كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
أَبَدًا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعُودُ الدَّيْنُ بِرُجُوعِهِ فِي الْهِبَةِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الدَّيْنِ الْمَعْرُوفِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَهُنَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الزِّيَادَاتِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ بِالْهِبَةِ سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ لَا إلَى بَدَلٍ فَكَانَ كَالسَّاقِطِ عَنْهُ بِالْإِبْرَاءِ وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ الدَّيْنِ إذَا تَمَّ السُّقُوطُ بِالْقَبُولِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا وَالْعَوْدُ يُتَصَوَّرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْمُتَلَاشِي بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ شَيْئًا أَوْ صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَاكَ لَمْ يَسْقُطْ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الْمُطَالَبَةُ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ ، وَكَذَلِكَ الْحَوَالَةُ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِهَا وَلَكِنْ يَتَحَوَّلُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالتَّوَى إلَى الْمُحِيلِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَعُودُ الْعَيْنُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ كَانَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ فَإِذَا انْفَسَخَ عَادَ الدَّيْنُ كَمَا إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الصُّلْحِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَالسَّبَبُ هُنَاكَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ فَوَهَبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَقَبَضَهُ هُوَ أَوْ وَصِيُّهُ سَقَطَ الدَّيْنُ ، ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالصَّبِيِّ وَإِسْقَاطُ دَيْنُهُ مَجَّانًا ، وَذَلِكَ مَمْلُوكٌ لِلصَّبِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَوْدِ الدَّيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى زِيَادَةٍ
حَادِثَةٍ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَذِهِ زِيَادَةٌ لَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الْعَيْنِ فَتَكُونُ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ فَلَا يَمْنَعُ الْوَاهِبَ مِنْ الرُّجُوعِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا وَالْمُشْتَرِي بِالتَّعَيُّبِ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَكِنَّ هَذَا التَّعْيِيبَ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يُجْعَلْ بِهِ قَابِضًا فَهَذَا مِثْلُهُ وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ هَذِهِ الْفُصُولَ بِفُرُوعِهَا .
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ لِشَرِيكَيْنِ وَبَعْضُهُ حَالٌّ وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ فَوَهَبَهُ الْمَوْلَى لِأَحَدِهِمَا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَنْقُضَ الْهِبَةَ لِمَكَانِ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ نَقَضَهَا بِيعَ الْعَبْدُ فَاسْتَوْفَى الْهِبَةَ حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ حِينَ قَبَضَ الْعَبْدَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مُسْتَحِقًّا لِحَقِّ الْآخَرِ كَالْمَرِيضِ إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ وَسَلَّمَهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِذَا مَلَكَهُ سَقَطَ دَيْنُهُ وَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إذْن فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا نَقَضَ الْآخَرُ الْهِبَةَ عَادَ الدَّيْنُ كُلُّهُ إلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ .
وَلَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَأَبْطَلَ الْآخِرُ الْبَيْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ بِيعَ لَهُمَا فَاقْتَسَمَا ثَمَنَهُ وَلَمْ يَبْطُلْ مِنْ دَيْنِ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ تَحَوَّلَ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ لَا يَسْقُطُ بِهِ دَيْنُهُ وَلَكِنْ يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ فَلِهَذَا يُبَاعُ الْعَبْدُ هَهُنَا فِي دَيْنِهِمَا بَعْدَ نَقْضِ الْبَيْعِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَالثَّمَنُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَحُلَّ الدَّيْنُ فَيَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْغَرِيمِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحُلُّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالْبَيْعِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ لِلْغَرِيمِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبَيْعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي بَاشَرَهُ حَتَّى يُحَوِّلَ بِهِ الدَّيْنَ إلَى الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَانِيًا فِي حَقِّهِ ضَامِنًا لَهُ شَيْئًا فَإِنْ تَوِيَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْمَوْلَى سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي حَقِّ الْغَرِيمِ فَهَلَاكُ الثَّمَنِ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبَيْعِ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِآخَرَ مِثْلُ دَيْنِ الْمُشْتَرِي فَحَلَّ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَشْتَرِ الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ جَانٍ بِتَفْوِيتِ مَحَلِّ حَقِّهِ بِالْبَيْعِ فَيَضْمَنُ لَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُشَارِكُهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَانَ شَرِيكًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حِينَ سَاعَدَهُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ فِي قِيمَتِهِ ، وَلَوْ شَارَكَ الْآخَرَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْتِي الشَّرِيكُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْمُشَارَكَةِ لَهُ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ فَكَفَلَ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ الْغَرِيمَ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ فَالْعَبْدُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَكَفَالَةِ الْحُرِّ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا بَدَا لَهُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ دَيْنِ الْكَفَالَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ ثَابِتًا قَبْلَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَالَ كَانَ لِلَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَثْبُتُ الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِبَيْعِهِ إيَّاهُ مِنْ الطَّالِبِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ هَلَكَ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يَضْمَنْ الْمَوْلَى شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ فِي حَقِّ الْمَكْفُولِ لَهُ حِينَ اشْتَرَى مِنْهُ الْعَبْدَ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ يَكُونُ رِضًا بِبَيْعِهِ مُحَالَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِدَيْنِهِ وَالْهَالِكُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمَوْلَى ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا رَدَّهُ إنْ شَاءَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ عَامِلًا لَهُ فِي بَيْعِهِ وَقَبْضِ ثَمَنِهِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ حَقَّهُ تَحَوَّلَ إلَى الثَّمَنِ وَكَانَ هُوَ أَحَقَّ لَهُ عِنْدَ وُجُوبِ دَيْنِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهَذَا لَا يَكُونُ مُفْسِدًا وَلَكِنْ يُبَاعُ لَهُ الْعَبْدُ الْمَرْدُودُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ ثَمَنِهِ الثَّمَنَ الَّذِي نَقَدَ الْبَائِعَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَ هَذَا الْفَضْلَ مِنْ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ نَقَصَ الْآخَرُ عَنْ
الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ مِنْ النُّقْصَانِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) تَوْكِيلُ الْمَأْذُونِ بِالْخُصُومَةِ لَهُ وَعَنْهُ جَائِزٌ مِثْلُ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَمِمَّا لَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا وَانْفِكَاكُ الْحَجْرِ فِيهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْعِتْقِ فَكُلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ صَحِيحٌ بَعْدَ الْإِذْنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَوْلَاهُ أَوْ بَعْضَ غُرَمَائِهِ أَوْ ابْنَهُ أَوْ ابْنَ الْمُدَّعِي أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي تِجَارَاتِهِ وَاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ فَيَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا وَإِقْرَارُ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَائِزٌ وَإِنْ أَنْكَرَ مَوْلَاهُ أَوْ غُرَمَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيمَا هُوَ مِنْ جَوَابِ الْخَصْمِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْعَبْدِ هَهُنَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ وَغُرَمَاؤُهُ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ وَكِيلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَقَدَّمَهُ خَصْمُهُ إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى إقْرَارَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ هَذَا إقْرَارٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي مَعَ حِكَايَتِهِ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ فَإِقْرَارُهُ الْمُسْتَأْنَفُ مُلْزِمٌ لِمُوَكِّلِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْحِكَايَةِ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ .
وَإِنْ قَالَ : أَقْرَرْتُ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُوكِلَنِي وَقَالَ الْخَصْمُ أَقَرَّ بِهِ فِي الْوَكَالَةِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ إقْرَارُهُ السَّابِقُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِاعْتِبَارِ إقْرَارِهِ الْمُسْتَأْنَفِ فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَدَّعِي هُوَ تَارِيخًا سَابِقًا فِي
إقْرَارِهِ حِينَ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَخَصْمُهُ يُنْكِرُ هَذَا التَّارِيخَ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُنْكِرُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ التَّوْكِيلِ لَا يَصْلُحُ نَائِبًا فِي الْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَبُولُهُ الْوَكَالَةَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهَا فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً كَانَ مُنَاقِضًا وَإِنْ صَدَّقَهُ خَصْمُهُ فِي أَنَّهُ أَقَرَّ قَبْلَ الْوَكَالَةِ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُنَاقِضَ إذَا صَدَّقَهُ خَصْمُهُ كَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا مِنْهُ ، وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا ، وَإِنْشَاءُ الْإِقْرَارِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي مِمَّنْ هُوَ وَكِيلٌ يَكُونُ مُلْزِمًا لِلْمُوَكِّلِ وَإِذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى الْمُوَكِّلِ بِإِقْرَارِهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ إنْشَاءَ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ جَحَدَ الْوَكِيلُ الْإِقْرَارَ لَمْ يَسْتَحْلِفْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شَيْئًا عَلَى الْوَكِيلِ إنَّمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَكَيْفَ يَسْتَحْلِفُهُ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُ فَإِنْ أَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوَكَالَةِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ إقْرَارُ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ وَهُوَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِحْضَارِ الْوَكِيلِ لِلْخُصُومَةِ مَعَهُ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَإِنَّمَا لَا يَسْتَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحْلَفَ كَانَ فِي مَعْنَى النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَالنِّيَابَةُ لَا تُجْزِئُ فِي الِاسْتِحْلَافِ وَتُجْزِئُ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَلَى الْعَبْدِ وَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ بِخُصُومَتِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَانَتْ بَاطِلَةً ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِيهِ بَرَاءَةٌ لِعَبْدِهِ وَقَوْلُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ الْقَبْضَ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الطَّالِبَ إذَا وَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ بِهِ غَرِيمًا مِنْ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْغَرِيمِ فِيهِ أَظْهَرُ ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ ابْنَ الْغَرِيمِ أَوْ مُكَاتِبَهُ أَوْ عَبْدَهُ كَانَ جَائِزًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ مُوَكِّلُهُ بِالْقَبْضِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِلْوَكِيلِ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلَى وَالْغَرِيمِ بِنَفْسِهِ .
وَإِذَا قَبَضَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِ الْمَأْذُونِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ فِيهِ دَعْوَى فَوَكَّلَ الْعَبْدُ بِخُصُومَتِهِ وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِ الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ خَصْمًا فِيهِ وَتَوْكِيلُهُ فِيمَا لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ بَعْدَمَا وَكَّلَ الْعَبْدُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ الْوَكِيلُ بِمَا ادَّعَى الْمُدَّعِي ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِيهِ قَبْلَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ ، وَإِقْرَارُ الْمُوَكَّلِ بِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَانَتْ الْوَكَالَةُ صَحِيحَةً وَالْإِقْرَارُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ لِمَكَانِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَخْرُجُ الْمَأْخُوذُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبَ الْعَبْدِ وَكَمَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ وَكِيلِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى حَجَرَ عَلَيْهِ وَقَبَضَ مَا فِي يَدِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ فَتَوْكِيلُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ بِمَا فَعَلَهُ الْمَوْلَى وَتَوْكِيلُ الْمَوْلَى بِالْخُصُومَةِ فِيهِ صَحِيحٌ وَإِقْرَارُ وَكِيلِهِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ .
وَلَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَوَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ بَعْدَمَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى جَازَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ فِي بَقَاءِ تِجَارَاتِهِ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ كَانَ إقْرَارُهُ بِهِ أَيْضًا كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ قِبَلَ الْخَصْمِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ أَيْضًا كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ بِهِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ دُونَ - رَقَبَتِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ .
وَإِذَا وَجَبَ لِلْمَأْذُونِ وَلِشَرِيكٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَجَحَدَهَا فَوَكَّلَ الْعَبْدُ وَشَرِيكُهُ بِخُصُومَتِهِ مَوْلَى الْعَبْدِ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمَوْلَى عِنْدَ الْقَاضِي بِاسْتِيفَائِهِ مَا الْمَالَ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ جَحَدَاهُ فَإِنْ ادَّعَى الشَّرِيكُ عَلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ حِصَّتِهِ فَيُبَاعُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ثَبَتَ وُصُولُ نَصِيبِ الْعَبْدِ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ فَكَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى نَصِيبُ الشَّرِيكِ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَائِبًا عَنْ الشَّرِيكِ فِي الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ لَا مَعَ الْعَبْدِ وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْخُصُومَةِ ، وَلِأَنَّ فِي ثُبُوتِ وُصُولِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَلِّمُ الْمَقْبُوضَ أَوْ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ قَبَضَ شَيْئًا وَإِقْرَارُ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ بِذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ حِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِوُصُولِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَهُوَ كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ لَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِقْرَارُهُ عَلَى الْعَبْدِ الْآنَ كَإِقْرَارِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ .
وَإِذَا اسْتَوْفَى الْعَبْدُ دَيْنَهُ وَفَضَلَ شَيْءٌ رَجَعَ الْأَجْنَبِيُّ بِحِصَّتِهِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
الْفَاضِلَ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَقَدْ أَقَرَّ بِوُصُولِ نَصِيبِ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ بِنِصْفِهِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ صَدَّقَ الْمَوْلَى فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِمَا وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ بِتَصْدِيقِ الشَّرِيكِ ثَبَتَ وُصُولُ نَصِيبِهِ إلَيْهِ وَبِإِقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ ثَبَتَ وُصُولُ نَصِيبِ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ وُصُولَ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيَكُونُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ ثُمَّ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ ثَبَتَ وُصُولُ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ فَكَذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي وَكَّلَ الْعَبْدَ بِالْخُصُومَةِ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَكِّلْ الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلشَّرِيكِ قِبَلَ الْغَرِيمِ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْ الْغَرِيمِ نَصِيبَهُ وَجَحَدَ ذَلِكَ الشَّرِيكُ بَرِئَ الْغَرِيمُ مِنْ حِصَّةِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ وَكِيلِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَإِقْرَارِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَرَاءَةِ خَصْمِهِ وَيَتْبَعُ الْعَبْدُ الْغَرِيمَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ بِشَيْءٍ فَإِذَا أَخَذَهُ شَارَكَهُ الْغَرِيمُ فِيهِ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِ الْعَبْدِ شَيْئَيْنِ إبْطَالَ حَقِّ الشَّرِيكِ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَسَلَامَةَ مَا يَقْبِضُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الشَّرِيكِ عَلَى الْغَرِيمِ لَا بِتَوْكِيلِهِ بِخُصُومَتِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي سَلَامَةِ الْمَقْبُوضِ لَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى مِنْهُ فَكَانَ
الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ دَيْنٍ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ نَظِيرُ الْمُودَعِ فِي مَالٍ مُشْتَرَكٍ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي سَلَامَةِ الْبَاقِي لِلْآخَرِ بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ كَانَ لِلْعَبْدِ وَلِشَرِيكِهِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ هُوَ مُقِرٌّ بِهَا فَغَابَ الْغَرِيمُ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ حَقَّهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ فَجَحَدَ الشَّرِيكُ وَوَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ بِخُصُومَةِ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ وَكَّلَ الشَّرِيكُ بَعْضَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ مِنْ الْغَرِيمِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ مَالًا فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى الشَّرِيكِ سَلَّمَ لِلْعَبْدِ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْغَرِيمِ مِنْ نَصِيبِهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِمَوْلَاهُ وَلِغُرَمَائِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِيهِ بِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الطَّعْنِ ، لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ ادَّعَى عَلَى الْعَبْدِ الِاسْتِيفَاءَ فَوَكَّلَ الْعَبْدُ بِالْخُصُومَةِ لِمَوْلَاهُ أَوْ بَعْضِ غُرَمَائِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عَلَى الْعَبْدِ بِالِاسْتِيفَاءِ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُقِرِّ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ بَلْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ وَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِيهِ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ عِنْدَ الْقَاضِي كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ فَهَذَا كَذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَرِيمُ وَادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ قَبَضَ مَا قَالَ الْوَكِيلُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الشَّرِيكِ لَا مَعَ الْغُرَمَاءِ فَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ لَا يَكُونُ نَافِذًا عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ لِضَرُورَةِ أَنَّهُ مِنْ جَوَابِ الْخَصْمِ ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ خَصْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ هُوَ الْمَوْلَى فَيُصَدِّقُ عَلَى عَبْدِهِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
جَوَازَ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ الْآنَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ الْخَصْمِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي ذَلِكَ الْغَرِيمُ وَالْخَصْمُ سَوَاءٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ التَّوْكِيلِ لَوْ أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ إقْرَارُهُ ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَصِحَّةُ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ كَمَا بَيَّنَّا ثُمَّ الْغَرِيمُ قَدْ بَرِئَ مِنْ نِصْفِ حَقِّ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ بِنِصْفِ حَقِّهِ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَمَا أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ شَيْءٍ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا عَلَى الْغَرِيمِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ أَلْفٌ فَادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَوْلَى الْعَبْدِ بِذَلِكَ فَالتَّوْكِيلُ بَاطِلٌ وَإِقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِهِ مَنْفَعَةَ الْمَوْلَى وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ عَبْدِهِ عَنْ نَصِيبِهِ وَسَلَامَةُ مَالِيَّتِهِ لِلْمَوْلَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَرِيمُ الْآخَرُ فَادَّعَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى شَرِيكِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى بِهِ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ غَرِيمًا لِلْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْإِقْرَارِ أَظْهَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ مُوَكِّلُهُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَكَّلَ صَاحِبَهُ بِخُصُومَةِ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنْ الْعَبْدِ حِصَّتَهُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ وَيَبْطُلُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ ، ثُمَّ مَا أَخَذَ الشَّرِيكُ الْوَكِيلُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ أَخَذَ صَاحِبُهُ مِنْهُ نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ لَا فِي سَلَامَةِ الْبَاقِي لَهُ إذْ هُوَ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ غَرِيمًا لِلْعَبْدِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ شَرِكَةٌ فِي الْمَالِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِيمَا فِيهِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَهُوَ دَفْعُ مُزَاحَمَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ .
وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى عَبْدٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ قَبَضَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ وَوَكَّلَ بِذَلِكَ مَوْلَى الْعَبْدِ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ غَرِيمًا لِلْعَبْدِ بِخُصُومَتِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ مُوَكِّلَهُ قَدْ قَبَضَ مَا ادَّعَاهُ شَرِيكُهُ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ وَلَا إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ هُوَ الْوَكِيلُ فَهُوَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُبْرِئُ نَفْسَهُ وَالْمَوْلَى يُبْرِئُ بِهِ عَبْدَهُ وَالْغَرِيمُ يُزِيلُ بِهِ مُزَاحَمَةَ الْمُوَكَّلِ مَعَهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ بِذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ جَازَ إقْرَارُ الْمَوْلَى أَوْ الْغَرِيمِ بِذَلِكَ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا قَبَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُبْرِئُ الْعَبْدَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُوَكِّلَ فَأَقَرَّ وَكِيلُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا جَازَ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُدَّعَى وَكَانَ حَقُّهُمَا عَلَى الْعَبْدِ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْوَكِيلِ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ وَهُوَ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) شِرَاءُ الْمَأْذُونِ وَبَيْعُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَائِزٌ حَالًّا كَانَ أَوْ إلَى أَجَلٍ سَوَاءٌ كَانَ بَيْعًا بِثَمَنٍ أَوْ مُقَابَضَةَ عَرَضٍ بِعَرَضٍ أَوْ سَلَمًا ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِيمَا هُوَ تِجَارَةٌ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَاتِ ، وَالتَّاجِرُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا يَعْنِي الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالْإِسْلَامُ إلَى الْغَيْرِ وَقَبُولُ السَّلَمِ مِنْ الْغَيْرِ وَالْمُحَابَاةُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ عَادَةً وَمَا لَا يَقْدِرُ التَّاجِرُ عَلَى التَّحَرُّزِ عَنْهُ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِظْهَارِ الْمُسَامَحَةِ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ .
فَأَمَّا تَصَرُّفُهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَجَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْعًا كَانَ أَوْ شِرَاءً سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ يَأْذَنُ لَهُ أَبُوهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَتَصَرَّفُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَطَرِيقُهُمَا أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْفَاحِشَةَ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ وَأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ كَالْهِبَةِ ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ الْهِبَةَ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ ضِدٌّ ؛ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتِّجَارَةِ فَالْمَقْصُودُ بِالتِّجَارَةِ الِاسْتِرْبَاحُ دُونَ إتْلَافِ الْمَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِذْنُهُمَا لَهُ إنَّمَا يَصِحُّ لِتَوَفُّرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ لَا لِلْإِضْرَارِ بِهِ فَحَالُهُ فِيمَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ بَعْدَ الْإِذْنِ كَمَا قَبْلَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ فِي وُجُوهِ التِّجَارَاتِ كَانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تِجَارَةٌ فَإِنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَهَذَا التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ الْمَحَلِّ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَبِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْوِلَايَةُ فِي التِّجَارَةِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ الْأَحْسَنِ
وَالْأَصْلَحِ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّصَرُّفُ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ ، ثُمَّ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ، وَالْعَقْدُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا وَرُبَّمَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُهَاجِرِينَ فَيُسَامِحُونَ فِي التَّصَرُّفِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمْ مِنْ الرِّبْحِ فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ هَذَا وَالْغَبْنُ الْيَسِيرُ سَوَاءً ، وَبِأَنْ كَانَ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ لِعَدَمِ الرِّضَى بِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْمَأْذُونِ كَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ ، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فَرَّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَفِي تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ سَوَّى بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فَكَانَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مُتَّهَمًا فِي أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا ظَهَرَ الْغَبْنُ أَرَادَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْآمِرُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى أَحَدٍ فَكَانَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي حَقِّهِ سَوَاءً .
وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَأْذُونِ جَارِيَةٌ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ لِغُلَامٍ وَسَلَّمَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْغُلَامَ حَتَّى ذَهَبَتْ عَيْنُ الْجَارِيَةِ أَوْ شَلَّتْ يَدُهَا ، ثُمَّ مَاتَ الْغُلَامُ فَالْمَأْذُونُ بِالْجَارِيَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَ جَارِيَتَهُ وَلَا يَتْبَعُ الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِهَا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ انْتَقَضَ بِمَوْتِ الْغُلَامِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِمِلْكِهِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي يَدِهِ فَيَثْبُتُ لِلْعَبْدِ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي نُقْصَانُهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَهَا بِحُكْمِ عَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْأَوْصَافِ وَالْفَائِتُ وَصْفٌ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ فَاتَ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ لَمْ يَتْبَعْ الْبَائِعَ بِشَيْءٍ مِنْ النُّقْصَانِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ فَكَذَلِكَ إذَا حَدَثَ النُّقْصَانُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَصْلِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَإِذَا أَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا فَقَدْ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ رَدِّهَا مَعَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ قِيمَتَهَا حِينَ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ ، وَذَلِكَ وَقْتُ الْقَبْضِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهَا عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَغْصُوبَةِ ، وَلَوْ كَانَ حَدَثَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْغُلَامِ أَخَذَ الْمَأْذُونُ جَارِيَتَهُ وَنُقْصَانَهَا ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْغُلَامِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْبَيْعُ فَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ مَقْبُوضَةً بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ
الْفَاسِدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَالْأَوْصَافِ تَفَرَّدَ بِالْقَبْضِ وَالتَّنَاوُلِ فَتَفَرَّدَ بِضَمَانِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَضَمَانُ الْمَقْبُوضِ بِمَا يُقَابِلُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ دُونَ الْقَبْضِ وَالْأَوْصَافِ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا تُفْرَدُ بِضَمَانِهِ فَإِنْ كَانَ حَدَثَ بِهَا عَيْبَانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ هَلَاكِ الْغُلَامِ وَالْآخَرُ بَعْدَ هَلَاكِهِ ، فَإِنْ شَاءَ الْمَأْذُونُ أَخَذَهَا وَنُقْصَانَ عَيْبِهَا الْآخَرَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ دَفْعِهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ فِي نُقْصَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ كَأَنَّهُ لَا عَيْبَ سِوَاهُ .
وَلَوْ لَمْ يَحْدُثْ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهَا أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا ، ثُمَّ هَلَكَ الْغُلَامُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْذُونِ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ دَفْعِهَا ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِيهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ عُقْرٍ أَوْ أَرْشٍ أَوْ وَلَدٍ ، وَذَلِكَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَمُنِعَ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا لِمَعْنَى الرِّبَا حَقٌّ لِلشَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِرِضَا الْغَيْرِ وَيَكُونُ حَقُّهُ فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهَا مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ فَيَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ دَفْعِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْغُلَامِ أَخَذَ الْمَأْذُونُ جَارِيَتَهُ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْغُلَامِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَكَانَتْ كَالْمَقْبُوضَةِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبَةِ فِي أَنَّهَا تُرَدُّ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ وَفِي أَرْشِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ يَتَخَيَّرُ الْعَبْدُ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ ذَلِكَ الْجُزْءِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ بِهِ الْجَانِي وَقَدْ بَيَّنَّا فِي
الْبُيُوعِ هَذَا التَّفْرِيعَ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ فَهُوَ أَيْضًا فِيمَا إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدَتْ ، ثُمَّ هَلَكَ الْغُلَامُ فَلَمْ يُقْضَ لَهُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ حَتَّى هَلَكَ الْوَلَدُ فَيَقُولُ الْوَلَدُ حِينَ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ فِي الْجَارِيَةِ فَيُجْعَلُ كَمَا لَوْ انْتَقَصَتْ بِعَيْبٍ حَادِثٍ فِيهَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ قَبْلَ هَلَاكِ الْغُلَامِ فَيَتَخَيَّرُ الْمَأْذُونُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهَا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ دَفْعِهَا ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْجَارِيَةِ دَابَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ خِيَارٌ إذَا هَلَكَ الْوَلَدُ وَأَخَذَ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ نُقْصَانٌ فِي بَنِي آدَمَ دُونَ الدَّوَابِّ وَالْوَلَدُ إذَا هَلَكَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ لِلْغُلَامِ أَنْ يَأْخُذَ الْأُمَّ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهَا كَمَا قَبَضَ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ مَاتَ الْغُلَامُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَلَا يَرُدُّ الْجَارِيَةَ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْوَلَدِ وَالْعِتْقُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالنَّهْيُ يَكُونُ مُتَقَرِّرًا ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ وَمَعَ سَلَامَةِ الْوَلَدِ لَهُ لَا يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَدِّ الْجَارِيَةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَأَرَادَ الْمَأْذُونُ جَارِيَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ تَرَكَ وَلَدًا آخَرَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ بَقَاءَ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ عِنْدَ بَقَاءِ وَلَدِ الْوَلَدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ جُزْءٌ مِنْ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ وَلَدًا آخَرَ وَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي
فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ إنْ شَاءَ وَلَا يَأْخُذَ نُقْصَانًا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ إنَّ الْعِتْقَ أَنْهَى لِلْمِلْكِ قُلْنَا الْمُنْهَى يَكُونُ مُتَقَرِّرًا إلَى أَنْ انْتَهَى فَلَا يَكُونُ قَائِمًا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا يَكُونُ بَاقِيًا بَعْدَهُ ، وَالْمَانِعُ مِنْ رَدِّ الْجَارِيَةِ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ الزِّيَادَةِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ رَدِّهَا ، وَذَلِكَ يُوجَدُ عِنْدَ بَقَاءِ الْوَلَاءِ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا يُوجَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا إلَى خَلَفٍ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ عَلَى الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَحَوَّلَ إلَى قِيمَتِهَا بِالْقَضَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ قَبْضِهَا قَطَعَ يَدَهَا أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقَتَلَهَا الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ شَاءَ الْمَأْذُونُ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ دَفْعِهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا حَصَلَتْ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ تَامٍّ فَكَانَ حُدُوثُ هَذِهِ الْمَعَانِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَحُدُوثِهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَهُنَاكَ يَتَخَيَّرُ الْمَأْذُونُ ، وَإِنْ أَرَادَ أَخْذَهَا لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا فَهَذَا كَذَلِكَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ وَطْءَ الثَّيِّبِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ حَتَّى لَا يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ بَعْدَهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَهَهُنَا كَذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَتْ بَهِيمَةً فَوَلَدَتْ فَقَتَلَ الْمُشْتَرِي وَلَدَهَا وَلَمْ تُنْقِصْهَا الْوِلَادَةُ شَيْئًا فَالْمَأْذُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهَا
يَوْمَ دَفْعِهَا إلَيْهِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ الْمُشْتَرِي اسْتَفَادَ هَهُنَا بِمِلْكِ الْوَلَدِ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمَأْذُونِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْوَلِيُّ فَهَلَكَ فَإِنَّ هُنَاكَ بِمِلْكِهِ مَا اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بَاطِلٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَقَتْلُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ثُمَّ الْوَلَدُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِتْلَافُ وَلَدِهَا كَإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمَأْذُونِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَابِسٌ لِذَلِكَ الْجُزْءِ حُكْمًا بِالْقَتْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا رَضِيَ الْمَأْذُونُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ بَقَاءُ الزِّيَادَةِ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ رَدِّهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هَهُنَا ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ هَلَاكِ الْغُلَامِ فَإِنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ وَعُقْرَهَا وَأَرْشَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا إذَا قُتِلَ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ هَلَاكِ الْغُلَامِ كَالْمَقْبُوضَةِ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ ، وَفِي إيجَابِ الْعُقْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْحُرِّ بِوَطْءِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي الْعُقْرِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ زَادَتْ فِي بَدَنِهَا قَبْلَ هَلَاكِ الْغُلَامِ أَوْ بَعْدَهُ أَخَذَهَا الْمَأْذُونُ بِزِيَادَتِهَا أَمَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْغُلَامِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَقْبُوضَةِ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ وَأَمَّا قَبْلَ هَلَاكِ الْغُلَامِ فَلِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ فِي الْمَنْعِ مِنْ
الْمُخَالِفِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَحَقُّ الْمَأْذُونِ فِي اسْتِرْدَادِهَا عِنْدَ هَلَاكِ الْغُلَامِ حَقٌّ قَوِيٌّ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّ الْمَأْذُونَ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَرَدَّهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ رَدَّهُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ فَالرَّدُّ فِي هَذَا وَالْمَوْتُ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ فِي الْغُلَامِ بِالرَّدِّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كَمَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْغُلَامِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَقَبَضَهُ وَدَفَعَ الْجَارِيَةَ فَذَهَبَ عَيْنُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ أَوْ وَطِئَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ إنَّ الْمَأْذُونَ رَدَّ الْغُلَامَ بِخِيَارِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَوَلَدَهَا وَعُقْرَهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ عَيْنُهَا ذَهَبَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ فِعْلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ، وَإِنْ ذَهَبَتْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَخَذَهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ مِنْ الْجَانِي وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَرَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ الْخِيَارَ فِيمَا اشْتَرَى اشْتِرَاطٌ فِيمَا بَاعَ وَخِيَارُهُ فِيمَا بَاعَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَالْمَقْبُوضُ يَتْبَعُ فِيهِ خِيَارَ الْبَائِعِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهَا غَيْرُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا حَالَّةً إنْ شَاءَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَتْلِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ شَاءَ الْمَأْذُونُ رَجَعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبَةِ هَهُنَا دُونَ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَمَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ لَا يَمْلِكُهَا بِالْقَبْضِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهَا مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَالْمَغْصُوبَةِ ، ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْمَأْذُونُ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي يَمْلِكُهَا بِالضَّمَانِ فَجِنَايَةُ الْقَاتِلِ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِقِيمَتِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ هَذَا رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى مِلْكِهِ فَإِنَّهَا مَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً
لَهُ عِنْدَ الْقَتْلِ ، وَسَوَاءٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَا وَصَفْنَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمَأْذُونُ نَقْضَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا مَمْلُوكَةٌ لِبَائِعِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَعْتَقَ الْغُلَامَ الَّذِي بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ الَّتِي اشْتَرَى لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ مَا دَامَ خِيَارُ الْمَأْذُونِ بَاقِيًا ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَأْذُونِ فِيمَا بَاعَ خِيَارُ الْبَائِعِ فَيُمْنَعُ دُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَخِيَارُهُ فِيمَا اشْتَرَى خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ خَارِجًا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَلَوْ قَبَضَ لِكَوْنِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا فِي جَانِبِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً لِرَجُلٍ بِغُلَامٍ فَقَبَضَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْغُلَامَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْجَارِيَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فِيهَا فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهَا فَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِيهَا بِهَلَاكِ الْغُلَامِ يَبْقَى مِلْكُ الْمُشْتَرِي لِبَقَاءِ قَبْضِهِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا وَلَا سَبِيلَ لِلْمَأْذُونِ عَلَى الْقَاتِلِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ صَادَفَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَا مِلْكَ الْمَأْذُونِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ مِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقْبِضْ الْجَارِيَةَ مِنْ الْمَأْذُونِ حَتَّى أَعْتَقَهَا فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهَا قَبْلَ مَوْتِ الْغُلَامِ جَازَ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِتْقُهَا بَاطِلٌ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِيهَا بِمَوْتِ الْغُلَامِ ، وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا لَا تَكُونُ مَمْلُوكَةً قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي ، وَلَوْ قَبَضَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْغُلَامَ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَرَدَّهُ الْمَأْذُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِحُكْمٍ أَوْ رَدَّهُ بِالْإِقَالَةِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا الْعَقْدَ انْفَسَخَ فِيهِمَا جَمِيعًا أَمَّا مِنْ الْأَصْلِ أَوْ فِي الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَعَادَتْ هِيَ إلَى مِلْكِ الْمَأْذُونِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ
فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْغُلَامُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَقْدَ فِي الْجَارِيَةِ قَدْ فَسَدَ وَلَمْ يُنْتَقَضْ بِغَيْرِ نَقْضٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ اشْتَرَاهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْهَالِكِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فِيهَا وَيَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهَا مَا لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ بَقِيَتْ هِيَ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ فِيهَا فَتُعْتَقُ بِإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَدَفَعَهَا ، ثُمَّ وَهَبَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَبَرُّعٌ كَالتَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنْ كَانَ وَهَبَ بَعْضَ الثَّمَنِ أَوْ حَطَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِعَيْبٍ طَعَنَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، ثُمَّ هُوَ بِمُقَابَلَةِ هَذَا الْإِسْقَاطِ عِوَضٌ وَهُوَ إسْقَاطُ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ وَهَذَا إسْقَاطٌ بِحِصَّةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْجُزْءِ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي عِوَضِهِ فَكَانَ هَذَا إسْقَاطًا بِعِوَضٍ ، وَلَوْ حَطُّوا عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَكَانَ إسْقَاطًا بِغَيْرِ عِوَضٍ ، ثُمَّ حَطُّ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ بَرٌّ مُبْتَدَأٌ وَحَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ عَقْدٌ بِمَا بَقِيَ فَيَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ مُفِيدًا .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ، ثُمَّ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْعَبْدِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُتَبَرِّعُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ لِلْمَوْلَى وَقَبِلَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ هِبَتِهِ لِلْعَبْدِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْلُفُ الْعَبْدَ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُورِثَ وَهِبَةُ صَاحِبِ الدَّيْنِ دَيْنَهُ لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورِثِ بِمَنْزِلَةِ هِبَتِهِ مِنْ الْمُورِثِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمُورِثِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ الْمَوْلَى هَهُنَا ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْلَى فِي هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْعَبْدُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْهِبَةِ امْتِنَاعٌ عَنْ التَّمَلُّكِ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُ وَهَذَا الِامْتِنَاعُ صَحِيحٌ مِنْ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ جَمِيعًا بِخِلَافِ هِبَةِ شَيْءٍ مِنْ أَكْسَابِهِ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْعَبْدِ أَوْ لِمَوْلَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْمَقْصُودُ بِالرَّدِّ سَلَامَةُ الثَّمَنِ لَهُ ، وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عِنْدَ الرَّدِّ شَيْئًا آخَرَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرُدُّهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ هَذَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ يَتَعَذَّرُ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ ثَمَنٍ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا بِعَيْنِهِ فَوَهَبَ الْمَأْذُونُ الْعَرَضَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ
لِلْعَقْدِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَالْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ إذَا سَاعَدَهُ صَاحِبُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَالْفَسْخُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ ، وَلَفْظُ الْهِبَةِ فِيهِ تَوَسُّعٌ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْفَسْخِ إذَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يُفْرَدُ بِالْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَهَبَ الْجَارِيَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْعَبْدُ فَقَبِلَهَا الْعَبْدُ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ ، وَإِنْ وَهَبَهَا لِلْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهَذَا نَقْضٌ صَحِيحٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِطَرِيقِ النَّقْضِ كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى وَقَبَضَهَا فَهَذَا لَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَ بَيْعِهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى الْقَبْضِ ، وَالْقَابِضُ نَائِبٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ إنَّمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ ، وَلَوْ تَقَابَضَا ثُمَّ وَهَبَ الْعَبْدُ الْعَرَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَبِلَهُ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَكُونُ فَسْخًا فَإِنَّ كَوْنَهُ فَسْخًا بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ هَذَا إبْرَاءً مُبْتَدَأً فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ ، وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ لِلْمَأْذُونِ أَوْ لِمَوْلَاهُ جَازَتْ الْهِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ الْمُبْتَدَأِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَأْذُونُ بِالْعَرَضِ عَيْبًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَالْجَارِيَةُ الَّتِي هِيَ عِوَضُ الْعَرَضِ قَدْ عَادَتْ بِعَيْنِهَا إلَى مَا كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَدْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ لِلْعَبْدِ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَوْ رَدَّ الْعَرَضَ رَدَّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَهَبَهَا لِمَوْلَاهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْعَرَضَ بِالْعَيْبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرُدَّ الْعَرَضَ بِالْعَيْبِ وَعِنْدَ الرَّدِّ يَجِبُ عَلَى بَائِعِ الْعَرَضِ رَدُّ الْجَارِيَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِعَرَضٍ بِعَيْنِهِ وَتَقَابَضَا فَحَدَثَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ أَوْ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ فِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا أَوْ وُطِئَتْ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ ، ثُمَّ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ أَوْ لِمَوْلَاهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَأْذُونُ بِالْعَرَضِ عَيْبًا رَدَّهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مُوجِبُ الرَّدَّ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ هَهُنَا قَبْلَ الرَّدِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَهَبْ الْجَارِيَةَ حَتَّى رَدَّ الْعَرَضَ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَلَا يَسْتَرِدَّ الْجَارِيَةَ إمَّا لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا أَوْ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِيهَا فَإِذَا كَانَ حَقُّهُ هَهُنَا فِي اسْتِرْدَادِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لَا يَبْطُلُ بِعَوْدِ الْجَارِيَةِ بِالْهِبَةِ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَرَضِ بِالْعَيْبِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ بِغُلَامٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ وَهَبَ الْبَائِعُ بِالْأَلْفِ وَالْغُلَامِ الْغُلَامَ لِلْمَأْذُونِ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَأْذُونُ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا بِمُقَابَلَةِ الْغُلَامِ وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ الْغُلَامُ بِعَيْنِهِ بِالْهِبَةِ ، فَلَوْ رَدَّ ذَلِكَ النِّصْفَ يَرُدُّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ تَعَذَّرَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِتَبْعِيضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِلْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْهِبَةُ لِلْمَوْلَى كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ بِالْعَيْبِ وَيَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقِيمَةَ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْعَبْدُ كَانَ لِغُرَمَائِهِ دُونَ مَوْلَاهُ إنْ أَخَذَ ذَلِكَ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ أَوْ لِلْمَوْلَى أَوْ وَرَثَةِ الْمَوْلَى مِنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بِمَا اعْتَرَضَ مِنْ السَّبَبِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَخْذَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَأَنَّ قِيمَةَ الْغُلَامِ مَعَ الْأَلْفِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَهُ يَوْمئِذٍ وَالْعَارِضُ مِنْ السَّبَبِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا انْتَهَى حُكْمُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) الْمَأْذُونُ فِي إقَالَةِ الْبَيْعِ كَالْحُرِّ لِأَنَّهُ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْمَأْذُونُ يَمْلِكُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً فَزَادَتْ فِي يَدِهِ حَتَّى صَارَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، ثُمَّ أَقَالَهُ الْبَيْعَ فِيهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَأْذُونَ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ ابْتِدَاءَ التَّصَرُّفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ الْإِقَالَةُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ ابْتِدَاءَ التَّصَرُّفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِحَقِّ الْمَوْلَى أَوْ لِلْغُرَمَاءِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ وَالْإِقَالَةُ مِنْ الْمَأْذُونِ بَعْدَ حَجْرِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بَعْدَ الْحَجْرِ .
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى أَقَالَ الْبَيْعَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ فَمَا صَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ خَالِصُ حَقِّهِ وَالْمَأْذُونُ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ كَانَ مُتَصَرِّفًا لَهُ فَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَوْمئِذٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ لَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْجَدِيدِ فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ قَائِمًا عِنْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَوْلَى هَذَا التَّصَرُّفُ كَمَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْبَيْعِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَائِمًا يَوْمَئِذٍ صَحَّ مِنْهُ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ الْإِقَالَةِ فَقَضَى الْمَوْلَى الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ مِنْ دَيْنِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْقَاضِي الْإِقَالَةَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ ثُمَّ سَقَطَ دَيْنُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْإِقَالَةَ ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ مِنْ الدَّيْنِ فَالْفَسْخُ مَاضٍ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِفَسْخِ الْإِقَالَةِ وَهُوَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَانَ قَائِمًا حِينَ قَضَى الْقَاضِي بِهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْفَسْخُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بَعْدَهُ كَمَا إذَا زَالَ الْعَيْبُ بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي بِالْفَسْخِ .
وَإِذَا بَاعَ عَرَضًا بِثَمَنٍ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ تَقَايَلَا وَالْعَرَضُ بَاقٍ وَالثَّمَنُ هَالِكٌ قَبْلَ الْإِقَالَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَالْإِقَالَةُ مَاضِيَةٌ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا وَالْعَرَضُ هَالِكًا قَبْلَ الْإِقَالَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ ، وَهَذِهِ فُصُولٌ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْبُيُوعِ فِي بَيْعِ الْعَرَضِ بِالثَّمَنِ ، وَفِي بَيْعِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ ، وَفِي السَّلَمِ ، وَفِي بَيْعِ النُّقُودِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ الْفُرُوقِ وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَا فِي بَيَانِهَا فِي الْبُيُوعِ ، فَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهَا أَوْ وَطِئَهَا أَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَلَا يَعْلَمُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْإِقَالَةِ عَلَى أَنْ تَعُودَ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ غَيْرَ مَعِيبَةٍ وَالْآنَ تَعُودُ إلَيْهِ مَعِيبَةً فَلَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِهَا ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ ، وَحَالُ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ كَحَالِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثَيِّبًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِذَلِكَ وَهَهُنَا قَالَ : لِلْعَبْدِ أَنْ يَرُدَّهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ الْإِقَالَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمُشْتَرَاةِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِيبِ ، وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي - حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا بَعْدَ الْوَطْءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا فِي حُكْمِ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِيبِ ؛ فَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْعَبْدُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَنْ
يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي زَمَانًا ، ثُمَّ يَقْبَلُ الْعَقْدَ فِيهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ ، فَالْمُشْتَرِي هُنَاكَ يَرْغَبُ فِيهَا بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ وَطِئَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ الْقَاطِعُ أَجْنَبِيًّا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ أَوْ الْأَرْشُ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَالْعَبْدُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَحِيحَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ فَسْخًا كَانَ بَاطِلًا وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ فَسْخًا ، وَذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْإِقَالَةُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ تَكُونُ فَسْخًا ، فَأَمَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ تَكُونُ بَيْعًا مُسْتَقْبَلًا وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلْفَسْخِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِذَلِكَ كَانَ بَيْعًا مُبْتَدَأً وَوُجُوهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْآنَ نَقُولُ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ فَجَوَّزَ الْإِقَالَةَ هَهُنَا بِطَرِيقِ الْبَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ حَتَّى وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْعَبْدِ ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا هَهُنَا فَسْخًا فَإِنَّهُ بِالْفَسْخِ يَرُدُّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَهَبْ الثَّمَنَ مِنْهُ كَانَ الْفَسْخُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي حُرًّا كَانَ الْفَسْخُ صَحِيحًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ وَالْإِقَالَةَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَوْ صَحَّتْ كَانَ فَسْخًا بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ رَدِّ الْجَارِيَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَيَأْخُذُ الْعَبْدُ الْأَلْفَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ ، وَلَوْ أَقَالَهُ الْبَيْعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى أَوْ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَاطِلَةً فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ عِنْدَهُ وَمَا سُمِّيَ فِيهَا مِنْ الثَّمَنِ بَاطِلٌ فَلَوْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا جَائِزٌ ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْإِقَالَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ تَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً فَكَأَنَّهُ بَاعَهَا ابْتِدَاءً بِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَكُونُ صَحِيحًا .
وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَمْ يَقْبِضْ الْجَارِيَةَ حَتَّى وَهَبَ الْبَائِعُ ثَمَنَهَا ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا بَيْعًا فَيَكُونُ فَسْخًا ، فَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَكَانَ مُخْرِجًا إيَّاهَا مِنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَالَهُ
بِثَمَنٍ آخَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الْجَوَابُ فِي الْفُصُولِ سَوَاءً ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَايَلَا الْبَيْعَ وَلَكِنَّهُ رَأَى بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَلَمْ يَرْضَ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ رَآهَا فَلَمَّا رَآهَا لَمْ يَرْضَ بِهَا فَنَقَضَ الْبَيْعَ وَقَدْ كَانَ الْبَائِعُ وَهَبَ لَهُ الثَّمَنَ فَقَبَضَهُ بَطَلَ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الرَّدِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ حِينَ اشْتَرَاهَا اشْتَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ، ثُمَّ رَدَّهَا بِالْخِيَارِ فَرَدُّهُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ بِهَذَا الرَّدِّ لَا يُخْرِجُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَكِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ تَمَلُّكِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْعَبْدِ كَالِامْتِنَاعِ مِنْ قَبُولِ الْهِبَةِ وَعِنْدَهُمَا السِّلْعَةُ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهَذَا الرَّدُّ إخْرَاجٌ لَهَا مِنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْمُكَاتَبُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا كَالْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِكَسْبِهِ كَالْمَأْذُونِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَتَبَرَّعُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَمِنْ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ حَتَّى قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهَا أَوْ وَطِئَهَا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ كَانَ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ لِلتَّغْيِيرِ الْحَاصِلِ فِيهَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ ، وَلَوْ اخْتَارَ أَخْذَهَا أَتْبَعَ الْوَاطِئَ أَوْ الْجَانِيَ بِالْعُقْرِ أَوْ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ فَفِعْلُ الْوَاطِئِ أَوْ الْجَانِي حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ لَهُ ، أَوْ إنْ نَقَضَ الْإِقَالَةَ فَالْعُقْرُ وَالْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ وَصَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ هَهُنَا كَالْجَانِي بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَبِيعَةُ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَنَقَصَهَا الْوَطْءُ ، أَوْ جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَتْبَعَ الْجَانِيَ أَوْ الْوَاطِئَ بِالْعُقْرِ وَالْأَرْشِ ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَالْعُقْرُ وَالْأَرْشُ لِلْبَائِعِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَلْفِ عَرَضٌ بِعَيْنِهِ كَانَ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَتْبَعَ الْجَانِيَ أَوْ الْوَاطِئَ بِالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي يَوْمَ قَبَضَهَا وَسَلَّمَ لَهُ الْجَارِيَةَ وَأَرْشَهَا وَعُقْرَهَا لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ هَهُنَا لَا تَبْطُلُ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ هَلَكَتْ فَإِنَّ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ هَلَاكَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَمَا لَا يُمْنَعُ بَقَاءُ الْإِقَالَةِ لَا يُمْنَعُ ابْتِدَاءُ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ وَإِذَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ عَيْنِ الْجَارِيَةِ لِلتَّغْيِيرِ الْحَاصِلِ فِيهَا فِي ضَمَانِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَبِلَهَا الْجَانِي كَانَ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ عَاقِلَةَ الْجَانِي
بِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْمُشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا حَالَّةً ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَمْ تَبْطُلْ وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهَا فَيَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا ، وَهَذِهِ الْقِيمَةُ ضَمَانُ الْعَقْدِ فَتَكُونُ حَالَّةً فِي مَالِهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي بِقِيمَتِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى أَصْلِ مِلْكِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَلَاكَ الْجَارِيَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِقَالَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا ، وَلَوْ كَانَ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ يُخَيَّرُ الْعَبْدُ فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهَا كَمَا قَبَضَهَا ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ وَرَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ يَجِبُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا فَتَكُونُ كَالْمَغْصُوبَةِ فَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي نُقْصَانَ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتْبَعَ الْبَائِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ إذَا أَرَادَ أَخْذَهَا وَلَكِنْ يُسْقِطُ حِصَّةَ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِيبَ حَصَلَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَالْأَوْصَافُ بِالتَّنَاوُلِ تَصِيرُ مَقْصُودَةً ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ أَحْدَثَهُ فِيهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِقَالَةِ ، ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ عَلِمَ الْعَبْدُ بِالْعَيْبِ تَخَيَّرَ لِمَكَانِ التَّغْيِيرِ فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَهَا ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مَعِيبَةً وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُشْتَرِي حَصَلَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ لَهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فَهُوَ وَمَا
لَوْ تَعَيَّبَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَفِعْلُ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ لَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِقَالَةِ عَادَتْ إلَى الْعَبْدِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَا ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ أَحْدَثَهُ فِيهَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ وَلَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ عَلَى الْجَارِيَةِ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا ؛ لِأَنَّهُ بِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فِيهَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ وَمَوْتُهَا قَبْلَ الْإِقَالَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَيَكُونُ حَقُّ الْعَبْدِ فِي قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ فِي قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ .
وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ إبْرِيقَ فِضَّةٍ فِيهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ تَقَايَلَا وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْإِقَالَةُ مُنْتَقَضَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْإِقَالَةِ كَالْحُرِّ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الصَّرْفِ أَنَّ الْإِقَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ الْجَدِيدِ فِي حُكْمِ اسْتِحْقَاقِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ وَالرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنْ فُسِخَ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ التَّقَابُضِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ تَقَايَلَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ أُمِّهِ فَلَهُمَا أَنْ يَتَقَابَضَا الْجَارِيَتَيْنِ وَوَلَدَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَادَتْ بِالْإِقَالَةِ إلَى مِلْكِ مَنْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِالْعَقْدِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعَ وَلَدِهَا كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَأَرَادَا أَخْذَ الْوَلَدَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِينَ وَلَدَتْ فَالْأُخْرَى تَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَانْقَسَمَتْ نِصْفَيْنِ وَقَدْ هَلَكَتْ الْأَمَتَانِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صَاحِبِهِ الْوَلَدَ الَّذِي فِي يَدِهِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ أُمِّهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْأُمِّ الَّتِي هَلَكَتْ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُمِّ وَعَلَى الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ أَثْلَاثًا فَبَعْدَ هَلَاكِ الْأَمَتَيْنِ إنَّمَا تَبْقَى الْإِقَالَةُ فِيمَا هُوَ حِصَّةُ الْوَلَدِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَحِصَّةُ وَلَدِ هَذِهِ مِنْ الْأُخْرَى الثُّلُثُ فَعَرَفْنَا أَنَّ بَقَاءَ الْإِقَالَةِ فِي ثُلُثِ الْأُخْرَى فَيَرْجِعُ بِثُلُثِ قِيمَتِهَا ، فَأَمَّا فِي ثُلُثَيْهِمَا فَقَدْ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ بِهَلَاكِ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَالِانْقِسَامُ هُنَاكَ نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ الْقِيمَتَيْنِ فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ بِبَقَاءِ الْإِقَالَةِ فِي نِصْفِ الْأُمِّ الْأُخْرَى حِصَّةَ
هَذَا الْوَلَدِ فِيهَا ؛ فَلِهَذَا كَانَ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ الْأَمَتَانِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَارِيَةَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَمَاتَ كَذَلِكَ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْأَمَتَانِ وَأَخَذَا الْوَلَدَيْنِ فَإِنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْوَلَدُ الْحَيُّ يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ قِيمَةِ الْأُمِّ الَّتِي هَلَكَتْ فِي يَدِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْإِقَالَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَلَدِ الْحَيِّ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِيمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى وَحِصَّةُ ثُلُثِ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى ؛ فَلِهَذَا رَجَعَ بِثُلُثِ قِيمَتِهَا ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ كُلُّهَا بِهَلَاكِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الرَّدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا وَجَبَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَأَخَّرَهُ الْعَبْدُ عَنْهُ سَنَةً فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَا يُسْقِطُ الدَّيْنَ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُطَالَبَةَ زَمَانًا مِنْ غَيْرِ تَأْجِيلٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُتَبَرِّعًا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ إذَا أَجَّلَهُ سَنَةً ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ أَخَّرَ ثَمَنَ بَعْضِهِ وَحَطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ كَانَ الْحَطُّ بَاطِلًا وَالتَّأْخِيرُ جَائِزًا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْوَاجِبُ لَهُ قَرْضًا اقْتَرَضَهُ فَتَأْجِيلُهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي الْحُرِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ .
وَلَوْ وَجَبَ لِلْمَأْذُونِ وَلِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ فَأَخَّرَ الْعَبْدُ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَالتَّأْخِيرُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْحُرَّيْنِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ مَعَ الْحُرِّ وَبَيَّنَّا أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي لَمْ يُؤَخِّرْ الدَّيْنَ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ فَيَكُونُ لَهُ خَاصَّةً فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ مَا أَخَذَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ دَيْنًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَبِالتَّأْجِيلِ لَمْ تَبْطُلْ الشَّرِكَةُ فَإِنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنَّ الْأَجَلَ كَانَ مَانِعًا مِنْ مُشَارَكَةِ الْقَابِضِ فَإِذَا ارْتَفَعَ هَذَا الْمَانِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ ، ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْغَرِيمَ بِالْبَاقِي وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ وَاخْتَارَ اتِّبَاعَ الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ فِي الدَّيْنِ ، وَلَوْ اقْتَضَى الْعَبْدُ شَيْئًا قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ سَقَطَ فِيمَا اقْتَضَاهُ الْعَبْدُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ وَلَا مَانِعَ لِلشَّرِيكِ مِنْ مُشَارَكَتِهِ فِي الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ حَالٌّ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ قَبْلَ حَلِّهِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَهُوَ فِي مِقْدَارِ مَا أَوْفَى قَبْلَ حَلِّهِ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْأَجَلِ فَسَقَطَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا وَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ حَالًّا فَلِلَّذِي لَمْ يَقْبِضْ أَنْ يُشَارِكَ الْقَابِضَ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَأَجَّلَهُ الْعَبْدُ سَنَةً ، ثُمَّ قَبَضَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ ، ثُمَّ أَبْطَلَ الْغَرِيمُ الْأَجَلَ الَّذِي أَجَّلَهُ
الْعَبْدَ بِرِضًى مِنْهُ قَبْلَ مُضِيِّهِ فَقَدْ بَطَلَ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَرِيمِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَبَضَ شَرِيكُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّأْجِيلِ - حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا سُقُوطُ حَقِّهِ عَنْ مُشَارَكَةِ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ وَالْآخَرُ سُقُوطُ حَقِّهِ عَنْ مُطَالَبَةِ الْمَدْيُونِ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ فَإِسْقَاطُ الْغَرِيمِ الْأَجَلَ عَامِلٌ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ بِعَامِلٍ فِي حَقِّ الْقَابِضِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ كَالْقَائِمِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ فَأَسْقَطَ الْأَصِيلُ الْأَجَلَ بَقِيَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ شَارَكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لَمْ يَنْقَضِ الْأَجَلُ وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ مَاتَ فَحَلَّ عَلَيْهِ شَارَكَ الْعَبْدُ شَرِيكَهُ فِيمَا قَبَضَ ؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْأَجَلِ بِالْمَوْتِ ثَابِتٌ حُكْمًا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَحَقِّ مُشَارَكَةِ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ كَانَ عَنْ قَصْدٍ مِنْ الْغَرِيمِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكَفِيلِ فَإِنَّ الْأَصِيلَ إذَا مَاتَ بَقِيَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْأَجَلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ مَقْصُودٌ وَالْغَرِيمُ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الْأَجَلِ وَالْكَفِيلُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ ، فَأَمَّا هَاهُنَا فَالْأَجَلُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ خَاصَّةً ، فَأَمَّا مُشَارَكَةُ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ فَلَا أَجَلَ فِيهِ مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ - عَيْنٌ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قِيَامِ الْمَانِعِ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَّلَهُ وَلَمْ يَبْقَ الْمَانِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْغَرِيمِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَأَمَّا بَعْدَ إسْقَاطِ الْأَجَلِ مِنْ الْغَرِيمِ قَصْدًا فَالْمَانِعُ كَالْقَائِمِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ حُكْمًا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقَعُ الْفَرْقُ .
وَلَوْ لَمْ يَمُتْ
وَلَكِنَّهُمَا تَنَاقَضَا الْأَجَلَ ، ثُمَّ قَبَضَ الشَّرِيكُ حَقَّهُ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُشَارِكَهُ ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ تَنَاقَضَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْأَجَلِ حَقٌّ سِوَى الْغَرِيمِ فَصَحَّتْ مُنَاقَضَتُهُ مُطْلَقًا فَصَارَ الدَّيْنُ حَالًّا فَإِذَا قَبَضَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ حِينَ تَنَاقَضَا كَانَ حَقُّ الشَّرِيكِ ثَابِتًا فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ مِنْ حَيْثُ تَأَخُّرُ رُجُوعِ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ فِي الْمَقْبُوضِ فَلَا يَعْمَلُ انْقِضَاضُهُ فِي حَقِّهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ هُنَاكَ حِينَ قَبَضَ مَعَ قِيَامِ الْأَجَلِ لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّرِيكِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ إلَّا بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ فَلَوْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَصَرُّفِ الْغَرِيمِ وَتَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَهَا هُنَا حِينَ قَبَضَ بَعْدَ مُنَاقَضَةِ الْأَجَلِ حَقُّ الشَّرِيكِ ثَابِتٌ فِي الْمُشَارَكَةِ وَمُنَاقَضَةُ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ تَصَرُّفًا مِنْهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَكَانَ صَحِيحًا ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا فَقَبَضَ الشَّرِيكُ حَقَّهُ ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ أَخَّرَ الْغَرِيمُ حَقَّهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِقَبْضِهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَتَأْخِيرُهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى مَا قَبَضَ شَرِيكُهُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ نَصِيبِهِ مُؤَجَّلًا مَانِعٌ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى شَرِيكِهِ فِي الْمَقْبُوضِ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَانِعُ قَائِمًا عِنْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ هَذَا الْمَانِعُ بِالتَّأْجِيلِ بَعْدَ قَبْضِهِ وَلِأَنَّ نَصِيبَهُ فِي حِصَّةِ الْغَرِيمِ عَلَى حَالِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَ وَاخْتَارَ اتِّبَاعَ الْغَرِيمِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِذَا صَحَّ تَأْجِيلُهُ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ صَاحِبَهُ فِي الْمَقْبُوضِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَإِذَا حَلَّ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ إنْ شَاءَ فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ حَيْثُ التَّأْجِيلُ مُسْقِطًا
حَقَّهُ فِي مُشَارَكَةِ الْقَابِضِ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ تَأْجِيلِهِ فِي نَصِيبِهِ وَبَيْنِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ وَبِتَأْجِيلِهِ لَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ مَا لَهُمَا إلَى سَنَةٍ فَقَبَضَ الشَّرِيكُ عَاجِلًا ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ أَخَّرَ حَقَّهُ لِلْغَرِيمِ سَنَةً أُخْرَى ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِقَبْضِهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَتَأْخِيرُهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى مَا قَبَضَ شَرِيكُهُ حَتَّى يَمْضِيَ السَّنَتَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَجَلِ بَعْدَ قَبْضِ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ التَّأْجِيلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْمُشَارَكَةِ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَجَلِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا فَأَخَذَ الشَّرِيكُ حَقَّهُ فَسَلَّمَهُ لَهُ الْعَبْدُ كَانَ تَسْلِيمُهُ جَائِزًا عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي الْمُشَارَكَةِ بِعِوَضٍ ، وَهُوَ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْغَرِيمِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْ الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَتْوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا تَوِيَ مَا عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ فَيُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمَ عَادَ حَقُّهُ كَمَا كَانَ كَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا .
وَلَوْ كَانَ الْمَالُ إلَى سَنَةٍ فَاشْتَرَى الْعَبْدُ مِنْ الْغَرِيمِ جَارِيَةً بِحِصَّتِهِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ بِنِصْفِ حَقِّهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا نَصِيبَهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ
فِيهِ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ وَجَدَ الْعَبْدُ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءِ قَاضٍ عَادَ الْمَالُ إلَى أَجَلِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَسُقُوطُ الْأَجَلِ كَانَ مِنْ حُكْمِ الْبَيْعِ وَوُقُوعُ الْمُقَاصَّةِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَعَادَ الْمَالُ إلَى أَجَلِهِ وَاسْتَرَدَّ الْعَبْدُ مِنْ شَرِيكِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ بِالْمُقَاصَّةِ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَصْلِ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ ، وَلَوْ كَانَ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشَّرِيكِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ الْمُبْتَدَأِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ بُطْلَانُ الْمُقَاصَّةِ وَحُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْعَبْدِ لِنَصِيبِهِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيَكُونُ لِلْعَبْدِ وَلِشَرِيكِهِ عَلَى الْغَرِيمِ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ إلَى أَجَلِهَا وَلِلْعَبْدِ عَلَى الْغَرِيمِ خَمْسُمِائَةٍ حَالَّةً فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ وَالرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا وَالْأَجَلَ فِي هَذَا الْمَالِ مِنْ حَقِّهِمَا وَلَكِنَّ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْإِقَالَةَ وَالرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا فِيمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ خَاصَّةً ، فَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ وَعَوْدُ الْأَجَلِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَالْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ فَتَكُونُ حَالَّةً .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ مِنْ الْغَرِيمِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ إلَّا
أَنَّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِ الْأَلْفِ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا جَمِيعَ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ الدَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ كَانَ حِينَ إقَالَةِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ شَرَطَ عَلَيْهِ الْبَائِعٌ أَنَّ الثَّمَنَ إلَى أَجَلِهِ كَانَ إلَى أَجَلِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ لَكِنْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ شَرْطًا ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُشْتَرِي بِالنِّسْبَةِ إذَا وَلَّاهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا يَكُونُ الثَّمَنُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَالًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ فِي التَّوْلِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ إلَى أَجَلِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُؤَجَّلًا كَمَا شَرَطَ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ بِالشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ بِمُقَابَلَةِ مِلْكٍ يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ عَنْ الْغَيْرِ وَالْمَأْذُونُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْعُهْدَةَ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَوَكَّلُ بِالشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ بِالنَّسِيئَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الثَّمَنَ بِالشِّرَاءِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْذُونِ يَجِبُ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَتَكُونُ الْعَيْنُ مَحْبُوسَةً فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ الثَّمَنُ إلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ بِمُقَابَلَتِهِ فِي - يَدِهِ عَيْنٌ مَحْبُوسَةً وَبِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ حَبْسَ الْعَيْنِ بِالثَّمَنِ هَاهُنَا كَمَا أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْحَبْسَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْكَفَالَةِ ، ثُمَّ هَذَا التَّوْكِيلُ مَنْفَعَةٌ لِلْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ وَمَنْ لَا يُعِينُ غَيْرَهُ لَا يُعَانُ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَإِذَا تَوَكَّلَ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ شِرَائِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَفَذَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَأَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ بِالْبَيْعِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا إنَّمَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ وَلَا يَلْتَزِمُ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا مِنْ الْبَدَلِ ، وَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ فِي
التَّصَرُّفَاتِ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ عَنْ الْغَيْرِ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْبَيْعِ مِنْ نَوْعِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ تِجَارَةً وَهُمْ الْبَاعَةُ يَتَوَكَّلُونَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلنَّاسِ .
وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَيْرَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ فِي تِجَارَتِهِ فَإِنَّ التِّجَارَةَ نَوْعَانِ حَاضِرَةٌ وَغَائِبَةٌ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِأَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَعِينَ فِي الْآخَرِ بِغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَفُوتُهُ مَقْصُودُ النَّوْعَيْنِ .
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةَ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ قَتَلَهَا الْآمِرُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ نَائِبِهِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَالْمَبِيعُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ لَوْ هَلَكَ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَافَاةِ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْقِيمَةُ بِحُقُوقِ فَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ حِينَ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ بَدَلًا بَطَلَ الْبَيْعُ فَإِنْ قَتَلَهَا الْمَأْذُونُ قِيلَ لِمَوْلَاهُ ادْفَعْهُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ افْدِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالْوَكَالَةِ لَا يَثْبُتُ لِلْمَأْذُونِ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ فَقَتْلُهُ إيَّاهَا جِنَايَةٌ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الدَّفْعَ أَوْ الْفِدَاءَ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ حِينَ تَحَوَّلَ الْبَيْعُ إلَى الْبَدَلِ فَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا قَامَ مَقَامَ الْجَارِيَةِ وَأَدَّى الثَّمَنَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا آخَرَ سِوَى الْوَكِيلِ ، وَلَوْ كَانَ مَوْلَى الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهَا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَالْقِيمَةَ لَلْمُوَكِّلِ وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الثَّمَنَ فَاسْتَوْفَى قِيمَتَهَا مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ .
وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ بَاعَ جَارِيَةً مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ ، ثُمَّ قَتَلَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا بَطَلَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَالْحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ فَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ بِمَا يُقَابِلُهُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهَا الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ بَائِعٌ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ بَطَلَ مِلْكُ الْمَوْلَى عَمَّا يُقَابِلُهَا فَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَهَا الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِغُرَمَائِهِ ، وَلَوْ قَتَلَهَا الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَ ضَامِنًا لَقِيمَتِهَا لِغُرَمَائِهِ فَبَعْدَ الْبَيْعِ أَوْلَى وَهَذِهِ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْلَمُ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ دَيْنِهِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تُتَحَمَّلُ عَنْهُ لَهُ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِتَغْيِيرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ لِغُرَمَاءِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ وَأَدَّى الثَّمَنَ وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ عَلَى الثَّمَنِ فَضْلٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ جَارِيَةً لَهُ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَةِ الْعَبْدِ وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا فَبَاعَهَا وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى قَتَلَهَا مَوْلَى الْعَبْدِ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى كَالْحُرِّ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمَوْلَى بِالثَّمَنِ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِتَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفَعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ وَالْعَبْدُ إنَّمَا جَنَى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَهُنَاكَ لَا يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ وَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ قَامَ الْعَبْدُ مَقَامَ الْجَارِيَةِ وَيُخَيِّرُ الْمُشْتَرِي لِلتَّغْيِيرِ وَإِذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَقَدْ صَارَ الضَّمَانُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَإِذَا صَارَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ بَطَلَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ ، وَوُجُوبُ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ كَوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَتْلِ .
وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْمَأْذُونِ وَبَيْنَ حُرٍّ جَارِيَةٌ فَأَمَرَهُ الْحُرُّ بِبَيْعِهَا فَبَاعَهَا الْعَبْدُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ أَوْ نِصْفَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي وَكَذَّبَهُ الشَّرِيكُ فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ صَحِيحٌ فِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي النِّصْفِ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ ، وَهُوَ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَبَضَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَبْضِ يَمْلِكُهُ الْمَأْذُونُ كَإِنْشَاءِ الْقَبْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، ثُمَّ يَحْلِفُ الْعَبْدُ بِدَعْوَى الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّهُ فِي الثَّمَنِ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ كَاذِبًا ، وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ حُجَّةٌ لَهُ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ ضَمَانِ ذَلِكَ النِّصْفِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَهُ وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي وُصُولِ ذَلِكَ إلَى الشَّرِيكِ حَقِيقَةً وَلَا فِي سَلَامَةِ مَا بَقِيَ لَهُ خَالِصًا فَهَذَا الَّذِي يَقْبِضُهُ جُزْءٌ مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ صَارَ كَالتَّاوِي وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ غَرِمَ نِصْفَ الثَّمَنِ لِلشَّرِيكِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَتْلَفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ فَيَسْلَمُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الشَّرِيكِ جَمِيعُ حَقِّهِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعَامِلْهُ بِشَيْءٍ وَالْعَبْدُ بِالنُّكُولِ صَارَ مُقِرًّا بِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الْقَبْضِ لِتَخَلُّفِهِ ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ
أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا يَمْلِكُ قَبْضًا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُشْتَرِي وَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ كَانَ إقْرَارُهُ مُبْرِئًا لِلْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ قَبَضَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ بَعْدَ إقْرَارِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ كَمَا لَا دَعْوَى فِي ذَلِكَ لِلْوَكِيلِ بَعْدَ إبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ وَيُحَلِّفُ الْآمِرُ الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ لِلْآمِرِ وَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْ نَصِيبِ الْآمِرِ وَأَخَذَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْآمِرُ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ مُتْلِفًا نَصِيبَهُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُشَارَكَةُ الْعَبْدِ فِيمَا يَقْبِضُ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْآمِرُ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ رُبُعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بَعْضُهُ نَصِيبُ الْآمِرِ ، وَهُوَ فِي نَصِيبِهِ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ فَإِذَا بَرِئَ مِنْ رُبُعِ الثَّمَنِ بَقِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَمَا قَبَضَ الْعَبْدُ مِنْهُمَا فَلِلْآمِرِ ثُلُثُهُ وَلِلْعَبْدِ ثُلُثَاهُ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ بَقِيَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَحَقُّ الْآمِرِ فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْآمِرُ أَنَّ الْعَبْدَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ،
وَلَوْ عَايَنَا هِبَةَ الْعَبْدِ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ بَاطِلًا فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فِيمَا بَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ وَأَنْكَرَهُ الْآمِرُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ إنَّمَا يَصِحُّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْقَبْضِ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ أَيْضًا .
وَلَوْ كَانَ شَرِيكُ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْبَيْعَ بِأَمْرِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ أَقَرَّ عَلَى الْعَبْدِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بِقَبْضِ حِصَّتِهِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ وَالْحُرَّ فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ يَسْتَوِيَانِ كَمَا فِي إنْشَاءِ الْقَبْضِ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ كَانَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ عَايَنَا الْإِبْرَاءَ وَالْهِبَةَ مِنْ الْعَبْدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ وَهَبَ الثَّمَنَ أَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ دَعْوَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ جَمِيعَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ نَكَلَ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُضَمِّنَ الْبَائِعَ نِصْفَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَبْرَأُ مِنْ حِصَّةِ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ خَاصَّةً ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْآمِرُ أَنَّ الْبَائِعَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَادَّعَاهُ الْعَبْدُ وَجَحَدَهُ الْبَائِعُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْآمِرِ مِنْ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِيهِ بِإِبْرَاءٍ صَحِيحٍ فَإِبْرَاءُ الْوَكِيلِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا دَعْوَى لَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إقْرَارِ الْآمِرِ بِمَا يُبْرِئُ الْمُشْتَرِيَ وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ فَيَسْلَمُ لَهُ بَعْدَ مَا يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْآمِرُ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ يَدَّعِي أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ نَصِيبَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَيُسْتَحْلَفُ وَإِذَا حَلَفَ صَارَ الْآمِرُ هُوَ الْمُتْلِفَ لِنَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِإِقْرَارِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَسْلَمُ لِلْبَائِعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إقْرَارُ الْآمِرِ بَاطِلٌ وَجَمِيعُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ فِي نَصِيبِ الْبَائِعِ لَا قَوْلَ لَهُ وَفِي نَصِيبِهِ إبْرَاءُ الْبَائِعِ عِنْدَهُ بَاطِلٌ ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَقَرَّ أَنَّ شَرِيكَهُ أَبْرَأَ الْعَبْدَ مِنْ حِصَّتِهِ أَوْ أَنَّهُ قَبَضَ حِصَّتَهُ وَجَحَدَهُ الشَّرِيكُ وَادَّعَاهُ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْعَبْدَ بَرِئَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ ، وَهُوَ الْقَبْضُ أَوْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْآمِرِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنْ يَرْجِعُ الْآمِرُ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ نِصْفُهُ فَيُضَمِّنُهَا إيَّاهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ مُتْلِفًا نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، فَأَمَّا عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ فَإِقْرَارُهُ عَلَى الْآمِرِ بِالْإِبْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ إبْرَائِهِ إيَّاهُ عَنْ نَصِيبِهِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْتَحْلِفُ الْآمِرَ عَلَى مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ مِنْ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا قَالَ الْبَائِعُ وَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ الثَّمَنُ كُلُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي .
وَإِذَا دَفَعَ الْمَأْذُونُ إلَى رَجُلٍ جَارِيَةً يَبِيعُهَا فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ وَدَفَعَ الْجَارِيَةَ إلَيْهِ فَقَدْ صَارَ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِالْبَيْعِ وَجَبَ لِلْمَأْذُونِ حَتَّى إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمَأْذُونِ مِثْلُ ذَلِكَ دَيْنًا فَيَصِيرُ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمَأْمُورِ دُونَ الْمَأْذُونِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكُونُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْبُيُوعِ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ وَعَلَى الْوَكِيلِ أَلْفٌ كَانَ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَوْ جُعِلَ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ كَانَ الْوَكِيلُ ضَامِنًا مِثْلَهُ لِلْمُوَكِّلِ فَكَانَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَقْرَبَ إلَى انْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِلَى إظْهَارِ فَائِدَةِ الْمُقَاصَّةِ ، ثُمَّ الثَّمَنُ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ وَالْمُطَالَبَةُ حَقُّ الْوَكِيلِ وَعِنْدَ الْمُعَارِضَةِ الْمِلْكُ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ ؛ فَلِهَذَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ جَازَ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا مِنْ الْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِي شِرَائِهِ مِنْ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ نَوْعِ التِّجَارَةِ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ كَالْحُرِّ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ صَارَ مَالِكًا الْمَبِيعَ فِي الْوَجْهَيْنِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِمُصَادِفَتِهِ مِلْكَهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِيهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَا يَنْفُذُ فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ لَتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ مِنْ الْعَبْدِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ كَالْتِزَامِ ضَمَانِ الثَّمَنِ فَإِذَا غَلَّتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَلَّةً ثُمَّ بَاعَهَا الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ فَالْغَلَّةُ تَسْلَمُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ حِينَ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا وَلَكِنْ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ فَالْغَلَّةُ مَرْدُودَةٌ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِفَسَادِ الْعَقْدِ يَفْسَخُ الْبَيْعَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا كَالْمَغْصُوبَةِ فِي أَنَّهَا تُرَدُّ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ فَتُرَدُّ الْغَلَّةُ أَيْضًا ، ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حَصَلَتْ لَا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا عَلَى ضَمَانِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي بَاعَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْغُلَامَ بَيْعًا فَاسِدًا ، ثُمَّ أَغَلَّ غَلَّةً عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي فَالْغَلَّةُ لَهُ لِتَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِي الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ حِينَ حَصَلَتْ كَانَ مِلْكُهُ فِيهَا بِسَبَبٍ فَاسِدٍ وَالْمَبِيعُ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ تُسْتَرَدُّ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ ، وَلَوْ رَدَّهُمَا مَعَ الْغَلَّةِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَمْ
يَتَصَدَّقْ الْمَأْذُونُ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ الصَّدَقَةَ وَالْغَلَّةُ صَارَتْ مِنْ أَكْسَابِهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا شَرْعًا لَكِنْ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ الْغَلَّةَ قَضَاءً مِنْ دَيْنِهِمْ وَلَمْ يَتَصَدَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا بَدَلًا عَنْ دَيْنِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَأْذُونِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَتَصَدَّقَ كَانَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَذِهِ الْغَلَّةِ فَكَذَلِكَ مَنْ يَخْلُفُهُ ، وَهُوَ الْمَوْلَى مِنْ أَهْلِ التَّصَدُّقِ فَيُحْتَسَبُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا .
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَلَّمَهَا فَبَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَأْذُونِ أَوْ مِنْ وَكِيلِ مَوْلَاهُ بَيْعًا صَحِيحًا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَأْذُونِ كَسْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُصَادِفُ مِلْكَ الْمَوْلَى فَهُوَ فِي حُكْمِ النَّائِبِ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فَالرَّدُّ لِأَجَلِ الْفَسَادِ مُسْتَحَقٌّ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْعَبْدِ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَكُونُ نَقْضًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا وَبَيْعُهُ مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى كَبَيْعِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَهُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَيَكُونُ لَهُ الثَّمَنُ عَلَى مَنْ بَاعَهَا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ عَبْدٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى بِأَجْرٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْآخَرِ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِهَا مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إلَّا بِرَدِّهَا عَلَى الْمَأْذُونِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ بَعْدَ انْتِقَاضِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ فَهُوَ بَيْعٌ جَائِزٌ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْبَائِعِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ بَيْعًا جَائِزًا فَكَذَلِكَ مِنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي هَذَا الشِّرَاءِ غَيْرُ
مُتَصَرِّفٍ لِمَوْلَاهُ بَلْ لِغُرَمَائِهِ فَبَيْعُهَا مِنْهُ كَبَيْعِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَتَقَرَّرُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ لِلْمَأْذُونِ وَلَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَإِذَا بَاعَهَا مِنْ مُضَارِبِ الْمَأْذُونِ الْبَائِعِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِي حَقًّا فِي الرِّبْحِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِهِ وَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مِنْ الْمُضَارِبِ جَازَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَهَا مِنْ مُضَارِبِ الْبَائِعِ جَازَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا مِنْ مُضَارِبِ الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ ابْنِ الْمَوْلَى أَوْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ بَاعَهَا مِنْ الْمَوْلَى لِابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْحَاصِلَ لِهَؤُلَاءِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ دُونَ تَصَرُّفِ مُضَارِبِ الْبَائِعِ وَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الشِّرَاءِ الثَّانِي هُنَاكَ فَهَهُنَا أَوْلَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا وَكَّلَ الْمَوْلَى بِشِرَائِهَا فَاشْتَرَى لَهُ أَوْ وَكَّلَ الْمَأْذُونَ بِشِرَائِهَا لَهُ فَاشْتَرَاهَا لَهُ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِلْآمِرِ وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الْآمِرِ وَلِلْعَبْدِ عَلَى الْآمِرِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ قِصَاصًا بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي مُوجِبًا حُكْمًا فِي الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ غَيْرِ الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ حُكْمًا آخَرَ سِوَى مَا كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي وَكَّلَ إنْسَانًا بِشِرَائِهَا مِنْ
الْمُشْتَرِي لَهُ فَفَعَلَ وَقَبَضَهَا فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ وَالضَّمَانِ لَا يُوجِبُ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ يَقَعُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ وَبِقَبْضِ الْوَكِيلِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَائِهَا لَهُ فَهَذَا وَشِرَاءُ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَإِذَا قَتَلَهَا الْمَأْذُونُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهَا وَزِيَادَةً .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْإِتْلَافِ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ فَوَقَعَتْ الْجَارِيَةُ فِيهَا أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ مِنْ حَفْرِهِ فَهُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْحَفْرِ صَارَ جَانِيًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي بِئْرِهِ عِنْدَ الْوُقُوعِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ حَفَرَ بِيَدِهِ وَالْبَائِعُ إذَا أَتْلَفَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ عَيَّبَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ هَهُنَا مُسْتَحَقٌّ كَالْقَبْضِ هُنَا إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ بَعْدَ التَّعْيِيبِ بَطَلَ حُكْمُ اسْتِرْدَادِهِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ بِمَنْعِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَبْطُلُ حُكْمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بِمَنْعِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَا عَيَّبَهَا الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا لِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْعَبْدِ وَكَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَكُونُ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ
آخَرَ فِيمَا فَعَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا حَدَثَ الْمَوْتُ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ حَدَثَ الْعَيْبُ مِنْ فِعْلِهِ وَالْمَوْتُ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا بِسَبَبِ الْقَبْضِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي مَالِهِ حَالًّا ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ بِجِنَايَةِ الْمَوْلَى فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمَمَالِيكِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمْوَالِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا وَإِنْ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَأْذُونُ فِي دَارِ مِنْ تِجَارَتِهِ فَمَاتَتْ أَوْ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَوْلَى فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْحَافِرَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ جَانِيًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَيْهِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي التَّسَبُّبِ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُضَافًا إلَيْهِ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي كَانَ هَذَا وَمَوْتُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي سَوَاءً يُعْطِي الْمُشْتَرِي ضَمَانَ قِيمَتِهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَحُكْمُ الْمَأْذُونِ فِي قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَحُكْمِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالشِّرَاءِ كَمَا لِلْحُرِّ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَمْ يُنْقِصْهَا ، ثُمَّ مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ الْوَطْءِ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَبْدِ فَعَلَى الْعَبْدِ جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْمُسْتَوْفَى بِالْجِنَايَةِ ، ثُمَّ الْوَطْءُ مِنْ الْحُرِّ يُجْعَلُ قَبْضًا فَكَذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُفَارِقُ الْحُرَّ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي حُكْمِ الْحَلِّ وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحَلِّ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَبْضِهَا وَالتَّخَلِّي بِهَا حَالَةَ الْوَطْءِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اسْتِيفَاءُ جُزْءٍ مِنْهَا حُكْمًا وَفِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُ لَمَّا كَانَ قَبْضًا فَإِقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ كَإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِقَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ صَحِيحٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِثَمَانِينَ دِرْهَمًا فَصَبَّ الْعَبْدُ فِيهِ مَاءً قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَأَفْسَدَهُ فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِينَ دِرْهَمًا ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ ذَلِكَ صَبَّ فِيهِ مَاءً فَأَفْسَدَهُ فَصَارَ يُسَاوِي سِتِّينَ دِرْهَمًا فَالْمَأْذُونُ بِالْخِيَارِ لِلتَّغْيِيرِ الْحَاصِلِ فِيهِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ بِمَا صَنَعَ صَارَ مُسْتَرِدًّا مُحْدِثًا لِلْعَيْبِ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعَبْدِ الرِّضَا بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَ أَخَذَ الْكُرَّ أَخَذَهُ بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ مُتْلِفًا خُمُسَ الْمَبِيعِ فَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَذَلِكَ الْخُمُسُ وَخُمُسُ ثَمَانِينَ سِتَّةَ عَشْرَ فَإِذَا سَقَطَ مِنْ الْمُشْتَرِي سِتَّةَ عَشْرَ دِرْهَمًا بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ فَإِنْ قِيلَ أَتْلَفَ الْبَائِعُ رُبُعَ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَ أَفْسَدَهُ الْبَائِعُ كَانَ ثَمَانِينَ وَقَدْ تَرَاجَعَ إلَى سِتِّينَ قُلْنَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا أَتْلَفَ الْبَائِعُ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْمَبِيعُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَالْجُزْءُ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي تَقَرَّرَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَمْ يُنْتَقَضْ ؛ فَلِهَذَا سَقَطَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ خُمُسُ الثَّمَنِ فَإِنْ تَرَكَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِمَا أَفْسَدَ ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ بِعَيْنِهِ قَدْ رَجَعَ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّمَا بَقِيَ الْفَائِتُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي مُجَرَّدَ الْجَوْدَةِ وَلَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ وَقَدْ صَارَ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِذَلِكَ حِينَ اسْتَرَدَّهُ بِالْإِفْسَادِ بَعْدَ فِعْلِ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ الْمُشْتَرِي النُّقْصَانَ عَادَ إلَيْهِ الْكُرُّ تَامًّا مَعَ زِيَادَةِ دَرَاهِمَ ، وَذَلِكَ رِبًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَفْسَدَ الْكُرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ فِيهِ ، ثُمَّ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ فَإِنَّا لَوْ
أَسْقَطْنَا عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةَ مَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا بَلْ يَسْلَمُ الْكُرُّ لِلْمُشْتَرِي بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ عَنْ خُمُسِ الثَّمَنِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي صَبَّ فِيهِ الْمَاءَ أَوَّلًا ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي صَبَّ فِيهِ الْمَاءَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِالتَّعْيِيبِ الْحَاصِلِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ حِينَ قَبَضَهُ بِالتَّعْيِيبِ بَعْدَهُ وَيُؤَدِّي أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ دِرْهَمًا ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرَضًا أَفْسَدَهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ الْبَائِعُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ وَإِنْ شَاءَ نَقَصَ الْبَيْعَ وَأَدَّى مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَهُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَيَكُونُ لِلْوَصْفِ مِنْهُ قِيمَةٌ مُنْفَرِدًا ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ بِالتَّنَاوُلِ تَصِيرُ مَقْصُودَةً وَيُقَابِلُهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ تَنَاوَلَهَا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْبُيُوعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَفْسَدَهُ بَعْدَ الْبَائِعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَالرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّعْيِيبِ الَّذِي كَانَ مِنْ الْبَائِعِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ كُرَّ تَمْرٍ جَيِّدٍ بِعَيْنِهِ بِكُرِّ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِعَيْنِهِ فَصَبَّ الْعَبْدُ فِي الْكُرِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَاءً فَأَفْسَدَهُ ، ثُمَّ صَبَّ الْبَائِعُ فِيهِ مَاءً فَأَفْسَدَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَيَّبَهُ فَصَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ بَعْدَ تَعْيِيبِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِذَلِكَ فَيَتَخَيَّرُ لِهَذَا إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَدَفَعَ الْكُرَّ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِنُقْصَانِ الْكُرِّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَدَّهُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ جِنَايَةَ الْبَائِعِ هَهُنَا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنْ الْعِوَضِ فَيَصِيرُ بِأَقَلَّ مِنْ كُرٍّ ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي صَبَّ فِيهِ الْمَاءَ بَعْدَ الْبَائِعِ لَزِمَهُ الْكُرُّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِهِ حِينَ عَيَّبَهُ بَعْدَ الْبَائِعِ وَلَا يَسْقُطُ بِتَعْيِيبِ الْبَائِعِ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ لِأَجْلِ الرِّبَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِالتَّعَيُّبِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمَا صَبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ أَرْطَالِ زَيْتٍ بِدِرْهَمٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِي قَارُورَةٍ جَاءَ بِهَا فَكَالَ الْبَائِعُ الزَّيْتَ فِي الْقَارُورَةِ فَلَمَّا كَالَ فِيهَا رَطْلَيْنِ انْكَسَرَتْ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمَانِ فَكَالَا بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ مِنْ الزَّيْتِ فِيهَا فَسَالَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا عَنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْقَارُورَةَ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالصَّبِّ كَانَتْ الْقَارُورَةُ صَحِيحَةً وِعَاءً صَالِحًا لِلزَّيْتِ فَيُقَيَّدُ أَمْرُهُ بِحَالِ بَقَائِهَا وِعَاءً ؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَقْصُودِ الْمُشْتَرِي إذْ مَقْصُودُهُ كَانَ هُوَ الْإِحْرَازُ دُونَ الْإِتْلَافِ وَقَدْ صَبَّ الرَّطْلَ الْأَوَّلَ فِي الْقَارُورَةِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَصَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِذَلِكَ الرَّطْلِ بِمِلْكِهِ ، ثُمَّ انْكَسَرَتْ الْقَارُورَةُ فَسَالَ ذَلِكَ الرَّطْلُ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ ، ثُمَّ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَتْ الْقَارُورَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً فَبَطَلَ حُكْمُ أَمْرِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْبَائِعُ بِصَبِّ مَا بَقِيَ فِيهَا مُتْلِفًا الْمَبِيعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُشْتَرِي فَسَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَمَنُ مَا بَقِيَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ .
وَإِنْ كَانَ الرَّطْلُ الْأَوَّلُ لَمْ يَسِلْ كُلُّهُ حِينَ صَبَّ الْبَائِعُ الرَّطْلَ الثَّانِيَ فِيهِ فَالْبَائِعُ ضَامِنٌ لِمَا بَقِيَ مِنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَارُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ خَلَطَ مَا بَقِيَ مِنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَارُورَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمَنْ خَلَطَ زَيْتَ غَيْرِهِ بِزَيْتِ نَفْسِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لِصَاحِبِهِ ؛ فَلِهَذَا ضَمِنَ مَا بَقِيَ سَوَاءٌ كَانَ نِصْفَ الرَّطْلِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْقَارُورَةُ مَكْسُورَةً حِينَ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَ فِيهَا وَلَا يَعْلَمَانِ بِذَلِكَ فَكَالَ الْبَائِعُ
فِيهَا عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَسَالَتْ كُلُّهَا فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لَازِمٌ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَمَرَهُ لَمْ تَكُنْ الْقَارُورَةُ وِعَاءً صَالِحًا لِإِحْرَازِ الدُّهْنِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْإِتْلَافِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يُتْلِفَهُ فَفَعَلَ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرَى كَإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي حُكْمِ الْقَبْضِ وَالْإِتْلَافِ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ سَوَاءٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي وَجَهْلِهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا جَهْلَهُ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ وَلِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالصَّبِّ فِيهِ وَمَعَ التَّصْرِيحِ لَا مُعْتَبَرَ بِجَهْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَتْلِفْ هَذَا الْمَالَ فَأَتْلَفَهُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لِلْآمِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ شَيْئًا .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالْإِحْرَازِ لِكَوْنِ الْقَارُورَةِ صَحِيحَةً عِنْدَ الْأَمْرِ بِالصَّبِّ فِيهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ بِالْإِتْلَافِ صَرِيحًا ؛ فَلِهَذَا قَيَّدْنَاهُ بِحَالِ بَقَاءِ الْقَارُورَةِ صَحِيحَةً .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً فَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ أَوْ قَتَلَهَا مَوْلَاهَا وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْعَبْدَ وَلَا الْمَوْلَى قِيمَتَهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ مَعَ ضَمَانِ الثَّمَنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِنَّهُ يُطَالِبُ الْعَبْدَ بِالثَّمَنِ فَيُبَاعُ لَهُ فِيهِ فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَنْ حَقِّهِ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى تَمَامُ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ كَسْبًا لِلْعَبْدِ وَقَدْ أَتْلَفَهَا الْمَوْلَى بِالْقَتْلِ أَوْ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَفِ ثَمَنَ الْعَبْدِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا الْفَضْلَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهَا فَقَبَضَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْوَكِيلُ قِيمَتَهَا لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حِينَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهَا كَالرَّاهِنِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِاسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ فَاسْتَرَدَّهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ ، ثُمَّ هَذِهِ الْقِيمَةُ تَكُونُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ أَوْفَى الْعَبْدُ الثَّمَنَ رَجَعَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْوَكِيلِ وَإِنْ هَلَكَتْ الْقِيمَةُ مِنْ الْوَكِيلِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ عَيْنِهَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ غُرْمٌ لَحِقَهُ فِي عَمَلٍ بَاشَرَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حُرًّا فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهَا أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا وَهَذَا فَصْلٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ وَبَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِإِنْ يُعْتِقَهَا فَأَعْتَقَهَا عَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَقَبِلَهَا الْعَبْدُ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ إقَالَةٌ وَالْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَسْخًا كَانَ أَوْ بَيْعًا مُبْتَدَأً ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ بِالْعَيْبِ فَهَذَا كُلُّهُ فَسْخٌ يَمْلِكُهُ الْمَأْذُونُ فَإِنْ رَدَّهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدْ كَانَ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا ؛ لِأَنَّ حَالَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ كَحَالِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْفَسْخِ عَلَى أَنْ تَعُودَ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي إنَّمَا قَضَى بِالْفَسْخِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِالْبَائِعِ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي تَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِهَذَا ؛ فَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ ذَلِكَ الْفَسْخُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا فَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا الْعَبْدُ حَتَّى حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّهُ .
يُمَكِّنُهُ مِنْ رَدِّهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ بِالْمُشْتَرِي وَفِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ
عِنْدَهُ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْفَسْخِ إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْبِهَا الَّذِي حَدَثَ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا يَكُونُ قَبُولُهَا مَعَ الْعَيْبِ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَخَذَهَا وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْعَبْدِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ قَدْ انْفَسَخَ بِرَدِّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ قَبِلَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَيُمْكِنُهُ مِنْ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَيْبُ الْآخَرُ جِنَايَةً مِنْ الْعَبْدِ أَوْ وَطِئَهَا ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى كَسْبِهِ لَا تُلْزِمُهُ أَرْشًا وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْمُسْتَوْفَى بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَطِئَهَا فَوَجَبَ الْعُقْرُ أَوْ الْأَرْشُ رَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَكَمَا أَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ فَسْخَ الْعَقْدِ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَكَذَلِكَ حُدُوثُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا بِالْعَيْبِ فَقَبَضَهَا الْعَبْدُ ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ
وَطِئَهَا فَلَمْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَتَّى حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْعَبْدِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشٌ وَلَا عُقْرٌ بِمَا فَعَلَهُ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ لَهُ فَهُوَ كَحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَقَدْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْعَبْدِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَعْطَى الْعَبْدَ جَمِيعَ الثَّمَنِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى الْعَبْدِ نُقْصَانَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الثَّمَنِ يَعْنِي فِي الْجِنَايَةِ فِي الْوَطْءِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا حَتَّى نَقَصَهَا الْوَطْءُ فِي مَالِيَّتِهَا فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ شَيْئًا لَمْ - يَرْجِعْ الْعَبْدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَرُدَّ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ هُوَ ثَمَرَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ اسْتِيفَاءَهُ لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ وَالثَّمَنُ إنَّمَا يُقَابِلُ الْمَالِيَّةَ فَمَا لَا يَكُونُ مَالًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِوَطْءِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا قَبْلَ الرَّدِّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا وَيَجْعَلَ ذَلِكَ كَالْخِيَارِ فَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ قُلْنَا امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْوَطْءِ لَيْسَ لِعَيْنِ الْوَطْءِ بَلْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَدَّهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي
بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا ثَمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيٌّ قَطَعَ يَدَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَطِئَهَا فَوَجَبَ الْعُقْرُ ، ثُمَّ رَدَّهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ صُنْعَ الْأَجْنَبِيِّ ، ثُمَّ حَدَثَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبٌ عِنْدَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ الْعَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَعَهَا نُقْصَانُ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَهَا بِحُكْمِ فَسْخٍ فَاسِدٍ وَالْمَقْبُوضُ بِفَسْخٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِجَمِيعِ أَوْصَافِهِ تَلِفَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَبْدُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَدْ رَدَّهُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا بِالْعَيْبِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهَا عِنْدَ الْعَبْدِ مِنْ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ النُّقْصَانَ مِنْ الْعَبْدِ وَرَجَعَ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ .
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ اعْتِبَارًا لِلْمَقْبُوضِ بِفَسْخٍ فَاسِدٍ بِالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِي الْمُشْتَرِي فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي تَضْمِينِ النُّقْصَانِ الْجَانِيَ بِالْجِنَايَةِ أَوْ
الْمُشْتَرِيَ بِالْقَبْضِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْبَائِعُ قَتَلَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَبْدِ قِيمَتَهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ بِفَسْخٍ فَاسِدٍ وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ إنَّمَا صَادَفَتْ مِلْكَهُ لَا مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِأَخْذِ قِيمَتِهَا مِنْ الْبَائِعِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِرْدَادَ الْأَصْلِ لَمْ يَتَعَذَّرْ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَرْقَ فِي الْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ فَكَذَلِكَ الْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ فَسْخٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَاعَهَا بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ فَاسِدًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَقِيمَتُهَا كَاسْتِرْدَادِ عَيْنِهَا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا بِهَذَا الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ فَهُوَ فَسْخٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَالْمَأْذُونُ مِثْلُ الْحُرِّ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَحَاجَةُ الْعَبْدِ إلَيْهِ كَحَاجَةِ الْحُرِّ .
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مَتَاعًا أَوْ اشْتَرَاهُ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَنَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فِي الثَّلَاثَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجْرِ نَقْضُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ فَالْمَوْلَى يَفْسَخُ هَذَا التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ مِنْ إمْضَائِهِ بِالْإِجَازَةِ وَالْحَجْرُ الْخَاصُّ مَعَ قِيَامِ الْإِذْنِ الْعَامِ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٍ مِنْ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ بَاطِلٌ وَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إتْمَامٌ لِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ مُتَصَرِّفٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَيُعْمَلُ إجَازَةُ الْمَوْلَى كَمَا يُعْمَلُ إجَازَةُ الْمُوَكِّلِ لِتَفَرُّقِ الْوَكِيلِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ إجَازَةُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفُهُ لِغُرَمَائِهِ وَالْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ ؛ فَلِهَذَا لَا تُعْمَلُ إجَازَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْعَبْدِ أَوْ لِلْبَائِعِ مَعَ الْعَبْدِ فَنَقَضَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الْبَيْعَ بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِأَنَّ النَّقْضَ تَصَرُّفٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ لَا فِي حُكْمِ الْعَقْدِ وَالْمَوْلَى فِي أَصْلِ السَّبَبِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَسْخُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ عَاقِدِهِ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ
فَالْإِجَازَةُ تَصَرُّفٌ فِي الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ أَوْ التَّقْرِيرِ وَالْمَوْلَى فِي الْحُكْمِ لَيْسَ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ بَلْ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِبِ عَنْهُ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَخَذَ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا .
أَوْ وَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخَذَهَا فَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهَذَا نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَالْجَارِيَةُ لِلْمَوْلَى وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ تِجَارَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهَا بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ كَسْبَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى مَالِكٌ لِكَسْبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ وَإِحْدَاثُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْهُ يُوجِبُ تَقْرِيرَ مِلْكِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ فَسْخُ ذَلِكَ الْبَيْعِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حُرًّا مَالِكًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِهِ حُكْمًا فَكَذَلِكَ الْمَوْلَى إذَا فَعَلَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ حُكْمًا وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَوْلَى حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ نَقَضْتُ الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ أَخْرَجَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ فَنَقْضُهُ الْبَيْعَ فِيهَا لَا يَكُونُ حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ ، وَلَوْ قَبَضَهَا وَلَمْ يَنْقُضْ الْبَيْعَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ جَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ فَالْأَخْذُ قَدْ يَكُونُ لِلْحِفْظِ وَالنَّظَرِ فِيهَا هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ بِالْأَخْذِ تَمَّ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ وَتَمَلَّكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا فَنَقْضُ الْمَوْلَى الْبَيْعَ وَأَخْذُهُ الْجَارِيَةَ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ
وَالْخِيَارُ فِيهَا عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِهَا لِمَكَانِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَخْرُجُ بِأَخْذِهِ إيَّاهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ فَيَكُونُ نَقْضُهُ لِلْبَيْعِ فِيهَا حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِمَوْلَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدُ فَهُوَ نَقْضٌ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِمَوْلَاهُ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ الْمَوْلَى نَائِبًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ فَكَذَلِكَ لِمَوْلَاهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ نَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَأَجَازَهُ الْعَبْدُ فَالسَّابِقُ مِنْهُمَا أَوْلَى نَقْضًا كَانَ أَوْ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ بِإِجَازَةِ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا يَتِمُّ الْبَيْعُ فَلَا يَنْفَرِدُ الْآخَرُ بِفَسْخِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِنَقْضِ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا فَالنَّقْضُ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ يُرَدُّ عَلَى الْإِجَازَةِ فَالْبَيْعُ التَّامُّ يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَالْإِجَازَةُ لَا تُرَدُّ عَلَى النَّقْضِ فَالْبَيْعُ الْمَنْقُوضُ لَا تُمْكِنُ إجَازَتُهُ وَعِنْدَ الْمُعَارَضَةِ الْوَارِدُ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْمَوْرُودِ عَلَيْهِ .
قَالَ : ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجَارِيَةِ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ عَتَقَتْ وَجَازَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ فِيهَا خِيَارُ الْمُشْتَرِي ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ تَنْفِيذَ الْعِتْقِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ عَتَقَ ، وَهُوَ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا بَاعَ وَمِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ عِتْقُهُ فِيهَا أَيْضًا وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ نُفُوذِ عِتْقِهِ فِيمَا بَاعَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ
الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهَا لَمَّا نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا وَمَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا الِاسْتِشْهَادِ بَيَانُ أَنَّ النَّقْضَ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْبُيُوعِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِمَوْلَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَنَقَضَهُ الْعَبْدُ وَأَجَازَهُ الْمَوْلَى مَعًا فَالنَّقْضُ أَوْلَى ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَقَدْ رَآهَا مَوْلَاهُ وَلَمْ يَرَهَا الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي وَالشَّرْعُ إنَّمَا أَثْبَتَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي وَالْعَبْدُ فِي أَصْلِ التَّسَبُّبِ مُبَاشِرٌ لِنَفْسِهِ كَالْحُرِّ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَنْبَنِي عَلَى السَّبَبِ ، ثُمَّ رُؤْيَةُ الْمَوْلَى لَا تَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ يَشْتَرِيهَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ رَآهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الشِّرَاءِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ بِهَا وَالْفَسْخُ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ ، وَلَوْ لَمْ يَرَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ رَأَيَاهَا فَالْخِيَارُ لِلْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَالْعَبْدُ فِي أَصْلِ السَّبَبِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ فَإِنْ رَضِيَهَا الْمَوْلَى جَازَتْ عَلَى الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا تَقْرِيرٌ بِحُكْمِ السَّبَبِ وَالْعَبْدُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحُكْمِ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرِضَا الْمَوْلَى بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ أَجْنَبِيٌّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ نَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مِنْهُ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ ، وَلَوْ رَضِيَهَا الْمَوْلَى وَرَدَّهَا الْعَبْدُ مَعًا كَانَ رَدُّ الْعَبْدِ أَوْلَى ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّقْضَ يُرَدُّ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْإِجَازَةُ لَا تُرَدُّ عَلَى
النَّقْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَالْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الرَّادَّ يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِهِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ رَضِيَهَا الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَرِضَاهُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَى ثَمَنِهَا جَازَ رِضَا الْمَوْلَى عَلَيْهِ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ نَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ .
قَالَ : ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى لِرَجُلٍ جَارِيَةً بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَضِيَهُمَا الْآمِرُ جَازَ وَإِنْ نَقَضَ الْآمِرُ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْحَرْفِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الرِّضَا تَصَرُّفٌ فِي الْحُكْمِ وَحُكْمُ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ وَالنَّقْضُ تَصَرُّفٌ فِي السَّبَبِ وَالْوَكِيلُ أَصْلٌ فِي السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْمُوَكِّلِ فِيهِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَأْذُونِ مَعَ مَوْلَاهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَتَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى قَتَلَتْ إحْدَاهُمَا صَاحِبَتَهَا فَالْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا مَوْتًا أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الدَّابَّتَيْنِ فَهُنَاكَ سَوَاءٌ قَتَلَتْ أُخْتُهُمَا صَاحِبَتَهَا أَوْ مَاتَتْ أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَرْقَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ شَرْعًا فَاَلَّتِي هَلَكَتْ فَاتَتْ وَلَمْ تُخَلِّفْ بَدَلًا فَسَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَفِعْلُ الْآدَمِيِّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْبَاقِيَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي هَلَكَتْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَدَفَعَ الْقَاتِلُ بِالْمَقْتُولِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَبْقَى الْعَبْدُ بِبَقَاءِ الْبَدَلِ ؛ فَلِهَذَا أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الثَّمَنِ فَذَلِكَ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِلْخِيَارِ فِي الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا دَفَعَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِفَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ لَا لِتَنْعَدِمَ صِفَةُ اللُّزُومِ بِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي الْآخَرِ ضَرُورَةً وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ رَضِيتَ أُسَلِّمْ لَكَ الثَّمَنَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَلَّمْت وَإِنْ شِئْتَ أَخَذْتَ الثَّمَنَ وَلَمْ أُسَلِّمْهُ لَك ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ شَرْطًا لِلْخِيَارِ فِي الْعِوَضَيْنِ .
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدَّ الْآخَرَ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي فِيهِمَا وَاَلَّذِي هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَيَبْقَى هُوَ عَلَى خِيَارِهِ فِي الْبَاقِي ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ حُكْمًا كَمَا قَبَضَهُ فَيَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِيهِ ، ثُمَّ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَيُّنِ الرَّدِّ فِي الْآخَرِ ، وَلَوْ حَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ بِهِمَا فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ يَلْزَمُهُ أَيُّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ وَيَرُدُّ الْآخَرَ فَهَذَا وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ وَالْقِيَاسُ فِيهَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ فَإِنْ قَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ فَهُوَ أَمِينٌ فِيمَا هَلَكَ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ لَزِمَهُ الْبَاقِي بِعَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ أَحَدَهُمَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ فَكَانَ أَمِينًا فِيمَا قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ هَهُنَا فِي الْهَالِكِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَلْ تَعَيَّنَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةً .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْبَائِعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْهَالِكُ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْبَيْعِ فِيهِ كَإِنْشَاءِ الْبَيْعِ وَإِنْشَاءُ الْبَيْعِ فِي الْهَالِكِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَذَلِكَ تَعَيُّنُ الْبَيْعِ فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ مُتَعَيَّنٌ فِي الْبَاقِي فَالْبَائِعُ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَبَتَ بِعَيْنِ الْأَمَانَةِ فِي الْهَالِكِ ، وَلَوْ لَمْ يَهْلَكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنْ حَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الْبَائِعِ فَالْمَعِيبُ مَحَلُّ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَالتَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْهَالِكِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ يَلْزَمُهُ أَيُّهُمَا شَاءَ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهِمَا أَخَذَهُمَا وَنِصْفَ قِيمَةِ الْمَعِيبِ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ كَانَ مُتَرَدَّدَ الْحَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِ الْبَيْعِ فِي الْآخَرِ وَبِحُدُوثِ الْعَيْبِ فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ فَيَتَنَصَّفُ ضَمَانُ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِاعْتِبَارِ التَّرَدُّدِ فِيهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ الصَّفْقَةَ فِيهِ كَانَ فَوَاتُ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى الْمُشْتَرِي
فَلَوْ لَزِمَهُ فِي الْآخَرِ كَانَ فَوَاتُ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهِمَا كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ قِيمَةِ الْمَعِيبِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَأْخُذُ مِنْ قِيمَةِ الْمَعِيبِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْجُزْءِ مُعْتَبَرٌ بِفَوَاتِ الْكُلِّ ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْئًا لِلْبَائِعِ وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ الْعَقْدَ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ فِي الْبَاقِي وَإِنْ شَاءَ نَقَضَهُ ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ خَرَجَ مِنْ الْعَقْدِ فَيَبْقَى خِيَارُ الْبَائِعِ فِي الْبَاقِي كَمَا كَانَ ، وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَحَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ اخْتَارَ إلْزَامَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمَعِيبَ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا عَيَّنَ الْعَقْدَ فِيهِ الْتَحَقَ بِمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُتَعَيِّنًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ الْعَيْبَ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْعَقْدِ عَنْ الْآخَرِ ضَرُورَةً فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ بَعْدَ مَا انْتَفَى الْعَقْدُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْحُرِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَهُوَ غَلَطٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا نَفَذَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَالْبَيْعُ تَامٌّ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ فَإِنْ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْجَارِيَةِ ، وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ بَيْعِهِ فِيهَا سُقُوطَ خِيَارِهِ ؛ وَلِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِمَنْزِلَةِ فَسْخِ الْبَيْعِ مِنْهُ ، وَفَسْخُهُ لِلْبَيْعِ فِيهَا بَعْدَ مَا بَاعَهَا بَاطِلٌ فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ ، وَالْجَارِيَةُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهَا .
وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ
بِالثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ مَاتَتْ فِي يَدِهِ أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ آخَرُ حَتَّى غَرِمَ قِيمَتَهَا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ يَكُونُ مُسْقِطًا خِيَارَهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ مَحَلِّ الْفَسْخِ ، وَهَذَا فِي الْمَوْتِ ظَاهِرٌ ، وَكَذَلِكَ فِي قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَجْلِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَالْعَقْدُ فِيهَا فَلَا يَنْتَهِي بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْعَقْدُ إلَى مِلْكِ الْقِيمَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ .
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً أَوْ أَصَابَهَا عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ نَقْصِ الثَّمَنِ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ ، وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ قَصْدًا تَخَيَّرَ الْبَائِعُ لِحُدُوثِ مَا حَدَثَ فِيهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ ، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا فَوَجَبَ الْعُقْرُ أَوْ الْأَرْشُ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْجَارِيَةِ سَبِيلٌ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ .
وَإِنَّمَا لَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ كَانَ حَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ مِنْ فِعْلِ الْجَانِي الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ ، وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِمُوجَبِ مَا أَحْدَثَهُ فِيهَا مِنْ وَطْءٍ أَوْ جِنَايَةٍ ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَإِنْ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَّبِعَ الْأَجْنَبِيَّ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونَةً بَعْدَ الْفَسْخِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذَا حَدَثَ فِيهَا بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُنَاكَ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالزِّيَادَةِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فِيهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ .
وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ حَتَّى تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا
بِالْوَطْءِ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ أَخَذَهَا الْبَائِعُ ، وَأَخَذَ عُقْرَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي تَرْكِهَا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ فِي الْمَالِيَّةِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ ، وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ ، وَقَالَ : لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ ، وَالْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ ، وَقِيلَ فِي تَخْرِيجِهِ : إنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ هُوَ الْوَاطِئُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَلَمْ يَتَخَيَّرْ الْبَائِعُ فَإِذَا كَانَ الْوَاطِئُ أَجْنَبِيًّا فَوَجَبَ الْعُقْرُ ، وَتَمَكُّنَ الْبَائِعِ مِنْ أَخْذِهَا مَعَ الْعَقْدِ أَوْلَى أَنْ لَا يُثْبِتَ لَهُ الْخِيَارَ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَبِيعَةِ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يَتَخَيَّرْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي مَعَ عُقْرِهَا وَلَمْ يَتَخَيَّرْ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ فِي هَذَا الْفَصْلِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ الْجَارِيَةِ أَوْ افْتَضَّهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا ، وَنِصْفَ ثَمَنِهَا فِي الْقَطْعِ ؛ لِتَغَيُّرِ الْجَارِيَةِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالتَّنَاوُلِ مَقْصُودَةً فَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْيَدِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنَايَةٍ جَنَى عَلَيْهَا أَخَذَ نُقْصَانَهَا مِنْ الثَّمَنِ إذَا اخْتَارَ الْبَائِعُ أَخْذَهَا ، وَإِنْ كَانَ افْتَضَّهَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى عُقْرِهَا ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ مِنْ قِيمَتِهَا فَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ عُقْرِهَا وَمِمَّا نَقَصَ الْوَطْءُ مِنْ قِيمَتِهَا فَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ شَيْئًا أَخَذَهَا الْبَائِعُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوَطْءِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا ، وَعَلَى عُقْرِهَا فَيَأْخُذُهَا الْبَائِعُ ، وَحِصَّةَ الْعُقْرِ مِنْ ثَمَنِهَا .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَائِعِ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ فَحَالُ الْمُشْتَرِي هَهُنَا بَعْدَ الْفَسْخِ كَحَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هُنَاكَ ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الرَّدِّ كَانَ هَلَاكُهَا عَلَى مِلْكِهِ كَمَا فِي الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَسْتَوِي تَخْرِيجُ الْفَصْلَيْنِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ وَلَدًا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ ، وَهُمَا حَيَّانِ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ ، وَلَوْ لَمْ تَلِدْ ،
وَلَكِنَّهَا قَدْ ازْدَادَتْ فِي يَدِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِزِيَادَتِهَا ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي الْبَيْعِ ، وَلَا يُمْنَعُ الْفَسْخُ ؛ لِأَجْلِهَا كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ هُنَا كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا مِنْ اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْفَسْخِ بِسَبَبِ التَّحَالُفِ ، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ ، وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ ، وَنَقَّصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ لِلنُّقْصَانِ الْحَادِثِ فِيهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ .
وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا ، وَتَأْثِيرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ بِهِ ، وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَمْ تَلِدْ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ، وَإِنْ انْفَسَخَ فَقَدْ تَعَيَّبَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا هَلَكَتْ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَسْخُ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَاتَتْ وَبَقِيَ وَلَدُهَا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْوَلَدَ لِلْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ وَرَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّةِ الْأُمِّ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا صَارَ مَقْصُودًا بِالِاسْتِرْدَادِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ فَكَمَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ هُنَا .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِعَرْضٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعْطِ الْبَائِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنْ حَدَثَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ وَطِئَهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَائِعُ فَهَذَا وَمَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى .
وَلَوْ مَضَتْ الْأَيَّامُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مَا شَرَطَهُ ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوَقَتَلَهَا كَانَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهَا ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى ثَمَنِهَا ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ، وَهَلَاكُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُقَابَضَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْفَسْخِ ؛ لِبَقَاءِ الْعَرْضِ الْآخَرِ ، وَإِذَا بَقِيَ الْفَسْخُ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ عَيْنِهَا فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا أَوْ فَقَأَهَا الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ ، وَنِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَفَوَاتُ نِصْفِهَا بَعْدَ الْفَسْخِ مُعْتَبَرٌ بِفَوَاتِ كُلِّهَا ، وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيٌّ فَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ قَتَلَهَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهَا فِي الْقَتْلِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي حَالًّا ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ .
فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَسْخِ مَمْلُوكَةٌ لِلْبَائِعِ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبَةِ ، وَأَمَّا فِي فَقْءِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَيَتَّبِعُ بِأَرْشِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرِيَ أَوْ الْجَانِيَ أَيَّهُمَا شَاءَ حَالًّا كَمَا فِي الْمَغْصُوبَةِ إذَا فَقَأَ إنْسَانٌ عَيْنَهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ أَخَذَهُ
مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي ، وَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ إلَّا بِفَسْخِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَبَقَاءُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حُدُوثُ هَذِهِ الْمَعَانِي قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَقْدَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا حِينَ حَدَثَ مَا حَدَثَ ، وَمُضِيُّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَسْخِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَصْدًا ، وَفَسْخُهُ بَعْدَ مَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِلْبَائِعِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَعَ الْفَرْقُ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ أَوْ الْحُرُّ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَقَابَضَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَطِئَ الْجَارِيَةَ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ رَدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ ، وَيُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ بِالْوَطْءِ عُقْرَهَا ، وَفِي الْفَقْءِ نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْبَائِعِ ، وَالْمَبِيعَةُ قَائِمَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فِي يَدِهِ عَلَى خِيَارِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ مِلْكُهُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُشْتَرِي وَوَطْأَهُ حَصَلَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ تَمَّ الْبَيْعُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْعُقْرِ وَالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ إذَا سَقَطَ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِزِيَادَتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا ، وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَخَذَ جَارِيَتَهُ ، وَنِصْفَ قِيمَتِهَا فَفِي فَقْءِ الْعَيْنِ إنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْفَاقِئِ ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْفَاقِئِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالْمَغْصُوبَةِ .
وَفِي الْوَطْءِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُ مَالِيَّتَهَا ، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ أَخَذَهَا الْبَائِعُ ، وَاتَّبَعَ الْوَاطِئَ بِعُقْرِهَا ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَالِيَّتُهَا ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا بِهَذَا الْوَطْءِ ، وَهِيَ كَالْمَغْصُوبَةِ إذَا وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ، وَهِيَ ثَيِّبٌ ،
وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ تَمَّ الْبَيْعُ ، وَاتَّبَعَ الْمُشْتَرِي الْفَاقِئَ أَوْ الْوَاطِئَ بِالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ .
لِأَنَّهُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ مِلْكُهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا وَفَقَأَ عَيْنَهَا فَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ رَدَّ الثَّمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرُدَّ ، وَيَأْخُذُ جَارِيَتَهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِهِ حِينَ عَجَزَ نَفْسُهُ عَنْ تَسْلِيمِهَا كَمَا بَاعَهَا ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ ، وَلَمْ يَرُدَّ الثَّمَنَ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الثَّلَاثِ تَمَّ الْبَيْعُ وَتَأَكَّدَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ فَفِعْلُ الْبَائِعِ فِيهَا كَفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ عَقْرُهَا ، وَأَرْشُهَا لِلْمُشْتَرِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَلَا شُفْعَةَ لِلْمَوْلَى فِيمَا بَاعَ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ أَوْ اشْتَرَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ مِلْكَ الْمُوَلِّي لَهُ ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ لِمَنْ وَقَعَ الْبَيْعُ لَهُ ، وَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِ مَا اشْتَرَاهُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِهِ لَا بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ مَالِكٌ لِكَسْبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ ، وَشِرَاؤُهُ كَسْبَ عَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاطِلٌ .
وَكَذَلِكَ لَا شُفْعَةَ لِلْعَبْدِ فِيمَا بَاعَ مَوْلَاهُ أَوْ اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَا بَاعَهُ الْمَوْلَى بِالشُّفْعَةِ لَهُ ، وَلَا شُفْعَةَ لِلْبَائِعِ ، وَلَا يُفِيدُ أَخْذُهُ بِمَا اشْتَرَاهُ الْمَوْلَى بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِرْدَادِ مَا فِي يَدِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَنْعِهِ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ ، وَالْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ فَيَكُونُ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفِيدًا بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ ابْتِدَاءً لَا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ .
وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ دَارًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ أَخَذَهَا مِنْ الْعَبْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مُتَمَلِّكًا .
عَلَيْهِ الدَّارَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا ، وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ مِنْهُ بِالْغَبْنِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِحَقِّ غُرَمَائِهِ وَيَسْتَوِي فِي حَقِّهِمْ الْغَبْنُ الْيَسِيرُ ، وَالْفَاحِشُ كَمَا فِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَثْبُتُ ثَمَنًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ .
وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ مَوْلَاهُ دَارًا ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، وَالْأَجْنَبِيُّ شَفِيعُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً فَالْبَيْعُ وَالثَّمَنُ كِلَاهُمَا خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَمُبَادَلَةُ مِلْكِهِ بِمُلْكِهِ لَا تَجُوزُ ، وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهَا بِدُونِ هَذَا الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ مُفِيدًا .
وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ تَلْغُو إذَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ فَائِدَةٍ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَكَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ بَيْنَهُمَا فَالدَّارُ كَانَتْ حَقًّا لِغُرَمَائِهِ ، وَكَانَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ أَخْذِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَبِالشِّرَاءِ يَصِيرُ هُوَ أَحَقُّ بِهَا ، وَبِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ ، وَإِنْ بَاعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ بَيْعَ الْمَأْذُونِ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بَاطِلٌ كَبَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثَ ، فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَالشُّفْعَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَعِنْدَهُمَا لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ يَتْرُكَهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى ، وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْمُحَابَاةَ فَيَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا ، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهَا فَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ يَتَخَيَّرُ فِي ذَلِكَ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ ثَابِتٌ لِلْمَوْلَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إذَا رَضِيَ بِهِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ لِلشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّمَ الشَّفِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ فَإِنْ تَرَكَهَا الشَّفِيعُ أَخَذَهَا الْمَوْلَى بِتَمَامِ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ
الْبَائِعَ مِنْ غَيْرِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِبَيْعٍ مُفِيدٍ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا ؛ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا ، وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلشَّفِيعِ ، وَإِنْ بَاعَهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ وَكَوْنُ الْعَبْدِ مُتَّهَمًا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ إقْرَارَهُ لِمَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ ، وَالزِّيَادَةُ مِنْهُ لِمَوْلَاهُ ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ ، وَعِنْدَهُمَا الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الدَّارَ لِلْعَبْدِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْعَبْدِ الزِّيَادَةَ لِمَوْلَاهُ لَمْ تَصِحَّ ، وَأَمَّا أَصْلُ الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَصَحِيحٌ فَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى ؛ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْهُ بِذَلِكَ فَإِنْ سَلَّمَهَا لَهُ بِالْقِيمَةِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَابِتٌ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ رِضَاهُ بِهَا ، وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْمَوْلَى بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ رَهْنَا الْمَوْلَى قَدْ تَمَّ بِالْبَيْعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبَيْعِهَا ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهَا عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً .
وَإِذَا سَلَّمَ الْمَأْذُونُ شُفْعَةً وَجَبَتْ لَهُ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَتَسْلِيمُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَيَمْلِكُ تَسْلِيمَهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ كَمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهَا بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الشِّرَاءِ ، وَالْإِقَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَالْمَأْذُونُ مَالِكٌ كَذَلِكَ ، وَإِنْ سَلَّمَهَا مَوْلَاهُ جَازَ تَسْلِيمُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهَا الْعَبْدُ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ شَفِيعُهَا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَتَسْلِيمُ الْمَوْلَى بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ إقَالَتِهِ وَبَيْعِهِ ابْتِدَاءً ؛ وَهَذَا لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ ، وَالْمَوْلَى جُعِلَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَكَذَلِكَ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الْعَبْدُ حَتَّى اسْتَوْفَى الْغُرَمَاءُ دَيْنَهُمْ أَوْ أَبْرَءُوا الْعَبْدَ مِنْ دَيْنِهِمْ سُلِّمَتْ الدَّارُ ؛ لِلْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الْمَوْلَى الشُّفْعَةَ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَوْلَى الشُّفْعَةَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْفُذُ بِسُقُوطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، التَّبَرُّعَاتُ وَالْمُعَاوَضَاتُ فِيهِ سَوَاءٌ .
وَلَوْ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُ ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ابْتِدَاءً بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ ، وَأَرَادَ الْمَوْلَى الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَأْخُذُ لِلْمَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِكَسْبِ عَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ .
فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْغُرَمَاءَ دَيْنَهُمْ فَإِنْ قَضَاهُمْ دُيُونَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِاعْتِبَارِ الْجَوَازِ ، وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ ، وَالْغُرَمَاءُ مِنْ مِلْكِ عَيْنِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ كَسْبُ الْعَبْدِ كَالْأَجَانِبِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْغُرَمَاءِ اسْتِخْلَاصُهَا ، وَأَمَّا حَقُّهُمْ فِي مَالِيَّتِهَا فَبِمَنْزِلَةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ الشُّفْعَةَ بِخِلَافِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ .
وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ ثُمَّ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ سَلَّمَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَخْذَ ، وَالْعَبْدُ بَعْدَ الْأَخْذِ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْغُرَمَاءَ دَيْنَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ سَوَاءٌ سَلَّمَ الْعَبْدُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ .
وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَوْلَى مَالِكٌ ؛ لِكَسْبِهِ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا مِنْهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ ، وَالشُّفْعَةُ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ كَالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبٍ مِنْهَا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ مَا قَضَى الدَّيْنَ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ يُرِيدُ أَخْذَهَا فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ مَوْلَى الْعَبْدِ يَأْخُذُهَا لَهُ ، وَبِالْخُصُومَةِ فِيهَا ، وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّوْكِيلُ مَلَكَ الْوَكِيلُ التَّسْلِيمَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ، وَفِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ ؛ لِلْمَوْلَى وَهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْ عَبْدِهِ فَلِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ غَرِيمُ الْعَبْدِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَسَلَّمَهَا الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى بِالشُّفْعَةِ صَارَتْ الدَّارُ لِلشَّفِيعِ ، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الْمَوْلَى الدَّارَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى الشَّفِيعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمَوْلَى ، وَالْعُهْدَةُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ ، وَالشَّفِيعِ ، وَلَا عُهْدَةَ فِيمَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا لَمْ تَصِحَّ صَارَ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ ؛ لِلشَّفِيعِ فَإِذَا سَلَّمَهَا الْعَبْدُ إلَيْهِ مَلَكَهَا الشَّفِيعُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِنَفْسِهِ .
وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَهُ يَقْبِضُ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْعَبْدُ بِقَبْضِ الْمَوْلَى حَتَّى يَدْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ بَرِئَ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَهَا الْغَرِيمُ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْغَرِيمِ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمَوْلَى فَإِنَّ حَقَّهُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الشَّفِيعَ فَوَكَّلَ مَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ أَوْ بَعْضِ غُرَمَائِهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ ، كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ الْعَبْدُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ فِي تَسْلِيمِهِ إقْرَارَهُ إضْرَارًا بِالْمَوْلَى وَالْغَرِيمِ ، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِيهِ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَوْلَى الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ تَسْلِيمُهُ .
وَإِنْ سَلَّمَهَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُهَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ : تَسْلِيمُهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا بَيَّنَّا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَنْ مَلَكَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مَلَكَ تَسْلِيمَهَا ، وَإِنْ كَانَ نَائِبًا كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْلِكُ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ يَجُوزُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ .
فَكَذَلِكَ تَسْلِيمُهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ كَمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : إذَا سَلَّمَهَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْأَخْذِ ، وَإِذَا سَلَّمَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِس الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَقَّ وَاجِبٌ لَهُ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْغُرَمَاءِ ، وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ
الْقَاضِي ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى حَقِّهِ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ إنْ شَاءَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍّ ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ التَّسْلِيمُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَالتَّسْلِيمُ إسْقَاطٌ ، وَهُوَ ضِدُّ مَا وَكَّلَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ وَكِيلُ الْعَبْدِ بِالْأَخْذِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ فَتَسْلِيمُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ سَلَّمَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ ، وَإِقْرَارِ وَكِيلِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ .
رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ الْوَصِيُّ دَارًا لِلْمَيِّتِ لَهَا شَفِيعٌ فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ بَعْضَ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا بِيعَتْ لَهُ ، وَكَمَا أَنَّ مَنْ بِيعَتْ لَهُ لَا يَأْخُذُهَا لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُهَا لِغَيْرِهِ بِوَكَالَتِهِ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قُلْنَا فِيمَا بَاعَهُ الْعَبْدُ : إنَّ الْمَوْلَى أَوْ الْغَرِيمَ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِلشَّفِيعِ فِي الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لِغُرَمَائِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ اشْتَرَى فِي حَيَاتِهِ دَارًا ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ ، وَوَكَّلَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا بَعْضَ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّوْكِيلُ مَلَكَ التَّسْلِيمَ ، وَالْإِقْرَارَ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالتَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَإِنْ - سَلَّمَهَا الْوَصِيُّ بِغَيْرِ خُصُومِهِ كَانَتْ لِلشَّفِيعِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَقْبِضَهَا ، وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُهَا ، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا بَطَلَتْ صَارَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ لِلشَّفِيعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ وَارِثًا بِذَلِكَ فَإِنَّ فِي التَّسْلِيمِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَنْفَعَةَ الْوَارِثِ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّ الْغَرِيمِ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ دَارًا وَسَلَّمَهَا وَلَهَا شَفِيعٌ فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ بِخُصُومَةِ الْمُشْتَرِي مَوْلَى الْعَبْدِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ وَكَّلَ بَعْضَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَائِعٌ لِلدَّارِ لِغُرَمَائِهِ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ مَالِيَّتَهَا حَقُّهُمْ ، لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَمِنْ بَيْعٍ لَهُ ؛ لِيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَأْخُذُ ؛ لِنَفْسِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا بَاعَ دَارَ الرَّجُلِ بِأَمْرِهِ فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ الْآمِرَ بِخُصُومَةِ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا ؛ لِأَنَّهَا بِيعَتْ لَهُ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ دَارًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَوَكَّلَ شَفِيعُهَا رَبَّ الْمَالِ بِالْخُصُومَةِ ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي لَهُ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ جَازَ ، وَالشَّفِيعُ هُوَ الَّذِي قَبَضَهَا ، وَالْعُهْدَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ لَهُ حِينَ يَطْلُبُ الْوَكَالَةَ ، وَعِبَارَةُ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ فَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهَا بِنَفْسِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ ، وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَقَالَ : أَبِيعُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ ، وَهَذِهِ الْعَشَرَةُ الْأَقْفِزَةُ شَعِيرٌ ، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مَعْلُومٌ ، وَالثَّمَنُ مَعْلُومٌ وَكُلٌّ مَتَى أُضِيفَتْ إلَى مَا يُعْلَمُ مُنْتَهَاهُ تَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فَإِنْ تَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْحِنْطَةِ عَيْبًا رَدَّهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى حِسَابِ كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ اشْتَرَى وَعِنْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَتِهِ فَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ كُلِّ قَفِيزٍ مِنْ الْحِنْطَةِ دِرْهَمًا رَدَّهَا بِذَلِكَ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : الْقَفِيزُ بِدِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ، وَكُلُّ قَفِيزٍ مِنْ الشَّعِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلُّ قَفِيزٍ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْحِنْطَةِ عَيْبًا ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى حِسَابِ كُلِّ قَفِيزٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ مِنْ الْحِنْطَةِ ، وَالنِّصْفُ مِنْ الشَّعِيرِ بِدِرْهَمٍ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَسِّمَ جَمِيعَ الثَّمَنِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَقِيمَةِ الشَّعِيرِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ الشَّعِيرِ عَشَرَةً رَدَّ الْحِنْطَةَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَفِيزَ الَّذِي جَعَلَ الدِّرْهَمَ بِمُقَابَلَتِهِ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ مِنْهُمَا .
وَمُطْلَقُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ نِصْفُ كُلِّ قَفِيزٍ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَنِصْفٍ مِنْ الشَّعِيرِ ، فَلِهَذَا يُقَسَّمُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ ذَكَرَ الْقَفِيزَ مُطْلَقًا ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ قَفِيزٍ مِنْ الْحِنْطَةِ دِرْهَمٌ ، وَبِمُقَابَلَةِ كُلِّ
قَفِيزٍ مِنْ الشَّعِيرِ دِرْهَمٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : الْقَفِيزُ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ فَهَذَا وَقَوْلُهُ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ سَوَاءٌ كَمَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ قَالَ : أَبِيعُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَهَذَا الشَّعِيرَ ، وَلَمْ يُسَمِّ كَيْلَهُمَا كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْجُمْلَةُ مَعْلُومَةً ، فَإِنَّ مَا يَتَنَاوَلُ هَذَا اللَّفْظُ قَفِيزًا وَاحِدًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا لَهُ هَذَا الْأَصْلَ فِي الْبُيُوعِ ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَفِيزَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ مِنْ الشَّعِيرِ فَفَسَدَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِلْجَهَالَةِ حَتَّى يُعْلَمَ الْكَيْلُ كُلُّهُ فَإِنْ عَلِمَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّ قَفِيزِ حِنْطَةٍ بِدِرْهَمٍ ، وَكُلَّ قَفِيزِ شَعِيرٍ بِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، وَهَكَذَا يَكْشِفُ الْحَالُ عِنْدَهُ إذَا صَارَتْ جُمْلَةُ الثَّمَنِ مَعْلُومَةً لَهُ الْآنَ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ ، وَالتَّرْكِ ، وَعِنْدَهُمَا الْبَيْعُ جَائِزٌ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِدِرْهَمٍ ، وَكُلُّ قَفِيزٍ مِنْ الشَّعِيرِ بِدِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجُمْلَةِ لَا تَقْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ كَانَ الْبَيْعُ وَاقِعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ الشَّعِيرِ بِدِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ ، وَثَمَنُهُ مَعْلُومٌ ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْقَفِيزِ الْوَاحِدِ إذَا عَلِمَ بِكَيْلِ ذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ كُلَّ قَفِيزٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهُمَا بِدِرْهَمٍ نِصْفُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ الشَّعِيرِ .
وَلَوْ قَالَ : أَبِيعُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ عَلَى أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ كُرٍّ فَاشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ كُرٍّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَوَجَدَهُ عَلَى شَرْطِهِ الَّذِي سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ ، وَالثَّمَنُ مَعْلُومٌ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ ، وَإِنْ وَجَدَهَا كُرًّا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ كُرٍّ أَوْ كُرًّا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بَعْضَ الْمَوْجُودِ ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ كُرٍّ كَمَا سُمِّيَ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمُشْتَرَى أَقَلُّ مِنْ الْكُرِّ بِقَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تَقْتَضِي الْمُنَازَعَةَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ كُرٍّ فَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ كُرٍّ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا عَلَى شَرْطِهِ ، وَالْبَيْعُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعًا ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ كُرٍّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا حِصَّةَ مَا نَقَصَ مِنْهَا مِمَّا شَرَطَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسْقَاطِ حِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ .
وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ ، وَأَقَلُّ مِنْهُ فَإِنْ وَجَدَهَا كُرًّا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا عَلَى شَرْطِهِ ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ كُرٍّ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ ذَلِكَ كُرٌّ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُنْقِصَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا كُرًّا كَانَ الْكُلُّ مُسْتَحَقًّا لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِقْدَارَ الْكُرِّ مُسْتَحَقًّا لِلْمُشْتَرِي ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكُرِّ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَنَاوَلُهَا ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهَا كُرٌّ أَوْ أَكْثَرُ فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إذَا قَسَّمَ عَلَى كُرٍّ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي
مِقْدَارِ الْكُرِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا كُرًّا لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فَإِذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ كُرٍّ فَقَدْرُ النُّقْصَانِ مَعْلُومٌ ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ فَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَتَخَيَّرُ ؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَرْفَ أَوْ ؛ لِلتَّخْيِيرِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَ ذِكْرِ حَرْفٍ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ رَدَّدَ الْكَلَامَ بَيْنَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ النُّقْصَانُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ فِي ذِكْرِ النُّقْصَانِ لِلْبَائِعِ فَائِدَةً ، وَهُوَ أَنْ لَا يُخَاصِمَهُ إنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ وَفِي ذِكْرِ الزِّيَادَةِ لِلْمُشْتَرِي فَائِدَةٌ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ رَدُّ شَيْءٍ إذَا وَجَدَهُ أَكْثَرَ .
وَلَوْ قَالَ : أَبِيعُك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ أَلْفِ ذِرَاعٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الذُّرْعَانَ فِي الدَّارِ صِفَةٌ ، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْوَصْفِ فَإِنْ وَجَدَهَا أَزِيدَ مِمَّا قَالَ وَصَفًّا لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْبَيْعِ .
وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ ذِرَاعٍ فَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا عَلَى شَرْطِهِ ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ أَوْ أَقَلَّ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا أَنْقَصَ مِمَّا سَمَّى الْبَائِعُ لَهُ مِنْ الْوَصْفِ فَيَتَخَيَّرُ ؛ لِذَلِكَ فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْوَصْفِ .
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ ، فَوَجَدَهُ ثَمَانِيَةً فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُك عَلَى أَنَّهُ ثَمَانِيَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي زِيَادَةَ وَصْفِ شَرْطِهِ ؛ لِيَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ فَوْتِهِ فَإِنَّ الذُّرْعَانَ فِي الثَّوْبِ صِفَةٌ ، وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْتُ الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ ، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهُ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُكَ عَلَى أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَلَمْ أَشْتَرِطْ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هَهُنَا بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ سَوَاءٌ كَانَ ذُرْعَانُ الثَّوْبِ عَشَرَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ فَإِذَا كَانَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَالثَّمَنُ ثَمَانِيَةٌ إذَا كَانَ ذُرْعَانُ الثَّوْبِ ثَمَانِيَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ التَّحَالُفُ وَالتَّرَادُّ ، فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ شَرَطَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ شَرَطَهُ كَاتِبًا أَوْ ادَّعَى شَرْطَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ ، وَلَا تَحَالُفَ فِي ذَلِكَ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ ؛ لِلشَّرْطِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَعِتْقُهُ نَافِذٌ ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي رَقَبَتِهِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ ، وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالِيَّةَ بِالْإِعْتَاقِ ، وَهَذِهِ الْمَالِيَّةُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهَا لَهُمْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ ، وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَكِنَّهُ قَتَلَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا خَطَأً فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ ، وَالْفِدَاءُ الدِّيَةُ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا ، وَقِيمَةُ الْمَقْتُولِ إنْ كَانَ عَبْدًا إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْمَمْلُوكِ بِالْقَتْلِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ غَرِمَ قِيمَةَ عَبْدِهِ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ ، فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقُّ بِالْجِنَايَةِ نَفْسُ الْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ ، وَالْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ .
فَإِذَا أَعْتَقَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِمَنْعِ الدَّفْعِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِلْفِدَاءِ ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِلْعَبْدِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ جَزَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ ، وَلَا يُزَادُ قِيمَتُهُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قِيمَةٌ لَزِمَتْهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَيُقَاسُ بِقِيمَةٍ تَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ فَإِذَا كَانَ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةٍ فَكَذَلِكَ الْقِيمَةُ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ مِنْ الْمَمْلُوكِ .
وَهَذَا يُخَالِفُ فَضْلَ الدَّيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ هُنَاكَ عِلْمَ
الْمَوْلَى وَعَدَمَ عِلْمِهِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ تَبَعًا فِي الدَّيْنِ وَإِعْتَاقُ الْمَوْلَى إتْلَافٌ ؛ لِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ ، وَفِي الْجِنَايَةِ الْمُسْتَحَقُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَحَدُ شَيْئَيْنِ ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا ، وَفِي حُكْمِ الِاخْتِيَارِ يَخْتَلِفُ الْعِلْمُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هُنَاكَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تِلْكَ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالِيَّةَ مِنْ غَصْبٍ وَشِرَاءٍ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ، وَهَا هُنَا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا غَرِمَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ عَبْدِهِ ، وَمِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ عَشَرَةَ آلَافٍ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ .
لِأَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُتَيَقِّنُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَلَا يُزَادُ الْوَاجِبُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَجِنَايَاتٌ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ غَرِمَ ؛ لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِإِتْلَافِ الْمَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ حَقُّهُمْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَاتِ ثُمَّ يُبَاعُ بِالدَّيْنِ فَيُسَلِّمُ الْمَالِيَّةَ لِلْغُرَمَاءِ بِكَمَالِهَا ، وَيَغْرَمُ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَمِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِالْجِنَايَاتِ حُرٌّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَتَخَلَّصُ الْمَوْلَى مِنْ جِنَايَاتِهِ بِدَفْعِهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الدَّفْعُ بِإِعْتَاقِهِ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَقِيمَتُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى
عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ، وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ، وَلَا بَيْنَ أَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ ؛ لِانْعِدَامِ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمَا فِي سَبَبِ وُجُوبِ حَقِّهِمَا ، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَاتِ كُلِّهَا أَوَّلًا ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فِي دُيُونِهِمْ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَاتِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَات فَيَضْمَنُهَا كُلَّهَا ، وَصَارَ ضَامِنًا الْقِيمَةَ لِلْغُرَمَاءِ بِإِتْلَافِ الْمَالِيَّةِ ، وَلَا شَرِكَةَ ؛ لِبَعْضِهِمْ مَعَ الْبَعْضِ فِي ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَبِيرٌ لَمْ يَغْرَمْ لِلْمَوْلَى شَيْئًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ هَاهُنَا مَا تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بَلْ بِالْكَسْبِ ، وَبِالْإِعْتَاقِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَغْرَمُ الْمَوْلَى لَهُمْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مَا أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا بِخِلَافِ الْقِنِّ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَةً مِنْ رَقِيقِهِ فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ نَافِذٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِرَقَبَتِهِ وَبِجَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ فَحِينَئِذٍ عِتْقُهُ بَاطِلٌ مَا لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ ، وَفِي قَوْلِهِمْ عِتْقُهُ نَافِذٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا يَنْفُذُ فِي رَقَبَتِهِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ فَضْلٌ عَلَى دَيْنِهِ حَتَّى جَازَ عِتْقُ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ فَالْمَوْلَى ضَامِنٌ قِيمَةَ الْأَمَةِ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَشْغَلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْكَسْبِ ، وَالْمَوْلَى يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ الْمُعْتَقَةِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَهُمْ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَى الْجَارِيَةِ الْمُعْتَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ سُلِّمَتْ لَهَا ، وَاحْتُبِسَتْ عِنْدَهَا بِالْعِتْقِ فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى ، وَكَانَ الضَّمَانُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ هِيَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَوْلَى .
وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَالتَّدْبِيرُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ ، وَذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ جَارِيَةَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَأْذُونِ فَهُوَ كَإِعْتَاقِهِ إيَّاهَا فِي حَيَاتِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا ، وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ قِيمَةَ الْأَمَةِ بِإِتْلَافِ مَالِيَّتِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُضَمِّنُوهَا الْقِيمَةَ وَيُرْجَعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي
حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطًا .
وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا أَعْتَقَ جَارِيَةً مِنْ التَّرِكَةِ ، وَفِيهَا دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ لَهَا فَإِنَّ الْوَارِثَ مَالِكٌ لِلتَّرِكَةِ هَاهُنَا فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ ، وَيَكُونُ التَّحْرِيجُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي إعْتَاقِ الْمَوْلَى كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ .
وَلَوْ وَطِئَ الْمَوْلَى أَمَةَ الْمَأْذُونِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَصَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا ، وَلَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ أَقْوَى مِنْ الْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا ؛ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ ثُمَّ هُنَاكَ اسْتِيلَادُهُ صَحِيحٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا دُونَ الْعُقْرِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ، وَبِهَذَا فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الِاسْتِيلَادِ ، وَالْإِعْتَاقِ ، وَالتَّدْبِيرِ ، وَذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ الصَّغِيرِ أَنَّ صِحَّةَ دَعْوَتِهِ اسْتِحْسَانٌ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا كَمَا لَا يَمْلِكُ كَسْبَ مُكَاتَبِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ وَلَدَ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ ، فَكَذَلِكَ دَعْوَاهُ وَلَدَ أَمَةِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ .
وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ هُنَاكَ : لَا يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ بِالِاسْتِيلَادِ كَأَنَّهُ اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ بِالْتِزَامِ قِيمَتِهَا ، وَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي انْتِقَاءِ الْعُقْرِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَمْلِكُهَا مَادَامَ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَيُقَدِّمُ تَمْلِيكَهَا مِنْهُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَاسِقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْهَا عَلَى الِاسْتِيلَادِ ؛ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا لَا يَجِبُ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا حَقِيقَةً ، وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَامِنًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَقَدْ ضَمِنَ لَهُمْ جَمِيعَ قِيمَةِ الْمَالِيَّةِ ، وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ لَيْسَ بِمَالٍ ،
وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ عُقْرَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَأْذُونِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ الْمَأْذُونِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ ، وَمَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَضَى الْغُرَمَاءُ الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ حَتَّى صَارَ فِي قِيمَتِهِ وَفِيمَا فِي يَدِهِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ جَازَ عِتْقُ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَعْتَقَهَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا تَامًّا ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مَانِعًا فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ نَفَذَ الْعِتْقُ ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ الْمَأْذُونِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَدَعْوَاهُ جَائِزَةٌ ، وَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهَا لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِي الِاسْتِيلَادِ لِأَمَتِهِ ، إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ الْجَارِيَةُ حُرَّةٌ ؛ لِسُقُوطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْهَا ، وَالِاسْتِيلَادِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَقَّهُمْ عَنْهَا بِالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَتْ حُرَّةً بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا ، وَعَلَى الْمَوْلَى الْعُقْرُ لِلْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ إلَّا أَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ ذَلِكَ الْعِتْقِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ عَنْهَا زَالَ الْمَانِعُ عَنْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِالشُّبْهَةِ ، وَهِيَ حُرَّةٌ فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَخْلُو عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ .
فَإِذَا ادَّعَى الْمَوْلَى بَعْضَ رَقِيقِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ وَلَدُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فِي مِلْكِ الْمَأْذُونِ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ضَمِنَ الْوَلَدَ ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى أَبِيهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ فَإِنَّ أَصْلَ الْعَلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ ، وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ كَالْإِعْتَاقِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِي الْإِعْتَاقِ .
وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَةً مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْعِتْقُ ، وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ حَدَثَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارِبِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ ظَهَرَ الْفَضْلُ فِيهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ كَسْبَ مُكَاتَبِهِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هُنَاكَ : إنَّمَا أَعْتَقَ قَبْلَ تَمَامِ السَّبَبِ ، وَهُوَ الْمِلْكُ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ .
وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ مِنْ وَجْهٍ ، فَيَمْنَعُ ذَلِكَ تَمَامَ سَبَبِ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ فَأَمَّا سَبَبُ الْمِلْكِ فَتَامٌّ لِلْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ ، وَلِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْعَبْدِ فَيَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى أَنْ يَتِمَّ بِتَمَامِ الْمِلْكِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ ، وَتَرَكَ ابْنَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ فَأَسْلَمَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلِابْنَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَوْ كَانَ تَمَامُ سَبَبِ الْمِلْكِ عِنْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ كَانَ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلِابْنِ النَّصْرَانِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ فَبِهَذَا الْحَرْفِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا جَنَى الْمَأْذُونُ عَلَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ جِنَايَةَ خَطَأٍ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قِيلَ لِمَوْلَاهُ : ادْفَعْهُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ افْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ ، وَفِي الْبُدَاءَةِ بِالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ ، وَفِي الْبُدَاءَةِ بِالْبَيْعِ بِالدَّيْنِ إبْطَالُ حَقِّ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا فِيهِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ ، وَإِذَا اخْتَارَ الْفِدَاءُ فَقَدْ طَهُرَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَيَبْقَى حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِيهِ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِمْ ، وَإِنْ دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ اتَّبَعَهُ الْغُرَمَاءُ فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ فَبَاعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ الْجِنَايَةِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ فِيهِ سَبَبٌ مُتَجَدِّدٌ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ يَخْلُفُونَهُ فِي مِلْكِهِ ، وَالْعَبْدُ الْمَدْيُونُ إذَا مَاتَ مَوْلَاهُ اتَّبَعَهُ الْغُرَمَاءُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ فَبَاعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْوَارِثُ دَيْنَهُمْ فَكَذَلِكَ يَتْبَعُونَهُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِمْ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ دُيُونَهُمْ .
وَإِنْ كَانَ لِلْمَأْذُونِ جَارِيَةٌ مِنْ تِجَارَتِهِ فَقَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً فَإِنْ شَاءَ الْمَأْذُونُ دَفَعَهَا ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي كَسْبِهِ إلَيْهِ ، وَهُوَ فِي التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ بِنَفْسِهِ فَالتَّدْبِيرُ فِي رَقَبَتِهِ لَيْسَ إلَيْهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَيَمْلِكُ بَيْعَ كَسْبِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَفَدَاهُ الْمَأْذُونُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا : أَنَّ الْمَأْذُونَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيُطَهِّرُهَا مِنْ الْجِنَايَةِ بِاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهَا بِمَا يَفْدِيهَا بِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ بِمِقْدَارِ الْفِدَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا فَصَالَحَ الْمَأْذُونُ عَنْهَا جَازَ .
وَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ هُوَ الْقَاتِلَ فَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي التَّدْبِيرِ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي مِلْكِهِ ، وَفِي التَّدْبِيرِ فِي نَفْسِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْتِزَامَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ بِهَذَا الصُّلْحِ ، وَيَجِبُ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ أَوْ بِالنِّكَاحِ .
وَلَوْ كَانَ لِلْمَأْذُونِ دَارٌ مِنْ تِجَارَتِهِ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِهَذِهِ الدَّارِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ، وَدِيَةُ الْمَقْتُولِ الْمَوْجُودِ فِي الْمِلْكِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاتِلِ لَهُ بِيَدِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلدَّارِ عِنْدَهُ ، وَلَكِنْ يُخَاطَبُ بِدَفْعِ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ كَمِلْكِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْعَبْدَ قَتَلَهُ بِيَدِهِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ ، وَالْمَوْلَى أَحَقُّ النَّاسِ بِمِلْكِ هَذِهِ الدَّارِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْلِكُهَا إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ وَيَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاتِلِ بِيَدِهِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ التَّامِّ لَهُ فِيهَا مَقَامَ الْمِلْكِ وَنَظِيرُهُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالدَّيْنِ إذَا وُجِدَ فِي دَارٍ مِنْهَا قَتِيلٌ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَارِثِ .
وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْمِلْكِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، وَفِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ الْغُرَمَاءُ كَالْأَجَانِبِ وَيُجْعَلُ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهَا كَأَنَّ الْمَوْلَى مَالِكٌ لَهَا لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْغُرَمَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِي حَائِطٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ .
مَائِلٍ فَلَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى ، وَقَالَا : هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي هَذِهِ الدَّارِ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقِيلَ : هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِمَا قُلْنَا .
وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى دَابَّةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنَّ قِيمَتَهَا فِي عُنُقِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فِيهَا أَوْ يَفْدِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ ، وَالْمَوْلَى مِنْ مَالِيَّتِهِ أَجْنَبِيٌّ لِحَقِّ غُرَمَائِهِ فَلِهَذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَالِ بِيَدِهِ ، وَأَمَّا حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، وَلِهَذَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ عَلَى مَوْلَاهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَفِي جِنَايَةٍ يَتْرُكُ هَدْمَ الْحَائِطِ الْمَائِلِ أَوْ يَتْرُكُ صِيَانَةَ دَارِهِ حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ يُسْتَحَقُّ مُوجِبُهُ عَلَى الْمَوْلَى أَيْضًا ، وَإِذَا كَانَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى صَارَ الْمَوْلَى فِيهِ كَالْمَالِكِ لِلدَّارِ ، وَكَانَ الْإِشْهَادُ وُجِدَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ أَنَّ جِنَايَةَ مَمْلُوكِهِ كَجِنَايَتِهِ فَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَجَنَى جِنَايَةً فَبَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ أَصْحَابِ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِمْ ، وَلَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ لَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ بَيْعِ الْجَانِي فَإِذَا نَفَذَ بَيْعُهُ كَانَ مُفَوِّتًا عَلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ حَقَّهُمْ ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَلَمْ يَحْضُرُوا ، وَلَكِنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا عَلَى الْغُرَمَاءِ مَحَلَّ حَقِّهِمْ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ ثَابِتٌ فِي عِتْقِهِ ، وَالْمَوْلَى فَعَلَ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي غَيْرَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الْقَاضِي أَنْ لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ثُمَّ هُوَ مَا فَوَّتَ عَلَى الْغُرَمَاءِ مَحَلَّ حَقِّهِمْ فَإِنَّ الْعَبْدَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ فِي مِلْكِ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ قَاضٍ .
وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَإِنْ جَعَلْنَا هَذَا تَسْلِيمًا ؛ لِمَا هُوَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْجِنَايَةِ لَا يَفُوتُ بِهِ مَحَلُّ حَقِّهِمْ ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَا يَفُوتُ بِهِ مَحَلُّ حَقِّهِمْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ ، فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ بَيْعِهِ إيَّاهُ فِي الدَّيْنِ فَفِيهِ تَفْوِيتُ مَحَلِّ حَقِّ أَوْلِيَاءِ
الْجِنَايَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ ، وَلَا سَبِيلَ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ عَلَى نَقْصِ ذَلِكَ ، وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى طَالَبَهُ الْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ ، وَلَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى ، وَالْغُرَمَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَبِعْهُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْغُرَمَاءُ ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ مِنْ الْقَاضِي إبْطَالَ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَفُوتُ بِهِ مَحَلُّ حَقِّهِمْ .
وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا شَيْئًا إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَبِيعُهُ ، وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ إضْرَارًا بِالْغُرَمَاءِ مِنْ حَيْثُ تَأَخُّرُ حَقِّهِمْ ؛ لِلِانْتِظَارِ ، وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ دُونَ ضَرَرِ الِانْتِظَارِ فَلِهَذَا يَصِيرُ إلَى الِانْتِظَارِ ، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ وَصَاحِبُ الْجِنَايَةِ غَائِبٌ ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ ثَابِتٌ فِي مَالِيَّتِهِ ، وَهُوَ طَالِبٌ بِحَقِّهِ ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ هَلْ يَحْضُرُ فَيَطْلُبُ حَقَّهُ أَوْ لَا يَحْضُرُ فَلَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ ؛ لِهَذَا ثُمَّ لَا شَيْءَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا أَمَّا عَلَى الْمَوْلَى فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الَّذِي بَاعَ وَبِبَيْعِ الْقَاضِي لَا يَصِيرُ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا مَحَلَّ حَقِّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ .
وَالْقَاضِي فِيمَا يَقْضِي مُجْتَهِدٌ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا ، وَالْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ مُوجَبِ جِنَايَتِهِ شَيْءٌ فَإِنْ بَاعَهُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ الْفَضْلُ عَنْ الدَّيْنِ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْعَبْدِ ، وَكَانَ حَقُّهُمْ ثَابِتًا فِي الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِي إذَا قَتَلَ ثَبَتَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِي قِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي
الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اسْتِرْدَادِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِحَقِّهِمْ فَيُجْعَلُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ لَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَحِينَئِذٍ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِي مِقْدَارِ الْأَرْشِ ، وَمَا فَضَلَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَمْرِ الْقَاضِي فَهَذَا ، وَبَيْعُ الْقَاضِي سَوَاءٌ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدَيْنُهُ أَلْفٌ ، وَجِنَايَتُهُ قَتْلُ رَجُلٍ خَطَأً فَإِنَّهُ يَدْفَعُ مِنْ الثَّمَنِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مِقْدَارَ دَيْنِهِ ، وَهُوَ أَلْفٌ ، وَإِلَى صَاحِبِ الْجِنَايَةِ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى صَاحِبَ الدَّيْنِ كَمَالَ حَقِّهِ ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ ؛ لِيُفَوِّتَ مَحَلَّ حَقِّهِ بِبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ اخْتِيَارًا فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ كَانَ الْبَاقِي لِلْمَوْلَى .
فَإِذَا قُتِلَ الْمَأْذُونُ عَمْدًا ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ لَهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي مَالِيَّتِهِ ، وَقَدْ فَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ بَدَلًا ، فَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْمَالِيَّةِ ، وَحَقُّهُمْ فِي مَحَلِّ تَمَكُّنِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ صَالَحَ الْمَوْلَى الْقَاتِلَ مِنْ دَمِهِ عَلَى مَالٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ جَازَ ، وَأَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِيعَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَدَلُ الْعَبْدِ ، وَقَدْ كَانُوا أَحَقَّ بِهِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ أَحَقَّ بِبَدَلِهِ .
إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مَحَلًّا صَالِحًا ؛ لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْهُ ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ صَارَ مَحَلًّا صَالِحًا ؛ لِذَلِكَ فَيَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ، وَالْغَرِيمُ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ ، وَنَفَذَ الصُّلْحُ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى أَيِّ قَدْرٍ مِنْ الْبَدَلِ كَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ بَلْ فِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ بِتَحْصِيلِ مَحَلٍّ هُوَ صَالِحٌ ؛ لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْمَأْذُونَ ، وَلَكِنْ قَتَلَ عَبْدًا لَهُ ، وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَأْذُونِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى دُونَ الْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ ؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْقَتْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِمَّا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ فِيهِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ ، وَلَا فِي الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى أَخَذَهُ مِنْهُ فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ كَثِيرٌ أَوْ
قَلِيلٌ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْلَى ، وَالْغُرَمَاءُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ مَا بَقِيَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ قَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَثُرَ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَدَلًا عَنْ كَسْبِهِ ، وَالْغُرَمَاءُ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلِانْعِدَامِ الْمُسْتَوْفِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِأَصْلِ الْقَتْلِ لَا يَجِبُ ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى اسْتِيفَائِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدِ الْمُضَارَبَةِ إذَا قَتَلَ وَفِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ ؛ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي وَجَبَ الْمَالُ ، وَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَلَكِنَّهُ فِي مَالِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ الْقِيمَةُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْمَمْلُوكِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِغُرَمَاءِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَقْتُولِ ، وَهُوَ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْهُ .
وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ لِرَجُلٍ جِنَايَةً خَطَأً فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ لَمْ يَصِرْ الْمَوْلَى مُخْتَارًا وَيُقَالُ لَهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ ؛ لِأَنَّ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ لَا يَمْنَعُ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَمْنَعْ دَفْعَهُ بِهَا فَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَضَ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِاكْتِسَابِ سَبَبٍ يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا ، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنْ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ اتَّبَعَهُ الْغُرَمَاءُ فَبِيعَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ صَارَتْ حَقًّا لِلْغُرَمَاءِ فَإِنْ فَدَاهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَسُلِّمَتْ لَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِجِنَايَتِهِمْ عَبْدًا فَارِغًا .
وَإِنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِمْ عَبْدًا هُوَ مُسْتَحَقُّ الْمَالِيَّةِ بِالدَّيْنِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ دَيْنِهِمْ بِذَلِكَ السَّبَبِ كَانَ لَهُمْ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ فَإِنَّ هُنَاكَ مَا اسْتَحَقُّوا الْعَبْدَ إلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ مُسْتَحَقُّ الْمَالِيَّةِ ، وَقَدْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ كَذَلِكَ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ اغْتَصَبَ عَبْدًا مَدْيُونًا ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَبِيعَ فِي الدَّيْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَلَوْ غَصَبَهُ فَارِغًا فَلِحَقِّهِ دَيْنٌ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِأَنْ أَفْسَدَ مَتَاعًا ثُمَّ رَدَّهُ فَبِيعَ فِي الدَّيْنِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَالِيَّةِ بِالدَّيْنِ كَانَ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ بِهِ ، وَهُوَ الْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ، وَلَا يُقَالُ : حَقُّ أَوْلِيَاءِ
الْجِنَايَةِ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ لَا فِي مَالِيَّتِهِ فَكَيْف يَغْرَمُ الْمَوْلَى لَهُمْ بِاعْتِبَارِ اكْتِسَابِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِيَّةِ ؟ وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْجَانِيَ الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَسْتَحِقُّ نَفْسَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ نَفْسَ الْقِنِّ الَّذِي هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْلِيكِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَمْ يَلْحَقْهُ دَيْنٌ حَتَّى جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ لَحِقَهُ الدَّيْنُ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِذْنِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إنْشَائِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَنْهَهُ فَسُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لَحِقَهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَرْجِعْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحَقَّهُ بِالْجِنَايَةِ إلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ لَحِقَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحَقَّهُ بِالْجِنَايَةِ إلَّا ، وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ لَحِقَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ، وَأَلْفُ دِرْهَمٍ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ دُفِعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ بِيعَ فِي الدَّيْنَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ بِيعَ أَوْ فَدَاهُ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ بِالدَّيْنَيْنِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْمَوْلَى بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ حِصَّةُ أَصْحَابِ الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ اعْتِبَارًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ بِمَا لَوْ كَانَ هُوَ وَحْدَهُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْآخَرِ إنَّمَا أَخَذَهُ بِاسْتِدَامَةِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ لَمْ
يَلْحَقْهُ الدَّيْنُ لِلْآخَرِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَلِهَذَا صَارَ الْمَوْلَى ضَامِنًا لِمَا وَصَلَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الْآخَرِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا ، وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ لَمْ يُسَلَّمْ ؛ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ مِنْ مَالِيَّتِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ مُحِيطٌ بِمَالِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمَوْلَى لَهُمْ شَيْئًا قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنْ مَا أَخَذَهُ أَصْحَابُ الدَّيْنِ الْآخَرِ لَا يُسَلَّمُ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ عَنْ ذَلِكَ .
وَبِاعْتِبَارِ سُقُوطِ حَقِّهِ عَنْهُ هُوَ سَالِمٌ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ لَوْلَا اسْتِدَامَةُ الْمَوْلَى الْإِذْنَ لَهُ حَتَّى لَحِقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ ، فَلِهَذَا ضَمِنَ الْمَوْلَى ذَلِكَ ؛ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ .
وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمَحْجُورُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّ هَذَا الدَّيْنَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ بِيعَ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى فَاشْتُغِلَتْ مَالِيَّتُهُ بِالدَّيْنِ .
كَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ الْجَانِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَتِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالِيَّتَهُ بِاكْتِسَابِهِ سَبَبَ اشْتِغَالِهِ بِحَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَيْهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً ، وَكَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ أَوْ يَفْدِيهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ مِنْهُ فِيهِ .
وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فَمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ فِي حَقِّهِ فَيَدْفَعُهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ رَجَعَ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْمَوْلَى بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا اسْتَحَقُّوا جَمِيعَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ حِينَ أَقَرَّ لَهُمْ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ، ثُمَّ صَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا عَلَيْهِمْ نِصْفَ الرَّقَبَةِ بِإِقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ الْأُخْرَى ، وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ الْإِتْلَافُ بِدَفْعِ النِّصْفِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلِهَذَا يَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، وَلَا يَغْرَمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مَا يَثْبُتُ حَقُّهُ إلَّا فِي النِّصْفِ ، فَإِنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لَهُ بِالْجِنَايَةِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى ثَابِتَةً ، وَهِيَ مُزَاحِمَةٌ
لِلْأُخْرَى فَيَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ ، وَقَدْ سَلَّمَ نِصْفَ الْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَأَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارَهُ لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَ رَقَبَتِهِ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ تَصَرُّفٌ ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَيَزُولُ الْمَانِعُ بِهِ وَيَصِيرُ كَالْمَحْدُودِ ؛ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَمَا سَقَطَ الدَّيْنُ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يَفْدِيَهُ .
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا عَمْدًا ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَصَالَحَ الْمَوْلَى صَاحِبَ الْجِنَايَةِ مِنْهَا عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ صُلْحَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ عِوَضًا عَمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ ، وَلَوْ مَلَكَهُ عِوَضًا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهِمْ كَالْبَيْعِ فَهَذَا أَوْلَى .
وَلَكِنْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صُلْحَهُ كَعَفْوِهِ ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَحَقٌّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ، وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَدَلِ فِي الصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يَمْنَعُ سُقُوطَ الْقَوَدِ ، ثُمَّ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِي دَيْنِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ بَعْدَ الدَّيْنِ كَانَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ، وَهُمْ قَدْ اسْتَحَقُّوا نَفْسَ الْعَبْدِ بِالصُّلْحِ مَتَى سَقَطَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَنْهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ كَانَ الْعَبْدُ سَالِمًا لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ مَا يَفْرُغُ مِنْ بَدَلِهِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ رِقِّهِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا الْتَزَمَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ بِالصُّلْحِ ، وَإِنَّمَا سَلِمَ لِلْعَبْدِ الْقِصَاصُ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُهُ الْعَبْدُ بِاحْتِبَاسِهِ عِنْدَهُ أَوْ سَلَامَتِهِ لَهُ ، وَلَوْ لَمْ يُصَالِحْ ، وَلَكِنْ عَفَا أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرِ أَوْ يَفْدِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الَّذِي أَسْقَطَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَهَذَا ، وَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فِي الِابْتِدَاءِ سَوَاءٌ فَيَدْفَعُ الْمَوْلَى إلَيْهِ نَصِيبَهُ أَوْ يَفْدِيهِ ثُمَّ يُبَاعُ جَمِيعُ الْعَبْدِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ لَا يَسْقُطُ عَنْ