " الْقِرَاضِ " ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارِ الْمُزَنِيِّ : لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ ضَمُّ الزِّيَادَةِ إِلَى الْأَصْلِ إِذَا وُجِدَتْ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ وَجَبَ أَنْ تُضَمَّ إِلَى الْأَصْلِ ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ ، لِأَنَّهَا فِي كُلِّ الْحَالَيْنِ مِنْ نَمَاءِ الْأَصْلِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ وَلَا تُضَمُّ إِلَى الْأَصْلِ عَلَى مَا قَالَهُ هَاهُنَا : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ بِاجْتِلَابِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهَا الْحَوْلَ كَالْمُسْتَفَادِ بِمَغْنَمٍ أَوْ هِبَةٍ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ : لِأَنَّهَا عِنْدِي إِذَا أُضِمَّتِ الزِّيَادَةُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ ، فَهَلَّا ضُمَّتِ الزِّيَادَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي تَضَاعِيفِهِ ؟ إِذْ هُمَا سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ تَكَلَّفَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَانَ فَرْقُهُ وَاهِيًا وَتَكَلُّفُهُ عَمَاءً ، فَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالثَّلَاثِمِائَةِ عَرَضًا ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ شَهْرٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، فَإِنْ قِيلَ : تُضَمُّ الْمِائَةُ الْحَاصِلَةُ إِلَى أَصْلِهِ بِالرِّبْحِ الْأَوَّلِ ضُمَّتِ الْمِائَةُ الْحَاصِلَةُ بِالرِّبْحِ الثَّانِي ، فَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْمِائَتَيْنِ أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى عَرَضِ التِّجَارَةِ ، قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ ، وَإِنَّمَا قَوَّمْتُهُ بِالْأَغْلَبِ : لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ مَاشِيَةٍ وَمَا أَشْبَهَ فهل فيها الزكاة أم لا ؟ فِيهَا الزَّكَاةَ ، فَيَأْتِي مَسْطُورًا فِيمَا بَعْدُ . وَأَمَّا إِنِ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ لِلْقِنْيَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا حَالَ حَوْلُهُ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا زَكَاةَ فِيهِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ زَكَاتِهِ قَوْلُ سَمُرَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِنَ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ مَالٌ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ كَمَا إِذَا اشْتَرَاهُ بِنَاضٍّ مِنْ

ذَهَبٍ أَوْ وَرَقٍ ، فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ زَكَاتِهِ قُوِّمَ بَعْدَ حَوْلِهِ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَرَضِ ، فِي وَقْتِ تَقْوِيمِهِ لَا فِي وَقْتِ ابْتِيَاعِهِ ، فَإِنْ كَانَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ قَوَّمَهُ بِالدَّرَاهِمِ ، وَإِنْ كَانَ دَنَانِيرَ قَوَّمَهُ بِالدَّنَانِيرِ : لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ يَقُومُ بِهِ ، لَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ تَقْوِيمَهُ بِغَالِبِ النَّقْدِ فِي مِثْلِهِ ، فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ بِالْغَالِبِ نِصَابًا وَبَلَغَ بِغَيْرِ الْغَالِبِ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ : لِأَنَّ غَيْرَ الْغَالِبِ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ بِهِمَا وَاحِدًا ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا غَالِبًا ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْعَرَضِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ بِأَيِّهِمَا قُوِّمَ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ بِالدَّرَاهِمِ نِصَابًا ، وَبِالدَّنَانِيرِ لَا تَبْلُغُ نِصَابًا فَيُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ وَتُخْرَجُ زَكَاتُهُ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتُهُ بِالدَّنَانِيرِ نِصَابًا وَبِالدَّرَاهِمِ لَا تَبْلُغُ نِصَابًا فَتُقَوَّمُ الدَّنَانِيرُ وَتُخْرَجُ زَكَاتُهُ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا وَسَنَذْكُرُ وَجْهَ قَوْلِهِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ بِالدَّرَاهِمِ نِصَابًا وَبِالدَّنَانِيرِ نِصَابًا ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِأَيِّهِمَا يُقَوَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ : هُوَ بِالْخِيَارِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَوَّمَهُ : لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَأَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ ، وَلِأَنَّ زَكَاتَهَا مَأْخُوذَةٌ بِالنَّصِّ وَزَكَاةُ الذَّهَبِ بِاجْتِهَادٍ لَا بِنَصٍّ ، وَذَاكَ الْوَجْهُ الْمُخَرَّجُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : يُقَوِّمُهُ بِأَحَظِّهِمَا لِلْمَسَاكِينِ وَأَنْفَعِهِمَا لَأَهِلِ السُّهْمَانِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنَ الَّذِي قَوَّمَ بِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيمَا يُقَوِّمُهُ بِهِ ، فَأَمَّا مَا يُخْرِجُهُ فِي زَكَاتِهِ من عروض التجارة فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : ذَكَرَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُخْرِجُ رُبُعَ عُشْرِ الْعَرَضِ حَتْمًا لَا يَعْدِلُ إِلَى غَيْرِهِ : لِأَنَّ سَمُرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِنَ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ وَإِذَا أَمَرَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُزَكًّى فَوَجَبَ أَنْ تُخْرَجَ زَكَاتُهُ مِنْهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْقَدِيمِ أَيْضًا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِخْرَاجِ رُبُعِ عُشْرِ الْعَرَضِ ، وَبَيْنَ إِخْرَاجِ رُبُعِ عُشْرِ الْقِيمَةِ : لِأَنَّ فِي تَخْيِيرِهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ وَرِفْقًا بِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، أَنْ يُخْرِجَ رُبُعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ حَتْمًا ، فَإِنْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ عَرَضًا لَمْ يُجِزْهُ . وَوَجْهُ هَذَا : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ مِنْ حِمَاسٍ قِيمَةَ مَتَاعِهِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ تُخْرَجَ الزَّكَاةُ مَا وَجَبَتْ فِيهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ لَا مِنْ عَيْنِهِ وَسَنُوَضِّحُ مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ بِمَا نَذْكُرُهُ مِنَ التَّفْرِيعِ .

فَصْلٌ : إِذَا اشْتَرَى مِائَةَ قَفِيزٍ حِنْطَةً بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ حِنْطَةً ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِخْرَاجِ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ حِنْطَةً ، وَبَيْنَ إِخْرَاجِ سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ لَا غَيْرَ ، فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَلَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى زَادَتْ وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ ، فَالْجَوَابُ عَلَى مَا مَضَى ، يُخْرِجُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ حِنْطَةً ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ أَوْ سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ يُخْرِجُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ لَا غَيْرَ : لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ هِيَ فِي مِلْكِهِ لَا حَظَّ لِلْمَسَاكِينِ فِيهَا ، فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَلَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَصَارَتْ مِائَتَيْنِ ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ كَنُقْصَانِ السِّلْعَةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى مَا مَضَى ، عَلَى الْأَوَّلِ يُخْرِجُ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفًا ، وَعَلَى الثَّانِي هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ وَبَيْنَ سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ ، وَعَلَى الثَّالِثِ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ : لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَادِثٌ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ زِيَادَةٌ لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِفَسَادٍ حَصَلَ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ بَلَلٍ أَوْ عَفَنٍ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوبًا إِلَى فِعْلِهِ وَمُضَافًا إِلَى تَفْرِيطِهِ ، فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ النَّقْصِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ حِنْطَةً مِنْهَا وَدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ لِلنَّقْصِ ، فَإِنْ عَدَلَ إِلَى حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ مِثْلَ حِنْطَتِهِ قَبْلَ فَسَادِهَا أَخْرَجَ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفًا لَا غَيْرَ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذَا أَوْ سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ يُخْرِجُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا لَا غَيْرَ .

وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إِلَيْهِ فَهَذَا ، عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ حَادِثًا بَعْدَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلنَّقْصِ كَمَا مَضَى . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ حَادِثًا قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ ضَامِنًا ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ لَا غَيْرَ ، وَعَلَى الثَّانِي هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَفِيزَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَبَيْنَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ، وَعَلَى الثَّالِثِ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ لَا غَيْرَ وَيَكُونُ النَّقْصُ دَاخِلًا عَلَى الْمَسَاكِينِ كَدُخُولِهِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ عَرَضٌ لِلتَجَارَةِ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةُ ، وَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثَمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ ، فَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ مَعًا ، وَقَامَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ فَيُقَوِّمُ الْعَرَضَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَاعَهُ فِي الْحَوْلِ بِعَرَضٍ ثَانٍ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَاعَ الثَّانِي بِثَالِثٍ ، وَالثَّالِثَ بِرَابِعٍ بَنَى ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ الْأَوَّلِ ، بِخِلَافِ مَنْ بَادَلَ مَاشِيَةً بِمَاشِيَةٍ لِمَعْنَيَيْنِ هُمَا : دَلَالَةٌ وَفَرْقٌ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ زَكَاةَ الْعَرَضَ فِي قِيمَتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ وَمِلْكُ الْقِيمَةِ مُسْتَدَامٌ فِي الْعُرُوضِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ بِالْبَيْعِ : فَلِذَلِكَ بَنَى وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فِي عَيْنِهَا وَمِلْكِهَا مُنْقَطِعٌ بِبَيْعِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّ نَمَاءَ التِّجَارَةِ يَحْصُلُ بِبَيْعِهَا وَتَقْلِيبِ عَيْنِهَا فَلَمْ يَكُنِ الْبَيْعُ مُبْطِلًا لِحَوْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِشَيْءٍ تَجِبُ فِيهِ الصَدَقَةُ مِنَ الْمَاشِيَةِ وَكَانَ إِفَادَةُ مَا اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضَ مِنْ يَوْمِهِ لَمْ يُقَوِّمِ الْعَرَضَ حَتَى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ ثَمَنَ الْعَرَضِ ثُمَّ يُزَكِّيهِ بَعْدَ الْحَوْلِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِنِ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ، فَحَوْلُ هَذَا الْعَرَضِ مِنْ حِينِ مَلَكَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ : لِأَنَّ هَذَا الْعَرَضَ فَرْعٌ لِأَصْلِهِ : لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْنِيَ حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِهِ فَأَمَّا إِنِ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِخَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ سَائِمَةً ، أَوْ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ أَوْ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ ، فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهُ أَوْ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ أَصْلِهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا . أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ : أَنَّهُ يَبْنِي حَوْلَ الْعَرَضِ عَلَى حَوْلِ أَصْلِهِ اسْتِدْلَالًا بِمَذْهَبٍ وَحِجَاجٍ .

أَمَّا الْمَذْهَبُ فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ : " وَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ بِشَيْءٍ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنَ الْمَاشِيَةِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ قَالَ : " لَمْ يُقَوِّمِ الْعَرَضَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ ثَمَنَ الْعَرَضِ " فَكَانَ صَرِيحُ نَفْيِهِ وَمُوجِبُ جَمْعِهِ مِنْ يَوْمٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَوْلُهُ مُبْقِيًا عَلَى حَوْلِ أَصْلِهِ . وَأَمَّا الْحِجَاجُ ، فَهُوَ أَنَّهُ صَرَفَ حَوْلًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِي فَرْعٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُ حَوْلُ الْفَرْعِ مُعْتَبَرًا بِأَصْلِهِ ، كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِنِصَابٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَسْتَأْنِفُ لَهُ الْحَوْلَ ، وَلَا يَبْنِيهِ عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِشَيْئَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ نِصَابَ الْمَاشِيَةِ مُخَالِفٌ لِنِصَابِ التِّجَارَةِ : لِأَنَّ نِصَابَ الْمَاشِيَةِ إِمَّا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ نصاب زكاة الإبل أَوْ ثَلَاثُونَ مِنَ الْبَقَرِ نصاب زكاة البقر أَوْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ نصاب زكاة الغنم ، وَنِصَابُ التِّجَارَةِ إِمَّا عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْنِيَ حَوْلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعَ اخْتِلَافِ نِصَابِهِمَا . وَالثَّانِي : زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ مُخَالِفَةٌ لِزَكَاةِ التِّجَارَةِ : لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ رُبْعُ عُشْرِهَا وَزَكَاةَ الْمَاشِيَةِ تَارَةً شَاةٌ ، وَتَارَةً بَقَرَةٌ ، وَتَارَةً بِنْتُ مَخَاضٍ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعَ اخْتِلَافِ زَكَاتِهِمَا وَبِهَذَا يَفْسُدُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ ، فَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ مَذْهَبًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ مَسْأَلَةَ الشَّافِعِيِّ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ مَلَكَ مَاشِيَةً فَاشْتَرَى بِهَا عَرَضًا فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَلَكَهَا فِيهِ فَكَانَ حَوْلُ الْعَرَضِ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ الْمَاشِيَةَ : لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقَدْ أَفْصَحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : " وَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِشَيْءٍ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنَ الْمَاشِيَةِ " فَكَانَ إِفَادَةُ مَا اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضَ مِنْ يَوْمِهِ . وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ مَسْأَلَةَ الشَّافِعِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَاشِيَةٍ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَسَامَهَا فَوَجَبَتْ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، وَسَقَطَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ ابْتَاعَ بِهَا عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ ، فَحَوْلُ الْعَرَضِ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْمَاشِيَةَ : لِأَنَّ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ فِي قِيمَتِهَا كَالْعَرَضِ . وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ : أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَبَيْنَ الْمَاشِيَةِ ثُمَّ عَطَفَ بِالْجَوَابِ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دُونَ الْمَاشِيَةِ ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي جَوَابِهِ : لِأَنَّهُ قَالَ : حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ ثَمَنَ الْعَرَضِ ، وَمُطْلَقُ الْأَثْمَانِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَكَانَ الْجَوَابُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا وَمَحْمُولًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الْعَرَضَ فِي يَدْيِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَأَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ زَكَّاهَا . قَالَ الْمُزَنِيُّ : إِذَا كَانَتْ فَائِدَتُهُ نَقْدًا

فَحَوْلُ الْعَرَضِ مِنْ حِينِ أَفَادَ النَّقْدَ : لِأَنَّ مَعْنَى قِيمَةِ الْعَرَضِ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّقْدِ فِي الزَّكَاةِ رُبُعُ عُشْرٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ بِالْحَوْلِ شَاةً أَفَيُضَمُّ مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ شَاةٍ إِلَى مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ رُبْعِ عُشْرٍ وَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَبْدَلَ إِبِلًا بِبَقَرٍ أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ لَمْ يَضُمَّهَا فِي حَوْلٍ : لِأَنَّ مَعْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفٌ وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ فَائِدَةُ مَاشِيَةٍ زَكَاتُهَا شَاةٌ أَوْ تَبِيعٌ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى حَوْلٍ عَرَضُ زَكَاتِهِ رُبْعُ عُشْرٍ فَحَوْلُ هَذَا الْعَرَضِ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ لَا مِنْ حِينِ أَفَادَ الْمَاشِيَةَ الَّتِي بِهَا اشْتَرَاهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الثَّمَنِ ، إِذَا مَلَكَهُ نِصْفَ الْحَوْلِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرَضًا وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَحْوَالِ الثَّمَنِ ، وَاخْتِلَافَ حُكْمِهِ ، فَأَمَّا عَرَضُ التِّجَارَةِ إِذَا مَلَكَهُ نِصْفَ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَهُ بِثَمَنٍ ، فَلَا يَخْلُو حَالُ هَذَا الثَّمَنِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ . إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَثْمَانِ كَالْمَوَاشِي وَالْعُرُوضِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ دُونَ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الْحَوْلِ فَإِنْ تَمَّ نِصَابًا اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ نِصَابًا فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضُ ، كَأَنَّهُ دَرَاهِمَ ، وَالْعَرَضُ مِمَّا يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ إِمَّا : لِأَنَّهُ ابْتَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَإِمَّا : لِأَنَّهُ ابْتَاعَهُ بِعَرَضٍ وَغَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَرَاهِمُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَنَى حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْعَرَضِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ : لِأَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ قِيمَتِهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي قِيمَتِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضُ ، كَأَنَّهُ دَرَاهِمُ وَالْعَرَضُ مِمَّا يُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ إِمَّا : لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ وَإِمَّا : لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِعَرَضٍ وَغَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَنَانِيرُ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ وَلَا يَبْنِي : لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدِ انْتَقَلَتْ مِنْ قِيمَةِ الْعَرَضِ إِلَى عَيْنٍ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْعَرَضِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْنِيَ حَوْلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ : لِاخْتِلَافِهِمَا وَقَدْ حَكَاهُ الرَّبِيعُ فِي " الْأُمِّ " عَنِ الشَّافِعِيِّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ

الْعَرَضِ : لِأَنَّ التَّقَلُّبَ الَّذِي بِهِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْعَرَضِ ، لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَقَلُّبِ الْأَثْمَانِ وَاخْتِلَافِهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِإِسْقَاطِ الْحَوْلِ ، وَهَذَا أَحْوَطُ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ .

فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَثْمَانِ كَالْمَوَاشِي وَالْعُرُوضِ فهل تتعلق به زكاة فَهُوَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَعُرُوضِ الْقِنْيَةِ فَقَدْ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ وَبَطَلَ حُكْمُ الْحَوْلِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ قِيمَتِهِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فَهَذَا يَبْنِي عَلَى الْحَوْلِ الْمَاضِي . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَالْمَوَاشِي السَّائِمَةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهَا ، فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ بَنَى حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ ، وَزَكَّاهَا عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ كَالْعُرُوضِ ، وَإِنْ عَدَلَ بِهَا عَنِ التِّجَارَةِ ، وَأَرْصَدَهَا لِلنَّسْلِ وَالْقِنْيَةِ ، فَلَا زَكَاةَ فِي قِيمَتِهَا : لِأَنَّهُ قَدْ عَدَلَ بِهَا عَنِ التِّجَارَةِ ، وَلَا فِي عَيْنِهَا لِنَقْصِهَا عَنِ النِّصَابِ ، وَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الْحَوْلِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ نِصَابًا فَيُعْتَبَرُ حَالُهَا أَيْضًا ، وَذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَرْصُدَهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ فَإِنْ أَرْصَدَهَا لِلتِّجَارَةِ فَهَلْ يُزَكِّيهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْ زَكَاةَ الْعَيْنِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُزَكِّيهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ مِنْ قِيمَتِهَا فَعَلَى هَذَا يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يُزَكِّيهَا زَكَاةَ الْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ كَالَّتِي أَرْصَدَهَا لِلنَّسْلِ ، وَأَعَدَّهَا لِلْقِنْيَةِ وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ ، فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ التِّجَارَةِ ، وَهَلْ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ أَوْ يَسْتَأْنِفُهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ وَلَا يَسْتَأْنِفُهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَبْنِيَ حَوْلَ الْعَرَضِ عَلَى حَوْلِ الْمَاشِيَةِ ، جَازَ أَنْ يَبْنِيَ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ وَلَا يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ ، لِاخْتِلَافِهِمَا فِي النِّصَابِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الزَّكَاةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْعَرَضَ بِمَائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُقَوَّمْ إِلَّا بِدَرَاهِمَ ، وَإِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ الْأَغْلَبَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نِصَابًا إِمَّا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا ، فَهَذَا يُقَوِّمُهُ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ غَيْرَهُ فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَوَّمَهُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَنَانِيرَ ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا قَوَمَّهُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ ، وَإِذَا اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا قَوَّمَ بِالدَّرَاهِمِ مَا قَابَلَهَا ، وَبِالدَّنَانِيرِ مَا قَابَلَهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُقَوِّمُهُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ الْمِصْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : لِأَنَّ الْقِيَمَ لَا تُعْتَبَرُ إِلَّا بِغَالِبِ النَّقْدِ كَالْمُتْلَفَاتِ وَهَذَا غَلَطٌ : لِأَنَّ الْعَرَضَ فَرْعٌ لِثَمَنِهِ وَتَقْوِيمُ الْفَرْعِ بِأَصْلِهِ إِذَا كَانَ لَهُ فِي الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ أَوْلَى مِنْ تَقْوِيمِهِ بِغَيْرِهِ : لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ مَعْنَيَيْنِ لَمْ يَجْمَعْهُمَا غَيْرُهُ . أَحَدُهُمَا : أَنَّ حَوْلَهُ يَعْتَبِرُ بِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي التَّقْوِيمِ ، أَوَ لَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تُرَدُّ إِلَى أَيَّامِهَا فَإِذَا عَدِمَتْهَا رُدَّتْ إِلَى الْغَالِبِ ، وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَمَّا الْمُتْلَفَاتُ فَإِنَّمَا قُوِّمَتْ بِالْغَالِبِ لِعَدَمِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ جِنْسًا وَاحِدًا . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ جِنْسَيْنِ فَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، أَوْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ : لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْنِ حَوْلَهُ عَلَى ثَمَنِهِ لَمْ يُقَوِّمْهُ بِثَمَنِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُقَوَّمُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ أَصَحُّ : لِأَنَّهُ فَرْعُهُ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ جِنْسَيْنِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :

أَحَدُهَا : يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ . وَالثَّانِي : بِثَمَنِهِ فَيُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ مَا قَابَلَهَا وَبِالدَّنَانِيرِ مَا قَابَلَهَا . وَالثَّالِثَ : يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا أَصْلٌ وَطَرِيقُهَا النَّصُّ ، وَالدَّنَانِيرُ بَيْعٌ وَطَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِدَنَانِيرَ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَزُكِّيَتِ الدَّنَانِيرُ بِقِيمَةِ الدَّرَاهِمِ : لِأَنَّ أَصْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ الْعَرَضَ الدَّرَاهِمُ وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يُقَوِّمَ الْعَرَضَ إِلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَضٍ قَوَّمَ بِالدَّنَانِيرِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِدَنَانِيرَ فَإِنْ عَلِمَ قِيمَةَ الْعَرَضِ بِالدَّرَاهِمِ عِنْدَ حُلُولِ حَوْلِهِ أَخْرَجَ قِيمَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قِيمَتَهُ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ الْحَاصِلَةَ مِنْ ثَمَنِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ دَرَاهِمَ ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا دَنَانِيرَ ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا دَنَانِيرَ لَمْ تُجْزِهِ : لِأَنَّهُ أَخْرَجَ غَيْرَ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِبَيْعِ الْعَرَضِ بِالدَّنَانِيرِ بَعْدَ الْحَوْلِ ، وَإِنَّ كَانَ قَدْ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالدَّنَانِيرِ ، قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَسْقُطَ زَكَاةُ مَا مَضَى وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، هُوَ أَنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، فَقَدْ بَاعَهُ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ ، وَمَنْ بَاعَ مَالَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطِ الزَّكَاةُ عَنْهُ ، وَإِذَا بَاعَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ، فَقَدْ بَاعَهُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَسَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهَا وَلَوْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ زَكَاتُهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ الْأَخِيرَةِ وَلَا فِي الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا : لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا كَانَتْ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ أَقَامَتْ بِيَدِهِ أَكْثَرَ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَاعَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَهُ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا التِّجَارَةَ ، وَلَا يَبِيعَهَا لِطَلَبِ الرِّبْحِ فَهَذَا يَسْتَأْنِفُ بِمَا مَلَكَهُ أَخِيرًا مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحَوْلَ ، وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ : يَبْنِي عَلَى الْحَوْلِ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِهَذَا الْبَيْعِ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُمَا فِي بَيْعِ الْمَوَاشِي .

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ صَرْفًا يُقْصَدُ بِهِ التِّجَارَةُ وَطَلَبُ الرِّبْحِ وَالنَّمَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى وَيُزَكِّي ، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالْبَيْعِ اعْتِبَارًا بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ : لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي أُصُولِهَا زَكَاةٌ فَلِأَنْ تَجِبَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْلَى : لِأَنَّ فِي أَصْلِهَا زَكَاةً وَلِأَنَّ مَا تَجِبُ زَكَاتُهُ مَعَ عَدَمِ النَّمَاءِ ، فَلِأَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ مَعَ حُصُولِ النَّمَاءِ أَوْلَى . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا زَكَاةَ ، وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ بِالْآخِرَةِ ، وَلَا يَبْنِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا زَكَاةَ عَلَى مَالٍ حَتَى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ تَجِبُ زَكَاتُهُ فِي عَيْنِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ حَوْلُهُ بِغَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي ، إِذَا بَادَلَهَا بِمَوَاشِي ، وَلِأَنَّ قَصْدَ التِّجَارَةِ لَا يُزِيلُ حُكْمَ الْعَيْنِ : لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْأَصْلِ : لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِبْحِهَا يَسِيرٌ : لِأَنَّ إِنْ بَاعَهَا بِجِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمَعَ ارْتِفَاعِ النَّسِيئَةِ يَقِلُّ الرِّبْحُ وَهَذَا أَقْيَسُ ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ اشْتَرَى عَرَضًا لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِغَيْرِ شِرَاءٍ فَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلْقِنْيَةِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ فَإِنْ نَوَى بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ ، لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، حَتَّى يَتَّجِرَ بِهِ وَلَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ حُكْمٌ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ . وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وَتَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحُسَيْنِ الْكَرَابِيسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : لِأَنَّ عَرَضَ التِّجَارَةِ ، لَوْ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ عَرَضُ الْقِنْيَةِ ، إِذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْعَرَضِ لِأَجْلِ التِّجَارَةِ ، وَالتِّجَارَةُ تَصَرُّفٌ وَفِعْلُ الْحُكْمِ إِذَا عُلِّقَ بِفِعْلٍ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الْفِعْلُ وَشَاهِدُ ذَلِكَ مِنَ الزَّكَاةِ ، طَرْدٌ وَعَكْسٌ فَالطَّرْدُ أَنَّ زَكَاةَ الْمَوَاشِي تَجِبُ بِالسَّوْمِ ، فَلَوْ نَوَى سَوْمَهَا وَهِيَ مَعْلُوفَةٌ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا السَّوْمُ ، وَالْعَكْسُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِضَّةِ وَاجِبَةٌ إِلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا حُلِيًّا فَلَوْ نَوَى أَنْ تَكُونَ حُلِيًّا لَمْ تَسْقُطِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا الْفِعْلُ ، وَإِذَا كَانَ شَاهِدُ الزَّكَاةِ طَرْدًا وَعَكْسًا يَدُلُّ عَلَى مَا أُثْبِتَ مِنِ انْتِقَالِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْفِعْلِ حِينَ يُوجَدُ الْفِعْلُ ثَبَتَ

أَنَّ عُرُوضَ الْقِنْيَةِ لَا تَجِبُ زَكَاتُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا فِعْلُ التِّجَارَةِ ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ فَسَنَجْعَلُ الْجَوَابَ عَنْهُ فَرْقًا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بِشَاهِدٍ وَاضِحٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَاهُ لِقِنْيَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ، وَأُحِبُّ لَوْ فَعَلَ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا السَّائِمَةَ إِذَا نَوَى عَلَفَهَا ، فَلَا يَنْصَرِفُ عَنِ السَّائِمَةِ حَتَّى يَعْلِفَهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَثَبَتَ لَهُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ، لِأَنَّ - النِّيَّةَ لَمْ تَتَجَرَّدْ عَنِ الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ : لَوِ اشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَةِ لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَةً بِالشِّرَاءِ وَالنِّيَّةِ حَتَّى يَتَعَقَّبَهَا الْقَوْلُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا ؟ قِيلَ : بَيْنَهُمَا فَرْقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الشَّاةَ يُمْكِنُ أَنْ تَصِيرَ أُضْحِيَةً بَعْدَ الشِّرَاءِ بِأَنْ يَقُولَ هَذِهِ أُضْحِيَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ أُضْحِيَةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَالنِّيَّةِ ، وَالْعَرَضُ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْقَوْلِ ، وَلَا بِالنِّيَّةِ فَلِذَلِكَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَالنِّيَّةِ . وَالْفَرْقُ الثَّانِي : أَنَّ جَعْلَ الشَّاةِ أُضْحِيَةً يُزِيلُ الْمِلْكَ ، وَالشِّرَاءُ يَجْلِبُ الْمِلْكَ فَلَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا لِتَنَافِيهِمَا ، وَجَعْلُ الْعَرَضِ لِلتِّجَارَةِ غَيْرُ مُزِيلٍ لِلْمِلْكِ فَلَمْ يُنَافِ الشِّرَاءَ فَصَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِالشِّرَاءِ وَالنِّيَّةِ فَالزَّكَاةُ جَارِيَةٌ فِيهِ ، فَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْقِنْيَةِ صَارَ لِلْقِنْيَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَسَقَطَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَصِيرَ لِلْقِنْيَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَا يَصِيرَ لِلتِّجَارَةِ ، لِأَنَّ الْقِنْيَةَ كَفٌّ وَإِمْسَاكٌ ، فَإِذَا نَوَاهَا فَقَدْ وُجِدَ الْكَفُّ وَالْإِمْسَاكُ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يَحْتَاجُ إِلَى إِحْدَاثِهِ ، فَصَارَ لِلْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ فِعْلٌ وَتَصَرُّفٌ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ ، فَإِذَا نَوَاهَا وَتَجَرَّدَتِ النِّيَّةُ عَنْ فِعْلٍ يُقَارِنُهَا لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ : لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يُوجَدْ ، وَشَاهِدُ ذَلِكَ السَّفَرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِهِ أَحْكَامٌ وَزَوَالِهِ أَحْكَامٌ ، فَلَوْ نَوَى الْمُقِيمُ السَّفَرَ لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا : لِأَنَّ السَّفَرَ إِحْدَاثُ فِعْلٍ وَالْفِعْلُ لَمْ يُوجَدْ ، وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ صَارَ مُقِيمًا : لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لُبْثٌ وَكَفٌّ عَنْ فِعْلٍ ، وَذَلِكَ قَدْ وُجِدَ فَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ عَرَضَانِ لِلتِّجَارَةِ ، فَنَوَى قِنْيَةَ أَحَدِهِمَا كَانَ مَا لَمْ يُبْقِهِ قِنْيَتَهُ عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَمَا نَوَى قِنْيَتَهُ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ التِّجَارَةِ ، لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى قِنْيَةَ بَعْضِهِ ، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِإِجَارَةٍ عَنِ الْجُمْلَةِ أَوْ إِشَاعَةٍ مَعْلُومَةٍ ، كَانَ مُقْتَنِيًا لِمَا نَوَى مِنْ بَعْضِهِ مُتَخَيِّرًا لِمَا بَقِيَ مِنْ جُمْلَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ الْبَعْضَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا حُكْمَ لِلْقِنْيَةِ لِلْجَهْلِ بِهَا ، وَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَرَضِ عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُجْعَلُ نِصْفُهُ لِلْقِنْيَةِ ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي لِلتِّجَارَةِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْبَعْضَيْنِ وَتَعْدِيلًا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ .

فَصْلٌ : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِالنِّيَّةِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى نِيَّتِهِ مِنْ قِنْيَةٍ ، أَوْ تِجَارَةٍ فَأَمَّا مَا اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ، كَأَنَّهُ اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ فهل فيه زكاة ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَشْتَرِيَ عَرَضًا بِعَرَضٍ عِنْدَهُ وَيُعْطِيَهُ عَرَضًا عِنْدَ بَائِعِهِ لِلْقِنْيَةِ فَيَكُونُ لِلْقِنْيَةِ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَرَضٍ عِنْدَهُ لِلتِّجَارَةِ عَرَضًا عِنْدَ بَائِعِهِ لِلتِّجَارَةِ فَيَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ، وَتَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ ، وَإِنَّ فِي إِحْدَاثِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِي كُلِّ عَقْدٍ مَشَقَّةً فَكَانَ ظَاهِرَ حَالِهِ اسْتِصْحَابُ التِّجَارَةِ ، مَا لَمْ تُعْتَبَرِ النِّيَّةُ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَرَضٍ عِنْدَهُ لِلْقِنْيَةِ عَرَضًا عِنْدَ بَائِعِهِ لِلتِّجَارَةِ ، فَيَكُونُ لِلْقِنْيَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ اسْتِدَامَةً لِحُكْمِ أَصْلِهِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَرَضٍ عِنْدَهُ لِلتِّجَارَةِ عَرَضًا عِنْدَ بَائِعِهِ لِلْقِنْيَةِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ وَتَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ اسْتِدَامَةً لِحُكْمِ أَصْلِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةً تَنْقُلُ عَنْهُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لِلْقِنْيَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، اسْتِدَامَةً لِحُكْمِ الْعَرَضِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ ابْتِيَاعِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى فَاسِدٌ بِمَنِ اشْتَرَى بِعَرَضٍ لِلْقِنْيَةِ عَرَضًا عِنْدَ بَائِعِهِ لِلتِّجَارَةِ ، فَإِنْ لَا يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يُسْتَدَامُ حُكْمُهُ قَبْلَ ابْتِيَاعِهِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .

فَصْلٌ : قَدْ مَضَى حُكْمُ الْعُرُوضِ الْمَمْلُوكَةِ بِالشِّرَاءِ ، فَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ بِغَيْرِ شِرَاءٍ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَمْلِكَ بِعَرَضٍ كَالصُّلْحِ ، وَرُجُوعِ الْبَائِعِ بِعَيْنِ مَالِهِ عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَرُجُوعِ السِّلْعَةِ عَلَى بَايِعِهَا بِعَيْبٍ ، وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : مَا يَبْتَدِئُ بِمِلْكِهِ بِعَقْدٍ ، وَهُوَ الصُّلْحُ وَمَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْعُرُوضِ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ ، فَهَذَا كَالَّذِي يَمْلِكُهُ بِالشِّرَاءِ فَيَعْتَبِرُ نِيَّةَ تَمَلُّكِهِ ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ كَانَ لِلْقِنْيَةِ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ . وَالثَّانِي : مَا يَعُودُ إِلَى تَمَلُّكِهِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ . وَهُوَ رُجُوعُ الْبَائِعِ بِعَيْنِ مَالِهِ عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَاسْتِرْجَاعُهُ الْمَبِيعَ بِفَسْخٍ أَوْ إِقَالَةٍ فَهَذَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى تَمَلُّكِهِ بِحُكْمِهِ قَبْلَ

خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ لِلتِّجَارَةِ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى مِلْكِهِ لِلتِّجَارَةِ ، وَجَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ لِلْقِنْيَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ لِلْقِنْيَةِ وَنَوَى بِاسْتِرْجَاعِهِ التِّجَارَةَ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، كَمَا لَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا بِيَدِهِ لِلْقِنْيَةِ : لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ تَمَلُّكَهُ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا عَادَ إِلَى تَمَلُّكِهِ فَعَادَ إِلَى حُكْمِ أَصِلِهِ ، فَهَذَا حُكْمُ مَا مَلَكَ بِعِوَضٍ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَا مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ ، فَهَذَا وَمَا شَاكَلَهُ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ نَوَى بِتَمَلُّكِهِ التِّجَارَةَ : لِأَنَّ الْعَرَضَ إِنَّمَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِفِعْلِ التِّجَارَةِ مَعَ النِّيَّةِ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ التَّمْلِيكَاتُ مِنَ التِّجَارَاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ التِّجَارَةِ ، وَكَانَتْ لِلْقِنْيَةِ لَا تُجْزِي فِيهَا الزَّكَاةُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَرَضًا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ ، وَكَذَلِكَ مَا مَلَكَ بِصَدَاقٍ أَوْ إِجَارَةٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَكَاةُ زَكَّى ثَمَنَ الْعَرَضَ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ الْعَرَضَ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحَوَّلَتْ فِيهِ بِعَيْنِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَحُولُ الْحَوْلُ أَقَلَّ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ : لِأَنَّهَا تَحَوَّلَتْ فِيهِ وَفِي ثَمَنِهِ إِذَا بِيعَ لَا فِيمَا اشْتُرِيَ بِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِنِصَابٍ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، فَأَوَّلُ حَوْلِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَيْهِ ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا بِدُونِ النِّصَابِ كَأَنِ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَالزَّكَاةُ فِيهِ جَارِيَةٌ ، وَيَكُونُ أَوَّلُ حَوْلِهِ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ ، لَا مِنْ حِينِ مَلَكَ الثَّمَنَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ نِصَابًا جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَلَا يُؤَثِّرُ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَفِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَوْلِ عَنِ النِّصَابِ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمِنْ تَابَعَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا زَكَاةَ عَلَى مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ، لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ فِيهَا ، قَالُوا : وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْقِيمَةِ ، وَتَجِبُ فِي الْعَيْنِ فَلَمَّا كَانَ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ ، لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي حَوْلِهِ ، كَذَلِكَ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ ، لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي حَوْلِهِ كَذَلِكَ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ ، لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي حَوْلِهِ . وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا : أَنَّهُ مَالٌ نَاقِصٌ عَنِ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ حَوْلُهُ كَالْمَوَاشِي ، وَلِأَنَّ رِبْحَ التِّجَارَةِ مِمَّا يَتْبَعُ أَصْلَ الْمَالِ فِي حَوْلِهِ ، كَمَا أَنَّ سِخَالَ الْمَوَاشِي تَبَعٌ لِأُمَّهَاتِهَا فِي حَوْلِهَا ، فَلَمَّا لَمْ تَدْخُلِ السِّخَالُ فِي حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ نِصَابًا لَمْ يَدْخُلِ الرِّبْحُ فِي

حُكْمِ الْأَصْلِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نِصَابًا ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ ، أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ نَمَاءُ مَالٍ فَيَجْرِي فِيهِ الْحَوْلُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلنِّصَابِ كَالسِّخَالِ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا زَكَاةَ عَلَى مَالٍ حَتَى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهَذَا مَالٌ حَالَ حَوْلُهُ ، فَاقْتَضَى أَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ لَمْ يُعْتَبَرْ نِصَابُهُ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ ، لَمْ يُعْتَبَرْ نِصَابُهُ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ كَالزَّرْعِ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ نِصَابُهُ فِي أَثْنَائِهِ وَقَبْلَ حَصَادِهِ ، لَمْ يُعْتَبَرْ نِصَابُهُ فِي بَدْرِهِ ، وَعَكْسُهُ الْمَوَاشِي . وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ ، أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ مَالٌ لَا يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي ابْتِدَائِهِ كَالزَّرْعِ ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ مُنْقِصًا لِلزَّكَاةِ ، كَمَا لَوْ نَقَصَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ . فَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنْ لَمَّا اعْتُبِرَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ اعْتُبِرَ فِي ابْتِدَائِهِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ النِّصَابُ مُعْتَبَرًا فِي أَثْنَاءِ حَوْلِ الْعُرُوضِ ، لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي ابْتِدَائِهِ ، وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى السِّخَالِ

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِدُونِ النِّصَابِ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ دُونَ النِّصَابِ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ عِنْدَ حُلُولِ حَوْلِ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ كَأَنْ بَلَغَتْ نِصَابًا فَأَكْثَرَ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ فَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى بَلَغَتْ نِصَابًا ، كَأَنْ كَانَ يُسَوِّي عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ ، ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ شَهْرٍ حَتَّى صَارَتْ تُسَوِّي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا ، لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ الثَّانِي لِنَقْصِ قِيمَتِهِ عَنِ النِّصَابِ ، وَقْتَ اعْتِبَارِهَا وَهُوَ رَأْسُ الْحَوْلِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ الزَّكَاةُ ، لِحَوْلِهِ الْمَاضِي وَكَأَنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى حِينِ الزِّيَادَةِ .

فَصْلٌ : فَإِنِ اشْتَرَى عَرَضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ فِي تَضَاعِيفِ الْحَوْلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْمِائَةِ عَرَضًا ثَانِيًا ، اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ وَلَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ الْأَوَّلِ : لِأَنَّهُ لَمَّا نَضَّ ثَمَنُهُ وَكَانَ دُونَ النِّصَابِ بَطَلَ حَوْلُهُ ، وَمَنِ اعْتَبَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا قِيمَةَ الْعَرَضِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ، يَقُولُ : قَدْ بَطَلَ حَوْلُ الْعَرَضِ الْأَوَّلِ بِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ الثَّانِي إِلَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ نِصَابًا .



فَصْلٌ : إِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِخَمْسِينَ مِنْهَا عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ فَحَالَ الْحَوْلُ ، وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ضَمَّهَا إِلَى الْخَمْسِينَ وَأَخْرَجَ زَكَاةَ الْجَمِيعِ : لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَرَضِ مَعَ الدَّرَاهِمِ نِصَابٌ كَامِلٌ ، وَلَوْ كَانَ قَدِ اشْتَرَى بِجَمِيعِ الْمِائَةِ عَرَضًا ثُمَّ اسْتَفَادَ بَعْدَ شَهْرٍ مِائَةً أُخْرَى نُظِرَ ، فَإِنْ حَالَ حَوْلُ الْعَرَضِ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ زَكَّاهُمَا ، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَةِ الْمُسْتَفَادَةِ زَكَّاهَا أَيْضًا وَإِنْ حَالَ حَوْلُ الْعَرَضِ ، وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْنِ لَمْ يُزَكِّهَا حَتَّى يَحُولَ حَوْلُ الْمِائَةِ الْمُسْتَفَادَةِ فَإِنْ حَالَ حَوْلُهَا نُظِرَ فَإِنْ كَانَتِ الْمِائَةُ إِذَا ضَمَّهَا إِلَى قِيمَةِ الْعَرَضِ صَارَتْ نِصَابًا كَامِلًا زَكَّى الْجَمِيعَ ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّهَا .

فَصْلٌ : إِذَا اشْتَرَى عَرَضَيْنِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَقِيَ الْآخَرُ ، قَوَّمَهُ إِذَا حَالَ حَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَّاهُ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَاشْتَرَى بِهِمَا عَرَضَيْنِ بَنَى حَوْلَيْهِمَا عَلَى حَوْلِ الْمِائَتَيْنِ ، فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَوْلِ اعْتُبِرَ حَوْلُ الْبَاقِي مِنْ حِينِ مِلْكِهِ ، وَلَمْ يَبْنِ حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ ثَمَنِهِ : لِأَنَّ ثَمَنَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ .

فَصْلٌ : إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَاعَهُ بِدَيْنٍ ، فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ . وَالثَّانِي : بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّاهُ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِحَالٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعْسِرٍ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهِ بِحُلُولِ حَوْلِهِ ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَبِيعَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوسِرٍ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعْسِرٍ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مُوسِرٍ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِحَوْلِ الْعَرَضِ ، فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ فَهَلْ تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَى هَذَا يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ وَقَبَضَهُ أَخَّرَ زَكَاتَهُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَبِيعَهُ بَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ، فَهَلْ يَكُونُ مَالِكًا لِلدَّيْنِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، لَا يَكُونُ مَالِكًا لَهُ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَكُونُ مَالِكًا لَهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ ، هَلْ تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَى هَذَا يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ وَقَبَضَهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَا تَمْنَعُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَدَدِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَالٍ إِنَّمَا هِيَ طَهُورٌ لِمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْإِيمَانِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا مَلَكَ عَبِيدًا لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي قِيمَتِهِمْ ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي رَقَبَتِهِمْ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، وَتَسْقُطُ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُمَا زَكَاتَانِ ، فَلَمْ يَجِبِ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَالٍ كَسَائِمَةِ الْمَاشِيَةِ إِذَا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي قِيمَتِهَا ، وَزَكَاةُ السَّوْمِ فِي رَقَبَتِهَا . وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ وَلِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَجِبُ فِي الْقِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَزِيدُ بِزِيَادَتِهَا ، وَتَنْقُصُ بِنَقْصِهَا ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ تَجِبُ عَنِ الرَّقَبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ عَنِ الْحُرِّ ، وَالْعَبْدِ وَإِذَا اخْتَلَفَ سَبَبُ وُجُوبِهَا لَمْ يَمْتَنِعِ اجْتِمَاعُهُمَا ، كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ ، وَجَزَاؤُهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِهِ لَا عَنْ رَقَبَتِهِ وَكَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَبِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ يَبْطُلُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ يُنَافِي زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَزَكَاةَ الْعَيْنِ : لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِمَا وَاحِدٌ ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ ، أَنَّهُمَا حَقَّانِ يَخْتَلِفُ سَبَبُ وُجُوبِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ، كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ وَالْحَدَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَلِأَنَّ لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مَالِ السَّيِّدِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ رَقَبَتِهِ ، وَزَكَاةُ الْعَيْنِ عَنْ مَالِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مَالِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَنْ قِيمَتِهِ ، وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ حُصُولِ الْخِلَافِ فِيهَا ، فَلَوْ جَازَ إِسْقَاطُ أَحَدَيْهِمَا بِالْأُخْرَى لَكَانَ إِسْقَاطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِالْفِطْرِ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالتِّجَارَةِ ، كَمَا قُلْنَا فِي الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَالْعُشْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الزَّرْعِ فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا بَطَلَ ذَاكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلًا أَوْ زَرْعًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ وَرِثَهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ النَخْلِ وَالزَّرْعِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ النَخْلِ غِرَاسٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ أَرْضًا أَوْ مَاشِيَةً فكيف تؤدى الزكاة منها ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ غَيْرَ سَائِمَةٍ وَالْأَرْضُ غَيْرَ مَزْرُوعَةٍ ، وَالنَّخْلُ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ فَيُزَكِّيهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ مِنْ قِيمَتِهَا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ سَائِمَةً وَالْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَالنَّخْلُ مُثْمِرَةً فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَجِبَ فِيهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ ، أَوْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ قِيمَتُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ فَهَذَا يُزَكِّيهَا زَكَاةَ الْعَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنْ تَجِبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ وَأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقِ زَرْعٍ وَثَمَرَةٍ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ ، فَهَذَا يُزَكِّيهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ مِنْ قِيمَتِهَا . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا الزَّكَاتَانِ جَمِيعًا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِأَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ بِأَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَجِبَ الزَّكَاتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ بِدُونِ الْمِائَتَيْنِ فَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ، فَتَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِحُلُولِهِ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ بِحُلُولِهِ ، أَوْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا نَخْلًا فَيُثْمِرُ وَيَبْدُو صَلَاحُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَتَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ ، وَزَكَاةُ الْعَيْنِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ ، فَالْوَاجِبُ فِيهَا إِحْدَى الزَّكَاتَيْنِ إِجْمَاعًا : لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا وَاحِدٌ لَكِنِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيُّ الزَّكَاتَيْنِ أَثْبَتُ حُكْمًا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ : إِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَثْبَتُ وَحُكْمُهَا أَغْلَبُ فَتَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ ، دُونَ زَكَاةِ الْعَيْنِ لِمَعْنَيَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ ، وَأَخَصُّ لِاسْتِيفَائِهَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ وَاخْتِصَاصُ زَكَاةِ الْعَيْنِ بِالْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا أَقْوَى مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ وَآكَدُ لِوُجُوبِهَا فِي جَمِيعِ السِّلَعِ وَالْعُرُوضِ وَاخْتِصَاصِ زَكَاةِ الْعَيْنِ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ : إِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ أَثْبَتُ ، وَحُكْمُهَا أَغْلَبُ فَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ ، لِمَعْنَيَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا أَقْوَى مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ ، وَأَوْكَدُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالنَّصِّ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ حُصُولِ الْخِلَافِ فِيهَا ، فَكَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ فِي الرَّقَبَةِ ، وَزَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الْقِيمَةِ فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ مَا تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ أَوْلَى بِالتَّقْدِمَةِ ، كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إِذَا جَنَى ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا اسْتَوَتِ الزَّكَاتَانِ : وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبَ إِحْدَى الزَّكَاتَيْنِ ، بِأَنْ يَتَعَجَّلَ حَوْلَ التِّجَارَةِ قَبْلَ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ ، أَوْ يَتَعَجَّلَ صَلَاحَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ حَوْلِ التِّجَارَةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولَانِ : يُزَكِّي أَعْجَلَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِسْقَاطِ زَكَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْحَالِ ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنْ يَجِبَ فِي ثَانِي الْحَالِ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا : بَلْ يَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ : لِتَعَذُّرِ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْغَالِبِ وَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُفَرِّقْ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْلَى عَلَى قَوْلِهِ فِي " الْقَدِيمِ " قُوِّمَ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ ، وَأُخْرِجَ رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ جَمِيعِ الْقِيمَةِ ، وَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ أَوْلَى أُخْرِجَ عُشْرُ الثَّمَرَةِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهَا ، عَلَى حَسَبِ حَالِهَا ، ثُمَّ هَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَأَصْلِ التِّجَارَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَنُوبُ عَنْهَا ، وَيُقَوَّمُ لِلتِّجَارَةِ فَيُخْرَجُ رُبْعُ عُشْرِهَا ، إِنْ بَلَغَتِ الْقِيمَةُ نِصَابًا ، : لِأَنَّ زَكَاةَ الْأَعْيَانِ مَأْخُوذَةٌ عَنْهَا لَا عَنْ أُصُولِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا زَرَعَ فِي أَرْضِ يَهُودِيٍّ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكَ الْأَرْضِ مِمَّنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَنُوبُ عَنِ الْأَصْلِ : لِأَنْ لَا يَجْتَمِعَ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ بَيَاضٌ غَيْرُ مَشْغُولٍ بِزَرْعٍ وَلَا نَخْلٍ ، فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا فَلَوْ بَلَغَتِ الثَّمَرَةُ قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ إِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْعَيْنِ ، فَهَلْ يَعْدِلُ إِلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ . أَحَدُهُمَا : يُقَوِّمُ الْأَصْلَ وَيُزَكِّي زَكَاةَ التِّجَارَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ : إِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ لَا تَنُوبُ عَنِ الْأَصْلِ . وَالثَّانِي : لَا يُقَوِّمُ الْأَصْلَ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ : إِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ تَنُوبُ عَنِ الْأَصْلِ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَالْخُلَطَاءُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ عَلَى مَا وَصَفْتُ سَوَاءٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ " الزَّكَاةِ " وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ الْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي ، وَأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا ، وَفِي الْجَدِيدِ يُجَوِّزُهَا ، فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الْخُلْطَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، فِي أَحَدِ مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَرِثَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْوَاحِدِ . وَالثَّانِي : أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ، وَيَشْتَرِيَانِ بِهِمَا عَرَضًا فَيَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ فِيهِ يُزَكِّيَانِهِ زَكَاةَ الْوَاحِدِ ، فَأَمَّا إِنْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَخَلَطَاهَا جَمِيعًا وَتَرَكَاهَا حَتَّى حَالَ حَوْلُهَا ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْخُلْطَةُ تُوجِبُ الزَّكَاةَ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا غَيْرَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ زَكَاةِ مَالِ الْقِرَاضِ

بَابُ زَكَاةِ مَالِ الْقِرَاضِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا عَلَى النَّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ كيف يزكى عنها فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تُزَكَّى كُلَّهَا لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلَّمَ إِلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ ، وَهَذَا أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْعَامِلِ زَكَّاهَا إِنْ كَانَ مُسْلِمًا ، فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ رِبْحُهُ إِلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ زَكَّاهَا : لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِهَا وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيًّا وَالْعَامِلُ مُسْلِمًا فَلَا رِبْحَ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يُسَلِّمَ إِلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِرِبْحِهِ حَوْلًا ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُحْصِي ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ سَلَّمَ لَهُ رِبْحَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنَ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ ، قَالَ الْمُزَنِيُّ : أَوْلَى بِقَوْلِهِ عَنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةٌ حَتَى يُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ : لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي الْقِرَاضِ : لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَ لَهُ شِرْكَةٌ فِي الْمَالِ ثُمَّ نَقَصَ قَدْرُ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ فِي الْبَاقِي شِرْكٌ فَلَا رِبْحَ لَهُ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْقِرَاضُ فَبِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَهِيَ الْمُضَارَبَةُ زكاتها بِلُغَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ أَلْفًا قِرَاضًا إِلَى رَجُلٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ رِبْحِهَا فَاشْتَرَى بِالْأَلْفِ سِلْعَةً ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ، وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ فَفِي زَكَاتِهَا قَوْلَانِ : بَنَاهُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَامِلِ هَلْ هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ أَوْ أَجِيرٌ لَهُ فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ : أَنَّهُ أَجِيرٌ مِنَ الْمَالِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ لَهُ ، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ ، وَوَجْهُهُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا هُوَ دَاخِلٌ بِبَدَنِهِ لَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا : لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا تَصِحُّ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ أَجِيرٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرِيكًا لَكَانَ يَلْحَقُهُ مِنَ الْوَضِيعَةِ وَالْعَجْزِ كَمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الرِّبْحِ ، وَالْفَضْلِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَجْزِ شَرِيكًا لَمْ يَكُنْ فِي الرِّبْحِ شَرِيكًا .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ بِمَا شُرِطَ فِيهِ . وَوَجْهُ ذَلِكَ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَجِيرًا لَكَانَ عِوَضُهُ مُعَلَّمًا وَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ مَعْدُومًا ، فَلَمَّا جَازَتْ جَهَالَةُ عِوَضِهِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا عِنْدَ عَدَمِ رِبْحِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا وَثَبَتَ كَوْنُهُ شَرِيكًا . وَالثَّانِي : هُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ وَالشَّرِكَةَ جَائِزَةٌ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ ثَبَتَ أَنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ غَيْرُ أَجِيرٍ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ ، فَالزَّكَاةُ فَرْعٌ عَلَيْهَا ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَزَكَاةُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ : لِأَنَّ جَمِيعَهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِلْكٌ لَهُ ، وَمِنْ أَيْنَ يُخْرِجُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مِنَ الرِّبْحِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْمَالِ فَشَابَهَتْ سَائِرَ الْمُؤَنِ وَهَذَا أَخَصُّ بِالْعَامِلِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُخْرِجُهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ بِأَصْلِهِ وَرِبْحِهِ ، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ ، فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ مِنَ الرِّبْحِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَقَدْ بَطَلَتِ الْمُضَارَبَةُ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَأَمَّا الْعَامِلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ ، فَإِذَا قَبَضَهَا اسْتَأْنَفَ حَوْلَهَا . فَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَصْلُ الْمَالِ مِنْهَا أَلْفٌ ، وَالْخَمْسُمِائَةِ رِبْحٌ ، وَمِنْ أَيْنَ تُخْرَجُ زَكَاتُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، فَأَمَّا الْعَامِلُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ : لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَا شَرِيكَ بِهَا ، وَفِي ابْتِدَاءِ حَوْلِهَا وَجْهَـانِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ حِينِ ظُهُورِ الرِّبْحِ لِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ ظَهَرَتْ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : مِنْ حِينِ الْمُحَاسَبَةِ وَالتَّقْوِيمِ ، لِأَنَّهَا بِذَلِكَ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَإِذَا حَالَ حَوْلُهَا لَمْ يَلْزَمْ إِخْرَاجُ زَكَاتِهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا بِجَوَازِ تَلَفِ الْمَالِ أَوْ تَلَفِ بَعْضِهِ ، فَيَبْطُلُ الرِّبْحُ فَإِنْ قَبَضَهَا أَخَّرَ زَكَاتَهَا .

فَصْلٌ : فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا وَرَبُّ الْمَالِ مُسْلِمًا في شركة المضاربة - كيف تخرج الزكاة ، فَإِنْ قِيلَ : الْعَامِلُ أَجِيرٌ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ جَمِيعِ الْأَلْفَيْنِ ، وَإِنْ قِيلَ : هُوَ شَرِيكٌ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَتَسْقُطُ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهَا مِلْكُ النَّصْرَانِيِّ ، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيًّا وَالْعَامِلُ مُسْلِمًا فَإِنْ قِيلَ : الْعَامِلُ أَجِيرٌ فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ : لِأَنَّ جَمِيعَهُ مِلْكُ النَّصْرَانِيِّ ، وَإِنْ قِيلَ : الْعَامِلُ شَرِيكٌ فَلَا زَكَاةَ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهَا مِلْكُ النَّصْرَانِيِّ ، وَعَلَى الْعَامِلِ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ ، إِذَا حَالَ حَوْلُهَا فَلَوْ

كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ بَعْدَ الْحَوْلِ أَلْفًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنْ قِيلَ : الْعَامِلُ أَجِيرٌ ، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ أَلْفٍ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ . وَعَلَى الْعَامِلِ زَكَاةُ الْمِائَةِ إِنْ كَانَ مَالِكًا لِتَمَامِ النِّصَابِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ سِوَاهَا فَفِي إِيجَابِ زَكَاتِهَا قَوْلَانِ : مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي جَوَازِ الْخُلْطَةِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَعَلَى الْقَدِيمِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَعَلَى الْجَدِيدِ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيًّا ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا : لِأَنَّهُ خَلِيطُ النَّصْرَانِيِّ .

بَابُ الدَّيْنِ مَعَ الصَّدَقَةِ وَزَكَاةُ اللُّقَطَةِ وَكِرَاءُ الدُّورِ وَالْغَنِيمَةِ

بَابُ الدَّيْنِ مَعَ الصَّدَقَةِ وَزَكَاةُ اللُّقَطَةِ وَكِرَاءُ الدُّورِ وَالْغَنِيمَةِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَى حَالَ الْحَوْلُ ، أَخْرَجَ زَكَاتَهَا ثُمَّ قَضَى غُرَمَاءُهُ بَقِيَّتَهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقْدًا ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَمْلِكَ عَرَضًا أَوْ عَقَارًا بِقِيمَةِ الْمِائَتَيْنِ الدَّيْنِ فَهَذَا عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ لَا يَخْتَلِفُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَمْلِكَ سِوَى الْمِائَتَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ ، وَقَدْ حَالَ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مُؤَجَّلًا ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بِيَدِهِ لَا يَخْتَلِفُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ حَالًا ، فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ ، وَفِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنَ الْجَدِيدِ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةِ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دُونَ مَا سِوَاهُمَا ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَوَاشِي دُونَ مَا عَدَاهُمَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا وَأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ . وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ ، وَبِهِ تَقَعُ الْفَتْوَى . وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ وَمِنْهُ دَلِيلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَنِ اسْتَوْعَبَ دَيْنُهُ مَا بِيَدِهِ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ صِنْفَيْنِ صِنْفًا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَصِنْفًا تُدْفَعُ إِلَيْهِ وَهَذَا مِمَّنْ تُدْفَعُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَرَمِ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا أَشْهَرُ زَكَاتِكُمُ ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِهِ ثُمَّ يُزَكِّي بَقِيَّةَ مَالِهِ " وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ ، فَكَانَ إِجْمَاعًا ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِالْمَالِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنْهَا كَالْحَجِّ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَالٌ يُمْلَكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَانِعًا سُنَّةً كَالْمِيرَاثِ لَا يَسْتَحِقُّ ثُبُوتُ الدَّيْنِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَسْتَحِقُّ إِزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لِأَجْلِ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، فَلَوْ وَجَبَتْ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ وَفِي الْمَالِ زَكَاةٌ ، لَوَجَبَتْ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، كَزَكَاةِ التِّجَارَةِ وَالسَّوْمِ . وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ، [ التَّوْبَةِ : ] ، وَمَا بِيَدِهِ مَالُهُ يَجُوزُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَخْذُ مِنْهُ ، وَرَوَى عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا كَانَ مَعَكَ مَائِتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْكَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ وَهُوَ مَالِكٌ لِمَا بِيَدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ ، وَلِأَنَّ رَهْنَ الْمَالِ فِي الدَّيْنِ أَقْوَى وَاسْتِحْقَاقُهُ بِالدَّيْنِ : لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي الرَّقَبَةِ ، وَالدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ فِي الدَّيْنِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَانَ أَوْلَى ، أَنْ لَا يَكُونَ مُجَرَّدُ الدَّيْنِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ ، وَالزَّكَاةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً فِي الْعَيْنِ ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ مَا فِي الذِّمَّةِ مَانِعًا مِنْهَا ، كَالْعَبْدِ إِذَا جَنَى وَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِثَمَنِهِ لَمْ يَكُنِ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشُ فِي رَقَبَتِهِ ، وَإِنْ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ مَا ثَبَتَ مِنَ الدَّيْنِ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ مَانِعًا مِنْهَا ، كَالدَّيْنِ إِذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ لِزَيْدٍ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ دَيْنٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَمْرٍو وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ، يَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِمَالٍ يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ الدَّيْنُ مِنْ ثُبُوتِهِ كَالْجِنَايَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ حَقُّ مَالٍ مَحْضٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتِ الْمَالِ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهِ كَالدَّيْنِ ، ثُمَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ : لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ يُصْرَفُ إِلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَجَازَ ، أَنْ يَجِبَ عَلَى مَنِ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَالَهُ ، كَالْعُشْرِ فِي الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ ، وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَمَّا الْخَبَرُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ : لِأَنَّ أَوَّلَ دَلِيلِهِ يَنْفِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ لَيْسَ بِغَنِيٍّ ، وَثَانِي دَلِيلِهِ مَدْفُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُودِ قِسْمٍ ثَالِثٍ ، يُؤْخَذُ مِنْهُ ، وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ وَهُوَ بَنُو السَّبِيلِ ،

تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ عَنْ أَمْوَالِهِمُ الْغَائِبَةِ ، وَتُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ فِي أَسْفَارِهِمْ لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ بِالدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَجِّ ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ : لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةَ مُمْتَنِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبِ الْحَجُّ عَلَيْهِمَا ، وَوُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَقِيرِ ، إِذَا كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ ، وَإِنْ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ اعْتِبَارَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الْوُجُوبِ غَيْرُ صَحِيحٍ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمِيرَاثِ ، فَلَيْسَ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ : لِأَنَّ الْمِيرَاثَ حَاصِلٌ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ لَاسْتَحَقَّ مِيرَاثَ مَيِّتِهِ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، فَلَيْسَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ إِزَالَةَ يَدِهِ عَنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ تَامِّ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ كَانَ مَعَهُ قَدْرُ دَيْنِهِ فَأَكْثَرَ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ إِزَالَةَ يَدِهِ عَنْهُ ثُمَّ مَعَ هَذَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ بَلْ هُمَا مَالَانِ لِرَجُلَيْنِ فَزَكَاةُ هَذَا الْمَالِ فِي عَيْنِهِ ، وَزَكَاةُ الدَّيْنِ عَلَى مَالِكِهِ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ وَثَبَتَ أَنَّ أَصَحَّهُمَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ دَنَانِيرَ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ قَدْرُ قِيمَتِهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ في الزكاة ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، فَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا : لِأَنَّ الْعُشْرَ عِنْدَنَا زَكَاةٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بَيْنَهُمَا ، فَلَوْ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ ، وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا ، أَوْ مِثْلُ قِيمَتِهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ كَانَتِ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ دَيْنًا فَزَكَاتُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا ، إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ : لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ ، وَإِنْ قُلْنَا : لَا يَمْنَعُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ دَيْنًا فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهَا : تَجِبُ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ لَا غَيْرَ . وَالثَّانِي : زَكَاةُ الْأَرْبَعِمِائَةِ إِذَا قُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ .

فَصْلٌ : فَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقْدًا ، فَقَالَ قَبْلَ الْحَوْلِ إِنْ شَفَا اللَّهُ الْمَرِيضَ فَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ كيف تكون زكاته . ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَهَذَا أَوْلَى وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : يَمْنَعُ ، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ . وَالثَّانِي : لَا يَمْنَعُ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ : لِأَنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ أَوْكَدُ مِنَ النَّذْرِ : لِأَنَّ النَّذْرَ هُوَ عَلَى أَدَائِهِ أَمِينٌ ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ لَهُ مَنْ يُطَالِبُ بِهِ ، وَيَسْتَوْفِيهِ وَلَوْ قَالَ وَمَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ : إِنَّ شَفَا اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْتُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْهَا ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا وَعَيَّنَ النَّذْرَ فِيهَا ، فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ ، فَجَوَابُهَا عَكْسُ ذَلِكَ الْجَوَابِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ لَا يَمْنَعُ ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَمْنَعُ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَمْنَعُ : لِأَنَّ هَذَا قَدِ اسْتَحَقَّ بِهِ عَيْنَ الْمَالِ ، فَفِي الزَّكَاةِ وَدَيْنِ الْآدَمِيِّ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ عَيْنَ الْمَالِ فَلَمْ يَمْنَعِ الزَّكَاةَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ فكيف تكون الزكاة لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ : لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَكَذَا فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي صَدَقَتُهَا مِنْهَا كَالْمُرْتَهِنِ لِلشَّيْءِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ مَالُهُ فِيهِ وَلِلْغُرَمَاءِ فَضْلُهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : فِي رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا بِيَدِهِ ، فَقَدِمَ إِلَى الْقَاضِي فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِأَدَائِهِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ ، وَلَا عَلَى مَالِهِ ، فَهَذَا الْحُكْمُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونُ كَثُبُوتِهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَيَجْعَلَ لِغُرَمَائِهِ أَخْذَ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدُوهُ بِتَمْلِيكٍ مِنْهُ كَأَنْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، قَدْ جَعَلْتُ لَكَ بِدَيْنِكَ الْعَبْدَ الْفُلَانِيَّ ، أَوِ الثَّوْبَ الْفُلَانِيَّ ، الَّذِي قَدْ عَرَّفْتُهُ ، وَبِعْتُكَ هُوَ بِمَالِكَ عَلِيَّ فَقَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَصَارَ مِلْكًا لَهُمْ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ : لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَمَّا بِيَدِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَحْكُمَ بِالدَّيْنِ وَيَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغُرَمَائِهِ فَإِنْ قُلْنَا : الدَّيْنُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ فَهَلْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ هَاهُنَا أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ : لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ كَالْغَصْبِ ، فَإِنْ قِيلَ : الصَّبِيُّ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ ، وَلَمْ يَكُنِ الْحَجْرُ مَانِعًا

مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَهَلَّا كَانَ الْحَجْرُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ ؟ قُلْنَا : حَجْرُ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ وَاقِعٌ لِأَجْلِهِمَا ، وَلِحِفْظِ أَمْوَالِهِمَا عَلَيْهِمَا ، وَحَجْرُ هَذَا الْمُفْلِسِ لِأَجْلِ غُرَمَائِهِ ، وَلِحِفْظِ مَالِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَكَانَ هَذَا الْحَجْرُ مُوَهِّيًا لِمِلْكِهِ .

فَصْلٌ : فَلَوْ قَدَّمَهُ غُرَمَاؤُهُ إِلَى الْقَاضِي فَجَحَدَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ لَهُمْ زكاة ما بيده ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ جُحُودَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَيَمِينَهُ الْكَاذِبَةَ غَيْرُ مُبَرِّئَةٍ لِبَقَاءِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ ، فَتَكُونُ زَكَاةُ مَا بِيَدِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ جُحُودَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةَ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّيْنُ فَصَارَ فِي حُكْمِ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ ، فَتَكُونُ زَكَاةُ مَا بِيَدِهِ وَاجِبَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَكُلُّ مَالٍ رُهِنَ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الدَّيْنِ ( وَقَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى : إِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْهِ مَشْهُورٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي رَهْنِ الْمَاشِيَةِ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَذَا رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِقِيمَةِ الرَّهْنِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ في الزكاة فَزَكَاتُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ إِذَا قُلْنَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَهَلْ يُقَدِّمُ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ أَوِ الدَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ مَضَتْ . أَحَدُهَا تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَالثَّانِي الدَّيْنُ ، وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِسَابِ الْمَالِ وَقِسْطِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ هل يؤدي عنه الزكاة ، فَعَلَيْهِ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ كَالْوَدِيعَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُرَتَّبَةً ، وَسَنَذْكُرُهَا الْآنَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ لِيَكُونَ التَّكْرَارُ مُفِيدًا . اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ فَلَا يَخْلُو مَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًا ، أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يَكُونُ مَالِكًا لَهُ ، وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَكُونُ مَالِكًا لَهُ ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى

يَقْبِضُهُ ، وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعْسِرٍ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى ، أَوْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوسِرٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَبَعْدَ قَبْضِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالدَّيْنِ عَلَى مُعْسِرٍ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مُعْتَرِفًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُمَاطِلًا مُدَافِعًا فَلَا زَكَاةَ فِيمَا عَلَيْهِ ، كَالْمَالِ الْغَائِبِ فَإِذَا قَدَّمَ فَزَكَاةُ مَا عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ لِمَا مَضَى قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ : لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا ، فَزَكَاةُ مَا عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ : لِأَنَّ هَذَا " الْوَدِيعَةَ " بَلْ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهَا : لِأَنَّهُ فِي السَّنَةِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا مَا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ أَوِ الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَأْنِفَ حَوْلَهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَلَوْ جَحَدَ مَالَهُ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ غَرِقَ فَأَقَامَ زَمَانًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ زكاته فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ : لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ فَإِنْ قَبَضَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مِثْلِهِ الزَكَاةُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ فَكَانَ لَهُ مَالٌ ضَمَّهُ إِلَيْهِ وَإِلَّا حَسَبَهُ فَإِذَا قَبَضَ مَا إِذَا جُمِعَ إِلَيْهِ ثَبَتَ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى لِمَا مَضَى " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا ضَمَّ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ ، وَالْمَجْحُودِ وَإِنَّ زَكَاتَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ لَا تَجِبُ ، وَبَعْدَ عَوْدِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَسْتَأْنِفُ حَوْلَهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ ، وَاخْتِلَافَ حَالِ السَّوْمِ فِي الْمَاشِيَةِ ، وَلَيْسَتْ بِنَا إِلَى إِعَادَتِهِ حَاجَةٌ وَلَا إِلَى الْإِطَالَةِ بِهِ فَاقَةٌ ، فَلَوْ دَفَنَ مَالَهُ فَخَفِيَ عَنْهُ مَكَانَهُ أَحْوَالًا ثُمَّ وَجَدَهُ ، فَزَكَاتُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالتَّائِهِ . وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ زَكَاتَهُ قَوْلًا وَاحِدًا ، قَالَ : لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى التَّفْرِيطِ فِي غَفْلَتِهِ وَقِلَّةِ تَحَرُّزِهِ ، وَوَجَدْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَائِلًا إِلَيْهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ هَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ وِجْدَانِهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ وِجْدَانِهِ وَظُهُورِهِ . وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ كَالْغَائِبِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَغْصُوبِ وَالتَّائِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ ، وَبَعْدَ ظُهُورِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ خَفَاءُ الْمَكَانِ الْمَنْسُوبِ ، إِلَى تَفْرِيطِهِ مُوجِبًا لِزَكَاتِهِ لَكَانَ الْمَالُ وَضَيَاعُهُ مُوجِبًا لِزَكَاتِهِ : لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى تَفْرِيطِهِ ، فَلَمَّا كَانَ زَكَاةُ التَّائِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُفَرِّطًا فَكَذَلِكَ زَكَاةُ مَا نَسِيَ مَكَانَهُ مِنَ الْمَدْفُونِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُفَرِّطًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " وَإِذَا عَرَّفَ لُقَطَةً سَنَةً ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَلَمْ يُزَكِّهَا ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُهَا زكاتها فَلَا زَكَاةَ عَلَى الَّذِي وَجَدَهَا : لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكًا قَطُّ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهَا وَالْقَوْلُ فِيهَا كَمَا وَصَفْتُ فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى لِأَنَّهَا مَالُهُ أَوْ فِي سُقُوطِ الزَكَاةِ عَنْهُ فِي مَقَامِهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ : لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) أَشْبَهُ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِقَوْلِهِ إِنْ مَلَكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَاتِ الْغَنَمِ وَلَوْ ضُمَّتْ غَنَمُهُ أَوْ غُصِبَهَا أَحْوَالًا ثُمَّ وَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا فَقَضَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ كَمَا قَطَعَ فِي ضَوَالِّ الْغَنَمِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ لُقَطَةً تَبْلُغُ نِصَابًا مُزَكًّى كَعِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، أَوْ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ زكاته فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا حَوْلًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا فِيهِ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَلْقَى صَاحِبَهَا فَيَرُدَّهَا عَلَيْهِ ، فَهَلْ تَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا زَكَاتُهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ الضَّالِّ : أَحَدُهُمَا : عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ . وَالثَّانِي : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ ، وَوَهَاءِ يَدِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَعْرِفَ لَهَا صَاحِبًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَخْتَارَ الْوَاجِدُ تَرْكَهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةً لِصَاحِبِهَا زكاة اللقطه ، وَلَا يَخْتَارَ تَمَلُّكَهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْمَاضِي ، وَلَا فِيمَا يَأْتِي مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ وُجِدَ صَاحِبُهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ ، فَزَكَاةُ السَّنَةِ الْأُولَى عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا ، فَأَمَّا زَكَاةُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا يَلِيهَا في اللقطة ، فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَمَا يَلِيهَا أَوْلَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السَّنَةِ الْأُولَى ، فَفِي الثَّانِيَةِ وَمَا يَلِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : عَلَيْهِ زَكَاتُهَا كَالْأُولَى .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّنَةِ الْأُولَى زكاة اللقطة : لِأَنَّ فِي الْأُولَى لَا يَجُوزُ أَنْ تُمَلَّكَ عَلَيْهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَجُوزُ أَنْ تُمَلَّكَ عَلَيْهِ ، فَكَانَ مِلْكُهُ أَوْهَى مِمَّا تَقَدَّمَ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَخْتَارَ الْوَاجِدُ تَمَلُّكَهَا اللقطة فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَكُونَ الْوَاجِدُ قَدْ عَرَّفَهَا فِي الْحَوْلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا ، وَلَا تَصِيرُ لَهُ مِلْكًا : لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا ، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَالْكَلَامُ فِي صَاحِبِهَا إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ عَلَى مَا مَضَى . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ قَدْ عَرَّفَهَا فِي الْحَوْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا زكاة اللقطة ، وَبِمَاذَا تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ زكاة اللقطة إذا تملكها الواجد باختياره ، فَإِذَا اخْتَارَ تَمَلُّكَهَا فَقَدْ مَلَكَهَا سَوَاءٌ انْتَقَلَتِ الْعَيْنُ بِتَصَرُّفِهِ أَمْ لَا ، فَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ فِي الْوَاجِدِ الْمُتَمَلِّكِ فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ مِنَ الْعُرُوضِ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ مِنَ الْعُرُوضِ بِغَيْرِ قِيمَتِهَا سِوَاهَا ، فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِيمَنْ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَأَمَّا صَاحِبُهَا ، وَالْحُكْمُ فِي زَكَاةِ السَّنَةِ الْأُولَى عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا . فَأَمَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا يَلِيهَا ، فَقَدْ مُلِّكَتِ اللُّقَطَةُ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَصَارَتْ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّةِ وَاجِدِهَا فَإِنْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ مَاشِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ عَيْنِهَا لِأَنَّهَا قَدْ مُلِّكَتْ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ، وَتَنْتَقِلُ زَكَاةُ الْعَيْنِ إِلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَزَكَاةُ الْعَيْنِ بَاقِيَةٌ ، لِأَنَّهَا قَدْ مُلِّكَتْ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْوَاجِدِ الْمُتَمَلِّكِ لَهَا ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِهَا مَلِيًّا فَزَكَاةُ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ ، وَعَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَسِّرًا فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ ، أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : لَا زَكَاةَ أَصْلًا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : الزَّكَاةُ عَلَى مَا مَضَى وَاجِبَةٌ عَنِ الْقَوْلَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْوَاجِدَ الْمُلْتَقِطَ لَا يَصِيرُ مَالِكًا لِلُقَطَةٍ ، إِلَّا بِنَقْلِ عَيْنِهَا زكاة اللقطة فَعَلَى هَذَا مَا لَمْ يَنْقُلْ عَيْنَهَا فَالْحُكْمُ فِي زَكَاتِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنْ نَقَلَ عَيْنَهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا : لِأَنَّ عَيْنَ اللُّقَطَةِ لَمْ يَمْلِكْهَا ، ثُمَّ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ بَدَلِهَا كَالْحُكْمِ فِيمَا مَلَكَهُ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ إِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ كَانَ عَرَضًا فَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْقِنْيَةِ ، لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ ، فَأَمَّا صَاحِبُهَا فَالْحُكْمُ فِي زَكَاتِهِ عَلَى مَا مَضَى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ أَنَّ الْوَاجِدَ يَكُونُ مَالِكًا لَهَا بِمُضِيِّ الْحَوْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ التَّمَلُّكُ إِلَّا أَنْ

يَخْتَارَ ، أَنْ تَكُونَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّهَا ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ - مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ مِنْ جِنْسِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ فَعَرَّفَهَا الْوَاجِدُ الْمُلْتَقِطُ حَوْلًا فَإِنْ ظَفِرَ بِصَاحِبِهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَلَا عَرَّفَهَا فَلَهُ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَضَعَهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةً ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِحَالٍ لَا عَلَى وَاجِدِهَا ، وَلَا عَلَى مَالِكِهَا : لِأَنَّ الزَّكَاةَ غَيْرُ جَارِيَةٍ فِيهَا . وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَمَلَّكَهَا إِمَّا بِاخْتِيَارِ تَمَلُّكِهَا أَوْ بِنَقْلِ عَيْنِهَا ، فَقَدِ انْتَقَلَ حَقُّ مَالِكِهَا مِنْ عَيْنِهَا إِلَى بَدَلِهَا ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ ذَا مِثْلٍ كَالْمُتَمَاثِلِ الْأَجْزَاءِ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى مَالِكِهَا ، لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ غَيْرُ مُزَكَّاةٍ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فَلِمَالِكِهِ قِيمَتُهُ ، وَالْقِيمَةُ مِمَّا فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ ، أَوْ دَنَانِيرُ ، لَكِنْ لَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاجِدِ فِيهَا بِحَالٍ ، لِأَنَّهَا قَبْلَ نَقْلِ عَيْنِهَا غَيْرُ مُزَكَّاةٍ ، وَبَعْدَ نَقْلِ عَيْنِهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فَأَمَّا مَالِكُهَا ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا بِحَالٍ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ مَعَهَا تَمَامُ النِّصَابِ ، وَإِنْ كَانَتْ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْوَاجِدُ ، فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُمَلِّكَهَا فَيَكُونُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَضَى مِنِ اعْتِبَارِ يَسَارِ الْوَاجِدِ وَإِعْسَارِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهُوَ لَمْ يَخْتَرْ نَقْلَ مَالِهِ إِلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلِمَ أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، قِيلَ : مَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ قَصْدُ الْمَالِكِ وَاخْتِيَارُهُ ، أَلَا تَرَى لَوْ كَانَ لَهُ حِنْطَةٌ بَذَرَتْهَا الرِّيحُ فِي أَرْضِهِ فَثَبَتَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَزِمَهُ عُشْرُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بَذْرَهَا وَلَمْ يَخْتَرْ زَرْعَهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمَائةِ دِينَارٍ زكاة الكراء فَالْكِرَاءُ حَالٌ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا ، فَإِذَا حَالَ الْحُوَلُ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ، وَفِي الْحَوْلِ الثَّانِي خَمْسِينَ لِسَنَتَيْنِ إِلَّا قَدْرَ زَكَاةِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا ، وَفِي الْحَوْلِ الثَّالِثِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِينَارًا . لِثَلَاثِ سِنِينَ إِلَّا قَدْرَ زَكَاةِ السَّنَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، وَفِي الْحَوْلِ الرَّابِعِ زَكَّى مِائَةً لِأَرْبَعِ سِنِينَ إِلَّا قَدْرَ زَكَاةِ مَا مَضَى ، وَلَوْ قَبَضَ الْمَكْرِيُّ الْمَالَ ثُمَّ انْهَدَمَتِ الدَّارُ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إِلَّا فِيمَا سَلِمَ لَهُ ، وَلَا يُشْبِهُ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مَلَكَتُهُ عَلَى الْكَمَالِ فَإِنْ طَلَّقَ انْتَقَضَ النِّصْفُ ، وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا بِسَلَامَةِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ مُدَّةً يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الْإِجَارَةِ ( قَالَ

الْمُزَنِيُّ ) هَذَا خِلَافُ أَصْلِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ : لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا حَالَةً يَمْلِكُهَا الْمُكْرِي إِذَا سَلِمَ مَا أَكْرَى ، كَثَمَنِ السِّلْعَةِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا ، وَقَوْلُهُ هَاهُنَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمِلْكِ لَا عَلَى مَا عَبَّرَ فِي الزَّكَاةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَجَّرَ دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْأُجْرَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : إِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهَا فَتَكُونَ مُعَجَّلَةً إِجْمَاعًا . وَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ تَأْجِيلُهَا فَتَكُونَ مُؤَجَّلَةً إِجْمَاعًا . وَإِمَّا أَنْ يُطْلِقَا وَلَا يَشْتَرِطَا تَعْجِيلًا وَلَا تَأْجِيلًا زكاة الكراء ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ تَكُونُ مُعَجَّلَةً بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَا أَنْ تَكُونَ مُعَجَّلَةً فِي نَفْسِ الْعَقْدِ ، وَخَالَفَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَلِلْكَلَامِ مَعَهُمَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا ، وَإِذَا كَانَتْ مُعَجَّلَةً بِالشَّرْطِ أَوْ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ ، فَقَدْ مَلَكَ جَمِيعَهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَاسْتَحَقَّ قَبْضَهَا بِتَسْلِيمِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ ، هَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُهُ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ هَلْ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا مُبْرَمًا أَوْ مَلَكَهَا مِلْكًا مَوْقُوفًا مُرَاعًى فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا مُبْرَمًا كَأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ وَصَدَاقِ الزَّوْجَاتِ : لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ فِيمَا يَطْرَأُ مِنْ حُدُوثِ فَسْخٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْتِرْجَاعَ الْأُجْرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ ، كَالزَّوْجَةِ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهَا عَلَى جَمِيعِ صَدَاقِهَا بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ اسْتِرْجَاعُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ أَظْهَرُ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْأُمِّ " وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ مِلْكًا مَوْقُوفًا مُرَاعًى ، فَإِذَا مَضَى زَمَانٌ مِنَ الْمُدَّةِ كَانَ اسْتِقْرَارُ مِلْكِهِ عَلَى مَا قَابَلَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُرَاعَاةً وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً : لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ ، وَمِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ بِهَدْمٍ رَجَعَ بِمَا فِي مُقَابَلَتِهَا مِنَ الْأُجْرَةِ ، وَلَوِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ عِنْدَ فَوَاتِهَا بِمَا قَابَلَهَا كَالْمُشْتَرِي ، إِذَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى السِّلْعَةِ يَقْبِضُهَا لَمْ يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ عِنْدَ تَلَفِهَا وَإِذَا كَانَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ لِلْأُجْرَةِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ ، وَلَا تُشْبِهُ الْأُجْرَةُ صَدَاقَ الزَّوْجَةِ لِافْتِرَاقِهِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ مِلْكَ الزَّوْجَةَ عَلَى الصَّدَاقِ مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، لَمْ يَرْجِعِ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا ، وَلَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهَا ، رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَا فِي مُقَابَلَتِهَا .

وَالثَّانِي : أَنَّ رُجُوعَ الزَّوْجِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْدَاثُ مِلْكٍ تَجَرَّدَ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الزَّوْجَةِ عَلَى الصَّدَاقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَرُجُوعِ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ عِنْدَ انْهِدَامِ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ الْمُدَّةَ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ : لَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الْأُجْرَةِ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ الْمُدَّةُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْأُجْرَةِ فَزَكَاةُ الْأُجْرَةِ في الكراء مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ جَمِيعِهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ بَاقِيَةً بِيَدِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرٌ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ الْأَوَّلُ بَنَيْنَا اسْتِقْرَارُ مِلْكِهِ عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الْأُجْرَةِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا زَكَاةَ حَوْلٍ نِصْفَ دِينَارٍ وَثُمُنَ دِينَارٍ ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ الثَّانِي بَنَيْنَا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى خَمْسِينَ دِينَارًا مُنْذُ سَنَتَيْنِ ، قَدْ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا لِسَنَةٍ فَيُزَكِّيهَا السَّنَةَ الثَّانِيَةَ إِلَّا قَدْرَ مَا خَرَجَ مِنْهَا فِي زَكَاةِ السَّنَةِ الْأُولَى ، وَيُزَكِّي الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ الْأُخْرَى لِسَنَتَيْنِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا دِينَارًا وَرُبْعًا ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ الثَّالِثُ بَنَيْنَا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ دِينَارًا مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ زَكَّى خَمْسِينَ دِينَارًا فِيهَا لِسَنَتَيْنِ فَيُزَكِّيهَا لِلسَّنَةِ الثَّالِثَةِ إِلَّا قَدْرَ مَا أَخْرَجَ مِنْهَا فِي زَكَاةِ السَّنَتَيْنِ ، وَيُزَكِّي الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِثَلَاثِ سِنِينَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا دِينَارًا وَنِصْفًا وَرُبْعًا وَثُمْنًا ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ الرَّابِعُ بَنَيْنَا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى الْمِائَةِ دِينَارٍ مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ زَكَّى خَمْسِينَ دِينَارًا فِيهَا لِسَنَتَيْنِ فَيُزَكِّيهَا لِلسَّنَةِ الثَّالِثَةِ إِلَّا قَدْرَ مَا أَخْرَجَ مِنْهَا فِي زَكَاةِ السَّنَتَيْنِ ، وَيُزَكِّي الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا ، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِثَلَاثِ سِنِينَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا دِينَارًا وَنِصْفًا وَرُبْعًا وَثُمُنًا ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ الرَّابِعُ بَنِينَا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى الْمِائَةِ دِينَارٍ مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ زَكَّى خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِينَارًا مِنْهَا لِثَلَاثِ سِنِينَ ، فَيُزَكِّيهَا السَّنَةَ الرَّابِعَةَ إِلَّا قَدْرَ مَا أَخْرَجَ مِنْهَا فِي زَكَاةِ السِّنِينَ الثَّلَاثِ ، وَيُزَكِّي الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا الرَّابِعَةَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا ، وَفِي حِسَابِ زَكَاتِهَا دَوْرًا ضَرَبْتُ عَنْ ذِكْرِهِ خَوْفًا مِنَ الْإِطَالَةِ ، وَقَصَدْتُ أَوْضَحَ طُرُقِ الْمَسْأَلَةِ لِيَكُونَ مَأْخَذُهَا أَسْهَلَ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْإِعَانَةِ .

فَصْلٌ : فَلَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ وَرَدَّ مِنَ الْأُجْرَةِ مَا قَابَلَهُ ، وَصَحَّتِ الْإِجَارَةُ زكاة الكراء عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ فِيمَا مَضَى ، وَاسْتَقَرَّ مِلْكُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا قَابَلَهُ وَالْحَكَمُ فِي الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَضَى ، فَلَوْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ ، لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ مَا قَبَضَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ .

فَصْلٌ : فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَبَضَ الْأُجْرَةَ وَلَمْ يُسَلِّمِ الدَّارَ حَوْلًا بَعْدَ حَوْلٍ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ زكاة الكراء ، فَالْإِجَارَةُ قَدْ بَطَلَتْ وَعَلَيْهِ رَدُّ الْأُجْرَةِ ، فَأَمَّا وُجُوبُ زَكَاتِهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ مِلْكَهُ

غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهَا إِلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا قَابَلَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ ، وَمَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنِ الشَّيْءِ لَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاتُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْأُجْرَةِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ الْجَوَابُ بِعَكْسِ مَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ الْأُولَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَقَدْ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَيُزَكِّي الْبَاقِيَ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا لِسَنَةٍ ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ خَمْسِينَ دِينَارًا ، فَيُزَكِّي الْبَاقِيَ لِسَنَةٍ وَهُوَ خَمْسُونَ دِينَارًا إِلَّا قَدْرَ مَا خَرَجَ مِنْهَا فِي زَكَاةِ السَّنَةِ الْأُولَى ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ دِينَارًا فَيُزَكِّي الْبَاقِيَ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا إِلَّا قَدْرَ مَا خَرَجَ مِنْهَا فِي زَكَاةِ السَّنَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ ، فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنِ الْمِائَةِ كُلِّهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا : لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ .

فَصْلٌ : وَيَتَفَرَّعُ عَلَى تَعْلِيلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ مَسْأَلَتَانِ فِي الْبُيُوعِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ وَيَقْبِضَ ثَمَنَهَا ، وَلَا يُسَلِّمَ السِّلْعَةَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي بِيَدِهِ ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ الَّتِي مِنْ مُقَابِلِهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إِذَا كَانَتِ السِّلْعَةُ لِلتِّجَارَةِ ، أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَنْهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ إِنْ قِيلَ : إِنَّ مِلْكَ الْأُجْرَةَ مُسْتَقِرٌّ ، وَإِنْ طَرَأَ الْفَسْخُ فَمِلْكُ الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةِ مُسْتَقِرٌّ ، وَإِنْ جَازَ طُرُوءُ الْفَسْخِ ، وَإِخْرَاجُ زَكَاتِهَا غَيْرُ وَاجِبٍ حَتَّى يَتَقَابَضَا السِّلْعَةَ وَيُؤْمِنَ طُرُوءُ الْفَسْخِ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَبَايَعَا سَلَمًا بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ وَيَقْبِضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ، وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ ، فَالْجَوَابُ يَنْبَنِي أَوَّلًا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي فَسْخِ السَّلَمِ بِعَدَمِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ ، فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ ، فَعَلَى هَذَا مِلْكُ الْبَائِعِ مُسْتَقِرٌّ عَلَى ثَمَنِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ يَنْفَسِخُ بِعَدَمِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى ثَمَنِهِ ، وَيَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَأَمَّا الْمُشْتَرِي السَّلَمَ فَلَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ إِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ قَوْلًا وَاحِدًا : لِأَنَّ تَأْجِيلَ الشَّيْءِ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ زَكَاتِهِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي حُلُولِ الْأُجْرَةِ ، وَمِلْكِ الْمُؤَجِّرِ لَهَا ، وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ ، لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ إِنَّ الْأُجْرَةَ حَالَةٌ وَإِنَّ الْمُؤَجِّرَ لَهَا مَالِكٌ ، وَإِنَّ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110