كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

بَابُ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْسَخَ كِتَابَتَهُ حَتَّى يَعْجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ فَيَكُونَ لَهُ فَسْخُهَا بِحَضْرَتِهِ إِنْ كَانَ بِبَلَدِهِ . وَإِذَا قَالَ : لَيْسَ عِنْدِي مَالٌ فَأُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ عَجَّزَهُ بَطَلَتْ كَانَ عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ . وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ دُونَ الْمُكَاتَبِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ ، فَإِذَا لَمْ تَحِلَّ أَنْجُمُ الْكِتَابَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلسَّيِّدِ ، وَالسَّيِّدُ عَلَى كِتَابَتِهِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ ، وَيَمْلِكُ كَسْبَهُ ، فَإِنْ حَلَّ النَّجْمُ وَأَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ خَرَجَ بِهِ مِنْ حَقِّ السَّيِّدِ ، فَإِنْ كَانَ آخَرَ نَجْمٍ عَتَقَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي تَضَاعِيفِ نُجُومِهِ كَانَ عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَخِيرِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمُكَاتَبُ مَالَ النَّجْمِ عِنْدَ حُلُولِهِ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعَجْزٍ مِنْهُ أَوْ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ لِعَجْزٍ عَنْهُ وَإِعْسَارٍ بِهِ ، فَالسَّيِّدُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْظَارِهِ وَبَيْنَ تَعْجِيزِهِ ، وَتُفْسَخُ كِتَابَتُهُ اعْتِبَارًا بِأَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فَسْخُ الْبُيُوعِ بِالْعُيُوبِ ، لِأَنَّ عَجْزَهُ عَيْبٌ . وَالثَّانِي : اسْتِرْجَاعُ الْبَائِعِ عَيْنَ مَالِهِ بِالْفَلَسِ ، لِأَنَّ عَجْزَهُ فَلَسٌ ، فَإِنْ أَنْظَرَهُ كَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ ، وَإِنْ عَجَّزَهُ فَسَخَ وَاحْتَاجَ الْفَسْخُ إِلَى شَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقُولَ الْمُكَاتَبُ : قَدْ عَجَزْتُ ، وَيَقُولَ السَّيِّدُ : قَدْ فَسَخْتُ كِتَابَتَكَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ بِالْفَسْخِ اسْتِظْهَارًا ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ ، وَيَجُوزُ الْفَسْخُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حَاكِمٌ اعْتِبَارًا بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمِهِ دُونَ الْفَسْخِ بِالْفَلَسِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ ، وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : أَنَا عَاجِزٌ ، فَقَالَ : امْحُ كِتَابَتَكَ ، قَالَ : بَلِ امْحُ أَنْتَ . يَعْنِي بِهِ الْفَسْخَ ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ حَاكِمٌ ، فَإِذَا فَسَخَ بَطَلَتِ الْكِتَابَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ عَنْ آخِرِ نَجْمٍ أَوْ عَنْ أَوَّلِهِ .

فَصْلٌ : وَإِنِ امْتَنَعَ الْكَاتِبُ مِنْ أَدَاءِ النَّجْمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَعْجِيزِهِ ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزَهُ ، وَفَسْخَ كِتَابَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُكَاتَبُ : قَدْ عَجَزَتْ نَفْسِي ، وَيَقُولُ السَّيِّدُ : قَدْ فَسَخْتُ كِتَابَتَكَ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ ، وَيُؤْخَذُ الْمُكَاتَبُ جَبْرًا بِدَفْعِ الْكِتَابَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ مَعَهُ مَا أَقْنَعَ ، وَإِذَا أَجَازَ الْفَسْخَ مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ فِيهِ ، كَمَا لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي ، إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُنْظِرَهُ مُدَّةً يُؤَدِّي إِلَيْهَا نَجْمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُنْظِرَهُ إِلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ مَالَهُ يَبِيعُهُ مَكَانَهُ إِلَى الْمُدَةِ فَيُنْظِرَهُ قَدْرَ بَيْعِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا سَأَلَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ الْإِنْظَارَ بِمَالِ النَّجْمِ بَعْدَ حُلُولِهِ لَمْ يَخْلُ سُؤَالُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ لِاكْتِسَابٍ وَطَلَبٍ ، فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِنْظَارُهُ ، وَلَا لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْظَارِ ، سَوَاءٌ كَانَ مَا اسْتَنْظَرَهُ مِنَ الزَّمَانِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا ، لِأَنَّ الْإِنْظَارَ زِيَادَةٌ فِي الْأَجَلِ ، وَالْآجَالُ لَا تُلْزَمُ إِلَّا فِي الْعُقُودِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَسْتَنْظِرَهُ لِبَيْعِ مَتَاعٍ قَدْ أَحْضَرَهُ ، فَيَلْزَمُهُ إِنْظَارُهُ قَدْرَ بَيْعِهِ ، لِأَنَّهُ إِنْظَارٌ لِتَأْدِيَةِ الْحَقِّ ، لَا لِاكْتِسَابِهِ وَطَلَبِهِ ، وَهَذَا الْإِنْظَارُ هُوَ عِلَّةٌ لِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ ، وَلَيْسَ بِأَجَلٍ زَائِدٍ عَلَى الْعَقْدِ ، يُعْتَبَرُ فِيهِ قَلِيلُ الزَّمَانِ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَسْتَنْظِرَهُ لِمَالٍ لَهُ غَائِبٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِهِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْظِرَهُ إِلَى حِينِ نَقْلِهِ ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ يَقْصُرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةَ ، فَلَا يَلْزَمُهُ إِنْظَارُهُ لِأَنَّهُ كَالْعَادِمِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَسْتَنْظِرَهُ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ لَهُ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ، فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِنْظَارُهُ إِلَى حُلُولِ الْأَجَلِ ، لِأَنَّهُ زِيَادَةُ أَجْلٍ ، وَلَيْسَ بِإِمْهَالٍ لِتَأْدِيَةِ مَالٍ قَدْ وَجَبَ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى مُوسِرٍ ، فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِمْهَالُهُ لِاقْتِضَاءِ دَيْنِهِ ، لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْمُوسِرِ كَالْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى مُعْسِرٍ ، فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِنْظَارُهُ إِلَى قَبْضِ دَيْنِهِ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمُعْسِرِ تَاوٍ ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فِي غَيْبَتِهِ فَأَشْهَدَ سَيِّدُهُ أَنْ قَدْ عَجَّزَهُ أَوْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ فَهُوَ عَاجِزٌ ، وَلَا يُعَجِّزُهُ السُّلْطَانُ إِلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ عَلَى حُلُولِ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا سَفَرُ الْمُكَاتَبِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ جَوَازَ سَفَرِهِ ، وَمَنَعَهُ فِي " الْإِمْلَاءِ " مِنَ السَّفَرِ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ ، فَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ ، لِأَنَّ فِي السَّفَرِ تَغْرِيرًا بِالْمَالِ وَتَأْخِيرًا لِلْحَقِّ " . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ لِتَصَرُّفِ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ الدَّيْنَ إِلَى أَجَلٍ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مِنَ السَّفَرِ ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي جَوَّزَ لَهُ فِيهِ السَّفَرَ إِذَا كَانَ قَرِيبًا لَا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةَ ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْهُ مِنَ السَّفَرِ إِذَا كَانَ بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَكَانَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ غَائِبًا ، فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ مَعَ غَيْبَتِهِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا مَعَ حُضُورِهِ ، وَلَا يَلْزَمَهُ الْإِنْظَارُ بِمَالٍ قَدْ وَجَبَ ، لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ تَفَرُّدِ السَّيِّدِ بِالْفَسْخِ عقد الكتابة عند غيبة المكاتب وحلول النجم عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ مَعَ الْغَيْبَةِ ، كَمَا يَنْفَرِدُ بِهِ مَعَ الْحُضُورِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيِّينَ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ ، فَيَتَوَلَّى الْفَسْخَ ، لِأَنَّ فِي الْفَسْخِ حَقًّا لِغَائِبٍ لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا الْحَاكِمُ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْسَخَ إِذَا سَأَلَهُ السَّيِّدُ الْفَسْخَ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَحُلُولِ النَّجْمِ فِي غَيْبَتِهِ ، فَإِذَا أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ أَحْلَفَهُ بِاللَّهِ إِنَّهُ مَا قَبَضَ مَالَ هَذَا النَّجْمِ ، وَإِنَّهُ لِبَاقٍ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ اسْتِظْهَارٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِطَلَبِ مُسْتَحِقِّهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ فِي فَسْخِ الْحَاكِمِ ، لِأَنْ لَا يَفْسَخَ إِلَّا بِحَقٍّ يَزُولُ مَعَهُ الشُّبَهُ ، فَإِذَا أَحْلَفَهُ فَسَخَ الْكِتَابَةَ فِي الظَّاهِرِ بَعْدَ إِحْلَافِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ قَالَ : قَدْ أَنْظَرْتُهُ وَبَدَا لِي كُتُبُ السُّلْطَانِ إِلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَكِيلِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ أَنْظَرَهُ قَدْرَ مَسِيرِهِ إِلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا عَجَّزَهُ حَاكِمُ بَلَدِهِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا أَنْظَرَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي إِنْظَارِهِ ، وَإِنْ خَالَفَنَا فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْمُكَاتَبِ عِنْدَ رُجُوعِ السَّيِّدِ فِي إِنْظَارِهِ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ كِتَابَتَهُ إِذَا عَلِمَ الْمُكَاتَبُ بِرُجُوعِهِ فِي الْإِنْظَارِ ، وَلَمْ يُبَادِرْ بِالْأَدَاءِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ غَائِبًا مُسَافِرًا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ سَفَرًا مَمْنُوعًا مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُهُ فِيهِ مِنَ السَّفَرِ ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفَسْخَ ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّوَقُّفُ لِإِعْلَامِهِ لِتَعَدِّيهِ بِالسَّفَرِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْإِنْظَارَ بِعُدْوَانِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ سَفَرًا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ : إِمَّا لِأَنَّهُ عَنْ إِذْنِ السَّيِّدُ ، وَإِمَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ إِعْلَامِ الْمُكَاتَبِ بِرُجُوعِهِ فِي الْإِنْظَارِ ، فَيُثْبِتُ السَّيِّدُ عِنْدَ حَاكِمِ بَلَدِهِ عَقْدَ الْكِتَابَةِ ، وَحُلُولَ النَّجْمِ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِهِ ، وَيُخْبِرُهُ بِرُجُوعِهِ فِي إِنْظَارِهِ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ أَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْ مَالِ ذَلِكَ النَّجْمِ ، وَإِنَّهُ لِبَاقٍ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ كَتَبَ حِينَئِذٍ إِلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُكَاتَبُ بِرُجُوعِ سَيِّدِهِ فِي إِنْظَارِهِ ، فَإِذَا عَرَفَ الْمُكَاتَبُ ذَلِكَ مِنْ حَاكِمِ بَلَدِهِ نُظِرَ ، فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ سَافَرَ إِلَيْهِ أَوْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ فِيهِ ، فَعَجَّلَ دَفْعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَكِيلِهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ السَّيِّدُ حَاضِرًا وَعَتَقَ ، وَإِنْ أَخَّرَ الْمَالَ عَنْ وَكِيلِهِ فِي الْحَالِ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ ، وَيَنُوبُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي الْفَسْخِ إِذَا سَأَلَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مَعَ حُضُورِ الْوَكِيلِ كَمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ السَّيِّدُ حَاضِرًا ، لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْحَالَيْنِ مُمْكِنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ وَكِيلٌ فِي بَلَدِ الْمُكَاتَبِ أُنْظِرَ الْمُكَاتَبُ قَدْرَ الْمَسَافَةِ مِنْ مِسِيرِهِ إِلَى سَيِّدِهِ عَلَى حَسَبِ الْمَكِنَةِ ، فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا فَسَخَ السَّيِّدُ حِينَئِذٍ الْكِتَابَةَ ، أَوْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي الْفَسْخِ إِذَا فَوَّضَهُ إِلَيْهِ ، فَلَوْ سَأَلَ السَّيِّدُ حَاكِمَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَ كِتَابَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبْضُ ، وَكَانَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ، لِأَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ الْحَاكِمُ بِالْتِزَامِهِ هُوَ الْحُكْمُ دُونَ الْقَبْضِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِمَوْلًى عَلَيْهِ ، فَتَلْزَمُهُ النِّيَابَةُ عَنْهُ فِي قَبْضِهِ ، لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِهِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا حَلَّ النَّجْمُ ، وَالْمُكَاتَبُ مُسَافِرٌ قَدْ أَخَّرَ الْأَدَاءَ عَنْ سَيِّدِهِ ، فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ وَلَا يُلْزَمَ إِعْلَامَ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ حَالِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِنْظَارِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ عَلِمَ بِحُلُولِ النَّجْمِ فِي سَفَرِهِ ، وَأَنَّ السَّيِّدَ قَدِ اسْتَحَقَّ بِهِ فَسْخَ كِتَابَتِهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعْلَامُهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا أَنْظَرَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِاسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ بَعْدَ رُجُوعِهِ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ إِعْلَامُهُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعَجِّزَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمُ وَلَا يُعَجِّزَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ مَالِهِ ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَدَّى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ عَجَّزَهُ وَأُخِذَ السَّيِّدُ بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا ، كَانَ لَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَكَّ الْعَجْزَ عَنْهُ وَرَدَّ عَلَى سَيِّدِهِ نَفَقَتَهَ مَعَ كِتَابَتِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا جُنَّ الْمُكَاتَبُ فهل تبطل كتابته لَمْ تَبْطُلْ كِتَابَتُهُ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ لُزُومَهَا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ يَمْنَعُ مِنْ بُطْلَانِهَا بِجُنُونِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالرَّهْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّ فِيهَا مَعَ الْمُعَاوَضَةِ عِتْقًا بِصِفَةٍ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ ، فَكَذَلِكَ بِالْمُعَاوَضَةِ . فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الرَّهْنُ فَهَلَّا بَطَلَ بِالْجُنُونِ وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الرَّهْنُ ؟ قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعِتْقَ يُنَافِي الْمَوْتَ ، وَلَا يُنَافِي الْجُنُونَ ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِالْجُنُونِ ، وَالرَّهْنُ لَا يُنَافِي الْمَوْتَ وَلَا الْجُنُونَ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالْجُنُونِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ بِالصِّفَةِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بِمَثَابَتِهِ فِي بُطْلَانِهَا بِالْمَوْتِ دُونَ الْجُنُونِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ ، وَإِنْ بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ فَلِلسَّيِّدِ إِذَا حَلَّ نَجْمُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ ، فَيُثْبِتُ عِنْدَهُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَحُلُولَ النَّجْمِ فِيهَا ، ثُمَّ يُفَتِّشُ الْحَاكِمُ بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا دَفَعَهُ إِلَى السَّيِّدِ ، وَعَتَقَ بِهِ إِنْ كَانَ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا الْمَالُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ غَابَ لَمْ يُفَتِّشْ عَنْ مَالِهِ فَهَلَّا كَانَ فِي الْجُنُونِ كَذَلِكَ ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْجُنُونِ مَوْلًى عَلَيْهِ فَكَانَ لِلْحَاكِمِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ فِي مَصَالِحِهِ ، وَأَصْلَحُ الْأُمُورِ تَحَرِّي عِتْقِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَائِبُ ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ ، وَمَصَالِحُهُ مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ لِلْمُكَاتَبِ مَالًا أَحْلَفَ الْحَاكِمُ سَيِّدَهُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مَالَ النَّجْمِ مِنْهُ ، وَإِنَّهُ لَبَاقٍ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى مَجْنُونٍ ، فَكَانَ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ، فَإِذَا حَلَفَ السَّيِّدُ حَكَمَ لِسَيِّدِهِ بِتَعْجِيزِهِ وَإِعَادَتِهِ عَبْدًا قِنًّا ، وَأَخَذَهُ بِنَفَقَتِهِ ، فَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ بَعْدَ اسْتِرْقَاقِهِ وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِتَقَدُّمِهِ فِي مِلْكِهِ أَبْطَلَ الْحَاكِمُ تَعْجِيزَهُ ، وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ كَمَا يُبْطِلُ مَا نَفَذَ مِنْ أَحْكَامِهِ بِالِاجْتِهَادِ إِذَا خَالَفَ نَصًّا ، وَحَكَمَ

لِلسَّيِّدِ بِاسْتِرْجَاعِ نَفَقَتِهِ ، لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِحُكْمِهِ ، فَإِذَا اسْتَرْجَعَهَا نَظَرَ فِي الْبَاقِي بَعْدَهَا مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ لَمْ يُعْتَقْ ، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ مُسْتَحَقًّا بِالْمِلْكِ لَا بِالْكِتَابَةِ ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُكَاتَبُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَدَّى مَالَ كِتَابَتِهِ إِلَى السَّيِّدِ قَبْلَ جُنُونِهِ عَتَقَ ، وَكَانَ السَّيِّدُ مُتَطَوِّعًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ ، لِأَنَّهُ بِجَحُودِ الِاسْتِيفَاءِ قَدْ صَارَ مُلْتَزِمًا مَا لَمْ يَلْزَمْهُ ، فَلِذَلِكَ صَارَ بِهِ مُتَطَوِّعًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَتَهُ وَجَاءَ بِشَاهِدٍ أَحْلَفَهُ مَعَهُ وَأَبْرَئَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَ كِتَابَتِهِ ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ بَيِّنَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَبَيِّنَتُهُ فِي الْأَدَاءِ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ ، وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ إِلَّا مِنْ شَاهِدَيْنِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، وَالْأَدَاءُ فِيهِ صِفَةٌ لِحُلُولِهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ فِي الْعَقْدِ إِلَّا شَاهِدَيْنِ ، وَسُمِعَ فِي الْأَدَاءِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ ، لِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةٍ . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ إِثْبَاتَ تَصَرُّفٍ لِلْمُكَاتَبِ ، وَزَوَالَ تَصَرُّفٍ لِلسَّيِّدِ ، فَصَارَتْ وِلَايَةً لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، وَالْأَدَاءُ مَالٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ، كَالْوَصِيَّةِ لَا تَثْبُتُ لِلْمُوصَى إِلَيْهِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ، وَتَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ، لِأَنَّهُ مَالٌ .

فَصْلٌ : فَلَوْ ذَكَرَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ دَعْوَى الْأَدَاءِ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً أُنْظِرَ بِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ، وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثًا ، لِأَنَّ فِي إِرْهَاقِهِ ، إِضْرَارًا بِهِ ، وَفِي الزِّيَادَةِ بِالْإِنْظَارِ إِضْرَارٌ بِالسَّيِّدِ ، وَفِي الْإِنْظَارِ تَقْلِيلُ الزَّمَانِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ إِلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الثُّلُثُ رِفْقٌ بِهِمَا وَرَفْعٌ لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا ، فَإِذَا أَحْضَرَ بَيِّنَةً سُمِعَتْ وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِيَمِينِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ أَحْضَرَ فِي الثَّلَاثِ شَاهِدًا وَاحِدًا ، وَاسْتَنْظَرَ بِالثَّانِي أَنْظَرْتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ عَدْلًا ، وَلَوْ أَحْضَرَ فِي الثَّلَاثِ شَاهِدِينَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَدَالَتُهُمَا أُنْظِرَ بِهِمَا ثَلَاثًا ، لِأَنَّهُ اسْتِنْظَارٌ لِبَيِّنَةٍ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ دَفَعَ الْكِتَابَةَ وَكَانَتْ عَرْضًا بِصِفَةٍ فَقَبَضَهُ وَعَتَقَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ قِيلَ لَهُ : إِنْ أَدَيْتَ مَكَانَكَ وَإِلَّا رَقَقْتَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ عَلَى عَرْضٍ مَوْصُوفٍ ، فَأَدَّاهُ

الْمُكَاتَبُ ، وَعَتَقَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ السَّيِّدِ بَطَلَ مَا حَكَمَ بِهِ مِنَ الْعِتْقِ ، لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ الْعَرْضِ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ السَّيِّدُ مَلِكًا ، وَالْمُسْتَحِقُّ لَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ ، فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ صِفَةُ الْعِتْقِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهِ الْعِتْقُ ، كَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَتَيْنِ لَمْ يَعْتِقْ بِوُجُودِ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْمُكَاتَبُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَرْضِ رَاجِعًا إِلَى الْكِتَابَةِ لَا إِلَى الرِّقِّ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : " قِيلَ لَهُ : إِنْ أَدَّيْتَ مَكَانَكَ وَإِلَّا رَقَقْتَ " يَعْنِي : وَإِلَّا عَجَّزْتُكَ ، فَرَقَقْتَ ، لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَى الرِّقِّ إِلَّا بِالتَّعْجِيزِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَإِنَّمَا يَعُودُ إِلَى الْكِتَابَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ ، فَإِذَا أَدَّى لِوَقْتِهِ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَرْضِ عَتَقَ بِهِ حِينَئِذٍ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ كَانَ السَّيِّدُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْظَارِهِ وَبَيْنَ تَعْجِيزِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ قَدِ اسْتَهْلَكَ الْعَرْضَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ يَدِهِ لَزِمَهُ غُرْمُهُ لِمُسْتَحَقِّهِ ، وَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ فِي الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ السَّيِّدِ أَوِ الْمُكَاتَبِ ، فَإِنْ رَجَعَ بِهِ عَلَى السَّيِّدِ فَأَغْرَمَهُ إِيَّاهُ بَطَلَ بِهِ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ ، سَوَاءٌ كَانَ غُرْمُهُ مِثْلًا أَوْ قِيمَةً ، وَإِنْ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَأَغْرَمَهُ ، فَإِنْ كَانَ مِثْلًا لِأَنَّ الْعَرْضَ كَانَ ذَا مِثْلٍ عَتَقَ بِهِ الْمُكَاتَبُ ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِغُرْمِهِ عَلَى السَّيِّدِ ، فَصَارَ الْغُرْمُ وَالْأَدَاءُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَدَاءً إِلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَا غَرِمَهُ الْمُكَاتَبُ قِيمَةً ، لِأَنَّ الْعَرْضَ لَا مِثْلَ لَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِهِ الْمُكَاتَبُ ، لِأَنَّ الْقَيِّمَةَ وَإِنِ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى السَّيِّدِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ ، فَلَمْ يَعْتِقْ بِهَا وَلَمْ تَصِرْ قِصَاصًا مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ ، وَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِالْقِيمَةِ ، وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِالْعَرْضِ فَإِنْ تَبَارَآ عَنْ تَرَاضٍ وَقَعَ الْعِتْقُ حِينَئِذٍ بِالْإِبْرَاءِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ : إِنْ دَفَعْتَ إِلَيَّ هَذَا الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ مَغْصُوبًا ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " لَمْ يَعْتِقْ بِهِ ، وَحَمَلَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كِتَابَةً ، وَقَالَ فِي الْخُلْعِ : إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إِذَا دَفَعْتِ إِلَيَّ هَذَا الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ مَغْصُوبًا طُلِّقَتْ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَنْقُلُ جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى ، وَيُخَرِّجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلْعِ . وَالثَّانِي : لَا يَقَعُ الْعِتْقُ ، وَلَا الطَّلَاقُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِتْقِ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ جَوَابُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْمُعَيَّنِ إِذَا اسْتُحِقَّ ، وَلَا يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ لِلزَّوْجَةِ مَدْخَلًا فِي رَفْعِ النِّكَاحِ بِالْفَسْخِ ، فَكَانَ رَفْعُهُ بِالطَّلَاقِ أَوْسَعَ حُكْمًا ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مَدْخَلٌ فِي رَفْعِ رِقِّهِ ، فَكَانَ الْعِتْقُ أَضْيَقَ حُكْمًا ، وَهَذَا الْفَرْقُ يَصِيرُ ، وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ بِالْمُسْتَحَقِّ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا كَمَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ، لِأَنَّ

الْمُغَلَّبَ فِيهَا مَعَ التَّعْيِينِ حُكْمُ الصِّفَةِ ، وَلِأَنْ لَمْ يَكُنِ الْخَلْعُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ لَمْ يَكُنْ أَضْعَفَ مِنْ مُجَرَّدِ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ عِنْدَ دَفْعِ الْعَرْضِ الَّذِي عُيِّنَ فِي الظَّاهِرِ : أَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ اسْتَحِقَّ مِنْ يَدِهِ ، وَاخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَالسَّيِّدُ ، فَقَالَ السَّيِّدُ : أَرَدْتُ عِتْقَهُ بِالْعَرْضِ الَّذِي أَدَّاهُ ، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ : بَلْ أَرَادَ عِتْقِي ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : إِنِّي أَرَدْتُ مَا ظَنَنْتُهُ فِي عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ ، لِأَنَّهُ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَالْعِتْقِ فِي الظَّاهِرِ وَقَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ : أَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ : أَرَدْتُ بِالْعِتْقِ مَا كَانَ مِنْ ظَاهِرِ الْأَدَاءِ ، فَفِي قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ : أَحَدُهُمَا : يُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ وُجُودِ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا يُقْبَلُ مِنْهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُقْبَلُ ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ مَعَ يَمِينِهِ ، لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالْأَدَاءِ قَدِ اسْتَقَرَّ ظَاهِرُهُ بِنَقْضِ زَمَانِهِ ، فَصَارَ لِمَا تَجَدَّدَ بَعْدَهُ مِنْ لَفْظِ الْعِتْقِ حُكْمًا مُبْتَدَأً ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْمُكَاتَبِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ

بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْمُكَاتَبِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَعَجَّزَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ مَلَكَهُ حَتَى يُجَدِّدَ وَصِيَّةً لَهُ بِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا وَصَّى بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ ، وَكِتَابَتُهُ صَحِيحَةٌ حكم الوصية كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً سَوَاءٌ عَجَزَ فَرَقَّ أَوْ أَدَّى فَعَتَقَ لِخُرُوجِهِ بِالْكِتَابَةِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَصَارَ كَمَنْ وَصَّى بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ، وَإِنْ مَلَكَهُ ، وَلَوْ قَالَ : قَدْ وَصَّيْتُ بِرَقَبَتِهِ إِنْ عَجَزَ وَرَقَّ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إِلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ مَالِكًا ، فَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ نَخْلَةٍ وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ لِجَوَازِ الْوَصَايَا بِالصِّفَاتِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا أَوْصَى بِكِتَابَتِهِ جَازَتْ فِي الثُّلُثِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ ، فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ تَأْخِيرَهُ وَالْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ فَذَلِكَ الْوَارِثُ تَصِيرُ رَقَبَتُهُ لَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا أَوْصَى بِمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ ، إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِ الْكِتَابَةِ ، فَصَارَ مُوصِيًا بِمَا يَمْلِكُ فَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ تَسْقُطَ بِالْعَجْزِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالٍ غَائِبٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُتْلِفَهُ وَبِدِينٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتْوَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ تَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ مَا يُؤَدِّيهِ الْمُكَاتَبُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ، لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي إِلَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ ، لِأَنَّ الْوَصَايَا لَا تُمَلَّكُ إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ ، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ الْمُكَاتَبِ مِنْ إِحْدَى حَالَتَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ يَعْجِزَ ، فَإِنْ أَدَّى أُمْضِيَتِ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَا أَدَّاهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ فَإِنْ عَجَزَ جَمِيعُهُ عَنِ الثُّلُثِ أَمْضَى مِنْهُ قَدْرَ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ ، لِأَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى عُصْبَتِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَدَاءِ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ ، وَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إِنْظَارِهِ فَيَجُوزَ ، وَتَكُونَ الْكِتَابَةُ بِحَالِهَا ، وَمَا يُؤَدِّيهِ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْإِنْظَارِ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا يَمْلِكُ مَا يُؤَدِّيهِ قَبْلَ الْعَجْزِ .

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْجِيزِهِ ، فَيَعُودَ بِالتَّعْجِيزِ رَقِيقًا يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَتَصِحُّ فِيمَا قَبَضَ مِنْهَا . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ إِلَى إِنْظَارِهِ لِيَأْخُذَ مَا فِي كِتَابَتِهِ ، وَيَدْعُوَ الْوَارِثُ إِلَى تَعْجِيزِهِ لِيَصِيرَ وَارِثًا لِرَقَبَتِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ فِي التَّعْجِيزِ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْأَدَاءِ ، وَمُنْتَهِيَةٌ بِالْعَجْزِ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ إِبْطَالُهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُبْطِلَ مِلْكَ الْوَارِثِ بَعْدَ الْعَجْزِ . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ إِلَى تَعْجِيزِهِ ، وَيَدْعُوَ الْوَارِثُ إِلَى إِنْظَارِهِ فَلَيْسَ لِتَعْجِيزِ الْمُوصَى لَهُ فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَيْهِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ تَعْجِيزَهُ ، وَيَكُونُ إِمْضَاءُ الْوَارِثِ أَمْضَى ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي التَّعْجِيزِ لَهُ ، وَيَكُونُ تَعْجِيزُ الْمُوصَى لَهُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ الْإِنْظَارِ ، وَيَصِيرُ الْوَارِثُ أَحَقَّ بِهِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى بِمَالِ كِتَابَتِهِ لِزَيْدٍ إِنْ أَدَّى ، وَبِرَقَبَتِهِ لِعَمْرٍو إِنْ عَجَزَ صَحَّتِ الْوَصِيَّتَانِ ، فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ ، اسْتَقَرَّتِ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ فَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَإِنْظَارِهِ ، وَتَعْجِيزِهِ ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكِتَابَةِ إِلَى إِنْظَارِهِ ، وَيَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إِلَى تَعْجِيزِهِ ، فَيَكُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ فِي تَعْجِيزِهِ أَحَقَّ مِنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ فِي إِنْظَارِهِ ، فَتَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ ، وَتَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابَةِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكِتَابَةِ إِلَى تَعْجِيزِهِ ، وَيَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إِلَى إِنْظَارِهِ فَتَبْطُلَ الْوَصِيَّتَانِ جَمِيعًا بِالْكِتَابَةِ وَالرَّقَبَةَ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاعٍ إِلَى إِبْطَالِ وَصِيتِهِ ، فَصَارَ مُبْطِلًا لَهَا ، وَيَعُودُ الْمُكَاتَبُ إِلَى الْوَرَثَةِ ، فَيَكُونُوا فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْظَارِهِ وَتَعْجِيزِهِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا وَصَّى بِمَا تَعَجَّلَهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ ، وَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِمَا يُؤَدِّيهِ تَعْجِيلًا قَبْلَ حُلُولِهَا ، فَأَيُّ شَيْءٍ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ ، وَمَا أَدَّاهُ بَعْدَ حُلُولِهِ اسْتَحَقَّهُ الْوَارِثُ ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصَايَا بِالصِّفَاتِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ ، لِأَنَّ بُطْلَانَهَا قَدْ أَسْقَطَ مَالَهَا مِنْ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ ، فَصَارَ مُوصِيًا بِمَا لَا يَمْلِكُ ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ لَكَ بِمَا يُؤَدِّيهِ مُكَاتَبِي صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ ، وَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَيَعْتِقُ ، كَمَا يُؤَدِّي فِي الصَّحِيحَةِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ

جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ : قَدْ أَوْصَيْتُ لَكَ بِرَقَبَتِهِ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّتَيْنِ إِنْ عَجَزَ ، وَيَجْرِي قَوْلُهُ : قَدْ وَصَّيْتُ لَكَ بِمَالِ كِتَابَتِهِ ، وَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ مَجْرَى قَوْلِهِ : قَدْ وَصَّيْتُ لَكَ بِرَقَبَتِهِ وَالْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ وَكِتَابَتُهُ فَاسِدَةٌ فَفِيهَا قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ ، فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ مَا صَنَعَ فِي مِلْكِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا عَلِمَ بِفَسَادِ كِتَابَتِهِ فَوَصَّى بِرَقَبَتِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ قَوْلًا وَاحِدًا ، لِأَنَّهُ وَصَّى بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكُهُ فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِفَسَادِ كِتَابَتِهِ ، حَتَّى وَصَّى بِرَقَبَتِهِ فَفِي صِحَّةِ وَصِيتِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ ، لِأَنَّهُ قَدْ وَصَّى بِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ . فَصَارَ مَقْصُودُهَا فَاسِدًا فَبَطَلَتْ ، وَصَارَ كَبَيْعِ الِابْنِ دَارَ أَبِيهِ ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ ، وَكَانَ الِابْنُ وَارِثًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ صَادَفَ مِلْكًا لِفَسَادِ الْمَقْصُودِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ ، لِأَنَّهَا صَادَفَتْ مِلْكًا ، وَإِنْ جَهِلَهُ ، وَقَصَدَ خِلَافَهُ ، وَجَرَى مَجْرَى وَصِيَّتَهُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ فِيهِ ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مَعَ جَهْلِهِ وَقَصَدَ خِلَافَهُ ، فَصَارَ مَسْطُورَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مُشْتَمِلًا عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ : أَحَدُهَا : أَنْ يُوصِيَ بِرَقَبَتِهِ فِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ ، فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً . وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يُوصِيَ بِمَالِ كِتَابَتِهِ فِي كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَتَكُونَ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً . وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يُوصِيَ بِرَقَبَتِهِ فِي كِتَابِةٍ فَاسِدَةٍ ، فَتَكُونَ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً . وَالرَّابِعَةُ : أَنْ يُوصِيَ بِمَالِ كِتَابَتِهِ فِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ فَتَكُونَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلَ نِصْفِهِ وُضِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنَ النِّصْفِ بِمَا شَاءُوا وَمِثْلُ نِصْفِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا أَوْصَى الْمُكَاتَبُ بِأَكْثَرَ مِمَّا عَلَى مُكَاتَبِهِ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِأَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ بِجُزْءٍ وَإِنْ قَلَّ ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ هُوَ أَكْثَرُ الْجُمْلَةِ ، وَلَوْ وَصَّى لَهُ بِأَكْثَرِ مَا عَلَيْهِ ، وَمِثْلَ نِصْفِهِ كَانَتْ وَصِيَّةً بِأَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ وَأَكْثَرَ مِنَ الرُّبُعِ ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ كَانَ نِصْفُهُ أَكْثَرَ مِنَ الرُّبُعِ ، فَيَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ ، وَجُزْءٌ نِصْفُ ذَلِكَ الْجُزْءِ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ في الكتابة وُضِعَ عَنْهُ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا ، وَالْفَضْلُ بَاطِلٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ كَانَ ضِعْفُهُ أَكْثَرَ مِنَ الْكُلِّ ، فَصَارَ مُوصِيًا بِمَالِ الْكِتَابَةِ ، وَبَطَلَتْ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ في الكتابة فَشَاءَهَا كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا أَنْ يُبْقِيَ مِنْهَا شَيْئًا . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَقَلَ الرَّبِيعُ فِيهَا شَرْطًا أَسْقَطَهُ الْمُزَنِيُّ ، فَالَّذِي نَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي " الْأُمِّ " : وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ مِنْ كِتَابَتِهِ فَشَاءَهَا كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا أَنْ يُبْقِيَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَهَذَا جَوَابٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ يَتَنَاوَلُ بَعْضَ الشَّيْءِ ، وَإِبْقَاءَ بَعْضِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ لَفْظَةَ " مِنْ " مَوْضُوعَةٌ لِلتَّبْعِيضِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَضْعُ الْجَمِيعِ . وَأَمَّا الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ ، فَهُوَ لَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ ، فَشَاءَهَا كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ نَقْلِهِ بِحَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي عِلَّةِ مَا نَقَلَهُ الرَّبِيعُ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى صِحَّةِ نَقْلِهِ ، وَأَنَّهُ إِذَا شَاءَ إِسْقَاطَ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَتَّى يُبْقِيَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ عَلَّلَ مَسْأَلَةَ الرَّبِيعِ بِأَنَّ مَعْرُوفَ الْوَضْعِ أَنْ يُبْقِيَ شَيْئًا مِنَ الْأَصْلِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَهَا الْمُزَنِيُّ فِي نَقْلِهِ ، وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَجَوَابُ نَقْلِهِ عِنْدَ إِسْقَاطِ " مِنْ " جَوَابُهُ إِذَا شَاءَ وَضْعَ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ صَحَّ ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ عِلَلِ مَسْأَلَةِ الرَّبِيعِ بِأَنَّ لَفْظَةَ " مِنْ " مَوْضُوعَةٌ لِلتَّبْعِيضِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا مِنْ نُجُومِهِ في الكتابة كَانَ هَذَا مَرْدُودًا إِلَى اخْتِيَارِ الْوَارِثِ فِي وَضْعِ أَيِّ نَجْمٍ شَاءَ مِنْ قَلِيلِ النُّجُومِ أَوْ كَثِيرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْطُوهُ عَبْدًا فَأَعْطَوْهُ أَيَّ عَبْدٍ شَاءُوا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شِئْتُمْ ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءَ في الكتابة كَانَ الْخِيَارُ إِلَى الْمُكَاتَبِ فِي أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ أَيُّ نَجْمٍ شَاءَ مِنْ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ إِلَّا نَجْمًا وَاحِدًا ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَنَاوَلُ نَجْمًا وَاحِدًا .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَوْسَطَ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ في الكتابة ، فَالنُّجُومُ تَنْطَلِقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ :

عَلَى عَدَدِهَا ، وَعَلَى أَجَلِهَا ، وَعَلَى قَدْرِهَا ، لَكِنَّهُ إِذَا قَالَ : أَوْسَطُهَا انْطَلَقَ الْوَسَطُ عَلَى الْعَدَدِ ، لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ ، وَالْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى الْعَدَدِ ، فَكَذَلِكَ الْوَسَطُ فَيَنْظُرُ فِي عَدَدِ النُّجُومِ ، فَإِنْ كَانَتْ وِتْرًا كَالثَّلَاثَةِ وَضَعَ عَنْهُ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً وَضَعَ عَنْهُ الثَّالِثَ ، فَلَا يُوضَعُ عَنْهُ فِي وِتْرِ النُّجُومِ إِلَّا نَجْمًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يَتَعَدَّلُ بِهِ مَا يَبْقَى فِي الطَّرَفَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ شَفْعًا لَزِمَ إِسْقَاطُ نَجْمَيْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً أَسْقَطَ عَنْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثَ ، وَإِنْ كَانَتْ سِتَّةً أَسْقَطَ عَنْهُ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ ، لِيَصِيرَ الْبَاقِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مِثْلَ الْآخَرِ حَتَّى يَصِحَّ بِهِ إِسْقَاطُ الْوَسَطِ . وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَطْوَلَ نَجْمٍ أَوْ أَقْصَرَ نَجْمٍ انْطَلَقَ عَلَى الْأَجَلِ ، لِأَنَّ لَفْظَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ ، إِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْدِ مَكَانٌ ، فَانْطَلَقَ عَلَى الزَّمَانِ وَهُوَ الْأَجَلُ ، وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ نَجْمٍ أَوْ أَقَلَّ نَجْمٍ انْطَلَقَ عَلَى الْقَدْرِ لِرُجُوعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إِلَيْهِ .

فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَوْسَطَ نُجُومِهِ قَدْرًا أوصى السيد بوضع نجم عن المكاتب لَمْ يَخْلُ حَالُ النُّجُومِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَتَسَاوَىَ أَوْ تَتَفَاضَلَ ، فَإِنْ تَسَاوَى الْمَالُ فِي كُلِّ نَجْمٍ بِأَنْ كَاتَبَهُ فِي كُلِّ نَجْمٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ حَمْلُ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَضْعِ أَوْسَطِ النُّجُومِ عَدَدًا ، فَإِنْ كَانَتْ وِتْرًا وُضِعَ عَنْهُ نَجْمٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَتْ شِفْعًا وَضَعَ عَنْهُ نَجْمَانِ ، لِأَنَّ تَسَاوِيَ الْمِقْدَارِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَسَطٌ ، فَحُمِلَ عَلَى النُّجُومِ ، لِأَنَّ لَهَا وَسَطًا ، وَإِنْ تَفَاضَلَ مَالُ كُلِّ نَجْمٍ حُمِلَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى أَوْسَطِهَا قَدْرًا لِإِضَافَةِ الْوَسَطِ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعَ التَّفَاضُلِ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ وَسَطًا ، فَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ عَلَى مِائَةٍ فِي النَّجْمِ الْأَوَّلِ ، وَمِائَتَيْنِ فِي النَّجْمِ الثَّانِي ، وَثَلَاثِمِائَةٍ فِي النَّجْمِ الثَّالِثِ ، وُضِعَ عَنْهُ نَجْمُ الْمِائَتَيْنِ ، وَوَافَقَ وَسَطَ الْمِقْدَارِ أَوْ وَسَطَ الْعَدَدِ ، وَإِنْ كَانَ النَّجْمُ الْأَوَّلُ مِائَتَيْنِ وَالثَّانِي ثَلَاثَمِائَةٍ ، وَالثَّالِثُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وُضِعَ عَنْهُ الْمِائَتَانِ فِي النَّجْمِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ وَسَطُ الْمِقْدَارِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَسَطَ الْعَدَدِ ، وَلَوْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْجُمٍ فِي النَّجْمِ الْأَوَّلِ مِائَةٌ ، وَفِي الثَّانِي مِائَتَانِ ، وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَفِي الرَّابِعِ أَرْبَعُمِائَةٍ وُضِعَ عَنْهُ الثَّلَاثُمِائَةٍ ، لِتُوَسُّطِهَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَنَقَصَ مِنْهَا ، وَلَوْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَوَّلِ مِائَتَانِ وَالثَّانِي مِائَةٌ ، وَالثَّالِثُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَالرَّابِعُ مِائَتَانِ ، وُضِعَ عَنْهُ الْمِائَتَانِ فِي النَّجْمِ الْأَوَّلِ أَوِ الْمِائَتَانِ فِي النَّجْمِ الرَّابِعِ ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا وَسَطٌ فِي الْقَدْرِ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ مِنَ الْآخَرِ ، فَأُسْقِطَا مَعًا ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ تَفْرِيعٌ يُدَقُّ ، فَحَذَفْنَاهُ اخْتِصَارًا .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا يَخِفُّ مِنْ نُجُومِهِ أَوْ مَا يَثْقُلُ مِنْ نُجُومِهِ أوصى السيد بوضع نجم عن المكاتب ، فَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَى الْمِقْدَارِ ، لِأَنَّ قَلِيلَ الْمَالِ أَخَفُّ مِنْ كَثِيرِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَى الْأَجَلِ ، لِأَنَّ قَصِيرَ الْأَجَلِ أَثْقَلُ مِنْ طَوِيلِهِ ، لَكِنَّ انْطِلَاقَهُ عَلَى الْمِقْدَارِ أَغْلَبُ مِنَ انْطِلَاقِهِ عَلَى الْأَجَلِ ، وَإِنِ احْتَمَلَهُ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَغْلَبِ احْتِمَالَيْهِ فَيُوضَعُ عَنْهُ فِي آخِرِ

نُجُومِهِ أَقَلُّهَا قَدْرًا ، وَفِي أَثْقَلِ نُجُومِهِ أَكْثَرُهَا قَدْرًا ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا خَفَّ أَوْ مَا ثَقُلَ أوصى السيد بوضع نجم عن المكاتب ، أَوْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا قَلَّ أَوْ مَا كَثُرَ أوصى السيد بوضع نجم عن المكاتب رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْوَارِثِ ، لِيَضَعَ عَنْهُ مَا شَاءَ مِمَّا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ وَمَا شَاءَ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ قَلِيلًا إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَكَثِيرًا إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ ، وَإِذَا قَالَ لِمُكَاتَبِهِ إِذَا عَجَزْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَعَجَزَ فِي حَيَاتِهِ عَتَقَ ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الصِّفَةِ تُوجِبُ حَمْلَهَا عَلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إِذَا دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَدَخَلَهَا فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ عَتَقَ ، وَلَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ : إِذَا عَجَزْتَ بَعْدَ مَوْتِي ، فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ بِعَجْزِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : مَوْتُ السَّيِّدِ ، وَالثَّانِيَةُ : عَجْزُ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ صِفَةً فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ كَالتَّدْبِيرِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيَصِحُّ مِثْلُهُ فِي قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ : إِذَا دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَنْ يَعْتِقَ بِدُخُولِهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ فَرْقٌ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مَوْرُوثٌ وَالْمُكَاتَبَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالْعَجْزِ لِبَقَائِهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ السَّيِّدِ ، وَلَمْ يُعْتَقِ الْعَبْدُ بِدُخُولِ الدَّارِ ، لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ ، وَإِذَا صَحَّ مَا قُلْنَاهُ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ نُظِرَ فِي ادِّعَائِهِ الْعَجْزَ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ الْعَجْزَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَقَدْ يَجُوزُ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَهُ أَنْ يَسْتَفِيدَ عِنْدَ مَحَلِّهِ ، وَإِنِ ادَّعَى الْعَجْزَ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ اعْتَبَرَ مَا بِيَدِهِ فَإِنَّ مَعَهُ مَالَ النَّجْمِ لَمْ يُعْتَقْ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاجِزٍ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْعَجْزِ لَا بِالتَّعْجِيزِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ مَالٌ ، فَالظَّاهِرُ عَجْزُهُ ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْعَجْزِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إِنْ أَكْذَبَهُ الْوَارِثُ ، وَيَصِيرُ حُرًّا ، فَلَوْ قَدَرَ الْمُكَاتَبُ عَلَى نَجْمٍ ، وَعَجَزَ عَنْ آخَرَ كَانَ ذَلِكَ عَجْزًا لَا يُعْتَقُ بِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَجْزِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّجْمِ أَوْ عَنْ أَقَلِّهِ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ بِهِ ، وَتَكُونُ قِيمَتُهُ مُحْتَسَبَةً عَلَى السَّيِّدِ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَمَا أَخَذَهُ الْوَارِثُ مِنَ النُّجُومِ كَسْبٌ لَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
_____كِتَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ _____

إِذَا أَوْلَدَ الْحَرُّ أَمَتَهُ فِي مِلْكِهِ وَصَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ

كِتَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ كُتُبٍ مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ مَا يَبِينُ أَنَّهُ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ حكم الأمة عَيْنٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ أُصْبَعٍ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَا تُخَالِفُ الْمَمْلُوكَةَ فِي أَحْكَأُمِهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ مِنْ خَلْقٍ آدَمِيٍّ سَأَلْنَا عُدُولًا مِنَ النِّسَاءِ فَإِنْ زَعَمْنَ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ خَلْقٍ آدَمِيٍّ كَانَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ شَكَكْنَ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا أَوْلَدَ الْحَرُّ أَمَتَهُ فِي مِلْكِهِ ، وَصَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ أحكام أم الولد عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ انْتَشَرَتْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَحْرِيمُ بَيْعِهَا عَلَيْهِ . وَالثَّانِي : عِتْقُهَا بِمَوْتِهِ ، ثُمَّ هِيَ فِيمَا سِوَاهَا كَالْأَمَةِ . فَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْمَوْتِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْبَيْعِ ، فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ بَيْعَهَا حَرَامٌ ، وَأَنَّ مِلْكَهَا لَا يَنْتَقِلُ عَنِ السَّيِّدِ إِلَى غَيْرِهِ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَهَا بِمَا قَالَهُ فِي الصَّحَابَةِ جَابِرٌ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ ، وَالشِّيعَةُ ، فَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ ، حَكَى الْحِجَازِيُّونَ عَنْهُ تَحْرِيمَ بَيْعِهَا ، وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهُ جَوَازَهُ ، فَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : " اقْضُوا فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ أَصْحَابِي " يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلَمَانِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّ بَيْعَهُنَّ جَائِزٌ ، وَرُوِيَ عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَأْيَكَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ ، فَسَكَتَ . وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِنَّ بِرِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ

أَوْلَادِنَا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِلَى أَنْ نَهَانَا عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ ، فَانْتَهَيْنَا . وَمَا ثَبَتَ جَوَازُهُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرَّمْ بَعْدَهُ بِنَهْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ ، وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهَا كَالْأَمَةِ ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا كَالْأَمَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْعُلُوقِ وَجَبَ اسْتِصْحَابُ هَذَا الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوْلَدَهَا بِعَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ كَذَلِكَ إِذَا أَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ ، لِأَنَّهَا فِي الْحَالَيْنِ أُمُّ وَلَدٍ . وَدَلِيلُنَا : مَا رُوِيَ أَنَّ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَدَهَا ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ مَاتَ عَنْهَا وَلَهُ سَنَتَانِ ، فَلَمَّا احْتَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا أُخَلِّفُ دِينَارًا ، وَلَا دِرْهَمًا ، وَلَا عَبْدًا ، وَلَا أَمَةً ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَمَارِيَةُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تِلْكَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا . وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ذُكِرَتْ مَارِيَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا " . وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : عَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ حُرَّةٌ . فَإِنْ قِيلَ : فَهِيَ لَا تُعْتَقُ بِوَلَدِهَا ، وَإِنَّمَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الظَّاهِرِ دَلِيلٌ . قِيلَ : إِنَّمَا يَتَحَرَّرُ عِتْقُهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَالْمُعْتِقُ لَهَا وَلَدُهَا ، فَصَارَ الْوَلَدُ هُوَ الْمُعْتِقَ لَهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إِذَا مَاتَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ عَتَقَ بِمَوْتِ زَيْدٍ ، وَكَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُعْتِقَ ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَالَ : أَيُّمَا أَمَةٍ ، وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ . وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقَالَ : لَا يُبَعْنَ وَلَا يُرْهَنَّ وَلَا يُورَثْنَ ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ " . وَرُوِيَ عَنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا نُصِيبُ السَّبَايَا ، وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَنَعْزِلُ عَنْهُنَّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، فَمَا نَسْمَةٌ قَضَى اللَّهُ خَلْقَهَا إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إِيلَادَهَا مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ إِغْمَائِهِ قَالَ : اسْتَوْصُوا بِالْأُدْمِ الْجُعْدِ خَيْرًا " يُكَرِّرُ ذَلِكَ مِرَارًا ، فَقَالُوا مَنِ الْأُدْمُ الْجُعْدُ ؟ قَالَ : قِبْطُ مِصْرَ ، فَإِنَّهُمْ أَخْوَالٌ وَأَصْهَارٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ : قَوْمَ مَارِيَةَ أُمِّ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ ، لِيَكُونَ انْتِشَارُ الْحُرْمَةِ إِلَى قَوْمِهَا تَنْبِيهًا عَلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَهَا ، وَدَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِهِ لِكُلٍّ مَنْ كَانَ بِمَثَابَتِهَا ، وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ ، وَلَوْلَا انْتِشَارُ الْحَظْرِ بَيْنَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِيهِمْ وَمُسْتَعْمَلًا بَيْنَهُمْ ، وَلِأَنَّ

الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا فِي حَالِ الْحَمْلِ لِحُرْمَةٍ لَمْ يَتَحَقَّقْهَا ، وَكَانَ تَحْرِيمُ بَيْعِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لِحُرْمَةٍ مُتَحَقِّقَةٍ أَوْلَى . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى فِعْلِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِهِمْ لَهُ . وَالثَّانِي : أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَلَدْنَ بَعْدَ نِكَاحٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ تَقَبَّلُوا نَهْيَهُ ، وَلَوْ كَانَ شَرْعًا مُبَاحًا لَقَالُوهُ وَخَالَفُوهُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِصْحَابِهِمْ لِحُكْمِ مَا قَبْلَ الْعُلُوقِ ، فَهُوَ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْحُرْمَةِ تُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْحُكْمِ ، ثُمَّ اسْتِصْحَابَ حُكْمِهَا فِي حَالِ الْحَمْلِ إِلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْحَالَتَيْنِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِإِيلَادِهَا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ ، فَهُوَ أَنَّ وَلَدَهَا فِي النِّكَاحِ كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْحُرِّيَّةُ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْتَشِرْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا فِي الْحُرِّيَّةِ ، وَوَلَدَهَا فِي الْمِلْكِ حُرٌّ فَانْتَشَرَتْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا صَارَ وَلَدُهُ مِنَ النِّكَاحِ مَمْلُوكًا ، وَمِنَ الْمِلْكِ حُرًّا ، لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ وَمَائِهَا ، وَمَاؤُهَا حَقٌّ لِسَيِّدِهَا ، فَتَبِعَهُ مَاءُ الرَّجُلِ ، لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ ، فَصَارَ الْمَاءَانِ فِي النِّكَاحِ مِلْكًا لِغَيْرِهِ ، فَانْعَقَدَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا ، وَصَارَ فِي أَمَتِهِ مِلْكًا لِنَفْسِهِ ، فَانْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا ، وَإِذَا صَارَ بَعْضُهَا حُرًّا جَازَ أَنْ يَسْرِيَ حُكْمُهُ إِلَيْهَا فِي الْحُرِّيَّةِ ، وَفِي هَذَا الِانْفِصَالِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْأَصْلِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ نَهْيِهِ ، وَقَالَ : كَيْفَ نَبِيعُهُنَّ وَقَدْ خَالَطَتْ لُحُومُنَا لُحُومَهُنَّ ، وَدِمَاؤُنَا دِمَاءَهُنَّ ؟

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنِ انْتِشَارِ حُرْمَتِهَا ، وَتَحْرِيمِ بَيْعِهَا ، فَالْكَلَامُ فِيهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فِيمَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ . وَالثَّانِي : فِي حُكْمِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ . فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِيمَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ الجارية ، فَهُوَ أَنْ تَضَعَ مِنْ سَيِّدِهَا مَا انْعَقَدَ خَلْقُ الْوَلَدِ فِيهِ ، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : وَهُوَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَضَعَ وَلَدًا كَامِلًا فِي خَلْقِهِ ، وَزَمَانِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ، فَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، سَوَاءٌ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْوَلَدِ بِالْحَيَاةِ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْحُرْمَةُ بِإِلْقَائِهِ مَيِّتًا ، وَيَتَعَلَّقْ بِالْوَلَدِ إِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا أحكام الولد إن وضعته الأمة حيا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ :

الْمِيرَاثُ ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ ، وَالْكَفَّارَةُ ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَضَعَ عُضْوًا مِنَ الْوَلَدِ كَرَأْسٍ أَوْ يَدٍ ، أَوْ رِجْلٍ الأمة المستولدة ، أَوْ عَيْنٍ ، أَوْ إِصْبَعٍ ، أَوْ ظُفْرٍ ، فَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، لِأَنَّ الْعُضْوَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جَسَدِ الْوَلَدِ ، فَصَارَ الْبَعْضُ مِنْهُ دَالًّا عَلَى وُجُودِهِ ، فَثَبَتَتْ بِهِ حُرْمَةُ الْوِلَادَةِ ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ ، وُجُوبُ الْغُرَّةِ ، وَالْكَفَّارَةُ ، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَضَعَ جَسَدًا فِيهِ خَلْقٌ جَلِيٌّ ، قَدْ تَصَوَّرَ فِي الْعُيُونِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ كُلُّ مَنْ شَاهَدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ، فَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، لِانْعِقَادِهِ وَلَدًا وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ وُجُوبِ الْغُرَّةِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ تَضَعَ جَسَدًا فِيهِ مِنْ تَخْطِيطِ الْخَلْقِ الْخَفِيِّ مَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا قَوَابِلُ النِّسَاءِ ، وَرُبَّمَا اخْتَبَرَتْهُ بِالْمَاءِ الْجَارِي فَبَانَ فَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعٌ مِنْ عُدُولِ النِّسَاءِ أَنَّ فِيهِ ابْتِدَاءً لِتَخْطِيطِ الْخَلْقِ ، وَمَبَادِئِ أَشْكَالِ الصُّوَرِ سُمِعَتْ فِيهِ شَهَادَتَانِ ، وَصَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، لِانْعِقَادِهِ وَلَدًا ، وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ وَتَتَعَلَّقْ بِهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ وُجُوبِ الْغُرَّةِ ، وَالْكَفَّارَةِ ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ تَضَعَ جَسَدًا هُوَ مُضْغَةٌ لَيْسَ فِيهِ خَلْقٌ جَلِيٌّ ، وَلَا خَفْيٌّ ، وَلَا تَشَكَّلَ لَهُ عُضْوٌ ، وَلَا تَخَطَّطَ لَهُ صُورَةٌ ، فَظَاهِرُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا أَنَّهَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ " الْعَدَدِ " مَا يَدُلُّ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِانْعِقَادِهِ جَسَدًا ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ ، الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ وُجُوبِ الْغُرَّةِ ، وَالْكَفَّارَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَلَدًا ، وَلَا تَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةٌ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا : تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ ، وَلَا تَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ أَنَّ مَقْصُودَ الْعِدَّةِ اسْتِبْرَاءٌ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا وَضَعَتْهُ ، وَالْمَقْصُودُ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ انْتِشَارُ حُرْمَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهَا ، وَلَا حُرْمَةَ لِمَا وَضَعَتْهُ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وَضَعَتْهُ حُكْمٌ سِوَى الْعِدَّةِ ، وَلَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ ، وَلَا كَفَّارَةٌ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ حكم الأمة ، فَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حُكْمُهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ أم الولد .

وَالثَّانِي : حُكْمُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ . فَأَمَّا حُكْمُهَا فِي حَيَاتِهِ فَتَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا كَانَتْ فِيهِ كَالْحُرَّةِ ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : فِي الْبَيْعِ ، وَالرَّهْنِ ، وَالْهِبَةِ أم الولد ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ، وَلَا رَهْنُهَا ، وَلَا هِبَتُهَا ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى الْبَيْعِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : مَا كَانَتْ فِيهِ كَالْأَمَةِ ، وَذَلِكَ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ مِلْكِ السَّيِّدِ لِأَكْسَابِهَا بِعَقْدِ إِجَارَةٍ ، وَغَيْرِ إِجَارَةٍ . وَالثَّانِي : الْتِزَامُ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا أم الولد . وَالثَّالِثُ : اسْتِبَاحَةُ وَطْئِهَا أم الولد . وَالرَّابِعُ : فِي الْعِدَّةِ لأم الولد إِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا . وَالْخَامِسُ : فِي شَهَادَتِهَا . وَالسَّادِسُ : فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا أم الولد ، فَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ السِّتَّةِ كَالْأَمَةِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا خَالَفَتْ فِيهِ حُكْمَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، وَذَلِكَ فِي جِنَايَتِهَا خَطَأٌ يَضْمَنُهَا السَّيِّدُ ، وَيَكُونُ فِي رَقَبَةِ الْأَمَةِ ، وَذِمَّةِ الْحُرَّةِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهَا . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ ، وَذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ لَهَا ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مِنْ بَعْدُ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا حُكْمُهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ أم الولد ، فَهُوَ تَحْرِيرُ عِتْقِهَا أم الولد بِمَوْتِهِ ، سَوَاءٌ مَاتَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ، أَوْ تَكُونُ مُعْتَقَةً مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا مِنْ ثُلُثِهِ ، سَوَاءٌ أَوْلَدَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَتِ الْوِلَادَةُ هِيَ الْمُوجِبَةَ لِعِتْقِهَا فَهَلَّا تَحَرَّرَ عِتْقُهَا بِالْوِلَادَةِ ، وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ مَوْتُ السَّيِّدِ . قِيلَ : لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ لَهَا حَقًّا بِالْوِلَادَةِ ، وَلِلسَّيِّدِ حَقٌّ بِالْمِلْكِ وَفِي تَعْجِيلِ حَقِّهَا إِبْطَالٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ مِنَ الْكَسْبِ وَالِاسْتِمْتَاعِ ، وَفِي تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ حِفْظٌ لِلْحَقَّيْنِ ، فَكَانَ أَوْلَى . وَالثَّانِي : أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حِفْظًا لِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْهَا ، وَفِي تَعْجِيلِ عِتْقِهَا إِسْقَاطٌ لِحَقِّهَا مِنَ النَّفَقَةِ ، وَالْكِسْوَةِ ، وَتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إِلَى مَوْتِ السَّيِّدِ حِفْظٌ لِحُرْمَتِهَا فِي الْتِزَامِ النَّفَقَةِ ، وَالْكِسْوَةِ ، وَبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَالْإِبَاحَةِ ، فَكَانَ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَوْلَى مِنْ تَعْجِيلِهِ بِوَضْعِ الْوَلَدِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا كَانُوا مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُمْ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ كَأُمِّهِمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، أَمَّا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنَ السَّيِّدِ حكمه ، فَهُوَ حُرٌّ ، لِأَنَّ وَلَدَهُ مِنَ الْأَمَةِ حُرٌّ ، فَكَانَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا ، وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ ، فَيَكُونُ إِمَّا مِنْ زَوْجٍ ، فَيَكُونُ مِنْ حَلَالٍ ، وَإِمَّا مِنْ زِنًى فَيَكُونُ مِنْ حَرَامٍ لَا يَلْحَقُ بِالزَّانِي ، وَالْوَلَدُ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ فِي حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ كَأُمِّهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ كَأُمِّهِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ كَأُمِّهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَحُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا تَبَعًا لَهَا فِي الْحَالَيْنِ فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ لَا يَتْبَعُهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ إِنْ عُتِقَتْ فَهَلَّا كَانَ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَثَابَتِهِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْفَرْقَ فَاصِلٌ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ حُكْمَ أُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَقِرٌّ ، فَقَوِيَ فِي اجْتِذَابِ الْوَلَدِ إِلَيْهَا ، وَحُكْمَ الْمُدَبَّرَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، فَضَعُفَ عَنِ اجْتِذَابِ الْوَلَدِ إِلَيْهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ حُرْمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَجْلِ الْبَعْضِيَّةِ ، فَانْتَشَرَتْ إِلَى وَلَدِهَا ، وَعِتْقَ الْمُدَبَّرَةِ بِعِقْدٍ ، وَالْعُقُودُ لَا تَنْتَشِرُ إِلَى غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ عتقه على التأخير أم على الفور بِمَثَابَتِهَا عَتَقَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا تَعَجَّلَ عِتْقُهُ لِمَا بَيَّنْتُهُ لِأُمِّهِ فِي الِاسْتِبَاحَةِ الْمُوجِبَةِ ، لِتَأْخِيرِ عِتْقِهَا . قِيلَ : لِأَنَّهُ وَإِنْ فَقَدَ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ التَّابِعِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الْمَتْبُوعِ ، فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ وَعِتْقُ أُمِّهِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِهَا ، وَلَوْ مَاتَتِ الْأُمُّ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ كَانَ عِتْقُ الْوَلَدِ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ السَّيِّدِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أُمِّهِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِقْرَارِ حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَوُقُوفِ حُكْمِ الْمُكَاتَبَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوِ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ عَتَقَ وَلَدُهَا مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَبَدًا حَتَّى تَحْمَلَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي حُرٍّ تَزَوَّجَ أَمَةً ، وَأَحْبَلَهَا ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَطَلَ نِكَاحُهَا ،

وَعَتَقَ وَلَدُهَا ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ تَصِيرُ لَهُ بِالْإِحْبَالِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أُمَّ وَلَدٍ بَعْدَ الْمَلِكِ أَمْ لَا الأمة ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْإِحْبَالِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ إِحْبَالَهَا بَعْدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ مَلَكَهَا حَامِلًا بِالْوَلَدِ أَوْ بَعْدَ وَضْعِهِ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْإِحْبَالِ سَوَاءٌ مَلَكَهَا حَامِلًا أَوْ بَعْدَ الْوَضْعِ . وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ ، إِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا صَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ وَالْخِلَافُ مَعَهُمَا فِي كِتَابِ " النَّفَقَاتِ " ، وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ أَنْ يَكُونَ عُلُوقُهَا مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ ، وَعُلُوقُهَا مِنْهُ فِي النِّكَاحِ إِنَّمَا هُوَ مَمْلُوكٌ صَارَ حُرًّا بَعْدَ مِلْكِهِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ، فَأَمَّا إِذَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي غَيْرِ مِلْكٍ كَالْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ ، وَكَالْأَبِ إِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، فَفِي كَوْنِهَا بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا مَلَكَهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِعُلُوقِهَا مِنْهُ بَحُرٍّ . وَالثَّانِي : لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِعُلُوقِهَا مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ .

مَسْأَلَةٌ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : فِي مُكَاتَبٍ مَلَكَ أَمَةً ، وَأَوْلَدَهَا ، فَوَلَدُهُ مِنْهَا تَبَعٌ لَهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ ، وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ ، وَهَلْ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُكَاتَبِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا : أَحَدُهُمَا : تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، لِمَا ثَبَتَ لِوَلَدِهَا مِنْ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ مِنَ الْعِتْقِ بِعِتْقِ أَبِيهِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهَا ، لِمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ حُرْمَةِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ ، وَوَقْفِ أَمْرِهَا مَعَهُ ، فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ اسْتَقَرَّ كَوْنُهَا لَهُ أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ صَارَتْ مَعَ الْمُكَاتَبِ وَالْوَلَدِ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُمْ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُكَاتَبِ بِهَذَا الْإِيلَادِ ، لِأَنَّ وَلَدَهَا قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ مَمْلُوكٌ ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ ، فَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ حُرْمَةٌ تَنْتَشِرُ إِلَى أُمِّهِ ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهَا قَبْلَ عِتْقِهِ وَبَعْدَهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ إِحْبَالَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، فَتَصِيرَ حِينَئِذٍ أُمَّ وَلَدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَوْصَى رَجُلٌ لِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ يُخْرِجُ مِنَ الثُّلُثِ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِمَوْتِهِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ السَّيِّدُ لِأُمِّ وَلَدِهِ ، لِأَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ، وَمِلْكُ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِهِ حُرَّةٌ ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لَهَا كَالْوَصِيَّةِ لِسَائِرِ الْأَحْرَارِ ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَهَا مِنَ الثُّلُثِ ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ مِنَ الثُّلُثِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الثُّلُثِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَتَّسِعَ لِقِيمَةِ الْمُدَبَّرِ ، وَلِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ ، فَيُعْتَقَ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ ، وَيَمْلِكَ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ بِقَبُولِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَضِيقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا ، وَيَتَّسِعَ لِأَحَدِهِمَا ، فَيُقَدَّمَ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِالْمَوْتِ ، وَالْوَصِيَّةُ تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَصَارَ الْعِتْقُ سَابِقًا لِمِلْكِ الْوَصِيَّةِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَيْهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْعِتْقِ إِبْطَالًا لَهَا وَلِلْعِتْقِ ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْتَقْ وَصَارَ مَمْلُوكًا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ وَصِيَّةً لِلْوَرَثَةِ فَأَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ لَهُ ، وَأَمْضَيْنَا عِتْقَهُ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِأَحَدِهِمَا وَبَعْضِ الْآخَرِ ، فَيَكْمُلَ عِتْقُهُ مِنَ الثُّلُثِ ، وَيَكُونَ بَاقِي الثُّلُثِ فِي وَصِيَّتِهِ ، لِيَكُونَ الْعَجْزُ دَاخِلًا عَلَى وَصِيَّتِهِ دُونَ عِتْقِهِ . وَالرَّابِعُ : أَنْ يَضِيقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا وَيَتَّسِعَ لِبَعْضِ أَحَدِهِمَا ، فَيَكُونَ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ مَصْرُوفًا فِي عِتْقِهِ ، فَيُعْتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ ، وَيُوقَفَ بَاقِيهِ ، وَتَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لَهُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ ، وَلِمُدَبَّرِ غَيْرِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا ، فَإِنْ عَتَقَا بِمَوْتِ سَيِّدِهِمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا وَمَلَكَاهَا بِقَبُولِهِمَا ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ عِتْقِهِمَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِمَا ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَبْدِ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ ، فَإِذَا قَبِلَهَا السَّيِّدُ مَلَكَهَا ، وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ لَعَبْدِ غَيْرِهِ ، وَلَمْ نُجَوِّزْ أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِهِ ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ وَصِيَّةً لِوَارِثِهِ .

مَسْأَلَةٌ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأَرْشِ أَوِ الْقِيمَةِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأَرْشِ أَوِ الْقِيمَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، جِنَايَةُ أُمِّ الْوَلَدِ مَضْمُونَةٌ عَلَى سَيِّدِهَا ، لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا مَا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْعِتْقُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ فِيهِ بِذِمَّتِهَا ، فَصَارَتْ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ إِذَا مَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ بَيْعِهَا يَلْتَزِمُ بِالْمَنْعِ غُرْمَ جِنَايَتِهَا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ضَمِنَ جِنَايَتَهَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا ، وَخَالَفَتِ

الْعَبْدَ الْقِنَّ إِذَا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ فِي الْجِنَايَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعَ جِنَايَتِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ ، لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ ، فَصَارَ ضَمَانُهَا ضَمَانَ إِتْلَافٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْقِيمَةِ ، وَخَالَفَتِ الْعَبْدَ الْمَقْدُورَ عَلَى بَيْعِهِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ، فَلِذَلِكَ ضَمِنَ سَيِّدُهُ بِالْمَنْعِ جَمِيعَ جِنَايَتِهِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهَا ثُمَّ عَادَتْ فَجَنَتْ فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَ إِسْلَامَهُ قِيمَتَهَا كَإِسْلَامِهِ بَدَنَهَا وَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا ثُمَّ هَكَذَا كَلَّمَا جَنَتْ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنَّ إِسْلَامَهُ قِيمَتَهَا كَانَ كَإِسْلَامِ بَدَنِهَا إِلَى الْأَوَّلِ لَزِمَ الْأَوَّلَ إِخْرَاجُهَا إِلَى الثَّانِي إِذَا بَلَغَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ قِيمَتَهَا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَدْفَعُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ وَقَدْ دَفَعَ الْأَرْشَ رَجَعَ عَلَى السَّيِّدِ وَهَكَذَا كُلَمَّا جَنَتْ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَالثَّانِي أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْحَقِّ لِأَنَّ إِسْلَامَ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَ كَإِسْلَامِ بَدَنِهَا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قِيمَتِهَا وَبَطَلَتِ الشَّرِكَةُ وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى إِبْطَالِ ذَلِكَ إِبْطَالُ هَذَا الْقَوْلِ وَفِي إِبْطَالِهِ ثُبُوتُ الْقَوْلِ الْآخَرِ إِذْ لَا وَجْهَ لِقَوْلٍ ثَالِثٍ نَعْلَمُهُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ لَا يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِذَا أَفْتَكَهَا رَبُّهَا صَارَتْ بِمَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمِ لَا جِنَايَةَ عَلَيْهَا وَلَا سَيِّدِهَا بِهَا فَكَيْفَ إِذَا جَنَتْ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ قِيَاسًا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) وَقَدْ مَلَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَرْشَ بِحَقٍّ فَكَيْفَ يَجْنِي غَيْرَهُ وَغَيْرَ مِلْكِهِ وَغَيْرَ مَنْ هُوَ عَاقِلُهُ لَهُ فَيَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ أَوْ غُرْمُ شَيْءٍ مِنْهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَخْلُو جِنَايَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تَكَرَّرَتْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَتَكَرَّرَ قَبْلَ غُرْمِ الْأَرْشِ ، فَيَكُونُ السَّيِّدُ ضَامِنًا لِأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا ، وَإِنْ كَثُرَتْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أُرُوشِ جِنَايَاتِهَا ، وَلَا يَلْتَزِمُ السَّيِّدُ مِنَ الْغُرْمِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ كَوُجُوبِهِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَتَكَرَّرَ جِنَايَتُهَا بَعْدَ غُرْمِهَا ، وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ قِيمَتِهَا ، فَيَضْمَنَ السَّيِّدُ غُرْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، كَمَا ضَمِنَ غُرْمَ الْأُولَى حَتَّى يَسْتَوْعِبَ غُرْمَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتِ الْجِنَايَاتُ أَوِ اخْتَلَفَتْ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ الْأُولَى نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَالثَّانِيَةُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا ، وَالثَّالِثَةُ رُبْعَ قِيمَتِهَا ، فَيُغَرَّمَ أَرْشَ كُلِّ جِنَايَةٍ مِنْهَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ غُرْمَ جَمِيعِ قِيمَتِهَا .

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَتَكَرَّرَ جِنَايَتُهَا بَعْدَ غُرْمِ جَمِيعِ قِيمَتِهَا فِي الْجِنَايَةِ الْأَوْلَى ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يُغَرَّمُ فِي الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَتْ مِائَةَ جِنَايَةٍ بَعْدَ غُرْمِ مَا تَقَدَّمَهَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ، لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا أَوْجَبَ الْغُرْمَ فِي الْجِنَايَةِ الْأَوْلَى مَوْجُودٌ فِيمَا بَعْدَهَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ كَالَّتِي قَبْلَهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ مَلَكَ مَا أَخَذَهُ مِنَ الْأَرْشِ ، وَالْجَانِي غَيْرُهُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْتَزِمُ غُرْمَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدٍ ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ ، فَيَشْرَكُهُ فِيمَا أَخَذَهُ ، وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، فَيَشْرَكُهُمَا ، كَالشُّفْعَةِ إِذَا اسْتَحَقَّهَا ثَلَاثَةٌ ، وَحَضَرَ أَحَدُهُمْ فَأَخَذَهَا ثُمَّ قَدِمَ ثَانٍ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيهَا ، فَإِذَا قَدِمَ الثَّالِثُ شَارَكَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُغَرَّمِ السَّيِّدُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فِي حُكْمَ الْمُتْلِفِ ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُتْلِفَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَ . وَالثَّانِي : أَنَّ تَسْلِيمَ قِيمَتِهَا كَتَسْلِيمِ بَدَنِهَا ، وَهُوَ إِذَا سَقِمَ بَدَنُ عَبْدٍ قَدْ جَنَى ثُمَّ عَادَ فَجَنَى اشْتَرَكَ جَمِيعُهُمْ فِي بَدَنِهِ ، كَذَلِكَ إِذَا سَلَّمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ تَكَرَّرَتِ الْجِنَايَةُ اشْتَرَكَ جَمِيعُهُمْ فِي الْقِيمَةِ ، فَإِنْ تَسَاوَتْ أُرُوشُ جِنَايَاتِهِمْ تَسَاوَوْا فِي الْقِيمَةِ ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ تَفَاضَلُوا بِقَدْرِهَا فِي الْقِيمَةِ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرْجِعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ ، وَيَرْجِعَ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جَانِيًا كَمَا لَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا ثُمَّ مَاتَ فَسَقَطَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فِي تَرِكَتِهِ ، فَلَوِ اسْتَوْعَبَتِ الْقِيمَةُ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ ثُمَّ سَقَطَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ ثَانِيَةٌ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ ، فَشَارَكَهُ فِي الْقِيمَةِ ، فَإِنْ سَقَطَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ ثَالِثَةٌ رَجَعَ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوْلَى وَالثَّانِي فَشَارَكَهُمَا فِي الْقِيمَةِ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمَا جَانِيًا ، وَبِهَذَا يَفْسُدُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُزَنِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَأُخِذَ بِنَفَقَتِهَا وَتَعْمَلُ مَا يُعْمَلُ لَهُ مِثْلُهَا فَإِنْ أَسْلَمَ خُلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا أَوْلَدَ النَّصْرَانِيُّ أَمَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي حُكْمِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُحْدِثُ لَهَا الْإِسْلَامُ عِتْقًا وَلَا اسْتِسْعَاءً .

وَقَالَ مَالِكٌ : تُعْتَقُ بِالْإِسْلَامِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تُسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَتُعْتَقُ بَعْدَ أَدَائِهَا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : تُعْتَقُ وَتُسْتَسْعَى فِي الْقِيمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يُعْتَقُ نِصْفُهَا وَتُسْتَسْعَى فِي النِّصْفِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُمْ بِمَا أَغْنَى . وَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي الرِّقَّ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُنَافِيَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِهَا قَبْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنِ اسْتِخْدَامِهَا وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ، لِتَحْرِيمِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى النَّصْرَانِيِّ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ مَعَهَا ، فَيَجُوزَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا ، وَهُوَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مَمْنُوعٌ مِنَ الْخَلْوَةِ بِهَا ، وَتُوضَعُ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَيْهِ ، لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ بِعِتْقِهَا جَبْرًا ، وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَتُهَا ، وَلَهُ كَسْبُهَا ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ، وَكَانَ وَلَاؤُهَا لَهُ ثُمَّ لِعُصْبَتِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا مَلَكَ الْمُسْلِمُ مَجُوسِيَّةً ، فَإِنْ وَطِئَهَا ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، وَإِنْ أَوْلَدَهَا لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا ، وَإِنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا ، وَصَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ كَالْمُسْلِمَةِ ، وَلَوْ مَلَكَ ذَاتَ رَحِمٍ مُحَرَّمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ حَرُمَ وَطْؤُهَا ، وَإِنْ كَانَ مَالِكًا ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا لَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا ، وَكَانَ حُرًّا ، وَصَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَفِي وُجُوبِ حَدِّهِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ وَطْأَهُ صَادَفَ مِلْكَهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : عَلَيْهِ الْحَدُّ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ مَوْضِعٌ يَلْحَقُ فِيهِ مَعَ وُجُوبِ الْحَدِّ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَصَارَ لِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ ضَعِيفًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَإِذَا تُوُفِّيَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا قَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَ اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَعِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ وَجَعَلَهَا حَيْضَةً فَأَشْبَهَ بِقَوْلِهِ إِذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ أَنْ يَقُومَ الشَّهْرُ فِيِهِمَا مَقَامَ الْحَيْضَةِ كَمَا قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ فِي الْأَمَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْحَيْضَةِ وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ لَا تَحِلُّ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْأَزْوَاجِ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ إِلَّا بِشَهْرٍ وَهَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ وَأَشْبَهُ بِأَصْلِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا مَاتَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ، وَلَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ ، لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ ، فَأَوْجَبَ زَوَالُهُ أَنْ تَسْتَبْرِئَ كَالزَّوْجَاتِ وَالْإِمَاءِ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ الِاسْتِبْرَاءِ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِحَيْضَةٍ كَالْأَمَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءَ كَالْحُرَّةِ مِنْ طَلَاقٍ . وَقَالَ سُفْيَانُ : تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِقُرْأَيْنِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْعِدَدِ بِمَا أَقْنَعَ . وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ عَنْ وَطْءٍ فِي مِلْكٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ إِلَّا كَالْأَمَةِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ بِحُدُوثِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ الْمُسْتَبْرَأَةُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ استبراء أم الولد كَالْأَمَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ، أَوْ حَائِلًا ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ أَوْ مُؤَيَّسَةً ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَيَّسَةً فَفِي اسْتِبْرَاءِ نَفْسِهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِشَهْرٍ وَاحِدٍ ، لِأَنَّ كُلَّ حَيْضَةٍ فِي الْعِدَّةِ ، تُقَابِلُ شَهْرًا كَالْحُرَّةِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الزَّمَانِ الَّذِي يُعْلَمُ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَكُونُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثَمَّ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا " فَصَارَ انْعِقَادُهُ مُضْغَةً فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ، فَلِذَلِكَ تُقَدِّرُ الِاسْتِبْرَاءَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَاسْتَوَتْ فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ كَاسْتِوَائِهَا فِي الْحَمْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ السَّيِّدُ عِتْقَهَا اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا كَمَا لَوْ مَاتَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : قُلْتُ أَنَا : " قَدْ قَطَعَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ كِتَابًا بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَوَقَفَ فِي غَيْرِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي قَدِيمٍ وَلَا جَدِيدٍ فِي عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَتَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَوَقَفَ فِي غَيْرِهَا " ، فَلِأَصْحَابِنَا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ فِي النَّقْلِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَوَقَّفَ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقِفُ فِي عِتْقِهِنَّ ، وَمَنَعَ جَوَازَ بَيْعِهِنَّ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ تَوَقَّفَ اسْتِيضَاحًا بِحُكْمِ الِاجْتِهَادِ ، وَإِفْسَادًا لِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ رَدًّا عَلَى مَالِكٍ فِي ادِّعَائِهِ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مَحْجُوجٌ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ إِجْمَاعُهُمْ ، لِأَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَجَدَّ خِلَافَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِنَّ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ أَنْ وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالْمَدِينَةِ ، فَلَمْ يَعْتَدَّ مَالِكٌ بِخِلَافِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْهَا ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُهُ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ ، وَفِيمَا يَرَاهُ مِنْ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِنَّ ، يَعْنِي الرَّدَّ عَلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ ، وَتَحْرِيمِ الْبَيْعِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَقَالَ فِي كِتَابِ النَّكَاحِ الْقَدِيمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنَّهَا كَالْمَمْلُوكَةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا إِلَّا أَنَّهَا لَا تُبَاعُ ، وَفِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ لَهُ أَنْ يَخْتَدِمَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) قُلْتُ أَنَا : وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلَيْهِ لِأَنَّ رِقَّهَا لَمْ يَزُلْ فَكَذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ وَطْئِهَا وَخِدْمَتِهَا وَإِنْكَاحِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا لَمْ يَزُلْ . وَبَاللَّهِ التَّوْفِيقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا اسْتِخْدَامُ السَّيِّدِ لَهَا وَاسْتِمْتَاعُهُ بِهَا أم الولد ، فَمِمَّا لَمْ يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِهِ كَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُهُ فِي عِتْقِهَا لِمَوْتِهِ وَتَحْرِيمِ بَيْعِهَا فِي حَيَاتِهِ ، وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ بِهَا ، فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُسْتَبِيحٌ لَهَا بِالْمِلْكِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهَا نِكَاحٌ كَالْأَمَةِ ، وَلَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَبِيحَهَا بِالنِّكَاحِ . فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِزَوْجٍ أم الولد ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَبْرًا ، وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كَمَا يَمْلِكُ اسْتِخْدَامَهَا ، فَجَازَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى اسْتِمْتَاعِهَا بِالنِّكَاحِ ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا بِالْإِجَارَةِ ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مِنْ كَسْبِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَفْوِيتُهُ عَلَى سَيِّدِهَا كَسَائِرِ أَكْسَابِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ : يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا ، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا ، لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ بَيْعِهَا قَدْ أَوْهَنَ تَصَرُّفَهُ فِيهَا ، فَمُنِعَ مِنَ الْإِجْبَارِ لِضَعْفِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ أَذِنَتْ ، لِنُقْصَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَالِ الْكَمَالِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ : يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا إِذَا رَضِيَتْ وَرَضِيَ

سَيِّدُهَا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَا ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَمْلِكُ مِنْ عُقُودِ الْمَنَاكَحِ مَا ضَعُفَ عَنْهُ الْأَوْلِيَاءُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ : لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا إِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَا مُنِعَ مِنْهُ وَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ لِضَعْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ لِإِذْنِهِ تَأْثِيرٌ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ عَقْدِ نِكَاحِهَا . فَإِنْ قِيلَ : بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى اسْتِمْتَاعِ السَّيِّدِ إِنْ شَاءَ ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِ تَزْوِيجِهَا كَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرًا بِتَقَدُّمِ الِاسْتِبْرَاءِ ، لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ بِالِاسْتِبْرَاءِ ، فَإِنْ عَقَدَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ زواج أم الولد قبل الاستبراء بَطَلَ النِّكَاحُ ، لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْفِرَاشُ مُشْتَرَكًا وَمَهْرُهَا إِذَا صَحَّ الْعَقْدُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ دُونَهَا ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَسْبِهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَوَجَبَ بِهَا الْمَهْرُ كَانَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا تَزْوِيجُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ فِي حُكْمِهَا فِي عِتْقِهِ ، وَالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ جَارِيَةً كَانَ فِي تَزْوِيجِ السَّيِّدِ لَهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ كَالْأُمِّ ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ غُلَامًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ إِجْبَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَسْبٍ فَيُجْبِرَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأُمِّ ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الرِّقِّ ، وَفِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَجْهَانِ تَخْرِيجًا مِنَ الْأَقَاوِيلِ فِي أُمِّهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ فِيمَا تَوَخَّيْنَاهُ وَكَتَبْنَاهُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ . آخِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا هَذَا آخِرُ كِتَابِ الْحَاوِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا يَسَّرَ مِنْ إِكْمَالِهِ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110