كتاب : الحاوي في فقه الشافعي
المؤلف : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّلَاثِ ، فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْإِصَابَةُ شَرْطًا فِيهِ كَانَتْ رَافِعَةً لَهُ ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِيمَا دُونَهَا فَلَمْ يَرْفَعْهُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ مَا قَوِيَ عَلَى رَفْعِ الْأَكْثَرِ كَانَ عَلَى رَفْعِ الْأَقَلِّ أَقْوَى ، فَهُوَ أَنَّ الْإِصَابَةَ عِنْدَنَا لَا تَرْفَعُ الثَّلَاثَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا تَرْفَعُ تَحْرِيمَهَا ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ تَحْرِيمٌ ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ جَعْلَهُ قَدْ يَجْعَلُ الشَّيْءَ مُؤَثِّرًا فِي الْأَكْثَرِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْأَقَلِّ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى . فَمِنْهَا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ جَمِيعَ الدِّيَةِ وَلَا تَتَحَمَّلُ مَا دُونُ الْمُوضِحَةِ . وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي بِهَا الثَّلَاثَ ، كَانَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ نَوَى اثْنَتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً ، فَجَعَلَ النِّيَّةَ مُؤَثِّرَةً فِي الثَّلَاثِ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْأَقَلِّ . وَمِنْهَا أَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلَاةِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ ، وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُ الطَّهَارَةَ ، فَجَعَلَهَا مُؤَثِّرَةً فِي الْأَكْثَرِ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْأَقَلِّ ، فَفَسَدَ بِهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ فِي فُرُوعِ الطَّلَاقِ

فَصْلٌ : فِي فُرُوعِ الطَّلَاقِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ أَبِيهِ تَزْوِيجًا صَحِيحًا ، لِأَنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ ، أَوْ لِأَنَّهُ عَبْدٌ ، وَإِنْ لَمْ يَخَفِ الْعَنَتَ فَقَالَ لَهَا : إِنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَاتَ أَبُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِكَوْنِهِ عَبْدًا ، طُلِّقَتْ بِمَوْتِهِ ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا لِكَوْنِهِ حُرًّا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا أَوْ لَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا فَفِي طَلَاقِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ : لَا يُطَلِّقُ ، لِأَنَّهُ إِذَا وَرِثَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالْمِلْكِ ، وَزَمَانُ الْفَسْخِ وَزَمَانُ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ ، فَوَقَعَ الْفَسْخُ وَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ لَهَا : إِذَا مُتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَاتَ لَمْ تُطَلَّقْ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَلَا يَقَعُ الْفَسْخُ بِالْمِلْكِ ، لِأَنَّ صِفَةَ الطَّلَاقِ تُوجَدُ عَقِيبَ الْمَوْتِ وَهُوَ زَمَانُ الْمِلْكِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ الْفَسْخُ ، فَصَارَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي زَمَانِ الْمِلْكِ لَا فِي زَمَانِ الْفَسْخِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَقَعِ الْفَسْخُ . وَإِنْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّرِكَةِ إِذَا أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ ، هَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِهِمْ ، وَتَكُونُ لِأَرْبَابِ الدَّيْنِ دُونَهُمْ ، فَعَلَى هَذَا تُطَلَّقُ لِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ شَرْطِ الْفَسْخِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا : أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ طَلَاقُهَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ . فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا ، فِي تَزْوِيجِ الِابْنِ جَارِيَةَ الْأَبِ ، فَقَالَ لَهَا الْأَبُ : إِذَا مُتُّ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَقَالَ لَهَا الِابْنُ إِذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَاتَ الْأَبُ نُظِرَ ، فَإِنْ مَاتَ وَقِيمَتُهَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ، عَتَقَتْ عَلَى الْأَبِ ، وَطُلِّقَتْ عَلَى الِابْنِ ، لِأَنَّ عِتْقَ الْأَبِ لَهَا يَمْنَعُ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ لَهَا ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ مَعًا . وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهَا وَيَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِهَا مِنْ ثُلُثِهِ ، لَمْ تَعْتِقْ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ مَرْدُودٌ ، فَطَلَاقُهَا عَلَى الِابْنِ مُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا ، هَلْ يَمْلِكُهَا الِابْنُ إِذَا أَحَاطَ بِهَا دَيْنُ الْأَبِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يَمْلِكُهَا الِابْنُ ، فَعَلَى هَذَا تُطَلَّقُ ، وَعَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ قَدْ مَلَكَهَا الِابْنُ ، فَعَلَى هَذَا فِي طَلَاقِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ : لَا تُطَلَّقُ . وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ : تُطَلَّقُ .

فَصْلٌ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ

فَصْلٌ : فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ إِذَا قَالَ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَهُوَ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ لَا يَقَعُ إِلَّا بِوُجُودِهِ ، وَالشَّرْطُ دُخُولُ الدَّارِ ، وَالْجَزَاءُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، فَمَتَى دَخَلَتِ الدَّارَ طُلِّقَتْ ، وَلَا تُطَلَّقُ إِنْ لَمْ تَدْخُلْ . فَلَوْ قَالَ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَظَاهِرُهُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ ، وَإِنْ أَسْقَطَ فَاءَ الْجَزَاءِ فَلَا تُطَلَّقُ إِلَّا بِدُخُولِ الدَّارِ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَلَوْ قَالَ : أَرَدْتُ بِهِ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ ، فَقَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ حُمِلَ عَلَى إِرَادَتِهِ ، لِأَنَّهُ أَضَرَّ بِهِ نَفْسَهُ ، وَيَحْلِفُ فِي الْحَالِ وَلَمْ تُطَلَّقْ بِدُخُولِ الدَّارِ . وَلَوْ قَالَ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، احْتَمَلَ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الشَّرْطَ وَيُضْمِرَ الْجَزَاءَ فِي نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَعَبْدِي حُرٌّ ، أَوْ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا أَرَادَ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُهُ ، فَلَا تُطَلَّقُ هِيَ بِدُخُولِ الدَّارِ ، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ أُحْلِفُ لَهَا . الْمَعْنَى الثَّانِي : أَنْ يُرِيدَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ ، فَيَكُونَ كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَيَكُونَ عَلَى مَا أَرَادَ شَرْطًا وَجَزَاءً وَتَقُومُ الْوَاوُ مَقَامَ الْفَاءِ ، فَإِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ طُلِّقَتْ فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ وَذَكَرَتْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمَا جَمِيعًا الشَّرْطَ لَمْ يَحْلِفْ لَهَا ، فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ الْمُعَجَّلَ أُحْلِفُ لَهَا . وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ : أَنْ يُرِيدَ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ فَتُطَلَّقَ ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّارِ صِلَةً لَا شَرْطًا ، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ الزَّوْجَةُ لَمْ يَحْلِفْ لَهَا ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ ، كَانَ

الظَّاهِرُ مِنْهُ حَمْلَهُ عَلَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَمْ يُجْعَلْ مَبْتُورًا، وَالْوَاوُ قَدْ تَقُومُ مَقَامَ الْفَاءِ : لِأَنَّهَا مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي يَنُوبُ بَعْضُهَا مَنَابَ بَعْضٍ . وَلَوْ قَالَ : وَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى كَلَامٍ تَقَدَّمَ كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَيَكُونُ شَرْطًا وَجَزَاءً فَمَتَى دَخَلَتِ الدَّارَ طُلِّقَتْ ، وَلَا تُطَلَّقُ قَبْلَ دُخُولِهَا . وَالْمَعْنَى الثَّانِي : أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ ، فَتُطَلَّقُ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ . وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا مَعَ خَالِدٍ ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَبَكْرًا مَعَ خَالِدٍ اسْتِئْنَافَ كَلَامٍ كَانَ شَرْطُ الطَّلَاقِ كَلَامَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ، دُونَ بَكْرٍ وَخَالِدٍ ، فَإِذَا كَلَّمَتْ زَيْدًا وَعَمْرًا مَعًا أَوْ عَلَى انْفِرَادٍ طُلِّقَتْ ، وَإِنْ كَلَّمَتْ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ تُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بَكْرًا مَعَ خَالِدٍ الشَّرْطَ ، صَارَ شَرْطُ الطَّلَاقِ مُقَيَّدًا بِكَلَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ، وَبَكْرٍ مَعَ خَالِدٍ فَإِنْ كَلَّمَتْهُمْ إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ تُطَلَّقْ ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكْمُلْ ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُمْ جَمِيعًا وَأَفْرَدَتْ كَلَامَ بَكْرٍ عَنْ خَالِدٍ لَمْ تُطَلَّقْ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الطَّلَاقِ اجْتِمَاعَهُمْ فِي الْكَلَامِ وَإِنْ جَمَعَتْ بَيْنَ بَكْرٍ وَخَالِدٍ فِي الْكَلَامِ وَفَرَّقَتْ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فِي الْكَلَامِ طُلِّقَتْ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَمْعَ بَيْنَ بَكْرٍ وَخَالِدٍ شَرْطًا ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْجَمْعَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو شَرْطًا ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ : وَلَا إِرَادَةَ لَهُ حُمِلَ ذِكْرُ بَكْرٍ وَخَالِدٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ دُونَ الشَّرْطِ ، لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي حُكْمِ الْإِعْرَابِ يُخَالِفُ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ قَالَ : إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا أَوْ بَكْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنْ كَلَّمَتْ أَحَدَهُمْ طُلِّقَتْ وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُمْ جَمِيعًا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : تُطَلَّقُ ثَلَاثًا ، لِأَنَّ كَلَامَ كُلِّ وَاحِدٍ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ إِذَا انْفَرَدَ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْجَزَاءُ إِذَا اجْتَمَعَ . وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ إِلَّا وَاحِدَةً ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَاحِدٌ عُلِّقَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ فَوَجَبَ أَنْ تُطَلَّقَ بِهِمَا إِذَا اجْتَمَعَتِ الْأَجْزَاءُ وَاحِدَةً ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ : إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْتِ عَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْتِ بَكْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُمْ جَمِيعًا ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا ، لِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ عَلَّقَ بِكُلِّ شَرْطٍ مِنْهَا جَزَاءً مُفْرَدًا ، وَلَوْ قَالَ وَلَهُ زَوْجَتَانِ : وَإِنْ دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ ، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَإِنْ دَخَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّارَيْنِ طُلِّقَتَا ، وَإِنْ دَخَلَتْ إِحْدَاهُمَا إِحْدَى الدَّارَيْنِ وَدَخَلَتِ الْأُخْرَى الدَّارَ الْأُخْرَى فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : طُلِّقَتَا ، لِأَنَّ دُخُولَ الدَّارَيْنِ مَوْجُودٌ مِنْهُمَا فَصَارَ الشَّرْطُ بِدُخُولِهِمَا مَوْجُودًا .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ الْأَصَحُّ : لَا تُطَلَّقَا حَتَّى تَدْخُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّارَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِدُخُولِ الدَّارَيْنِ ، لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِدُخُولِهِمَا مَعًا ، فَكَذَلِكَ إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَمْ تُطَلَّقْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَّا بِدُخُولِ الدَّارَيْنِ مَعًا ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ : إِنْ رَكِبْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ قَالَ إِنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَحَدَ الرَّغِيفَيْنِ كَانَ طَلَاقُهُمَا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .

فَصْلٌ : آخَرُ : فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، فَمَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ تُطَلَّقَ لَمْ تُطَلَّقْ قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ ، تَعْلِيلًا بِأَنَّ مُضِيَّ الْيَوْمِ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْيَوْمِ فَلَيْسَ يُوجَدُ شَرْطُ الطَّلَاقِ ، إِلَّا وَقَدِ انْقَضَى مَحِلُّ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ . وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ : يَقَعُ الطَّلَاقُ ، لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ فَوَاتُهُ فِي الْيَوْمِ ، وَإِذَا بَقِيَ مِنْ آخِرِهِ مَا يَضِيقُ عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ ، وَذَلِكَ الزَّمَانُ لَا يَضِيقُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ ضَاقَ عَنْ لَفْظِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ وَهَذَا فَاسِدٌ ، وَقَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَوْلَى ، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَزَمَانُ لَفْظِهِ وَزَمَانُ وُقُوعِهِ مِثْلَانِ ، فَإِذَا ضَاقَ عَنْ أَحَدِهِمَا ضَاقَ عَنِ الْآخَرِ . وَلَكِنْ لَوْ قَالَ : إِنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ فَلَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ ، طُلِّقَتْ وَصَحَّ فِيهِ تَعْلِيلُ أَبِي حَامِدٍ ، لِأَنَّ زَمَانَ الْبَيْعِ أَوْسَعُ مِنْ زَمَانِ الطَّلَاقِ ، لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى بَذْلِ الْبَائِعِ وَقَبُولٍ مِنَ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا ضَاقَ عَنِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْبَيْعِ وُجِدَ الشَّرْطُ ، وَهُوَ لَا يَضِيقُ عَنِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَقَعُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ ، وَلَوْ قَالَ : إِنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ، فَأَعْتَقَهُ طُلِّقَتْ لِفَوَاتِ بَيْعِهِ بِالْعِتْقِ ، وَفِي زَمَانِ طَلَاقِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : عَقِيبَ عِتْقِهِ . وَالثَّانِي : فِي آخِرِ الْيَوْمِ إِذَا ضَاقَ عَنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ، لَوْ كَانَ بَيْعُهُ مُمْكِنًا وَلَكِنْ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِفَوَاتِ بَيْعِهِ ، لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ الْمُكَاتِبُ كِتَابَتَهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ : وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ لَا أُطَلِّقُكِ فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ طُلِّقَتْ بِالْحِنْثِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ ، طُلِّقَتْ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ وَقْتٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ دَارَ زَيْدٍ ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، وَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ مُضِيُّ الْيَوْمِ ، قَالَ : لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ دُونَ الْيَوْمِ الْمُقَدَّرِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ [ الْأَنْفَالِ : ] . يُرِيدُ بِهِ الْوَقْتَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ نَهَارَ الْيَوْمِ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ إِنْ صَحَّ فِي قَوْلِهِ : لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، صَحَّ فِي

قَوْلِهِ : يَوْمَ لَا أُطَلِّقُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَيْسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَعْنًى يَصِحُّ فَإِنْ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ فِي دُخُولِ الدَّارِ ، عِبَارَةً عَنِ الْوَقْتِ جَعَلَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِبَارَةً عَنِ الْوَقْتِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَجْعَلْ فِي الْآخَرِ ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ : لَيْلَةٌ لَا أَدْخُلُ فِيهَا دَارَ زَيْدٍ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِمُضِيِّ اللَّيْلَةِ لَا بِدُخُولِ دَارِهِ فِيهَا . وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلَةِ وَالْيَوْمِ ، أَنَّ الْعُرْفَ مُسْتَعْمَلٌ بِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْيَوْمِ وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللَّيْلَةِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى حِينٍ أَوْ إِلَى زَمَانٍ ، طُلِّقَتْ إِذَا سَكَتَ ، لِأَنَّهُ حِينٌ وَزَمَانٌ وَوَقْتٌ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا تُطَلَّقُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَهِيَ لَاحِقَةٌ بِهَا فِي غَدٍ ، فَتُطَلَّقُ فِي يَوْمِهِ وَاحِدَةً لَا غَيْرَ وَهِيَ لَاحِقَةٌ بِهَا فِي غَدٍ . وَالثَّانِيَةُ : أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا تُطَلَّقُ فِي يَوْمِهِ وَاحِدَةً وَفِي غَدِهِ أُخْرَى فَتُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ وَاحِدَةً فِي الْيَوْمِ وَأُخْرَى فِي غَدٍ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يُرِيدَ تَبْعِيضَ الطَّلَاقِ ، الطَّلْقَةُ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ ، فَيُنْظَرُ إِنْ أَرَادَ تَبْعِيضَ طَلْقَتَيْنِ كَأَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ طَلْقَةٍ فِي يَوْمِهِ ، وَبَعْضَ أُخْرَى فِي غَدِهِ ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي يَوْمِهِ وَغَدِهِ تَكْمِيلًا لِلْبَعْضِ الْوَاقِعِ فِيهِ . وَإِنْ أَرَادَ تَبْعِيضَ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَقَعُ الْيَوْمَ طَلْقَةٌ تَكْمِيلًا لِلطَّلْقَةِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ فَهَلْ يُطَلِّقُ فِي غَدِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ : أَحَدُهُمَا : لَا تُطَلَّقُ ، لِأَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي غَدِهِ ، قَدْ تُعُجِّلَ فِي يَوْمِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : تُطَلَّقُ ، لِأَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي فِي يَوْمٍ يَكْمُلُ بِالشَّرْعِ ، لَا بِتَقْدِيمِ مَا أَخَّرَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الَّذِي فِي غَدِهِ وَاقِعًا بِالْإِرَادَةِ تَكْمِيلًا بِالشَّرْعِ . وَالرَّابِعَةُ : أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِرَادَةٌ فَتُطَلَّقَ فِي يَوْمِهِ وَاحِدَةً ، وَلَا تُطَلَّقَ فِي غَدِهِ حَمْلًا عَلَى الْحَالِ الْأُولَى ، لِأَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تُطَلَّقَ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِذَا جَاءَ غَدٌ ، فَجَاءَ غَدٌ لَمْ تُطَلَّقْ فِي الْيَوْمِ وَلَا فِي غَدٍ ، لِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهَا فِي الْيَوْمِ تَقْدِيمٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَوُقُوعَهُ فِي الْغَدِ إِيقَاعٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِذَا جَاءَ غَدٌ ، كَقَوْلِهِ : إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ ، فَإِنْ أَرَادَ كَوْنَهَا بِمَكَّةَ دُونَهُ ، رُوعِيَ ذَلِكَ وَطُلِّقَتْ إِنْ حَصَلَتْ بِمَكَّةَ ، وَلَمْ تُطَلَّقْ إِنْ لَمْ تَحْصُلْ بِهَا ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِنْ أَرَادَ كَوْنَهُ بِمَكَّةَ دُونَهَا رُوعِيَ ذَلِكَ ، فَإِذَا حَصَلَ الزَّوْجُ بِمَكَّةَ طُلِّقَتْ ،

وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا لَمْ تُطَلَّقْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ تَكُنْ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ رُوعِيَ حُصُولُهَا بِمَكَّةَ دُونَهُ ، لِأَنَّهُ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنَ الْكَلَامِ ، فَإِذَا حَصَلَتْ بِمَكَّةَ طُلِّقَتْ ، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ . وَقَالَ الْبُوَيْطِيُّ : تُطَلَّقُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمَكَّةَ ، لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بِغَيْرِ مَكَّةَ تَكُونُ مُطَلَّقَةً بِمَكَّةَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَنْفَصْل فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ . وَيُعَبَّرُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ قَبْلَ مَجِيءِ غَدٍ ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْيَوْمِ مُطَلَّقَةً فِي غَدٍ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً ، نُظِرَ فَإِنْ قَالَ : مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً بِالنَّصْبِ كَانَ الْمَرَضُ وَالصَّلَاةُ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَلَا تُطَلَّقُ قَبْلَهُ ، وَإِنْ قَالَ : مَرِيضَةٌ أَوْ مُصَلِّيَةٌ بِالرَّفْعِ كَانَ جَزَاءً ، فَتُطَلَّقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً وَلَا مُصَلِّيَةً ، فَإِنْ أَدْغَمَ اللَّفْظَ وَأَلْغَى الْإِعْرَابَ فَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ نَصْبَ الشَّرْطِ ، وَلَا رَفْعَ الْخَبَرِ سُئِلَ عَنْ مُرَادِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ حُمِلَ عَلَى الْخَبَرِ دُونَ الشَّرْطِ ، وَكَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالْقَصْدِ فَإِنْ أَعْرَبَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْرَابِ وَلَا عَرَفَ مَعْنَى الْمُعْرَبِ بِالنَّصْبِ وَلَا بِالرَّفْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ كَالْعَارِفِ بِالْإِعْرَابِ ، وَالْقَاصِدِ لَهُ اعْتِبَارًا لَهُ بِحُكْمِ اللَّفْظِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُلْغَى حُكْمُ الْإِعْرَابِ ، وَيُوقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لَهَا : إِنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَتْ لَهُ : إِنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ انْحَلَّتْ يَمِينُ الزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ قَدْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا لَهَا بِالْكَلَامِ ، وَكَانَتْ يَمِينُهَا بِالْعِتْقِ بَاقِيَةً ، فَإِنْ بَدَأَهَا الزَّوْجُ بِالْكَلَامِ انْحَلَّتْ يَمِينُهَا ، وَإِنْ بَدَأَتْهُ بِالْكَلَامِ حَنِثَتْ بِالْعِتْقِ وَلَوْ قَالَ لَهَا : إِنْ كَلَّمْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَتْ لَهُ : إِنْ كَلَّمْتَنِي فَعَبْدِي حُرٌّ ، طُلِّقَتْ ، لِأَنَّهَا قَدْ كَلَّمَتْهُ وَلَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهَا أَنْ يُكَلِّمَهَا .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لَهَا : إِنْ أَمَرْتُكِ بِأَمْرٍ فَخَالَفْتِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، لَا تُكَلِّمِي أَبَاكِ وَلَا أَخَاكِ ، فَكَلَّمَتْهُمَا لَمْ تُطَلَّقْ ، لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ وَلَمْ تُخَالِفْ أَمْرَهُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إِنْ نَهَيْتِنِي عَنْ مَنْفَعَةٍ أَنْوِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَكَانَ لَهَا فِي يَدِهِ مَالٌ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهَا لِيَنْفَعَهُمَا ، فَقَالَتْ : لَا تُعْطِيهِمَا مِنْ مَالِي شَيْئًا لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَعَهُمَا بِمَالِهَا ، إِذْ لَيْسَ يَجُوزُ لَهُمَا الِانْتِفَاعُ بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ مَنْفَعَتِهِمَا .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ ضَرَبْتُ زَيْدًا ، فَضَرَبَهُ مَيِّتًا لَمْ تُطَلَّقْ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ حُكْمُ ضَرْبِهِ بِالْمَوْتِ كَمَا سَقَطَ حُكْمُ كَلَامِهِ بِالْمَوْتِ ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ جُنُونِهِ أَوْ

إِغْمَائِهِ أَوْ سُكْرِهِ . طُلِّقَتْ سَوَاءٌ أَحَسَّ بِالضَّرْبِ أَوْ لَمْ يُحِسَّ ، لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرْبِ لَا يَسْقُطُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ ، وَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى ثَوْبِهِ فَأَحَسَّ بِالضَّرْبِ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ ، طُلِّقَتْ سَوَاءٌ آلَمَهُ أَوْ لَمْ يُؤْلِمْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُحِسَّ بِهِ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ لِكَثْرَتِهَا وَكَثَافَتِهَا لَمْ تُطَلَّقْ ، لِأَنَّهُ ضَرْبُ حَائِلٍ دُونَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَرَبَ حَائِطًا هُوَ مِنْ وَرَائِهِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كُنْتُ أَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَهَذِهِ الْيَمِينُ تَقْتَضِي نَفْيَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ ، وَتَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْمِائَةِ أَوْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا تَقْتَضِيهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْيِ الزِّيَادَةِ . وَالثَّانِي : تَقْتَضِيهِ لِتَتْمِيمِهَا لِلْمِائَةِ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ مَالِكًا لِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا بَرَّ وَلَمْ تُطَلَّقْ ، وَإِنْ مَلَكَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ بِقِيرَاطٍ طُلِّقَتْ ، وَإِنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ بِقِيرَاطٍ فَفِي طَلَاقِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : تُطَلَّقُ . وَالثَّانِي : لَا تُطَلَّقُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : أَيُّ نِسَائِي بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَبَشَّرَتْهُ إِحْدَاهُنَّ بِقُدُومِهِ فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فِي الْبُشْرَى طُلِّقَتْ وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً لَمْ تُطَلَّقْ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبُشْرَى مَا تَمَّ السُّرُورُ بِهَا وَالْبُشْرَى الْكَاذِبَةُ لَا يَتِمُّ السُّرُورُ بِهَا . فَلَمْ تَكُنْ بُشْرَى ، وَلَوْ بَشَّرَتْهُ ثَانِيَةً بَعْدَ الْأُولَى ، فَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى صَادِقَةً طُلِّقَتِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى كَاذِبَةً وَالثَّانِيَةُ صَادِقَةً ، طُلِّقَتِ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى ، وَلَوْ بَشَّرَتَاهُ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا صَادِقَتَانِ طُلِّقَتَا . وَلَوْ قَالَ : أَيَّتُكُنَّ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَأَخْبَرَتْهُ إِحْدَاهُنَّ بِقُدُومِهِ طُلِّقَتْ صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْبُشْرَى ، أَنَّ الْبُشْرَى مَا سَرَّتْ ، وَهِيَ لَا تَسُرُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صِدْقًا ، وَالْخَبَرَ ذِكْرُ الشَّيْءِ وَقَدْ ذَكَرَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِدْقًا ، هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي اعْتِبَارِ الصِّدْقِ أَصَحُّ ، فَإِنْ أَخْبَرَتْهُ ثَانِيَةً بِقُدُومِ زَيْدٍ طُلِّقَتْ أَيْضًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَتْهُ جَمِيعًا بِقُدُومِهِ ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ بِخِلَافِ الْبِشَارَةِ ، لِأَنَّ الْبُشْرَى تَكُونُ بِالْأَسْبَقِ وَالْخَبَرَ يَصِحُّ مِنَ الْجَمِيعِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا حَتَّى يَقَدَمَ عَمْرٌو ، فَإِنْ جَعْلَ الْغَايَةَ فِي قُدُومِ عَمْرٍو حَدًّا لِلشَّرْطِ صَحَّ ، فَإِنْ كَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو طُلِّقَتْ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ بَعْدَ قُدُومِ عَمْرٍو لَمْ تُطَلَّقْ لِخُرُوجِ الشَّرْطِ عَنْ حَدِّهِ ، وَإِنْ جَعْلَ الْغَايَةَ فِي قُدُومِ عَمْرٍو حَدًّا لِلطَّلَاقِ لَمْ يَصِحَّ ، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يُمْنَعُ مِنْ تَحْدِيدِهِ إِلَى غَايَةٍ . فَإِذَا كَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو أَوْ بَعْدَهُ طُلِّقَتْ عَلَى الْأَبَدِ .



فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لَهَا : يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا تُطَلَّقُ ، وَلَا يَرْجِعُ قَوْلُهُ يَا زَانِيَةُ ، وَيَكُونُ قَاذِفًا ، لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلٍ لَا يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ يَا زَانِيَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَهَكَذَا لَوْ قَلَبَ الْكَلَامَ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ رَجَعَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الطَّلَاقِ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ فَلَا تُطَلَّقُ ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَذْفِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ يَكُونُ قَاذِفًا ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ مُطَلِّقًا وَلَا قَاذِفًا ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ إِلَى الْأَبْعَدِ دُونَ الْأَقْرَبِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ ، بِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُشْتَقَّةَ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ لَا يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا طَالِقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، رَجَعَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ يَا طَالِقُ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ صِفَةٍ وَطُلِّقَتْ بِهِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَجَعَ إِلَيْهِمَا فَلَا تُطَلَّقُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ ، فَقَالَ : إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنْ أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ طُلِّقَتْ ، وَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَلَمْ تُطَلَّقْ زَوْجَتُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ ، وَلَوْ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ وَفِي الْبَلَدِ جَمَاعَةُ زَيَانِبَ يُشَارِكْنَهَا فِي الِاسْمِ ، فَقَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ وَقَالَ : أَرَدْتُ غَيْرَ زَوْجَتِي مِنَ الزَّيَانِبِ . قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَطُلِّقَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَكَانَ مَدِينًا فِي الْبَاطِنِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ أَقْوَى حُكْمًا مِنَ الْكِنَايَةِ فَاخْتَصَّ الِاسْمُ لِقُوَّتِهِ بِالزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَلَمْ تَخْتَصَّ الْكِنَايَةُ لِضَعْفِهَا بِالزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ . وَلَوْ قَالَ وَزَوْجَتُهُ ابْنَةُ زَيْدٍ وَلِزَيْدٍ بِنْتٌ أُخْرَى ، فَقَالَ : بِنْتُ زَيْدٍ طَالِقٌ ، وَقَالَ : أَرَدْتُ أُخْتَهَا دُونَهَا فَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا وَلَمْ يَكُنِ اسْمًا ، فَهُوَ بِالِاسْمِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْكِنَايَةِ ، فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَيُدَانُ فِي الْبَاطِنِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا رَأَى امْرَأَةً فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ عَمْرَةَ فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَشَارَ ( بِالطَّلَاقِ إِلَيْهَا ، وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ زَوْجَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ ) لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ ، لِأَنَّ زَوْجَتَهُ لَمْ يُسَمِّهَا ، وَلَا أَشَارَ بِالطَّلَاقِ إِلَيْهَا وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ ، وَلَوْ سَمَّى فَقَالَ : يَا عَمْرَةُ وَأَشَارَ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ عَمْرَةُ فِي الظَّاهِرِ ، لِأَجْلِ التَّسْمِيَةِ وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مَدِينًا لِأَجْلِ الْإِشَارَةِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ ، فَنَادَى حَفْصَةَ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ ، فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ فِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَعْلَمَ حِينَ نَادَى حَفْصَةَ أَنَّ الَّتِي أَجَابَتْهُ عَمْرَةُ وَيُرِيدُ بِالطَّلَاقِ حَفْصَةَ

دُونَ عَمْرَةَ ، فَتُطَلَّقُ حَفْصَةُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، لِتَسْمِيَتِهَا وَإِرَادَتِهِ وَتُطَلَّقُ عَمْرَةُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ لِإِشَارَتِهِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَعْلَمَ حِينَ نَادَى حَفْصَةَ أَنَّ الَّتِي أَجَابَتْهُ عَمْرَةُ ، وَيُرِيدُ عَمْرَةَ بِالطَّلَاقِ دُونَ حَفْصَةَ فَتُطَلَّقُ عَمْرَةُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، لِإِشَارَتِهِ مَعَ إِرَادَتِهِ ، وَتُطَلَّقُ حَفْصَةُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ لِتَسْمِيَتِهِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ لَا يَعْلَمَ حِينَ نَادَى حَفْصَةَ أَنَّ الَّتِي أَجَابَتْهُ عَمْرَةُ ، وَيُرِيدُ بِالطَّلَاقِ حَفْصَةَ دُونَ عَمْرَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا ، طَلَّقَ حَفْصَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِتَسْمِيَتِهَا وَإِرَادَتِهِ ، وَلَا تُطَلَّقُ عَمْرَةُ ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَعَنْ إِرَادَتِهِ ، كَانَتِ التَّسْمِيَةُ مَعَ الْإِرَادَةِ أَقْوَى مِنْهَا وَسَقَطَ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْإِرَادَةِ حُكْمُهَا . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ لَا يَعْلَمَ حِينَ نَادَى حَفْصَةَ أَنَّ الَّتِي أَجَابَتْهُ عَمْرَةُ وَيُرِيدُ بِالطَّلَاقِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا يَظُنُّهَا حَفْصَةَ ، طُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ ، أَمَّا حَفْصَةُ فَطُلِّقَتْ فِي الظَّاهِرِ لِلتَّسْمِيَةِ مَعَ ظَنِّهِ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهَا وَهِيَ حَفْصَةُ ، وَلَمْ تُطَلَّقْ فِي الْبَاطِنِ لِإِرَادَتِهِ عَمْرَةَ بِالْإِشَارَةِ ، وَأَمَّا عَمْرَةُ فَطُلِّقَتْ بِإِشَارَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ، وَلَمْ تُطَلَّقْ فِي الْبَاطِنِ لِنِدَائِهِ حَفْصَةَ وَظَنِّهِ أَنَّهَا حَفْصَةُ . وَالْحَالُ الْخَامِسَةُ : أَنْ لَا يُنَادِيَ حَفْصَةَ وَيُشِيرُ بِالطَّلَاقِ إِلَى عَمْرَةَ يُرِيدُهَا بِالطَّلَاقِ ، وَيَظُنُّهَا حَفْصَةَ ، طُلِّقَتْ عَمْرَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، لِأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ عَنْ تَسْمِيَةِ غَيْرِهَا فَلِذَلِكَ وَقَعَ طَلَاقُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَمْ تُطَلَّقْ حَفْصَةُ فِي الظَّاهِرِ وَلَا فِي الْبَاطِنِ ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسَمَّاةٍ وَلَا مُشَارٍ إِلَيْهَا ، وَالظَّنُّ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ تَسْمِيَةٍ وَإِشَارَةٍ ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ وَلَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ ، يَا حَفْصَةُ ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ عَمْرَةُ ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُرِيدَ لَا بَلْ عَمْرَةُ طَالِقٌ بِدُخُولِ حَفْصَةَ فَإِذَا دَخَلَتْ حَفْصَةُ الدَّارَ ، طُلِّقَتْ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ حَفْصَةُ طَالِقٌ لَا بَلْ عَمْرَةُ طُلِّقَتَا مَعًا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُرِيدَ لَا بَلْ إِنْ دَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتُطَلَّقُ حَفْصَةُ وَحْدَهَا بِدُخُولِهَا الدَّارَ وَتُطَلَّقُ عَمْرَةُ أَيْضًا بِدُخُولِ الدَّارِ . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ إِرَادَةٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ إِطْلَاقَ ذَلِكَ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى الْحَالِ الْأُولَى فَيَكُونُ دُخُولُ حَفْصَةَ الدَّارَ مَوْقِعًا لِطَلَاقِهَا وَطَلَاقِ عَمْرَةَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَقْتَضِيَ حَمْلَهُ عَلَى الْحَالِ الثَّانِيَةِ ، فَيَكُونَ دُخُولُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُوقِعًا لِطَلَاقِهَا وَلَا تُطَلَّقُ عَمْرَةُ بِدُخُولِ حَفْصَةَ .



فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَمْسَكَ عَلَى فَمِهِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا نُظِرَ ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَمَنَعَ مِنْ إِظْهَارِ الثَّلَاثِ ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهَا بِاللَّفْظِ وَقَعَتْ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهَا ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ فَمَنَعَ مِنْهَا طُلِّقَتْ وَاحِدَةً بِاللَّفْظِ ، وَلَمْ تُطَلَّقْ ثَلَاثًا ، لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْهَا مَعَ إِرَادَةِ التَّلَفُّظِ بِهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَمَنَعَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ لَمْ يَقَعْ ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا ، كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الثَّلَاثَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَمَاتَتْ قَبْلَ التَّصْرِيحِ بِهِ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الثَّلَاثَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُصَرِّحَ بِهَا لَمْ تُطَلَّقْ ثَلَاثًا .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ تَحْبَلِي أَوْ مَا لَمْ تَحِيضِي طُلِّقَتْ إِذَا لَمْ تَحْبَلْ فِي الْحَالِ أَوْ تَحِضْ ، فَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى أَوْ حَائِضًا طُلِّقَتْ ، لِأَنَّهَا عَلَى حَبَلٍ وَحَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَبَلَهَا وَوَضَعَتْ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طُلِّقَتْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَحَبَلٍ مُبْتَدَأٍ ، وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ حِينَ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لَهَا طُلِّقَتْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَبَلٍ اقْتَرَنَ بِلَفْظٍ ، لِأَنَّهُ مِنْ إِحْدَاثِ مُبَاشِرَةٍ بَعْدَ اللَّفْظِ ، وَإِنْ كَانَ حِينَ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ مُبَاشِرًا لَهَا ، فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَقَعُ ، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عُمُومٌ إِلَّا بِشَرْطٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ، لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لَهَا : إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ عَجَّلْتُهَا أَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ الطَّلْقَةَ السَّاعَةَ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ تَتَعَجَّلُ قَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ تَتَعَجَّلْ وَلَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِمَجِيءِ الشَّهْرِ ، وَلَا تُطَلَّقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الشُّرُوطِ بَعْدَ عَقْدِهَا لَا يَجُوزُ . وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَعْجِيلَ طَلَاقِهَا فِي الْحَالِ بَدَلًا مِنَ الطَّلَاقِ الْمُؤَجَّلِ بَدَأَ مِنَ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ الطَّلْقَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَلَمْ تَكُنْ بَدَلًا مِنَ الطَّلْقَةِ الْمُؤَجَّلَةِ ، فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ بِالشَّرْطِ أُخْرَى ، لِأَنَّ إِبْطَالَ مَا قُيِّدَ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ ، أَلَّا تَرَاهُ لَوْ قَالَ : إِذَا كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَبْطَلْتُ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَبْطُلْ وَطُلِّقَتْ فِي كَلِمَتِهِ ، فَلَوْ قَالَ : إِذَا كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَبْطَلْتُ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَبْطُلْ وَطُلِّقَتْ فِي كَلِمَتِهِ ، فَلَوْ قَالَ : إِذَا كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : لَا بَلْ إِذَا كَلَّمْتِ عَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ بِكَلَامِ زَيْدٍ وَاحِدَةً ، وَطُلِّقَتْ بِكَلَامِ عَمْرٍو ثَانِيَةً ، لِأَنَّهُ رَاجِعٌ عَنِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي فَلَزِمَهُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ ، وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنِ الْأَوَّلِ .

فَصْلٌ : وَقَدْ تُحْمَلُ الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْعُرْفِ ، كَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى .

فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى غَرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ لَيَجُرَّنَّهُ عَلَى الشَّوْكِ ، فَإِذَا مَطَلَهُ مَطْلًا بَعْدَ مَطْلٍ بَرَّ فِي يَمِينِهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ لَيَضْرِبَنَّهَا حَتَّى تَمُوتَ فَضَرَبَهَا ضَرْبًا مُؤْلِمًا وَجِيعًا بَرَّ فِي يَمِينِهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ ، إِذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ ، فَإِنْ أَرَادَهُ حُمِلَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا نَظِيرُ ذَلِكَ وَأَشْبَاهُهُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتُكِ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، طُلِّقَتْ بِالْيَمِينِ الْأُولَى ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُكَلِّمًا لَهَا بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ ، وَسَوَاءٌ جَاءَ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ مُتَّصِلَةً بِالْيَمِينِ الْأُولَى أَوْ مُنْفَصْلةً عَنْهَا ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتُكِ ، ثُمَّ أَعَادَهَا وَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتُكِ طُلِّقَتْ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُكَلِّمًا لَهَا بِإِعَادَتِهَا . وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْتُكِ فَاعْلَمِي ذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ : فَاعْلَمِي ذَلِكَ مُنْفَصْلا عَنْ يَمِينِهِ حَنِثَ ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُكَلِّمًا لَهَا ، وَإِنْ قَالَهُ مُتَّصِلًا فَفِي حِنْثِهِ بِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَحْنَثُ ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَهَا بَعْدَ يَمِينِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَحْنَثُ ، لِأَنَّهُ مِنْ حَالَاتِ يَمِينِهِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ لَهَا وَهُوَ يَأْكُلُ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْإِحْصَاءُ وَالْعَدَدُ مِثْلَ النَّبْقِ وَالرُّطَبِ ، وَمَا يُلْقَى نَوَاهُ فِي نَهْرٍ أَوْ نَارٍ ، أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ مَا أَكَلْتُ ، فَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحِنْثِ أَنْ تَبْتَدِئَ بِالْعَدَدِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ أَقَلَّ مِنْهُ وَتَنْتَهِي إِلَى الْعَدَدِ الَّذِي تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَيَبَرُّ حِينَئِذٍ فِي يَمِينِهِ ، لِأَنَّهَا قَدِ اجْتَهَدَتْ فِي جُمْلَةِ الْأَعْدَادِ الَّتِي ذَكَرَتْهَا بِعَدَدِ مَا أَكَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا . مِثَالُهُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ، وَلَمْ يَزِدْ مَا أَكَلَهُ عَلَى الْمِائَةِ ، فَتَبْتَدِئُ بِالْعَشَرَةِ وَتَنْتَهِي إِلَى الْمِائَةِ ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ عَدَدَ الْمَأْكُولِ فِيهَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ . وَلَوْ قَالَ لَهَا وَقَدْ أَكَلَتْ مَعَهُ رُطَبًا أَوْ نَبْقًا ، وَاخْتَلَطَ نَوَى مَا أَكَلَاهُ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَى مَا أَكَلْتُهُ مِنْ نَوَى مَا أَكْلَتِيهِ فَمَخْرَجُهُ مِنْ يَمِينِهِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ نَوَاةٍ وَبَيْنَ الْأُخْرَى لِتَكُونَ بَعِيدَةً مِنْهَا فَيَبَرَّ وَلَا يَحْنَثَ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ فِي وَسَطِ دَرَجَةٍ فَصَعِدَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَصْعَدَ مَعَهُ ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ آخَرُ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَنْزِلَ مَعَهُ فَصَعِدَ مَعَ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَنْزِلَ مَعَهُ وَنَزَلَ مَعَ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَصْعَدَ مَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ . وَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ فِي وَسَطِ دَرَجَةٍ أَنْ لَا يَصْعَدَ مِنْهَا ، وَأَنْ لَا يَنْزِلَ عَنْهَا وَلَا يَقْعُدَ عَلَيْهَا فَحَمَلَهُ حَامِلٌ فَصَعِدَ بِهِ أَوْ نَزَلَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ .



فَصْلٌ : وَإِذَا اتَّهَمَ زَوْجَتَهُ بِسَرِقَةٍ ، وَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ تَصْدُقِينِي هَلْ سَرَقْتِ أَمْ لَا ؟ فَمَخْرَجُهُ يَقِينًا مِنْ يَمِينِهِ أَنْ تَقُولَ لَهُ سَرَقْتُ ، أَوْ تَقُولَ لَهُ مَا سَرَقْتُ فَيَتَيَقَّنَ أَنَّهَا قَدْ صَدَقَتْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَيَبَرُّ وَلَا يَحْنَثُ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ وَاقِفًا فِي الْمَاءِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ وَلَا يَخْرُجَ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا لَمْ يَحْنَثْ بِمُقَامِهِ وَلَا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ ، لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ فِيهِ بِجَرَيَانِهِ قَدْ مَضَى فَسَقَطَ حُكْمُهُ ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا فَأَقَامَ فِيهِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ حَنِثَ ، وَلَوِ انْتَقَلَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ حَنِثَ ، لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَاءٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَالْجَارِي .

فَصْلٌ : وَإِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ عَلَى شَيْءٍ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ ، تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِالنِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي حَظْرِهِ وَإِبَاحَتِهِ ، فَالنِّيَّةُ فِيهِ نِيَّةُ الْحَالِفِ دُونَ الْمُسْتَحْلِفِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَ فِي حَظْرِهِ وَإِبَاحَتِهِ ، فَإِنَّ النِّيَّةَ فِيهِ نِيَّةُ الْحَالِفِ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا وَالْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا ، كَالْحَالِفِ إِذَا كَانَ شَافِعِيًّا فَحَلَفَ أَنْ لَا شُفْعَةَ عَلَيْهِ لِلْجَارِ أَوْ كَانَ حَنَفِيًّا فَحَلَفَ أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَيْهِ لِلْمُدَبَّرِ ، فَالنِّيَّةُ فِي الْيَمِينِ نِيَّةُ الْحَالِفِ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُسْتَحْلِفِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا كَالشَّافِعِيِّ إِذَا حَلَفَ لَا ثَمَنَ عَلَيْهِ لِلْمُدَبَّرِ ، وَالْحَنَفِيِّ إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا شُفْعَةَ عَلَيْهِ لِلْجَارِ كَانَتِ النِّيَّةُ نِيَّةَ الْحَاكِمِ الْمُسْتَحْلِفِ دُونَ الْحَالِفِ فَكَأَنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَحْدَهُ ، فَأَمَّا إِذَا تَفَرَّدَ الْحَالِفُ بِالْيَمِينِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى نِيَّتِهِ إِذَا كَانَ مَا نَوَاهُ فِيهَا مُحْتَمَلًا . وَإِنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مَاضٍ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ ، وَقَدْ فَعَلَهُ ، وَنَوَى فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ بِالصِّينِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ أَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ ، وَنَوَى فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الصِّينِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ حُمِلَ عَلَى نِيَّتِهِ وَلَمْ يَحْنَثْ ، وَلَوْ حَلَفَ فَقَالَ : كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ وَنَوَى نِسَاءَ قَرَابَتِهِ لَمْ تُطَلَّقْ نِسَاؤُهُ ، وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إِنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَنَوَى أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى بَطْنِهَا ، حُمِلَ عَلَى مَا نَوَى وَلَمْ يَحْنَثْ إِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ : طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ فَقَالَ : نَعَمْ وَأَرَادَ نَعَمَ بَنِي فَلَانٍ كَانَ عَلَى مَا نَوَى فِي الْبَاطِنِ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَاخَذًا بِإِقْرَارِهِ فِي الظَّاهِرِ ، وَإِذَا حَلَفَ مَا كَاتَبْتُ فَلَانًا أَوْ لَا كَلَّمْتُهُ وَلَا رَأَيْتُهُ وَلَا عَرَّفْتُهُ وَلَا أَعْلَمْتُهُ وَنَوَى بِالْمُكَاتَبَةِ عَقْدَ الْمُكَاتَبَةِ وَبُقُولِهِ : مَا رَأَيْتُهُ أَيْ مَا ضَرَبْتُ رِئَتَهُ وَبِقَوْلِهِ مَا كَلَّمْتُهُ أَيْ مَا جَرَحْتُهُ وَبِقَوْلِهِ : مَا عَرَّفْتُهُ أَيْ مَا جَعَلْتُهُ عَرِيفًا ، وَبِقَوْلِهِ مَا أَعْلَمْتُهُ أَيْ مَا قَطَعْتُ شَفَتَهُ الْعُلْيَا ، حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَا نَوَى وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ فَقَالَ : مَا أُخَوِّفُ لَكَ جَمَلًا وَلَا بَقَرَةً وَلَا ثَوْرًا وَلَا عَنْزًا وَنَوَى بِالْجَمَلِ السَّحَابَ ، وَبِالْبَقَرَةِ الْعِيَالَ ، وَبِالثَّوْرِ الْقِطْعَةَ مِنَ الْأَقِطِ ، وَبِالْعَنْزِ الْأَكَمَةَ السَّوْدَاءَ ، حُمِلَ عَلَى مَا نَوَى وَلَمْ يَحْنَثْ ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ : مَا شَرِبْتُ لَكَ مَاءً وَنَوَى الْمَنِيَّ حُمِلَ عَلَيْهِ ، وَصَحَّ مَا نَوَاهُ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَشْبَاهِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنِ الظَّاهِرِ ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا

لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّوَصُّلَ إِلَى مَحْظُورٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ : أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ : ، ] . قِيلَ : إِنَّهُ نَوَى إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ، فَقَدْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا . وَرُوِيَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ حَنْظَلَةَ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ حَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَخُوهُ لِيُخَلِّصَهُ مِنَ الْعَدُّوِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقْتَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

مُخْتَصَرٌ مِنَ الرَّجْعَةِ

مُخْتَصَرٌ مِنَ الرَّجْعَةِ مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كُتَابِ الرَّجْعَةِ مِنَ الطَّلَاقِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَمِنَ الْقَدِيمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَقَالَ تَعَالَى : النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فَدَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامِ عَلَى افْتِرَاقِ الْبُلُوغَيْنِ فَأَحَدُهُمَا مُقَارَبَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ فَلَهُ إِمْسَاكُهَا أَوْ تَرْكُهَا فَتُسَرَّحُ بِالطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا قَارَبَتِ الْبَلَدَ تُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْتُ كَمَا تَقُولُ إِذَا بَلَغَتْهُ وَالْبُلُوغُ الْآخَرُ انْقِضَاءُ الْأَجَلِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْأَصْلُ فِي إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقَ مَا شَاءَ ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ قُبَيْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ لَهَا : لَا أُقَرِّبُكِ وَلَا تَحِلِّينَ مِنِّي ، قَالَتْ لَهُ كَيْفَ ؟ قَالَ : أُطَلِّقُكِ فَإِذَا دَنَا أَجْلُكِ رَاجَعَتُكِ ثُمَّ أُطَلِّقُكِ فَإِذَا دَنَا أَجْلُكِ رَاجَعَتُكِ ، قَالَ : فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ الْآيَةَ ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ . رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ سُمَيْعٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَأَيْنَ الثَّلَاثَةُ ؟ قَالَ : فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ مَرَّتَيْنِ بِقَوْلِهِ : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الْبَقَرَةِ : ] . يَعْنِي الرَّجْعَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . " أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ رَجْعَتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ . " وَالْإِحْسَانُ " . هُوَ تَأْدِيَةُ حَقِّهَا وَكَفُّ أَذَاهَا . وَقَالَ تَعَالَى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [ الْبَقَرَةِ : ] . يَعْنِي بِبُلُوغِ الْأَجَلِ مُقَارَبَتَهُ كَمَا يَقُولُ الْعَرْبُ : بَلَغْتُ بَلَدَ

كَذَا ، إِذَا قَارَبْتُهُ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، أَوْ يُسَرِّحُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ رَجَعَتْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ وَقَالَ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [ الْبَقَرَةِ : ] . يَعْنِي بِرَجْعَتِهِنِّ فِي ذَلِكَ ، يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ إِذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ ، إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا يَعْنِي إِنْ أَرَادَ الْبُعُولَةُ إِصْلَاحَ مَا تَشَعَّثَ مِنَ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ بِمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ . وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ أَرَادَ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ وَالتَّقْوَى ، وَأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ أَرَادَ بِهَا صَلَاحَ دِينِهِ وَتَقْوَى رَبِّهِ ، وَهُوَ قَوْلٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ ، فَدَلَّتِ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الثَّانِيَةِ ، وَإِبْطَالِهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ وَإِبْطَالِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ . وَدَلَّتِ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ رَافِعَةٌ لِتَحْرِيمِ الطَّلَاقِ . فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيِ الثَّلَاثِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهَا وَقَالَ تَعَالَى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [ الطَّلَاقِ : ] . إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [ الطَّلَاقِ : ] . يَعْنِي رَجْعَةً فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ وَاخْتِيَارِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ احْتِرَازًا مِنَ النَّدَمِ فِي الثَّلَاثِ وَأَنَّ وُقُوعَهُ فِي أَقَرَاءِ الْعِدَّةِ أَفْضَلُ . وَيَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ تَطْلِيقَةً فَأَتَاهَا خَالَاهَا قَدَامَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَبَكَتْ وَقَالَتْ : أَمَا وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شِبَعٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَتَجَلْبَبَتْ . فَقَالَ : إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ لِي رَاجِعْ حَفْصَةَ ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ . وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَوْدَةَ : اعْتَدِّي فَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً فَجَلَسَتْ فِي طَرِيقِهِ فَقَالَتْ : إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَمَا رَاجَعْتَنِي وَاجْعَلْ نَصِيبِي مِنْكَ لَكَ تَجْعَلُهُ لِأَيِّ أَزْوَاجِكِ شِئْتَ ، إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرَاجَعَهَا . وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ . وَرُوِيَ أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَحْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ الْبُضْعِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ أثر الرجعة بِغَيْرِ عَقْدِ نِكَاحٍ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ مِنْ حَلَالِهَا وَجَوَازِهَا مَعًا مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ :

أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ دُونَ الثَّلَاثِ ، شروط الرجعة فَإِنْ كَانَ ثَلَاثًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، وَسَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ أَوْ فَرَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَتْ أَوْ بَعْدَهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ الْبَقَرَةِ ] . وَالشَّرْطُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ شروط الرجعة فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا رَجْعَةَ ، لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَالرَّجْعَةُ تُمْلَكُ فِي الْعِدَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [ الْأَحْزَابِ : ] . وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، شروط الرجعة فَإِنْ كَانَ خُلْعًا بَعِوَضٍ ، فَلَا رَجْعَةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ . وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي عِدَّتِهَا ، شروط الرجعة فَإِنِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَلَا رَجْعَةَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [ الطَّلَاقِ : ] . وَالْمُرَادُ بِهِ مُقَارَبَةُ الْأَجَلِ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَجَلِ ، وَإِنْ كَانَ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَ : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضِلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [ الْبَقَرَةِ : ] . يُرِيدُ بِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهِنَّ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَجَازًا أَنْ يُقَارِبَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ كَالَّذِي قَالَهُ هَاهُنَا ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، فَدَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامَيْنِ عَلَى افْتِرَاقِ الْبُلُوغَيْنِ . فَإِنْ قِيلَ . فَلِمَ خَصَّ الرَّجْعَةَ بِمُقَارَبَةِ الْأَجَلِ وَعِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؟ وَهِيَ تَجُوزُ فِي أَوَّلِ الْعِدَّةِ ، كَمَا تَجُوزُ فِي آخِرِهَا . وَهِيَ فِي أَوَّلِهَا أَوْلَى . قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا جَازَتْ فِي آخِرِ الْعِدَّةِ كَانَتْ بِالْجَوَازِ فِي أَوَّلِهَا أَوْلَى . وَالثَّانِي : لِيَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ الرَّجْعَةِ فِي حَالَةِ الْإِضْرَارِ بِهَا ، الزوجة وَهُوَ أَنْ تَنْتَظِرَ بِهَا آخِرَ الْعِدَّةِ ، ثُمَّ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الرَّجْعَةُ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [ الْبَقَرَةِ : ] . ثُمَّ قَدْ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَعَ قَصْدِ الْإِضْرَارِ فَكَانَ صِحَّتُهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْإِضْرَارَ أَوْلَى فَإِذَا صَحَّتِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ، وَأَوْجَبُهَا مِلْكًا فِي طَلَاقِ الْبِدْعَةِ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلِلْعَبْدِ مِنَ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ مَا لِلْحُرِّ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَةٌ أَوْ أَمَةٌ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالْحُرُّ يَمْلِكُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَيُرَاجِعُ بَعْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، وَلَا يُرَاجِعُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ ، وَالْعَبْدُ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ فَيُرَاجِعُ بَعْدَ الْأُولَى وَلَا يُرَاجِعُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَوْفِي بِالثَّانِيَةِ عَدَدَ طَلَاقِهِ كَمَا يَسْتَوْفِيهِ الْحُرُّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَإِذَا افْتَرَقَا حُكْمُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَاسْتِحْقَاقِ الرَّجْعَةِ فِيهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهِ لَا بِحَالِ الزَّوْجَةِ فَيَتَمَلَّكُ الْحُرُّ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَيَمْلِكُ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَائِشَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالثَّوْرِيُّ : الطَّلَاقُ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ ، فَالْحُرَّةُ تُمَلِّكُ زَوْجَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ، وَالْأَمَةُ تُمَلِّكُ زَوْجَهَا طَلْقَتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ، وَحَكَوْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرَّةُ لِقَوْلِهِ : وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَفْتَدِي نَفْسَهَا بِمَا شَاءَتْ ، وَقَدْ جُعِلَ طَلَاقُهَا ثَلَاثَةً وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِمَا وَبِرِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ فَجَعَلَ طَلَاقَهَا مُعْتَبَرًا بِهَا كَالْعِدَّةِ . وَلِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا لِلنِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ مُعْتَبَرًا بِالْمُوقَعِ عَلَيْهِ كَالْحُدُودِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ لِقَوْلِهِ مِنْ بَعْدُ : وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَذَلِكَ خِطَابٌ لِلْحُرِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ قَدْ خَالَعَتْ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ مِنْهُمَا . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْنَى وَهُوَ عِلَّةُ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ذُو عَدَدٍ مَحْصُورٍ لِلزَّوْجِ إِزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهُ بِعِوَضٍ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ بِالزَّوْجِ . أَصْلُهُ عَدَدُ الْمَنْكُوحَاتِ فَإِنَّ الْحُرَّ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَالْعَبْدَ اثْنَتَيْنِ .

وَقَوْلُهُ : ذُو عَدَدٍ مَحْصُورٍ احْتِرَازًا مِنَ الْقَسْمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ . وَقَوْلُهُ لِلزَّوْجِ إِزَالَةُ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ احْتِرَازًا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْمَقْذُوفَةِ وَتَحْرِيرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا مَلَكَهُ الزَّوْجُ بِنِكَاحِهِ إِذَا اخْتَلَفَ عَدَدُهُ بَعْدَ حَصْرِهِ كَانَ مُعْتَبَرًا بِالزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ ، أَصْلُهُ عَدَدُ الْمَنْكُوحَاتِ وَعِلَّةٌ أُخْرَى أَنَّهُ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِالزَّوْجِ كَالْجُنُونِ وَالصِّغَرِ وَعِلَّةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّ مَا اخْتَصَّ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ كَانَ مُعْتَبَرًا بِمَنْ يُبَاشِرُهُ كَالْعِدَّةِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّوْجِ إِذَا كَانَ عَبْدًا : لِأَنَّهُ هُوَ زَوْجُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْحُرُّ إِنَّمَا يَنْكِحُهَا لِضَرُورَةٍ وَشَرْطٍ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْعِدَّةِ فَهُوَ مَا جَعَلْنَاهَا بِهِ أَصْلًا فِي وُجُوبِ اخْتِصَاصِهَا بِالْمُبَاشِرِ لَهَا . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحُدُودِ فَهُوَ أَنَّهَا تَجِبُ عُقُوبَةً فَاخْتَصَّتْ بِالْفَاعِلِ لِسَبَبِهَا ، وَالطَّلَاقُ مِلْكٌ فَاعْتُبِرَ بِهِ حَالُ مَالِكِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِالزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ ، فَإِنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، وَأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، فَالْحُرُّ يَمْلِكُ رَجْعَتَيْنِ ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ ، وَالْعَبْدُ يَمْلِكُ رَجْعَةً وَاحِدَةً ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ ، العبد وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، لِأَنَّهَا إِصْلَاحٌ ثَانٍ فِي الْعَقْدِ وَرَفْعُ تَحْرِيمٍ طَرَأَ عَلَيْهِ .

مَسْأَلَةٌ الْقَوْلُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ قَوْلُهَا

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَالْقَوْلُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ قَوْلُهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُنَّ فِي ذَلِكَ أُمَنَاءَ وَحَظَرَ عَلَيْهِنَّ كَتْمَهُ ، وَقَرَنَهُ بِوَعِيدِهِ قَالَ تَعَالَى : وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [ الْبَقَرَةِ : ] . قِيلَ : مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ ، فَدَلَّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِنَّ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الشَّهَادَةِ : وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [ الْبَقَرَةِ : ] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشُّهُودِ مَقْبُولٌ ، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُفْتِي : مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يُحْسِنُهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ . فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ .

وَالثَّانِي : بِوَضْعِ الْحَمْلِ . وَالثَّالِثُ : بِالشُّهُودِ . فَإِنِ اعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ، اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُطَلَّقَ فِي آخِرِ طُهْرِهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ لَحْظَةٌ ، فَتَكُونُ تِلْكَ اللَّحْظَةُ قُرْءًا مُعْتَبَرًا بِهِ . ثُمَّ تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَدْ حَصَلَ لَهَا بِهِ قُرْءٌ ثَالِثٌ ، فَإِذَا طَعَنَتْ فِي أَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ بِدُخُولِ لَحْظَةٍ مِنْهَا ، فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ الطُّهْرِينَ وَهُمَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَبَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَهُمَا يَوْمَانِ وَثُلُثَانِ وَبَيْنَ اللَّحْظَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، صَارَ جَمِيعُ ذَلِكَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّ اللَّحْظَةَ الْأُولَى مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ وَاللَّحْظَةَ الْأَخِيرَةَ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فَصَارَتْ وَاجِبَةً فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهَا ، فَهَذَا أَقَلُّ زَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ تَنْقَضِيَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُقْبَلُ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِأَكْمَلِ الْحَيْضِ ، وَهُوَ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَأَنَّ الْأَقْرَاءَ عِنْدَهُ الْحَيْضُ فَتَمْضِي عَشَرَةُ أَيَّامٍ حَيْضًا ثُمَّ خَمْسُونَ يَوْمًا حَيْضَتَانِ وَطُهْرَانِ . وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ : أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ يَوْمًا ، لِأَنَّهُ اعْتُبِرَ فِي أَوَّلِهِ طُهْرًا كَامِلًا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ الْحَيْضِ ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَبِأَقَلِّ الطُّهْرِ ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا : وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَحَدِهِمَا وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْآخَرِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُو حَالُهَا إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ مِنْ أَنْ تَذْكُرَ عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ لَا تَذْكُرَ فَإِنْ ذَكَرَتْ عَادَتَهَا فِيهِمَا ، وَأَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَطُهْرَهَا عِشْرُونَ يَوْمًا سُئِلَتْ عَنْ طَلَاقِهَا هَلْ هُوَ صَادَفَ حَيْضَهَا أَوْ طُهْرَهَا فَإِنْ ذَكَرَتْ مُصَادَفَتَهُ لِأَحَدِهِمَا ، سُئِلَتْ عَنْهُ هَلْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ ، فَإِذَا ذَكَرَتْ أَحَدَهُمَا عُمِلَ عَلَيْهِ ، وَتُظْهِرُ مَا يُوجِبُهُ حِسَابُ الْعَادَتَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مَا ذَكَرَتْ لَهُ مِنْ حَيْضٍ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَوْ طُهْرٍ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ ، فَإِنْ وَافَقَ مَا ذَكَرَتْهُ مِنَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِمَا أَوْجَبَهُ الْحِسَابُ مِنْ عَادَتِيِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ كَانَ مَا ذَكَرَتْهُ مَقْبُولًا بِغَيْرِ يَمِينٍ إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَهَا الزَّوْجُ فِي قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَتَدَّعِيَ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَتْهُ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَيَكُونَ لَهُ إِحْلَافُهَا ، لِأَنَّ قَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَقْبُولًا فِيهِمَا فَلَسْنَا عَلَى قَطْعٍ بِصِحَّتِهِ ، وَمَا قَالَهُ الزَّوْجُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا مُمْكِنَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ إِحْلَافُهَا ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَا ذَكَرَتْهُ مِنَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَا أَوْجَبَهُ حِسَابُ الْعَادَتَيْنِ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، لِأَنَّ إِقْرَارَهَا بِالْعَادَةِ قَدْ أَكْذَبَ دَعْوَاهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ سُئِلَتْ عَنْ طَلَاقِهَا

هَلْ كَانَ فِي الْحَيْضِ أَوِ الطُّهْرِ ، فَإِنْ قَالَتْ : كَانَ فِي الطُّهْرِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ ، إِنْ كَانَتْ حُرَّةً عَلَى مَا بَيَّنَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ . لِأَنَّ عِدَّتَهَا قُرْءَانِ ، فَكَأَنَّهَا طُلِّقَتْ فِي آخِرِ طُهْرِهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ لَحْظَةٌ فَتَكُونُ بَاقِيَةً قُرْءًا ثَالِثًا فَإِذَا دَخَلَتْ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إِلَّا أَنَّ هَذِهِ اللَّحْظَةَ الْأَخِيرَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْعِدَّةِ ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ قَالَتْ وَهِيَ حُرَّةٌ : كَانَ طَلَاقِي فِي الْحَيْضِ فَأَقَلُّ مَا يَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ كَأَنَّهَا طُلِّقَتْ فِي آخِرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ حَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ دَخَلَتْ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا فَيَكُونُ يَوْمَانِ بِحَيْضَتَيْنِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا لِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَلَحْظَتَانِ أَوَّلُهُ هِيَ مِنَ الْعِدَّةِ وَآخِرُهُ لَيْسَتْ مِنَ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ وَذَلِكَ حَيْضَتَانِ وَطُهْرَانِ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرِ الْحُرَّةُ طَلَاقَهَا هَلْ كَانَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ جُعِلَ أَمْرُهَا عَلَى أَقَلِّ الْحَالَيْنِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الطُّهْرِ فَتَنْقَضِيَ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ وَلِلزَّوْجِ إِحْلَافُهَا إِنْ أَكْذَبَهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ إِنْ حَلَفَتْ فَإِنْ تَكَلَّمَتْ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَرَاجَعَهَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَقْبُولٌ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ بِكَوْنِهَا فَوْقَ التِّسْعِ سِنِينَ وَدُونَ حَدِّ الْإِيَاسِ . فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَيْئُوسَةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ .

فَصْلٌ : وَإِنِ ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ بَعْدَ طَلَاقِهَا قُبِلَ قَوْلُهَا بِشَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ تَلِدَ وَذَلِكَ بِأَنْ تَتَجَاوَزَ التِّسْعَ سِنِينَ بِمُدَّةِ الْحَمْلِ وَتَقْصُرُ عَنْ زَمَانِ الْإِيَاسِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةَ أَقَلِّ الْحَمْلِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَالِ مَا وَضَعَتْ فَإِنْ كَانَ سَقَطًا مُصَوَّرًا لَمْ يُسْتَكْمَلْ فَأَقَلُّ مُدَّتِهِ أَنْ تَتَجَاوَزَ ثَمَانِينَ يَوْمًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَكُونُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ هُوَ بِانْتِقَالِهِ إِلَى الْمُضْغَةِ يَتَصَوَّرُ خَلْقُهُ ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، وَيَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا كَامِلًا فَأَقَلُّ مُدَّتِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيَكُونُ قَوْلُهَا مَقْبُولًا فِي وِلَادَتِهِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَغَيْرَ مَقْبُولٍ فِي لُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ إِلَّا بِتَصْدِيقٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَإِنْ أَكْذَبَهَا الزَّوْجُ فِي وِلَادَتِهِ ، وَقَالَ اسْتَعَرْتِيهِ أَوِ اشْتَرَيْتِيهِ أَوِ الْتَقِطِيهِ وَقَالَتْ : بَلْ وَلَدْتُهُ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ بَعْدَ إِحْلَافِهَا عَلَيْهِ ، لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَمْ يُلْحَقْ بِالزَّوْجِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ : لِأَنَّ قَوْلَهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي لُحُوقِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَادَّعَتْ وِلَادَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا لحوق الولد بأبيه لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا فِي لُحُوقِهِ بِالسَّيِّدِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ ادِّعَاءِ وِلَادَتِهِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُقْبَلُ وَبَيْنَ ادِّعَاءِ وِلَادَتِهِ فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يُقْبَلُ أَنَّ فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ إِثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَرَفْعُ الْمِلْكِ مُسْتَقِرٌّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِدَّةُ .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَلَا يَقْبَلَ قَوْلُهَا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ، أَنَّهَا مُؤْتَمَنَهٌ فِي الْعِدَّةِ ، وَغَيْرُ مُؤْتَمَنَهٍ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَذَكَرَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ ، فَفِي قَبُولِ قَوْلِهَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِهَا بِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُقْبَلُ كَمَا يُقْبَلُ فِي حَيْضِهَا . وَالثَّانِي : لَا يُقْبَلُ : لِأَنَّهَا يُمْكِنُهَا إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَلَا يُمْكِنُهَا إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَيْضِ ، فَصَارَ قَوْلُهَا فِي الْوِلَادَةِ مَقْبُولًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَغَيْرَ مَقْبُولٍ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ ، وَفِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ ، وَفِي قَبُولِهِ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهَا بِهِ وَجْهَانِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ لِصِغَرٍ أَوْ إِيَاسٍ فكيف تحسب عدتها ؟ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِنِ اتَّفَقَا فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنِهِمَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ فَادَّعَتِ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ وَلِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا إِذَا حَلَفَ إِلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ شَوَّالٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَاخْتَلَفَتْ وَالْوَرَثَةُ فِي وَقْتِ الْوَفَاةِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَ الْوَرَثَةِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ : لِأَنَّهَا وُقُوعُ فُرْقَةٍ كَالطَّلَاقِ ، وَالْوَرَثَةُ يَقُومُونَ فِيهَا مَقَامَ الْمَوْرُوثِ . فَلَوِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ فِي شَوَّالٍ ، وَادَّعَى الزَّوْجُ تَقْدِيمَهُ فِي رَمَضَانَ فَقَدِ ادَّعَتْ مَا هُوَ أَضَرُّ بِهَا فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ ، وَفِي قَبُولِ قَوْلِهَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَجْهَانِ ، وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي اخْتَلَفَا فِيهَا مِنَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ حَتَّى تُرَاجَعَ وَطَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ طَرِيقُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ عَلَى مَسْكَنِهَا فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ لَا يَرَاهَا فَضْلًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ، هل تحل لزوجها قبل الرجعة ؟ - وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ، أَوِ اثْنَتَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا - مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ تَحْرِيمَ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَطَاءٍ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كَالزَّوْجَةِ بَلْ جَعَلَ وَطْأَهُ لَهَا رَجْعَةً .

وَالْكَلَامُ فِي الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ يَأْتِي وَهُوَ مَقْصُورٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [ الْبَقَرَةِ : ] فَسَمَّاهُ بَعْلًا دَلَالَةً عَلَى بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَإِبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَالتَّبَعُّلِ . قَالَ : وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ ، فَوَجَبَ أَلَّا يَقَعَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ . قَالَ : وَهَذَا الْقَوْلُ أَغْلَظُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِبْطَالُهُ ، وَلَهُ إِبْطَالُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ . قَالَ : وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لِلتَّرْخِيصِ لَا تَمْنَعُ مِنَ اللِّعَانِ فَوَجَبَ أَلَّا تَقْتَضِيَ التَّحْرِيمَ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَالْإِيلَاءِ . قَالَ : وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ حَقِّهِ ، فَإِذَا لَمْ يُزَلْ بِهِ الْمِلْكُ لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَوِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُرَاجِعَ إِلَّا بِعَقْدِ مُرَاضَاةٍ كَالْمُنْقَضِيَةِ الْعِدَّةِ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَمْ يَطَأْهَا ، وَلَمَا تَوَارَثَا بِالْمَوْتِ وَلَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ ، وَلَمَا صَحَّ مِنْهَا ظِهَارُهُ كَالْمَبْتُوتَةِ وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِبَاحَتِهَا كَالزَّوْجَةِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ : [ الطَّلَاقِ : ] فَدَلَّ عَلَى خُرُوجِهَا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِالرَّجْعَةِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [ الْبَقَرَةِ : ] . قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِصْلَاحُ الطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْفَسَادِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَلَيْسَ فِي تَسْمِيَتِهِ بَعْلًا دَلِيلٌ عَلَى رَفْعِ التَّحْرِيمِ كَالْمُحَرَّمَةِ وَالْحَائِضِ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمْرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَمُرُّ عَلَى مَسْكَنِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ حَتَّى رَاجَعَ ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً كَالْبَائِنِ . وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ يَمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ بِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَالْمُخْتَلِعَةِ . وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى أَوْقَعَ الْفُرْقَةَ أَوْقَعَ التَّحْرِيمَ كَالْفَسْخِ . وَلِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ مُضَادٌّ لِحُكْمِ النِّكَاحِ فَلَّمَا كَانَ كُلُّ نِكَاحٍ إِذَا صَحَّ أَوْجَبَ الْإِبَاحَةَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ طَلَاقٍ إِذَا وَقَعَ أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ . فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا دَلِيلًا . وَأَمَّا الْجَوَابَ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى قَوْلِهِ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فَلَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِدُخُولِ الدَّارِ ثَلَاثًا لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهَا : لِعَدَمِ وُقُوعِهَا وَهَذِهِ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ تَحْرِيمُهَا كَالْبَائِنِ بِثَلَاثٍ أَوْ دُونِهَا .

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهَا مُدَّةٌ لَمْ تَقَعْ بِهَا الْفُرْقَةُ وَمُدَّةُ الْعِدَّةِ قَدْ وَقَعَتْ بِهَا الْفُرْقَةُ . وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ . فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَّا بِانْقِضَائِهِ عَلَى أَصَحِّ أَقَاوِيلِهِ وَلِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ قَدْ رَفَعَهُ ، وَالرَّجْعَةُ لَا تَرْفَعُ الطَّلَاقَ وَإِنَّمَا تَرْفَعُ حُكْمَهُ ، وَلَا حُكْمَ لَهُ إِلَّا التَّحْرِيمُ ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ أَنَّ مَا تَفَرَّدَ بِاسْتِصْلَاحٍ وَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى عَقْدِ مُرَاضَاةٍ لَمْ يُوجِبِ التَّحْرِيمَ فَبَاطِلٌ بِالزَّوْجَيْنِ الْحُرَّيْنِ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا كَانَ التَّحْرِيمُ وَاقِعًا ، وَإِنِ ارْتَفَعَ بِإِسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَا أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ مَنَعَ الْإِرْثَ ، وَأَوْجَبَ الْحَدَّ فَبَاطِلٌ بِالْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ .

مَسْأَلَةٌ لَمَّا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا طَلَاقٌ إِلَّا بِكَلَامٍ فَلَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ إِلَّا بِكَلَامٍ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا طَلَاقٌ إِلَّا بِكَلَامٍ فَلَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ إِلَّا بِكَلَامٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إِلَّا بِكَلَامٍ مِنَ النَّاطِقِ وَبِالْإِشَارَةِ مِنَ الْأَخْرَسِ ، وَلَا تَصِحُّ بِالْفِعْلِ مِنَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ كَالْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ حَتَّى لَوْ نَظَرَ إِلَيْهَا بِشَهْوَةٍ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ . وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ نَوَى بِالْوَطْءِ الرَّجْعَةَ صَحَّتْ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَصِحَّ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [ الْبَقَرَةِ : ] وَالرَّدُّ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ ، وَلِأَنَهَا مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لِلْفُرْقَةِ فَصَحَّ رَفْعُهَا بِالْفِعْلِ كَالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ . وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ تُفْضِي إِلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَصَحَّ رَفْعُهَا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ . وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْوَطْءِ أَبْلَغُ فِي الْإِبَاحَةِ مِنَ الْقَوْلِ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِوَطْءِ زَوْجٍ ، فَلَمَّا اسْتُبِيحَتِ الْمُرْتَجَعَةُ بِالْقَوْلِ فَأَوْلَى أَنْ تُسْتَبَاحَ بِالْفِعْلِ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [ الطَّلَاقِ : ] فَكَانَ فِي الْآيَةِ دَلِيلَانِ :

أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِبَاحَةَ الِامْتِلَاكِ يَكُونُ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ . وَالثَّانِي : أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ ، إِمَّا وَاجِبٌ عَلَى الْقَدِيمِ ، أَوْ نَدْبٌ عَلَى الْجَدِيدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عَلَى وَجْهٍ تَصِحُّ فِيهِ الشَّهَادَةُ ، وَالْوَطْءُ مِمَّا لَمْ يَجُزْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَادَةً ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الرَّجْعَةِ قَبْلَ إِمْسَاكِهَا ، وَإِلَّا يَكُونُ إِمْسَاكُهَا رَجْعَةً وَلِأَنَّهُ رَفْعٌ لِحُكْمِ طَلَاقِهِ فَلَمْ يَتِمَّ إِلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالْبَائِنِ ، وَلِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي فُرْقَةٍ فَلَا يَصِحُّ إِمْسَاكُهَا بِالْوَطْءِ كَالزَّوْجَيْنِ الْحُرَّيْنِ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ فَلَمْ تَصِحَّ بِهِ الرَّجْعَةُ كَالْقُبْلَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ ، وَلِأَنَّ مَا كَمُلَ بِهِ الْمَهْرُ لَمْ تَصِحَّ بِهِ الرَّجْعَةُ ، كَالْخَلْوَةِ . وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَنِ الْوَطْءِ فَاسْتَحَالَ أَنْ تَنْقَطِعَ الْعِدَّةُ بِالْوَطْءِ ، لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الشَّيْءَ لَا يَقْطَعُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ يُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُقْطَعَ بِالْعَقْدِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ : مُشَاهَدٍ وَحُكْمٍ ، فَرَدُّ الْمُشَاهَدَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْفِعْلِ كَالْوَدِيعَةِ ، وَرَدُّ حُكْمٍ فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ : رَدَدْتُ فُلَانًا إِلَى حِزْبِي أَوْ إِلَى مَوَدَّتِي ، وَرَدُّ الرَّجْعَةِ حُكْمٌ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْقَوْلِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ ، فَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ فِي الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ لِلْفُرْقَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ مَضْرُوبَةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ ، وَالْمُدَّةَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ لِلْفُرْقَةِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْمُدَّةِ فَلَمْ يَسْلَمْ وَصْفُ الْعِلَّةِ فِي أَصْلِهِ وَفَرْعِهَا ، ثُمَّ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَرْتَفِعُ بِالْقَوْلِ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَتْ بِالْوَطْءِ ، وَهَذِهِ لَمَّا ارْتَفَعَتْ بِالْقَوْلِ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْوَطْءِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهَا اسْتِبَاحَةُ مِلْكٍ وَاسْتِعَادَةُ مِلْكٍ ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّجْعَةُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِتَأْثِيرِ الْوَطْءِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ، فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْوَطْءَ إِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ لَا يُوجِبُ اسْتِيفَاءَ نِكَاحٍ وَلَا تَجْدِيدَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ فِي الرَّجْعَةِ مُوجِبًا اسْتِيفَاءَ نِكَاحٍ كَمَا لَمْ يُوجِبْ تَجْدِيدَهُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَالْكَلَامُ بِهَا أَنْ يَقُولَ قَدْ رَاجَعْتُهَا أَوِ ارْتَجَعْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا إِلَيَّ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ : لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا بِالْكَلَامِ اخْتُصَّتْ بِالتَّصْرِيحِ دُونَ الْكِنَايَةِ ، وَلِلتَّصْرِيحِ فِي الرَّجْعَةِ لَفْظَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : رَاجَعْتُكِ أَوِ ارْتَجَعْتُكِ .

الثَّانِيَةُ : رَدَدْتُكِ أَوِ ارْتَدَدْتُكِ فَصَرِيحٌ بِالْكِتَابِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [ الْبَقَرَةِ : ] وَأَمَّا رَاجَعْتُكِ فَصَرِيحٌ بِالسُّنَّةِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا . ثُمَّ الْعُرْفُ الْجَارِي بِهِ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ : " رَاجَعْتُكِ " أَنَهُ صَرِيحٌ ، وَأَمَّا رَدَدْتُكِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَمْ يَذَكُرْهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ ، فَوِهَمَ الرَّبِيعُ فَخَرَّجَ مِنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ ، لِإِخْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِذِكْرِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ ، وَقَدْ أَنْكَرَ تَحْرِيمَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : قَدْ أَمْسَكْتُكِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ، هَلْ يَكُونُ صَرِيحًا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : هُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ ، أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا كِنَايَةٌ لَا تَصِحُّ بِهَا الرَّجْعَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَمْسَكْتُكِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَبَيْنَ رَاجَعْتُكِ وَرَدَدْتُكِ حَيْثُ كَانَ صَرِيحًا أَنَّ الْمُطْلَقَةَ مُرْسَلَةٌ مُخَلَّاةٌ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : لِمَا خَرَجَ عَنِ الْيَدِ إِذَا أُعِيدَ إِلَيْهَا : قَدِ ارْتَجَعْتُهُ فَرَدَدْتُهُ ، وَلَا تَقُولُ أَمْسَكْتُهُ إِلَّا لِمَا كَانَ فِي الْيَدِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ . فَأَمَّا إِذَا رَاجَعَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مِثْلَ : قَدْ تَزَوَّجْتُهَا أَوْ نَكَحْتُهَا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ : لِأَنَّ مَا صَحَّ بِهِ أَغْلَظُ الْعَقْدَيْنِ كَانَ أَخَفُّهُمَا لَهُ أَصَحَّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ بِهِ الرَّجْعَةُ : لِأَنَّ صَرِيحَ كُلِّ عَقْدٍ إِذَا نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِ ، صَارَ كِنَايَةً فِيهِ كَصَرِيحِ الْبَيْعِ فِي النِّكَاحِ ، وَصَرِيحِ الطَّلَاقِ فِي الْعِتْقِ ، وَالرَّجْعَةُ لَا تَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ ، وَلَيْسَ إِذَا انْعَقَدَ الْأَقْوَى بِلَفْظٍ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ ، وَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِالْأَضْعَفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَإِنَّ صَرِيحَ الرَّجْعَةِ لَفْظَتَانِ : رَاجَعْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ . فَالْأَوْلَى أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُكِ إِلَى النِّكَاحِ ، أَوْ يَقُولَ رَاجَعْتُكِ مِنَ الطَّلَاقِ هَذَا إِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً ذَكَرَ اسْمَهَا فَقَالَ : رَاجَعْتُ امْرَأَتَيْ فُلَانَةً أَوْ زَوْجَتَيْ فُلَانَةً : لِأَنَّ الرَّجِيعَةَ زَوْجَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ، فَإِنْ قَالَ : رَاجَعْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ وَلَمْ يَقُلْ إِلَى النِّكَاحِ أَوْ مِنَ الطَّلَاقِ صَحَّ وَتَمَّتِ الرَّجْعَةُ : لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ طَلَاقٍ وَإِلَى نِكَاحٍ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَهَا مَعَ الْغَيْبَةِ ، وَقَالَ : رَاجَعْتُهَا صَحَّتِ الرَّجْعَةُ إِنْ قِيلَ : إِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا نَدْبٌ وَلَمْ تَصِحَّ إِنْ قِيلَ : إِنَّ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةٌ .



فَصْلٌ : وَإِذَا تَلَفَّظَ بِالرَّجْعَةِ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قَالَ رَاجَعْتُكِ بِالْمَحَبَّةِ أَوْ قَالَ : رَاجَعْتُكِ مِنَ الْأَذَى صَحَّتِ الرَّجْعَةُ ، وَلَوْ قَالَ : رَاجَعْتُ مَحَبَّتَكِ أَوْ رَاجَعْتُ بُغْضَكِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ : لِأَنَّ الرَّجْعَةَ هَاهُنَا إِلَى الْمَحَبَّةِ ، وَهُنَاكَ إِلَى النِّكَاحِ ، لِأَجْلِ الْمَحَبَّةِ ، وَلَوْ قَالَ : قَدِ اخْتَرْتُ رَجْعَتَكِ أَوْ قَالَ : شِئْتُ رَجْعَتَكِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَدِ اخْتَارَ أَوْ شَاءَ أَنْ يُرَاجِعَهَا مِنْ بَعْدُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَجْعَةً : لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ إِرَادَتِهِ لَا عَنْ رَجْعَتِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ لِذَلِكَ الرَّجْعَةَ فِي الْحَالِ ، وَأَنَّهُ اخْتَارَ بِذَلِكَ عَقْدَهَا فَفِي صِحَّةِ رَجْعَتِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَصِحُّ : لِأَنَّ اخْتِيَارَ الرَّجْعَةِ أَوْكَدُ فِي صِحَّتِهَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَصِحُّ : لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مُحْتَمَلًا أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ التَّصْرِيحِ إِلَى الْكِنَايَةِ ، وَالرَّجْعَةُ لَا تَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ : وَعَلَى هَذَا لَوْ نَكَحَهَا بَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا ، وَهَلْ يَكُونُ رَجْعَةً أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ : قَدْ رَاجَعْتُكِ إِنْ شِئْتِ فَشَاءَتْ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ قَدْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ ، وَالْعُقُودُ إِذَا عُلِّقَتْ بِشُرُوطٍ مُتَرَتِّبَةٍ ، لَمْ تَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : رَاجَعْتُكِ إِنْ جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ . وَلَوْ قَالَ : قَدْ رَاجَعْتُكِ إِذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ : لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ تَعَلَّقَ بِمُدَّةٍ مُنْتَظَرَةٍ . فَإِنْ قَالَ : رَاجَعْتُكِ أَمْسَ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ بِهَا عَنْ رَجْعَةٍ كَانَتْ مِنْهُ بِالْأَمْسِ فَيَكُونَ إِقْرَارًا بِالرَّجْعَةِ ، وَلَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ رَجْعَةً ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى مُوجِبِهَا مِنَ الطَّلَاقِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " فَإِنْ جَامَعَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَنْوِيهَا فَهُوَ جِمَاعُ شُبْهَةٍ وَيُعَزَّرَانِ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَتِ اعْتَدَّتْ بِحَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصَابَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهَا فَلَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ وَقَدِ انْقَضَتْ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا الْعِدَّةُ وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَسَّهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ : لَوْ كَلَّمَهَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ ، أَرَادَ بِهِ مَالِكًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا أَوْ يَنْوِ بِهَا أَرَادَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الرَّجْعَةِ ، فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ ، لَا اخْتِلَافَ فِي

إِبَاحَتِهِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَالْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَالْوَلَدِ فَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَجِبُ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ وَطْءٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِبَاحَتِهِ ، فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالشِّغَارِ ، وَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ . وَالثَّانِي : أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ لِتَوَارُثِهِمَا وَإِنْ حُرِّمَ وَطْؤُهَا كَالْمُحْرِمَةِ وَالْحَائِضِ . وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمَا : لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الشُّبْهَةُ مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ فَأَوْلَى أَنْ تُسْقِطَ التَّعْزِيرَ ، وَإِنِ اعْتَقَدَا تَحْرِيمَهُ وَلَمْ يَجْهَلَاهُ عُزِّرَا فَإِنِ اعْتَقَدَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيمَهُ وَجَهِلَهُ الْآخَرُ عُزِّرَ الْعَالِمُ مِنْهُمَا دُونَ الْجَاهِلِ . وَأَمَّا الْمَهْرُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَطْءِ ، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فَهِيَ جَارِيَةٌ فِي الْبَيْنُونَةِ فَأَشْبَهَ وَطْءَ زَوْجَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا ، وَوَطْءَ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ دِينِهِ فِي عِدَّتِهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِوَطْئِهَا : لِأَنَّهُمَا وَطِئَا مَنْ هِيَ جَارِيَةٌ فِي فَسْخٍ ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِوَطْئِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ أَنْ يُرَاجِعَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا يُرَاجِعَ ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ ، وَإِنْ رَاجَعَ فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُهْرَ لَا يَسْقُطُ بِالرَّجْعَةِ وَقَالَ فِي وَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ ، أَنَّ الْمُهْرَ يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَنْقُلُ جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَيُخْرِجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ بِالرَّجْعَةِ ، وَبِإِسْلَامِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ ، لِأَنَّهَا بِالرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ تَكُونُ مَعَهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُبْ فِيهِ مَهْرَانِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ بِالرَّجْعَةِ وَلَا بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدَّةِ وَلَا الْحَرْبِيَّةِ : لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ بِالْوَطْءِ فَلَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ الْوُجُوبُ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يُسْلِمْ . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا : جَوَابُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَسْقُطُ وَطْءُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ ، وَيَسْقُطُ وَطْءُ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ بِالْإِسْلَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَرْفَعُ مَا وَقَعَ مِنَ الطَّلَاقِ وَلِأَنَّهَا تَكُونُ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِسْلَامُ : لِأَنَّهُ يَرْفَعُ حُكْمَ الرِّدَّةِ وَالشِّرْكَ ، وَيَكُونُ مَعَهُ بِعَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالنِّكَاحِ ، فَصَارَ الطَّلَاقُ خَارِمًا لِلنِّكَاحِ ، وَالرِّدَّةُ لَمْ تَخْرِمْهُ . وَأَمَا الْعِدَّةُ فَوَاجِبَةٌ بِهَذَا الْوَطْءِ : لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ فَاشْتَبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشُبْهَةٍ ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ بَعْدَ هَذَا الْوَطْءِ ، إِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ نَائِيًا عَنِ الْعِدَّةِ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مُخْتَصًّا بِعِدَّةِ الْوَطْءِ . مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بَعْدَ قُرْأَيْنِ مِنْ عِدَّتِهَا ، وَبَقِيَ مِنْهَا قُرْءٌ فَتَأْتِي بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْهَا قُرْءٌ عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ : لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلَتَا ، وَإِنَّمَا لَا

تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ إِذَا كَانَتَا فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ ، وَيَكُونُ الْقُرْءَانِ الْبَاقِيَانِ مُخْتَصَّيْنِ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ دُونَ الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ : لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ . وَالرَّجْعَةُ لَا تَصِحُّ مِنْ بَائِنٍ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا لِحِفْظِ مَاءٍ مُسْتَحَقٍّ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ كَانَ مَاؤُهُ مَحْفُوظًا فَجَازَ ، وَإِذَا تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ كَانَ مُضَاعًا فَلَمْ يَجُزْ . وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا حَقَّ لَهُ بِهِ : لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ بِالْعَقْدِ ، وَفِرَاشٌ بِمَا اسْتُحْدِثَ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْوَطْءِ انْقَضَتْ بِهِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ ، وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَضَعْ ، فَلَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ عِدَّةُ الْوَطْءِ ، وَاسْتَقْبَلَتْ جَمِيعَ أَقْرَائِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَقْرَائِهَا كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّتَانِ مَعًا ، وَكَانَ عَلَى رَجْعِيَّتِهِ مَا لَمْ تَضَعْ سَوَاءٌ حَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ لَمْ تَحِضْ : لِأَنَّ حَيْضَهَا عَلَى الْحَمْلِ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْأَقْرَاءِ وَإِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَيْضِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ كَانَ مَسَّهَا وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُ الْآخَرِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِ الزَّوْجَةِ : لِأَنَّ رِضَاهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ : لِأَنَّهُ رَفْعُ تَحْرِيمٍ طَرَأَ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا فِي رَفْعِهِ كَالظِّهَارِ وَالْإِحْرَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رِضَاهَا مُعْتَبَرًا بِمَا ذَكَرْنَا فَعِلْمُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالطَّلَاقِ : لِأَنَّ إِعْلَامَهَا مَقْصُودٌ بِهِ الرِّضَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ بِعِلْمِهَا وَغَيْرِ عِلْمِهَا ، وَمَعَ حُضُورِهَا وَغَيْبَتِهَا جَائِزَةٌ ، فَلَوْ طَلَّقَهَا وَغَابَ وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَدِمَ الزَّوْجُ فَادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ حَالَتَانِ : حَالٌ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجْعَتِهِ ، وَحَالٌ يُعْدَمُهَا ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ لَا غَيْرَ كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ . وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الثَّانِي كَمَا قَالَ فِي الْوَلِيَّيْنِ إِذَا زَوَّجَا امْرَأَةً ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .

وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَلِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي حَرَامٌ ، وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لَا يُفْسِدُ نِكَاحًا صَحِيحًا ، وَلَا يُصَحِّحُ نِكَاحًا فَاسِدًا ، وَلِأَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَيَا فِي الْوَطْءِ ، وَفُضِّلَ الْأَوَّلُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهِيَ أَحَدُ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَالْقِيَاسُ فِيهَا مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا زَوْجَةُ الْأَوَّلِ بَعْدَ ثُبُوتِ رَجْعَتِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ . فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَتَحِلُّ أَصَابَتُهَا لِلْأَوَّلِ فِي الْحَالِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ مِنْ إِصَابَتِهِ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا دُونَ الْمُسَمَّى ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنَ الثَّانِي : لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ لِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا ، وَلَا عَلَى الثَّانِي لِفَسَادِ نِكَاحِهَا فَإِنْ قَضَتْ عِدَّتَهَا مِنَ الثَّانِي عَادَتْ إِلَى إِبَاحَةِ الْأَوَّلِ .

فَصْلٌ : وَإِنْ عُدِمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجْعَتِهِ إدعاء الزوج الرجعة فَدَعَوَاهُ مَسْمُوعَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا خَصْمٌ لَهُ ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مُدَّعَاةٌ ، وَالزَّوْجَ الثَّانِي مُتَمَلِّكٌ ، فَلِذَلِكَ صَارَا فِيهَا خَصْمَيْنِ لِلْأَوَّلِ ، فَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا فَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُصَدِّقَاهُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَيَبْطُلَ نِكَاحُ الثَّانِي . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ ، وَعَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِنِكَاحِهِ الْأَوَّلِ ، وَحَلَّ لَهُ وَطْئُهَا فِي الْحَالِ . وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي نُظِرَ فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالرَّجْعَةِ فَهُمَا زَانِيَانِ ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ وَهِيَ حَلَالٌ لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَنْ إِصَابَتِهَا إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ فَلَا حَرَجَ كَمَا لَوْ زَنَتْ تَحْتَهُ ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ بِالرَّجْعَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِلشُّبْهَةِ ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنَ الثَّانِي ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي زَمَانِ الْعِدَّةِ ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ نُظِرَ فِيهِ ، وَكَانَتْ حَالُهُ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُمْكِنَ لُحُوقُهُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِوِلَادَتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فِي طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي فَهَذَا لَاحِقٌ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، فَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا مِنَ الثَّانِي وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ مِنْ إِصَابَتِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يُمْكِنَ لُحُوقُهُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِوِلَادَتِهِ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ ، وَأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي فَهَذَا لَاحِقٌ بِالثَّانِي وَتَنْقَضِي ،

عِدَّتُهَا مِنْهُ بِوَضْعِهِ وَتَعُودُ إِلَى إِبَاحَةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَلَّا يُمْكِنَ لُحُوقُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوِلَادَتِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ ، وَأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي ، فَلَا يُلْحَقُ بِالثَّانِي لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْ إِصَابَتِهِ وَلَا بِالْأَوَّلِ لِاسْتِحَالَةِ عُلُوقِهِ قَبْلَ طَلَاقِهِ ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ إِضَافَةِ الثَّانِي بِالْأَقْرَاءِ . الْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يُمْكِنَ لُحُوقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوِلَادَتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَافَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَادُقُهُمَا عَلَيْهِ : لِأَنَّ لُحُوقَ النَّسَبِ حَقٌّ لِلْوَلَدِ فَإِذَا أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَ بِهِ ، وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فَهَذَا إِذَا كَانَا جَاهِلَيْنِ بِالرَّجْعَةِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ جَاهِلًا بِهَا وَالزَّوْجَةُ عَالِمَةً بِهِ حُدَّتْ دُونَهُ ، وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنِ الزَّوْجِ ، وَلُحُوقُ الْوَلَدِ بِهِ لَوْ أَمْكَنَ عَلَى مَا مَضَى ، وَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ جَاهِلَةً بِهَا وَالزَّوْجُ عَالِمًا حُدَّ دُونَهَا ، وَلَهَا الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّوْجِ وَنَفْيِ النَّسَبِ عَنْهُ فَهَذَا حُكْمُ الْحَالِ الْأَوَّلِ إِذَا صَدَّقَاهُ . فَصْلٌ : وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُكَذِّبَاهُ عَلَى الرَّجْعَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ ، وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ ، فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْأَوَّلِ فِي إِحْدَاثِ الرَّجْعَةِ وَإِبْطَالِ النِّكَاحِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِلزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ الثَّانِي أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُجِيبَا إِلَى الْيَمِينِ فَيَحْلِفَ الزَّوْجُ الثَّانِي لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ ، وَهَلْ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدَ يَمِينِ الثَّانِي أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا تَحْلِفُ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ يُوضَعُ زَجْرًا لِيَرْجِعَ الْحَالِفُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى ، وَهَذِهِ لَوْ رَجَعَتْ لَمْ يُقْضَ لِلْأَوَّلِ بِهَا بَعْدَ يَمِينِ الثَّانِي ، فَلَمْ يَكُنْ لِتَمَيُّزِ الزَّوْجَةٍ مَعْنًى . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا تَحْلِفُ ، حَتَّى إِنْ نَكَلَتْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ حُكِمَ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لِلثَّانِي . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَنْكُلَا جَمِيعًا عَنِ الْيَمِينِ ، وَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا حَلَفَ حُكِمَ لَهُ بِالزَّوْجَةِ ، وَهَلْ يَجْرِي يَمِينُهُ بَعْدَ نُكُولِهِمَا مَجْرَى الْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَجْرِي مَجْرَى الْإِقْرَارِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يُصِبْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَإِنْ أَصَابَ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْمُسَمَّى . وَالثَّانِي : أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى النِّيَّةِ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يُصِبْ فَلَا شَيْءَ

عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَصَابَ فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى ، وَالْكَلَامُ فِي الْعِدَّةِ وَالْوَلَدِ عَلَى مَا مَضَى . وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ الثَّانِي وَتَنْكُلَ هِيَ عَنِ الْيَمِينِ ، فَيُحْكَمَ بِهَا زَوْجَةً لِلثَّانِي بِيَمِينِهِ ، وَهَلْ يَكُونُ لِنُكُولِهَا تَأْثِيرٌ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِهِمَا فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا . فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا لَا تَجِبُ ، لَمْ تُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ . وَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا تَجِبُ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْأَوَّلِ ، فَإِذَا حَلَفَ قُضِيَ لَهُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ . وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ تَحْلِفَ الزَّوْجَةُ وَيَنْكُلَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَنِ الْيَمِينِ ، فَتَكُونَ زَوْجَةً لِلثَّانِي لِسُقُوطِ حَقِّ الْأَوَّلِ بِيَمِينِهَا ، وَلَا يُؤَثِّرُ نُكُولُ الثَّانِي فِي سُقُوطِ حَقِّ الْأَوَّلِ فَهَذَا حُكْمُ الْحَالِ الثَّانِيَةِ إِنْ أَكْذَبَاهُ . فَصْلٌ : وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ تُصَدِّقَهُ الزَّوْجَةُ وَيُكَذِّبَهُ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ وَلَا تُصَدَّقُ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ فِي إِبْطَالِ نِكَاحِهِ ، فَإِنْ حَلَفَ الثَّانِي كَانَتْ زَوْجَتَهُ دُونَ الْأَوَّلِ ، وَهَلْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ : فِيمَنْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِعَمْرٍو : أَحَدُهُمَا : تَجِبُ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، لِأَنَّهَا قَدْ فَوَّتَتْ بُضْعَهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحِ الثَّانِي فَصَارَ كَمَا لَوْ فَوَّتَتْهُ بِرِضَاعٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : لَا مَهْرَ لَهُ عَلَيْهَا ، لِأَنَّهَا قَدْ أَقَرَّتْ لَهُ بِمَا لَزِمَهُ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ صَرَفَهُ عَنْهَا ، فَإِنْ فَارَقَهَا الثَّانِي بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِالتَّصْدِيقِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ حَلَفَ حُكِمَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَإِنْ نَكَلَ كَانَتْ زَوْجَةَ الثَّانِي وَعَلَى نِكَاحِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا بِالنُّكُولِ فَإِنْ فَارَقَهَا الثَّانِي بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ ، عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهَا الْأَوَّلِ .

فَصْلٌ : وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يُصَدِّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي ، وَتُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ فَيَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِي بِتَصْدِيقِهِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِفَسَادِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي سُقُوطِ مَهْرِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ إِصَابَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا الْمُسَمَّى ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ ، ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا لَا يَخْتَلِفُ فِي إِبْطَالِ رَجْعَةِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ حَلَفَتْ فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا لِلْأَوَّلِ ، وَهِيَ بَائِنٌ مِنْهُ ، وَخَلِيَّةٌ مِنْ زَوْجٍ وَإِنْ نَكَلَتْ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ ، فَإِنْ حَلَفَ حُكِمَ لَهُ بِالرَّجْعَةِ وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةً ، وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَقَدْ أُسْقِطَ حَقُّهُ بِنُكُولِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .



مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوِ ارْتَجَعَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَا الرَّجْعَةُ فَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى وَلِيٍّ ، وَلَا إِلَى قَبُولِ الزَّوْجَةِ ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا ، وَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى شَهَادَةٍ الرجعة وَيَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الرَّجْعَةِ وَاجِبَةٌ مَعَ التَّلَفُّظِ بِهَا ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ كَانَتِ الرَّجْعَةُ بَاطِلَةً ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [ الطَّلَاقِ : ] . فَهَذَا أَمْرٌ فَاقْتَضَى الْوُجُوبَ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ بُضْعُ الْحُرَّةِ ، فَوَجَبَ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالنِّكَاحِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا شُرُوطُ النِّكَاحِ فِي غَيْرِ الشَّهَادَةِ مِنَ الْوَلِيِّ وَالْقَبُولِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا الشَّهَادَةُ . وَلِأَنَّهَا رَفْعُ تَحْرِيمٍ طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الظِّهَارَ . وَلِأَنَّ الْبَيْعَ أَوْكَدُ مِنْهَا لِاعْتِبَارِ الْقَوْلِ فِيهِ دُونَهَا ، ثُمَّ لَمْ تَجِبِ الشَّهَادَةُ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ بِأَنْ لَا تَجِبَ لِاعْتِبَارِ الْقَبُولِ فِيهِ دُونَهَا ثُمَّ لَمْ تَجِبِ الشَّهَادَةُ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ أَنْ لَا تَجِبَ فِي الرَّجْعَةِ أَوْلَى . فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي قَوْلِهِ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [ الطَّلَاقِ : ] . وَعَلَى الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ : أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ثُمَّ لَمْ تَجِبْ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ فَكَانَ بِأَنْ لَا تَجِبَ فِي الرَّجْعَةِ لَبُعْدِهَا أَوْلَى ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا نَدْبًا إِنْ لَمْ تُشْهِدْ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ وَهَلْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَى الْإِشْهَادِ عَلَى إِقْرَارِهِ بِهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ قَالَ قَدْ رَاجَعْتُكِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ وَقَالَتْ بَعْدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ فَقَالَ الزَّوْجُ : رَاجَعْتُكِ ، وَقَالَتْ : لَمْ تُرَاجِعْنِي فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الزَّوْجِ ، لِأَنَّهَا حَالٌ تُمْلَكُ فِيهَا الرَّجْعَةُ فَمِلْكُ الْإِقْرَارِ فِيهَا بِالرَّجْعَةِ كَالطَّلَاقِ ، وَإِذَا مَلَكَهُ الزَّوْجُ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ حَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَمَّا جَازَتْ لَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهَا صَارَ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهَا ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِحْلَافُهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ

حُقُّ الزَّوْجَةِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِالرَّجْعَةِ ، لِأَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِهَا فَطَالَبَتْهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، لِأَجْلِ وَطْئِهِ فَأَنْكَرَ وُجُوبَ الْمَهْرِ بِمَا أَقَرَّ مِنَ الرَّجْعَةِ قَبْلَ وَطْئِهِ أُحْلِفَ عَلَى رَجْعَتِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ دَعْوَاهَا بِإِنْكَارِهِ . فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : رَاجَعْتُكِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَلَا يَخْلُو إِنْكَارُهَا لَهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَجْحَدَهُ الرَّجْعَةَ ، وَإِمَّا أَنْ تُقِرَّ بِهَا وَتَدَّعِيَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ قَبْلَهَا ، فَإِنْ جَحَدَتْ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَاجَعَهَا قَبْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى ادعاء الزوج الرجعة فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا فِي الظَّاهِرِ بِالطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَمْ يُقْبَلْ دَعْوَى الزَّوْجِ فِيمَا يُخَالِفُهُ مَعَ بَقَاءِ عِصْمَتِهِ ، وَإِنِ اعْتَرَفَتْ لَهُ بِالرَّجْعَةِ إِلَّا أَنَّهَا أَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ فِي الْعِدَّةِ ، وَادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَا رَجْعَةَ ، وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَ تَقَدُّمِ إِسْلَامِ الزَّوْجَةِ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ : أَسْلَمْتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ ، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ : بَلْ أَسْلَمْتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِي فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ ، وَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَقَدْ حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الْأَصَحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا دُونَهُ ، لِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُتَعَذَّرٌ وَإِقَامَتَهَا عَلَى الرَّجْعَةِ مُمْكِنَةٌ ، فَلِذَلِكَ غَلَبَ قَوْلُهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَقَدُّمِ الرَّجْعَةِ لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَتِهَا وَإِمْكَانِهَا مِنْ جِهَتِهِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي تَقَدُّمِ الرَّجْعَةِ دُونَهَا ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ فِعْلِهِ وَصَادِرَةٌ عَنِ اخْتِيَارِهِ ، وَلَيْسَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَنْ فِعْلِهَا وَلَا صَادِرَةً عَنِ اخْتِيَارِهَا فَكَانَ قَوْلُهُ فِيهَا أَمْضَى وَدَعَوَاهُ فِيهَا أَقْوَى . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مِنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى فَإِنْ سَبَقَتِ الزَّوْجَةُ بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدِ انْقَضَتْ وَاسْتَقَرَّ قَوْلُهَا فِي الْبَيْنُونَةِ ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ يَدَّعِي تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا بِاللَّهِ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ ، فَيَكُونُ يَمِينُهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، لِأَنَّهَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَإِنْ سَبَقَ دَعْوَى الزَّوْجِ بِأَنَّهُ قَدْ رَاجَعَ زَوْجَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَاسْتَقَرَّ قَوْلُهُ فِي الرَّجْعَةِ ثُمَّ جَاءَتِ الزَّوْجَةُ فَادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ رَجْعَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ فِيمَا سَبَقَتْ

بِهِ الدَّعْوَى ، فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الدَّعْوَى كَاخْتِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ بَعْدَ بَيْعِ الْوَكِيلِ هَلْ كَانَ بَيْعُهُ قَبْلَ فَسْخِ الْوَكَالَةِ فَيَصِحَّ ، أَوْ بَعْدَ فَسْخِهَا فَيَبْطُلَ ، فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِأَسْبَقِهِمَا قَوْلًا ، فَإِنْ بَدَأَ الْوَكِيلُ فَقَالَ : قَدْ بِعْتُ السِّلْعَةَ بِوَكَالَتِكَ ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ قَدْ فَسَخْتُ وَكَالَتَكَ قَبْلَ بَيْعِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ كَانَ فِي حَالِ الْوَكَالَةِ فَصَارَ مَقْبُولًا عَلَى مُوَكِّلِهِ ، وَإِنْ سَبَقَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ : فَسَخْتُ وَكَالَتَكَ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ بِعْتُ قَبْلَ فَسْخِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْوَكَالَةِ بِفَسْخِهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَعْدَ فَسْخِ وَكَالَتِهِ كَذَلِكَ حُكْمُ اخْتِلَافِهِمَا فِي تَقَدُّمِ الرَّجْعَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِأَسْبَقِهِمَا قَوْلًا إِذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ بِإِنْكَارٍ ، فَإِنِ اتَّصَلَ بِإِنْكَارٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ مَعَهُ حُكْمُ السَّبْقِ ، إِمَّا بِأَنْ تَبْدَأَ الزَّوْجَةُ فَتَقُولَ : قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي ، فَيَقُولَ الزَّوْجُ جَوَابًا لَهَا : قَدْ رَاجَعْتُكِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ ، أَوْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ فَيَقُولَ : قَدْ رَاجَعْتُكِ فِي عِدَّتِكِ ، فَتَقُولَ الزَّوْجَةُ جَوَابًا لَهُ : قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ ، فَيَكُونَا فِي حُكْمِ الدَّعْوَى سَوَاءً ، وَلَا يَقْوَى قَوْلُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا بِالدَّعْوَى إِذَا أُجِيبَتْ بِالْإِنْكَارِ ، لِأَنَّ حُكْمَ قَوْلِهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَا فِيهَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَالْقَوْلُ حِينَئِذٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُ الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ لِمَعْنَيَيْنِ يَرْجِعُ بِهِمَا قَوْلُهُمَا أَنَّهَا جَارِيَةٌ فِي فَسْخٍ وَأَنَّ قَوْلَهَا فِي حَيْضِهَا مَقْبُولٌ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَهُ الدَّارَكِيُّ أَنَّهُمَا إِنِ اتَّفَقَا فِي وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَأَنَّهُ قَالَ : رَاجَعْتُكِ فِي شَعْبَانَ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُكِ فِي رَمَضَانَ ، وَقَالَتْ : انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي رَمَضَانَ وَرَاجَعْتَنِي فِي شَوَّالٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ ، لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الرَّجْعَةِ دُونَ الْعِدَّةِ ، وَالرَّجْعَةُ مِنْ فِعْلِهِ دُونَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ رَجْعَتَهُ لَا عَلَى تَأْخِيرٍ عِدَّتِهَا ، لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا اخْتَلَفَا فِيهِ ، وَهِيَ الرَّجْعَةُ دُونَ الْعِدَّةِ ، فَيَقُولُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاجَعْتُكِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ ، فَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الْقَطْعِ ، لِأَنَّهَا يَمِينُ إِثْبَاتٍ . وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ ، وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَكَأَنَّهَا قَالَتْ : انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي شَعْبَانَ وَرَاجَعْتَنِي فِي رَمَضَانَ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : رَاجَعْتُكِ فِي رَمَضَانَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُكِ فِي شَوَّالٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا ، لِأَنَّهُ حَلَفَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا فِي وَقْتِ الرَّجْعَةِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا ، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى عِدَّتِهَا فَيَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبَلَ رَجْعَتِكَ عَلَى الْقِطَعِ ، لِأَنَّهَا يَمِينُ إِثْبَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ قَدْ أَصَبْتُكِ وَقَالَتْ لَمْ يُصِبْنِي فَلَا رَجْعَةَ وَلَوْ قَالَتْ أَصَابَنِي وَأَنْكَرَ في الرجعة فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ وَسَوَاءٌ طَالَ مُقَامُهُ أَوْ لَمْ يَطُلْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَكَمَالُ الْمَهْرِ إِلَّا بِالْمَسِيسِ نَفْسِهِ وَلَوْ

قَالَ ارْتَجَعْتُكِ الْيَوْمَ وَقَالَتِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ صَدَّقْتُهَا إِلَّا أَنْ تُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكُونَ كَمَنْ جَحَدَ حَقًّا ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ لَمْ يُقِرَّا جَمِيعًا وَلَا أَحَدُهُمَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى ارْتَجَعَ الزَّوْجُ وَصَارَتِ امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدِي نَقْضُ مَا ثَبَتَ عَلَيْهَا لَهُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ " وَلَوْ دَخَلَ بِهَا " يَعْنِي خَلَا بِهَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْخَلْوَةِ فِي دُخُولِ الزَّوْجَيْنِ بَيْتًا ، وَأَنْ يُغْلِقَا عَلَيْهِمَا بَابًا أَوْ يُرْخِيَا عَلَيْهِمَا سِتْرًا وَذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اخْتِلَافَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا كَالْإِصَابَةِ فِي كَمَالِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ وَاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ ، وَهَلْ تَكُونُ كَالْإِصَابَةِ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهَا كَالْيَدِ لِمُدَّعِي الْإِصَابَةِ مِنْهُمَا فَيَحْلِفُ عَلَيْهَا وَيُحْكَمُ لَهُ بِهَا زَوْجًا كَانَ أَوْ زَوْجَةً . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا فِي اسْتِكْمَالِ الْمَهْرِ وَلَا فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ ، وَلَا فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ ، وَإِنَّ وَجُودَهَا كَعَدَمِهَا .

فَصْلٌ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ

فَصْلٌ : [ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ في الرجعة ] فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَةِ إِمَّا مَعَ عَدَمِ الْخَلْوَةِ أَوْ مَعَ وُجُودِهَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ الَّذِي لَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِلْخَلْوَةِ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ الْإِصَابَةَ وَتُنْكِرَهَا الزَّوْجَةُ في الرجعة . وَالثَّانِي : أَنْ تَدَّعِيَ الزَّوْجَةُ الْإِصَابَةَ وَيُنْكِرَهَا الزَّوْجُ ، في الرجعة فَإِنِ ادَّعَاهَا الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْهَا الزَّوْجَةُ فَادِّعَاؤُهُ لَهَا إِنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الرَّجْعَةِ عَلَيْهَا ، فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي إِنْكَارِهَا الْإِصَابَةَ مَعَ يَمِينِهَا ، بِخِلَافِ الْمُولِي وَالْعِنِّينِ حِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا فِي ادِّعَاءِ الْإِصَابَةِ دُونَهَا . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُولِي وَالْعِنِّينِ بَقَاءُ الزَّوْجَةِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي ادِّعَاءِ الْإِصَابَةِ اسْتِصْحَابًا لِهَذَا الْأَصْلِ فِي ثُبُوتِ الْعَقْدِ ، وَالْأَصْلُ هَاهُنَا وُقُوعُ الْفُرْقَةِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي عَدَمِ الْإِصَابَةِ اسْتِصْحَابًا لِهَذَا الْأَصْلِ فِي ثُبُوتِ الْفُرْقَةِ ، فَإِذَا حَلَفَتْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ إِصَابَةٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ ، فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ إِلَّا بِنِصْفِهِ ، لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مُطَالَبَتُهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهَا بِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعِهِ ، فَإِنْ نَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الزَّوْجِ ، فَإِذَا حَلَفَ حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِالْعِدَّةِ ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَقُبِلَ فِيهِ رُجُوعُهَا ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَنْكَرَتْ أَصْلَ النِّكَاحِ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِهِ صَحَّ ، وَجَازَ لَهَا

الِاجْتِمَاعُ فَكَانَ لِلرُّجُوعِ إِلَى الِاعْتِرَافِ وَالْإِصَابَةِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ الْإِصَابَةَ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَيْسَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا نِصْفُهُ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِإِقْرَارِهَا ، لِأَنَّ دَعْوَاهَا قَدْ تَضَمَّنَتْ مَا يَنْفَعُهَا وَهُوَ كَمَالُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ ، وَمَا يَضُرُّهَا وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ ، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيمَا يَضُرُّهَا مِنْ وُجُوبِ الْعِدَّةِ ، وَرُدَّ فِيمَا يَنْفَعُهَا مِنْ كَمَالِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ ، فَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَإِذَا حَلَفَتْ حَكَمْنَا لَهَا عَلَيْهِ بِكَمَالِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْعِدَّةِ فَلَازِمَةٌ لَهَا بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ ، وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الْإِصَابَةِ مُبْطِلٌ لَرَجَعْتِهِ .

فَصْلٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ [ . . . ] إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ : أَعْلَمَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدِ انْقَضَتْ ، ثُمَّ رَاجَعْتُهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا إِقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدِ انْقَضَتْ ، لِأَنَّهَا قَدْ تُكَذِّبُهُ فِيمَا أَعْلَمَتْهُ ، وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ إِنْ عَادَتْ فَأَكْذَبَتْ نَفْسَهَا ، وَهَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً وَرَاجَعَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ فِيهَا ثُمَّ صَدَّقَتْهُ وَأَكْذَبَتْ نَفْسَهَا حَلَّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ مَعَهُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " وَلَوِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ طَلَاقِهِ فَارْتَجَعَهَا مُرْتَدَّةً فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً لِأَنَّهَا تَحْلِيلٌ فِي حَالِ التَّحْرِيمِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهَا نَظَرٌ وَأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ رَجْعَةً مَوْقُوفَةً فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقَضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ حِينِ ارْتَدَّتْ كَمَا نَقُولُ فِي الطَّلَاقِ إِذَا طَلَّقَهَا مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَجَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا وَكَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَكَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ أَسْلَمَ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي عِدَّتِهَا ، فَالزَّوْجُ مَمْنُوعٌ مَنْ رَجَعْتِهَا فِي الرِّدَّةِ كَمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ نِكَاحِهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا وَهِيَ فِي الرِّدَّةِ كَانَتْ رَجْعَتُهُ بَاطِلَةً سَوَاءٌ رَجَعَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَمْ لَا ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ : رَجْعَتُهُ فِي الرِّدَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِسْلَامِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا صَحَّتِ الرَّجْعَةُ ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بَطَلَتِ الرَّجْعَةُ ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ طَلَاقَ الْمُرْتَدَّةِ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا صَحَّ أَنْ تَكُونَ رَجْعَتُهَا مَوْقُوفَةً وَلَمَّا صَحَّ أَنْ يَكُونَ نِكَاحُهَا مَوْقُوفًا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ رَجْعَتُهَا مَوْقُوفَةً . وَلِأَنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً وَتَحْرِيمُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ

كَالْمُحَرَّمَةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [ الْمُمْتَحَنَةِ : ] وَفِي الرَّجْعَةِ تَمَسُّكًا بِرَجْعَتِهَا بِعِصْمَتِهَا ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الرِّدَّةُ مَانِعَةً مِنْهَا . وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ بُضْعُ الْحُرَّةِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي الرِّدَّةِ ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا فِيهَا كَالنِّكَاحِ ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلرَّجْعَةِ ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ ، وَالرَّجْعَةَ رَافِعَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ وَإِذَا تَنَافَيَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَجْتَمِعَا ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا لِتَنَافِيهِمَا ، وَقَدْ ثَبَتَتِ الرِّدَّةُ فَبَطَلَتِ الرَّجْعَةُ . وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلرِّدَّةِ ، لِأَنَّهُمَا مَعًا يَقْتَضِيَانِ الْفُرْقَةَ وَعَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى شَرْطٍ لَا يَصِحُّ إِيقَافُ الرَّجْعَةِ وَلَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فَافْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الرِّدَّةِ . وَأَمَّا النِّكَاحُ فَفَسْخُهُ مَوْقُوفٌ وَعَقْدُهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ ، وَالرَّجْعَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ دُونَ الْفَسْخِ . وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فِي الْإِحْرَامِ فَمُفَارِقَةٌ لِلرَّجْعَةِ فِي الرِّدَّةِ ، لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ يَقِفُ الرَّجْعَةَ فِي الرِّدَّةِ ، وَلَا يَقِفُهَا فِي الْإِحْرَامِ فَلِهَذَا الْفَرْقُ جَوَّزْنَا الرَّجْعَةَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَبْطَلْنَاهَا فِي الرِّدَّةِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا زُوِّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي عِدَّتِهَا ، وَقَبْلَ مُرَاجَعَةِ الزَّوْجِ لَهَا ، وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَرَاجَعَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي ، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ ، وَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ رَجْعَتِهِ حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّتَهَا مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي ، لِأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي بَاطِلٌ فَلَمْ يَكُنْ عِدَّتُهَا مِنْ إِصَابَتِهِ مَانِعَةً مِنْ صِحَّةِ رَجْعَتِهِ ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تُوجِبُ اسْتِبْقَاءَ النِّكَاحِ ، وَوُجُوبَ الْعِدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِبْقَاءِ النِّكَاحِ كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ .

فَصْلٌ : وَإِذَا رَاجَعَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ بَطَلَتْ رَجْعَتُهُ لِبُطْلَانِ عُقُودِهِ ، فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ فِي زَمَانٍ وَيَفِيقُ فِي زَمَانٍ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ فِي إِفَاقَتِهِ ، وَبَطَلَتْ فِي جُنُونِهِ فَلَوِ اخْتَلَفَا فَقَالَ : رَاجَعْتُكِ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ ، وَقَالَتْ رَاجَعْتَنِي فِي حَالِ الْجُنُونِ فَفِيهِ قَوْلَانِ كَالطَّلَاقِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِهِ فِي الْجُنُونِ وَالصِّحَّةِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ، وَرَجْعَةُ الزَّوْجِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ رَاجَعَهَا وَهُوَ سَكْرَانُ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ إِذَا قِيلَ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَلَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهُ إِذَا قِيلَ بِتَخْرِيجِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ ، وَإِنْ وَقَعَ طَلَاقُهُ ، لِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهِ تَغْلِيظٌ وَرَجْعَتَهُ تَخْفِيفٌ ، وَالسَّكْرَانُ يُغَلَّظُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، لِأَنَّنَا نُجْرِي عَلَى سُكْرِهِ حُكْمَ الصِّحَّةِ فَلَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا

غُلِّظَ وَخُفِّفَ ، فَلَوْ رَاجَعَهَا وَهِيَ مَجْنُونَةٌ أَوْ سَكْرَانَةٌ صَحَّتْ رَجْعَتُهَا ، لِأَنَّ نِكَاحَهَا فِي جُنُونِهَا وَسُكْرِهَا يَصِحُّ فَكَانَتْ رَجْعَتُهَا أَصَحَّ .

فَصْلٌ : وَإِذَا شَكَّ الزَّوْجُ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ رَجْعَتُهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالشَّكِّ مُلْغًى فَيَسْقُطُ حُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ فِي الرَّجْعَةِ . وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الرَّجْعَةَ ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا . وَأَمَرَهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَفْسَدُ . وَقَدْ حَكَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ : لَا أَدْرِي أَطَلَّقْتُ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : هِيَ امْرَأَتُكَ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَنَّكَ طَلَّقْتَهَا فَذَهَبَ إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ : رَاجِعْهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَلَّقْتَهَا لَا تَضُرَّكَ الرَّجْعَةُ فَذَهَبَ إِلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ : طَلِّقْهَا ثُمَّ رَاجِعْهَا ، قَالَ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ فَأَخْبَرَهُ بِمَقَالَتِهِمْ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَفْتَاكَ بِالْفِقْهِ . وَأَمَّا سُفْيَانُ فَأَفْتَاكَ بِالْوَرَعِ وَالِاحْتِيَاطِ ، وَأَمَّا شَرِيكٌ فَسَأَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا فِيهِ مَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ مَرَّ بِثَقْبٍ فَسَالَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ نَجِسٌ ، وَأَمَّا سُفْيَانُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يَضُرَّهُ الْغَسْلُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَقَدْ غَسَلَهُ ، وَأَمَّا شَرِيكٌ فَقَالَ بُلْ عَلَيْهِ ثُمَّ اغْسِلْهُ .

بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا

بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا حكم مراجعتها قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَشَكَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ ثَلَاثًا زَوْجَهَا بَعْدَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رَفَاعَةَ ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ كُلُّ زَوْجٍ وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ مِنْ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَاقِلَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ إِذَا اسْتَكْمَلَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، وَيَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي ، فَتَحِلَّ بَعْدَهُ لِلْأَوَّلِ بِعَقْدِ الثَّانِي وَإِصَابَتِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِعَقْدِ الثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فَجَعَلَا الشَّرْطَ فِي إِبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ عَقْدَ الثَّانِي دُونَ إِصَابَتِهِ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ الْبَقَرَةِ : ] . وَاسْمُ النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ دُونَ الْوَطْءِ . وَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ . وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ زَوْجَهَا وَقَالَتْ إِنَّمَا مَعَهُ كَهُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ : لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَهَذَا نَصٌّ . وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ طَلَّقَ الْعُمَيْصَاءَ فَنَكَحَهَا رَجُلٌ فَطَلَّقَهَا ، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَوْ طَلَّقَهَا رَجُلٌ فَتَزَوَّجَهَا عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ هَلْ تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ؟ فَقَالَ لَهَا : هَلْ قَرَبَكِ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ لَهُ إِلَّا كَهُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ : فَلَا إِذًا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ زَوْجًا فَخَلَا

بِهَا وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَكَشَفَ الْقِنَاعَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إِنْ طَلَّقَهَا الثَّانِي ؟ فَقَالَ : لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا . وَالْعُسَيْلَةُ : مُخْتَلِفٌ فِيهَا فَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ إِلَى أَنَّهَا لَذَّةُ الْجِمَاعِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا الْإِنْزَالُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا الْجِمَاعُ ، لِأَنَّ اللَّذَّةَ زِيَادَةٌ وَالْإِنْزَالَ غَايَةٌ . وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ . وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُصِيبَهَا الثَّانِي وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ وَهِيَ مَاؤُهُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالَفَةٌ ، لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ شَرْطُ عُقُوبَةٍ لِلْأَوَّلِ ، وَزَجْرٌ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِتَدْعُوَهُ الْحَمِيَّةُ وَالْأَنَفَةُ مِنْ نِكَاحِ الزَّوْجَةِ أَنْ لَا يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا : لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَيُرَاجِعُونَ ، فَلَوْ حَلَّتْ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ إِصَابَةٍ لَمَا دَخَلَهُ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الثَّلَاثِ كَمَا يَدْخُلُهُ إِذَا وُطِئَتْ ، فَلِذَلِكَ صَارَ الْوَطْءُ مَشْرُوطًا . فَأَمَّا الْآيَةُ وَأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْعَقْدُ دُونَ الْوَطْءِ فَمِنْهَا جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَقْدَ حَقِيقَةٌ فِي النِّكَاحِ ، فَجَازَ فِيهِ الْوَطْءُ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجَازِهِ بِدَلِيلٍ ، وَالسُّنَّةُ أَقْوَى دَلِيلٍ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَسَّرَتِ السُّنَّةُ الْكِتَابَ وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْقُرْآنُ هُوَ السُّنَّةُ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْكِتَابَ أَوْجَبَ شَرْطًا هُوَ الْعَقْدُ ، وَالسُّنَّةَ أَوْجَبَتْ شَرْطًا ثَانِيًا وَهُوَ الْإِصَابَةُ فَاقْتَضَى وُجُوبَ أَحَدِهِمَا بِالْكِتَابِ ، وَوُجُوبَ الْآخَرِ بِالسُّنَّةِ . وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ أَوْسَعُ لِحُصُولِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ كَذَلِكَ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَالْإِبَاحَةُ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ بِالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ ، وَلَا بِالْفَاسِدِ مِنَ الْعُقُودِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إِلَّا بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ : أَحُدُّهَا : أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ . وَالثَّانِي : أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَطَأَهَا . وَالرَّابِعُ : أَنْ يُطَلِّقَهَا إِمَّا ثَلَاثًا أَوْ دُونَهَا . وَالْخَامِسُ : أَنْ تَقْضِيَ مِنْهُ عِدَّتَهَا فَتَحِلَّ حِينَئِذٍ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَنْكِحَهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْإِبَاحَةُ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ شَرْطَانِ الْعَقْدُ وَالْإِصَابَةُ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " فَإِذَا أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَغَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي فَرْجِهَا فَقَدْ ذَاقَا الْعُسَيْلَةَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ بَيَّنَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا صِفَةَ الشَّرْطَيْنِ أَمَّا الْعَقْدُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا غَيْرَ فَاسِدٍ ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إِذَا اخْتَصَّتْ بِالْعُقُودِ تَعَلَّقَتْ بِالصَّحِيحِ مِنْهَا دُونَ الْفَاسِدِ ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَعْقِدُ نِكَاحًا وَلَا بَيْعًا فَعَقَدَهُمَا عَقْدًا فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ . وَأَمَّا الْوَطْءُ فَيَكُونُ فِي الْقُبُلِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِيهِ . فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ للمحلل فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبَاحَةُ ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ وَإِنْ كَمُلَ بِهِ الْمَهْرُ وَوَجَبَتْ بِهِ الْعِدَّةُ ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لِلْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ وَالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَمُوَافِقًا لَهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ، وَإِذَا لَمْ يُحِلَّهَا إِلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فَلَا يَكُونُ بِدُونِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ ، لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَكَمَالَ الْمَهْرِ وَوُجُوبَ الْحَدِّ وَالْغَسْلِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ لِيَلْتَقِيَ بِهَا الْخِتَانَانِ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَهَا كَذَلِكَ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ وَسَوَاءٌ حَصَلَ مَعَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ إِنْزَالٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ ، لِأَنَّهُمَا قَدْ ذَاقَا الْعُسَيْلَةَ بِتَغْيِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلَا ، وَكَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سَائِرُ الْأَحْكَامِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا فَالْإِصَابَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَفْتَضَّهَا وَلَيْسَ الِافْتِضَاضُ شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ، وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ ، لِأَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ فِي مَخْرَجِ الْحَيْضِ ، وَهُوَ فِي الْبِكْرِ يَضِيقُ عَنْ مَدْخَلِ الذَّكَرِ ، فَإِذَا دَخَلَ اتَّسَعَ بِهِ الثَّقْبُ فَانْخَرَقَتْ بِهِ الْجِلْدَةُ فَزَالَتِ الْبَكَارَةُ الَّتِي هِيَ ضِيقُ الثَّقْبِ فَكَانَ هُوَ الِافْتِضَاضَ ، فَلَوْ أَرَادَ الثَّانِي افْتِضَاضَهَا بِوَطْئِهِ أَحَلَّهَا ، وَالِافْتِضَاضُ هُوَ خَرْقُ الْحَاجِزِ الَّذِي بَيْنَ مَخْرَجِ الْحَيْضِ - وَهُوَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ - وَبَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَهَذَا يُحِلُّهَا ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ مِنَ الِافْتِضَاضِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي الْإِبَاحَةِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْجِمَاعِ وَضَعِيفُهُ لَا يُدْخِلُهُ إِلَّا بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِهَا المحلل " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، لَا فَرْقَ فِي وَطْءِ الثَّانِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَوِيَّ الْجِمَاعِ أَوْ ضَعِيفَهُ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَذُوقُ بِهِ الْعُسَيْلَةَ ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، فَأَمَّا قَوْلُهُ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ يَدِهَا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْتِشَارِهِ فَسَوَاءٌ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ أَوِ اسْتَدْخَلَتْهُ الْمَرْأَةُ بِيَدِهَا فِي حُصُولِ الْإِبَاحَةِ بِهِ . فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ عَلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِيَدِهِ أَوْ يَدِهَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ : لَا تَحْصُلُ بِهِ الْإِبَاحَةُ ، وَلَا تَتَعَلَّقْ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ ، وَلَا يُجِبْ بِهِ الْغُسْلُ ، لِأَنَّ عُرْفَ الْوَطْءِ لَا يَتَنَاوَلُهُ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ حُكْمٌ ، وَلِأَنَّ الْعُسَيْلَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالشَّهْوَةِ ،

وَالشَّهْوَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الِانْتِشَارِ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ ، وَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ بِالذَّكَرِ الْمُنْتَشِرِ ، لِأَنَّ لِينَ الذَّكَرِ ضَعْفٌ ، وَانْتِشَارَهُ قُوَّةٌ ، وَضَعْفُ الْجِمَاعِ وَقُوَّتُهُ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ لِينُ الذَّكَرِ وَانْتِشَارُهُ سَوَاءٌ إِذَا أَمْكَنَ دُخُولُ الْحَشَفَةِ مَعَ لِينِهِ ، وَلِأَنَّ وُجُودَ اللَّذَّةِ فِي ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَحَلَّهَا إِنْ لَمْ تَذُقْ عُسَيْلَتَهُ ، وَلَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ حَلَّتْ ، وَإِنْ لَمْ يَذُقْ عُسَيْلَتَهَا فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَبِيٍ مُرَاهِقٍ أَوْ مَجْبُوبٍ بَقِيَ لَهُ قَدْرُ مَا يُغَيِّبُهُ تَغْيِيبًا غَيْرَ الْخَصِيِّ وَسَوَاءٌ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي غَيْرَ بَالِغٍ المحلل وَقَدْ عَقَدَ عَلَيْهَا نِكَاحًا صَحِيحًا لَهُ حَالَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا قَدِ انْتَشَرَ ذَكَرُهُ وَيَطَأُ مِثْلُهُ ، فَوَطْؤُهُ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ ، كَالْبَالِغِ . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ طِفْلًا لَا يَطَأُ مِثْلُهُ ، وَلَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ ، فَالْوَطْءُ مُسْتَحِيلٌ مِنْ مِثْلِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِدْخَالُ ذَكَرِهِ عَبَثًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِحْلَالٌ فَخَالَفَ الْبَالِغَ إِذَا أَوْلَجَ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ ، لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي انْطِلَاقِ اسْمِ الْوَطْءِ عَلَيْهَا فَاخْتَلَفَا فِي حُكْمِهِ . وَأَمَّا الْخَصِيُّ فَهُوَ الْمَسْلُولُ الْأُنْثَيَيْنِ السَّلِيمُ الذَّكَرِ فَوَطْؤُهُ يُحِلُّهَا كَالْفَحْلِ ، بَلْ وَطْؤُهُ أَقْوَى لِعَدَمِ إِنْزَالِهِ ، وَقِلَّةِ فُتُورِهِ . فَأَمَّا الْمَجْبُوبُ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ الذَّكَرِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ إِيلَاجُهُ اسْتَحَالَ الْوَطْءُ مِنْهُ فَلَمْ يُحِلَّهَا ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ إِيلَاجُهُ فَإِنْ كَانَ دُونَ مِقْدَارِ الْحَشَفَةِ لَمْ يُحِلَّهَا ، لِأَنَّ السَّلِيمَ الذَّكَرِ لَوْ أَوْلَجَ دُونَ الْحَشَفَةِ ، لَمْ يُحِلَّ ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ بِمِثْلِ مِقْدَارِ الْحَشَفَةِ فَمَا زَادَ أَحَلَّهَا ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي إِحْلَالِهِ تَغْيِيبُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ المحلل فِيهِ أَوْ يُعْتَبَرُ تَغْيِيبُ جَمِيعِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُعْتَبَرُ مِنْهُ تَغْيِيبُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ ، فَإِذَا غَيَّبَ مِنْ بَاقِيِ ذَكَرٍ ، قَدْرَ الْحَشَفَةِ أَحَلَّ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُحِلُّهَا إِلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي لِأَنَّ ذَهَابَ الْحَشَفَةِ مِنْهُ قَدْ أَسْقَطَ حُكْمَهَا فَانْتَقَلَ إِلَى الْبَاقِي بَعْدَهَا .

فَصْلٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَسَوَاءٌ كُلُّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ في نكاح المحل " يَعْنِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا مَعَ الزَّوْجَةِ الْكَافِرَةِ عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا ، وَكَذَلِكَ

الزَّوْجَةُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً ، لِأَنَّهَا إِصَابَةٌ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَصَابَهَا صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً أَسَاءَ وَقَدْ أَحَلَّهَا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ من المحلل عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ . فَأَمَّا تَحْرِيمُهُ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَكَالْوَطْءِ فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إِحْرَامٍ فَهُوَ يُحِلُّهَا وَإِنْ حُرِّمَ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُحِلُّهَا حَتَّى تَكُونَ حَلَالًا ، فَإِنْ كَانَ حَرَامًا لَا تَحِلُّ كَالزِّنَا ، وَكَالْوَطْءِ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ فَجَعَلَ الْإِبَاحَةَ بِشَرْطَيْنِ الْعَقْدِ وَذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ ، وَقَدْ وُجِدَا فَوَجَبَ أَنْ يُوجِدَا الْإِبَاحَةَ ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّحْلِيلُ كَالْمُبَاحِ . فَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يُحِلُّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِيهِ نِكَاحَ زَوْجٍ . وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالشِّغَارِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ إِلَى صِحَّةِ عَقْدٍ ، وَإِنْ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ فَاشْتَبَهَ الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ ، إِذَا خَلَا عَنْ عَقْدٍ ، وَقَدْ خَرَجَ قَوْلٌ آخَرُ فِي الْقَدِيمِ مِنْ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أَنَّهُ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَفْسُدُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ فَهُوَ أَنْ يُحِلَّ ، فَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا لِتَحَلَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَيَتَمَسَّكَ بِهَا فَتَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَنْكِحُهُ لِيُحِلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ حَتَّى تَعُودَ إِلَيْهِ فَهَذَا مَحْظُورٌ . رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَحِلَّ وَالْمُسْتَحَلَّ لَهُ كَلَاهُمَا وَإِنْ كَانَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ ، وَإِنْ كَانَ إِلَى عِشْرِينَ سَنَةً ، وَإِنْ كَانَ إِلَى ثَلَاثِينَ . رَوَى اللَّيْثُ عَنْ مِشْرَحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : هُوَ الْمُحَلِلُّ ثُمَّ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ وَحُظِرَ هَذَا الشَّرْطُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَقَدَّمَ الْعَقْدَ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ الْعُقُودَ مِنَ الشُّرُوطِ لَا تَلْزَمُ ، فَصَارَ وُجُودُ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ كَعَدَمِهِ ، غَيْرَ أَنَّنَا نَكْرَهُهُ ، وَهَكَذَا لَوْ أَضْمَرَهُ الزَّوْجَانِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ كَرِهْنَاهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ ، وَإِنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَوْ نُطِقَ بِهِ فِي الْعَقْدِ أَفْسَدَهُ فَمَكْرُوهٌ إِضْمَارُهُ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يُصَرِّحَا بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْعَقْدِ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى أَنْ يُحِلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَهَذَا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ مَكْرُوهٌ ، وَالْعَقْدُ مَعَهُ صَحِيحٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ الْفُرْقَةُ ، وَهَكَذَا حُكْمُ نِكَاحِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ ، فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الثَّانِي مَعَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ بِطَلَاقِهَا ، فَإِنْ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا أَحَلَّهَا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى أَنْ يُحِلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا أَحَلَّهَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا ، فَهَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ إِلَى مُدَّةٍ ، وَهَذَا أَفْسَدُ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، لِأَنَّهُ إِلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، وَهَلْ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ إِذَا أَصَابَهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا : لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ قَدْ سَلَبَهُ حُكْمَهُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الشُّبْهَةِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ إِحْلَالِهَا لَهُ ، فَذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ بِاسْمِ النِّكَاحِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَحُكْمِهِ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ . وَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ إِطْلَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْإِحْلَالِ عَلَيْهِ فِي نَهْيِهِ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَنَاكَحِ الْفَاسِدَةِ غَيْرَ مُحِلِّ لَهَا بِخِلَافِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهَذَا الِاسْمِ دُونَ غَيْرِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِوَطْئِهِ طَلَّقَهَا فَفِي فَسَادِ هَذَا الْعَقْدِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فَاسِدٌ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّنِي إِذَا أَحْلَلْتُكِ فَلَا نِكَاحَ بَيْنِنَا ، فَعَلَى هَذَا ، هَلْ يُحِلُّهَا أَمْ لَا ؟ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ عَلَى الْجَدِيدِ لَا يُحِلُّهَا ، وَعَلَى الْقَدِيمِ يُحِلُّهَا ، وَفِي الْعِلَّةِ وَجْهَانِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ قُرِنَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ فَبَطَلَ الشَّرْطُ ، وَثَبَتَ الْعَقْدُ ، فَعَلَى هَذَا هُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ إِصَابَتِهَا بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يُقِيمَ مَعَهَا ، وَلَيْسَ

لِلشَّرْطِ تَأْثِيرٌ فِي إِجْبَارِهِ عَلَى طَلَاقِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا أَحَلَّهَا قَوْلًا وَاحِدًا لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ .

فَصْلٌ : وَالْمَخْرَجُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِحْلَالَ نكاح المحلل وَأَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ وَمِنَ امْتِنَاعِ الثَّانِي مِنَ الطَّلَاقِ ، وَمِنْ إِحْبَالِهَا بِالْوَطْءِ ، أَنْ تُزَوَّجَ بِعَبْدٍ مُرَاهِقٍ لَمْ يَبْلُغْ ، فَإِذَا أَصَابَهَا وُهِبَ لَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بِالْهِبَةِ ، لِأَنَّهَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا ، وَقَدْ حَلَّتْ بِإِصَابَتِهِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَأَمِنَتْ مِنْهُ الْإِحْبَالَ لِعَدَمِ الْبُلُوغِ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ أَصَابَ الذِّمِّيَّةَ زَوْجٌ ذِمِّيٌّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَحَلَّهَا لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ زَوْجٌ وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَلَا يَرْجُمُ إِلَّا مُحْصَنًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا طَلَّقَ الْمُسْلِمَ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ زَوْجًا ذِمِّيًّا ، وَأَصَابَهَا حَلَّتْ بِإِصَابَتِهِ لِلْمُسْلِمِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُحِلُّهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي فَسَادِ مَنَاكِحِهِمْ ، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَذَكَرْنَا الْعَفْوَ عَنْ مَنَاكِحِهِمْ ، وَجَوَازَ الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَدْ أَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ عَلَى نِكَاحِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ الْبَقَرَةِ : ] . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا ، وَلَا يَرْجُمُ إِلَّا مُحْصَنَيْنِ ، وَلَا يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ إِلَّا بِالْإِصَابَةِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ يُقِرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الصِّحَّةِ كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَوْ كَانَتِ الْإِصَابَةُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا لَمْ تُحِلَّهَا الْإِصَابَةُ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) لَا مَعْنَى لِرُجُوعِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الَّتِي قَدْ أَحَلَّتْهَا إِصَابَتُهُ إِيَّاهَا لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَقَدِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِهِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَقَدْ أَحَلَّهَا إِصَابَتُهُ إِيَّاهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ فَكَيْفَ لَا يُحِلُّهَا ؟ ! فَتَفَهَّمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا فَأَصَابَهَا الزَّوْجُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ رِدَّتِهَا لَمْ يُحِلَّهَا الْوَطْءُ فِي الرِّدَّةِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ : لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ جَارِيَةٌ فِي فُرْقَةٍ فَصَارَ الْوَطْءُ فِيهِ مَعَ تَحْرِيمِهِ مُصَادِقًا لِعَقْدِ مُسْلِمٍ يُفْضِي إِلَى فَسْخٍ ، فَزَالَ عَنْهُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَالَفَ الصَّائِمَةَ وَالْمُحْرِمَةَ وَالْحَائِضَ : لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَقَدْ صَادَفَ عَقْدًا كَامِلًا لَمْ يَتَثَلَّمْ شَيْءٌ مِنْهُ ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي الْإِبَاحَةِ . فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ : لِأَنَّ الرِّدَّةَ إِنْ طَرَأَتْ عَلَى النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ الْعَقْدُ ، وَكَانَ الْوَطْءُ بَعْدَهُ

وَطْئًا فِي غَيْرِ عَقْدٍ : لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ ، فَإِذَا طَرَأَ مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بَانَتْ ، وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَتِلْكَ الْإِصَابَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الرِّدَّةِ قَدْ أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إِصَابَتُهَا فِي الرِّدَّةِ . وَظَاهِرُ الِاعْتِرَاضِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا خَرَّجُوا لِصِحَّةِ الْمَسْأَلَةِ وَالْجَوَابِ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ وُجُوهًا : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ صَوَّرَهَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْخَلْوَةَ تُوجِبُ الْعِدَّةَ ، وَكَمَالَ الْمَهْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهَا الْإِحْلَالُ لِلْأَوَّلِ ، فَإِذَا ارْتَدَّتْ كَانَ نِكَاحُهَا مَوْقُوفًا عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، فَإِذَا أَصَابَهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَمْ يُحِلَّهَا ، فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْجَدِيدِ فِي أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ . وَالثَّانِي : أَنَّ صُورَتَهَا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ مَعًا فِي الْمَوْطُوءَةِ فِي الدُّبُرِ تَجِبُّ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا وَيُكْمِلِ الْمَهْرَ لَهَا ، وَلَا يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ كَانَ نِكَاحُهَا مَوْقُوفًا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَإِنْ أَصَابَهَا فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُحِلَّهَا . وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي مَوْطُوءَةٍ دُونَ الْفَرْجِ إِذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَ الزَّوْجِ وَجَبَتِ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ يُحِلَّهَا ، فَإِذَا ارْتَدَّتْ كَانَ نِكَاحُهَا مَوْقُوفًا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُحِلَّهَا ، وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْجَدِيدِ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُحِلُّهَا . فَأَمَّا إِنْ قِيلَ بِتَخْرِيجِ قَوْلِهِ الثَّانِي فَالْوَطْءُ فِي الرِّدَّةِ أَوْلَى أَنْ يُحِلَّهَا : لِأَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا مَا صَادَفَ عَقْدًا فَاسِدًا فَأَوْلَى أَنْ يُحِلَّهَا مَا صَادَفَ عَقْدًا صَحِيحًا مَوْقُوفًا مِثْلَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَوْ ذَكَرْتَ أَنَّهَا نُكِحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُصِيبَتْ وَلَا نَعْلَمُ حَلَّتْ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَفْعَلَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَصُورَتُهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إِذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا نُكِحَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا زَوْجًا دَخَلَ بِهَا ، وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ مِنْهُ عَدَّتُهَا لِيَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقْصُرَ الزَّمَانُ عَنِ انْقِضَاءِ عِدَّتَيْنِ وَعَقْدٍ وَإِصَابَةٍ فَقَوْلُهَا مَرْدُودٌ لِلْإِحَاطَةِ بِكَذِبِهَا . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ مُتَّسِعًا لِذَلِكَ فَلَا تَخْلُو حَالُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَعَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :

أَحَدُهَا : أَنْ يَتَيَقَّنَ كَذِبَهَا فَيَحْرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا . وَالثَّانِي : أَنْ يَتَيَقَّنَ صِدْقَهَا فَيَجُوزَ نِكَاحُهَا . وَالثَّالِثُ : أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ صِدْقَهَا وَلَا كَذِبَهَا فَإِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حُكْمًا وَوَرَعًا وَإِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ كَذِبُهَا كَرِهْنَا لَهُ وَرَعًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَجَازَ لَهُ فِي الْحُكْمِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا : لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُمْكِنُهَا إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنَ الْإِصَابَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَجَازَ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهَا ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ مَعَ جَوَازِ كَذِبِهَا كَالْمُحْدِثِ إِذَا غَابَ وَعَادَ فَذَكَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ جَازَ الْإِتْمَامُ بِهِ مَعَ جَوَازِ كَذِبِهِ : لِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى نِيَّتِهِ مُتَعَذِّرَةٌ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهَا فِي الْإِصَابَةِ ، وَهُوَ أَحَدُ شَرْطَيِ الْإِبَاحَةِ جَازَ قَبُولُ قَوْلِهَا فِي الشَّرْطِ الثَّانِي ، وَهُوَ الْعَقْدُ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ غَابَ مَعَ زَوْجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَذَكَرَ مَوْتَ زَوْجَتِهِ حَلَّ لِأُخْتِهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْمَوْتِ مَقْبُولًا ، وَلَكِنْ لَوْ غَابَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ أُخْتِهَا ، ثُمَّ قَدِمَتِ الْأُخْتُ ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَوْتَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْعَقْدُ عَلَى أُخْتِهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَيَقَّنَ زَوَالَ مِلْكِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأُخْتُ : لِأَنَّهَا لَا مِلْكَ لَهَا ، فَجَازَ أَنْ يُرْجَعَ إِلَى قَوْلِ الزَّوْجِ فِي مَوْتِ أُخْتِهَا . وَلَوْ قَالَتِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا : نَكَحْتُ زَيْدًا وَطَلَّقَنِي بَعْدَ الْإِصَابَةِ ، فَقَالَ زَيْدٌ : طَلَّقْتُهَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْإِصَابَةِ وَتُدْخِلُ عَلَى الثَّانِي ضَرَرًا فِي تَكْمِيلِ الْمَهْرِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِيهِ ، وَغَيْرُ مُدْخِلَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ ضَرَرًا فَقُبَلَ قَوْلُهَا فِيهِ . فَلَوْ قَالَ زَيْدٌ : لَمْ أَتَزَوَّجْهَا وَقَالَتْ : قَدْ تَزَوَّجَنِي وَأَصَابَنِي وَطَلَّقَنِي قُبِلَ قَوْلُهَا فِي إِحْلَالِهَا لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَذَّبَهَا الثَّانِي ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ ائْتِمَانِهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الثَّانِي ، فَلَوْ أَقَرَّ زَيْدٌ بِتَزْوِيجِهَا وَإِصَابَتِهَا وَادَّعَتْ عَلَيْهِ طَلَاقَهَا فَأَنْكَرَهَا حُرِّمَتْ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا : لِأَنَّ إِنْكَارَ الثَّانِي لِطَلَاقِهَا مُوجِبٌ لِبَقَائِهَا عَلَى نِكَاحِهِ فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فِي طَلَاقِهَا .

فَصْلٌ : وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ تَحِلَّ بِهِ لِلزَّوْجِ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَحَلَّهَا بِالْإِصَابَةِ مَنْ زَوْجٍ ، وَلَوِ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِلَّ بِزَوْجٍ الزوجة الأمة المطلقة ثلاثا فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ إِصَابَةِ زَوْجٍ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَحِلُّ : لِأَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ شَرْطٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ لَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ إِصَابَةِ زَوْجٍ : لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ عَلَيْهِ إِلَّا بِوُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانٍ فَوَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً فَوَطِئَهَا قَاصِدًا بِوَطْئِهَا

الزِّنَى حَلَّتْ بِهَذَا الْوَطْءِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ نِكَاحًا صَحِيحًا ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ أَنْ يَكُونَ سِفَاحًا وَلَوْ آوَى إِلَى فِرَاشِهِ فَوَجَدَ فِيهِ امْرَأَةً فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا ، لَمْ تَحِلَّ بِهَذَا الْوَطْءِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ : لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ عَقْدٍ ، وَإِنِ اعْتَقَدَ الْوَاطِئُ أَنَّهُ فِي عِقْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
_____كتابُ الْإِيلَاءِ _____

بَابُ الْإِيلَاءِ

بَابُ الْإِيلَاءِ مُخْتَصَرٌ مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ وَالْإِمْلَاءِ وَمَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْأَمَالِي عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَمِنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ إِبَاحَةِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : ] . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْإِيلَاءُ فِي كَلَامِهِمْ فَهُوَ الْحَلِفُ ، يُقَالُ آلَى يُولِي إِيلَاءً فَهُوَ مُولٍ إِذَا حَلَفَ فَالْإِيلَاءُ الْمَصْدَرُ ، وَآلَى ، أَلِيَّةً الِاسْمُ . قَالَ جَرِيرٌ : وَلَا خَيْرَ فِي مَالٍ عَلَيْهِ أَلِيَّةٌ وَلَا فِي يَمِينٍ عُقِدَتْ بِالْمَآثِمِ وَجَمْعُ الْأَلِيَّةِ آلَايَا ، قَالَ الشَّاعِرُ : قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ فَإِنِ اشْتَقَقْتَ الِافْتِعَالَ مِنَ الْأَلِيَّةِ قُلْتَ أَتْلَى يَأْتَلِي ائْتِلَاءً ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى [ النُّورِ : ] . فَالْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ هِيَ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ بِهَا حَالِفٌ عَلَى زَوْجَةٍ ، أَوْ غَيْرِ زَوْجَةٍ فِي طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ . فَأَمَّا الْإِيلَاءُ فِي الشَّرْعِ : فَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا مُدَّةً يَصِيرُ بِهَا مُولِيًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ .

فَصْلٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ . كَانَتِ الْفُرْقَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بين الزوجين ، أسبابها بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالطَّلَاقِ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْإِيلَاءِ ، فَنَقَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلَاءَ ، وَالظِّهَارَ عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ إِيقَاعِ الْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُهَا فِي الشَّرْعِ ، وَبَقِيَ حُكْمُ الطَّلَاقِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ . وَالْأَصْلُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ

[ الْبَقَرَةِ : ] وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : لِلَّذِي يُؤْلُونَ أَنْ يَعْتَزِلُوا مِنْ نِسَائِهِمْ ، فَتُرِكَ أَنْ يَعْتَزِلُوا اكْتِفَاءً بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى . وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِكُلِّ يَمِينٍ الْتَزَمَ بِالْحِنْثِ فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ سَوَاءٌ كَانَ حَالِفًا بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ . وَفِيمَا يَصِيرُ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ مُولِيًا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْيَمِينُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَيَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا هُوَ الْإِيلَاءُ ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا إِذَا حَلَفَ عَلَى غَيْرِ الْوَطْءِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى مِسَاسِ زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ إِذَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ . ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ : تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [ الْبَقَرَةِ : ] يَعْنِي انْتِظَارَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُؤَجَّلُ بِهَا الْمُولِي ، وَفِيهَا مَذْهَبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا أَجْلٌ مُقَدَّرٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا أَجْلٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَهَا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ . ثُمَّ قَالَ فَإِنْ فَاءُوا [ الْبَقَرَةِ : ] أَيْ رَجَعُوا ، وَالْفَيْئَةُ : الرُّجُوعُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [ الْحُجُرَاتِ : ] أَيْ تَرْجِعَ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ . فَفَاءَتْ وَلَمْ تَقْضِ الَّذِي أَقْبَلَتْ لَهُ وَمِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ قَاضِيًا وَفِيمَا أُرِيدَ بِالْفَيْئَةِ هَاهُنَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْجِمَاعُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَالثَّانِي : هُوَ الْمُرَاجَعَةُ بِاللِّسَانِ بِكُلِّ مَا أَزَالَ مَسَاءَتَهَا وَدَفْعَ الضَّرَرَ عَنْهَا ، وَهَذَا قَوْلُ مِنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ الْيَمِينُ عَلَى مَسَاءَتِهَا وَقَصْدِ الْإِضْرَارِ بِهَا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : غَفُورٌ لِمَآثِمِهِ مَعَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ .

وَالثَّانِي : غَفُورٌ فِي تَخْفِيفِ الْكَفَّارَةِ وَإِسْقَاطِهَا ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَلْزَمُ فِيمَا كَانَ الْحِنْثُ فِيهِ بَرًّا . وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ [ الْبَقَرَةِ : ] وَفِي عَزِيمَتِهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الطَّلَاقَ أَنْ لَا يَفِيءَ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَتُطَلَّقَ بِمُضِيِّهَا ، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي يَلْحَقُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ . وَالثَّانِي : طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : أَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَالَبَ بِالْفَيْئَةِ ، أَوْ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَفِيءُ وَيُطَلِّقُ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : سَمِيعٌ لِإِيلَائِهِ ، عَلِيمٌ بِنِيَّتِهِ . وَالثَّانِي : سَمِيعٌ لِطَلَاقِهِ عَلِيمٌ بِصَبْرِهِ .

فَصْلٌ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِيلَاءِ هَلْ عُمِلَ بِهِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نَسْخِهِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عُمِلَ بِهِ قَبْلَ النَّسْخِ ثُمَّ نُسِخَ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُهُ . وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ : بَلْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ . وَإِنَّمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَنَزَلَ إِلَيْهِنَّ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَّلَقْتَ نِسَاءَكَ فَقَالَ : لَا وَلَكِنِّي آلَيْتُ شَهْرًا وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ عَمْرَةُ أَنَّ هَدِيَّةً بُعِثَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا ابْعَثِي إِلَى النِّسَاءِ بِأَنْصَابِهِنَّ فَفَعَلَتْ وَبَعَثَتْ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِنَصِيبِهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ : زِيدِيهَا فَزَادَتْهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ : زِيدِيهَا فَزَادَتْهَا فَرَدَّتْهُ فَقَالَ : زِيدِيهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَقَدْ أَقْمَأَتْكَ هَذِهِ ، فَغَضِبَ وَقَالَ أَنْتُنَّ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ تُقْمِئْنَنِي وَآلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا وَصَعِدَ إِلَى مَشْرَبَتِهِ فَتَخَلَّى فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ

لَيْلَةً نَزَلَ إِلَيْهِنَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنْ لَا سَبِيلَ عَلَى الْمُولِي لِامْرَأَتِهِ حَتَّى يَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا لَوِ ابْتَاعَ بَيْعًا أَوْ ضَمِنَ شَيْئًا إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلُّهُمْ يُوقِفُ الْمُولِي . وَكَانَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَعَائِشَةُ وَابُنُ عُمَرَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ يُوقِفُونَ الْمُولِيَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : أَصِلُ هَذَا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُولِيًا يُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إِذَا حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى : لِأَنَّهَا يَمِينٌ تَمْنَعُهُ مِنَ الْوَطْءِ فَأَشْبَهَ الزَّمَانَ الْمُقَدَّرَ . وَالثَّانِي : أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا عَلَى الْأَبَدِ ، فَإِنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ وَإِنْ طَالَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ : لِأَنَّهُ إِذَا قَدَّرَهُ بِزَمَانٍ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَمْ يَصِرْ مُولِيًا كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي أَقَلَّ مِنْهُ وَيَكُونُ مُولِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرِ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُولِي أَجَلًا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَصْبِرُ النِّسَاءُ فِيهَا عَنِ الرِّجَالِ ، وَحُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَطُوفُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْمَدِينَةِ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَ ذَوِي الْحَاجَاتِ فَمَرَّ بِدَارٍ فَسَمِعَ فِيهَا صَوْتَ امْرَأَةٍ تَقُولُ : أَلَا طَالَ هَذَا اللَّيْلُ وَازْوَرَّ جَانِبُهْ وَلَيْسَ إِلَى جَنْبِي خَلِيلٌ أُلَاعِبُهْ فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ مَخَافَةُ رَبِّي وَالْحَيَاءُ يَكُفَّنِّي وَأُكْرِمُ زَوْجِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهْ فَسَأَلَ عَنْهَا فَذُكِرَ أَنَّهَا قَدْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَعْثِ الْجِهَادِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا بِنِسَاءٍ عَجَائِزَ وَسَأَلَهُنَّ : كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنِ الرَّجُلِ ؟ فَقُلْنَ : شَهْرَيْنِ وَفِي الثَّالِثِ يَقِلُّ الصَّبْرُ ، وَفِي الرَّابِعِ يَنْفَذُ ، فَضَرَبَ لِأَجَلِ الْمُجَاهِدِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَحْبِسُوا رَجُلًا عَنِ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَكَتَبَ إِلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ فَاسْتَدْعَاهُ وَقَالَ : الْحَقْ سَرِيرَكَ قَبْلَ أَنْ تَتَحَرَّكَ جَوَانِبُهُ .



فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ فِي الْإِيلَاءِ مَا أَجَّلَ اللَّهُ فِيهِ ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ في الإيلاء لَمْ يَصِرْ مُولِيًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الإيلاء كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمْ ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ كَانَ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمُدَّةَ أَجَلًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ الْمُدَّةَ أَجَلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَهَا . وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَنِي اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ بالفيئة في الإيلاء فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ مِنَ الْفَيْئَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ طُلِّقَتْ . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ : إِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ اسْتَحَقَّتْ مُطَالَبَتَهُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ الزوجة فَصَارَ الْخِلَافُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي فَصْلٌيْنِ : أَحَدُهُمَا : اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بَعْدَهَا . وَالثَّانِي : الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ يَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ طَلْقَةً بَائِنَةً . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ حَتَّى يُطَالَبَ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَإِنْ لَمْ يَفِئْ أُخِذَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ . وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلَيٌّ ، وَزَيْدٌ ، وَعَائِشَةُ ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ . وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ ، وَطَاوُسٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ . وَمِنَ الْفُقَهَاءِ : مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ ، يُوقِفُ الْمُولِيَ يَعْنِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُولِي فَقَالُوا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدِلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْئَةِ فِي الْمُدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِانْقِضَائِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ : فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ، ] . قَالَ وَفِيهَا ثَلَاثُ أَدِلَّةٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] .

فَأَضَافَ الْفَيْئَةَ إِلَى الْمُدَّةِ فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَيْئَةِ فِيهَا ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ تَفَرَّدَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِهَا تَجْرِي مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ . وَالدَّلِيلُ الثَّانِي مِنْهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَوْ كَانَتِ الْفَيْئَةُ بَعْدَهَا لَزَادَتْ عَلَى مُدَّةِ النَّصِّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ . وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ مِنْهَا : أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَقَعَتِ الْفَيْئَةُ مَوْقِعَهَا فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَيْئَةِ فِيهَا قَالَ : وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَتْ بِالْقَوْلِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْفُرْقَةُ فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَقَّبَهَا الْبَيْنُونَةُ كَالْعِدَّةِ : وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ تَعَلَّقَ بِهِ الْفُرْقَةُ إِلَى مُدَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ بِانْقِضَائِهَا كَمَا لَوْ قَالَ : إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ . وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [ الْبَقَرَةِ : ] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ سِتَّةُ أَدِلَّةٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَضَافَ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ إِلَى الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ فَجَعَلَ الْمَدَّةَ لَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْتَحِقَّ الْمُطَالَبَةَ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا كَأَجَلِ الدَّيْنِ . وَالدَّلِيلُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] فَذَكَرَ الْفَيْئَةَ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَحَقَّ بَعْدَهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [ الْبَقَرَةِ : ] فَاقْتَضَتْ فَاءُ التَّعْقِيبِ أَنْ يَكُونَ الْإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوِ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ بَعْدَ طَلَاقِ الْمَرَّتَيْنِ . فَإِنْ قِيلَ فَاءُ التَّعْقِيبِ فِي الْمُدَّةِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ لَا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مُوجِبِهَا ، قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْإِيلَاءِ ثُمَّ تَلَاهُ الْمُدَّةُ ثُمَّ تَعَقَّبَهَا ذِكْرُ الْفَيْئَةِ فَإِذَا أَوْجَبَتْ إِلْغَاءَ التَّعْقِيبِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَبْعَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَوَجَبَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمَا أَوْ إِلَى أَقْرَبِهِمَا ، وَعَلَى أَيِّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَهُوَ قَوْلُنَا . وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ [ الْبَقَرَةِ : ] فَجَعَلَهُ وَاقِعًا بِعَزْمِ الْأَزْوَاجِ لَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَلَيْسَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ عَزِيمَةً وَإِنَّمَا الْعَزْمُ مَا عَدَّهُ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [ الْبَقَرَةِ : ] فَإِنْ قِيلَ فَتَرْكُ الْفَيْئَةِ عَزْمٌ عَلَى الطَّلَاقِ قِيلَ الْعَزْمُ مَا كَانَ عَنِ اخْتِيَارٍ وَقَصْدٍ وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ تَرْكَ الْوَطْءِ لِشَهْوَةٍ ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَزْمِهِ . وَالدَّلِيلُ الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَهُ فِي الْآيَةِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَلَوْ كَانَ فِي حَالَتَيْنِ لَكَانَ تَرْتِيبًا وَلَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا . وَالدَّلِيلُ الْخَامِسُ : أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمَا إِلَيْهِ لِيَصِحَّ مِنْهُ اخْتِيَارُ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ لِبَطَلَ حُكْمُ خِيَارِهِ .

وَالدَّلِيلُ السَّادِسُ : ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عَنْ قَوْلٍ مَسْمُوعٍ ، فَإِنْ قِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سَمِيعًا عَلِيمًا قَالَ : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] قِيلَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا لِأَنَهُ مَعْقُولٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَذَا فِي آيَةِ الْجِهَادِ سَمِيعٌ لِقَوْلِهِمْ فِي التَّحْرِيضِ ، عَلِيمٌ بِنِيَّتِهِمْ فِي الْجِهَادِ ، وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّهَا مُدَّةٌ تَقَدَّرَتْ بِالشَّرْعِ لَمْ تَتَقَدَّمْهَا الْفُرْقَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَا الْبَيْنُونَةُ كَأَجَلِ الْعُنَّةِ وَقَوْلُنَا تَقَدَّرَتْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازًا مِنْ قَوْلِهِ : إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَوْلُنَا لَمْ تَتَقَدَّمْهَا الْفُرْقَةُ احْتِرَازًا مِنَ الْعِدَّةِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ عَلَّلَ هَذَا الْأَصْلَ بِأَوْضَحِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ ، فَقَالَ : لِأَنَّهَا مُدَّةٌ شُرِعَتْ فِي النِّكَاحِ بِجِمَاعٍ مُنْتَظَرٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَا الْفُرْقَةُ كَأَجَلِ الْعُنَّةِ ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ بِاللَّهِ تَعَالَى تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فَلَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَكَالْإِيلَاءِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ : وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ الْمُعَجَّلُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ الْمُؤَجَّلُ كَالظِّهَارِ : وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ قَدْ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ كَالظِّهَارِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ : لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ حُكْمٍ مَنْسُوخٍ : وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ وَلَيْسَ الْإِيلَاءُ صَرِيحًا فِيهِ وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا لَوَقَعَ مُعَجَّلًا إِنْ أَطْلَقَ أَوْ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى إِنْ قَيَّدَهُ وَلَوْ كَانَ كِنَايَةً لَرُجِعَ فِيهِ إِلَى نِيَّتِهِ وَلَيْسَ الْإِيلَاءُ كَذَلِكَ وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِاللِّعَانِ حَيْثُ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً : لِأَنَّ اللِّعَانَ يُوقِعُ الْفَسْخَ وَلَا يُوقِعُ الطَّلَاقَ ، وَالْفَسْخُ يَقَعُ بِغَيْرِ قَوْلٍ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِقَوْلٍ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهَا ثِقَاةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَشَذَّتْ ، وَالشَّاذُّ مَتْرُوكٌ ، وَلَوْ ثَبَتَتْ وَجَرَتْ مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ لَحُمِلَتْ عَلَى جَوَازِ الْفَيْئَةِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّكُمْ تَزِيدُونَ عَلَى مُدَّةِ التَّرَبُّصِ ، فَهُوَ أَنَّنَا لَا نَزِيدُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا نُقَدِّرُ بِهَا مُطَالَبَةَ الْفَيْئَةِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : إِنَّ جَوَازَ الْفَيْئَةِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ فِيهِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْعِدَّةِ مَعَ انْتِقَاضِهِ بِمُدَّةِ الْعُنَّةِ فَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ فِيهَا لَمَّا تَقَدَّمَتْهَا الْفُرْقَةُ جَازَ أَنْ تَقَعَ بِهَا الْبَيْنُونَةُ ، وَلَمَّا لَمْ تَتَقَدَّمْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَقَعَ بِهَا الْفُرْقَةُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَعَ انْتِقَاضِهِ بِمُدَّةِ الْعُنَّةِ ، أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ قَبْلَهَا وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ

أَشْهُرٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهَا وَلَيْسَ الْإِيلَاءُ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَالْمُولِي مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ يَلْزَمُهُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نِفْسِهِ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُولِي " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِيلَاءَ شرعا يَمِينٌ يَحْلِفُهُ بِهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْيَمِينَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ فِيهَا شَيْءٌ كَالْيَمِينِ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالسَّمَاءِ وَالْعَرْشِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْأَيْمَانِ فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ ، وَإِنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ شَيْئًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ فِيهَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا مُولٍ يُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِالْعِتْقِ ، أَوِ الطَّلَاقِ ، أَوِ الصَّدَقَةِ ، أَوِ الصِّيَامِ كَأَنْ قَالَ : إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ عَمْرَةُ طَالِقٌ لِزَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ ، أَوْ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ، أَوِ اعْتِكَافُ شَهْرٍ إِلَى مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْأَيْمَانِ الَّتِي إِذَا حَنِثَ فِيهَا لَزِمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ فَيَكُونُ حَالِفًا وَهَلْ يَصِيرُ بِهَذَا الْحَلِفِ مُولِيًا يُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ مُولِيًا مَا لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [ الْبَقَرَةِ : ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [ الْبَقَرَةِ : ] يَعْنِي بِاللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [ الْبَقَرَةِ : ] فَعَطَفَ بِهِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا بِهِ : وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَيْمَانِ مَحْمُولَةٌ عُرْفًا وَشَرْعًا عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ ، أَمَّا الْعُرْفُ فَلِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ فُلَانٌ قَدْ حَلَفَ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إِلَّا الْحَلِفَ بِاللَّهِ إِلَّا أَنْ يُقَيِّدَ فَيُقَالُ حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَوِ الطَّلَاقِ ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ فَلْيَصْمُتْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ الْإِيلَاءِ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا الْمَعْهُودِ مِنْ عُرْفٍ ، أَوْ شَرْعٍ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : ] وَغُفْرَانُ الْمَأْثَمِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ .

وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ الَّذِي يُسْتَضَرُّ بِالْحِنْثِ فِيهِ فَيَلْتَزِمُ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ ، وَالْيَمِينُ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَدْ لَا يُسْتَضَرُّ بِالْحِنْثِ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يَطَأَ بَعْدَ بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَلْتَزِمُ بِالْحِنْثِ بِالْوَطْءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونُ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ فِي هَذَا الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ حَالِفًا لِأَنَّهُ قَدْ يَطَؤُهَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الدَّارِ ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ كَانَتْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَكُونُ مُولِيًا إِذَا حَلَفَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَيَكُونُ مُولِيًا إِذَا حَلَفَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ حَالِفٍ ، وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُطْلَقًا كَانَ إِجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ يَلْتَزِمُ بِالْحِنْثِ فِيهَا مَا لَمْ يَلْزَمْهُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُولِيًا كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ مَا أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى الْمُولِي وَقَدْ يَكُونُ الضَّرَرُ فِي يَمِينِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ مِنَ الضَّرَرِ مِنْ يَمِينِهِ بِاللَّهِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِهِمَا مُولِيًا .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي مِنْهُمَا يَكُونُ التَّفْرِيعُ ، فَإِذَا قَالَ : إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِوَطْئِهَا ، وَلَوْ قَالَ : فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ لَمْ يُعْتَقْ بِالْوَطْءِ وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِهِ أَوْ كَفَّارَةٍ وَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ مُولٍ ، وَلَوْ قَالَ : إِنْ وَطِئْتُكِ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَوَطِئَهَا طُلِّقَتْ زَيْنَبُ وَيَكُونُ مُولِيًا ، وَلَوْ قَالَ : إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَلَيَّ طَلَاقُ زَيْنَبَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا : لِأَنَّهُ إِنْ وَطِئَهَا لَمْ تُطَلَّقْ زَيْنَبُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقُهَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ إِنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقِفَ دَارِي كَانَ مُولِيًا ، وَلَوْ قَالَ فَدَارِي وَقْفٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِخِلَافِ الْعِتْقِ : لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِوَطْئِهَا وَقْفًا وَيَصِيرُ الْعَبْدُ بِوَطْئِهَا حُرًّا وَلَوْ قَالَ إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِزَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ كَانَ مُولِيًا : لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهَا تَجِبُ كَانَ مُولِيًا ، وَإِنْ قِيلَ لَا تَجِبُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : " وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِأَحَدِ أَسْمَاءِ الْجِمَاعِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاللَّهِ لَا أَنِيكُكِ وَلَا أُغَيِّبُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ أَوْ لَا أُدْخِلُهُ فِي فَرْجِكِ أَوْ لَا أُجَامِعُكِ أَوْ يَقُولُ إِنْ كَانَتْ عَذْرَاءً وَاللَّهِ لَا أَفْتَضُّكِ أَوْ مَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى

فَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ ( وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ) لَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَوْ لَا أَمَسُّكِ أَوْ لَا أُجَامِعُكِ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلُّ مَا كَانَ لِلْجِمَاعِ اسْمًا كُنِّيَ بِهِ عَنْ نَفْسِ الْجِمَاعِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ قُلْنَا مَا لَمْ يَنْوِهِ فِي لَا أَمَسُّكِ فِي الْحُكْمِ فِي الْقَدِيمِ وَنَوَاهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَجْمَعَ قَوْلَهُ فِيهِمَا بِحَلِفِهِ لَا أُجَامِعُكِ أَنَهُ مُولٍ وَإِنِ احْتَمَلَ أُجَامِعُكِ بِبَدَنِي وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعَانِي الْعِلْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أُبَاشِرُكِ أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أَمَسُّكِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَإِنْ أَرَادَ جِمَاعًا فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَغَيْرُ مُولٍ فِي الْحُكْمِ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَجُمْلَةُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَسْتَعْلِمُهَا فِي الْإِيلَاءِ تَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا كَانَ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ الْبَاطِنِ . وَالثَّانِي : مَا كَانَ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ كِنَايَةً فِي الْبَاطِنِ . وَالثَّالِثُ : مَا كَانَ كِنَايَةً فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ . وَالرَّابِعُ : مَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ . وَالْخَامِسُ : مَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ألفاظ الإيلاء فَهُوَ وَاللَّهِ لَا أَنِيكُكِ أَوْ لَا أُدْخِلُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ أَوْ لَا أُغَيِّبُهُ فِيهِ أَوْ لَا أَفْتَضُّكِ بِذَكَرِي وَهِيَ بِكْرٌ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْإِيلَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِهِ مُولِيًا أَرَادَ بِهِ الْإِيلَاءَ أَمْ لَمْ يُرِدْ ، فَيَكُونُ مُولِيًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ إِذَا أَرَادَ بِهِ الْإِيلَاءَ وَإِذَا أَطْلَقَ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ فِي الْبِكْرِ : لَا أَفْتَضُّكِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَكَرِي ألفاظ الإيلاء فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ مِنَ الْقَسَمِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِهِ أَنْ لَا يَفْتَضَّهَا بِيَدِهِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ كِنَايَةً فِي الْبَاطِنِ ألفاظ الإيلاء فَهُوَ قَوْلُهُ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ وَلَا جَامَعْتُكِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الظَّاهِرِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَيَجْعَلُهُ بِهِ مُولِيًا فِي الْحُكْمِ وَكِنَايَةٌ فِي الْبَاطِنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ لَا أَطَؤُكِ بِقَدَمِي وَلَا أُجَامِعُكِ أَيْ لَا اجْتَمِعُ مَعَكِ فَيُدَانُ فِيهِ إِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِيلَاءَ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُولِيًا فِي حَالَتَيْنِ : إِذَا أَرَادَ بِهِ الْإِيلَاءَ ، وَإِذَا أَطْلَقَ ، وَلَا يَكُونُ مُولِيًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِيلَاءَ ، فَإِنْ قَالَ وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ بِذَكَرِي وَلَا جَامَعْتُكِ بِفَرْجِي ألفاظ الإيلاء فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ مِنَ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِخُرُوجِهِ بِذِكْرِ الْفَرْجِ عَنْ حَالِ الِاحْتِمَالِ . وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ ذِكْرُ الْفَرْجِ مَنْ حَدِّ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ لَا أَطَؤُكِ بِفَرْجِي وَلَا أُجَامِعُكِ بِذَكَرِي دُونَ الْفَرْجِ فَلِذَلِكَ صَارَ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ كِنَايَةً فِي الْبَاطِنِ .

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ : وَهُوَ مَا كَانَ كِنَايَةً فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ألفاظ الإيلاء فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَأَسُوأَنَّكِ وَاللَّهِ لَا قَرَبْتُكِ أَوْ وَاللَّهِ لَا أَجْمَعُ رَأْسِي بِرَأْسِكِ أَوْ لَا ضَمَّنَا بَيْتٌ أَوْ لَا ضَاجَعْتُكِ أَوْ لَتَطُولَنَّ غَيْبَتِي عَنْكِ إِلَى مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فَتَكُونُ كِنَايَةً فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا إِلَّا مَعَ الْإِرَادَةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُولِيًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَعَ وُجُودِ الْإِرَادَةِ وَلَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي حَالَتَيْنِ : وَهُوَ إِذَا أَطْلَقَ أَوْ لَمْ يُرِدِ الْإِيلَاءَ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ : وَهُوَ مَا كَانَ مُخْتَلِفًا فِيهِ ألفاظ الإيلاء فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ ، لَا بَاضَعْتُكِ وَلَا بَاشَرْتُكِ وَلَا مَسَسْتُكِ فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ ، أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الظَّاهِرِ كِنَايَةً فِي الْبَاطِنِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي ، فَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي حَالَتَيْنِ إِنْ أَرَادَ أَوْ أَطْلَقَ ، وَلَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ إِذَا لَمْ يُرِدْ لِأَنَّ الْمُبَاضَعَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْبُضْعِ وَهُوَ الْفَرْجُ ، وَالْمَسِيسُ وَالْمُبَاشَرَةُ قَدْ تَعَلَّقَ عَلَيْهِمَا فِي الشَّرْعِ حُكْمُ الْوَطْءِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي حَالَتَيْنِ : إِذَا أَطْلَقَ أَمْ لَمْ يُرِدْ ، وَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا أَرَادَ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ : لَا أَصَبْتُكِ ، وَلَا غَشَيْتُكُ ، وَلَا لَمْسَتُكِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى هَذَا الْقِسْمِ فِي أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْهُ وَجَعَلَهَا مِنَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ كِنَايَةً فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ : وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً ألفاظ الإيلاء فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا أَوْحَشْتُكِ أَوْ لَا أَحْزَنْتُكِ أَوْ لَا كَسَوْتُكِ أَوْ لَا أَطْعَمْتُكِ أَوْ لَا أَشْرَبْتُكِ أَوْ لَا ضَرَبْتُكِ فَهَذَا وَمَا شَاكَلَهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ لَا إِنْ أَطْلَقَ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ وَلَا إِنْ أَرَادَ كَالَّذِي لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً مِنَ الطَّلَاقِ وَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ فِي دُبُرِكِ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكِ شَيْءٌ أَوْ لَأَسُوأَنَّكِ أَوْ لَتَطُولَنَّ غَيْبَتِي عَنْكِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا إِلَّا أَنْ يُرِيدَ جِمَاعًا وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكَ فَإِنْ عَنَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا ، لِأَنَّ الشَّرْعَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ بِالْيَمِينِ إِلَّا مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَلَوْ

قَالَ : وَاللَّهِ لَا اغْتَسَلْتُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ كَانَ كِنَايَةً لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا إِلَّا مَعَ الْإِرَادَةِ : لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا أَوْ قَدْ يُولِجُ فَيَكْسَلُ وَلَا يُنْزِلُ فَلَا يَغْتَسِلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مَذْهَبًا وَبِهَذَا الْوَطْءِ يَسْقُطُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ فَلِذَلِكَ صَارَ كِنَايَةً ، وَلَوْ قَالَ : وَاللَّهِ لَا جَامَعْتُكِ جِمَاعَ سُوءٍ كَانَ كِنَايَةً ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ أَوْ دُونَ الْفَرْجِ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ أَرَادَ بِهِ قُوَّةَ الْجِمَاعِ أَوْ ضَعْفَهُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَلَوْ قَالَ : وَاللَّهِ لَا جَامَعْتُكِ جِمَاعَ سُوءٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا سَوَاءٌ أَرَادَ بِهَذَا الْمَكْرُوهَ أَوْ غَيْرَ الْمَكْرُوهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ هَذَا الْجِمَاعِ يَمْنَعُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْجِمَاعِ ، وَلَوْ قَالَ : وَاللَّهِ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ فَإِنْ عَنَى بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَلَوْ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ قَالَ إِذَا مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً فَوُقِفَ فِي الْأُولَى فَطَلَّقَ ثُمَّ ارْتَجَعَ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَجْعَتِهِ وَبَعْدَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ وُقِفَ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعَتُهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ السَّنَةِ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُوقَفْ لِأَنِّي أَجْعَلُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ يَحِلُّ لَهُ الْفَرْجُ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ وَيَتَعَلَّقُ بِمَسْطُورِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ فُرُوعٍ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " بَعْضَهَا . فَأَمَّا الْمَسْطُورُ فَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ قَالَ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً فَهَذِهِ يَمِينَانِ عَلَى زَمَانَيْنِ لَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ وَيَكُونُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُولِيًا وَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ فِي إِحْدَاهُمَا وَطْئًا فِي الْأُخْرَى وَلَا طَلَاقُ إِحْدَاهُمَا طَلَاقًا فِي الْأُخْرَى سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصْلٌا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَيُوقَفُ فِيهَا بَعْدَ يَمِينِهِ ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي سَنَةٌ فَيُوقَفُ فِيهَا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْخَمْسَةِ الْأَشْهُرِ إِنْ كَانَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَإِذَا مَضَتْ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مَعَ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ طُولِبَ حِينَئِذٍ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، ثُمَّ نَشْرَحُ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَنَقُولُ لَهُ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَفِيءَ فِيهِمَا . وَالثَّانِي : أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِمَا . وَالثَّالِثُ : أَنْ يَفِيءَ فِي الْأَوَّلِ وَيُطَلِّقَ فِي الثَّانِي . وَالرَّابِعُ : أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْأَوَّلِ وَيَفِيءَ فِي الثَّانِي .

فَأَمَّا الْحَالُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَنْ يَفِيءَ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ وَيَفِيءَ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ الْأَوَّلَ إِذَا مَضَى لَهُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَمِينِهِ وَطُولِبَ بِالْفَيْئَةِ ، أَوِ الطَّلَاقِ فَفَاءَ وَوَطِئَ سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ ، بِوَطْئِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِحِنْثِهِ ، فَإِنْ وَطِئَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنْهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَطْئِهِ حِنْثٌ وَلَا يَسْقُطْ بِهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي : لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ الْخَامِسُ فَهُوَ أَوَّلُ زَمَانِ وَقْفِهِ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي لِدُخُولِ السَّنَةِ بِانْقِضَائِهِ ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَقَدِ انْقَضَى زَمَانُ الْوَقْفِ مِنَ الْإِيلَاءِ الثَّانِي طُولِبَ فِيهِ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، فَإِذَا فَاءَ فِيهِ وَوَطِئَ سَقَطَ حُكْمُهُ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِحِنْثِهِ وَلَا يُوقَفُ بَعْدَ وَطْئِهِ إِنْ كَانَتِ السَّنَةُ بَاقِيَةً وَيَكُونُ وَطْؤُهُ فِي بِاقِيهَا كَوَطْئِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ : وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ وَيُطَلِّقَ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي ، فَإِذَا طَلَّقَ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ لَا تَرْجِعَ إِلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ سَقَطَ إِيلَاؤُهُ وَبَقِيَتْ يَمِينُهُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي زَوْجَةِ وَالْيَمِينَ يَكُونُ فِي زَوْجَةٍ وَغَيْرِ زَوْجَةٍ ، وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ بِمُرَاجَعَتِهَا فِي الْعِدَّةِ . وَالثَّانِي : بِعَقْدِ نِكَاحٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ كَانَ الْإِيلَاءُ الثَّانِي بَاقِيًا بِحَالِهِ : لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي آلَى فِيهِ بَاقِيًا بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نُظِرَ فِي حَالِ رَجْعَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا بِبَاقِيهِ وَكَانَ حَالِفًا فَإِنْ وَطِئَ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَلَاقِهِ وَرَجْعَتِهِ فَإِذَا مَضَى بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الْخَامِسِ اسْتُوقِفَ لَهُ مُدَّةُ الْوَقْفِ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعَتُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَبَعْدَ دُخُولِ السَّنَةِ مِنَ الْإِيلَاءِ الثَّانِي فَأَوَّلُ مُدَّةِ الْوَقْفِ بَعْدَ رَجْعَتِهِ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مَا مَضَى مِنَ السَّنَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِصَابَتِهَا ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَجْعَتِهِ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، فَإِذَا طَلَّقَ فِيهِ سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ ، فَإِذَا رَاجَعَ فِيهِ بَعْدَ طَلَاقِهِ اسْتُؤْنِفَ لَهُ الْوَقْفُ إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنَ السَّنَةِ بَعْدَ رَجْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ فَمَعْلُومٌ بَعْدَ الْوَقْفَيْنِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ وَأَنَّ الْبَاقِيَ مِنَ السَّنَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا فِيهَا ، وَيَكُونُ حَالِفًا كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ حَالِفًا وَلَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنَ السَّنَةِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ الْأُولَى مِنَ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ كَانَ فِيهَا حَالِفًا وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، فَأَمَّا إِذَا عَادَتْ إِلَى الزَّوْجِ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَعُدْ إِلَيْهِ

بِالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ ، فَهَلْ يُعَدُّ إِيلَاؤُهُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَيَسْتَقِرُّ حُكْمُهُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ إِنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَالطَّلَاقِ وَأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إِلَّا فِي زَوْجَةٍ وَأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْإِيلَاءَ لَا يَصِحَّانِ قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَالْإِيلَاءُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النِّكَاحِ الثَّانِي فَلَمْ يَصِحَّ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُوقَفُ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَعُودُ الْإِيلَاءُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ ، وَأَنَّ عَقْدَهُ مَوْجُودٌ فِي نِكَاحٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ النِّكَاحِ ، فَعَلَى هَذَا يُوقَفُ فِيهِ لِلْإِيلَاءِ الثَّانِي فَيَكُونُ الْوَقْفُ فِيهِ كَالْوَقْفِ بَعْدَ الرَّجْعَةِ . الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ بَائِنًا وَهُوَ الثَّلَاثُ أَوْ دُونَهَا بَعِوَضٍ لَمْ يَعُدِ الْإِيلَاءُ وَلَمْ يُوقَفْ لَهَا وَكَانَ حَالِفًا إِنْ وَطِئَ حَنِثَ ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَنَكَحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْهُ عَادَ الْإِيلَاءُ وَاسْتُؤْنِفَ لَهُ الْوَقْفُ كَمَا يُسْتَأْنَفُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى مَا مَضَى . فَصْلٌ : وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ : وَهُوَ أَنْ يَفِيءَ بِالْوَطْءِ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ وَيُطَلِّقَ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي فَقَدْ سَقَطَ إِيلَاؤُهُ الْأَوَّلُ بِوَطْئِهِ فِيهِ وَيُسْتَأْنَفُ لَهُ الْوَقْفُ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي ، بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَوَّلِ ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ أَوَّلِ الْإِيلَاءِ الثَّانِي وَذَلِكَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَمِينِهِ يُقْضَى بِهِ زَمَانُ الْوَقْفِ فِيهِ فَطُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، فِإِذَا طَلَّقَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا حَتَّى مَضَتِ السَّنَةُ سَقَطَتْ يَمِينُهُ وَزَالَ إِيلَاؤُهُ لِتَقَضِّي زَمَانِهِ ، وَإِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الضَّرْبَيْنِ ، إِنْ عَادَتْ بِرَجْعَةٍ فِي الْعِدَّةِ وَكَانَ الْبَاقِي مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا وَاسْتُؤْنِفَ لَهُ وَقْفُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَطُولِبَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُولِيًا لِقُصُورِهَا عَنْ مُدَّةِ الْوَقْفِ ، وَكَانَ فِيهَا حَالِفًا وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا يَبْلُغُ مُدَّةَ الْوَقْفِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهَلْ يَعُودُ الْإِيلَاءُ أَمْ لَا ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ . فَصْلٌ : وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ : وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ وَيَفِيءَ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ وَطْئِهِ فِيهِ وَقَدْ سَقَطَ عِنْدَ حُكْمِ الْمُطَالَبَةِ بِطَلَاقِهِ فِيهِ ، وَيَكُونُ حُكْمُ طَلَاقِهِ فِي هَذَا الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَحُكْمِهِ لَوْ طَلَّقَ فِيهِمَا وَيَكُونُ وَطْؤُهُ فِي الْإِيلَاءِ الثَّانِي مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ مُسْقِطًا لِلْإِيلَاءِ كَحُكْمِهِ لَوْ وَطِئَ فِيهِ مَعَ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ ، وَلَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَلِّقَ وَبَيْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ فَيُطَلِّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَا مَضَى ، إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُطَلِّقَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ وَإِذَا كَانَ الْحَاكِمُ هُوَ الْمُطَلِّقَ فَلَيْسَ إِلَّا الْوَاحِدَةَ الرَّجْعِيَّةَ ، لِأَنَّهُ

أَقَلُّ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَاحِدٌ مِنَ الْإِيلَائَيْنِ وَطِئَ وَلَا طَلَاقَ حَتَّى انْقَضَى زَمَانُهُمَا فَقَدِ ارْتَفَعَتِ الْيَمِينُ فِيهِمَا وَسَقَطَ حُكْمُهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ هَذَا لِعَفْوِ الزَّوْجَةِ عَنْ مُطَالَبَتِهِ لَمْ يَأْثَمْ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا يَجُوزُ لَهَا الْعَفْوُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ طَالَبَتْهُ فَدَافَعَهَا كَانَ آثِمًا لِاسْتِدَامَةِ الْإِضْرَارِ بِهَا مُدَّةَ يَمِينِهِ ، وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَضِّي زَمَانِهِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً فَتَدْخُلُ الْمُدَّةُ الْأُولَى فِي الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ دَاخِلٌ فِي الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، دَخَلَتِ الْمِائَةُ فِي الْأَلْفِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُمَا إِيلَاءٌ وَاحِدٌ بِيَمِينَيْنِ يُوقَفُ فِيهِمَا وَقْفًا وَاحِدًا ، لِكَوْنِهِ إِيلَاءً وَاحِدًا إِلَّا أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَشْهُرِ مَعْقُودَةٌ بِيَمِينَيْنِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ تَمَامِ السَّنَةِ مَعْقُودَةٌ بِيَمِينِ وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ فَاءَ وَوَطِئَ بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ بِيَمِينِ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ فَاءَ وَوَطِئَ فِي الْخَمْسَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ حِنْثٌ بِيَمِينَيْنِ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : كَفَّارَتَانِ لِأَنَّهُ حِنْثٌ فِي يَمِينَيْنِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهِمَا وَاحِدٌ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَهُوَ : أَنْ يَقُولَ وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً ثُمَّ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ، كفارة الإيلاء فَهَلْ تَدْخُلُ الْخَمْسَةُ الْأَشْهُرِ فِي السَّنَةِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَدْخُلُ فِيهَا إِذَا تَأَخَّرَتْ كَمَا تَدْخُلُ فِيهَا إِذَا تَقَدَّمَتْ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِيلَاءً وَاحِدًا عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، بَعْضُهَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ أَوَّلِهَا إِنْ حَنِثَ فِيهِ لَزِمَتْهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ وَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا بِيَمِينَيْنِ إِنْ حَنِثَ فِيهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ . وَالثَّانِي : كَفَّارَتَانِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْخَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي السَّنَةِ إِذَا تَأَخَّرَتْ ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِيهَا إِذَا تَقَدَّمَتْ لِأَنَّ لَهُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُدَّةِ ، وَلَيْسَ لَهُ النُّقْصَانُ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ الثَّانِي نَاقِصًا وَلَيْسَ لَهُ النُّقْصَانُ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ فَإِذَا كَانَ الثَّانِي زَائِدًا وَلَهُ الزِّيَادَةُ حُمِلَ عَلَى التَّدَاخُلِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُولِيًا سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ بِيَمِينَيْنِ ، وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إِيلَاءً وَاحِدًا أَوْ إِيلَاءَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يَكُونُ إِيلَاءً وَاحِدًا يُوقَفُ فِيهِ وَقْفًا وَاحِدًا وَلَا يَجُبْ إِذَا وَطِئَ فِي أَحَدِ الزَّمَانَيْنِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ أَحَدَ الزَّمَانَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْآخَرِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُمَا إِيلَاءَانِ مُدَّةُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا سَنَةٌ ، وَمُدَّةُ الثَّانِي خَمْسَةُ أَشْهُرٍ ، وَيُوقَفُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ وَلَا يُغْنِي وَقْفُهُ فِي أَحَدِهِمَا عَنْ وَقْفٍ فِي الْآخَرِ ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كفارة الإيلاء فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّمَانَيْنِ يَقْصُرُ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَلَيْسَ يَتَعَلَّقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا يُوقَفُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيَحْنَثُ إِنْ وَطِئَ فِيهِمَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِيَمِينِهِ مُمْتَنِعًا مَنْ وَطْئِهَا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ مُتَّصِلَةٍ فَصَارَ مُولِيًا كَمَا جَمَعَهَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ ، فَعَلَى هَذَا يُوقَفُ فِيهِمَا وَقْفًا وَاحِدًا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً فَهَذَا يَكُونُ مُولِيًا وَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الْوَقْفِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ بَعْدِ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا تَجْعَلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُولِيًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يُوقَفُ مِنْ أَوَّلِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَجْعَلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُولِيًا .

فَصْلٌ : وَأَمَّا الْفَرْعُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ الإيلاء فَفِي تَدَاخُلِ الزَّمَانَيْنِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ حَمْلًا عَلَى تَكْرَارِ التَّأْكِيدِ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُولِيًا لِقُصُورِهِ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَتَدَاخَلَانِ وَتَكُونُ مُدَّةُ الْمَنْعِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ لَكِنَّهَا بِيَمِينَيْنِ ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْفَرْعِ الثَّانِي إِذَا قَالَ : وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً وَوَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ ، وَلَمْ نَجْعَلْ أَحَدَ الزَّمَانَيْنِ دَاخِلًا فِي الْآخَرِ هَلْ يَكُونُ إِيلَاءً وَاحِدًا أَوْ إِيلَائَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ إِنْ جَعَلْنَا ذَلِكَ إِيلَاءً وَاحِدًا فَقُلْنَا : هَذَا مُولِيًا وَإِنْ جَعْلَنَا ذَلِكَ إِيلَائَيْنِ لَمْ نَجْعَلْ هَذَا مُولِيًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّمَانَيْنِ يَقْصُرُ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ قَالَ إِنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ كُلِّهِ الإيلاء لَمْ يَكُنْ مُولِيًا كَمَا لَوْ قَالَ فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ أَمْسٍ وَلَوْ أَصَابَهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْرِ شَيْءٌ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ أَوْ صَوْمُ مَا بَقِيَ " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ : أَنَّ الْإِيلَاءَ يَكُونُ بِكُلِّ يَمِينٍ الْتَزَمَ بِهَا مَا يَلْزَمُهُ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِاللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ : أَنَّ الْإِيلَاءَ ، لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، فَإِذَا قَالَ : إِنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ كَانَ حَالِفًا وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، لِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِلَّا بِالْتِزَامِ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِمُضِيِّ زَمَانِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمُ أَمْسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ وَإِنْ وَطِئَ لِمُضِيِّ زَمَانِهِ . فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا فَهُوَ حَالِفٌ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى انْقَضَى ذَلِكَ الشَّهْرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ وَطِئَ بَعْدَهُ ، وَإِنْ وَطِئَ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَيَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِ بَاقِيهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ نَذْرُ لَحَاجٍ وَغَضِبَ فَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ حُكْمِ النَّذْرِ وَحُكْمِ الْأَيْمَانِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَذَلِكَ أَنْ يَطَأَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ : فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ . أَحَدُهُمَا : لَا يَلْزَمُ ، فَعَلَى هَذَا لَا شَيْءَ عَلَى هَذَا الْوَطْءِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَلْزَمُ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْوَاطِئُ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِ يَوْمٍ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ إِنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ الإيلاء كَانَ مُولِيًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْيِينِ الصَّوْمِ ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِلَّا بِالْتِزَامِ مَا لَمْ يَلْزَمْ لِوُجُودِ الشَّهْرِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ وَطِئَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ صِيَامِ شَهْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، لِأَنَّهُ نَذْرُ لَحَاجٍ وَسَقَطَتْ يَمِينُهُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ وَطَلَّقَ لَمْ يَلْزَمْهُ صَوْمٌ وَلَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ رَاجَعَ اسْتُؤْنِفَ لَهُ وَقْفُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا مَضَتْ وَطَلَّقَ ثَانِيَةً ثُمَّ رَاجَعَ اسْتُؤْنِفَ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثَالِثَةٍ فَإِذَا مَضَتْ وَطَلَّقَ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَإِنْ عَادَ فَنَكِحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَهَلْ يَعُودُ الْإِيلَاءُ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ كُلِّهِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَيَكُونُ حَالِفًا غَيْرَ مُولٍ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : فِي الْقَدِيمِ يَعُودُ الْإِيلَاءُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَوُجُودِهَا فِي عَقْدَيْ نِكَاحٍ . مَسْأَلَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ إِنْ قَرَبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وُقِفَ فَإِنْ فَاءَ وَغَابَتِ الْحَشَفَةُ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا فَإِذَا أَخْرَجَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا " .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا أَيْضًا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ ، فَإِذَا قَالَ لَهَا : إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ مُولِيًا ، لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ طَلَاقِهَا بِالْوَطْءِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُوقَفَ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَيُطَالَبُ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ . وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَالَبَ بِالْفَيْئَةِ وَيُؤْخَذَ بِالطَّلَاقِ ، لِأَنَّ الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهَا تُطَلَّقُ بِهِ ثَلَاثًا فَيَصِيرُ وَاطِئًا لِبَائِنٍ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ : لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ الْإِيلَاجِ مُحَرَّمًا كَانَ الْإِيلَاجُ مُحَرَّمًا كَالصَّائِمِ إِذَا تَحَقَّقَ بِخَبَرِ نَبِيءٍ صَادِقٍ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا قَدْرُ إِيلَاجِ الذَّكَرِ دُونَ إِخْرَاجِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَانِ الْإِبَاحَةِ لِتَحْرِيمِ مَا بَعْدَ الْإِيلَاجِ فِي زَمَانِ الْحَظْرِ فَيَحْرُمُ الْإِيلَاجُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْفَجْرِ ، كَذَلِكَ حَالُ هَذَا الْمُولِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ هَذَا الْمُولِيَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ ، وَإِنْ طُلِّقَتْ بِالْإِيلَاجِ ، وَيَكُونُ الْمُحَرَّمَ بِهَذَا الْوَطْءِ اسْتِدَامَةُ الْإِيلَاجِ لَا الِابْتِدَاءُ وَالْإِخْرَاجُ ، وَشَاهِدُ ذَلِكَ شَيْئَانِ : مَذْهَبٌ ، وَحِجَاجٌ . أَمَّا الْمَذْهَبُ ، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ مَجَامِعٌ وَأَخْرَجَهُ مَكَانَهُ كَانَ عَلَى صَوْمِهِ ، فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ أَفْطَرَ وَكَفَّرَ ، فَحَرَّمَ الِاسْتِدَامَةَ وَلَمْ يُحَرِّمِ الْإِخْرَاجَ لِوُجُودِ الْإِيلَاجِ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ ، وَإِنَّ الْإِخْرَاجَ تَرْكٌ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَانِ الْحَظْرِ فَصَارَ مُبَاحًا . وَأَمَّا الْحِجَاجُ : فَهُوَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْخُلْ دَارِي وَلَا تُقِمِ اسْتَبَاحَ الدُّخُولَ لِوُجُودِهِ عَنْ إِذْنٍ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِمَنْعِهِ عَنِ الْمُقَامِ ، وَيَكُونُ الْخُرُوجُ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَانِ الْحَظْرِ مُبَاحًا : لِأَنَّهُ تَرْكٌ ، كَذَلِكَ حَالُ هَذَا الْمُولِي يَسْتَبِيحُ أَنْ يُولِجَ وَيَسْتَبِيحُ أَنْ يُخْرِجَ ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْإِيلَاجِ فَأَمَّا الصَّائِمُ إِذَا أُخْبِرَ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ الْإِيلَاجِ دُونَ الْإِخْرَاجِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ فِي زَمَانِ التَّحْرِيمِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ لِوُجُودِهِ فِي زَمَانِ الْإِبَاحَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْإِخْرَاجُ فِي زَمَانِ الْحَظْرِ ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ فَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي حُكْمُ الْمُولِي وَالصَّائِمِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الْإِيلَاجُ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَانِ الْإِبَاحَةِ لِوُجُودِ الْإِخْرَاجِ فِي زَمَانِ الْحَظْرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّائِمِ وَالْمُولِي أَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الصَّائِمِ يَعْنِي الْإِيلَاجَ ، فَجَازَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ وَالْمُولِي لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ بِغَيْرِ الْإِيلَاجِ ، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ .



فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْإِيلَاجَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ طُلِّقَتْ بِهِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الْوَقْفِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ ، أَوِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ طَلَّقَ فَطَلَاقُهُ فِيهِ كَطَلَاقِهِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا مَضَى وَعَلَى مَا سَيَأْتِي ، فَإِنْ فَاءَ بِالْوَطْءِ فَالَّذِي يُبَاحُ لَهُ مِنْهُ أَنْ يُولِجَ الْحَشَفَةَ حَتَّى يَلْتَقِيَ بِهَا الْخِتَانَانِ : لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْإِيلَاجِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِوَطْئِهَا يَقَعُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ ، وَهِيَ بَعْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يُولِجَ بَاقِيَ ذَكَرِهِ وَأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فَيَكُونُ تَحْرِيمُ إِيلَاجِ الْبَاقِي مِنَ الذَّكَرِ كَتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فَيَصِيرَانِ مَعًا مُحَرَّمَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ بَعْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُخْرِجَ حَشَفَةَ ذَكَرِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَسْتَدِيمُهَا وَلَا يُولِجُ بَاقِيَ ذَكَرِهِ مَعَهَا بَلْ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنَ الْفَيْئَةِ الَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ ، وَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ إِلَى مَحْظُورٍ يُوجِبُ حَدًّا ، وَلَا مَهْرًا . وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَمْكُثَ مُسْتَدِيمًا لِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ أَوْ يَسْتَوْفِيَ إِيلَاجَ جَمِيعِ الذَّكَرِ ، سَوَاءٌ اسْتَدَامَ حَرَكَةَ الْوَطْءِ حَتَّى أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يَسْتَدِمْهَا حَتَّى أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ إِيلَاجٍ ثَانٍ ، فَهَذَا قِسْمٌ وَاحِدٌ وَحُكْمُهُ وَاحِدٌ وَهِيَ إِيلَاجَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَ أَوَّلُهَا مُبَاحًا وَآخِرُهَا مَحْظُورًا فَلَا حَدَّ فِيهَا لِأَنَّ اجْتِمَاعَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ وَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا يَجِبُ بِالِابْتِدَاءِ كَالصَّائِمِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ إِيلَاجَ ذَكَرِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِاسْتِدَامَةِ الْإِيلَاجِ كَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِابْتِدَاءِ الْإِيلَاجِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِالِاسْتِدَامَةِ وَإِنْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّائِمِ بِالِاسْتِدَامَةِ لِأَنَّهَا إِيلَاجَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَمَيَّزُ حُكْمُهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِابْتِدَائِهَا مَهْرٌ لَمْ يَجِبْ بِاسْتِدَامَتِهَا مَهْرٌ ، وَخَالَفَ اسْتِدَامَةَ الصَّائِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الصَّوْمِ تَتَعَلَّقُ بِشَيْئَيْنِ : الزَّمَانِ ، وَالِاسْتِدَامَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ مُتَمَيِّزًا جَازَ أَنْ يَتَمَيَّزَ بِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَحُكْمُ الِاسْتِدَامَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْوَطْءُ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ حُكْمِ الِاسْتِدَامَةِ . وَالْفَرْقُ الثَّانِي : أَنَّ إِيجَابَ الْمَهْرِ هَاهُنَا بِالِاسْتِدَامَةِ مُفْضٍ إِلَى إِيجَابِ مَهْرَيْنِ بِوَطْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مَفْضُوضَةً غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ، فَيَجِبُ لَهَا بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَهْرٌ ، وَيَجِبُ لَهَا بِاسْتِدَامَةِ الْإِيلَاجِ مَهْرٌ ثَانٍ فَيَصِيرُ الْوَطْءُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا لِمَهْرَيْنِ ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ

وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ فِي اسْتِدَامَةِ إِيلَاجِ الصَّائِمِ ؟ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ إِلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً عَلَى تَصَارِيفَ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَافْتَرَقَا .


فَصْلٌ : وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يُخْرِجَ الْحَشَفَةَ بَعْدَ إِيلَاجِهَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ إِيلَاجًا بَعْدَهَا الوطء في الايلاء فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ بِالْإِيلَاجَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ مَنْسُوبَتَيْنِ إِلَى وَطْءٍ وَاحِدٍ ؟ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَيَّزَتِ الْأُولَى عَنِ الثَّانِيَةِ فِي التَّحْرِيمِ حَتَّى حَلَّتِ الْأُولَى وَحُرِّمَتِ الثَّانِيَةُ ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ وَطْءٍ وَاحِدٍ تَمَيَّزَتِ الْأُولَى عَنِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ وَطْءٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ إِذَا تَكَرَّرَ مُتَسَاوِي الْحُكْمِ بِأَنْ وَطِئَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا مُهْرٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ وَطِئَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا مُهْرٌ وَاحِدٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ حُكْمُهُ بِأَنْ وَطِئَ مَرَّةً بِنِكَاحٍ وَمَرَّةً بِشُبْهَةٍ تَمَيَّزَ حُكْمُهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، كَذَلِكَ الْوَاطِئُ الْوَاحِدُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيلَاجَةَ الثَّانِيَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبُ الْمَهْرِ فَلَا حُكْمَ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ إِيلَاجَةٍ ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَوَى حُكْمُ جَمِيعِهَا كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ اسْتَوَى حُكْمُ جَمِيعِهِ فِي إِيجَابِ مُهْرٍ وَاحِدٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ الزَّوْجَيْنِ هَاهُنَا فِي الْإِيلَاجَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَا جَاهِلَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ لِقُصُورِهِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِاسْتِكْمَالِ الْوَطْءِ وَإِتْمَامِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ ، وَأَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْوَطْءِ فِي اللُّغَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ أَحْكَامُهُ فِي الشَّرْعِ مُتَعَلِّقَةً بِأَوَّلِهِ ، فَلِهَذِهِ الشُّبْهَةِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمَا ، لِأَنَّ مَا كَانَ شُبْهَةً فِي الْحَدِّ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً فِي التَّعْزِيرِ ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ وَجَبَ بِهِمَا الْمَهْرُ بِمَا ذَكَرْنَا . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ ، وَأَنَّ الْإِيلَاجَ الثَّانِيَ وَمَا بَعْدَهُ كَانَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا بِالْإِيلَاجِ الْأَوَّلِ ، فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ زِنَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ إِيلَاجٌ مُسْتَأْنَفٌ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ ، فَعَلَى هَذَا لَا مَهْرَ فِيهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ لَهَا لِتَنَافِي مُوجِبِهَمَا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ ، وَلَيْسَ بِزِنًا : لِأَنَّهُ وَطْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَحْلِيلُ أَوَّلِهِ شُبْهَةً فِي تَحْرِيمِ آخِرِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهَا الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُمَا وَيُعَزَّرَانِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَالزَّوْجَةُ جَاهِلَةً أَوْ عَالِمَةً لَكِنَّهَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهَا فَهُمَا سَوَاءٌ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَلَهَا الْمَهْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ ، وَهَلْ عَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ لِعِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا ؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : يُحَدُّ .

وَالثَّانِي : لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَالزَّوْجَةُ عَالِمَةً بِهِ ، فَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا تَعْزِيرَ لِجَهْلِهِ ، وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّوْجَةِ مَعَ عِلْمِهَا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَتُعَزَّرُ ، فَعَلَى هَذَا لَهَا الْمَهْرُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : عَلَيْهَا الْحَدُّ ، فَعَلَى هَذَا لَا مَهْرَ لَهَا : لِأَنَّ الْحَدَّ وَالْمَهْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . مَسْأَلَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفِيءَ طُلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فَإِنْ رَاجَعَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَاجَعَ ثُمَّ هَكَذَا حَتَى يَنْقَضِيَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ ثَلَاثًا " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَكَذَا كَمَا قَالَ إِذَا مَضَتْ لِلْمُولِي مُدَّةُ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَخُيِّرَ بَيْنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ [ فَامْتَنَعَ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْفَيْئَةِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ سِوَاهُ ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ ] فَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ ، وَيَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ فَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فِيهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ [ الْبَقَرَةِ : ] فَأَضَافَ الْعَزْمَ إِلَى الزَّوْجِ ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَدَ بِالسَّاقِ فَجَعَلَهُ إِلَى الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي أَحَدِهِمَا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْآخَرِ ، وَلِأَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِيهِ لِأَجْلِ التَّخْيِيرِ لَمْ يَقُمِ الْحَاكِمُ فِي التَّخْيِيرِ مَقَامَهُ ، كَالَّذِي يُسْلِمُ عَنْ أُخْتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ مِنَ اخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَقُمِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي الِاخْتِيَارِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَعَلَى هَذَا يُحْبَسُ الزَّوْجُ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ لِقَصْدِهِ الْإِضْرَارَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، كَمَا يُحْبَسُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ اخْتِيَارِ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَوِ اخْتِيَارِ أَرْبَعٍ إِذَا أَسْلَمَ وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْهُنَّ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ : لِأَنَّ مَا دَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ إِذَا تَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ وَامْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنَ الْإِيفَاءِ كَانَ لِلْحَاكِمِ الِاسْتِيفَاءُ كَالدُّيُونِ : وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّتْ بِهِ الْفُرْقَةُ بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ كَانَ لِلْحَاكِمِ مَدْخَلٌ فِيهَا كَالْعُنَّةِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا جَازَ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الزَّوْجِ مِنْ طَلَاقِهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ، وَتَكُونَ هِيَ الْمُسْتَوْفِيَةَ لِحَقِّهَا دُونَ الْحَاكِمِ كَالدَّيْنِ يَجُوزُ لِمُسْتَحَقِّهِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْغَرِيمِ مِنْ أَدَائِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسْتَوْفِيَ لَهُ دُونَ الْحَاكِمِ .

قُلْنَا : لَا يَجُوزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَكَانَ الْحَاكِمُ أَحَقَّ بِهِ ، وَقَضَاءَ الدِّينِ غَيْرُ مُجْتَهَدٍ فِيهِ ، فَكَانَ مَالِكُهُ أَحَقَّ بِهِ - فَعَلَى هَذَا إِذَا قِيلَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً لَا يَتَجَاوَزُهَا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ فَاقْتَضَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاحِدَةِ ، فَلَمْ يَلْزَمِ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَوْقَعَهَا الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ أَوِ الْحَاكِمُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَهِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ . وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ كَمَا يَجْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ مُضِيَّ الْمُدَّةِ مَوْقِعًا لِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ ، اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْفُرْقَةِ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ وَالْعُيُوبِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْقَصْدَ بِالطَّلَاقِ رَفْعُ الْإِضْرَارِ ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ الْإِضْرَارُ ، لِأَنَّهُ قَدْ يُرَاجِعُ بَعْدَهُ فَيَعُودُ الْإِضْرَارُ ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بَائِنًا لِيَرْتَفِعَ بِهِ الْإِضْرَارُ . وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [ الْبَقَرَةِ : ] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ : وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُهُ فَوَجَبَ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْعِوَضِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ الرَّجْعَةَ كَطَلَاقِ غَيْرِ الْمُولِي : وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ كَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ فِي الْعِتْقِ فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ فِي وَاجِبِ الْعِتْقِ وَتَطَوُّعِهِ ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الرَّجْعَةَ فِي وَاجِبِ الطَّلَاقِ وَتَطَوُّعِهِ ، فَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ بَائِنًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ فَأَمَّا رَفْعُ الْإِضْرَارِ فَقَدْ يَرْتَفِعُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْ تَعَجَّلَ رَفْعُ الضَّرَرِ ، وَإِنْ رَاجَعَ تَأَخَّرَ رَفْعُ الضَّرَرِ : وَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ رَافِعٌ لِلضَّرَرِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّلْقَةَ رَجْعِيَّةٌ ، طلاق المولي إذا مضت مدة التربص وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُوقِعَ لَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُوقِعَ لَهَا جَازَ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا ، فَتُطَلَّقُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَمَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَقَدْ بَانَتْ ، فَإِنِ اسْتَأْنَفَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ يَعُودُ الْإِيلَاءُ فَيُوقِفُ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يُطَالَبُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، وَعَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْجَدِيدِ : أَنَّهُ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ وَلَا يُوقَفُ وَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ بَاقِيَةً لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا قَبْلَ النِّكَاحِ وَإِنْ رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ وُقِفَ لَهُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ ، وَكَانَ أَوَّلُ زَمَانِ الْوَقْفِ مِنْ بَعْدِ الرَّجْعَةِ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ

بِمَا تَقَدَّمَهَا ، وَإِنْ كَانَ مَأْخُوذًا بِنَفَقَتِهَا وَمَحْكُومًا لَهُ بِزَوْجِيَّتِهَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَجَارِيَةٌ فِي الْفَسْخِ ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ الثَّانِي بِانْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثَانِيَةٍ طُولِبَ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ ثَانِيَةً أَوِ امْتَنَعَ فَطَلَّقَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً كَانَتِ الثَّانِيَةُ رَجْعِيَّةً كَالْأُولَى ، فَإِنْ رَاجَعَهَا اسْتُؤْنِفَ لَهُ وَقْفٌ ثَالِثٌ ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ بِانْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثَالِثَةٍ طُولِبَ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَهَا ثَالِثَةً أَوِ امْتَنَعَ مِنْهَا فَطَلَّقَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ طَلْقَةً ثَالِثَةً فَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَهَا ؟ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهَا مُجْتَمِعَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً وَقَدْ سَقَطَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِي هَذَا النِّكَاحِ ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ زَوْجٍ ، فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ كُلِّهِ وَأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ ، وَإِنْ كَانَ حَالِفًا ، وَعَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْقَدِيمِ : يَعُودُ الْإِيلَاءُ ، وَيُسْتَأْنَفُ لَهُ مُدَّةُ الْوَقْفِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى مِثْلِ مَا مَضَى فِي النِّكَاحِ إِلَّا أَنْ يَفِيءَ فَيَسْقُطَ بِكُلِّ حَالٍ الْحِنْثُ فِيهِ فَارْتَفَعَ وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ حِنْثٌ فَلَمْ يَرْتَفِعْ فَإِنْ قِيلَ فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلِمَ جَعَلْتُمُوهَا أَضْعَافًا ؟ قِيلَ : إِنَّمَا قَدَّرَهَا بِالْأَرْبَعَةِ فِي التَّرَبُّصِ الْوَاحِدِ فَإِذَا وَجَبَ تَكْرَارُ التَّرَبُّصِ وَجَبَ تَكْرَارُ الْمُدَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

مَسْأَلَةٌ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ تَحْرِيَمَهَا بِلَا طَلَاقٍ أَوِ الْيَمِينَ بِتَحْرِيمِهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ شَيْءٌ حُكِمَ فِيهِ بِكَفَّارَةٍ إِذَا لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَمَا لَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ طَلَاقًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا طَلَاقٌ لِأَنَّهُ حُكِمَ فِيهِمَا بِكَفَّارَةٍ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ كَانَ ظِهَارًا ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيلَاءَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، فَيَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ ، وَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْإِيلَاءِ ، لِأَنَّ الْمُولِيَ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِصَابَةِ فِيهِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ إِلَّا بِالْتِزَامِ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ نَوَى لَهُ الْيَمِينَ فِي تَحْرِيمِ الْإِصَابَةِ لَزِمَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ إِصَابَةٍ ، وَإِنْ أَطْلَقَهُ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ . وَالثَّانِي : لَا تَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا بِالْإِصَابَةِ بِهِ فِي ثَانِي حَالٍ ، فَصَارَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَادِرًا عَلَى الْإِصَابَةِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ كَفَّارَةٍ ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنْ وَجَبَتْ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْإِصَابَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَجَبْ فَلَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْإِصَابَةِ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْإِصَابَةِ فِي الْأَحْوَالِ كَفَّارَةٌ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا .



فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : إِنْ أَصَبْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ كَانَ مُولِيًا لِأَنَّهُ مَتَى أَصَابَهَا بَعْدَ الْوَقْفِ طُلِّقَتْ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ كَانَ مُولِيًا مَتَى أَصَابَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ فَإِنْ قِيلَ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْإِطْلَاقِ كَانَ مُولِيًا ، وَإِنْ قِيلَ لَا يُوجِبُهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَأَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، وَقَالَ : نَوَيْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ إِنْ أَصَبْتُهَا فَنِيَّتُهُ قَدْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ ، لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَالِ ، وَنِيَّتُهُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ إِنْ أَصَابَهَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الْكَفَّارَةِ إِلَى الْإِصَابَةِ ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ يَدِينُ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ مِمَّا يَدِينُ فِيهَا لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدِ اعْتَرَفَ بِالْإِيلَاءِ وَفِيهِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ بِذَلِكَ مُولِيًا ، وَوَجَدْتُ أَصْحَابَنَا يُرْسِلُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا عَلَّلْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . مَسْأَلَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ إِنْ قَرَبْتُكِ فَغُلَامِي حُرٌ عَنْ ظِهَارِي إِنْ تَظَاهَرْتُ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا حَتَّى يُظَاهِرَ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ ، إِذَا قَالَ : إِنْ أَصَبْتُكِ فَعَبْدِي هَذَا حَرٌّ عَنْ ظِهَارِي إِنْ تَظَاهَرْتُ فَقَدْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطَيْنِ : بِإِصَابَتِهَا ، وَبِظِهَارِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ حَتَّى يُوجَدَا مَعًا ، فَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَتَظَاهَرْ لَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ ظَاهَرَ وَوَطِئَ عَتِقَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِصَابَتِهَا وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : إِنْ وَطِئْتُكِ وَدَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مُولِيًا فِي الْحَالِ نُظِرَ ، فَإِنْ قَدَّمَ الْوَطْءَ عَلَى الظِّهَارِ سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَبَقِيَ حُكْمُ الْيَمِينِ ، فَإِذَا ظَاهَرَ عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ لِتَقْدِيمِ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِصَابَتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَعْتِقُ بِهِ عَبْدُهُ لِأَنَّ عِتْقَ عَبْدِهِ يَكُونُ بِظِهَارِهِ مِنْ بَعْدُ لَا بِإِصَابَتِهِ وَإِنْ قَدَّمَ الظِّهَارَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ صَارَ حِينَئِذٍ مُولِيًا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرْطِ الْعِتْقِ إِلَّا إِصَابَتُهَا فَصَارَتِ الْإِصَابَةُ مُوجِبَةً عِتْقَ عَبْدِهِ فَلِذَلِكَ صَارَ مُولِيًا .

فَصْلٌ : وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا إِذَا قَدَّمَ الْإِصَابَةَ وَيَكُونَ مُولِيًا إِذَا قَدَّمَ الظِّهَارَ ، الزوج إذا أصاب الزوجة وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ لِإِيلَائِهِ هَذَا ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْوَقْفِ وَطُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَبْقِيَهُ عَلَى مِلْكِهِ ، فَإِنِ اسْتَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ كَانَ إِيلَاؤُهُ بَاقِيًا إِنْ رَاجَعَ بَعْدَ طَلَاقِهِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِصَابَتِهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ عِتْقُهُ عَنِ الظِّهَارِ ، وَيَسْقُطُ إِيلَاؤُهُ وَإِنْ رَاجَعَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَعْتِقُهُ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فَهَذَا حُكْمُهُ إِنْ طَلَّقَ فِي هَذَا الْإِيلَاءِ فَأَمَّا إِنْ فَاءَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَسَقَطَ إِيلَاؤُهُ لِحِنْثِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ الْعِتْقُ عَنْ ظُهَارِهِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَإِنَّمَا

اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ : الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ إِجْزَائِهِ أَنَّهُ قَدَّمَ عَقْدَ عِتْقِهِ عَلَى ظِهَارِهِ فَلَمْ يُجْزِهْ لِأَجْلِ التَّقْدِيمِ ، وَقَالَ آخَرُونَ أَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ظِهَارِهِ وَبَيْنَ حِنْثِهِ فِي إِيلَائِهِ فَلَمْ يُجْزِهْ لِأَجْلِ التَّشْرِيكِ .

فَصْلٌ : فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُظَاهِرًا فَقَالَ بَعْدَ ظِهَارِهِ إِنْ أَصَبْتُكِ فَعَبْدِي هَذَا حَرٌّ عَنْ ظِهَارِي كَانَ مُولِيًا : لِأَنَّهُ مَتَى أَصَابَهَا عَتَقَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ فَالْعِتْقُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ فَهُوَ لَيْسَ مُلْتَزِمًا بِالْإِصَابَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فَلِمَ جَعَلْتُمُوهُ مُولِيًا ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ عِتْقَ عَبْدِهِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ بِالظِّهَارِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ بِالْإِصَابَةِ فَصَارَ بِالْإِصَابَةِ مُلْتَزِمًا مِنْ تَعْيِينِ الْعِتْقِ مَا لَمْ يَلْزَمْ فَلِذَلِكَ صَارَ مُولِيًا فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِصَابَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ طَلَّقَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي عِتْقِ الظِّهَارِ بَيْنَ عِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ عِتْقِ غَيْرِهِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ إِيلَاؤُهُ إِنْ رَاجَعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ إِيلَاؤُهُ إِنْ رَاجَعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ إِيلَاؤُهُ إِنْ رَاجَعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ بَاقِيًا لِوُقُوعِ عِتْقِهِ بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ فَاءَ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يُطَلِّقْ عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ ، وَهَلْ يُجْزِئُهُ عِتْقُهُ عَنْ ظِهَارِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ تَعْلِيلًا بِأَنَّ عِتْقَهُ مَعْقُودٌ بَعْدَ الظِّهَارِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يُجْزِئُهُ تَعْلِيلًا بِأَنَّ عِتْقَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ظِهَارِهِ وَبَيْنَ وَطْئِهِ [ فِي إِيلَائِهِ ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ . مَسْأَلَةٌ قَالَ الْمُزَنِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَوْ قَالَ إِنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ فُلَانًا عَنْ ظِهَارِي وَهُوَ مُتَظَاهِرٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ فُلَانًا عَنْ ظِهَارِهِ وَعَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ( قَالَ الْمُزَنِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عَنِ الْيَوْمِ الَذِي عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ لَأَنَّهُ لَمْ يَنْذِرْ فِيهِ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَازِمٌ فَأَيُّ يَوْمٍ صَامَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلنَّذْرِ فِي ذَلِكَ مَعْنًى يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَتَفَهَّمْ " . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ يَمِينٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ تَظَاهَرَ وَعَادَ : إِنْ أَصَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي سَالِمًا عَنْ ظِهَارِي فَصَارَ نَاذِرًا بِعِتْقِ سَالِمٍ عَنْ ظِهَارِهِ ، وَحَالِفًا بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي إِيلَائِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ تَعْيِينَ عِتْقِهِ فِي الْإِيلَاءِ مَضْمُونًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَجَعَلَ

عِتْقَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نَاجِزًا ، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِيلَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ تَعْيِينِ عِتْقِهِ بِهَذَا النَّذْرِ ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ بِهَذَا النَّذْرِ تَعْيِينُ عِتْقِهِ إِلَّا أَنَّهُ نَذْرُ لَجَاجٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَكَانَ فِيهِ بَعْدَ اللُّزُومِ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِهِ الْتِزَامًا لِحُكْمِ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ الْتِزَامًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ ، فَصَارَ بِالتَّخْيِيرِ فِي الْتِزَامِ أَحَدِهِمَا مُلْتَزِمًا بِالْإِصَابَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا قَبْلَهَا فَلِذَلِكَ صَارَ مُولِيًا . وَقَالَ الْمُزَنِيُّ لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا النَّذْرِ تَعْيِينُ الْعِتْقِ وَلَا يَكُونُ بِتَعْيِينِهِ مُولِيًا احْتِجَاجًا بِالصَّوْمِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ ، فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَمْ يَتَعَيَّنْ صَوْمُهُ فِيهِ ، وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِهِ أَوْ صَوْمِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ الْعِتْقُ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الظِّهَارِ فَعَيَّنَهُ بِالنَّذْرِ فِي عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ عِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ عِتْقِ غَيْرِهِ وَاحْتُجَّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يُوجِبُ التَّعْيِينَ فِي الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِغَيْرِ النَّذْرِ وَالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ قَدْ وَجَبَ بِغَيْرِ النَّذْرِ ، وَلَيْسَ فِي التَّعْيِينِ زِيَادَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنَا وَلَمْ يَصِرْ مُولِيًا بِتَعْيِنِ الْعِتْقِ كَمَا لَمْ يَصِرْ مُولِيًا بِتَعْيِنِ الصَّوْمِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ خَطَأٌ ، أَمَّا تَعْيِينُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ فَوَاجِبٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِيَ هَذَا عَنِ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيَّ فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ تَعَيَّنَ عِتْقُ الرَّقَبَةِ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ وَيَكُونُ أَصْلُ الْعِتْقِ مُسْتَحَقًّا بِالْوُجُوبِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَتَعْيِنُهُ مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْحَادِثِ مُسْتَوٍ فِي تَعْيِينِ الْعِتْقِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ كَالْعِتْقِ حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَاجِبٍ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيَّ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ، فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ لَزِمَهُ صَوْمُهُ فِيهِ ، فَيَسْتَوِي تَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ كَالْعِتْقِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالنَّذْرِ فِي الِانْتِهَاءِ ، كَمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالنَّذْرِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْحُقُوقِ أَشَقُّ وَأَثْقَلُ مِنْ إِرْسَالِهَا فَصَارَ مُلْتَزِمًا بِالتَّعْيِينِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ وَثِقَلٍ لَمْ يَكُنْ فَلِذَلِكَ وَجَبَ بِالنَّذْرِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ ، كَمَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ " : أَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ ، وَالْعِتْقَ الْوَاجِبَ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ يَتَسَاوَى فَصَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ كَيَوْمِ الْأَحَدِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا زِيَادَةٌ وَلَا تُفَاضُلٌ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَا وَجَبَ مِنْهُ بِالنَّذْرِ لِتَسَاوِيهِ وَعِتْقَ الرِّقَابَ يَتَفَاضَلُ فَيَكُونُ

رَقَبَةً قِيمَتُهَا مِائَةُ دِينَارٍ ، وَرَقَبَةً قِيمَتُهَا دِينَارٌ وَكِلَاهُمَا يُجْزِيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ مَا وَجَبَ مِنْهُ بِالنَّذْرُ لِتَفَاضُلِهِ . وَالْفَرْقُ الثَّانِي : وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ ، فَاسْتَوَى فِي حَقِّ اللَّهِ جَمِيعُ أَيَّامِ اللَّهِ أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَفَاتَهُ صَوْمُهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ قَضَاهُ فِي غَيْرِهِ ، وَلَوْ عَجَّلَهُ قَبْلَ الْخَمِيسِ لَمْ يُجْزِهْ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَعْيِينُ الْعِتْقِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهُ ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ تَعْجِيلُ عِتْقِهِ ، فَلِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ مَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ ، وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ ، وَاسْتَوَى تَعْيِينُ الْعِتْقِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ ، وَافْتَرَقَ تَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ ، فَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِنَّمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى ، فَأَمَّا مَذْهَبُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِكُلِّ يَمِينٍ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُزَنِيِّ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَذْهَبِ ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي النَّقْلِ ، كَمَا خَالَفَهُ فِي الْمَذْهَبِ ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ ، وَهُمَا مِنَ الْجَدِيدِ لَا مِنَ الْقَدِيمِ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُهُ فِي الْجَدِيدِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِكُلِّ يَمِينٍ تَلْزَمُ الزوج سَوَاءٌ كَانَتْ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ .

فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ إِيلَائِهِ بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَنْ ظِهَارِهِ ، وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ فَاءَ وَوَطِئَ فَقَدْ لَزِمَهُ النَّذْرُ ، وَالنَّذْرُ ضَرْبَانِ : نَذْرُ طَاعَةٍ يُقْصَدُ بِهِ الْقُرْبَى ، وَنَذْرُ لَجَاجٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، فَأَمَّا نَذْرُ الطَّاعَةِ الْمَقْصُودُ بِهِ الْقُرْبَى فَكَقَوْلِهِ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا فَإِذَا شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ لَزِمَهُ عِتْقُ عَبْدِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ الْخَارِجُ مَخْرَجَ الْأَيْمَانِ فَهُوَ مَا قَصَدَ بِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ أَوْ إِلْزَامَ نَفْسِهِ فِعْلَ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ : إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا أَوْ إِنْ لَمْ أَدْخُلِ الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، فَإِذَا كَلَّمَ زَيْدًا أَوْ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَجَبَ النَّذْرُ وَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَ الْتِزَامِ مَا نَذَرَهُ مِنَ الْعِتْقِ اعْتِبَارًا بِالنُّذُورِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ اعْتِبَارًا بِالْأَيْمَانِ ، وَنَذْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نُذُرُ لَجَاجٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَكَانَ فِيهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِ عَبْدِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَبَيْنَ الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، فَإِنْ عَدَلَ إِلَى الْكَفَّارَةِ سَقَطَ بِهَا حُكْمُ إِيلَائِهِ وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْعِتْقِ عَنْ ظِهَارِهِ بَيْنَ عِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ عِتْقِ غَيْرِهِ كَحَالِهِ قَبْلَ نَذْرِهِ : لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ بِالتَّكْفِيرِ فَإِنْ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ وَجْهًا وَاحِدًا : لِأَنَّهُ عِتْقٌ اخْتَصَّ بِظِهَارِهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110