كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إنْهَاءِ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ .
وَبِالشَّرْطِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ عَلَى الثَّبَاتِ وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ لِوُجُودِ صُورَةِ الشَّرْطِ دُونَ الْحُكْمِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ تَتَقَرَّرَ صِفَةُ الْجَوَازِ بِاعْتِبَارِ الْمُلَاءَمَةِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا لِمَعْنَى التَّوَقُّفِ فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَمُخَالَفَةِ صُورَتِهِ مَعْنًى بِخِلَافِ شَرْطِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ فَالْمِلْكُ بِهِ لَا يَنْتَهِي ، وَمَعْنَى الْمُلَاءَمَةِ بِاعْتِبَارِ إنْهَاءِ الْمِلْكِ بِهِ فَلِهَذَا تَتَعَيَّنُ صِفَةُ الْفَسَادِ هُنَاكَ وَفَّى بِالشَّرْطِ أَوْ لَمْ يَفِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَ لَهُ قَرْضًا أَوْ يَهَبَ لَهُ هِبَةً أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ فَالْمُشْتَرِي إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ فِي الْبَيْعِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الْمَبِيعِ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَقَبْضُ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْ الْقِيمَةِ إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ السَّبَبِ وَتَمَامِهِ ، فَإِذَا فَسَدَ السَّبَبُ بَقِيَ الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ كَمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لِعَدَمِ تَمَامِ السَّبَبِ
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ إقَالَةً مُعَلَّقَةً لِخَطَرِ عَدَمِ النَّقْدِ ، وَلَوْ شَرَطَ إقَالَةً مُطْلَقَةً فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ فَإِذَا شَرَطَ إقَالَةً مُعَلَّقَةً أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْعَقْدُ وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَمَّ الْبَيْعُ وَهُنَا لَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَإِنَّهُ بَاشَرَ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ كَرِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ قَالَ جُزَافًا ، وَالْقِيَاسُ لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ قَالَ سَمَاعًا ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ كَشَرْطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِيَتَرَوَّى النَّظَرَ فِيهِ ، وَيَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَتَمَامِهِ ، بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَحْصُلُ إلَّا هَذَا الْمَقْصُودُ وَالشَّرْعُ إنَّمَا جَوَّزَ شَرْطَ الْخِيَارِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ حَتَّى قَالَ لِحْيَانَ بْنِ مُنْقِذٍ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُدْهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ عِنْدَهُ شَرْطَ الْخِيَارِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَأْذُونِ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَخِيرُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ ، وَقَوْلُهُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الشَّرْطِ ، وَجْهُ قَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ زُفَرُ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَيْسَ نَظِيرَ شَرْطِ الْخِيَارِ وَلَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ نَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْغَرَرَ يَزْدَادُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَقْدَ لِلْيَسِيرِ مِنْ الْغَرَرِ دُونَ الْكَثِيرِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّا نُجَوِّزُ شِرَاءَ أَحَدِ الثِّيَابِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثُمَّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ : وَكُلُّ فَاسِدٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِسَبَبِ فَسَادِ الْبَيْعِ مُسْتَحَقٌّ فِي هَذَا الْمَحِلِّ بِعَيْنِهِ شَرْعًا فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ مِنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ : كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِهِ مِنْ الْبَائِعِ بِسَبَبٍ مُبْتَدَإٍ مَأْمُورٌ بِرَدِّهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَيُكْرَهُ الْمَأْمُورُ بِهِ فَيُتْرَكُ جَانِبُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ
قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَطْحَنَ الْحِنْطَةَ أَوْ يَخِيطَ الثَّوْبَ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا فَهَذِهِ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ أَوْ هَذَا شَرْطُ أَجَلٍ فِي الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ
قَالَ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالثَّمَنِ فَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَمَّا فِي شَرْطِ الْكَفِيلِ سَوَاءٌ سَمَّى الْكَفِيلُ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ إذَا كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَكْفُلُ أَمْ لَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ لِمَعْنَى الْغَرَرِ ، وَلِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِ الْكَفِيلِ الْكَفَالَةَ فَمَتَى شَرَطَ قَبُولَهُ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ ، وَإِنْ قَبِلَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ كَالْمُشْتَرِي ، فَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا أَوْ حَضَرَ وَقَبِلَ قَبْلَ أَنَّ يَتَفَرَّقَا جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ وَاشْتِرَاطُ هَذَا عَقْدٌ آخَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ إذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكَفَالَةِ التَّوَثُّقُ بِالثَّمَنِ فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ زِيَادَةِ وَصْفِ الْجَوْدَةِ فِي الثَّمَنِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ ثَمَنًا جَيِّدًا كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا ثُمَّ تَمَامُ هَذَا الْعَقْدِ بِقَبُولِ الْكَفِيلِ فَإِنَّهُ بِقَبُولِهِ يَنْتَفِي مَعْنَى الْغَرَرِ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ انْتِفَاءِ الْغَرَرِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَشَرْطُ الْحَوَالَةِ فِي هَذَا كَشَرْطِ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي وُجُودَ أَصْلِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَحْوِيلٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ وُجُوبَ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي وُجُوبَ الْعَقْدِ فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ قَالَ : وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مَجْهُولًا
فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الرَّهْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ هَذَا الشَّرْطِ وَمَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلَكِنْ لَوْ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ صَحَّ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَدْ زَالَ قَبْلَ تَقْرِيرِهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ لِلِاسْتِيفَاءِ ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ هَذَا الْمُبْتَاعَ بِعَيْنِهِ فَفِي الْقِيَاسِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ شَرْطٌ عُقِدَ فِي عَقْدٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ فَإِنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَشَرْطُ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ ثُمَّ الرَّهْنُ بِالثَّمَنِ لِلتَّوَثُّقِ بِالثَّمَنِ فَاشْتِرَاطُ مَا يَتَوَثَّقُ بِهِ كَاشْتِرَاطِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فِي الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مَوْصُوفًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَجَعَلَهُ رَهْنًا بِالثَّمَنِ لِأَنَّ قَبُولَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ صَحِيحٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فَكَذَلِكَ يَصْلُحُ اشْتِرَاطُهُ رَهْنًا بِالثَّمَنِ ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَهُ مَا سَمَّى لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْبَرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ فَيَصِيرُ الْوَفَاءُ بِهِ مُسْتَحَقًّا كَالْعَدْلِ فِي الرَّهْنِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ كَانَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ ، وَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ عَزْلَهُ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ مَقْصُودًا وَلَكِنَّا نَقُولُ عَقْدُ الرَّهْنِ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ فَلَا بُدَّ فِي إتْمَامِهِ مِنْ اتِّحَادِ شَرْطِ الْعَقْدِ وَإِتْمَامِهِ بِالْقَبْضِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَلْزَمُ حُكْمُ الرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا تَثْبُتُ لَهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَكَذَا اشْتِرَاطُهُ فِي الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَكِنْ إنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَهُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ كَانَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَبِدُونِهِ لَا يَكُونُ رَاضِيًا ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ
قَالَ : وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَيْعِ فِيهِ مَقْصُودًا فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَقْصُودًا كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَنِينَ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِالْأُمِّ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْطَعُ بِالْمِقْرَاضِ عَنْهَا وَأَجْزَاءُ الْحَيَوَانِ لَا تَقْبَلُ الْعَقْدَ مَقْصُودًا ، وَلَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي الْبَطْنِ مَجْهُولٌ ، وَلَا يَدْرِي أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ مَثْنَى فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَصِيرُ مَجْهُولًا أَيْضًا وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَمْنَعُ جَوَازِ الْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَدْلِ بُرٍّ أَوْ أَغْنَامٍ أَوْ نَخِيلٍ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَيْنَيْنِ أَوْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولٌ وَبِهِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَجْهُولًا أَيْضًا وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَفْسُدُ
قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْبَهَائِمِ وَهِيَ زِيَادَةٌ مَجْهُولَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ انْتِفَاخَ بَطْنِهَا مِنْ رِيحٍ أَوْ وَلَدٍ وَأَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا أَوْ مَثْنَى وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى مَعْلُومٍ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا
وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلِبُ كَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ يَعْنِي أَنَّ اشْتِرَاطَ مِقْدَارٍ مِنْ الْبَيْعِ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَائِعِ إيجَادُهُ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَكَانَ شَرْطًا بَاطِلًا فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ قَالَ : وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ هَذَا مَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلِبُ كَذَا وَكَذَا سَوَاءٌ اللَّبَنُ زِيَادَةُ مَالٍ مُنْفَصِلٍ وَلَا يَكُونُ لَبُونًا حَلُوبًا إلَّا بِهِ وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا شَرْطُ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ وَلِأَنَّ هَذَا يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ الْوَصْفِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى فَرَسًا عَلَى أَنَّهَا هِمْلَاجٌ أَوْ اشْتَرَى كَلْبًا عَلَى أَنَّهُ صَائِدٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا هُنَا وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَلُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهَا تَحْلِبُ كَذَا ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاشْتِرَاطِ مِقْدَارِ لَبَنٍ فِي الضَّرْعِ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ قَالَ : وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى سِمْسِمًا أَوْ زَيْتُونًا عَلَى أَنَّ فِيهِمَا مِنْ الدُّهْنِ كَذَا أَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطْحَنَ مِنْهَا كَذَا مَخْتُومَ دَقِيقٍ فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ لَا طَرِيقَ لِلْبَائِعِ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ .
قَالَ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَتَبَرَّأَ مِنْ الْحَبَلِ وَكَانَ بِهَا حَبَلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي بَنَاتِ آدَمَ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الرَّدِّ بِهِ فَإِنَّمَا تَبَرَّأَ الْبَائِعُ مِنْ الْعَيْبِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ ، قَالَ : وَلَيْسَتْ الْبَرَاءَةُ فِي هَذَا كَالْبَهَائِمِ قِيلَ مَعْنَاهُ كَالشَّرْطِ فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الْحَبَلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ فَذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ شَرْطُ زِيَادَةٍ مَجْهُولَةٍ وَفِي الْآدَمِيَّةِ عَيْبٌ فَذِكْرُهُ يَكُونُ تَبْرِيئًا مِنْ الْعَيْبِ وَلَا يَكُونُ شَرْطَ زِيَادَةٍ مَجْهُولَةٍ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إذَا ذَكَرَ الْحَبَلَ فِي الْجَارِيَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْعَيْبُ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَإِذَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ شَرْطُ زِيَادَةٍ مَجْهُولَةٍ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يُرِيدُهَا لِلطُّؤْرَةِ فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ قَصَدَ الْحَبَلَ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، وَعَلَى هَذَا يُحْكَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ شَرْطَ الْحَبَلِ إذَا وُجِدَ مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَفْسُدْ بِهِ الْعَقْدُ وَإِنْ شَرَطَهُ الْمُشْتَرِي يَفْسُدْ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَذْكُرُ الْحَبَلَ عَلَى وَجْهِ بَيَانِ الْعَيْبِ عَادَةً وَالْمُشْتَرِي يَذْكُرُ عَلَى وَجْهِ اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ .
قَالَ : رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً بِجَارِيَتَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ وَلِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النِّسَاءَ فَإِنْ قَبَضَ الْجَارِيَةَ فَذَهَبَتْ عَيْنُهَا عِنْدَهُ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَفَوَاتُ النِّصْفِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرَى كَفَوَاتِ الْكُلِّ وَلَوْ هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا سَوَاءٌ هَلَكَتْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُهَا ، وَهَذَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً بِالْقَبْضِ ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ إذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَعَ نِصْفِ قِيمَتِهَا ، وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا غَيْرُهُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُهَا ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ فِيهَا مُسْتَحَقٌّ شَرْعًا فَمَا دَامَتْ قَائِمَةً كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهَا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ ذَلِكَ الْفَاقِئُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ بِالْأَخْذِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهَا وَيَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ فَجِنَايَةُ الْفَاقِئِ كَانَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَكَانَتْ كَالْمَغْصُوبَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَلَى الْفَاقِئِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَقَرَّرَ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ حِينَ ضَمِنَ بَدَلَهُ وَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي ذَلِكَ .
وَإِنْ ضَمِنَ الْفَاقِئُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَاتِلٌ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ
الْمَغْصُوبَةَ إذَا قَتَلَهَا إنْسَانٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ يَتَخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهَا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَاتِلَ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَالْقَاتِلُ مِنْ الْقَاتِلِ جِنَايَةً عَلَى مُلْكِهِ فَيَتَخَيَّرُ فِي التَّضْمِينِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَاتِلَ بِالْقَتْلِ وَهُنَا قَدْ صَارَتْ الْجَارِيَةُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَبِالْقَتْلِ يَتَعَذَّرُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِيهَا وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلِهَذَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَاتِلَ وَفِي فَقْءِ الْعَيْنِ مَا تَعَذَّرَ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهَا بِالرَّدِّ كَانَتْ جِنَايَةُ الْفَاقِئِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَاتِلَ بِالْقَتْلِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْغَصْبِ ، ثُمَّ إذَا ضَمَّنَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهَا فِي الْقَتْلِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْقَاتِلَ قِيمَتَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ فِيهَا بِالْجِنَايَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا قَالَ : فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَمَا هِيَ غَيْرَ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ وَالْوَلَدَ الْبَاقِيَ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَالْمَغْصُوبَةِ مُسْتَحَقَّةُ الرَّدِّ بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْعَيْنِ وَوُجُوبُ الرَّدِّ كَانَ حُكْمًا مُتَقَرِّرًا فِيهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَالثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصْلِ كَانَ مِلْكًا مُسْتَحَقَّ الْإِزَالَةِ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ فَثَبَتَ مِثْلُهُ فِي الْوَلَدِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ إذَا مَاتَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِانْعِدَامِ الصُّنْعِ
مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ فَإِنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ قَدْ نَقَصَتْهَا وَفِي الْوَلَدِ الثَّانِي وَفَاءٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِرَدِّهِ مَا يَنْجَبِرُ بِهِ النُّقْصَانُ فَإِنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ يَتَخَيَّرُ بِالْوَلَدِ عِنْدَنَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمَغْصُوبَةِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا ، وَالْوَلَدُ الْمَيِّتُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّهَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَاحِدًا قَالَ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ الْبَاقِي وَفَاءُ النُّقْصَانِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَمَامُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ انْجِبَارَ النُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ لِصِفَةِ الْمَالِيَّةِ ، وَإِنَّمَا يَنْجَبِرُ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ بِإِزَائِهِ مَا يَجْبُرُهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنَعَهُ بَعْدَ طَلَبِ الْبَائِعِ حَتَّى مَاتَ صَارَ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا بِقِيمَتِهِ يَرُدُّهَا مَعَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الصُّنْعِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ بِالْإِتْلَافِ أَوْ الْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ رَدُّ قِيمَةِ الْوَلَدِ كَرَدِّ عَيْنِهِ حَتَّى إذَا كَانَ فِيهَا وَفِي مَالِيَّةِ الْحَيِّ وَفَاءٌ بِالنُّقْصَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَفَاءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَمَامُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِانْجِبَارَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الْمَيِّتَةُ وَالْوَلَدَانِ حَيَّانِ أَخَذَ الْبَائِعُ الْوَلَدَيْنِ وَقِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ قَبْضِهِ الْمُشْتَرَى ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ بَيْعٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ ثَابِتٌ لِلْبَائِعِ فِي الْوَلَدَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الْأُمِّ كَالْمَغْصُوبَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ كَذَلِكَ هُنَا ، وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا قِيمَتَهَا لِلْبَائِعِ حِينَ قَبَضَهَا ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا فَيَجِبُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا
وَالْوَلَدُ تَبَعٌ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الرَّدِّ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِرَدِّ الْوَلَدَيْنِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْأُمِّ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَالِيَّتِهِمَا وَفَاءٌ بِذَلِكَ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ فَالْفَائِتُ هُنَاكَ وَصْفٌ هُوَ بَيْعٌ ثُمَّ الْخِلَافَةُ هُنَاكَ بِاتِّحَادِ السَّبَبِ فَإِنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَاحِدَةٌ وَهَذَا لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّ مَوْتَ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ بِالْوِلَادَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْوِلَادَةِ فَالْوِلَادَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَوْتٌ لَا تُوجِبُ الزِّيَادَةُ وَلَدًا وَلِذَا لَا يَنْجَبِرُ قَدْرُ النُّقْصَانِ بِالْوَلَدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ حَتَّى يَضْمَنَ كَمَالَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ هُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى جَبْرِ النُّقْصَانِ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَتُقَرَّرُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ قَبْضِهَا فَإِذَا مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ حَاصِلٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى جَبْرِ هَذَا النُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ الْأُمُّ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا بِالرَّدِّ ، فَإِنْ رَدَّهَا عَادَتْ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى انْجِبَارِ النُّقْصَانِ بِخُلْفٍ قَائِمٍ مَقَامَهُ وَهُوَ الْوَلَدُ فَلِهَذَا افْتَرَقَا
قَالَ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ لِلْمِلْكِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً عِنْدَنَا فَإِنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ النَّسْخِ وَالنَّهْيِ عَنْ النَّسْخِ وَعِنْدَنَا يُخْرِجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً بِمُقْتَضَى النَّهْيِ فَإِنَّ صِفَةَ الْقُبْحِ مِنْ ضَرُورَةِ النَّهْيِ كَمَا أَنَّ صِفَةَ الْجِنْسِ مِنْ ضَرُورَةِ الْأَمْرِ ، وَالْمَشْرُوعُ مَا يَكُونُ مُرْضِيًا وَالْقَبِيحُ مَا لَا يَكُونُ مُرْضِيًا فَيَنْعَدِمُ أَصْلُ الْعَقْدِ لِضَرُورَةِ النَّهْيِ وَمُقْتَضَاهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ مُوجِبُ النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْمُنْتَهَى مُخْتَارًا فِيهِ كَمَا أَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ الِائْتِمَارُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْمُؤْتَمَرُ مُخْتَارًا فِيهِ ، فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْمَشْرُوعِ مَشْرُوعًا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْأَصْلِ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَوْلَى مِنْ إعْلَامِ الْمَقْضِيّ بِالْمُقْتَضَى وَهَذِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَأَمَّا التَّخْرِيجُ هُنَا عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمُنْهَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْدَمُ الْمَشْرُوعُ كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِعَدَمِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ .
وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلِهَذَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ ، وَيَتَّضِحُ هَذَا فِي الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ ، فَالْبَيْعُ مُبَادَلَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَالْخَمْرُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا يُمْلَكَ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ قَبَضَ فَلَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا حُكْمُهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي حَقِّ حُكْمِهِ ، وَهُوَ الْمِلْكُ ،
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَيْعَ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ الْفَاسِدُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ يَنْعَقِدُ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ وَثُبُوتُ الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَلَا عَقْدَ ، وَإِنْ كَانَ مُنْعَقِدًا بِصِفَةِ الْفَسَادِ لَمَّا مَنَعَتْ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ قَائِمٌ بَعْدَهُ ؛ وَلِأَنَّ بِالْقَبْضِ يَزْدَادُ الْفَسَادُ وَالْحُرْمَةُ ، وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَتِمُّ الرِّضَا مِنْ الْبَائِعِ وَمَعَ الْفَسَادِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ صَارَ مَمْلُوكًا إنَّمَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْقِيمَةِ ، وَالْبَائِعُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا وَلِهَذَا ثَبَتَ خِيَارُ الْفَسْخِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَالْفَاسِدُ مِنْهُ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ كَالنِّكَاحِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَشْرُوعٌ مَحْبُوبٌ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مُرْضِيًا شَرْعِيًّا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ انْعَقَدَ الْعَقْدُ مَعَ صِفَةِ الْفَسَادِ فَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ وَالْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ ، وَالْحُرْمَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ زَنَيْتِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّمَا يَنْزِلُ الْعِتْقُ هُنَاكَ لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّخْرِيجُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ وَلَا يَخْتَلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَانْعِقَادُ الْعَقْدِ يُوجِبُ رُكْنَهُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَالنَّهْيُ كَانَ لِلشَّرْطِ وَهُوَ وَرَاءَ مَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِ .
وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الرِّبَا
لِلْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَهُوَ وَرَاءَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَنْعَقِدُ فِيهِ أَصْلُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ شَرْعًا إلَّا مُوجِبًا حُكْمَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَبُ لِأَحْكَامِهَا فَإِذَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الْحُكْمِ تَكُونُ لَغْوًا وَلَكِنَّ الْحُكْمَ مُتَّصِلٌ بِهَا تَارَةً وَيَتَأَخَّرُ أُخْرَى كَالْهِبَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكٍ ، ثُمَّ الْمِلْكُ بِهَا يَتَأَخَّرُ إلَى الْقَبْضِ .
قَوْلُهُ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِهِ قُلْنَا ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ اتَّصَلَ بِوَصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ لَوْ كَانَ جَائِزًا كَانَ عَمَلُهُ فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْعَقْدِ لَا فِي تَغْيِيرِ أَصْلِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فَاسِدًا يَكُونُ عَمَلُهُ فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْعَقْدِ حَتَّى يَصِيرَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْعِدَامِ الْأَصْلِ بَلْ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْعِقَادُ الْأَصْلِ ، فَالصِّفَةُ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّسَبِ عِنْدَ الدُّخُولِ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِحَسَبِ النَّسَبِ فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يُثْبِتُ مِلْكًا حَرَامًا وَلَيْسَ فِي النِّكَاحِ إلَّا مِلْكُ الْحِلِّ وَبَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مُنَافَاةٌ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْفَسَادِ هُنَاكَ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ .
وَهُنَا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَثْبُتُ مِلْكٌ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ انْتِفَاءُ مِلْكِ الْيَمِينِ كَالْعَصِيرِ يَتَخَمَّرُ يَبْقَى مَمْلُوكًا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا ، وَكَشِرَاءِ الرَّجُلِ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَيَمْلِكُهَا وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ فَأَثْبَتْنَا الْمِلْكَ لِهَذَا وَلَكِنَّ الْعَقْدَ بِصِفَةِ الْفَسَادِ يُضَعَّفُ فَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ إلَى انْضِمَامِ مَا يَقُومُ إلَيْهِ وَهُوَ الْقَبْضُ كَعَقْدِ التَّبَرُّعِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ بِغَيْرِ
عِوَضٍ فَإِنَّ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ لِلْفَسَادِ ، وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلِهَذَا تَأَخَّرَ الْمِلْكُ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ انْعَقَدَ مُفِيدًا لِحُكْمِهِ وَلَكِنَّهُ أَخَّرَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ إلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مُقَدَّمٌ قَبْلَ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَذَّرَ إعْمَالُ التَّعْلِيقِ فِي أَصْلِ السَّبَبِ فَيُجْعَلُ عَامِلًا فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْفَسَادِ انْعِدَامُ الْعَقْدِ شَرْعًا كَالْإِحْرَامِ يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ وَيَبْقَى أَصْلُهُ ، وَالطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ حَرَامٌ شَرْعًا ، وَيَكُونُ مُفِيدًا بِحُكْمِهِ وَالظِّهَارُ حَرَامٌ شَرْعًا ثُمَّ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا حُكْمَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ يَصِيرُ مَضْمُونًا وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ أَوْ بِالْعَقْدِ ، وَهُنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَعَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْعَقْدِ ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَوْعُودَ مِنْ الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ مَوْجُودٌ هُنَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الضَّمَانَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ الْمُتَحَقِّقِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْبَيْعِ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَكَذَلِكَ فِي الرِّبَا ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي وَصْفِ الْعَقْدِ ، فَإِنَّ بِالْفَضْلِ يَصِيرُ الْبَيْعُ رَابِحًا ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ فَإِنَّ رُكْنَ الْعَقْدِ الْمَالِيَّةُ فِي الْبَدَلَيْنِ وَبِتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ لَا تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ التَّقَوُّمُ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ تَكُونُ بِكَوْنِ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بِهَا وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ فِي الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } وَلِأَنَّهُ كَانَ مَالًا
مُتَقَوِّمًا قَبْلَ التَّحْرِيمِ .
وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ وَنَجَاسَةُ الْعَيْنِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ كَالسِّرْقِينِ إلَّا أَنَّهُ فَسَدَ تَقَوُّمُهُ شَرْعًا لِضَرُورَةِ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْهُ بِالنَّصِّ ، وَلِهَذَا يَكُونُ مَالًا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي مَحَلِّهِ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَلَكِنَّ الْخَمْرَ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ شَرْعًا فَيُمْلَكُ بِأَدَائِهِ لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ مُوجِبًا الْمِلْكَ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ فَلِانْعِدَامِ رُكْنِ الْعَقْدِ فِي مَحَلِّهِ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهَا أَوْ بَاعَهَا أَوْ مَهَرَهَا أَوْ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي نَظِيرِ هَذَا قَالَ : لِأَنَّهُ مَالِكٌ رَقَبَتَهَا وَهُنَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ نَصًّا بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ الْعَقْدُ الْجَائِزُ يَعْتَبِرُ التَّسْلِيطَ فِي حَقِّ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْفَاسِدِ وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِصَرِيحِ التَّسْلِيطِ فَكَذَلِكَ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ دَلَالَةً ، وَيَعُودُ التَّصَرُّفُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْمِلْكِ دُونَ صِفَةِ الْحِلِّ وَقَدْ ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ التَّسْلِيطُ عَلَى التَّصَرُّفِ ثُمَّ قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهَا فَيَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَى فَاسِدًا لَمَّا بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْعَيْنِ حَقُّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَحَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ حَيْثُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَحَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - مَعَ حَقِّ الْعَبْدِ إذَا اجْتَمَعَا تَقَدَّمَ حَقُّ الْعَبْدِ لَا تَهَاوُنًا بِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْنَى وَالْعَفْوُ مِنْهُ أَرْجَى بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ الْحَقَّيْنِ حَقُّ الْعَبْدِ فَتُرُجِّحَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ .
قَالَ : وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْوَطْءِ مَهْرٌ وَفِي كِتَابِ السَّرَبِ يَقُولُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ قَبْلَ تَأْوِيلِ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا بِالْوَطْءِ حَتَّى رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّ بِرَدِّهَا يَنْفَسِخُ الْمِلْكُ مِنْ الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ بِالْوَطْءِ وَهُنَا قَالَ اسْتَوْلَدَهَا وَبِالِاسْتِيلَادِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ فَإِنَّمَا وَطِئَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ وَقِيلَ : مَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَمَا ذُكِرَ هُنَاكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْلُهُ فِيمَا ذَكَرَ هِشَامٌ أَنَّهَا لَوْ زَادَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي بَدَنِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْتَ الْعِتْقِ فَلَمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ ثَبَّتَ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الزِّيَادَةِ وَيَجْعَلُهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْإِتْلَافِ فَكَذَلِكَ الْمُسْتَوْفِي بِالزِّيَادَةِ فِي حُكْمِ زِيَادَةٍ هِيَ ثَمَرَةٌ وَمِنْ أَصْلِهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ فِي يَدٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرَى بِالْإِتْلَافِ فَكَذَلِكَ الْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فَلِهَذَا لَا مَهْرَ عَلَيْهِ قَالَ : وَإِنْ رَهَنَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ يَكُونُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ فَيَثْبُتُ بِهِ عَجْزُهُ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فَلِهَذَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا وَإِنْ افْتَكَّهَا قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقَاضِي قِيمَتَهَا رَدَّهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ قَبْلَ تَحَوُّلِ حَقِّ الْبَائِعِ إلَى الْقِيمَةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ ، وَقَدْ سَقَطَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّ التَّحَوُّلَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ
قَضَاءٍ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَمْنَعُ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ فَقَدْ تَمَّ تَحَوُّلُ الْحَقِّ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يَعُودُ فِي الْعَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَبِقَ الْمَغْصُوبُ فَقَضَى الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ عَادَ قَالَ : وَلَوْ كَانَ أَجَّرَهَا فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ وَيَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِالْأَعْذَارِ وَقِيَامُ حَقِّ الشَّرْعِ فِي الرَّدِّ لِفَسَادِ السَّبَبِ مِنْهُ أَقْوَى الْأَعْذَارِ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِيَرُدَّهُ فَهَذَا أَوْلَى
قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ شَيْئًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى الدِّيَاسِ أَوْ إلَى الْعَطَاءِ أَوْ إلَى جُذَاذِ النَّخْلِ أَوْ رُجُوعِ الْحَاجِّ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ بَلَغَنَا نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ فَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُجِيزُ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ يُفْسِدُ ذَلِكَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَقَالَ : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالْمَالُ حَالٌّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَغَا ذِكْرَهُ فَأَمَّا عَائِشَةُ كَانَتْ تَقُولُ : وَقْتُ خُرُوجِ الْعَطَاءِ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ لَا يَتَأَخَّرُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَكَانَ هَذَا بَيْعًا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ ، وَلَكِنَّا أَخَذْنَا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ فِعْلُ الْعِبَادِ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ بِحَسَبِ مَا يَبْدُو لَهُمْ وَالْآجَالُ بِالْأَوْقَاتِ دُونَ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْبُيُوعِ بِبَدَلٍ مُؤَجَّلٍ إعْلَامُ الْأَجَلِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَإِعْلَامُ الْأَجَلِ يَكُونُ بِمَا لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ مِنْ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ فَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ يَكُونُ مَجْهُولًا وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْعَالِنَا ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ أَوْ أَنَّهُ قَدْ يَتَعَجَّلُ الْحَرُّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إذْ إبْطَاءُ الْبَرْدِ وَالدِّيَاسِ وَجُذَاذِ النَّخْلِ وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ وَرُجُوعُ الْحَاجِّ فِعْلُهُ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ
قَالَ : فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ الْفَاسِدَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَتَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي اسْتِقْبَالِهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِشْهَادِ وَالنِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ ، وَدَلِيلُ فَسَادِ الْعَقْدِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ ، وَأَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ زَالَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا فِي خَاتَمٍ أَوْ جِذْعًا فِي سَقْفٍ ثُمَّ نَزَعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْبَيْعُ كَانَ صَحِيحًا وَتَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ نَفْسَ الْأَجَلِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ جَهَالَةُ وَقْتِ الْحَصَادِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ فَالشِّتَاءُ لَيْسَ زَمَانَ الْحَصَادِ بِيَقِينٍ ، وَلَكِنَّهُ وَصَلَ ذَلِكَ الزَّمَانَ بِمَا قَبْلَهُ فِي الذِّكْرِ وَلِأَجْلِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا اتِّصَالٌ يَعْرِضُ لِلْفَصْلِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ مَجِيءُ أَوَانِ الْحَصَادِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الِانْفِصَالُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا كَمَا فِي الْجِذْعِ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَلَكِنْ لِاتِّصَالِهِ بِالسَّقْفِ وَلِلضَّرَرِ فِي نَزْعِهِ كَانَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَإِذَا نَزَعَهُ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَذَا هَذَا حَتَّى لَوْ جَاءَهُ زَمَانُ الْحَصَادِ وَتَحَقَّقَ الِاتِّصَالُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُنَاكَ انْعِدَامُ شَرْطِ الْجَوَازِ وَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَالنِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ مُتْعَةٌ وَالْمُتْعَةُ
عَقْدٌ آخَرُ سِوَى النِّكَاحِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ وَإِمْطَارِ السَّمَاءِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَجَلٍ فَالْأَجَلُ مَا يَكُونُ مُنْتَظَرَ الْوُجُودِ ، وَهُبُوبُ الرِّيحِ وَإِمْطَارُ السَّمَاءِ قَدْ يَتَّصِلُ بِكَلَامِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَجَلٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلِأَجْلِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِأَلْفٍ وَبِرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا عِنْدَنَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِ الْخَمْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الصَّرْفِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْبَدَلِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وَهُنَا يَنْفَرِدُ بِهِ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ .
قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى إلَى النَّيْرُوزِ أَوْ إلَى الْمِهْرَجَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ وَقْتَ ذَلِكَ عَادَةً وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَهِلَّةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إعْلَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْأَجَلَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ إلَى الْمِيلَادِ قِيلَ : الْمُرَادُ وَقْتُ نِتَاجِ الْبَهَائِمِ .
وَذَلِكَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَصَادِ وَقَبْلَ وِلَادَةِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا هِيَ حُبْلَى ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَقَبْلَ وَقْتِ وِلَادَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا إلَى صَوْمِ النَّصَارَى ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْرِفُونَ وَقْتَ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَكَذَا إلَى فِطْرِ النَّصَارَى قَبْلَ أَنْ يَشْرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ بِحَسَبِ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي الصَّوْمِ جَازَ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَإِذَا شَرَعُوا فِي الصَّوْمِ صَارَ وَقْتُ فِطْرِهِمْ مَعْلُومًا
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا إلَى أَجَلَيْنِ وَتَفَرَّقَا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَإِنْ سَاوَمَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَاطَعَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَمْضَى الْبَيْعَ عَلَيْهِ جَازَ
وَلَا بَأْسَ بِطَيْلَسَانٍ كُرْدِيٍّ بِطَيْلَسَانَيْنِ حَوَارِيَّيْنِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ وَالْمَقْصُودِ ، وَكَذَا لَا بَأْسَ بِمِسْحٍ مَوْصِلِيٍّ بِمِسْحَيْنِ سَارِيَيْنِ إلَى أَجَلٍ ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِقَطِيفَةٍ يَمَانِيَّةٍ بِقَطِيفَتَيْنِ كُرْدِيَّتَيْنِ إلَى أَجَلٍ .
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الصَّنْعَةِ وَالْمَقْصُودَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا وَحُرْمَةُ النِّسَاءِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْبُيُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : إذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ فِي زِقٍّ فَوَزَنَهُ ثُمَّ جَاءَ بِالزِّقِّ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ : لَيْسَ هَذَا بِزِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ هُوَ زِقُّكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الزِّقَّ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْأَمَانَةِ قَوْلُ الْأَمِينِ ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي يَدِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِي تَعْيِينِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ وَزْنِ الزِّقِّ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ
قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَمَاتَ عَنْهُ وَمَاتَ الْآخَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَقْبُوضِ وَفِي قِيمَةِ الْآخَرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ يَقُولُ قَبَضْتُ ثُلُثَيْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ قِيمَةَ الْمَقْبُوضِ أَلْفٌ وَقِيمَةَ الْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ مَا قَبَضْتُ إلَّا ثُلُثَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ قِيمَةَ الْمَقْبُوضِ خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةَ الْآخَرِ أَلْفٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الْقَبْضَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى كُرَّ حِنْطَةٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ وَهَلَكَ الْبَاقِي عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَبَضْتُ مِنْكَ ثُلُثَهُ ، وَقَالَ الْبَائِعُ نِصْفَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْعَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَيِّتِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا قَبَضَ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا رَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيهِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ يَدَّعِي فِي ذَلِكَ زِيَادَةً وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ رَدَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ مُتَقَرِّرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا سَقَطَ عَنْهُ بِالرَّدِّ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةً فِي ذَلِكَ وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الَّذِي يُرِيدُ رَدَّهُ غَيْرَ مَعِيبٍ وَعَلَى
قِيمَةِ الْمَيِّتِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ كَمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ غَيْرَ مَعِيبٍ ، وَلَوْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ عَلَى قِيمَةِ الْمَيِّتِ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ الزِّيَادَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَهُوَ قِيمَةُ الْمَيِّتِ وَالْمُثْبِتُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ يَتَرَجَّحُ
قَالَ : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْبَيْعِ وَادَّعَى الْبَائِعُ زِيَادَةً فِي حَقِّهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَلَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ ، وَالْمَرْوِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا اخْتَلَفَا الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ وَيَتَرَادَّانِ } ، وَالثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فَيُتْرَكُ كُلُّ قِيَاسٍ بِمُقَابَلَتِهِ وَكَانَ أَبُو حَازِمٍ الْقَاضِي يَقُولُ : إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالتَّحَالُفُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي وُجُوبَ تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ إلَيْهِ عِنْدَ أَدَاءِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ قِيَاسًا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالتَّحَالُفُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا فَإِنَّ الْمَبِيعَ مُسَلَّمٌ إلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمَا ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : أَوَّلًا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْبَائِعِ وَهُوَ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِيَمِينِهِ .
وَإِنْ كَانَ لَا يَكْتَفِي بِيَمِينِهِ فَلَا أَقَلَّ
مِنْ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِهِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ النُّكُولُ وَبِنُكُولِهِ تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بِنَفْسِهِ ، وَبِنُكُولِ الْمُشْتَرِي لَا تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ مَا ادَّعَى مِنْ الثَّمَنِ ، وَالْيَمِينُ تَقْطَعُ الْمُنَازَعَةَ فَيَبْدَأُ بِيَمِينِ مَنْ يَكُونُ نُكُولُهُ أَقْرَبَ إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُهُمَا إنْكَارًا ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فَأَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ : الْقَاضِي يَبْدَأُ بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا التَّسْلِيمُ قَبْلَ صَاحِبِهِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ بَدَلٌ ، أَوْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا مَعًا ، ذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي ادَّعَاهَا الْبَائِعُ انْتَفَتْ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا فَيَقْضِي بِالْبَيْعِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَقُلْنَا : يُفْسَخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَرَادَّانِ وَالْمُرَادُ رَدُّ الْعَقْدِ لَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ عَلَى مِيزَانِ التَّفَاعُلِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَأَحَدُ الْبَدَلَيْنِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي السَّلَمِ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوْجَبَ قَبُولَ بَيِّنَتِهِ ، أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ مُدَّعِي حَقِيقَةً ، وَقَدْ أَثْبَتَ الزِّيَادَةَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ مُدَّعِي صُورَةً ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي
الْعَقْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالدَّعْوَى صُورَةٌ تَكْفِي لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ .
وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ
قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْعَقْدَ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اخْتَلَفَا الْمُتَبَايِعَانِ تَرَادَّا وَلَا يُمْنَعَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ التَّثْنِيَةِ أَيْ تَحَالَفَا ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَتَأَتَّى تَمَيُّزُ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ بِتَحْكِيمِ قِيمَةِ السِّلْعَةِ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فَإِذَا كَانَ تَحَرِّي التَّحَالُفِ مَعَ إمْكَانِ تَمَيُّزِ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَوْلَى وَلِأَنَّ التَّحَالُفَ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا يُنْكِرُهُ صَاحِبُهُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ شَاهِدَيْ الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا يُنْكِرُهُ صَاحِبُهُ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ مُتَحَقِّقٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ ، أَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُقَابَضَةً وَهَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا أَوْ قُبِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، ثُمَّ إذَا حَلَفَا فَقَدْ انْتَفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ بِيَمِينِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ
ثَمَنٍ يَكُونُ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَرَدُّ قِيمَتِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَأَمَّا الْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَمْلُوكٌ لَهُ مُسَلَّمٌ إلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ أَيْضًا وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } وَقَوْلُهُ : وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ مَذْكُورَةٌ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إذَا اخْتَلَفَا الْمُتَبَايِعَانِ شَرْطٌ وَقَوْلُهُ : وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ فَكَانَ شَرْطًا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الِاشْتِرَاطِ وَالْمَخْصُوصَ مِنْ الْقِيَاسِ بِالسُّنَّةِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَحَالُ هَلَاكِ السِّلْعَةِ لَيْسَ فِي مَعْنَى حَالِ قِيَامِ السِّلْعَةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّحَالُفِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَعُودُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسُ مَالِهِ بِعَيْنِهِ وَبَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَكَذَلِكَ بِالتَّحَالُفِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يُرَادُ إلَّا عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ .
وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَاتَ لَا إلَى بَدَلٍ فَإِنَّ الْقِيمَةَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْفَسْخُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَتَأَتَّى بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ فَإِنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ
هُنَاكَ قَائِمٌ وَهُوَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَلِهَذَا جَازَ الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ ، فَكَذَلِكَ بِالتَّحَالُفِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قُبِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِيمَةُ هُنَاكَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَاتِلِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَيْنِ فِي إمْكَانِ فَسْخِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهَا الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ كَانَتْ فِي حُكْمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا آخَرَ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ يَبِيعُ بِأَلْفَيْنِ وَأَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ قَدْ يَصِيرُ بِأَلْفَيْنِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ ، وَالْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ يَصِيرُ بِأَلْفٍ عِنْدَ حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ وَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ إنَّمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لَا لِاخْتِلَافِ الْعَقْدِ بَلْ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَهُمَا وَقَبُولُهُ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الِانْفِرَادِ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعِي صُورَةً لَا مَعْنًى وَذَلِكَ يَكْفِي لِقَبُولِ بَيِّنَتِهِ ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَجَّهُ بِهِ الْيَمِينُ عَلَى خَصْمِهِ كَالْمُدَّعِي يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى خَصْمِهِ وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ تَقْبَلُ عَلَيْهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ جَارِيَةً حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ مُوجِبًا اخْتِلَافَ الْعَقْدِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَالْآخَرُ الْهِبَةَ وَلِهَذَا تَبْطُلُ دَعْوَى الْفَسَادِ وَهُوَ قَوْلُهُ : إنَّهُمَا إذَا حَلَفَا يَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا ثَمَنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَكَذَا لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَفْسَخُ الْبَيْعَ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا وَمَا لَمْ يَفْسَخْ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا وَلَوْ فَسَدَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَمَا تَأَخَّرَ حُكْمُ الْفَسْخِ إلَى طَلَبِ أَحَدِهِمَا
وَالْحَدِيثُ الْمُطْلَقُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ السِّلْعَةِ وَهُوَ لَفْظُ التَّرَادِّ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ رَدَّ الْمَأْخُوذِ حِسًّا وَحَقِيقَةً فَذَلِكَ يَتَأَتَّى عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ مَعَ أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ إذَا وَرَدَ فَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ
قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ مَاتَ وَاخْتَلَفَتْ وَرَثَتُهُ مَعَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي أَيْدِيهِمْ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ بِالِاتِّفَاقِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْبَائِعِ حَتَّى يُطَالِبُونَ بِالثَّمَنِ وَيُطَالِبُونَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ عَرَفْنَا أَنَّهُمْ صَارُوا كَالْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْبَائِعُ ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تُقْبَضْ جَرَى التَّحَالُفُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ وَرَثَةَ الْمُشْتَرِي قَامُوا مُقَامَهُ فِي وُثُوقِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَقْبُوضَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ .
وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَا جَمِيعًا ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَقْبُوضَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَتَحَالَفَانِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً يَتَحَالَفَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ كَمَا أَنَّ الْقِيمَةَ تَخْلُفُ الْعَيْنَ فَكَمَا أَثْبَتَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ التَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ عِنْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْلُفُهَا وَهِيَ الْقِيمَةُ فَكَذَلِكَ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّحَالُفِ عِنْدَ مَوْتِ الْعَاقِدِ بِاعْتِبَارِ مَنْ يَخْلُفُهُ وَهُوَ الْوَارِثُ إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَرَّقَا فِي الْأَصْلِ بَيْنَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى مَا يَخْلُفُهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ بِأَنْ قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَبَيْنَ هَلَاكِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فِي حُكْمِ التَّحَالُفِ فَكَذَلِكَ فِي مَوْتِ الْعَاقِدِ فَرَّقَا بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ اعْتَبَرَ اخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَقِيَامَ السِّلْعَةِ فَقَبِلَ الْقَبْضَ وَارِثُ الْبَائِعِ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِتَسْلِيمِ السِّلْعَةِ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِ التَّحَالُفِ فِيهِ بِالنَّصِّ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَارِثُ الْبَائِعِ لَيْسَ بِبَائِعٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَأَخَذَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ ، وَكَذَلِكَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا ، وَلَا يُقَالُ : الْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَكَذَلِكَ فِي الْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْخِلَافَةِ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ عَاقِدًا
حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا .
قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ ازْدَادَتْ خَيْرًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَتَحَالَفَا فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي عُقُودِ الْمُعَارَضَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا قَالَ : لَا يُمْنَعُ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ فِي الطَّلَاقِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ كَمَا تُمْنَعُ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ عِنْدَهُمَا ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ امْتَنَعَ التَّحَالُفُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ وَلَا الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ فِي الْأَصْلِ لِأَجْلِهَا كَالْمَوْهُوبَةِ إذَا زَادَتْ فِي بَدَنِهَا خَيْرًا لَا يَمْلِكُ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَذَّرَ فَسْخُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ فِي الزِّيَادَةِ فَيَتَعَذَّرُ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأَصْلِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَعَذُّرُ الْفَسْخِ فِي جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِهَلَاكِهِ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عِنْدَ الْجَارِيَةِ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَازْدَادَتْ فِي بَدَنِهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الْجَارِيَةَ بِزِيَادَتِهَا فَهُوَ دَلِيلُ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ عَنْ الْعَيْنِ ، وَقِيلَ : هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هُنَاكَ سَبَبُ الْفَسْخِ قَدْ تَقَرَّرَ وَهُوَ هَلَاكُ الْعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَبِتَقَرُّرِ السَّبَبِ يَثْبُتُ
الْحُكْمُ ضَرُورَةً فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ أَصْلُ الْجَارِيَةِ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَسْخِ فِيهَا ثُبُوتُهُ فِي الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ بَيْعٌ مَحْضٌ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَهُنَا سَبَبُ الْفَسْخِ التَّحَالُفُ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَمْتَنِعُ التَّحَالُفُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فِيهِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ فِي الْأَصْلِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالسَّمْنِ فِي التَّسْوِيقِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي حُكْمِ التَّحَالُفِ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ هُنَا أَوْ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الْعَقْدِ قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً .
فَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ كَالْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهَا فَحُكْمُ التَّحَالُفِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي قُلْنَا إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الْعَيْنِ تَمْنَعُ الْفَسْخَ بِالرَّدِّ فِي الْعَيْبِ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ بِالتَّحَالُفِ فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ كَالْهَالِكَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَلَا تَمْنَعُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ بِالتَّحَالُفِ ، وَلَكِنَّهَا تُرَدُّ وَيُسَلَّمُ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْعِلَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَفَسْخُ الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ ، كَمَا لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ
وَإِنْ انْتَقَصَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ دَخَلَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ الْبَائِعُ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ انْفَسَخَ بِالتَّحَالُفِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ يُفْسَخُ الْعَقْدُ عَلَى الْغَيْرِ إنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ ، وَإِنْ أَبَى فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ هَالِكَةً
قَالَ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَقَدْ خَرَجَتْ السِّلْعَةُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِيمَا إذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ قَدْ رَجَعَتْ إلَيْهِ لِوَجْهٍ غَيْرِ الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ مِنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ حَادِثٌ فَاخْتِلَافُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ فَكَمَا لَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بِاعْتِبَارِ رُجُوعِ عَيْنٍ آخَرَ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ رُجُوعِ هَذِهِ الْعَيْنِ بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ
قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بَاعَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي الَّذِي بَاعَ نَصِيبَهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، وَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُمَا بَاعَا وَيَتَحَالَفَانِ عَلَى حِصَّةِ الْآخَرِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي النِّصْفِ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، وَقِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجْرِي التَّحَالُفُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ إنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ أَوْ الْخِيَارِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا فِي الْكُلِّ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ عَلَى حِصَّةِ الْآخَرِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّحَالُفُ يَجْرِي فِي الْكُلِّ ثُمَّ فِي حِصَّةِ الَّذِي بَاعَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ وَفِي حِصَّةِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ
قَالَ : وَإِذَا اخْتَلَفَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ أَنْقَصُ مِنْ الْحَالِّ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : اخْتَلَفَا فِي مُدَّةٍ مُلْحَقَةٍ بِالْعَقْدِ شَرْطًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَجْرِي التَّحَالُفُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ التَّحَالُفِ عُرِفَ بِالنَّصِّ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ وَالْأَجَلُ وَرَاءَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ فَأَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْبَائِعِ سَوَاءٌ أَنْكَرَ زِيَادَةَ الْأَجَلِ أَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْأَجَلِ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَجَلِ فِي بَابِ السَّلَمِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُنَا الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْأَجَلَ مِنْ قَبْلُ ، أَنَّ هُنَاكَ الْأَجَلَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِقْرَارُهُ بِالْعَقْدِ إقْرَارٌ بِهِ وَبِمَا هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْعَقْدِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْأَجَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فَأَمَّا هُنَا الْأَجَلُ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي أَيْضًا الثَّمَنَ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّأْخِيرَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ
قَالَ : وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ وَاخْتَلَفَا فِي نَصِيبِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ
قَالَ : وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَقَالَ : الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهَا مَعَ هَذَا الْوَصِيفِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهُمَا جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا وَيَقْضِي بِالْعَقْدَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ زِيَادَةً فِي حَقِّهِ فَبَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَثْبَتَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي حَقِّهِ مَقْبُولَةٌ ، وَقِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَقْضِي بِهِمَا لِلْمُشْتَرِي بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا إذَا اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْإِجَارَاتِ
قَالَ : وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَبْدِكَ هَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِالْعَبْدِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْجَارِيَةِ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمَا ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فَبَيِّنَتُهُ عَلَى حَقِّهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ ، وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ فِي الْعَبْدِ ، وَالْمُشْتَرِي يَنْفِي ذَلِكَ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِثَوْبَيْنِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ ، وَقَدْ هَلَكَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ الْهَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَعَلَى قَابِضِ الثَّوْبَيْنِ رَدُّهُمَا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ فِي الْقَائِمِ فِيهِمَا الْقَادِرُ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ وَفِي الْهَالِكِ عَاجِزٌ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَا فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ مَعَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَالْمَغْصُوبِ وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الَّذِي كَانَا فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ قَوْلُهُ قَالَ : وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ كَانَ لِصَاحِبِ الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَوَلَدَهَا ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْقَابِضِ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضَةِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهَا بِزَوَائِدِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَهَا عَيْبٌ يُنْقِصُهَا أَخَذَ مَعَهَا النُّقْصَانَ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا ؛ وَهَذَا لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالتَّنَاوُلِ قَالَ : وَلَوْ كَانَ الَّذِي الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ أَعْتَقَهَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَإِنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ عِنْدَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا وَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا مَعَ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهَا بِنُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهَا ، قَالَ : وَلَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ حُرًّا كَانَ عِتْقُ الْبَائِعِ فِي الْجَارِيَةِ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْحُرِّ لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ .
وَالْبَيْعُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَعِنْدَ انْعِدَامِ
الْمَالِيَّةِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا وَبِدُونِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي الْمُشْتَرَاةِ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ بِثَوْبَيْنِ وَقَبَضَ الْعَبْدَ ثُمَّ هَلَكَ الثَّوْبَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُمَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْعَبْدِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ هَلَاكِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ ، أَمَّا قَبْلَ هَلَاكِ الثَّوْبَيْنِ فَلَا إشْكَالَ وَبَعْدَ هَلَاكِهِمَا وَإِنْ فَسَدَ الْعَقْدُ فَقَدْ بَقِيَ الْمِلْكُ بِبَقَاءِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ ابْتِدَاءً فَلَا يُمْنَعُ بَقَاؤُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بَعْدَمَا فَسَدَ السَّبَبُ فِيهِ وَلَوْ تَقَابَضَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَقَالَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ الثَّوْبَانِ : أَسْتَحِقُّ أَعْلَاهُمَا ثَمَنًا ، وَقَالَ الَّذِي بَاعَهُمَا : بَلْ أَسْتَحِقُّ أَرْخَصَهُمَا ثَمَنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّوْبَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لِبَائِعِ الثَّوْبَيْنِ جَمِيعَ الْعَبْدِ حِينَ اسْتَحَقَّ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا يَثْبُتُ لِبَائِعِ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَهَا بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ
قَالَ وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِي وَمُنْكِرٌ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ فِي عَيْنٍ آخَرَ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَضَى بِالْبَيْعِ فِيهِمَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ السَّلَمِ .
وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي : ابْتَعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدْت الثَّمَنَ ، وَقَالَ الْبَائِعُ مَا بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ إنَّمَا بِعْتُكَ جَارِيَةً بِهَذِهِ الْأَلْفِ وَقَبَضْتَ الثَّمَنَ وَدَفَعْتُهَا إلَيْكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ ، فَإِنْ حَلَفَ الْبَائِعُ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَفَى بِيَمِينِهِ فِيهِ ، وَقَدْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فِي الْأَصْلِ ، وَإِذَا حَلَفَ الَّذِي كَانَ فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ مَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ فَعَلَى بَائِعِهَا رَدُّ الْأَلْفِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قَضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءُ أَلْفٍ أُخْرَى
قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى عَدْلَ زُطِّيٍّ وَأَقَرَّ أَنَّهُ زُطِّيٌّ وَلَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّهُ فَقَالَ وَجَدْتُهُ كَرَابِيسَ لَمْ يُصَدَّقْ وَالثَّمَنُ لَهُ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ ، وَلِأَنَّ بِسَبَبِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ إذَا أُحْضِرَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَحْضَرَهُ كَرَابِيسُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ زُطِّيٌّ يَزْعُمُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي أَزُطِّيٌّ هُوَ أَمْ لَا وَلَكِنِّي أَخَذْتُهُ عَلَى قَوْلِكَ فَانْظُرْ ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ فَقَالَ وَجَدْتُهُ كَرَابِيسَ كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ، وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ بَقِيَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ مِلْكَ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِهِ ضَامِنًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاقِضٍ فِي كَلَامِهِ هُنَا بَلْ مُنْكِرٌ لِقَبْضِ الزُّطِّيِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَفِي الْأَوَّلِ هُوَ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الزُّطِّيُّ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ ذَلِكَ
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ هُوَ هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَا أَدْرِي وَقَدْ رَآهُ وَلَكِنِّي أَخَذْتُهُ عَلَى مَا يَقُولُ ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ وَقَالَ وَجَدْتُهُ يَهُودِيًّا لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَأَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَ دَعْوَاهُ حَقَّ الرَّدِّ لِنَفْسِهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ .
قَالَ : وَإِذَا نَظَر إلَى الْعَدْلِ مَطْوِيًّا وَلَمْ يَنْشُرْهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى طَرَفًا مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ ، وَرُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَيِّ الثَّوْبِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ كَالطِّرَازِ وَالْعَلَمِ فَحِينَئِذٍ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْمَقْصُودُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى خَادِمَةً عَلَى أَنَّهَا خُرَاسَانِيَّةٌ فَوَجَدَهَا سِنْدِيَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ هَذَا الْعَيْبِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْأَصْلِ وَتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ الْخُرَاسَانِيَّات أَكْثَرُ مَالِيَّةً مِنْ السِّنْدِيَّاتِ فَإِنَّمَا فَاتَ زِيَادَةُ صِفَةٍ مَشْرُوطَةٍ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الرَّدِّ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ فَوَجَدَهُ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْع قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ يُؤَخِّرُ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } وَفِي رِوَايَةٍ { بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ } فَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ .
وَالْمُرَادُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلِهَذَا قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَذَكَرَ التَّحْفِيلَ لِبَيَانِ السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ ، وَالْمُحَفَّلَةُ الَّتِي اجْتَمَعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا وَالْمَحْفِلُ هُوَ الْمَجْمَعُ ، وَاجْتِمَاعُ اللَّبَنَيْنِ فِي ضَرْعِهَا قَدْ يَكُونُ لِغَزَارَةِ اللَّبَنِ وَقَدْ يَكُونُ بِتَحْصِيلِ الْبَائِعِ بِأَنْ يَسُدَّ ضَرْعَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِالنَّظَرِ مُدَّةً ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا يَتَبَيَّنُ لَهُ شَيْءٌ ، وَكَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَعَلَّ النُّقْصَانَ تَعَارَضَ فَإِذَا حَلَبَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَكَانَ مِثْلَ الْيَوْمِ الثَّانِي عَلِمَ أَنَّ لَبَنَهَا هَذَا الْقَدْرُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَانَ لِلتَّحْفِيلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى يَدْفَعَ الْغُرُورَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَوَّزَ لَهُ الشَّرْعُ ذَلِكَ ، وَجَعَلَهُ يُؤَخِّرُ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ شَرْطِ خِيَارٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِسَبَبِ التَّحْفِيلِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِأَجْلِ اللَّبَنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى نَاقَةً فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً وَهِيَ الَّتِي سَدَّ الْبَائِعُ ضَرْعَهَا حَتَّى اجْتَمَعَ اللَّبَنُ فِيهِ فَصَارَ ضَرْعُهَا كَالصَّرَاةِ وَهِيَ الْحَوْضُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَالتَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِسَبَبِ التَّصْرِيَةِ وَالتَّحْفِيلِ
، وَكَذَلِكَ لَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَ الْعَبْدِ حَتَّى ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَاتِبًا أَوْ أَلْبَسَهُ ثِيَابَ الْخَبَّازِينَ حَتَّى ظَنَّهُ خَبَّازًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الشَّاةِ الْمُحَفَّلَةِ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ وَأَقُولُ يَرُدُّهَا وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ يُؤَخِّرُ النَّظَرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ } وَبَعْدَمَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَكُلُّ قِيَاسٍ مَتْرُوكٌ بِمُقَابَلَتِهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِغُرُورٍ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ ، وَالتَّدْلِيسُ وَالْغُرُورُ يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةَ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ فِي وَسَطِهَا دُكَّانًا أَوْ اشْتَرَى قُفَّةً مِنْ الثِّمَارِ فَوَجَدَ فِي أَسْفَلِهَا حَشِيشًا .
ثُمَّ ذِكْرُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لِلتَّوْقِيتِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ بَلْ لِبَيَانِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا الْعَيْبُ ، وَأَمَّا رَدُّ التَّمْرِ لِمَكَانِ اللَّبَنِ فَلِأَنَّ مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ اللَّبَنِ قَدْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ فَسَدَ فِي يَدِهِ وَلَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ لِيَرُدَّ مِثْلَهُ فَأَمَرَهُ بِرَدِّ التَّمْرِ مَكَانَهُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا فَالْقُوتُ فِيهِمْ كَانَ هُوَ التَّمْرُ وَاللَّبَنُ فَلِهَذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَيُجْعَلُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَبْقَى أَوَّلُ الْحَدِيثِ مَعْمُولًا بِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا سَقَى الدَّابَّةَ وَعَلَفَهَا حَتَّى ظَنَّهَا الْمُشْتَرِي حَامِلًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَهُ حَقُّ الرَّدِّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ لِلتَّدْلِيسِ وَالْغُرُورِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ هُنَا ؛ لِأَنَّ
اكْتِسَابَ سَبَبِ هَذَا الْغُرُورِ يُجْعَلُ كَالشَّرْطِ فِيمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ وَشَرْطُ الْحَبَلِ فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ ، وَأَمَّا شَرْطُ كَوْنِ النَّاقَةِ لَبُونًا وَالْعَبْدُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا يَجُوزُ فَيُجْعَلُ الْبَائِعُ إنَّمَا اكْتَسَبَ مِنْ السَّبَبِ كَالشَّارِطِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ وَبِقِلَّةِ اللَّبَنِ لَا تَنْعَدِمُ صِفَةُ السَّلَامَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ ثَمَرَةٌ وَبِعَدَمِهَا لَا تَنْعَدِمُ صِفَةُ السَّلَامَةِ فَبِقِلَّتِهَا أَوْلَى ، وَإِذَا ثَبَتَ صِفَةُ السَّلَامَةِ انْتَفَى الْعَيْبُ ضَرُورَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْغُرُورِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُغْتَرٌّ لَا مَغْرُورٌ ، فَإِنْ ظَنَّهَا عَزِيزَةَ اللَّبَنِ بِالْبِنَاءِ عَلَى شَيْءٍ مُثْبِتٍ فَإِنَّ انْتِفَاخَ الضَّرْعِ قَدْ يَكُونُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ .
وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّحْفِيلِ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ احْتِمَالُ التَّحْفِيلِ فِيهِ أَظْهَرُ فَيَكُونُ هُوَ مُغْتَرًّا فِي تَبَاطُنِهِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَسْأَلَ الْبَائِعَ لِيَبْنِيَ عَلَى النَّصِّ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ فَحِينَ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُغْتَرًّا وَلَئِنْ كَانَ مَغْرُورًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّرْطَ غَزَارَةَ اللَّبَنِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ كَشَرْطِ الْحَمْلِ فَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ جَبْرٍ يَجْبُرُهُ الْبَائِعُ أَنَّهَا عَزِيزَةُ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ ، وَالْغُرُورُ بِالْخَبَرِ لَا يُثْبِتُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَارِّ كَمَنْ أَخْبَرَ إنْسَانًا بِأَمْنِ الطَّرِيقِ فَسَلَكَهَا فَأَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَهُ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَغْرُورِ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الضَّمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ فَقَدْ شَرَطَ أَنَّ جَمِيعَ الصُّبْرَةِ حِنْطَةٌ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْقُفَّةِ
عِنَبٌ فَإِذَا وَجَدَهُ بِخِلَافِ مَا شَرَطَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لِذَلِكَ فَأَمَّا الْحَدِيثُ قُلْنَا : مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَأَمَّا مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ تَسَاهُلُهُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ رَدَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْضَ رِوَايَاتِهِ بِالْقِيَاسِ نَحْوُ حَدِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ حَمْلِ الْجِنَازَةِ فَقَالَ : أَيَلْزَمُنَا الْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ ، وَنَحْوُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ حَيْثُ قَالَ : لَوْ تَوَضَّأْتُ بِمَا سُخِّنَ كُنْتُ أَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأُصُولِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهُمَا أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلِفَاتِ يَتَقَدَّرُ بِالْمِثْلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالْقِيمَةِ ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَالْوَاجِبُ الْمِثْلُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ عَلَيْهِ فِي بَيَانِ الْمِقْدَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْقِيمَةُ ، فَأَمَّا إيجَابُ التَّمْرِ مَكَانَ اللَّبَنِ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَفِيهِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ قَلِيلِ اللَّبَنِ وَكَثِيرِهِ فِيمَا يَجِبُ مَكَانَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إذَا قَلَّ الْمُتْلَفُ قَلَّ الضَّمَانُ ، وَإِذَا كَثُرَ الْمُتْلَفُ كَثُرَ الضَّمَانُ وَهُنَا الْوَاجِبُ صَاعٌ مِنْ التَّمْرِ قَلَّ اللَّبَنُ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَوْقِيتَ خِيَارِ الْعَيْبِ فَوَجَبَ رَدُّهُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَحْمِلُهُ عَنْ تَأْوِيلٍ ، وَإِنْ بَعُدَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرَّدِّ فَنَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا عَزِيزَةُ اللَّبَنِ فَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا بِالشَّرْطِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّهَا مَعَ مَا حَلَبَ مِنْ لَبَنِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا تُرَدُّ بِزَوَائِدِهَا ،
وَقَدْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَكَلَ اللَّبَنَ فَدَعَاهُمَا إلَى الصُّلْحِ وَرَدَّ مَكَانَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَقَعُ مِثْلُ هَذَا لِمَنْ قَلَّ فَهْمُهُ مِنْ الرُّوَاةِ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْحَدِيثَ أَحَدٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفِقْهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - قَالَ : وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ بَيْعٍ يَشْتَرِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِدٍ وَأَبُوهُ مُنْقِدُ بْنُ عُمَرَ فَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهِ رَوَى الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَقَدْ كَانَ يُعَيِّنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِمَأْمُومَةٍ أَصَابَتْ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَايَعَتْ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَكَانَ أَلْثَغَ بِاللَّامِ فَكَانَ يَقُولُ لَا خِيَابَةَ فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلُ جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ تَعَلُّقُ الْعَقْدِ وَعُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَيَبْقَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَمُوجِبُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ لِلْحَدِيثِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ فَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَرَى النَّظَرَ فِيهِ وَيُرِيهِ بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ لِيَحْتَاجَ لِأَجْلِ ذَلِكَ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ بَعْضُ الْعُقُودِ لِحَاجَةِ النَّاسِ كَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَشَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْعَقْدِ أَوْلَى ثُمَّ أَصْلُ الْعَقْدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ صِفَةٌ فِي الْعَقْدِ يُقَالُ : بَيْعٌ بَاتٌّ وَبَيْعٌ بِخِيَارٍ وَبِالصِّفَةِ لَا يَتَعَلَّقُ أَصْلُ الْمَوْصُوفِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْخِيَارُ فِي الْحُكْمِ فَيَجْعَلُهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ
لَا يَخْلُو السَّبَبُ عَنْ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ الْحُكْمُ بِهِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ عَنْهُ لِمُؤَخَّرٍ كَمَا يَتَأَخَّرُ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بِشَرْطِ الْأَجَلِ ثُمَّ خِيَارُ الشَّرْطِ يَتَقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَا دُونَهَا وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - .
وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } فَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ شَهْرًا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ لِرَجُلٍ فِي نَاقَةٍ شَهْرَيْنِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ شَرْطًا فَلَا تَتَقَدَّرُ بِالثُّلُثِ كَالْأَجَلِ ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَالثُّلُثِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ جَوَّزْنَا شَرْطَ الْخِيَارِ ثُمَّ يُعْتَبَرُ هَذَا الْخِيَارُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ أَوْ بِنَفْسِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى عَقْدِ الْكَفَالَةِ فَكَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ هُنَاكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ هُنَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّرَ الْخِيَارَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَالتَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ أَوْ لِمَنْعِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَيْسَ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ إذْ لَوْ لَمْ تُمْنَعْ الزِّيَادَةُ لَمْ يَبْقَ لِهَذَا التَّقْدِيرِ فَائِدَةٌ ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ التَّقْدِيرِ لَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ بِحَازِقٍ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ ثُمَّ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَتَمَكَّنُ مَعْنَى الْغَرَرِ وَبِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ
يَزْدَادُ الْغَرَرُ ، وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَهُوَ قِيَاسٌ يَسُدُّهُ الْأَثَرُ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثَةِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِ .
وَجَوَازُ الْعَقْدِ مَعَ الْقَلِيلِ مِنْ الْغَرَرِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَبِهِ فَارَقَ الطَّفَالَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ أَصْلِ الطَّفَالَةِ بِأَنْ يَقُولَ مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ وَبِهِ فَارَقَ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الْغَرَرُ بِسَبَبِهِ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ ، وَأَنَّهُ أَجَازَ الرُّؤْيَةَ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وَكَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } فَقَدْ قَالَ أَيْضًا { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ بَاطِلٌ } ثُمَّ جَوَازُ شَرْطِ الْخِيَارِ لِحَاجَةٍ وَهَذِهِ الْحَاجَةُ تُرْفَعُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِيمَا رَآهُ لِحَاجَةٍ
وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ أَسْقَطَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ خِيَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ صَحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ إلَى الْحَصَادِ ، وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ وَصْلُ الْخِيَارِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ يَعْرِضُ الْفَصْلَ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَإِذَا فُصِلَ بِالْإِسْقَاطِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَأَمَّا إذَا جَاءَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَقَدْ تَقَرَّرَ الْمُفْسِدُ بِاتِّصَالِ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِسْقَاطِ فِيمَا بَقِيَ لَا فِيمَا مَضَى فَلِهَذَا يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ بِهِ
قَالَ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمَاتَ الْبَائِعُ أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَمَاتَا فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فَإِنَّ الْخِيَارَ بَاقٍ وَلَا يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُورَثُ وَيَقُومُ وَارِثُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مَقَامَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لَازِمٌ ثَبَتَ فِي عَقْدِ بَيْعٍ فَيَخْلُفُ الْوَارِثُ فِيهِ الْمُوَرِّثَ كَمَا فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَحَقِّ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا ثَابِتٍ فِي بَيْعٍ مُنْعَقِدٍ ، وَبِخِلَافِ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْبَيْعِ ، وَلَكِنَّهُ صِفَةُ الدَّيْنِ ثُمَّ الْإِرْثُ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوَرِّثُ ، وَلَا مَنْفَعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إبْقَاءِ الْأَجَلِ ، فَإِنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ مُرْتَهَنَةٌ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يُقْضَ عَنْهُ فَلَا نَبْسُطُ يَدَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ لِقِيَامِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُورَثِ فَأَمَّا فِي تَوْرِيثِ الْخِيَارِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْوَارِثِ وَلِلْمُوَرِّثِ جَمِيعًا فَإِنَّ الضَّرَرَ وَالْعَيْنَ يُدْفَعُ بِهِ ، وَرُبَّمَا يَقُولُونَ هَذَا خِيَارٌ ثَابِتٌ فِي عَيْنٍ مَبِيعَةٍ فَيَخْلُفُ الْوَارِثُ الْمُوَرِّثَ فِيهِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ مَا بَقِيَ خِيَارُهُ ، وَالْوَارِثُ يُخَالِفُ الْمُوَرِّثَ فِيمَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ بَاقِيًا لِلْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَذَا الِانْتِقَالِ فَمِنْ ضَرُورَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ انْتِقَالُ الْخِيَارِ إلَيْهِ لِيَقُومَ الْوَارِثُ مُقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِهِ .
وَحُجَّتُنَا مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ إنَّ الْبَيْعَ مُنْعَقِدٌ
مَعَ الْخِيَارِ ، وَقَدْ كَانَ الْخِيَارُ مَشِيئَتَهُ فِي رَدِّهِ وَلَا يَتَحَوَّلُ بِالْمَوْتِ مَشِيئَتُهُ إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ إرَادَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ صِفَةٌ فَلَا يُحْتَمَلُ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ لَا يُورَثُ كَمِلْكِهِ فِي مَنْكُوحَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُورَثُ مَا كَانَ قَائِمًا وَالْعَقْدُ قَوْلٌ قَدْ مَضَى وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الْإِقَالَةَ لِقِيَامِهِ مُقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يُثْبِتُ وِلَايَةَ الْإِقَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقَالَةَ الْمُوَكِّلِ مَعَ الْبَائِعِ صَحِيحَةٌ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ الْبَاقِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمَّا انْقَطَعَ خِيَارُهُ بِالْمَوْتِ صَارَتْ الْعَيْنُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي وَوَارِثُ الْبَائِعِ لَا يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ .
وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ وَالْخِيَارَ مَانِعٌ فَإِذَا سَقَطَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِهَذَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ فَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ يُورَثُ وَلَكِنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ يَتَقَرَّرُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَإِذَا طَالَبَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ وَعَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ فُسِخَ الْعَقْدُ لِأَجْلِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْمُشْتَرِيَ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْجُزْءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِيَارَ قَدْ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَارِثِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمُورَثِ بِأَنْ يَتَغَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَارِثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ
فَإِنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّرْطُ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَلَا يُمْكِنُ التَّوْرِيثُ لَهُ فِيهِ ، وَلِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ الْخِيَارُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ لَا لِلْإِجَازَةِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلْفَسْخِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِدُونِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْخِيَارُ لِيُفْسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ ، وَالْمُسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا مَاتَ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ لَيْسَ هُوَ الْفَسْخَ ، وَلَكِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حَتَّى إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَالْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِيمَا هُوَ مَالٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ شَرْطًا فَلَا تَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ مَنْ هِيَ لَهُ كَالْأَجَلِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَبْلَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ فَيَبْطُلُ لِمَوْتِهِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ بِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الْمُطَالِبِ وَالْأَجَلُ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلدَّيْنِ وَفِي إبْقَاءِ الْأَجَلِ فَائِدَةٌ ، فَرُبَّمَا لَا يَكُونُ فِي تَرِكَتِهِ مَا بِدَيْنِهِ ثُمَّ يَصِيرُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِيهَا وَفَاءً بِالدَّيْنِ يَتِمُّ بِغَيْرِ السِّعْرِ أَوْ يَتَصَرَّفُ الْوَارِثُ فِي التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَبْسُطُ فِي التَّرِكَةِ يَدَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ الْأَجَلُ قَامَ الْوَارِثُ مُقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي التَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَبْقَ الْأَجَلُ فَكَذَلِكَ الْخِيَارُ .
وَكَذَلِكَ إذَا سَكَتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ ارْتَدَّ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَزِمَ الْبَيْعُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَبْقَى بَعْدَ
مُضِيِّ الْوَقْتِ وَالْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ لَازِمٌ ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ كَانَ مَانِعًا مِنْ اللُّزُومِ فَبِأَيِّ وَجْهٍ سَقَطَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
قَالَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَهَلَكَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ حِينَ أَشْرَفَتْ السِّلْعَةُ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِنَّهَا قَدْ تَعَيَّنَتْ بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَّا كَمَا قَبَضَهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ خِيَارُهُ ، وَتَمَّ الْبَيْعُ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لِكَوْنِهِ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَ السِّلْعَةَ عَيْبٌ عِنْدَهُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَ بِأَيِّ وَجْهٍ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي مِلْكٍ مُسْتَقِرٍّ فَإِقْدَامُهُ عَلَى وَطْئِهَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى الرِّضَا بِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ ، وَكَذَلِكَ إنْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْرِضُهَا عَلَى الْبَيْعِ لِبَيْعِهَا وَالْبَيْعُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَرِضَاهُ يُقَرِّرُ مِلْكَهُ فِيهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : قَدْ رَضِيتُهَا ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّضَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ شَيْءٌ ، فَالْمَبِيعُ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَهُوَ رَاضٍ بِتَمَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ، وَلَهُ أَنْ يَرْضَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِفَسْخِهِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ، فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَّ الْفَسْخُ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْضَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِفَسْخِهِ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَسْخُ وَتَمَّ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ
رَدُّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ يُلَاقِي خَالِصَ حَقِّهِ فَيَكُونُ نَافِذًا كَالزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَالْمُعْتَقَةِ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ عِلْمِ الزَّوْجِ كَانَ اخْتِيَارُهَا صَحِيحًا ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْخِيَارَ خَالِصُ حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْآخَرِ فِي تَصَرُّفِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَاعْتُبِرَ الْفَسْخُ بِالْإِجَارَةِ وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ الْخِيَارُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ وَالْمُسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُسَلَّطِ كَمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ ، وَالثَّانِي أَنَّ الْخِيَارَ شَرْطٌ لِيَدْفَعَ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ يَفُوتُ مَقْصُودُهُ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُخْفِي شَخْصَهُ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ فَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ شَاءَ أَوْ أَبَى .
وَلِهَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ رِضَاهُ فَكَذَلِكَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ حُضُورِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فَلَوْ شَرَطْنَا حُضُورَ الْبَائِعِ فِيهِ لِلْفَسْخِ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ سُقُوطُ خِيَارِهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ هُنَاكَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْفَسْخِ ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَإِذَا تَحَقَّقَ عَجْزُ الْبَائِعِ عَنْهُ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا : إنَّهُ بِالْفَسْخِ يَلْزَمُ غَيْرُهُ حَقًّا فَلَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْغَيْرِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَالْمُوَكِّلِ إذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ غَيْبَةً لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ
الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْخِيَارِ وَبِالْفَسْخِ ارْتَفَعَ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّ الْآخَرِ ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ ضِدُّ حُكْمِ الْعَقْدِ فَعَرَفْنَا أَنَّ بِتَصَرُّفِهِ يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ حَقًّا وَتَأْثِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَمَا فِي خِطَابِ الشَّرْعِ يُقَرِّرُهُ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَطْلُبُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِذَا جَاءَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ فَسَخَ الْعَقْدَ فَلَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَسْخِ فِي حَقِّهِ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِهِ وَهَذَا ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَسْخِ قَبْلَ عِلْمِهِ فِي حَقِّهِ فَالْمُشْتَرِي وَإِنْ تَضَرَّرَ وَلَكِنَّ هَذَا ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ لَا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بَلْ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ اتِّحَادِ شَرْطِ صِحَّةِ الْفَسْخِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُلْزِمُ الْبَائِعَ بِإِجَارَتِهِ شَيْءٌ وَهُوَ نَظِيرُ الرِّضَى بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَصِيرُ غَيْرَ لَازِمٍ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَيَلْتَحِقُ بِالْعُقُودِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَكَالَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ هَذِهِ الْعُقُودِ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ صَاحِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَيْفَ يُقَالُ هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ ؟ ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ وَبِانْعِدَامِ صِفَةِ
اللُّزُومِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَمَا فِي الْوَكَالَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُسَلَّطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكَّلِ بِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَوْقَ عِلْمِهِ بِهِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ عَرَفْنَا أَنَّ مُوجِبَ الْخِيَارِ دَفْعُ صِفَةِ اللُّزُومِ فَيَسْقُطُ ، وَلَيْسَ هَذَا كَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الزَّوْجَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ إنَّمَا يَرْفَعُ الْحِلَّ الثَّابِتَ لَهُ ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّجْعَةِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ عَلَى حَالِهِ
وَقِيلَ فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ : إنَّ فَسْخَهَا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا يُسَلَّمُ عَلَى هَذَا وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ هُنَاكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ يَزْدَادُ بِحُرْمَتِهَا ، وَدَفْعُهَا زِيَادَةَ الْمِلْكِ يَكُونُ امْتِنَاعًا مِنْ الِالْتِزَامِ لَا إلْزَامَ الْغَيْرِ شَيْئًا ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا الِالْتِزَامِ إلَّا بِرَفْعِ أَصْلِ النِّكَاحِ فَثَبَتَ لَهَا وِلَايَةُ رَفْعِ النِّكَاحِ لِضَرُورَةِ حَاجَتِهَا إلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ عَنْ نَفْسِهَا ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ بِتَخَيُّرِ الشَّرْعِ إيَّاهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي فَيَجْعَلُ كَأَنَّ الزَّوْجَ خَيَّرَهَا ، فَلِهَذَا صَحَّ اخْتِيَارُهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ ، وَهُنَا مَنْ لَهُ الْخِيَارُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ كَمَا قَرَّرْنَا قَالَ : وَإِنْ اخْتَارَتْ رَدَّهَا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَوْ الْإِجَازَةُ بِقَلْبِهِ كَانَ بَاطِلًا أَيُّهُمَا كَانَ صَاحِبَ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ نِيَّةٌ وَالنِّيَّةُ بِدُونِ الْعَمَلِ لَا تُثْبِتُ الْفَسْخَ وَلَا الْإِجَازَةَ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ أَصْلُ الْعَقْدِ مِنْهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا }
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمَا ثَبَتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : هُوَ أَمِينٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ شَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ بِرِضَاهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْبَائِعُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا بِجِهَةِ الْعَقْدِ وَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الْعَقْدِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ الثَّابِتَ بِالْعَقْدِ هُوَ الْقِيمَةُ ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ إلَى الثَّمَنِ عِنْدَ تَمَامِ الرِّضَا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَبْقَى الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ سَقَطَ خِيَارُهُ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ كَمَا قَبَضَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَهُوَ قَائِمٌ فَلَزِمَهُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى ، وَهُنَا وَإِنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَخِيَارُ الْبَائِعِ لَمْ يَسْقُطْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَكَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَذَلِكَ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا الْبَائِعُ أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَطِأَهَا أَوْ قَبَّلَهَا مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ رَهَنَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ أَجَّرَهَا وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ فَهَذَا كُلُّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ فَأَمَّا الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَحِلُّ بِتَصَرُّفِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ وَلِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ .
وَأَمَّا الْوَطْءُ وَالتَّقْبِيلُ فَدَلِيلُ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ بِهِ لَكَانَ إذَا
جَازَ الْبَيْعُ بَعْدَ هَذَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِزَوَائِدِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَطْأَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ فَأَمَّا بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَلِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ الْعَيْنِ وَبِالرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ أَوْجَبَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقًّا وَبِالْإِجَارَةِ يُوجِبُ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقًّا ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ إلْزَامِ الْبَيْعِ وَلِهَذَا شَرَطَ التَّسْلِيمَ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ فَسْخُ الْعَقْدِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ صَحِيحٌ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْفَسْخِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ لَا بِقَصْدِ التَّصَرُّفِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْمُوَكِّلِ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي وُكِّلَ بِبَيْعِهِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَزَلَهُ قَصْدًا
وَلَوْ اخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا وَإِنْ اخْتَارَ لُزُومَ الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْزِمُ الْمُشْتَرِيَ بِتَصَرُّفِهِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْبَائِعُ حَقَّ نَفْسِهِ فِي الْفَسْخِ بِالْإِجَارَةِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنْقِصَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ لِإِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِهِ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَإِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَثْبُتُ لِلْعَاقِدِ فَاشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَإِبْرَامِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ خِيَارُ الشَّرْطِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ فَكَذَلِكَ هَذَا ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْغَيْرَ نَائِبًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلِهَذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلشَّارِطِ بِهَذَا اللَّفْظِ
وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ وَكَّلَ الْغَيْرَ بِالتَّصَرُّفِ بِحُكْمِهِ اسْتَقَامَ ذَلِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْعَيْنِ ، وَقَدْ يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ شَيْئًا وَهُوَ غَيْرُ مُهْتَدٍ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِمَنْ يَكُونُ مُهْتَدِيًا فِيهِ مِنْ صِدِّيقٍ أَوْ قَرِيبٍ حَتَّى يَنْظُرَ إلَيْهِ فَلِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ جَعَلْنَاهُ كَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ
قَالَ وَإِذَا هَلَكَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَهُ الْخِيَارُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَجَاءَ بِهِ الْمُشْتَرِي لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي بِعْتُكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ بِخِيَارِهِ فَيَبْقَى مِلْكُ الْبَائِعِ فِي يَدِهِ .
وَالْقَوْلُ فِي تَعَيُّنِهِ قَوْلُهُ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَابِضٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَمَا فِي الْغَاصِبِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُلْزِمَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ هُوَ الْمَبِيعُ فَيَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ خِيَارٌ رَدَّهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ ، وَكَانَ إلْزَامُ الْمَبِيعِ إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَالْبَائِعُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ التَّمْلِيكِ لَهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ دَعْوَاهُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَقْدَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ بِحُكْمِ خِيَارِهِ إلْزَامَ الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِهِ ، وَقَوْلُهُ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي إيجَادِ الشَّرْطِ وَبِدُونِ التَّعْيِينِ لَا يَمْلِكُ إيجَابَ الْبَيْعِ فِيهِ فَحَالُ الْبَائِعِ فِيهِ الْآنَ كَحَالِ الْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَبِدُونِ التَّعْيِينِ
لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ
قَالَ : وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ آنَ زَمَنُ الْخِيَارِ رُدَّ الْمَبِيعُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ جَازَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي رَدَّهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ
وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ أَجَّرْتُهُ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ : قَدْ رَدَدْتُهُ ، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ تَصَرُّفَ السَّابِقِ مِنْهُمَا أَوْلَى إذَا كَانَ رَدًّا كَانَ أَوْ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ بِرَدِّ السَّابِقِ مِنْهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَالْمُنْفَسِخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ وَبِإِجَازَةِ السَّابِقِ مِنْهُمَا انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَبَعْدَ انْبِرَامِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهِ ، وَلَوْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ مَعًا فَالْفَسْخُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْإِجَازَةُ لَا تَرِدُ عَلَى الْفَسْخِ فَيَتَرَجَّحُ الْفَسْخُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَامِلٌ لَاحِقًا كَانَ أَوْ سَابِقًا كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا اجْتَمَعَا يُقَدَّمُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ فَقَالَ : قَدْ أَوْجَبْتُ الْبَيْعَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ : لَا أَرْضَى فَهُوَ جَائِزٌ وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُيُوعِ إلَى أَنَّهُ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَفَسَخَ الْآخَرُ فَمَا فَعَلَهُ الْعَاقِدُ أَوْلَى فَفَسْخًا كَانَ أَوْ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ مِلْكِهِ وَالْآخَرَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الثَّابِتِ لِلتَّصَرُّفِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْمَنُوبِ عَنْهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ إذَا اقْتَرَنَ تَصَرُّفُهُ بِتَصَرُّفِ النَّائِبِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ الْفَسْخَ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْخِيَارَ مَشْرُوطٌ بِالْفَسْخِ لَا لِلْإِجَازَةِ وَالْفَاسِخُ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْخِيَارِ تَصَرُّفًا شُرِعَ الْخِيَارُ لِأَجْلِهِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ أَوْلَى قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَالْتَقَيَا فَتَنَاقَضَا الْبَيْعَ ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ إنْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْفَسْخِ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا أَنَّ اسْتِحْكَامَ الْبَيْعِ بِالْقَبْضِ ثُمَّ هَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَكَذَلِكَ هَلَاكُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ قَبْلَ الرَّدِّ ، وَإِذَا بَطَلَ الْفَسْخُ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ فِي يَدِهِ هَلَكَ فَيَهْلَكُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ وَبِالْفَسْخِ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ وَبِالْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْتَفِعُ الْفَسْخُ فَيَبْقَى الْحَالُ بَعْدَ الْفَسْخِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ وَقَبْلَ الْفَسْخِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ؛
لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الْعَقْدِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَسْخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ تَفَاسَخَا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْفَسْخِ وَعَلَى إعَادَةِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا جَازَ فَيَنْفَسِخُ الْفَسْخُ بِهَلَاكِ مَحِلِّهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَبَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَجُوزُ فِيهِ عَقْدُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ مِنْ عُقُودِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مِلْكِهِ نَفَذَ فَكَيْفَ يَجُوزُ فِيهِ عِتْقُ الْمُشْتَرِي .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ بِفَسْخِ الْمُشْتَرِي يَعُودُ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَكِنْ يَجُوزُ فِيهِ عِتْقُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَدْلَ زُطِّيٍّ بِرَأْسِ مَالِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُرَادَهُ إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ حَالَ الْمَجْلِسِ كَحَالِ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى بِرَقْمِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِرَقْمِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ لِيَكْشِفَ الْحَالَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا فِي حَقِّهِ إذَا عَلِمَ بِالثَّمَنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَآهُ كَذَلِكَ هَهُنَا قَالَ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ وَبَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فِيهِ بِإِعْدَامِ رَأْسِ مَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمَحِلِّ فَإِنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ بِإِزَالَةِ الْمُفْسِدِ نَظِيرَ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَكَمَا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ بِالْإِجَازَةِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمَحِلِّ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِإِقَامَةِ الْمُفْسِدِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَحِلِّ .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا بِالْخِيَارِ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَجَازَ مِنْهُمَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَبْقَى خِيَارُ الْآخَرِ وَبَقَاءُ خِيَارِ الْآخَرِ يَكْفِي لِلْمَنْعِ مِنْ انْبِرَامِ الْعَقْدِ
قَالَ : وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا فُرِّعَ عَلَيْهِ وَقَالَ فَإِنْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ عِتْقِهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ خِيَارِهِ بِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا سَقَطَ خِيَارُهُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى نَقْدُهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ وَلِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِمَنْزِلَةِ فَسْخِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْبَيْعَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا وَبَعْدَ الْإِعْتَاقِ هُوَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ فَنَقْدُهُ الثَّمَنَ وَعَدَمُ نَقْدِهِ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ وَهُمَا بِالْخِيَارِ فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا رَدَّهُ وَالْآخَرُ إمْسَاكَهُ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ حِصَّتَهُ دُونَ الْآخَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - : لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ بِأَنْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ ثُمَّ رَأَيَاهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَيَا شَيْئًا فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَهُمَا يَقُولَانِ الرَّادُّ مِنْهُمَا يَرُدُّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَيَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْ الْآخَرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي صَفْقَتَيْنِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ
الرَّدَّ يُلَاقِي مِلْكَ الْمُشْتَرِي ، وَالْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِيَيْنِ مُتَفَرِّقٌ فَصَارَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَبِهِ فَارَقَ الْقَبُولَ ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ يُلَاقِي مِلْكَ الْبَائِعِ وَالْقَبْضُ يُلَاقِي يَدَ الْبَائِعِ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ فِي مِلْكِهِ وَيَدِهِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ نَظِيرُ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ يُلَاقِي مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا لَمْ يُمْكِنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ يُلَاقِي مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي مُجْتَمِعٌ ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ .
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ مُتَخَيِّرًا مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ إذَا لَمْ يُسَاعِدْهُ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ فَاتَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ ، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي الْإِجَازَةِ لِأَحَدِهِمَا ضَرَرٌ وَلِلْآخَرِ نَظَرٌ فَكَمَا لَا يَكُونُ لِلْفَاسِخِ أَنْ يُلْزِمَ شَرِيكَهُ ضَرَرَ تَصَرُّفِهِ بِالْفَسْخِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْمُجِيزِ أَنْ يُلْزِمَ شَرِيكَهُ ضَرَرَ تَصَرُّفِهِ لِلْإِجَازَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرَّادَّ مِنْهُمَا مَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا فِي نِصْفِهِ وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ كُلَّهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَإِذَا اشْتَرَى النِّصْفَ وَمَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا فِي نِصْفِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : إنَّ الرَّادَّ مِنْهُمَا يَرُدُّ نَصِيبَهُ بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِعَيْبٍ حَادِثٍ بِسَبَبِ الْخِيَارِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَكِنْ يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ بِغَيْرِهِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ
أَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ جُمْلَةً فَإِذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ فَإِنَّمَا يَرُدُّ النِّصْفَ مَعِيبًا بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ عَيْبٌ فَاحِشٌ وَلِهَذَا يُرَدُّ الصَّدَاقُ بِهِ .
وَالرُّجُوعُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ إلَى الْعُرْفِ فَالْأَشْقَاصُ فِي الْعَادَةِ لَا تُشْتَرَى بِمِثْلِ مَا يُشْتَرَى بِهِ فِي الْأَشْخَاصِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ، وَالْبَائِعُ أَوْجَبَ الْعَقْدَ لَهُمَا جُمْلَةً ، وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ رِضًا بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْقَبُولَ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَبَلَا ثُمَّ نَقَدَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ لَمَلَكَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ مُجْتَمِعًا لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِذَلِكَ ، وَلَكِنْ كَانَ رَاضِيًا بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ فَإِنَّمَا يَرْضَى بِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَ الْمَبِيعَةَ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَا يَرُدُّهَا ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ بِعَيْبِ النِّكَاحِ ، وَقَدْ سَلَّطَهُ الْبَائِعُ عَلَى تَزْوِيجِهَا وَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَرْضَى بِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمِلْكِ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّمَا حَدَثَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِحُكْمِ خِيَارِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ يَعْرِضُ لِلزَّوَالِ بِأَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّادِّ .
وَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ ظَهَرَ عَمَلُهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الرَّدِّ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَا أَنَّ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ ضَرَرًا عَلَى الرَّادِّ ؛
لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ بِعَجْزِهِ عَنْ إيجَادِ شَرْطِ الرَّدِّ لَا يَتَصَرَّفُ مِنْ الْغَيْرِ وَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَصَرُّفِ الرَّادِّ وَالرَّادُّ لَا يَتَضَرَّرُ بِتَصَرُّفٍ بَاشَرَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ هَذَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَتَّضِحُ فَإِنَّ فِي مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ حَقِّ الْبَائِعِ ، وَلَيْسَ فِي مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِهَذَا كَانَ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ فَالْبَائِعُ هُنَاكَ رَضِيَ بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ حِينَ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي النِّصْفِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْخِيَارَ يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ وَهُنَا مَا رَضِيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْكُلِّ ، وَإِنَّمَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ ، وَمِلْكُهُ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي النِّصْفِ صَحَّ قَبُولُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَإِذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ لَهُمَا فِي الْكُلِّ لَا يَصِحُّ قَبُولُ أَحَدِهِمَا فِي النِّصْفِ قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إلَى الْغَدِ أَوْ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الظُّهْرِ فَلَهُ الْغَدُ كُلُّهُ وَاللَّيْلُ كُلُّهُ وَوَقْتُ الظُّهْرِ كُلُّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ الْخِيَارُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَوْ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي الْخِيَارِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ حَدٌّ وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَانِ فِي الْبَيْعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ غَايَةٌ وَمِنْ حُكْمِ الْغَايَةِ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَكُونُ بَعْضُهُ مُتَّصِلًا بِالْبَعْضِ
كَمَا فِي الْمِسَاحَاتِ وَالْأَوْقَاتِ وَهِيَ مَسْأَلَتُنَا فَأَمَّا فِي الْأَعْدَادِ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ لِيَكُونَ حَدًّا فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ أَكْثَرَ الْأَعْدَادِ ذِكْرًا حَتَّى إذَا .
قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ فَأَمَّا الْأَوْقَاتُ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَتَحَقَّقُ فِيهَا مَعْنَى الْغَايَةِ بَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } وَمِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامُ إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى رَمَضَانَ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ إلَى رَمَضَانَ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ الْحَدُّ فَأَمَّا الْمُوَافِقُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } فَإِنَّمَا عَرَفْنَا دُخُولَهَا بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَضَّأَ فَأَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مَرَافِقِهِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ ( إلَى ) بِمَعْنَى مَعَ وَلَكِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَجَازِ لَا يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي فِي جَانِبِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لَهُ بِيَقِينٍ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ وَإِذَا كَانَتْ الْغَايَةُ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَلَوْ لَمْ تَدْخُلْ الْغَايَةُ كَانَ فِيهِ إزَالَةُ مِلْكِهِ بِالشَّكِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ سُقُوطُ الْخِيَارِ فَمَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ مَا عَلَّقَ بِهِ وَفِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكَّ وَعَلَيْهِ تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ فِي وُقُوعِ التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ شَكًّا ، وَفِي وُجُوبِ الدِّرْهَمِ الْعَاشِرِ فِي ذِمَّتِهِ شَكًّا ، وَفِي
مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ الْبَيْعُ مُوجِبٌ مِلْكَ الْيَمِينِ وَالْأَجَلُ مَانِعٌ مِنْ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ وَالْمَانِعُ بِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ .
وَفِي الْإِجَارَةِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَبِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْغَيْرِ فَتَحْدُثُ الْمَنْفَعَةُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَاجِرِ فَسَبَبُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَفِي الْيَمِينِ إبَاحَةُ الْكَلَامِ أَصْلٌ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ، وَالْمَنْعُ بِالشَّكِّ ، وَالْأَصْلُ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَشْغَلُهَا بِالشَّكِّ فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ وَالْحَرْفُ الْآخَرُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَكُونُ الْغَايَةُ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ كَمَا فِي الصَّوْمِ لَوْ قَالَ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ اقْتَضَى صَوْمَ سَاعَةٍ فَقَوْلُهُ : إلَى اللَّيْلِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا يَبْقَى مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَيْدِي فِي الطَّهَارَةِ يَتَنَاوَلُ الْخَارِجَةَ إلَى الْآبَاطِ ، وَلِهَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - بِإِطْلَاقِ الْأَيْدِي فِي التَّيَمُّمِ الْأَيْدِي إلَى الْآبَاطِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا فَيَبْقَى مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا هُنَا .
وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا يَثْبُتُ الْخِيَارُ مُؤَبَّدًا وَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لَإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا فَيَبْقَى مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لِلتَّرْقِيَةِ فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّرْقِيَةُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ فَمُطْلَقُهَا لَا يُوجِبُ إلَّا أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَلِأَجْلِ الْجَهَالَةِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فَكَانَ
ذِكْرُ الْغَايَةِ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ وَلَكِنْ يَدْخُلُ فَصْلُ الْيَمِينِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ .
وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْيَمِينِ تَدْخُلُ الْغَايَةُ فَيَأْخُذُ فِي الْيَمِينِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِتِلْكَ الرِّوَايَةِ قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ فَقَالَ الْبَائِعٌ : رَضِيَ الْآمِرُ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لِلْآمِرِ وَالْبَائِعُ يَدَّعِي لُزُومَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَصْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى صِفَةَ اللُّزُومِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ الرِّضَا وَإِنَّمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْآمِرِ فَلَوْ اُسْتُحْلِفَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْآمِرِ وَلَا نِيَابَةَ فِي الْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ لَا يَمِينَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ عَلَى الْآمِرِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَإِذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرِّضَا فَعَلَى وَكِيلِهِ أَوْلَى ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَوَجَّهْ الْيَمِينُ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْآمِرِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُجَرَّ بَيْنَهُمَا وَالِاسْتِخْلَافُ يَنْبَنِي عَلَى الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْآمِرِ يَمِينٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآمِرُ فَيَحْلِفُ كَمَا فِي الْوَكِيل بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ الرِّضَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ فَيَحْلِفُ وَهُنَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِلْآمِرِ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ الْمُسْقِطُ لِنَفْسِهِ بِخِيَارِهِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرَّدِّ فَعَرَفْنَا أَنَّ بِهَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدٍ ، وَإِذَا أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ
الْآمِرَ قَدْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِلْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مَا ادَّعَى مِنْ صِفَةِ اللُّزُومِ بِالْبَيِّنَةِ .
وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً ، وَالْوَكِيلُ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، وَالْإِثْبَاتُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الثَّابِتِ صَحِيحٌ ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ هُوَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ صِفَتِهِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كَانَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الرِّضَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَهُ لِلْآمِرِ ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَقَالَ الْآمِرُ فِي الثُّلُثِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ قَدْ أُبْطِلَتْ ، لَزِمَ الْبَيْعُ الْمُشْتَرِيَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ الْآمِرِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِلُزُومِ الْعَقْدِ بِرِضَا الْآمِرِ فَيُجْعَلُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَقِّهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي حَقِّ الْآمِرِ كَالْمَعْدُومِ فَإِذَا قَالَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ قَدْ أَبْطَلْتُ الْبَيْعَ فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَلَا تُمْكِنُ التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ وَمَا يَلْزَمُ الْبَيْعَ وَهُوَ مُضِيُّ الْأَيَّامِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفَسْخِ مَعْلُومٌ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْفَسْخِ فِي الْمُدَّةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ بِرِضَا الْآمِرِ بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ بِغَيْرِ خِيَارٍ وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَاشْتَرَى وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لَزِمَهُ دُونَ الْآمِرِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِرِضَا الْآمِرِ بَعْدَمَا شَرَطَ الْخِيَارَ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَدْلًا عَلَى أَنَّهُ زُطِّيٍّ فِيهِ خَمْسُونَ ثَوْبًا كُلُّ ثَوْبٍ بِكَذَا أَوْ جَمَاعَتُهُ بِكَذَا أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ بِرَدِّ الْبَعْضِ يُفَرِّقُ صِفَةً مُجْتَمِعَةً عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَبِلَ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَاهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ ، وَمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَمَا لَا يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ضَرَرًا فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ ضَمَّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ بِثَمَنِ الْجَيِّدِ وَالْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِصَاحِبِهِ
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُمْسِكُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَمَا دُونَ الثَّلَاثِ فِيهِ سَوَاءٌ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ فَإِنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُ الثِّيَابِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي نَفْسِهَا وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ فِيمَا يَتَفَاوَتُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَزِيدُ فِي مَعْنَى الْغُرُورِ وَلَا يُزِيلُهُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَبِحُكْمِ خِيَارِهِ يَسْتَنِدُ بِالتَّعَيُّنِ ، وَالْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَالْجَهَالَةُ هُنَاكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ثَوْبٍ ثَمَنًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ثَمَنُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ مَجْهُولٌ فَإِنَّمَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ثُمَّ الْجَهَالَةُ الَّتِي تَتَمَكَّنُ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْيِينِ الثَّمَنِ مُعْتَبَرٌ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ بِسَبَبِ شَرْطِ الْخِيَارِ ، وَذَلِكَ يُتَحَمَّلُ فِي الثُّلُثِ وَمَا دُونَهُ وَلَا يُتَحَمَّلُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا اعْتِبَارًا لِلْمَحِلِّ بِالزَّمَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ فَقَدْ يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ لِعِيَالِهِ ثَوْبًا وَلَا يُعْجِبُهُ أَنْ يَحْمِلَ عِيَالَهُ إلَى السُّوقِ
وَلَا يَرْضَى الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِيَحْمِلَهُ إلَى عِيَالِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذِهِ الْحَاجَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ يَشْتَمِلُ عَلَى أَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ : جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ فَإِذَا حَمَلَ الثَّلَاثَةَ إلَى أَهْلِهِ تَمَّ الْمَقْصُودُ فَأَخَذْنَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِيهِ كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ ، ثُمَّ نَصَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى تَقْدِيرِ الْخِيَارِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ هَذَا خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إعْلَامِ الْمُدَّةِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ فَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ لَزِمَهُ ثُلُثُهُ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ وَهُوَ فِيهِ أَمِينٌ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْهَالِكِ مِنْهُمَا بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِيهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي يَدِهِ وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَهُ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فِيهِ .
ثُمَّ يَكُونُ هَالِكًا عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْهَالِكِ كَانَ هُوَ أَمِينًا فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ مَبِيعًا وَالْآخَرُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ مَا قَبَضَ الْآخَرَ لِلشِّرَاءِ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْهَالِكِ كَانَ أَمِينًا فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَعَيُّنُ الْآخَرِ لِلْأَمَانَةِ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ لِلطَّلَاقِ دُونَ الْهَالِكَةِ وَهُنَا تَتَعَيَّنُ الْهَالِكَةُ لِلْبَيْعِ قَالَ عَلَى الْقُمِّيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحَاصِلِ ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلَيْنِ مَا يَهْلَكُ عَلَى مِلْكِهِ أَمَّا الثَّوْبُ فَلِأَنَّهُ
يَهْلَكُ عَلَى مِلْكِهِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلرَّدِّ وَفِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ يَهْلَكُ ، الْهَالِكَةُ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَةُ لِلطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرْنَا ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الثَّوْبَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَيَتَعَيَّنُ الْعَقْدُ فِيهِ وَتَعَيُّنُ الْبَاقِي لِلرَّدِّ ضَرُورَةٌ ، فَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حِينَ أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَحِلًّا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَتَعَيَّنُ الْبَاقِيَةُ لِلطَّلَاقِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهَلَكَ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقْدَ فِيهِمَا فَبَعْدَمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ أَحَدِهِمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَهُنَا الْعَقْدُ يَتَنَاوَلُ أَحَدَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْمَامَ الْعَقْدِ فِيهِمَا فَبَعْدَمَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا وَتَعَيَّبَ كَانَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي .
قَالَ : وَإِنْ هَلَكَا مَعًا فَعَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ مَبِيعٌ لَزِمَهُ ثَمَنُهُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ أَمَانَةٌ ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا لِتَعَيُّنِهِ مَبِيعًا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا قَبْلَ الْهَلَاكِ سَوَاءٌ فَبَعْدَ الْهَلَاكِ لَا يَتَحَقَّقُ تَعْيِينُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا فَلِلْمُعَارَضَةِ قُلْنَا فَيُتَّبَعُ حُكْمُ الْأَمَانَةِ وَحُكْمُ الْبَيْعِ فِيهِمَا فَيَكُونُ هُوَ أَمِينًا فِي نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا نِصْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ
يَلْزَمُهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَائِمَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا ، وَأَرَادَ رَدَّهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي أَحَدِهِمَا فَرَدُّهُ بِحُكْمِ الْأَمَانَةِ وَفِي الْآخَرِ مُشْتَرٍ قَدْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ ، فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ ثَمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْبَيْعَ فِيهِ وَالْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ ، وَكَانَ فِي الْآخَرِ أَمِينًا ، فَإِنْ ضَاعَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَانٌ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْأُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدَّ الْأُخْرَى فَأَعْتَقَهُمَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَأَيَّتَهُمَا اخْتَارَ وَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ نَفَذَ فِي إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمُشْتَرَاةُ مِنْهُمَا فَإِنَّ إعْتَاقَ الْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ صَحِيحٌ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ فِيهَا وَالْأُخْرَى كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ فَإِعْتَاقُهُ إيَّاهَا بَاطِلٌ فَإِذَا عَرَفْنَا نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا كَانَ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ كَانَ مِنْهُ فَإِذَا عَيَّنَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ هِيَ لِلْعِتْقِ وَرَدَّ الْأُخْرَى كَمَا لَوْ كَانَتَا مَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ فَأَعْتَقَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، قَالَ : وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا وَلَكِنْ حَدَثَ بِهِمَا عَيْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي حَدَثَ الْعَيْبُ بِاَلَّتِي قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ أَوَّلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ ، وَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَعْيِينِ الْبَيْعِ فِيهَا فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْبَيْعَ تَعَيَّنَ فِيهَا بِأَنْ تَعَيَّنَتْ فِي يَدِهِ أَوَّلًا وَجَبَ قَبُولُهُ فِي ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْأُخْرَى وَنِصْفَ قِيمَةِ عَيْنِهَا فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ هَلَكَتَا مَعًا لَزِمَهُ نِصْفُ بَدَلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِذَا تَعَيَّنَتَا فَقَدْ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي الْجُمْلَةِ ، وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْجُمْلَةِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ فَلِلتَّرَدُّدِ كَانَ نِصْفُ مَا فَاتَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي .
وَقَوْلُهُ : فِي تَعَيُّنِ الْمَبِيعِ مَقْبُولٌ وَلَكِنْ فِي إسْقَاطِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْبِ فِي الْأُخْرَى غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلِهَذَا يَرُدُّ نِصْفَ قِيمَةِ عَيْنِهَا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ حِصَّةِ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا لِلْبَيْعِ تَعْيِينُ
الْأُخْرَى لِلْأَمَانَةِ وَتَعْيِينُ الْأَمَانَةِ فِي يَدِ الْأَمِينِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الضَّمَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ مَا لَزِمَهُ إلَّا ضَمَانُ ثَمَنِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ هَلَكَتَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَالُ ثَمَنِ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا لِلْمَبِيعِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْأُخْرَى قَالَ وَإِنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِهِمَا مَعًا رَدَّ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَأَمْسَكَ الْأُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتَا ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مَحِلًّا لِتَعْيِينِ الْبَيْعِ فِيهِ وَالْمَعِيبُ مَحِلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فِيهِ فَيَكُونُ مَحِلًّا لِتَعْيِينِ الْبَيْعِ فِيهِ أَيْضًا فَلِهَذَا يَبْقَى خِيَارُهُ بَعْدَمَا تَعَيَّنَتَا مَعًا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِتَعْيِينِ الْبَيْعِ فِيهَا بِالْأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّعَيُّبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَهُ فِي الْمَبِيعَةِ مِنْهُمَا بِالتَّعَيُّبِ وَسَقَطَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهَا فَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِمَا وَإِذَا رَدَّ إحْدَاهُمَا فِي الْقِيَاسِ يَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَالَ : وَإِنْ حَدَثَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْأَوَّلَ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي التَّعْيِينِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ كَانَ كَالْمَعْدُومِ فَكَأَنَّهُ مَا تَعَيَّبَ إلَّا إحْدَاهُمَا الْآنَ وَذَلِكَ مُوجِبٌ تَعْيِينَ الْبَيْعِ لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ جَنَى عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي لَزِمَتْهُ وَرَدَّ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْأَوَّلَ صَارَ كَالْمَعْدُومِ ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِهِ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ التَّعَيُّبِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهَا وَيَرُدُّ الْأُخْرَى فَهَذَا مِثْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْبَائِعُ الَّتِي اخْتَارَ
الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ بِاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِيهَا فَإِنَّمَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ مَالًا يَمْلِكُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا عَتَقَتْ الَّتِي تُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ نَفَذَ فِي إحْدَاهُمَا فَإِنَّ إحْدَاهُمَا مَبِيعَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا خِيَارٌ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهَا وَالْأُخْرَى أَمَانَةٌ ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهَا إلَّا أَنَّ بِإِعْتَاقِهِ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ إسْقَاطِ خِيَارِهِ فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ فَإِذَا اخْتَارَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلرَّدِّ فَيَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ فِيهَا قَالَ : وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّهُمَا جَمِيعًا ، فَعِتْقُ الْبَائِعِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ حِينَ أَعْتَقَ فَلَا يَنْفُذُ فِيهَا وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِذَا نَفَذَ عِتْقُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا كَانَ الْبَيَانُ فِيهِ إلَى الْبَائِعِ قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ شَيْئًا مِنْهُمَا وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ وَطِئَهُمَا فَحَبَلَتَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّتَهُمَا اخْتَارَ ، فَإِنْ عُرِفَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَوَّلًا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى وَطْئِهَا تَعْيِينٌ لِلْبَيْعِ فِيهَا وَإِسْقَاطٌ لِلْخِيَارِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ تَقْرِيرِهِ الْمِلْكَ فِيهَا .
أَلَا تَرَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ لَمَّا خَيَّرَ بَرِيرَةَ قَالَ لَهَا إنْ وَطِئَكِ زَوْجُكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ } فَقَدْ جَعَلَ تَمْكِينَهَا نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ مُسْقِطًا لِخِيَارِهَا ، وَإِذَا تَعَيَّنَ بَيْعُهُ فِيهَا وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا كَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَيَرُدُّ الْأُخْرَى وَوَلَدَهَا عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي
الْأُخْرَى مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ ، صُورَةِ الْعَقْدِ ، وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَزِمَهُ عُقْرُهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّتَهُمَا وُطِئَتْ أَوَّلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَهُوَ لَوْ بَيَّنَ الْمَوْطُوءَةَ أَوَّلًا مِنْهُمَا وَجَبَ قَبُولُ بَيَانِهِ فَكَذَلِكَ بَيَانُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَى الْوَارِثِ قَضَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ مَا لَزِمَهُ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُمْ إنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَزِمَ الْمُشْتَرِي نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنِصْفُ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِتَعْيِينِ الْبَيْعِ فِيهَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَتْبَعُ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقَدْ لَزِمَهُ عُقْرُ إحْدَاهُمَا بِالْوَطْءِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَلَزِمَهُ نِصْفُ عَقْدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَةَ مِنْهُمَا أُمُّ وَلَدِهِ وَقَدْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَلِهَذَا يُعْتَقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ فِيمَا هُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ يُعْتَقُ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُعْتَقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا مَجْهُولٌ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ .
وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ
قَالَ وَإِذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ جَمِيعًا فَادَّعَى هُوَ وَالْمُشْتَرِي وَلَدَيْهِمَا جَمِيعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الَّتِي وَطِئَهَا أَوَّلًا وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَيَانِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَالْمَصِيرُ إلَى قَوْلِهِ بِالتَّعْيِينِ أَوْلَى مِنْ الْمَصِيرِ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلَيْهِ عُقْرُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْبَائِعِ وَالْأُخْرَى وَوَلَدُهَا لِلْبَائِعِ ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ وَعَلَى الْبَائِعِ عُقْرُ أُمِّ وَلَدِ الْمُشْتَرِي لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ بِالشُّبْهَةِ فَلَزِمَهُ الْعُقْرُ فَيُجْعَلُ الْعُقْرُ بِالْعُقْرِ قِصَاصًا وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ ، وَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْبَيَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَلْزَمُهُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ لَا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ نَسَبُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ وَالْأَمَتَانِ وَوَلَدُهُمَا أَحْرَارٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمُّ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا وَقَدْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا وَالْوَلَدَانِ كَذَلِكَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَجْلِ التَّعَارُضِ وَالتَّسَاوِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ يَلْزَمُهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَعَلَيْهِ نِصْفُ عُقْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى الْبَائِعِ كَذَلِكَ نِصْفُ عُقْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا قِصَاصٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْقَبْضِ وَالرَّدِّ وَلَا الْجَارِيَتَيْنِ وَالْوَلَدَيْنِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَتَقَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا
قَالَ : وَإِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَنْفِيهِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ مَانِعٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَالْمُدَّعِي مِنْهُمَا يَدَّعِي شَرْطًا زَائِدًا وَالْآخَرُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِأَقْصَرِ الْوَقْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ الْخِيَارِ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي أَصْلِ الْخِيَارِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يُنْكِرُ مُضِيَّهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا سُقُوطَهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا فِي الْأَجَلِ ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ حَادِثٌ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَاَلَّذِي يَدَّعِي مُضِيَّ الْخِيَارِ يُسْنِدُ الْبَيْعَ إلَى مَا قَبْلَ هَذِهِ السَّاعَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُضِيُّ مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا بِمُضِيِّ أَيَّامِهَا
قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا وَكَانَ لِلْبَائِعِ فِيهَا خِيَارٌ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِالسَّبَبِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ ، وَخُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا بِهِ وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يَعْتَمِدُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ الْحَادِثِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ انْقَطَعَ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ تُعْتَمَدُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كُنْتُ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُهَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهَا مِلْكًا أَوْ تَصَرُّفًا فَيَتَحَقَّقُ ضَرَرُ سُوءِ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ الْحَادِثِ فَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِالْآخَرِ
قَالَ : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : اذْهَبْ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ فَانْظُرْ إلَيْهَا الْيَوْمَ ، فَإِنْ رَضِيتَهَا فَهِيَ لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ إنْ رَضِيتَهَا الْيَوْمَ فَهِيَ لَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِتَعْلِيقِ الْإِيجَابِ بِشَرْطِ الرِّضَا ، وَإِيجَابُ الْبَيْعِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ تَكَلَّمْتَ فَهِيَ لَكَ بِكَذَا ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ يَوْمًا وَالْمُعْتَبَرُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُ مِنْكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْكَلَامِ مُحْتَمَلٌ وَتَصْحِيحُ الْكَلَامِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ طَرِيقٌ فِي الشَّرْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ لَكَ بِأَلْفٍ ، فَإِنْ رَضِيتَهَا الْيَوْمَ وَإِلَّا فَرُدَّهَا عَلَيَّ
قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَاسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ فِي شِرَاءِ الرَّقِيقِ لِهَذَا حَتَّى يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْمُدَّةِ فَيَنْظُرُ أَيُوَافِقُهُ أَوْ لَا وَكَذَلِكَ إنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ يَنْظُرُ إلَى سَيْرِهَا أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَنْظُرُ إلَى قَدِّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَقْصُودَهُ إلَّا بِالِامْتِحَانِ وَلِأَجْلِهِ يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ ، وَالِامْتِحَانُ فِي الدَّابَّةِ بِالرُّكُوبِ وَالسَّيْرِ وَفِي الثَّوْبِ بِاللُّبْسِ ، فَإِنْ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَانِيًا فَهَذَا مِنْهُ رِضًا ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاخْتِيَارِ قَدْ تَمَّ بِاللُّبْسِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي يَكُونُ اخْتِيَارًا ، وَكَذَلِكَ إنْ سَافَرَ عَلَى الدَّابَّةِ فَقَدْ رَضِيَهَا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَكُونُ بِالسَّفَرِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمِلْكِ عَادَةً فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَافِرُ بِدَابَّةِ الْغَيْرِ عَادَةً مِنْ غَيْرِ كِرَاءٍ ، وَكَذَلِكَ إذَا سَكَنَ الدَّارَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضِعِ فَإِذَا كَانَ سَاكِنًا فِي الدَّارِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَاسْتَدَامَ السُّكْنَى بَعْدَ الشِّرَاءِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَيْهَا وَسَكَنَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ سَقَطَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا عَادَةً بَلْ يَكُونُ رِضًا بِتَقَرُّرِ الْمِلْكِ
قَالَ : ( وَإِذَا قَبَّلَ جَارِيَةً بِشَهْوَةٍ وَنَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَهُوَ رِضًا ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَى فَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْغَشَيَانِ ، قَالَ : ( وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ هِيَ الَّتِي نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ أَوْ قَبَّلَتْهُ أَوْ مَسَّتْهُ بِشَهْوَةٍ فَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضًا وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا ) ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرَّجْعَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَاسَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْنِي فِي الرَّجْعَةِ ، وَأَمَّا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا يَكُونُ مَا صَنَعَتْ الْجَارِيَةُ بِالْمُشْتَرِي رِضًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا ، وَالْخِيَارُ مِنْ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ صُنْعٍ أَوْ يُوجَدُ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ وَصُنْعُهَا بِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ رِضًا بِكَوْنِ الْمُشْتَرِي مَوْلًى لَهَا ، وَلَوْ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ أَوْ أَسْقَطَتْ الْخِيَارَ كَانَ ذَلِكَ لَغْوًا مِنْهَا ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ بِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا لَا لِفِعْلِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا وَإِنْ تَعَيَّبَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ سَقَطَ خِيَارُهُ أَيْضًا ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِعْلَهَا بِهِ فِي الْحُكْمِ كَفِعْلِهِ بِهَا بِدَلِيلِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ نَائِمًا فَاسْتَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فَرْجَهَا سَقَطَ خِيَارُهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ بِهَا فَكَذَلِكَ دَوَاعِي الْوَطْءِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ يُسَوَّى بَيْنَ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ وَبَيْنَ فِعْلِهَا بِهِ وَفِعْلِهِ بِهَا .
وَهَذَا لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُسْقَطٍ الْخِيَارَ بِنَفْسِهِ بَلْ بِحُكْمِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَالْحِلُّ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ يَثْبُتُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِاعْتِبَارِ هَذَا
الْمَعْنَى عِنْدَ فَعْلِهِ بِهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهَا بِهِ وَبَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْحُكْمِيِّ لَا يَبْقَى خِيَارُهُ ، وَإِنْ انْعَدَمَ رِضَاهُ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، وَكَمَا عَجَزَ هُنَاكَ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَ فَقَدْ عَجَزَ هُنَا عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فَقَدْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَلَالٌ لِلْأَبِ وَبَعْدَ هَذَا الْفِعْلِ يَرُدُّهَا وَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَذَلِكَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الرَّجْعَةُ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا صَرَّحَتْ بِالرَّجْعَةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهَا ثُمَّ جَعَلَ فِعْلَهَا بِهِ فِي حُكْمِ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ كَفِعْلِهِ بِهَا فَهَذَا مِثْلُهُ .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَهَذَا فِي الْخِيَارِ أَقْبَحُ وَلَكِنَّ الْكُلَّ قِيَاسٌ وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ بِسَبَبِ النِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْجَارِيَةِ فِي حُقُوقِ عَقْدِ الشِّرَاءِ وَالْمِلْكِ الثَّابِتِ ، وَلَكِنَّ الْكُلَّ قِيَاسٌ وَاحِدٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ إقْرَارُ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْوَةٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إسْقَاطِ خِيَارِهِ ، وَإِقْرَارُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حُرْمَةِ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا عَلَيْهِ يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي سُقُوطِ خِيَارِهِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا إنْ اخْتَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْهُ وَهُوَ كَارِهٌ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ ، وَإِنْ مَكَّنَهَا مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا مِنْهُ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَقْبِيلِهِ أَوْ مَسِّهِ بِشَهْوَةٍ .
قَالَ : وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ خَادِمًا وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِلْآمِرِ بِأَمْرِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ يَعْنِي : الْوَكِيلُ قَدْ رَضِيَ الْآمِرُ ، وَقَالَ الْآمِرُ مَا رَضِيتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا رَضِيَ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ التَّوْكِيلِ اسْتَثْنَى الرِّضَا حَيْثُ أَمَرَهُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لَهُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا عَرَفَ أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَالْآمِرُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ
قَالَ : وَإِنْ اخْتَلَفَ الْآمِرُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْخَادِمِ وَقَدْ فَسَخَ الْآمِرُ الْعَقْدَ بِخِيَارِهِ فَقَالَ الْآمِرُ لَيْسَتْ هَذِهِ بِخَادِمِي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ الْخَادِمُ الَّتِي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ لَمَّا فَسَخَ الْعَقْدَ بِخِيَارِهِ فَالْخَادِمُ مَلَكَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ قَوْلُ ذِي الْيَدِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَامِنًا كَالْغَاصِبِ قَالَ : وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْخِيَارِ وَقْتٌ فَلِصَاحِبِ الْخِيَارِ أَنْ يَخْتَارَ فِي الثَّلَاثِ ، فَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ إنْ اخْتَارَ بَعْدَ الثَّلَاثِ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ وَإِنْ اخْتَارَهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُطْلَقُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا لَا يَتَوَقَّتُ مِنْ الْخِيَارِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى التَّأْبِيدِ ، ثُمَّ الْإِسْقَاطُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي فَإِذَا أُسْقِطَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عَمَلَ إسْقَاطُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا مَضَى غَيْرُ مُنَافٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَهُ ، وَإِذَا سَقَطَ بَعْدَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَمَا مَضَى كَافٍ لِإِفْسَادِ الْعَقْدِ وَإِسْقَاطُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مَا مَضَى غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْعَقْدُ مَتَى فَسَدَ لَا طَرِيقَ لِتَصْحِيحِهِ إلَّا الِاسْتِقْبَالُ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مُخْتَلِفُونَ فِي الْحُكْمِ فِي هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هُوَ فَاسِدٌ ثُمَّ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ الْحَالُ فِيهِ
مُرَاعًى وَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ مُنْبَرِمٍ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْخِيَارِ فِي الْمَنْعِ مِنْ انْبِرَامِ الْعَقْدِ لَا فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا الْمُفْسِدُ هُوَ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يَتَقَرَّرْ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ صِفَةُ الْفَسَادِ لِلْعَقْدِ وَيَسْتَوِي إنْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ تَعَيَّبَ فِي أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِاعْتِرَاضِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَيَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى .
ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِفَسَادِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدَّ الْآخَرَ فَمَاتَ فَقَالَ الْبَائِعُ مَاتَ الَّذِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قُبِلَ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ مَاتَ الَّذِي بِخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَالَ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ الَّذِي بِأَلْفٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ الَّذِي بِخَمْسِمِائَةٍ أَوَّلًا فَأَيُّهُمَا نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ ، فَإِنْ حَلَفَا لَزِمَهُمَا نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِهِ الْعَقْدَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ : الْمُشْتَرِي إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ الْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ حَقِيقَةً فَالْهَلَاكُ لَا يَمْنَعُ جَرَيَانَ التَّحَالُفِ ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ صُنْعِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوَّلًا فَإِذَا حَلَفَا فَقَدْ انْتَفَتَا دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِ صَاحِبِهِ وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا وَوُجُوبِ ثَمَنِهِ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا فَيَتَّسِعُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةُ فِيهِمَا ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرُ أَنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ مَا وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ فَالْبَائِعُ يَدَّعِي
الزِّيَادَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا آخَرَ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُنَا هُمَا صَادِقَانِ عَلَى الْعَقْدِ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مِقْدَارِ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْبَائِعِ تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَثَ بِهِمَا جَمِيعًا عَيْبٌ فَاخْتَلَفَا فِي الَّذِي أَصَابَهُ الْعَيْبُ أَوَّلًا ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْمُشْتَرِي
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَلْزَمَهُ الْبَيْعَ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّبَ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي خِيَارَ الْبَائِعِ وَمَحِلُّ الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ قَائِمٌ فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْجَانِي أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ مِنْ الْقَاطِعِ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَلَكِنَّ ضَمَانَ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي التَّضْمِينِ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِذَا اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْقَاطِعِ لَمْ يَرْجِعْ الْقَاطِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ وَإِنْ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَاطِعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّمَانَ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ فَهَذَا مِنْهُ رَدٌّ لِلْبَيْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَهُوَ قَدْ اسْتَرَدَّ نِصْفَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي الِاسْتِرْدَادِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ الْعَقْدُ لَا يَتَجَزَّأُ وَفَسْخُهُ الْبَيْعَ فِي النِّصْفِ بِالِاسْتِرْدَادِ يَكُونُ فَسْخًا فِي الْكُلِّ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ
قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالْوِلَادَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِفُجُورٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا دَلِيلُ الرِّضَا وَوَطْءُ الْغَيْرِ إيَّاهَا بِالْفُجُورِ تَعَيُّبٌ لَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ الْمُسْتَوْفَى بِالْحُكْمِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ آخِرِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ وَالْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ مُؤَيَّدًا وَاسْتِيفَاءُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَوْفِي هُوَ أَوْ غَيْرَهُ
قَالَ : مُسْلِمٌ اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثَةِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَلَا الْكُفْرُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ لَا تَنْقَطِعُ بِرِدَّتِهِ ثُمَّ عِنْدَهُمَا خِيَارُهُ لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ فَرَدُّهُ بِالْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ الْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِيَارُهُ يَمْنَعُ دُخُولَ الْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ بِالرَّدِّ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّمَلُّكِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ غَيْرُهُ شَيْئًا وَرِدَّتُهُ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي قَوْلٍ مِثْلِ هَذَا .
وَفِي قَوْلٍ يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ إذْ الْخِيَارُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَقُولُ : إنَّهُ إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ خَارِجًا مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْخِيَارَ مَا يَقَعُ بَعْدَمَا انْعَقَدَ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَإِذَا زَالَ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ وَقْتِ السَّبَبِ ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ رِضَاهُ ، وَبِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَنْعَدِمُ رِضَاهُ بِهِ وَالسَّبَبُ بِدُونِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ عَامِلًا فِي الْحُكْمِ كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ كَمَا فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ وَهَذَا مَعْنَى مَا يَقُولُ : إنَّ الْبَيْعَ
بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْأَصْلِ يَسْرِي إلَى الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِكَوْنِهَا مَحِلًّا لَهُ فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ يَثْبُتُ فِي الزَّوَائِدِ ، وَأَمَّا الْبَدَلُ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْآخَرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْرُجُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ ، وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فَيَتَوَفَّرُ عَلَى الْبَدَلِ الَّذِي فِي جَانِبِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إلَى مِلْكِ الْآخَرِ ، وَلِهَذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ بَقِيَ مَمْلُوكًا بِلَا مَالِكٍ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ دَارًا وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ كَانَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا لَهَا لَمَا اسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةَ كَخِيَارِ السُّكْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى الرِّضَا فِيمَا هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَدُخُولُ بَدَلِ صَاحِبِهِ فِي مِلْكِهِ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ كَمَا أَنَّ خُرُوجَ الْبَدَلِ الَّذِي مِنْ جَانِبِهِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَ الْعِوَضُ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمُعَوِّضُ عَنْ مِلْكِهِ اجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ مَعَ كَوْنِهَا بِمَحَلِّ النَّقْلِ وَذَلِكَ
لَا يَجُوزُ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ الْبَدَلُ الْآخَرُ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ مَالِكًا بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُوجِبِ الْبَيْعِ إنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِوَضُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَنْ يَكُونُ ذَلِكَ عِوَضًا يَلْزَمُهُ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا بَيَّنَّا مَذْهَبَهُمَا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الْبَدَلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الْعَاقِدِ ، وَأَنَّ الَّذِي شَرَطَ الْخِيَارَ لَمَّا اسْتَثْنَى الرِّضَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلًا فِي حَقِّهِ لَا فِي الْبَدَلِ الَّذِي مِنْ جَانِبِهِ وَلَا فِي الْبَدَلِ الَّذِي مِنْ جَانِبِ صَاحِبِهِ وَاعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ أَوْلَى لِمَا قَرَّرْنَا وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي بِهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهَا تَصَرُّفًا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِ يَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ إسْقَاطٌ مِنْهُ لِخِيَارِهِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا مَسَائِلُ
مِنْهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَبَتَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْتُ هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ هُوَ الشِّرَاءُ يُجْعَلُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَلِهَذَا يُعْتَقُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ كَانَ الْوَطْءُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ رَدِّهَا بِخِيَارِهِ وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِحُكْمِ خِيَارِهِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبَضَهُ فَتَخَمَّرَ فِي يَدِهِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالِكًا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ التَّخَمُّرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالتَّخَمُّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ لَكَانَ مُتَمَلِّكًا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ بَعْدَمَا تَخَمَّرَ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : تَتَغَيَّرُ الْعَيْنُ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْخِيَارُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا هَذَا لِلِاخْتِلَافِ فِي ذِمِّيٍّ اشْتَرَى مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا فَلَا يَرُدُّهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا وَلَوْ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ يَتَمَلَّكُهَا عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ ، وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ أُسْقِطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُجْتَزَى بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَعِنْدَهُمَا يُجْتَزَى بِهَا
وَمِنْهَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ بِخِيَارِهِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فَهُوَ بِالرَّدِّ يَمْتَنِعُ مِنْ تَمَلُّكِهِ ، وَعِنْدَهُمَا كَانَ مَالِكًا ، فَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَمَا أَبْرَأَهُ عَنْ الثَّمَنِ يَخْرُجُ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ
قَالَ : نَصْرَانِيٌّ اشْتَرَى مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إمَّا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ يَبْقَى الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْخَمْرَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ قَبْضِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ خَمْرًا مَغْصُوبَةً لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ هُنَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَبْضَ مُشَابِهٌ بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ مِلْكُ الْعَيْنِ ، وَيُسْتَفَادُ بِهِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ فَكَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الْخَمْرِ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَفَوَاتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الطَّارِئَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الزَّوَائِدِ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ حُكْمًا فَكَذَلِكَ الطَّارِئُ مِنْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ فِي الْخَمْرِ يُعَيَّنُ إذَا أَسْلَمَ نَصْرَانِيٌّ إلَى نَصْرَانِيٍّ فِي خَمْرٍ يَجُوزُ ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّلَمِ أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَفِي مَبِيعِ الْعَيْنِ أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ السَّلَمِ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ نَظِيرُ الْعَقْدِ فِي أَنَّ إسْلَامَ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَمْنَعُ عَلَى الْخَمْرِ فَأَمَّا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْقَبْضُ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ وَلَيْسَ بِمُوجِبٍ مِلْكَ الْعَيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْخَمْرَ ، وَلَمْ يَرُدَّ الثَّمَنَ حَتَّى أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْبَيْعُ مَاضٍ وَالثَّمَنُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَنْتَهِي فِي الْحَرَامِ
بِالْقَبْضِ ، وَالْإِسْلَامُ الطَّارِئُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ يُقَرِّرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا طَرَأَ فَإِنَّهُ يُلَاقِي الْحُرْمَةَ الْقَائِمَةَ بِالرَّدِّ وَالْمَاضِيَةَ بِالْعَفْوِ كَنُزُولِ آيَةِ الرِّبَا عَلَى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا } أَيْ مَا بَقِيَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْإِسْلَامَ الْمُحَرِّمَ إذَا طَرَأَ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْمَقْبُوضِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَازِمٌ وَهُوَ فِي الْآخَرِ بِالْخِيَارِ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ وَإِلْزَامُ الْعَقْدِ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الَّذِي لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مِنْهُمَا فَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا ، وَإِنَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مَعْلُومٌ ، وَثَمَنُهُ مُسَمًّى مَعْلُومٌ وَاَلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ مَعْلُومٌ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ فِي صَفْقَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ ، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهِ وَالْآخَرُ فِي صَفْقَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ الْعَقْدُ فِيهِ مَعِيبًا وَقَبَضَهُمَا وَمَاتَا فِي يَدِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُمَا بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
بَابُ الْخِيَارِ بِغَيْرِ الشَّرْطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جِرَابَ هَرَوِيٍّ أَوْ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي جُوَالِقَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ اُحْتُجَّ فِي ذَلِكَ { بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَسْتُورَ الْعَاقِبَةِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا لَمْ يَرَهُ { وَبِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ } وَالْمُرَادُ مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَرْئِيًّا لِلْمُشْتَرِي لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ رَآهُ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا الِاسْمَ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُ مِنْكَ عَبْدًا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَجْهُولَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا الرُّؤْيَةُ دُونَ الْخَبَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِلُزُومِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَصْفُ طَرِيقًا لِلْإِعْلَامِ هُنَا لَكَانَ الْعَقْدُ يَلْزَمُ بِاعْتِبَارِهِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالِيَّةُ وَمِقْدَارُ الْمَالِيَّةِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالرُّؤْيَةِ فَالْجَهْلُ بِمِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِمَنْزِلَةِ انْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الْآبِقِ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ فِي الْآبِقِ قَائِمَةٌ حَقِيقَةً ، وَلَكِنْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ لِلْبُعْدِ عَنْ الْيَدِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ وَبَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ
نَوْعَانِ : بَيْعُ عَيْنٍ ، وَبَيْعُ دَيْنٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ الْوَصْفُ يَعْنِي الْمُسْلَمَ فِيهِ وَفِي مَا هُوَ عَيْنُ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ مَا هِيَ الطَّرِيقَةُ لِمَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ ، وَهُوَ الْوَصْفُ إذَا تَرَاخَى عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ الطَّرِيقُ لِلْمَعْرِفَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ ؟ .
وَهُوَ الرُّؤْيَةُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ حَالَةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رَوَى فِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ } وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَرَهُ كِنَايَةٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُكَنَّى السَّابِقِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُشْتَرَى ، وَالْمُرَادُ خِيَارٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِلْزَامِهِ دُونَ خِيَارِ الشِّرَاءِ ابْتِدَاءً وَتَصْرِيحُهُ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْخِيَارِ لَهُ تَنْصِيصٌ عَلَى جَوَازِ شِرَائِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُجِيرِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشُهْرَتِهِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْعَيْنِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمَرْئِيِّ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ مُشَارٌ إلَى عَيْنِهِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي جَارِيَةٍ قَائِمَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مَبِيعَةً فَلَا شَكَّ أَنَّ عَيْنَهَا مَعْلُومَةٌ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ أَشَارَ إلَى مَكَانِهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهَا فَأَمَّا كَوْنُهَا جَارِيَةً وَكَوْنُهَا مَمْلُوكَةً فَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْأَخِيرِ التَّابِعِ لَهُ فَإِنَّهَا وَإِنْ رَفَعَتْ النِّقَابَ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَقَدْ أَخْبَرْتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ؛
وَلِهَذَا مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ فَإِنَّمَا نَفْيُ تَقَدُّمِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا الْجَهْلُ بِصِفَاتِ الْوَجْهِ وَجَوَازُ الْعَقْدِ وَفَسَادُهُ لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِبَعْضِ أَوْصَافِهَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ بِأَنْ كَانَتْ مُحْتَرِقَةَ الْوَجْهِ أَوْ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ آخَرَ .
وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْجَهْلُ لِبَعْضِ الْأَوْصَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الْعَقْدَ ، وَالْجَهْلُ بِالْمَعْقُودِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ فَإِنَّ عَيْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ، وَجَازَ الْعَقْدُ فَدَلَّ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعَدَمِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْجَهْلِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تُفِضْ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ كَبَيْعِ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ ، وَجَهَالَةُ الْأَوْصَافِ بِسَبَبِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَعْدَمَا صَارَ مَعْلُومَ الْعَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ فِي انْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ وَذَلِكَ شَرْطُ انْبِرَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ السَّبَبَ الْمَانِعَ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا شَرْطُ الْخِيَارِ مِنْهُ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِسْقَاطِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَمَّ الرِّضَا فِي الْعَيْبِ ، وَالسَّبَبُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ الْمُطَالَبَةُ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِسْقَاطِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَمَّ الرِّضَا بِهِ وَهُنَا السَّبَبُ هُوَ الْجَهْلُ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ فَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ جَهَالَةَ الْعَيْنِ كَمَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ تَمْنَعُ جَوَازَ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ أَوْ زَوَّجْتُكَ إحْدَى أَمَتَيَّ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ثُمَّ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ جَهَالَةَ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ فِي النِّكَاحِ الْعَقْدُ يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَلِهَذَا لَزِمَ مَعَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ .
وَالْعَيْبُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَعَلَيْهِ نَقِيسُ ، لِعِلَّةِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَعَدَمُ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَهُ كَالنِّكَاحِ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مُسْتَرَدٌّ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الشِّرَاءِ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَوْزًا أَوْ بَيْضًا أَوْ اشْتَرَى قُفَّاعًا فِي كُوزٍ يَجُوزُ فَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مُسْتَرَدٌّ بِغَيْرِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجَوِّزُ بَيْعَ اللَّوْزِ الرَّطْبِ وَالْجَوْزُ الرَّطْبُ فِي قِشْرَيْنِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْيَابِسِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ وَفِي الْوَجْهَيْنِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ اللُّبُّ دُونَ الْقِشْرِ وَهُوَ مُسْتَرَدٌّ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ هُنَاكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُرَدُّ عَلَى الْأَوْصَافِ فِي بَابِ السَّلَمِ فَإِنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ ، وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهَا فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَبَيْعُ الْآبِقِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا هِبَتَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ، وَبَيْعَهُ مِمَّنْ فِي يَدِهِ وَبَيْعُ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ مَقْصُودًا
فَإِنَّهُ فِي الْبَطْنِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّزْوِيجَ مَقْصُودًا فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَتَأْوِيلُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ بَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ { حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَحْدِثُهَا فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسْلِمُهَا إلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ } وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا لَا يَكُونُ مَعْلُومَ الْعَيْنِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ هُنَا فَصْلَانِ
أَحَدُهُمَا الْبَائِعُ إذَا لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ قَطُّ بِأَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَبَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَنَا ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلًا يَقُولُ : لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : لَا خِيَارَ لَهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ : إنَّكَ قَدْ عَيَّنْتَ ( فَقَالَ ) الْخِيَارُ لِي لِأَنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَذَكَر ذَلِكَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ ، وَلِهَذَا رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ ، وَقَالَ : لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ تَمَامَ رِضَاهُ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ بِمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ لَا بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ ، وَالْمَبِيعُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ الثَّمَنُ وَهُوَ طَرِيقُ إعْلَامِهِ التَّسْمِيَةَ دُونَ الرُّؤْيَةِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ رَأَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قُلْنَا : وَبَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْفَسْخِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ وَمَا لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا بِهِ لَا يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْعَقْدَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا .
وَإِنَّمَا يَتِمُّ رِضَاهُ إذَا عَلِمَ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودُهُ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِالرُّؤْيَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْأَوْصَافِ قَبْلَ
رُؤْيَةِ مَوْضِعِ الْعَيْبِ يَثْبُتُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ، وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ لَهُ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ فَلِهَذَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ هُنَا إبْطَالُ حُكْمٍ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا خِيَارَ لَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَسْخِ إبْطَالُ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِالنَّصِّ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خَالِيًا عَنْ الْخِيَارِ ، وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ الْخِيَارَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ بِالْفَسْخِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَلَا يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ رُؤْيَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خَالِيًا عَنْ الْخِيَارِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ هُنَا الرُّؤْيَةُ الَّتِي تُوجِبُ إعْلَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ وَفِي الدَّوَابِّ بِرُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَكِفْلِهَا وَمُؤَخَّرِهَا فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَفِي الْغَنَمِ يَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْجِنْسِ ، وَفِيمَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ اللَّبَنُ يَحْتَاجُ إلَى رُؤْيَةِ الضَّرْعِ وَفِيمَا يُعْلَمُ بِالذَّوْقِ وَالشَّمِّ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً ، وَلَيْسَ لِلْخِيَارِ فِي هَذَا وَقْتٌ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِخِيَارٍ مُطْلَقٍ لِلْمُشْتَرِي فَالتَّوْقِيتُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى خِيَارِ الْعَيْبِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّتُ إلَّا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالِاصْطِلَاحُ يَكُونُ عَلَى رَدِّ حِصَّةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ
مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا لَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَهُنَا الْخِيَارُ لِلْجَهْلِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ يُورَثُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا هُوَ مَالٌ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ : فَإِنْ رَأَى بَعْضَ الثِّيَابِ فَهُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَتَفَاوَتُ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ .
وَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا لَمْ يَرَهُ خَاصَّةً وَلَكِنْ يَرُدُّ الْكُلَّ أَوْ يُمْسِكُ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ اللُّزُومَ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا فَكَمَا أَنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِلُزُومِ الْعَقْدِ .
فَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ بِاعْتِبَارِ تَمَامِ الرِّضَا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَهُنَاكَ الصَّفْقَةُ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ لِتَمَامِ الرِّضَا بِهِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ قَالَ وَلَوْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْبَعْضِ الْهَالِكِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ الْهَالِكِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ فِي الرَّدِّ قَبْلَ التَّمَامِ فَمِنْ ضَرُورَةِ تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي الْهَالِكِ تَعَذُّرُ الرَّدِّ فِيمَا بَقِيَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِإِلْزَامِ الْعَقْدِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ فَبِهَلَاكِ الْبَعْضِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْقُطَ خِيَارُهُ فِيمَا بَقِيَ ، وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْهَلَاكِ
بِاخْتِيَارِهِ رَدَّ الْبَعْضِ هُوَ فَاسِدٌ لِلْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْهَلَاكِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ مَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ
فَأَمَّا السَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَالْحِنْطَةُ فَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ رُؤْيَةِ بَعْضِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَتَفَاوَتُ فَبِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ تَصِيرُ صِفَةُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَعْلُومًا ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْرِضُ بِالنَّمُوذَجِ فَرُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْهُ يَكْفِي لِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ فِيهِ وَمَا لَا يَعْرِضُ بِالنَّمُوذَجِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَفِيمَا يَعْرِضُ بِالنَّمُوذَجِ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَا لَمْ يَرَهُ مِثْلَ مَا رَآهُ أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا رَأَى ، فَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِمَّا رَأَى فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَأَى فَإِذَا تَغَيَّرَ لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَغَيَّرَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ التَّغَيُّرَ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ رُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْعَيْبِ فِي الْمُشْتَرَى ، وَلَوْ ادَّعَى عَيْبًا بِالْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَهَذَا مِثْلُهُ
قَالَ : وَإِذَا رَأَى مَتَاعًا مَطْوِيًّا ، وَلَمْ يَقِسْهُ وَلَمْ يَنْشُرْهُ فَاشْتَرَاهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ طَرَفٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَقِيَ فَلَا تَتَفَاوَتُ أَطْرَافُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا يَسِيرًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلِأَنَّ رُؤْيَةَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَعَذَّرُ .
قَالُوا : وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي طَيِّ الثَّوْبِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، فَإِنْ كَانَ فِي طَيِّ الثَّوْبِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ كَالْعَلَمِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَعْنِي مَوْضِعَ الْعَلَمِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَتَفَاوَتُ بِجِنْسِهِ وَهُوَ نَظِيرُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ رَأَى سَائِرَ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَسَدِهِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرَ وَجْهَهُ
قَالَ : وَلَوْ كَانَ رَآهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ الْحَالِ الَّذِي رَآهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي التَّغَيُّرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، فَأَمَّا إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً فَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَكَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ عَاقِلٍ فَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَرْسَلَ رَسُولًا يَقْبِضُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ وَقَبْضُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَتَاعُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَتِمَّ رِضَاهُ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَهُ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا يَقْبِضُهُ فَرَآهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ وَالرَّسُولُ وَالْوَكِيلُ فِيهِ سَوَاءٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِإِحْرَازِ الْعَيْنِ وَالْحَمْلِ إلَيْهِ وَالنَّقْلِ إلَى ضَمَانِهِ بِفِعْلِهِ ثُمَّ خِيَارُهُ لَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ ، فَكَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ وَكَيْفَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ نَصًّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَقَاسَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ بِهِ ، فَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : التَّوْكِيلُ بِمُطْلَقِ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ ، وَلِأَنَّهُ إتْمَامُ الْقَبْضِ كَالتَّوْكِيلِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ وَلِأَنَّ إتْمَامَهُ وَتَمَامَ الْقَبْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ وَالصَّفْقَةُ لَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَضْمَنُ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ إنَابَةُ الْوَكِيلِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الرُّؤْيَةِ الْمُسْقِطَةِ لِخِيَارِهِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّ الرَّسُولَ لَيْسَ إلَيْهِ إلَّا تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ ، فَأَمَّا إتْمَامُ مَا أُرْسِلَ بِهِ لَيْسَ إلَيْهِ كَالرَّسُولِ بِالْعَقْدِ لَيْسَ إلَيْهِ مِنْ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ شَيْءٌ
.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَثْبَتَ صِفَةَ الرِّسَالَةِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْقَى الْوَكَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَالْقَبْضِ ، وَلِهَذَا مُلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ رَدُّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً يُوَضِّحُهُ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ، وَذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاسْتِيفَاءَ دُونَ الْإِسْقَاطِ فَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَقَدْ مَنَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ هُوَ التَّسْلِيمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّا نَجْعَلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ ، وَالْمُوَكِّلُ لَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ سَقَطَ بِهِ خِيَارُهُ فَكَذَلِكَ قَبْضُ الْوَكِيلِ وَلَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الشَّرْطِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ بِحَالٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْخِيَارِ اسْتَثْنَى رِضَاهُ نَصًّا فَلَا بُدَّ لِسُقُوطِ خِيَارِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ أَوْ إسْقَاطِ نَائِبِهِ ، وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فِي إسْقَاطِ حِصَّةِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ يَقُولُ سُقُوطُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ عِنْدَ الْقَبْضِ عَادَةً ، وَالْوَكِيلُ بِالشَّيْءِ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالْمُبَاشِرِ لِنَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَكُونُ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالرُّؤْيَةُ بِالتَّأْجِيلِ فِيهِ بَعْدَ مُدَّةٍ بَعِيدَةٍ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُشَابِهٌ بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَفَادُ بِهِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ ثُمَّ رُؤْيَةُ الْوَكِيلِ بِالْعَقْدِ تُجْعَلُ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ فَكَذَلِكَ رُؤْيَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَرِضَاءُ الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا
الْمُوَكِّلَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ وَأَبَى الْمُوَكِّلُ أَنْ يَرْضَى بِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَالْوَكِيلُ بِالْعَقْدِ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ ، الْآمِرُ لِنَفْسِهِ نَحْوَ مَا إذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ الْخِيَارَ فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَدْلَ زُطِّيٍّ لَمْ يَرَهُ ثُمَّ بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا ثُمَّ نَظَرَ إلَى مَا بَقِيَ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يَجِدُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا بَاعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ مَا بَاعَ بِسَبَبٍ فَهُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ إلَّا فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُولُ : خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا يَعُودُ بَعْدَمَا سَقَطَ ، وَإِنْ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ رَدُّ الْكُلِّ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا خِيَارَهُ لَأَسْقَطْنَا بِإِيجَابِهِ الْبَيْعَ فِي الثَّوْبِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ تَصْرِيحِهِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ فَسَقَطَ خِيَارُهُ .
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ رَدُّ الْكُلِّ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا خِيَارَهُ لَأَسْقَطْنَا بِإِيجَابِهِ الْبَيْعَ فِي الثَّوْبِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ تَصْرِيحِهِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ ثَوْبًا مِنْهُ وَأَلْبَسَهُ حَتَّى تَغَيَّرَ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ هَذَا الثَّوْبِ كَمَا قَبَضَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ
قَالَ ، وَإِذَا اشْتَرَى عَدْلَ زُطِّيٍّ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ أَوْ كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ خَادِمَيْنِ فَحَدَثَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَيْبٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ أَوْ كَانَ الْعَيْبُ فِيهِ فَعَلِمَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ أَوْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ لِمَا فِي رَدِّ الْبَعْضِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ الرَّادُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ يَثْبُتُ لَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا حِصَّةَ لِلْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْ الْمُثَمَّنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفٌّ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْبَائِعِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُرَدُّ الْكُلُّ أَوْ يُمْسِكُ الْكُلَّ وَالْحَادِثُ مِنْ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ .
وَلَوْ هَلَكَ كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ إذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا جُعِلَتْ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ الْحَادِثُ فِي الْعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِالْقَبْضِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْجَمِيعِ كَسُقُوطِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْجِنْسِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الثَّمَنِ بَقِيَ حَقُّهُ فِي الْجِنْسِ فَيَسْتَوِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنْ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْمَقْبُوضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ خَاصَّةً ، وَإِنْ وُجِدَ بِاَلَّذِي لَمْ يَقْبِضْ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ كَانَ الْآخَرُ بِصِفَتِهِ ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَمَا قَبَضَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً ، وَقَدْ
لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : يَرُدُّهُمَا إنْ شَاءَ لِأَنَّ ضَمَّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الْبَيْعِ فَلَوْ رَدَّ الرَّدِيءَ بِالْعَيْبِ خَاصَّةً تَضَرَّرَ بِهِ الْبَائِعُ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ إمَّا أَنْ يَرُدَّهُمَا أَوْ يُمْسِكَهُمَا كَمَا فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : حَقُّ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلِأَجْلِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ وَلِهَذَا إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا الْمَعْنَى تَقْتَصِرُ عَلَى الْعَيْبِ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُ الرَّدِّ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ .
وَهَذَا لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ تَمَامِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ صِفَةِ السَّلَامَةِ كَمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَبِهِ فَارَقَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةَ ، فَالْمَانِعُ مِنْ تَمَامِ الصَّفْقَةِ هُنَاكَ عَدَمُ الرِّضَا لِلْجَهْلِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، وَهَذَا بَاقٍ وَفِي رَدِّ أَحَدِهِمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ فَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرُدَّ كُلَّهُ أَوْ يُمْسِكَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي الْحُكْمِ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يُرَدُّ بَعْضُهُ بِالْعَيْبِ دُونَ الْبَعْضِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا مُيِّزَ الْمَعِيبُ ازْدَادَ عَيْبُهُ ، فَالْمَعِيبُ مِنْ الْحِنْطَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِمَا لَيْسَ بِمَعِيبٍ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ مَا يَتَبَيَّنُ إذَا مُيِّزَ عَمَّا لَيْسَ بِمَعِيبٍ ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ أَكْثَرَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُونَ : هَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَوَجَدَ مَا فِي أَحَدِ الْوِعَاءَيْنِ مَعِيبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبَيْنِ وَالْجِنْسَيْنِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَإِلَّا ظَهَرَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ وِعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ أَوْ يُمْسِكَ الْكُلَّ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فَالْآخَرُ لَهُ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَتَمَامُهُ يَسْتَدْعِي تَمَامَ الرِّضَا مِنْ الْعَاقِدِ بِهِ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ يَنْعَدِمُ رِضَا الْمَالِكِ لَا رِضَا الْعَاقِدِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الصَّرْفِ : وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْدَمَا افْتَرَقَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فَإِذَا عَرَفْنَا تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ قُلْنَا : يَرْجِعُ بِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسْلَمْ لَهُ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ لَهُ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ سَالِمٌ وَاسْتِحْقَاقُ أَحَدِهِمَا لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي الْآخَرِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْآخَرِ لِيُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضَ أَوْ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِقَبْضِ جَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ لَا تَكُونُ الصَّفْقَةُ
تَامَّةً وَلَوْ كَانَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا لَا يَتَبَعَّضُ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَالتُّجَّارُ يَعُدُّونَ الشَّرِكَةَ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ عَيْبًا فَاحِشًا
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَبِاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ لَا يَتَعَيَّبُ مَا بَقِيَ ، وَقَدْ تَمَّتْ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَنَظَرَ إلَى ظَاهِرِهَا خَارِجًا مِنْهَا ، وَلَمْ يَدْخُلْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا بِعَيْبٍ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَقِيلَ : هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى دُورِهِمْ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجٍ ، فَأَمَّا فِي دِيَارِنَا مَالِيَّةُ الدُّورِ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ دَاخِلٍ ، فَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ وَمَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَحُجَّةُ زُفَرَ هُنَا الَّذِي ذَكَرْنَا الْجَوَابَ ، وَحُجَّتُنَا أَنَّ النَّظَرَ إلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَعَذِّرٌ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْظُرُ إلَى مَا تَحْتَ السُّورِ وَإِلَى مَا بَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ الْجُذُوعِ وَالْأُسْطُوَانَات وَإِذَا سَقَطَ شَرْطُ رُؤْيَةِ الْكُلِّ لِلتَّعَذُّرِ أَقَمْنَا رُؤْيَةَ جُزْءٍ مِنْهَا مَقَامَ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ تَيْسِيرًا
قَالَ وَالْأَعْمَى فِي كُلِّ مَا اشْتَرَى إذَا لَمْ يُقَلِّبْ وَلَمْ يَجُسَّ بِالْخِيَارِ فَإِذَا قَلَّبَ أَوْ جَسَّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الصَّحِيحِ وَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَ بِهِ عَيْبًا ، وَالْكَلَامُ فِي فُصُولٍ أَحَدُهُمَا جَوَازُ الْعَقْدِ عِنْدَنَا مِنْ الْأَعْمَى بَيْعًا كَانَ أَوْ شِرَاءً ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَ بَصِيرًا فَعَمِيَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْمَهَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَوْنَ الْأَشْيَاءِ وَصِفَتَهَا ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ فَالنَّاسُ تَعَارَفُوا مُعَامَلَةَ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ ، وَتَعَامُلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِهِ فَإِذَا احْتَاجَ الْأَعْمَى إلَى مَأْكُولٍ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يُوَكِّلَ بِهِ مَاتَ جُوعًا وَفِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ شِرَائِهِ قُلْنَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ أَوْ الذَّوْقِ فَهُوَ كَالْبَصِيرِ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تُعْرَفُ صِفَتُهُ بِالْجَسِّ كَمَا تُعْرَفُ بِالرُّؤْيَةِ فَالْمَسُّ فِيهِ كَالرُّؤْيَةِ مِنْ الْبَصِيرِ حَتَّى لَوْ لَمَسَهُ ، وَقَالَ : رَضِيتُ بِهِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ، وَمَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ كَالْعَقَارَاتِ فَإِنَّهُ يُوصَفُ لَهُ بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ ، فَإِذَا قَالَ : قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَصْفِ يُقَامُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِع كَمَا فِي عَقْدِ السَّلَمِ ، وَالْمَقْصُودُ رَفْعُ الْعَيْنِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَإِنْ كَانَ بِالرُّؤْيَةِ أَتَمُّ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ تُعَادُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ بَصِيرًا رَأَى فَقَالَ : قَدْ رَضِيتُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَجُعِلَ هَذَا كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ مِنْ الْأَخْرَسِ فَإِنَّهُ يُقَامُ مَقَامَ عِبَارَةِ النَّاطِقِ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ ؛ لِأَنَّ
الْمُمْكِنَ ذَلِكَ الْقَدْرُ ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : يُوَكِّلُ بَصِيرًا بِالْقَبْضِ حَتَّى يَرَى الْبَصِيرُ فَيَقْبِضَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُ يُجْعَلُ فِي الرُّؤْيَةِ كَالْمُوَكِّلِ ، وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - : يَمَسُّ الْحِيطَانَ وَالْأَشْجَارَ فَإِذَا قَالَ رَضِيتُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى إذَا كَانَ ذَكِيًّا يَقِفُ عَلَى مَقْصُودِهِ فِي ذَلِكَ بِالْمَسِّ ، وَحُكِيَ أَنَّ أَعْمَى اشْتَرَى أَرْضًا فَقَالَ قِيدُونِي فَقَادُوهُ إلَيْهَا فَجَعَلَ يَمَسُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَقَالَ أَمَوْضِعُ كُدْسٍ هَذَا ؟ فَقَالُوا لَا ، فَقَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكْسُو نَفْسَهَا فَكَيْفَ تَكْسُونِي فَكَانَ كَمَا قَالَ فَإِذَا كَانَ الْأَعْمَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَرَضِيَ بِهَا بَعْدَمَا مَسَّهَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
بَابُ الْمُرَابَحَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَسِيئَةٍ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ تَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَجِنَايَةٍ ، وَيُتَحَرَّزُ فِيهِ مِنْ كُلِّ كَذِبٍ وَفِي مَعَارِيضِ الْكَلَامِ شُبْهَةٌ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ثُمَّ الْإِنْسَانُ فِي الْعَادَةِ يَشْتَرِي الشَّيْءَ بِالنَّسِيئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَشْتَرِي بِالنَّقْدِ فَإِذَا أَطْلَقَ الْإِخْبَارَ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّمَا يَفْهَمُ السَّامِعُ مِنْ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ فَكَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُخْبِرِ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ ، وَذَلِكَ جِنَايَةٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ نَقَصَ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ الْحَالِّ ؛ وَلِهَذَا حَرَّمَ الشَّرْعُ النِّسَاءَ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ لِلْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ حُكْمًا فَإِذَا بَاعَهُ وَكَتَمَ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ بِالتَّدْلِيسِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْبَائِعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا الْتَزَمَ رِبْحًا بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَرْغَبْ فِي شِرَائِهِ بِالنَّقْدِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ فَضْلًا مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ عَلَى ذَلِكَ رِبْحًا فَلِحَاجَتِهِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ أَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ ، كَمَا إذَا وَجَدَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ دُونَ مَا شَرَطَ الْبَائِعُ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ فَالْمَبِيعُ لَهُ لَازِمٌ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ .
وَمُجَرَّدُ الْخِيَارِ إذَا سَقَطَ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِسَبَبِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ التَّحَالُفِ عَلَى
الْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ ، وَجَعَلَ رَدَّ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ كَرَدِّ الْعَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الثَّمَنِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمُسْتَحَقُّ لِلْمُشْتَرِي هُنَاكَ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَهُنَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا قُلْنَا : إنَّ الْمَبِيعَ سَلِمَ لَهُ كَمَا اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا ، وَإِنَّمَا كَانَ مُعْتَادًا كَمَا هُوَ الرَّسْمُ بَيْنَ الْبَاعَةِ أَنْ يُودِيَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مُنَجَّمًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ نَجْمًا فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْفَصْلِ قَالَ : بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ وَبِأَنْ سَامَحَهُ الْبَائِعُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ مِنْهُ مُنَجَّمًا لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ بِالنَّصِّ ، وَلَوْ كَانَ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ تُسْتَحَقُّ بِالْعُرْفِ وَتُجْعَلُ كَالْمَشْرُوطِ فَهَذَا قِيَاسُهُ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى خَادِمًا فَاعْوَرَّتْ أَوْ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا فَأَصَابَهُ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى جَمِيعِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ غَيْرَ مَعِيبٍ بِمَا سَمَّى مِنْ الْبَدَلِ لَمْ يَلْزَمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ رِبْحًا مَا لَمْ يُبَيِّنْ بَعْدَمَا تَعَيَّبَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ لِلْأَوْصَافِ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةً وَأَنَّ التَّعَيُّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَبِصُنْعِ الْعِبَادِ فِيهِ سَوَاءٌ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ حَابِسٍ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ فَيَكُونُ تَبَعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ إذَا فَاتَ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا الْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً ، أَرَأَيْتَ لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ أَوْ تَوَسَّخَ أَوْ نُكِسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ ذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : هَذَا إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا ، فَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً قَالَ : وَكَذَلِكَ إنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هَدَرًا ، وَإِنْ تَعَيَّبَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَتَبَيَّنَ ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ لِجُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ بِمَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ وَمَا يَكُونُ بَيْعًا إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَانَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةٌ كَالْبَائِعِ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي كَفِعْلِ
الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ جُنَاةٌ مُوجِبَةٌ ضَمَانَ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا بَدَلَ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ، فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ إذَا عَلِمَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي وَلَا الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ عَيْبٌ وَلَكِنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ عِلَّةِ الدَّابَّةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً عَلَى ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ حَابِسًا شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِهَا وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِهَا مُرَابَحَةً ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِإِزَاءِ مَا نَالَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ
قَالَ : وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ السَّائِبَةُ أَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْأَصْلِ مَعَ الزِّيَادَةِ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَهُوَ نُقْصَانٌ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ وَبِإِزَائِهِ مَا يَجْبُرُهُ وَهُوَ الْوَلَدُ وَفِي مِثْلِ هَذَا النُّقْصَانِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِزَاءِ النُّقْصَانِ مَا يَجْبُرُهُ فَإِذَا كَانَ بِإِزَائِهِ مَا يَجْبُرُهُ أَوْلَى ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لَمْ يَبِعْ الْأَصْلَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا اُسْتُهْلِكَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً بِغَيْرِ بَيَانٍ فَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْعَيْنِ
قَالَ ، وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْغَنَمِ وَأَصْوَافُهَا وَسُمُونُهَا إذَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا يَبِيعُ الْأَصْلَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا أَصَابَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ مَا أَصَابَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْعُيُوبِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ : فَإِنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَا يُسَاوِي ذَلِكَ فِي عَلْفِهَا وَمَا يُصْلِحُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الزِّيَادَةِ بِاعْتِبَارِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ ، وَالْغُنْمُ مُقَابَلٌ بِالْغَرَرِ وَلِأَنَّ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يُعْتَبَرُ عُرْفُ التُّجَّارِ وَمِنْ عَادَاتِهِمْ إذَا أَنْفَقُوا بِقَدْرِ مَا أَصَابُوا مِنْ الزِّيَادَةِ لَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ خِيَانَةً فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَإِنْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَتْ الْأُصُولُ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ فِي الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِرَاءِ وَيَقُولُ : قَامَ عَلَى كَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا فَإِنَّهُ كَذِبٌ ، وَهَذَا لِأَنَّ عُرْفَ التُّجَّارِ مُعْتَبَرٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَمَا جَرَى الْعُرْفُ بِإِلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِ وَمَا لَا فَلَا أَوْ يَقُولُ : مَا أَثَّرَ فِي الْمَبِيعِ فَتَزْدَادُ بِهِ مَالِيَّتُهُ صُورَةً أَوْ مَعْنًى فَلَهُ أَنْ يُلْحِقَ مَا أَنْفَقَ فِيهِ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالْقِصَارَةُ وَالْخِيَاطَةُ وَصْفٌ فِي الْعَيْنِ تَزْدَادُ بِهِ الْمَالِيَّةُ وَالْكِرَاءُ كَذَلِكَ مَعَنَا ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ مَالِهِ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فَنَقْلُهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لَا يَكُونُ إلَّا بِكَرًى وَلَكِنَّهُ بَعْدَ إلْحَاقِ ذَلِكَ بِرَأْسِ الْمَالِ لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا يَكُونُ كَذِبًا فَإِنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا فَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَقُومُ عَلَيْهِ بِمَا يَغْرَمُ فِيهِ وَقَدْ غَرِمَ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ كَانَ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامٍ وَلَا كِرَاءٍ وَلَا مُؤْنَةٍ لِانْعِدَامِ الْعُرْفِ فِيهِ ظَاهِرًا وَلِأَنَّ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَزْدَادُ مَالِيَّةُ الْبَيْعِ صُورَةً وَلَا مَعْنًى
وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلَهُ أَنْ يُلْحِقَ بِهِمْ طَعَامَهُمْ وَكِسْوَتَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَيَّ بِكَذَا لِلْعُرْفِ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ النَّفَقَةِ إصْلَاحَ مَالِيَّةِ الرَّقِيقِ فَإِنَّ بَقَاءَهُمْ عَلَى هَيْئَتِهِمْ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْإِنْفَاقِ بِالْمَعْرُوفِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى طَعَامًا فَأَكَلَ نِصْفَهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ بِحِصَّةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ مَعْلُومًا ، وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ عَلَى ذَلِكَ يُبْنَى وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا لَا يَبِيعُ الْبَاقِيَ مِنْهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَى الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا الْحَزْرُ وَالظَّنُّ فَلَمْ يَكُنْ حِصَّةُ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومًا يَقِينًا لِيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ إذَا ذَهَبَ نِصْفُهُ أَوْ احْتَرَقَ أَوْ أَحْرَقَهُ إنْسَانٌ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَلَا يَبِيعُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ذُرْعَانِ الثَّوْبِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ ، وَالذَّرْعُ صِفَةٌ فِي الثَّوْبِ وَانْقِسَامُ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ عَلَى الْأَوْصَافِ فَقَدْ تَتَفَاوَتُ أَطْرَافُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا ذَهَبَ نِصْفُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِي ذِرَاعًا مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ بِثَمَنٍ لَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْقُفْزَانِ مِنْ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَهَكَذَا الثَّوْبَانِ إذَا اشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا يَبِيعُ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً دُونَ الْآخَرِ ، فَإِنْ اقْتَسَمَا الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى عَدْلَ زُطِّيٍّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ ثَوْبٍ مِنْهَا مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ ضَمَّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ وَبَيْعُهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّفَضُّلِ فَيَرْغَبُ الْمُشْتَرِي فِي شِرَاءِ الرَّدِيءِ لِمَا لَهُ مِنْ الْمَقْصُودِ فِي الْجَيِّدِ وَيَرْغَبُ الْبَائِعُ فِي بَيْعِ الْجَيِّدِ لِمَا لَهُ مِنْ الْمَقْصُودِ فِي تَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لَأَمْسَكَ الْجَيِّدَ وَبَاعَ الرَّدِيءَ مُرَابَحَةً ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ أَجْوَدُ مِنْهُ لَمْ يُعْطِهِ رِبْحًا عَنْ مَا سَمَّى فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْعُرْفِ اسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ : لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ فَإِنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ مُسَمًّى مَعْلُومٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ