كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ التَّلَفِ أَكْثَرَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ، وَلَا يَضْمَنُ زِيَادَتَهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْجِنَايَةِ . وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيِّ تلف الصداق ، فَلَا تَخْلُو قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَوَقْتَ الْجِنَايَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا سَوَاءً . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ . فَإِنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ كَعَبْدٍ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقْتَ الْعَقْدِ وَوَقْتَ الْجِنَايَةِ ، فَالزَّوْجُ ضَامِنٌ لَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ ، وَالْجَانِي ضَامِنٌ لَهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِالْجِنَايَةِ ، وَلِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ فِي مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ بِهَا أَوِ الْجَانِي . فَإِنْ طَالَبَتِ الزَّوْجَ بِهَا ، وَكَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ دَفَعَ إِلَيْهَا جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، وَرَجَعَ عَلَى الْجَانِي بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ . وَإِنْ أَرَادَتِ الزَّوْجَةُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ تُطَالِبَ بِهَا الْجَانِي دُونَ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَبَرِئَا مِنْ حَقِّهَا ، وَبَرِئَ الْجَانِي مِنْ حَقِّهِمَا . وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ : رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَبَرِئَ الزَّوْجُ وَالْجَانِي مِنْ حَقِّهَا ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِبَاقِي الْقِيمَةِ وَهُوَ النِّصْفُ الَّذِي مَلَكَهُ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهِ . وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّدَاقِ وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَلْفٌ ، وَوَقْتَ الْجِنَايَةِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَالْجَانِي ضَامِنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهَا قِيمَتُهُ وَقْتَ جِنَايَتِهِ ، وَالزَّوْجُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهَا قِيمَتُهُ وَقْتَ عَقْدِهِ . فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ : كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ ، فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ ، وَقَدِ اسْتَحَقَّتْهُ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَبَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْجَانِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَعَلَى الزَّوْجِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْجَانِي بِشَيْءٍ . وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ : كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَتَكُونُ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي هِيَ فَاضِلُ الْقِيمَةِ الْمَضْمُونَةِ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ ، وَبَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْجَانِي بِالْخَمْسِمِائَةِ كُلِّهَا ، وَقَدِ اسْتَحَقَّتْ بِهَا نِصْفَ قِيمَةِ صَدَاقِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَيَكُونُ مَا ضَمِنَهُ مِنْ فَاضَلِ الْقِيمَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ بِطَلَاقِهِ . وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّدَاقِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ ، كَأَنَّهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ خَمْسُمِائَةٍ وَوَقْتَ الْجِنَايَةِ أَلْفٌ ، فَالْجَانِي ضَامِنٌ لِلْأَلْفِ ، وَفِيمَا يَضْمَنُهُ الزَّوْجُ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : خَمْسُمِائَةٍ إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ عَقْدٍ . وَالثَّانِي : أَلْفٌ إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ غَصْبٍ . فَإِذَا قِيلَ : إِنَّ الزَّوْجَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْأَلْفِ ضَمَانَ الْغَصْبِ ، كَانَتْ مُخَيَّرَةً إِنْ كَانَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي رُجُوعِهَا بِالْأَلْفِ عَلَى مَنْ شَاءَتْ مِنَ الزَّوْجِ أَوِ الْجَانِي ، ثُمَّ ( الْكَلَامُ فِي التَّرَاجُعِ ) عَلَى مَا مَضَى . وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَتْ بِنِصْفِ الْأَلْفِ عَلَى مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا ، فَإِنْ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ ، رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِالْأَلْفِ كُلِّهَا ، وَإِنْ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى الْجَانِي ، رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَّةِ الْأَلْفِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الزَّوْجَ يَضْمَنُ خَمْسَمِائَةٍ ضَمَانَ الْعَقْدِ نُظِرَ : فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ شَاءَتِ الرُّجُوعَ عَلَى الْجَانِي رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَقَدْ بَرِئَ ، وَإِنْ شَاءَتِ الرُّجُوعَ عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ إِلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَرَجَعَتْ عَلَى الْجَانِي بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَّةِ الْأَلْفِ وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِالْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْأَلْفِ . وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ شَاءَتِ الرُّجُوعَ عَلَى الْجَانِي رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَّةِ الْأَلْفِ ، وَإِنْ شَاءَتِ الرُّجُوعَ عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ إِلَّا بِنِصْفِ الْخَمْسِمِائَةِ ، وَرَجَعَتْ عَلَى الْجَانِي بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ بَقِيَّةِ نِصْفِ الْأَلْفِ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بَقِيَّةِ الْأَلْفِ . [ إِيضَاحُ الضَّرْبِ الثَّانِي ] وَالضَّرْبُ الثَّانِي فِي الْأَصْلِ : أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ مِنَ الصَّدَاقِ قَبْلَ تَلَفِهِ نَمَاءٌ ، كَوَلَدِ أَمَةٍ ، وَنِتَاجِ مَاشِيَةٍ ، فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِمَا تَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجَةُ مِنْ بَدَلِ الصَّدَاقِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَتِهِ ، فَالنَّمَاءُ لَهَا لِحُدُوثِهِ عَنْ مِلْكِهَا . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، فَفِي النَّمَاءِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عِنْدَ تَلَفِهِ إِلَى بَدَلِ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ مُوجِبٌ لِرَفْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ ، فَكَأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ فَلَمْ تَمْلِكْ نَمَاءَهُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لِلزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَنْ أَصْلٍ كَانَ فِي مِلْكِهَا إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَحْدِثَ الزَّوْجُ مِلْكَهُ بَعْدَ التَّلَفِ .

فَصْلٌ : [ الْقِسْمُ الثَّالِثُ ] . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ زَادَ طلقت المرأة وقد حدث نماء فى الصداق اذا كان عينا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : [ إِيضَاحُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ] أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً كَوَلَدِ الْأَمَةِ وَنِتَاجِ الْمَاشِيَةِ في الصداق ، فَلَهَا إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنْ

تَأْخُذَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ ، وَجَمِيعَ النَّمَاءِ ، وَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَجَمِيعَ النَّمَاءِ ؛ لِحُدُوثِهِ عَنْ أَصْلٍ كَانَتْ مَالِكَةً لِجَمِيعِهِ . وَعِنْدَ مَالِكٍ تَأْخُذُ نِصْفَ الْأَصْلِ وَنِصْفَ النَّمَاءِ . [ إِيضَاحُ الضَّرْبِ الثَّانِي ] وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً ، كَسِمَنِ الْمَهْزُولِ وَبُرْءِ الْمَرِيضِ وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ زَائِدًا . وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَ الزَّوْجَ نِصْفَهُ زَائِدًا أَوْ تَأْخُذَ نِصْفَهُ ، وَبَيْنَ أَنْ تَعْدِلَ بِهِ إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ يَوْمَ أَصْدَقَ لِيَكُونَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ لَهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً تَخْتَصُّ بِمِلْكِهَا دُونَ الزَّوْجِ لَا تَتَمَيَّزُ عَنِ الْأَصْلِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ بِزِيَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ ، كَالْمُفْلِسِ إِذَا زَادَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ ، كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ مَعَ زِيَادَتِهِ . قِيلَ : قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي إِسْحَاقَ - : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي مَعْنَاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُفْلِسَ إِنَّمَا رَجَعَ الْبَائِعُ مَعَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ زَائِدًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهِ ، وَهُوَ الثَّمَنُ لِأَجْلِ الْفَلَسِ ، فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْعَيْنِ زَائِدَةً . وَلَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لَمَا رَجَعَ بِالْعَيْنِ ، وَفِي الصَّدَاقِ لَيْسَ يَتَعَذَّرُ عَلَى الزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِالْبَدَلِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِالْعَيْنِ زَائِدَةً ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِالْبَدَلِ لِفَلَسِ الزَّوْجَةِ لَرَجَعَ بِالْعَيْنِ زَائِدَةً . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا - : أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ ، فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِعَيْنِ مَالِهِ زَائِدًا ، وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا سَوَاءً كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُفْلِسَةً أَوْ مُوسِرَةً . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْبَائِعَ فِي الْفَلَسِ يَرْجِعُ بِفَسْخٍ قَدْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصِلِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ لِحُدُوثِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ الْمَرْفُوعِ . وَالزَّوْجُ إِنَّمَا يَرْجِعُ بِطَلَاقٍ حَدَثَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لَمْ يَرْفَعِ الصَّدَاقَ مِنْ أَصْلِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ لِتَقَدُّمِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الْحَادِثِ . وَالْفَرْقُ الثَّانِي : أَنَّ الزَّوْجَ مَتْهُومٌ لَوْ جُعِلَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ أَنْ يَكُونَ قَدْ طَلَّقَهَا رَغْبَةً فِيمَا حَدَثَ مِنْ زِيَادَةِ صَدَاقِهَا فَمُنِعَ مِنْهَا ، وَلَيْسَ الْبَائِعُ مَتْهُومًا فِي فَلَسِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ الزِّيَادَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



فَصْلٌ : [ الْقِسْمُ الرَّابِعُ ] وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ نَقَصَ طلقت الزوجة وقد نقص صداقها فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : [ إِيضَاحُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ] أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا ، كَعَبْدَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، أَوْ صُبْرَةِ طَعَامٍ تَلِفَ بَعْضُهَا ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الطَّلَاقِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ . فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ : فَقَدِ اسْتَكْمَلَتْ بِهِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ ، وَقَدْ تَلِفَ بَعْضُهُ ، فَيَنْبَنِي جَوَابُهُ عَلَى مَا نَقُولُهُ فِي الرُّجُوعِ بِبَدَلِ التَّالِفِ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْقَدِيمُ - : أَنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا تَلِفَ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ الصَّدَاقُ فِي التَّالِفِ وَلَا فِي الْبَاقِي ، وَتَرْجِعُ بِعَيْنِ مَا بَقِيَ وَبِقِيمَةِ التَّالِفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ، وَبِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ ، وَلَا خِيَارَ لَهَا فِي مُقَامٍ وَلَا فَسْخٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ الْجَدِيدُ - : أَنَّ الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّلَفِ يَكُونُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ . فَعَلَى هَذَا قَدْ بَطَلَ الصَّدَاقُ فِيمَا تَلِفَ ، وَصَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا سَلِمَ ، فَلَا وَجْهَ لِمَنْ خَرَّجَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا ثَانِيًا مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي السَّالِمِ لِبُطْلَانِهِ فِي التَّالِفِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتَفَرَّقْ فِي حَالِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا تَفَرَّقَتْ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالزَّوْجَةُ بِالْخِيَارِ لِأَجْلِ مَا تَلِفَ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ عَلَى الْبَاقِي أَوْ تَفْسَخَ ، فَإِنْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَعَادَ الْبَاقِي مِنَ الصَّدَاقِ إِلَى مِلْكِ الزَّوْجِ . وَإِنْ أَقَامَتْ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهَا تُقِيمُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنَ الصَّدَاقِ وَقِسْطِهِ ، وَتَرْجِعُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ . فَإِنْ كَانَ التَّالِفُ النِّصْفَ رَجَعَتْ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ رَجَعَتْ بِثُلُثَيْهِ ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ خَرَّجَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا ثَانِيًا ، أَنَّهَا تُقِيمُ عَلَى الْبَاقِي بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ ؛ اعْتِبَارًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي حَالِ الْعَقْدِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ ، وَبَيْنَ مَا حَدَثَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ . وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُتَمَاثِلَ الْأَجْزَاءِ كَالْحِنْطَةِ ، فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنَ الْبَاقِي نِصْفَ الْجَمِيعِ ، وَلَا خِيَارَ لَهَا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِفَ الْأَجْزَاءِ ، كَعَبْدَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَأْخُذُ نِصْفَ جَمِيعِ الْعَبْدِ الْبَاقِي إِذَا تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا ، فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا تَأْخُذُ نِصْفَ الْبَاقِي ، وَفِيمَا تَرْجِعُ بِبَدَلِهِ مِنْ نِصْفِ التَّالِفِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : تَرْجِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ التَّالِفِ ، وَهُوَ الْقَدِيمُ ، فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهَا .

وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا تَرْجِعُ بِقِسْطِ ذَلِكَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَتَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلنِّصْفِ مِنْ صَدَاقِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ تَفَسَخَ وَتَرْجِعَ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ، فَهَذَا حُكْمُ النُّقْصَانِ إِذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا . [ إِيضَاحُ بَيَانِ الضَّرْبِ الثَّانِي ] وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ كَالْعَبْدِ إِذَا كَانَ سَمِينًا فَهَزَلَ من الصداق ، أَوْ صَحِيحًا فَمَرِضَ ، أَوْ بَصِيرًا فَعَمِيَ ، فَلَهَا الْخِيَارُ ، سَوَاءٌ قَلَّ الْعَيْبُ أَوْ كَثُرَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا خِيَارَ لَهَا ، إِلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ الْعَيْبُ . احْتِجَاجًا : بِأَنَّهَا إِذَا رَدَّتِ الصَّدَاقَ بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ رَجَعَتْ بِقِيمَتِهِ سَلِيمًا ، وَقَدْ يُخْطِئُ الْمُقَوِّمَانِ فَيُقَوِّمَانِهِ صَحِيحًا بِقِيمَتِهِ مَعَ يَسِيرِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ يَسِيرَ الْعَيْبِ لَا يَأْخُذُ مِنَ الْقِيمَةِ إِلَّا يَسِيرًا ، فَعَفَى عَنْ يَسِيرِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِدْرَاكُهُ ، وَلَمْ يَعْفُ عَنْ كَثِيرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ اسْتِدْرَاكُهُ ، وَلَمْ يَعْفُ فِي الْبَيْعِ عَنْ يَسِيرِهِ وَلَا كَثِيرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ اسْتِدْرَاكُهُ فِي الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ دُونَ الْقِيمَةِ . وَدَلِيلُنَا : هُوَ أَنَّ مَا جَازَ رَدُّهُ بِكَثِيرِ الْعَيْبِ ، جَازَ رَدُّهُ بِيَسِيرِهِ ، كَالثَّمَنِ ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَجُوزُ بِهِ الرَّدُّ فِي الْبَيْعِ ، فَجَازَ بِهِ الرَّدُّ فِي الصَّدَاقِ كَالْكَثِيرِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ : فَهُوَ أَنَّنَا نُوجِبُ مَعَ الرَّدِّ مَهْرَ الْمِثْلِ - فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ - دُونَ الْقِيمَةِ . ثُمَّ لَوْ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ لَاقْتَضَى أَنْ يُحْمَلَ التَّقْوِيمُ عَلَى الصَّوَابِ دُونَ الْخَطَأِ ، وَعَلَى فَرْقِ الْمُقَوِّمِ بَيْنَ السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ . فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا ، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَادِثِ سَمَاءٍ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بِجِنَايَةِ الزَّوْجِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ . فَإِنْ كَانَ بِحَادِثِ سَمَاءٍ ، كَهُزَالِ السَّمِينِ وَمَرَضِ الصَّحِيحِ ، فَإِنْ سَمَحَتْ بِنَقْصِهِ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَنِصْفَهُ إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ ، وَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ نِصْفِهِ النَّاقِصِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ . وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ بِنَقْصِهِ كَانَ خِيَارُهَا فِي الْفَسْخِ مُعْتَبَرًا بِمَا تَرْجِعُ بِهِ لَوْ فَسَخَتْ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي الْفَسْخِ ، وَتَأْخُذُهُ نَاقِصًا مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَنِصْفَهُ وَنِصْفَ أَرْشِهِ إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ . وَإِنَّمَا سَقَطَ خِيَارُهَا فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ نَاقِصًا مَعَ الْأَرْشِ أَخَصُّ بِحَقِّهَا مِنَ الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى قِيمَتِهِ . وَإِنْ قِيلَ : لَوْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ أَوِ الْمُقَامِ . فَإِنْ فَسَخَتْ

رَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَبِنِصْفِهِ إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ ، وَإِنْ أَقَامَتْ أَخَذَتْهُ نَاقِصًا وَلَا أَرْشَ لَهَا ، كَالْبَائِعِ إِذَا رَضِيَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْمَعِيبِ ، وَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَتْ بِنِصْفِهِ نَاقِصًا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَيَكُونُ نِصْفُهُ مَعِيبًا لِلزَّوْجِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ . وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِجِنَايَةِ الزَّوْجِ النقصان فى الصداق : كَأَنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ ، أَوْ قَلَعَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ ، فَهُوَ عُضْوٌ يَضْمَنُهُ الْجَانِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَيَضْمَنُهُ غَيْرُ الْجَانِي بِمَا نَقَصَ فَيَكُونُ الزَّوْجُ هَاهُنَا ضَامِنًا لَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نَقْصِهِ أَوْ نِصْفِ قِيمَتِهِ . وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ لَزِمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَزِمُهُ بِالْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ يَدٍ ضَامِنَةٍ فَلَأَنْ يَلْزَمُهُ مَعَ الْيَدِ الضَّامِنَةِ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ نَقْصُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَزِمُهُ بِالْيَدِ الضَّامِنَةِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ فَلَأَنْ يَلْتَزِمَهُ مَعَ الْجِنَايَةِ أَوْلَى ، وَإِذَا لَزِمَهُ ضَمَانُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ تَرَتَّبَ جَوَابُهُ عَلَى مَا يُوجِبُهُ فِي الرُّجُوعِ مَعَ التَّلَفِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ تَلَفَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ بِقِيمَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ ، فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعَبْدَ نَاقِصًا ، وَمَا أَوْجَبْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ نَقْصِهِ ، أَوْ مَا يُقَدَّرُ بِجِنَايَتِهِ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، أَوْ نِصْفَ ذَلِكَ إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ ، وَلَا خِيَارَ بِهَا . وَإِنْ قِيلَ إِنَّ تَلَفَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، فَهِيَ هَاهُنَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ ، فَإِنْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ بِنِصْفِهِ إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ . وَإِنْ أَقَامَتْ أَخَذَتِ الْعَبْدَ نَاقِصًا ، وَمَا أَوْجَبَهُ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ النَّقْصِ بِالْيَدِ الضَّامِنَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ . أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ لَمْ يَضْمَنْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِذَا أَقَامَتْ وَلَمْ يُفْسَخْ هَذَا إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ أَخَذَتْ نِصْفَهُ وَرُبْعَ الْقِيمَةِ بِالْجِنَايَةِ . وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ نقصان الصداق ، كَأَنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ ، أَوْ فَقَأَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ ، فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ الْقِيمَةِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ ، وَيَضْمَنُ الزَّوْجُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ضَمَانَ الْيَدِ ، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ حَقُّهَا فِيمَا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ . إِنْ قُلْنَا : إِنَّهَا تَرْجِعُ مَعَ التَّلَفِ بِالْقِيمَةِ ، رَجَعَتْ عَلَيْهِ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْعَبْدِ النَّاقِصِ ، وَرَجَعَتْ مَعَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، أَوْ ضَمَانِ الْيَدِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ . وَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي الرُّجُوعِ عَلَى مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا . فَإِنْ رَجَعَتْ عَلَى الْجَانِي رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْثَرُ فَقَدِ اسْتَوْفَتْ وَلَمْ يُرْجَعْ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِشَيْءٍ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَقَلَّ رَجَعَتْ بِالْبَاقِي مِنْ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي ، وَإِنْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْثَرَ فَقَدِ اسْتَوْفَتْ وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَقَلَّ رَجَعَتْ عَلَى الْجَانِي بِالْبَاقِي مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ .

فَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَتْ بِنِصْفِ ذَلِكَ . وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهَا تَرْجِعُ مَعَ التَّلَفِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ ، فَإِنْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَبِنِصْفِهِ إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَإِنْ أَقَامَتْ كَانَ لَهَا إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ أَخْذُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَقَلَّ كَانَ لَهَا الْخِـيَارُ فِي الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا ، فَإِنْ رَجَعَتْ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ رَجَعَ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْجَانِي ، وَإِنْ رَجَعَتْ بِهِ عَلَى الْجَانِي لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْجَانِي عَلَى أَحَدٍ . وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ هُوَ الْأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إِلَّا بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ ، وَتَرْجِعُ بِالْبَاقِي مِنَ النِّصْفِ عَلَى الْجَانِي ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الزَّوْجُ بِمَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ رَجَعَتْ عَلَى الْجَانِي رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَقَدِ اسْتَوْفَتْ ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَتْ بِالنِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ .

فَصْلٌ : [ الْقِسْمُ الْخَامِسُ ] وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ زَادَ مِنْ وَجْهٍ وَنَقَصَ مِنْهُ وَجْهٌ ، فَلَا تَخْلُو حَالُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا مُتَمَيِّزَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَا غَيْرَ مُتَمَيِّزَيْنِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً ، وَالنُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ . وَالرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ ، وَالنُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ] فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً ، وَالنُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا : فَمِثَالُهُ : أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصْدَقَهَا أَمَتَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ ، وَوَلَدَتِ الْأُخْرَى ، فَمَوْتُ إِحْدَاهُمَا نُقْصَانٌ مُتَمَيِّزٌ ، وَوِلَادَةُ الْأُخْرَى زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي مَوْتِ إِحْدَاهُمَا كَالْكَلَامِ فِي النُّقْصَانِ الْمُتَمَيِّزِ إِذَا انْفَرَدَ عَنِ الزِّيَادَةِ . فَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنْ قِيلَ : تَرْجِعُ فِي التَّالِفِ بِقِيمَتِهِ فَالْوَلَدُ لَهَا ، وَإِنْ قِيلَ تَرْجِعُ فِي التَّالِفِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، نُظِرَ ؛ فَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ وَلَمْ تَرْجِعْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَالْوَلَدُ لَهَا ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مِنَ الْبَاقِيَةِ أَوْ مِنَ الْمَيِّتَةِ ، وَإِنْ فَسَخَتْ وَرَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ نُظِرَ فِي الْوَلَدِ ؛ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْبَاقِيَةِ دُونَ الْمَيِّتَةِ فَهُوَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَةَ خَرَجَتْ مِنَ الصَّدَاقِ بِالْفَسْخِ الَّذِي هُوَ قَطْعٌ لَا بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ رَفْعٌ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنَ الْمَيِّتَةِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لِلزَّوْجَةِ أَيْضًا ؛ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِهَا .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَكُونُ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَ أُمِّهِ قَدْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصِلِهِ . [ بَيَانُ الْقِسْمِ الثَّانِي ] وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالنُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ ، فَمِثَالُهُ : أَنْ يُصْدِقَهَا أَمَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مَرِيضَةٌ وَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ ، فَتَبْرَأُ الْمَرِيضَةُ وَتَمْرَضُ الصَّحِيحَةُ . فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَقُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ : أَنَّهَا تَرْجِعُ مَعَ التَّلَفِ بِالْقِيمَةِ أَخَذَتِ الْأَمَتَيْنِ وَرَجَعَتْ بِنُقْصَانِ قِيمَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي مَرِضَتْ ، وَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي بُرْءِ الْمَرِيضَةِ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا تَمْلِكُهَا . وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ : أَنَّهَا تَرْجِعُ مَعَ التَّلَفِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ هَاهُنَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَ الْأَمَتَيْنِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ ، وَبَيْنَ أَنْ تَفْسَخَ وَتَرْجِعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ . وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ تَرَتَّبَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى ، هَلْ لَهَا إِذَا تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا أَنْ تَأْخُذَ الْبَاقِيَةَ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قِيلَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا تَأْخُذُ الْبَاقِيَةَ بِالنِّصْفِ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا هَاهُنَا ، وَتَأْخُذُ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَهَا الْأَمَةَ الَّتِي زَادَتْ وَتَرُدُّ لِلزَّوْجِ الْأَمَةَ الَّتِي نَقَصَتْ . وَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي : أَنَّهَا تَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَمَتَيْنِ ، تَرَتَّبَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ مَعَ التَّلَفِ . فَإِنْ قِيلَ بِالْقَدِيمِ أَنَّ الرُّجُوعَ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ ، رَجَعَتْ بِنِصْفِ الْأَمَتَيْنِ وَبِنِصْفِ الْأَرْشِ مِنْ نُقْصَانِ الَّتِي نَقَصَتْ ، وَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الَّتِي زَادَتْ . وَإِنْ قِيلَ بِالْجَدِيدِ : أَنَّ الرُّجُوعَ مَعَ التَّلَفِ يَكُونُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ بِنِصْفِ الْأَمَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ ، وَبَيْنَ أَنْ تَفْسَخَ وَتَرْجِعَ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ ] وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً ، وَالنُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ . فَمِثَالُهُ : أَنْ يُصْدِقَهَا أَمَتَيْنِ فَتَلِدُ إِحْدَاهُمَا ، وَتَمْرَضُ الْأُخْرَى ، فَالْكَلَامُ فِي مَرَضِ إِحْدَاهُمَا كَالْكَلَامِ فِي النُّقْصَانِ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَلَى مَا مَضَى . فَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ بِكُلِّ حَالٍ ، سَوَاءً أَقَامَتْ عَلَى الصَّدَاقِ أَوْ فَسَخَتْ وَرَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَسَوَاءً كَانَ الْوَلَدُ مِنَ النَّاقِصَةِ أَوْ مِنَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ أُمِّهِ إِنْ فُسِخَ الصَّدَاقُ فِيهَا مُوجِبٌ لِقَطْعِهِ لَا لِرَفْعِهِ . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الرَّابِعِ ] وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا ، فَمِثَالُهُ : أَنْ يُصْدِقَهَا أَمَتَيْنِ مَرِيضَتَيْنِ ، فَتَمُوتُ إِحْدَاهُمَا ، وَتَبْرَأُ الْأُخْرَى ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي النُّقْصَانِ

الْمُتَمَيِّزِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زِيَادَةٌ ، فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى ، وَلَيْسَ لِلزِّيَادَةِ هَاهُنَا تَأْثِيرٌ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْحُكْمُ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ سَاقَ الصَّدَاقَ بِكَمَالِهِ إِلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ، فَلَا يَخْلُو طَلَاقُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ . فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّدَاقِ ، وَقَدِ اسْتَوْفَتْهُ . وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ نِصْفُهُ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : لَمْ يَخْلُ الصَّدَاقُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ ، أَوْ يَكُونُ عَيْنًا مَعْلُومَةً . فَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَاقِيًا فِي يَدِهَا أَوْ مُسْتَهْلَكًا . فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الصَّدَاقِ . وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِالنِّصْفِ مِنَ الصَّدَاقِ الَّذِي أَقْبَضَهَا ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْدِلَ بِهِ إِلَى مِثْلِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُ النِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ الصَّدَاقِ ، وَبَيْنَ أَنْ تَعْدِلَ بِهِ إِلَى نِصْفِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا بِالْعَقْدِ ، بَلْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ فَاسْتَقَرَّ فِيهِ حُكْمُ الْخِيَارِ فِي مِثْلِهِ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ ، فَصَارَ كَالْمُتَعَيَّنِ بِالْعَقْدِ . فَلَوْ كَانَتْ قَدِ اشْتَرَتْ بِالصَّدَاقِ جَهَازًا أَوْ غَيْرَهُ ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الصَّدَاقِ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْجَهَازِ . وَقَالَ مَالِكٌ : إِذَا تَجَهَّزَتْ بِالصَّدَاقِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْجَهَازِ ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُجَهَّزَ لِزَوْجِهَا . وَعِنْدَنَا : لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَجَهَّزَ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ دُونَ الْجَهَازِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا إِلَّا تَسْلِيمُ الْبُضْعِ وَحْدَهُ . وَلِأَنَّ مَا اشْتَرَتْهُ مِنَ الْجَهَازِ كَالَّذِي اشْتَرَتْهُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ . وَلِأَنَّ مَا اشْتَرَتْهُ بِالصَّدَاقِ مِنَ الْجَهَازِ كَالَّذِي اشْتَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ الصَّدَاقِ . وَأَمَّا إِنْ كَانَ الصَّدَاقُ فِي الْأَصْلِ مُعَيَّنًا بِالْعَقْدِ ، فَلَا تَخْلُو حَالُهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ :

[ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ] أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ فَيَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ . وَهَلْ يَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ ، أَوْ بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِالطَّلَاقِ نِصْفَ الصَّدَاقِ ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الثَّانِي ] وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتْلَفَ فِي يَدِهَا قَبْلَ طَلَاقِ الزَّوْجِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَتْلَفَ بَعْدَ طَلَاقِهِ . فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ طَلَاقِ الزَّوْجِ ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا أَقَلَّ مَا كَانَ قِيمَتُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إِنْ نَقَصَتْ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا ، وَإِنْ زَادَتْ فَالزِّيَادَةُ لِغَيْرِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصَّدَاقَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهَا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ . وَأَمَّا إِنْ تَلِفَ الصَّدَاقُ فِي يَدِهَا بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الزَّوْجُ نِصْفَهُ بِطَلَاقِهِ ، فَلَمْ يَتَسَلَّمْهُ حَتَّى تَلِفَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتْلَفَ فِي يَدِهَا قَبْلَ بَذْلِهِ لَهُ ، وَتَمْكِينِهِ مِنْهُ ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى مَا مَضَى . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتْلَفَ فِي يَدِهَا بَعْدَ بَذْلِهِ لَهُ ، وَتَمْكِينِهِ مِنْهُ ، فَلَمْ يَتَسَلَّمْهُ حَتَّى تَلِفَ ، فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا مِنَ الصَّدَاقِ . فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ : أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ مِنَ الصَّدَاقِ ، فَعَلَى هَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا ، لِوُجُودِ التَّمْكِينِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهَا ضَمَانُهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ . ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إِذَا تَلِفَ فِي يَدِهَا بِجِنَايَةِ آدَمِيٍّ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّمْكِينُ ، يَرْجِعُ الزَّوْجُ إِلَى الْجَانِي . وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي : أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْلِيمُ ، يَكُونُ الزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجَةِ أَوْ عَلَى الْجَانِي . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا إِذَا حَدَثَ بِالصَّدَاقِ بَعْدَ أَنْ تَمَلَّكَ الزَّوْجُ نِصْفَهُ نُقْصَانٌ لَا يَتَمَيَّزُ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ الصَّدَاقِ بِهِ ، وَالرُّجُوعِ إِلَى قِيمَتِهِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ،

وَهَلْ يَكُونُ نَقْصُهُ بِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهَا فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّمْكِينِ ، وَلَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَلَّا تُسَلِّمَ ، وَلَا تُمَكِّنَ الزَّوْجَ مِنْهُ ، فَالنُّقْصَانُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي يَدِهَا عَنْ مُعَاوَضَةٍ ، فَلَزِمَهَا ضَمَانُهُ كَالْمَقْبُوضِ سَوْمًا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ ، فَيَرُدَّهُ عَلَيْهَا ، فَهُوَ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ لَا يَلْزَمُهَا ضَمَانُهُ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْهُ فَلَمْ يَتَسَلَّمْهُ حَتَّى نَقَصَ ، فَفِي ضَمَانِهَا لِنُقْصَانِهِ وَجْهَانِ . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ ] وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ زَادَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً كَالْوَلَدِ ، فَالزِّيَادَةُ لَهَا ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ . وَعِنْدَ مَالِكٍ : يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ ، وَنِصْفِ الزِّيَادَةِ . وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ ، وَلَا بِنِصْفِ الزِّيَادَةِ ، وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَبِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ تَمْنَعُ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْبُرْءِ وَالسِّمَنِ ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، أَوْ نِصْفَ الْعَيْنِ . وَعِنْدَ مَالِكٍ : تُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ نِصْفِ الْعَيْنِ زَائِدَةً . وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِلْكٌ لَهَا ، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ ، فَلَمْ تُجْبَرْ عَلَى بَذْلِهَا ، فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا ، وَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ زَائِدًا ، فَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى قَبُولِهَا وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنَ الْعَيْنِ إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الزَّوْجَةِ مِنَ الزِّيَادَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ أَضْعَفُهُمَا - : أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الزِّيَادَةِ قَدْ يُقِلُّ حَقَّهُ إِلَى الْقِيمَةِ . وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ إِذَا انْفَصَلَتْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا إِذَا اتَّصَلَتْ ، فَلَوْ حَدَثَتْ زِيَادَةُ الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَ رُجُوعِ الزَّوْجِ بِهِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ ، فَيَكُونُ الزَّوْجُ شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً كَالْوَلَدِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ . وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ يَمْلِكُ نِصْفَهُ زَائِدًا ، وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ أَنَّ تَمْنَعَهُ مِنْ نِصْفِ الْأَصْلِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ .

فَفِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا لِلزَّوْجَةِ إِذَا قِيلَ : إِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الصَّدَاقَ إِلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً فَجَمِيعُهَا لِلزَّوْجَةِ ، وَلَهُ نِصْفُ الْأَصْلِ لَا غَيْرَ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَانَ لَهَا بِالزِّيَادَةِ أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ نِصْفِ الْأَصْلِ ، وَتَعْدِلُ بِهِ إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلزَّوْجِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ قَدْ مَلَكَ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ نِصْفَ الصَّدَاقِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً كَالْوَلَدِ فَلَهُ نِصْفُهُ وَنِصْفُ الْأَصْلِ ، وَهَلْ تَكُونُ حِصَّتُهُ مِنَ الْوَلَدِ مَضْمُونَةً عَلَى الزَّوْجَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْوَلَدِ إِذَا حَدَثَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، هَلْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالسِّمَنِ ، فَهَلْ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الزَّوْجَةِ أَمْ لَا في المهر ؟ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهَا ، فَإِنْ تَلِفَ الصَّدَاقُ ضَمِنَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ بِزِيَادَتِهِ ، وَإِنْ تَلِفَتِ الزِّيَادَةُ بِأَنْ ذَهَبَ السِّمَنُ ضَمِنَتْ قَدْرَ نَقْصِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الزَّوْجَةِ ، فَإِنْ تَلِفَ الصَّدَاقُ ضَمِنَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ زَالَ السِمَنُ لَمْ تَضْمَنْ قَدْرَ نَقْصِهِ . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الرَّابِعِ ] وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ نَقَصَ فى يد الزوجة بعد قبضها له ثم طلقها ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الصَّدَاقِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَاثِلَ الْأَجْزَاءِ كَالْحِنْطَةِ ، أَوْ مُخْتَلِفَ الْأَجْزَاءِ كَالْحَيَوَانِ . فَإِنْ كَانَ مُتَمَاثِلَ الْأَجْزَاءِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَاقِي جَمِيعَ النِّصْفِ ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْأَجْزَاءِ كَأَمَتَيْنِ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا ، وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَةَ إِذَا كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيِ الْقِيمَةِ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَهُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَهُ ذَلِكَ ، وَقَدِ اسْتَوَى بِهَا جَمِيعُ حَقِّهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهَا وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ التَّالِفَةِ . وَلَوْ كَانَتَا مُتَفَاضِلَتَيِ الْقِيمَةِ لَمْ يَتَمَلَّكْ مِنَ الْبَاقِيَةِ إِلَّا نِصْفَهَا ، وَكَانَ لَهُ نِصْفُ قِيمَةِ التَّالِفَةِ . وَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِي نِصْفِ الْبَاقِيَةِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِالتَّقْوِيمِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَدْ تَعَيَّنَ فِيهِ إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ لَوْ تَسَاوَى أَخَذَ الْجَمِيعَ . وَالثَّانِي - وَهُوَ الْأَصَحُّ - : لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ، وَهُوَ مِلْكُهَا ، وَلَهَا أَنْ تُعْطِيَهُ قِيمَةَ نِصْفِ التَّالِفَةِ مِنْ أَيِّ أَمْوَالِهَا شَاءَتْ ، إِذَا قِيلَ لَوْ تَسَاوَى لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْبَاقِيَةِ إِلَّا النِّصْفَ .

وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ كَالْعَمَى وَالْهُزَالِ ، فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الصَّدَاقِ نَاقِصًا ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَهُ زَائِدًا . فَإِنْ رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا مَضَى فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ إِذَا بَذَلَتْهَا الزَّوْجَةُ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا أَسْقَطْتُمْ خِيَارَ الزَّوْجِ إِذَا وَجَدَ الصَّدَاقَ نَاقِصًا ، وَجَعَلْتُمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَاقَ بِنَقْصِهِ وَيَأْخُذَ مَعَهُ أَرْشَ نَقْصِهِ ، كَمَا جَعَلْتُمْ لِلزَّوْجَةِ إِذَا وَجَدَتْهُ نَاقِصًا فِي يَدِهِ أَنْ تَأْخُذَهُ نَاقِصًا وَأَرْشَ نَقْصِهِ . قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي يَدِ الزَّوْجِ مِلْكٌ لِلزَّوْجَةِ ، فَضَمِنَ نُقْصَانَهُ لَهَا ، فَلِذَلِكَ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّوْجَةُ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ فِي يَدِهَا مِلْكٌ لِنَفْسِهَا فَلَمْ تَضْمَنْ نُقْصَانَهُ لِلزَّوْجِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَغْرَمْ لَهُ أَرْشَ نَقْصِهِ ، وَاسْتَحَقَّ بِهِ مُجَرَّدَ الْخِيَارِ بَيْنَ الرِّضَا بِالنَّقْصِ أَوِ الْفَسْخِ . [ إِيضَاحُ الْقِسْمِ الْخَامِسِ ] وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ قَدْ زَادَ مِنْ وَجْهٍ وَنَقَصَ مِنْ وَجْهٍ فى يد الزوجة بعد قبضها له ثم طلقها ، فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً وَالنُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا ، كَأَمَتَيْنِ مَاتَتْ إِحْدَاهُمَا وَوَلَدَتِ الْأُخْرَى ، فَالْوَلَدُ لَهَا لَا حَقَّ فِيهِ لِلزَّوْجِ ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ نَقَصَ نُقْصَانًا مُتَمَيِّزًا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ ، وَالنُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ ، كَأَمَةٍ بَصِيرَةٍ مَرِيضَةٍ فَبَرَأَتْ وَعَمِيَتْ ، فَبُرْؤُهَا زِيَادَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ ، وَعَمَاهَا نُقْصَانٌ لَا يَتَمَيَّزُ ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهَا لِأَجْلِ النُّقْصَانِ ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ أَنْ تَبْذُلَ نِصْفَهَا لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ ، وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَجْهًا وَاحِدًا ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ النِّصْفِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ جَازَ . وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً وَالنُّقْصَانُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ كَأَمَةٍ وَلَدَتْ وَمَرِضَتْ ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ ، وَيَكُونُ كَالْكَلَامِ فِي النُّقْصَانِ الْمُنْفَرِدِ إِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ ، فَيَكُونُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ رَضِيَ بِنِصْفِهَا نَاقِصَةً فَفِي إِجْبَارِ الزَّوْجِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ . وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَيِّزًا كَأَمَتَيْنِ مَرِيضَتَيْنِ بَرِأَتْ إِحْدَاهُمَا وَمَاتَتِ الْأُخْرَى ، فَحَقُّهُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ الْبَاقِيَةَ بِزِيَادَتِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مِنْ قِيمَةِ التَّالِفَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُعَاوَضَةُ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ ، وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ النِّصْفِ الْآخَرِ فِي حَقِّهِ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ . فَهَذَا جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَقْسَامُ الْمَسْأَلَةِ .



فَصْلٌ : [ شَرْحُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ] فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً وَعَبْدًا أَعْمَيَيْنِ فَأَبْصَرَا ، فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَكُونُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِهِمَا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا ، فَإِنَّ الْكِبَرَ مُعْتَبَرٌ فَإِنْ كَانَ مُقَارَنًا بِحَالِ الصِّغَرِ ، وَمَنَافِعُ الصِّغَرِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ ، فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى . وَإِنْ كَانَ كِبَرًا بَعِيدًا يَزُولُ عَنْهُ مَنَافِعُ الصَّغِيرِ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّرْعَةِ وَقِلَّةِ الْحِسِّ ، فَفِيهِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ لَا يَتَمَيَّزَانِ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى . وَجَمِيعُ الْمَسَائِلِ الْوَارِدَةِ فَلَيْسَ يَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَقْسَامِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهِ ، فَتَكُونُ هِيَ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِمَا أَصَابَهُ فِي يَدَيْهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ : " هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي لَهُ بِنِصْفِهِ " عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ - : أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَمَاءِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وقد قضى القاضى بنصفه للزوج أَنَّهُ لِلزَّوْجَةِ بِأَسْرِهِ ، مَا لَمْ يَتَرَافَعَا إِلَى قَاضٍ مَالِكِيٍّ ، فَيَقْضِي لِلزَّوْجِ بِنِصْفِ النَّمَاءِ ، فَيَصِيرُ الزَّوْجُ مَالِكًا لِنِصْفِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ نُفِّذَ بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ . وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ : " فَتَكُونُ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِنِصْفِهِ " ، يَعْنِي لِنِصْفِ النَّمَاءِ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهَا فَمَنَعَتْهُ ، فَتَصِيرُ بِالْمَنْعِ ضَامِنَةً ، فَأَمَّا أَصْلُ الصَّدَاقِ فَلَا يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ إِلَى قَضَاءِ قَاضٍ ، لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ ، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهُ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ أَوْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ بَعْدَ الطَّلَاقِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا - : أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَاجِعٌ إِلَى أَصْلِ الصَّدَاقِ ، إِذَا حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ ، فَاخْتَلَفَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ أَوْ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ ، فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِيهِ عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لَهُ بِنِصْفِ الْعَيْنِ فَيَنْقَطِعُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِهِ ، وَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إِذَا كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ مُؤَثِّرٌ وَلَا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي تَمَلُّكِ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ تَأْثِيرٌ . فَإِذَا حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ ، صَارَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي نِصْفِ الْعَيْنِ ، أَوْ نِصْفِ الْقِيمَةِ مُؤَثِّرًا ، وَصَارَ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ تَأْثِيرٌ فِي تَمَلُّكِ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : " وَتَكُونُ حِينَئِذٍ ضَامِنَةً لِمَا أَصَابَهُ فِي يَدِهَا " ، يَعْنِي : لِنُقْصَانِ الصَّدَاقِ بَعْدَ أَنْ قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهِ . لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ الزَّوْجُ فَلَمْ تَضْمَنِ الزَّوْجَةُ نَقْصَهُ ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ قَدْ مَلَكَهُ ،

فَضَمِنَتْ نَقْصَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا تَسْلِيمٌ وَلَا تَمْكِينٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهَا عَنْ مُعَاوَضَةٍ كَالْمَقْبُوضِ سَوْمًا ، فَإِنْ سَلَّمَتْهُ وَعَادَ إِلَيْهَا أَمَانَةً لَمْ تَضْمَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْهُ وَلَكِنْ مَكَّنَتْهُ مِنْهُ ، فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهَا لِنَقْصِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا . فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي النَّقْصِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : هُوَ حَادِثٌ فِي يَدِكِ فَعَلَيْكِ ضَمَانُهُ ، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ : بَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ فَلَيْسَ عَلَيَّ ضَمَانُهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا مَعَ احْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ . فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَمَا تَقَدَّمَتْ مِلْكَ الزَّوْجِ لِنِصْفِ الصَّدَاقِ فَجَمِيعُهَا لِلزَّوْجَةِ ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا . وَهَلْ تَكُونُ الزَّوْجَةُ ضَامِنَةً لَهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ . فَلَوِ اخْتَلَفَا فِيهَا ، فَقَالَ الزَّوْجُ : هِيَ حَادِثَةٌ بَعْدَ أَنْ مَلَكَتْ نِصْفَ الصَّدَاقِ فَنِصْفُهَا لِي ، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ : بَلْ هِيَ مُتَقَدِّمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَمِيعُهَا لِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي يَدِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ طَلَّقَهَا وَالنَّخْلُ مُطْلِعَةٌ ، فَأَرَادَ أَخْذَ نِصْفِهَا بِالطَّلْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَانَتْ كَالْجَارِيَةِ الْحُبْلَى وَالشَاةِ الْمَاخِضِ ، وَمُخَالِفَةً لَهُمَا فِي أَنَّ الْإِطْلَاعَ لَا يَكُونُ مُغَيِّرًا لِلنَّخْلِ عَنْ حَالِهَا ، فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ نِصْفَهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : فِي رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً نَخْلًا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ أَثْمَرَتْ ، فَالثَّمَرَةُ زِيَادَةٌ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا ، هَلْ تَجْرِي فِي الصَّدَاقِ مَجْرَى الزِّيَادَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ كَالْوَلَدِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ ؛ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا عَنِ الْأَصْلِ وَجَوَازِ إِفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فِي حُكْمِ الصَّدَاقِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ ؛ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَصْلِ ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْحَمْلِ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ كَالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طَلْعِهَا غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ . فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ ، فَالثَّمَرَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهَا ؛ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهَا ، وَلَهَا اسْتِيفَاءُ النَّخْلِ عَلَى مِلْكِهَا ، لِاسْتِصْلَاحِ ثَمَرَتِهَا وَتَكَامُلِهَا ، وَيَصِيرُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي قِيمَةِ النَّخْلِ ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا أَقَلَّ مَا كَانَتِ النَّخْلُ قِيمَةً مِنْ حِينِ أَصْدَقَ إِلَى أَنْ سُلِّمَ . [ أَحْوَالُ بَذْلِ الْمَرْأَةِ نِصْفَ النَّخْلِ الْمُثْمِرِ لِزَوْجِهَا ] فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : فَالْحَالَةُ الْأُولَى . [ إِيضَاحُ الْحَالَةِ الْأُولَى ] أَنْ تَبْذُلَ لَهُ نِصْفَ النَّخْلِ مَعَ نِصْفِ الثَّمَرَةِ زوائد المهر .

فَإِنْ قَبِلَهَا جَازَ ثُمَّ يَنْظُرُ ؛ فَإِنْ جَعَلْنَا الثَّمَرَةَ زَائِدَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَانَ بَذْلُ الزَّوْجَةِ لَهَا عَفْوًا عَنْهَا ، فَلَا يُرَاعَى فِيهِ لَفْظُ الْهِبَةِ وَلَا الْقَبْضِ . وَإِنْ جَعَلْنَاهَا زِيَادَةً مُتَمَيِّزَةً فَهَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْعَفْوِ أَوْ حُكْمُ الْهِبَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حُكْمُ الْهِبَةِ ، وَلَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّمْيِيزِ كَالْوَلَدِ الَّذِي لَوْ بَذَلَتْ نِصْفَهُ لِلزَّوْجِ مَعَ نِصْفِ أَمَةً ، كَانَتْ هِبَةً لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْعَفْوِ ، وَتَتِمُّ بِغَيْرِ قَبْضٍ بِخِلَافِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِبَذْلِهَا إِيصَالُ الزَّوْجِ إِلَى حَقِّهِ مِنَ النَّخْلِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِهَا ، وَخَالَفَ الْوَلَدَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ بِالْأُمِّ دُونَهُ . وَإِنِ امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ قَبُولِ الثَّمَرَةِ فَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى الْقَبُولِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الثَّمَرَةَ مُتَمَيِّزَةٌ ، أَوْ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنَ النَّخْلِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا فِي الثَّمَرَةِ ، فَإِذَا صَارَتْ إِلَيْهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ الثَّمَرَةَ زَائِدَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ أَوْ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ صَارَ فِي الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَعْدِلَ بِهِ إِلَى الْعَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ - وَهُوَ أَصَحُّ - : أَنَّ إِجْبَارَهُ مُعْتَبَرٌ بِحُكْمِ الثَّمَرَةِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ كَالْوَلَدِ ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى نِصْفِ قِيمَةِ النَّخْلِ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ كَالسِمَنِ ، أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ .

فَصْلٌ : [ إِيضَاحُ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ] وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَبْذُلَ لَهُ نِصْفَ النَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ . زوائد المهر فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا جَازَ ، وَعَلَيْهِ تَرْكُ الثَّمَرَةِ عَلَى النَّخْلِ إِلَى تَكَامُلِ صَلَاحِهَا . وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْقَبُولِ ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ تَعْلِيلًا لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : دُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَرَةِ عَلَى نَخْلِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ حَقَّهُ قَدْ صَارَ فِي الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يَعْدِلْ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ . وَقَالَ الْمُزَنِيُّ : حَقُّهُ فِي نِصْفِ النَّخْلِ يَرْجِعُ بِهَا ، وَعَلَيْهِ تَرْكُ الثَّمَرَةِ إِلَى أَوَانِ جَذَاذِهَا كَالْمُشْتَرِي . وَهَذَا الْجَمْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ أَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ مُرَاضَاةٍ ، فَلِذَلِكَ أُقِرَّ عَلَى مَا تَرَاضَيَا بِهِ مِنَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَرَةِ عَلَى نَخْلِ الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ ، وَمِلْكُ الصَّدَاقِ عَنْ طَلَاقٍ لَا مُرَاضَاةَ فِيهِ ، فَاقْتَضَى الْمَنْعَ مِنْ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ،

وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْيِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا ، فَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ النَّخْلِ فِي الْحَالِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الثَّمَرَةَ عَلَيْهَا إِلَى تَكَامُلِ الصَّلَاحِ ، فَفِي إِجْبَارِهَا عَلَى ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ تَعْلِيلًا بِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ صَارَ فِي الْقِيمَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تُجْبَرُ عَلَيْهِ تَعْلِيلًا بِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهَا ، وَلُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ الرَّاضِي بِهِ .

فَصْلٌ : [ إِيضَاحُ الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ ] وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ تَبْذُلَ لَهُ قَطْعَ الثَّمَرَةِ ، وَتَسْلِيمَ نِصْفِ النَّخْلِ زوائد المهر : فَإِنْ كَانَ تَعْجِيلُ قَطْعِهَا مُضِرًّا بِالنَّخْلِ : لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ . وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ : فَمَا لَمْ تُبَادِرْ إِلَى الْقَطْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ ، وَإِنْ بَادَرَتْ إِلَى الْقَطْعِ ، فَفِي إِجْبَارِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يُجْبَرُ تَعْلِيلًا بِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ صَارَ فِي الْقِيمَةِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُجْبَرُ تَعْلِيلًا بِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ . وَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْهَا أَنْ تَقْطَعَ الثَّمَرَةَ وَتُعْطِيَهُ نِصْفَ النَّخْلِ لَمْ تُجْبَرِ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا ، لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا .

فَصْلٌ : [ إِيضَاحُ الْحَالَةِ الرَّابِعَةِ ] وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ تَدْعُوَهُ إِلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَتَكَامَلَ صَلَاحَ الثَّمَرَةِ ثُمَّ تُعْطِيَهُ بَعْدَ جَذَاذِهَا نِصْفَ النَّخْلِ زوائد المهر ، فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ تَعْلِيلًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْعُدُولُ عَنْهَا . وَالثَّانِي : دُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ مَا اسْتَحَقَّ تَعْجِيلَهُ . وَلَوْ كَانَ هُوَ الدَّاعِي لَهَا إِلَى الْإِنْظَارِ بِالنَّخْلِ إِلَى أَوَانِ الْجَذَاذِ ثُمَّ الرُّجُوعِ بِهَا ، لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ ، وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ تَعْلِيلًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ حَقَّهُ قَدْ صَارَ فِي الْقِيمَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا الْعُدُولُ عَنْهَا . وَالثَّانِي : دُخُولُ الضَّرَرِ عَلَيْهَا بِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهَا ، وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى الْقِيمَةِ أُجِيبَ إِلَيْهَا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا مَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثَالًا لِلنَّخْلَةِ إِذَا أَثْمَرَتْ مِنَ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ وَالشَّاةِ الْمَاخِضِ ، وَجَمْعُهُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ ، وَتَفْرِيقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ آخَرَ ، فَنُوَضِّحُ مِنْ حُكْمِهِمَا مَا بَيَّنَ بِهِ مَوْضِعَ الْجَمْعِ ، وَمَوْضِعَ الْفَرْقِ . أَمَّا الْجَارِيَةُ : إِذَا كَانَتْ صَدَاقًا فَحَمَلَتْ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَالْحَمْلُ فِيهَا زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَنُقْصَانٌ مِنْ وَجْهٍ . أَمَّا زِيَادَتُهَا فَبِالْوَلَدِ ، وَأَمَّا نُقْصَانُهَا فَبِالْخَوْفِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ ، فَإِنْ بَذَلَتْهَا الزَّوْجَةُ لَمْ

يَلْزَمِ الزَّوْجَ قَبُولُهَا لِأَجْلِ النَّقْصِ ، وَإِنْ طَلَبَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَةَ بَذْلُهَا لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ ، وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى الْقِيمَةِ أُجِيبَ ؛ فَتَكُونُ عَلَى هَذَا مُوَافِقَةً لِلثَّمَرَةِ فِي الزِّيَادَةِ ، وَمُخَالِفَةً لَهَا فِي النُّقْصَانِ . وَأَمَّا الشَّاةُ : إِذَا كَانَتْ صَدَاقًا فَحَمَلَتْ بِالْحَمْلِ فِيهَا زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ نَقْصًا فِيهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَكُونُ نَقْصًا فِي الْبَهَائِمِ ، وَيَكُونُ زِيَادَةً مَحْضَةً ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْآدَمِيَّاتِ نَقْصًا وَزِيَادَةً ؛ لِأَنَّ حَالَ الْوِلَادَةِ مَخُوفٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ وَغَيْرُ مَخُوفٍ فِي الْبَهَائِمِ . فَذَلِكَ كَانَ نَقْصًا فِي الْآدَمِيَّاتِ ، وَلَمْ يَكُنْ نَقْصًا فِي الْبَهَائِمِ . فَعَلَى هَذَا : إِذَا بَذَلَتْهَا الزَّوْجَةُ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، فَتَكُونُ مُوَافِقَةً لِلثَّمَرَةِ فِي الزِّيَادَةِ وَغَيْرَ مُخَالِفَةٍ لَهَا فِي النُّقْصَانِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ نَقْصٌ أَيْضًا ، وَإِنْ أَمِنَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَدْ أَحْدَثَ نَقْصًا فِي اللَّحْمِ ، فَصَارَ نَقْصُ اللَّحْمِ نَقْصًا فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا فِي وِلَادَتِهَا . فَعَلَى هَذَا : إِنْ بَذَلَتْهَا الزَّوْجَةُ لَمْ يُجْبَرِ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِهَا لِأَجْلِ النَّقْصِ ، فَإِنْ طَلَبَهَا الزَّوْجُ لَمْ تُجْبَرِ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُولِهَا لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ ، وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى الْقِيمَةِ أُجِيبَ . فَتَكُونُ عَلَى هَذَا مُوَافِقَةً لِلثَّمَرَةِ فِي الزِّيَادَةِ ، وَمُخَالِفَةً لَهَا فِي النُّقْصَانِ .

الْقَوْلُ فِي ثَمَرِ الشَّجَرِ فِي الصَّدَاقِ

[ الْقَوْلُ فِي ثَمَرِ الشَّجَرِ فِي الصَّدَاقِ ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَكَذَلِكَ كُلُّ شَجَرٍ ، إِلَّا أَنْ يَرْقُلَ الشَجَرُ فَيَصِيرُ قَحَامًا فَلَا يَلْزَمَهُ ، وَلَيْسَ لَهَا تَرْكُ الثَّمَرَةِ عَلَى أَنْ تَسْتَجْنِيَهَا ثُمَّ تَدْفَعَ إِلَيْهِ نِصْفَ الشَّجَرِ لَا يَكُونُ حَقُّهُ مُعَجَّلًا فَتُؤَخِّرُهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إِلَى أَنْ تَجِدَ الثَّمَرَةَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ وَالشَجَرَ يَزِيدَانِ إِلَى الْجِدَادِ ، وَأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَفِيهَا الزِّيَادَةُ كَانَ مُحَوَّلًا دُونَهَا ، وَكَانَتْ هِيَ الْمَالِكَةَ دُونَهُ وَحَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَهُ يُجِيزُ بَيْعَ النَّخْلِ قَدْ أُبِّرَتْ فَيَكُونُ ثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَجْنِيَهَا وَالنَّخْلُ لِلْمُشْتَرِي مُعَجَّلَةٌ ، وَلَوْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً مَا جَازَ بَيْعُ عَيْنٍ مُؤَخَّرَةٍ ، فَلَمَّا جَازَتْ مُعَجَّلَةً وَالثَّمَرُ فِيهَا جَازَ رَدُّ نِصْفِهَا لِلزَّوْجِ مُعَجَّلًا وَالثَّمَرُ فِيهَا ، وَكَانَ رَدٌّ النِصْفِ فِي ذَلِكَ أَحَقَّ بِالْجَوَازِ مِنَ الشِّرَاءِ ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ جَازَ فِي الرَدِّ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا أَصْدَقَهَا شَجَرًا غَيْرَ مُثْمِرٍ فَطَلَّقَهَا وَقَدْ أَثْمَرَ ، فَالْكَلَامُ فِي ثَمَرِ الشَّجَرِ كَالْكَلَامِ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ ، فِي كَوْنِهِ مُؤَبَّرًا أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ ، عَلَى مَا مَضَى . أَمَّا الشَّجَرُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ :

أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ غِرَاسًا غَيْرَ مُثْمِرٍ فَيَصِيرُ شَجَرًا مُثْمِرًا ، فَهَذِهِ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ ، فَلَا تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى بَذْلِهَا ، وَإِنْ بَذَلَتْهَا فَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى قَبُولِهَا وَجْهَانِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ شَجَرًا مُثْمِرًا مُتَكَامِلًا فَيُرْقَلُ حَتَّى يَصِيرَ قَحَامًا . وَالْإِرْقَالُ : التَّنَاهِي فِي الطُّولِ ، وَالْقَحَامُ : التَّنَاهِي فِي الْعُمُرِ حَتَّى قَدْ يَيْبَسُ سَعَفُهُ وَيَخِرُّ جِذْعُهُ ، فَهَذَا نُقْصَانٌ مَحْضٌ لَا يَتَمَيَّزُ ، وَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِهِ ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَفِي إِجْبَارِهِ الزَّوْجَةَ عَلَى بَذْلِهِ وَجْهَانِ . وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ غِرَاسًا غَيْرَ مُثْمِرٍ فَيَصِيرُ قَحَامًا غَيْرَ مُثْمِرٍ ، فَهَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَنُقْصَانٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ أُجِيبَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ تَزْرَعُهَا أَوْ تَغْرِسُهَا أَوْ تَحْرُثُهَا التي أصدق الزوج زوجته ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : الزَرْعُ مُضِرٌّ بِالْأَرْضِ مُنْقِصٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ لِحَصَادِهِ غَايَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي قَبُولِ نِصْفِ الْأَرْضِ مُنْتَقَصَةً ، أَوِ الْقِيمَةِ ، وَالزَّرْعُ لَهَا ، وَلَيْسَ ثَمَرُ النَّخْلِ مُضِرًّا بِهَا فَلَهُ نِصْفُ النَّخْلِ ، وَالثَّمَرُ لَهَا ، وَأَمَّا الْغِرَاسُ فَلَيْسَ بِشَبِيهٍ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ لَهُمَا غَايَةً يُفَارِقَانِ فِيهَا مَكَانَهُمَا مِنُ جِدَادٍ وَحَصَادٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغِرَاسُ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا ، وَأَمَّا الْحَرْثُ فَزِيَادَةٌ لَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا زَادَ فِي مِلْكِهَا إِلَّا أَنْ تَشَاءَ ، وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : عَطَفَ الشَّافِعِيُّ بِزَرْعِ الْأَرْضِ وَغَرْسِهَا وَحَرْثِهَا ، عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ عَقْدِ الْبَابِ وَبَيَانِ أَحْكَامِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، فَتَوَهَّمَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ عَطَفَ بِهِ عَلَى أَطْلَاعِ النَّخْلِ . فَفَرَّقَ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ ، وَبَيْنَ أَطْلَاعِ النَّخْلِ ، فَأَخْطَأَ فِي تَوَهُّمِهِ ، وَقَارَبَ الصِّحَّةَ فِي فَرْقِهِ . وَحُكْمُ الْأَرْضِ تَخْتَلِفُ فِي زَرْعِهَا وَغَرْسِهَا وَحَرْثِهَا . أَمَّا حَرْثُهَا فَهُوَ فِيهَا زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ بَذْلُهَا ، فَإِنْ بَذَلَتْهَا أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِهَا ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ . وَأَمَّا الْغَرْسُ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي وَجْهٍ ، وَنُقْصَانٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْغَرْسِ زِيَادَةٌ ، وَضَرَرَهُ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ . فَأَمَّا النُّقْصَانُ : فَغَيْرُ مُتَمَيِّزٍ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ : فَفِيهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَوْدَعَةٌ فِي الْأَرْضِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ تَبَعًا ، فَإِنْ بَذَلَتْهَا الزَّوْجَةُ بِغَرْسِهَا لَمْ يُجْبَرِ الزَّوْجُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَجْلِ النَّقْصِ ، وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِهَا لَمْ تُجْبَرِ الزَّوْجَةُ عَلَى بَذْلِهَا لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ ، وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ أُجِيبَ .

وَأَمَّا الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ نَقْصًا فِي الْأَرْضِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَكُونُ نَقْصًا فِيهَا كَالْغِرَاسِ ، وَمُخَالِفٌ لِأَطْلَاعِ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّ أَطْلَاعَ النَّخْلِ مِنْ ذَاتِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالنَّخْلِ قَبْلَ وَقْتِ أَطْلَاعِهِ ، وَزَرْعَ الْأَرْضِ مِنْ فِعْلِ الْآدَمِيِّينَ ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فِي غَيْرِ الزَّرْعِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنَ الزَّرْعِ ، فَافْتَرَقَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ - : أَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّرْعِ إِذَا انْقَضَى ، فَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ زَرْعَهَا ، وَالْأَغْلَبُ مِنْ أَرْضِ الزَّرْعِ أَلَّا مَنْفَعَةَ فِيهَا إِلَّا بِزَرْعِهَا ، فَصَارَتْ بِأَطْلَاعِ النَّخْلِ أَشْبَهَ . فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ . فَإِنْ جَعَلْنَا الزَّرْعَ زِيَادَةً ، وَلَمْ نَجْعَلْهُ نَقْصًا فَحُكْمُ الْأَرْضِ إِذَا زُرِعَتْ مِثْلُ حُكْمِ النَّخْلِ إِذَا أَطْلَعَتْ ، وَقُلْنَا : إِنَّ الثَّمَرَةَ زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْأَقْسَامِ وَالْأَحْكَامِ . وَإِنْ جَعَلْنَا الزَّرْعَ زِيَادَةً وَنَقْصًا كَانَ فِي حُكْمِ الْغَرْسِ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْأَرْضِ ، وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى الْقِيمَةِ أُجِيبَ . فَإِنْ بَادَرَتِ الزَّوْجَةُ إِلَى قَلْعِ الزَّرْعِ ، فَفِي إِجْبَارِ الزَّوْجِ عَلَى قَبُولِ الْأَرْضِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا قَلْعُ الزَّرْعِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ بَادَرَتْ إِلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ عَنِ النَّخْلِ ، وَلَكِنْ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ ، وَأُجْبِرَتْ عَلَى الدَّفْعِ وَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى نِصْفِ الْأَرْضِ أُجِيبَ لِتَعَيُّنِ الْحَقِّ فِيهَا وَقْتَ الطَّلَاقِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّرْعُ وَقْتَ الطَّلَاقِ وَقَدِ اسْتَحْصَدَ وَلَمْ يَحْصُدْ ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا نِصْفُ الْأَرْضِ مَا لَمْ تَنْقُصِ الْأَرْضُ بِالزَّرْعِ ، وَتُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى الْحَصَادِ ، وَهَكَذَا الثَّمَرَةُ إِذَا اسْتَجَدَّتْ عَلَى رُءُوسِ نَخْلِهَا أَخَذَتِ الزَّوْجَةُ بِجَذَاذِهَا وَرَجَعَ الزَّوْجُ بِنِصْفِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ وَلَدَتِ الْأَمَةُ فِي يَدَيْهِ أَوْ نَتَجَتِ الْمَاشِيَةُ ، فَنَقَصَتْ عَنْ حَالِهَا كَانَ الْوَلَدُ لَهَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهَا ، فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ أَنْصَافَهَا نَاقِصَةً ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ أَنْصَافَ قِيمَتِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ . وَهُوَ قَوْلُهُ وَهَذَا خَطَأٌ عَلَى أَصْلِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ جَارِيَةً أَوْ مَاشِيَةً ، فَزَادَتْ فِي يَدِهِ بِحَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَقَدْ دَخَلَ حُكْمُهُ فِي أَقْسَامِ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَيْهِ وَنَذْكُرُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ زِيَادَةٍ ، وَنَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ فِيهَا بَيَانَ الْمَاشِيَةِ . وَأَحْوَالُ الْجَارِيَةِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ وَقْتَ الصَّدَاقِ حَابِلًا ، فَتَحْمِلُ فِي يَدِهِ بِمَمْلُوكٍ وَتَلِدُ ثُمَّ تُطَلَّقُ .

وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ، فَتَحْبَلُ ثُمَّ تُطَلَّقُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ثُمَّ تَلِدُ ثُمَّ تُطَلَّقُ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتَحْبَلُ وَتَلِدُ ثُمَّ تُطَلَّقُ ، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا وَحَالُ وَلَدِهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا بَاقِيَيْنِ . وَالثَّانِي : تَالِفَيْنِ . وَالثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ بَاقِيَةً ، وَالْوَلَدُ تَالِفًا . وَالرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ تَالِفَةً ، وَالْوَلَدُ بَاقِيًا . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : إِذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ ، فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجَةِ ؛ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهَا ، وَتَكُونُ وِلَادَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، كَوِلَادَتِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، فِي أَلَّا حَقَّ فِيهِ لِلزَّوْجِ وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ . وَقَالَ مَالِكٌ : يَكُونُ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الْوَلَدِ وَنِصْفُ الْكَسْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ مَنْ وَلَدٍ وَكَسْبٍ ، وَلَهُ فِيمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ نِصْفُ الْوَلَدِ دُونَ الْكَسْبِ . اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مُسْتَحِقٌّ التَّسْلِيمَ بِالْعَقْدِ كَالْأُمِّ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ كَرُجُوعِهِ بِنِصْفِ الْأُمِّ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فَلَمْ يُوجِبِ الرُّجُوعَ إِلَّا بِنِصْفِ الْمَفْرُوضِ ، وَلَيْسَ الْوَلَدُ مَفْرُوضًا . وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ حَدَثَ فِي مِلْكِهَا ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهِ شَيْئًا مِنْهُ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بِالطَّلَاقِ إِذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالطَّلَاقِ إِذَا حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْكَسْبِ . وَبِالْكَسْبِ يَنْتَقِصُ قِيَاسُهُمْ مَعَ أَنَّنَا لَا نَقُولُ إِنَّهُ تَسْلِيمٌ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ بِالْمِلْكِ . فَإِذَا ثَبَتَ أَلَّا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ ، فَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ بِحَالِهَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ ، فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ نِصْفُهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَهَا النِّصْفُ ، وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَكُونَ قَدْ زَادَتْ ، فَلَهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْهَا لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ عَلَى مِلْكِهَا ، وَتَعْدِلُ بِهِ إِلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَهَا زَائِدَةً أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْمُقَامِ وَالْفَسْخِ . فَإِنْ أَقَامَتْ أَخَذَتِ النِّصْفَ نَاقِصًا وَأَخَذَ الزَّوْجُ نِصْفَهَا نَاقِصًا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ لِحُدُوثِ النُّقْصَانِ فِي يَدِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ .

وَإِنْ فَسَخَتْ فَالْوَلَدُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي الْأَصْلِ مَعَ بَقَائِهِ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ فِيهِ ، وَلَيْسَ بِرَفْعٍ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ . وَبِمَاذَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِالْجَارِيَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ ، فَيَكُونُ الْفَسْخُ مُفِيدًا اسْتِحْقَاقَ الْأَرْشِ ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُوجِبُ قِيمَةَ الصَّدَاقِ عِنْدَ تَلَفِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا تَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ تَلَفِ الصَّدَاقِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ تَتْلَفَ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ مَعًا فِي يَدِ الزَّوْجِ . فَالْأُمُّ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ، وَبِمَاذَا يَضْمَنُهَا فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - : أَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَمِيعُهُ عَلَيْهِ إِنْ طَلَّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَنِصْفُهُ إِنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - : يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا ، وَفِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَوْمَ أَصْدَقَ تَغْلِيبًا لِضَمَانِ الْعَقْدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مَا كَانَتْ قِيمَةً مِنْ وَقْتِ الصَّدَاقِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ ، اعْتِبَارًا بِضَمَانِ الْغَصْبِ . فَأَمَّا الْوَلَدُ : فَحُكْمُهُ بَعْدَ التَّلَفِ مُعْتَبَرٌ بِحُكْمِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ، فَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ لَهَا لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَ لَهُ غُرْمٌ بِتَلَفِهِ . وَإِنْ جَعَلْنَاهُ لَهَا لَوْ كَانَ حَيًّا ، فَفِي ضَمَانِهِ عَلَى الزَّوْجِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمٍّ مَضْمُونَةٍ ، فَصَارَ مَضْمُونًا كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ ، وَخَالَفَ وَلَدَ الْمَغْصُوبَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ بَاقِيَةً وَالْوَلَدُ تَالِفًا ، فَلَهَا جَمِيعُ الْأُمِّ إِنْ طُلِّقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَنِصْفُهَا إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَهُ . وَالْكَلَامُ فِيمَا حَدَثَ فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ عَلَى مَا مَضَى . وَأَمَّا الْوَلَدُ : فَجَمِيعُهُ لَهَا ، وَهَلْ يَضْمَنُهُ الزَّوْجُ بِالتَّلَفِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَضْمَنُهُ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ قِيمَةً مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ إِلَى وَقْتِ تَلَفِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ إِلَّا أَنْ تَطْلُبَهُ مِنْهُ فَيَمْنَعُهَا فَيَضْمَنُهُ كَالْوَدَائِعِ .

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ تَالِفَةً وَالْوَلَدُ بَاقِيًا ، فَفِيمَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي بَدَلِ الْأُمِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : قِيمَتُهَا ، وَفِي اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ . وَالثَّانِي : أَكْثَرُ مَا كَانَ قِيمَةً مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا . فَعَلَى هَذَا فِي الْوَلَدِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ أَيْضًا لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَكُونُ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ، فَصَارَتْ غَيْرَ مَالِكَةٍ لِأُمِّهِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْأَصْلِ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ حَامِلًا وَقْتَ الطَّلَاقِ الصداق جارية حاملا وقت طلاق الزوجة ، فَالْحَمْلُ فِيهَا زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَنُقْصَانٌ مِنْ وَجْهٍ . فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ كَانَتْ مُخَيَّرَةً بَيْنَ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَسْمَحَ فَتَأْخُذَهَا بِزِيَادَتِهَا وَنَقْصِهَا . وَإِمَّا أَنْ تَفَسَخَ ، وَبِمَاذَا تَرْجِعُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بِالْجَارِيَةِ حَامِلًا وَأَرْشِ مَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ ، وَلَا تَجْبُرُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِزِيَادَةِ الْحَمْلِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : تَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ . وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ : كَانَتْ مُخَيَّرَةً بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ . إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ وَتُعْطِيَهِ نِصْفَ الْقِيمَةِ أَقَلَّ مَا كَانَتْ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ لَهَا زِيَادَةً تُسْتَحَقُّ بِمِلْكِهَا . وَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهَا وَتُعْطِيَهُ نِصْفَهَا زَائِدَةً نَاقِصَةً ، فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا ، وَإِنَّ النُّقْصَانَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَالزِّيَادَةَ مَبْذُولَةٌ لَهُ . وَإِمَّا أَنْ تَفْسَخَ فِي الْكُلِّ ، وَبِمَاذَا تَرْجِعُ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْقَدِيمُ - : تَرْجِعُ بِنِصْفِهَا وَنِصْفِ أَرْشِ النُّقْصَانِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ الْجَدِيدُ - : بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْأَصْلِ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَقْتَ الصَّدَاقِ ، وَقَدْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَقْتَ الطَّلَاقِ الصداق جارية حملت وقت الصداق ووضعت وقت الطلاق ، فَحُكْمُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَمْلِ هَلْ لَهُ حُكْمٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ أَوْ يَكُونُ تَبَعًا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَكُونُ تَبَعًا لَا يَتَمَيَّزُ بِحُكْمٍ فَعَلَى هَذَا إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا جَمِيعُ الْوَلَدِ وَهَلْ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُمُّ زَائِدَةً بِهِ وَقْتَ حَمْلِهِ وَيَكُونُ كَالسِمَنِ إِذَا زَالَ بِالْهُزَالِ وَيَصِيرُ الْوَلَدُ كَالنَّمَاءِ الْحَادِثِ عَلَى مِلْكِهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُسْتَهْلَكُ عَلَى الزَّوْجِ حَقُّهُ مِنَ الزِّيَادَةِ بِحَمْلِهَا ، بِخِلَافِ ذَهَابِ السِمَنِ بِالْهُزَالِ ؛ لِأَنَّ السِمَنَ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ الْوَلَدُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ حَمْلًا قَدْ تَمَّتْ وَتَكَامَلَتْ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَهْلَكَ عَلَى الزَّوْجِ ، وَقَدْ صَارَتْ مُتَكَامِلَةً لِلزَّوْجَةِ . وَإِذَا كَانَ هَكَذَا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ حَامِلًا وَحَابِلًا ، فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ فَصْلٍ رَجَعَ الزَّوْجُ بِنِصْفِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ ، وَصَارَ جَمِيعُ الْوَلَدِ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ لِلزَّوْجَةِ . فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَ الْوَلَدِ عَمَّا اسْتَحَقَّهُ مِنْ نِصْفِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَرْضِيَ جَازَ ، وَصَارَتِ الْأُمُّ بَيْنَهُمَا وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا . وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ حَقِّهِ إِلَى مُعَاوَضَةٍ لَا يَلْزَمُ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، نُظِرَ : فَإِنْ أَخَذَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْوَلَدِ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ أُقِرَّ عَلَى مِلْكِهِ لِإِجْمَاعِ مِلْكِ الْوَلَدِ مَعَ مِلْكِ الْأُمِّ . وَإِنْ أَخَذَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصْفَ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ عَلَى مِلْكِ نِصْفِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقًا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي الْمِلْكِ . وَهَلْ تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى إِعْطَائِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِمَا يَلْزَمُهَا مِنَ الْقِيَامِ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُقَالُ لَهَا : إِنْ دَفَعْتِ إِلَى الزَّوْجِ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ أُقِرَّ الْوَلَدُ وَالْأُمُّ عَلَى مِلْكِكِ . وَإِنِ امْتَنَعْتِ لَمْ تُجْبَرِي ، وَبِيعَا جَمِيعًا عَلَيْكِ ، وَدُفِعَ إِلَى الزَّوْجِ مِنَ الثَّمَنِ النِّصْفُ فَمَا قَابَلَ ثَمَنَ الْأُمِّ ، وَكَانَ الْبَاقِي لَكِ ، فَهَذَا إِذَا قِيلَ : إِنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ لَا يَتَمَيَّزُ بِحُكْمٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : فِي الْحَمْلِ أَنَّ لَهُ حُكْمًا يَتَمَيَّزُ ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأُمُّ وَالْحَمْلُ صَدَاقًا ، لَكِنَّ الْحَمْلَ قَدْ زَادَ بِالْوِلَادَةِ عَلَى مِلْكِ الزَّوْجَةِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا بَدَلُ الْوَلَدِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِيهِ . فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَ الْوَلَدِ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ، وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ بَذْلِ نِصْفِهِ ، رَجَعَ بِنِصْفِ الْأُمِّ ، وَفِي كَيْفِيَّةِ مَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ الْحَمْلِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا بَيْنَ قِيمَةِ أُمِّهِ حَامِلًا وَحَابِلًا ، وَلَا يُقَوَّمُ وَقْتَ الْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ إِلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ زِيَادَةً لَا يَمْلِكُهَا الزَّوْجُ ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى اعْتِبَارِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَقْتَ الْوِلَادَةِ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِ كَوْنِهِ حَمْلًا لَا يُوصَلُ إِلَى مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ . فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى اعْتِبَارِ قِيمَتِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَإِنْ حَدَثَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ لَا يُمَلَّكْهَا ، كَمَا يُقَوَّمُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا صَارَ بِالْعُلُوقِ حُرًّا فَيُقَوَّمُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَارَ بِالْعُلُوقِ حُرًّا ، وَعِنْدَ الْوِلَادَةِ زَائِدًا ؛ لِتَعَذُّرِ تَقْوِيمِهِ حَالَ الْعُلُوقِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا . فَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ مِنَ الْوَلَدِ إِلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ زِيَادَتِهِ ، فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَ الْوَلَدِ ، فَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ ، وَيُقَرُّ الزَّوْجُ عَلَى مِلْكِهِ لِاجْتِمَاعِهِ مَعَ الْأُمِّ فِي الْمِلْكِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَيُطَالِبُ بِتَنْصِيفِ الْقِيمَةِ ، فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَلَهُ نِصْفُ الْأُمِّ مَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ ، وَلَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ أُمِّهِ فِي الْمِلْكِ . وَهَلْ تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى دَفْعِ نِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ ، أَوْ يُبَاعَانِ مَعًا ؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ أَصْدَقَهَا عَرَضًا بِعَيْنِهِ أَوْ عَبْدًا فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ فَلَهَا قِيمَتُهُ يَوْمَ وَقَعَ النِّكَاحُ ، فَإِنْ طَلَبَتْهُ فَمَنَعَهَا فَهُوَ غَاصِبٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا كَانَ قِيمَةً ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ : لَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا فَاحْتَرَقَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَرْجِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ تَكُونَ لَهَا الْعَرْصَةُ بِحِصَّتِهَا مِنَ الْمَهْرِ ، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا : لَوْ خَلَعَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، كَمَا يَرْجِعُ لَوِ اشْتَرَاهُ مِنْهَا فَمَاتَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَتْ ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : هَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ بَدَلَ النِّكَاحِ وَبَدَلَ الْخُلْعِ فِي مَعْنَى بَدَلِ الْبَيْعِ الْمُسْتَهْلَكِ ، فَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ وَقَدْ قَبَضَ الْبَدَلَ وَاسْتَهْلَكَ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ إِذَا بَطَلَ بَدَلُهُمَا رَجَعَ بِقِيمَتِهِمَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْبَيْعِ الْمُسْتَهْلَكِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا مِنْ عُرُوضٍ أَوْ حُبُوبٍ ، كَعَبْدٍ ، أَوْ بَعِيرٍ ، أَوْ حِنْطَةٍ ، أَوْ شَعِيرٍ ، فَتَلِفَ فِي يَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَفِي بُطْلَانِ الصَّدَاقِ بِتَلَفِهِ ، وَفِيمَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - : أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَبْطُلُ مِنَ الْعَقْدِ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ . وَدَلِيلُهُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ مَعَ بَقَائِهِ إِذَا هَلَكَ مَضْمُونًا مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ يُوجِبُ ضَمَانَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَوَادِي .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الصَّدَاقُ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ ، وَكَانَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَى الْبُضْعِ مُسْتَقِرًّا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَا يَفْسَدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ لِلصَّدَاقِ مُسْتَقِرًّا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَا يَفْسَدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ - : أَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ بَطَلَ مِنَ الْعَقْدِ بِتَلَفِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ قِيمَتِهِ . وَدَلِيلُهُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ تَعَيَّنَ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِتَلَفِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَيَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ بِالْمُعَوِّضِ دُونَ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَبْدًا بِثَوْبٍ يُسَلِّمُهُ وَيَتْلَفُ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ فَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِعَبْدِهِ لَا بِقِيمَةِ الثَّوْبِ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ ، كَذَلِكَ تَلَفُ الصَّدَاقِ كَانَ يَقْتَضِي تَلَفُهُ الرُّجُوعَ بِالْبُضْعِ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ ، لَكِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِهِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ مِنْهُ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بُطْلَانُ الصَّدَاقِ بِجَهَالَتِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ الْقِيمَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بُطْلَانُهُ بِالتَّلَفِ بِمَثَابَتِهِ فِي الرُّجُوعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ قِيمَتِهِ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ ، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى التَّفْرِيعِ عَلَيْهِمَا . فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ : إِنَّ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمَهْرِ عند تلف المهر ، فَلَهُ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، حَتَّى يَتْلَفَ فِي يَدِهِ ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مَا كَانَ قِيمَةً مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قِيمَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ قَدْ صَارَ غَاصِبًا فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَلَّا يَكُونَ مِنْهُ مَنْعٌ وَلَا مِنْهَا طَلَبٌ . فَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ عَقْدٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : ضَمَانُ غَصْبٍ . فَإِذَا قِيلَ ضَمَانُ عَقْدٍ : فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَصْدَقَ . وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ : عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلِفَ . وَهَذَا خَطَأٌ ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ . وَإِذَا قِيلَ : يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْعَيْبِ ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ فِي يَدَيْهِ . وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي سُوقِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَضْمَنُهَا كَالْمَغْصُوبِ ، فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ زِيَادَةَ الْبَدَنِ وَزِيَادَةَ السُّوقِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَضْمَنُهَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِالْإِمْسَاكِ فَكَانَتْ حَالَةً أَخَفَّ مِنَ الْغَاصِبِ الْمُتَعَدِّي ، فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ زِيَادَةَ الْبَدَنِ وَلَا يَضْمَنُ زِيَادَةَ السُّوقِ . وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ : أَنَّ الرُّجُوعَ يَكُونُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، فَلِتَلَفِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ بِحَادِثِ سَمَاءٍ ، فَيَبْطُلُ فِيهِ الصَّدَاقُ ، وَتَسْتَحِقُّ فِيهِ مَهْرَ الْمِثْلِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَسْتَهْلِكَهُ الزَّوْجَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا مِنْهَا ، وَلَا مَهْرَ لَهَا ، كَمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً وَاسْتَهْلَكَهَا فِي يَدِ بَائِعِهَا كَانَ اسْتِهْلَاكُهُ قَبْضًا . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ أَجْنَبِيٌّ ، فَفِي بُطْلَانِ الصَّدَاقِ فِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ بَائِعِهِ ، فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : قَدْ بَطَلَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ صَحِيحٌ ، وَمُشْتَرِيهِ بِالْخِيَارِ . كَذَلِكَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى مُتْلِفِهِ ، فَيَكُونُ فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : قَدْ بَطَلَ ، وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى مُتْلِفِهِ بِالْقِيمَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ، وَتَكُونُ الزَّوْجَةُ بِحُدُوثِ النَّقْصِ بِتَلَفِهِ مُخَيَّرَةً بَيْنَ الْمُقَامِ وَالْفَسْخِ . فَإِنْ أَقَامَتْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةُ الصَّدَاقِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَتْ مِنَ الزَّوْجِ أَوِ الْمُسْتَهْلِكِ . وَإِنْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ بِالْقِيمَةِ . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَسْتَهْلِكَهُ الزَّوْجُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِهْلَاكِهِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى حَادِثِ سَمَاءٍ ، أَوْ مَجْرَى اسْتِهْلَاكِ أَجْنَبِيٍّ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى تَلَفِهِ بِحَادِثِ سَمَاءٍ ، فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ فِيهِ الصَّدَاقُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى اسْتِهْلَاكِ أَجْنَبِيٍّ ، فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ فِيهِ الصَّدَاقُ أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ . فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ تَلَفَ الصَّدَاقِ حكمه يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا . غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِمَا لَا دَلِيلَ فِيهِ . وَهُوَ أَنَّهُ حَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا فَاحْتَرَقَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا ، كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَرْجِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ تَكُونَ لَهَا الْعَرْصَةُ بِحِصَّتِهَا مِنَ الْمَهْرِ . وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي تَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ .

قَالَ الْمُزَنِيُّ : وَقَالَ فِيهِ : لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا يَرْجِعُ لَوِ اشْتَرَاهُ مِنْهَا فَمَاتَ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَتْ . وَهَذَا أَيْضًا لَا دَلِيلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي بِقِيمَتِهِ وَلَيْسَ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِبْطَالًا لِلْآخَرِ . وَالشَّافِعِيُّ غَيَّرَ جَمِيعَ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ فِي الْجَدِيدِ وَصَنَّفَهَا ثَانِيَةً ، إِلَّا الصَّدَاقَ فَإِنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَا أَعَادَ تَصْنِيفَهُ ، وَإِنَّمَا ضَرَبَ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهُ وَزَادَ فِي مَوَاضِعَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ جَعَلَ ثَمَرَ النَّخْلِ فِي قَوَارِيرَ ، وَجَعَلَ عَلَيْهَا صَقْرًا مِنْ صَقْرِ نَخْلِهَا كَانَ لَهَا أَخْذُهُ وَنَزْعُهُ مِنَ الْقَوَارِيرِ ، فَإِذَا كَانَ إِذَا نَزَعَ فَسَدَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَأْخُذَهُ ، أَوْ تَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَهُ وَمِثْلَ صَقْرِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ ، أَوْ قِيمَتَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ ، وَلَوْ رَبَّهُ بِرَبٍّ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَأْخُذَهُ وَتَنْزِعَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الرَّبِّ ، أَوْ تَأْخُذَ مِثْلَ التَمْرِ إِذَا كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الرَّبِّ لَا يَبْقَى يَابِسًا بَقَاءَ التَّمْرِ الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الرَّبُّ أَوْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً نَخْلًا ، فَأَخَذَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ فَجَذَّهَا وَجَعَلَهَا فِي قَوَارِيرَ وَطَرَحَ عَلَيْهَا صَقْرًا . وَالصَّقْرُ : وَهُوَ مَا سَالَ مِنْ دِبْسِ الرُّطَبِ ، مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ . وَالرُّطَبُ : هُوَ الدِّبْسُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّارِ . فَلَا يَخْلُو حَالُ الثَّمَرَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً مِنَ النَّخْلِ بَعْدَ الصَّدَاقِ ، أَوْ مُتَقَدِّمَةً . فَإِنْ كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ الصَّدَاقِ ، فَقَدْ مَلَكَتْهَا ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهَا ، لِأَنَّ عَقْدَ الصَّدَاقِ تَضَمَّنَهَا ، فَيَكُونُ تَصَرُّفُ الزَّوْجِ فِيهَا تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ الصَّدَاقِ مِنْ أَمْوَالِهَا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَالصَّقْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَرَةِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ . فَإِنْ كَانَ الصَّقْرُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَرَةِ ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الصَّقْرِ وَالثَّمَرَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ : إِحْدَاهُنَّ : أَلَّا يَنْقُصَ الصَّقْرُ وَلَا الثَّمَرَةُ بِالِاخْتِلَاطِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَنْقُصَا مَعًا بِالِاخْتِلَاطِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَنْقُصَ الصَّقْرُ دُونَ الثَّمَرَةِ . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ تَنْقُصَ الثَّمَرَةُ دُونَ الصَّقْرِ . فَإِنْ لَمْ يَنْقُصِ الصَّقْرُ بِطَرْحِهِ عَلَى الثَّمَرَةِ ، وَلَا نَقَصَتِ الثَّمَرَةُ بِطَرْحِهَا فِي الصَّقْرِ ، فَلَا

ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى فَلَيْسَ لِعُدْوَانِهِ أَرْشٌ يُضْمَنُ ، كَمَا لَوْ كَانَ غَاصِبًا وَلَيْسَ بِزَوْجٍ . فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا بِالْعَمَلِ ، فَالزِّيَادَةُ لِلزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ وَلَا أُجْرَةَ لِلزَّوْجِ فِي عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ وَتَعَدَّى فِيهِ . وَإِنَّ نَقَصَ الصَّقْرُ بِطَرْحِهِ عَلَى الثَّمَرَةِ ، وَنَقَصَتِ الثَّمَرَةُ بِطَرْحِهَا فِي الصَّقْرِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَدْ تَنَاهَى نَقْصُهُمَا وَاسْتَقَرَّ ، فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَأْخُذَهُمَا وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِأَرْشِ نُقْصَانِهِمَا ، وَلَا خِيَارَ لَهَا فِي الصَّقْرِ وَالثَّمَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي مَغْصُوبٍ قَدْ جُبِرَ بِالْأَرْشِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ نَقْصُهُمَا لَمْ يَتَنَاهَ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ ، وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا وَقْتٌ بَعْدَ وَقْتٍ حَدَثَ فِيهِمَا نَقْصٌ بَعْدَ نَقْصٍ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ كَالْغَاصِبِ لِلطَّعَامِ إِذَا بَلَّهُ وَكَانَ نَقْصُهُ لَا يَتَنَاهَى فَهُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا : أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ - وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ - : أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُسْتَهْلَكِ ، فَيَكُونُ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِمِثْلِ الثَّمَرَةِ إِنْ كَانَتْ ثَمَرًا لَهُ مِثْلٌ ، وَبِمِثْلِ الصَّقْرِ إِنْ كَانَ سَيَلَانًا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَلَا خَالَطَهُ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِثْلٌ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ كَانَتْ رُطَبًا وَالصَّقْرَ قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ خَالَطَهُ الْمَاءُ ، فَلَهَا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الصَّقْرِ وَقِيمَةِ الثَّمَرِ . وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِثْلٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مِثْلٌ ، رَجَعَتْ بِمِثْلِ ذِي الْمِثْلِ ، وَقِيمَةِ غَيْرِ ذِي الْمِثْلِ ، فَلَوْ رَضِيَتِ الزَّوْجَةُ بِنُقْصَانِ ثَمَرَتِهَا وَصَقْرِهَا ، أُقِرَّتْ عَلَيْهَا وَلَمْ تَرْجِعْ بِبَدَلِهِمَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ تَخْرِيجُ الرَّبِيعِ ، وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي - : أَنَّهُمَا لَا يَصِيرَانِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ مُسْتَهْلَكَيْنِ ، وَمَا يَحْدُثُ مِنَ النُّقْصَانِ فِيمَا بَعْدُ فَمَظْنُونٌ مُجَوَّزٌ ، وَرُبَّمَا أَرَادَتِ الزَّوْجَةُ أَكْلَ ذَلِكَ وَاسْتِهْلَاكَهُ قَبْلَ نُقْصَانِهِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ رَجَعَتْ بِأَرْشِ نَقْصِهِمَا فِي الْحَالِ ، ثُمَّ كُلَّمَا حَدَثَ فِيهِمَا نَقْصٌ رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ . فَإِنْ أَخَذَتْ مِنْهُ أَرْشَ نَقْصِهِمَا فِي الْحَالِ وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ أَرْشِ نَقْصِهِمَا فِي ثَانِي حَالٍ ، فَفِي صِحَّةِ بَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ أُبْرِئَ مِمَّا لَمْ يَجِبْ . وَالثَّانِي : يَصِحُّ ، وَيَكُونُ الْإِبْرَاءُ كَالْإِذْنِ . وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا فَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَقَعُ فِيهَا . فَهَذَا حُكْمُ نَقْصِ الثَّمَرَةِ وَالصَّقْرِ . فَأَمَّا إِنْ نَقَصَ الصَّقْرُ دُونَ الثَّمَرَةِ : فَلَهَا أَخْذُ الثَّمَرَةِ ، وَيُضْمَنُ نَقْصُ الصَّقْرِ عَلَى مَا مَضَى .

وَأَمَّا إِنْ نَقَصَتِ الثَّمَرَةُ دُونَ الصَّقْرِ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الصَّقْرِ ، وَيَضْمَنُ نَقْصَ الثَّمَرَةِ عَلَى مَا مَضَى . فَصْلٌ : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّقْرُ لِلزَّوْجِ ، فَيَطْرَحُهُ عَلَى ثَمَرَةِ الزَّوْجَةِ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِنَقْصِ الصَّقْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ ، وَبِفِعْلِهِ نَقَصَ . فَأَمَّا الثَّمَرَةُ ، فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا فِي الصَّقْرِ غَيْرَ مُضِرٍّ ، وَإِخْرَاجُهَا مِنْهُ غَيْرَ مُضِرٍّ : فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَرَةِ ، وَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ صَقْرِهِ مِنْهَا ، وَمَئُونَةُ إِخْرَاجِهِ عَلَيْهِ دُونَهَا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا فِيهِ مُضِرًّا ، وَإِخْرَاجُهَا مِنْهُ مُضِرًّا ، فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ النُّقْصَانِ : فَإِنْ كَانَ قَدْ تَنَاهَى وَاسْتَقَرَّ ، رَدَّ الثَّمَرَةَ وَضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَاهَ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَصِيرُ كَالْمُسْتَهْلَكِ ، فَيَضْمَنُهَا بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ لَهَا مِثْلٌ ، وَبِالْقِيمَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَضْمَنُ أَرْشَ كُلِّ نَقْصٍ يَحْدُثُ فِي وَقْتٍ بَعْدَ وَقْتٍ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا فِيهِ مُضِرًّا ، وَإِخْرَاجُهَا مِنْهُ غَيْرَ مُضِرٍّ ، فَيُؤْخَذُ جَبْرًا بِإِخْرَاجِهَا مِنْهُ ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا فِيهِ غَيْرَ مُضِرٍّ ، وَإِخْرَاجُهَا مِنْهُ مُضِرًّا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ إِذَا أُخْرِجَتْ مِنَ الصَّقْرِ صَلُحَتْ لِمَا لَا تَصْلُحُ لَهُ الثَّمَرَةُ إِذَا كَانَتْ فِي الصَّقْرِ ، فَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى إِخْرَاجِهَا مِنْهُ أُجِيبَ ، فَإِنْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَخْذَ صَقْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ نَقْصُ الثَّمَرَةِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنِ اعْتِبَارِ حَالِ النُّقْصَانِ فِي التَّنَاهِي ، وَإِنْ أَرَادَتِ الزَّوْجَةُ إِخْرَاجَ ثَمَرَتِهَا مِنَ الصَّقْرِ أُخِذَ الزَّوْجُ بِإِخْرَاجِهَا وَضَمِنَ نُقْصَانَهَا عَلَى مَا مَضَى . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ فِي الصَّقْرِ تَصْلُحُ لِمَا لَا تَصْلُحُ لَهُ الثَّمَرَةُ إِذَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنَ الصَّقْرِ . فَإِنْ أَرَادَ الزَّوْجُ صَقْرَهُ : لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَرْكِهِ ، وَعَلَيْهِ إِخْرَاجُهُ ، وَعَلَيْهِ نَقْصُ الثَّمَرَةِ عَلَى مَا مَضَى . وَإِنْ تَرَكَ صَقْرَهُ عَلَيْهَا : فَفِي إِجْبَارِ الزَّوْجَةِ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الزَّوْجَ بِإِخْرَاجِ الثَّمَرَةِ وَضَمَانِ نَقْصِهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ جُبْرَانُ نَقْصٍ ، وَدَفْعُ ضَرَرٍ ، وَلَيْسَ بِهِبَةٍ مَحْضَةٍ . فَهَذَا أَحَدُ شَطْرَيِ الْمَسْأَلَةِ . فَصْلٌ : وَأَمَّا الشَّطْرُ الثَّانِي مِنَ الْمَسْأَلَةِ : وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً عَلَى رُءُوسِ نَخْلِهَا

وَقْتَ الصَّدَاقِ ، وَيَجْعَلُهُمَا جَمِيعًا صَدَاقًا ، ثُمَّ يَجِدُ الثَّمَرَةَ وَيَجْعَلُهَا فِي الصَّقْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ أَيْضًا : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الصَّقْرُ مِنَ الثَّمَرَةِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ . فَإِنْ كَانَ مِنَ الثَّمَرَةِ ، نُظِرَ ؛ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصِ الصَّقْرُ وَلَا الثَّمَرَةُ ، فَلَا غُرْمَ عَلَى الزَّوْجِ ، وَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجَةِ . وَإِنْ نَقَصَا أَوْ أَحَدُهُمَا : تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي تَلَفِ الصَّدَاقِ ، هَلْ يُوجِبُ غُرْمَ الْقِيمَةِ أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ ؟ . فَإِنْ قِيلَ بِالْقَدِيمِ إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ : فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ مَضْمُونٌ بِجِنَايَةٍ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخِيَارُ لَهَا فِيمَا لَا يُضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ لِيَكُونَ مَضْمُونًا بِالْفَسْخِ ، فَتَأْخُذُ الصَّقْرَ وَالثَّمَرَةَ وَتَرْجِعُ بِأَرْشِ نَقْصِهَا إِنْ تَنَاهَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَنَاهَى فَعَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ . وَإِنْ قِيلَ بِالْجَدِيدِ إِنَّ تَلَفَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ : فَهِيَ بِالنَّقْصِ الْحَادِثِ فِي الثَّمَرَةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُقَامِ وَالْفَسْخِ . وَهَلْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ بِالنَّقْصِ الْحَادِثِ فِي الصَّقْرِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِيمَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَاقِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ صَقْرًا فَيَنْفَسِخُ بِنُقْصَانِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ ثَمَرَةً صَارَتْ صَقْرًا زَائِدًا ، فَإِذَا نَقَصَتِ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ يَتَضَمَّنْهَا الصَّدَاقُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ فِي الصَّدَاقِ اعْتِبَارًا بِنُقْصَانِ الْوَلَدِ الْحَادِثِ ، فَإِذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ بِمَا ذَكَرْنَا ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تُقِيمَ عَلَى الْكُلِّ ، وَإِمَّا أَنْ تَفْسَخَ فِي الْكُلِّ . فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى الْكُلِّ : أَخَذَتِ النَّخْلَ وَالثَّمَرَةَ وَالصَّقْرَ ، وَلَا أَرْشَ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ مُتَنَاهِيًا أَمْ لَا . وَإِنْ فَسَخَتْ فِي الْكُلِّ رَدَّتِ النَّخْلَ وَالثَّمَرَةَ وَالصَّقْرَ ، وَرَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا . فَأَمَّا إِنْ أَرَادَتِ الْفَسْخَ فِي الثَّمَرَةِ وَالصَّقْرِ لِنَقْصِهِمَا وَالْمُقَامَ عَلَى النَّخِيلِ . فَإِنْ رَاضَاهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ جَازَ ، وَإِنْ أَبَى فَفِيهِ قَوْلَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ : أَحَدُهُمَا : لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إِذَا قِيلَ : إِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ ، وَيُقَالُ لَهَا : إِمَّا أَنْ تُقِيمِي عَلَى الْكُلِّ أَوْ تَفْسَخِي فِي الْكُلِّ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إِذَا قِيلَ : إِنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ يَجُوزُ ، فَتُقِيمُ عَلَى النَّخِيلِ بِحِسَابِهِ مِنَ الصَّدَاقِ وَقِسْطِهِ ، وَتَرْجِعُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّقْرُ لِلزَّوْجِ ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصِ الثَّمَرَةُ بِتَرْكِهَا فِيهِ وَلَا بِإِخْرَاجِهَا مِنْهُ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ . فَإِنْ نَقَصَتْ كَانَ عَلَى الْقَدِيمِ ضَامِنًا لِأَرْشِ نَقْصِهَا ، وَلَا خِيَارَ لَهَا . وَعَلَى الْجَدِيدِ لَا أَرْشَ لَهَا ، وَتَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ فِي جَمِيعِ الصَّدَاقِ وَالرُّجُوعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، أَوِ الْمُقَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ . فَإِنْ أَرَادَتِ الْفَسْخَ فِي الثَّمَرَةِ لِنَقْصِهَا ، وَالْمُقَامَ عَلَى النَّخْلِ ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ . فَإِنْ طَالَبَتْ بِمِثْلِ الثَّمَرَةِ النَّاقِصَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ سَوَاءٌ قِيلَ : إِنَّ تَلَفَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِقِيمَتِهِ ، أَوْ قِيلَ : إِنَّهُ مُوجِبٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ قِيلَ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَلَا وَجْهَ لِلْمِثْلِ وَلَا لِلْقِيمَةِ ، وَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ أَوْ مِثْلِ ذِي الْمِثْلِ فَذَاكَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ التَّلَفِ كَالْمُسْتَهْلَكِ بِالْغَصْبِ . فَأَمَّا فِي نُقْصَانِهِ مَعَ بَقَائِهِ ، فَلَا حَقَّ فِي الرُّجُوعِ بِمِثْلِهِ كَالْمَغْصُوبِ إِذَا نَقَصَ فِي يَدِ غَاصِبِهِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي سَوَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَأْخُذَهُ أَوْ تَأْخُذَ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ صَقْرِهِ . قِيلَ : قَدْ كَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ يَنْسُبُ الْمُزَنِيَّ إِلَى السَّهْوِ فِي نَقْلِهِ . وَأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ أُصُولَ الشَّافِعِيِّ تَدْفَعُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالَّذِي أَرَاهُ : أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ سَهْوٌ فِيهِ ، وَلَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّقْصِ الَّذِي لَا يَتَنَاهَى عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ إِذَا كَانَ فِي الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، أَوْ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ إِذَا قِيلَ بِالْقَدِيمِ إِنَّ تَلَفَهُ مُوجَبٌ بِمِثْلِ ذِي الْمِثْلِ ، وَقِيمَةِ غَيْرِ ذِي الْمِثْلِ فَيَكُونُ عَدَمُ التَّنَاهِي فِي نُقْصَانِهِ مُوجِبًا لِلرُّجُوعِ بِمِثْلِهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ كَالْمُسْتَهْلَكِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَكُلُّ مَا أُصِيبَ فِي يَدَيْهِ بِفِعْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِيهِ ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً فَيَطَأَهَا فَتَلِدُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَقُولُ : كُنْتُ أَرَاهَا لَا تُمْلَكُ إِلَّا نِصْفَهَا ، حَتَّى أَدْخُلَ فَيُقَوَّمُ الْوَلَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ سَقَطَ وَيُلْحَقُ بِهِ ، وَلَهَا مَهْرُهَا ، وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَسْتَرِقَّهَا فَهِيَ لَهَا ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهَا مِنْهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَةً ، وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَإِنَّمَا جَعَلْتُ لَهَا الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : وَقَدْ قَالَ : وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَأَصَابَتْ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّتْهُ ، أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : وَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ أَنَّ لَهَا الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ قِيمَةِ مَا رَدَّتْ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا تَرْجِعُ إِلَى مَا دَفَعَتْ ، فَإِنْ كَانَ فَائِتًا فَقِيمَتُهُ ، وَكَذَلِكَ

الْبُضْعُ عِنْدَهُ كَالْمَبِيعِ الْفَائِتِ ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْخُلَعِ : لَوْ خَلَعَهَا بِعَبْدٍ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الصَّدَاقُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ ، فَإِنْ طَلَبَتْهُ فَمَنَعَهَا فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ ضَمَانَ غَصْبٍ أَكْثَرَ مَا كَانَ قِيمَةً ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهُ فَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : ضَمَانُ عَقْدٍ . وَالثَّانِي : ضَمَانُ غَصْبٍ . وَأَمَّا النَّمَاءُ : فَإِنْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْهُ ، فَفِي ضَمَانِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتْلِفَ لَهُ ، فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ قَوْلًا وَاحِدًا . فَأَمَّا إِذَا أَصْدَقَهَا أَمَةً ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى وَطِئَ الْأَمَةَ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ، فَالْحَدُّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ ، فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ ، فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا : أَنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِالْمُطَاوَعَةِ بَغِيًّا ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ - : أَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا ، فَلَا يَسْقُطُ بِبَذْلِهَا لَهَا وَمُطَاوَعَتِهَا ، كَمَا لَوْ بَذَلَتْ قَطْعَ يَدِهَا لَمْ يَسْقُطْ غُرْمُ دِيَتِهَا ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لَا يُلْحَقُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ زِنَا . فَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَالْأَمَةُ فِي يَدِهِ فَنَقْصُهَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِأَرْشِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ : إِنَّ تَلَفَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِقِيمَتِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِخِيَارِهَا فِي الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ . فَإِنْ أَقَامَتْ : أَخَذَتْهَا نَاقِصَةً وَلَا أَرْشَ لَهَا . وَإِنْ فَسَخَتْ : رَجَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ . وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ : إِنَّ تَلَفَهُ مُوجِبٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ . فَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ ، وَإِنْ مَلَكَ الْأُمَّ لَمْ تَصِرْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ وَلَدُهَا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ ؛ لِإِسْلَامِهِ حَدِيثًا ، أَوْ قُدُومِهِ مِنْ بَادِيَةٍ نَائِيَةٍ ، أَوْ يَدَّعِي شُبْهَةَ أَنَّهُ مَالِكِيٌّ ، يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ بِالْعَقْدِ إِلَّا نِصْفَهَا ، وَإِنَّ نِصْفَهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، فَهَذَا وَالْجَهْلُ بِالتَّحْرِيمِ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِمَا شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ ، وَيَجِبُ بِهَا الْمَهْرُ فِي الْمُطَاوَعَةِ

وَالْإِكْرَاهِ ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيَكُونُ حُرًّا ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي شُبْهَةِ مِلْكٍ ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ وَضَعَتْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَحْوَالِ تَقْوِيمِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِالْعُلُوقِ قَدْ صَارَ حُرًّا . فَأَمَّا الْأُمُّ : فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الزَّوْجَةِ ، وَالْكَلَامُ فِي خِيَارِهَا إِنْ حَدَثَ بِهَا نَقَصٌ عَلَى مَا مَضَى ، وَلَا تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا ، فَإِنْ مَلَكَهَا فَفِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْإِيلَادِ قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ فِي عَامَّةِ حُكْمِهِ كَالْبَيْعِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِذَا أَصْدَقَهَا شِقْصًا مَنْ دَارٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا شُفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ ، وَلَا فِي الْخُلْعِ ، وَلَا فِي الْإِجَارَةِ ، وَلَا فِي الصُّلْحِ . وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مُسْتَوْفَاةً . فَأَغْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِعَادَةِ . وَإِذَا كَانَتِ الشُّفْعَةُ فِيهِ وَاجِبَةً فَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلشَّرِيكِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ . وَقَالَ مَالِكٌ : بِقِيمَةِ الشِّقْصِ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ : أَنَّ الشِّقْصَ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ ، وَإِذَا كَانَ الشِّقْصُ مَمْلُوكًا بِبَدَلٍ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ كَانَ مَأْخُوذًا بِقِيمَةِ الْبَدَلِ لَا بِقِيمَةِ الشِّقْصِ ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شِقْصًا بِعَبْدٍ كَانَ مَأْخُوذًا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِقِيمَةِ الشِّقْصِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقِيمَةُ الْبُضْعِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَلِذَلِكَ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا . فَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا مِنْ دَارٍ وَدِينَارٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِلَّا دِينَارًا ؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا فِي مُقَابَلَةِ شِقْصٍ وَدِينَارٍ . وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا وَأَخَذَ مِنْهَا دِينَارًا ، أَخَذَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبِدِينَارٍ ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعٍ وَدِينَارٍ .

فَصْلٌ : فَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَاسْتَحَقَّ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وكان صداقها شقصا من دار لَمْ يَخْلُ حَالُ الشِّقْصِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ قَدْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ كَمَا لَوْ بَاعَتْهُ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ قَدِ اشْتَرَتْهُ مِنَ الشَّفِيعِ ، أَوْ وَرِثَتْهُ عَنْهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ . فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ لَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ دَارًا فَبَاعَهَا الِابْنُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ، لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، فَهَلَّا كَانَ الزَّوْجُ هَكَذَا ؟ .

قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خُرُوجَ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الِابْنِ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّ الْأَبِ فِي الرُّجُوعِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ وَلَا بِبَدَلِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ مِنَ الرُّجُوعِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّدَاقُ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِ الزَّوْجَةِ عَنْهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّ الزَّوْجِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ رَجَعَ بِبَدَلِهِ ، فَلِذَلِكَ إِذَا عَادَ إِلَى مِلْكِهَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ قَدْ عَفَا عَنِ الشُّفْعَةِ ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَصْدَقَ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ قَدْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهَا بِعَيْبٍ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ غَائِبًا لَمْ يَعْلَمْ بِالشُّفْعَةِ وَلَا عَفَا عَنْهَا حَتَّى طَلَّقَ الزَّوْجُ ، فَفِي أَحَقِّهِمَا بِالْقَدِيمِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - : أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ ؛ لِحُضُورِهِ بِالْمُطَالَبَةِ ، وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ ، فَعَلَى هَذَا تَرْجِعُ فِي نِصْفِهِ ، وَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ إِذَا قَدِمَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّوْجِ نِصْفَهُ الَّذِي مَلَكَهُ بِالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - : أَنَّ الشَّفِيعَ أَحَقُّ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ . فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ : أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى يَحْضُرَ الشَّفِيعُ ، فَإِنْ عَفَا أَخَذْتُ نِصْفَ الشِّقْصِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ صَارَ فِي الْقِيمَةِ . وَالثَّانِي : لِئَلَّا تَبْقَى ذِمَّةُ الزَّوْجَةِ مُرْتَهَنَةً بِهِ . فَلَوْ لَمْ يَأْخُذِ الْقِيمَةَ حَتَّى حُضُورِ الشَّفِيعِ ، فَعَفَا عَنِ الشُّفْعَةِ ، فَفِي اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجِ لِنِصْفِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ صَارَ فِي الْقِيمَةِ . وَالثَّانِي : لَهُ أَخْذُ نِصْفِهِ ، تَعْلِيلًا بِأَنَّ ذِمَّتَهَا تَبْرَأُ بِهِ ، وَلَكِنْ لَوْ أَخَذَ الزَّوْجُ الْقِيمَةَ ثُمَّ عَفَا الشَّفِيعُ ، لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ فِيهِ حَقٌّ ؛ لِاسْتِيفَائِهِ لِحَقِّهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الْمُزَنِيُّ : " وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُهَا بِعَبْدٍ يُسَاوِي أَلْفًا عَلَى أَنْ زَادَتْهُ أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا يَبْلُغُ أَلْفًا ، فَأَبْطَلَهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَأَجَازَهُ فِي الْآخَرِ ، وَجَعَلَ مَا أَصَابَ قَدْرَ الْمَهْرِ مِنَ الْعَبْدِ مَهْرًا ، وَمَا أَصَابَ قَدْرَ الْأَلْفِ مِنَ الْعَبْدِ مَبِيعًا ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : أَشْبَهُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَلَّا يُجِيزَهُ لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْبَيْعَ إِذَا كَانَ فِي عَقْدِهِ كِرَاءٌ ، وَلَا الْكِتَابَةَ إِذَا كَانَ فِي عَقْدِهَا بَيْعٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ إِذَا جَمَعَ عَقْدَيْنِ يَخْتَلِفُ حُكْمُ

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ ، كَعَقْدٍ جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَةً ، أَوْ بَيْعًا وَصَرْفًا ، أَوْ بَيْعًا وَكِتَابَةً ، أَوْ بَيْعًا وَنِكَاحًا . فَفِيهِ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ صَحِيحٌ فِيهِمَا ؛ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إِفْرَادُهُمَا ، صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْبَيْعَتَيْنِ وَالْإِجَارَتَيْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّ اخْتِلَافَ حُكْمِهِمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، كَمَا لَوِ ابْتَاعَ فِي عَقْدٍ شِقْصًا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَعَرَضًا لَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ ، وَكَمَا لَوِ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبُوهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ ، وَالْآخَرُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ فى عقد واحد . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِيهِمَا لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ لَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ ، فَإِذَا جَمَعَ مَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ تَنَافَى ، فَيَبْطُلُ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ عَبْدِي وَاشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ . وَالثَّانِي : أَنَّ مُقَابَلَةَ الْعِوَضِ لَهُمَا مُفْضٍ إِلَى جَهَالَةِ الْعِوَضِ فِيمَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَإِذَا كَانَ عِوَضُ الْعَقْدِ مَجْهُولًا بَطَلَ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ جِئْنَا إِلَى تَفْصِيلِ مَا جَمَعَهُ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَنَقُولُ : أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَةً في عقد واحد ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا وَأَجَّرْتُكَ دَارِي هَذِهِ سَنَةً بِأَلْفٍ ، فَالْبَيْعُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالْعَقْدِ ، وَخِيَارُ الثَّلَاثِ بِالشَّرْطِ ، وَالْإِجَارَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْعَقْدِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهُمَا بَاطِلَانِ ، فَعَلَى هَذَا يَتَرَادَّانِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُمَا جَائِزَانِ ، فَعَلَى هَذَا يَنْظُرُ قِيمَةَ الْعَبْدِ ؛ فَإِذَا قِيلَ : خَمْسُمِائَةٍ ، نَظَرَ أُجْرَةَ مِثْلِ الدَّارِ سَنَةً ، فَإِذَا قِيلَ : مِائَةٌ ، عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الدَّارِ مِنَ الْأَلْفِ سُدُسُهَا ، وَثَمَنَ الْعَبْدِ مِنَ الْأَلْفِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا . وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ الْعَقْدُ بَيْعًا وَصَرْفًا ، فَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا وَدِينَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ . فَمَا قَابَلَ الثَّوْبَ بَيْعٌ ، وَمَا قَابَلَ الدِّينَارَ مِنْهَا صَرْفٌ ، وَالْبَيْعُ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِالتَّفْرِيقِ ، وَالصَّرْفُ يَبْطُلُ إِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ . فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهُ بَاطِلٌ فِيهِمَا وَيَتَرَاجَعَانِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَائِزٌ فِيهِمَا وَيُقْسِطُ الْمِائَةَ عَلَى قِيمَتِهَا . وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْعًا وَكِتَابَةً في عقد واحد ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا ، وَكَاتَبْتُكَ عَلَى نَجْمَيْنِ بِأَلْفٍ . فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحُكْمَيْنِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ : فَالْعَقْدُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بَاطِلٌ . وَإِذَا قِيلَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحُكْمَيْنِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ : فَالْعَقْدُ فِي الْبَيْعِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ عَلَى عَبْدِهِ .

وَهَلْ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ . وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْعًا وَنِكَاحًا في عقد واحد فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : قَدْ تَزَوَّجْتُكِ وَاشْتَرَيْتُ عَبْدَكِ بِأَلْفٍ ، فَمَا قَابَلَ الْعَبْدَ بَيْعٌ ، وَمَا قَابَلَ الْبُضْعَ صَدَاقٌ . فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهُ بَاطِلٌ فِيهِمَا ، فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنَ الْعَقْدِ ، وَيَبْطُلُ الصَّدَاقُ فِي النِّكَاحِ ، وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ ، وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ جَائِزٌ فِيهِمَا ، فَعَلَى هَذَا يُقَوَّمُ الْعَبْدُ . فَإِذَا قِيلَ أَلْفٌ : نُظِرَ مَهْرُ مِثْلِهَا ، فَإِذَا قِيلَ : خَمْسُمِائَةٍ ، عُلِمَ أَنَّ ثُلُثَيِ الْأَلْفِ ثَمَنٌ لِلْعَبْدِ ، وَثُلُثَهَا صَدَاقٌ لِلزَّوْجَةِ ، فَلَوْ وَجَدَ الزَّوْجُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ اسْتَرْجَعَ ثُلُثَيِ الْأَلْفِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ اسْتَرْجَعَ سُدُسَ الْأَلْفِ . وَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا عَبْدًا عَلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا ، فَمَا قَابَلَ الْأَلْفَ مِنَ الْعَبْدِ مَبِيعٌ ، وَمَا قَابَلَ الْبُضْعَ مِنْهَا صَدَاقٌ . فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : أَنَّهُمَا بَاطِلَانِ ، فَتَرُدُّ الْعَبْدَ وَتَسْتَرْجِعُ الْأَلْفَ وَيُحْكَمُ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُمَا جَائِزَانِ ، فَعَلَى هَذَا يَنْظُرُ مَهْرَ الْمِثْلِ ، فَإِنْ كَانَ أَلْفًا صَارَ الْعَبْدُ فِي مُقَابَلَةِ أَلْفَيْنِ ؛ إِحْدَاهُمَا : صَدَاقٌ ، وَالْأُخْرَى : ثَمَنٌ . فَيَكُونُ نِصْفُ الْعَبْدِ صَدَاقًا وَنِصْفُهُ مَبِيعًا . فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، اسْتَرْجَعَ رُبْعَهُ ، وَلَوْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَيْنِ ، صَارَ الْعَبْدُ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَيَكُونُ ثُلُثَاهُ صَدَاقًا ، إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، اسْتَرْجَعَ ثُلُثَهُ ، وَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَبْدِ مَبِيعًا ، وَلَوْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ صَارَ ثُلُثُ الْعَبْدِ صَدَاقًا ، وَثُلُثَاهُ مَبِيعًا . فَلَوْ وَجَدَتْ بِالْعَبْدِ عَيْبًا الصداق للزوجة عبدا ، فَإِنْ رَضَتْ بِعَيْبِهِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ أَمْسَكَتْهُ ، وَإِنْ أَرَادَتِ الْفَسْخَ فِيهِمَا كَانَ لَهَا ، وَرَجَعَتْ بِالثَّمَنِ وَهُوَ أَلْفٌ ، وَفِيمَا تَرْجِعُ بِهِ مِنْ بَدَلِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قِيمَةُ صَدَاقِهَا مِنْهُ مِنْ نِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثَيْنِ ، أَوْ ثُلُثٍ ، وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْخُذَ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَأَرْشَهُ فِي الصَّدَاقِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ فِي مَعِيبٍ . وَلَوْ أَرَادَتْ حِينَ ظَهَرَتْ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ أَنْ تَرُدَّ مِنْهُ الْمَبِيعَ دُونَ الصَّدَاقِ ، أَوْ تَرُدَّ مِنْهُ الصَّدَاقَ دُونَ الْمَبِيعِ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ : الْأَوَّلُ : يَجُوزُ . وَالثَّانِي : لَا يَجُوزُ ، إِذْ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لَا يَجُوزُ . فَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا بِعَيْبِهِ رَجَعَتْ بِأَرْشِ الْمَبِيعِ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَمِنْ مَاذَا تَرْجِعُ بِأَرْشِ الصَّدَاقِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ قِيمَتِهِ . وَالثَّانِي : مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ .

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ : فَإِنَّهُ جَعَلَ الْأَوْلَى بِقَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَاطِلًا فِيهِمَا ، وَاسْتَشْهَدَ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَبِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ ، وَلَا شَاهِدَ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَحُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ : أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ الْعَقْدِ فِيهِمَا ، وَأَنَّ جَعَلَ الْأَوْلَى عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا فِيهِمَا ، وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ قَدْ مَضَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَدَبَّرَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، لَمْ يَرْجِعْ فِي نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِخْرَاجِهَا إِيَّاهُ مِنْ مِلْكِهَا ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : قَدْ أَجَازَ الرُّجُوعَ فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ بِغَيْرِ إِخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ بِقَوْلِهِ أَوْلَى ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : إِذَا كَانَ التَدْبِيرُ وَصِيَّةً لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِرَقَبَتِهِ مَعَ أَنَّ رَدَّ نِصْفِهِ إِلَيْهِ إِخْرَاجٌ مِنَ الْمِلْكِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا أَنْ يُصْدِقَهَا عَبْدًا فَتُدَبِّرَهُ بِأَنْ تَقُولَ لَهُ : إِذَا مُتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَتَقُولُ : أَنْتَ مُدَبَّرٌ ، تُرِيدُ بِهِ : أَنَّهَا إِذَا مَاتَتْ فَهُوَ حُرٌّ ، فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا . وَلِلرُّجُوعِ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ ، وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ - : إِنَّ التَّدْبِيرَ كَالْوَصَايَا ، وَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهَا بِأَنْ تَقُولَ : قَدْ رَجَعْتُ فِي تَدْبِيرِكَ ، أَوْ أَبْطَلْتُهُ فَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الْمِلْكِ كَمَا تَبْطُلُ الْوَصَايَا بِالرُّجُوعِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ الثَّانِي فِي الْجَدِيدِ : إِنَّ التَّدْبِيرَ يَجْرِي مَجْرَى الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ ، وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ ، وَلَهَا إِبْطَالُهُ بِالْفِعْلِ ، وَهُوَ أَنْ تُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَيَبْطُلُ . فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ قَدْ أَبْطَلَتْ تَدْبِيرَهُ ، إِمَّا بِالْقَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، أَوْ بِالْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ ، وَهَلْ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِإِبْطَالِ التَّدْبِيرِ عَبْدًا قِنًّا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ رُبَّمَا حَاكَمَ مَوْلَاتَهُ بَعْدَ إِبْطَالِهَا لِتَدْبِيرِهِ إِلَى حَنَفِيٍّ لَا يَرَى إِبْطَالَ التَّدْبِيرِ ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالْتِزَامِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الزَّوْجُ لِأَجْلِ ذَلِكَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِهِ وَبَيْنَ أَنْ تَفْسَخَ ، وَيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى تَدْبِيرِهِ عِنْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ ، لَمْ تُبْطِلْهُ الزَّوْجَةُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ ، فَفِي رُجُوعِ الزَّوْجِ بِنِصْفِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ ، سَوَاءٌ قِيلَ : إِنَّ التَّدْبِيرَ كَالْوَصَايَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ ، أَوْ قِيلَ : إِنَّهُ كَالْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَّا بِالْفِعْلِ لِبَقَاءِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مِلْكِهَا ، وَأَنَّ لَهَا إِزَالَةَ مِلْكِهَا عَنْهُ مُخْتَارَةً بِالْبَيْعِ ، فَلَأَنْ يَجُوزُ إِزَالَةُ مِلْكِهَا عَنْهُ جَبْرًا بِرُجُوعِ الزَّوْجِ أَوْلَى . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ ، وَيَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى بَدَلِهِ ، سَوَاءٌ قِيلَ : إِنَّ التَّدْبِيرَ

كَالْوَصَايَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ ، أَوْ قِيلَ : إِنَّهُ كَالْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَّا بِالْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ الْمُدَبِّرِ لَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَرُجُوعُ الزَّوْجِ فِيهِ يَكُونُ إِبْطَالًا لِلتَّدْبِيرِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ فَلَمْ يَجُزْ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ ، إِذَا قِيلَ : إِنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ ، إِذَا قِيلَ : إِنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَّا بِالْفِعْلِ ، فَيَكُونُ حُكْمُ الزَّوْجِ فِي إِبْطَالِهِ مُعْتَبَرًا بِالزَّوْجَةِ . فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ ، فَإِنْ قُلْنَا : لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ . وَإِذَا قُلْنَا : لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ دُونَهَا بَيْنَ الْمُقَامِ وَالْفَسْخِ لِعِلَّتَيْنِ . إِحْدَاهُمَا : أَنَّ بَقَاءَ نِصْفِهِ عَلَى التَّدْبِيرِ نَقْصٌ فِي قِيمَتِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ رُبَّمَا حَاكَمَ مَوْلَاتَهُ إِلَى حَنَفِيٍّ يَرَى لُزُومَ تَدْبِيرِهِ . فَإِنْ أَقَامَ فَهُوَ حَقُّهُ ، وَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ . فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا كَاتَبَتْهُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَازِمَةٌ لِلسَّيِّدِ لَا يَجُوزُ لَهُ إِبْطَالُهَا إِلَّا بِالْعَجْزِ . فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَرْجِعِ الزَّوْجُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ حَتَّى عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَادَ عَبْدًا ، فَهَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِنِصْفِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَرْجِعُ بِهِ لِوُجُودِهِ فِي مِلْكِهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ وَقْتَ الطَّلَاقِ قَدْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ . وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا إِلَّا بَعْدَ عَجْزِهِ وَعَوْدِهِ إِلَى الرِّقِّ ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهِ وَجْهًا وَاحِدًا . وَلَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ قَدْ وَهَبَتْهُ أَوْ رَهَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أَقْبَضَتْهُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ ، فَالْعَقْدُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الْهِبَةِ ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ ، وَلَهَا إِقْبَاضُ النِّصْفِ الْآخَرِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَقْبَضَتْهُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ ، فَقَدْ خَرَجَ بِالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ مِنْ مِلْكِهَا ، فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَقَدْ صَارَ وَثِيقَةً فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، فَلَمْ يَجُزْ إِبْطَالُ وَثِيقَتِهِ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ . فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا حَتَّى أَفَكَّتْهُ مِنْ رَهْنِهِ ، فَفِي رُجُوعِهِ بِنِصْفِهِ وَجْهَانِ : وَهَكَذَا لَوْ بَاعَتْهُ ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ ، أَوْ وَهَبَتْهُ ثُمَّ اسْتَوْهَبَتْهُ كَانَ فِي رُجُوعِ الزَّوْجِ بِنِصْفِهِ وَجْهَانِ . وَلَوْ كَانَ قَدْ أَجَّرَتْهُ لَمْ تَمْنَعْ إِجَارَتُهُ مِنْ رُجُوعِ الزَّوْجِ بِنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَتِهِ ، وَرَقَبَتُهُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهَا ، فَيَكُونُ الزَّوْجُ لِنَقْضِ الْإِجَارَةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرُّجُوعِ بِنِصْفِهِ وَالْتِزَامِ الْإِجَارَةِ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا ، وَبَيْنَ الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى الرُّجُوعِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ .

وَلَوْ بَاعَتْهُ بِخِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَهُمَا أَوْ لَهَا دُونَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ صداق المرأة عبدا فباعته ، فَفِي رُجُوعِهِ بِنِصْفِهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : يَرْجِعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَمْ يَلْزَمْ ، فَصَارَ كَالْهِبَةِ إِذَا لَمْ تُقْبَضُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ فَسْخَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ الْمَالِكِ الْمُخْتَارِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَوُجِدَ حُرًّا ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) : هَذَا غَلَطٌ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَيْءٍ ، فَاسْتَحَقَّ رَجَعَتْ إِلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ ، فَهِيَ مِنْ مِلْكِ قِيمَةِ الْحُرِّ أَبْعَدُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا : أَنْ يُصْدِقَهَا عَبْدًا فَيَبِينُ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا ، فَهُوَ صَدَاقٌ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ لَهَا بِرَقَبَةِ الْحُرِّ وَلَا بِذِمَّتِهِ حَقٌّ . وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ : أَنَّ الْحُرَّ رَهْنٌ فِي يَدِهَا عَلَى صَدَاقِهَا حَتَّى يَفُكَّ نَفْسَهُ أَوْ يَفُكَّهُ الزَّوْجُ . وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَفِيمَا تَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجَةُ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَمْلُوكًا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِالْمُسْتَحِقِّ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ . وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ : قَدْ أَصْدَقْتُكِ هَذَا الْحُرَّ ، كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ عِلْمَهَا بِحُرِّيَّتِهِ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِهِ ، أَوِ الرُّجُوعِ إِلَى قِيمَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا . وَلَوْ أَصْدَقَهَا خَلًّا فَبَانَ خَمْرًا ، قَالَ أَصْحَابُنَا : تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ لَهُ فِي الْخَلِّ مِثْلٌ ، فَيَرْجِعُ إِلَى قِيمَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ خَلًّا ، وَلَيْسَ كَالْحُرِّ ؛ لَأَنَّ لَهُ فِي الْعَبِيدِ مِثْلٌ ، فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قِيمَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا . وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ جَازَ ، كَالسَّلَمِ ، وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ عَبْدٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ . وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ ، كَانَ صَدَاقًا بَاطِلًا لِجَهَالَتِهِ ، وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا عَبْدٌ تَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ . وَحُكِيَ فِي الْقَدِيمِ جَوَازُهُ عَنْ مَالِكٍ ، وَأَنَّ لَهَا عَبْدًا وَسَطًا ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ قَوْلًا ثَانِيًا ، وَأَنْكَرَهُ سَائِرُهُمْ ، وَقَالُوا : قَدْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ عَلَى إِبْطَالِهِ بِالْجَهَالَةِ . وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقٍ مُؤَجَّلٍ ، صَحَّ إِنْ ذَكَرَ مُدَّةَ الْأَجَلِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا كَانَ بَاطِلًا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : يَصِحُّ ، وَيَكُونُ حَالًّا . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : يَصِحُّ ، وَيَكُونُ أَجَلُهُ إِلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ .

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يَصِحُّ ، وَيَكُونُ أَجَلُهُ إِلَى سَنَةٍ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْأَجَلِ كَجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا قَوْلًا وَاحِدًا ، كَمَا كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي جَهَالَةِ الْمِقْدَارِ .

الْقَوْلُ فِي صَدَاقِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ

[ الْقَوْلُ فِي صَدَاقِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِذَا شَاهَدَ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ وَالْمَرْأَةَ أَنَّ الْمَهْرَ كَذَا ، وَيُعْلِنُ أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ السِّرُّ ، وَقَالَ فِي غَيْرِهِ الْعَلَانِيَةُ ، وَهَذَا أَوْلَى عِنْدِي ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْعُقُودِ وَمَا قَبْلَهَا وَعْدٌ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً فِي السِّرِّ عَلَى صَدَاقٍ قَلِيلٍ ، ثُمَّ يَنْكِحَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى صَدَاقٍ كَثِيرٍ . فَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ : إِنَّ الصَّدَاقَ صَدَاقُ السِّرِّ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إِنَّ الصَّدَاقَ صَدَاقُ الْعَلَانِيَةِ ، فَكَانَ الْمُزَنِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُخَرِّجُونَ اخْتِلَافَ نَصِّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّدَاقَ صَدَاقُ السِّرِّ ؛ لِتَقَدُّمِهِ . وَالثَّانِي - وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ - : أَنَّ الصَّدَاقَ صَدَاقُ الْعَلَانِيَةِ ، لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِظَاهِرِهِ . وَامْتَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنْ تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَجَعَلُوهُ مَحْمُولًا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ . فَالْمَوْضِعُ الَّذِي جَعَلَ الصَّدَاقَ فِيهِ صَدَاقَ السِّرِّ دُونَ الْعَلَانِيَةِ ، إِذَا عَقَدَاهُ سِرًّا بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ، ثُمَّ أَعْلَنَاهُ تَجَمُّلًا بِالزِّيَادَةِ وَإِشَاعَةً لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْأَوَّلُ الْمَعْقُودُ سِرًّا ، وَالثَّانِي لَا حُكْمَ لَهُ . وَالْمَوْضِعُ الَّذِي جَعَلَ الصَّدَاقَ فِيهِ صَدَاقَ الْعَلَانِيَةِ إِذَا تَوَاعَدَا سِرًّا ، وَأَتَمَّاهُ سِرًّا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ، ثُمَّ عَقَدَاهُ عَلَانِيَةً بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ : لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَوْعِدٌ ، وَالثَّانِي هُوَ الْعَقْدُ فَلَزِمَ مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ دُونَ الْوَعْدِ . وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِنْ عُقِدَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ بِعِشْرِينَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ عُقِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِثَلَاثِينَ وَطَلَبَهُمَا مَعًا فَهُمَا لَهَا لِأَنَّهُمَا نِكَاحَانِ ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَقُولَ كَانَ الْفِرَاقُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ نَكَحَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ عَلَى صَدَاقِ عِشْرِينَ ، وَشَهِدَ لَهَا شَاهِدَانِ . وَادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَكَحَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى صَدَاقِ ثَلَاثِينَ ، وَشَهِدَ لَهَا شَاهِدَانِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَاهِدَا الْأَوَّلِ هُمَا شَاهِدَا الثَّانِي ، أَوْ يَكُونَ غَيْرُهُمَا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْتَلِفَ الصَّدَاقَانِ أَوْ يَتَسَاوَيَا ، فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيَثْبُتُ بِهِمَا النِّكَاحَانِ ،

وَيَلْزَمُ بِهِمَا الصَّدَاقَانِ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَجْهًا مُمْكِنًا ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ، ثُمَّ يُخَالِعَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، أَوْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَهُ ، ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ . فَلَوْ طَالَبَتْهُ بِالصَّدَاقَيْنِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُمَا نِكَاحٌ وَاحِدٌ أَسَرَّاهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَأَعْلَنَاهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ . فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ شَهِدَا بِهِ عُمِلَ عَلَيْهِ وَجُعِلَ ذَلِكَ نِكَاحًا وَاحِدًا . وَحُكِمَ فِيهِ بِصَدَاقٍ وَاحِدٍ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الشُّهُودِ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ ، وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا وَدَفَعْنَا مَا احْتَمَلَهُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهَا . فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَقُولَ طَلَّقْتُهَا فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَهْرٌ وَنِصْفٌ . وَهَذَا صَحِيحٌ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ . فَإِنِ ابْتَدَأَ بِهِ وَقَالَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي إِنْكَارِ الدُّخُولِ مَقْبُولٌ ، وَسَوَاءٌ ادَّعَى عَدَمَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي . وَهَكَذَا لَوِ ادَّعَى : أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي النِّكَاحَيْنِ مَعًا ، كَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا نِصْفُهُ . وَلَوِ ادَّعَى الزَّوْجُ : أَنَّهَا ارْتَدَّتْ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَسَقَطَ جَمِيعُ مَهْرِهَا وَأَنْكَرَتْهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ، وَلَهَا الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا عَلَى دِينِهَا لَمْ تَرْتَدَّ عَنْهُ . وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ مِنَ الْبُيُوعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : بِعْتُكَ عَبْدِي فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ بِمِائَةٍ ، وَيَشْهَدُ لَهُ شَاهِدَانِ ، ثُمَّ يَقُولُ : وَبِعْتُكَهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِمِائَتَيْنِ ، وَيَشْهَدُ لَهُ شَاهِدَانِ ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِالثَّمَنَيْنِ ثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَإِنِ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُمَا بَيْعٌ وَاحِدٌ أَحْلَفْنَا لَهُ الْبَائِعَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَصْدَقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَلْفًا ، قُسِّمَتْ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ فِي صَفْقَةٍ ، فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَقْسُومًا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ ، ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : نَظِيرُهُنَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَبْدًا بَثَمَنٍ وَاحِدٍ ، فَتَجْهَلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَمَنَ عَبْدِهَا ، كَمَا جَهِلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَهْرَ نَفْسِهَا ، وَفَسَادُ الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ أَوْلَى " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي عَقْدٍ وَأَصْدَقَهُنَّ أَلْفًا ، فَإِنْ بَيَّنَ مِنْهَا مَهْرَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَحَّ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَفِي الْمَهْرِ قَوْلَانِ . وَهَكَذَا لَوْ خَالَعَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي عَقْدٍ بِأَلْفٍ صَحَّ الْخُلْعُ ، وَفِي صِحَّةِ الْبَدَلِ قَوْلَانِ . وَلَوْ كَاتَبَ أَرْبَعَةَ عَبِيدٍ لَهُ فِي عَقْدٍ بِأَلْفٍ إِلَى نَجْمَيْنِ ، فَفِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ .

فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ فِي بَدَلِ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ مَعَ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْكِتَابَةِ فِي أَصْلِهَا ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْبَدَلِ فِي الْكِتَابَةِ مُبْطِلٌ لَهَا ، وَلَيْسَ فَسَادُ الْبَدَلِ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ مُبْطِلَاهُمَا : أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَوَجْهُهُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ تَزْوِيجَهُ بِأَرْبَعٍ فِي عَقْدٍ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ كَابْتِيَاعِهِ أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ فِي عَقْدٍ بِأَلْفٍ ، وَذَلِكَ يَجُوزُ إِجْمَاعًا ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ هَذَا حِجَاجًا . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَعْقُودٌ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ مَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي ثَانِي حَالٍ بِأَنْ يُقَسِّطَ الْأَلْفَ عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فِي الْحَالِ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنَ الصِّحَّةِ ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ بِمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا فِي ثَانِي حَالٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ الْأَصَحُّ ، اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ - : كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَوَجْهُهُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا - ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا - : وَهُوَ أَنَّ مَهْرَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنَ الْأَلْفِ مَجْهُولٌ فِي حَالِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَصِحَّ وَإِنْ أَمْكَنَ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى انْفِرَادِهَا بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنَ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ مَعَ الِاجْتِمَاعِ . وَالثَّانِي : ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ ، أَنَّ تَزَوُّجَهُ لَهُنَّ بِالْأَلْفِ كَابْتِيَاعِهِ أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ مِنْهُنَّ بِأَلْفٍ ، وَهُوَ فِي الْبَيْعِ بَاطِلٌ ، فَكَذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ بِهِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْجَهَالَةِ بَطَلَ بِهِ الْآخَرُ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ . فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يُخَرِّجُ هَذَا الْبَيْعَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ ، وَيُسَوِّي بَيْنَ الْجَمِيعِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - : أَنَّهُ بَاطِلٌ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْطُلِ النِّكَاحُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ ، لَمْ يَبْطُلِ الصَّدَاقُ بِالْجَهَالَةِ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ الثَّمَنُ ، فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِالْجَهَالَةِ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ النِّكَاحِ الصَّدَاقُ ، فَجَازَ أَنْ يَصِحَّ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا وَقْتَ الْعَقْدِ إِذَا انْتَفَتْ عَنْهُ الْجَهَالَةُ مِنْ بَعْدُ . فَأَمَّا تَوْجِيهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَزْوِيجَهُنَّ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ كَابْتِيَاعِ أَرْبَعَةِ أَعْبُدٍ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جِهَتَيْهِ عَاقِدٌ وَاحِدٌ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا ، وَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ جِهَتَيْهِ عَاقِدَانِ كَانَ عَقْدَيْنِ ؛ أَلَا تَرَى لَوِ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ عَبْدًا وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّ نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَلَوِ اشْتَرَاهُ مِنْ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ مِنَ اثْنَيْنِ يَكُونُ عَقْدَيْنِ ، وَمِنَ الْوَاحِدِ يَكُونُ عَقْدًا وَاحِدًا . كَذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا

بِأَلْفٍ كَانَتْ أَرْبَعَةَ عُقُودٍ ، فَبَطَلَ الْبَدَلُ لِلْجَهَالَةِ بِبَدَلِ كُلِّ عَقْدٍ ، وَلَوِ اشْتَرَى أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا ، فَلَمْ يَبْطُلْ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ . وَأَمَّا اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِالصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ ثَمَنَ أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ مَعْلُومٌ ، فَصَارَ جَمِيعُ الثَّمَنِ بِهِ مَعْلُومًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مُهُورُ الْأَرْبَعِ . وَالثَّانِي : أَنَّ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْعِلْمُ بِثَمَنِ الصُّبْرَةِ تَحَقَّقَ ، فَصَارَ الثَّمَنُ بِهِ مَعْلُومًا ، وَمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْعِلْمُ بِمَهْرِ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَقْرِيبٌ ؛ لِأَنَّهُ عَنِ اجْتِهَادٍ ، يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُجْتَهِدُونَ ، فَصَارَ الْمَهْرُ مَجْهُولًا . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ : فَإِذَا قُلْنَا بِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَهْرُ مِثْلِهَا . وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ ، قُسِّمَتِ الْأَلْفُ عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ ، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قِسْطًا مِنَ الْأَلْفِ . مِثَالُهُ : أَنْ يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِ وَاحِدَةٍ أَلْفًا ، وَمَهْرُ الثَّانِيَةِ أَلْفَيْنِ ، وَمَهْرُ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، وَمَهْرُ الرَّابِعَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ ، فَنَجْعَلُ الْأَلْفَ الْمُسَمَّاةَ مُقَسَّطَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَتِهَا فَتَكُونُ الَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ عُشْرَ الْأَلْفِ ، وَذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَلِلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَانِ ، خُمُسُ الْأَلْفِ ، وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَلِلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الْأَلْفِ وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَلِلَّتِي مَهْرُ مِثْلِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ خُمُسَا الْأَلْفِ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَلَوْ أَصْدَقَ عَنِ ابْنِهِ وَدَفَعَ الصَّدَاقَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ طَلَّقَ ، فَلِلِابْنِ النِّصْفُ ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَقَبَضَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَبَ إِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَمْ يَخْلُ مَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ . فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ جَعَلَهُ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ فَهُوَ صَدَاقٌ جَائِزٌ ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ لِلِابْنِ ، أَوْ لِلْأَبِ ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ لِلْأَبِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ هِبَةً لِلِابْنِ . وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ : فَلَا يَخْلُو الِابْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا ، أَوْ مُعْسِرًا . فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا : وَجَبَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْأَبِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِضَمَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا ، فَفِي الصَّدَاقِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - : أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْأَبِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ لِنِكَاحِ وَلَدِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِإِعْسَارِهِ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِمُوجِبِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - : أَنَّهُ لَازِمٌ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ هُوَ الْمَالِكُ لِلْبُضْعِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُلْتَزِمَ بِمَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنَ الصَّدَاقِ .

فَعَلَى هَذَا ، إِذَا قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ : أَنَّ الصَّدَاقَ لَازِمٌ لِلِابْنِ ، فَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ دُونَ الْأَبِ . وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ : أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْأَبِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَلْتَزِمُهُ الْأَبُ الْتِزَامَ تَحَمُّلٍ ، أَوِ الْتِزَامَ ضَمَانٍ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْتِزَامُ تَحَمُّلٍ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِابْنُ بَرِيئًا مِنْهُ ، وَلَوْ أُبْرِئَ الِابْنُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأِ الْأَبُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : الْتِزَامُ ضَمَانٍ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الِابْنِ ، وَإِنْ أُبْرِئَ مِنْهُ بَرِئَ الْأَبُ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا ، وَطَلَّقَ الِابْنُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَقَدْ مَلَكَ بِالطَّلَاقِ نِصْفَ الصَّدَاقِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو الصَّدَاقُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الِابْنِ ، أَوْ مِنْ مَالِ الْأَبِ . فَإِذَا كَانَ مِنْ مَالِ الِابْنِ فَحُكْمُهُ فِيهِ كَحُكْمِهِ لَوْ تَزَوَّجَ بَالِغًا ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى مَا مَضَى . وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْأَبِ : فَلَا يَخْلُو مَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَلَّمَهُ إِلَى الزَّوْجَةِ قَبْلَ طَلَاقِهَا ، أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إِلَيْهَا ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ إِلَيْهَا : فَقَدْ مَلَكَ الِابْنُ نِصْفَهُ دُونَ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِالطَّلَاقِ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِلْكَ الْمُطَلَّقِ دُونَ غَيْرِهِ . فَعَلَى هَذَا : إِذَا اسْتَرْجَعَ الِابْنُ نِصْفَ الصَّدَاقِ ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ بِعَيْنِهِ ، أَوْ يَسْتَرْجِعَ بَدَلَهُ . فَإِنِ اسْتَرْجَعَ بَدَلَهُ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهَا ، فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا . وَإِنِ اسْتَرْجَعَ الِابْنُ مَا دَفَعَهُ الْأَبُ بِعَيْنِهِ ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا وَقْتَ الْعَقْدِ كَعَبْدٍ ، أَوْ ثَوْبٍ ، جَعَلَهُ صَدَاقًا عَنِ الِابْنِ ، فَفِي رُجُوعِ الْأَبِ بِهِ عَلَى الِابْنِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا فِي الْأَبِ ، إِذَا وَهَبَ لِابْنِهِ مَالًا فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ ، هَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : كَذَلِكَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لِلْأَبِ صَارَتْ إِلَى الزَّوْجَةِ ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الِابْنِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ فِي الذِّمَّةِ فَدَفَعَهُ الْأَبُ إِلَى الزَّوْجَةِ ، فَرُجُوعُ الْأَبِ بِهِ عَلَى الِابْنِ إِذَا عَادَ إِلَيْهِ بِطَلَاقِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ ، هَلْ كَانَ لَازِمًا لِلْأَبِ أَمْ لَا ؟ . فَإِنْ قُلْنَا : كَانَ لَازِمًا لِلْأَبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ ، سَوَاءٌ قِيلَ : إِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحَمُّلًا أَوْ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ وَاجِبًا عَلَيْهِ ، فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْهِبَاتِ .

وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ كَانَ لَازِمًا لِلِابْنِ صَارَ كَالصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ ، فَيَكُونُ لِلْأَبِ بِهِ وَجْهَانِ . وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَا سَلَّمَ الصَّدَاقَ إِلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى طُلِّقَتْ ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مُعَيَّنًا ، فَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُهُ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَعُودُ إِلَى الْأَبِ دُونَ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مِنَ الْأَبِ لَمْ يَقْبِضْهَا ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهَا الِابْنُ عَلَيْهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ لَازِمٌ لِلْأَبِ لُزُومَ ضَمَانٍ ، فَقَدْ بَرِئَ الْأَبُ مِنْ نِصْفٍ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ بِطَلَاقِهِ ، وَبَرَاءَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الضَّامِنِ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ لَازِمٌ لِلْأَبِ لُزُومَ تَحَمُّلٍ ، فَفِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَيَّنِ ، هَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ أَمْ لَا ؟ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا رَجَعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ بَرِئَ الْأَبُ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ . وَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ، وَكَانَ لِلْأَبِ مُطَالَبَتُهُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَزَوَّجَ الِابْنُ بَعْدَ كِبَرِهِ ، وَقَضَى الْأَبُ عَنْهُ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ ، وَطَلَّقَ الِابْنُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، رَجَعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي قَضَاهُ الْأَبُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي قَضَاءِ الْأَبِ لِلصَّدَاقِ . فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ ابْنِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ . وَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الِابْنِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ . وَإِنْ كَانَ الْأَبُ دَفَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذَنِ الِابْنِ ، فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْهِبَةِ إِلَى حُكْمِ الْإِبْرَاءِ وَالْإِسْقَاطِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ بَالِغٌ ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ الْأَبُ عَنْهُ فِي قَبُولِ هِبَةٍ ، وَلَا قَبْضِهَا . فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وَجْهًا وَاحِدًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَوْلِيُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ النِّكَاحَ ، وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا شَيْءَ تَسْتَحِلُّ بِهِ ؛ إِذَا كُنْتُ لَا أَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا فَيُتْلِفُهَا شَيْئًا ، لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ بِالْإِصَابَةِ شَيْئًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَوْلِيَّ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ قَدْ مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُقُودِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَ بِهِ . فَأَمَّا الْمَهْرُ ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَدْ أَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ إِكْرَاهَهُ لَهَا كَالْجِنَايَةِ مِنْهُ يَضْمَنُ بِهَا .

وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تُطَاوِعَهُ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ ، فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - : أَنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ قَدْ أَبْطَلَ ذِمَّتَهُ فِي الْحُقُوقِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى سِلْعَةً وَاسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ قِيمَتَهَا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ - : أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُنْتَهَكُ إِلَّا بِمَهْرٍ فِي الشُّبْهَةِ أَوْ حَدٍّ فِي الزِّنَا ، فَلَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ وَخَالَفَ السِّلَعَ فِي الْبُيُوعِ ؛ لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِبَاحَةِ ، وَلَا يُمْلَكُ الْبُضْعُ بِالْإِبَاحَةِ . فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ . فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ . فَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُمَا مَعَ جَهْلِهِمَا بِسَفَهِهِ ، وَثُبُوتِ حَجْرِهِ ، فَإِنَّ وُجُوبَ مَهْرِهَا عَلَيْهِ يَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِسَفَهِهِ وَحَجْرِهِ فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ فِي تَمْكِينِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ إِبْرَاءً لَهُ . وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْهُمْ : بَلِ الْقَوْلَانِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا فِي أَنَّ مَهْرَهَا عَلَى قَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غُرْمٌ يُعْتَبَرُ بِفِعْلِهِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ ، وَلَمْ يُنْظَرْ بِهِ فِكَاكُ الْحَجْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَيُنْظَرُ بِهِ إِلَى وَقْتِ يَسَارِهِ ، وَإِنْ أَسْقَطْنَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ، وَلَا بَعْدَ فِكَاكِ حَجْرِهِ فِي الْحُكْمِ . وَهَلْ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ فِكَاكِ حَجْرِهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهَا مَا يَصِيرُ الْبُضْعُ مُسْتَبَاحًا بِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ظَاهِرٌ ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ حَقٌّ فِي الظَّاهِرِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْبَاطِنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ الْبُضْعَ ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُسْتَبِيحًا لِبُضْعِهَا بِغَيْرِ بَذْلٍ ، فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَهْرُ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ عَلَيْهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَسْتَطِيبَ نَفْسَهَا بِمَا يَصِيرُ الْبُضْعُ مُسْتَبَاحًا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا . وَلِئَلَّا يُشَارِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا خُصَّ بِهِ مِنِ اسْتِبَاحَةِ الْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ التَّفْوِيضِ
القول في حد التفويض في النكاح

بَابُ التَّفْوِيضِ ، مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ ، وَمِنَ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ ، وَمِنَ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " التَّفْوِيضُ الَّذِي مَنْ تَزَوَّجَ بِهِ عُرِفَ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ ، أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ الْمَالِكَةَ لِأَمْرِهَا بِرِضَاهَا ، وَيَقُولَ لَهَا : أَتَزَوَّجُكِ بِغَيْرِ مَهْرٍ : فَالنِّكَاحُ فِي هَذَا ثَابِتٌ " . [ الْقَوْلُ فِي حَدِّ التَّفْوِيضِ فِي النِّكَاحِ ] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا التَّفْوِيضُ فِي اللُّغَةِ : فَهُوَ التَّسْلِيمُ ، يُقَالُ : فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى فُلَانٍ ، أَيْ سَلَّمْتُ أَمْرِي إِلَيْهِ ، وَوَكَلْتُهُ إِلَى تَدْبِيرِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ أَيْ أَسْتَسْلِمُ إِلَيْهِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ : لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا أَيْ : لَا يَصْلُحُونَ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ مُفَوَّضًا ، لَا مُدَبِّرَ لَهُمْ . وَالتَّفْوِيضُ فِي النِّكَاحِ : أَنْ تُنْكِحَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ . فَمَنْ مَنَعَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، قَالَ : امْرَأَةٌ مُفَوَّضَةٌ ، بِفَتْحِ الْوَاوِ . وَمَنْ أَجَازَهُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ قَالَ : مُفَوِّضَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ .

الْقَوْلُ فِي أَقْسَامِ التَّفْوِيضِ

[ الْقَوْلُ فِي أَقْسَامِ التَّفْوِيضِ ] وَالتَّفْوِيضُ ضَرْبَانِ في النكاح : أَحَدُهُمَا : تَفْوِيضُ الْبُضْعِ . وَالثَّانِي : تَفْوِيضُ الْمَهْرِ . [ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ] فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْبُضْعِ : فَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ مِنْ وَلِيِّهَا بِإِذْنِهَا ، وَرِضَاهَا ، عَلَى أَلَّا مَهْرَ لَهَا معنى تفويض البضع ، فَهَذَا نِكَاحُ التَّفْوِيضِ ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ، وَهُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، لِمَا دَلَّلَنَا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ ،

وَمَعْنَاهُ وَلَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، فَأَقَامَ " أَوْ " مَقَامَ " لَمْ " عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مَجَازًا . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ : فِي هَذَا الْكَلَامِ حَذْفٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : فَرَضْتُمْ أَوْ لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً . وَالْفَرِيضَةُ : الْمَهْرُ الْمُسَمَّى ، سُمِّيَ فَرِيضَةً ؛ لِأَنَّ فَرَضَهُ لَهَا ، بِمَعْنَى أَوْجَبَهُ لَهَا ، كَمَا يُقَالُ : فَرَضَ الْحَاكِمُ النَّفَقَةَ إِذَا أَوْجَبَهَا ، فَلَمَّا رَفَعَ عَنْهُ الْجُنَاحَ وَأَثْبَتَ فِيهِ الطَّلَاقَ دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ . وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ التَّوَاصُلُ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ ، وَالْمَهْرُ تَبِعٌ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الَّذِي مَقْصُودُهُ مِلْكُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ، فَبَطَلَ النِّكَاحُ بِالْجَهْلِ بِالْمُتَنَاكِحَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِالْجَهْلِ بِالْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالْجَهْلِ بِالثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْجَهْلِ بِالْمُتَبَايِعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَإِذَا صَحَّ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ بِمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَجِبْ لِلْمُفَوَّضَةِ بِالْعَقْدِ مَهْرٌ لِاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ ، وَلَا لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِمَهْرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ ، وَلَكِنْ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا ؛ إِمَّا بِمُرَاضَاةِ الزَّوْجَيْنِ ، أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، فَيَصِيرُ الْمَهْرُ بَعْدَ الْفَرْضِ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، أَوْ أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا ، فَيَجِبُ لَهَا بِالدُّخُولِ مَهْرٌ . فَإِنْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ قَوْلَانِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ، فَيَصِيرُ الْمَهْرُ مُسْتَحَقًّا بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ : إِمَّا بِأَنْ يَفْرِضَاهُ عَنْ مُرَاضَاةٍ ، وَإِمَّا بِأَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ، وَإِمَّا بِالدُّخُولِ بِهَا ، وَإِمَّا بِالْمَوْتِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ : فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ فَرَضْتُمْ لَهَا مَهْرًا ، وَقَدْ شَرَطَ أَنْ لَيْسَ لَهَا مَهْرٌ ؟ قِيلَ : لِتَخْرُجَ عَنْ حُكْمِ الْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ الَّتِي خُصَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ مَحْمُولًا عَلَى أَلَّا مَهْرَ لَهَا بِالْعَقْدِ . فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَلَّا مَهْرَ لَهَا بِحَالٍ ؟ قِيلَ : فِي النِّكَاحِ حِينَئِذٍ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - : أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ هَذَا الشَّرْطِ يَجْعَلُهَا كَالْمَوْهُوبَةِ الَّتِي جُعِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا مَخْصُوصًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - : أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ، وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْمَهْرِ لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِ الْمَنَاكِحِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا فَوَّضَ مَهْرَهَا ، فَتَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا فِي الْعَقْدِ مَهْرًا ، وَلَا شَرَطَ فِيهِ أَنْ لَيْسَ لَهَا مَهْرٌ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ نِكَاحَ تَفْوِيضٍ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - : أَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحِ تَفْوِيضٍ ، لِعَدَمِ الشَّرْطِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ ، وَيَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - : أَنَّهُ نِكَاحُ تَفْوِيضٍ لِأَنَّ إِسْقَاطَ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ ، كَاشْتِرَاطِ سُقُوطِهِ فِي الْعَقْدِ ، فَعَلَى هَذَا لَا مَهْرَ لَهَا بِالْعَقْدِ ، إِلَّا أَنْ تَتَعَقَّبَهُ أَحَدُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ . فَهَذَا حُكْمُ التَّفْوِيضِ إِذَا كَانَ عَنْ إِذْنِهَا .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا فَوَّضَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ لَا يُنْكِحُ إِلَّا بِإِذْنٍ ، كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ الثَّيِّبِ ، وَغَيْرِ الْأَبِ مَعَ الْبِكْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا فِي النِّكَاحِ وَلَا فِي التَّفْوِيضِ ، كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا ، فَإِنِ اسْتَأْذَنَهَا فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهَا فِي التَّفْوِيضِ صَحَّ النِّكَاحُ وَبَطَلَ التَّفْوِيضُ ، وَكَانَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يُنْكِحَ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، كَالْأَبِ مَعَ الْبِكْرِ ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِغَيْرِ إِذْنِهَا . فَأَمَّا صِحَّةُ التَّفْوِيضِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ الزَّوْجُ دُونَ الْأَبِ ، بَطَلَ تَفْوِيضُ الْأَبِ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ الْأَبُ ، فَفِي صِحَّةِ تَفْوِيضِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - : أَنَّهُ بَاطِلٌ ، وَلَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - : أَنَّهُ صَحِيحٌ كَالْعُقُودِ ، وَلَيْسَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا السَّيِّدُ إِذَا فَوَّضَ نِكَاحَ أَمَتِهِ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي التَّفْوِيضِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهُ دُونَهَا ، فَلَوْ فَرَضَ لَهَا الْمَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ أَنْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا ، فَفِي مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : هِيَ إِنْ أُعْتِقَتْ ، وَمُشْتَرِيهَا إِنْ بِيعَتْ ؛ لِأَنَّ مَهْرَهَا لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْفَرْضِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ الْمُنْكِحِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ كَانَ فِي مِلْكِهِ . فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْمَهْرِ فَسَيَأْتِي ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْقَوْلُ فِي مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ

[ الْقَوْلُ فِي مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، الْمُفَوَّضَةُ لِنِكَاحِهَا إِذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَلِتَخْرُجَ بِالْتِزَامِ الْمَهْرِ مِمَّا خُصَّ بِهِ

نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ نِكَاحِ الْمَوْهُوبَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ ، وَمِنْ حُكْمِ الزِّنَا الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ مَهْرٌ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا كَانَ التَّفْوِيضُ إِبْرَاءً مِنَ الْمَهْرِ ، فَلَا يَجِبُ لَهَا بِالدُّخُولِ مَهْرٌ ؟ . قِيلَ : الْإِبْرَاءُ إِنَّمَا يَصِحُّ مِمَّا وَجَبَ ، وَهَذَا مَهْرٌ وَجَبَ بِالدُّخُولِ ، فَلَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِالْعَقْدِ . فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ لَوْ بَذَلَتْ لَهُ يَدَهَا فَقَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ دِيَتُهَا ، وَهُوَ إِبْرَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ ، فَهَلَّا إِذَا بَذَلَتْ لَهُ بُضْعَهَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاءً قَبْلَ الْوُجُوبِ ؟ . قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِذْنَهَا بِقَطْعِ الْيَدِ نِيَابَةٌ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهَا أَنْ تَتَوَلَّى قَطْعَ يَدِهَا بِنَفْسِهَا ، فَصَارَتْ كَالْقَاطِعَةِ لِيَدِهَا بِنَفْسِهَا ، فَلِذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الْغُرْمُ ، وَلَيْسَ الْبُضْعُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِبُضْعِ نَفْسِهَا ، فَصَارَ الزَّوْجُ مُسْتَمْتِعًا بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّهَا ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْرَأْ بِالْإِذْنِ مِنْ مَهْرِهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا وَجَبَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَهْرُ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي ؟ . قِيلَ : لِأَنَّ الزِّنَا مُغَلَّظٌ بِالْحَدِّ ؛ لِيَكُونَ زَاجِرًا عَنْهُ فَغُلِّظَ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ ، وَلَوْ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ بِالزِّنَا لَدَعَاهَا ذَلِكَ لِفِعْلِ الزِّنَا ، فَحُسِمَتْ هَذِهِ الذَّرِيعَةُ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ ، كَمَا حُسِمَتْ بِوُجُوبِ الْحَدِّ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا ، فَلَهَا الْمُتْعَةُ ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : بَدَلًا مِنَ الْعُقْدَةِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : الْمُفَوَّضَةُ لِبُضْعِهَا إِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا مَهْرَ لَهَا ، لِسُقُوطِهِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ عِنْدَنَا . وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَصَاحِبَاهُ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا مُتْعَةَ لَهَا ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالْحَكَمُ ؛ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ الْبَقَرَةِ : 241 ] . فَلَمَّا جَعَلَهُ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى الْمُتَّقِينَ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ الْبَقَرَةِ : 236 ] . دَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ دُونَ وُجُوبِهِ . وَلِأَنَّ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْمُتْعَةُ كَالْمَوْتِ ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مُؤَثِّرٌ فِي سُقُوطِ الْمَالِ دُونَ إِلْزَامِهِ ، كَالْمُسَمَّى لَهَا إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا . وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ الْبَقَرَةِ : 236 ] . إِحْدَاهُنَّ : قَوْلُهُ : " وَمَتِّعُوهُنَّ " وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ . وَالثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وَذَلِكَ فِي الْوَاجِبَاتِ دُونَ التَّطَوُّعِ .

وَالثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ حَقًّا وَالْحُقُوقُ مَا وَجَبَتْ . وَالرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَ ( عَلَى ) مِنْ حُرُوفِ الْإِلْزَامِ . وَقَالَ تَعَالَى : وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، فَجَعَلَ ذَلِكَ لَهُنَّ بِلَامِ التَّمْلِيكِ فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِنَّ لَهُ ، ثُمَّ قَالَ : بِالْمَعْرُوفِ فَقَدَّرَهُ . وَمَا لَا يَجِبُ فَلَيْسَ بِمُقَدَّرٍ ، ثُمَّ جَعَلَهُ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَلَيْسَ بِمُتَّقٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ خَصَّ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ ، وَهُوَ عَلَى الْمُتَّقِينَ وَعَلَى غَيْرِهِمْ . قِيلَ : عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا ، وَإِنْ كَانَ عَامَّ الْوُجُوبِ ، كَمَا قَالَ : هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [ الْبَقَرَةِ : 2 ] . وَالثَّانِي : مَا حَكَاهُ ابْنُ زَيْدٍ ، أَنَّ لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ سَبَبًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ قَالَ رَجُلٌ : فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَعَلْتُ ، وَإِنْ لَمْ أُرِدْ أَنْ أُحْسِنَ لَمْ أَفْعَلْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، وَلِأَنَّ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ ، فَصَارَ إِجْمَاعًا . وَلِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ يَمْنَعُ مِنْ خُلُوِّ النِّكَاحِ مِنْ بَدَلٍ كَذَاتِ الْمَهْرِ . فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَوْتِ : فَالْمَعْنَى فِي الْمَيِّتَةِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ نِكَاحُهَا مِنْ بَدَلٍ ، فَلِذَلِكَ خَلَا مِنْ مُتْعَةٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُطْلَقَةُ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ تَأْثِيرَ الطَّلَاقِ سُقُوطُ الْمَالِ فَذَاكَ فِي ذَاتِ الْمَهْرِ ، فَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَتَأْثِيرُهُ ثُبُوتُ الْمَالِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَا وَقْتَ فِيهَا ، وَأَسْتَحْسِنُ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ، أَوْ مَا رَأَى الْوَالِي بِقَدْرِ الزَوْجَيْنِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، إِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْمُتْعَةِ لِلْمُفَوَّضَةِ ، فَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فِي مُفَوَّضَةٍ لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ . وَالثَّانِي : فِي مُفَوَّضَةٍ قَدْ فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ . فَأَمَّا الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ : فَهِيَ مُسْتَحِقَّةُ الْمُتْعَةِ ، وَالْكَلَامُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ : أَحَدُهُمَا : فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْمُتْعَةُ . وَالثَّانِي : فِي قَدْرِ الْمُتْعَةِ . وَالثَّالِثُ : فِيمَنْ تُعْتَبَرُ بِهِ الْمُتْعَةُ .

فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ مَا تَجِبُ بِهِ الْمُتْعَةُ للمفوضة ، فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - : أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُتْعَةَ الْمُفَوَّضَةِ بَدَلٌ مِنْ مَهْرِ غَيْرِ الْمُفَوَّضَةِ ، وَالْمَهْرُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ الْمُتْعَةُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - : أَنَّهَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ لَا بِالْعَقْدِ ، وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ حَالَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ وُجُوبِ الْمَهْرِ أَوِ الْمُتْعَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بِالطَّلَاقِ وَجَبَتِ الْمُتْعَةُ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ الْمُتْعَةَ بِالطَّلَاقِ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا بِالطَّلَاقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [ الْأَحْزَابِ : 28 ] . وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : فَتَعَالَيْنَ أُسَرِّحْكُنَّ وَأُمَتِّعْكُنَّ . وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْكَلَامُ عَلَى نَسَقِهِ ، لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ .

فَصْلٌ : وَمَا قَدْرُ الْمُتْعَةِ للمفوضة ؟ فَهِيَ إِلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَحْسَنَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْقَدِيمِ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ خَادِمٍ ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاسْتَحْسَنَ فِيمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ تَقْدِيرٌ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ ؛ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي أَجْنَاسِ النَّاسِ وَبُلْدَانِهِمْ ، كَالْمَهْرِ الَّذِي لَا يَنْحَصِرُ بِقَدْرٍ ، وَمَا وَجَبَ وَلَمْ يَنْحَصِرْ بِمِقْدَارٍ شَرْعِيٍّ كَانَ تَقْدِيرُهُ مُعْتَبَرًا بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ مَهْرًا عِنْدَهُ . وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْعًا ، فَلَيْسَ فِي الِاجْتِهَادِ مَا يَقْتَضِيهِ ، وَلَا نَجْعَلُهُ بِالنِّصْفِ أَخَصَّ مِنْهُ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ ، فَإِنْ قِيلَ : لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الصَّدَاقِ . قُلْنَا : فَقَدْ أَوْجَبَتِ الصَّدَاقَ وَأَسْقَطَتِ الْمُتْعَةَ . وَفِي إِجْمَاعِنَا عَلَى إِيجَابِ الْمُتْعَةِ وَإِسْقَاطِ الصَّدَاقِ دَلِيلٌ عَلَى الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُتْعَةِ وَالصَّدَاقِ . وَلَيْسَ مَا اسْتَحْسَنَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَدْرِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا قَوْلًا بِالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِدَلِيلٍ ، وَهُوَ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْسَانٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا مَنْ تُعْتَبَرُ بِهِ الْمُتْعَةُ للمفوضة ، فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : تُعْتَبَرُ بِحَالِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ ، فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، كَالنَّفَقَةِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [ الْبَقَرَةِ : 236 ] كَمَا قَالَ فِي النَّفَقَةِ : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [ الطَّلَاقِ : 7 ] . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، " وَمَا رَأَى الْوَلِيُّ بِقَدْرِ الزَّوْجَيْنِ " .

يَعْنِي : الزَّوْجُ الْمُوسِرُ ، وَالزَّوْجُ الْمُعْسِرُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تُعْتَبَرُ بِهَا حَالُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، فَتُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ ، وَتُعْتَبَرُ بِهَا حَالُ الزَّوْجَةِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا نَعْتَبِرُهُ مِنْ حَالِ الزَّوْجَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سِنُّهَا وَنَسَبُهَا وَجَمَالُهَا ، كَمَا يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَعْتَبِرُهَا حَالَ قُمَاشِهَا وَجَهَازِهَا ، فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَمُؤْنَةِ نَقْلِهِ . وَهَذَا وَجْهٌ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَهَازُ مَقْصُودًا فَيُعْتَبَرُ ، وَلَوِ اعْتُبِرَ فِي الْمُتْعَةِ لَكَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الْمَهْرِ أَحَقَّ ، وَلَوَجَبَ أَلَّا يَكُونَ مُتْعَةً لِمَنْ لَا جَهَازَ لَهَا .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْمُفَوَّضَةُ الَّتِي فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ : إِمَّا بِأَنْ يَتَرَاضَى الزَّوْجَانِ بِفَرْضِهِ وَتَقْدِيرِهِ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ . وَإِمَّا بِأَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ ، فَيَصِيرُ بِالْفَرْضِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ المفوضة فَلَهَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ دُونَ الْمُتْعَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَبْطُلُ الْمَفْرُوضُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَثْبُتُ حُكْمُ التَّفْوِيضِ فِي وُجُوبِ الْمُتْعَةِ كَالَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمُفَوَّضَةَ وَجَبَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ وَسَقَطَ بِالطَّلَاقِ ، وَاسْتِدْلَالًا : بِأَنَّهُ نِكَاحٌ خَلَا عَنْ ذِكْرِ مَهْرٍ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ فِيهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمُتْعَةُ ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهَا مَهْرٌ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [ الْبَقَرَةِ : 237 ] . فَكَانَ قَوْلُهُ : وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً عَلَى عُمُومِ الْحَالَيْنِ فِيمَا فَرَضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَفْرُوضِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَشْبَهَ ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ اسْتِرْجَاعَ نِصْفِهِ . وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ جَمِيعِهِ ، فَكَانَ قَوْلُهُ مَدْفُوعًا بِالنَّصِّ . وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَدُّوا الْعَلَائِقَ ، قِيلَ : وَمَا الْعَلَائِقُ ؟ قَالَ : مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِ التَّرَاضِي فِي حَالِ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ . وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ فَرْضٌ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ فَوَجَبَ أَلَّا يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَمَّى فِي اسْتِقْرَارِهِ بِالْمَوْتِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ . فَأَمَّا بِنَاءُ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فَمُخَالِفٌ فِيهِ . وَأَمَّا قِيَاسُهُ : فَالْمَعْنَى فِي الْمُفَوَّضَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ مَفْرُوضٌ ، وَتَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ

بِفَرْضِ الْمَهْرِ ، وَهَذِهِ يَجِبُ لَهَا الْمَفْرُوضُ بِالْمَوْتِ ، وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِالْفَرْضِ ، فَصَارَ كَالْمُسَمَّى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ الْمُفَوَّضَةُ إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَتْ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِجْمَاعِ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ مَهْرًا أَوْ مَاتَتْ فَسَوَاءٌ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي - أَنَّهُ قَضَى فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَنُكِحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ ، فَمَاتَ زَوْجُهَا فَقَضَى لَهَا بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ فَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النَّبِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ، يُقَالُ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ ، وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ بَنِي أَشْجَعَ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا مَهْرَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ . وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ " قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْمُفَوَّضَةُ إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، أَوْ مَاتَتْ ، فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [ النِّسَاءِ : 12 ] . وَهُمَا زَوْجَانِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا . فَأَمَّا مَهْرُ مِثْلِهَا : فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - : أَنَّ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ . وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَفِي التَّابِعِينَ : قَوْلُ عَلْقَمَةَ ، وَالشَّعْبِيِّ . وَفِي الْفُقَهَاءِ : قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَأَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - : لَا مَهْرَ لَهَا . وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . وَفِي التَّابِعِينَ : قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعَطَاءٍ . وَفِي الْفُقَهَاءِ : قَوْلُ رَبِيعَةَ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ . وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - : حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ : رَوَى قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسٍ وَأَبِي حَسَّانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ ، فَأَتَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، وَكَانَ قَاضِيًا ، فَاخْتَلَفُوا إِلَيْهِ مِرَارًا ، وَقَالَ : شَهْرًا ، فَقَالَ : إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَإِنِّي أَفْرِضُ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا ، لَا وَكْسَ ، وَلَا شَطَطَ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، إِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ . فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ ، فِيهِمُ الْجَرَّاحُ أَبُو سِنَانٍ : نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاهَا فِينَا ، فِي بَرْوَعَ بِنْتٍ وَاشِقٍ ، وَكَانَ زَوْجُهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ بِمَا قَضَيْتَ . وَهَذَا حَدِيثٌ إِنْ صَحَّ فِي بَرْوَعَ ، لَمْ يَجُزْ خِلَافُهُ .

وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ : أَنَّ مَا اسْتَقَرَّ بِهِ كَمَالُ الْمُسَمَّى اسْتُحِقَّ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ كَالدُّخُولِ ، وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ أَوْجَبَهُ بِالْوَفَاةِ كَالْمُسَمَّى ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبَيِ الدُّخُولِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِالْوَفَاةِ كَالْعِدَّةِ . وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، إِنْ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ بَرْوَعَ : مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَدُّوا الْعَلَائِقَ ، قِيلَ : وَمَا الْعَلَائِقُ ؟ قَالَ : مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ دُونَ غَيْرِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ فِرَاقُ مُفَوَّضَةٍ قَبْلَ فَرْضٍ وَإِصَابَةٍ ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ مَهْرٌ كَالطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْمَهْرُ ، كَالرَّضَاعِ وَالرِّدَّةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يُنْتَصَفْ صَدَاقُهَا بِالطَّلَاقِ لَمْ يُسْتَفَدْ بِالْمَوْتِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ كَالْمُبَرِّئَةِ لِزَوْجِهَا مِنْ صَدَاقِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُنْتَصَفْ بِالطَّلَاقِ لَمْ يُتَكَمَّلْ بِالْمَوْتِ ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ . فَأَمَّا حَدِيثُ بَرْوَعَ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ ، فَذَهَبَ قَوْلٌ إِلَى ضَعْفِهِ ، وَأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهُمَا : اضْطِرَابُ طُرُقِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ تَارَةً عَنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ ، وَهُمْ مَجَاهِيلُ ، وَتَارَةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، وَتَارَةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ ، وَتَارَةً عَنِ الْجَرَّاحِ بْنِ سِنَانٍ ، فَدَلَّ اضْطِرَابُ طُرُقِهِ عَلَى وَهَائِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْكَرَهُ ، وَقَالَ : حَدِيثُ أَعْرَابِيٍّ يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْوَاقِدِيَّ ، طَعَنَ فِيهِ ، وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ ؛ لِاشْتِهَارِهِ ، وَقَبُولِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهُ ، وَوُرُودِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ : أَحَدُهَا : مَنْصُورُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ . وَالثَّانِي : دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ . وَالثَّالِثُ : عَنْ خِلَاسٍ ، وَأَبِي حَسَّانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ . وَلَيْسَ اخْتِلَافُ أَسْمَاءِ الرَّاوِي قَدْحًا ؛ لِأَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارِ بْنِ سِنَانٍ مَشْهُورٌ فِي الصَّحَابَةِ ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ نَهْرُ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ حِينَ اخْتَفَرَهُ زِيَادٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَقَايَا الصَّحَابَةِ . وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فِي بَقَايَا الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ لَمْ يُدْفَعْ حَدِيثُهُ .

وَأَمَّا الْجَرَّاحُ أَبُو سِنَانٍ ، فَقَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ مَعَ قَوْمِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ . فَمَا رُدَّ وَلَا رُدُّوا . وَأَمَّا إِنْكَارُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَانَ لَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ رَأْيٌ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُحَدِّثَ ، وَلَا يَقْبَلَ حَدِيثَهُ إِلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ ، وَقَالَ : مَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اسْتَحْلَفْتُهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ . وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا يَقُولُ بِهِ الْفُقَهَاءُ . وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ إِلَّا بِأَنَّهُ وَرَدَ مِنَ الْكُوفَةِ ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَدْحٍ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَضَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبَائِلِ الَّتِي انْتَشَرَ أَهْلُهَا فَصَارُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَرَوَوْهُ بِهَا ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْحَدِيثِ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرَ صَحِيحٍ ، فَالْمَهْرُ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَإِنْ صَحَّ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا . فَذَهَبَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ إِلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ . وَذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ مَعَ صِحَّتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهَا فَوَّضَ نِكَاحَهَا ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّفْوِيضُ ، أَوْ تَكُونَ مُفَوَّضَةَ الْمَهْرِ دُونَ الْبُضْعِ ، فَإِنْ فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ مَجْهُولٌ فَلِاحْتِمَالِهِ مَعَ الصِّحَّةِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَوْتِ بِالدُّخُولِ : فَفِي الدُّخُولِ إِتْلَافٌ يَجِبُ بِهِ الْغُرْمُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ . وَأَمَّا اعْتِبَارُ التَّفْوِيضِ بِالْمُسَمَّى : فَالْمُسَمَّى يَجِبُ بِالطَّلَاقِ نِصْفُهُ فَكَمَلَ بِالْمَوْتِ . وَالْمُفَوَّضَةُ لَمْ يَجِبْ لَهَا بِالطَّلَاقِ نِصْفُهُ ، فَلَمْ يَكْمُلْ لَهَا بِالْمَوْتِ جَمِيعُهُ . وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمَهْرِ بِالْعِدَّةِ : فَقَدْ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِإِصَابَةِ السَّفِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَهْرٌ ، فَكَذَلِكَ الْمَوْتُ فِي الْمُفَوَّضَةِ . فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً ، أَوْ ذِمِّيَّةً ، فِي أَنَّ الْمَهْرَ إِنْ وَجَبَ لِلْمُسْلِمَةِ ، وَجَبَ لِلذِّمِّيَّةِ . وَإِنْ سَقَطَ لِلْمُسْلِمَةِ سَقَطَ لِلذِّمِّيَّةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أُوجِبُ الْمَهْرَ لِلْمُسْلِمَةِ ، وَأُسْقِطُهُ لِلذِّمِّيَّةِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ ثُبُوتَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُؤَاخَذُونَ بِحُقُوقِ اللَّهِ ، وَيُؤَاخَذُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ ، فَلِذَلِكَ سَقَطَ مَهْرُ الذِّمِّيَّةِ ، لِسُقُوطِهِ مِنَ الْعَقْدِ ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمُسْلِمَةِ لِوُجُوبِهِ فِي الْعَقْدِ . وَهَذَا فَاسِدٌ ، بَلِ الْمَهْرُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالطَّلَبِ وَسُقُوطِهِ بِالْعَفْوِ .

وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِدَامَةُ ثُبُوتِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ ثُبُوتِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ طَرْدًا ، وَكَسَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ عَكْسًا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَهْرُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي النِّكَاحِ كَالْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ لَبَطَلَ النِّكَاحُ بِتَرْكِ الْمَهْرِ ، كَمَا بَطَلَ بِتَرْكِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ مَتَى طَلَبَتِ الْمَهْرَ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَفْرِضَهُ السَّلْطَانُ لَهَا

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَمَتَى طَلَبَتِ الْمَهْرَ ، فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَفْرِضَهُ السَّلْطَانُ لَهَا ، أَوْ يَفْرِضَهُ هُوَ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : الْمُفَوَّضَةُ لِبُضْعِهَا لَا تَمْلِكُ الْمَهْرَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ ، اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ بُضْعَهَا بِالْعَقْدِ ، فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ بَدَلَهُ مِنَ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ ، كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مُبْدَلًا لَمْ تَمْلِكْ فِي مُقَابَلَتِهِ بَدَلًا . وَالثَّانِي : أَنَّ لِلْمُفَوَّضَةِ الْمُطَالَبَةَ بِالْمَهْرِ وَالِامْتِنَاعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا إِلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطَالِبَ بِمَا لَمْ يَجِبْ ، وَلَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ مَا وَجَبَ عَلَى تَسْلِيمِ مَا لَمْ يَجِبْ . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ ، أَنَّ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ تَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ كَالْمُسَمَّى ، وَمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكَالْمَهْرِ الْفَاسِدِ . فَأَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ بِالْعَقْدِ ، فَلِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ ، فَلِذَلِكَ مُلِكَ بِالْعَقْدِ ، وَالْمَهْرُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يُمْلَكْ بِالْعَقْدِ مَعَ تَرْكِ ذِكْرِهِ فِيهِ ، فَافْتَرَقَ حُكْمُ الْبُضْعِ وَالْمَهْرِ ، وَأَوْجَبَ ذَلِكَ افْتِرَاضَ حُكْمِ الْمُسَمَّى وَالتَّفْوِيضِ . وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةَ عِنْدَنَا بِالْمَهْرِ ، وَإِنَّمَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا الْمَهْرَ فَتَكُونُ قَدْ مَلَكَتْ بِالتَّفْوِيضِ أَنْ تَمْلِكَ بِالْفَرْضِ مَهْرًا كَالشَّفِيعِ مَلَكَ بِالْبَيْعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِالشُّفْعَةِ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا ، فَفِي قَدْرِ مَا مَلَكَتْ أَنْ تَتَمَلَّكَ مِنَ الْمَهْرِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - : أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مُسْتَهْلَكٍ بِالْعَقْدِ ، فَتُقُدِّرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، كَالْمُسْتَهْلَكِ بِالْوَطْءِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - : أَنَّهُ مَهْرٌ مُطْلَقٌ ، لَا يُتَقَدَّرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، فَكَذَلِكَ مَا اسْتُحِقَّ بِالْفَرْضِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَالْمُفَوَّضَةُ تَمْلِكُ الْمَهْرَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ ذَكَرْنَاهَا مُجْمَلَةً ، وَنَحْنُ نَشْرَحُهَا :

أَحَدُهَا : أَنْ يَتَرَافَعَا إِلَى الْحَاكِمِ ، فَيَفْرِضُ لَهَا الْحَاكِمُ مَهْرَ الْمِثْلِ ، فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِقَدْرِهِ ، كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ بِقِيمَةِ مُتْلَفٍ إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَظْلِمَ الزَّوْجَ ، إِلَّا أَنْ يَبْذُلَ الزَّوْجُ الزِّيَادَةَ ، وَلَا أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَظْلِمَ الزَّوْجَةَ ، إِلَّا أَنْ تَرْضَى الزَّوْجَةُ بِالنُّقْصَانِ . وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، أَوْ وَقْتَ الْفَرْضِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ - : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُسْتَهْلَكٌ بِالْعَقْدِ . وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ - : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقْتَ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْفَرْضِ دُونَ الْعَقْدِ . فَإِذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ ، صَارَ كَالْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ ، إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُهُ ، وَهَذَا مِمَّا وَافَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا نُفِّذَ بِجَائِزٍ لَمْ يُنْقَضْ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الثَّانِي : يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمُفَوَّضَةِ ، فَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ الزَّوْجَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى فَرْضِ مَهْرٍ عَنْ تَرَاضٍ ما يجب به مهر المفوضة ، فَيَصِيرُ مَا فَرَضَاهُ لَازِمًا كَالْمُسَمَّى ، إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَلْزَمُ الْمَهْرُ إِلَّا بِعَقْدٍ أَوْ حُكْمٍ ، وَلَا يَصِيرُ لَازِمًا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فَرْضِهِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ ؛ احْتِجَاجًا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [ الْبَقَرَةِ : 231 ] . وَلِأَنَّهُمَا مَلَكَا التَّسْمِيَةَ فَيَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ وَاجِبَةً بِوُجُوبِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَمْلِكَاهَا بَعْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ لَهَا مُوجِبًا إِلَّا الْحَاكِمُ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [ الْبَقَرَةِ : 237 ] ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ بِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَشْبَهَ ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مِنْ أَعْوَاضِ الْعُقُودِ ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ بِالْمُرَاضَاةِ أَوْلَى مِنْ ثُبُوتِهِ بِالْحُكْمِ ، كَالْأَثْمَانِ وَالْأُجُورِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَهْرٍ كَمَلَ بِالدُّخُولِ يُنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ . فَأَمَّا الْآيَةُ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ [ الْبَقَرَةِ : 236 ] . وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْحُكْمِ فَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْفَرْضِ أَبْلَغُ فِي الِالْتِزَامِ مِنَ الْحُكْمِ ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَا عَلَى قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ مَعِيبٍ .

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَهْرَ يَلْزَمُ بِفَرْضِهِمَا كَمَا يَلْزَمُ بِفَرْضِ الْحَاكِمِ ، فَإِنْ فَرَضَاهُ مَعَ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِ الْمِثْلِ صَحَّ ، وَجَازَ أَنْ يَفْرِضَا مَهْرَ الْمِثْلِ ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَأَقَلَّ ، وَأَنْ يَعْدِلَا إِلَى عِوَضٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ جِنْسِ الْمَهْرِ وَمِقْدَارِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الزَّوْجَيْنِ كَالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ فَرَضَاهُ مَعَ جَهْلِهِمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ ، وَيَكُونُ بَاطِلًا كَالَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا ، كَمَا لَوْ فَرَضَهُ الْحَاكِمُ ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْإِبْرَاءِ مِنْ مَجْهُولٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - : أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَيَصِحُّ الْفَرْضُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ جَهِلَا مَهْرَ الْمِثْلِ ، كَذَلِكَ مَا فَرَضَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الَّذِي يَجِبُ لَهَا ، هَلْ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، أَوْ مَهْرٌ مُطْلَقٌ ؟ فَإِنْ قِيلَ : مَهْرُ الْمِثْلِ ، لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُمَا إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِهِ . وَإِنْ كَانَ مَهْرٌ مُطْلَقٌ صَحَّ فَرْضُهُمَا مَعَ الْجَهْلِ بِهِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الثَّالِثُ : مِمَّا يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمُفَوَّضَةِ ، فَهُوَ الدُّخُولُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَمَّا وَجَبَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَالْوَاجِبُ بِهَذَا الدُّخُولِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا ، سَوَاءٌ تَعَقَّبَهُ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ . وَإِذَا وَجَبَ بِالدُّخُولِ ، فَتَقْدِيرُهُ يَكُونُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ عَلَى حُكْمِهِ ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَى تَقْدِيرِهِ دُونَ إِيجَابِهِ ، وَحُكْمُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْإِيجَابِ . فَإِنْ قَدَّرَهُ الزَّوْجَانِ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُهُمَا إِلَّا مَعَ عِلْمِهِمَا بِهِ ، قَوْلًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ هَاهُنَا قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُهُ ، وَكَانَ عَلَى إِرْسَالِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَسْتَحِبُ أَلَّا يَدْخُلَ بِهَا ، إِلَّا بَعْدَ فَرْضِ الْمَهْرِ ؛ لِيَكُونَ مُسْتَمْتِعًا بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ ، وَلِيُخَالِفَ حَالَ الْمَوْهُوبَةِ الَّتِي خُصَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الرَّابِعُ : فَهُوَ الْمَوْتُ ، وَفِي وُجُوبِ مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بِهِ قَوْلَانِ مَضَيَا ، ثُمَّ إِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَا يُقَدِّرُهُ إِلَّا الْحَاكِمُ وَحْدَهُ ، فَإِنْ قَدَّرَهُ مَعَ الْبَاقِي مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَجْنَبِيٌّ عُلِمَ قَدْرُهُ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ ، كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا عَنْ مَيِّتٍ ، أَوْ قَضَاهُ عَنْ حَيٍّ لِوَرَثَةِ مَيِّتٍ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُؤْخَذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ ، فَفِي جَوَازِهِ إِذَا تَرَاضَى بِهِ الْبَاقِي وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْحَاكِمِ ، هَلْ يَلْزَمُ بِالتَّرَاضِي أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ فَرَضَهُ فَلَمْ تَرْضَهُ حَتَّى فَارَقَهَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْعُقْدَةِ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا شَرَعَ الزَّوْجَانِ فِي فَرْضِ الْمَهْرِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ ، فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى قَدْرِهِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا ، كَأَنَّهُ بَذَلَ لَهَا أَلْفًا ، فَلَمْ تَرْضَ إِلَّا بِأَلْفَيْنِ ، فَحُكْمُ التَّفْوِيضِ بَاقٍ وَبَذْلُ الْأَلْفِ مِنَ الزَّوْجِ كَعَدَمِهَا ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتِمُّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَّا بِالرِّضَا . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَالصَّدَاقِ الْمُخْتَلَفِ فِي تَسْمِيَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَلَا يَلْزَمُ ، وَيَجِبُ لَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ؟ قُلْنَا : مَا اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ قَدْ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ التَّفْوِيضِ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهَذَا لَمْ يُزَلْ عَنْهُ حُكْمُ التَّفْوِيضِ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ . وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ : لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ ، يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ مَفْرُوضٌ إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَى فَرْضِهِ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْأَلْفَ الَّذِي بَذَلَهُ الزَّوْجُ ؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ ، حَتَّى طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ زِيَادَةً عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا افْتِرَاقٌ ، وَلَيْسَ بِاجْتِمَاعٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَقَدْ يَدْخُلُ فِي التَّفْوِيضِ ، وَلَيْسَ بِالتَّفْوِيضِ الْمَعْرُوفِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ ، وَهُوَ أَنْ تَقُولَ لَهُ : أَتَزَوَّجُكَ عَلَى أَنْ تَفْرِضَ لِي مَا شِئْتَ أَنْتَ أَوْ شِئْتُ أَنَا ، فَهَذَا كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا بِالتَفْوِيضِ أَشْبَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْوِيضَ فِي النِّكَاحِ ضَرْبَانِ : تَفْوِيضُ الْبُضْعِ ، وَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ . فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْبُضْعِ ، فَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ لَهَا ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ . وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْمَهْرِ معنى تفويض المهر فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : تَرْكُ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِيهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ لَا يَصِحُّ ، إِمَّا لِجَهَالَتِهِ ، وَإِمَّا لِتَحْرِيمِهِ . فَالْمَجْهُولُ كَقَوْلِهِ : قَدْ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى مَا شِئْنَا ، أَوْ شَاءَ أَحَدُنَا ، أَوْ شَاءَ فُلَانٌ . وَالْحَرَامُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، فَيَكُونُ هَذَا تَفْوِيضًا لِلْمَهْرِ ؛ لِبُطْلَانِهِ ، وَلَيْسَ بِتَفْوِيضٍ لِلْبُضْعِ ، لِذِكْرِهِ ، فَيَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ ، وَإِنْ كَانَ مُشَابِهًا لَهُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ ، فَيَجِبُ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُهُ دُونَ الْمُتْعَةِ . وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ قَوْلًا وَاحِدًا ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِنِكَاحِ التَّفْوِيضِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ مَهْرَ هَذِهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ، وَمَهْرَ الْمُفَوَّضَةِ وَجَبَ بِالْفَرْضِ بَعْدَ الْعَقْدِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُوجِبٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَفِيمَا وَجَبَ لِلْمُفَوَّضَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : مَهْرُ الْمِثْلِ .

وَالثَّانِي : مَهْرٌ مُطْلَقٌ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا إِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلِلْمُفَوَّضَةِ مُتْعَةٌ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَفِي الْمُفَوَّضَةِ قَوْلَانِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَفْوِيضُ الْمَهْرِ ، كَتَفْوِيضِ الْبُضْعِ ، وَلَيْسَ لَهَا إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ إِلَّا الْمُتْعَةُ ؛ احْتِجَاجًا بِأَنَّ الْعَقْدَ ، خَلَا عَنْ مَهْرٍ لَازِمٍ ، فَكَانَ تَفْوِيضًا ، كَمَا لَوْ خَلَا مِنْ ذِكْرِ مَهْرٍ . وَدَلِيلُنَا : هُوَ أَنَّهُ عَقَدٌ تَضَمَّنَ مَهْرًا ، فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ التَّفْوِيضِ ، كَالْمَهْرِ الصَّحِيحِ ، وَلِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَسْلِيمُ بُضْعٍ بِغَيْرٍ بَدَلٍ ، وَهَذَا تَسْلِيمُهُ بِبَدَلٍ ، وَإِنْ فَسَدَ . وَفَرْقٌ فِي الْأُصُولِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَالتَّسْلِيمِ بِبَدَلٍ فَاسِدٍ فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُكِ عَبْدِي هَذَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَدَلَا ، جَعَلْنَا ذَلِكَ هِبَةً لَا تُوجِبُ الْبَدَلَ . وَلَوْ قَالَ : قَدْ مَلَّكْتُكِ عَبْدِي بِثَمَنٍ فَاسِدٍ ، صَارَ بَيْعًا فَاسِدًا يُوجِبُ الْبَدَلَ ، فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاضِ الْأَمْرَيْنِ . فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا : فَأَحْوَالُ مَنْ لَا يَسْتَقِرُّ لَهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَهْرٌ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ . قِسْمٌ تَكُونُ مُفَوَّضَةً : وَقِسْمٌ لَا تَكُونُ مُفَوَّضَةً ، وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَوْنِهَا مُفَوَّضَةً . فَأَمَّا الَّتِي تَكُونُ مُفَوَّضَةً فَهِيَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا مَعَ إِذْنِهَا ، وَجَوَازِ أَمْرِهَا أَلَّا مَهْرَ لَهَا . وَأَمَّا الَّتِي لَا تَكُونُ مُفَوَّضَةً : فَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ عَلَى مَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ ، أَوْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا . وَأَمَّا الَّتِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَوْنِهَا مُفَوَّضَةً : فَهِيَ الَّتِي تُرِكَ ذِكْرُ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ . فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ : لَيْسَتْ مُفَوَّضَةً . وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهَا مُفَوَّضَةٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

تَفْسِيرُ مَهْرِ مِثْلِهَا

تَفْسِيرُ مَهْرِ مِثْلِهَا ، مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَكِتَابِ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَمَتَى قُلْتُ : لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا ، فَإِنَّمَا أَعْنِي نِسَاءَ عَصَبَتِهَا ، وَلَيْسَ أُمَّهَا مِنْ نِسَائِهَا وَأَعْنِي نِسَاءَ بَلَدِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا اسْتَحَقَّتِ الْمَرْأَةُ مَهْرَ مِثْلِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقَدْ مَضَى فِي مَوَاضِعِهِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي حَالَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : فِي مَنْصِبِهَا . وَالثَّانِيَةُ : فِي صِفَاتِ ذَاتِهَا . فَأَمَّا الْمَنْصِبُ فَمُعْتَبَرٌ بِنَظِيرِهَا فِي النَّسَبِ . وَقَالَ مَالِكٌ : مُعْتَبَرٌ بِنَظِيرِهَا فِي الْبَلَدِ ، فَغَلَبَ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ عَلَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ ، وَهَذَا فَسَادٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمَهْرِ نِسَائِهَا ، وَالْمِيرَاثِ . وَلِأَنَّ الْأَنْسَابَ مَعْقُودَةٌ فِي الْمَنَاكِحِ دُونَ الْبُلْدَانِ ، وَلِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ اللَّازِمَةِ ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ قَدْ يَخْتَلِفُ مُهُورُهُمْ بِاخْتِلَافِ الْأَنْسَابِ ، وَإِذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ النَّظِيرِ فِي النَّسَبِ ، وَجَبَ اعْتِبَارُ نَظِيرِهَا مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِنِسَاءِ الْأُمِّ وَلَا بِنِسَاءِ ذَوِي الْأَرْحَامِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : هُمَا سَوَاءٌ ، فَيُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ أَهْلِهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنَ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ . وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مُعْتَبَرٌ بِالْأَبِ دُونَ الْأُمِّ ، وَكَذَلِكَ كَانَ وَلَدُ الْعَرَبِيِّ مِنَ النَّبَطِيَّةِ عَرَبِيًّا ، وَوَلَدُ النَّبَطِيِّ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ نَبَطِيًّا ، فَاقْتَضَى إِذَا كَانَ مَنْصِبُ النَّسَبِ مُعْتَبَرًا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ النَّسَبُ دُونَ الْأُمِّ الَّتِي لَا يَلْحَقُ بِهَا نَسَبٌ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا بِنِسَاءِ عَصَبَتِهَا ، فَأَقْرَبُهُنَّ الْأَخَوَاتُ ، فَيُعْتَبَرُ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُنَّ مُشَارِكَاتٌ فِي الرَّحِمِ دُونَ النَّسَبِ . فَلَوِ اجْتَمَعَ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، وَأَخَوَاتٌ لِأَبٍ ، فَفِيهِنَّ وَجْهَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهُنَّ سَوَاءٌ . وَالثَّانِي : أَنَّ اعْتِبَارَ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ ؛ لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ ، فَهُنَّ مُقَدَّمَاتٌ عَلَى الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ . وَلَا اعْتِبَارَ بِبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ ، ثُمَّ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ ، ثُمَّ الْعَمَّاتِ دُونَ بَنَاتِهِنَّ ، ثُمَّ بَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ ، ثُمَّ عَمَّاتِ الْأَبِ دُونَ بَنَاتِهِنَّ ، ثُمَّ بَنَاتِ أَعْمَامِ الْأَبِ وَبَنِيهِمْ ، ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا فِي نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ . فَإِذَا عَدِمَ الْعَصَبَاتِ ، فَفِي اعْتِبَارِ نِسَاءِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُعْتَبَرُونَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى عَصَبَةٌ . وَالثَّانِي : لَا يُعْتَبَرُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْمَوْلَى نَسَبٌ ، وَإِنْ جَرَى فِي التَّعْصِيبِ مَجْرَى النَّسَبِ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَصَبَاتِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَعْنِي نِسَاءَ بَلَدِهَا ، فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِمَنْ كَانَ مِنْ عَصَبَاتِهَا فِي بَلَدِهَا دُونَ مَنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ لِلْبُلْدَانِ فِي الْمُهُورِ عَادَاتٍ مُخْتَلِفَةً ، فَتَكُونُ عَادَاتُ بَعْضِ الْبُلْدَانِ تَخْفِيفَ الْمُهُورِ ، وَعَادَاتُ بَعْضِهَا تَثْقِيلَ الْمُهُورِ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا ، كَمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ فِي مَوْضِعِ إِتْلَافِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ مَعَ نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ . فَهَذَا حُكْمُ الْمَنْصِبِ .

الْقَوْلُ فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمُهُورِ

[ الْقَوْلُ فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمُهُورِ ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَمَهْرُ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ سِنِّهَا ، وَعَقْلِهَا وَحُمْقِهَا ، وَجَمَالِهَا وَقُبْحِهَا ، وَيُسْرِهَا وَعُسْرِهَا ، وَأَدَبِهَا ، وَصَرَاحَتِهَا ، وَبِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ بِذَلِكَ تَخْتَلِفُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . وَصِفَاتُ الذَّاتِ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُهُورِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، كَمَا تُعْتَبَرُ صِفَاتُ مَا يُقَوَّمُ ، وَالصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ عَشْرَةٌ : أَحَدُهَا : السِّنُّ ؛ لِاخْتِلَافِ الْمَهْرِ بِاخْتِلَافِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ أَرْجَى لِلْوَلَدِ ، وَأَلَذُّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ الْكَبِيرَةِ . وَالثَّانِي : عَقْلُهَا وَحُمْقُهَا ، فَإِنَّ لِلْعَاقِلَةِ مَهْرًا ، وَلِلرَّعْنَاءِ وَالْحَمْقَاءِ دُونَهُ ؛ لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِي الْعَاقِلَةِ ، وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الْحَمْقَاءِ . وَحُكِيَ عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أَيْ أَيُّكُمْ أَتَمُّ عَقْلًا . وَرَوَى كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا : أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلًا ، وَأَرْدَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، وَأَسْرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالثَّالِثُ : جَمَالُهَا وَقُبْحُهَا ، فَإِنَّ مَهْرَ الْجَمِيلَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الْقَبِيحَةِ . وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يُنْكَحُ النِّسَاءُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ . وَالرَّابِعُ : يَسَارُهَا وَإِعْسَارُهَا ؛ لِأَنَّ ذَا الْمَالِ مَطْلُوبٌ وَمَخْطُوبٌ ، فَيَكْثُرُ مَهْرُ الْمُوسِرَةِ ؛ بِكَثْرَةِ طَالِبِهَا ، وَيَقِلُّ مَهْرُ الْمُعْسِرَةِ ؛ لِقِلَّةِ خَاطِبِهَا . وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [ الْعَادِيَاتِ : 8 ] ، يَعْنِي الْمَالَ . وَرَوَى مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ فَقَدْ أَصَابَ سِدَادًا مِنْ عَوَزٍ " . وَالْخَامِسُ : إِسْلَامُهَا وَكُفْرُهَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [ الْبَقَرَةِ : 221 ] . وَالسَّادِسُ : عِفَّتُهَا وَفُجُورُهَا ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْعَفِيفَةِ أَكْثَرُ ، وَمَهْرُهَا لِكَثْرَةِ الرَّاغِبِ فِيهَا أَكْثَرُ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [ النُّورِ : 3 ] . وَالسَّابِعُ : حُرِّيَّتُهَا وَرِقُّهَا ؛ لِنُقْصَانِ الْأَمَةِ عَنْ أَحْكَامِ الْحُرَّةِ ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهَا لَا يَحِلُّ لِكُلِّ حُرٍّ . وَالثَّامِنُ : بَكَارَتُهَا وَثُيُوبَتُهَا ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْبِكْرِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الثَّيِّبِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ ؛ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا ، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا ، وَأَغَرُّ غُرَّةً ، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " أَنْتَقُ أَرْحَامًا " ، أَيْ : أَكْثَرُ أَوْلَادًا . وَفِي قَوْلِهِ : " وَأَغَرُّ غُرَّةً " رِوَايَتَانِ : أَحَدُهُمَا : غِرَّةٌ بِكَسْرِ الْغَيْنِ ، يُرِيدُ أَنَّهُنَّ أَبْعَدُ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّرِّ ، وَأَقَلُّ فِطْنَةً لَهُ . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : وَأَغَرُّ غُرَّةً ، بِضَمِّ الْغَيْنِ ، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَرَادَ غُرَّةَ الْبَيَاضِ ؛ لِأَنَّ الْأَغْيَرَ وَطُولَ التَّعْبِيسِ يُجِيلَانِ اللَّوْنَ ، وَيُبْلِيَانِ الْجَسَدَ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ حُسْنَ الْخُلُقِ وَحُسْنَ الْعِشْرَةِ .

وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : " عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ ؛ فَإِنَّهُنَّ أَكْثَرُ حُبًّا وَأَقَلُّ خِبًّا " . وَالتَّاسِعُ : أَدَبُهَا وَبَذَاؤُهَا ؛ لِأَنَّ الْأَدِيبَةَ مَرْغُوبٌ فِيهَا ، وَالْبَذِيئَةَ مَهْرُوبٌ مِنْهَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : الْبَذَاءُ لُؤْمٌ وَصُحْبَةُ الْأَحْمَقِ شُؤْمٌ . وَالْعَاشِرُ : قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : وَصَرَاحَتُهَا ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُرِيدُ فَصَاحَتَهَا ؛ لِأَنَّ لِفَصَاحَةِ الْمَنْطِقِ حَظًّا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ . وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : بَلْ أَرَادَ بِهِ صَرَاحَةَ النَّسَبِ الْمَقْصُودِ فِي الْمَنَاكِحِ . وَالصَّرِيحُ النَّسَبُ : الَّذِي أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ . وَالْهَجِينُ : الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ أَمَةٌ . وَالْمُذَرَّعُ : فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ الَّذِي أُمُّهُ أَشْرَفُ نَسَبًا مِنْ أَبِيهِ . قَالَ الشَّاعِرُ : إِنَّ الْمُذَرَّعَ لَا تُغْنِي خُئُولَتُهُ كَالْبَغْلِ يَعْجِزُ عَنْ شَوْطِ الْمَحَاضِيرِ وَالْفَلَنْقَسُ فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ الَّذِي أَبُوهُ مَوْلًى ، وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ الَّذِي أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ ، وَجَدَّتَاهُ مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ أَمَتَانِ . فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَوْصَافٍ تُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا ، لِاخْتِلَافِ الْمَهْرِ بِهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنْهَا سَبْعَةً ، وَأَغْفَلَ ثَلَاثَةً وَهِيَ : الدِّينُ وَالْعِفَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ ؛ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ مِنْهَا فِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ . وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِهَا ، وَنَبَّهَ عَلَى بَاقِيهَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِدِينِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَمَالِهَا ، وَمَيْسَمِهَا - وَرُوِيَ وَوَسَامَتِهَا - فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " . وَفِيهَا ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ : أَحَدُهَا : مَعْنَاهُ : افْتَقَرَتْ يَدَاكَ ، إِنْ لَمْ تَظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ، يُقَالُ : تَرِبَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ ، وَأَتْرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى .

وَالثَّانِي : أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَغْنَتْ يَدَاكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِذَاتِ الدِّينِ ، وَيَكُونُ تَرِبَتْ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ بِمَعْنَى الْغِنَى وَالْفَقْرِ رَآهُ فِي قَدْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ ، وَقِسْطِهَا مِنْ تِلْكَ الْمُهُورِ ، فَزَادَهَا إِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ زَائِدَةً ، أَوْ نَقَصَهَا إِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ نَاقِصَةً ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَتَسَاوَى صِفَاتُهَا ، وَصِفَاتُ جَمِيعِ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنِ اعْتِبَارِ مَا اخْتَلَفْنَ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا كَلِمَةٌ تُقَالُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ ، لَا يُرَادُ بِهَا حَمْدٌ وَلَا ذَمٌّ ، كَمَا يُقَالُ مَا أَشْجَعَهُ ، قَاتَلَهُ اللَّهُ ، وَكَالَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سَارَةَ زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ بُشِّرَتْ بِالْوَلَدِ قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [ هُودٍ : 72 ] ، وَهِيَ لَا تَدْعُو بِالْوَيْلِ عِنْدَ الْبُشْرَى ، وَلَكِنْ كَلِمَةٌ مَأْلُوفَةٌ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ مَا يُعَجَّلُ مِنْ فَرَحٍ أَوْ حُزْنٍ ، فَإِذَا وُجِدَتْ أَوْصَافُهَا الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْمَهْرُ مِنْ يَسَارِ عَصَبَتِهَا ، وَكَانَتْ مُهُورُهُنَّ مُقَدَّرَةً صَارَ مَهْرُ مِثْلِهَا ذَلِكَ الْقَدْرَ ، فَإِنْ خَالَفَتْهُنَّ فِي إِحْدَى الصِّفَاتِ أَشْهَدَ الْحَاكِمُ .

الْقَوْلُ فِي شَرَائِطِ اعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ

[ الْقَوْلُ فِي /1 L11177 شَرَائِطِ اعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ /1 ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَأَجْعَلُهُ نَقْدًا كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِيمَةِ لَا يَكُونُ بِدَيْنٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ . فِي الْحُكْمِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ اعْتِبَارِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ شَرْطَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِنْ نُقُودِ الْأَثْمَانِ وَالْقِيَمِ ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ؛ لِأَنَّ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْهَا ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ قِيمَةُ مُتْلَفٍ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ نِسَاءِ عَصَبَتِهَا إِبِلًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ ثِيَابًا ، قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ ، وَحَكَمَ لَهَا بِقِيمَةِ الْإِبِلِ أَوِ الْعَبِيدِ أَوِ الثِّيَابِ مِنْ أَغْلَبِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ فِي أَثْمَانِ الْإِبِلِ وَالْعَبِيدِ دُونَ الْمُهُورِ . وَالشَّرْطُ الثَّانِي : أَلَّا يَحْكُمَ بِهِ إِلَّا حَالًّا ، وَإِنْ كَانَ نِسَاءُ عَصَبَتِهَا يُنْكَحْنَ بِمُهُورٍ مُؤَجَّلَةٍ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ لَا يَتَأَجَّلُ . فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَيْسَ دِيَةُ الْخَطَأِ مُؤَجَّلَةً ، وَهِيَ قِيمَةُ مُتْلَفٍ لَا يَتَأَجَّلُ ؟ . قِيلَ : لَيْسَتِ الدِّيَةُ قِيمَةً لِكَوْنِهَا مُقَدَّرَةً ، وَالْقِيمَةُ لَا تَتَقَدَّرُ ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةً لَجَازَ أَنْ تُخَالِفَ أَحْكَامَ الْقِيَمِ فِي التَّأْجِيلِ ، كَمَا خَالَفَتْهَا فِي وُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُتْلِفِ مِنَ الْعَاقِلَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى الْمُتْلِفِ . وَإِذَا وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا نَقْدًا حَالًّا ، وَكَانَتْ مُهُورُهُنَّ مُؤَجَّلَةً ، نُظِرَ :

فَإِنْ كَانَ وَقْتُ حُكْمِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ وَقْتَ الْمُؤَجَّلِ سَاوَى بَيْنَ الْقَدْرَيْنِ ، وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ بِالتَّعْجِيلِ شَيْئًا . وَإِنْ كَانَ وَقْتُ حُكْمِهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ حُلُولِ آجَالِ تِلْكَ الْمُهُورِ ، نَقَصَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالتَّعْجِيلِ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَسَبٌ ، فَمَهْرُ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهَا شَبَهًا فِيمَا وَصَفْتُ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا مُعْتَبَرٌ بِنِسَاءِ عَصَبَتِهَا ، فَإِذَا وُجِدْنَ لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُنَّ إِلَى نِسَاءِ الْأُمِّ . فَإِنْ عَدِمَ نِسَاءَ الْعَصَبَاتِ اعْتَبَرَ بَعْدَهُنَّ لِلضَّرُورَةِ نِسَاءَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ إِلَيْهَا بَعْدَ الْعَصَبَاتِ مِنَ الْأَجَانِبِ . فَنَبْدَأُ بِاعْتِبَارِ الْأُمِّ ، ثُمَّ بَنَاتِهَا - وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ مِنَ الْأُمِّ - ثُمَّ بِأُمِّهَا ، وَهِيَ الْجَدَّةُ مِنَ الْأُمِّ . فَإِنِ اجْتَمَعَ جَدَّتَانِ أُمُّ أَبٍ ، وَأُمُّ أُمٍّ ، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ اعْتِبَارَهَا بِأُمِّ الْأَبِ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ . وَالثَّانِي : أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّعْصِبَةَ فِيهَا مُحَقَّقَةٌ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُمَا سَوَاءٌ . ثُمَّ بَعْدَ الْجَدَّاتِ الْخَالَاتُ ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخْوَالِ ، ثُمَّ عَلَى هَذَا ، فَإِذَا عَدِمَ جَمِيعَ الْقَرَابَاتِ ، فَنِسَاءُ بَلَدِهَا ؛ لِاشْتِرَاكِهِنَّ فِي الْعَادَةِ ، فَإِذَا عُدِمْنَ ، فَأَقْرَبُ الْبِلَادِ بِبَلَدِهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَإِنْ كَانَ نِسَاؤُهَا إِذَا نُكِحْنَ فِي عَشَائِرِهِنِّ خُفِّفْنَ ، خُفِّفَتْ فِي عَشِيرَتِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْعَادَاتِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ مُعْتَبَرَةٌ ، فَرُبَّمَا جَرَتْ عَادَةُ قَبِيلَتِهَا إِذَا نُكِحْنَ فِي عَشَائِرِهِنَّ خَفَّفْنَ الْمُهُورَ ، وَإِذَا نُكِحْنَ فِي غَيْرِ عَشَائِرِهِنَّ ثَقَّلْنَ الْمُهُورَ ، وَهَذَا يَكُونُ مِنْ عَادَاتِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي تُشَرِّفُ عَلَى غَيْرِهَا . فَإِنْ كَانَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَكَانَ الزَّوْجُ مِنْ عَشِيرَتِهَا ، خُفِّفَ مَهْرُ مِثْلِهَا . وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِهَا ، ثُقِّلَ مَهْرُ مِثْلِهَا . وَرُبَّمَا كَانَتْ عَادَةُ قَبِيلَتِهَا : إِذَا نُكِحْنَ فِي عَشَائِرِهِنَّ ثَقَّلْنَ الْمُهُورَ ، وَإِذَا أُنْكِحْنَ فِي غَيْرِ عَشَائِرِهِنَّ خَفَّفْنَ الْمُهُورَ ، وَهَذَا يَكُونُ مِنْ عَادَاتِ الْقَبِيلَةِ الدَّنِيئَةِ الَّتِي غَيْرُهَا أَشْرَفُ

مِنْهَا . فَإِنْ كَانَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَكَانَ الزَّوْجُ مِنْ عَشِيرَتِهَا ثُقِّلَ مَهْرُهَا . وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِهَا خُفِّفَ مَهْرُهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كُنْتُمْ تَعْتَبِرُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ بِقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيَمِ حَالُ التَّالِفِ ، لَا حَالُ الْمُتْلِفِ ، فَكَيْفَ اعْتَبَرْتُمْ هَاهُنَا حَالَ الْمُتْلِفِ وَحَالَ التَّالِفِ . قِيلَ : لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَقْصُودٌ بِالْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالتَّالِفِ وَالْمُتْلِفِ ، وَلَيْسَ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الَّتِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إِلَّا أَثْمَانُهَا بِالْعُقُودِ وَقِيَمُهَا بِالِاسْتِهْلَاكِ . وَعَلَى هَذَا : إِذَا كَانَ عَادَةُ قَبِيلَتِهَا أَنْ يُخَفِّفْنَ الْمُهُورَ فِي نِكَاحِ الشَّبَابِ ، وَيُثَقِّلْنَ الْمُهُورَ فِي نِكَاحِ الشُّيُوخِ ، رُوعِيَ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَهْرِ

اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ فِي صِفَتِهِ

بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَهْرِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ [ /1 L11177 L11223 L26308 اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي قَدْرِ أَوْ جِنْسِ أَوْ صِفَةِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى /1 ] قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ تَحَالَفَا ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَبَدَأْتُ بِالرَّجُلِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ . إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ ، أَوْ جِنْسِهِ ، أَوْ فِي صِفَتِهِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ ، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ : بَلْ عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ ، أَوْ قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى دَرَاهِمَ ، وَقَالَتْ : بَلْ عَلَى دَنَانِيرَ ، أَوْ قَالَ : عَلَى صَدَاقٍ مُؤَجَّلٍ ، فَقَالَتْ : بَلْ حَالٍّ ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَيَتَحَالَفُ الزَّوْجَانِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ : الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : إِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ ، إِلَّا أَنْ تَدَّعِيَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ قَوْلَ الزَّوْجِ . وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ تَحَالَفَا . وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ ، فَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ اخْتِلَافَ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْبَيْعِ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ . ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَحَالُفِهِمَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعَى عَلَيْهِ . فَإِنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ : تَزَوَّجْتُكِ بِأَلْفٍ ، وَمَا تَزَوَّجْتُكِ بِأَلْفَيْنِ . وَالزَّوْجَةَ تَقُولُ : تَزَوَّجْتَنِي بِأَلْفَيْنِ ، وَمَا تَزَوَّجْتَنِي بِأَلْفٍ .

فَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَتَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَتَحَالَفَا ، وَلِأَنَّهُمَا لَوْ تَدَاعَيَا دَارًا هِيَ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَتَسَاوَيَا فِيهَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ تَحَالَفَا ، كَذَلِكَ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا يُوجِبُ تَحَالُفَهُمَا .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ تَحَالُفُ الزَّوْجَيْنِ عند اختلافهما في المهر فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْحُقُوقِ لَا يَسْتَوْفِيهَا إِلَّا الْحَاكِمُ ، فَإِذَا حَضَرَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا : بَدَأَ بِإِحْلَافِ الزَّوْجِ . وَقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ : إِنَّهُ يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ ، وَهُوَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الزَّوْجَةِ فِي النِّكَاحِ ، وَالزَّوْجُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ . وَقَالَ فِي كِتَابِ " الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ " : فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ بِإِحْلَافِ أَيِّهِمَا شَاءَ . فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ وَالْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّهُ فِي الْبُيُوعِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الزَّوْجِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّهُ فِي الصَّدَاقِ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْحَاكِمَ بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ بِإِحْلَافِ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ شَاءَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ . وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ - وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ - : أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ فِيهِمَا بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ بِإِحْلَافِ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ شَاءَ ، وَأَيِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ شَاءَ . وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ - وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - : أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ ، وَأَنَّهُ يَبْدَأُ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ بِإِحْلَافِ الزَّوْجِ قَبْلَ الزَّوْجَةِ ، وَفِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْمُشْتَرِي . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ جَنْبَةَ الْبَائِعِ أَقْوَى ؛ لِعَوْدِ السِّلْعَةِ إِلَيْهِ بَعْدَ التَّحَالُفِ ، فَبَدَأَ بِإِحْلَافِهِ ، وَجَنْبَةَ الزَّوْجِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْبُضْعَ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بَعْدَ التَّحَالُفِ ، فَبَدَأَ بِأَحْلَافِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ تَحَالُفُهُمَا ، وَمَنْ بَدَأَ الْحَاكِمُ بِإِحْلَافِهِ مِنْهُمَا ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا : هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً ، أَوْ يَمِينَيْنِ الزوج والزوجة المختلفين فى المهر ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - : أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً ، تَجْمَعُ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ .

فَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّةِ يَمِينِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُصَرَّحُ فِيهَا بِالِابْتِدَاءِ بِالنَّفْيِ ، ثُمَّ بِالْإِثْبَاتِ ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ : وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجْتُكِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ ، وَلَقَدْ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ . ثُمَّ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ فَتَقُولُ : وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجْتَنِي عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ ، وَلَقَدْ تَزَوَّجْتَنِي عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُصَرِّحُ بِالنَّفْيِ وَيُصَرِّحُ بِالْإِثْبَاتِ الدَّالِّ عَلَى النَّفْيِ ، فَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجْتُكِ إِلَّا عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ . وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ : وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجْتَنِي إِلَّا عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْجَزُ ، وَاللَّفْظُ فِيهِ أَخَصُّ . فَهَذَا إِذَا قِيلَ يُحَلِّفُهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يُحَلِّفُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَيْنِ ؛ يَمِينًا لِلنَّفْيِ ، ثُمَّ يَمِينًا لِلْإِثْبَاتِ . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ ، فَيَبْدَأُ بِيَمِينِ النَّفْيِ ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ : وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجْتُكِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ . وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ : وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجْتَنِي عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ . ثُمَّ يُحَلِّفُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَمِينَ الْإِثْبَاتِ ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ : وَاللَّهِ لَقَدْ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ . وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ : وَاللَّهِ لَقَدْ تَزَوَّجْتَنِي عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ .

فَصْلٌ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى تَحَالُفِ الزَّوْجَيْنِ

فَصْلٌ : [ /1 L11222 الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى تَحَالُفِ الزَّوْجَيْنِ /2 عند اختلافهما في المهر /2 /1 ] فَإِذَا تَحَالَفَ الزَّوْجَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَطَلَ الصَّدَاقُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَلْفًا بِيَمِينِ الزَّوْجِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَلْفَيْنِ بِيَمِينِ الزَّوْجَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ، فَيَكُونُ بَاطِلًا ؛ لِلْجَهْلِ بِهِ ، كَذَلِكَ إِذَا تَحَالَفَا . وَهَلْ يَبْطُلُ الصَّدَاقُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ أَوْ بِفَسْخِ الْحَاكِمِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا فِي الْبُيُوعِ ، ثُمَّ إِذَا بَطَلَ الصَّدَاقُ لَمْ يَبْطُلِ النِّكَاحُ . وَقَالَ مَالِكٌ : إِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ النِّكَاحُ ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ . فَإِنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ إِذَا سَقَطَ مِنَ النِّكَاحِ صَارَ نِكَاحًا بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى غَيْرِ صَدَاقٍ صَحَّ النِّكَاحُ . فَكَذَلِكَ إِذَا نَكَحَهَا عَلَى صَدَاقٍ فَاسِدٍ ، وَكَانَ هَذَا بِخِلَافِ تَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ بَعْدَ التَّحَالُفِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِثَمَنٍ فَبَطَلَ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ ، وَالنِّكَاحَ يَصِحُّ بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ .



أَثَرُ بُطْلَانِ الصَّدَاقِ

فَصْلٌ : [ /1 L11180 أَثَرُ بُطْلَانِ الصَّدَاقِ /1 ] فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِتَحَالُفِهِمَا ، حُكِمَ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْعَقْدِ مُسْتَهْلِكًا لِبُضْعِهَا ، فَلَزِمَهُ غُرْمُ قِيمَتِهِ - وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ - كَمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ بَعْدَ التَّحَالُفِ إِذَا تَلِفَتِ السِّلْعَةُ غُرْمُ قِيمَتِهَا ، وَيُحْكَمُ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ أَوْ أَكْثَرَ . وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ : يُحْكَمُ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ أَوْ أَقَلَّ ، وَلَا يُحْكَمُ لَهَا إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَتْ إِلَّا بِقَدْرِ مَا ادَّعَتْ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُدَّعِيَةٍ لِلزِّيَادَةِ فَلَمْ يُحْكَمْ لَهَا بِمَا لَا تَدَّعِيهِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ دَعْوَاهَا كَانَتْ لِمُسَمًّى فِي عَقْدٍ ، وَقَدْ بَطَلَ بِالتَّحَالُفِ ، وَهَذَا قِيمَةُ مُتْلَفٍ ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ حُكْمُ الدَّعْوَى فِي غَيْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ نَقَصَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالزِّيَادَةِ وَجَبَ إِذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَتْ أَنْ يَحْكُمَ لَهَا بِهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُدَّعِيَةٍ لِلزِّيَادَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَهَكَذَا الزَّوْجُ وَأَبُو الصَبِيَّةِ الْبِكْرِ وَوَرَثَةُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا مَسْأَلَتَيْنِ ؛ إِحْدَاهُمَا : فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ ، وَالثَّانِيَةُ : فِي اخْتِلَافِ وَرَثَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَوَرَثَةِ الْآخَرِ . فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : وَهِيَ اخْتِلَافُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ فى قدر الهرأو صفته ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ جَائِزَةَ الْأَمْرِ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ فِي تَصْدِيقٍ أَوْ تَكْذِيبٍ ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ عَصَبَةً ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الزَّوْجَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا . فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُصَدِّقَةً لِزَوْجِهَا عَلَى قَدْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مُخَالَفَةُ الْوَلِيِّ ، وَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُخَالِفَةً لِزَوْجِهَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ ، وَكَانَ لِلزَّوْجَيْنِ أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَى مَا مَضَى ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ شَاهِدًا لِلزَّوْجِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنَ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ صَغِيرَةً ، فَلَيْسَ يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا . فَإِذَا اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ فِي قَدْرِ صَدَاقِهَا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ الْأَبُ هُوَ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ أَقَلَّ ، فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْأَبِ بِغَيْرِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِهِ لَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ الْأَبُ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَهَاهُنَا يَكُونُ التَّحَالُفُ ، وَإِذَا وَجَبَ التَّحَالُفُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّوْجَةِ وَقْتَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّحَالُفِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى حَالِ الصِّغَرِ ، أَوْ قَدْ بَلَغَتْ . فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً حَلَفَ الزَّوْجُ ، وَهَلْ يُحَالِفُهُ الْأَبُ أَوْ تَكُونُ الْيَمِينُ مَوْقُوفَةً عَلَى بُلُوغِ الزَّوْجَةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا حَلَفَ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ ، وَوَقَفَتِ الْيَمِينُ عَلَى بُلُوغِ الزَّوْجَةِ بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ النِّيَابَةَ فِي الْأَيْمَانِ لَا تَصِحُّ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا وُضِعَتْ لِإِثْبَاتِ حَقِّ الْحَالِفِ ، أَوْ دَفْعِ مُطَالَبَةٍ عَنْهُ ، وَلَيْسَ الْأَبُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْلِفَ ، وَتَأَوَّلَ قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ " وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّبِيَّةِ " ، يَعْنِي فِي أَنَّهُمَا إِذَا اخْتَلَفَا قَدَّمَ الْحَاكِمُ الزَّوْجَ فِي إِحْلَافِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الزَّوْجِ ؛ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِلْعَقْدِ ، فَجَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ . وَالثَّانِي - وَأَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ - : أَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ إِقْرَارُهُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ جَازَ إِحْلَافُهُ فِيهِ عِنْدَ إِنْكَارِهِ . فَعَلَى هَذَا إِنْ حَالَفَ الْأَبُ الزَّوْجَ حُكِمَ لِلزَّوْجَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَبُ عَنِ الْيَمِينِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُحْكَمُ بِنُكُولِهِ وَيُقْضَى بِالْمَهْرِ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ إِذَا كَانَ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ مَنْ حُكِمَ بِيَمِينِهِ إِذَا حَلَفَ حُكِمَ بِنُكُولِهِ إِذَا نَكَلَ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنُكُولِهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّ الزَّوْجَةِ ، وَتَوَقُّفِ الْيَمِينِ عَلَى بُلُوغِهَا ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُثْبِتَ بِيَمِينِهَا مَا لَا يُثْبِتُهُ الْوَلِيُّ فَيُحْكَمُ لَهَا بِهِ . وَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ وَقْتَ التَّحَالُفِ بَالِغَةً ،

فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ الْأَبَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالِفَ الزَّوْجَ فِي حَالِ صِغَرِهَا فَأَوْلَى أَلَّا يُحَالِفَهَا فِي حَالِ كِبَرِهَا . وَإِذَا قِيلَ : لَهُ مُحَالَفَةُ الزَّوْجِ فِي حَالِ صِغَرِهَا ، فَأَيُّهُمَا أَحَقُّ بِمُحَالَفَةِ الزَّوْجِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، مِنِ اخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْأَبَ الْمُبَاشِرَ لِلْعَقْدِ هُوَ الْمُحَالِفُ لِلزَّوْجِ ؛ لِفَضْلِ مُبَاشَرَتِهِ ، وَتَعْلِيلًا بِقَبُولِ اعْتِرَافِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمَالِكَةَ هِيَ الْمُحَالِفَةُ لِلزَّوْجِ دُونَ الْأَبِ ؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمِلْكِ ، وَتَعْلِيلًا بِأَنَّ الْأَبَ نَائِبٌ . وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا : لَوِ امْتَنَعَ الْأَبُ مِنَ الْيَمِينِ ، جَازَ لَهَا مُحَالَفَةُ الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ : هَلْ يَجُوزُ مَعَ بُلُوغِهَا أَنْ يَحْلِفَ الْأَبُ ؟ .

فَصْلٌ اخْتِلَافُ وَرَثَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَوَرَثَةِ الْآخَرِ

فَصْلٌ : [ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : /1 L11223 اخْتِلَافُ وَرَثَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَوَرَثَةِ الْآخَرِ /2 فى قدر المهر أو صفته /2 /1 ] وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ اخْتِلَافُ وَرَثَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَوَرَثَةِ الْآخَرِ : فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ إِذَا طَالَتْ صُحْبَةُ الزَّوْجَيْنِ وَحَسُنَتْ عِشْرَتُهُمَا وَذَهَبَتْ عَشِيرَتُهُمَا ثُمَّ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ ، لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِصَدَاقِهَا ، وَحَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ : لِوَارِثِهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِصَدَاقِهَا وَإِنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُمَا ؛ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ مُطَالَبَتُهُ مَعَ قُرْبِ الْمُدَّةِ ، جَازَتْ مَعَ بُعْدِهَا كَالدَّيْنِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَتُهُ ، جَازَ لِوَارِثِهَا مُطَالَبَتُهُ ، كَالْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ . فَلِذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّدَاقَ بَاقٍ ، وَأَنَّ لِلْوَارِثِ مُطَالَبَةَ الزَّوْجِ بِهِ ، فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ جَازَ أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مَوْرُوثِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَقَامَ مَقَامَهُ فِي التَّحَالُفِ . فَعَلَى هَذَا إِنْ تَحَالَفَ وَارِثَا الزَّوْجَيْنِ حَلِفَا كَتَحَالُفِ الزَّوْجَيْنِ ، إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنَّ يَمِينَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ جَمِيعًا ، وَيَمِينَ الْوَارِثِينَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي النَّفْيِ ، وَعَلَى الْقَطْعِ فِي الْإِثْبَاتِ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْقَطْعِ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْعِلْمِ فِي نَفْيِهِ وَعَلَى الْقَطْعِ فِي إِثْبَاتِهِ . فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ وَارِثُ الزَّوْجِ فَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ ، وَلَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ .

وَيَقُولُ وَارِثُ الزَّوْجَةِ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ ، وَلَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفَيْنِ . فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ جَمَاعَةً ، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا عَلَى مَا وَصَفْنَا ، وَلَمْ يَنُبْ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِهِ فِيهَا ، فَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ ، وَنَكَلَ بَعْضُهُمْ أَجْرَى عَلَى الْحَالِفِ حُكْمَهُ ، وَعَلَى النَّاكِلِ حُكْمَهُ . وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَكَانَ الْآخَرُ بَاقِيًا ، تَحَالَفَ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَوَارِثُ الْمَيِّتِ ، وَكَانَتْ يَمِينُ الْبَاقِي عَلَى الْقَطْعِ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ ، وَيَمِينُ الْوَارِثِ عَلَى الْعِلْمِ فِي نَفْيِهِ وَعَلَى الْقَطْعِ فِي إِثْبَاتِهِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَهْرِ بَيْنَ أَبَوَيِ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ فَإِنْ حُكِمَ بِالصَّدَاقِ فِي مَالِ الزَّوْجِ ؛ إِمَّا لِيَسَارِهِ وَإِمَّا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي إِعْسَارِهِ ، فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا يَجُوزُ لِأَبِ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَبَطَلَ التَّحَالُفُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ أَبَا الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ ، وَأَبَا الزَّوْجَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ . وَإِنَّ حُكِمَ بِالصَّدَاقِ عَلَى أَبِي الزَّوْجِ جَازَ التَّحَالُفُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ الْأَبُ مِنْ مَالِهِ عَنِ ابْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ . فَعَلَى هَذَا لِأَبِي الزَّوْجِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ صِغَرِ ابْنِهِ وَمَعَ كِبَرِهِ ، وَهَلْ يَجُوزُ لِأَبِي الزَّوْجَةِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ صِغَرِهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا اخْتَلَفَ زَوْجُ الْأَمَةِ وَسَيِّدُهَا فِي قَدْرِ صَدَاقِهَا ، تَحَالَفَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ دُونَ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ دُونَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً كَانَتْ هِيَ الْمُحَالِفَةَ دُونَ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمُكَاتَبَةِ لَهَا ، وَمَهْرَ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِسَيِّدِهَا .

الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ

[ الْقَوْلُ فِي /1 L11224 اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ /1 ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَا قَبَضَتْ مَهْرَهَا ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ ، فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِإِقْرَارِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ وَمَنْ إِلَيْهِ الْحَقُّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَدْرِهِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : قَدْ أَقْبَضْتُكِ مَهْرَكِ ، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ : لَمْ أَقْبِضْهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا ، أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ، أَوْ قَبْلَ الزِّفَافِ أَوْ بَعْدَهُ .

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ الزِّفَافِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّفَافِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ . وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ اسْتِدْلَالًا بِالْعُرْفِ أَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ ، فَكَانَ الظَّاهِرُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَالزِّفَافِ مَعَ الزَّوْجِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ ، وَقَبْلَ الدُّخُولِ وَالزِّفَافِ مَعَ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ . وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ، وَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَكُلِّفَ الْبَيِّنَةَ ، وَالزَّوْجَةُ مُنْكِرَةٌ فَكُلِّفَتِ الْيَمِينَ ، وَلِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي دَفْعِهِ كَالدُّيُونِ . فَأَمَّا الِاعْتِبَارُ بِالْعَادَةِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ عَادَاتِ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ ، ثُمَّ لَوِ اتَّفَقَتْ لَمَا تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ . أَلَا تَرَى أَنَّ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ إِذَا ادَّعَى دَفْعَ ثَمَنِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ، وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ السِّلْعَةَ لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ . وَلَوِ ادَّعَى الرَّاهِنُ قَضَاءَ الدَّيْنِ بَعْدَ رَدِّ الرَّهْنِ عَلَيْهِ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ، وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُرَدُّ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ ، كَذَلِكَ الزَّوْجَةُ .

إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي نَوْعِ الْمَدْفُوعِ مَهْرٍ أَوْ هَدِيَّةٍ

[ إِذَا /1 L26308 اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي نَوْعِ الْمَدْفُوعِ مَهْرٍ أَوْ هَدِيَّةٍ /1 ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ : الَّذِي قَبَضْتُ هَدِيَّةٌ ، وَقَالَ : بَلْ هُوَ مَهْرٌ ، فَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ وَادَّعَتْ مِلْكَهَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ . إِذَا دَفَعَ الزَّوْجُ إِلَيْهَا مَالًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ ، فَقَالَتِ الزَّوْجَةُ : أَخَذْتُهُ هِبَةً وَصَدَاقِي بَاقٍ ، وَقَالَ الزَّوْجُ : بَلْ دَفَعْتُهُ صَدَاقًا . فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِمُهَادَاةِ الزَّوْجِ بِمِثْلِهِ أَمْ لَا . وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَهْدِيَهُ الزَّوْجُ لِلزَّوْجَةِ كَالثَّوْبِ وَالْمَقْنَعَةِ وَالطِّيبِ وَالْحُلِيِّ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِمَهْرِهَا . وَهَذَا خَطَأٌ ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ لَا تُتَمَلَّكُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِالدَّعَاوَى ، وَلِأَنَّهَا لَوِ ادَّعَتْ هِبَةَ ذَلِكَ وَقَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا ، فَكَذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ . وَقَدْ مَضَى الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنَ الْعُرْفِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ دُونَهَا ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّهُ صَرَّحَ لَهَا بِالْهِبَةِ مهر الزوجة ، كَانَ لَهَا

فِي الْمَهْرِ إِحْلَافُهُ ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَيْهَا ، وَحُكِمَ لَهَا إِنْ حَلَفَتْ . وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ أَنَّهُ صَرَّحَ لَهَا بِالْهِبَةِ ، بَلْ قَالَتْ : نَوَاهَا وَأَرَادَهَا وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ فِي دَعْوَى هِبَةٍ فَاسِدَةٍ . فَإِذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ : لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا أَقْبَضَهَا مِنْ حَالَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ صَدَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهَا دَرَاهِمَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِضَامِنِ صَدَاقِهَا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ صَدَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهَا دَنَانِيرَ ، فَتَكُونُ الدَّنَانِيرُ لَهُ وَالصَّدَاقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهَا أَخَذَتِ الدَّنَانِيرَ بَدَلًا مِنْ صَدَاقِهَا ، فَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهَا أَحْلَفَهَا .

الْقَوْلُ فِي مَنْ أَبْرَأُ لِلزَّوْجِ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا دَفَعَهُ لِوَلِيِّ الزَّوْجَةِ

[ الْقَوْلُ فِي مَنْ أَبْرَأُ لِلزَّوْجِ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا دَفَعَهُ لِوَلِيِّ الزَّوْجَةِ ؟ ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَيَبْرَأُ بِدَفْعِ الْمَهْرِ إِلَى أَبِي الْبِكْرِ ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً ، الَّتِي يَلِي أَبُوهَا بُضْعَهَا وَمَالَهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ إِذَا قَبَضَ مَهْرَ ابْنَتِهِ ، لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْلًى عَلَيْهَا أَوْ رَشِيدَةً . فَإِنْ كَانَ مَوْلًى عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ : جَازَ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا ؛ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْوِلَايَةَ عَلَى مَالِهَا ، وَلَوْ قَبَضَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَلَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ مِنْهُ ، إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْأَبُ إِلَى أَخْذِهِ مِنْهَا ، فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ حِينَئِذٍ مِنْهُ . وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً رَشِيدَةً فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ ، فَلَيْسَ لِلْأَبِ قَبْضُ مَهْرِهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا لَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ قَبَضَ لَهَا دَيْنًا أَوْ ثَمَنًا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ بِكْرًا يُجْبِرُهَا أَبُوهَا عَلَى النِّكَاحِ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ مَهْرِهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَمْ يَبْرَأِ الزَّوْجُ مِنْهُ . وَجَعَلَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَبْضَ مَهْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالصَّغِيرَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، مَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْهُ . وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ صَدَاقَهَا دَيْنٌ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ الْأَبُ بِقَبْضِهِ مَعَ رُشْدِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ دَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ مَهْرِهَا كَغَيْرِ الْأَبِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْقَبْضَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَمَا أَثَّرَ فِيهِ النَّهْيُ كَحَالِهِ مَعَ الصَّغِيرَةِ ، وَإِذَا أَثَّرَ فِيهِ النَّهْيُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَالْوَكِيلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الشَّرْطُ فِي الْمَهْرِ

الشَّرْطُ فِي الْمَهْرِ ، مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ ، وَمِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ ، وَمِنَ الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكِ [ /1 L25802 إِذَا أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا /1 ] قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَإِذَا عُقِدَ النِّكَاحُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا ، فَالْمَهْرُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ لَيْسَ بَمَهْرٍ لَهَا وَلَا بِحَقٍّ لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ إِيَّاهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ . إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ الْأَلْفِ إِلَى الْأَبِ ، وَيَبْطُلُ بِهِ الصَّدَاقُ . وَقَالَ قَتَادَةُ : الصَّدَاقُ صَحِيحٌ عَلَى أَلْفٍ ، وَالشَّرْطُ لَازِمٌ لِلْأَبِ ، وَعَلَى الزَّوْجِ لَهُ أَلْفٌ بِالشَّرْطِ . وَقَالَ مَالِكٌ : الشَّرْطُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْأَبِ ، وَيَصِيرُ الْأَلْفَانِ مَعًا صَدَاقًا لِلزَّوْجَةِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى مَالِكٍ فِي بُطْلَانِ الشَّرْطِ أَنَّ شُرُوطَ الْعُقُودِ مَا كَانَتْ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ أَوِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ الْأَبُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، فَلَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لَهُ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ أَجْنَبِيٌّ . وَالدَّلِيلُ عَلَى قَتَادَةَ فِي أَنَّ مَا شَرَطَهُ الْأَبُ لَا يَصِيرُ صَدَاقًا لِلزَّوْجَةِ : هُوَ أَنَّ مَا لَمْ يُجْعَلْ صَدَاقًا مُسَمًّى ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ صَدَاقًا مُسَمًّى كَالْمَشْرُوطِ لِغَيْرِ الْأَبِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَا شَرَطَهُ لِلْأَبِ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ ، لَكَانَ مَا شَرَطَ عَلَى الْأَبِ نُقْصَانًا مِنَ الصَّدَاقِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ فِي الشَّرْطِ عَلَيْهِ ، فَبَطَلَ فِي الشَّرْطِ لَهُ .

هَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ

فَصْلٌ : [ هَلْ /1 L11402 يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ /1 ؟ ] فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْأَبِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ " قَتَادَةُ " ، وَبَاطِلٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ " مَالِكٌ " ، كَانَ الصَّدَاقُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي النُّقْصَانِ مِنْهُ ، وَقَدْرُهُ مَجْهُولٌ ، فَأَفْضَى إِلَى جَهَالَةِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ ، وَإِذَا صَارَ الصَّدَاقُ مَجْهُولًا بَطَلَ ، وَلَمْ يَبْطُلِ النِّكَاحُ ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ . فَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَاسِدًا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا ، كَانَ جَائِزًا ، وَلَهَا مَنْعُهُ وَأَخْذُهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ أَوْ وَكَالَةٌ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى صُورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَخَالَفَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَابِ ، فَقَالَ : وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا كَانَ جَائِزًا .

وَقَالَ فِي الْأُولَى : وَلَوْ عَقَدَ نِكَاحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا فَالْمَهْرُ فَاسِدٌ . وَهُمَا فِي الصُّورَةِ سَوَاءٌ ، وَفِي الْجَوَابِ مُخْتَلِفَانِ . فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مَسْطُورٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا مِنْهَا ، أَوْ تُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُعْطِيَةَ لِلْأَلْفِ فَهِيَ هِبَةٌ لِلْأَبِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعْطِيَ لِلْأَلْفِ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ هِبَةً لِلْأَبِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ وَكَالَةً يَتَوَلَّى قَبْضَهَا الْأَبُ ، فَيَكُونُ الصَّدَاقُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَلْفَيْنِ صَدَاقٌ ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ عَلَيْهَا ، وَلَا اشْتَرَطَ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ . وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الشَّرْطُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي زِيَادَةِ الصَّدَاقِ وَلَا نُقْصَانِهِ ، فَسَلِمَ مِنَ الْجَهَالَةِ ، فَلِذَلِكَ صَحَّ . فَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فَخَطَأٌ ، وَجَوَابُهُ كَجَوَابِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِتَمَاثُلِهِمَا فِي الصُّورَةِ ، وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ ، وَأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ، وَمَحْمُولُ الْجَوَابِ عَلَى مَا صَوَّرُوهُ ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلًا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَهُوَ الْمُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ : وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا ، وَقَالَ فِي الْأُولَى : وَلَوْ عَقَدَ نِكَاحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا . فَجَعَلَ لِأَبِيهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْضَ الْأَلْفِ ، وَجَعَلَ لِأَبِيهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِلْكَ الْأَلْفِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَدَاقٌ لِلزَّوْجَةِ فَلِذَلِكَ صَحَّ ، وَفِي الْأُولَى إِحْدَاهُمَا صَدَاقٌ لَهَا وَالْأُخْرَى لِلْأَبِ ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ . ثُمَّ يُوَضِّحُ أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ ، وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُكْمِ وَبَيَّنَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : وَلَهَا مَنْعُهُ وَأَخْذُهَا مِنْهُ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ ، وَلَا لَهَا أَنْ تَأْخُذَ غَيْرَ صَدَاقِهَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَيْنِ كَانَتْ صَدَاقًا لَهَا ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي التَّعْلِيلِ ، فَقَالَ : لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ ، أَوْ وَكَالَةٌ لَمْ تَتِمَّ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ مَعْقُودًا عَلَى أَنْ تَهَبَ هِيَ مِنَ الْأَلْفَيْنِ أَلْفًا لِأَبِيهَا ، أَوْ تُوَكِّلَهُ فِي قَبْضِهَا ، فَكَانَتْ عَلَى خِيَارِهَا فِي أَنْ تُتَمِّمَ الْهِبَةَ بِالْقَبْضِ أَوْ تَرْجِعَ فِيهَا ، أَوْ تُتَمِّمَ الْوَكَالَةَ أَوْ تُبْطِلَهَا . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ يُرِيدُ بِهَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ ، فَقَالَ : وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَلْفًا وَأُمَّهَا أَلْفًا ، كَانَ الْكُلُّ لِلزَّوْجَةِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكُلُّ لَهَا إِذَا كَانَ الْكُلُّ صَدَاقًا تَكُونُ لَهَا بِالتَّسْمِيَةِ لَا بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا قَالَ مَالِكٌ .

فَصْلٌ فِي الشُّرُوطِ الَّتِي تَدْخُلُ النِّكَاحَ

فَصْلٌ : فِي الشُّرُوطِ الَّتِي تَدْخُلُ النِّكَاحَ ] مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ ، أَوْ عَلَى أَلَّا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا ، أَوْ عَلَى أَلَّا يَنْكِحَ عَلَيْهَا ، أَوْ لَا يَتَسَرَّى ، أَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ مَنْعَ مَالِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ ، فَلَهَا مَهْرُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110