كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

بِجَمِيعِ الْبَدَنِ ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ أَفْضَلَ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِ ذَلِكَ كَمَا فِي أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَقَدْ أُمِرَ شَرْعًا بِالْأَدَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَدَّاهَا فِي بَيْتِهِ وَحْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ الْوَاجِبُ ، وَلَمَّا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوَابَ الْمُتَطَوِّعِ بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، قَالَ : وَأَفْضَلُ ذَلِكَ كُلِّهِ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ثُمَّ عِنْدَهُ لَوْ الْتَزَمَ صَلَاةً فِي بَعْضِ هَذِهِ الْبِقَاعِ فَصَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَمَّا { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ : فِي أَشَدِّ مَكَان مِنْ بَيْتِهَا ظُلْمَةً } فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهَا إذَا الْتَزَمَتْ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَصَلَّتْ فِي أَشَدِّ مَكَان مِنْ بَيْتِهَا ظُلْمَةً أَنْ تَخْرُجَ عَنْ مُوجِبِ نَذْرِهَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَخْرُجُ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ مَا قُلْنَا أَنَّ النَّاذِرَ إنَّمَا يَلْتَزِمُ بِنَذْرِهِ مَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ لَا مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَالْمَكَانُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَيَكُونُ هُوَ بِالنَّذْرِ مُلْتَزِمًا لِلصَّلَاةِ دُونَ الْمَكَانِ ، وَفِي أَيْ مَوْضِعٍ صَلَّى فَقَدْ أَدَّى مَا الْتَزَمَهُ فَيَخْرُجُ عَنْ مُوجِبِ نَذْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ أَفْضَلَ

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ اسْتَقْبَلَ الشَّهْرَ مِنْ أَوَّلِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ مُتَتَابِعًا إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ كَصَوْمِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِصِفَتِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصِّفَةَ لِتَعْرِيفِ مَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الشَّهْرِ وَلَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ تَكُونُ مُتَجَاوِرَةً لَا مُتَتَابِعَةً فَذِكْرُ التَّتَابُعِ فِي الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا وَهُوَ يَعْنِي رَجَبَ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ فَيُجْعَلُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَفِي الْكِتَابِ أَشَارَ إلَى فَرْقٍ آخَرَ فَقَالَ : فِي الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا فَقَدْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الصَّوْمَ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِنْدَ إطْلَاقِ الشَّهْرِ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ يَوْمًا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا كَمَا الْتَزَمَهُ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالَ .

( قَالَ ) : وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينًا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ مَعَ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ فَإِنَّ فِي النَّذْرِ مَعْنَى الْيَمِينِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النَّذْرُ يَمِينٌ } وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ : وَقَدْ حَنِثَ حِينَ أَفْطَرَ يَوْمًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ نَذْرٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ وَإِنْ أَرَادَ النَّذْرَ أَوْ أَرَادَهُمَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لِلنَّذْرِ حَقِيقَةً وَلِلْيَمِينِ مَجَازًا وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ : قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَإِنَّ اللَّامَ وَالْبَاءَ يَتَعَاقَبَانِ قَالَ اللَّهُ : { آمَنْتُمْ بِهِ } وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ { آمَنْتُمْ لَهُ } فَقَوْلُهُ لِلَّهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَقَالَ : ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ مَعْنَاهُ بِاَللَّهِ وَقَوْلُهُ عَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ بِلَفْظٍ آخَرَ ثُمَّ الْحَالِفُ يَلْتَزِمُ الْبِرَّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالنَّاذِرُ يَلْتَزِمُ الْوَفَاءَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَحَدِهِمَا مَجَازًا لِلْآخَرِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ الْعَامِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى النَّذْرِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي كَوْنِهِ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ مُحْتَمَلَاتِهِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَأَصْبَحَ مِنْ الْغَدِ لَا يَنْوِي صَوْمًا فَلَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ حَتَّى نَوَى أَنْ يَصُومَهُ عَنْ نَذْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ غَدًا ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا كَانَ فِي وَقْتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ نَحْوَ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَهَذَا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عِنْدَ تَعْيِينِ الْيَوْمِ إمْسَاكُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ عِنْدَ وُجُودِ النِّيَّةِ فَإِذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ قَبْلَ الزَّوَالِ اسْتَنَدَتْ إلَى أَوَّلِ النَّهَارِ لِتَوَقُّفِ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ وَالثَّانِي أَنَّ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ أَدَائِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ كَمَا الْتَزَمَهُ فَجَوَّزْنَاهُ بِضَرْبِ نُقْصَانٍ بِطَرِيقِ إقَامَةِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ لِأَجْلِ الْعَجْزِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَصُومَ يَوْمًا آخَرَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ كَمَا الْتَزَمَهُ ثُمَّ هُنَا ذَكَرَ النِّيَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَفِي كِتَابِ الصَّوْمِ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ وَقْتِ الصَّوْمِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ ؛ لِأَنَّ سَاعَةَ الزَّوَالِ نِصْفُ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي وَقْتِ الضَّحْوَةِ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ وَقْتِ الصَّوْمِ فَإِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ

الْمَنْذُورِ ، وَكَانَ صَائِمًا عَنْ التَّطَوُّعِ وَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُتِمَّهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءُ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا شَبَّهْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا إنَّمَا قَصَدَ إسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَا قَصَدَ التَّنَفُّلَ بِالصَّوْمِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ لَهُ لِكَيْ لَا يَضِيعَ سَعْيُهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا ثُمَّ أَصْبَحَ فَنَوَى أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ صَوْمُهُ مِمَّا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ وَهَذَا لِلْأَصْلِ الَّذِي بَيِّنَاهُ أَنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ لَا يَجْعَلُ بِنَذْرِهِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ مَشْرُوعًا ، وَلَكِنْ يَجْعَلُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا نَفْلًا فِي الْوَقْتِ وَاجِبًا عَلَى نَفْسِهِ فَفِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إنَّمَا الْتَزَمَ الصَّوْمَ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَقَدْ أَصَابَهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَبْلَ النَّذْرِ كَانَ مُصِيبًا لَهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّذْرِ ، وَعِنْدَ إطْلَاقِ النَّذْرِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالْمَشْرُوعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِمَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ مُصِيبًا لِلْمَشْرُوعِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَهُوَ التَّطَوُّعُ فَلَا يَكُونُ مُحَوِّلًا عَنْ ذِمَّتِهِ مَا الْتَزَمَهُ فِيهَا إلَى الْمَشْرُوعِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِدُونِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَصَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ : أَحَدُهُمَا : رَجَبُ أَجْزَآهُ مِنْ الظِّهَارِ كَمَا نَوَاهُ ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَنْذُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَامَ عَنْ ظِهَارِهِ شَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا : رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَكُونُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : لِأَنَّ صَوْمَ الظِّهَارِ مِثْلُ صَوْمِ الْمَنْذُورِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَعَنْ أَيِّهِمَا نَوَاهُ كَانَ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ أَقْوَى مِنْ صَوْمِ الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً ، وَصَوْمُ الظِّهَارِ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ ، وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ فَلِهَذَا كَانَ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ صَوْمِ الظِّهَارِ وَصَوْمِ الْمَنْذُورِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي رَجَبَ نَفْسِهِ ، وَصَوْمُ الظِّهَارِ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ الْمَنْذُورُ بِاعْتِبَارِ السَّبْقِ ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الظِّهَارِ إنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى الْمَشْرُوعِ فِي الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ ، وَقَدْ كَانَ النَّذْرُ سَابِقًا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْوَقْتِ لَمَّا صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِنَذْرِهِ لَا يَبْقَى صَالِحًا لِصَوْمِ الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي الْوَقْتِ لَهُ لَا عَلَيْهِ فَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَبْلَ نَذْرِهِ كَانَ الصَّوْمُ الْمَشْرُوعُ فِي رَجَبَ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّتَهُ لِغَيْرِهِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ تَحْتَ وِلَايَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا بَقِيَ بَعْدَ نَذْرِهِ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِهِ تَأَدَّى بِنِيَّتِهِ ،

وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَقَدْ جَعَلَهُ الشَّرْعُ فَرْضًا عَلَيْهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ لَا يَنْفِيَ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِهِ ، وَلِلشَّرْعِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِأَدَاءِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِهِ تَلْغُو نِيَّتُهُ عَنْ الظِّهَارِ بِهِ وَانْتِفَاءُ الصَّلَاحِيَّةِ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْأَدَاءُ فِي الشَّهْرِ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَإِذَا نَوَاهُ عَنْ الظِّهَارِ كَانَ عَنْ الظِّهَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَسْأَلَةُ النَّذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَافِرِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ إذَا كَانَ نَوَى الْيَمِينَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فِي رَجَبَ لَا أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ عَنْ الْمَنْذُورِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ صَامَهُ عَنْ الظِّهَارِ .

( قَالَ ) : وَالْمَجْنُونَةُ وَالنَّائِمَةُ إذَا جَامَعَهُمَا زَوْجُهُمَا وَهُمَا صَائِمَتَانِ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ يَسْتَدْعِي جِنَايَةً مُتَكَامِلَةً فَإِنَّهَا سَتَّارَةٌ لِلذَّنْبِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ لِانْعِدَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ فِي الْوَقْتِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَأَدَّى مَعَ فَوَاتِ رُكْنِهِ وَقَدْ انْعَدَمَ رُكْنُ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِمَا مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ .
( قَالَ ) : هُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَلَا تُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ ( قَالَ ) : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ غَلَطٌ فِي حَقِّ النَّائِمَةِ فَالرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ أَنَّ النَّائِمَ إذَا انْقَلَبَ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَقَتَلَهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ ثُمَّ هَذَا الِاسْتِشْهَادُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ لَا تَسْتَدْعِي جِنَايَةً مُتَكَامِلَةً ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الْخَاطِئِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ وَهُوَ صَائِمٌ إنْ هُوَ لَمْ يُفْطِرْ تَزْدَادُ عَيْنُهُ وَجَعًا أَوْ تَزْدَادُ حُمَّاهُ شِدَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَخَّصَ لِلْمَرِيضِ فِي الْفِطْرِ بِقَوْلِهِ { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَهَذَا مَرِيضٌ ؛ لِأَنَّ وَجَعَ الْعَيْنِ نَوْعُ مَرَضٍ وَالْحُمَّى كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ الْمَعْنَى فِيهِ فَقَالَ : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } وَفِي إيجَابِ أَدَاءِ الصَّوْمِ مَعَ هَذَا الْخَوْفِ عُسْرٌ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْيُسْرِ فِيهِ وَيَتَرَخَّصَ بِالْفِطْرِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصَهُ كَمَا تُؤْتَى عَزَائِمُهُ } وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي يَوْمٍ فَأَفْطَرَ فِيهِ بَعْدَ مَا صَامَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَدَاءُ وَاجِبًا فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ لَا تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِالْفِطْرِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي رَمَضَانَ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُتَسَحِّرِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَعَلَى الْمُفْطِرِ الَّذِي يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَلَمْ تَغِبْ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ لَهُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ يَكُونُ شُبْهَةً قَوِيَّةً فِي الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْأَدَاءِ وَلَا شُبْهَةَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ ، وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ مُسْقِطَةٌ لِلْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِشُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ مُضَافٌ إلَى وَالِدِهِ شَرْعًا وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَصْبَحَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ،

وَنَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ صَارَ مُقِيمًا ثُمَّ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ مَرِضَ فِي آخِرِهِ فَأَفْطَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ صَارَ الْفِطْرُ مُبَاحًا لَهُ .

وَلَوْ سَافَرَ فِي آخِرِ النَّهَارِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ صَارَ مُبَاحًا لَهُ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ وَلَكِنْ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ فِي الْأَصْلِ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ يَكُونُ مُورِثًا شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْكَفَّارَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ الْفِطْرُ مُبَاحًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْحَدِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبِيحًا لِلْوَطْءِ ، وَخَرَجَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا إذَا أَصْبَحَتْ الْمَرْأَةُ صَائِمَةً ثُمَّ أَفْطَرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ أَصْبَحَ الرَّجُلُ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ ثُمَّ مَرِضَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمَا لَا يَجُوزُ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ ابْتَلَعَ جَوْزَةً رَطْبَةً وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ابْتَلَعَ لَوَزَّةً رَطْبَةً أَوْ بِطِّيخَةً صَغِيرَةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْفِطْرُ بِمَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ تَتَكَامَلُ بِتَنَاوُلِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ لِانْعِدَامِ الْإِمْسَاكِ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَلَا تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِتَنَاوُلِ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ ، وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ يَنْعَدِمُ بِهِ صُورَةً لَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلزَّجْرِ وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَدْعُو إلَى تَنَاوُلِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَمَا يُتَدَاوَى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ الْبَدَنِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ وَلَا تَدْعُو الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ إلَى تَنَاوُلِ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِشَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : الْجَوْزَةُ الرَّطْبَةُ لَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ عَادَةً وَاللَّوْزَةُ الرَّطْبَةُ تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ عَادَةً ، وَهَذَا إذَا ابْتَلَعَ الْجَوْزَةَ فَأَمَّا إذَا مَضَغَهَا ، وَهِيَ رَطْبَةٌ أَوْ يَابِسَةٌ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ذَكَرَهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ لُبَّهَا وَلُبُّ الْجَوْزِ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا يُتَغَذَّى بِهِ ، وَبَيْنَ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ فِي التَّنَاوُلِ ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ .

وَإِذَا ابْتَلَعَ إهْلِيلَجَةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ أَرَادَ بِهِ الدَّوَاءَ أَوْ لَمْ يُرِدْ هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَالَ : لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ لِلتَّدَاوِي عَادَةً وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَإِنَّ الْإِهْلِيلِجَةَ مِمَّا يُتَدَاوَى بِهِ فَسَوَاءٌ أَكَلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ قُلْنَا أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ مِسْكًا أَوْ غَالِيَةً أَوْ زَعْفَرَانًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُؤْكَلُ عَادَةً لِلتَّغَذِّي أَوْ لِلتَّدَاوِي .

وَذَكَرَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ عَجِينًا لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَجِينَ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً قَبْلَ الطَّبْخِ ، وَلَا يَدْعُو الطَّبْعُ إلَى تَنَاوُلِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ : لَوْ أَكَلَ الدَّقِيقَ أَيْضًا لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَجِينًا فِي فَمِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ أَكَلَ حِنْطَةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ عَادَةً فَإِنَّهَا مَا دَامَتْ رَطْبَةً تُؤْكَلُ وَبَعْدَ الْيُبْسِ تُغْلَى فَتُؤْكَلُ وَتُقْلَى فَتُؤْكَلُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ أَكَلَ طِينًا أَرْمَنِيًّا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ذَكَرَهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِيقُونَ يُتَدَاوَى بِهِ قَالَ ابْنُ رُسْتُمَ : فَقُلْت : لَهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ هَذَا الطِّينِ الَّذِي يَأْكُلُهُ النَّاسُ قَالَ : لَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَأْكُلُهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ أَيْضًا إذَا أَكَلَهُ كَمَا هُوَ إلَّا أَنْ يُسَوِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ الَّذِي يُتَدَاوَى بِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ

( قَالَ ) : وَمَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَالشَّهْرُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَقَضَى شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ ، وَهُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقَضَاءِ إكْمَالُ الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ

( قَالَ ) : وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَشَرْطٌ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَالطَّحَاوِيُّ يَقُول : عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ قِيلَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدْلًا فِي الْبَاطِنِ وَقِيلَ إنَّمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّوْمِ مَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَلِهَذَا يُكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَخَبَرِ الْفَاسِقِ فِي بَابِ الدِّينِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

( قَالَ ) : وَأَمَّا عَلَى الْفِطْرِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَأَشَارَ فِي بَعْضِ النَّوَادِرِ إلَى الْفَرْقِ فَقَالَ : الْمُتَعَلِّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ هُوَ الشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَةِ ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ مَقْبُولٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِإِسْلَامِ رَجُلٍ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِلَالِ شَوَّالٍ الْخُرُوجُ مِنْ الْعِبَادَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى رِدَّةِ الْمُسْلِمِ ، وَأَشَارَ هُنَا إلَى فَرْقٍ آخَرَ فَقَالَ : الْمُتَعَلِّقُ بِهِلَالِ شَوَّالٍ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلنَّاسِ وَهُوَ التَّرَخُّصُ بِالْفِطْرِ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ مَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ ، وَهُوَ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا يُكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَصُومُونَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا يُفْطِرُونَ إذَا لَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ ، وَإِنْ أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِدُونِ التَّيَقُّنِ بِانْسِلَاخِ رَمَضَانَ لِلْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَأَمَّا ابْنُ سِمَاعَةَ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهُمْ يُفْطِرُونَ إذَا أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ فِي رَمَضَانَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ : ابْنُ سِمَاعَةَ فَقُلْت لِمُحَمَّدٍ كَيْف يُفْطِرُونَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ قَالَ : لَا يُفْطِرُونَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِانْسِلَاخِ رَمَضَانَ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِطْرَ هُنَا مِمَّا تُفْضِي إلَيْهِ الشَّهَادَةُ لَا أَنَّهُ يَكُونُ ثَابِتًا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ نَظِيرُ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ

إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ ، وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً وَيَسْتَوِي إنْ شَهِدَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ أَوْ غَيْرَ مَحْدُودٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقْبَلُونَ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، وَإِنْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكَذِبِهِ شَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } فَإِذَا كَانَ الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ ، وَهُوَ الْفَاسِقُ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ هُنَا فَالْمَحْكُومُ بِكَذِبِهِ كَانَ أَوْلَى .

فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى حَتَّى يَكُونَ أَمْرًا مَشْهُورًا ظَاهِرًا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ، وَهَكَذَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ هُنَا فَإِنَّ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ظَاهِرٌ يُكَذِّبُهُمَا ، وَهُنَا الظَّاهِرُ يُكَذِّبُهُمَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ، وَفِي هِلَالِ شَوَّالٍ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا أُسْوَةُ سَائِرِ النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَنْظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَمَوْضِعِ الْقَمَرِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مَشْهُورًا ظَاهِرًا وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْأَقَاوِيلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ فَتَذَكَّرَ ذَلِكَ ، وَهُوَ مُخَالِطُهَا فَقَامَ عَنْهَا أَوْ جَامَعَهَا لَيْلًا فَانْفَجَرَ الصُّبْحُ ، وَهُوَ مُخَالِطُهَا فَقَامَ عَنْهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمُجَامَعَةِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَانْفِجَارِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ نَزَعَ نَفْسَهُ مِنْهَا ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذِهِ الثَّوْبَ ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ حَانِثٌ فِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ اللُّبْسِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا حِنْثَ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ يُوَضِّحُهُ أَنَّ نَزْعَ النَّفْسِ كَفٌّ عَنْ الْمُجَامَعَةِ وَالْكَفُّ عَنْ الْمُجَامَعَةِ رُكْنُ الصَّوْمِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ التَّذَكُّرِ إلَّا مَا هُوَ رُكْنُ الصَّوْمِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِصَوْمِهِ أَلَا تَرَى أَنْ اللُّقْمَةَ لَوْ كَانَتْ فِي فِيهِ فَأَلْقَاهَا بَعْدَ التَّذَكُّرِ أَوْ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ إلَّا أَنَّ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ فَيَقُولُ : الْمَوْجُودُ هُنَاكَ جُزْءٌ مِنْ إمْسَاكِ اللُّقْمَةِ فِي فِيهِ إلَى أَنْ يُلْقِيَهَا ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ وَالْمَوْجُودُ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : فِي النَّاسِي لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا نَزَعَ نَفْسَهُ كَمَا تَذَكَّرَ ، وَإِذَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ، وَإِنْ نَزَعَ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ آخَرَ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ أَوَّلِهِ وَأَوَّلُ الْفِعْلِ مِنْ النَّاسِي غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ مَعَ مُصَادِفَتِهِ

وَقْتَ الصَّوْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ وَأَوَّلُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الَّذِي انْفَجَرَ لَهُ الصُّبْحُ عَمْدٌ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ إذَا صَادَفَ وَقْتَ الصَّوْمِ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّوْمِ يَكُونُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَاقْتِرَانُ الْمُجَامَعَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي حَقِّ النَّاسِي شُرُوعُهُ فِي الصَّوْمِ صَحِيحٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ بَعْدَ مَا نَزَعَ نَفْسَهُ لَوْ أَمْنَى هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ أَمْ لَا ؟ قَالَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ كَمَا لَوْ احْتَلَمَ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا ذَلِكَ وَإِذَا أَتَمَّ الْفِعْلَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْمُجَامَعَةِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُ الْجِمَاعُ الْمُعْدِمُ لِلصَّوْمِ ، وَقَدْ وُجِدَ فَأَمَّا عِنْدَنَا الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ هُوَ الْفِطْرُ عَلَى وَجْهٍ تَتَكَامَلُ بِهِ الْجِنَايَةُ ، وَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لِأَهْلِهِ فَدَوَامَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْمُجَامَعَةِ ، وَالْفِطْرُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ ، وَلَمْ يُوجَدْ وَلَئِنْ كَانَ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الْجِمَاعَ الْمُعْدِمَ لِلصَّوْمِ فَالْجِمَاعُ هُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَلَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ الِاسْتِدَامَةُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ الْإِدْخَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ ، وَهُوَ فِيهَا لَمْ

يَحْنَثْ ، وَإِنْ مَكَثَ فِي الدَّارِ سَاعَةً فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَلَوْ أَنَّهُ نَزَعَ نَفْسَهُ ثُمَّ أَوْلَجَ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ ابْتِدَاءً الْمُجَامَعَةُ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ مَعَ التَّذَكُّرِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ، وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَا إذَا جَامَعَ ثَانِيًا ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ بِهِ ثُمَّ أَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِشُبْهَةِ الْقِيَاسِ فَهُنَا أَيْضًا يَقُولُ : لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ أَنَّ صَائِمًا ابْتَلَعَ شَيْئًا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ سِمْسِمَةً كَانَتْ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَغْلُوبٌ لَا حُكْمَ لَهُ كَالذُّبَابِ يَطِيرُ فِي حَلْقِهِ ، وَإِنْ تَنَاوَلَ سِمْسِمَةً وَابْتَلَعَهَا ابْتِدَاءً فَهُوَ مُفْطِرٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُقْصِدُ إبْطَالَ صَوْمِهِ ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ سِمْسِمَةً فِي فَمِهِ فَابْتَلَعَهَا فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إيصَالِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِصَوْمِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَاقِيًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إيصَالِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ ، وَاَلَّذِي بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ تَبَعٌ لِرِيقِهِ ، وَلَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ اتِّصَالِ مَا بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ إلَى جَوْفِهِ خُصُوصًا إذَا تَسَحَّرَ بِالسَّوِيقِ وَمَا لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّائِمَ إذَا تَمَضْمَضَ فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي فَمِهِ بَلَّةٌ ثُمَّ تَدْخُلُ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَقَهُ مَعَ رِيقِهِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ : بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَحْمٌ بَيْنَ أَسْنَانِ الصَّائِمِ فَابْتَلَعَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ : وَهَذَا إذَا كَانَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَبِهَذِهِ الرِّوَايَة يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ثُمَّ فِي قَدْرِ الْحِمَّصَةِ أَوْ أَكْثَرَ إذَا ابْتَلَعَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَابْتَلَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ

الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِيًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَابْتَلَعَهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ بِلَحْمٍ مُنْتِنٍ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : مَا بَقِيَ بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِمَّا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَا مَقْصُودًا فَالْفِطْرُ بِهِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَالْفِطْرِ بِتَنَاوُلِ الْحَصَاةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ابْتِدَاءً الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَكْلِ بِإِدْخَالِ الشَّيْءِ فِي فِيهِ وَإِتْمَامِهِ بِالِاتِّصَالِ إلَى جَوْفِهِ وَحِينَ أَدْخَلَ هَذَا فِي فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ جِنَايَةً عَلَى الصَّوْمِ فَتَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ فِي فِعْلِهِ وَالْكَفَّارَةُ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ .

وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا صَامَ فِي رَمَضَانَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا يَكُونُ عَنْ غَيْرِهِ بِنِيَّتِهِ مَرِيضًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَرِيضِ نَصًّا ، وَلَكِنْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا أَنَّهُ يَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالْفِطْرِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ فَأَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ .

وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ فِي رَمَضَانَ فَلَا إشْكَالَ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إنَّمَا يُفَارِقُ الْمُقِيمَ فِي التَّرَخُّصِ بِالْفِطْرِ فَإِذَا تَرَكَ هَذَا التَّرَخُّصَ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءً ، وَصَوْمُ الْمُقِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَّا هَذَا الصَّوْمُ فَنِيَّتُهُ جِهَةٌ أُخْرَى تَكُونُ لَغْوًا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَدَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَكِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ كَالْمُقِيمِ فِي شَعْبَانَ ثُمَّ هُنَاكَ يَتَأَدَّى صَوْمُهُ عَمَّا نَوَى فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ : إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ يَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ التَّطَوُّعِ ، وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ أَنَّهُ مَا تَرَكَ التَّرَخُّصَ حِينَ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ ، وَلَكِنَّهُ صَرَفَ صَوْمَهُ إلَى مَا هُوَ أَهَمُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْآخَرَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فَيَكُونُ هُوَ مُتَرَخِّصًا بِصَرْفِ الصَّوْمِ إلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَإِنَّهُ فِي رَمَضَانَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَمْ يَكُنْ مُؤَاخَذًا بِهِ ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ : إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ صَائِمًا عَنْ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّرَخُّصَ حِينَ لَمْ يَصْرِفْ الصَّوْمَ إلَى مَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَإِذَا تَرَكَ التَّرَخُّصَ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءً فَيَكُونُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ .

وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ شَهْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كُلَّمَا دَارَ إلَى تَمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُنْذُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَكُونُ صَوْمُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ كُلَّمَا دَار فِي شَهْرٍ وَيَتَعَيَّنُ لَهُ الشَّهْرُ الَّذِي يَعْقُبُ نَذْرَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَرَ دَارِهِ شَهْرًا وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الشَّهْرَ مَتَى شَاءَ ، وَهُوَ فِي سَعَةٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ مُوَسِّعًا عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْيَوْمَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَقْتُ ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ : أَنْتَظِرُ يَوْمَ فُلَانٍ أَيْ وَقْتَ إقْبَالِهِ أَوْ إدْبَارِهِ وَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ بَيَاضِ النَّهَارِ عَلَى ضِدِّ اللَّيْلِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِذَا قَرَنَهُ بِذِكْرِ الصَّوْمِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بَيَاضُ النَّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلصَّوْمِ وَمِعْيَارٌ لَهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَرَنَ الْيَوْمَ بِالصَّوْمِ فَقَالَ : أَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّهْرَ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا نَذْرُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَرَنَ الشَّهْرَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ فَصَارَ مِقْدَارُ الصَّوْمِ بِذِكْرِ الشَّهْرِ مَعْلُومًا ثُمَّ ذَكَرَ الْيَوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِعْيَارًا لِلصَّوْمِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَقْتُ فَجَعَلْنَا كَأَنَّهُ قَالَ : أَصُومُ هَذَا - الشَّهْرَ وَقْتًا .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ غَدًا فَإِنْ قَالَ هَذَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ فِيهِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ ، وَإِنْ قَالَ : بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَ مَا أَكَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ الْيَوْمَ كَانَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ غَدًا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْوَقْتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ بَيْنَهُمَا حَرْفَ الْعِطْفِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَوَّلَ الْوَقْتَيْنِ ذِكْرًا وَيَلْغُو آخِرُ الْوَقْتَيْنِ ذِكْرًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فَهِيَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَلَوْ قَالَ غَدًا الْيَوْمَ تَطْلُقُ غَدًا فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمُعْتَبَرُ مِنْ كَلَامِهِ ذِكْرُ الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ صَحَّ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْمُعْتَبَرُ مِنْ كَلَامِهِ قَوْلُهُ غَدًا فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا صَوْمَ الْغَدِ بِنَذْرِهِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنْ أَفْطَرَ فِي الْغَدِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْأَيَّامِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ ، وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ اللَّامِ حَرْفُ الْعَهْدِ ، وَالْمَعْهُودُ هِيَ الْأَيَّامُ السَّبْعَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الشُّهُورُ وَالسُّنُونَ كُلَّمَا مَضَتْ عَادَتْ فَإِلَيْهَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ لَفْظِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : ذِكْرُ الْأَلْفِ وَاللَّامِ دَلِيلُ الْكَثْرَةِ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ كَلَامُهُ إلَى أَكْثَرَ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ فِي اللُّغَةِ مَقْرُونًا بِالْعَدَدِ ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ دَلِيلُ الْكَثْرَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ الشُّهُورِ فَعَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَشَرَةُ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْجَمْعِ مَقْرُونًا بِالْعَدَدِ فَإِنَّهُ يُقَالُ : عَشَرَةُ أَشْهُرٍ أَوْ شُهُورٍ ثُمَّ يُقَالُ : لِمَا بَعْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْهُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا } وَهِيَ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا السُّنُونَ ، وَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ شُهُورٍ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ حَرْفُ الْعَهْدِ وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ

وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْجُمَعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا عَلَى عَشْرِ جُمَعٍ وَعِنْدَهُمَا عَلَى جُمَعِ الْعُمْرِ وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ جُمَعِ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ جُمُعَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْجُمَعَ جَمْعُ جُمُعَةٍ ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْيَوْمِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ جَمِيعِ ذَلِكَ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُذْكَرُ بِمَعْنَى الْأُسْبُوعِ فِي الْعَادَةِ يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ لَمْ أَلْقَكَ مُنْذُ جُمُعَةٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْأُسْبُوعَ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمُتَيَقَّنُ .

وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ اسْمُ جَمْعٍ فِيهِ يَتَبَيَّنُ أَنْ مُرَادَهُ الْأُسْبُوعُ دُونَ الْيَوْمِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ خَاصَّةً وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ جُمُعَةٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ قَدْ يَقَعُ عَلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ السَّبْعَةِ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهَا فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى عَمِلَتْ نِيَّتُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهَذَا عَلَى أَيَّامِ الْجُمُعَةِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ الْمُتَيَقَّنُ هُنَا وَاعْتُبِرَ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ هُنَا ذَكَرَ الْجُمُعَةَ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْيَوْمُ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لَقُيِّدَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ فَتَرْكُ التَّقْيِيدِ هُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْأَيَّامُ السَّبْعَةُ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْيَوْمَ فَفِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْجَمْعَ إلَى الشَّهْرِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَيَّامُ الْجُمُعَةِ الَّتِي تَدُورُ فِي الشَّهْرِ

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا كَذَا يَوْمًا فَإِنْ نَوَى عَدَدًا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ كَانَ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ كَذَا اسْمٌ لِعَدَدٍ مُبْهَمٍ فَقَدْ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعِطْفِ وَأَقَلُّ عَدَدَيْنِ مُفَسَّرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعِطْفِ أَحَدَ عَشَرَ فَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَدَدَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ حَرْفَ الْعِطْفِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ وَأَقَلُّ عَدَدَيْنِ مُفَسَّرَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعِطْفِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مُبْهَمُ كَلَامِهِ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا آخَر

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ بِضْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا لَزِمَهُ صِيَامُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ أَدْنَاهُ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ { لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } خَاطَرَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ قُرَيْشٍ عَلَى أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ فَارِسَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إلَى أَنْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ تَعُدُّونَ الْبِضْعَ فِيكُمْ فَقَالَ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى سَبْعٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زِدْ فِي الْخَطَرِ وَأَبْعِدْ فِي الْأَجَلِ } فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْبِضْعِ ثَلَاثَةٌ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْم السِّنِينَ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا لَهُ وَفِي قَوْلِهِمَا إنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّنِينَ شَيْءٌ مَعْهُودٌ فَيُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَذَلِكَ جَمِيعُ عُمْرِهِ فِي حَقِّهِ

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَى صَوْمُ زَمَانٍ أَوْ صَوْمِ الزَّمَانِ فَهَذَا عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ وَالْحِينَ يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِغَيْرِهِ لَمْ أَلْقَكَ مُنْذُ زَمَانٍ لَمْ أَلْقَكِ مُنْذُ حِينٍ وَلَفْظُ الْحِينِ يَتَنَاوَلُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ قُرِنَ بِهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ لَمْ يُقْرَنْ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَا لَفْظَ الْحِينِ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمُرَاد سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ لَفْظُ الْحِينِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَدَ بِمَعْنَى أَشْيَاءَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ اللَّه تَعَالَى { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } وَالْمُرَادُ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَبِمَعْنَى أَرْبَعِينَ سَنَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } وَالْمُرَاد أَرْبَعُونَ سَنَةً وَبِمَعْنَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ } يَعْنِي قِيَامَ السَّاعَةِ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِنَذْرِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَا أَرْبَعِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْآدَمِيِّ إلَى هَذِهِ الْمُدَّة الطَّوِيلَة لِلصَّوْمِ فِيهَا نَادِر فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ فِي هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا

وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَبَدٍ أَوْ الْأَبَدِ فَهُوَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَدَ مَا لَا غَايَةَ لَهُ وَلَكِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ زِيَادَةَ عَلَى مُدَّةِ عُمْرِهِ ، وَإِنْ قَالَ صَوْمُ الدَّهْرِ فَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُوَقِّتْ فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَا لَفْظَ الدَّهْرِ كَلَفْظِ الْحِينِ وَالزَّمَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( قَالَ ) : الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إمْلَاءً : اعْلَمْ بِأَنَّ مَا اخْتَصَرَهُ الْحَاكِمُ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْحَيْضِ قَاصِرٌ مُبْهَمٌ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ بِهِ فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ لِهَذَا إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِمَا خَرَّجَهُ الْمَشَايِخُ ، وَمَا اخْتَارُوا مِنْ الْأَقَاوِيلِ فِيهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ فَوَقَعَ فِي الْبَيَانِ بَعْضُ الْبَسْطِ لِهَذَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ : هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ ، وَمِنْهُ يُقَالُ حَاضَتْ الْأَرْنَبُ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ ، وَفِي الشَّرِيعَةِ : اسْمٌ لِدَمٍ مَخْصُوصٍ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا خَارِجًا مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْقُبُلُ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ وَالْمُبَاضَعَةِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ ، فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلَّا ، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ .
وَالِاسْتِحَاضَةُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْحَيْضِ { قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ ذَلِكَ دَمُ حَيْضٍ إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ امْتَدَّ أَوْ دَاءٌ اعْتَرَضَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ } أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مِنْ الدِّمَاءِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَنَقُولُ : الْفَاسِدُ مِنْ الدِّمَاءِ أَنْوَاعٌ : فَمِنْهَا مَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الشَّرْعِيَّ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دُونَ الْمِقْدَارِ حُكْمُ الْمُقَدَّرِ ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ : عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَانِ ،

وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِيِ ، وَذَلِكَ لَيْلَتَانِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَدْرِ مَا يُوجَدُ وَلَوْ سَاعَةً احْتَجَّ بِأَنَّ هَذَا نَوْعُ حَدَثٍ فَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ بِشَيْءٍ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ أَقْرَبُهَا دَمُ النِّفَاسِ لَكِنَّا نَقُولُ : فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ يَخْرُجُ عَقِيبَ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَيُسْتَدَلُّ بِمَا تَقَدَّمَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ فِيهِ بِالْمُدَّةِ ، فَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَيْسَ يَسْبِقُهُ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَجَعَلْنَا الْعَلَامَةَ فِيهِ الِامْتِدَادَ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمِ عِرْقٍ ثُمَّ قَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْكِبَرِ فَقَالَ : لَمَّا اسْتَوْعَبَ السَّيَلَانُ جَمِيعَ السَّاعَاتِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِشَيْءٍ آخَرَ وَنَحْنُ قَدَّرْنَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ } وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ قِيَاسًا فَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقَامُ مَقَامَ الْكَمَالِ لِمَعْنَى ، وَهُوَ أَنَّ الدَّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا يَسِيلُ عَلَى الْوَلَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْنِيهَا وَيُجْحِفُهَا وَلَكِنَّهُ يَسِيلُ تَارَةً ، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ

تَعَالَى أَنَّ فِي الْآثَارِ ذِكْرَ التَّقْدِيرَ بِالْأَيَّامِ فَجَعَلْنَا الثَّلَاثَةَ مِنْ الْأَيَّامِ أَصْلًا وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِيِ يَتْبَعُهَا ضَرُورَةً .

وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ لِمَا زَادَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إذْ يَفُوتُ بِهِ فَائِدَةُ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا } وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اخْتِلَافُهُمْ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَعِنْدَنَا عَشْرُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْآثَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ { تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي } وَالْمُرَادُ زَمَانُ الْحَيْضِ وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ يَجْتَمِعَانِ فِي الشَّهْرِ عَادَةً ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَكَانَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَيَتَعَيَّنُ شَطْرُ كُلِّ شَهْرٍ لِلْحَيْضِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الشَّطْرِ فَفِي عُمُرِهَا زَمَانُ الصِّغَرِ وَمُدَّةُ الْحَبَلِ وَزَمَانُ الْإِيَاسِ وَلَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ وَإِذَا قَدَّرْنَا بِالْعَشَرَةِ فَقَدْ جَعَلْنَا مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ حَيْضًا فَأَمَّا أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ عَطَاءٌ : تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ : لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةً بَقِيَ الطُّهْرُ تِسْعَةَ عَشَرَ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنْ تُعِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ

أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ مُدَّةِ السَّفَر فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَدْ ثَبَتَ لَنَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَكَذَلِكَ هَذَا .
فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الطُّهْرِ فَلَا غَايَةَ لَهُ إلَّا إذَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ حَتَّى ضَلَّتْ أَيَّامَهَا ، وَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا فَحِينَئِذٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيُّ : لَا يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ طُهْرِهَا بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالتَّوْقِيفِ لَا بِالرَّأْيِ ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ يَقُولُ : يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ فِي حَقِّهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً قَالَ : لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ دُونَ مُدَّةِ الْحَبَلِ عَادَةً وَأَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَقَدَّرْنَا أَكْثَرَ مُدَّةِ الطُّهْرِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً فَإِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةِ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ ، وَهَذِهِ الْحَيْضَةُ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَثَلَاثِ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَكَانَ الزَّعْفَرَانِيُّ يَقُولُ : أَكْثَرُ الطُّهْرِ يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ فَبَقِيَ الطُّهْرُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ الْغَزَالِيُّ يَقُولُ : بِأَنَّهُ يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ فِي حَقِّهَا بِشَهْرَيْنِ فَقَدْ لَا تَرَى الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَادَةً .

وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا جَاوَزَ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَعِنْدَنَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سِتُّونَ يَوْمًا ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبْعُونَ يَوْمًا ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا بِالْأَرْبَعِينَ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : تَقْعُدُ النُّفَسَاءُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى طُهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ } وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا إلَّا أَنْ تَرَى طُهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ } وَفِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اتِّفَاقٌ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ سِتُّونَ يَوْمًا وَعِنْدَنَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ فَأَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا .

وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ فَقَدْ ثَبَتَ لَنَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعُرِفَ أَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ انْسَدَّ فَمُ رَحِمِهَا فَالدَّمُ الْمَرْئِيُّ لَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَيَكُونُ فَاسِدًا .

وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ جِدًّا ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ أَوَانَهُ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ إذْ لَوْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهَا بِهِ ضَرُورَةً ، وَذَلِكَ مُحَالٌ فِي الصَّغِيرَةِ جِدًّا وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ الْحُكْمُ فِيهَا بِبُلُوغِ الصَّغِيرَةِ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَدِّرُ ذَلِكَ بِتِسْعِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَنَى بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَكَانَ لِأَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ ابْنَةٌ صَارَتْ جَدَّةً ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعَةَ عَشَرَةَ سَنَةً حَتَّى قَالَ : فَضَحَتْنَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا } وَالْأَمْرُ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ابْنَةِ سِتِّ سِنِينَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ هَلْ يَكُونُ حَيْضًا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، إذَا تَمَادَى بِهَا مُدَّةَ الْحَيْضِ وَلَمْ يَكُنْ نُزُولُهُ لِآفَةٍ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ نَادِرٌ وَلَا حُكْمَ لِلنَّادِرِ .

وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا تَرَاهُ الْكَبِيرَةُ جِدًّا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْعَجُوزَ الْكَبِيرَةَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ مُدَّةَ الْحَيْضِ كَانَ حَيْضًا وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِيَاسِهَا أَمَّا إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ زَمَانًا حَتَّى حُكِمَ بِإِيَاسِهَا ، وَكَانَتْ بِنْتَ تِسْعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : إنْ رَأَتْ دَمًا سَائِلًا كَمَا تَرَاهُ فِي زَمَانِ حَيْضِهَا ، فَهُوَ حَيْضٌ ، وَإِنْ رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَيْضًا بَلْ ذَلِكَ بَلَلٌ مِنْ فَمِ الرَّحِمِ فَكَانَ فَاسِدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْحَيْضِ فَهَذَا بَيَانُ أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَة .

( فَصْلٌ أَلْوَانُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ ) سِتَّةٌ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكَدِرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتَّرْبِيَةُ أَمَّا السَّوَادُ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ أَنَّهُ حَيْضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ } مُحْتَدِمٌ وَالْحُمْرَةُ كَذَلِكَ ، فَهُوَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ لِلدَّمِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَعِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ يَرِقُّ فَيَضْرِبُ إلَى الصُّفْرَةِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِمَنْ افْتَصَدَ وَالصُّفْرَةُ كَذَلِكَ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ إذَا رَقَّ وَقِيلَ هُوَ كَصُفْرَةِ السِّنِّ أَوْ كَصُفْرَةِ التِّبْنِ أَوْ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ ، وَأَمَّا الْكَدِرَةُ فَلَوْنٌ كَلَوْنِ الْمَاءِ الْكَدِرِ ، وَهُوَ حَيْضٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ رَأَتْ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا أَوْ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ رَأَتْ الْكَدِرَةَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَإِنْ رَأَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا قَالَ : لِأَنَّ الْكَدِرَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَتْبَعُ صَافِيَهُ فَإِذَا تَقَدَّمَهُ دَمٌ أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَدِرَةِ حَيْضًا تَبَعًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا دَمٌ لَوْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا كَانَ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا ، وَهُمَا يَقُولَانِ : مَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فِي حُكْمِ وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا كَانَ النَّقْبُ مِنْ أَعْلَى الظَّرْفِ فَأَمَّا إذَا كَانَ النَّقْبُ مِنْ أَسْفَلِهِ فَالْكَدِرَةُ يَسْبِقُ خُرُوجَهَا الصَّافِي وَهُنَا النَّقْبُ مِنْ أَسْفَلَ فَجَعَلْنَا الْكَدِرَةَ حَيْضًا ، وَإِنْ رَأَتْهُ ابْتِدَاءً ، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُودَهَا حَتَّى قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ سَلَّامٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْخُضْرَةِ كَأَنَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا

عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِبْعَادِ ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَنَّ الْخُضْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الْكَدِرَةِ وَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا ، وَأَمَّا التَّرْبِيَةُ ، فَهُوَ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ التُّرَابِ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَدِرَةِ ؛ وَقَدْ رُوِيَ { عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَكَانَتْ غَزَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً قَالَتْ كُنَّا نَعُدُّ التَّرْبِيَةَ حَيْضًا } وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْوَانِ فِي حُكْمِ الْأَذَى سَوَاءٌ .
وَرُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ بِالْكُرْسُفِ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِتَنْظُرَ فَكَانَتْ إذَا رَأَتْ كَدِرَةً قَالَتْ لَا حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ يَعْنِي الْبَيَاضَ الْخَالِصَ وَالْقُصَّةَ الطِّينُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ ، وَهُوَ أَبْيَضُ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الصُّفْرَةِ فَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ الْخَالِصَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( فَصْلٌ ) ، وَإِنْ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِظُهُورِ الدَّمِ وَبُرُوزِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يَثْبُتُ إذَا أَحَسَّتْ بِالْبُرُوزِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَحُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالظُّهُورِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِهِمَا بِاعْتِبَارِ وَقْتِهِمَا إذَا أَحَسَّتْ بِالْبُرُوزِ وَالِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لِإِثْبَاتِ حُكْمِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِالظُّهُورِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ فُلَانَةَ تَدْعُو بِالْمِصْبَاحِ لَيْلًا لِتَنْظُرَ إلَى نَفْسِهَا فَقَالَتْ : مَا كَانَتْ إحْدَانَا تَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنَّهَا تَعْرِفُ ذَلِكَ ، فَهُوَ بِالْمَسِّ ، فَهُوَ إشَارَةٌ مِنْهَا إلَى الظُّهُورِ ؛ وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ ، فَهُوَ فِي مَعْدِنِهِ وَالشَّيْءُ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الظُّهُورِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ فَالْفَرْجُ الْخَارِجُ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ مِنْ الدُّبُرِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فَإِمَّا أَنْ تَضَعَهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ أَوْ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَإِذَا وَضَعَتْهُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ ذَلِكَ حَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخُرُوجِ ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْكُرْسُفِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا فَإِنْ نَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ الْفَرْجِ كَانَ حَيْضًا لِظُهُورِ الْبِلَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَعَلَى

هَذَا لَوْ حَشَى الرَّجُلُ إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْقُطْنَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ .
وَإِنْ تَعَدَّتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يُنْقَضْ وُضُوءُهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَسْقُطْ الْقُطْنَةُ فَإِنْ سَقَطَتْ ، فَهُوَ حَيْضٌ وَحَدَثٌ سَوَاءٌ ابْتَلَّ الْخَارِجُ أَوْ الدَّاخِلُ لِظُهُورِ الْبِلَّةِ وَلَوْ أَنَّ حَائِضًا وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَنَامَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ نَظَرَتْ إلَى الْكُرْسُفِ فَوَجَدَتْ الْبَيَاضَ الْخَالِصَ فَعَلَيْهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِطُهْرِهَا مِنْ حِينِ وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً حِينَ وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ وَنَامَتْ ثُمَّ انْتَبَهَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَوَجَدَتْ الْبِلَّةَ عَلَى الْكُرْسُفِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ حَيْضًا مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ وَالِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَلْزَمَهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْ .

( فَصْلٌ ) : وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ .
مِنْهَا أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي } يَعْنِي زَمَانَ الْحَيْضِ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا بَالُ إحْدَانَا تَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ ، وَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ أَنْكَرَتْ عَلَيْهَا السُّؤَالَ لِشُهْرَةِ الْحَالِ وَنَسَبَتْهَا إلَى حَرُورَاءَ وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ سُؤَالَ التَّعَنُّتِ فِي الدِّينِ .

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } الْآيَةُ فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى حُرْمَةِ الْغَشَيَانِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَآخِرِهِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضِ أَوْ أَتَاهَا فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَمُرَادُهُ إذَا اسْتَحَلَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ .

وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا اللَّوْحَ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ آيَةً تَامَّةً مِنْ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ } ، وَهَذَا ، وَإِنْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ لَا يُنَزِّلُهُ إلَّا السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ فَظَاهِرُهُ يُفِيدُ مَنْعَ غَيْرِ الطَّاهِرِ مِنْ مَسِّهِ { وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ } .

وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ دُونَ الْجُنُبِ قَالَ : لِأَنَّ الْجُنُبَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ بِالِاغْتِسَالِ فَيَلْزَمُهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْحَائِضُ عَاجِزَةٌ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ .
( وَلَنَا ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ } ثُمَّ عَجْزُهَا عَنْ تَحْصِيلِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ يَدُلُّ عَلَى تَغَلُّظِ مَا بِهَا مِنْ الْحَدَثِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهَا إنَّمَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ تَامَّةٍ وَلَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ ذَلِكَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَمَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ التَّامَّةِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قُرْآنٌ ، وَجْهُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْقُرْآنِ حُكْمَانِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَمَنْعُ الْحَائِضِ عَنْ قِرَاءَتِهِ ثُمَّ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ .

وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ بِسَرَفٍ اصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ } .

وَمِنْهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ ؛ لِأَنَّ مَا بِهَا مِنْ الْأَذَى أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ الْحَائِضُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ الصَّلَاةِ فَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ .

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } وَالِاطِّهَارُ بِالِاغْتِسَالِ .
وَمَنّهَا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ { أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ } .
وَمِنْهَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ بَيَانُهُ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ } نُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَشْهُرِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيْضِ ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ الْحَيْضُ ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حُكْمِ الِاسْتِبْرَاءِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَكَذَلِكَ النِّفَاسُ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ .

( فَصْلٌ ) : مُرَاهِقَةٌ رَأَتْ الدَّمَ فَجَاءَتْ تَسْتَفْتِي قَبْلَ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ هَلْ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ؟ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقُولَانِ : بِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ ، وَفِي شَكٍّ مِنْ الْحَيْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونَ حَيْضًا ، وَالْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ فَتُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عُلِمَ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا فَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصِّيَامِ إذَا طَهُرَتْ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ أَذًى وَقَدْ تَيَقَّنَتْ بِهِ فِي وَقْتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا إذَا انْقَطَعَ لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَفِي هَذَا الِانْقِطَاعِ شَكٌّ فَحَكَمْنَا بِهَذَا الظَّاهِرِ وَتَرَكْنَا الْمَشْكُوكَ وَجَعَلْنَاهَا حَائِضًا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ لِتَأَيُّدِهِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الدَّمِ وَإِلَى الْعَشَرَةِ الْإِمْكَانُ مَوْجُودٌ فَجَعَلْنَاهَا حَيْضًا وَإِذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا فَبِزِيَادَةِ السَّيَلَان لَا يُنْتَقَصُ الْحَيْضُ وَإِذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَيْضًا فَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ يَوْمًا طُهْرُهَا ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَأْخُذُ

بِالِاحْتِيَاطِ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَصُومُ وَتُصَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِالشَّكِّ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ وَتَقْضِيَ صِيَامَ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ حَيْضَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَتَحْتَاطُ لِهَذَا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّا قَدْ عَرَفْنَاهَا حَائِضًا ، وَدَلِيلُ بَقَائِهَا حَائِضًا ظَاهِرٌ ، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاحْتِيَاطِ ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ تُرَدُّ إلَى عَادَةِ نِسَائِهَا يَعْنِي نِسَاءَ عَشِيرَتِهَا ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النِّسَاءِ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَجِدَ أُخْتَيْنِ أَوْ أُمًّا وَابْنَةً عَلَى طَبْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَخْتَلِفُ طَبْعُهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ اعْتِبَارُ حَالِ نِسَائِهَا فِي مَعْرِفَة مُدَّةِ حَيْضِهَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ .
وَالثَّانِي أَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَالِيه أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ { تَحِيضِي يَعْلَمُ اللَّهُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَتَطْهُرُ } ، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ مَا يُخَالِفُهَا وَقَدْ ظَهَرَ هُنَا مَا يُضَادُّ الطُّهْرَ ، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْإِمْكَانُ هَذَا إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : يَحْكُمُ لَوْنُ الدَّمِ فَمَا دَامَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ ، فَهُوَ حَيْضٌ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا { دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ مُحْتَدِمٌ } وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَيَانُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ .
( وَلَنَا ) قَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ، وَهَذِهِ مُسْتَحَاضَةٌ } فَتُرَدُّ إلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ تَبَيَّنَ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ اسْمُ جَمْعٍ ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَمُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَيَانُ لَوْنِ الدَّمِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ وَالطِّبَاعِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَالَ مَالِكٌ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَحَاضَةُ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا لِلِاخْتِبَارِ فَإِنْ طَهُرَتْ وَإِلَّا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ { وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ : حِينَ اُسْتُحِيضَتْ انْتَظِرِي الْأَيَّامَ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا فَإِذَا مَضَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي } وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِظْهَارِ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ .

( فَصْلٌ هُوَ دَائِرَةُ الْكِتَابِ ) : الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ فَاصِلًا بَلْ يُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَيُجَوِّزُ خَتْمَهُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ يُجَوِّزُ خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا يُجَوِّزُ بِدَايَتَهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَمٌ يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا يُجَوِّزُ خَتْمَهُ بِهِ وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ زَمَانًا هُوَ طُهْرٌ كُلُّهُ حَيْضًا بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي هُوَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَكَذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ الصَّحِيحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهُ فَاسِدٌ وَبَيْنَ صِفَةِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مُنَافَاةٌ وَالْفَاسِدُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ شَرْعًا فَكَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي ، وَبَيَانُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ : مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عِنْدَهُ حَيْضٌ يَحْكُمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ : الدَّمُ الْمَرْئِيُّ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمَّا كَانَ اسْتِحَاضَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرُّعَافِ فَلَوْ جَازَ أَنْ تَجْعَلَ أَيَّامَ الطُّهْرِ حَيْضًا بِالدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِحَيْضٍ لَجَازَ بِالرُّعَافِ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ بِاعْتِبَارِهِ زَمَانُ الطُّهْرِ ، وَالْجَوَابُ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ

الْفَرْجِ فَلَا يَكُونُ كَالرُّعَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً فَرَأَتْ سِتَّةً دَمًا ثُمَّ أَرْبَعَةً طُهْرًا ثُمَّ يَوْمًا دَمًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَحَاضَةً فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ بِاعْتِبَارِ الْمَرْئِيِّ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَالرُّعَافِ مَا صَارَتْ بِهِ مُسْتَحَاضَةً فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ بَعْدَ سِتَّةٍ دَمًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَكُونُ اسْتِحَاضَةً فَلَوْ كَانَ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ الَّذِي هُوَ اسْتِحَاضَةٌ بِمَنْزِلَةِ الرُّعَافِ لَكَانَتْ الثَّلَاثَةُ حَيْضًا لِتَمَامِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ صُورَةً طُهْرًا حُكْمًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ طُهْرٌ كُلُّهُ صُورَةً حَيْضًا بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ إذَا ثَبَتَ جَوَازُ هَذَا فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ ثَبَتَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ دَمٌ وَبَعْدَهُ دَمٌ لِيَكُونَ الدَّمُ مُحِيطًا بِالطُّهْرِ .

وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى قَوْلِهِ فِي امْرَأَةٍ عَادَتُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةٌ فَرَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا بِيَوْمٍ دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَعِنْدَهُ خَمْسَتُهَا حَيْضٌ إذَا جَاوَزَ الْمَرْئِيُّ عَشَرَةً لِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِزَمَانِ عَادَتِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَرَ فِيهِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسَتِهَا يَوْمًا دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَحَيْضُهَا خَمْسَتُهَا عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْخَمْسَةِ وَخَتْمُهَا بِالطُّهْرِ لِوُجُودِ الدَّمِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُحِيطًا بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَإِلَّا كَانَ فَاصِلًا ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ وَلَا خَتْمَهُ بِالطُّهْرِ قَالَ : لِأَنَّ الطُّهْرَ ضِدُّ الْحَيْضِ فَلَا يَبْدَأُ الشَّيْءُ بِمَا يُضَادُّهُ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ وَلَكِنَّ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ يُجْعَلُ تَبَعًا لَهُمَا كَمَا قُلْنَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَنُقْصَانَهُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ .

وَبَيَانُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ هَذَا شَرْطًا آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْئِيُّ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَإِنْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يَكُونُ فَاصِلًا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ كَانَ فَاصِلًا ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَهُوَ اسْمٌ لِلدَّمِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَرْئِيُّ هَذَا الْمِقْدَارَ كَانَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ فَجُعِلَ أَصْلًا وَمَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ الطُّهْرِ تَبَعًا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ دُونَ هَذَا كَانَ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ لَا حُكْمَ لَهُ إذَا انْفَرَدَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ زَمَانِ الطُّهْرِ حَيْضًا تَبَعًا .

وَبَيَانُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِنْ الدَّمِ دُونَ الثَّلَاثِ ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ بَلَغَ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ إنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا فَإِذَا بَلَغَ الطُّهْرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ نُظِرَ فَإِنْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا لَا يَصِيرُ فَاصِلًا ، وَإِنْ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا يَصِيرُ فَاصِلًا فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا إمَّا الْمُتَقَدِّمُ أَوْ الْمُتَأَخِّرُ يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا يُجْعَلُ الْحَيْضُ أَسْرَعَهُمَا إمْكَانًا وَلَا يَكُونُ كِلَاهُمَا حَيْضًا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ ، وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَلَا خَتْمَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُجْعَلُ زَمَانُ الطُّهْرِ زَمَانَ الْحَيْضِ بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الطُّهْرَ مُعْتَبَرٌ بِالْحَيْضِ فَكَمَا تَبْنِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الْحَيْضِ لَا حُكْمَ لَهُ وَيُجْعَلُ كَحَالِ الطُّهْرِ فَكَذَلِكَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الطُّهْرِ لَا حُكْمَ لَهُ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَإِذَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا فَالْمَغْلُوبُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ ، وَإِنْ كَانَا

سَوَاءً فَكَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : قِيَاسٌ ، وَهُوَ تَبْنِي اعْتِبَارِ الدَّمِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَاعْتِبَارُ الطُّهْرِ يُوجِبُ حِلَّ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَوَى الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ يَغْلِبُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ كَمَا فِي التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلنَّجَاسَةِ أَوْ كَانَا سَوَاءً لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فَهَذَا مِثْلُهُ ؛ وَالثَّانِي : وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرَى الدَّمَ عَلَى الْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْنِيهَا فَيَقْتُلُهَا فَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ بَعْضُ الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ الدَّمُ مُعْتَبَرًا بِالْحَيْضِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَغْلِبُ الدَّمُ عَلَى الطُّهْرِ عِنْدَ التَّسَاوِي فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَأَمَّا إذَا غَلَبَ الطُّهْرُ الدَّمَ يَصِيرُ فَاصِلًا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْغَالِبِ ظَاهِرٌ شَرْعًا وَإِذَا صَارَ فَاصِلًا بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ مُنْفَرِدًا عَنْ صَاحِبِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إمْكَانُ جَعْلِهِ حَيْضًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، وَإِنْ وُجِدَ الْإِمْكَانُ فِيهِمَا جُعِلَ الْمُتَقَدِّمُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا ، وَأَمْرُ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ ثُمَّ لَا يُجْعَلُ الْمُتَأَخِّرُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا .

وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ التَّامِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَبَيَانُ مَذْهَبِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ دُونَ الثَّلَاثِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَهُوَ غَالِبٌ عَلَى الدَّمَيْنِ فَصَارَ فَاصِلًا وَكَذَلِكَ إنْ زَادَتْ فِي الطُّهْرِ فَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ كُلُّهَا حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فِي طَرَفَيْ السِّتَّةِ فَصَارَ غَالِبًا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِالطُّهْرِ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ فَصَارَ فَاصِلًا وَالْمُتَقَدِّمُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا فَجَعَلْنَاهُ حَيْضًا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهَا إمْكَانًا فَإِنْ قِيلَ قَدْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ هُنَا فَلِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَلَنَا اسْتِوَاءُ الدَّمِ بِالطُّهْرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ وَالْمَرْئِيُّ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةُ دَمٍ وَسِتَّةُ طُهْرٍ وَيَوْمٌ دَمٌ فَكَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلِهَذَا صَارَ فَاصِلًا .

وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا فَإِذَا بَلَغَ الطُّهْرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ فَاصِلًا عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ غَلَبَةَ الدَّمِ وَلَا مُسَاوَاةَ الدَّمِ بِالطُّهْرِ وَبَيَانُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَةٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ فَإِنْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا ، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَعِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ ، وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ أَوَّلًا ثَلَاثَةً دَمًا كَانَ الْحَيْضُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ ، وَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَالْحَيْضُ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) أَشْكَلَ فِيهِ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُلْغِي الْيَوْمَيْنِ وَالْخَمْسَةَ وَيَجْعَلُ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ حَيْضَهَا ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمَيْنِ كَانَ خَتْمُ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَطَعَنُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالُوا : يَنْبَغِي أَنْ يُلْغِيَ أَحَدَ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَجْعَلَ الْعَشَرَةَ بَعْدَهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الثَّانِيَ قَاصِرٌ ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَإِذَا جَعَلْنَاهُ كَالدَّمِ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ فِي الْعَشَرَةِ فَيَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ وَخَتْمَهُ بِالدَّمِ قَالُوا : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعِيبَ عَلَيْنَا فِي إلْغَاءِ أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ ؛ لِأَنَّكُمْ أَلْغَيْتُمْ الْيَوْمَيْنِ وَالْخَمْسَةَ بَعْدَهُ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الطَّعْنِ أَنَّ الْيَوْمَيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لِاتِّصَالِ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ أَحَدِهِمَا وَاعْتِبَارُ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ جِهَاتِ الْإِلْغَاءِ بِهَذَا الطَّرِيقِ تَكْثُرُ فَإِنَّك إذَا أَلْغَيْت رُبُعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نِصْفَهُ يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْمَقْصُودُ وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْجِهَاتِ لَا يَتَرَجَّحُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ بِإِلْغَاءِ الْيَوْمَيْنِ وَالْخَمْسَةِ وَجَعْلُ الْأَرْبَعَةِ حَيْضًا .

( فَصْلٌ ) : مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ ، وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا مَغْلُوبًا كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي هَلْ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ ؟ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يَتَعَدَّى وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ الْغَزَالِيُّ لَا يَتَعَدَّى ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّهَا حَيْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي ، فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا السَّنَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْعَشَرَةَ طُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا فَلِهَذَا مَيَّزْنَا وَجَعَلْنَا السِّتَّةَ الْأُولَى حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِالطُّهْرِ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَالثَّلَاثَةُ فَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ يُضَافُ يَوْمَانِ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى مَا سَبَقَ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ بَعْدَ الْيَوْمِ وَالثَّلَاثَةِ الْأُولَى فَمِنْ أَوَّلِ

الِاسْتِمْرَارِ سِتَّةٌ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ مِنْ جُمْلَةِ حَيْضِهَا ، وَبِهِ تَتِمُّ الْعَشَرَةُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ حَيْضًا لَهَا فَيَصِلُ إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

( اعْلَمْ ) بِأَنَّ الْوَقْتَ الْوَاحِدَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَقْتِ مِنْ عِنْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَمَامُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قُبَيْلُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ ؛ لِأَنَّ قُبَيْلَ اسْمٌ لِوَقْتٍ يَتَّصِلُ بِهِ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ بِخِلَافِ قَبْلِ ؛ بَيَانُهُ : فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقْتَ الضَّحْوَةِ أَنْتِ طَالِقٌ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : إذَا قِيلَ امْرَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ انْقَطَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ كُلَّهَا حَيْضٌ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ فِيهِ قَاصِرٌ ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَسَاعَةُ الطُّهْرِ فِيهِ قَاصِرٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ الْكُلُّ حَيْضًا ، وَإِنْ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْضًا ثُمَّ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَيَصِيرُ الدَّمُ غَالِبًا حُكْمًا فَإِنْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ مِنْ الْعَاشِرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّلَاثِ ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَصَارَ الطُّهْرُ الثَّانِي مَغْلُوبًا بِهِ فَيَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ كَمَا بَيَّنَّا ، وَعِنْدَ أَبِي سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ ، لِأَنَّ الطُّهْرَ الثَّانِيَ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَإِنْ صَارَ مَغْلُوبًا بِالدَّمِ فَلَا يَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ .
وَأَمَّا السَّاعَةُ فَفِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِجُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُنَجِّمُونَ إنَّهُ وَقْتٌ مُمْتَدٌّ حَتَّى يَشْتَمِلَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً فَتَارَةً يُنْتَقَصُ اللَّيْلُ حَتَّى يَكُونَ تِسْعَ سَاعَاتٍ وَيَزْدَادَ النَّهَارُ حَتَّى يَكُونَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَاعَةً وَتَارَةً يُنْتَقَصُ النَّهَارُ حَتَّى يَزْدَادَ اللَّيْلُ وَيُثْبِتُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِمْ فَأَمَّا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ السَّاعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ فَإِذَا قِيلَ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ قَاصِرٌ ، وَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ ثَلَاثَةِ سَاعَاتٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِمَنْزِلَةِ كَمَالِهِ عِنْدَهُ ، وَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ سَاعَةٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَسَاعَةٌ وَالطُّهْرُ فِيهِ قَاصِرٌ ، وَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَمَّا بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَارَ فَاصِلًا فَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ لِقُصُورِهِ عَنْ الثَّلَاثِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَصَارَ الطُّهْرُ الثَّانِي

مَغْلُوبًا بِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَسَاعَةٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الثَّانِيَ كَامِلٌ ، وَإِنْ صَارَ مَغْلُوبًا فَلَا يَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ .

وَأَمَّا أَجْزَاءُ النَّهَارِ فَبِحَسَبِ مَا يَذْكُرُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا قِيلَ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ رُبُعَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ يَوْمَيْنِ وَثُلُثِ يَوْمٍ طُهْرًا ثُمَّ رُبُعَ يَوْمٍ دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا لِأَنَّ الْكُلَّ قَاصِرٌ عَنْ الثَّلَاثِ بِسُدُسِ يَوْمٍ ، وَإِنْ قِيلَ رَأَتْ يَوْمًا وَرُبُعَ يَوْمٍ دَمًا وَيَوْمَيْنِ وَنِصْفَ يَوْمٍ طُهْرًا وَرُبُعَ يَوْمٍ دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ قَاصِرٌ ، وَإِنْ رَأَتْ رُبُعَ يَوْمٍ دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَرُبُعَ يَوْمٍ دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ كَامِلٌ فَصَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ مَا تَسْأَلُ عَنْهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَاقِعَاتِ إنَّمَا وَضَعُوهُ لِتَشْحِيذِ الْخَوَاطِرِ وَامْتِحَانِ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْعِلْمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ بِأَنَّ بُلُوغَ الْمَرْأَةِ قَدْ يَكُونُ بِالسِّنِّ وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَلَامَةِ وَالْعَلَامَةُ إمَّا الْحَيْضُ وَإِمَّا الْحَبَلُ فَنَبْتَدِئُ بِالْحَيْضِ فَنَقُولُ : إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا صَحِيحًا وَطُهْرًا صَحِيحًا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي صَاحِبَةِ الْعَادَةِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ عَادَتُهَا بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ هُنَا الِانْتِقَالَ عَنْ حَالَةِ الصِّغَرِ ، وَذَلِكَ عَادَةٌ فِي النِّسَاءِ فَيَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَأَمَّا فِي صَاحِبَةِ الْعَادَةِ الِانْتِقَالُ عَنْ الْعَادَةِ الثَّابِتَةِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَادَةٍ فَلَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ حَتَّى يَتَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى نَسْخِ الْعَادَةِ الْأُولَى وَإِثْبَاتِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَأَمَّا هُنَا الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْعَادَةِ دُونَ النَّسْخِ فَيَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ .
وَبَيَانُ هَذَا مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَةَ يَوْمًا ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا ثُمَّ تَفْسِيرُ الدَّمِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَلَا يَصِيرُ مَغْلُوبًا بِالطُّهْرِ وَتَفْسِيرُ الطُّهْرِ الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِدَمٍ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ وَكَانَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ .

ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَرْبَعَةُ فُصُولٍ إمَّا أَنْ يَفْسُدَ الدَّمُ وَالطُّهْرُ جَمِيعًا أَوْ يَفْسُدَ الدَّمُ وَيَصِحَّ الطُّهْرُ أَوْ يَصِحَّ الدَّمُ وَيَفْسُدَ الطُّهْرُ أَوْ يَكُونَ الدَّمُ صَحِيحًا ، وَالطُّهْرُ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنَّهُ يَفْسُدُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ أَمَّا بَيَانُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرً يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا الدَّمُ ، وَالطُّهْرُ فَاسِدَانِ فَكَأَنَّهَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ ابْتِدَاءً فَكَانَ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةً وَطُهْرُهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ عِشْرُونَ وَمَعَنَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تُصَلِّي يَوْمَيْنِ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ فَإِنْ كَانَ الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالطُّهْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ يَوْمًا وَاحِدًا تَمَامَ عِشْرِينَ ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ سِتَّةَ عَشَرَ فَأَوَّلُ الِاسْتِمْرَارِ يُوَافِقُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَتَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ نَسُوقُ الْمَسْأَلَةَ هَكَذَا إلَى أَنْ يَكُونَ الدَّمُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ وَالطُّهْرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ حَيْضٌ وَقَدْ صَلَّتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالدَّمِ ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرُ سَبْعَةٍ تَمَامَ الطُّهْرِ وَسَبْعَةٍ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ثَلَاثَةٌ فَالثَّلَاثَةُ حَيْضٌ كَامِلٌ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً ثُمَّ تُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا فَإِنْ كَانَ الدَّمُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَنَقُولُ : سِتَّةٌ مِنْ طُهْرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَقِيَّةُ طُهْرِهَا بَقِيَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ مَوْضِعُ حَيْضِهَا الثَّانِي لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَقَدْ بَقِيَ

مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا يَوْمَانِ ، وَيَوْمَانِ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَهَذِهِ لَمْ تَرَ مَرَّةً فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْقُلُ الْعَادَةَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مَرَّةً ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَرَى الْإِبْدَالَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِ الِانْتِقَالِ .

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّانِي مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَنَقُولُ : الدَّمُ هُنَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَبِفَسَادِهِ يَفْسُدُ الطُّهْرُ ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ بِالدَّمِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ فَجَاءَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا أَرْبَعَةٌ فَتُصَلِّي أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً ، وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ طُهْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الدَّمِ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الدَّمِ حَتَّى كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَيْضًا فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الطُّهْرِ أَوْلَى وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الطُّهْرِ لَا مِنْ الْحَيْضِ فَرُؤْيَةُ الدَّمِ الْفَاسِدِ فِيهِ تُؤَثِّرُ فِي الطُّهْرِ .

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّالِثِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ صَحِيحًا وَالطُّهْرُ فَاسِدًا بِأَنْ نَقُولَ : مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَجَاءَ الِاسْتِمْرَارُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُصَلِّي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ دَأْبُهَا .

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا الدَّمُ فِي الثَّلَاثَةِ صَحِيحٌ ، وَالطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا رَأَتْ بَعْدَهُ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ خَتْمَهَا بِالطُّهْرِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْإِبْدَالِ فَتُصَلِّي فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ضَرُورَةً فَيَفْسُدُ بِهِ ذَلِكَ الطُّهْرُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِنَصْبِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةً وَطُهْرُهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَقَدْ مَضَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتُصَلِّي تِسْعَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثُمَّ تَتْرُكُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَتُصَلِّي سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَوْ رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءَ أَرْبَعَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا الطُّهْرُ صَحِيحٌ صَالِحٌ لِنَصْبِ الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ دَمَ يَوْمٍ وَطُهْرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَمَامُ الْأَرْبَعَةِ فَابْتَدَأَ الْحَيْضُ الثَّانِيَ وَخَتَمَهُ بِالدَّمِ فَلِهَذَا كَانَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ خَالِصًا فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ يَوْمًا ، وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَدَعُ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ الدَّمَ يَوْمًا وَالطُّهْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالدَّمَ يَوْمًا ، وَالطُّهْرَ ثَلَاثَةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الطُّهْرُ خَالِصٌ هُنَا صَالِحٌ لِنَصْبِ الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ يَوْمَيْنِ إلَى مَا رَأَتْ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُجْعَلُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا فَكَانَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ خَالِصًا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْيَوْمُ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَكُونُ حَيْضًا

وَإِنَّمَا حَيْضُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِدَمٍ فَكَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ وَقَدْ مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمٌ دَمٌ وَثَلَاثَةُ طُهْرٌ قَدْ صَلَّتْ فِيهِ فَذَلِكَ تِسْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَوْمٌ دَمٌ قَدْ صَلَّتْ فِيهِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرٌ وَلَا يَبْتَدِئُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ فَقَدْ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَالْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا سَبْعَةٌ فَتَدَعُ سَبْعَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَسَائِلِ .

فَصْلٌ ) : فِي نَصْبِ الْعَادَةِ أَيْضًا إذَا اُبْتُلِيَتْ الْمُبْتَدَأَةُ بِالِاسْتِمْرَارِ بَعْدَ مَا يَكُونُ مِنْهَا الصِّحَاحُ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَطْهَارِ ، فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَرَى دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ ، وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ وَالثَّالِثُ : أَنْ تَرَى ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ وَثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ .
وَالرَّابِعُ : أَنْ تَرَى مُتَّفِقَيْنِ بَعْدَهُمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ ، وَالْخَامِسُ : أَنْ تَرَى مُتَّفِقَيْنِ بَيْنَهُمَا مَا يُخَالِفُهُمَا ثُمَّ الِاسْتِمْرَارُ .
فَصُورَةُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْ صَارَ عَادَةً قَوِيَّةً بِالتَّكْرَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ رَأَتْهُ مَرَّةً صَارَ عَادَةً لَهَا فَإِذَا رَأَتْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْلَى .

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّانِي مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَبْنِي مَا رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا رَأَتْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُزَاحِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ لَا تَبْنِي وَلَكِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْ أَرْبَعَةً دَمًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا مُدَّةُ حَيْضِهَا ، وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ حِسَابِ طُهْرِهَا ، وَلَكِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ لِرُؤْيَةِ الدَّمِ فَلَمَّا طَهُرَتْ سِتَّةَ عَشَرَةً فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهَا تَمَامُ طُهْرِهَا وَيَوْمَيْنِ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرَ فِيهِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ بِدَايَةَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ بِالطُّهْرِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا يَوْمٌ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى صَارَ عَادَةً لَهَا بِالْمَرَّةِ ، وَالْوَاحِدَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ تَبْنِي مَا تَرَى عَلَى عَادَتِهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُضُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ بَنَتْ عَلَيْهِ مَا تَرَى بَعْدَهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْهُ مَرَّةً وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ مَا رَأَتْ ثَانِيًا فِي صِفَةِ الصِّحَّةِ مِثْلُ مَا رَأَتْهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا تَبْنِي الْفَاسِدَ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَمَّا الصَّحِيحُ لَا يُبْنَى عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ لِلْمُبْتَدَأَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا الْعَادَةُ فِي الْأَصْلِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي بِنَاءِ الصَّحِيحِ عَلَى الصَّحِيحِ

لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ إذَا مَا رَأَتْ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ ، وَتَرَجَّحَ بِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اسْتَأْنَفَتْ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمُدَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا عَائِدَةٌ إلَيْهَا فَالْأَقَلُّ مَوْجُودٌ فِي الْأَكْثَرِ فَتَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ أَرْبَعَةً وَالطُّهْرَ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَالدَّمَ خَمْسَةً وَالطُّهْرَ سَبْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا تَبْنِي بَعْضَ الصِّحَاحِ عَلَى الْبَعْضِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ فَيَقُولُ : هُنَا رَأَتْ مَرَّتَيْنِ خِلَافَ مَا رَأَتْ أَوَّلًا وَالْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّتَيْنِ فَلِهَذَا تَبْنِي الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَهُنَاكَ إنَّمَا رَأَتْ خِلَافَ الْعَادَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا تَنْتَقِلُ بِهِ الْعَادَةُ فَلِهَذَا تَبْنِي الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : تَبْنِي عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّجْمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصُّورَةِ فَإِنَّ أَوْسَطَ الْأَعْدَادِ أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَهَكَذَا أَقَلُّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قُلِبَتْ الصُّورَةُ فَقُلْتُ : رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسَةً وَسَبْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرْبَعَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَلَاثَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَعَلَى قَوْلِ مِنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : بِأَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ عِنْدَ التَّعَارُضِ الْعَدْلُ هُوَ الْوَسَطُ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا } وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ يَلْزَمُهُ

عَبْدٌ وَسَطٌ وَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَ التَّعَارُضِ تَبْنِي فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى أَوْسَطِ الْأَزْمَانِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ أَقَلَّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مَوْجُودٌ فِي الْكَثِيرِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النِّسَاءِ فَإِنَّ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَاج إلَى حِفْظِ جَمِيعِ مَا تَرَى لِيَتَبَيَّنَ الْأَوْسَطُ مِنْ ذَلِكَ ، وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ لَا تَحْتَاجُ إلَى حِفْظِ مَرَّتَيْنِ لِتَبْنِيَ عَلَى أَقَلِّهِمَا وَلِلْيُسْرِ أَخَذُوا بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْفَتْوَى كَمَا أَنَّ فِي مَسَائِلِ الِانْتِقَالِ أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ عَلَى النِّسَاءِ

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ سِتَّةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ : الْعَادَةُ لَا تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً فَكَانَ الْبِنَاءُ بَاقِيًا فَحِينَ رَأَتْ أَرْبَعَةً فَثَلَاثَةٌ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ حَيْضِهَا وَيَوْمٌ مِنْ حِسَابِ طُهْرِهَا وَمِنْ سِتَّةَ عَشَرَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَمَامُ طُهْرِهَا وَيَوْمَانِ مِنْ حِسَابِ حَيْضِهَا لَمْ تَرَ فِيهِ فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةُ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً فَتَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا .

وَبَيَانُ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا وَسِتَّةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَذَلِكَ عَادَةٌ جَعْلِيَّةٌ لَهَا فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ كَانَتْ عَادَةً أَصْلِيَّةً لَهَا فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُخَالِفٌ صَارَ مَا رَأَتْ مَرَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ عَادَةً جَعْلِيَّةً لَهَا ، وَمَعْنَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّا جَعَلْنَا مَا رَأَتْهُ آخِرًا كَالْمَضْمُومِ إلَى مَا رَأَتْهُ أَوَّلًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي الْعَدَدِ فَتَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ وَصَارَ عَادَةً لَهَا تَبْنِي عَلَيْهِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ .

( فَصْلٌ ) : مُبْتَدَأَةٌ بَلَغَتْ بِالْحَبَلِ بِأَنْ حَبِلَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَوَلَدَتْ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاسُهَا سَاعَةٌ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْحَيْضِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَ الْإِمْكَان فَكَذَلِكَ هُنَا الْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ النِّفَاسِ ، وَعِنْدَهُ هُنَاكَ الْمُعْتَبَرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَكَذَا نِفَاسُهَا أَقَلُّ النِّفَاسِ ، وَذَلِكَ سَاعَةٌ ثُمَّ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ يُجْعَلُ طُهْرُهَا عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَوَالَى حَيْضَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لَا يَتَوَالَى حَيْضٌ وَنِفَاسٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ حَيْضَ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ مِنْ الطُّهْرِ فِي مِقْدَارِ الْعَدَدِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا طُهْرَهَا عِشْرِينَ وَحَيْضَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهَذَا طُهْرٌ قَاصِرٌ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَكَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً ؛ لِأَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ فَيَصِيرُ عَادَةً لَهَا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَا عَادَةَ لَهَا فِي الْحَيْضِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا عَشَرَةً فَلِهَذَا تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً ، وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا فِي كُلِّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَسُوقُ الْمَسْأَلَةَ إلَى أَنْ نَقُولَ : طَهُرَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ

الِاسْتِمْرَارِ تِسْعَةً ثُمَّ تُصَلِّي أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ذَلِكَ دَأْبُهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَهُرَتْ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ ذَلِكَ حَيْضًا بَلْ هُوَ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَعَادَتُهَا بِالطُّهْرِ وَالْحَيْضُ يَجْتَمِعُ فِي الشَّهْرِ فَإِذَا صَارَ أَحَدًا وَعِشْرِينَ طُهْرًا لَهَا لَمْ يَبْقَ لِحَيْضِهَا إلَّا تِسْعَةٌ فَجَعَلْنَا حَيْضَهَا تِسْعَةً أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ خَمْسَةً فِي الِابْتِدَاءَ ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ جَعَلْنَا حَيْضَهَا خَمْسَةً وَطُهْرَهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً وَتُصَلِّي وَاحِدًا وَعِشْرِينَ ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا فَيَكُونُ دَوْرُهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ : لِأَنَّا إنَّمَا قَدَّرْنَا الطُّهْرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَكْثَرِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحَيْضِ فَأَكْثَرُهُ مَعْلُومٌ ، وَهُوَ عَشَرَةٌ فَكَانَ طُهْرُهَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا رَأَتْ ، وَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ ثُمَّ نَسُوقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى أَنْ نَقُولَ : طَهُرَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةٌ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَاقِي مِنْ الشَّهْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةٌ وَدَوْرُهَا فِي كُلِّ سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ طَهُرَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهُنَا حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَدَوْرُهَا فِي كُلِّ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّهْرِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا لَهَا فَلِأَجْلِ التَّعَذُّرِ رَجَعْنَا إلَى اعْتِبَارِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَتَرَكْنَا مَعْنَى اجْتِمَاعِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فِي شَهْرٍ

وَاحِدٍ فَإِنْ رَأَتْ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا دَمًا كَمَا وَلَدَتْ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بِالدَّمِ فَيَفْسُدُ بِهِ طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ فَلِهَذَا كَانَ طُهْرُهَا عِشْرِينَ فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تُصَلِّي أَرْبَعَةً تَمَامَ طُهْرِهَا ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ طُهْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ كَمَا بَيَّنَّا فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تَدَعُ عَشَرَةً ، وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

( بَابُ الِاسْتِمْرَارِ ) .
( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ بِأَنَّ الِاسْتِمْرَارَ نَوْعَانِ : مُتَّصِلٌ وَمُنْقَطِعٌ ، فَالْمُتَّصِلُ أَنْ يَسْتَمِرَّ الدَّمُ بِالْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَحُكْمُ هَذَا ظَاهِرٌ بِهَا إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تَطْهُرَ ، وَإِنْ كَانَتْ صَاحِبَةَ عَادَةٍ فَأَيَّامُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ تَكُونُ حَيْضًا لَهَا ، وَأَيَّامُ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً فِيهَا فَأَمَّا الِاسْتِمْرَارُ الْمُنْقَطِعُ ، وَهُوَ مَقْصُودُ هَذَا الْبَابِ أَنْ نَقُولَ : مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا كَذَلِكَ أَشْهُرًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَوَابُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَبِدَايَتَهُ بِالطُّهْرِ فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ ، وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ ، وَهُوَ وَالِاسْتِمْرَارُ الْمُتَّصِلُ سَوَاءٌ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ تِسْعَةٌ وَطُهْرُهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ كَانَ طُهْرًا ، وَهُوَ لَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَيُحْتَاجُ عَلَى قَوْلِهِ إلَى مَعْرِفَةِ خَتْمِ الْعَشَرَةِ وَإِلَى مَعْرِفَةِ خَتْمِ الشَّهْرِ لِيَتَبَيَّنَ بِهِ حُكْمُ بِدَايَةِ الْحَيْضِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَفِي مَعْرِفَتِهِ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْأَوْتَارَ مِنْ أَيَّامِهَا حَيْضٌ وَالشَّفُوعَ طُهْرٌ ، وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الشَّفُوعِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ طُهْرًا .
وَكَذَلِكَ الْيَوْمُ الثَّلَاثِينَ خَتْمُ الشَّهْرِ مِنْ الشَّفُوعِ فَكَانَ طُهْرًا وَتَسْتَقْبِلُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلُ مَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي طَرِيقُ الْحِسَابِ ، وَعَلَيْهِ تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ فَنَقُولُ : السَّبِيلُ أَنْ يَأْخُذَ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا ، وَذَلِكَ اثْنَانِ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الْعَشَرَةَ ، وَذَلِكَ

خَمْسَةٌ وَاثْنَانِ فِي خَمْسَةٍ يَكُونُ عَشَرَةً ، وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ وَمَعْرِفَةُ خَتْمِ الشَّهْرِ أَنْ يَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ اثْنَانِ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ وَيَسْتَقْبِلُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلُ مَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَكَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تِسْعَةً حَيْضًا وَوَاحِدًا وَعِشْرِينَ طُهْرًا فَإِنْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالدَّمِ وَإِذَا أَرَادَتْ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَالسَّبِيلُ أَنْ تَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَتَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الْعَشَرَةَ ؛ لِأَنَّكَ لَا تَجِدُ الْمُوَافِقَ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تِسْعَةٌ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ فَعَرَفْتَ أَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ كَانَ بِالدَّمِ وَمَعْرِفَةُ خَتْمِ الشَّهْرَانِ تَأْخُذُ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَتَضْرِبُهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلُ ذَلِكَ فَيَكُونُ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةً حَيْضًا وَعِشْرِينَ طُهْرًا ، وَكَذَلِكَ إنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا ، فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ .
فَإِنْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالدَّمِ ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الْعَشَرَةَ ، وَذَلِكَ اثْنَانِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ يَوْمَانِ دَمٌ تَمَامُ الْعَشَرَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ كَانَ بِالدَّمِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَكُونَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَآخِرُ

الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ يَوْمَانِ دَمٌ تَمَامُ الشَّهْرِ وَاسْتَقْبَلَهَا فِي .
الشَّهْرِ الثَّانِي يَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمَانِ دَمٌ فَهَذِهِ السِّتَّةُ تَكُونُ حَيْضًا لَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بِيَوْمَيْنِ طُهْرٌ وَلَا يُخْتَمُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّانِي بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونَ سِتِّينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ يَوْمَانِ دَمٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا فَكَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ عَشَرَةٌ حَيْضٌ ثُمَّ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ ثُمَّ سِتَّةٌ حَيْضٌ ثُمَّ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ .
فَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ ثَمَانِيَةٌ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَكَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَمَانِيَةً حَيْضًا وَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ طُهْرًا .
وَكَذَلِكَ إنْ قَلَبْتَ وَقُلْتَ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ، فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ إلَّا أَنَّ حَيْضَهَا هُنَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةٌ فَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ تِسْعَةٌ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا ، وَكَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْحَيْضُ تِسْعَةٌ وَالطُّهْرُ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ فَإِنْ رَأَتْ أَرْبَعَةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ

عَشَرَةٌ ، لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالدَّمِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى خَتْمِ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَيَكُونَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ دَمٌ أَرْبَعَةٌ يَوْمَانِ تَمَامُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَيَوْمَانِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَكُونُ حَيْضًا ، وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي حَيْضُهَا تِسْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ كَانَ طُهْرًا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرَيْنِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَيْنِ ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ كَانَ طُهْرًا وَبُدَاءَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ لَا يَكُونُ ثُمَّ بَعْدَهُ أَرْبَعَةٌ دَمٌ وَثَلَاثَةٌ طُهْرٌ فَمَا وَجَدَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ الْأَرْبَعَةِ فَذَلِكَ حَيْضُهَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ تِسْعِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ أَحَدًا وَتِسْعِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ الرَّابِعِ يَوْمٌ لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ بَعْدَهُ أَرْبَعَةٌ دَمٌ وَثَلَاثَةٌ طُهْرٌ وَيَوْمَانِ تَمَامُ الْعَشَرَةِ دَمٌ فَوَجَدَتْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ فَذَلِكَ حَيْضُهَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا .
وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ مِائَةً وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ تَمَامُ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَفِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ ثَلَاثَةٌ دَمٌ وَثَلَاثَةٌ طُهْرٌ وَأَرْبَعَةٌ دَمٌ فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ حَيْضُهَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الْخَامِسِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا

وَطُهْرًا وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ مِائَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَكُونَ مِائَةً وَسَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ أَرْبَعَةٌ دَمٌ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَلِكَ تَمَامُ الشَّهْرِ الْخَامِسِ تُصَلِّي فِيهِ ثُمَّ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا فَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ تَكُونُ حَيْضًا لَهَا ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ كَانَ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ السَّادِسِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ مِائَةً وَثَمَانِينَ ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ فَيَكُونَ مِائَةً وَاثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ السَّابِعِ يَوْمَانِ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ بَعْدَهُ أَرْبَعَةٌ دَمٌ وَثَلَاثَةٌ طُهْرٌ وَأَرْبَعَةٌ دَمٌ فَخَتْمُ الْعَشَرَةِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ كَانَ بِالدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مَضَتْ مِنْ الشَّهْرِ السَّابِعِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ السَّابِعِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ فَتَكُونَ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةً وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ وَكَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ حَيْضَهَا وَطُهْرَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ دَمٌ وَثَلَاثَةٌ طُهْرٌ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَلَبْتَ فَقُلْتَ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا ، فَهُوَ فِي التَّخْرِيجِ مِثْلُ مَا سَبَقَ وَاسْتَقَامَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَزْدَادُ وَيَنْقُصُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بَعْضُ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ إذَا خَرَجَتْ فَإِنْ رَأَتْ أَرْبَعَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ أَشْهُرًا فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ

خَتْمَهَا بِالدَّمِ وَالدَّمُ غَالِبٌ عَلَى الطُّهْرِ فِيهَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَيَكُونَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي يَوْمَانِ لَمْ تَرَ فِيهِمَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا أَرْبَعَةٌ دَمٌ وَأَرْبَعَةٌ طُهْرٌ فَحَيْضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ أَرْبَعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ فِي الْعَشَرَةِ إلَّا هَذَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ إنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيَكُونَ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ يَوْمًا وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لَمْ تَرَ فِيهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا دَمٌ أَرْبَعَةٌ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ فَيَكُونَ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا أَرْبَعَةٌ دَمٌ ، يَوْمَانِ تَمَامُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ تُصَلِّي فِيهِمَا وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَجَدَتْ عَشَرَةً ، يَوْمَانِ دَمٌ وَأَرْبَعَةٌ طُهْرٌ وَأَرْبَعَةٌ دَمٌ فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ حَيْضُهَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا وَاسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ أَرْبَعَةُ دَمٌ كَمَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ دَوْرُهَا فِي كُلِّ أَرْبَعَةٍ الشَّهْرُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ عَشَرَةٌ حَيْضٌ وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مَضَيَا حَيْضٌ وَفِي الشَّهْرِ

الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ حَيْضٌ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ مَضَتْ مِنْهُ .
وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعَ عَشَرَةَ حَيْضٌ فَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالدَّمِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَهُ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ تِسْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونَ أَوَّلُهُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ دَمٌ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا تَمَامُ الشَّهْرِ وَتُصَلِّي فِيهَا ثُمَّ يَوْمَانِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي رَأَتْ فِيهِمَا وَبَعْدَهُمَا طُهْرَ أَرْبَعَةٍ وَدَمَ خَمْسَةٍ فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي حَيْضٌ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَهُ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَضْرِبُ تِسْعَةً فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ لَمْ تَرَ فِيهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا دَمٌ خَمْسَةٌ فَهَذَا حَيْضٌ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ تِسْعَةٌ فَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَيَكُونَ تِسْعِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَعَلِمْنَا أَنَّ دَوْرَهَا فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا بَيَّنَّا .
وَكَذَلِكَ إنْ قَلَبْتَ فَقُلْتَ : رَأَتْ أَرْبَعَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا ، فَهُوَ فِي التَّخْرِيجِ كَمَا بَيَّنَّا فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ عَشَرَةٌ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا فِي كُلِّ

شَهْرِ الْحَيْضِ خَمْسَةٌ وَالطُّهْرُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ وَتَصِيرُ هَذِهِ الْخَمْسَةُ عَادَةً لَهَا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّانِي بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ عَادَتِهَا ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَ يَوْمَانِ وَيَوْمَانِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَنْتَقِلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَتَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِهَا دُونَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْبَدَلَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهَا لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّهَا هَلْ تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا فَتَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ فَتَضْرِبَهُ بِهِ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَيَكُونَ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ أَيَّامِ عَادَتِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ لَمْ تَرَ فِيهِ شَيْئًا .
وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ إنْ لَمْ تَرَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ يَسْتَأْنِفْ لَهَا مَوْضِعَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ كَمَا تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّتَيْنِ تَنْتَقِلُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ وَإِذَا اسْتَأْنَفَ فِي مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةً وَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ دَوْرُهَا فِي كُلٍّ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا الْحَيْضُ خَمْسَةٌ وَالطُّهْرُ أَحَدٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْبَدَلَ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ : يُبَدَّلُ

لَهَا خَمْسَةٌ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ مَضَتْ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي لِوُجُودِ شَرْطِ الْإِبْدَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَهُ طُهْرٌ تَامٌّ ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى مَا نُثْبِتُهُ فِي بَابِهِ فَيَتْرُكُ هَذِهِ الْخَمْسَةَ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرَيْنِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَيَكُونَ سِتَّةً وَسِتِّينَ فَلَمْ تَرَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ فَيَسْتَأْنِفَ لَهَا مِنْ مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ وَاسْتَقَامَ دَوْرُهَا فِي كُلٍّ سِتَّةٌ وَسِتِّينَ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً بِحِسَابِ الْبَدَلِ ثُمَّ تُصَلِّي ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ، وَهَذَا دَأْبُهَا ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ شُهُورٍ اسْتِمْرَارًا مُتَّصِلًا فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : حَيْضُهَا فِي أَيَّامِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ لَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طُهْرًا صَحِيحًا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِاتِّصَالِ الِاسْتِمْرَارِ عَادَتْ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَاقِي الشَّهْرِ بَعْدَ أَيَّامِ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ طُهْرًا لَهَا ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَكَانَ أَبُو عُثْمَانَ يَقُولُ : حَيْضُهَا عَشَرَةٌ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ ، وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَمَّا فَسَدَ فَسَدَ الدَّمُ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا كُنَّا لَا نَجْعَلُ الْعَشَرَةَ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ خَتْمَهَا بِالطُّهْرِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ كَمَا لَوْ اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ ابْتِدَاءً .
وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ يَقُولُ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرَّاتٍ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْخَمْسَةَ حَيْضٌ وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَعَلَى ذَلِكَ تَبْنِي فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ

بِصِحَّتِهِ شَرْعًا بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ صَحِيحٌ حَقِيقَةً فَإِنْ رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ سِتَّةٌ ، وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونَ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ أَيَّامِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ لَمْ تَرَ فِيهَا ثُمَّ رَأَتْ سِتَّةً دَمًا ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ ، وَذَلِكَ يَكْفِيهَا فَكَانَ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي هَذِهِ الثَّلَاثَةُ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَهُ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ وَيَضْرِبَ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَيَكُونَ سِتَّةً وَسِتِّينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ لَمْ تَرَ فِيهَا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الْآخَرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْبَدَلَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُبَدَّلُ لَهَا سِتَّةٌ بَعْدَ سِتَّةٍ مَضَتْ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَهَا مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ طُهْرٌ تَامٌّ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَضْرِبَ أَحَدَ عَشَرَ فِيمَا يُقَارِبُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَيَكُونَ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ رَأَتْ سِتَّةً دَمًا يَوْمَانِ تَمَامُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ تُصَلِّي فِيهِمَا وَأَرْبَعَةً وَجَدَتْهُ فِي أَيَّامِهَا فَذَلِكَ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَهُ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ فَيَكُونَ مِائَةً وَأَحَدًا وَعِشْرِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ الدَّمُ بَعْدَهُ سِتَّةٌ وَجَدَتْهَا فِي أَيَّامِهَا فَذَلِكَ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَهُ بِمَاذَا يَكُونُ .
فَيَضْرِبَ أَحَدَ عَشَرَ فِي

أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَكُونَ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَى مِنْ أَيَّامِهَا فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أَرْبَعَةٌ بَقِيَ يَوْمَانِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الْآخَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُبَدَّلُ لَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سِتَّةٌ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ مَضَتْ مِنْ الشَّهْرِ السَّادِسِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَضْرِبَ أَحَدَ عَشَرَ فِيمَا يُقَارِبُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَيَكُونَ مِائَةً وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ دَمُ سِتَّةٍ أَرْبَعَةٌ تَمَامُ الشَّهْرِ السَّادِسِ تُصَلِّي فِيهِ وَإِنَّمَا رَأَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ يَوْمَيْنِ فِي أَيَّامِهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَيْضًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَرَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ فَيَسْتَأْنِفُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الْبَدَلِ وَتَجْعَلُ تِلْكَ السِّتَّةَ يَعْنِي السِّتَّة الَّتِي جُعِلَتْ بَدَلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضًا لَهَا بِطَرِيقِ انْتِقَالِ الْعَادَةِ إلَيْهِ حَتَّى إذَا كَانَتْ لَمْ تُصَلِّ فِيهَا أَخْذًا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ دَوْرُهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَنْتَقِلُ عَادَتُهَا مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَالْعَدَدُ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ سِتَّةٌ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا .
وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لَمْ تَرَ فِيهَا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُبَدَّلُ لَهَا سِتَّةٌ مَضَتْ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَضْرِبَ اثْنَيْ عَشَرَ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَيَكُونَ سِتِّينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا وَاسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَتْرُكُ سِتَّةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرَيْنِ وَتُصَلِّي أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ وَعِنْدً مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَتْرُكُ سِتَّةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَتُصَلِّي ثَلَاثِينَ ثُمَّ تَتْرُكُ سِتَّةً بِحِسَابِ الْبَدَلِ ثُمَّ تُصَلِّي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَخْرُجُ سِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَقَلْبُهَا وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةُ وَقَلْبُهَا وَتِسْعَةُ وَتِسْعَةُ وَتِسْعَةُ وَعَشَرَةُ وَقَلْبُهَا إلَى أَنْ يَقُولَ : رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءَ عَشَرَةً دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةٌ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُقَارِبُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ اثْنَانِ فَيَكُونَ أَرْبَعِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لَمْ تَرَ فِيهَا شَيْئًا ، وَالْإِبْدَالُ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالْجَرِّ أَوْ الطَّرْحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِبْدَالِ لَا يَبْقَى إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي طُهْرٌ تَامٌّ فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي حَتَّى يَنْظُرَ إلَى أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرَيْنِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَيْنِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ فَيَكُونَ سِتِّينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ فَاسْتَقَامَ أَمْرُهَا وَاسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ تَتْرُكُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي خَمْسِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ دَأْبُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الِانْتِقَالِ ) قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِانْتِقَالُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : انْتِقَالُ مَوْضِعٍ ، وَانْتِقَالُ عَدَدٍ وَلَا يَحْصُلُ الِانْتِقَالُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ تَرَ مَرَّتَيْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ يَحْصُلُ انْتِقَالُ الْعَادَةِ قَالَ : لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَادَةِ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَيَكُونُ كَذَلِكَ انْتِقَالُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ صَاحِبَةُ بَلْوَى ، وَفِي الِانْتِقَالِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ تَيْسِيرٌ عَلَيْهَا فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } ؛ وَلِأَنَّ الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالِاسْتِمْرَارِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْعَادَةِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ فَتَرَجَّحَ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ لِصِحَّتِهَا صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَ زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ ، وَمَا تَقَدَّمَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا : الْعَادَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ وَلَنْ يَحْصُلَ الْعَوْدُ بِدُونِ التَّكْرَارِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْسَخُهُ إلَّا مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } وَالْأَوَّلُ مُتَأَكِّدٌ بِالتَّكْرَارِ فَلَا يَنْسَخُهُ إلَّا مَا هُوَ مِثْلُهُ فِي التَّأَكُّدِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعَادَةِ وَانْتِقَالِهَا ثُمَّ نَبْدَأُ بِبَيَانِ انْتِقَالِ الْمَوْضِعِ فَنَقُولُ : هُوَ نَوْعَانِ : تَارَةً يَكُونُ بِالرُّؤْيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ عَادَتِهَا مَرَّتَيْنِ وَتَارَةً يَكُونُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّتَيْنِ وَبَيَانُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ طَهُرَتْ مَرَّةً خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَنْتَقِلُ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ إلَى

مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ ، وَفِي الطُّهْرِ إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَكُونُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ حَيْضًا لَهَا ، وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ أَمْرُهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا فِي الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ تَبَيَّنَّ أَنَّ مَا سَبَقَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ تَرَ بِأَنْ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً تَبَيَّنَّ أَنَّ الْعَشَرَةَ الْأُولَى كَانَتْ حَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ خِلَافَ عَادَتِهَا فِي الْمَوْضِعِ مَرَّتَيْنِ وَالْعَدَدُ بِحَالِهِ فَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا إلَى مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ ثَلَاثَةً وَفِي الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَطَهُرَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهَذِهِ لَمْ تَرَ مَرَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَيَّامِ عَادَتِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا لَهَا فَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا ، وَمَوْضِعُ حَيْضِهَا الْأَوَّلِ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَمَوْضِعُ حَيْضِهَا الثَّانِي مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَقَدْ وَافَقَ الِاسْتِمْرَارُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا الثَّانِي فَيَجْعَلُ ثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا .
وَإِنْ طَهُرَتْ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ فَلَمْ تَرَ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ أَيَّامِهَا الثَّانِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا إلَى أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّتَيْنِ فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ حَيْضًا لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ ، وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ فَحَبِلَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ عَشَرَةٌ ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ وَالشَّهْرُ الَّذِي يَلِيهَا نِفَاسُهَا ثُمَّ بَعْدَهُ عِشْرُونَ طُهْرُهَا ثُمَّ عَشَرَةٌ حَيْضُهَا فَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى آخِرِهِ لِعَدَمِ

الرُّؤْيَةِ مِرَارًا فِي زَمَانِ الْحَبَلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ الْبَدَلِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَاحِبَةُ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةُ إذَا لَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَوَقَّفُ حُكْمُ مَا رَأَتْ عَلَى مَا تَرَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ رَأَتْ فِي مَوْضِعِ عَادَتِهَا تَبَيَّنَّ أَنَّ مَا سَبَقَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلَ مَا رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَّ أَنَّ مَا سَبَقَ كَانَ حَيْضًا وَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا ، وَكَانَ لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْدَالِ إبْهَامَ نَقْلِ الْعَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَأَمَّا مُحَمَّدٌ قَالَ : إذَا رَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا جُعِلَ حَيْضًا بَدَلًا عَنْ أَيَّامِهَا إذَا أَمْكَنَ الْإِبْدَالُ وَالْإِمْكَانُ بِأَنْ يَبْقَى إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي بَعْدَ الْإِبْدَالِ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرُ سَوَاءٌ كَانَ الطُّهْرُ خَالِصًا أَوْ فِيهِ اسْتِمْرَارٌ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِبْدَالِ مِنْ طُهْرِهَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَظَرَ .
فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجُرَّ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي مَا يُضَمُّ إلَى مَا فِي الطُّهْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَيَبْقَى بَعْدَ الْجَرِّ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا يُبَدَّلُ لَهَا أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يُبَدَّلُ لَهَا وَتُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ ، وَالْإِمْكَانُ مَوْجُودٌ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِبْدَالِ مُدَّةَ طُهْرٍ تَامٍّ أَوْ أَمْكَنَ تَتْمِيمُهُ بِالْجَرِّ ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَرْأَةِ لَا تَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ تَارَةً ، وَتَتَأَخَّرُ أُخْرَى وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولَانِ بِالْبَدَلِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

بِطَرِيقِ الطَّرْحِ لَا بِطَرِيقِ الْجَرِّ وَبَيَانُهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِبْدَالِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَطْرَحَ مِنْ أَيَّامِ الْبَدَلِ مَا يُضَمُّ إلَى بَاقِي الطُّهْرِ فَيُتِمُّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَبْقَى مِنْ مَوْضِعِ الْبَدَلِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا يُبَدَّلُ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ لَا يُبَدَّلُ لَهَا وَقَالَا : هَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْجَرِّ التَّغْيِيرُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَجَوَازُ التَّغْيِيرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا كَانَ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِالْمَرَّةِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَعَدَدُ الْبَدَلِ دُونَ عَدَدِ الْأَصْلِ وَبَيَانُهُ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ وَأَبُو يَعْقُوبَ الْغَزَالِيُّ يَقُولَانِ بِالْبَدَلِ إذَا كَانَ يَبْقَى بَعْدَ الْإِبْدَالِ إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ لَا يُبَدَّلُ لَهَا ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْبَدَلِ لِيَكُونَ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ بَيْنَ طُهْرَيْنِ تَامَّيْنِ فَإِذَا وُجِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُبَدَّلُ لَهَا وَإِلَّا فَلَا .
وَبَيَانُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ امْرَأَةٌ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ طَهُرَتْ مَرَّةً اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ يُجْعَلُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَإِنْ طَهُرَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُبَدَّلُ لَهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِبْدَالِ إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَكَذَلِكَ إنْ طَهُرَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ

اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُبَدَّلُ لَهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِبْدَالِ إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا .
وَكَذَلِكَ إنْ طَهُرَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ يُبَدَّلُ لَهَا خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَتَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ فَإِنْ طَهُرَتْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي يَعْقُوبَ لَا يُبَدَّلُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِبْدَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَكِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُبَدَّلُ لَهَا خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِبْدَالَ بِطَرِيقِ الْجَرِّ مُمْكِنٌ فَيَجُرُّ مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي يَوْمًا إلَى بَقِيَّةِ طُهْرِهَا لِيُتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً بِطَرِيقِ الْبَدَلِ ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَدَعُ أَرْبَعَةً ثُمَّ تُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُبَدَّلُ لَهَا بِطَرِيقِ الطَّرْحِ فَتَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ وَكَذَلِكَ إنْ طَهُرَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ، فَهُوَ فِي التَّخْرِيجِ كَمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ طَهُرَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ لَا يُبَدَّلُ لَهَا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِبْدَالِ يَبْقَى مِنْ الطُّهْرِ اثْنَا عَشَرَ فَإِنْ جَرَرْت إلَيْهِ ثَلَاثَةً لَا يَبْقَى مِنْ مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا .
وَإِنْ ضَمَمْت مِنْ

أَيَّامِ الْبَدَلِ ثَلَاثَةً لَا يَبْقَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَلَا يُبَدَّلُ لَهَا وَلَكِنَّهَا تُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي ، وَذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ وَكَمَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ بَعْدَ أَيَّامِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ قَبْلَ أَيَّامِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ دَمًا عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ لَا اسْتِمْرَارَ فِيهِ حَتَّى إذَا صَلَّتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الطُّهْرِ الْمُتَقَدِّمِ بِالدَّمِ لَا يُبَدَّلُ لَهَا قَبْلَ أَيَّامِهَا .
بَيَانُهُ : امْرَأَةٌ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَيَّامَهَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجْعَلُ الْخَمْسَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ حَيْضَهَا بَدَلًا عَنْ أَيَّامِهَا ، وَلَوْ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ سِتَّةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَيَّامَهَا لَمْ يُبَدَّلْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ ؛ لِأَنَّهَا صَلَّتْ فِي يَوْمٍ مِنْهُ بِالدَّمِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُبَدَّلُ لَهَا مِثْلُ أَيَّامِهَا أَوْ أَقَلُّ مِنْ أَيَّامِهَا بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَدَّلَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَيَّامِهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طُهْرَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَا اسْتِمْرَارَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى جَعْلِ الزِّيَادَةِ حَيْضًا ابْتِدَاءً فَمَا لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا بَيْنَ طُهْرَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا ابْتِدَاءً فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِبْدَالُ قَبْلَ أَيَّامِهَا ، وَبَعْدَ أَيَّامِهَا يُبَدَّلُ لَهَا قَبْلَ أَيَّامِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا وَبَيَانُهُ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ ثَلَاثَةً ، وَفِي الطُّهْرِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا فَتُبَدَّلُ لَهَا الثَّلَاثَةُ الَّتِي رَأَتْهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهَا مَرْئِيَّةٌ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ

فَكَانَ إمْكَانُ الْبَدَلِ فِيهِ قَائِمًا فَلِهَذَا يُبَدَّلُ لَهَا تِلْكَ الثَّلَاثَةُ دُونَ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

( بَابُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ ) .
( قَالَ ) : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْلَمْ بِأَنَّ صَاحِبَةَ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ تَجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَإِنْ جَاوَزَ رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضَهَا وَمَا سِوَاهُ اسْتِحَاضَةٌ ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَيَزْدَادُ حَيْضُهَا تَارَةً بِاعْتِبَارِ قُوَّةِ طَبْعِهَا ، وَيَنْقُصُ أُخْرَى بِضَعْفِ طَبْعِهَا ، وَأَمْرُ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ فَإِذَا لَمْ تُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْإِمْكَانُ قَائِمٌ فِي الْكُلِّ ، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَحَاضَةً لَمَّا رَأَتْ زِيَادَةً عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا } ؛ وَلِأَنَّ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ مَعْرُوفِهَا تَبَعٌ لِمَعْرُوفِهَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ وَحُكْمُ التَّبَعِ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ فَأَمَّا بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ تَجَاذَبَهُ جَانِبَانِ فَإِنَّ اعْتِبَارَهُ بِأَيَّامِهَا يَجْعَلُهُ حَيْضًا وَاعْتِبَارُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ يَجْعَلُهُ اسْتِحَاضَةً فَيَتَرَجَّحُ هَذَا الْجَانِبُ ؛ لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ هَذِهِ الِاسْتِحَاضَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ لِدَاءٍ فِي بَاطِنِهَا

فَإِنْ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفْتِي فَقَالَتْ : كَانَتْ عَادَتِي فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً ، وَالْآنَ أَرَى الدَّمَ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُنَا قَالَ أَئِمَّةُ بَلْخِي أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الزِّيَادَةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مَعَ التَّرَدُّدِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَكُونُ حَيْضًا إلَّا بِشَرْطٍ ، وَهُوَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ ، وَذَلِكَ مَوْهُومٌ فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مَوْهُومٍ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهَا عَرَفْنَاهَا حَائِضًا بِيَقِينٍ وَفِي خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ شَكٌّ ، وَدَلِيلُ بَقَائِهَا حَائِضًا ظَاهِرٌ ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الدَّمِ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ اسْتِحَاضَةً إلَّا بِشَرْطِ الِاسْتِمْرَارِ حَتَّى تُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ وَذَلِكَ الشَّرْطُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَتَيَقَّنَّاهَا حَائِضًا لَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَحِينَئِذٍ تُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ أَيَّامِ عَادَتِهَا ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْمُبْتَدَأَةِ لَا تُؤْمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالصَّلَاةِ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ مَا لَمْ تُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ .

وَمِمَّا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمَسَائِلِ امْرَأَةٌ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسَةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فِي أَيَّامِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَخَمْسَتُهَا الْمَعْرُوفَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى جَوَازِ خَتْمِ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَإِنْ طَهُرَ مَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي عِنْدَهُ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الثَّلَاثَةُ الْأُولَى هِيَ الْحَيْضُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَلَوْ أَنَّهَا رَأَتْ فِي أَوَّلِ الْعَشَرَةِ يَوْمَيْنِ دَمًا وَفِي آخِرِهَا يَوْمَيْنِ دَمًا فَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بُرْهَانُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَهُ خَمْسَتُهَا حَيْضٌ إذَا كَانَ الْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ هُمَا الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ أَمَّا إذَا كَانَ الْيَوْمَانِ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ فَصَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَإِنْ لَمْ تَرَ فِي أَوَّلِهَا يَوْمَيْنِ دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَإِنْ رَأَتْ فِي أَوَّلِهَا يَوْمَيْنِ دَمًا ، وَرَأَتْ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ دَمًا كَانَتْ خَمْسَتُهَا هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ قَاصِرٌ ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْحَيْضُ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ فَإِنَّ الْإِبْدَالَ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى مُدَّةِ حَيْضِهَا الثَّانِي مُدَّةَ طُهْرٍ كَامِلٍ فَإِنْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ خَمْسَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا حَتَّى جَاوَزَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَتُهَا حَيْضًا

فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَمْسَةِ وَخَتْمَهَا كَانَ بِالدَّمِ ، وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ قَاصِرٌ فَإِنْ طَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا حَتَّى جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَالْيَوْمُ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِحَيْضٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ دَمٌ ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ طُهْرٌ ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ أَيَّامِهَا حَيْضٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ إلَّا إذَا تَعَقَّبَ دَمًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْضُهَا ثَلَاثَةٌ وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِهَا فَإِنَّ الْخَامِسَ كَانَ طُهْرًا ، وَهُوَ لَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْعَشَرَةِ كَانَ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَيْضًا كُلُّهُ ، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا إلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ حَيْضٌ إلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ فَإِنَّهَا لَمْ تَرَ فِيهِ دَمًا ، وَلَا بَعْدَهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْإِمْكَانِ فَجُعِلَ حَيْضًا ، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَخَمْسَتُهَا الْمَعْرُوفَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَيْضُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِنْ مَعْرُوفِهَا ؛ لِأَنَّهَا طَهُرَتْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ ، وَهُوَ لَا يَرَى بِدَايَةَ الْحَيْضِ وَلَا خَتْمَهُ بِالطُّهْرِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلٍ يُفْرَدُ لَهُ

( بَابٌ فِي تَقْدِيمِ الْحَيْضِ وَتَأْخِيرِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَةَ الْعَادَةِ إذَا رَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا دَمًا ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ هُوَ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَفِي وَجْهٍ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ ، وَرَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْكُلُّ عَشَرَةً فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْهُ قَبْلَ أَيَّامِهَا غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا لِمَا رَأَتْهُ فِي أَيَّامِهَا وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُطْلَقًا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي أَخَذُوا بِالظَّاهِرِ فَقَالُوا : الْمُتَقَدِّمُ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَثَلَاثَةُ فُصُولٍ .
أَحَدُهَا أَنْ تَرَى قَبْلَ خَمْسَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ خَمْسَةً أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ لَا تَرَى فِي خَمْسَتِهَا شَيْئًا أَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسَتِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ، وَمِنْ أَوَّلِ خَمْسَتِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا مَا لَمْ يَجْتَمِعَا فَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ : الْكُلُّ حَيْضٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَيْضَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ وَالْمُتَقَدِّمُ قِيَاسُ الْمُتَأَخِّرِ فَكَمَا جَعَلَ الْمُتَأَخِّرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ حَيْضًا فَكَذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْمُتَقَدِّمُ دَمٌ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا كَالصَّغِيرَةِ جِدًّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْحَيْضِ لَهَا ابْتِدَاءً ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْهُودٍ لَهَا مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالتَّكْرَارِ ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَنْتَقِلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى إبْقَاءِ مَا ثَبَتَ مِنْ صِفَةِ الْحَيْضِ وَالْإِبْقَاءِ لَا يَسْتَدْعِي دَلِيلًا مُوجِبًا ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ ، وَرَأَتْ أَيَّامَهَا مَعَ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَشْكُلُ أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ اعْتِبَارًا لِلْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَتَانِ فِيهِ رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ وَمَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا يَكُونُ أَصْلًا لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ فَيَسْتَتْبِعُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَيَّامَهَا حَيْضٌ فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُ فَحُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ مَا رَأَتْهُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا ، وَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِالتَّكْرَارِ ، وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي أَيَّامِهَا ، وَلَمْ تَرَ قَبْلَ أَيَّامِهَا تَبَيَّنَّ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ مَرْئِيٌّ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَهُوَ نَفْسُهُ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِأَيَّامِهَا بِخِلَافِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَإِذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفْتِي أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِهَا فَعِنْدَهُمَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا مَا لَوْ ضُمَّ إلَى أَيَّامِهَا لَمْ يُجَاوِزْ

الْعَشَرَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَرَى الدَّمَ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ فَكَانَ حَيْضًا لِلْإِمْكَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ طُهْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ تُؤْمَرْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُتَقَدِّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ لِكَوْنِهِ مُسْتَقِلًّا فِي نَفْسِهِ فَلَا تَسْتَتْبِعُهُ أَيَّامَ حَيْضِهَا ، وَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَئِمَّةِ بَلْخِي تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَئِمَّةِ بُخَارَى لَا تُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ تَرَى فِي أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الشَّرْطُ بَعْدُ فَلَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ فَأَمَّا فِي الْمُتَأَخِّرِ إنْ رَأَتْ أَيَّامَهَا وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا أَيْضًا ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَيَّامِهَا فِي حُكْمِ التَّبَعِ لِأَيَّامِهَا وَيَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ التَّبَعِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِنْ لَمْ تَرَ أَيَّامَهَا وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا أَوْ رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَبَعْدَ أَيَّامِهَا مِثْلَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا وَيُمْكِنُ جَعْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْضًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِمْكَانِ وَذَكَرَ أَبُو سَهْلِ الْفَرَائِضِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي أَيَّامِهَا تَبَيَّنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَانْتَقَلَتْ بِهِ عَادَتُهَا ، وَإِنْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا وَفِي أَيَّامِهَا ، وَبَعْدَ

أَيَّامِهَا فَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ سَوَاءٌ لَا يُفْصَلُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ وَلَكِنْ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْكُلُّ عَشَرَةً فَالْكُلُّ حَيْضٌ ، وَإِنْ جَاوَزَ كَانَ حَيْضُهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَيَّامَهَا تَصِيرُ فَاصِلَةً بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ أَيَّامُهَا وَمَا تَأَخَّرَ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ ، وَإِنْ جَاوَزَ فَحَيْضُهَا أَيَّامُهَا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يُفْصَلُ عَنْ أَيَّامِهَا وَالْجَوَابُ فِيهِ كَمَا قَالَا إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْكُلُّ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَصِيرُ فَاصِلًا فَيَنْظُرُ إلَى أَيَّامِهَا وَمَا تَأَخَّرَ خَاصَّةً ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ يُجْعَلُ حَيْضًا تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا وَلَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا ، وَرَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَاوَزَ الْكُلُّ الْعَشَرَةَ فَحَيْضُهَا أَيَّامُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ زَمَانَ الطُّهْرِ حَيْضًا بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا مَا تَقَدَّمَ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَحَيْضُهَا مَا تَأَخَّرَ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْعَلُ الْمُتَأَخِّرَ حَيْضًا وَعَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو سَهْلِ الْفَرَائِضِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي .

وَعَلَى هَذَا بَنَى مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلَ الْبَابِ فَقَالَ : امْرَأَةٌ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ قَبْلَهَا خَمْسَةً دَمًا وَطَهُرَتْ أَيَّامَهَا ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَأَيَّامُهَا الْمَعْرُوفَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْحَيْضُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِهَا مَعَ ذَلِكَ أَوْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهَا ؛ لِأَنَّ مَا رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ ، وَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا فِي أَيَّامِهَا مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ مِنْ آخِرِهَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ ، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَتَقَدَّمَ حَيْضُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَيَّامَهَا فَلَمْ تَرَ فِيهَا وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا دَمًا فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ اسْتِحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ أَحَدَ عَشَرً يَوْمًا أُخَرَ فَإِنْ عَاوَدَهَا كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْأُوَلِ مِنْ أَوَّلِهَا حَيْضًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا الْأُخْرَى حَيْضًا مِنْ أَوَّلِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْإِبْدَالَ فَجَعَلَ حُكْمَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا فَإِنْ تَأَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ انْتَقَلَتْ بِهِ الْعَادَةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ انْتِقَالَ الْعَادَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا الْأَوَّلُ حَيْضٌ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْعَادَةِ بِهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَا تَرَى فِي

الشَّهْرِ الثَّانِي كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَحَاضَتْهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ ثُمَّ انْقَطَعَ فِي خَمْسَتِهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بَعْدَهَا فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْضُهَا خَمْسَتُهَا لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِجَانِبَيْهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِبْدَالِ فِي الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ لَا اسْتِمْرَارَ فِيهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ الْإِبْدَالُ بَعْدَ أَيَّامِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِبْدَالِ إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي مُدَّةَ طُهْرٍ تَامٍّ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِمْرَارٌ ، وَإِنْ لَمْ تَرَ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّهَا رَأَتْ خَمْسَةً قَبْلَ أَيَّامِهَا دَمًا ، وَطَهُرَتْ أَيَّامَهَا فَتِلْكَ الْخَمْسَةُ هِيَ الْحَيْضُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِوُجُودِ شَرْطِ الْإِبْدَالِ فِي الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ تِلْكَ الْخَمْسَةَ وَأَيَّامَهَا الْمَعْرُوفَةَ وَزِيَادَةَ يَوْمٍ دَمًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعَادَةِ لَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنْ لَمْ تَرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّهَا رَأَتْ الْخَمْسَةَ الَّتِي قَبْلَ أَيَّامِهَا ، وَطَهُرَتْ أَيَّامَهَا وَطَهُرَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا ثُمَّ رَأَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ تِلْكَ الْخَمْسَةَ وَخَمْسَتَهَا وَزِيَادَةَ يَوْمٍ فَحَيْضُهَا هِيَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعَادَةِ حَصَلَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ إنْ طَهُرَتْ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ وَلَمْ تَرَ فِي غَيْرِهَا دَمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً قَبْلَ أَيَّامِهَا وَفِي أَيَّامِهَا وَزِيَادَةَ يَوْمٍ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ لِانْتِقَالِ الْعَادَةِ فِي الْمَوْضِعِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّتَيْنِ .
وَإِنْ كَانَتْ طَهُرَتْ فِي أَيَّامِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَحَيْضُهَا هِيَ الْخَمْسَةُ

الْمَعْرُوفَةُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَحْصُلُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّةً إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَرَ قَبْلَ أَيَّامِهَا ، وَلَا فِي أَيَّامِهَا ، وَرَأَتْ بَعْدَهَا خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ طَهُرَتْ خَمْسَتُهَا ، وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَأَيَّامُهَا خَمْسَةٌ مِنْ حِينِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ لِانْتِقَالِ الْعَادَةِ إلَى مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ أَيَّامَهَا مَرَّتَيْنِ .
( قَالَ ) : فِي الْكِتَابِ وَمَا بَعْدَهَا طُهْرٌ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ مِنْ حِينِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثُمَّ تَكُونُ حَائِضًا وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَلَطٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَعْدَ مَا تَتْرُكُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ تُصَلِّي ثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ قَدْ انْتَقَلَتْ إلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِرُؤْيَتِهِ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ طَهُرَتْ خَمْسَتُهَا بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ يَوْمًا وَطَهُرَتْ خَمْسَتَهَا وَخَمْسَةً بَعْدَ خَمْسَتِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ فَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَعَلِمْنَا أَنَّهَا طَهُرَتْ مَرَّتَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ ثَلَاثِينَ فَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ إلَى هَذَا فَعَلَيْهِ تَبْنِي فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ .
( قَالَ ) الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ جَوَابِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَمَّا طَهُرَتْ أَيَّامَهَا الْمَعْرُوفَةَ مَرَّتَيْنِ كَانَ حَيْضُهَا مُنْتَقِلًا إلَى حَيْثُ تَرَى الدَّمَ فَلَمَّا رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الشَّهْرِ صَارَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَقْتَهَا وَكَانَ حُكْمُهَا كَالَّتِي تُدْرَكُ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْإِدْرَاكِ أَوْ كَاَلَّتِي انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِالْحَبَلِ عَنْ مَوْضِعِ عَادَتِهَا فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى هَذِهِ

الْخَمْسَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ فَقَدْ انْتَهَتْ إلَى مَعْرُوفِهَا ، وَهِيَ تَرَى الدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ حَيْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَبَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى مِنْ حِسَابِ الطُّهْرِ إلَّا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلِذَلِكَ أَجَابَ بِمَا أَجَابَ بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ لَيْسَ لَهَا فِي الطُّهْرِ عَادَةٌ تَبْنِي عَلَى تِلْكَ الْعَادَةِ ، وَلِهَذِهِ فِي الطُّهْرِ عَادَةٌ مُتَأَكَّدَةٌ بِالتَّكْرَارِ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَلَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْهُ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : مُرَادُهُ مِمَّا قَالَ وَمَا بَعْدَهَا طُهْرٌ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ مَا مَضَى عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ فَإِنْ تَرَكَتْ خَمْسَةً بَقِيَ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُصَلِّي فِيهَا ثُمَّ تَدَعُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ : وَمَا بَعْدَهَا طُهْرٌ إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ مِنْ حِينِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّمَا الدَّمُ جُعِلَ أَوَّلَ الشَّهْرِ فِي حَقِّهَا مِنْ وَقْتِ الِاسْتِمْرَارِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَلَطٌ لِمَا بَيَّنَّا

( فَصْلٌ فِي بَيَانِ أُصُولِ مَسَائِلِ انْتِقَالِ الْعَدَدِ ) اعْلَمْ بِأَنَّ الْعَادَةَ نَوْعَانِ : أَصْلِيَّةٌ وَجَعْلِيَّةٌ فَصُورَةُ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَصُورَةُ الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ أَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ دَمَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ بَيْنَهُمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا أَوْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً أَوْ دِمَاءً مُخْتَلِفَةً فَيَنْصِبُ أَوْسَطَ الْأَعْدَادِ لَهَا عَادَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ وَأَقَلُّ الْمَرَّتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَتَكُونُ هَذِهِ عَادَةً جَعْلِيَّةً لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ سُمِّيَتْ جَعْلِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَادَةً لَهَا لِلضَّرُورَةِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا دَلِيلُ ثُبُوتِ الْعَادَةِ حَقِيقَةً فَإِنْ رَأَتْ الْعَادَةَ الْجَعْلِيَّةَ بَعْدَ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ أَئِمَّةُ : بَلْخِي رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُنْتَقَضُ بِهِ الْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا .
وَالشَّيْءُ لَا يَنْقُضُهُ مَا هُوَ دُونَهُ إنَّمَا يَنْقُضُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقُهُ ؛ وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فِي إثْبَاتِ عَادَةٍ لَهَا ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي نَقْضِ الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهَا ، وَمَشَايِخُ بُخَارَى رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ : تُنْقَضُ الْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ بِالْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّكَرُّرِ فِي الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِثَالُهُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً لَا تَثْبُتُ الْجَعْلِيَّةُ إلَّا بِرُؤْيَةِ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَالتَّكْرَارُ فِيهَا خِلَافُ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِرَارًا ؛ لِأَنَّ سَبْعَةً وَثَمَانِيَةً يَتَكَرَّرُ فِيهَا سِتَّةٌ فَبِالتَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ نُنْتَقَضُ تِلْكَ الْعَادَةُ وَلَكِنْ لِكَوْنِهَا مُتَفَاوِتَةً فِي نَفْسِهَا

تَكُونُ الْعَادَةُ الثَّانِيَةُ جَعْلِيَّةً لَا أَصْلِيَّةً ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَا تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً ، وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ فَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً تَمَامَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةً ، وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بِالرُّؤْيَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَمَّا الْعَادَةُ الْجَعْلِيَّةُ تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَبِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَثُبُوتُهَا مَا كَانَ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ فَكَذَلِكَ انْتِقَاضُهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ التَّكْرَارِ فِيمَا يُخَالِفُهَا بِخِلَافِ الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا رَأَتْ أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَدِمَاءً مُخْتَلِفَةً فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا .
فَالْبِنَاءُ عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَصَاحِبَةُ الْعَادَةِ وَالْمُبْتَدَأَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ ، وَقَدْ تَكُونُ عَادَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا أَصْلِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ جَعْلِيَّةً فِيهِمَا وَقَدْ تَكُونُ أَصْلِيَّةً فِي أَحَدِهِمَا جَعْلِيَّةً فِي الْآخَرِ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَطْهَارِ الصَّحِيحَةِ وَالدِّمَاءِ الصَّحِيحَةِ فَالطُّهْرُ الصَّحِيحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ لَا يُنْتَقَصَ عَنْ أَدْنَى مُدَّتِهِ ، وَأَنْ لَا تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِالدَّمِ فَإِنْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ بِالدَّمِ ثُمَّ كَانَ الطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ

أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا صَالِحٌ لِجَعْلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا غَيْرَ صَالِحٍ لِنَصْبِ الْعَادَةِ بِهِ ، وَإِنْ صَلَّتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِالدَّمِ ثُمَّ كَانَ الطُّهْرُ بَعْدَهُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِنَصْبِ الْعَادَةِ ، وَلَا يَجْعَلُ مَا بَعْدَهُ حَيْضًا ، وَالدَّمُ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُنْتَقَصَ عَنْ أَدْنَى مُدَّتِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ طُهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ عَشَرَةً وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ فَرَأَتْ الدَّمَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ .
فَنَقُولُ : عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ حَيْضَهَا وَالْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَوَّلُ طُهْرِهَا فَتُصَلِّي فِيهِ بِالدَّمِ ثُمَّ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ زَمَانِ طُهْرِهَا أَرْبَعَةٌ فَتُصَلِّي هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ ثُمَّ تَتْرُكُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ تَكُونُ حَيْضًا لَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ عَقِيبَ طُهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا ، وَلَكِنْ لَا تَنْتَقِلُ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ قَدْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ بِالدَّمِ فَلَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ الدَّمَ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ الطُّهْرَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ الدَّمَ خَمْسَةً ثُمَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَإِنَّ الْخَمْسَةَ لَا تُجْعَلُ حَيْضًا لَهَا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ عَقِيبَ طُهْرٍ كَامِلٍ بَلْ بِتِلْكَ الْخَمْسَةِ يَتِمُّ طُهْرُهَا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَعَشَرَةٌ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ حَيْضِهَا لَمْ تَرَ فِيهِ ثُمَّ جَاءَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ .

وَأَمَّا بَيَانُ الْبِنَاءِ عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ أَوْ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ أَنْ نَقُولَ : امْرَأَةٌ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ رَأَتْ الدَّمَ سَبْعَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ سِتَّةً وَالطُّهْرَ سَبْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ تَبْنِي عَلَى سِتَّةٍ فِي الْحَيْضِ وَعَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ فِي الطُّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوْسَطُ الْأَعْدَادِ فِيمَا رَأَتْ لَا أَوْسَطُ مَا تَرَى ، وَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ فِي الْحَيْضِ سِتَّةٌ ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ كَانَ خَمْسَةً ، وَبَعْدَهُ كَانَ سَبْعَةً ، وَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ فِي الْحَيْضِ سِتَّةٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ سَبْعَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ ، وَقَدْ رَأَتْ مَرَّةً خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : بِأَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إنَّمَا تَبْنِي عَلَى سِتَّةٍ فِي الْحَيْضِ ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الطُّهْرِ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَدْ رَأَتْ مَرَّةً سَبْعَةً وَمَرَّةً سِتَّةً وَفِي الطُّهْرِ مَرَّةً سَبْعَةَ عَشَرَ وَمَرَّةً خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِهَذَا بَنَتْ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لَهَا عَادَةٌ أَصْلِيَّةٌ فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا بِرُؤْيَةِ أَطْهَارٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ دِمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيَنْصِبُ لَهَا أَوْسَطَ الْأَعْدَادِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِهِ ، وَأَقَلَّ الْمَرَّتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِهِ مِمَّا يُوَافِقُ الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ الْمَأْخُوذَ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ مِنْ الْبَاقِي أَوْ إلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ يُوَافِقُ الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ عَرَفَتْ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ فَتَبْنِي عَلَيْهَا الْفَسَادَ .
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُوَافِقَةً لِلْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ عَرَفَتْ أَنَّ الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ قَدْ انْتَقَضَتْ ، وَالْمَطْرُوحُ يَصِيرُ عَادَةً جَعْلِيَّةً لَهَا

فَتَبْنِي عَلَى ذَلِكَ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ وَبَيَانُهُ : امْرَأَةٌ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ عَشَرَةٌ وَفِي الطُّهْرِ عِشْرُونَ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً ثُمَّ الطُّهْرَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ الدَّمَ عَشَرَةً ثُمَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ الدَّمَ عَشَرَةً ثُمَّ الطُّهْرَ عِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَنَقُولُ : أَوْسَطُ الْأَعْدَادِ فِي الطُّهْرِ عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ مَرَّةً ثَلَاثِينَ وَمَرَّةً أَرْبَعِينَ وَمَرَّةً خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ عِشْرُونَ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُطْرَحُ ذَلِكَ يَبْقَى بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعُونَ فَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ ثَلَاثُونَ فَلَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ قَدْ انْتَقَضَتْ بِهِ ، وَإِنَّمَا تَبْنِي فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْرُوحُ ، وَهُوَ دَمُ عَشَرَةٍ وَطُهْرُ عِشْرِينَ ، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً وَالطُّهْرَ ثَلَاثِينَ وَالدَّمَ عَشَرَةً وَالطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمَ عَشَرَةً وَالطُّهْرَ عِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ فِي الطُّهْرِ عِشْرُونَ فَيُطْرَحُ ذَلِكَ يَبْقَى بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثَلَاثُونَ ، وَمَا كَانَ فِي الْأَصْلِ عَادَةٌ لَهَا وَذَلِكَ عِشْرُونَ فَأَوْسَطُ الْأَعْدَادِ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ فَلَمَّا وَافَقَ أَوْسَطُ الْأَعْدَادِ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ الطَّرْحِ ، الْعَادَةَ الْأَصْلِيَّةَ عَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تُنْتَقَضْ فَتَبْنِي عَلَيْهَا مَا بَعْدَهَا فَحِينَ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ فَعِشْرُونَ مِنْهَا زَمَانُ طُهْرِهَا وَعَشَرَةٌ مِنْ حِسَابِ حَيْضِهَا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَشَرَةً ، وَهُوَ ابْتِدَاءُ طُهْرِهَا ثُمَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَشَرَةٌ تَمَامُ مُدَّةِ طُهْرِهَا وَخَمْسَةٌ مِنْ حِسَابِ حَيْضِهَا ثُمَّ الدَّمَ عَشَرَةً خَمْسَةٌ بَقِيَّةُ مُدَّةِ حَيْضِهَا وَخَمْسَةٌ مِنْ حِسَابِ طُهْرِهَا ثُمَّ الطُّهْرَ عِشْرِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَقِيَّةُ مُدَّةِ طُهْرِهَا وَخَمْسَةٌ مِنْ حِسَابِ حَيْضِهَا فَجَاءَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ حَيْضِهَا خَمْسَةٌ

فَتَدَعُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثُمَّ تُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ تَدَعُ عَشَرَةً ثُمَّ تُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا ، وَالْمَسَائِلُ الْمُخْرَجَةُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ فِي السُّؤَالَاتِ ، وَمَنْ أَحْكَمَ الْأُصُولَ فَهْمًا وَدِرَايَةً تَيَسَّرَ عَلَيْهِ تَخْرِيجُهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابٌ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِالْأَفْرَادِ وَالشَّفُوعِ ) ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصْلُ أَنَّ التَّقَدُّمَ مَتَى كَانَ بِفَرْدٍ فَإِنَّهَا لَا تَرَى فِي أَيَّامِهَا الْأُوَلِ ، وَلَا فِي أَيَّامِهَا الثَّوَانِي وَمَتَى كَانَ التَّقَدُّمُ بِشَفْعٍ فَإِنَّهَا تَرَى فِي أَيَّامِهَا الْأُوَلِ وَالثَّوَانِي ، وَالتَّأَخُّرُ مَتَى كَانَ بِفَرْدٍ فَإِنَّهَا لَا تَرَى فِي أَيَّامِهَا الْأُوَلِ وَلَا الثَّوَانِي ، وَمَتَى كَانَ بِشَفْعٍ فَإِنَّهَا لَا تَرَى فِي أَيَّامِهَا الْأُوَلِ ، وَتَرَى فِي أَيَّامِهَا الثَّوَانِي ، وَبَيَانُ هَذَا امْرَأَةٌ حَيْضُهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَطُهْرُهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرَأَتْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ حَيْضٌ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ وَخَتْمَهُ كَانَ بِالدَّمِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ هَذَا الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ اثْنَانِ فَيَضْرِبُهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ ثَلَاثِينَ ، وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا وَجَدَتْ أَيَّامَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَمَا وَجَدَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَإِنْ تَقَدَّمَ بِيَوْمٍ بِأَنْ طَهُرَتْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَمَامُ طُهْرِهَا ثُمَّ كَانَ أَيَّامُهَا ابْتِدَاؤُهُ وَخَتْمُهُ بِالطُّهْرِ فَلَمْ تَجِدْ أَيَّامَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَوَقَّفُ حُكْمُهَا عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجْعَلُ ثَلَاثَةً مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ حَيْضًا لَهَا بَدَلًا عَنْ أَيَّامِهَا ، وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْعَادَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَانْظُرْ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ الثَّانِي بِمَاذَا يَكُونُ فَخُذْ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ اثْنَانِ فَاضْرِبْهُ فِيمَا يُقَارِبُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ يَوْمٌ

دَمٌ تُتِمُّ بِهِ مُدَّةَ طُهْرِهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ يَوْمٌ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمٌ طُهْرٌ فَلَمْ تَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ أَيْضًا فَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا إلَى مَوْضِعِ الْإِبْدَالِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَقَدَّمَ بِشَفْعٍ بِأَنْ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا ، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَقَدِمَ طُهْرُهَا بِيَوْمَيْنِ وَاسْتَقْبَلَهَا زَمَانُ الْحَيْضِ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمٌ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ فَقَدْ وَجَدَتْ هَذِهِ الْمُدَّةَ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّ خَتْمَ الشَّهْرِ بِمَاذَا يَكُونُ فَتَأْخُذُ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ اثْنَانِ فَيَضْرِبُ فِيمَا يُوَافِقُ اثْنَيْنِ وَثُلُثَيْنِ ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي أَيَّامِهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دَمٌ يَوْمٌ وَطُهْرٌ يَوْمٌ وَدَمٌ يَوْمٌ فَقَدْ وَجَدَتْ أَيَّامَهَا وَهَكَذَا تَجِدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثُمَّ تَسِيرُ الْمَسْأَلَةُ فِي التَّقَدُّمِ فَرْدًا أَوْ شَفْعًا إلَى أَنْ نَقُولَ : طَهُرَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا كَذَلِكَ فَقَدْ بَقِيَ زَمَانُ طُهْرِهَا أَحَدَ عَشَرَ فَخُذْ دَمًا وَطُهْرًا وَذَلِكَ اثْنَانِ فَاضْرِبْهُ فِيمَا يُقَارِبُ أَحَدَ عَشَرَ .
وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَتَكُونُ عَشَرَةٌ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ دَمٌ يَتِمُّ بِهِ طُهْرُهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي أَيَّامِهَا طُهْرٌ يَوْمٌ وَدَمٌ يَوْمٌ وَطُهْرٌ يَوْمٌ فَلَمْ تَجِدْ فِي أَيَّامِهَا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ أَيْضًا ، وَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا إلَى مَوْضِعِ الْإِبْدَالِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِي أَيَّامِهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَجِدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَإِنْ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا فَقَدْ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا اثْنَا عَشَرَ فَخُذْ دَمًا ، وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ اثْنَانِ فَاضْرِبْهُ فِيمَا يُوَافِقُ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَةَ وَآخِرُ الْمَضْرُوبِ طُهْرٌ فَاسْتَقْبَلَهَا فِي أَيَّامِهَا يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمٌ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ فَقَدْ وَجَدَتْ

فِي أَيَّامِهَا إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّهَا هَلْ تَجِدُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَخُذْ دَمًا وَطُهْرًا وَاضْرِبْهُ فِيمَا يُوَافِقُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي أَيَّامِهَا دَم يَوْمٌ وَطُهْرٌ يَوْمٌ وَدَمٌ يَوْمٌ فَقَدْ وَجَدَتْ ، وَهَكَذَا تَجِدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَإِنْ تَأَخَّرَ بِيَوْمٍ بِأَنْ طَهُرَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا فَنَقُولُ : أَنَّهَا لَمْ تَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ أَيَّامَهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي وَحُكْمُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجْعَلُ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ حَيْضًا لَهَا بَدَلًا وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْعَادَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَخُذْ دَمًا وَطُهْرًا وَاضْرِبْهُ فِيمَا يُقَارِبُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ يَوْمٌ دَمٌ بِهِ يَتِمُّ طُهْرُهَا فَيَسْتَقْبِلُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي طُهْرٌ يَوْمٌ وَدَمٌ يَوْمٌ وَطُهْرٌ يَوْمٌ فَلَمْ تَجِدْ ، وَانْتَقَلَتْ عَادَتُهَا لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ مَرَّتَيْنِ إلَى مَوْضِعِ الْإِبْدَالِ فَتَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ .
فَإِنْ تَأَخَّرَ بِيَوْمَيْنِ بِأَنْ طَهُرَتْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ ثَلَاثَةً بِطَرِيقِ الْبَدَلِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ أَنَّهَا هَلْ تَرَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَأْخُذَ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَيَضْرِبَهُ فِيمَا يُوَافِقُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دَمٌ يَوْمٌ وَطُهْرٌ يَوْمٌ وَدَمٌ يَوْمٌ فَقَدْ وَجَدَتْ فِي هَذِهِ

الْمَرَّةِ ، وَهَكَذَا نَجِدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَإِنْ رَأَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا ، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ ثَلَاثَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ .
( قَالَ ) : الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ أَنَّهُ اضْطَرَّ إلَى هَذَا الْجَوَابِ ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْإِبْدَالَ زِيَادَةٌ عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طُهْرَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَا اسْتِمْرَارَ فِيهِمَا ، وَلَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّرْطُ هُنَا وَلَكِنَّهُ قَالَ : إنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَيَّامَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الثَّلَاثَةِ بِالطُّهْرِ ، وَهَكَذَا لَا تَجِدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَخُذْ دَمًا وَطُهْرًا ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَاضْرِبْهُ فِيمَا يُوَافِقُ الشَّهْرَ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَآخِرُهُ طُهْرٌ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي يَوْمَانِ دَمٌ وَيَوْمٌ طُهْرٌ فَلَمْ تَجِدْ .
وَهَكَذَا لَا تَجِدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَلَوْ لَمْ نَزِدْ فِي أَيَّامِهَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ لَا تَكُونَ حَائِضًا فِي شَيْءٍ مِنْ عُمُرِهَا مَعَ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ فِي أَكْثَرِ عُمُرِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ زِدْنَا فِي أَيَّامِهَا فَجَعَلْنَاهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ يَوْمَانِ دَمٌ وَيَوْمٌ طُهْرٌ وَيَوْمَانِ دَمٌ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ حَيْضُهَا ، وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ الْفَرَائِضِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَجْعَلَ حَيْضَهَا أَرْبَعَةً ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى أَيَّامِهَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِيَكُونَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا

وَخَتْمُهُ بِالدَّمِ فَلَا يُزَادُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَكَانَ حَيْضُهَا أَرْبَعَةً .
وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزَّعْفَرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يَجْعَلَ حَيْضَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَاعَةً فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لِلضَّرُورَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ، وَتَرْتَفِعُ هَذِهِ الضَّرُورَةُ بِزِيَادَةِ سَاعَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ فَلَا يُزَادُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَاعَةً ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَوْرٍ مِنْ الدَّمِ ، وَذَلِكَ يَوْمَانِ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ لِاتِّصَالِ بَعْضِهِ بِالْبَعْضِ فَإِذَا وَجَبَ زِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْهُ يُزَادُ كُلُّهُ فَيَجْعَلُ حَيْضَهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ .
فَإِنْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ حَيْضٌ ، وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا مِنْ أَوَّلِ الرُّؤْيَةِ كَانَ خَتْمُ أَيَّامِهَا بِالطُّهْرِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِي أَيَّامِهَا حَيْضَهَا وَإِذَا اعْتَبَرْنَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَمْكَنَ جَعْلُ الثَّلَاثَةِ حَيْضًا لَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى زِيَادَةٍ وَإِلْغَاءِ يَوْمَيْ دَمٍ وَيَوْمِ طُهْرٍ قَبْلَ الِاسْتِمْرَارِ أَهْوَنُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي أَيَّامِهَا فَلِهَذَا يُلْغَى ذَلِكَ وَيَجْعَلُ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً .
وَكَانَ الزَّعْفَرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : إنَّمَا يُلْغَى مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمَيْنِ سَاعَةً فَيَبْقَى يَوْمَانِ إلَّا سَاعَةً دَمٌ وَيَوْمٌ طُهْرٌ فَيَضُمُّ إلَيْهِ سَاعَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ حَتَّى تَتِمَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيُمْكِنُ جَعْلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ حَيْضًا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ وَخَتْمَهُ بِالدَّمِ وَالْإِلْغَاءُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِإِلْغَاءِ سَاعَةٍ لَا يَجُوزُ إلْغَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ رَأَتْ بَعْدَ طُهْرِ

سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ فَنَقُولُ : إنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَيَّامَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الثَّلَاثَةِ كَانَ بِالطُّهْرِ وَهَكَذَا لَا تَجِدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِثْلُ مَا كَانَ يَسْتَقْبِلُهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مُدَّةِ حَيْضِهَا فَيَجْعَلُ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ أَرْبَعَةً لِيَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ وَخَتْمُهُ بِالدَّمِ ، وَالطُّهْرُ فِي خِلَالِهِ قَاصِرٌ ثُمَّ طُهْرُهَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ، وَعَلَى قَوْلِ الزَّعْفَرَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا يَزْدَادُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ بِهِ تَرْتَفِعُ كَمَا بَيَّنَّا ، وَالْمَسَائِلُ الْمُخَرَّجَةُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ وَفِيمَا بَيَّنَّاهُ كِفَايَةٌ فَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ فَطَهُرَتْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَالْمُسْتَمِرُّ حَيْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَيَّامِهَا شَيْئًا .
وَالْإِبْدَالُ بِطَرِيقِ الْجَرِّ مُمْكِنٌ فَإِنَّا إذَا أَبْدَلْنَا هَذِهِ الْعَشَرَةَ يَبْقَى مِنْ زَمَانِ طُهْرِهَا عَشَرَةٌ فَيَجُرُّ خَمْسَةً مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى بَاقِي الطُّهْرِ لِيُتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِهَذَا أَبْدَلَ لَهَا وَقَالَ : تَتْرُكُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً ثُمَّ تُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَتْرُكُ خَمْسَةً ثُمَّ تُصَلِّي عِشْرِينَ ثُمَّ تَتْرُكُ عَشَرَةً وَتُصَلِّي عِشْرِينَ ، وَكَذَلِكَ إنْ طَهُرَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّا إذَا أَبْدَلْنَا لَهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةً يَبْقَى مِنْ الطُّهْرِ ثَمَانِيَةٌ فَيَجُرُّ مِنْ أَيَّامِهَا الثَّانِي سَبْعَةً إلَيْهِ لِيُتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَذَلِكَ حَيْضٌ تَامٌّ فَأَمَّا إذَا طَهُرَتْ

ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ فَالْآنَ لَا يُبَدِّلُ لَهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَبْدَلْنَا لَهَا عَشَرَةً يَبْقَى مِنْ زَمَانِ طُهْرِهَا سَبْعَةٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجُرَّ مِنْ الْحَيْضِ الثَّانِي إلَيْهِ مَا يَتِمُّ بِهِ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ ، وَالْبَاقِي بَعْدَهَا يَوْمَانِ وَيَوْمَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَلِهَذَا لَمْ يُبَدِّلْ لَهَا ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : تُصَلِّي إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّارِيخِ ) امْرَأَةٌ كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشَرَةً وَأَيَّامُ طُهْرِهَا عِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ يَوْمَ الْأَحَدِ لِأَرْبَعِ عَشَرَةِ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ثُمَّ جُنَّتْ وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ أَفَاقَتْ ، وَالدَّمُ مُسْتَمِرٌّ كَذَلِكَ فَجَاءَ الْيَوْمُ وَهُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ إلَى فَقِيهٍ تَسْتَفْتِيه أَنَّهَا حَائِضٌ الْيَوْمَ أَمْ طَاهِرٌ ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَهَذَا أَوَّلُ حَيْضِهَا أَوْ آخِرُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَكَذَلِكَ فَالسَّبِيلُ لِذَلِكَ الْفَقِيهِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ تَارِيخِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى يَوْمِ السُّؤَالِ فَيَأْخُذَ السِّنِينَ الْكَوَامِلَ وَالشُّهُورَ الْكَوَامِلَ وَالْأَيَّامَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ شَهْرًا فَيَجْعَلَ السِّنِينَ شُهُورًا وَالشُّهُورَ أَيَّامًا ثُمَّ يَطْرَحَ مِنْ الْجُمْلَةِ الْعَدَدَ النَّاقِصَ مِنْ الشُّهُورِ فَنَقُولُ مِنْ تَارِيخِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى وَقْتِ السُّؤَالِ ثَلَاثُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاجْعَلْ السِّنِينَ شُهُورًا بِأَنْ تَضْرِبَ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ .
وَتَضُمُّ إلَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ يَضْرِبُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِينَ فَيَكُونُ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَضُمُّ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَكُونُ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ إلَّا أَنَّ فِي الْأَشْهُرِ كَوَامِلَ وَنَوَاقِصَ فَاجْعَلْ النِّصْفَ كَوَامِلَ وَالنِّصْفَ نَوَاقِصَ ، وَاطْرَحْ بِعَدَدِ نِصْفِ الشُّهُورِ مِنْ الْجُمْلَةِ ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَبْقَى أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى مَالَهُ ثُلُثٌ صَحِيحٌ وَعُشْرٌ صَحِيحٌ فَاطْرَحْهُ ؛ لِأَنَّ دَوْرَهَا فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ عَشَرَةٌ حَيْضٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ فَأَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَثَلَاثُونَ تُطْرَحُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَبْقَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ، وَلَيْسَ لَهُ ثُلُثٌ صَحِيحٌ وَلَا

عُشْرٌ صَحِيحٌ فَعَرَفْت أَنَّ عَشَرَةً مِنْ أَوَّلِ هَذَا الْبَاقِي حَيْضُهَا وَاثْنَيْ عَشَرَ طُهْرُهَا فَيُقَالُ لَهَا : قَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ طُهْرِك ثَمَانِيَةٌ فَتُصَلِّي ثَمَانِيَةً إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ شُبْهَةٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ عَدَدَ الْكَوَامِلِ مِنْ الشُّهُورِ كَانَ أَقَلَّ وَعَدَدَ النَّوَاقِصِ كَانَ أَكْثَرَ ، فَإِنْ أَرَدْت إزَالَةَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَاحْسِبْهُ بِالْأَسَابِيعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، فَإِنْ وَافَقَ الْعَدَدُ بِالْأَسَابِيعِ مَا كَانَ مَعَك عَلِمْت أَنَّ النَّوَاقِصَ وَالْكَوَامِلَ كَانَا سَوَاءً ، فَإِنْ فَضَلَ يَوْمٌ عَلِمْت أَنَّ النَّوَاقِصَ كَانَ أَكْثَرَ بِشَهْرٍ ، وَإِنْ انْتَقَصَ يَوْمٌ عَلِمْت أَنَّ الْكَوَامِلَ أَكْثَرُ بِشَهْرٍ فَانْظُرْ إلَى مَا لَهُ سُبُعٌ صَحِيحٌ فَاطْرَحْهُ مِنْ أَصْلِ الْحِسَابِ وَلِأَلْفٍ وَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ سُبُعٌ صَحِيحٌ يَبْقَى اثْنَانِ وَسِتُّونَ وَلِسِتَّةٍ وَخَمْسِينَ سُبُعٌ صَحِيحٌ فَاطْرَحْهُ مِنْ الْبَاقِي بَقِيَ مَعَك سِتَّةٌ فَابْتِدَاءُ الِاسْتِمْرَارِ كَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَمِنْهُ إلَى وَقْتِ السُّؤَالِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَدْ فَضَلَ يَوْمٌ فَعَلِمْت أَنَّ النَّوَاقِصَ كَانَ أَكْثَرَ بِشَهْرٍ فَاطْرَحْ مِنْ الْبَاقِي مَعَك ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَاحِدًا بَقِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَيْضُهَا مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةٌ ، وَطُهْرُهَا أَحَدَ عَشَرَ فَيُقَالُ لَهَا : هَذَا يَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طُهْرِك فَصَلِّي تِسْعَةَ أَيَّامٍ تَمَامَ طُهْرِك ثُمَّ اُتْرُكِي عَشَرَةً وَصَلِّي عِشْرِينَ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ تُخْرِجُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ ) : امْرَأَةٌ جَاءَتْ إلَى فَقِيهٍ فَأَخْبَرَتْهُ عَنْ طُهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا تَحْفَظُ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ وَلَا الِاسْتِئْنَافُ لِتَوَهُّمِ الِاسْتِحَاضَةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَيُقَالُ لَهَا تَذَكَّرِي ، فَإِنْ لَمْ تَتَذَكَّرْ شَيْئًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الضَّالَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرَتْهُ عَنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَدَمٍ صَحِيحٍ وَلَا تَحْفَظُ شَيْئًا آخَرَ فَهَذَا أَيْضًا لَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ لِتَوَهُّمِ الِاسْتِحَاضَةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا ، فَإِنْ قَالَتْ : أَعْلَمُ أَنَّى لَمْ أَكُنْ مُسْتَحَاضَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى انْتِقَالَ الْعَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، فَإِنْ أَخْبَرَتْ عَنْ دَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَطُهْرَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ ، وَعَلِمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَاضَةً قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا فَهَذَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ ، وَلَا يَكْفِيهَا لِلِاسْتِئْنَافِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّتَيْنِ وَلَكِنْ لَا يَكْفِيهَا لِلِاسْتِئْنَافِ لِتَوَهُّمِ الطُّهْرِ الطَّوِيلِ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا ، فَإِنْ أَخْبَرَتْ عَنْ دَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَعَنْ طُهْرَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْعَدَدِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ هَذَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ ، وَلَكِنْ لَا يَكْفِيهَا لِلِاسْتِئْنَافِ لِتَوَهُّمِ الطُّهْرِ الطَّوِيلِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ هَذَا لَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ فَإِنْ أَخْبَرَتْ عَنْ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَدِمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا هَلْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةٌ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَهَذَا لَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَوْسَطِ

الْأَعْدَادِ ؛ لِأَنَّ الْخَالِصَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ دَمَانِ وَطُهْرَانِ ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَاضَةً قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَهَذَا يَكْفِيهَا لِنَصْبِ الْعَادَةِ بِالْبِنَاءِ عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ .
وَلَا يَكْفِيهَا لِلِاسْتِئْنَافِ لِتَوَهُّمِ الطُّهْرِ الطَّوِيلِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَخْرُجُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ الْإِضْلَالِ ) ( قَالَ ) : وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةٌ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً فَاسْتُحِيضَتْ وَطَبَّقَتْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَمَوْضِعَهَا فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهَا ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَكَمَا أَنَّ عِنْدَ اشْتِبَاهِ أَمْرِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهَا تَتَحَرَّى فَكَذَا اشْتِبَاهُ حَالِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَيْهَا تَتَحَرَّى فَكُلُّ زَمَانٍ يَكُونُ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا حَائِضٌ فِيهِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَكُلُّ زَمَانٍ أَكْثَرُ رَأْيِهَا عَلَى أَنَّهَا فِيهِ طَاهِرَةٌ تُصَلِّي فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ وَكُلُّ زَمَانٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ رَأْيُهَا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالدُّخُولِ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ ، وَكُلُّ زَمَانٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ رَأْيُهَا عَلَى شَيْءٍ بَلْ تَرَدَّدَ رَأْيُهَا فِيهِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي فِيهِ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ ، وَالْقِيَاسُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ ، وَلَكِنْ لَوْ أَخَذْنَا بِهَذَا كَانَ فِيهِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَرَّغُ عَنْ الِاغْتِسَالِ لِشُغْلٍ آخَرَ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ فَأَمَرْنَاهَا بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِهَذَا وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : هَذَا قِيَاسٌ أَيْضًا ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ فِي أَمْرِنَا إيَّاهَا بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى فَكَمَا أَنَّ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَعْرِفُ أَيَّامَهَا يُقَامُ الْوَقْتُ مَقَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكْفِيَهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وُضُوءٌ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ فِي الِاغْتِسَالِ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا

ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَرَجِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ بِخِلَافِهِ ، وَالْأَثَرُ جَاءَ هُنَا بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ .
فَإِنَّ { حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَمَّا اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ } ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ قَدْ نَسِيَتْ أَيَّامَهَا فَهُوَ نَصٌّ ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْفَظُ أَيَّامَهَا فَلَمَّا أَمَرْنَا بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَنْ حَفِظَتْ أَيَّامَهَا فَلِمَنْ نَسِيَتْ أَوْلَى ، وَبِهِ أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبِهِ أَمَرَ سَلَمَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَشَقَّ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تَغْتَسِلَ لِلْفَجْرِ ، وَبِهِ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَذَكَّرَتْ أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الْحَيْضِ كَانَ يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : رُفِعَ فَتْوَى إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ فَدَفَعَهُ إلَيَّ فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ إنِّي امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اُبْتُلِيتُ بِالدَّمِ وَقَدْ سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَقَالَ : وَأَنَا أَرَى لَهَا مِثْلَ مَا رَأَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلِهَذِهِ الْآثَارِ أَمَرْنَاهَا بِالِاغْتِسَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ : تَغْتَسِلُ فِي وَقْتٍ وَتُصَلِّي ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي الْوَقْتِ

الثَّانِي لِأَدَاءِ صَلَاةِ الْوَقْتِ ، وَتُعِيدُ مَا صَلَّتْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ لِتَتَيَقَّنَ أَدَاءِ أَحَدِهِمَا بِصِفَةِ الطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا تُصَلِّي الْمَكْتُوبَاتِ وَالسُّنَنَ الْمَشْهُورَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَاتِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهَا وَكَذَلِكَ تُصَلِّي الْوِتْرَ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَلَا تُصَلِّي شَيْئًا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ سِوَى هَذَا ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ التَّطَوُّعِ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ مُبَاحٌ ، وَفِي حَالَةِ الْحَيْضِ حَرَامٌ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْبِدْعَةِ لَا يُؤْتَى بِهِ فَإِنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْبِدْعَةِ وَاجِبٌ ، وَفِيمَا تُصَلِّي تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آيَةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَثَلَاثَ آيَاتٍ عِنْدَهُمَا قَدْرَ مَا يَتِمُّ بِهِ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ : تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ ، وَفِي السُّنَنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ تَعَيَّنَتْ وَاجِبَةً فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَلَا تَتْرُكُ قِرَاءَتَهَا ، وَلَا تَقْرَأُ السُّورَةَ مَعَهَا كَمَا لَا تَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ آيَةً تَامَّةً مِنْ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لَا يُؤْتَى بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ؛ لِأَنَّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى احْتِمَالِ أَنَّهَا حَائِضٌ ، وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَا قِرَاءَةُ آيَةٍ تَامَّةٍ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَإِنْ سَمِعَتْ سَجْدَةً فَسَجَدَتْ كَمَا سَمِعَتْ سَقَطَتْ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ أَدَّتْ مَا لَزِمَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى الْحَائِضِ بِالسَّمَاعِ ، وَإِنْ سَجَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا أَنْ تُعِيدَهَا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِجَوَازِ أَنَّ سَمَاعَهَا كَانَ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ فَلَزِمَتْهَا السَّجْدَةُ ثُمَّ أَدَّتْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا

فَإِذَا أَعَادَتْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ تَيَقَّنَتْ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَانَتْ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ ، وَإِنْ حَجَّتْ فَلَا تَأْتِي بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لَا يُؤْتَى بِهِ فَأَمَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَرُكْنُ الْحَجِّ لَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ تُعِيدَهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِتَتَيَقَّنَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا حَصَلَ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ فَتَتَحَلَّلُ بِهِ بِيَقِينٍ وَتَأْتِي بِطَوَافِ الصَّدْرِ ثُمَّ لَا تُعِيدُهُ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ عَلَى الطَّاهِرِ دُونَ الْحَائِضِ ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الضَّرُورَةُ وَلَكِنَّهُ اقْتِضَاءٌ لِلشَّهْوَةِ ، وَهُوَ حَرَامٌ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَطَأَهَا بِالتَّحَرِّي ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ ، وَزَمَانُ الطُّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ زَمَانِ الْحَيْضِ ، وَعِنْدَ غَلَبَةِ الْحَلَالِ يَجُوزُ التَّحَرِّي كَالْمَسَالِيخِ إذَا اخْتَلَطَتْ ، وَالْحَلَالُ غَالِبٌ عَلَى الْمَيْتَةِ وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ التَّحَرِّيَ فِي بَابِ الْفُرُوجِ لَا يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ التَّحَرِّي فِي الْجَوَارِي ، وَإِنَّمَا التَّحَرِّي فِيمَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ بِالْإِذْنِ دُونَ الْمِلْكِ ، وَلَا تُفْطِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرِ رَمَضَانَ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا ؛ لِأَنَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ طُهْرٌ .
فَإِنْ انْتَقَصَ الشَّهْرُ فَظُهُورُ ذَلِكَ النُّقْصَانِ فِي الطُّهْرِ لَا فِي الْحَيْضِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ أَوْ تَعْلَمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ أَوْ لَا تَتَذَكَّرُ شَيْئًا مِنْ

ذَلِكَ ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنْ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ عِشْرِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ صَوْمُهَا فِيهِ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةٌ ، وَرُبَّمَا وَافَقَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ فَلَا يُجْزِيهَا صَوْمُهَا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي عَشَرَةٍ أُخْرَى فَإِذَا صَامَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا خَرَجَتْ مِمَّا عَلَيْهَا مِنْ الْقَضَاءِ بِيَقِينٍ ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا احْتِيَاطًا ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ صَوْمُهَا فِيهِ فِي الشَّهْرِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ إذَا كَانَ مِنْ عِنْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَمَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِيهِ ثُمَّ عَلَيْهَا قَضَاءُ ضِعْفِ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ أُخْرَى ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَدْرِي أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ عِشْرِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ .
وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ وَيَسْتَوِي إنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِالشَّهْرِ أَوْ مَفْصُولًا عَنْهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا عَلِمَتْ أَنَّ دَوْرَهَا كَانَ يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ أَيْضًا فَعَلَيْهَا الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فَلَا تُفْطِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهْرِ وَعَلَيْهَا إنْ كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ عَشَرَةً وَطُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّمَا

فَسَدَ صَوْمُهَا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إمَّا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ أَوْ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ بَقِيَّةُ حَيْضِهَا وَعَشَرَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَإِذَا عَرَفْنَا أَنَّ عَلَيْهَا قَضَاءَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِمَّا أَنْ تَقْضِيَ مَوْصُولًا بِالشَّهْرِ أَوْ مَفْصُولًا عَنْهُ ، فَإِنْ قَضَتْ مَوْصُولًا فَعَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَسَدَ صَوْمُهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَشَرَةٌ وَمِنْ آخِرِ الشَّهْرِ خَمْسَةٌ فَيَوْمُ الْفِطْرِ هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا لَا تَصُومُ فِيهِ ثُمَّ تَصُومُ بَعْدَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بَقِيَّةِ حَيْضِهَا ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ .
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا فَسَدَ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ عَشَرَةٌ فَيَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ طُهْرِهَا لَا تَصُومُ فِيهِ ثُمَّ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا فِي عَشَرَةٍ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ آخَرَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَمِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تِسْعَةَ عَشَرَ فَتَحْتَاطُ وَتَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ إنْ قَضَتْ مَفْصُولًا فَإِنَّمَا تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَأَكْثَرُ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا إمَّا أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَخَمْسَةً مِنْ آخِرِهِ أَوْ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ بَقِيَّةِ الْحَيْضِ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ آخِرِهِ وَإِمَّا أَنْ تَقْضِيَ ذَلِكَ مُوصِلًا بِرَمَضَانَ أَوْ مَفْصُولًا عَنْهُ ، فَإِنْ قَضَتْ مَوْصُولًا فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلُ الشَّهْرِ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَيَوْمُ الْفِطْرِ هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا لَا تَصُومُ فِيهِ ثُمَّ لَا يُجْزِئهَا

الصَّوْمُ بَعْدَهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ ، وَيُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ شَوَّالٍ أَوَّلَ طُهْرِهَا بِأَنْ كَانَ خَتْمُ حَيْضِهَا فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَلَا تَصُومُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ ثُمَّ يُجْزِئُهَا الصَّوْمُ بَعْدَهُ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَيْهَا قَضَاءُ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَمِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا قَضَاءُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَتَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَتَصُومُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِتَخْرُجَ مِمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ .
وَإِنْ قَضَتْ مَفْصُولًا فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يُوَافِقَ ابْتِدَاءُ الْقَضَاءِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِذَا صَامَتْ هَذَا الْمِقْدَارَ تَيَقَّنَتْ بِجَوَازِ صَوْمِهَا فِي سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَدْرِي أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ أَوْ بِاللَّيْلِ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَعَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخُذُ بِأَحْوَط الْوَجْهَيْنِ ، فَإِنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِالشَّهْرِ صَامَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَإِنْ قَضَتْ مَفْصُولًا عَنْ الشَّهْرِ صَامَتْ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا .
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ كَامِلًا ، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِجَوَازِ صَوْمِهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَتَعَيَّنُ لِلْفَسَادِ خَمْسَةَ عَشَرَ

فَإِذَا أَرَادَتْ الْقَضَاءَ صَامَتْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُوَافِقَ ابْتِدَاءُ صَوْمِهَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا بِأَنْ كَانَ حَيْضُهَا بِالنَّهَارِ وَيُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي يَوْمٍ فَجُمْلَةُ ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا فَلِهَذَا صَامَتْ هَذَا الْقَدْرَ لِتَخْرُجَ مِمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ بِأَنْ كَانَتْ أَفْطَرَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ إذْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : إمَّا إنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ أَوْ لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ تِسْعِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا صَوْمُ سِتِّينَ يَوْمًا مُتَتَابِعَةً فَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ يُتَيَقَّنُ بِجَوَازِ صَوْمِهَا فِي عِشْرِينَ فَإِذَا صَامَتْ تِسْعِينَ يَوْمًا تَيَقَّنَتْ بِجَوَازِ صَوْمِهَا فِي سِتِّينَ يَوْمًا فَتَسْقُطُ بِهِ الْكَفَّارَةُ عَنْهَا ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ مِائَةَ يَوْمٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ صَوْمِهَا يُوَافِقُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي تِسْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَيَبْلُغُ الْعَدَدُ تِسْعِينَ يَوْمًا .
وَإِنَّمَا جَازَ صَوْمُهَا مِنْهُ

فِي سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي ثَلَاثَةٍ تَتِمَّةِ سِتِّينَ فَبَلَغَ عَدَدُ الْجُمْلَةِ مِائَةَ يَوْمٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَلِهَذَا صَامَتْ هَذَا الْمِقْدَارَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَدْرِي أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَصُومُ تِسْعِينَ يَوْمًا ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخُذُ بِأَحْوَطِ الْوَجْهَيْنِ فَتَصُومُ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ لَا تَدْرِي أَنَّ دَوْرَهَا فِي كَمْ يَكُونُ ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ مِائَةَ يَوْمٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ كُلِّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يُتَيَقَّنُ بِجَوَازِ صَوْمِهَا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ كَانَ حَيْضُهَا عَشَرَةً وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا صَامَتْ مِائَةَ يَوْمٍ جَازَ صَوْمُهَا فِي سِتِّينَ يَوْمًا بِيَقِينٍ فَتَسْقُطُ عَنْهَا الْكَفَّارَةُ بِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ مِائَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُوَافِقَ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ فَلَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَبْلُغُ الْعَدَدُ مِائَةً ، وَإِنَّمَا جَازَ صَوْمُهَا فِي سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَتِمَّةِ سِتِّينَ فَبَلَغَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، وَإِنَّمَا جَازَ صَوْمُهَا فِيهِ فِي سِتِّينَ يَوْمًا ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَدْرِي كَيْفَ كَانَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، فَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ فَعَلَيْهَا

أَنْ تَصُومَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَافَقَ ابْتِدَاءُ صَوْمِهَا ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ لَمْ يُجْزِئْهَا فِي عَشَرَةٍ ثُمَّ يُجْزِئُهَا فِي ثَلَاثَةٍ بَعْدَهَا ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ .
فَإِنْ كَانَتْ حِينَ افْتَتَحَتْ الصَّوْمَ بَقِيَ مِنْ طُهْرِهَا يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ جَازَ صَوْمُهَا فِيهِمَا ثُمَّ لَمْ يَجُزْ فِي عَشَرَةٍ وَانْقَطَعَ بِهِ التَّتَابُعُ فَإِنَّ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعَةً وَعُذْرُ الْحَيْضِ فِيهِ لَا يَكُونُ عَفْوًا ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَالِيَةً مِنْ الْحَيْضِ بِخِلَافِ الشَّهْرَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَحْتَاطَ بِصَوْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ طُهْرِهَا يَوْمَيْنِ حِينَ افْتَتَحَتْ الصَّوْمَ لَمْ يُجِزْهَا صَوْمُهَا فِيهِمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فِي الْعَشَرَةِ بَعْدَهُمَا لِعُذْرِ الْحَيْضِ وَجَازَ صَوْمُهَا فِي ثَلَاثَةٍ بَعْدَهَا فَكَانَتْ الْجُمْلَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ تَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى فَتَيَقَّنَ أَنَّ إحْدَى الثَّلَاثَتَيْنِ وَافَقَتْ زَمَانَ طُهْرِهَا .
وَجَازَ صَوْمُهَا فِيهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ بِالنَّهَارِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ طُهْرِهَا حِينَ افْتَتَحَتْ الصَّوْمَ يَوْمَانِ فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِيهِمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا بِسَبَبِ الْحَيْضِ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَفْطَرَتْ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَتَيَقَّنَ أَنَّ إحْدَى الثَّلَاثَتَيْنِ فِي زَمَانِ طُهْرِهَا فَيُجْزِيهَا وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَيْضًا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ كَانَ دَوْرُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَإِنْ

شَاءَتْ صَامَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي شَهْرٍ ثُمَّ فِي شَهْرٍ آخَرَ عَشَرَةً أُخْرَى سِوَى الْعَشَرَةِ الْأُولَى لِتَتَيَقَّنَ أَنَّ إحْدَى الْعَشْرَتَيْنِ مُوَافِقٌ زَمَانَ طُهْرِهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا كَانَ يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَعَلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ رَمَضَانَ قَضَاءُ ضِعْفِ عَدَدِ أَيَّامِهَا ، وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي عَشْرٍ مِنْ شَهْرٍ ثُمَّ فِي شَهْرٍ آخَرَ صَامَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَشْرٍ آخَرَ لِتَتَيَقَّنَ أَنَّ إحْدَاهُمَا مُوَافِقٌ زَمَانَ طُهْرِهَا فَيُجْزِيهَا مِنْ الْقَضَاءِ .
إلَّا أَنَّا لَمْ نَشْتَغِلْ بِهَذَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهَا بِنُقْصَانِ الْعَدَدِ وَبَيَّنَّاهُ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ فِيهِ يَتَحَقَّقُ ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَلَاةٍ تَرَكَتْهَا فِي زَمَانِ طُهْرِهَا صَلَّتْ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ ثُمَّ أَعَادَتْهَا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِتَخْرُجَ مِمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ فَإِنَّ أَحَدَ الْوَقْتَيْنِ زَمَانُ طُهْرِهَا بِيَقِينٍ وَلَوْ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي عِصْمَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِي حُكْمِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ أَبَدًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ بِشَيْءٍ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَضَى مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ غَيْرَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الطُّهْرِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ غَيْرَ سَاعَةٍ كَمَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ سَاعَةٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا تَحْتَسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَةٍ ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ

غَيْرَ سَاعَةٍ وَثَلَاثَةٌ حَيْضٌ ، كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا جَمَعْت الْكُلَّ بَلَغَ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ فَيَحْكُمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهَذِهِ الْمُدَّةِ .
وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُقَدِّرُ مُدَّةَ الطُّهْرِ فِي حَقِّهَا بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا بَيَّنَّا تَتَزَوَّجُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ وَاحِدٍ غَيْرِ سَاعَةٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ سَاعَةٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا تَحْسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ مِنْ الْعِدَّةِ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَةٍ ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةٌ فَيَبْلُغُ عَدَدُ الْجُمْلَةِ مِائَةً وَوَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا غَيْرَ سَاعَةٍ فَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ، فَأَمَّا فِي حُكْمِ انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ فَإِذَا مَضَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ بَابَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ ثَلَاثَةً وَطُهْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ طُهْرِهَا فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلِهَذَا حَكَمْنَا بِانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ احْتِيَاطًا ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي امْرَأَةٍ تَحْفَظُ أَيَّامَهَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَاغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ انْقَطَعَتْ بِهِ الرَّجْعَةُ ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ مَا لَمْ تَتَيَمَّمْ مَعَهُ أَوْ تُصَلِّي بَعْدَ التَّيَمُّمِ .
وَلَوْ أَنَّ هَذِهِ الْمُبْتَلَاةَ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا إنْسَانٌ فَمُدَّةُ اسْتِبْرَائِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي عِصْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقَدَّرُ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا غَيْرَ سَاعَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنَّ الشِّرَاءَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96