كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لَا تَحِيضُ فَاسْتَبْرَأَهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ حَاضَتْ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ وَإِكْمَالُ الْبَدَلِ بِالْأَصْلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَكِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ يُسْقِطُ اعْتِبَارَ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ وَإِذَا حَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَمَا حَدَثَ مِلْكُ الْحِلِّ فِيهَا لِغَيْرِهِ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا سَوَاءٌ كَانَ عَوْدُهَا إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ أَوْ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ جَدِيدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْهَا ثُمَّ اسْتَقَالَهُ الْبَيْعَ فِيهَا أَوْ اشْتَرَاهَا ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَعْضِ كَبَيْعِ الْكُلِّ فِي زَوَالِ مِلْكِ الْحِلِّ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَفِي الْوَجْهَيْنِ تَجَدُّدِ الْحِلِّ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ وَيَدِهِ فَلَزِمَهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ .
قَالَ وَإِذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّرَةُ لِلْخِدْمَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ مَا زَالَ عَنْهُ بِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنَّ سَبَبَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَلَمْ يَخْتَلَّ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَبِارْتِفَاعِهَا لَا يَتَجَدَّدُ مِلْكُ الْحِلِّ لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ أُمَّتَهُ ثُمَّ عَجَزَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ صَارَتْ كَالْخَارِجَةِ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى يَغْرَمَ بِوَطْئِهَا الْعَقْدَ لَهَا وَيَغْرَمُ الْأَرْشَ لَهَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا يُوَضِّحُهُ أَنَّهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ يَدًا فَتَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِي وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهَا الزَّوْجُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ زَالَ عَنْهُ بِالتَّزْوِيجِ فَكَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } وَالْعَبْدُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَوْلَاهُ فَكَيْفَ يُقَالُ زَالَ مِلْكُهُ وَانْحَلَّ وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ لِيَعْتِقَ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهَا مِلْكُ الْيَدِ فِي مَنَافِعِهَا وَمَكَاسِبِهَا وَمِلْكُ الْحِلِّ لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَبِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لَا يَخْتَلُّ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْأَرْشَ وَالْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ بِكَسْبِهَا ، فَإِذَا عَجَزَتْ فَإِنَّمَا تَقَرَّرَ لَهُ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ بَاقِيًا فَلَمْ يَحْدُثْ مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَأَمَّا
الزَّوْجَةُ إذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا .
فَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَالْعِدَّةُ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَهُوَ حَقُّ النِّكَاحِ لَا حَقَّ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ ، فَإِذَا حَلَّتْ لَهُ كَانَ ذَلِكَ حِلًّا مُتَجَدِّدًا وَفِي الْكِتَابَة مَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَجْعَلَ ذَلِكَ حِلًّا مُتَجَدِّدًا لَهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ لَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ مِلْكِ النِّكَاحِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ وَالْوَظِيفَةُ فِي النِّكَاحِ الْعِدَّةُ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا هُوَ وَظِيفَةُ النِّكَاحِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ أَوْلَى ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَيَطَؤُهَا زَوْجُهَا بِالنِّكَاحِ فَكَذَلِكَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ .
وَلَوْ وَهَبَهَا لِوَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لِحُدُوثِ مِلْكِ الْحِلِّ لَهُ بِسَبَبِ تَجَدُّدِ مِلْكِ الرَّقَبَة ، وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ نَقَضَ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِلْكُ الْحِلِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَالْحِلُّ الَّذِي كَانَ لَهُ بَاقٍ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ فَبِفَسْخِ الْبَيْعِ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مِلْكُ الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَرَدَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَمْلِكْهَا مَعَ بَقَاءِ خِيَارِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ كَرَدِّهَا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ .
وَإِذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي عَلَى شِرَاءٍ فَاسِدٍ ثُمَّ رَدَّهَا الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْقَبْضِ فَيَحْدُثُ الْحِلُّ لِلْبَائِعِ بِمَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ .
قَالَ وَإِذَا غَصْبَ جَارِيَةً فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَوَطِئَهَا ثُمَّ خَاصَمَ مَوْلَاهَا الْأَوَّلَ فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ كَالْأَوَّلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَغْصُوبَةَ مِنْهُ إذَا اسْتَرَدَّ الْمَغْصُوبَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِيَّ حِينَ اشْتَرَاهَا وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ غَاصِبٌ وَإِنَّمَا قَدِمَ عَلَى شِرَائِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَائِعَ مَالِكٌ فَيَثْبُتُ لَهُ الْحِلُّ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْحِلُّ فِيهَا بَاطِنًا فَلِثُبُوتِ الْحِلِّ لَهُ ظَاهِرًا قُلْنَا إذَا وَطِئَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحِلِّ فِيهَا بَاطِنًا قُلْنَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِبْرَاءٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِحَقِيقَةِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ غَاصِبٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا اسْتَرَدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ هُنَا .
وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ وَطْئِهَا وَفِي الْأَوَّلِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ لَا بِثُبُوتِ الْحِلِّ لَهُ فِيهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لِأَجْلِ ذَلِكَ اسْتِبْرَاءٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا الْمُشْتَرِي .
قَالَ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أُمَّتَهُ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَقْرَبَهَا بَعْدَمَا يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ .
هَذَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا مَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ وَالْأَمَةُ لَا تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِسَبَبِهِ وَالْعِدَّةُ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ .
قَالَ وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَلَمْ تَعْلَقْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ لَهُ فِيهَا حَدَثَ بِالشِّرَاءِ وَوَطْؤُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ كَانَ حَرَامًا وَارْتِكَابُ الْمُحْرِمِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لِحُدُوثِ مِلْكِ الْحِلِّ لَهُ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لَهُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا الْعَبْدُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَ رَقَبَتَهَا مِنْ وَقْتِ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَقَدْ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْضَةً فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا لَهُ وَكِيلُهُ فَحَاضَتْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ حَيْضَةً وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا دَيْنَ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ عِتْقُهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ أَهْلًا أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ أَيْضًا بِسَبَبِ دَيْنِهِمْ وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يَمْلِكَ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَمَا صَارَ الْمَوْلَى أَحَقُّ بِهَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَمَا يَشْتَرِيهَا مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَانَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا عِنْدَهُ حَتَّى إذَا أَعْتَقَهَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فَإِنَّمَا حَدَثَ لَهُ مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ حِينَ اشْتَرَاهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا .
قَالَ : وَإِنْ وَهَبَ جَارِيَتَهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَتَجَدَّدَ لِلْوَاهِبِ مِلْكُ الْحِلِّ فِيهَا بِالرُّجُوعِ بَعْدَمَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَ الْمَأْسُورَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ كَانُوا مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُمْ فَتَجَدَّدَ لَهُ فِيهَا مِلْكُ الْحِلِّ حِينَ اسْتَرَدَّهَا ، وَإِنْ أَبَقَتْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذُوهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآبِقُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لَا يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ ، فَإِذَا رُدَّتْ عَلَى الْمَوْلَى بِغَيْرِ شَيْءٍ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا كَانَتْ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَإِنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ الثَّابِتَةِ فِيهَا كَحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَمَلُّكِهَا بِالشِّرَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ لَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ فِيهَا ، وَلَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ ادَّعَاهُ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا مِلْكُ الْحِلِّ لِغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ .
قَالَ : وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيعَ أُمَّتَهُ وَقَدْ كَانَ يَطَؤُهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ الشَّاغِلِ لِرَحِمِهَا بِمَائِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُنَاكَ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لَا مُسْتَحَبَّةٌ فَكَذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءُ هُنَا وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَوَهُّمِ سَبَبِ اشْتِغَالِ الرَّحِمِ فَلَأَنْ يَجِبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِسَبَبِ اشْتِغَالِ رَحِمِهَا أَوْلَى وَلَكِنَّا نَقُولُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ نَظِيرُ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ وُجُوبُ الْعِدَّةِ يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَكَذَلِكَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءَ عِنْدَ إزَالَةِ الْمِلْكِ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءَ فِي الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمَوْلَى لِصِيَانَةِ مَاءِ نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ زَرْعَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا عِنْدَ الشِّرَاءِ فَأَمَّا عِنْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَمَعْنَى صِيَانَةِ مَائِهِ يَحْصُلُ بِإِيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ لَا يَسْتَبْرِئَهَا الْمُشْتَرِي فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا احْتِيَاطًا وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَجْتَزِئَ بِذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ تَبَيُّنَ فَرَاغِ رَحِمِهَا يَحْصُلُ بِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حَدَثَ مِلْكُ الْحِلِّ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا .
وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ
اللَّهُ مَنْ يَقُولُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ بَلْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا يُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بَعْدَمَا وَطِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لِيَحْصُلَ مَعْنَى الصِّيَانَةِ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَهُنَاكَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَيَحْصُلَ مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَزْوِيجِهَا وَالْأَحْسَنُ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ } وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَظِيفَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ وَظِيفَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَمَا لَا يَنْقُلُ وَظِيفَةَ النِّكَاحِ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ لَا يَنْقُلُ وَظِيفَةَ مِلْكِ الْيَمِينِ إلَى النِّكَاحِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالْأَمَةِ .
قَالَ : وَإِذَا زَنَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا وَالشَّرْعُ مَا جَعَلَ لِلزَّانِي إلَّا الْحَجَرَ وَلَيْسَ فِي الزِّنَا اسْتِبْرَاءٌ وَلَا عِدَّةٌ وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ صِيَانَةً لِمَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الْخَلْطِ بِمَاءِ غَيْرِهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا كَانَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } .
قَالَ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهَا وَسَلَّمَ الْآخَرَ الْبَيْعَ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ جَوَازِ الْبَيْعِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْ جَمِيعَ رَقَبَتِهَا وَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَةِ الْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَمَةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَحَاضَتْ عِنْدَهُ حَيْضَةً ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ إجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ عِنْدَنَا ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَنَا وَيَجْعَلُ إجَازَتَهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَلْغُو بَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالِهِ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْفَسْخِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ عِنْدَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ } فَكَوْنُ بَيْعِ مَا يُقْبَضُ وَلَمْ يُمْلَكْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ صَادَفَ مَحَلًّا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيَلْغُو كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا وَيَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ ، فَإِذَا انْعَدَمَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَحَلِّ يَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَصَرِّفِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ يُوجِبُ إلْغَاءَهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَلْغُو ذَلِكَ وَلَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ أَجَازَهُ
بَعْدَ الْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ إيجَابِ الْبَائِعِ قَدْ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الثَّمَنِ إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَهُوَ مَحَلُّ وِلَايَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْبَيْعُ ، وَكَذَلِكَ لَهُ إجَازَةُ الْبَائِعِ لِانْعِدَامِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَى الْمَحَلِّ يَدًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ إبَاقِهِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْبَيْعُ ، فَإِذَا انْعَدَمَتْ وِلَايَتُهُ مِلْكًا وَيَدًا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْلَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ وَرِثَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يَنْفُذُ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفُذَ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَلَأَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِإِجَازَتِهِ أَوْلَى وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَفَعَ إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دِينَارًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى شَاةً ثُمَّ بَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى شَاةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَتِكَ فَأَمَّا الشَّاةُ فَضَحِّ بِهَا وَأَمَّا الدِّينَارُ فَتَصَدَّقْ بِهِ } فَقَدْ بَاعَ مَا اشْتَرَى لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كَانَ هُوَ وَكِيلًا مُطْلَقًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِغَيْرِ نَقْلٍ ، وَلَوْ كَانَ النَّقْلُ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ لَهُ فَالْمَنْقُولُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ وَكِيلًا بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ .
{ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا إلَى عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ
أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِالدِّينَارِ شَاتَيْنِ ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِالْأُخْرَى مَعَ الدِّينَارِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَوَّزَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَلِكَ وَدَعَا لَهُ بِالْخَيْرِ } ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ لَأَمَرَهُ بِالِاسْتِرْدَادِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَلْغُو كَمَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمَالِكِ وَكَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَبِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ مِمَّنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَ كَلَامٌ وَهُوَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَحَدُّهُ مَا هُوَ حَدُّ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَتَحْقِيقُ الْفِعْلِ يَنْتَقِلُ مِنْ فَاعِلٍ فِي مَحَلٍّ يَنْفَعِلُ فِيهِ فَهَذَا يَكُونُ حَدَّ التَّصَرُّفِ بِاللِّسَانِ ، وَإِذَا صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ تَحَقَّقَ بِهِ وُجُودُهُ ثُمَّ قَدْ يَمْتَنِعُ نُفُوذُهُ شَرْعًا لِمَانِعٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ الْمَانِعِ وَبِالْإِجَارَةِ يَزُولُ الْمَانِعُ وَهُوَ عَدَمُ رِضَى الْمَالِكِ بِهِ وَبَيَانُ الْأَهْلِيَّةِ فِي التَّصَرُّفِ أَنَّ التَّصَرُّفَ كَلَامٌ وَالْأَهْلِيَّةُ لِلْكَلَامِ حَقِيقَةً بِالتَّمَيُّزِ وَاعْتِبَارُهُ شَرْعًا بِالْخِطَابِ وَبَيَانُ الْمَحَلِّيَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ فَالْمَحَلُّ إنَّمَا يَكُونُ مَحَلًّا بِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَبِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِلْعَاقِدِ فِي الْمَحَلِّ لَا تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ جَازَ وَمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ فَبِالْإِذْنِ لَا يَصِيرُ مَحَلًّا ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ جَازَ وَالْمَحَلِّيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ مَالِكًا أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ .
فَإِذَا قَبِلَ اعْتِبَارَ التَّصَرُّفِ شَرْعًا لِحُكْمِهِ لَا لِعَيْنِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَحْكَامُهَا وَاشْتِرَاطُ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَالتَّمْلِيكُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَرِّفُ مَالِكًا لَغَا تَصَرُّفُهُ لِانْعِدَامِ
حُكْمِهِ فَفِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ نَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ لِهَذَا التَّصَرُّفِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمٌ يَلِيقُ بِالسَّبَبِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالسَّبَبِ الْمَوْقُوفِ مِلْكُ الْمَوْقُوفِ كَمَا يَثْبُتُ بِالسَّبَبِ الْبَاتِّ مِلْكٌ بَاتٌّ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِكِ فِي إثْبَاتِ مِلْكٍ مَوْقُوفٍ بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي انْعِقَادِ السَّبَبِ وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي زَوَالِ مِلْكِهِ وَبِالْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ الْبَاتُّ ، وَالثَّانِي : أَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَلْغُو إذَا خَلَا عَنْ الْحُكْمِ شَرْعًا فَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ الْحُكْمُ فَلَا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَارَةً يَتَّصِلُ بِالسَّبَبِ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهُنَا الْحُكْمُ يَتَأَخَّرُ إلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ وَلَا يَنْعَدِمُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ انْعِدَامَ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ وَفِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ إلَى وُجُودِ الْإِجَازَةِ تَوَفُّرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ مُسْتَنِدًا بِالنَّظَرِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ فَيَكُونُ فِيهِ مَحْضَ مَنْفَعَةٍ لَهُ فَلِهَذَا انْعَقَدَ السَّبَبُ فِي الْحَالِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ إجَازَتَهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَهُنَاكَ لَغَا الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَصْلًا وَلَا يَكُونُ قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ ، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الصَّبِيِّ امْرَأَتَهُ إنَّمَا لَغَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَصَرِّفِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِ الصَّبِيِّ وَتَمَيُّزِهِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ .
وَمَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا يَنْعَدِمُ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يُجْعَلُ أَهْلًا بِاعْتِبَارِهِ وَدَلِيلُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ هَذَا التَّصَرُّفَ وَإِنَّمَا لَغَا لِانْعِدَامِ
حُكْمِهِ أَصْلًا فَامْرَأَةُ الصَّبِيِّ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْإِيقَاعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَلَا بِإِيقَاعِهِ فَأَمَّا مَالُ الْغَيْرِ فَمَحَلُّ الْحُكْمِ الْبَيْعُ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الْبَيْعِ عِنْدَ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ لَغْوًا بَلْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِانْعِدَامِ شَرْطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ قُدْرَةُ الْعَاقِدِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَاقِدُ مَا بَاعَهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ السَّبَبِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْحَادِثِ لَهُ فَحُكْمُ السَّبَبِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَى مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ مَنْ كَانَ مَالِكًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِإِزَالَتِهِ فَلَوْ نَفَذَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْحَادِثِ نَفَذَ مَقْصُودًا عَلَى الْحَالِ وَحُكْمُ السَّبَبِ لَيْسَ هَذَا فَأَمَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَهَذَا هُوَ تَأْوِيلُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَرَادَ تَسْلِيمَهُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ { حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِينِي فَيَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَشْتَرِيهَا فَأُسْلِمُهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ } إذَا عَرَفْنَا هَذَا فِي بَيَانِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْمِلْكُ النَّافِذُ لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَالْحِلِّ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَسِبُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتِلْكَ دُونَ الْحَيْضَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ
الْبَيْعِ ، فَإِذَا كَانَ لَا يَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَهَذَا أَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكَ لَهَا فَسَلَّمَهَا وَحَاضَتْ بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّ عِنْدَنَا الْبَيْعُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِيَارٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَيَرْضَى بِهِ صَاحِبُهُ وَلَهُ فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي قَوْلَانِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } وَلَا يَكُونَا مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، وَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ عَنْ الْمَجْلِسِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى { الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ } وَرَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الْمَجْلِسِ عَلَى مَا يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى هُنَيَّة وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يَتَأَيَّدُ بِهِ كَعَقْدِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبْضُ .
وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمَالَ مُبْتَذَلٌ تَكْثُرُ الْمُعَامَلَةُ فِيهِ وَيَقَعُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إلَّا
بَعْدَ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ فَأَثْبَتَ الشَّرْعُ الْخِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يَقَعُ بَغْتَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْخِطْبَةِ وَالْمُرَاوَدَةِ ثُمَّ إنَّمَا تُقَدِّرُ هَذَا الْخِيَارَ بِالْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ الْقَبْضَ الْمَوْجُودَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْقَبْضِ الْمُقْتَرَنِ بِالْعَقْدِ ثُمَّ حَالَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : اخْتَرْ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى تَمَامِ النَّظَرِ وَالرِّوَايَةِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } وَقَدْ شَرَطَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُمَا الْوَفَاءُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ وَالصَّفْقَةُ هِيَ النَّافِذَةُ اللَّازِمَةُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ نَوْعَانِ لَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي كُلِّ بَيْعٍ فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَمُطْلَقُهُ يُوجِبُ اللُّزُومَ بِنَفْسِهِ كَالنِّكَاحِ وَتَأْثِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَقَوَّى بِصِفَةِ الْمُعَاوَضَةِ .
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَوْتُهُ فِي حُكْمِهِ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ وَبِهِ فَارَقَ التَّبَرُّعَ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ ثُمَّ لُزُومُ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ تَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِهِ يَلْزَمُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِبَقَائِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : اخْتَرْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْعَقْدُ مَعَ بَقَائِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الرِّضَا وَإِيجَابِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ثُمَّ الشَّرْعُ مَكَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَفْعِ الْعَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الَّذِي تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ لَا يُنْظَرْ لَهُ ثُمَّ الْفَسْخُ ضِدَّ الْعَقْدِ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ لَا يَحْصُلُ بِالْفَسْخِ بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ فِي إمْضَاءِ الْعَقْدِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ حَقُّ الْفَسْخِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَالٍ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ مَكَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ تَحْصِيلَ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلِ وَفِي لُزُومِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ لَا تَفْوِيتُهُ فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَرِوَايَةُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَفَتْوَى الرَّاوِي بِخِلَافِ الْحَدِيثِ دَلِيلُ ضَعْفِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إنْ صَحَّ الْمُتَسَاوِمَانِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَهُمَا حَالَةُ التَّشَاغُلِ بِالْعَقْدِ لَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ كَالْمُقَابِلَيْنِ وَالْمُنَاظِرَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ : إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ الْخِيَارَ .
أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْمَكَانِ يَعْنِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا فَسْخَا الْبَيْعَ بِالْإِقَالَةِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقْ رَأْيُهُمَا فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ : بِعْنِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا فَيَقُولُ الْآخَرُ : بِعْتُ وَبِهِ يَتَأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ
مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَهَذَا صَحِيحٌ فَهُمَا مُتَبَايِعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ بِالْبَيْعِ مِنْهُمَا وَعَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ إنْ شَاءَ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُ حَتَّى يَتِمَّ الْبَيْعُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ الْبَائِعُ أَوْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُ .
قَالَ : وَإِذَا ارْتَدَّتْ أَمَةٌ لِرَجُلٍ ثُمَّ تَابَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضِ الرِّدَّةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالْحَيْضِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقْتَ الْقَبْضِ وَهِيَ فَارِغَةٌ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ عِنْدَ الْقَبْضِ فَوُجُودُ النِّكَاحِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ فَحَقُّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِ الْحِلِّ لَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَ الْقَبْضِ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالطَّلَاقُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ .
وَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا وَقَبَضَهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا فَإِنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَمْ تَحِضْ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَطَأَهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِدَّةَ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَعِنْدَ ظُهُورِ الْعِدَّةِ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَبْلَ أَنْ تَحِيضَ عِنْدَهُ لَمْ يَطَأْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ قَدْ وَجَبَ هُنَا حِينَ قَبَضَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ لَا إلَى أَثَرٍ فَيَظْهَرُ مَا كَانَ مِنْ الْحُكْمِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً عِنْدَ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الْحَيْضَةُ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا حَاضَتْهَا بَعْدَمَا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَبِتِلْكَ الْحَيْضَةِ يَتَبَيَّنُ فَرَاغُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ فَيَجْتَزِئُ بِهَا مِنْ
الِاسْتِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا حَاضَتْهَا بَعْدَمَا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ وَفِي كِتَابِ الْحِيَلِ قَالَ : إنْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي عَبْدًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ قَبَضَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَتَزْوِيجُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ كَالْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ بِسَبَبِ الْغَرَرِ أَوْ أَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ قَبَضَهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا فَيَقْبِضَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا الْفِرَاشُ فَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ فِرَاشُهُ وَقِيَامُ الْفِرَاشِ لَهُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى تَبَيُّنِ فَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ شَرْعًا ثُمَّ الْحِلُّ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ .
لِأَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ حُكْمٍ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ إذَا لَزِمَهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ الْفِرَارُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُكْرَهُ لَهُ اكْتِسَابُ سَبَبِ الْفِرَارِ وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْأُخْتَيْنِ قَالَ : وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } وَكَانَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَحَلَّتْهَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } فَكَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُرَجِّحُ آيَةَ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَهُوَ نَصٌّ خَاصٌّ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ لِلْوَطْءِ فَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَطْئًا وَأَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتِيَاطًا لِتَغْلِيبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْحِلِّ وَالْإِبَاحَةِ وَلِذَا { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْأُولَى حَتَّى اشْتَرَى الثَّانِيَةَ أَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِوَطْءِ إحْدَاهُمَا لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِمَا هُوَ الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْأُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا ، فَإِنْ وَطِئَهُمَا جَمِيعًا أَوْ قَبَّلَهُمَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجَيْهِمَا بِشَهْوَةٍ فَقَدْ أَسَاءَ بِارْتِكَابِ الْجَمْعِ الْمُحَرَّمِ فَكَمَا يُحَرَّمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي دَوَاعِي الْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَالنَّظَرِ
إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الدَّوَاعِي كَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ ثُمَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ إحْدَاهُمَا بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ تَبَرُّعٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا ، وَالْآخِرَةُ مَوْطُوءَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَتَهُ عَلَى الْخُصُوصِ لَمْ يَكُنْ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ حَتَّى يُحَرِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَمَا وَطِئَهُمَا فَإِنْ زَوَّجَ إحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْبَاقِيَةَ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لِلزَّوْجِ وَثُبُوتُ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ لِلزَّوْجِ يَنْعَدِمُ أَثَرُ وَطْءِ الْمَوْلَى حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ ادَّعَاهُ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى مِنْ سَاعَتِهِ فَهُنَا أَيْضًا لَهُ أَنْ يُجَامِعَ الْأُخْرَى غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تَحِيضَ أُخْتُهَا حَيْضَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ } ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَ الَّتِي تَزَوَّجَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَنْبَغِي لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ } فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَنْبَغِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُزَوِّجَ إحْدَاهُمَا أَوْ يَبِيعَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ يَسْقُطُ عَنْهَا بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَا لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَوْطُوءَتُهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ كَحَالِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي الْمَنْعِ .
قَالَ وَإِذَا ارْتَدَّتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حِلٌّ لِغَيْرِهِ وَحُرْمَتُهَا عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ كَحُرْمَتِهَا بِالْحَيْضِ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّدْبِيرُ فَمُبَاشَرَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَحِقَ إحْدَاهُمَا دَيْنٌ أَوْ جِنَايَةٌ فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ تُدْفَعْ أَوْ تُبَعْ ، فَإِذَا دُفِعَتْ أَوْ بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَحَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى عِنْدَ ذَلِكَ .
قَالَ : وَلَوْ كَاتَبَ إحْدَاهُمَا أَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُمَا فَقَضَى عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى أَمَّا فِي مُعْتَقَةِ الْبَعْضِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهَا بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضِهَا فِي حُكْمِ الْحُرْمَةِ كَزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ جَمِيعِهَا وَفِي الْكِتَابَةِ الْجَوَابُ مُشْكِلٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يَحِلَّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى وَلَكِنْ قَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى يَزُولُ بِالْكِتَابَةِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِوَطْئِهَا وَجَعَلَ وَطْأَهُ إيَّاهَا وَطْئًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ وَقَدْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فَيُجْعَلُ زَوَالُ مِلْكِ الْحِلِّ عَنْهَا بِالْكِتَابَةِ كَزَوَالِهِ بِتَزْوِيجِهَا أَوْ بَيْعِ بَعْضِهَا فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْهَا وَسَلَّمَ فَهُوَ وَالْبَيْعُ سَوَاءٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ ، وَلَوْ أَبَقَتْ إلَيْهِمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْآبِقَ بِالْأَخْذِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَخَذُوهَا مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى .
قَالَ : وَلَوْ زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَى الَّتِي زَوَّجَهَا وَالْعِدَّةُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ فِي حُرْمَتِهَا بِهَا عَلَى الْمَوْلَى فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ الْأُخْتَ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فِرَاشٌ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَإِنْ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِفَسَادِ الْبَيْعِ وَبِخُرُوجِ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ فَإِنْ تَرَادَّا الْبَيْعَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ بَاعَ الَّتِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يَقْرَبْ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ بِالتَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَ أُخْتَ جَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا لَمْ يَقْرَبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ أَمَتِهِ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ الَّتِي تَزَوَّجَهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فَكَانَتْ كَالْمَوْطُوءَةِ حُكْمًا فَلِهَذَا لَا يَقْرَبُ أَمَتَهُ وَلَا يَقْرَبُ الْمَنْكُوحَةَ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ فَيَصِيرُ بِهَذَا الْفِعْلِ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا وَذَلِكَ حَرَامٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ كَمَا كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَجَعَلَ نِكَاحَهُ أُخْتَهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ أُخْتَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهَا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ مَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَلَوْ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ مَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ؛ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَالْتَحَقَتْ بِالْمَوْطُوءَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَمَّةَ أَمَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا أَوْ خَالَتَهَا أَوْ بِنْتَ أُخْتِهَا أَوْ بِنْتَ أَخِيهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْأُخْتِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ فِي النِّكَاحِ حَرَامٌ فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ زَوْجٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ يَوْمٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ اسْتِبْرَاءٌ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَتَعْمَلُ عَمَلَ أَصْلِ النِّكَاحِ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً عِنْدَ الْقَبْضِ بِالشِّرَاءِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ آخَرُ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ وَقَبَضَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَدْ كَانَ الْبَائِعُ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَمْ يَنْبَغِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَبَهَا أَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ هُنَا الِاسْتِبْرَاءُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَوْلَى وَطِئَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ فَكَذَلِكَ حَالُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ مِثْلُهُ وَقِيلَ بَلْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً بَعْدَ وَطْءِ الْبَائِعِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَبَهَا الْمُشْتَرِي وَلَا يَسْتَبْرِئُهَا فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَنْعَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِكَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا لِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ الطَّلَاقِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ عَتَقَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حُكْمِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَبِالشِّرَاءِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ وَبِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَرَاغُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ فَيَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ اسْتِبْرَائِهِ قَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَاهُ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْمُعْتَبَرُ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ فِيهَا قَبْلَ الْعَجْزِ لَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَطَأْهَا الْمَوْلَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا مَلَكَهَا بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْمُكَاتَبُ هُوَ الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْعَجْزِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى التَّصَرُّفَ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَيَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرَاةَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا حَاضَتْ ثُمَّ قَبَضَهَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَالِكًا رَقَبَتَهَا فَهَذَا أَوْلَى فَإِنْ كَانَتْ أُمَّ الْمُكَاتَبِ أَوْ ابْنَتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ مَمْلُوكُ الْمَوْلَى حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهِ كَمَا يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَكَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إذَا عَجَزَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ مَتَى صَارَتْ مُكَاتَبَةً مَعَهُ ، وَلَوْ كَانَتْ أُخْتَ الْمُكَاتَبِ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكَاتَبَتْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَكَاتَبُ مَا سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ فَيَجِبُ
عَلَى الْمَوْلَى فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فِيهَا عِنْدَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا .
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ جَارِيَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ تَرَكِ الِاسْتِبْرَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَالْكَافِرُ لَا يُخَاطَبُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَالْعِبَادَاتِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا وَقَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ مِنْ بَعْدُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً حِينَ قَبَضَهَا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ حِينِ يَقْبِضُهَا إلَى أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً ، فَإِذَا أَسْلَمَ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ يُجْعَلُ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِبْرَاءِ مَا قَبْلَ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَبْرِئُ رَحِمَهَا مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ وَبَعْدَ الْوَطْءِ لَوْ اسْتَبْرَأَهَا إنَّمَا يَسْتَبْرِئُهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً فَحَاضَتْ عِنْدَهُ حَيْضَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَيْضَةَ وُجِدَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا فَيَجْتَزِئُ بِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً فَحَاضَتْ فِي إحْرَامِهَا ثُمَّ حَلَّتْ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ أُخْتُ الْبَائِعِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ لَهُ فِيهَا مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ .
قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى رَدَّهَا بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ ضَمَانِ مِلْكِهِ حِين عَادَتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابٌ آخَرُ مِنْ الْخِيَارِ قَالَ وَإِذَا رَأَى رَجُلٌ عِنْد رَجُلٍ جَارِيَةً فَسَاوَمَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْتَرِهَا ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ ذَلِكَ مُتَنَقِّبَةً فَاشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا مَنْطِقٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا كَشَفَتْ نِقَابَهَا وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ لَمْ تُفِدْ لَهُ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ وَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْجَهْلِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا لِيَسْقُطَ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةٍ تُفِيدُهُ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يُفِدْهُ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ رَآهَا عِنْدَهُ ثُمَّ رَآهَا مُتَنَقِّبَةً عِنْدَ آخَرَ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ فَاشْتَرَاهَا أَمَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا كَشَفَتْ نِقَابَهَا فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ الْأَوَّلِ .
قَالَ : وَلَوْ نَظَرَ إلَى جِرَابٍ هَرَوِيٍّ فَقَلَبَهُ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْجِرَابِ قَطَعَ مِنْهُ ثَوْبًا ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَطَعَ مِنْهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُرِهِ إيَّاهُ ثَانِيَةً حَتَّى اشْتَرَاهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ عَدَدٌ مُتَفَاوِتٌ وَلِذَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ مِنْ الْجِرَابِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا قَطَعَ مِنْهُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ أَيْضًا مَعْلُومَ الْوَصْفِ عِنْدَهُ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْجِرَابَ إلَّا ثَوْبًا مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ مَا قَطَعَ الْبَائِعُ مِنْهَا بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَلَعَلَّهُ قَطَعَ أَجْوَدَهَا وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّ أَنَّهُ قَطَعَ أَرْدَأَهَا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ .
قَالَ : وَلَوْ عَرَضَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ فَلَمْ يَشْتَرِهِمَا ثُمَّ لَفَّ أَحَدَهُمَا فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهُمَا هُوَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا تُفِيدُهُ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُشْتَرِيَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَجْوَدُهُمَا وَهُوَ أَرْدَؤُهُمَا ، وَلَوْ أَتَاهُ بِالثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ لَفَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مِنْدِيلٍ فَقَالَ : هَذَانِ الثَّوْبَانِ اللَّذَانِ قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْكَ أَمْسِ فَقَالَ : أَخَذْتُ هَذَا لِأَحَدِهِمَا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا بِعَشَرَةٍ فِي صَفْقَتَيْنِ أَوْ صَفْقَةٍ وَلَمْ يَرَهُمَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَأَوْجَبَهُمَا لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَنِ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَوْصَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا أَجْوَدُهُمَا وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَرْدَؤُهُمَا وَالْحَالُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يَحْتَاجُ إلَى رَدِّهِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْغَبْنُ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْرِفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخَذْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ جَازَ ذَلِكَ وَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدُهُمَا فِي الثَّمَنِ وَقَدْ كَانَا مَعْلُومَيْ الْوَصْفِ عِنْدَهُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلِأَجْلِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِمَا .
قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَرَهُ حَتَّى رَهْنَهُ أَوْ أَجَرَهُ يَوْمًا أَوْ بَاعَهُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقًّا لَازِمًا وَذَلِكَ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَاكْتِسَابُهُ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ حُكْمًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَدَبَّرَهُ أَوْ بَاعَهُ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فَنُقِضَ الْبَيْعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَالْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهَذَا الْبَيْعِ وَقِيلَ تِلْكَ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَقْوَى فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى الْمَبِيعِ ، وَلَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْمَبِيعِ سَقَطَ خِيَارُهُ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْلَى وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبَيْعَ تَصَرُّفٌ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ ، فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ وَلَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِخِيَارِهِ حُكْمًا وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِالْقَوْلِ قَصْدًا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَكَذَلِكَ إيجَابُ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ .
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لَمْ يَرَهُ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ عَجَزَ فَرَآهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْخِيَارِ ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الِاكْتِسَابِ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى وَهُوَ يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَمُبَاشَرَتُهُ تَتَضَمَّنُ سُقُوطَ خِيَارِهِ حُكْمًا فَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلَوْ حُمَّ الْعَبْدُ ثُمَّ ذَهَبَتْ الْحُمَّى عَنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْحُمَّى عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ حَادِثٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِخِيَارِهِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ ، فَإِذَا أَقْلَعَتْ الْحُمَّى عَنْهُ فَقَدْ زَالَ مَعْنَى الضَّرَرِ فَكَانَ هُوَ عَلَى خِيَارِهِ فِي الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ عَجْزَهُ عَنْ الرَّدِّ هُنَاكَ لِإِيجَابِهِ حَقًّا لَازِمًا لِلْغَيْرِ فِيهِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ حُكْمًا ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ فِي الثَّلَاثَةِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْعَبْدُ مَحْمُومٌ وَلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ ثُمَّ ذَهَبَتْ الْحُمَّى قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُحْدِثْ رَدًّا حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِذَلِكَ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّ نَقْضَهُ الْبَيْعَ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمَّى قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ انْعَدَمَ مَعْنَى الضَّرَرِ فَتَمَّ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ أَيْضًا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْحُمَّى حِينَ ذَهَبَتْ مَعَ بَقَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ تَجْعَلُ الْمُشْتَرِيَ كَالْمُجَدِّدِ لِلْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى الْفَسْخِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ كَأَنَّهُ جَدَّدَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ .
وَلَوْ تَمَادَتْ بِهِ الْحُمَّى عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَيْسَ لَهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ وَلَا بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ذَهَبَتْ
وَالْمَانِعُ قَائِمٌ فَبَطَلَ حُكْمُ الرَّدِّ لِاسْتِغْرَاقِ الْمَانِعِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقْلَعَتْ الْحُمَّى عَنْهُ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْفَسْخِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، وَلَوْ خَاصَمَهُ فِي الثَّلَاثَةِ إلَى الْقَاضِي فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي وَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الرَّدَّ ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا كَانَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الرَّدِّ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْبَائِعِ ، فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ أَبْطَلَ الْقَاضِي رَدَّهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْقَاضِي إيَّاهُ أَقْوَى مِنْ الْتِزَامِهِ إسْقَاطَ الْخِيَارِ ، وَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَلْزَمَهُ الْقَاضِي كَانَ أَوْلَى ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ رَدِّهِ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ حُكْمًا وَذَلِكَ حَاصِلٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ إذَا بَنَى فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي رُجُوعَهُ ثُمَّ رَفَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنَاءَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ حَتَّى لَوْ أَسْقَطَهُ بِنَفْسِهِ كَانَ إسْقَاطُهُ بَاطِلًا فَالْقَاضِي إنَّمَا يَمْنَعُ رُجُوعَهُ بِقَضَائِهِ لِأَجْلِ الْبِنَاءِ لَا أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ .
فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَهُنَا الْقَاضِي مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فَبَعْدَمَا سَقَطَ خِيَارُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُ مِنْ الرَّدِّ بِحُكْمِهِ قَالَ ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَدِّهِ فِي الثَّلَاثَةِ بِحَضْرَةِ
الْبَائِعِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ حُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ أَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمَّى وَعَادَ إلَى الصِّحَّةِ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَعَادَ فَسْخُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَائِعِ ثُمَّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ ، فَإِذَا أَقْلَعَتْ الْحُمَّى فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَسَقَطَ مَا كَانَ مِنْ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَلَوْ خَاصَمَهُ وَالْحُمَّى بِهِ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الرَّدَّ وَأَلْزَمَهُ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ بَطَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا أَبْطَلَهُ الْقَاضِي لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ .
قَالَ : وَلَوْ جُرِحَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جُرْحًا لَهُ أَرْشٌ أَوْ جَرَحَهُ هُوَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا جَرَحَهَا هُوَ فَلِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ اكْتِسَابٌ مِنْهُ لِلسَّبَبِ الْمُسْقِطِ لِخِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا وَإِنْ جَرَحَهَا غَيْرُهُ فَلِمَا حَدَثَ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَهُوَ الْأَرْشُ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا هُوَ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الْوَطْءِ يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ فَمَاتَ وَلَدُهَا أَوْ لَمْ يَمُتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا بَقِيَ الْوَلَدُ فَلِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَلِلنُّقْصَانِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةً أَوْ شَاةً فَوَلَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ وَلَدَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ حَابِسٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ وَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَبَقَاءُ قِيمَتِهِ فِي يَدِهِ كَبَقَاءِ عَيْنِهِ ، وَلَوْ مَاتَ مَوْتًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَالْوِلَادَةُ لَا تَكُونُ عَيْبًا فِيهَا فَإِنَّ الْوِلَادَةَ فِي الْبَهَائِمِ لَا تَكُونُ نُقْصَانًا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا .
قَالَ : وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ جَرَحَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ قَتَلَهَا وَجَبَ الْبَيْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْبَائِعِ الْقِيمَةُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بَعْدَمَا قُتِلَتْ وَقَدْ صَارَ الْبَائِعُ مِنْهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ آخَرُ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهَا فَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَهَا الْبَائِعُ وَأَمَّا إذَا جَرَحَهَا الْبَائِعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ جَمِيعًا وَجْهَ قَوْلِهِ إنَّ الْخِيَارَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يَمْلِكُ اكْتِسَابَ سَبَبِ إسْقَاطِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبْقَاءِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ بِفِعْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَرَدًّا لِذَلِكَ الْجُزْءِ لِجِنَايَتِهِ وَلِمَا بَقِيَ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فَيَعُودُ إلَيْهِ حُكْمًا كَمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَهُ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا : إنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَهُوَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فِيهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا آخَرَ فَوَجَدَ الْأَرْشَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رَدِّهَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ هُوَ الْبَائِعَ وَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَالْأَجْنَبِيُّ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِهِ وَالْبَائِعُ إنَّمَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ الْحَادِثِ بِجِنَايَتِهِ فِي
مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ جَعَلَ جِنَايَتَهُ اسْتِرْدَادًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لَكَانَ قَتْلُهُ اسْتِرْدَادًا فِي الْكُلِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ ، وَلَوْ اسْتَوْدَعَهَا الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَمَا قَبَضَهَا فَمَاتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي فَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ هِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمُشْتَرِي أَمَانَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلَاكُهَا فِي يَدِ الْأَمِينِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ عِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ فَإِيدَاعُ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ كَإِيدَاعِهِ أَجْنَبِيًّا آخَرَ ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ مِلْكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَسْلِيمُهُ إيَّاهَا إلَى الْبَائِعِ لَا يَكُونُ إيدَاعًا فِيهِ مِلْكُ نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ فَسْخٌ لِلْقَبْضِ فَكَأَنَّهَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ
بَابُ بَيْعِ النَّخْلِ وَفِيهِ ثَمَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرٌ قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا وَنَخْلًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْأَرْضُ تُسَاوِي أَلْفًا وَالنَّخْلُ يُسَاوِي أَلْفًا فَأَثْمَرَ النَّخِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كُلُّ مَرَّةٍ تُسَاوِي الثَّمَرَةُ أَلْفًا فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ كُلَّهُ ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي يَطْلُبُ بَيْعَهُ فَالْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ زِيَادَةٌ فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ هُوَ زِيَادَةٌ فِي النَّخْلِ خَاصَّةً ؛ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الثِّمَارَ يُخْرِجُهُ النَّخِيلُ دُونَ الْأَرْضِ فَيَكُونُ زِيَادَةً فِيهِمَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَوَّلًا ثُمَّ حِصَّةُ النَّخِيلِ تُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الثِّمَارِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا أَصَابَ الَّتِي وَلَدَتْ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ يَقْبِضُ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ عَنْهَا فَتَكُونُ زِيَادَةً فِيهَا خَاصَّةً ؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النَّخِيلَ فِي هَذَا الْبَيْعِ بِيعَ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَالْبَيْعُ لَا يَقَعُ لَهُ فَتَكُونُ الثِّمَارُ الْحَادِثَةُ زِيَادَةً فِي الْأَصْلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ ابْنَةً قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ كَبُرَتْ الِابْنَةُ وَوَلَدَتْ وَلَدًا فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ الثَّانِي زِيَادَةً فِي الْجَارِيَةِ حَتَّى يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ تَابِعَةٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ وَلَدُهَا تَبَعًا لَهَا فَهَذَا مِثْلُهُ وَالثِّمَارُ فِي الصُّورَةِ يُخْرِجُهَا النَّخِيلُ وَفِي الْمَعْنَى زِيَادَةٌ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ النَّخِيلَ تَتَشَرَّبُ بِعُرُوقِهَا مِنْ
الْأَرْضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ تَزْدَادُ الثِّمَارُ جَوْدَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْأَصْلُ هُوَ الْأَرْضُ لِلثِّمَارِ وَلِلنَّخِيلِ جَمِيعًا فَلِهَذَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْكُلِّ قِسْمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قِيمَةُ الثِّمَارِ حِينَ أَكَلَهَا الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ ذَلِكَ صَارَتْ مَقْصُودَةً فَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ إنَّمَا تَصِيرُ لَهَا خَاصَّةً مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَهَا يَعْتَبِرُ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَهَا الْبَائِعُ فَإِنْ كَانَتْ أَثْمَرَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكَلَهَا الْبَائِعُ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ انْقَسَمَ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا : ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْأَرْضِ وَثُلُثُهُ بِإِزَاءِ النَّخِيلِ وَثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الثِّمَارِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الثِّمَارِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ يُقْسَمُ الثَّمَنُ أَوَّلًا عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ حِصَّةُ النَّخِيلِ تُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الثِّمَارِ نِصْفَيْنِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي رُبْعُ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ أَثْمَرَتْ النَّخِيلُ مَرَّتَيْنِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ لَمَّا اسْتَوَتْ فَحِصَّةُ مَا تَنَاوَلَ الْبَائِعُ مِنْ الثِّمَارِ نِصْفُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْخُذُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْضِ وَالنِّصْفُ الَّذِي يُقَابِلُهُ النَّخِيلُ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِتَنَاوُلِ الْبَائِعِ الثِّمَارَ مَرَّتَيْنِ وَثُلُثُ النِّصْفِ حِصَّةُ النَّخِيلِ يَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَعَ حِصَّةِ الْأَرْضِ فَيَأْخُذُهَا بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ أَثْمَرَتْ مَرَّاتٍ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ وَسَقَطَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ
أَخْمَاسِ الثَّمَنِ حِصَّةً لِثَمَنِ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِخَمْسَةِ أَثْمَانِ الثَّمَنِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ وَرُبْعُ النِّصْفِ الْآخَرِ حِصَّةُ النَّخِيلِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَإِنْ أَثْمَرَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِثُلُثِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : حِصَّةُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ سَهْمَانِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُمَا بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ وَخُمُسُ النِّصْفِ الْآخَرِ حِصَّةُ النَّخْلِ فَذَلِكَ سِتَّةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَإِنْ أَثْمَرَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ عِنْدَهُمَا سُبُعَ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى الْأَسْبَاعِ عِنْدَهُمَا فَيُسْقِطُ حِصَّةَ الثِّمَارِ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِسَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ نِصْفُ الثَّمَنِ وَحِصَّةُ النَّخْلِ سُدُسُ النِّصْفِ الْبَاقِي وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِيهِمَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلَدِ فِي الشَّاةِ وَبَيْنَ الثِّمَارِ ؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا صَارَتْ مَقْصُودَةً تَتَنَاوَلُ الْبَائِعَ ثَبَتَ وَكَانَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْتَحَقَتْ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ .
وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَأَتْلَفَهَا الْبَائِعُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الثِّمَارِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ
يَقُولُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَبْضِ رَضِيَ بِأَخْذِ الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَهُوَ بِأَخْذِهِمَا بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَرْضَى ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي رِضَى الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا عَلِمْنَا تَمَامَ الرِّضَا هُنَا فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْبَائِعِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَأَنْ يُلْزِمَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ عِنْدَ إتْلَافِ الْبَائِعِ كَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْبَائِعِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ بِصُنْعِ الْبَائِعِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهَلَاكِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا بِهَلَاكِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ .
فَإِنْ كَانَ فِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ تُسَاوِي أَلْفًا يَوْمَ اشْتَرَى الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ وَقَدْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا فَإِنَّ الثِّمَارَ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ الْفَضْلَ فَهُوَ وَالْمَوْضُوعَةُ فِي الْأَرْضِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ النَّخِيلِ فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ كَالْبِنَاءِ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ ، فَإِذَا أَكَلَهَا الْبَائِعُ ثُمَّ أَثْمَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِرَارًا فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ فَالْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ثُلُثَ الثَّمَنِ يَسْقُطُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَكْلِ الْبَائِعِ الثِّمَارَ الْمَوْجُودَةِ ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ فِي الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِالذِّكْرِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ أَوَّلًا عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّخْلِ وَقِيمَةِ الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ .
وَقَدْ اسْتَوَتْ الْقِيَمُ فَتُقَسَّمُ أَثْلَاثًا وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ وَأَمَّا ثُلُثَا الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَبِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ الثَّمَنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي حُكْمِ الِانْقِسَامِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ مَا أَكَلَ الْبَائِعُ مِنْ الثِّمَارِ الْحَادِثَةِ عَلَى نَحْوِ مَا خَرَّجْنَا فِي الْمَسْأَلَة الْأُولَى قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَأْكُلْهَا الْبَائِعُ وَلَكِنْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ مِنْ السَّمَاءِ فَذَهَبَتْ لَهَا وَنَقَصَتْ تِلْكَ النَّخْلَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ لَمَّا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فَنَفَى النُّقْصَانَ الْمُتَمَكِّنَ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ النَّخْلُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ لَمَّا
هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَأَمَّا الثِّمَارُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَسَوَاءٌ هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ أَوْ تَنَاوَلَهَا الْبَائِعُ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْعَقْدِ وَقَدْ فَاتَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِهَلَاكِهَا فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهَا وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ سَوَاءٌ هَلَكَتْ مِنْ صُنْعِ أَحَدٍ أَوْ تَنَاوَلَهَا الْبَائِعُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَتَعَيَّبَ بِصُنْعِهِ فَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ بِفَوَاتِ النِّصْفِ فَإِنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَذَلِكَ مُثْبِتٌ الْخِيَارَ لَهُ فَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْأَقْطَعِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَغْرَمُ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْقَاطِعُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَدَ لِلْبَائِعِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَبِهَذَا لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ كَالْمَرْهُونِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَضَمَانُ الثَّمَنِ مَعَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ لَا يَلْتَقِيَانِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْبَائِعِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ مِلْكِ الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْمَمْلُوكِ لَهُ حَقِيقَةً فِي الْمَبِيعِ مِنْ وُجُوبِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ الْخِيَارَ
لِنَفْسِهِ .
فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا أَتْلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فَيُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ فَاتَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ فِيهِ بِاسْتِهْلَاكِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْعَبْدِ شَلَّتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ هُنَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالشَّافِعِيُّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَ جُزْءٌ مِنْهُ بِفِعْلِ الضَّامِنِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَقَاسَ بِمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَانَ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ الطَّرَفُ مِنْ الْعَبِيدِ وَصْفٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَاسْمُ الْعَبْدِ لَا يَتَغَيَّرُ بِفَوَاتِهِ وَبَقَائِهِ وَالْبَيْعُ يُلَاقِي الْعَيْنَ وَالثَّمَنُ يَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ ، فَإِذَا كَانَ الْفَائِتُ وَصْفًا قُلْنَا إنْ فَاتَ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ فَقَدْ فَاتَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ فَاتَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَقَدْ صَارَ مَقْصُودًا بِالْجِنْسِ وَفَسْخُ الْعَقْدِ فِيهِ فَيُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَاكَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا يُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ أَيْضًا .
وَالثَّابِتُ بِبَقَاءِ يَدِ الْبَائِعِ ضَمَانُ الْعَقْدِ فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ إذَا فَاتَ مِنْ غَيْرِ
صُنْعِهِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالتَّنَاوُلِ ، وَالْوَصْفِ يُفْرَدُ بِالتَّنَاوُلِ فَيُفْرَدُ أَيْضًا بِضَمَانِ التَّنَاوُلِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ فَسُقُوطُ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ هُنَا بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْبَائِعِ إيَّاهُ وَحَبْسِهِ إيَّاهُ وَالْوَصْفُ يُفْرَدُ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ نَفْسِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَلَّتْ يَدُهُ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ
وَإِنْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَ الْعَبْدِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْقَاطِعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَاطِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَالْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ الْفَائِتِ فَبِاعْتِبَارِهَا يَبْقَى جَمِيعُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْجَانِي لَيْسَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بَلْ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي هُوَ الْبَائِعَ فَإِنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ بِالرَّدِّ فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ الْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْقَاطِعِ نِصْفَ الْقِيمَةِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ هَذَا رِبْحٌ حَصَلَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ } وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ .
وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْقَتْلِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ وَأَخَذَ الْقِيمَةِ مِنْ الْقَاتِلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ مُشَابَهَةٌ بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَفَادُ بِهِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَمُبَادَلَةُ الْأَلْفِ بِالْأَلْفَيْنِ رِبًا فَقَبَضَ الْأَلْفَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمُقَابَلَةِ الْأَلْفِ يَتَمَكَّنُ مِنْ شُبْهَةِ الرِّبَا فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّبَا عِنْدَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لَا يَتَمَكَّنُ بِاعْتِبَارِهِ الرِّبَا وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يُعْطِي الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا اسْتَوْفَى فِي الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَتْبَعُ الْجَانِيَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ فَيَبْقَى جِنَايَةُ الْقَاطِعِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَيَتَصَدَّقُ أَيْضًا بِمَا زَادَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةَ حَصَلَ لَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ يُجْعَلُ كَالْحَاصِلِ عَلَى مِلْكِهِ وَتَأْثِيرُ الْمِلْكِ فِي سَلَامَةِ الرِّبْحِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الضَّمَانِ ، فَإِذَا كَانَ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ عَلَى مِلْكِهِ دُونَ ضَمَانٍ فَلَأَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى مِلْكِهِ أَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نِصْفَهُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَفِي الْإِتْلَافِ قَبْضٌ وَزِيَادَةٌ وَغَيْرُ مَا بَقِيَ بِفِعْلِهِ وَالْمُشْتَرِي بِصُنْعٍ مُعَيَّنٍ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَصِيرُ قَابِضًا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّى بِهِ كَانَ قَابِضًا لَهُ وَبِقَطْعِ يَدِهِ يَكُونُ مُتَخَلِّيًا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَزِيَادَةٌ فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَبِالْقَبْضِ يَتَحَوَّلُ الْمَبِيعُ إلَى ضَمَانِهِ ، فَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ الْبَائِعُ كَانَ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ سَوَاءٌ هَلَكَ بِسِرَايَةِ الْقَطْعِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَنَعَهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا اتَّصَلَتْ بِهِ السِّرَايَةُ فَهُوَ قَتْلٌ حُكْمًا وَمَنْعُ الْبَائِعِ إيَّاهُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ عَنْ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَالِكُ ، وَالْمُسْتَحِقُّ إنَّمَا يُفَوِّتُ يَدَ الْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ بِدُونِ يَدِهِ فَلَأَنْ يَبْقَى بِدُونِ يَدِهِ أَوْلَى وَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْقَطْعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا مَنَعَ الْبَاقِيَ بِالثَّمَنِ فَقَدْ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ بِحَقٍّ فَاسِخًا لِقَبْضِ الْمُشْتَرِي فِيهِ .
وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَاسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ وَحَبَسَهُ بِالثَّمَنِ انْتَقَضَ بِهِ حُكْمُ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ قَابِضًا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ وَإِذَا انْفَسَخَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَانَ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ النِّصْفُ فَأَمَّا نِصْفُ الثَّمَنِ فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِرْدَادُ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ .
فَإِنْ قَطَعَ الْبَائِعُ أَوَّلًا يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ بَرِئَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْعَبْدُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ فَوَّتَ نِصْفَهُ فَسَقَطَ نِصْفُ الثَّمَنِ وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَلَمَّا قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ فَقَدْ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِجَمِيعِ مَا بَقِيَ مُتْلِفٌ لِبَعْضِهِ ، وَمُجَرَّدُ قَبْضِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يُسْقِطُ خِيَارَهُ فَقَبْضُهُ مَعَ الْإِتْلَافِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَبَرِئَ مِنْهُمَا كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ وَأَعْطَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ الْيَدِ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ ثُمَّ الْبَائِعُ بِقَطْعِ الرِّجْلِ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُفَوِّتًا قَبْضَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي مُتْلِفًا لِنِصْفِ مَا بَقِيَ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ رُبْعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ الْمَقْصُودُ عَلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ .
فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ بِقَطْعِ الْيَدِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا بَقِيَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ بِقَطْعِ الْيَدِ وَرُبْعُهُ بِمُقَابَلَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ وَقَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَبَرِئَ مِنْهُمَا فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِ النِّصْفِ بِقَطْعِ الْيَدِ ثُمَّ بِقَطْعِ الْبَائِعِ رِجْلَهُ لَا يَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ سُلِّمَ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ حَقُّ نَقْضِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ قَطْعُهُ الرِّجَلَ نَاقِضًا قَبْضَ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَائِعِ .
هُنَاكَ لَمْ يَسْتَوْفِ الثَّمَنَ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ وَإِذَا بَقِيَ حُكْمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْبَائِعُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ قَطْعِ الْيَدِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ لِبَقَاءِ حُكْمِ قَبْضِهِ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا تَغَيَّرَ لِعَدَمِ تَمَامِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوَّلًا قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ فَالْعَبْدُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ الْبَائِعِ يَدَهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ خِيَارَهُ يَسْقُطُ بِقَطْعِهِ رِجْلَهُ فَكَانَ الْعَبْدُ لَازِمًا لَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَاهُ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ صَارَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ رِجْلِهِ صَارَ مُتْلِفًا نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبْعُ تَلِفَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ فَنِصْفُهُ يَكُونُ هَالِكًا بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ السِّرَايَةُ فِي الْحُكْمِ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ وَحُكْمُ أَصْلِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ سُقُوطُ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ مَا تَلِفَ بِهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ سِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَحُكْمُ أَصْلِ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي تَقَرُّرُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ ، تُقْسَمُ رُبْعُهُ نِصْفَيْنِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَقَدْ تَلِفَ بِأَصْلِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ أَرْبَعَةً وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمٌ فَلِهَذَا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَتَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي سَهْمَانِ وَبِالسِّرَايَةِ سَهْمٌ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ، فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ إنَّ الْمُشْتَرِيَ بِجِنَايَةٍ يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَ وَلِمَا بَقِيَ مِنْهُ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِيمَا بَقِيَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ سِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَوْقَ تَأْثِيرِ حَبْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ حَبَسَهُ بَعْدَ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي انْتَقَضَ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي إلَّا فِيمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ حُكْمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فِيمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ كَانَ أَوْلَى ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَبَطَلَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ
أَثْمَانِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي النِّصْفُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمٌ فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَتَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ سَهْمَانِ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمٌ فَكَمَا انْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ يُنْقَضُ فِيمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْبَادِئَ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَنْتَقِضْ قَبْضُهُ فِي شَيْءٍ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِي نَقْضِ قَبْضِهِ بَعْدَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ .
فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَعَلَى الْبَائِعِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِأَصْلِ جِنَايَتِهِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ رُبْعُ الْعَبْدِ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ رُبْعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ جَمِيعِ الْعَبْدِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَالْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْبَادِئَ بِالْقَطْعِ رَدَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَاهُ ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ أَتْلَفَ نِصْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ نِصْفِ الثَّمَنِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ الرِّجْلِ صَارَ قَابِضًا جَمِيعَ مَا بَقِيَ قَبْضًا تَامًّا فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ مَا بَقِيَ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَالنِّصْفُ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ فَمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَعَلَى الْبَائِعِ حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ كَالتَّالِفِ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ بَعْدَمَا تَمَّ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ
ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَلِهَذَا أَلْزَمَهُ ثُمُنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ : إنَّ لِلْقَبْضِ مُشَابَهَةً بِالْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ السِّرَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَكَذَلِكَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْقَطِعَ حُكْمُ السِّرَايَةِ قُلْنَا عَيْبُ الْمَبِيعِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ السِّرَايَةِ وَلَكِنَّ تَبَدُّلَ الْمُسْتَحِقِّ سَبَبٌ لِلْبَيْعِ وَهُوَ الْقَاطِعُ لِلسِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ الْمَالِكُ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْقَبْضِ وَبِهِ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَالِكُ وَالْمُسْتَحِقُّ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى التَّبَدُّلِ هُنَا يَحْصُلُ حُكْمًا أَيْضًا فَإِنَّ مَا تَلِفَ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي .
وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ بِاعْتِبَارِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَبِاعْتِبَارِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى الْبَائِعِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ الْعَبْدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي فَجِنَايَةُ الْبَائِعِ تُصَادِفُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَبَبٌ لِضَمَانِ الْمُتْلِفِ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي يَفُوتُ فِيمَا تَلِفَ بِأَصْلِ جِنَايَتِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ فَوَاتِ قَبْضِهِ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِيهِ فَيَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِذَلِكَ فَأَمَّا مَا تَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَلَمْ يَفُتْ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ لِأَجْلِ فَوْتِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السِّرَايَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ أَصْلِ الْعَقْدِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الَّذِي يُرَدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ سِرَايَةِ الْقِصَاصِ
أَنَّ الْقَطْعَ مَعَ السِّرَايَةِ لَا يَكُونُ قَتْلًا مِنْ أَصْلِهِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَصْلِ الْفِعْلِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ السِّرَايَةِ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ اشْتَرَاهُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعِ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بَطَلَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ بِقَطْعِ الْبَائِعِ يَدَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْقَبْضِ صَارَ رَاضِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ قَاطِعٌ لِحُكْمِ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُشَابَهٌ بِالْعَقْدِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ قَطْعِ الْبَائِعِ يَدَهُ انْقَطَعَ بِهِ حُكْمُ السِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا يُشْبِهُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْوَجْهِ قَبْضَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ بِعَيْبٍ يُحْدِثُهُ فِيهِ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْدِثُهُ مِنْ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بَعْدَمَا يُحْدِثُ الْمُشْتَرِي فِيهِ جِنَايَةً ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ بَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا هَلَكَ مِنْهُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَعَلَى الْبَائِعِ فِيهِ الْقِيمَةُ وَإِذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بِأَخْذِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ مِنْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا يَبْطُلُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِالْجِنَايَةِ حُكْمِيٌّ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا تَلِفَ بِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ الَّتِي انْعَقَدَ سَبَبُهَا بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَأَمَّا الْقَبْضُ بِالْأَخْذِ فَحَتَّى يَظْهَرَ فِي جَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَهُ مُشَابَهَةٌ بِالْعَقْدِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَهَذَا لِأَنَّ بِالْقَبْضِ حِسًّا يُجْعَلُ رَاضِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ جِنَايَةِ
الْبَائِعِ وَبِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيمَا بَقِيَ بَلْ هُوَ مُتْلِفٌ فَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فِيمَا يَتْلَفُ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ ضَرُورَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ غَصْبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ فَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنَايَةِ الْمَوْلَى كَانَ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَغْصِبْهُ وَلَكِنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَ عَلَى الْجَانِي ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ فِيهِ يَتَّضِحُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَبْضِ حِسًّا وَبَيْنَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَقَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ فَقَدْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَسْقُطْ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَالسِّرَايَةُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْجِنَايَةِ كَانَتْ قَتْلًا مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ قَتَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا لَهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا صَارَ مُسْتَرِدًّا لِنِصْفِهِ بِقَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّمَا انْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ هَلَكَ لَا مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ وَلَمْ يُحْدِثْ الْبَائِعُ فِيهِ مَنْعًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ وَيُجْعَلُ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِ نِصْفِهِ وَهُنَا لَمْ يُجْعَلْ الْبَائِعُ مُسْتَرِدًّا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بِقَطْعِ الْيَدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ التَّخَلِّي بِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ يَصِيرُ قَابِضًا فَبِالْجِنَايَةِ أَيْضًا يَصِيرُ قَابِضًا وَالْبَائِعُ بِالتَّخَلِّي بِالْمَبِيعِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا فَكَذَلِكَ بِالْجِنَايَةِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ .
وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ مُمْكِنٌ لَهُ مِنْ الْقَبْضِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِلْبَعْضِ بِالْإِتْلَافِ وَلِمَا بَقِيَ مِنْهُ بِالتَّخَلِّي بِهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَمَّا الْبَائِعُ فَلَيْسَ بِمَالِكٍ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي
الْحَبْسِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَكَذَلِكَ اسْتِرْدَادُهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ عَمَلُهُ بِيَدِهِ وَذَلِكَ فِيمَا يَتْلَفُ بِجِنَايَتِهِ أَوْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ .
وَإِذَا اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَطْعِهِ يَدَهُ فِي أَنَّهُ بَصِيرٌ قَابِضًا لِجَمِيعِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ إنْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا أَحَدَثَ فِيهِ وَقَبَضَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِمَا أَحَدَثَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ وَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا رَجُلًا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَالْمِلْكُ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالتَّزْوِيجُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ صِحَّتُهَا لِأَجْلِ الْغَرَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبِقَةِ وَالرَّضِيعَةِ يَجُوزُ فَكَانَ التَّزْوِيجُ نَظِيرَ الْعِتْقِ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ تَزْوِيجُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ مِنْ الرَّاهِنِ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ كَمَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ فِيهَا وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا أَوْ يُجْعَلُ التَّزْوِيجُ كَالْإِعْتَاقِ أَوْ التَّدْبِيرِ فَكَمَا يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ بِالتَّزْوِيجِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَا يَكُونُ قَابِضًا لَهَا بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ فَهِيَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ مِنْ الْمُشْتَرِي فِعْلٌ بِهَا وَإِنَّمَا التَّزْوِيجُ عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَقِلُّ رَغَائِبُ النَّاسِ فِيهَا وَيُنْتَقَصُ لِأَجْلِهِ الثَّمَنُ فَهُوَ فِي مَعْنَى نُقْصَانِ السِّعْرِ أَوْ التَّزْوِيجِ لَمَّا كَانَ عَيْبًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَهُوَ نَظِيرُ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ .
وَالْمُشْتَرِي لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِدَيْنٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لَهَا بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحِسِّيِّ فَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ فِعْلٍ يَتَّصِلُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهَا وَهُوَ إتْلَافٌ لِجُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَأَمَّا أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِمَا بَقِيَ بِالتَّخَلِّي بِهَا أَوْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَاسْتِرْدَادِ
الْبَائِعِ فَالْبَائِعُ يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَ الْبَعْضِ لِيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ دُونَ الْقَبْضِ فَلَا يُجْعَلُ بِتَفْوِيتِ الْبَعْضِ مُسْتَرِدًّا لِمَا بَقِيَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا وَالتَّدْبِيرُ نَظِيرُ الْعِتْقِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ وَثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي إنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا وَطِئَهَا بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ ثَمَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ قَدْ تَخَلَّى بِهَا وَالْوَطْءُ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ جُزْءٍ مِنْهَا فَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَنَعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ وَطْءِ الْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجِ إيَّاهَا وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ شَيْئًا ثُمَّ مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَا مِنْ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهَا بِحَبْسِهِ إيَّاهَا بِالثَّمَنِ وَمَنْعِ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَلَمْ يُتْلِفْ بِالْوَطْءِ شَيْئًا مِنْ مَالِيَّتِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَذَلِكَ جُزْءٌ لَيْسَ بِمَالٍ وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مَالٌ فَلِهَذَا لَا يَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي مِلْكِهِ وَوَطْءُ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ .
وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ كَانَ الْوَطْءُ نَقَصَهَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى الْعُقْرِ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى مَا يُنْقِصُهَا الْوَطْءُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ مَالِيَّتِهَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ فَقَأَ
الْمُشْتَرِي عَيْنَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ فَهَلَكَتْ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَكَارَةَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ إذَا اشْتَرَطَ فَبِوَطْءِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَتْ بِكْرًا يَفُوتُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ مَالٌ يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْوَاطِئَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْعُقْرِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى النُّقْصَانِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُصْهَا شَيْئًا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ نَقَصَهَا شَيْئًا حَطَّ عَنْهُ حِصَّةَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْعُقْرِ وَالْقِيمَةِ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ الْعُقْرِ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ يُنْظَرُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُقْرِ وَمِنْ النُّقْصَانِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى قِيمَتِهَا وَيَبْطُلُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُهَا بِحِصَّةِ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهَا بِالْعُقْرِ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي فَوَطْءُ الْبَائِعِ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ .
وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْعُقْرِ مِنْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ فَيُعْتَبَرُ الْعُقْرُ لِإِسْقَاطِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ فَكَمَا أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ تُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي إيجَابِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَالْمُمْكِنُ هُنَا اعْتِبَارُ مَعْنَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَالْعُقْرِ بِسَبَبِ الْوَطْءِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ فَعَلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ
الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَيُعْتَبَرُ الِانْقِسَامُ عَلَى الْقِيمَةِ وَعَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : الْجَارِيَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ أَرْشٌ وَلَا بِالْوَطْءِ عُقْرٌ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فَكَمَا أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا لَوْ حَصَلَ فِي حَالِ قِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْعُقْرِ أَصْلًا فَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ فِي ضَمَانِ مِلْكِهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا قَالَ وَلَكِنَّهُ جُزْءٌ لَيْسَ بِمَالٍ ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهَا ، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِهِ وَبِهِ فَارَقَ الْجِنَايَةَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ نَقُولُ : إنَّهُ يَسْقُطُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي حُكْمِ الْوَطْءِ إنَّمَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ هِيَ كَالْمَمْلُوكَةِ لِلْبَائِعِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَسَبُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ قَبَضَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَوَطْءُ الْبَائِعِ إيَّاهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ وَطْئِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا خِيَارٌ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ذَهَبَتْ الْبَكَارَةُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ هُوَ
ثَمَرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِتْلَافُ الْبَائِعِ جَزْءًا مِمَّا هُوَ ثَمَرَةٌ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ كَإِتْلَافِ وَلَدِ الشَّاةِ وَثَمَرَةِ الْأَشْجَارِ ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ نُقْصَانًا فِي الْعَيْنِ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فَأَتْلَفَ الْبَائِعُ وَلَدَهَا وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا تَخْرِيجًا هُوَ أَلْطَفُ مِنْ هَذَا فَقَالَ يَنْظُرُ إلَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ مِنْ الثَّمَنِ أَوَّلًا عَلَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَعَلَى قِيمَتِهَا فَيُسْقِطُ نُقْصَانَ الْبَكَارَةِ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهَا وَعَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعُقْرِ فَسَقَطَ حِصَّةُ الْعُقْرِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيَانُهُ إذَا اشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ وَنُقْصَانُ الْبَكَارَةِ عِشْرُونَ وَالْعُقْرُ أَرْبَعُونَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا عَلَى قِيمَتِهَا وَهِيَ ثَمَانُونَ وَعَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعُقْرِ وَهُوَ عِشْرُونَ فَيَقْسِمُ أَخْمَاسًا بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ عِشْرِينَ سَهْمًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ خُمُسُ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا بِمَا بَقِيَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي وَأَجْنَبِيٌّ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ ثُمُنِ الثَّمَنِ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ وَيُبْطِلُ عَنْهُ جِنَايَةُ الْبَائِعِ أَرْبَعَةَ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ أَتْلَفَ نِصْفَهُ وَالْمُشْتَرِي مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِقَطْعِ الرِّجْلِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ ثُمَّ مَا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ ثُلُثِهِ فَيَكُونُ ثُلُثُ ذَلِكَ الرُّبُعُ هَالِكًا بِجِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَصْلُ السِّهَامِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ثُمَّ انْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَيَضْرِبُ ثَمَانِيَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ انْكَسَرَ بِالْأَنْصَافِ ؛ لِأَنَّ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا فَتُضْعَفُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْكَسْرِ بِالْأَنْصَافِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ التَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ ؛ لِأَنَّ سِهَامَ الْعَبْدِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ كُلُّ ثُمُنٍ سِتَّةٌ فَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانٍ وَأَرْبَعَةٌ ثُلُثَا الثَّمَنِ وَجِنَايَتُهُ مُوجِبَةٌ سُقُوطَ الثُّمُنِ فَلِهَذَا سَقَطَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَا الثَّمَنِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَحِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ تَبَعًا لِبَدَلِهِ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَتِهِمَا وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا فِي الْحَاصِلِ عِشْرُونَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِهَا ؛ لِأَنَّ
التَّالِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْعِشْرُونَ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَذَلِكَ ثُمُنُ الْعَبْدِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِجِنَايَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ اقْتَرَنَتْ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ ذَلِكَ رِبْحًا عَلَى مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَالْأَجْنَبِيُّ هُمَا اللَّذَانِ قَطَعَا الْيَدَ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّخْرِيجِ يَرْتَفِعُ سِهَامُ الْعَبْدِ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْفَائِتُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا ثَمَانِيَةٌ وَذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيَكُونُ الْفَائِتُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ عَشَرَ وَبِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي اثْنَيْ عَشَرَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةً فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَأَمَّا مَا تَلِفَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ ثَمَنُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ كُلُّ ثُمُنٍ سِتَّةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ قِيمَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ ، وَكَذَلِكَ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلَهُ وَهُوَ الْقِيمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يُقَرِّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَمْسَةَ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَ ثُمُنِ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى طَرَفِ الْمَمْلُوكِ إذَا اتَّصَلَتْ بِالنَّفْسِ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَكَمَا أَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ كُلَّهُ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي
ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَذَلِكَ ثُمُنَا الْقِيمَةِ وَثُلُثَا ثُمُنِهَا يُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ ذَلِكَ ، فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقَابِلُ مِقْدَارَ رُبْعِ الْقِيمَةِ بِرُبُعِ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الرُّبُعِ وَجَبَ بِأَصْلِ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَهَذَا رِبْحٌ حَصَلَ لَا فِي ضَمَانِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِالْفَضْلِ وَأَمَّا ثُلُثَا ثُمُنِ الْقِيمَةِ فَهُوَ سَالِمٌ لِلْمُشْتَرِي لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ رِبْحٌ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، فَإِذَا قَبَضَهَا وَفِيهَا فَضْلٌ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ الْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْيَدُ قُطِعَتْ قَبْلَ دُخُولِ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ الْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ كَانَتْ بَعْدَ دُخُولِ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ .
قَالَ : وَلَوْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي وَأَجْنَبِيٌّ يَدَهُ مَعًا ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ انْتَقَصَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَصَارَ ذَلِكَ كَجِنَايَتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِلتَّغَيُّرِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ فَلِهَذَا يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الْبَيْعَ فَعَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَةُ أَثْمَانِهِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا عَلَى التَّخْرِيجِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ اثْنَا عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَهُوَ ثُمُنَا الْعَبْدِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَتِهِمَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا ثَمَانِيَةٌ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْأَجْنَبِيِّ كَانَتْ مَعَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِجِنَايَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ لَزِمَهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَة جِنَايَتِهِ وَذَلِكَ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنِ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ جِنَايَةَ الْأَجْنَبِيِّ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ حِينَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ
فَمَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ يُقَابِلُ ذَلِكَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى مِلْكِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ لَمْ تَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُمَا الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ أَحَدُ الْبَائِعَانِ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ فَقَأَ الْمُشْتَرِي إحْدَى عَيْنَيْهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي يَدِ الْبَائِعَيْنِ فَالْمُشْتَرِي مُخْتَارٌ لِلْبَيْعِ بِجِنَايَتِهِ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعَيْنِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُمَا أَوْجَبَتْ الْخِيَارَ لَهُ وَلَكِنَّ جِنَايَتَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِمَا تَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ وَالْإِسْقَاطِ لِخِيَارِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لِلْقَاطِعِ الْأَوَّلِ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ثُمُنِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاطِعِ الثَّانِي ثُمُنَا الثَّمَنِ وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ الْأَوَّلَ بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ النِّصْفَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْقَاطِعُ الثَّانِي بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِفَقْءِ الْعَيْنِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُوَ سِتَّةٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سِتَّةٌ تَلِفَ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ فَيَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ ذَلِكَ فَكَانَ حَاصِلُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ نِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا بَاعَ هُوَ وَنِصْفٌ مِمَّا بَاعَ شَرِيكُهُ فَفِي حِصَّةِ مَا بَاعَ هُوَ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَكُلُّ ثُمُنٍ سِتَّةٌ فَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ تَكُونُ ثُمُنَ الثَّمَنِ وَسُدُسَ الثَّمَنِ وَقَدْ كَانَ لِلْقَاطِعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ، فَإِذَا سَقَطَ ثُمُنَاهُ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ بَقِيَ لَهُ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ثُمُنِهِ فَلِهَذَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لَهُ ذَلِكَ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا بَاعَهُ هُوَ فَيَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَنِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَرَفْنَا أَنَّ السَّاقِطَ مِنْ حَقِّهِ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِ الثَّمَنِ بَقِيَ لَهُ
ثُمُنَا الثَّمَنِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ثُمُنِ الثَّمَنِ فَيَغْرَمُ لَهُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ بِثُمُنَيْ الْقِيمَةِ وَسُدُسِ ثُمُنِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ مِمَّا بَاعَهُ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي ثُمُنُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَسُدُسُ ثُمُنِ قِيمَةِ حِصَّةِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ مِمَّا بَاعَهُ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ التَّأْجِيلِ يُعْتَبَرُ الْجَمِيعُ بَدَلَ النَّفْسِ وَيَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِمَا زَادَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَا غَرِمَ مِنْ الثَّمَنِ ، الْأَفْضَلُ سُدُسُ ثُمُنِ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى مَا كَانَ بِمُقَابَلَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِأَصْلِ جِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِينَ إنَّمَا وَجَبَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ فِيهِ ، وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّمَا تَلِفَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِيَيْنِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ تَلِفَ بِفِعْلِهِمَا وَذَلِكَ قَبْضٌ مِنْهُمَا وَزِيَادَةٌ وَيَرْجِعُ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْقَاطِعِ الثَّانِي بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ ثُمُنِ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ الْقَاطِعُ الثَّانِي عَلَى الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ بِثُمُنِ قِيمَتِهِ وَنِصْفٌ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ الْأَوَّلَ بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ النِّصْفَ وَالْقَاطِعَ الثَّانِيَ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ ثُمَّ تَلِفَ مَا بَقِيَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَاصِلُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سِتَّةٌ فَذَلِكَ ثَلَاثُونَ نِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَرَاهُ هُوَ وَنِصْفُهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمُنَاهُ وَنِصْفُ ثُمُنِهِ فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ ثُمُنَا الْقِيمَةِ وَنِصْفُ ثُمُنِهَا وَالتَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نِصْفُهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَذَلِكَ ثُمُنٌ وَنِصْفُ ثُمُنٍ فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي ثُمُنُ الْقِيمَةِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فَقَأَ عَيْنَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِمَا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلِلْمُشْتَرِيَيْنِ الْخِيَارُ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهَا مِنْهُمَا مَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا فَإِنْ اخْتَارَ أَنْقَضَ الْبَيْعِ فَلِلْبَائِعِ عَلَى الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ وَعَلَى الثَّانِي ثُمُنُ الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَةِ
الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمَانِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ نِصْفُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ هُوَ فَيُقَرَّرُ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ .
وَذَلِكَ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ وَنِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ فَقَدْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ بِفَسْخِهِ فَيَغْرَمُ لِلْبَائِعِ ثُمُنَ الْقِيمَةِ وَسُدُسَ ثُمُنِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا اشْتَرَى شَرِيكُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي اثْنَا عَشَرَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمَانِ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ سَبْعَةٌ مِمَّا اشْتَرَاهُ فَلَزِمَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِ الثَّمَنِ وَنِصْفُهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ بِفَسْخِهِ وَيَغْرَمُ لِلْبَائِعِ حِصَّةً مِنْ الْقِيمَةِ ، وَذَلِكَ ثُمُنُ الْقِيمَةِ وَسُدُسُ ثُمُنِهَا ، فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَتِهِ سِتَّةٌ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمَانِ فَذَلِكَ ثُمُنٌ وَثُلُثُ ثُمُنٍ وَالْبَاقِي عَلَيْهِمَا مِنْ الثَّمَنِ سِتَّةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ وَيَرْجِعُ الْقَاطِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِثُمُنَيْ الْقِيمَةِ وَسُدُسِ ثُمُنِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّالِفَ بِفِعْلِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ الْقَاطِعُ الثَّانِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ ذَلِكَ ثُمُنَا الْقِيمَةِ وَسُدُسُ ثُمُنِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِ الثَّانِي مِمَّا اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ ثُمُنٌ وَسُدُسُ ثُمُنٍ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ مَنْ يَجِبُ
عَلَيْهِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ الْأُخْرَى أَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الَّتِي فِي جَانِبِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدْ بَطَلَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ الْبَائِعِ يَدَ الْعَبْدِ نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَ الْعَبْدُ مِنْ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فِي قَطْعِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهُوَ مَا إذَا قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ هُنَاكَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفَوِّتٍ لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلِهَذَا يُجْعَلُ التَّالِفُ بِفِعْلِهِ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُنَا فِعْلُهُ اسْتِهْلَاكٌ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْيَدَ الْأُخْرَى فَقَدْ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ ، وَتَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنْ قَطَعَ الرِّجْلَ الَّتِي مِنْ جَانِبِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ بِعَصًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ الرِّجْلَ مِنْ خِلَافٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا اسْتِهْلَاكٌ وَأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِ أَكْثَرُ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا النُّقْصَانَ ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ نَقَصَتْهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ مَا بَقِيَ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ قَطْعِ الْيَدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتَرَاجَعَتْ قِيمَتُهُ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الثَّمَنِ ثُمَّ الْبَاقِي وَهُوَ خُمُسُ النِّصْفِ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَصَارَ حَاصِلُ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الثَّمَنِ وَنِصْفَ عُشْرِ الثَّمَنِ وَسَقَطَ عَنْهُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ خَمْسَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرٍ .
قَالَ : فَإِنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْدِثْ الْبَائِعُ فِيهِ مَنْعًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَقِضُ حُكْمُ قَبْضِهِ فِيمَا تَلِفَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ خَاصَّةً وَالتَّالِفُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي رُبُعُ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَرُبُعُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بَقِيَ فِيهِ وَقَدْ تَلِفَ لَا بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَيَتَقَرَّرُ ثَمَنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَبَرِئَ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ قَبْضِهِ انْتَقَضَ فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَكَانَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ ، نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِقَطْعِهِ الْيَدَ ، وَرُبُعُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْبَاقِي مِنْ الْعَبْدِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَأَعْطَى نِصْفَ الثَّمَنِ حِصَّةَ مَا تَلِفَ بِقَطْعِهِ الْيَدَ ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُ فَمَنَعَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ فَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِمَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ قَبْضِهِ انْتَقَضَ فِيمَا بَقِيَ حِينَ مَنَعَهُ الْبَائِعُ فَإِنَّمَا تَلِفَ مَا بَقِيَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةُ الْيَدِ وَذَلِكَ نِصْفُ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ وَنُقْصَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ بِنْتًا تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَنَقَصَتْ الْوِلَادَةُ الْأُمَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيهَا يُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ وَنُقْصَانُ الْوِلَادَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْجَبِرًا بِالْوَلَدِ فَالْخِيَارُ يَثْبُتُ لِلتَّغَيُّرِ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهَا وَأَخَذَ الْبَائِعُ الْأَرْشَ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُمَا فَلَمْ يَأْخُذْهُمَا حَتَّى وَلَدَتْ الْبِنْتُ بِنْتًا تُسَاوِي أَلْفًا وَقَدْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَالْمُشْتَرِي أَيْضًا بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى يَصِيرَ بِمُقَابَلَتِهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا قُبِضَتْ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا حَقُّ الْقَبْضِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْأَصْلِ فَكَمَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَلَامَةَ الْأَصْلِ عَنْ الْعَيْبِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَسْلَمْ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الزِّيَادَةِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِنُقْصَانِهَا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الزِّيَادَةَ سَلِيمَةً عَنْ النُّقْصَانِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ هُوَ عَلَى خِيَارِهِ ، فَإِذَا زَادَتْ الْوُسْطَى حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهُنَّ جَمِيعًا وَالْأُمُّ قَدْ رَجَعَتْ قِيمَتُهَا إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْأُمِّ عَيْبًا رَدَّهَا بِرُبْعِ الثَّمَنِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى كِلَاهُمَا زِيَادَةٌ فِي الْأُمِّ فَإِنَّ الْوُسْطَى تَبَعُ الْأُمِّ فِي الْعَقْدِ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ السُّفْلَى تَبَعًا لِلْوُسْطَى جَعَلْنَاهُمَا كَوَلَدَيْنِ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي قِسْمَةِ الثَّمَنِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْأُمِّ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَقْتَ
الْقَبْضِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً فَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا كَأَطْرَافِ الْمَبِيعِ ، وَقِيمَةُ الْأُمِّ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْوُسْطَى عِنْدَ الْقَبْضِ أَلْفَانِ وَقِيمَةُ السُّفْلَى أَلْفٌ فَجَعَلْنَا كُلَّ أَلْفٍ سَهْمًا وَإِذَا جَعَلْنَا كُلَّ أَلْفٍ سَهْمًا انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ بِإِزَاءِ الْأُمِّ فَيَرُدُّهَا بِذَلِكَ إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ بِهَا وَسَهْمَانِ بِإِزَاءِ الْوُسْطَى فَيَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَسَهْمٌ بِإِزَاءِ السُّفْلَى فَيَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ بِرُبْعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَمَّا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْقَبْضِ الْتَحَقَتْ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي صِفَةَ السَّلَامَةِ فِيهَا وَعِنْدَ وُجُودِ الْعَيْبِ إنَّمَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى أَمَتَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قِيمَةُ إحْدَاهُمَا خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأُخْرَى أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَلَدَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ اعْوَرَّتْ الَّتِي كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالثَّمَنِ فَقَبَضَهُنَّ جَمِيعًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَوْرَاءِ عَيْبًا وَقِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ رَدَّهَا بِثَلَثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَتْبَعُهَا فِيمَا يَخُصُّهَا مِنْ الثَّمَنِ وَالِانْقِسَامِ أَوَّلًا عَلَى قِيمَةِ الْأَمَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَتَانِ بِالْعَقْدِ ، وَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زِيَادَةٌ فِيهَا دُونَ الْأُخْرَى فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَتَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ الْعَوْرَاءِ وَقْتَ الْعَقْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْأُخْرَى خَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ ثُلُثَا الثَّمَنِ حِصَّةَ الْعَوْرَاءِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ وَلَدِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ أَلْفٌ فَانْقَسَمَ نِصْفَانِ نِصْفُهُ حِصَّةُ وَلَدِهَا وَنِصْفُهُ حِصَّةُ الْعَوْرَاءِ وَذَلِكَ ثُلُثُ الْأَلْفِ فَبِذَلِكَ يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ ، وَلَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ بِالْأَمَةِ الْأُخْرَى رَدَّهَا بِمِائَةٍ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتُسْعِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا ثُلُثُ الثَّمَنِ فَانْقَسَمَ ذَلِكَ عَلَى قِيمَتِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ وَلَدِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيَرُدُّهَا بِذَلِكَ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتْرُكَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ زِيَادَةٌ فِي الْبَهَائِمِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِهَا نُقْصَانٌ فِي الْأَصْلِ فَالْمُشْتَرِي يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ رَاضِيًا بِلُزُومِ الْعَقْدِ قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ رَاضٍ بِلُزُومِهِ بَعْدَ حُدُوثِهَا ، فَإِنْ وَجَدَ بِالْأُمِّ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا جَمِيعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَبَعٌ فِي الْعَقْدِ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْأَصْلَ وَحْدَهَا رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إذْ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ وَبَعْدَمَا رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْوَلَدِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيَكُونُ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْمُقَابَلَةِ مُسْتَحَقًّا بِالتَّبَعِ مَقْبُوضًا بِهِ وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ وَجَدَ بِالْوَلَدِ عَيْبًا فَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ وَهُمَا لَازِمَانِ لَهُ ؛ لِأَنَّ بِوُجُودِ الْعَيْبِ يَظْهَرُ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الْوَلَدِ ، وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَخَذَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهَا فَكَذَلِكَ إذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْوَلَدِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَقَبْلَ حُدُوثِهَا كَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا لَهُ فِي الْأَصْلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ فَوَاتِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ بِالْوَلَدِ بَعْدَمَا قَبَضَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِالْقَبْضِ صَارَ مَقْصُودًا فَصَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَبِاعْتِبَارِ الْعِوَضِ بِمُقَابَلَتِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي صِفَةَ السَّلَامَةِ فِيهِ ، فَإِذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ فَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَاسْتِحْقَاقُ صِفَةِ السَّلَامَةِ
عَنْ الْعَيْبِ بِاعْتِبَارِ الْعِوَضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي الْمَوْهُوبِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْوَلَدَ فَقَدْ صَارَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ إيَّاهُ وَلَوْ صَارَ مَقْصُودًا بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي طَرَفِ الْمَبِيعِ أَنَّهُ إذَا فَاتَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِذَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ يَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ وَقْتَ الْبَيْعِ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ قَتَلَهُ الْبَائِعُ فَمَا أَصَابَ الْوَلَدُ بَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ الْأُمَّ بِمَا بَقِيَ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ الْخِيَارُ وَهَذِهِ هِيَ الْخِلَافِيَّةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الثِّمَارِ وَتَنْصِيصُهُ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا يَكُونُ تَنْصِيصًا ثَمَّةَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِحْدَى عَيْنَيْهَا بَيْضَاءُ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ مِنْ عَيْنَيْهَا فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ ضَرَبَ الْعَيْنَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ صَحِيحَةً فَابْيَضَّتْ وَرَجَعَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَبَيَاضُ الْعَيْنِ يُنْقِصُهَا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْقِيمَةِ الْأُولَى لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْأُولَى بَيْضَاءَ عَلَى حَالِهَا فَإِنِّي لَسْتُ أَلْتَفِتُ إلَى الزِّيَادَةِ لِكَيْ أَنْظُرَ كَمْ كَانَ يُنْقِصُهَا الْبَيَاضُ لَوْ كَانَ بَيَاضُ الْعَيْنِ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ ، فَإِذَا كَانَ يُنْقِصُهَا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْقِيمَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِسِتَّةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فَلِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بِفِعْلِهِ ثُمَّ ذَهَابُ الْبَيَاضِ عَنْ الْعَيْنِ الْأُولَى زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِي عُقُودِ الْمُعَارَضَاتِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَتُهَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَوُجُودُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَعَدَمِهَا ، وَلَوْ لَمْ يَذْهَبْ الْبَيَاضُ عَنْ عَيْنِهَا حَتَّى ضَرَبَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الصَّحِيحَةَ فَابْيَضَّتْ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ النُّقْصَانُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا عَمِيَتْ بِفِعْلِهِ وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ حُكْمًا فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ النُّقْصَانُ فَلِهَذَا قَالَ يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَهَا الْقِيمَةَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّمَنُ يَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةِ وَلَدِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَانْقَسَمَ نِصْفَانِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْوَلَدِ وَنِصْفُهُ حِصَّةُ الْأُمِّ ، فَإِذَا كَانَ النُّقْصَانُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْقِيمَةِ الْأُولَى سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ النِّصْفِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ صَارَ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ نِصْفُهُ وَهُوَ خَمْسَةٌ حِصَّةُ الْوَلَدِ وَسَهْمٌ وَاحِدٌ
حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمِّ .
فَإِذَا قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْأُمِّ عَيْبًا رَدَّهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ سُدُسُ مَا أَخَذَهُمَا بِهِ ، وَلَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ بِالْوَلَدِ رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَا أَخَذَهُمَا بِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ ضَرَبَ الْعَيْنَ الصَّحِيحَةَ وَلَكِنَّهُ ضَرَبَ الْعَيْنَ الَّتِي كَانَ بِهَا الْبَيَاضُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ الْبَيَاضُ فَعَادَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا وَلِأَنَّ ذَهَابَ الْبَيَاضِ كَانَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً فَقَدْ انْفَصَلَتْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَهِيَ كَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ أَتْلَفَهَا الْبَائِعُ بِأَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَتَلَهُ الْبَائِعُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ مِنْ حِينِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا وَحِصَّةُ مَا أَتْلَفَ الْبَائِعُ ثُلُثَ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْبَهَائِمِ إذَا أَتْلَفَهَا الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي الْأَصْلِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِثْلُ تِلْكَ ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُمَا بِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الثَّمَنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ جِنَايَةُ الْبَائِعِ عَلَى الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ لَمْ تُزَايِلْ الْبَدَنَ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَهُنَا الزِّيَادَةُ زَايَلَتْ الْبَدَنَ بِصُنْعِ الْبَائِعِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ وَإِحْدَى عَيْنَيْهَا بَيْضَاءُ فَذَهَبَ الْبَيَاضُ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ثُمَّ إنَّ عَبْدًا لِأَجْنَبِيٍّ ضَرَبَ تِلْكَ الْعَيْنَ فَعَادَ بَيَاضُهَا وَدَفَعَهُ مَوْلَاهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهُمَا الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّهُ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِثُلُثِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ بِالْعَيْنِ قَائِمٌ مَقَامَهَا وَذَهَابُ الْبَيَاضِ عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ كَانَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَقَدْ انْفَصَلَتْ فَيُجْعَلُ كَوَلَدٍ وَلَدَتْهُ الْجَارِيَةُ وَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقْتَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ فِي الِانْقِسَامِ وَقْتَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا وَقْتَ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ خَمْسُمِائَةٍ فَانْقَسَمَ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْعَبْدِ يَرُدُّهُ بِذَلِكَ إنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَثُلُثَاهُ بِإِزَاءِ الْجَارِيَةِ إنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بِهَا يَرُدَّهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى زَادَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَقْتَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِقِيمَةِ الْأَمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَانْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَفَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْفَقْءِ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا أَخَذَهُمَا الْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا فَقَأَ عَيْنَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نَصَفُهُ ثُمَّ لَمَّا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ الْفَقْءُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَخَذَهُمَا إنْ شَاءَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهَا حِينَ وَلَدَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَدْ انْقَسَمَ جَمِيعُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْوَلَدِ عَلَى هَذِهِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَقَدْ بَقِيَ فَظَهَرَ أَنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ كَانَ بِمُقَابَلَةِ الْوَلَدِ وَنِصْفُهُ حِصَّةُ الْأُمِّ فَلَمَّا فَقَأَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ نِصْفُ حِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ رُبْعُ الثَّمَنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْفَقْءُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَقَدْ كَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِيهَا حِينَ فَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَيْهَا فَلِهَذَا يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ قَالَ : وَلَا يُشْبِهُ الرَّهْنَ فِي هَذَا الْبَيْعِ يَعْنِي فِي الرَّهْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوِلَادَةِ قَبْلَ ذَهَابِ الْعَيْنِ وَبَيْنَ الْوِلَادَةِ بَعْدَ ذَهَابِ الْعَيْنِ وَيَكُونُ السَّاقِطُ رُبْعَ الدَّيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا وَبِالْوِلَادَةِ بَعْدَ ذَهَابِ الْعَيْنِ هُنَاكَ يَعُودُ بَعْضُ مَا كَانَ سَاقِطًا وَفِي الْبَيْعِ لَا يَعُودُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ سُقُوطَ الثَّمَنِ بِفَقْءِ الْبَائِعِ الْعَيْنَ إنَّمَا كَانَ بِطَرِيقِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فِيمَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ وَالْبَيْعُ بَعْدَمَا انْفَسَخَ لَا يَعُودُ بِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَسُقُوطُ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَالِاسْتِيفَاءُ بِقَرَارِ الدَّيْنِ وَلَا يُسْقِطُهُ ، فَإِذَا حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فَقَدْ حَدَثَتْ فِي حَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ كُلِّهِ لِكَوْنِهِ مُنْتَهِيَا بِالِاسْتِيفَاءِ فَلِهَذَا يَعُودُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْضُ
مَا كَانَ سَاقِطًا وَتُجْعَلُ الزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ ذَهَابِ الْعَيْنِ كَالزِّيَادَةِ قَبْلَ ذَهَابِ الْعَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَاةً فَمَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ دَبَغَ الْبَائِعُ جِلْدَهَا لَا يَعُودُ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الْجِلْدِ ، وَلَوْ أَنَّ الشَّاةَ الْمَرْهُونَةَ مَاتَتْ وَحُكِمَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ ثُمَّ دَبَغَ الْمُرْتَهِنُ جِلْدَهَا عَادَ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَخُصُّ الْجِلْدَ وَكَانَ الْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا وَتَحْقِيقُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْفَسْخَ ضِدُّ مَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالْعَقْدِ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ بَعْضُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِمَا هُوَ ضِدُّ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ فَلَا يُجْعَلُ الْعَقْدُ فِيهِ كَالْقَائِمِ حُكْمًا وَأَمَّا سُقُوطُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَرْهُونِ فَيُحَقِّقُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ أَوْ إنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَلِهَذَا يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ قَائِمٌ حُكْمًا حِينَ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فَيَسْقُطُ نِصْفُ مَا يَخُصُّ الْأُمَّ وَذَلِكَ رُبْعُ الدَّيْنِ ثُمَّ الرَّهْنُ وَالْبَيْعُ يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا ذَهَبَتْ الْعَيْنُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الرَّهْنِ بِذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَالْأَوْصَافُ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالْقَبْضِ وَإِذَا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَذَلِكَ كَأَوْصَافِ الْمَغْصُوبَةِ وَفِي الْبَيْعِ الضَّمَانُ بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ قُلْنَا : لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِفَوَاتِهَا .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تُسَاوِي أَلْفًا وَهِيَ بَيْضَاءُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ فَفَقَأَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْبَاقِيَةَ فَصَارَتْ تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ اسْتِهْلَاكٌ لَهَا حُكْمًا وَيُعْتَبَرُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ فِيمَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى ذَهَبَ بَيَاضُ عَيْنِهَا الْأُولَى فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْبَيَاضِ عَنْ الْعَيْنِ الْأُخْرَى زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي حُكْمِ الْبَيْعِ فَإِنْ ضَرَبَ عَبْدٌ هَذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي بَرِئَتْ فَعَادَ بَيَاضُهَا فَمَوْلَى الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ الْجِنَايَةَ وَهُوَ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ دَفَعَهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ فِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا بِفَقْءِ الْبَائِعِ عَيْنَهَا وَكَمَا لَا يَعُودُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِوَلَدٍ تَلِدُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَعُودُ بِالْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَقَدْ صَارَتْ مُنْفَصِلَةً فَهُوَ كَوَلَدٍ وَلَدَتْهُ فَلِهَذَا يَأْخُذُهُمَا الْمُشْتَرِي بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فَإِنْ قَبَضَهُمَا فَوَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا رَدَّهَا بِسُبْعِي الثَّمَنِ الَّذِي نَقَدَ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَإِنْ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا رَدَّهُ بِخَمْسَةِ أَسْبَاعِهِ ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ انْقَسَمَ عَلَى قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَتْ الْقِسْمَةُ أَسْبَاعًا : خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ حِصَّةُ الْعَبْدِ فَيَرُدُّهُ بِهِ وَسُبْعَاهُ حِصَّةُ الْجَارِيَةِ فَيَرُدُّهَا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا فِي الِانْقِسَامِ قِيمَةَ مَا
بَقِيَ مِنْهَا وَلَمْ نَعْتَبِرْ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ فِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَةَ مَا بَقِيَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهِ لَا قِيمَةَ مَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَفْقَأْ عَيْنَهَا حَتَّى ذَهَبَ بَيَاضُ عَيْنِهَا فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ إنَّ عَبْدًا ضَرَبَ الْعَيْنَ الَّتِي بَرِئَتْ فَعَادَ بَيَاضُهَا ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ فَقَأَ الْعَيْنَ الْبَاقِيَةَ فَصَارَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَوْلَى الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ يَكُونُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ هُنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَ الْجَنَابَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَمَاتَ بِذَهَابِ الْعَيْنِ نِصْفُهَا وَتَرَاجَعَتْ قِيمَتُهَا إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ دَفَعَهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ وَثُلُثِ خُمُسِ الثَّمَنِ وَيَبْطُلُ عَنْهُ بِفَقْءِ الْبَائِعِ عَيْنَ الْجَارِيَةِ خُمْسَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا خُمُسِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَدْفُوعٌ بِمَا فَوَّتَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَعِنْدَ ظُهُورِهِ جَمِيعُ الْعَقْدِ فِيهَا قَائِمٌ فَانْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَقْتَ الْقَبْضِ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْعَبْدِ وَثُلُثَاهُ بِإِزَاءِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بِفَقْءِ الْبَائِعِ عَيْنَهَا سَقَطَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ مَا فِيهَا وَبَقِيَ الْخُمُسُ ، فَإِذَا أَرَدْتَ تَصْحِيحَ ذَلِكَ فَالسَّبِيلُ أَنْ تَضْرِبَ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ فَتَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ حِصَّةُ الْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةٌ وَالسَّاقِطُ ثَمَانِيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ خُمُسَاهُ وَثُلُثَا خُمُسِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ خُمُسٍ ثَلَاثَةٌ فَخُمُسَاهُ سِتَّةٌ وَثُلُثَا خُمُسِهِ سَهْمَانِ فَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُهُمَا بِمَا بَقِيَ وَهُوَ سَبْعَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ
خُمُسَاهُ وَثُلُثُ خُمُسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ حَتَّى يُعْطِيَ الثَّمَنَ عِنْدَنَا وَهُوَ أَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي قَوْلٍ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ بِالْعَقْدِ فِي الْعَيْنِ وَمِلْكُ الْبَائِعِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ فِي الْعَيْنِ أَقْوَى وَوُجُوبُ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُسَلِّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدٍ وَيَقْبِضُ بِيَدٍ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِمُعَاوَضَةِ التَّسْوِيَةِ فَكَمَا اقْتَرَنَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْآخَرِ فَكَذَلِكَ الْقَبْضُ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُعَاوَضَةُ التَّسْوِيَةُ وَقَدْ عَيَّنَ الْبَائِعُ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الثَّمَنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ فَهُنَاكَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَيِّنٌ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : إنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي أَقْوَى فَإِنَّا إنَّمَا نُوجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا يَقْوَى مِلْكُهُ فِي الْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ جَانِبَ الْبَائِعِ فِي مِلْكِ الثَّمَنِ بِجَانِبِ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَكَذَلِكَ نَقْدُهُ الثَّمَنَ إلَّا دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْجِنْسِ مُتَعَلِّقٌ بِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ لَا يَتِمُّ الشَّرْطُ وَيَبْقَى حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مِنْ
الثَّمَنِ وَأَمَّا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا بِهَذَا الْحَقِّ مَا كَانَ لَهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْيَدِ قَبْلَ الْبَيْعِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءٌ بِحُلُولِ الْأَجَلُ .
وَذَكَرَ هَاشِمٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ إذَا أَجَّلَهُ فِي الثَّمَنِ شَهْرًا ثُمَّ لَمْ يُسَلِّمْ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى مَضَى شَهْرٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فَيُمْضِيهِ بِحِلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ شَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الشَّهْرِ فِي الْأَجَلِ يَنْصَرِفُ إلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَعْقُبُ عَيَّنَاهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنَاهُ كَمَا فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ بِنَاءً عَلَى مَقْصُودِهِمَا فَالْمَقْصُودُ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي الشَّهْرِ وَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ عِنْدَ مُضِيِّهِ وَيَسْتَفْصِلَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ إلَيْهِ فَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّهْرِ الْمُطْلَقِ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينَ يُسَلِّمُ إلَيْهِ الْمَبِيعَ .
فَإِنْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَهُوَ حَالٌّ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ حَتَّى وَجَدَ الْبَائِعُ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا أَوَاسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ قَبْضِ الْعَبْدِ حَتَّى يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ مِثْلَ شَرْطِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ يَنْقُضُ الْقَبْضَ مِنْ الْأَصْلِ فَيَلْتَحِقُ بِمَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دِرْهَمًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ انْتَقَضَ فِي ذَلِكَ الْمَرْدُودِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ الْقَدْرَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْعَبْدَ مِنْ الْبَائِعِ بِإِذْنِهِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وَجَدَ الثَّمَنَ أَوْ بَعْضَهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي مَكَانَ الَّذِي وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ جِيَادًا عَلَى مَا شَرَطَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ ثَمَنٌ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا لَمْ يَكُنْ هُوَ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِي قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ هُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ وَجَدَ الثَّمَنَ أَوْ بَعْضَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً اسْتَبْدَلَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ الدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ فَإِنَّ الْمُعَامَلَاتِ عُرْفًا بَيْنَ النَّاسِ بِالْجِيَادِ وَبِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ تَسْتَحِقُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ .
وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ فِي الدَّرَاهِمِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الزُّيُوفَ
بِالْجِيَادِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ فَيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الثَّمَنِ حَقُّهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجِيَادِ وَالْمَقْبُوضِ زُيُوفٌ وَالثَّمَنُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْصَافِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ حَقَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالتَّسْلِيمِ فَهُوَ وَالسَّتُّوقُ سَوَاءٌ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الزِّيَافَةِ يَنْقُضُ الْقَبْضَ مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّادُّ وَيَرْجِعُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ لَا بِمُوجِبِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ مَرَّتَيْنِ فَلَا يَتَمَكَّنَّ مِنْ الرُّجُوعِ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْقَبْضُ مِنْ الْأَصْلِ وَإِذَا انْتَقَضَ عَادَ حَقُّهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا كَانَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَصَحَّ تَسْلِيمُهُ وَبَعْدَ صِحَّةِ التَّسْلِيمِ لَا يَعُودُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّسْلِيمِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ وَالْمُسْقِطُ يَكُونُ مَثَلًا شَيْئًا لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ لِهَذَا قُلْنَا : لَوْ أَعَارَ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَوْدَعَهُ مِنْهُ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّلَهُ فِي الثَّمَنِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ ثُمَّ لَا يَعُودُ بِحُلُولِ الْأَجَلِ وَبَيَانٌ لِوَصْفِ أَنَّ الزُّيُوفَ وَالنَّبَهْرَجَةَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ إلَّا أَنَّ بِهَا عَيْبًا وَالْعَيْبُ بِالشَّيْءِ لَا يُبَدَّلُ جِنْسُهُ .
وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لَا مُسْتَبْدِلًا فَكَانَ الْبَائِعُ بِقَبْضِهَا قَابِضًا لِلثَّمَنِ ، وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ ثُمَّ بِالرَّدِّ يَنْتَقِضُ قَبْضُهُ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا قَالَ وَلَكِنْ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ الثُّبُوتِ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا
قَبَضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا فَرَدَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَاسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمَقْبُوضَ زُيُوفًا فَرَدَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْبِرِّ فِي الْيَمِينِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ بَعْدَمَا سَقَطَ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ فَلَا يَعُودُ بِانْتِقَاضِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ أَيْضًا بِخِلَافِ السَّتُّوقِ وَالرَّصَاصِ فَهُنَاكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ وَأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَبِخِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْتَحَقِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ فَالتَّسْلِيمُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا أَيْضًا وَلَأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَرْتَجِعْ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ وَلَمْ يَجِدْ فِي الثَّمَنِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا حَتَّى بَاعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَجَرَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا فَجَمِيعُ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ جَائِزٌ لَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى رَدِّهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَتَمَكَّنُ الْبَائِعُ مِنْ نَقْضِ تَصَرُّفِهِ فَلَمَّا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ صَحِيحٍ كَانَ أَوْلَى ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ صَنَعَ فِيهِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ بَعْضَ الثَّمَنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ جَمِيعَ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَيَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي حَصَلَ لَا بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَالْقَبْضُ مِنْهُ كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ وَلَمَّا ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَقَدْ ظَهَرَ
أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ بَاقٍ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَسْقُطْ حُكْمًا بِوُصُولِ حَقِّهِ وَلَا أَسْقَطَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ جَمِيعَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمَّا عَلِمَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ سَلَّمَ ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ .
وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا كَانَ هَذَا مِثْلَ إذْنِهِ لَهُ فِي الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ قَبَضَهُ فِي الِانْتِهَاءِ وَتَأْثِيرُ إجَازَتِهِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ كَتَأْثِيرِ إذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَهْنَهُ بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ قَضَاهُ لِرَاهِنٍ دَرَاهِمَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الرَّهْنَ حَتَّى وَجَدَ الْمُرْتَهِنُ الدَّرَاهِمَ أَوْ بَعْضَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الرَّهْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْجَوَابِ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ كَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا وَجَدَ الْمُرْتَهِنُ الْمَقْبُوضَ زُيُوفًا فَرَدَّهُ وَقَدْ كَانَ الرَّاهِنُ قَبَضَ الرَّهْنَ بِإِذْنِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَزُفَرُ يَسْتَدِلُّ فِي الْخِلَافِيَّةِ بِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ إلَى الرَّاهِنِ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّاهِنِ عَلَى طَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهُ بَعْدَ قَبْضِ الزُّيُوفِ فَإِنَّمَا الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ كَمَالُ وُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَالتَّسْلِيمُ الصَّحِيحُ مِنْ الْبَائِعِ مُسْقِطٌ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ بَدَلُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَبْقَى حَقُّهُ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَعَ التَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَحَقُّ الْحَبْسِ لِلْبَائِعِ بِاعْتِبَارِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ لَهُ بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ أَجَّلَهُ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَبْقَ حَقُّهُ مِنْ الْحَبْسِ وَبَعْدَ قَبْضِ الزُّيُوفِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ فَلِهَذَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ .
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى وَكَّلَ رَجُلًا يَقْبِضُهُ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَنْقُدْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ الْمَبِيعُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَقَبْضُ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ جِنَايَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ ، وَلَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ وَهَذَا نَظِيرُ الْمَرْهُونِ إذَا قَبَضَهُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي يُقَرِّرُ عَلَيْهِ ضَمَانَ الثَّمَنِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانَ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الضَّمَانَانِ عَلَى وَاحِدٍ بِسَبَبِ قَبْضِ وَاحِدٍ فَأَمَّا قَبْضُ الْوَكِيلِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانَ الثَّمَنِ فَيَكُونُ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِيمَةِ لِحَقِّ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتِرْدَادُ الْبَائِعِ الْقِيمَةَ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ لَوْ كَانَ بَاقِيًا إذْ الْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ قِيمَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ فَإِذَا أَعْطَاهُ الثَّمَنَ رَجَعَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي كَانَ أَمِينًا مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْبَائِعِ ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ رَجَعَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْوَكِيلِ كَمَا لَوْ أَوْفَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ ، وَلَوْ نُوِيَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ
فَهَلَكَ عِنْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَرَدَّ الْقِيمَةَ ثُمَّ يَتْبَعُ الْوَكِيلُ الْمُشْتَرِيَ فِي الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ كَانَ عَامِلًا لَهُ بِأَمْرِهِ وَقَدْ لَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ ، وَلَوْ قَبَضَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَهَذَا وَمَوْتُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُهُ بِهَذَا السَّبَبِ فَهُوَ كَتَعَذُّرِ الِاسْتِرْدَادِ بِالْمَوْتِ فِي يَدِهِ وَهَذَا لِأَنَّ أَمْرَ الْمُشْتَرِي الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ بِنَفْسِهِ لِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ .
قَالَ : وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَمَرَ رَجُلًا بِعِتْقِ الْعَبْدِ وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَعْتَقَهُ الْمَأْمُورُ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ هَذَا وَأَمْرُهُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْغَيْرَ بِهِ فَهُوَ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِهِ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْغَيْرَ بِهِ فَهُوَ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ : لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِعْتَاقِ مُعَبِّرٌ عَنْ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ ذَلِكَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ يُقَرِّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ وَتَقْرِيرُ هَذَا أَنَّهُ بِكَلِمَةِ الْإِعْتَاقِ إذَا جَعَلَهُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِتْلَافُ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِتْلَافُ إذَا انْتَقَلَتْ عِبَارَتُهُ إلَى الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُشْتَرِي كَانَ إعْتَاقُهُ بَاطِلًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَقِ لَهُ ضَمَانٌ وَإِذَا نَقَلْنَا عِبَارَتَهُ إلَى الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا مُقَرِّرًا لِلثَّمَنِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِيمَةِ فَأَمَّا الْقَبْضُ فَفِعْلٌ مَحْسُوسٌ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى الْقَابِضِ إذَا جُعِلَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُشْتَرِي كَانَ مُوجِبًا عَلَيْهِ ضَمَانَهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِإِذْنِهِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَإِذَا اقْتَصَرَ حُكْمُ الْقَبْضِ عَلَى الْقَابِضِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَانَ هُوَ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ
الْعَبْدَ فِي شَيْءٍ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ هَذَا وَقَالَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ وَجَعَلَهُ قِيَاسَ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِعَقْدِ الرَّهْنِ يَتَثَبَّتُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَتِلْكَ الْمَالِيَّةُ اُحْتُبِسَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ بِإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ إيَّاهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ لِعُسْرَةِ الرَّاهِنِ فَأَمَّا الْبَائِعُ فَمَا كَانَ لَهُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِيَّةِ الْمَبِيعِ وَلَكِنْ كَانَ لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ وَالْيَدِ فَأَزَالَ مِلْكَ الْعَيْنِ بِالْبَيْعِ وَبَقِيَ لَهُ الْيَدُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ وَبِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ فَاتَ مَحَلُّهُ وَمُجَرَّدُ الْيَدِ لَيْسَ يَقُومُ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَسْتَسْعِيهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِإِعَارَةِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يَعُودُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ هَذَا التَّسْلِيطُ بِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ .
فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَلَكِنَّهُ أُسْوَةُ غُرَمَاءِ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمَبِيعِ إنْ كَانَ سَلَّمَهُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَيُعِيدُهُ إلَى مِلْكِهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقَدُ مُعَاوَضَةٍ فَمُطْلَقُهُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ثُمَّ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ بِالْإِبَاقِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ قَبْضُ الثَّمَنِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي ، وَكَمَا أَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي الْآبِقِ كَالثَّاوِي حُكْمًا فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ بِمَنْزِلَةِ الثَّاوِي حُكْمًا لِاسْتِبْدَادِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَالْمَبِيعُ عَيْنٌ وَكَمَا أَنَّ تَعَذُّرَ الْقَبْضِ فِي الْعَيْنِ يُثْبِتُ حَقَّ الْحَبْسِ فَكَذَلِكَ تَعَذُّرُ الْقَبْضِ فِي الدَّيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ قَبْضُهُ بِانْقِطَاعِهِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ يَثْبُتُ لِرَبِّ السَّلَمِ حَقُّ الْفَسْخِ فَكَذَلِكَ الثَّمَنُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى أَنَّ الثَّمَنَ مَفْقُودٌ وَالْمُسْلَمُ بِهِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ حَقَّ الْفَسْخِ يَثْبُتُ بِتَعَذُّرِ قَبْضِ الْمَعْقُودِ بِهِ كَمَا ثَبَتَ بِتَعَذُّرِ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ تَمَكَّنَ الْمَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ ،
وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَلَاكَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ .
فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ شَيْئًا فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فُلُوسٌ رَائِجَةٌ ، فَإِذَا كَسَدَتْ الْفُلُوسُ فَقَدْ هَلَكَ الثَّمَنُ وَمَا يُنْقِصُ الْعَقْدَ بِهَلَاكٍ إذَا تَعَذَّرَ قَبْضُهُ ثَبَتَ لِلْعَاقِدِ حَقُّ الْفَسْخِ كَالْمَبِيعِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } وَالْمُشْتَرِي حِينَ أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ قَدْ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ شَرْعًا ، وَلَوْ أَجَّلَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ ، فَإِذَا صَارَ مُنْظَرًا بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ الْبَائِعُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّاصُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَوَجَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ مَتَاعَهُ فَهُوَ فِي مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ أَوْ قَالَ فَهُوَ أُسْوَةُ غُرَمَائِهِ فِيهِ } وَتَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ أَوْ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَبِهِ نَقُولُ : إنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْبَائِعِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ وَالْمَعْنَى فِيهِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطُ عَقْدِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مِلْكُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَيَمْلِكُ بِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَبَقَاءُ الدَّيْنِ بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَالذِّمَّةُ بَعْدَ الْإِفْلَاسِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَأَمَّا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فَثَابِتٌ لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَبِالِاسْتِبْدَالِ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إذَا صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالِاسْتِبْدَالِ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إذَا صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ
إسْقَاطُهُ بِالِاسْتِبْدَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَعَرَفْنَا أَنَّ حَقَّ قَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا أَنْ يَكُونَ مُوجِبَ الْعَقْدِ فَبِتَعَذُّرِهِ لَا يَتَغَيَّرُ شَرْطُ الْعَقْدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ قُدْرَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْعَقْدِ فَلَوْ كَانَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ لَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ كَمَا فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا كَالتَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِهِ لِلْعَاقِدِ وَهُوَ الْأَجَلُ وَلَمَّا جَازَ الشِّرَاءُ بِالدِّرْهَمِ حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَبِهَذَا الْحَرْفِ يُسْتَدَلُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ابْتِدَاءً فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إذَا طَرَأَ بِالْإِفْلَاسِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ .
وَالْمُفْلِسُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ فَبِالْإِفْلَاسِ الطَّارِئِ لَأَنْ لَا تَرْتَفِعَ صِفَةُ اللُّزُومِ أَوْلَى بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَبِيعِ فَهُنَاكَ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِإِبَاقِ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا طَرَأَ الْعَجْزُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ لَمْ يَتَأَخَّرْ حَقُّهُ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ قُلْنَا وُجُوبُ أَوَّلِ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ الْعَقْدِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا أَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَيَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَقَدْ حَصَلَ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ أَكْمَلُ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَقَوَّى بِهِ مِلْكُ الْبَائِعِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمِلْكِ لَا أَنْ يَكُونَ مُوجِبَ الْعَقْدِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ لَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ وَلَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ انْعَدَمَ بِتَسْلِيمِ الْبَائِعِ لَمَّا بِيعَ طَوْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ انْعَدَمَ بِالتَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ فَلَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقُّ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا بِخِلَافِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ هُنَاكَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَيَتَغَيَّرُ فَمُوجِبُ الْعَقْدِ مِلْكُ فُلُوسٍ هِيَ ثَمَنٌ وَبَعْدَ الْكَسَادِ لَا يَبْقَى لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فُلُوسٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَأَمَّا بَعْدَ إفْلَاسِ الْمُشْتَرِي فَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ كَمَا اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ مُوجِبِ
الْعَقْدِ فَمُوجِبُ مِلْكِ الْمَوْلَى بَدَلُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَهُ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَفَلَ لَهُ إنْسَانٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ دَيْنًا حَقِيقَةً قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ الْأَدَاءِ فَقَدْ تَغَيَّرَ مَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا مَنْ فَسَخَ الْعَقْدَ وَهُنَا بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي لَا يَتَغَيَّرُ مِلْكُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَلَسْنَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ ثَاوٍ فَإِنَّ الْمَدْيُونَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ فَهُوَ قَائِمٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مُفْلِسًا كَانَ أَوْ مَلِيًّا وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الزَّكَاةُ بِمَعْنَى إذَا قَبَضَهُ ، فَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مُوجِبُ الْعَقْدِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الصَّرْفِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ إمْلَاءً : الصَّرْفُ اسْمٌ لِنَوْعِ بَيْعٍ ؛ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ، وَالْأَمْوَالُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ : نَوْعٌ مِنْهَا فِي الْعَقْدِ ثَمَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ، صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَمْ يَصْحَبْهَا سَوَاءٌ كَانَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا ، وَنَوْعٌ مِنْهَا مَا هُوَ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ الْعُرُوضِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ ، وَالْمَمَالِيكِ ، وَنَوْعٌ هُوَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ ، مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي الْعَقْدِ تَكُونُ مَبِيعَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهُوَ ثَمَنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ ، وَقَابَلَهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } قَالَ الْفَرَّاءُ فِي مَعْنَاهُ : الثَّمَنُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ، وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ ، وَكَانَ ثَمَنُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالْعُرُوضُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً ، وَالسَّلَمُ فِي بَعْضِهَا رُخْصَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَبِيعَةً ، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَسْتَحِقُّ عَيْنًا بِالْعَقْدِ تَارَةً ، وَدَيْنًا أُخْرَى فَيَكُونُ ثَمَنًا فِي حَالٍ مَبِيعًا فِي حَالٍ ، وَالثَّمَنُ فِي الْعُرْفِ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ بِهِ ، وَهُوَ مَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ فَإِذَا صَحِبَهُ حَرْفُ الْبَاءِ ، وَكَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ، وَقَابَلَهُ مَبِيعٌ عَرَفْنَا أَنَّهُ ثَمَنٌ ، وَإِذَا كَانَ عَيْنًا قَابَلَهُ ثَمَنٌ كَانَ مَبِيعًا
؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا يُحَالُ بِخِلَافِ مَا هُوَ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ .
وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ أَنَّ وُجُودَهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ ، وَكَذَلِكَ فَوَاتُ التَّسْلِيمِ فِيمَا هُوَ ثَمَنٌ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ { حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَرُبَّمَا أَبِيعُهُ بِالدَّنَانِيرِ ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ ، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا ، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ } ، وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ أَنَّ فَوَاتَ التَّسْلِيمِ فِيهِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْوِيتَ التَّسْلِيمِ فِيمَا اُسْتُحِقَّ بِالْعَقْدِ ، وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ مِلْكَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ عِنْدَ الْعَقْدِ إمَّا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ ، أَوْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَلَا أَثَرَ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ ، وَالْحُكْمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الصَّرْفُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْبُيُوعِ وُجُوبُ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ ، أَوْ أَجَلٍ ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فَإِنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ } أَيْ مُطَالَبَةٌ بِالتَّسْلِيمِ ؛ لِوُجُودِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ اُخْتُصَّ بِاسْمٍ فَيُخْتَصُّ بِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرْفَ مَا فِي مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمِلْكِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجِبُ ابْتِدَاءً بِهَذَا الْعَقْدِ لَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي
سَائِرِ الْبُيُوعِ عَرَفْنَا أَنَّهُ يُسَمَّى صَرْفًا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبِهِ ، وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِحْقَاقِ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُبَادَلَةُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ ، وَالثَّمَنُ يُثْبِتُ بِالْعَقْدِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ ، وَهُوَ الْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ تُقَامُ مَقَامَ حَالَةِ الْعَقْدِ شَرْعًا لِلتَّيْسِيرِ .
وَإِذَا وُجِدَ التَّعْيِينُ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَسْنَا نَعْنِي بِالْمَجْلِسِ مَوْضِعَ جُلُوسِهِمَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى لَوْ قَامَا أَوْ مَشَيَا فَرْسَخًا ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَيْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَالَ الْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ .
رَوَى ذَلِكَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي هَذَا الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ .
وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ يَمْتَنِعُ اسْتِحْقَاقُ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّعْيِينُ ، وَهُوَ الْقَبْضُ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ ، وَكَذَلِكَ شَرْطُ الْأَجَلِ يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ التَّعْيِينُ فَلِهَذَا كَانَ مُبْطِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ ، وَقَدْ دَلَّ مَا قُلْنَا عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي بُدِئَ الْكِتَابُ بِهَا ، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَزْنٌ بِوَزْنٍ يَدٌ بِيَدٍ ، وَالْفَضْلُ رِبًا } إلَى آخِرِهِ ، وَقَدْ بَدَأَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كِتَابُ الْبُيُوعِ ، وَبَيَّنَّا تَمَامَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِنَاءٍ خُسْرَوَانِيٍّ قَدْ أُحْكِمَتْ صَنْعَتُهُ فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ فَأُعْطِيت بِهِ وَزْنَهُ وَزِيَادَةً ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : أَمَّا الزِّيَادَةُ ، فَلَا .
وَهَذَا الْإِنَاءُ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا ، وَمَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا شَرْعًا فَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ جَائِزٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَرْعًا كَمَا لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الْمَعَازِفِ ، وَالْمَلَاهِي شَرْعًا ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الذَّهَبَ ، وَالْفِضَّةَ بِالصَّنْعَةِ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَزْنِيَّةً ، وَإِنْ اعْتَادَ النَّاسُ بَيْعَهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ ؛ لِأَنَّ صَنْعَةَ الْوَزْنِ فِيهَا ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ سِيرِينَ حِينَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ إنَاءٍ مِنْ حَدِيدٍ بِإِنَاءَيْنِ فَقَالَ قَدْ كَانُوا يَبِيعُونَ الدِّرْعَ بِالْأَدْرُعِ يَعْنِي أَنَّ مَا لَا يَعْتَادُ النَّاسُ وَزْنَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَا يَكُونُ مَوْزُونًا ، ثُمَّ ذَلِكَ الْإِنَاءُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَيْعِهِ أَنْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالصَّرْفِ .
وَعَنْ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْت : إنَّا نَقْدَمُ أَرْضَ الشَّامِ وَمَعَنَا الْوَرِقُ الثِّقَالُ النَّافِقَةُ ، وَعِنْدَهُمْ الْوَرِقُ الْخِفَافُ الْكَاسِدَةُ أَفَنَبْتَاعُ وَرِقَهُمْ الْعَشَرَةَ بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ ؟ فَقَالَ : لَا تَفْعَلْ ، وَلَكِنْ بِعْ ، وَرِقَك بِذَهَبٍ ، وَاشْتَرِ وَرِقَهُمْ بِالذَّهَبِ ، وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ ، وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ ، وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي النُّقُودِ ، وَأَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا تَبَيَّنَ جَوَابَ مَا سُئِلَ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ الطَّرِيقَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ مَعَ التَّحَرُّزِ عَنْ الْحَرَامِ ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِمَّا هُوَ مَذْمُومٌ مِنْ تَعْلِيمِ الْحِيَلِ بَلْ هُوَ اقْتِدَاءٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ { قَالَ لِعَامِلِ خَيْبَرَ : هَلَّا بِعْت تَمْرَك بِسِلْعَةٍ ، ثُمَّ اشْتَرَيْت بِسِلْعَتِك هَذَا التَّمْرَ } ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْفَضْلِ ، وَالْكَثِيرَ فِي كَوْنِهِ رِبًا سَوَاءٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالْفَضْلُ رِبًا ، وَأَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي الصَّرْفِ مُسْتَحَقٌّ ، وَأَنَّ الْقِيَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاقٍ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ ؛ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيثُ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ : مِنْ هَذِهِ إلَى هَذِهِ يَعْنِي مِنْ يَدِك إلَى يَدِهِ ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى خَلْفِ هَذِهِ السَّارِيَةِ فَلَا تَفْعَلْ ، وَإِنَّمَا كَنَّى بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ بِالْمُفَارَقَةِ يَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ ، وَبِالِاسْتِتَارِ بِالسَّارِيَةِ
يَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ أَيْضًا فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُفَارَقَةِ لَا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ السَّارِيَةِ بَيْنَهُمَا مُوجِبًا لِلِافْتِرَاقِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَكَوْنُ السَّارِيَةِ بَيْنَهُمَا لَا يُعَدُّ افْتِرَاقًا عُرْفًا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُبَاعَ السَّيْفُ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ بِالنُّقْرَةِ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ الَّتِي أَعْطَى أَقَلَّ مِمَّا فِيهِ ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ ، وَلَا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَبِيعَهُ بِالذَّهَبِ ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ : بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ جَائِزٌ بِالنَّقْدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا اخْتَلَفَتْ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ } بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ صَرْفٌ فَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِيهِ مُفْسِدٌ ، وَلَا يَنْزِعُ الْحِلْيَةَ مِنْ السَّيْفِ إلَّا بِضَرَرٍ فَفَسَادُ الْعَقْدِ فِيهَا يُفْسِدُ فِي الْكُلِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ، أَمَّا بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فِضَّةَ الْحِلْيَةِ أَكْثَرُ فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ مِثْلَ النَّقْدِ فِي الْوَزْنِ لِأَنَّ الْجَفْنَ وَالْحَمَائِلَ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فَإِنَّ مُقَابَلَةَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ بِالْإِجْزَاءِ ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفِضَّةَ فِي الْحِلْيَةِ أَقَلُّ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ ، وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَقَلُّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَتَوَهُّمِ الْفَضْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ ، وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ يَكُونُ الْعَقْدُ مَمْلُوكًا بِجَوَازِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا
هَذَا فِي الْبُيُوعِ عَنْ { أَبِي بَصْرَةَ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الصَّرْفِ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ ، وَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَعَدْت فِي حَلْقَةٍ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَنِي رَجُلٌ فَقَالَ : سَلْهُ عَنْ الصَّرْفِ ، فَقُلْت : إنَّ هَذَا يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ الصَّرْفِ ، فَقَالَ لِي : الْفَضْلُ رِبًا ، فَقَالَ : سَلْهُ أَمِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ يَقُولُ ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رَجُلٌ يَكُونُ فِي نَخْلِهِ بِرُطَبٍ طَيِّبٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ فَقَالَ : أَعْطَيْت صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ رَدِيءٍ وَأَخَذْت هَذَا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْبَيْتَ ، فَقَالَ : إنَّ سِعْرَ هَذَا فِي السُّوقِ كَذَا ، وَسِعْرُ هَذَا كَذَا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : هَلَّا بِعْتَهُ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ ابْتَعْتَ بِسِلْعَتِكَ تَمْرًا } فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْفَضْلُ فِي التَّمْرِ رِبًا وَالدَّرَاهِمُ مِثْلُهُ ، فَقَالَ أَبُو بَصْرَةَ فَلَقِيت بَعْدَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَأَمَرْت أَبَا الصَّهْبَاءِ فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ : لَا خَيْرَ فِيهِ ، وَفِي هَذَا دَلِيلُ رُجُوعِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ فَتْوَاهُمَا بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْفَتْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : إنَّك رَجُلٌ تَائِهٌ ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْخَبَرَ فَالْخَبَرُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ فَتْوَاهُ فَقَالَ :
الْفَضْلُ حَرَامٌ ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَالْمُتْعَةِ فَعُلِمَ أَنَّ حُرْمَةَ التَّفَاضُلِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ حُكْمًا فِي حَادِثَةٍ فَيُلْحِقُونَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ رَوَى الْحَدِيثَ فِي التَّمْرِ وَبَيَّنَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِثْلُهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّصَّ فِي شَيْءٍ يَكُونُ نَصًّا فِيمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا قِيَاسًا فَالْقِيَاسُ اسْتِنْبَاطٌ بِالرَّأْيِ ، وَمَا كَانَ يَقُولُ بَلْ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يُطَالِبَ الْمُفْتِيَ بِالدَّلِيلِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِفْتَاءِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ هَذَا الرَّجُلُ ، وَإِنْ كَانَ احْتَشَمَ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ بِنَفْسِهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرَ ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَدْخُلَ أَعْرَابِيٌّ لِيَسْأَلَهُ لِيَسْتَفِيدُوا بِسُؤَالِهِ ، أَوْ عَلِمَ هَذَا الرَّجُلُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَلَمْ يُعْجِبْهُ أَنْ يُظْهِرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيُطَالِبُهُ بِالدَّلِيلِ لِيَتَبَيَّنَ مَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْحِشَ أَحَدٌ ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى حُسْنِ
الْعِشْرَةِ .
، وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ طَوْقَ ذَهَبٍ مُفَضَّضٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَاخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ ، وَهَذَا عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْرِي مِقْدَارَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الطَّوْقِ ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِائَةُ مِثْقَالٍ أَوْ أَكْثَرُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ دُونَ مِائَةِ مِثْقَالٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ تَمْوِيهًا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَخْلَصُ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ فَيَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ ، وَلَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ خَيْبَرَ سَعْدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعْدًا آخَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَبِيعَا غَنَائِمَ بِذَهَبٍ فَبَاعَاهَا كُلُّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ تِبْرًا بِثَلَاثِ مَثَاقِيلَ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا } ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ بَيْعِ الْغَنَائِمِ ، وَقِسْمَةِ الثَّمَنِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إذَا رَأَى النَّظَرَ فِيهِ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّفَاضُلَ حَرَامٌ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ كَغَيْرِهَا ، وَأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يُسْتَحَقُّ فَسْخُهُ وَرَدُّهُ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ مَعْصِيَةٌ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ فَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُمَا عَلَى مَا صَنَعَا ؛ لِأَنَّ نُزُولَ تَحْرِيمِ الرِّبَا كَانَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ اشْتَهَرَ بَعْدُ فَعَذَرَهُمَا بِالْجَهْلِ بِهِ .
، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : أَتَانِي الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ فَصَرَفْت لَهُ الدَّرَاهِمَ وَافِيَةً بِدَنَانِيرَ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيمَا أَظُنُّ ، ثُمَّ جَاءَنِي فَقَالَ : اشْتَرِ بِهَا غَلَّةً فَجَعَلْت أَطْلُبُ الرَّجُلَ الَّذِي صَرَفْت عِنْدَهُ فَقَالَ لَا عَلَيْك أَنْ لَا تَجِدَهُ ، وَإِنْ وَجَدْته فَلَا أُبَالِي ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالصَّرْفِ ، وَأَنَّ التَّفَاضُلَ حَرَامٌ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْصُودُ الْأَسْوَدِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ الْجِيَادِ الْغَلَّةَ ، وَعَلِمَ أَنَّ الْفَضْلَ حَرَامٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا دَنَانِيرَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّنَانِيرِ الْغَلَّةَ ، وَكَانَ هَذَا الْوَكِيلُ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَمَانَتُهُ ، وَمُسَامَحَتُهُ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَبَيَّنَ لَهُ الْأَسْوَدُ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِيمَا هُوَ مَقْصُودٌ فَلَا يَتَكَلَّفُ فِي طَلَبِهِ .
وَعَنْ أَبَانَ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بِعْت جَامَ فِضَّةٍ بِوَرِقٍ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ قُلْت الْحَاجَةُ قَالَ : رُدَّ الْوَرِقَ إلَى أَهْلِهَا ، وَخُذْ إنَاءَكَ وَعَارِضْ بِهِ ، فَفِيهِ دَلِيلُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ ، وَوُجُوبُ الرَّدِّ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ ، وَأَنَّ بِسَبَبِ الْحَاجَةِ لَا يَحِلُّ الرِّبَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَرْتَفِعُ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ كَمَا هَدَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : وَخُذْ إنَاءَك وَعَارِضْ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ عَذَرَهُ لِلْحَاجَةِ ، وَلَمْ يُؤَدِّبْهُ ، وَكَانَ قَصْدُهُ بِالسُّؤَالِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَعْلَمَ سَبَبَ إقْدَامِهِ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ حَتَّى إذَا بَاشَرَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَدَّبَهُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ كَانَ مُؤَدِّبًا يُؤَدِّبُ عَلَى مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ .
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : سَأَلْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الصَّوْغِ أَصُوغُهُ فَأَبِيعُهُ قَالَ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَقُلْت : إنِّي أَبِيعُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، وَلَكِنْ آخُذُ فِيهِ أَجْرَ عَمَلٍ فَقَالَ : إنَّمَا عَمَلُك لِنَفْسِك ، وَلَا تَرْدُدْ شَيْئًا فَإِنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَبِيعَ الْفِضَّةَ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ } ، ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا رَافِعٍ إنَّ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَالشَّاهِدَ وَالْكَاتِبَ شُرَكَاءُ ، وَفِيهِ دَلِيلُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ ، وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِيمَا هُوَ مَالُ الرِّبَا فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، ثُمَّ مَا يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ عِوَضًا عَنْ الصَّنْعَةِ وَلَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الْبَيْعِ ، ثُمَّ بَيَّنَ شِدَّةَ الْحُرْمَةِ فِي الرِّبَا بِقَوْلِهِ : الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ وَالْكَاتِبَ وَالشَّاهِدَ فِيهِ سَوَاءٌ أَيْ فِي الْمَأْثَمِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً } ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَالرَّايِشُ فِي النَّارِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ الظَّلَمَةَ ، أَوْ كَتَبَ لَهُمْ } وَالْأَصْلُ فِي الْكُلِّ قَوْلُهُ { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وَعَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقُلْت إنِّي سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ : لَيْسَ فِي يَدٍ بِيَدٍ رِبًا فَمَشَى إلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَا مَعَهُ فَقَالَ لَهُ : أَسْمَعْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ ؟ فَقَالَ : لَا ، فَحَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدِيثَ ، فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا أُفْتِي بِهِ أَبَدًا } ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِجِنْسِهِمَا إذَا اعْتَدَلَ الْبَدَلَانِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ جَازَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَيَقُّنِنَا بِالْمُمَاثَلَةِ وَزْنًا ، وَالْمُمَاثَلَةُ إذَا وُزِنَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ أَظْهَرُ مِنْهُ إذَا وُزِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّنَجَاتِ ، وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ فَتْوَاهُ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ انْقَادَ لَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَهَذَا لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَالْوَرَعِ ، وَإِنَّمَا مَشَى إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِطَرِيقِ الْخَشْيَةِ لِإِظْهَارِ الشَّفَقَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ دَعَاهُ إلَى نَفْسِهِ لَأَتَاهُ ، وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ لِلْكَبِيرِ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّبَا ، وَقَدْ نُقِلَ هَذَا اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْإِرْبَاءَ .
، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ بَقَايَا بَيْتِ الْمَالِ يَدًا بِيَدٍ بِفَضْلٍ فَخَرَّجَ خُرْجَةً إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : هُوَ رِبًا ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَخْبَرَةَ الْأَسَدِيَّ فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ اخْتِلَافَ الصَّنْعَةِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ ، وَكَانَ يَجْعَلُ الْبِقَايَةَ مَعَ الْجَيِّدِ نَوْعَيْنِ فَيُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ } ، ثُمَّ سَأَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْكُلَّ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْكُلَّ فِضَّةٌ وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا } فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ الْحَقَّ فِي مَقَالَتِهِ ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ : عَالِمُ الْكُوفَةِ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى عَالِمِ الْمَدِينَةِ يُرَادُ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
، وَقَدْ نُقِلَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ يَقُولُ سَأَلْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ تَكُونُ مَعِي لَا تُنْفَقُ فِي حَاجَتِي فَأَشْتَرِي بِهَا دَرَاهِمَ تُنْفَقُ فِي حَاجَتِي ، وَأَهْضِمُ مِنْهَا قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ بِعْ دَرَاهِمَك بِدَنَانِيرَ ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ تُنْفَقُ فِي حَاجَتِك ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَحَرُمَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ هُنَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ } ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا .
وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ أَكْرَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إبِلًا بِدَنَانِيرَ فَأَتَيْته أَتَقَاضَاهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ دَرَاهِمُ فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ : انْطَلِقْ مَعَهُ إلَى السُّوقِ فَإِذَا قَامَتْ عَلَى سِعْرٍ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ ، وَإِلَّا فَاشْتَرِ لَهُ دَنَانِيرَ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ فَقُلْت : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَصْلُحُ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهَذَا ، إنَّكَ وُلِدْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ اسْتِبْدَالِ الْأَجْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْآخَرِ كَالثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اسْتِبْدَالِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ فَلِهَذَا جَوَّزَ ابْنُ عُمَرَ الِاسْتِبْدَالَ بِالْأَجْرِ ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ ، وَلَكِنْ لَمَّا أَشْكَلَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ سَأَلَهُ بِقَوْلِهِ : أَيَصْلُحُ هَذَا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ إنَّك وُلِدْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ ؛ أَيْ جَاهِلٌ لَا تَعْلَمُ حَتَّى تُعَلَّمَ .
وَهَكَذَا حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَتَّى يُعَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَازَحَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ، وَكَنَّى بِالصِّغَرِ عَنْ الْجَهْلِ ، ثُمَّ ذَلِكَ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّبَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ { إذَا اشْتَرَيْتُمْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَاشْتَرُوهُ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ } يَعْنِي بِذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ لَمْ نَسْمَعْهَا فَقَالَ عُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَشْهَدُ إنِّي سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ : لَأُحَدِّثَنَّ بِهِ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ فِي الِابْتِدَاءِ ، ثُمَّ رَجَعَ
إلَى الْحَدِيثِ ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَا قَالَ ، وَقِيلَ : إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْبِتَهُ فِي رِوَايَتِهِ ، وَمُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ الرِّبَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ : " أَحَادِيثَ لَمْ نَسْمَعْهَا " مَا ذَكَرَهُ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ اشْتَرَيْتُمْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَأَكَّدَ عُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ " بِمَعْنَى أَحْلِفُ ، قَالَ : " لَأُحَدِّثَنَّ بِهِ " ؛ لِأَنِّي أَتَيَقَّنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّبْلِيغِ فَلَا أَدَعُهُ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ أُحَدِّثُ بِهِ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ مُعَاوِيَةَ .
وَعَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ : خَطَبَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالشَّامِ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بُيُوعًا لَا يُدْرَى مَا هِيَ ، أَلَا وَإِنَّ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ ، وَزْنًا بِوَزْنٍ تِبْرَهُ وَعَيْنَهُ ، أَلَا وَإِنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ تِبْرَهَا وَعَيْنَهَا سَوَاءٌ ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ ، وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُ ، وَلَا يَصْلُحُ نَسِيئَةً ، أَلَا وَإِنَّ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ ، أَلَا وَإِنَّ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ يَدًا بِيَدٍ ، وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا ، وَلَا يَصْلُحُ نَسِيئَةً ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّمْرِ وَالْمِلْحِ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْفَاسِدَ بَيْعٌ فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بُيُوعًا ، وَمُرَادُهُ مَا كَانُوا يُبَاشِرُونَهُ مِنْ عُقُودِ الرِّبَا ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَةِ نِصْفُ صَاعٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ " عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ أَخْذَ الرِّبَا يَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ فَالْمُسْتَزِيدُ آخِذٌ ، وَالزَّائِدُ مُعْطِي ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوَعِيدِ .
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ لَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُبَاعُ مِنْهَا غَائِبٌ بِنَاجِزٍ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّمَا ، وَالرِّمَا هُوَ الرِّبَا ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَهُ ، فَلَا تَنْتَظِرْهُ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " لَا يُبَاعُ غَائِبٌ بِنَاجِزٍ " أَيْ نَسِيئَةٌ بِنَقْدٍ ، وَفِيهِ دَلِيلُ الرِّبَا كَمَا يَثْبُتُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلَيْنِ فِي الْقَدْرِ يَثْبُتُ بِتَفَاوُتِهِمَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ، وَأَنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ وَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ : " فَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ " .
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمَائِلَهُ وَجَفْنَهُ وَنَصْلَهُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ وَزْنُ الْحِلْيَةِ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ الدَّرَاهِمِ لِيَكُونَ الْفَضْلُ بِإِزَاءِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ .
وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِي اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ السَّيْفَ الْمُحَلَّى ، وَالْمِنْطَقَةَ الْمُفَضَّضَةَ ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ : يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ بِالْعُرُوضِ وَبِالنَّقْدِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ بِشَرْطِ قَبْضِ حِصَّةِ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَبِالنَّقْدِ مِنْ جِنْسِ الْحِلْيَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ الْحِلْيَةِ .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : الْإِقَالَةُ بَيْعٌ ، وَهَكَذَا عَنْ شُرَيْحٍ ؛ مَعْنَاهُ كَالْبَيْعِ فِي الْحُكْمِ ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ : الْإِقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالْبَيْعِ يَعْنِي : يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، وَوُجُوبُ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ ؛ فَالْإِقَالَةُ فِيهِ كَالْبَيْعِ .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : سَمِعْت عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ رِبَا الْعَجْلَانِ ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ سَحْقُ دِرْهَمٍ فَلْيَخْرُجْ بِهِ إلَى السُّوقِ وَلْيَقُلْ : مَنْ يَبْتَاعُ سَحْقَ هَذَا الدِّرْهَمِ فَلْيَبْتَعْ بِهِ مَا شَاءَ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : " فَإِنَّ ذَلِكَ رِبَا الْعَجْلَانِ " أَيْ رِبَا النَّقْدِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ فِي النَّقْدِ ، وَالنَّسِيئَةِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : " سَحْقُ دِرْهَمٍ " الْبِقَايَةُ الَّتِي لَا تُنْفَقُ فِي حَاجَةٍ ، يُقَالُ : ثَوْبٌ سَحْقٌ أَيْ خَلَقٌ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ بِالزُّيُوفِ ، وَلَكِنْ بَعْدَ بَيَانِ عَيْنِهَا لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ وَالتَّدْلِيسُ كَمَا ذَكَرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِاقْتِضَاءِ الْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ ، وَالذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا ، أَوْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَفِي بَدَلِ الْقَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْأَجَلُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَبِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ كَبَدَلِ الصَّرْفِ ، وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَمَا يُسْتَرَدُّ فِي حُكْمِ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ .
وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْتَعَارِ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ جَائِزٌ ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ إنَّمَا يُسْتَثْنَى مِنْ الدِّينَارِ بِالْقِيمَةِ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا ، وَبِجَهَالَتِهِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَجْهُولًا أَيْضًا ، وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَجْوَدَ مِنْهَا ، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا ، وَمَصُوغُهَا وَتِبْرُهَا ، وَأَبْيَضُهَا وَأَسْوَدُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا ؛ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَابَلَةَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ ، وَاسْمُ الْفِضَّةِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ جَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ ، وَتِبْرُهُ وَمَصُوغُهُ نَافِقُهُ وَغَيْرُ نَافِقِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجُودَةِ وَالصَّنْعَةِ فِيهَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا ، فَوُجُودُ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّقَابُضَ وَاجِبٌ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ ، وَتَرْكُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فَالتَّأْجِيلُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْعَقْدِ ، وَاشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُبْطِلٌ لَهُ .
، وَإِذَا اشْتَرَى فِضَّةً بَيْضَاءَ جَيِّدَةً بِفِضَّةٍ سَوْدَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا ، وَمَعَ الْبَيْضَاءِ ذَهَبٌ أَوْ فُلُوسٌ أَوْ عُرُوضٌ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُصِيبُ الْبَيْضَاءَ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ السَّوْدَاءِ ، وَعِنْدَنَا يَجْعَلُ مِنْ السَّوْدَاءِ بِإِزَاءِ الْبَيْضَاءِ مِثْلَ وَزْنِهَا ، وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ مَا زَادَ تَرْجِيحًا لِجِهَةِ الْجَوَازِ عَلَى جِهَةِ الْفَسَادِ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَصْلَ فِي الْبُيُوعِ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْطَقَةً ، أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِحَدِيثِ { فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ : أَصَبْت قِلَادَةً يَوْمَ خَيْبَرَ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ فَبِعْتهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا ، ثُمَّ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا حَتَّى يَفْصِلَ } وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ وَزْنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ أَكْثَرُ أَوْ مِثْلُ الْمُنْفَصِلِ ، وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ .
وَإِذَا اشْتَرَى لِجَامًا مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ بِأَقَلَّ مِمَّا فِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَوْنُ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ بِعَيْنِ الْفِضَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يَجْرِي الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ بِسُقُوفِهَا مِنْ التَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الرِّبَا ، وَلَا فِي وُجُوبِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَانْتَقَدَ أَحَدُهُمَا وَأَخَذَ الْآخَرُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فِيهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَتْ الْعَيْنُ هَالِكَةً عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَيُجْعَلُ اسْتِيفَاؤُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي السَّلَمِ الِاخْتِلَافَ فِي الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ كَذَلِكَ يُبَدَّلُ فِي الصَّرْفِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى ذَهَبٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ ، وَجَوْهَرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِدِينَارٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الدِّينَارَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ .
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَكْثَرَ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَيْضًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى فَإِنْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ نَسِيئَةً لَمْ يَجُزْ فَإِنَّ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ الْعَقْدَ صَرْفٌ فَيَفْسُدُ شَرْطُ الْأَجَلِ ، وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ ، فَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ فِي كُلِّهِ .
وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً لَا يُعْرَفُ وَزْنُهَا أَوْ وَزْنُ أَحَدِهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ } وَالْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ عِنْدَ اللَّهِ ، أَوْ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمُرَادٍ فَالْأَحْكَامُ لَا تُبْنَى عَلَى مَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، فَصَارَ هَذَا شَرْطَ جَوَازِ الْعَقْدِ ، وَمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَإِنْ وُزِنَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَإِنْ كَانَا بَعْدُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَجَوَازُ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ جُعِلَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ انْعِدَامَ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْبَدَلَيْنِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ ، ثُمَّ إذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ ، وَإِنْ وُزِنَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ - وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ - كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْوَزْنِ فِي إحْدَاثِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِهِ مُمَاثَلَةٌ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَعِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِوُجُودِ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا الْمُتَعَاقِدَانِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ شَرْطُ الْجَوَازِ هُنَا ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَيَصِيرُ الْوَزْنُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ
كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ ، فَكَمَا يُفْصَلُ هُنَاكَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَمَا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ يُفْصَلُ هُنَا ، ثُمَّ الْفَصْلُ مَوْهُومٌ ، وَالْمَوْهُومُ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْمُتَحَقِّقِ ، وَتَأْثِيرُ الْفَضْلِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ كَتَأْثِيرِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَأَقْوَى ، فَكَمَا أَنَّ تَرْكَ الْقَبْضِ حَتَّى افْتَرَقَا مُفْسِدٌ لِهَذَا الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ تَوَهُّمُ الْفَضْلِ بِتَرْكِ الْوَزْنِ حَتَّى افْتَرَقَا يَكُونُ مُفْسِدًا .
وَإِنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَسَدَ الْبَيْعُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ بِتَرْكِ التَّقَابُضِ ، وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ صَحِيحًا فِي حِصَّةِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ كَمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْبَيْعِ فِي الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ وَالنَّصْلِ دُونَ الْفِضَّةِ فَإِنْ قَبَضَ السَّيْفَ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقٌّ ، وَقَبْضُ حِصَّةِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَيُصْرَفُ الْمَقْبُوضُ إلَى مَا كَانَ الْقَبْضُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ لَا يُعَارِضُ الْمُسْتَحَقَّ ، وَإِذَا انْصَرَفَ إلَيْهِ فَإِنَّمَا وُجِدَ الِافْتِرَاقُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَّلَ الْبَقِيَّةَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ فِيهِ .
وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا سُتُّوقًا ، أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَفَرَّقَا اسْتَبْدَلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ أَصْلًا ، وَتَأْخِيرُ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا يَصِيرُ ، وَإِنْ كَانَا قَدْ افْتَرَقَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ ؛ لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ مُسْتَبْدَلًا بِهِ لَا مُسْتَوْفِيًا وَلَكِنْ يَرُدُّهُ ، وَكَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ ، وَلَمْ يَقْبِضْ دِرْهَمًا حَتَّى افْتَرَقَا ، طَعَنَ عِيسَى فِي هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ قَوْلُهُ : " كَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ " غَلَطٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الدِّينَارِ بِالْعَشْرِ ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ عِنْدَنَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا بَعْدَ التَّقَابُضِ لَوْ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ لَمْ يَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ النَّقْدِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِثْلَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي عَيْنِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَهُ عُشْرُ الدِّينَارِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عُشْرَ ذَلِكَ الدِّينَارِ ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْفَسَادِ ، وَهُوَ الدَّيْنِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ ، وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّينَارِ مَقْبُوضَةٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ مِنْ حُكْمِ الْقَبْضِ هُنَا لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ ، وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَيْسَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا سَمَّى وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْتَزِمُ الْمُسَمَّى فِي ذِمَّتِهِ بِالْعَقْدِ ، وَذِمَّتُهُ صَالِحَةٌ لِلِالْتِزَامِ فَصَحَّ الْعَقْدُ ، ثُمَّ الشَّرْطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَدْ وَجَدَهُ ، قَالَ : وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَ ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ السِّلَعَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ مَبِيعًا ، وَحُكْمُ الْبَيْعِ فِي الْمَبِيعِ وُجُوبُ الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيهِ ، وَإِضَافَةُ السَّبَبِ إلَى مَحَلٍّ لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَمُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ ، وَحُكْمُ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ وُجُوبُهُ وَوُجُودُهُ بِهِ مَعًا ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ بِالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ لِلِالْتِزَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ عَيْنًا فَلِهَذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا ، قَالَ : وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ بَيْعِ الرَّجُلِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ثَمَنٌ ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا بَيَّنَّا ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَيْضًا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ فَالْبَيْعُ مَحَلُّهُ الْمَبِيعُ ، وَذَلِكَ فِي السِّلَعِ دُونَ الْأَثْمَانِ ؛ فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا الشِّرَاءَ بِثَمَنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَكَذَلِكَ شِرَاءُ تِبْرِ الذَّهَبِ بِتِبْرِ الْفِضَّةِ ، أَوْ تِبْرِ الْفِضَّةِ بِتِبْرِ الذَّهَبِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ثَمَنٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ، فَالتِّبْرُ وَالْمَضْرُوبُ فِي كَوْنِهِ ثَمَنًا سَوَاءٌ ، وَهَذَا إذَا كَانَ التِّبْرُ يَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ رَوَاجَ النُّقُودِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي الشَّرِكَةِ بِالتِّبْرِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَى إنَاءً مَصُوغًا ، أَوْ قَلْبَ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ ، أَوْ بِفِضَّةٍ تِبْرٍ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْإِنَاءُ أَوْ الْقَلْبُ بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ قَبْلَ الْفُرْقَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مُشْتَرِيَهَا مِثْلَهَا ، وَلَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ فَبِاسْتِحْقَاقِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَنْعَدِمُ الْقَبْضُ ، وَتَرْكُ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا يَضُرُّ ، أَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ فَيَنْعَدِمُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي الْقَلْبِ وُجُوبُ الْمِلْكِ ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ فَبِاسْتِحْقَاقِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ النُّقُودِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ الْعَقْدَ أَمَّا إذَا أَجَازَهُ جَازَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : إنْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ أُثْبِتُ مِلْكِي لِأُجِيزَ الْعَقْدَ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَاسْتِحْقَاقُهُ إبْطَالٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِمِلْكٍ مُتَقَرِّرٍ ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِسَبَبِ الْإِزَالَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَالنُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا ، وَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَحَبَسَهَا وَأَعْطَى الْبَائِعُ مِثْلَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ عِنْدَنَا ، وَلَوْ هَلَكَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ ، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَنَا ، وَيَبْطُلُ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَيَصِحُّ بِهِ التَّعَيُّنُ كَمَا فِي السِّلَعِ ، وَهَذَا بَدَلٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ كَالْمَبِيعِ ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ النُّقُودَ تُمْلَكُ أَعْيَانُهَا ، وَمُوجِبُ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمِلْكُ فِيمَا يُمْلَكُ عَيْنُهُ مِنْ الْمَالِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَكَانَ هَذَا التَّعْيِينُ مُصَادِفًا مَحَلَّهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ حَتَّى إنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَرَادَ حَبْسَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَرَدَّ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ تَتَعَيَّنُ حَتَّى يَكُونَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهَا ، وَفِي الصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي التَّعْيِينِ فَائِدَةً لَهُمَا أَمَّا لِلْبَائِعِ فَلِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ حَقِّهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ فَيَرْغَبُ فِيهِ مَا لَا يَرْغَبُ فِي غَيْرِهِ ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْمُشْتَرِي فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ آخَرَ إذَا هَلَكَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ ، وَأَنْ تَكُونَ ذِمَّتُهُ خَالِيَةً عَنْ الدَّيْنِ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ فِي الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، وَيَتَعَيَّنُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْغَاصِبَ
إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ بِعَيْنِهَا طَعَامًا ، وَنَقَدَهَا لَا يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُهَا ، وَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لَحَلَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ : إذَا قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِهَذَا الْأَلْفِ ، وَبِهَذَا الْكُرِّ فِيهِمَا صَدَقَةٌ فَبَاعَهُ بِهِمَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُرِّ فَلَوْ لَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ لَمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ وَبِذَلِكَ الْكُرِّ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ : النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ جَوَازًا لَا اسْتِحْقَاقًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ ، وَتُعْتَبَرُ بِعَيْنِهَا حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِالْكُرِّ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِالنُّقُودِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ وَإِنْ عُيِّنَتْ ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ حَتَّى مَلَكَ عَيْنَهَا لَصَارَ قَبْضُهَا مُسْتَحَقًّا ، وَفِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّلَعِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ يَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا بَعْدَ التَّعْيِينِ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَقَاءِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي السِّلَعِ فَإِنْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْفَصْلَ يُسْتَدَلُّ بِحَدِيثِ { ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَرُبَّمَا نَبِيعُهَا بِالدَّرَاهِمِ وَنَأْخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا ، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ } وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ ، وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا أَنَّ تَعْيِينَ النَّقْدِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ لَغْوًا كَتَعْيِينِ الصَّنَجَاتِ وَالْمِكْيَالِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا