كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

رِوَايَةٍ { : الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } ، وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ " لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ أَيْ : مِنْ ضَمَانِ رَاهِنِهِ ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " أَيْ : عَلَيْهِ هَلَاكُهُ ، فَالْغُرْمُ : عِبَارَةٌ عَنْ الْهَلَاكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : إنَّا لَمُغْرَمُونَ } أَيْ : هَلَكَتْ عَلَيْنَا أَمْوَالُنَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَبِهَلَاكِهِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الصَّكِّ وَمَوْتِ الشُّهُودِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْوَثِيقَةِ يَزْدَادُ مَعْنَى الصِّيَانَةِ فَلَوْ قُلْنَا : بِأَنَّهُ يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ بِهَلَاكِهِ كَانَ ضِدَّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بِهِ يَصِيرُ بِعُرْضَةِ الْهَلَاكِ ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ - مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ - أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْقَبْضُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ ، وَمَا هُوَ مُوجَبُ الرَّهْنُ ، وَهُوَ الْحَبْسُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ الضَّمَانِ بِهَذَا الْقَبْضِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ تَهْلِكُ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَكَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ وَضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ ، وَالدَّيْنِ جَمِيعًا عَلَى الرَّاهِنِ ، وَلَوْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْضَ ضَمَانٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالضَّمَانِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْغَاصِبِ ، وَعِنْدَكُمْ إذَا اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الرَّاهِنِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ لَكَانَ قَبْضُهُ عَنْ الشِّرَاءِ كَقَبْضِ الْغَاصِبِ ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَكُمْ كَرَهْنِ الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ ، وَالْفَاسِدُ

مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ الضَّمَانُ ، كَالْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ الْفَسْخِ مَحْبُوسٌ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ ، بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْآجِرُ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَائِهِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إذَا هَلَكَ ، وَكَذَلِكَ زَوَائِدُ الرَّهْنِ عِنْدَكُمْ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ : أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ ، كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ إجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ ( رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ) فَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ يَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ ، لَمْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَطَاءٍ { : أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا عِنْدَ رَجُلٍ بِحَقٍّ لَهُ فَنَفَقَ الْفَرَسُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ : ذَهَبَ حَقُّكَ } ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَ حَقُّكَ فِي الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْكِلُ ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَقَّ مُنَكَّرًا فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَعَادَهُ مُعَرَّفًا ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُعَرَّفِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُنَكَّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ ذَهَبَتْ الرِّهَانُ بِمَا فِيهَا } أَيْ : بِمَا فِيهَا مِنْ الدُّيُونِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَفْهَمُ مِنْهُ هَذَا اللَّفْظُ ، بَقِيَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ السَّلَفِ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) كَطَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمَ ، وَغَيْرِهِمَا اتَّفَقُوا : أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُحْبَسُ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ احْتِبَاسًا لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا

لِلْمُرْتَهِنِ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ : وَفَارَقْتُكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا يَعْنِي : احْتَبَسَ قَلْبُ الْمُحِبِّ عِنْدَ الْحَبِيبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ ، وَلَا هَلَاكٌ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَرْتَهِنُونَ ، وَيَشْتَرِطُونَ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ إلَى وَقْتِ كَذَا فَالرَّهْنُ مَمْلُوكٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ فَقِيلَ : أَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالدَّيْنِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَالرَّهْنُ بَيْعٌ لِي فِي الدَّيْنِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
وَقَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ } يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ : هُوَ عَلَى مِلْكِ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَهُ غُنْمُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } يَعْنِي فِي حَالِ إبْقَائِهِ هُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ لَا يَتَمَلَّكُ غَيْرَهُ عَلَيْهِ ، أَوْ أَنْ يَبِيعَ بِالدَّيْنِ فَزَادَ الثَّمَنُ عَلَى الدَّيْنِ فَالزِّيَادَةُ لَهُ ، وَإِنْ اُنْتُقِصَ فَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ ، وَبِهِ نَقُولُ : وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ الرَّهْنَ مَقْبُوضٌ لِلِاسْتِيفَاءِ وَالْمَقْبُوضُ عَلَى وَجْهِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ يُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَصُّ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ الَّذِي يَقْبَلُ الْبَيْعَ فِي الدَّيْنِ ، وَيَخْتَصُّ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ ، وَهُوَ الدَّيْنُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ ، وَلَا بِالْعُقُوبَاتِ

مِنْ الْقِصَاصِ ، وَالْحُدُودِ ، وَتَحْقِيقُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهَذِهِ الْيَدُ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ تُثْبِتُ الْمِلْكَ ، وَالضَّمَانَ فَكَذَا فِيهَا أَيْضًا يَثْبُتُ الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ يُقَرِّرُهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
( رَحِمَهُ اللَّهُ ) اسْتِيفَاءُ الْمُسْتَوْفَى يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَوْفِي ، وَلَهُ عَلَى الْمُوفِي مِثْلُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ رَهْنًا ، وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْيَدِ فَإِذَا هَلَكَ وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ، وَصِفَتِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِهِ يَتَحَقَّقُ ، وَكَانَ الرَّاهِنُ جَعَلَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ فِي وِعَاءٍ وَسَلَّمَهُ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَعِنْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِهِ يَتِمُّ اسْتِيفَاؤُهُ فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ ، وَلِهَذَا كَانَ الْفَضْلُ أَمَانَةً عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَعَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كِيسٍ ، وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْهُ عَشَرَةَ فَيَكُونَ أَمِينًا فِي الزِّيَادَةِ ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ تَحْصُلُ مِنْهُ الْمَالِيَّةُ دُونَ الْعَيْنِ ، وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْعَيْنِ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا ، وَالْمُرْتَهِنُ عِنْدَنَا مُسْتَوْفٍ لَا مُسْتَبْدِلٌ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ بِحَبْسِ الْحَقِّ ، وَالْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَكَانَ هُوَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ كَالْكِيسِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اتَّضَحَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ يَتَحَقَّقُ إذَا صَارَ الْمُرْتَهِنُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ قُلْنَا يَتْوَى بَيْنَهُ ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَيْسَ مَأْتُوًّا لِلْحَقِّ ، ثُمَّ مُوجَبُ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَفِيهِ مَعْنَى

الصِّيَانَةِ

، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ فَرَاغُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَثِيقَةً لِصِيَانَةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْحَوَالَةِ ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِصِيَانَةِ حَقِّ الطَّالِبِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، وَبِهِ لَا يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالْعَارِيَّةِ مَنْفَعَةُ الْمُسْتَعِيرِ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ حُصُولِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مَحْضَ مَنْفَعَةٍ لَهُ ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَوْتَ الشُّهُودِ ، وَهَلَاكَ الصَّكِّ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ إذَا تَمَّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الصَّكِّ وَالشُّهُودِ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا بِنَفْسِ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَاقَى الْعَيْنَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَيْنَ فِي حُكْمِ الْأَمَانَةِ ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ دُونَ قَبْضِ الشِّرَاءِ ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ بِالضَّمَانِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَجْلِ الْغَرَرِ ، فَالرَّاهِنُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ مِنْهُ حَيْثُ إنَّهُ يَصِيرُ مُوفِيًا ذِمَّتَهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَلِهَذَا تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَجَّرِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ لَيْسَتْ بِيَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلِأَنَّهَا هِيَ الْيَدُ الَّتِي كَانَتْ لَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ ، وَإِنَّمَا قَبَضَ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمَالِيَّةِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ عِنْدَنَا مَضْمُونٌ ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَهَنَ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا ، أَوْ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ ، وَهُوَ رَهْنٌ فَاسِدٌ ، فَإِنَّ

الْمَرْهُونَ بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ ، وَالْمُغَنِّيَةِ ، وَلَا عَقْدَ هُنَاكَ فَاسِدًا ، وَلَا جَائِزًا لِانْعِدَامِ الدَّيْنِ أَصْلًا ، وَكَذَلِكَ رَهْنُ الْمُشَاعِ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي هِيَ مُوجَبُ الرَّهْنِ لَا تَثْبُتُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا فَأَمَّا شُرَيْحٌ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فَكَانَ يَقِيسُ الْمَرْهُونَ بِالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَالٌ غَيْرُ مَحْبُوسٍ بِدَيْنٍ ، هُوَ مَالٌ فَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ ، فَكَذَلِكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ؛ وَلِأَنَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّهُ لَا إلَى غَايَةٍ ، وَلَوْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ إلَى غَايَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُحْضِرْهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ لَا إلَى غَايَةٍ ، وَلَكِنْ لَمَّا حَقَّقْنَا تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ ، وَالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ سُقُوطَ الثَّمَنِ هُنَاكَ بِسَبَبِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ، وَبِهَلَاكِ جَمِيعِ الْعُقُودِ عَلَيْهِ يَنْفَسِخُ جَمِيعُ الْعَقْدِ ، وَهُنَا سُقُوطُ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا بَعْدَ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَاسْتِيفَاءُ الْعَشَرَةِ مِنْ خَمْسَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ ، فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَضْلِ الدَّيْنِ

قَالَ ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ عَيْنًا .
وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : " لَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ بِالْإِيجَابِ ، وَالْقَبُولِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ ، وَهُوَ ، وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ ، وَذَلِكَ يَلْزَمُ بِالْقَبُولِ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } فَقَدْ ، وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّهْنَ بِالْقَبْضِ فَيُنْتَقَضُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ، وَصْفًا لَازِمًا لَا يُفَارِقُهُ الرَّهْنُ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِيفَاءِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ ، فَكَذَلِكَ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَالْمَقْصُودُ : إلْجَاءُ الرَّاهِنِ حَيَاتَهُ لِيُسَارِعَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِثُبُوتِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ ، وَمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْهُ ، وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا : ثُبُوتُ حَيَاةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ لِمُزَاحَمَةِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ، فَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ : الْقَبْضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ثَبَتَ بِالتَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمَبِيعِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ ، فَكَمَا أَنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ النَّقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَرْهُونُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ الْقَبْضُ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِيفَاءِ تَثْبُتُ بِالتَّخْلِيَةِ فَالْقَبْضُ الْمُوجِبُ لِهَذَا الِاسْتِيفَاءِ أَيْضًا

ثَبَتَ بِالتَّخْلِيَةِ

، وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ ، وَمَا لَا يُقْسَمُ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ مَا يُرْهَنُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ عَيْنٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، فَيَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْمَقْسُومِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ اسْتِحْقَاقُ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَشْرُوعٌ ؛ لِصِيَانَةِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِمُزَاحَمَةِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ، فَالْمَشْرُوعُ وَثَائِقُ مِنْهَا : مَا يُؤَمِّنُهُ عَنْ جُحُودِ الْمَدْيُونِ ، وَذَلِكَ كَالشُّهُودِ ، وَمِنْهَا : مَا يُؤَمِّنُهُ عَنْ سِيَاقِ الشُّهُودِ ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ ، وَمِنْهَا : مَا يُؤَمِّنُهُ عَنْ التَّوَى بِإِفْلَاسِ مَنْ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ ، وَمِنْهَا : مَا يُؤَمِّنُهُ عَنْ إبْرَاءِ بَعْضِ حَقِّهِ بِمُزَاحَمَةِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَدْيُونِ ، وَذَلِكَ : الرَّهْنُ ، فَإِذَا كَانَ مَشْرُوعًا لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْوَثِيقَةِ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ الْبَيْعَ فِي الدَّيْنِ ، فَيَخْتَصُّ بِمَحِلٍّ يَقْبَلُ الْبَيْعَ فِي الدَّيْنِ ، ثُمَّ الْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ هَذَا ، وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ أَصْلَ الْقَبْضِ .
( أَلَا تَرَى ) : أَنَّ الشَّائِعَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ ، وَبَدَلًا عَنْ الصَّرْفِ ، وَبِالْإِجْمَاعِ : هِبَةُ الْمُشَاعِ - فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ - تَتِمُّ بِالْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ عِنْدِي : فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزٌ ، وَدَوَامُ يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَوْ أَعَارَهُ مِنْ الرَّاهِنِ ، أَوْ غَصَبَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ ، وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدَّعَى : أَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ الْيَدُ ؛ لِأَنَّ بِالْعُقُودِ الْمَشْرُوعَةِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَالْيَدُ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ لِلتَّصَرُّفِ أَوْ لِلِانْتِفَاعِ ، وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : جَوَازُ رَهْنِ الْعَيْنِ

مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَهْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعَيْنِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِكُمْ أَظْهَرُ حَتَّى إذَا هَلَكَ كَانَ نِصْفُهُ مَضْمُونًا بِدَيْنِ كُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِذَا كَانَ إيجَابُ الْبَيْعِ فِي الْعَيْنِ لِاثْنَيْنِ إيجَابًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ ، فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ ثُمَّ كُلُّ عَقْدٍ جَازَ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ مَعَ اثْنَيْنِ يَجُوزُ فِي نِصْفِهِ مَعَ الْوَاحِدِ كَالْبَيْعِ ، وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَالَّةِ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ رَهْنَ النِّصْفِ الشَّائِعِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : رَهَنْتُكَ هَذَا الْعِيرَ يَوْمًا ، وَيَوْمًا لَا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ دَوَامُ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ انْفِكَاكِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشُّيُوعِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمُهَايَأَةِ مَعَ الْمَالِكِ فِي الْإِمْسَاكِ ، فَيَنْتَفِعُ الْمَالِكُ بِهِ يَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، وَيَحْفَظُهُ الْمُرْتَهِنُ يَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : رَهَنْتُكَ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُ الْيَدِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي يَوْمِ الرَّاهِنِ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا يَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ الشُّيُوعُ ، وَمَتَى اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَا يَمْنَعُ مُوجَبَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ دَوَامَ الْيَدِ مُوجَبُ الْعَقْدِ قَوْله تَعَالَى : { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مَرْهُونًا إلَّا فِي حَالٍ يَكُونُ مَقْبُوضًا فِيهِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ ضَمَانُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ التَّوَى لِجُحُودٍ مِنْهُ عَلَيْهِ فَنُقِلَ الْحُكْمُ مِنْ الْكِتَابِ ، وَالشُّهُودِ إلَى الرَّهْنِ ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِالْمَنْقُولِ إلَيْهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمَنْقُولِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِدَوَامِ الْيَدِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ رُبَّمَا يَجْحَدُ الرَّهْنَ ، وَالدَّيْنَ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ إلْجَاءُ الرَّاهِنِ

لِيُسَارِعَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِدَوَامِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ شَيْئًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَوَامُ الْيَدِ مُوجَبَ الْعَقْدِ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَقُولُ : " أَنَا أَشْفَقُ عَلَى مُلْكِي مِنْكَ ، وَحَقُّكَ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ ، وَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْكَ بِيَدِي " ، وَحَيْثُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ عَرَفْنَا أَنَّ دَوَامَ الْيَدِ مُوجَبُ هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَسْنَا نَعْنِي : وُجُودَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ حِينًا ، وَإِنَّمَا نَعْنِي : اسْتِحْقَاقَ دَوَامِ الْيَدِ ، وَبِالْإِعَادَةِ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ الْغَصْبِ لَا يَنْعَدِمُ الِاسْتِحْقَاقُ ، فَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ مِنْهُ الرَّهْنُ ، وَفِي الرَّهْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ اسْتِحْقَاقُ دَوَامِ الْيَدِ ثَابِتٌ لِكُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ حَتَّى إذَا قَضَى جَمِيعَ دَيْنِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَبْسُ جَمِيعِ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ ، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ اثْنَيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَذَلِكَ حَبْسُ الْعَيْنِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ثُمَّ الْيَدُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الرَّاهِنِ هُنَاكَ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ إعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ إلَى يَدِهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّيْنَ ، وَالْعَقْدُ بِهَذَا يَتِمُّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ التَّعَذُّرِ بِإِمْسَاكِ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ يَجُوزُ الْعَقْدُ لِاسْتِحْقَاقِ الْيَدِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ ، وَلِلْمَالِكِ فِيمَا لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ ، وَالْمَنْفَعَةِ ، وَالْيَدِ فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ لَهُ مِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ لَهُ مِلْكَ الْيَدِ مَقْصُودَةً ، وَذَلِكَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ ، وَهَذَا ؛

لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُهُ بِتَفْوِيتِ الْيَدِ كَمَا يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ بِالْيَدِ يَتَوَصَّلُ إلَى التَّصَرُّفِ ، وَالِانْتِفَاعِ كَانَتْ الْيَدُ مَقْصُودَةً بِالطَّرِيقِ الْآخَرِ ، إذْ مُوجَبُ عَقْدِ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَمِنْهُ جَانِبُ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لَا يَتَحَقَّقُ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ ، وَإِذَا كَانَ الْمَرْهُونُ جُزْءًا شَائِعًا لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الرَّهْنِ ، إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّخَلِّي لِجَمِيعِ الْعَيْنِ أَوْ عِنْدَ نَقْلِ جَمِيعِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً ، وَنِصْفُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ مُوجَبُ الْعَقْدِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ أَصْلًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ زَوْجَيْ الْمِقْرَاضِ ؛ لِمَنْعِهِ قَرْضَ الثِّيَابِ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْنَ - فِيمَا هُوَ مُوجَبُ الرَّهْنِ - غَيْرُ مُحْتَمَلٍ لِلتَّجَزِّي ، وَعِنْدَ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نِصْفِهِ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ أَصْلًا لِتَعَذُّرِ أَسْبَابِ مُوجَبِهِ فِي النِّصْفِ كَالْمَرْأَةِ فِي حُكْمِ الْحُلِيِّ لَمَّا كَانَتْ لَا تُجَزَّأُ ، فَإِذَا أُضِيفَ النِّكَاحُ إلَى نِصْفِهَا بَطَلَ عِنْدَ الْخَصْمِ ، وَعِنْدَنَا : يَثْبُتُ فِي الْكُلِّ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ هُنَاكَ ، وَهُوَ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْمَحِلِّ غَيْرَ مُتَجَزِّئٍ ثُمَّ حُكْمُ التَّجَزُّؤِ يَثْبُتُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِينَ عِنْدَ تَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ لِلْمُزَاحَمَةِ ، وَبِهِ لَا يَظْهَرُ التَّجَزُّؤُ فِي الْمَحِلِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ نِصْفَ الْعَيْنِ لَا يَسْتَحِقُّ قِصَاصًا ثُمَّ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِاثْنَيْنِ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا لِلنِّصْفِ عِنْدَ الْعَقْلِ بِاعْتِبَارِ أَنْ لَا يَظْهَرَ حُكْمُ التَّجَزُّؤِ فِي الْقِصَاصِ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ

فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا ، وَالشَّرْعُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حَقِيقَةً ؟ فَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَشَرَةٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَدْيُونُ كِيسًا فِيهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ النِّصْفِ شَائِعًا ، وَإِذَا كَانَ الشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الِاسْتِيفَاءِ ، فَكَيْفَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ قُلْنَا : مُوجَبُ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِلْكُ عَيْنِ الْمُسْتَوْفَى ، وَالْيَدُ هِيَ عَلَى الْمِلْكِ ، وَالشُّيُوعِ ، وَلَا يَمْنَعُ الْمِلْكُ فِيمَا هُوَ الْمُوجَبُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ هُنَاكَ ، وَمُوجَبُ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ كَانَ مُسْتَوْفِيًا فِي حُكْمِ الرَّهْنِ عَمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، وَعَمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ هُنَاكَ الْمِلْكُ ، وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَيُرَاعَى وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَحِلٍّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ هُنَا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مَعَ الشَّرِيكِ أَوْ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فَالشُّيُوعُ هُنَاكَ إنَّمَا يُؤْثَرُ لَا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ يَنْعَدِمُ بِهِ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الشَّرِيكِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ الْكُلِّ ، فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَ ، لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الرَّهْنِ ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْوِعَاءِ ، وَلَا تُمْنَعُ بِهِ صِحَّةُ

الْعَقْدِ ، وَعَلَى هَذَا قُلْنَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَرْهُونِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ فِي الْكُلِّ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : عَلَى الرَّهْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ فِي الْآلَةِ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ ، وَثُبُوتَ مُوجِبِهِ ، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْهُ غَيْرُهُ بَيْتًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَطَلَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ ؛ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ بِهِ فَيَبْقَى صَحِيحًا فِيمَا بَقِيَ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَبِيعِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْعَقْدُ فِي الْمُسْتَحَقِّ يَبْطُلُ مِنْهُ الْأَصْلُ ؛ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ بِهِ فَلَوْ صَحَّ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لَكَانَ هَذَا إثْبَاتَ حُكْمِ الرَّهْنِ فِي النِّصْفِ شَائِعًا ، وَالنِّصْفُ الشَّائِعُ لَيْسَ بِمَحِلِّ مُوجَبِ الرَّهْنِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا ، وَلَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ النِّكَاحَ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي الْكُلِّ ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى فَأَمَّا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ : بِأَنْ رَهَنَ جَمِيعَ الْعَيْنِ ثُمَّ تَفَاسَخَا فَالْعَقْدُ لَيْسَ بِمَحِلِّ مُوجَبِ الرَّهْنِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فِي النِّصْفِ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يُذْكَرْ جَوَابُهُ فِي الْكِتَابِ نَصًّا ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ كَالْمُقَارَنِ فِي أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلرَّهْنِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَلْبِ الْمَكْسُورِ : إذَا مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْبَعْضَ بِالضَّمَانِ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِمَّا بَقِيَ مِنْهُ مَرْهُونًا ؛ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الشُّيُوعِ ، وَقَالُوا فِي الْعَدْلِ إذَا سُلِّطَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ نِصْفَهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ لَا يَكُونُ مَحِلًّا بِخِلَافِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ ، وَالْقَبْضُ هُنَاكَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ ، وَلَيْسَ شَرْطَ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَتَأْثِيرُ الشُّيُوعِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ تَمَامُ

التَّبْعِيضِ ، وَذُكِرَ سَمَاعًا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) رَجَعَ عَنْ هَذِهِ ، وَقَالَ : الشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ حُكْمِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمُقَارَنِ ، وَقَاسَ ذَلِكَ بِصَيْرُورَةِ الْمَرْهُونِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ ، وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ حَتَّى إذَا أَتْلَفَ الْمَرْهُونُ إنْسَانًا ، وَوُضِعَ الْمَرْهُونُ ثَمَنَهُ تَكُونُ الْقِيمَةُ ، وَالثَّمَنُ رَهْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ ، وَابْتِدَاءُ عَقْدِ الرَّهْنِ مُضَافًا إلَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ الْجُزْءُ الشَّائِعُ

قَالَ : وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ ثَمَرَةً فِي نَخْلٍ دُونَ النَّخْلِ أَوْ زَرْعًا أَوْ رُطَبًا فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خَلْفَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَ النَّخْلَ ، وَالشَّجَرَ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ الْبِنَاءَ دُونَ الْأَرْضِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِاتِّصَالِ الْمَرْهُونِ بِمَا لَيْسَ مَرْهُونًا إلَّا أَنْ يَقُولَ بِأُصُولِهَا فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ مَوَاضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ فِي الرَّهْنِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مُعَيَّنٌ ، فَيَجُوزُ رَهْنُهُ كَمَا لَوْ رَهَنَ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى النَّخِيلِ ثَمَرٌ تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا تَصْحِيحَ الْعَقْدِ ، وَلَا ، وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ إلَّا بِإِدْخَالِ الثِّمَارِ ، وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَهُنَاكَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ فِي النَّخِيلِ بِدُونِ الثِّمَارِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَفِي إدْخَالِهِ هُنَاكَ إضْرَارٌ بِالْمَالِكِ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا ، فَإِنَّهُ قِيلَ أَلَيْسَ أَنْ لَوْ رَهَنَ دَارًا هِيَ مَشْغُولَةٌ بِأَمْتِعَةِ الرَّاهِنِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ ، وَلَا يُقَالُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِإِدْخَالِ الْأَمْتِعَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَدْخُلَ الْأَمْتِعَةُ فِي الرَّهْنِ ؟ قُلْنَا لَا اتِّصَالَ لِلْأَمْتِعَةِ بِالدَّارِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الدَّارَ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَمْ تَدْخُلْ الْأَمْتِعَةُ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَهِيَ بِالتَّمْلِيكِ ، وَالِاتِّصَالِ هُنَا مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّخِيلِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ النَّخِيلَ كُلَّهُ قَلِيلًا ، وَكَثِيرًا ، وَهُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا تَدْخُلُ الثِّمَارُ ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ لَمْ يُجِزْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْمَرْهُونَ مَشْغُولٌ بِمَا لَيْسَ مَرْهُونًا مَعَ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَهُوَ كَالدَّارِ الْمَشْغُولَةِ بِمَتَاعِهِ ،

وَكَمَا لَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) إنْ رَهَنَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْأَشْجَارِ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى شَجَرٌ وَاسْمُ الشَّجَرِ يَقَعُ عَلَى الثَّابِتِ عَلَى الْأَرْضِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ بَعْدَ الْقَلْعِ يَكُونُ جِذْعًا ، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَشْجَارَ بِمَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ عَقْدُ الرَّهْنِ سِوَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْأَرْضِ ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ ، فَإِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا دُونَ الْأَرْضِ فَيَصِيرُ رَاهِنًا لِجَمِيعِ الْأَرْضِ ، وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ

وَإِذَا كَفَلَ الرَّجُلُ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَأَعْطَاهُ رَهْنًا بِذَلِكَ ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَالرَّهْنُ يَخْتَصُّ بِحَقِّ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ ، وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِجِرَاحَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ دَمُ عَمْدٍ ، وَلَا يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا أَصْلًا ؛ لِانْعِدَامِ الدَّيْنِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الضَّمَانِ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ ، وَالْعَارِيَّةُ ، الْوَدِيعَةُ ، وَالْإِجَارَةُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَاعْلَمْ بِأَنَّ الرَّهْنَ بِالْأَعْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : .
( أَحَدُهَا ) : الرَّهْنُ بِعَيْنٍ هُوَ أَمَانَةٌ ، وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَحَقُّ صَاحِبِ الْأَمَانَةِ فِي الْعَيْنِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ ، وَاسْتِيفَاءُ الْعَيْنِ مِنْ عَيْنِ آخَرَ مُمْكِنٌ ( وَالثَّانِي ) : الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا .
( وَالثَّالِثُ ) الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ إنْ أَمْكَنَ ، وَرَدُّ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ ، وَذَلِكَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الدَّرَكَ لَيْسَ بِمَالٍ مُسْتَحَقٍّ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الرَّهْنُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ ، وَلِهَذَا لَوْ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ ، فَكَذَا إذَا كَفَلَ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْعَقْدُ مُضَافًا ، وَلَيْسَ فِي الْمَالِ ضَمَانٌ يُسْتَحَقُّ فَبَطَلَ الرَّهْنُ ، وَلَوْ هَلَكَ فِي

يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ

قَالَ : وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ ثَوْبًا ، وَقَبَضَهُ فَقِيمَتُهُ ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فَلَوْ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَبْطُلُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَرْهُونِ إذَا أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ قِيمَتَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّاهِنَ كَانَ غَاصِبًا ، وَالْمُرْتَهِنَ بِمَنْزِلَةِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ ، وَحَقٌّ فِي الْمُسْتَحِقِّ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ ، فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ كَانَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَفِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَفِيدَ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ الضَّمَانُ ، كَمَا يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ ، وَالْمُودِعُ عَلَى الْمُودَعِ ، قَالَ : وَيَرْجِعُ بِالدَّيْنِ أَيْضًا عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَازِمٍ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الرَّاهِنِ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ تَبَعٌ لِمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ لِلرَّاهِنِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَمَنْ صَحَّحَ جَوَابَ الْكِتَابِ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ بِالضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ سَابِقٌ

عَلَيْهِ ، فَلَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ ، فَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ الرَّاهِنَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ ، فَمِلْكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ بَعْدَهُ

قَالَ : وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَبَقَ فَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتُهُ ، وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ، وَبِالدَّيْنِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَالَ ، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الْمِلْكَ لِلرَّاهِنِ إنَّمَا يُتْبَعُ بِقِيمَتِهِ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ سَابِقًا عَلَى ذَلِكَ فَلِهَذَا بَطَلَ الرَّهْنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ

قَالَ : وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ ، وَأَوْلَادُهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ قِيمَتَهَا - إنْ شَاءَ - الْمُرْتَهِنَ ، - وَإِنْ شَاءَ - الرَّاهِنَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يُحْدِثْ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا ، وَمَعْنَى هَذِهِ : أَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ غَاصِبًا لَهُ ، وَالزَّوَائِدُ لَا تُضَمَّنُ بِالْغَصْبِ إذَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْغَاصِبِ لِانْعِدَامِ الصُّنْعِ فِي الزِّيَادَةِ

قَالَ : وَإِذَا ارْتَهَنَ أَمَةً فَوَضَعَهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لِيَبِيعَهَا عِنْدَ حِلِّ الْمَالِ فَوَلَدَتْ الْأَمَةُ فَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الْوَلَدَ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ إنَّمَا يَبِيعُهَا بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَقَدْ ثَبَتَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي الْوَلَدِ ، وَبِهِ جَازَ لِلْوَكِيلِ بَيْعُ الْجَارِيَةِ ، وَلَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَ ، وَلَدَهَا ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ ، وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَخْصٍ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ شَخْصَيْنِ ، وَهُنَا إنَّمَا يَبِيعُ الْعَدْلُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَحُكْمُ الرَّهْنِ ثَبَتَ فِي الْوَلَدِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الْوَلَدَ مَعَ الْأَصْلِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ فَلِهَذَا مَلَكَ بَيْعَ الْوَلَدِ مَعَهَا إلَّا أَنَّ الْمَرْهُونَ لَوْ قَتَلَهَا عَبْدُهُ فَدَفَعَ بِهَا كَانَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الْمَدْفُوعَ ، وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي وُكِّلَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِهَا قَتَلَهَا عَبْدُهُ ، فَدَفَعَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْبَدَلِ فِي سَرَيَانِ حُكْمِ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الزَّوَائِدَ الْمُتَوَلَّدَةَ مِنْهُ حِينَ الرَّهْنِ تَكُونُ مَرْهُونَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهَا كَالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي الزِّيَادَةِ ، وَالرَّاهِنُ أَحَقُّ بِهَا لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَهُ غُنْمُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } فَإِطْلَاقُ إضَافَةِ الْغُنْمِ إلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَحْضُ حَقٍّ لَهُ .
وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ ، وَمَحْلُوبٌ } ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مَحْلُوبٌ لِلرَّاهِنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُهُ وَيَحْلِبُهُ نَفَقَتُهُ } ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ

تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الرَّهْنِ كَالْكَسْبِ ، وَالْغَلَّةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالرَّهْنِ حَقُّ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ عِنْدَهُ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَأَكَّدٍ فِي الْقِيمَةِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَحَقِّ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ ، وَحَقِّ الدَّفْعِ فِي الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ ، وَحَقِّ الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ بِخِلَافِ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَهُوَ مُتَأَكَّدٌ فِي الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ هِيَ الْمَمْلُوكُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا : أَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ عِنْدَكُمْ لَا يَثْبُتُ فِي الْوَلَدِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ حُكْمُ الرَّهْنِ ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْكَفَالَةِ ، وَهَذَا عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ ، وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالْإِجَارَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ، وَبِتَفْصِيلِ الْوَصِيَّةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَدَلِ ، وَالْوَلَدِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَسْرِي إلَى الْبَدَلِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِ ، وَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ، وَحَقُّ الْجَارِيَةِ كَذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ مُعَاذٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِيمَنْ ارْتَهَنَ نَخِيلًا فَأَثْمَرَتْ أَنَّ الثِّمَارَ رَهْنٌ مَعَهَا .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ فَوَلَدُهَا رَهْنٌ مَعَهَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُتَأَكَّدٌ فِي الْعَيْنِ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَذَلِكَ الرَّاهِنُ ، وَبَيَانُ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ أَنْ تُوصَفَ الْعَيْنُ بِهِ يُقَالُ : مَرْهُونٌ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، كَمَا يُقَالُ : مَمْلُوكٌ لِلرَّاهِنِ ، وَلِهَذَا يَسْرِي إلَى بَدَلِ الْعَيْنِ ، وَدَلِيلُ التَّأْكِيدِ أَنَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ، لَا يَمْلِكُ إبْطَالُهُ .
( وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ ) مَا قَرَّرْنَا أَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ، وَيَدُ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعَيْنِ ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَقِيقَةِ

الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ تَظْهَرُ فِي مُوجَبِهِ مِنْ الزَّوَائِدِ الَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَهُ ، فَكَذَلِكَ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلَّدَ مِنْهُ الْأَصْلُ ثَبَتَ فِيهِ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ كَانَ مَمْلُوكًا لِلرَّاهِنِ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الزِّيَادَةِ لَا مِلْكَ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِمُلْكٍ آخَرَ ، وَإِلَى سَبَبٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْكَسْبِ ، وَالْغَلَّةِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَوَلَّدٍ مِنْهُ الْأَصْلُ ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْكَسْبِ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَبِخِلَافِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ فِي الْمَنْفَعَةِ لَا فِي الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا لَا يَسْرِي إلَى بَدَلِ الْعَيْن فَكَذَلِكَ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ .
( تَوْضِيحُهُ ) : أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ مَحِلًّا صَالِحًا ، وَالْوَلَدُ مُحْدَثٌ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَحِلًّا صَالِحًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ ، فَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ فَيَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَيَكُونُ مَحِلًّا صَالِحًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَرَدَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِجَارَةِ إنْ ، وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا حُرًّا بِاعْتِبَارِ الْغُرُورِ فَالرَّهْنُ لَا يَسْرِي عَلَى هَذَا الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ ، وَهَذَا هُوَ الْعُذْرُ عَنْ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ فَإِنَّ حَقَّ النِّكَاحِ لَا يَسْرِي إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْحِلِّ فِي حَقِّ الزَّوْجِ ، وَهَذَا هُوَ الْعُذْرُ عَنْ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَحِلًّا صَالِحًا لِلْخِدْمَةِ حَتَّى يَنْفَصِلَ ، ثُمَّ حَقُّ الْمُوصَى فِي الْمَنْفَعَةِ ، وَالْوَلَدُ غَيْرُ مُتَوَلَّدٍ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ ، وَالسِّرَايَةُ إلَى الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ خُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ لَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ ، وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَيْسَ بِمُتَأَكَّدٍ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّ مَا عَلَيْهِ تَقَرَّرَ بِإِبْطَالِ حَقِّ الْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ ، وَحَقُّ الزَّكَاةِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ فَعَلَ

أَشْيَاءَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ مَنْ عَلَيْهِ مِلْكُ الْأَدَاءِ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ فِي الْعَيْنِ ، وَحَقُّ الْكَفَالَةِ عِنْدَنَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ إذَا كُفِلَتْ أُمُّهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ بِمَالٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَالْحَقُّ بِالْكَفَالَةِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا ، وَالْوَلَدُ لَا يُتَوَلَّدُ مِنْ الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ عِنْدَنَا ؛ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ الَّذِي يَجْعَلُ الْعَيْنِ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْقَبْضُ مَقْصُودٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ ، وَلَدَ الْمُعْتَقِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْبَيْعِ ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا إنْ هَلَكَ لِهَذَا الْمَعْنَى .
وَقَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ غُنْمُهُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ ، وَذَلِكَ لَا يَبْقَى حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ ، فَإِنَّهُ كَمَا أَضَافَ الزِّيَادَةَ إلَيْهِ أَضَافَ الْأَصْلَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ : الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّهُ مَحْلُوبٌ لِلرَّاهِنِ عَلَى مَعْنَى : أَنَّ اللَّبَنَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ فَإِنْ بَاعَهَا الْعَدْلُ ، وَسَلَّمَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ ، وَلَا يَعْلَمُ مَكَانَهَا ، لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْعَدْلَ قِيمَةَ الْأَمَةِ ، وَالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ غَاصِبٌ ، وَالزِّيَادَةُ - فِي عَيْنِ الْمَغْصُوبِ - تُضَمَّنُ بِالْبَيْعِ ، وَالتَّسْلِيمِ ، كَالْأَصْلِ لَمْ يَرْجِعْ الْعَدْلُ بِذَلِكَ فِي الثَّمَنِ الَّذِي عِنْدَهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْعَيْنِ ، وَكَمَا أَنَّ الضَّامِنَ لِلْعَيْنِ يَكُونُ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْعَيْنِ ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ أَحَقَّ بِبَدَلِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ رَجَعَ بِتَمَامِ مَا ضَمِنَ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ كَانَ عَامِلًا لِلرَّاهِنِ بِأَمْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ بَاعَهُمَا

لِيَقْتَضِيَ الدَّيْنَ بِالثَّمَنِ ، وَيُفْرِغَ ذِمَّةَ الرَّاهِنِ ، وَمِنْهُ لَحِقَتْهُ الْعُهْدَةُ فِي عَمَلٍ بَاشَرَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ ، وَهُوَ بَدَلُ الْعَيْنِ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ .
وَلَمَّا كَانَ مُرَادُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ كَانَ الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ لَهُ ، وَالْعَدْلُ وَكِيلُهُ بِالْبَيْعِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَضَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَالْعَدْلُ بِالْخِيَارِ ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَ الرَّهْنَ بِذَلِكَ ، وَسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ مَا اقْتَضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ كَانَ عَامِلًا لِلرَّاهِنِ بِأَمْرِهِ فَكَانَ الرَّاهِنُ فَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِجَمِيعِ مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِ الرَّاهِنِ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَقِّهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ أَيْضًا ، وَلَا يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنَ إلَّا بِقَدْرِ مَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ فَضْلٌ رَجَعَ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ هُوَ الَّذِي قَضَى بِالثَّمَنِ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْعَدْلَ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ بِأَمْرِهِ ، وَلَكِنَّ فِي عَمَلِهِ مَنْفَعَةً لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِلُ إلَيْهِ بِحَقٍّ إلَّا أَنَّ مَنْفَعَتَهُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ ، فَيَثْبُتُ لَهُ بِالْخِيَارِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ بِقَدْرِ مَا قَبَضَ ؛ لِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لَهُ ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَمْ يُسَلَّمْ

إلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ تَضْمِينُ الرَّاهِنِ بِتَسْلِيمِ الْمَقْبُوضِ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَأَفْلَسَ أَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْآخَرَ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبٍ ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهَا الْعَدْلُ ، وَمَاتَا عِنْدَهُ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْعَدْلَ حَقَّ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ ، وَيَرْجِعُ بِهَا الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي إمْسَاكِ الرَّهْنِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الرَّهْنَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ ضَمِنَ حِصَّتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ لَرَجَعَ بِهَا عَلَى الرَّاهِنِ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَوْلَى .

قَالَ : ، وَقَبْضُ الْعَدْلِ لِلرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ فِي حُكْمِ صِحَّةِ الرَّهْنِ ، وَذَهَابِهِ بِالدَّيْنِ إذَا هَلَكَ عِنْدَنَا ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ بِقَبْضِ الْعَدْلِ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ ، وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ قَالَ : لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ ، هَكَذَا إذَا لَحِقَهُ عُهْدَةً يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ ، ، وَكَمَا أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ بِقَبْضِ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ أَشْفَى عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَتِمُّ بِقَبْضِ الْعَدْلِ .
وَالدَّلِيلُ : أَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّاهِنِ بِثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَبِهَذَا الْعَقْدِ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ يَدِهِ عَلَى الْعَيْنِ ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِغَيْرِ الْعَاقِدِ كَالْمُلْكِ فِي الْبَيْعِ ، وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ يَدَ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ مِلْكَ الْعَدْلِ رَدُّ الرَّهْنِ بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ كَيَدِ الرَّاهِنِ لَتَمَكَّنَ الرَّاهِنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ مَتَى شَاءَ ، وَبِأَنْ كَانَ يَرْجِعُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الرَّاهِنِ ، فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَدَ الرَّاهِنِ كَالْمُرْتَهِنِ نَفْسِهِ تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْمَرْهُونَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ كَالْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ ، ثُمَّ الْبَائِعُ إذَا أَبَى تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَوَضَعَاهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَانَتْ يَدُ الْعَدْلِ فِيهِ كَيَدِ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ حَتَّى إذَا هَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ مَنْ لَهُ الْحَبْسُ ، وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُرْتَهِنَ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَانَتْ جَائِزَةً ، وَكَانَتْ يَدُ الْعَدْلِ فِيهِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنُهُ

بِهَلَاكِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الرَّاهِنِ لَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِهِ كَمَا لَوْ عَادَ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ ، وَالْغَصْبِ ، وَكَانَ هَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ مِنَّا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ، وَلِكَوْنِهِ أَرْفَقَ بِهِمْ فَالرَّاهِنُ لَا يَأْتَمِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى عَيْنِ مَالِهِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ طَرِيقُ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ لِكُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَضْعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ ، فَكَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَبِدُونِ تَسْلِيطٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْتَهِنِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ إذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إذَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى ذَلِكَ

، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَعَلَى مَنْ يَحْلِبُهُ ، وَيَرْكَبُهُ نَفَقَتُهُ } ، وَلِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ ، وَنَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ ، وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْيَدِ عَلَيْهِ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِهِ ، فَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمُؤَجَّرِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْآجِرِ ، وَكَذَلِكَ كَفَنُهُ إنْ مَاتَ فَإِنَّ الْكَفَنَ لِبَاسُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُعْتَبَرُ بِلِبَاسِهِ فِي حَالٍ ، وَلِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَكَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ

قَالَ ، وَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ كَانَ ضَامِنًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِيمَا صَنَعَ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَعَهُ مِنْهُ دَفَعَهُ إلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَكُونُ الدَّفْعُ خِيَانَةً فِي حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْدَعَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِي حِفْظِ الرَّهْنِ كَالْمُسْتَوْدِعِ ، وَالْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَ أَجْنَبِيًّا صَارَ ضَامِنًا ، وَإِنْ أَوْدَعَهُ بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ ، فَكَذَلِكَ الْعَدْلُ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَدَفَعَهُ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَيْنِ

قَالَ وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ رَجُلَيْنِ ، وَالرَّهْنُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَوَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَانَ جَائِزًا ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِ كَالْمُودِعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عَلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمَا الِاجْتِمَاعُ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ أَحَدِهِمَا إيَّاهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ ، وَإِذَا كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ فَكَانَ عِنْدَ كُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَإِنْ ، وَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَمَنْ الَّذِي وَضَعَ حِصَّتَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ ؟ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْتَمَنٌ فِيهِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَدِيعَةِ

وَلَوْ سَافَرَ الْعَدْلُ أَوْ انْتَقَلَ مِنْ الْبَلَدِ فَذَهَبَ بِالرَّهْنِ مَعَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ ، وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَنَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ ، وَمُؤْنَةٌ وَفِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ ، وَلَا مُؤْنَةَ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ نَفْسُهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُمْنَعُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرَةُ بِسَبَبِ الرَّهْنِ ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ ضَامِنًا مُخَالِفًا لِمَا أَوْجَبَ لَهُ نَصًّا فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ مَعَهُ

فَإِنْ سُلِّطَ الْعَدْلُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَ فَرَفَعَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ، فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَيْسَتْ مِنْ ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ اللُّزُومِ فِيهِ ، وَتَسْلِيطُ الْعَدْلِ عَلَى الْبَيْعِ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ ، وَهُوَ الرَّهْنُ فَإِنَّ مُوجَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُرْتَهِنِ لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَالْعَدْلُ نَائِبٌ فِي الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ اللُّزُومِ فِي حَقِّهِ نَصًّا تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوَكِّلُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبَيْعِ نَفْسَهُ .
وَأَمَّا الْعَدْلُ : إذَا تَضَرَّرَ مِنْ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَتَضَرَّرُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبَيْعِ هَذَا إذَا كَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ، فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ : لَا يُجْبَرُ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ قَدْ تَمَّ بِدُونِهِ هَذَا ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَالَ : التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ الرَّهْنِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَيَصِيرُ كَالْمَشْرُوطِ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ عَزْلَ الْعَدْلِ الْمُسَلَّطِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ - بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ - سَلَّطَهُ ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَضَى ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ عَقْدٌ لَازِمٌ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ إذَا أَرَادَ الْمُوَكِّلُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ الْخَصْمَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ تَسَلُّطُهُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

كَانَ يَتَأَتَّى بِاعْتِبَارِ رَأْيِهِ ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَالرَّهْنُ عَلَى مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَاتَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بِهِ فَلَأَنْ يَبْطُلَ بِمَوْتِ الْعَدْلِ أَوْلَى قَالَ ، وَإِذَا أَوْصَى الْعَدْلُ بِبَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ ، وَكَّلَ بِبَيْعِهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ وَارِثُ الْعَدْلِ بَيْعَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْمُوَرِّثِ ، وَهَذَا حَقُّ الرَّاهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنِ وَهُمَا رَضِيَا بِرَأْيِ الْعَدْلِ ، وَمَا رَضِيَا بِرَأْيِ وَارِثِهِ

فَإِنْ أَجْمَعَ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى وَضْعِهِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُمَا رَأَيَا مَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمَا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَجَعَلَ الْقَاضِي مِنْهُمَا عَدْلًا فَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْهِ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَنْصُوبٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ ، وَالْمُنَازَعَةِ ، وَطَرِيقُ قَطْعِهَا هُنَا أَنْ يُقِيمَ عَدْلًا آخَرَ مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَجَعَلَهُ عَدْلًا فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَرَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِيهِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِمَنْزِلَةِ تَرَاضِيهِمَا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ

وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَدْلُ ، وَمَاتَ الرَّاهِنُ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَهُ ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ بَيْعِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوَكِّلِ كَعَزْلِهِ ، وَبَعْدَ الْعَزْلِ فِي الْوَكَالَةِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ ، وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ ، كَمَا بَيَّنَّا ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ تَنْتَقِلُ الْعَيْنُ إلَى الْوَارِثِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِبَيْعِهِ ، وَهُنَا الْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ فَكَانَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ

قَالَ : وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ ، وَقَضَى الْمَالَ الْمُرْتَهِنَ ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْعَدْلُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ ثَمَنَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي ، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَرَجَعَ فِيهِ ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ حَصَلَتْ لَهُ فَيَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا يُلْحِقُهُ مِنْهُ الْعُهْدَةَ ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ الْأُولَى يَبِيعُهُ الْعَدْلُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا ، وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْعَيْبِ ، وَلَكِنَّ الْعَدْلَ أَقَرَّ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ، فَكَذَلِكَ هَذَا ؛ لِأَنَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَقِلْ الْعَدْلُ بِالْإِنْكَارِ لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِ ، وَلَا تَمْنَعُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَلَمْ يُقِرَّ بِهِ ، وَلَكِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَتَّى رَدَّهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ نُكُولُهُ فِي الْبَيْعِ فَالْعَدْلُ مِثْلُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى هَذَا الْإِقْرَارِ ، فَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ السُّكُوتِ لِيَجْعَلَهُ الْقَاضِي مُنْكَرًا ، وَيَعْرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثُمَّ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ، وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ رَدَّ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ مِنْهُ ، وَبَيْعُ الرَّهْنِ ثَابِتٌ ، وَلَا يَلْزَمُ الرَّاهِنُ مِنْ وَضْعِهِ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ

كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَ الْعَدْلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ ، فَهُوَ فِي حَقِّهِمَا كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ أَقَالَهُ الْبَيْعَ ، أَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ لَزِمَ ذَلِكَ الْعَدْلُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنِ كَشِرَاءٍ مُسْتَقْبَلٍ ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْبُيُوعِ إلَى الْعَيْبِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ ، وَغَيْرَ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ، وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبُيُوعِ ، وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ هُنَا .

وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ ثُمَّ ، وَهَبَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ جَازَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَهُوَ خَاصَّةٌ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَوْ قَالَ قَدْ قَبَضْتُهُ فَهَلَكَ عِنْدِي كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ مِنْ الْمَالِ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالْقَبْضِ ، وَمَا ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ كَالْمُعَايَنِ ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَهِنِ تَحَوَّلَ إلَى الثَّمَنِ فَهَلَاكُهُ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِ الْعَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : قَدْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا تَقُولُ بِإِقْرَارِ الْعَدْلِ يَثْبُتُ وُصُولُ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي وُصُولِ الْمَالِ إلَى الْقَرِيبِ ، كَمَا لَوْ أَمَرَ الْمُودَعَ أَنْ يَقْضِيَ الْوَدِيعَةِ دَيْنَهُ وَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ، وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ تَحَوَّلَ إلَى الثَّمَنِ ، وَقَدْ تَوَى بَعْدَ إقْرَارِ الْعَدْلِ بِمَا قَالَ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِهِ

وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ ، وَهَبَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ مِلْكِ الرَّاهِنِ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمُرْتَهِنِ فَتَصَرُّفُ الْعَدْلِ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ بَاطِلٌ ، وَلَوْ قَالَ : حَطَطْتُ عَنْكَ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا أَوْ قَالَ : قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا ، وَكَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ حَطَّ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ عَلَيْهِ ، وَصَارَ ضَامِنًا فَكَذَلِكَ إذَا ، حَطَّ بَعْدَ الْقَبْضِ يَجُوزُ عَلَيْهِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَبْضَ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مِثْلَهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ مَالِهِ ، وَالْمَقْبُوضُ سَالِمٌ لِلْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّ غَيْرِهِ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ فَهَاهُنَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الثَّمَنِ ، وَالثَّمَنُ بِالْعَقْدِ يَجِبُ لِلْوَكِيلِ ، وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُقَرِّرُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ وَبِحُصُولِ الْمَقْصُودِ يَنْتَهِي حُكْمُ الشَّيْءِ ، وَيَتَقَرَّرُ مَكَانُ إضَافَةِ الْهِبَةِ إلَى الثَّمَنِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ

وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَأَقَرَّ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ بِالْبَيْعِ فَقَالَ : بِعْتُهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَالدَّيْنُ مِائَةٌ وَأَعْطَيْتُكَهَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِعْتُهُ بِخَمْسِينَ وَأَعْطَيْتُكَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ بِالْبَيْعِ بِاتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا مَعَ الِاخْتِلَافِ مِنْهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ حَقِّهِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ : لَمْ يَبِعْهُ وَقَالَ الْعَدْلُ : بِعْتُهُ بِخَمْسِينَ ، وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي الْحَالِ هَالِكَةٌ ، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِجَمِيعِ الدَّيْنِ عَنْ الرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ وَقْتَ الْقَبْضِ ، وَالْمُرْتَهِنُ مَعَ الْعَدْلِ يَدَّعِيَانِ خُرُوجَ الْعَيْنِ عَنْ الرَّهْنِ ، وَالرَّاهِنُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَأَمَّا هُنَا فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى خُرُوجِ الْعَيْنِ عَنْ الرَّهْنِ بِالْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ دَيْنِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ تَوَى الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ بِاتِّفَاقِهِمَا ، وَإِنَّمَا يُحَوَّلُ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى الثَّمَنِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي مِقْدَارِهِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ حِينَ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةَ الْعَدْلِ ، وَالرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ الزِّيَادَةُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْمُرْتَهِنُ ، وَالْمُثْبَتُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ الشَّيْئَيْنِ أَوْلَى

وَإِذَا قَالَ الْعَدْلُ : قَدْ بِعْتُهُ بِخَمْسِينَ ، وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَقَالَ الرَّاهِنُ : هَلَكَ فِي يَدِكَ قَبْلَ أَنْ تَبِيعَهُ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الزِّيَادَةَ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الدَّيْنِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ وَالْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبُ خُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ الرَّهْنِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْبَيِّنَةِ لَهَا فَكَانَتْ مِنْهُمَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ

وَلَوْ وَكَّلَ الْعَدْلُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ ، وَكِيلًا فَبَاعَهُ ، وَالْعَدْلُ حَاضِرٌ جَازَ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَصْلُهُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ غَائِبًا عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا أَوْصَى أَنْ يَتِمَّ الْعَقْدَ بِرَأْيِ الْعَدْلِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا كَانَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا ، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ كَانَ هَذَا ، وَمَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ سَوَاءٌ فَإِذَا أَجَازَهُ الْعَدْلُ جَازَ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ حَصَلَ بِرَأْيِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ، وَقَّتَ الْعَدْلُ لِلْوَكِيلِ ثَمَنًا فَقَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَبَاعَهُ بِهِ كَانَ جَائِزًا أَمَّا إذَا كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعَدْلِ فَغَيْرُ مُشْكَلٍ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ قَدْ حَصَلَ حِينَ ، وَقَّتَ الْعَدْلُ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنَ فَإِنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ كَانَ بِرَأْيِهِ ، وَمَقْصُودُ الْآمِرِ الثَّمَنُ لَا الْعِبَادَةُ ، وَقَدْ حَصَلَ ، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ ، وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ ، وَلَوْ حَضَرَ الْعَدْلُ رُبَّمَا يَبِيعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِجَدِّهِ ، وَكَثْرَةِ هِدَايَتِهِ فِي التَّزْوِيجِ ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ الْآنَ بِخِبْرَةِ الْعَدْلِ

، وَإِذَا بَاعَ الرَّهْنَ مِنْ ، وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَفِي قَوْلِهِمَا بَيْعُهُ مِنْهُمْ لِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا - فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ - الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ مِنْ مَوْلَاهُ فَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ؛ بِخِلَافِ بَاقِي الْبُيُوعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَاكَ فَلَوْ أَجَازَهُ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ جَمِيعًا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ حَقُّهُمَا ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِجَازَةِ نَفَذَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ الرَّهْنَ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ ، فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ بِدُونِ نَصِّ الْآخَرِ

وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ اثْنَيْنِ ، وَقَدْ سُلِّطَا عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ نَصَّا بِرَأْيِهِمَا ، وَالْبَيْعُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ ، وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى ، فَإِنْ أَجَازَ الْآخَرُ جَازَ لِاجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَازَهُ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ، وَإِنْ أَجَازَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ لِلرَّاهِنِ مِلْكًا وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقَّ نِصَابِهِ فِي الْمِلْكِ فَكَمَا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِجَازَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَأَجَازَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ ، لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ أَجَازَاهُ جَمِيعًا ، وَأَبَى الْعَدْلَانِ ذَلِكَ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، وَنُفُوذُ الْبَيْعِ مِنْ الْعَدْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ رِضَاهُمَا فَإِذَا ، وُجِدَ الرِّضَا مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ نَفَذَ بَيْعُهُ أَيْضًا ، وَقَدْ خَرَجَ الْعَدْلَانِ مِنْ الْوَكَالَةِ ، كَمَا لَوْ بَاشَرَا الْبَيْعَ بِأَنْفُسِهِمَا

وَإِذَا أَخْرَجَ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ الْعَدْلَ مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَسَلَّطَا غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يُسَلِّطَا ، فَقَدْ خَرَجَ الْعَدْلُ مِنْ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ ، وَالْمُوَكِّلُ مَلَكَ عَزْلَ الْوَكِيلِ بِعِلْمِهِ ، فَإِذَا كَانَ حُصُولُ التَّوْكِيلِ بِرَأْيِهِمَا ، فَكَذَلِكَ الْعَزْلُ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ الْعَدْلُ بِهِ

قَالَ : وَإِذَا أَرَادَ الْعَدْلُ بَيْعَ الرَّهْنِ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ سُلِّطَ عَلَى الْبَيْعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الرَّاهِنِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدٌ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : هَذَا عَلَى ، وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيطُ مُضَافًا بِأَنْ قَالَ : إذَا حَلَّ الْأَجَلُ ، فَلَمْ أَقْضِ مَالَهُ فَبِعْهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ مِنِّي مَتَى شِئْتَ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا عَقِبَ هَذَا اللَّفْظِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ ، وَلَكِنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَحُلَّ الْأَجَلُ فَيَسْتَوْفِيَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ

وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الْأَجَلُ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَالْقَوْلُ فِي حِلِّ الْأَجَلِ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا ادَّعَى زِيَادَةً فِيهِ ، وَجَحَدَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَأَمَّا التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ فَمِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَيَثْبُتُ بِإِيجَابِ الرَّاهِنِ ، وَلَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ حُلُولَهُ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ حِلِّ الْمَالِ ثُبُوتُ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ لِجَوَازِ أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ حِينِ يَحُلُّ الْمَالُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ أَنَّهُ شَهْرٌ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الرَّاهِنِ قَبْلَ الْمُرْتَهِنِ ، وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِهِ ثُمَّ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أَوْفَاهُ ذَلِكَ ، وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الِاسْتِيفَاءَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ

وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ ، وَأَلْحَقَ دَرَاهِمَ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا بِدَرَاهِمَ إذَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ حَتَّى يُوفِيَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِعَرَضٍ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا أَوْ بَاعَ بِالْعُرُوضِ ، وَإِذَا بَاعَ بِالنُّقُودِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَكِنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِيفَاءِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْإِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِجِنْسِ الْحَقِّ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى جِنْسِ الْحَقِّ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِهِ ، وَكَذَلِكَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِالْعُرُوضِ عَلَى قِيَاسِ الْوَكِيلِ

وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ بِطَعَامِ السَّلَمِ فَبَاعَهُ الْعَدْلُ بِجِنْسِ ذَلِكَ الطَّعَامِ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَتَقَيَّدُ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا ثُمَّ هَذَا عُرْفٌ ، وَعَارَضَهُ نَصٌّ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَذَلِكَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ يَتَحَقَّقُ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُسَوِّيَ بِهِ طَعَامًا لِيَقْضِيَ بِهِ حَقَّ رَبِّ السَّلَمِ فَلِأَجْلِ هَذَا جَوَّزْنَا بَيْعَهُ بِالطَّعَامِ

قَالَ : وَلَوْ بَاعَهُ بِنَسِيئَةٍ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) أَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ هَذَا الْمَتَاعَ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ قَالَ : بِعْهُ فَإِنَّ غُرَمَائِي يُنَازِعُونَنِي ، فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَرَنَ بِكَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ ، وَعَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَدْلِ بِالنَّسِيئَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ عِنْدَ حِلِّ الْأَجَلِ لِيُوَفِّيَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَيْعِ بِالنَّقْدِ ، وَإِنْ تَوَى الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ تَحَوَّلَ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، كَمَا لَوْ قَبِلَ الْمَرْهُونُ تَحَوَّلَ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الْبَيْعِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ بِهِ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَوَى الثَّمَنُ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ

وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَرْضَ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ ، فَأَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الثَّمَرَةِ كَانَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَرْضِ الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ فِي الزِّيَادَةِ الْمُوَلَّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ مَا أَخَذَ السُّلْطَانُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الرَّهْنِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ كَالتَّاوِي بِغَيْرِ صُنْعِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ مِنْ الثَّمَرَةِ ، وَالْخَرَاجُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ ؟ قُلْنَا : قَدْ قِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ كَالْعُشْرِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْخَرَاجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْخَرَاجِ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ ، وَإِذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ ، وَهُوَ كُلُّهُ رَهْنٌ يَبِيعُهُ الْعَدْلُ ، وَيُوفِيهِ الْمُرْتَهِنَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ ، وَكَذَلِكَ الْعُشْرَ عِنْدَ حَاجَةِ مَصَارِفِ الْعُشْرِ ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشْرَ مِنْ مَالِكِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْأَدَاءِ ، وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي رَهَنَ الْعَيْنَ ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعُشْرِ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ الثَّمَرَةِ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ بَقِيَتْ الثِّمَارُ مَمْلُوكَةً لِلرَّاهِنِ مَحْبُوسَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِحَقِّهِ ، وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الْكُلَّ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَلَا يَكُونُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ قَصَرَ يَدَ نَفْسِهِ عَنْ الثَّمَرَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ ، وَقَدْ

كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَشْغُولَةً بِالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ فِيهِ عَلَى حَالِهِ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا سَائِمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ رِقَابَهَا ، وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ النَّامِي بِاعْتِبَارِ عَنَاءِ الْمَالِكِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى } ، وَبِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرَقِ يَنْعَدِمُ الْغِنَاءُ ، وَالسَّبَبُ إذَا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوَاسِطَةٍ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِدُونِ تِلْكَ الْوَاسِطَةِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ فَإِذَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إعْتَاقًا لِانْعِدَامِ الْوَاسِطَةِ .

وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ هُوَ الرَّاهِنُ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ ، وَيَدُ الْمَالِكِ فِي مَالِهِ لَا تَكُونُ نَائِبَةً عَنْ الْغَيْرِ فَلَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا بِيَدِ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَهُ ، وَجَعَلَ الرَّاهِنَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ فَهُوَ رَهْنٌ ، وَبَيْعُ الرَّاهِنِ فِيهِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ ، وَهُوَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْبَيْعِ نَفَذَ بَيْعُ الْمَالِكِ فِيهِ .

وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا أَوْ سَلَّطَ الرَّاهِنُ رَجُلًا عَلَى بَيْعِهَا ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُرْتَهِنُ حَتَّى حَلَّ الْمَالُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا ؛ لِانْعِدَامِ الْقَبْضِ الْمُتَمِّمِ لَهُ ، وَإِنْ بَاعَ الْعَدْلُ الدَّارَ جَازَ بَيْعُهُ بِالْوَكَالَةِ لَا بِالرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ ، وَبَقَاءُ يَدِ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ التَّبْعِيضُ فِي الْخَادِمِ ، وَالدَّارِ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ مُوجَبَ الرَّهْنِ فَلَا يُنَافِي مُوجَبَ الْوَكَالَةِ ، وَأَحَدُ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فَالرَّهْنُ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْقِيمَةِ فَالتَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ صَحِيحٌ ، وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ ذَلِكَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فَلِهَذَا يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الرَّهْنِ ثُمَّ يَقْضِي لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِحَقِّهِ ، وَإِنْ دَفَعَ الْعَدْلُ الْمَالَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ حَصَلَ بِأَمْرِ الْمَالِكِ ، وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَكُنْ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ بَيْعِهِ بِالْوَكَالَةِ دُونَ الرَّهْنِ ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْعَزْلِ ، وَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ ، وَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِهِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الرَّهْنِ فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ .

وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ عَبْدٌ فَدَفَعَ بِهِ أَوْ أَخْفَى عَيْنَهُ فَدَفَعَ بِالْعَيْنِ كَانَ الْعَدْلُ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مَا دَفَعَ بِهِ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ فِيهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْكِيلٌ تَعَلَّقَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِ الرَّهْنِ فَيَظْهَرُ بِظُهُورِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهِ .

وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَقَالَ : بِعْتُهُ بِتِسْعِينَ ، وَالدَّيْنُ مِائَةٌ ، فَأَقَرَّ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ الرَّاهِنَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ ، وَادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْعَدْلِ فِيهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى خُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ الرَّهْنِ بِالْبَيْعِ ، وَإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ لِلزِّيَادَةِ فِيمَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ وَقَالَ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ الرَّهْنَ تَثْبُتُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ثُمَّ إذَا ادَّعَى مَا يَنْسَخُهُ ، وَهُوَ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ قَالَ الرَّاهِنُ : بِعْتُهُ بِمِائَةٍ وَقَالَ الْعَدْلُ : بِعْتُهُ بِتِسْعِينَ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِعْتُهُ بِثَمَانِينَ ، وَقَدْ تَقَابَضَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا لِتَصَادُقِهِمْ عَلَى مَا يَنْسَخُ حُكْمَ الرَّهْنِ فِي الْعَيْنِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ لِلزِّيَادَةِ فِيمَا اسْتَوْفَى مِنْ حَقِّهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ أَقَامَ الْعَدْلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِتِسْعِينَ ، وَأَعْطَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ : لَمْ يَبِعْهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ ، وَأَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى فَصْلِ مَالِهِ ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ ، وَهَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ فَلَا تُقْبَلُ عَلَى النَّفْيِ ، وَلَا بِلَفْظِ النَّفْيِ ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بِلَفْظِ الْإِثْبَاتِ فَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي

يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) فِي تَرْجِيحِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِيمَا سَبَقَ .

وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَدْلُ ثُمَّ بَاعَ الرَّهْنَ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ بَيْعِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ ، وَرِدَّتُهُ لَا تُنَافِي ابْتِدَاءَ الْوَكَالَةِ فَلَا يُنَافَى الْبَقَاءُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَإِنَّمَا لَا يُجَوِّزُ أَبُو حَنِيفَةَ تَصَرُّفَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ تَصَرُّفِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلرَّهْنِ وَخَلَفَ وَارِثَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِبَيْعِهِ ، وَإِنْ أَسْلَمَ ، فَذَلِكَ أَجْوَزُ لِبَيْعِهِ ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَحَاقُهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ ، وَلِهَذَا يَقْسِمُ الْقَاضِي مِيرَاثَهُ فَإِنْ رَجَعَ مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ، وَقَدْ نُصَّ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) فِي الْوَكِيلِ إذَا ارْتَدَّ ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقِيلَ : حُكْمُ الْعَدْلِ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَأَبُو يُوسُفَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ، فَيَقُولُ رِدَّتُهُ وَلَحَاقُهُ مُوجَبُ عَزْلِهِ ، بِمَنْزِلَةِ رِدَّةِ الْوَكِيلِ وَعَزْلِهِ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْوَكِيلِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْعَدْلِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، فَكَذَلِكَ يَبْقَى حُكْمُ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ لَحَاقِهِ فَإِذَا رَجَعَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ لِكَوْنِهَا فِي ضِمْنِ الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ فَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ قُتِلَا عَلَى الرِّدَّةِ ثُمَّ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُمَا كَمَوْتِهِمَا ، وَالْقَتْلُ مَوْتٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَوْتَهُمَا لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ ، وَلَا حُكْمَ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا .

قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْهِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ يَدٍ مُوجَبَةٍ لِتَتْمِيمِ الْعَقْدِ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ مَعَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مَعَ غَيْرِهِ ، قُلْنَا : يَتِمُّ الْعَقْدُ بِيَدِهِ عَلَى أَنْ تَكُونَ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، كَمَا فِي الْحُرِّ فَإِنْ وَضَعًا عَلَى يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلْعَبْدِ ، يَكُونُ آدَمِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ مُخَاطِبًا بِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْإِذْنِ فِيمَا يَتَضَرَّرُ الْمَوْلَى بِهِ ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمَوْلَى فِي جَعْلِ يَدِ الْعَبْدِ نَائِبَةً عَنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَكِنَّ عُهْدَةَ الْبَيْعِ لَا تَكُونُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتْوِي مَالِيَّتَهُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الْعُهْدَةُ عَلَى الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُهْدَةِ عَلَى الْعَاقِدِ تَعَلَّقَتْ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَنْ سَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ الَّذِي يَعْقِلُ إذَا جُعِلَ عَدْلًا فَهُوَ وَالْعَدْلُ الْعَبْدُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ أَبُوهُ أَذِنَ لَهُ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ أَذِنَ لَهُ فَاسْتَحَقَّ الْبَيْعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الَّذِي قَبَضَ الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهَذَا الْعَقْدِ حِينَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لَهُ ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَالِهِ ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بَيْعُهُ ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ ذَهَبَ عَقْلُ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، أَمَّا إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَإِنْ

كَانَ بِحَيْثُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ ، وَنَفَذَ الْبَيْعُ فَقِيَاسُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ : لَمَّا وَكَّلَهُ وَهُوَ صَحِيحُ الْعَقْلِ ، فَهُوَ مَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ رَأْيٍ كَامِلٍ ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِجُنُونِهِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ وَكَّلَهُ ، وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِبَيْعِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الرَّأْيِ فَيَكُونُ هُوَ فِي الْبَيْعِ مُمْتَثِلًا أَمَرَهُ ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ، وَالتَّسْلِيطِ بَاقٍ بَعْدَ ذَهَابِ عَقْلِهِ ، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الرَّاهِنِ بِعَارِضٍ ، وَذَلِكَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .

وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ كَبِيرًا لَا يَعْقِلُ فَجُعِلَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَمْ يَكُنْ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْيَدِ إذْ هُوَ مُمَيَّزٌ ، وَقَبْضُ مِثْلِهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا ، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَبْضِ لَا يَحْصُلُ بِقَبْضِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَتْمِيمُ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ قَبْضِهِ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ كَبِرَ ، وَعَقَلَ ، وَبَاعَ الرَّهْنَ جَازَ الْبَيْعُ لِتَسْلِيطِ الرَّاهِنِ إيَّاهُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَنْفَرِدُ بِالتَّوْكِيلِ ، وَنُفُوذُ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ يَعْتَمِدُ عِلْمُهُ بِهِ ، فَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ مَا عَقَلَ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ نُفُوذُ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّسْلِيطِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَ غَائِبًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَلَغَهُ وَبَاعَهُ .
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ كَانَ لَغْوًا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يَنْعَدِمُ بِحُدُوثِ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَهُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ ، فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ ، وَعِلْمُهُ بِهِ شَرْطٌ ، فَإِذَا وُجِدَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ .

وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا ، وَالرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَنْفُذَ بَيْعُهُ بِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ ، كَمَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ ، فَإِنْ لَحِقَ الْحَرْبِيُّ بِالدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ، وَهُوَ فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِحَاجَتِهِ فِي الرُّجُوعِ إلَى أَمَانٍ جَدِيدٍ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ فَإِنْ رَجَعَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ بِالْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُرْتَهِنِ اللَّاحِقِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ الرَّاجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، هُوَ : الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ ، أَوْ الْعَدْلُ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ مُقِيمٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِإِذْنٍ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّ لَحَاقَ الرَّاهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنِ بِالدَّارِ كَمَوْتِهِمَا ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ بَيْعِ الْعَدْلِ ، إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ ، وَالتَّسْلِيطِ .

وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، فَهَلَكَ عِنْدَهُ ثُمَّ رُدَّ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ ، فَمَاتَ عِنْدَهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ ، أَوْ هُوَ بَاقٍ فِي يَدِهِ ، وَقَدْ أَخَّرَهُ بِالثَّمَنِ حَتَّى أَدَّاهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ كَانَ عَامِلًا لِلرَّاهِنِ بِأَمْرِهِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ الثَّمَنَ مِنْهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُفْلِسًا ، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، وَيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ الَّذِي غَرِمَهُ ؛ لِأَنَّ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَيَبْقَى التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا كَانَ ، وَإِذَا بَاعَهُ فَالثَّمَنُ مِلْكُ الرَّاهِنِ ، وَقَدْ اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا غَرِمَ فَإِذَا ظَهَرَ حَبَسَ حَقَّهُ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ وَجَبَ بِسَبَبِ هَذَا الْعَبْدِ ، وَدَيْنُ الْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ لَا بِسَبَبِ هَذَا الْعَبْدِ ، وَكَانَ صَرْفُ بَدَلِ الْعَبْدِ إلَى دَيْنٍ ، وَجَبَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فُلَانٌ يَكُونُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ أَوْلَى .

وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ رِبًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الْمَالِكُ ، وَلَا يَضْمَنُ الْعَدْلُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْإِخْلَافِ لَا بِالْفَسَادِ فَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّحَرُّزِ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ ، كَمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا ، وَالرَّاهِنُ ، وَالْعَدْلُ ذِمِّيَّيْنِ ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا ، وَبَاعَهُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ بِالْوَكَالَةِ ، وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُسْلِمٌ ، وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ عَلَى الْخَمْرِ ، وَلَكِنَّ بُطْلَانَ الرَّهْنِ لَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا ، وَالْعَدْلُ ، وَالْمُرْتَهِنُ ذِمِّيَّيْنِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا ، وَبَيْعُ الْعَدْلِ يَنْفُذُ بِالتَّوْكِيلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ يُوَكِّلُ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ ، فَإِنْ قَضَاهُ الْعَدْلُ الْمُرْتَهِنَ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِ الرَّاهِنِ بِنَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالٍ يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ مُسْلِمًا فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ عَلَى الْخَمْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا ارْتَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الْمَالَ لِلرَّاهِنِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْقِيَاسِ قِيمَتَهُ لِلرَّاهِنِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) وَجْهُ الْقِيَاسِ : أَنَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ ثَبَتَتْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَصَيْرُورَتُهُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ حَقِيقَةً بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى ، وَلَا يُقَالُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونَ بَرِيئًا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْمُسْتَوْفَى كَالْبَائِعِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا فِي الرَّهْنِ بِالصَّدَاقِ : إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ شَيْءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ فِيهِ هَذَا لَلَزِمَهَا رَدُّ النِّصْفِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ يَلْزَمُهَا رَدُّ نِصْفِ الْمُسْتَوْفَى ، وَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ الْفَائِتِ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ فَيَبْقَى بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ سَقَطَ الدَّيْنُ ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ حَقِيقَةً أَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى عَيْنٍ أَوْ أَحَالَهُ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ ، وَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الرَّاهِنِ عَنْ الدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ، بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ ،

وَإِنْ انْعَدَمَ الدَّيْنُ ، وَلَوْ تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ بَقِيَ ضَمَانُ الْأَوَّلِ مَا لَا يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ ، وَالْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثُمَّ فَسْخُ الْبَيْعِ بَقِيَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ ، وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَفَسْخُ الْبَيْعِ يَبْقَى مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرَى ؛ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ ، كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ .
وَلَا يُقَالُ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْإِبْرَاءِ ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانًا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِالْإِبْرَاءِ ، بَلْ الِاسْتِيفَاءِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ كَانَتْ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ ، وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمُقَاصَّةِ فَيَبْقَى الْمُسْتَوْفِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً بَعْدَ الْإِبْرَاءِ ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمُسْتَوْفِي ، وَإِنْ كَانَ لَوْ لَمْ يَسْبِقْ الْإِبْرَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ ، وَالدَّيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ ، وَبِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ انْعَدَمَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَهُوَ الدَّيْنُ ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بَعْلَةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ سَقَطَ الضَّمَانُ لِانْعِدَامِ الْقَبْضِ مَعَ بَقَاءِ الدَّيْنِ ، فَكَذَلِكَ إذَا أُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِانْعِدَامِ الدَّيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْقَبْضِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْفَى حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الدَّيْنَ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَتَقَرَّرُ ، فَإِنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ بِالشَّيْءِ يُنْهِيه وَيُقَرِّرُهُ ، وَلِهَذَا جَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ ، فَإِذَا بَقِيَ

الدَّيْنُ حُكْمًا بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ ، وَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَرَّتَيْنِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا فَأَمَّا بِالْإِبْرَاءِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ فَلَا يَبْقَى الضَّمَانُ بَعْدَ انْعِدَامِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ أَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ فَذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَحَالَ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ ، وَلَكِنَّ ذِمَّةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، وَهُوَ بِصَدَدِ أَنْ يَعُودَ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَلِهَذَا بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَا تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ ، الدَّيْنُ وَالْقَبْضُ بَاقِيَانِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى الضَّمَانُ فِيهِ ، وَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَإِنَّمَا يُسَلِّمُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَالدَّيْنُ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا فَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ، وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّ هُنَاكَ تَهْلَكُ أَمَانَتُهُ ؛ لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا مِنْ الْأَصْلِ ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ : أَنَّ مَقْصُودَ الرَّاهِنِ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِالْإِبْرَاءِ قَبْلَ هَلَاكِ الدَّيْنِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ سَبَبًا آخَرَ ، كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَ الدَّيْنَ ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ ، وَصَاحِبُ الْمَالِ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ فَهُنَاكَ مَقْصُودُهُ لَمْ يَحْصُلْ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ إنَّمَا

بَرِئَتْ بِمَا أَعْطَى مِنْ الْمَالِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ أَوْ صَالَحَ أَوْ أَحَالَ أَوْ تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ ، فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَهُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ لَمْ يَحْصُلْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ ، وَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْن لَهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حَصَلَ بِالتَّصَادُقِ حِينَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَلَا يُقَالُ : مَقْصُودُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بِطَرِيقِ الْإِيفَاءِ ، وَإِنَّمَا بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ الْإِسْقَاطِ عَنْ الْإِيفَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِأَحْكَامِهَا ، فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الطَّرِيقِ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ : عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضًا .
وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : بَلْ هُوَ غَصْبٌ يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِإِيفَاءِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ : عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِعْتُهَا وَقَالَ فُلَانٌ : الْجَارِيَةُ جَارِيَتُكَ بِعْتَهَا وَلِي أَلْفُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ سَلَامَةُ الْجَارِيَةِ لَهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي السَّيِّدِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالضَّمَانِ ، فَإِنَّهُ هُنَاكَ انْعَقَدَ بِالْقَبْضِ ، وَلَكِنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ يَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الرَّدِّ ، كَمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَهُنَا الْإِبْرَاءُ مَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِلْبَائِعِ لَا يَحْصُلُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ مَا لَمْ يُعَدْ الْمَبِيعُ إلَى يَدِهِ ، فَلِهَذَا بَقِيَ الضَّمَانُ ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى مَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِيهِ فَبِالْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْحَقِّ يَصِيرُ غَاصِبًا كَالْمُودِعِ

وَلَوْ ارْتَهَنَ الْمَرْأَةَ رَهْنًا بِصَدَاقِهَا ، وَهُوَ مُسَمًّى ، وَقِيمَتُهُ مِثْلُهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ أَوْ ، وَهَبَتْهُ لَهُ ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَسَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَاتَ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ هُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ الصَّدَاقِ بِالْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَقَدْ حَصَلَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، وَقَدْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ الصَّدَاقِ ، وَلَوْ لَمْ تُبْرِئْهُ مِنْ الصَّدَاقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَلَكِنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ حَقِّهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ، أَوْ لَمْ تُبْرِئْهُ حَتَّى هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِيهِ أَمَّا إذَا أَبْرَأَتْهُ فَلِحُصُولِ مَقْصُودِ الزَّوْجِ ، وَإِذَا لَمْ تُبْرِئْهُ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ الزَّوْجِ فِي النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ حَقُّهَا فَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ الْقَدْرَ خَاصَّةً فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ شَيْءٍ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى ، وَأَعْطَاهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَهْنًا فَمَهْرُ الْمِثْلُ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ تَسْمِيَةٌ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا سَقَطَ جَمِيعُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَالْآخَرُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ : أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ : الْمُتْعَةُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ مَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ هُوَ خَلَفٌ عَنْهُ ، وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِخَلَفِهِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي السَّلَمِ وَأَبُو يُوسُفَ

يَقُولُ : الْمُتْعَةُ دَيْنٌ حَادِثٌ لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ ثِيَابٌ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ دَرَاهِمُ ، وَلَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْبُضْعِ فِي حَالٍ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا خَلَفًا عَنْ الْآخَرِ ، وَكَيْفَ يَكُونُ خَلَفًا ، وَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا بَعْدَ سُقُوطِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قُلْنَا : إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِيهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ سُقُوطُ مَهْرِ الْمِثْلِ عَنْهُ بِالطَّلَاقِ ، وَإِنْ مَنَعَتْهُ مَا هِيَ ضَامِنَةٌ قِيمَتَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ فَبِالْهَلَاكِ تَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً مِقْدَارَ الْمُتْعَةِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الزَّوْجِ .

وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ مُسَمًّى فَارْتَهَنَ مِنْهُ عَبْدًا يُسَاوِي ذَلِكَ الطَّعَامَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ فَفِي الْقِيَاسِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِرَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَرْهُونًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَقَدْ سَقَطَ لَا إلَى بَدَلٍ ، وَرَأْسُ الْمَالِ دَيْنٌ آخَرُ وَاجِبٌ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَهُوَ الْقَرْضُ فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَرَاهِمُ ، وَدَنَانِيرُ فَرَهَنَهُ بِالدَّنَانِيرِ رَهْنًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالدَّرَاهِمِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَحَقُّهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ قِيَامِ الْعَقْدِ ، وَحَقُّهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَنْ ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ بِهِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْغَصْبِ اسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهِ ، وَالْقِيمَةِ عِنْدَ هَلَاكِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ أَحَدُهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ، وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَيَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ صَارَتْ مَالِيَّتُهُ مَضْمُونَةً بِطَعَامِ السَّلَمِ ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ هَلَكَ فَصَارَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا طَعَامَ السَّلَمِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً

قَبْلَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى ، وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ هُنَاكَ .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَهَلَاكُ الرَّهْنِ لَا يُبْطِلُ الْإِقَالَةَ ، وَإِنْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا طَعَامَ السَّلَمِ وَمُحَمَّدٌ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا ، وَبَيْنَ فَصْلِ الْمُتْعَةِ ، فَهُنَاكَ جَعَلَ الرَّهْنَ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَحْبُوسًا بِالْمُتْعَةِ ، وَجَعَلَهَا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمُتْعَةِ ، وَهُنَا جَعَلَ الرَّهْنَ مَحْبُوسًا بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَجَعَلَهُ هُنَاكَ هَالِكًا بِطَعَامِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ مُسْقِطٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا دَيْنًا آخَرَ ابْتِدَاءً ، وَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ فَهُوَ كَنِصْفِ الْمُسَمَّى فَإِنَّمَا يَبْقَى حُكْمُ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ ، وَهَذَا رَأْسُ الْمَالِ لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَعِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِمَا صَارَ مَضْمُونًا بِهِ ، وَتَوْضِيحُهُ : أَنَّ بِالطَّلَاقِ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا إلَى بَدَلٍ ، وَلَا يُمْكِنُ إيفَاءُ ضَمَانِ الْمَهْرِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ سَقَطَ لَا إلَى بَدَلٍ ، فَلِهَذَا بَقِيَ الرَّهْنُ بِقَدْرِ الْمُتْعَةِ رَهْنًا بِالْإِقَالَةِ وَسَقَطَ السَّلَمُ فِيهِ لَا إلَى بَدَلٍ ، وَلَكِنْ إلَى بَدَلٍ ، وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْآخَرِ ، فَلِهَذَا بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ بِالطَّعَامِ ، كَمَا انْعَقَدَ عِنْدَ الْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ، وَهَبَ لَهُ رَأْسَ الْمَالِ بَعْدَ الصُّلْحِ ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِ طَعَامُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ بِطَعَامِ السَّلَمِ لَا رَأْسَ الْمَالِ .
فَالْإِبْرَاءُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي إيفَاءِ حُكْمِ الضَّمَانِ بِطَعَامِ السَّلَمِ قَالَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ

أَقْرَضَ رَجُلًا كُرَّ حِنْطَةٍ ، وَارْتَهَنَهُ مِنْهُ ثَوْبًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ فَصَالَحَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْكُرُّ عَلَى كُرَّيْ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ جَازَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الثَّوْبَ حَتَّى يَدْفَعَ الْكُرَّيْنِ مِنْ الشَّعِيرِ ، وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَطَلَ طَعَامُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الشَّعِيرِ سَبِيلٌ ، وَبَيَانُ هَذَا الِاسْتِشْهَادِ : أَنَّ حَبْسَ الرَّهْنِ بَعْدَ هَذَا الصُّلْحِ لَا يُمْكِنُ بِاعْتِبَارِ ضَمَانِ الشَّعِيرِ ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ مَبِيعُ عَيْنٍ ، وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ لَا يَجُوزُ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بَقِيَ مَرْهُونًا بِالطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ كَانَ بِعِوَضٍ فَبَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ ، وَالضَّمَانِ فِيهِ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعِوَضَ ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّ هُنَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَمَّ اسْتِيفَاؤُهُ لِلطَّعَامِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الشَّعِيرِ ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ شَعِيرًا بِعَيْنِهِ ، وَفِي السَّلَمِ أَيْضًا صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَلَكِنَّ إقَالَةَ السَّلَمِ - بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ - صَحِيحَةٌ ، فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ ، وَلَوْ بَاعَهُ كُرًّا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ، وَبَقِيَ الطَّعَامُ عَلَيْهِ ، وَالثَّوْبُ رَهْنٌ بِهِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ ، فَإِنَّمَا الِافْتِرَاقُ هُنَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ حَتَّى لَوْ كَانَ الشَّعِيرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ ، وَيَنْبَغِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِمُقَابَلَةِ الْحِنْطَةِ يَكُونُ مَبِيعًا ، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ

وَإِذَا اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَقَبَضَ الْأَلْفَ ، وَأَعْطَاهُ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ رَهْنًا يُسَاوِيهَا ثُمَّ تَفَرَّقَا فَسَدَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَتِمُّ مَعَ قِيَامِ الرَّهْنِ فَإِنَّمَا افْتَرَقَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ ، فَإِذَا فَسَدَ الصَّرْفُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْأَلْفِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ حَتَّى يُوفِيَهُ الْأَلْفَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الثَّابِتِ بِسَبَبِ عَقْدِ الصَّرْفِ ، وَذَلِكَ الْمِائَةُ الدِّينَارُ عِنْدَ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَاسْتِرْدَادِ الْأَلْفِ بَعْدَ انْفِسَاخِ عَقْدِ الصَّرْفِ ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّنَانِيرِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، فَإِنَّهُ عِنْدَ الْقَبْضِ انْعَقَدَ ضَمَانُ الرَّهْنِ بِالدَّنَانِيرِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى ؛ لِفَسَادِ عَقْدِ الصَّرْفِ ، فَهُنَا أَيْضًا تُرَدُّ الدَّنَانِيرُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالْأَلْفِ فَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى ضَاعَ الرَّهْنُ فَهُوَ بِالْمِائَةِ الدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ تَمَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ ، وَالْبُيُوعِ حُكْمَ الرَّهْنِ بِبَدَلِ الصَّرْفِ ، وَمِنْ خِلَافِ زُفَرَ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ ؛ لِأَنَّ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ .

وَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِنْ الرَّاهِنِ ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَفِي هَذَا اللَّفْظِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ الَّذِي ثَبَتَ بِقَبْضِ الرَّهْنِ يَتِمُّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ مَا اسْتَوْفَى بِقَبْضِ الرَّهْنِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا قَبَضَ لِهَذَا ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ طَعَامًا قَرْضًا فَاشْتَرَاهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ ، وَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعَامِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلطَّعَامِ ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ الطَّعَامِ حِينَ بَاعَهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ

وَلَوْ ارْتَهَنَ رَجُلٌ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَاوِيهَا فَقَضَاهَا رَجُلٌ تَطَوُّعًا عَنْ الْمُطَالِبِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَعَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَرُدَّ الْمَالَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ لِلرَّاهِنِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ - عِنْدَهُ - الضَّمَانَ انْعَقَدَ بِالْقَبْضِ ، وَصَارَ حَقًّا لِلرَّاهِنِ فَيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْقَبْضِ ، وَالْمُتَطَوِّعُ يَنْزَعُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَتَبَرُّعِ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الضَّمَانِ الثَّابِتِ لَهُ ، وَعِنْدَنَا قَضَاءُ الْمُتَبَرِّعِ لِلْمَالِ كَقَضَاءِ الْمَطْلُوبِ ، وَلَوْ كَانَ قَضَاهُ الدَّيْنَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ تَمَّ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِسَبَبِ الْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُتَطَوِّعِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ فَنَقَدَهَا رَجُلٌ عَنْهُ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ أَوْ اسْتَحَقَّ رَجَعَ الْمَالُ إلَى الْمُتَطَوِّعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً نَقَدَ رَجُلٌ مَهْرَهَا تَطَوُّعًا عَنْ زَوْجِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ الْمَالُ إلَى الْمُتَطَوِّعِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ نِصْفُ الْمَالِ إلَى الْمُتَطَوِّعِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ رَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إلَى الْمُتَطَوِّعِ ، وَالْمُتْعَةُ عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِأَدَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا بِأَدَاءِ الْمُتْعَةِ ، كَمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَكُونُ كَفَالَةً بِالْمُتْعَةِ وَزُفَرُ مُخَالِفٌ فِي هَذَا كُلِّهِ ، وَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا .

وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الرَّهْنَ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ، وَالدَّيْنُ أَلْفٌ ، وَالْجِنَايَةُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَأَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْتَكَّهُ ، وَفَدَاهُ الرَّاهِنُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّاهِنِ أَلْفًا ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مِنْ الْمَضْمُونِ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ مَالِيَّةَ الرَّهْنِ تُجْنَى بِهِ ، وَهُوَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَالرَّاهِنُ فِي الْفِدَاءِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالْفِدَاءِ تَخْلِيصَ مِلْكِهِ فَيَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَصِيرُ قِصَاصًا ، وَفِي الْمُقَاصَّةِ : آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ عَنْ أَوَّلِهَا ، فَصَارَ الرَّاهِنُ قَاضِيًا دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ مَا اقْتَضَى الدَّيْنَ ، وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا اقْتَضَى فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ مَتَاعًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ ، فَقَضَاهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلدَّيْنِ مَالِيَّتُهُ وَهُوَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي أَدَاءِ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ ، كَمَا فِي الْأَوَّلِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ يُسَاوِيهَا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا ظَاهِرًا ، فَيَصِيرُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى انْتِفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا ، وَالِاسْتِيفَاءُ بِدُونِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ أَلْفًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ فِي انْعِقَادِ ضَمَانِ الرَّهْنِ بِهِ ، كَمَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَةِ السَّوْمِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ ، فَهَلَاكُ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا فَيُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ هَذَا إيضَاحًا لِلْأَوَّلِ ، فَإِنَّ كَوْنَ الدَّيْنِ ، وَاجِبًا ظَاهِرًا عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ أَقْوَى مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ فَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ فَفِيمَا كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا أَوْلَى ، وَلَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى رَجُلٍ بِالْمَالِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ بَاقٍ بَعْدَ الْحَوَالَةِ فَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ؛ فَيُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَوْفَى الطَّالِبُ الدَّيْنَ مِنْ الْمُحِيلِ ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْحَوَالَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ رَهْنًا مَكَانَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ ثُمَّ هَلَكَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فَهُوَ رَهْنٌ بِالْمَالِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الثَّانِي إلَيْهِ ، وَإِذَا تَمَّ الِاسْتِيفَاءُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ بَطَلَ الرَّهْنُ الثَّانِي ،

وَلَوْ هَلَكَ الثَّانِي قَبْلَ هَلَاكِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا مَرْهُونًا مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فَمِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي الرَّهْنِ الْأَوَّلِ إبْقَاءُ ضَمَانِ الدَّيْنِ عَنْ الثَّانِي ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مَقْبُوضًا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَيَكُونُ الْقَابِضُ أَمِينًا فِيهِ إذَا هَلَكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَاقَضَهُ الرَّاهِنُ فَقَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ هَلَكَ فَهُوَ هَالِكٌ بِالْمَالِ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ ، وَهَذَا لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَمَا أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الرَّدِّ

وَإِذَا زَادَ الرَّهْنُ دَرَاهِمَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ، وَجَعَلَهَا فِي الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الرَّهْنِ ، وَهُمَا فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا : الزِّيَادَةُ ، وَصُورَتُهُ إذَا رَهَنَهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ، ثُمَّ زَادَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ ثَوْبًا آخَرَ لِيَكُونَ مَرْهُونًا مَعَ الْأَوَّلِ بِالْعَشَرَةِ فَفِي الْقِيَاسِ : لَا تَصِحُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الدَّيْنِ بِمُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ لِيَكُونَ مَضْمُونًا بِهِ ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ ؛ لِبَقَاءِ الْقَبْضِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَاقَصَهُ الرَّهْنَ أَوْ تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ ، عَلَى مَا بَيَّنَّا : وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ زُفَرَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ ، وَالْبَيْعُ لَا يَثْبُتُ مُلْحَقُهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ( رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ) وَتَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ رَهَنَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يَوْمَيْنِ بِالْعَشَرَةِ جَازَ الرَّهْنُ ، وَانْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ ، وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَادَلَا رَهْنًا بِرَهْنٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ اقْتِرَاضٌ مِنْهُمَا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّهُ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى تَصْحِيحِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، وَرُبَّمَا نَطَقَ الْمُرْتَهِنُ بِالِابْتِدَاءِ أَنَّهُ فِي الرَّهْنِ ، وَفَاءً بِدَيْنِهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَلَا يَرْضَى بِرَهْنٍ ، لَا وَفَاءَ فِيهِ فَيَحْتَاجُ الرَّاهِنُ بِرَدِّ عَيْنٍ آخَرَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ تَجُوزُ إنْ ثَبَتَ حُكْمًا فَإِنَّ

الْمَرْهُونَةَ إذَا وَلَدَتْ يَكُونُ الْوَلَدُ زِيَادَةً تَثْبُتُ فِي الرَّهْنِ حُكْمًا فَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ أَيْضًا فَصْلًا ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي فِي الزِّيَادَةِ بِالدَّيْنِ : أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا زَادَ الرَّاهِنَ عَشَرَةً أُخْرَى لِيَكُونَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تَثْبُتُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَثْبُتُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُف ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَأَوْجَهَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ مَعَ الرَّهْنِ يَتَحَاذَيَانِ مُحَاذَاةَ الْمَبِيعِ مَعَ الثَّمَنِ حَتَّى يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ مَضْمُونًا بِهِ كَالْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ يُجْعَلُ مُلْحَقُهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ ، وَالْمَبِيعِ ثَبَتَتْ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَهُنَا مِثْلُهُ .
وَكَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ تُمَسُّ إلَى الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ فَقَدْ تُمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ ، بِأَنْ يَكُونَ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ فَضْلًا عَلَى الدَّيْنِ ، وَيَحْتَاجُ الرَّاهِنُ إلَى مَالٍ آخَرَ فَيَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ فِي رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمُسْلَمُ فِيهِ كَالْمَوْجُودِ حُكْمًا لِحَاجَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَ حَوَائِجِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ حَوَائِجِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْعَقْدُ فِيهِ فَأَمَّا جَوَازُ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ فَثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ إذَا هُوَ لِحَاجَةِ الْمَدْيُونِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِ الْمَدْيُونِ .
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ

وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ، وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الرَّهْنِ يَفْرَغُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ فِيهِ ضَمَانُ الدَّيْنِ الثَّانِي ، وَيَبْقَى حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي الْبَعْضِ مُشَاعًا ، وَيَثْبُتُ فِيمَا يُقَابِلُ الزِّيَادَةَ مُشَاعًا ، وَالشُّيُوعُ فِي الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ فَتُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الدَّيْنِ يَحُولُ ضَمَانُهُ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَالشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ لَا يَصِيرُ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ رَهْنًا ، وَلَا يُقَالُ الزِّيَادَةُ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِيهِ ؛ لِأَنَّا نُسَلِّمُ هَذَا ، وَلَكِنَّهُ مَعَ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ تَثْبُتُ قِيمَتُهُ مُلْحَقًا ، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ فِي الِابْتِدَاءِ ثَوْبًا بِعِشْرِينَ نِصْفُهُ بِعَشَرَةٍ ، وَنِصْفُهُ بِعَشَرَةٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَالشُّيُوعُ ، وَتَفَرُّقُ التَّسْمِيَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إفْسَادِ الْبَيْعِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَصِحُّ مُلْحَقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْقُودِ بِهِ ، وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، وَلَا بِمَعْقُودٍ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ بِهِ مَا يَكُونُ وُجُوبُهُ بِالْعَقْدِ وَالدَّيْنُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ بِسَبَبِهِ ، وَيَبْقَى فَسْخُ الرَّهْنِ ، فَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَ الزِّيَادَةِ فِيهِ مُلْحَقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، فَأَمَّا الرَّهْنُ فَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَلَا يَبْقَى مَحْبُوسًا بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ زِيَادَةٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ( وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ ) : أَنَّ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ يَعْسُرُ وَصْفُهُ

أَوْ حُكْمُهُ ، وَذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ فِي الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ أَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ مَضْمُونٌ بِعَشَرَةٍ ، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِخَمْسَةِ فَثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ فِيهِ مُلْتَحِقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ فَلَا تُغَيِّرُ وَصْفَ الْعَقْدِ ، وَلَا حُكْمَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ تُوجَدُ ، فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَذَاكَ دَيْنٌ ، وَجَبَ لَهُ عَلَى الرَّهْنِ ، وَفِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِهِ اخْتِلَافٌ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، وَالدَّيْنُ أَلْفًا فَجَنَى الْمَرْهُونُ ، وَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَنِصْفُ الْفِدَاءِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَنِصْفُهُ وَهُوَ حِصَّةُ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ فَهُوَ دَيْنٌ حَادِثٌ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقْرَضَهُ مَالًا زِيَادَةً فِي الدَّيْنِ الْأَوَّلِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ ، وَلَهُ وَصِيٌّ ، فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ مَا تَرَكَهُ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ عَقْدِ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ ، فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِإِيفَاءِ دَيْنِهِ حَقِيقَةً ، وَلَوْ قَبِلَ ذَلِكَ كَانَ لِلْآخَرِينَ أَنْ يُبْطِلُوهُ ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ جَمِيعًا تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ فَهُوَ يُبْطِلُ حَقَّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَنْ عَيْنِ الرَّهْنِ بِتَصَرُّفِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ ارْتَفَعَ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ ، وَإِثْبَاتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي هَذَا قِيَاسُ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْفَاهُ الدَّيْنَ حَقِيقَةً جَازَ ، فَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَهُ مِنْهُ إذْ لَيْسَ فِي الرَّهْنِ إبْطَالُ حَقِّهِ ، وَلَا حَقِّ غَيْرِهِ ، وَقَدْ كَانَ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى .

، وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ حَقِيقَةً ، وَيَكُونُ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالْمُوصِي ، فَكَذَلِكَ فِيمَا هُوَ وَثِيقٌ لِلِاسْتِيفَاءِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي ارْتَهَنَهُ فَوَصِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي إمْسَاكِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْبَيْعِ بَطَلَ بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ إنَّمَا رَضِيَ بِبَيْعِهِ ، وَلَمْ يَرْهَنْ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ ، وَطَعَامِهِ ، وَرَهَنَ بِهِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنْجَزَ لِلْيَتِيمِ فَرَهَنَ أَوْ ارْتَهَنَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُ مَنْ يَمْلِكُ حَقِيقَةَ الْإِيفَاءِ ، وَالِاسْتِيفَاءُ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ اسْتِحْفَاظًا لَهُ فِي الْحَالِ ، وَقَضَاءً لِدَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ كَالْإِيدَاعِ ، وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ هُوَ إيجَابُ حَقٍّ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْيَتِيمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الَّذِي يَصِيرُ مَقْضِيًّا عِنْدَ هَلَاكِهِ ، وَيَكُونُ كَالْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ ، وَيَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ نَظَرٌ لِلْيَتِيمِ يَتَّجِرُ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِصْفِهِ ، كَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَفْعَلُهُ فِي مَالِ وَلَدِ أَخِيهَا أَوْ يَعْمَلَ فِي مَالِهِ مُضَارَبَةً أَوْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً ، كَمَا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعْطِي مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ

وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ خَادِمًا لِلْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ رَهَنَ خَادِمًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي دَيْنَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَا دَيْنَ نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَعَ نَفْسِهِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ كَالْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الرَّهْنِ ، وَالِارْتِهَانِ ، وَكَذَلِكَ الْيَتِيمُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ ، وَشِرَائِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآخَرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) وَتَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ يَتَقَدَّرُ بِالتَّصَرُّفِ وَهِيَ بِفُرُوعِهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْوَصَايَا

وَلَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا كُلُّهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا بِدَيْنٍ يَسْتَدِينُهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا ؛ لِأَنَّهُ مُشَاعٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا كِبَارًا مَحْبُوسِينَ عَنْ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ ، وَالرَّهْنُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَقَارِ ، وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ ، وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِهِ ، وَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ ، فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِهِ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا ، وَكَانَ الْكَبِيرُ شَاهِدًا وَاحْتَاجَ إلَى نَفَقَةٍ يُنْفِقُهَا عَلَى الرَّقِيقِ فَرَهَنَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ ، كَمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ ، وَلَا يَمْلِكُ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) بِاعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ نَصِيبَ الصَّغِيرِ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الْكَبِيرِ أَيْضًا ، كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ الرَّقِيقَ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ ، وَكِبَارٌ فَكَذَلِكَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِدَانَةِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِهِ رَهْنًا

وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْمَيِّتِ ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ خَاصَمَ الْغَرِيمَ فِي ذَلِكَ أَبْطَلَ الرَّهْنَ ، وَبِيعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَهَا ، فَالْوَارِثُ بِتَصَرُّفِهِ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَارِثِ مُعْتَبَرٌ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ ، وَنَحْوِهِ وَذَلِكَ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ الْمَشْغُولَةِ بِالدَّيْنِ فَإِنْ قَضَى الْوَارِثُ الدَّيْنَ جَازَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْغَرِيمِ ، وَقَدْ زَالَ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ فَيَنْفُذُ الرَّهْنُ مِنْ الْوَارِثِ ، كَمَا يَنْفُذُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِمَالِ أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ سِلْعَةً بِالْعَيْنِ كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهَا فَهَلَكَتْ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَصَارَ ثَمَنُهَا دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا رَهَنَ بِالنَّفَقَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ سَلَّمَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ ، وَالْعَيْنُ كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَارِثِ فَارِغَةً عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ فَلَزِمَهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ ثُمَّ لِحَقِّ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَدِّ السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّهْنِ .
وَهَذَا الْخِلَافُ مَا إذَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ الَّذِي كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهُ أَوْ وُجِدَ حُرًّا ، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّتِ حِينَ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ ، فَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ ، وَلَا يَمْلِكُ عَنْهُ ، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ بَاطِلًا ، فَأَمَّا بِالرَّدِّ

بِالْعَيْبِ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ بِالْعَيْبِ ، وَكَانَ هَذَا دَيْنًا حَادِثًا بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَلَكِنَّ الرَّاهِنَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَصِيًّا كَانَ أَوْ وَارِثًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ وَجَبَ فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْوَارِثُ قَدْ مَنَعَ ذَلِكَ بِتَصَرُّفَاتِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلِكِ لَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَحِقَهُ فِي تَصَرُّفٍ بَاشَرَهُ لِلْيَتِيمِ فَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ زَوَّجَ أُمَّتَهُ ، وَأَخَذَ مَهْرَهَا ، فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ، وَصَارَ الْمَهْرُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا ، وَالِابْنُ ضَامِنًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَحِقَ الْمَيِّتَ بَعْدَ مَا نَفَذَ التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَارِثِ ، وَلَا يَتَبَيَّنُ بِهَذَا السَّبَبِ قِيَامُ الدَّيْنِ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ تَلِفَ فِيهَا إنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ التَّصَرُّفُ مِنْ الْوَارِثِ ، وَلَكِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّ الْغَرِيمِ فِي الْعَيْنِ بِتَصَرُّفِهِ

وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ إنَّ الْوَصِيَّ اسْتَعَادَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِلْيَتِيمِ قَائِمٌ مَقَامَهُ أَنْ لَوْ كَانَ بَالِغًا ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا فَرَهَنَ مَتَاعَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ اسْتَعَادَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَدْيُونَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ بِيَدِ الرَّاهِنِ فِي الِابْتِدَاءِ إذَا جَعَلَ عَدْلًا فِيهِ ، فَكَذَلِكَ لَا تَبْقَى حُكْمُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ مَا رَجَعَ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْوَصِيِّ بِالدَّيْنِ ، كَمَا كَانَ يَرْجِعُ بِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْيَتِيمِ ، وَقَدْ ضَاعَتْ الْعَيْنُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعَارَهَا لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ ، وَإِذَا رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الْيَتِيمِ فِي نَفَقَةِ الْيَتِيمِ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الرَّهْنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَفَذَ مِنْ الْوَصِيِّ فِي حَالِ قِيَامِ وَلَايَتِهِ وَلَزِمَ ، فَلَا يَمْلِكُ الْيَتِيمُ إبْطَالَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَالْبَيْعِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ مِنْ عَبْدٍ لَهُ بِآخَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ يَرْهَنُهُ مِنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الِابْنِ الصَّغِيرِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ فَرَهْنُهُ مِنْهُ كَرَهْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ رَهَنَهُ مِنْ ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ ، أَوْ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدٍ لَهُ بِآخَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِمْ

بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهُمْ أَحَقُّ بِالْكَسْبِ مِنْهُ يَصْرِفُونَ ذَلِكَ إلَى حَوَائِجِهِمْ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ مِنْهُمْ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ ، وَفِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ رَهَنَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ فَلِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مَعَهُمْ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ ثُمَّ غَصَبَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْغَصْبِ صَارَ جَانِيًا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مُفَوِّتًا لِيَدِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ يَقْضِي مِنْهُ الدَّيْنَ إذَا كَانَ حَالًّا ، وَالْفَضْلُ لِلْيَتِيمِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَّ فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَصْبِ ، وَالِاسْتِعْمَالِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِلْيَتِيمِ فِي مَالِهِ ، بَلْ يَكُونُ هُوَ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، فَيَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَدَانَهُ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ ، وَرَهَنَ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ الْيَتِيمِ إلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ ذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا دِينَهُمَا بِمَالِ الصَّغِيرِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَرْهَنَا مَتَاعَ الْيَتِيمِ بِدَيْنِهِمَا ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لِلْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يُودِعَا مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ ، وَالْمَنْفَعَةُ لِلصَّغِيرِ فِي الرَّهْنِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْإِيدَاعِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِيدَاعِ إذَا هَلَكَ بَطَلَ حَقُّ الصَّغِيرِ ، وَفِي الرَّهْنِ إذَا هَلَكَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ ، وَكَانَا ضَامِنَيْنِ لِلصَّغِيرِ مَالِيَّةَ الرَّهْنِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ

حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ مِلْكِ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِمُقَابَلَتِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا ، فَأَمَّا بِالرَّهْنِ فَلَا تَخْرُجُ الْعَيْنُ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَافِظٌ بِحِفْظِهَا ، وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ كَالْإِيدَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِنْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ فَهُوَ نَظِيرُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَلَهُمَا ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّ الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) تَعَالَى يَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ ، وَيَصِيرُ هُوَ ضَامِنًا لِلصَّغِيرِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) لَا يَصِيرُ الثَّمَنُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ ، فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ .
فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّهْنِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَصِيرَ قَاضِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ ضَامِنًا مِثْلَهُ لِلْيَتِيمِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ قَالَ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلصَّغِيرِ لِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَهُنَا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِإِعْزَازِ نَفْسِهِ عَلَى الْوَلَدِ ، وَالْوَصِيُّ مُتَّهَمٌ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ الْأَبُ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَكَسْبُ عَبْدِهِ مِلْكٌ لَهُ ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ فِي بَيَانِ الصَّكِّ الَّذِي

يَكْتُبُهُ الْأَبُ إذَا رَهَنَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الصَّبِيِّ : إنِّي اسْتَقْرَضْتُهُ مِنْ مَالِي كَذَا فَأَنْفَقْتُهُ فِي حَاجَتِي ، وَفِي هَذَا اللَّفْظِ دَلِيلٌ : عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ ، وِلَايَةَ الْإِقْرَاضِ فِي مَالِ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ مُعَامَلَتَهُ مَعَ غَيْرِهِ أَقْرَبُ إلَى النُّفُوذُ مِنْهُ مَعَ نَفْسِهِ ، فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ ، فَلَأَنْ يَجُوزُ لَهُ إقْرَاضُهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُقْرِضُ عَلَى الْيَتِيمِ ، وَلَا يَسْتَقْرِضُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، وَفِي الْأَبِ رِوَايَتَانِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ يَقُولُ : لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ، وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لِلْأَبِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ وَلَدِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنْ لَا يُقْرِضَهُ إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُ مَتَى شَاءَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ ، وَلِلْقَاضِي ، وِلَايَةُ الْإِقْرَاضِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ ، فَكَذَلِكَ الْأَبُ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ فَبَاعَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عِنْدَ رَجُلٍ فَأَدْرَكَ الْوَلَدُ ، وَمَاتَ الْأَبُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْضِيَ الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَزِمَ مِنْ الْأَبِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلَدِ أَنْ لَوْ كَانَ بَالِغًا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ لِنَفْسِهِ فَقَضَاهُ الِابْنُ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُعِيرِ لِلرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ .

وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعًا لِوَلَدِهِ بِمَالِ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ ، وَلِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنِ أَحَدِهِمْ عَلَى الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ بِدَيْنِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ عَيْنًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ ابْنِهِ الْكَبِيرِ ، وَالصَّغِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْكَبِيرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ، وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي رَهْنِ نَصِيبِهِ ، وَنَصِيبُ الصَّغِيرِ شَائِعٌ ، فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الرَّهْنِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ ضَمِنَ الْأَبُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَ الصَّغِيرِ وَدَيْنَ نَفْسِهِ بِمَالِ الصَّغِيرِ فَيَضْمَنُ الصَّغِيرُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ .
( أَبُو الْأَبِ ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ رَهْنِ الْحَيَوَانِ ) قَالَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) رَهْنُ الْحَيَوَانِ الْمَمْلُوكِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ ، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) أَنَّ الْحَيَوَانَ عُرْضَةٌ لِلْهَلَاكِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، وَمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ ، كَالْخُضَرِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ، وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ عُرْضَةٌ لِلْفَنَاءِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ عَلَفُهُ ، وَطَعَامُ الرَّقِيقِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ مِلْكِ الْعَيْنِ ، فَالرَّاهِنُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ مَالِكٌ لِلْعَيْنِ ، كَمَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَفِي كَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهَلَاكِهِ قَاضِيًا لِدَيْنِهِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ ، وَالْمُؤَجَّرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعَارِ ، وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَالِكِ فِي كَوْنِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُوصَى لَهُ ، وَإِنَّمَا تَخْلُصُ الْمَنْفَعَةُ لَهُمَا ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ عَلَيْهِمَا فَلِهَذَا لَا يَرْجِعَانِ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ ( تَوْضِيحُهُ ) : أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَيُقَالُ لِلْمُسْتَعِيرِ : إنْ ثَبَتَ فَأَنْفِقْ عَلَيْهِ ، وَانْتَفِعْ بِهِ ، وَإِلَّا فَرُدَّهُ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ بِإِيجَابٍ مِنْ الْوَارِثِ فَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الرَّهْنُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ لَازِمٌ بِإِيجَابِ الرَّهْنِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلنَّفَقَةِ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ مَقْصُورَةً عَنْهُ

كَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَكَذَلِكَ أَجْرُ الرَّاعِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَفِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ بِمَقْصُودِ الرَّاعِي فَيَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ ، وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ إمَّا فِي مَنْزِلِهِ ، وَإِمَّا فِي مَنْزِلٍ يَتَكَارَى لَهُ ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَلَا يَتَأَتَّى حِفْظُهُ إلَّا فِي مَنْزِلٍ فَمُؤْنَتُهُ تِلْكَ تَكُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحِفْظِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إضْجَارُ الرَّاهِنِ ، وَلِأَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَمَا يَكُونُ مُوجَبُ الْعَقْدِ ، فَهُوَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَالَ : إنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْمُرْتَهِنِ سَعَةٌ ، فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَتَكَارَى لَهُ مَنْزِلًا ، فَالْكِرَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ كَالنَّفَقَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ كَالنَّفَقَةِ وَإِنْ أَصَابَ الرَّقِيقَ جِرَاحَةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ دُبِّرَتْ الدَّوَابُّ ، فَإِصْلَاحُ ذَلِكَ ، وَدَوَاؤُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ اُنْتُقِصَتْ بِمَا اعْتَرَضَ ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِبُرْءِ الْمُعَالَجَةِ إعَادَةُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ ، وَهُوَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَالْمُدَاوَاةُ لَا تَكُونُ قِيَاسَ النَّفَقَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ ، وَثَمَنَ الدَّوَاءِ إذَا مَرِضَتْ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا ، لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَالْمُعَالَجَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّرَ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَمَانَةٌ ، وَمُعَالَجَةُ الْأَمَانَةِ عَلَى صَاحِبِهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالْإِصْلَاحِ يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ فِي

الْمَضْمُونِ مِنْهُ ، وَفِي الْأَمَانَةِ الْمَنْفَعَةُ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ نَظِيرُ الْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ وَالْفِدَاءُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَبِقَدْرِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَنُقْصَانِ السِّعْرِ ، وَزِيَادَتِهِ لَا يُغَيَّرُ حُكْمُ الرَّهْنِ ، وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ رُهِنَ ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ ، لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَيْنِ ، إنَّمَا هُوَ مَنُوطٌ بِرَغَائِبِ النَّاسِ فِيهِ ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، وَالْأَمْكِنَةِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَوْضِيحُهُ : أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ ، كَالْمَبِيعِ ، فَإِنَّ نُقْصَانَ سِعْرِهِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرَى ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الْمَقْبُوضِ كَالْمَغْصُوبِ ، فَنُقْصَانُ سِعْرِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا مِنْ الضَّمَانِ ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الضَّامِنَيْنِ .
وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بِقَدْرِ مَا يَنْتَقِصُ مِنْ سِعْرِ الْمَرْهُونِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ وَقَاسَ ذَلِكَ بِنُقْصَانِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الضَّمَانَ الثَّابِتَ بِالرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنَّ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَالْمَالِيَّةِ يُنْتَقَصُ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ ، كَمَا يُنْتَقَصُ بِنُقْصَانِ الْعَيْنِ ، بِخِلَافِ سَائِرِ الضَّمَانَاتِ ، فَضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِهِ ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الْبَيْعِ ، وَنُقْصَانُ السِّعْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَيْنِ .
وَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنُ الدَّابَّةِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّيْنِ سَقَطَ رُبْعُ الدَّيْنِ لِحَدِيثِ " زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ قِيمَتِهَا " يَعْنِي : إذَا فُقِئَتْ ، وَهَذَا بِخِلَافِ عَيْنِ الْآدَمِيِّ ، فَإِنَّ بِذَهَابِ عَيْنِهِ يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالدَّوَابِّ مِنْ حَيْثُ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ ، وَذَلِكَ يَمَسُّهَا ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بِأَنْ تَمْشِيَ

بِقَوَائِمِهَا ، وَتُبْصِرَ بَدَلُهَا عَلَى ذَلِكَ ، وَحِصَّةُ الْعَيْنَيْنِ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفُ ، فَبِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا يَذْهَبُ الرُّبُعُ .
وَأَمَّا الْبَصَرُ فِي الْآدَمِيِّ فَمَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ ، وَالْبَطْشُ كَذَلِكَ ، وَالْمَشْيُ كَذَلِكَ ، فَيُجْعَلُ كُلُّ جِنْسٍ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ ، فَبِذَهَابِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ يَجْعَلُ نِصْفَ النَّفْسِ كَالْفَائِتِ حُكْمًا لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَبَنُ النَّاقَةِ رَهْنٌ مَعَهَا ، وَكَذَلِكَ أَصْوَافُ الْغَنَمِ ، وَأَسْمَانُهَا ، وَأَوْلَادُهَا ، وَثَمَرَةُ الْأَشْجَارِ ، وَمَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَشْجَارِ فِي أَرْضِ الرَّهْنِ رَهْنٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ ، بِخِلَافِ مَا عَلَى الْأَرْضِ ، وَالدَّارُ تُؤَاجَرُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُتَوَلَّدٍ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمِ الرَّهْنِ ، وَإِنْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فِيهَا ، وَهُوَ الْقَبْضُ مَقْصُودًا ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً ، وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ أَدَّى إلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ مَمْلُوكٌ لِلرَّاهِنِ فَالْمَنْفَعَةُ تَكُونُ عَلَى مِلْكِهِ لَا يَسْتَوْفِيهَا غَيْرُهُ إلَّا بِإِيجَابِهَا لَهُ ، وَهُوَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ أَوْجَبَ مِلْكَ الْيَدِ لِلْمُرْتَهِنِ لَا مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ، فَكَانَ مَالَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَكَذَلِكَ الرَّاهِنُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِيمَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ : لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا : أَنَّ عِنْدَنَا دَوَامُ يَدِ الْمُرْتَهِنِ يُوجِبُ عَقْدَ الرَّهْنِ ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ

يُفَوِّتُ هَذَا الْوَاجِبَ ؛ لِأَنَّهُ يُعِيدُهُ إلَى يَدِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ، وَعِنْدَهُ يُوجِبُ الرَّهْنُ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، وَذَلِكَ لَا يَفُوتُ بِانْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِهِ ثُمَّ الْحُجَّةُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْمَرْهُونُ مَرْكُوبٌ ، وَمَحْلُوبٌ ، وَعَلَى مَنْ يَرْكَبُهُ ، وَيَحْلُبُهُ نَفَقَتُهُ } .
وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الرَّاهِنِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ لِلرَّاهِنِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ : أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَلَا فِي ثَانِي الْحَالِ ، وَلَكِنْ يُوجِبُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ مِنْ الرَّاهِنِ يُقَدِّرُهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ، فَهُوَ بَاطِلٌ ، كَالْبَيْعِ ، وَالرَّاهِنُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَمْلِكُهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ ، وَهَذَا كَالنِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَوْلَى عَنْ الْأَمَةِ ، وَلَكِنْ يُوجِبُ لِلزَّوْجِ مِنْهَا حَقًّا ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ كَالْوَطْءِ ، وَالتَّزَوُّجِ مِنْ الْغَيْرِ يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الزَّوْجِ ، كَالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ لَا يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ ، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَوْلَى ، وَيُوجِبُ لَهَا حَقًّا ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقٍّ لَهَا ، كَالْبَيْعِ يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا كَالْوَطْءِ ، وَالتَّزْوِيجِ لَا يُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْهُ ، ثُمَّ الِانْتِفَاعُ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَعَ بِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُبْطِلًا حَقَّهُ لَكَانَ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْعَيْنِ ، وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِهِ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ ، فَلَا يَمْنَعُ الْمَالِكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ

بِالْمِلْكِ ، كَالْكِتَابَةِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنَّ الرَّاهِنَ أَحَقُّ بِبَدَلِ الْمَنْفَعَةِ ، وَهُوَ الْكَسْبُ ، وَالْغَلَّةُ ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمَنْفَعَةِ أَيْضًا ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ ، وَبِالْإِجْمَاعِ الْمُرْتَهِنُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ عَلَى الرَّاهِنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَتَعَطَّلَتْ الْعَيْنُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَذَلِكَ مُشْبِهُ تَسْيِيبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَكُونُ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِبَيْعِهِ فِي دَيْنِهِ فِي الْمَالِ ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا ، وَلَا يَمْنَعُهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) فِي الْإِجَارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُؤَاجِرَهُ ، كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ ،

وَكَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِي ، وَطْءِ الرَّاهِنِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَلَا يُمْنَعُ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُمْنَعُ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِلْإِبْطَالِ بِأَنْ تَعْلَقَ مِنْهُ فَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَفِي ( الِانْتِفَاعِ ) لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى ، وَحُجَّتُنَا : الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - : ( فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ) فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا فِي حَالِ مَا يَكُونُ مَرْهُونًا ، وَهُوَ مَرْهُونٌ مِنْ حِينِ يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ الرَّاهِنُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا لَهُ ، وَانْتِفَاعُ الرَّاهِنِ يُعْدِمُ هَذَا الْوَصْفَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا : أَنَّ مُوجِبَ هَذَا الْعَقْدِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ هُنَا لِلْمُرْتَهِنِ ، وَأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْيَدِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَالرَّاهِنُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يُحَوِّلْهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَى يَدِهِ ، وَفِيهِ تَفْوِيتُ مُوجِبِ الْعَقْدِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ حَالًّا كَانَ الرَّاهِنُ مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا ( وَفَصْلُ الْبَيْعِ ) دَلِيلُنَا : أَنَّ هُنَاكَ مَتَى ثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ كَانَ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَوْنِهِ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ هُنَاكَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فَهُنَا أَيْضًا مَتَى ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، وَحَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا حَتَّى إنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِ الِانْتِفَاعِ ، وَفِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ، الْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهِ ، وَبِهَذَا الْكَلَامِ يَتَبَيَّنُ :

أَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ مُبْطِلٌ لَا يَدُلُّ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ ، وَبِأَنَّهُ كَانَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ إذَا حَصَلَ تَسْلِيطُهُ ، فَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ ، كَمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ، وَكَمَا فِي الْوَطْءِ ، وَتَوَهُّمُ الْعُلُوقِ بِالْوَطْءِ مَوْهُومٌ ، وَلَمَّا بُنِيَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَوْهُومِ ، وَمِثْلِهِ يَتَحَقَّقُ هُنَا ، فَإِنَّهُ يُتَوَهَّمُ الْهَلَاكُ فِي حَالَةِ الرُّكُوبِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى تَسْيِيبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَرَضٌ صَحِيحٌ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ، وَهُوَ إضْجَارُ الرَّاهِنِ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَأَمَّا الْحَدِيثُ ، فَلَنَا أَنْ نَقُولَ : " الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ ، وَمَرْكُوبٌ " .
عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَحْلُوبٌ ، وَمَرْكُوبٌ لِلْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، وَلِلرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ قِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا ، وَلَوْ ثَبَتَ ، فَالْمُرَادُ انْتِفَاعُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَّ يُحْلَبُ ، وَظَهْرُهُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ ، وَالنَّفَقَةُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ تَكُونُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَالِكِ ، وَهَذَا حُكْمٌ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَنْتَفِعُ بِالرَّهْنِ ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ ، بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَإِنْ آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَالْغَلَّةُ لَهُ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَثْبُت لَهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ إيجَابِ الْمَنْفَعَةِ لِلْغَيْرِ إلَّا أَنَّ الْأَجْرَ ، وَجَبَ لِعَقْدِهِ ، فَيَكُونُ لَهُ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ، وَلَا يَعُودُ فِيهِ إلَّا بِرَهْنٍ

مُسْتَقْبَلٍ ، وَالْغَلَّةُ لِلرَّاهِنِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : " هِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا ، وَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ قَضَاءٌ مِنْ حَقِّهَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يُلَاقِي الْمَحِلَّ الَّذِي لَاقَاهُ عَقْدُ الرَّهْنِ ، فَإِنَّهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالثَّابِتُ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكُ الْيَدِ إلَّا أَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ فِي الْإِجَارَةِ شَرْطٌ يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَالِكُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِجَارَةُ الْمُرْتَهِنِ ، وَإِجَارَةُ الرَّاهِنِ بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ عَلَى مَعْنَى : أَنَّ الْأَجْرَ لِلرَّاهِنِ ، وَأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدَيْنِ مَا اجْتَمَعَا فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : عَقْدُ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْعَيْنِ ، وَذَلِكَ يُنَافِي مُوجِبَ عَقْدِ الرَّهْنِ ، فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ عَقْدُ الرَّهْنِ ، كَالْبَيْعِ إذَا نَفَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَتَخْرُجُ الْعَيْنُ مِنْ الرَّهْنِ بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَإِذَا خَرَجَ الرَّهْنُ كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ ، وَبِهِ فَارَقَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ بَدَلُ مَا ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيُحَوَّلُ حَقُّهُ إلَيْهِ .
فَإِنْ رَكِبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّابَّةَ أَوْ كَانَ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ سَيْفًا فَتَقَلَّدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ مِلْكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَيَكُونُ كَالْغَاصِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَقَلَّدَ السَّيْفَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ سَيْفَيْنِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ حِفْظًا ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا فِي ( كِتَابِ اللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ ) فَإِنْ كَانَ فَعَلَ

ذَلِكَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ التَّعَدِّي ، وَهُوَ فِي الِانْتِفَاعِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ، فَإِذَا نَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ ، وَنَزَعَ الثَّوْبَ ، وَكَفَّ عَنْ الْخِدْمَةِ ، فَهِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا إنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ بِإِذْنِهِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ ، كَاسْتِعْمَالِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ الرَّاهِنُ فَهَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ ، وَلَوْ أَعَادَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى يَدِهِ بَعْلَةِ مَا فَرَغَ ، فَهَلَكَ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُرْتَهِنُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ يَدُهُ يَدُ عَارِيَّةٍ ، وَهِيَ غَيْرُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ يَدِ الْعَارِيَّةِ لَا يُرْجَعُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَبِاعْتِبَارِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ يُرْجَعُ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ تَبْقَ يَدُ الْعَارِيَّةِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَدَ الْمَقْصُودَةَ الِاسْتِعْمَالِ لَا غَيْرُ ، فَظَهَرَ حُكْمُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعَارَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ أَعَارَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَكِنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ لِيَدِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْ الرَّهْنِ ، فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا ، وَالْإِعَارَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ ، وَالشَّيْءُ لَا يُنْقَضُ بِطَرَيَانِ مَا هُوَ دُونَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ حَقًّا مُسْتَحَقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ ، فَهُوَ مِثْلُ الرَّهْنِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلرَّهْنِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ ، وَسَلَّمَهُ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ

الثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ يُوجِبُ حَقًّا مُسْتَحَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ فَيَبْطُلُ بِهِ الْأَوَّلُ ثُمَّ يَدُ الْعَارِيَّةِ تَتَقَدَّمُ ضَمَانَ الرَّهْنِ ، وَلَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ عَقْدُ الرَّهْنِ حَتَّى وَلَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ رَاهِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَانَ الْوَلَدُ مَرْهُونًا ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فِي هَذَا الْحَالِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ فَبِبَقَائِهِ يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ إعَادَتِهِ إلَى يَدِهِ وَإِذَا أَثْمَرَ الْكَرْمُ أَوْ النَّخْلُ ، وَهُوَ رَهْنٌ فَخَافَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الثَّمَرَةِ الْهَلَاكَ فَبَاعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا فِي ذَلِكَ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الِاسْتِبْدَادِ بِهَذَا الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إنْ اسْتَأْذَنَ الرَّاهِنَ فِيهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا لِيَبِيعَهُ الْقَاضِي أَوْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِهِ فَإِنَّ وِلَايَةَ النَّظَرِ فِي مَالِ الْغَائِبِ لِلْقَاضِي فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ضَامِنًا ، وَإِنْ جَذَّ الثَّمَرَةَ أَوْ قَطَفَ الْعِنَبَ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْحِفْظِ فَإِنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ فَسَدَ فَالْجِدَادُ فِي أَوَانِهِ حِفْظٌ ، وَحِفْظُ الْمَرْهُونِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِنْ قِيلَ : الْبَيْعُ أَيْضًا مِنْ الْحِفْظِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنَّهُ فِي الْبَيْعِ حِفْظُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ ، فَأَمَّا فِي الْجِدَادِ فَحِفْظُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحِفْظِ لِلْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجِدَادِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَلْبِ يُفْسِدُ الضَّرْعَ ، وَاللَّبَنَ .

وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ عَدْلًا زُطِّيًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ بِمِائَةِ شَاةٍ ، أَوْ عَشَرَةٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ قَضَاهُ بَعْضَ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ الْمَالَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، فَمَا لَمْ يَقْضِ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَنْعَدِمُ الْمَعْنَى الْمُثْبَتُ بِحَقِّ الْجِنْسِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرَّهْنِ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَ مِائَةَ شَاةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُلُّ شَاةٍ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَضَاهُ عَشَرَةً ، وَفِي ( الزِّيَادَاتِ ) قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدّ أَيَّ شَاةٍ شَاءَ قَالَ الْحَاكِمُ : فَمَا ذُكِرَ فِي ( الزِّيَادَاتِ ) قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذُكِرَ فِي ( كِتَابِ الرَّهْنِ ) قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يُنْكِرُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ .
وَيَقُولُ : قَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي ( نَوَادِرِهِ ) عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلَ مَا أَجَابَ بِهِ فِي ( كِتَابِ الرَّهْنِ ) وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ : فَإِنَّ الْمَرْهُونَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ كَالْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ فِي الْبَيْعِ لَا فَرْقَ فِي حُكْمِ الْحَبْسِ بَيْنَ فَصْلِ الثَّمَنِ ، وَالْإِجْمَالِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَاتَيْنِ بِعَشَرَةٍ فَنَقَدَهُ عَشَرَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ ، وَاحِدَةً مِنْهُمَا ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ فَأَمَّا وَجْهُ الرِّوَايَةِ : فَالزِّيَادَاتُ تُفَرِّقُ الْقِيمَةَ بِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّهْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ : لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كُلُّ نِصْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ نِصْفُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَيْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ حَالِ الْإِجْمَالِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِتَفَرُّقِ الثَّمَنِ ، فَكَذَلِكَ رَهْنُ كُلِّ شَاةٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَهُنَاكَ بِتَفَرُّقِ

التَّسْمِيَةِ لَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ ، كَمَا فِي حَالِ الْإِجْمَالِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ ، وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ فَبَعْدَ مَا نَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَدَّى إلَى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِأَنْ يَهْلَكَ مَا بَقِيَ ، فَيُفْسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ، كَمَا أَنَّ بِالِافْتِكَاكِ يَنْتَهِي حُكْمُ الرَّهْنِ فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَهْلَكَ مَا بَقِيَ فَيَنْتَهِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْهُ ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي حَالِ الْإِجْمَالِ مَوْجُودٌ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنْ فِي حَالِ الْإِجْمَالِ حِصَّةُ كُلِّ شَاةٍ مِنْ الدَّيْنِ غَيْرُ مَعْلُومٍ مُتَعَيَّنٍ ، فَأَمَّا عِنْدَ التَّفْصِيلِ فَمَا رَهَنَ بِهِ كُلَّ شَاةٍ مَعْلُومٌ بِالتَّسْمِيَةِ فَلِهَذَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُ الْبَعْضِ ، بِقَضَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِهِ .
وَلَوْ رَهَنَهُ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا إحْدَاهُمَا بِعِشْرِينَ ، وَالْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ لِجَهَالَةِ مَا رَهَنَ بِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَوْ هَلَكَتْ ، وَثَمَنُهَا عِشْرُونَ فَالرَّاهِنُ يَقُولُ : هَذِهِ الَّتِي رَهَنْتُهَا بِعِشْرِينَ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَقُولُ : بَلْ هَذِهِ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَعَ الدَّيْنِ يَتَحَاذَيَانِ مُحَاذَاةِ الْمَبِيعِ مَعَ الثَّمَنِ ، وَفِي الْبَيْعِ إذَا عَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَازَ الْعَقْدُ ؛ لِانْعِدَامِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَلَوْ ارْتَهَنَ عَبْدًا

بِأَلْفٍ : نِصْفُهُ بِسِتِّمِائَةٍ ، وَنِصْفُهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، أَوْ كُلُّ نِصْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ لِتَمَكُّنِ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ تَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ ، فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَصِيرُ مَحْبُوسًا بِمَا سُمِّيَ بِمُقَابَلَتِهِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعِ لَا يَكُونُ مَحِلًّا لِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ رَهَنْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ خَمْسُمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَهُ بِدَيْنِهِمَا مُجْمَلًا ، فَهُنَاكَ جَمِيعُ الرَّهْنِ يَصِيرُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَذَلِكَ الْعَيْنُ ، وَعِنْدَ تَفَرُّقِ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْحَبْسِ فِيمَا أَوْجَبَ لَهُ نِصْفًا ، وَهُوَ الْجُزْءُ الشَّائِعُ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤُ فِي مُوجَبِ الرَّهْنِ ، كَالنَّفْسِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ ثُمَّ قَدْ يَثْبُتُ قِصَاصٌ وَاحِدٌ لِرَجُلَيْنِ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ نِصْفُ الْقِصَاصِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَبْسِ فِي الرَّهْنِ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِشَخْصٍ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَبْسِ فِي الرَّهْنِ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِشَخْصٍ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِجْمَالِ ، وَلَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ الْحَقُّ فِي النِّصْفِ عِنْدَ الْقَبْضِ .

وَإِذَا رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ دَابَّتَيْنِ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضَ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ فَبَقِيَتْ عِنْدَهُ ، وَقِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَقِيمَةُ الْبَاقِيَةِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّاهِنِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ كَالدَّيْنِ الْمَقْبُوضِ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ يُجْعَلُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَالْمَقْبُوضِ بِحَقِيقَةِ السَّدَادِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا كَانَ الْمُرْتَهِنُ بِهَلَاكِ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ مُسْتَوْفِيًا قَدْرَ قِيمَتِهَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فَهُنَا أَيْضًا عِنْدَ هَلَاكِ إحْدَاهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَعَلَيْهِ رَدُّ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُخْرَى وَيُقْرِضَهُ فَهُوَ هُنَا مُسْتَقِيمٌ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِيعَادٌ ، وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ ، وَإِنْ بَقِيَتْ الْأُخْرَى أَيْضًا عِنْدَ الرَّاهِنِ ، وَلَمْ يَدْفَعْ الْمُرْتَهِنُ إلَيْهِ الْمِائَةَ أَوْ قَدْ دَفَعَهَا ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي قِيمَةِ الدَّابَّتَيْنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ مِنْهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا مِمَّا سَقَطَ بِهِ دَيْنُهُ الْوَاجِبُ أَوْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا ، فَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ ، وَالرَّاهِنُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
وَمَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ ، وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَهُوَ مِنْهُ تَطَوُّعٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَ ، وَيَجْعَلَهُ عَلَى الرَّهْنِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَالْإِنْفَاقِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ النَّظَرِ فِي مَالِ الْغَائِبِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِ مِلْكِهِ

عَلَيْهِ ، وَالْبَيَانُ فِي أَنَّهُ قَالَ : وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي ( كِتَابِ اللُّقَطَةِ ) وَغَيْرِهِ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يَقُولُ : لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، وَلَكِنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِهِ يَكْفِي ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي كَأَمْرِ صَاحِبِ الْمَالِ ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا ( رَحِمَهُمْ اللَّهِ ) عَلَى : أَنَّهُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ لِإِلْزَامِ الْمَأْمُورِ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَرُ ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ حِسْبَةً وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ لِيَكُونَ دَيْنًا ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَدْنَاهُمَا ، وَلَا يَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ أَمْرِ صَاحِبِ الْمَالِ ، فَهَذَا اسْتِقْرَاضٌ أَوْ اسْتِيهَابٌ يُثْبِتُ أَدْنَاهُمَا ، وَالْأَدْنَى هُنَاكَ الِاسْتِقْرَاضُ ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الرَّاهِنُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى رَهْنِهِ كَذَا وَكَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْمَأْمُورِ ، وَالْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَنَفَقَتْ إحْدَاهُمَا ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْبَاقِيَةُ مِثْلُهَا ، وَلَيْسَ هَذَا كَجِنَايَةِ الرَّقِيقِ مَعْنَاهُ : إذَا رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُمَا رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَيَتَحَوَّلُ إلَى الْقَاتِلِ بَعْدَ مَا كَانَ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي ( بَابِ الْجِنَايَاتِ ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الدَّابَّتَيْنِ كَانَتْ الْبَاقِيَةُ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى هَدَرٌ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ .
فَكَانَ قَتْلُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ، وَمَوْتُهَا سَوَاءً ، بِخِلَافِ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ جِنَايَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْأَحْكَامِ فَحِصَّةُ الْأَمَانَةِ مِنْ الْجَانِي عَلَى الْمَضْمُونِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُقَامَ مَقَامَهُ فِي تَحْوِيلِ مَا كَانَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى الْجَانِي ، وَذَلِكَ نِصْفُ مَا كَانَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَنْفَكَّ الْأُخْرَى إلَّا بِجَمِيعِ الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَحْبُوسَةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجْمَالِ ، وَإِنْ هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا هَلَكَتْ بِحِصَّتِهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمَا ، فَعِنْدَ هَلَاكِ إحْدَاهُمَا إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهَا فِي الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ يَرْهَنُهَا مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لَهُمَا فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَبْسِ يَكُونُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا نِصْفَ دَيْنِهِ ، وَلَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدًا ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ قِيمَةُ الْأُمِّ ثُمَّ بِيعَتْ الَّتِي لَمْ تَلِدْ ذَهَبَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ دَاخِلٌ مَعَهَا فِي حِصَّتِهَا ؛ فَيَقْسِمُ الدَّيْنَ أَوَّلًا :

عَلَى قِيمَةِ الدَّابَّتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا ثُمَّ يَقْسِمُ ثَمَنَ الَّتِي وَلَدَتْ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا ، فَحِصَّةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ نِصْفُ الدَّيْنِ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ بِمَوْتِهَا نِصْفُ الدَّيْنِ .
وَإِنْ بِيعَتْ الَّتِي وَلَدَتْ ذَهَبَ رُبْعُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدَّيْنِ انْقَسَمَ عَلَى قِيمَتِهَا ، وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا فَتَوَسَّطَ مَعَهَا الْوَلَدُ إلَى يَوْمِ الْفِكَاكِ عَلَى هَذِهِ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ بَقِيَ ، فَكَانَتْ حِصَّةُ الْأُمِّ رُبْعَ الدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ تَتَّفِقْ هِيَ ، وَاتَّفَقَ وَلَدُهَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ لَمْ تُنْقِصْ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ ، وَكَانَ تَابِعًا فِي حُكْمِ الرَّهْنِ ، فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَاتَتْ فَذَهَبَ رَبُّ الدَّيْنِ ثُمَّ وَلَدَتْ الْبِنْتُ بِنْتًا مِثْلَهَا كَانَ الثِّنْتَانِ بِثُلُثَيْ النِّصْفِ ؛ لِأَنَّ السُّفْلَى كَالْعُلْيَا فِي أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأُمِّ الْأَصْلِيَّةِ فَإِنَّ الْعُلْيَا تَبَعٌ ، وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ قِيمَتِهَا ، فَإِنَّهَا تُقْسَمُ مَا فِيهَا عَلَى قِيمَتِهَا ، وَقِيمَةِ الْوَلَدَيْنِ أَثْلَاثًا ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ السَّاقِطَ بِمَوْتِ الْأُمِّ ثُلُثُ نِصْفِ الدَّيْنِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْعِ كَانَ السَّاقِطُ بِمَوْتِ الْأُمِّ رُبْعَ الثَّمَنِ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ : أَنَّ سُقُوطَ الثَّمَنِ هُنَاكَ بِطَرِيقِ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ بَعْدَ مَا انْفَسَخَ لَا يَعُودُ بِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ ، وَهُنَا سُقُوطُ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ انْتِهَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ، وَالْمُنْتَهِي يَكُونُ مُتَقَرَّرًا فِي تَعَيُّنِهِ ؛ فَبِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ يَعُودُ بَعْضُ مَا كُنَّا حَكَمْنَا بِسُقُوطِهِ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ ، وَلَا يَفْتَكُّ الرَّاهِنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُونَ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ الْإِجْمَالِ وَلَوْ

اعْوَرَّتْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ ذَهَبَ بِمَوْتِ الْأُمِّ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ النِّصْفِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الرَّقِيقِ بَقِيَتْ الِاثْنَتَانِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ النِّصْفِ ، وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْأَدْنَى نِصْفٌ ، وَمِنْ الدِّيَةِ رُبْعُهَا فَفِي الرَّقِيقِ حِينَ اعْوَرَّتْ إحْدَى الِاثْنَتَيْنِ ذَهَبَ نِصْفُهَا ، فَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ مَا فِي الْأُمِّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَتِهَا ، وَقِيمَةِ الْعُلْيَا ، وَقِيمَةِ نِصْفِ السُّفْلَى ، فَيَكُونُ عَلَى خَمْسَةٍ فِي الْأُمِّ : سَهْمَانِ ، وَفِي الصَّحِيحَةِ مِنْ الِاثْنَيْنِ : كَذَلِكَ ، وَفِي الْعَوْرَاءِ : سَهْمٌ ، فَلِهَذَا سَقَطَ بِهَلَاكِ الْأُمِّ خُمُسَا النِّصْفِ ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ النِّصْفِ ، وَفِي الدَّوَابِّ بِالِاعْوِرَارِ : ذَهَبَ بِالْعَوَرِ رُبْعُهَا ، فَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ نِصْفُ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ وَالصَّحِيحَةِ مِنْ الْوَلَدَيْنِ ، وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَوْرَاءِ ، فَكَانَتْ الْأُمُّ أَرْبَعَةً ، وَالصَّحِيحَةُ كَذَلِكَ ، وَالْعَوْرَاءُ ثَلَاثَةً ؛ فَلِهَذَا قَالَ : يَذْهَبُ بِمَوْتِ الْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ النِّصْفِ .

وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ أَرْضًا ، وَنَخْلًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ النَّخْلِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَاحْتَرَقَ النَّخْلُ ، فَالْأَرْضُ رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْبَيْعِ ضَمَانُ عَقْدٍ ، وَالنَّخْلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعٌ ، وَبِهَلَاكِهِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْعَبْدِ ، فَأَمَّا ضَمَانُ الرَّهْنِ فَضَمَانُ قَبْضٍ ، وَالْأَوْصَافُ تُفْرَدُ بِالْقَبْضِ ، فَتُفْرَدُ بِالضَّمَانِ ، فَلِهَذَا سَقَطَ بِذَهَابِ النَّخْلِ نِصْفُ الدَّيْنِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً كَانَ نَبَتَ فِي الْأَرْضِ نَخْلٌ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، وَالْأَرْضُ ، وَالنَّخْلُ بِثُلُثَيْ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ النَّابِتَ زِيَادَةٌ فِي الْأَرْضِ فَيَصِيرُ هُوَ كَالْمَوْجُودِ فِي أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَبَتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعًا ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ ، وَقِيمَةِ النَّابِتِ ، وَاَلَّذِي احْتَرَقَ ، وَالْقِيَمُ سَوَاءٌ ، كَأَنَّمَا سَقَطَ - بِذَهَابِ مَا احْتَرَقَ - حِصَّتُهَا ، وَهُوَ ثُلُثُ الدَّيْنِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَالَ : إنْ كَانَ الثَّابِتُ مِنْهُ عُرُوقُ النَّخْلِ الَّتِي احْتَرَقَ سَقَطَ رُبْعُ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِ سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ إذَا كَانَ فِيهِ عُرُوقٌ فَاحْتَرَقَتْ ، فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي النَّخِيلِ خَاصَّةً ، فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ أَوَّلًا : عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ ، وَقِيمَةِ النَّخِيلِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ تُقْسَمُ حِصَّةُ النَّخِيلِ عَلَى قِيمَتِهَا ، وَقِيمَةِ الثَّابِتِ نِصْفٌ ، فَسَقَطَ بِاحْتِرَاقِ النَّخِيلِ الْمَوْجُودَةِ رُبْعُ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَتَيْنِ إذَا وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ ، وَإِذَا نَبَتَ النَّخِيلُ مِنْ الْأَرْضِ كَانَ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ دُونَ النَّخِيلِ فَبِاحْتِرَاقِ النَّخِيلِ سَقَطَ مَا كَانَ فِيهَا ، وَهُوَ نِصْفُ الدَّيْنِ ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي حِصَّةُ الْأَرْضِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا ، وَعَلَى النَّخِيلِ الثَّابِتِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ أَرْضًا لَيْسَ فِيهَا نَخْلٌ فَنَبَتَ فِيهَا نَخْلٌ ، وَقِيمَةُ الْأَرْضِ مِثْلُ الدَّيْنِ ، وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ فَمَا رَهَنَ بِالْمَالِ - وَإِنْ ذَهَبَ النَّخِيلُ - لَمْ يُسْقِطْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ ، وَلَمْ يَضُرَّ مَقْصُودُهُ بِالتَّنَاوُلِ حِينَ هَلَكَتْ قَبْلَ الْفِكَاكِ ، فَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهَا شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَالْوَلَدِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ أَرْضًا وَكَرْمًا وَقِيمَتَهُ ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ، ثُمَّ أَثْمَرَ ثَمَرًا كَثِيرًا ، يَكُونُ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، ثُمَّ ذَهَبَ الشَّجَرُ ، وَسَلِمَ الثَّمَرُ ، وَقِيمَةُ الشَّجَرِ ، وَالْأَرْضِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ ثُلُثُ الثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ الثِّمَارَ زِيَادَةٌ فِي الشَّجَرِ ، وَالْأَرْضِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ ، وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ فَانْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ ، فَيَذْهَبُ الشَّجَرُ بِثُلُثِ الدَّيْنِ ، فَإِنْ ذَهَبَ الثَّمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبَ أَيْضًا سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِذَهَابِ الثَّمَرِ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ ، وَفَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهَا شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؟ ، وَلَكِنَّ الثِّمَارَ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ ، فَتَبَيَّنَ : أَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ ، وَقِيمَةِ الْأَشْجَارِ نِصْفَيْنِ ، وَأَنَّهُ بِذَهَابِ الْأَشْجَارِ سَقَطَ نِصْفُهُ ، وَبَقِيَتْ الْأَرْضُ رَهْنًا بِنِصْفِ الدَّيْنِ .

وَإِذَا سَاقَ الْمُرْتَهِنُ دَابَّةَ الرَّهْنِ ، أَوْ قَادَهَا فَأَصَابَتْ إنْسَانًا بِيَدِهَا أَوْ وَطِئَتْهُ بِرِجْلِهَا فَهُوَ عَلَى الْقَائِدِ ، وَالسَّائِقِ ؛ لِأَنَّ الْقَائِدَ ، وَالسَّائِقَ مُتْلِفٌ بِطَرِيقِ السَّبَبِ ، فَيَكُونُ ضَامِنًا - مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ - وَلَا يَلْحَقُ الدَّابَّةَ ، وَلَا الرَّاهِنَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْإِتْلَافِ مِنْ الرَّاهِنِ ، وَكَوْنِ فِعْلِ الدَّابَّةِ هَدَرًا شَرْعًا .

وَإِذَا ارْتَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ، وَمِثْقَالَ ذَهَبٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةٍ ، فَهَلَكَ الذَّهَبُ ، وَلَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ ، أَوْ بَدَأَ بِالثَّوْبِ فَلَبِسَهُ قَبْلَ هَلَاكِ الذَّهَبِ فَقَدْ سَقَطَ ثُلُثَا الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الذَّهَبِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْقَسَمَ عَلَى قِيمَةِ الذَّهَبِ ، وَقِيمَةِ الثَّوْبِ ، وَحِصَّةُ الذَّهَبِ ثُلُثَا الْخَمْسَةِ ، فَذَهَبَ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الذَّهَبِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّهُ بِاللِّبْسِ - حَتَّى تَخَرَّقَ - صَارَ غَاصِبًا مُتْلِفًا ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ ، يَحْسِبُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الْخَمْسَةِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ ، وَيُؤَدِّي مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ عِمَامَةً تُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ ، وَدِرْهَمَ فِضَّةٍ بِدِرْهَمٍ ، فَهَلَكَتْ الْفِضَّةُ ، وَلَبِسَ الْعِمَامَةَ حَتَّى تَخَرَّقَتْ فَإِنَّ الْفِضَّةَ تَذْهَبُ بِثُلُثَيْ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الدَّيْنِ الثُّلُثَانِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعِمَامَةِ بِالْإِتْلَافِ يُحْسَبُ لَهُ مِنْهَا ثُلُثُ الدِّرْهَمِ : حِصَّةُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ ، وَيُؤَدِّي مَا بَقِيَ .
قَالَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يَقُولُ : هَذِهِ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ فِي الْوَضْعِ فَمِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : أَنَّهُ يَرْفَعُ - فِيمَا يُذْكَرُ مِنْهُ - قِيمَةَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يَذْكُرَ ثَوْبًا يُسَاوِي أَلْفًا ، وَجَارِيَةً تُسَاوِي عِشْرِينَ أَلْفًا ، وَهُنَا قَالَ : عِمَامَةٌ تُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِمَامَةُ خَيْشًا لَكَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، وَقَدْ كَانَ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : لَبِسَ الْعِمَامَةَ حَتَّى تَخَرَّقَتْ ، فَلَا تَأْوِيلَ لِهَذَا سِوَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا تَطْيِيبَ قُلُوبِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ؛ لَأَنْ يُثَابَ - بِمَا مِنْهُمْ يَكُونُ - خِلْقَةً فَيَعْمَلُونَ إذَا نَظَرُوا إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي النَّاسِ مَنْ يَكُونُ ثَوْبُهُ دُونَ ثِيَابِهِمْ ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ التَّسَلِّي لَهُمْ .

وَلَا يَجُوزُ ارْتِهَانُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ - إنْ كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا - لِأَنَّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْقَبْضِ ، كَمَا فِي الْغَصْبِ ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا ، ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الذِّمِّيِّ بِالْقَبْضِ كَمَا فِي حَالَ الْغَصْبِ ، وَالْإِتْلَافِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ : ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ عَشَرَةً ، أَوْ : قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً أَوْ : قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ، وَزْنِهِ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ، وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَهْلِكَ الْقُلْبُ ، أَوْ يَنْكَسِرَ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ ، فَإِنْ هَلَكَ الْقُلْبُ سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ فِي وَزْنِهِ ، وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ بِهَلَاكِهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) : يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ إنْ شَاءَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ خِلَاف جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّبَا ، وَيَكُونُ مَا ضَمِنَهُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَحِلّ أَجَلُ الدَّيْنِ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ ضَامِنٌ حَقَّهُ ، وَالْمَكْسُورُ مَمْلُوكٌ لَهُ بِالضَّمَانِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِبَعْضِ الدَّيْنِ ، وَرَوَى أَصْحَابُ ( الْإِمْلَاءِ ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) أَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِ اقْتِضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ شَيْئًا ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) أَنَّ حَالَةَ الِانْكِسَارِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَالْقُلْبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ دُونَ الْقِيمَةِ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ لِلضَّامِنِ ، وَضَمَانُ الدَّيْنِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ ، وَسَبَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّامِنَيْنِ الْقَبْضُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ضَمَانَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَا بُدَّ أَنْ

يَكُونَ الثَّابِتُ أَحَدَهُمَا وَبِالْإِجْمَاعِ فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ : الْقُلْبُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ هُنَا ، فَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ اسْتَوَى فِيهِ حَالَةُ الْهَلَاكِ ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ ، وَالْمَغْصُوبُ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ اسْتَوَى فِيهِ حَالَةُ الْهَلَاكِ ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ ، فَهَذِهِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا بَيْنَ الْوَزْنِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ ، وَالْمَالِيَّةُ فِي مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ يَكُون بِقَدْرِ الْوَزْنِ ، وَالْكَيْلِ فَأَمَّا عِنْدَ الِانْكِسَارِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ لِبَقَاءِ الْوَزْنِ ، وَلَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنَ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَجَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْهَلَاكِ فَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، كَمَا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ الْمَبِيعُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَيُؤَدِّيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ، وَيَجْعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) قَالَا : ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ ، وَمَالِيَّةُ الْقُلْبِ بِاعْتِبَارِ ، وَزْنِهِ ، وَالْوَزْنُ قَائِمٌ بَعْدَ الِانْكِسَارِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا رَضِيَ بِهِ الرَّاهِنُ أَوْ لَمْ يَرْضَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّاهِنِ الْمَكْسُورَ لِلْمُرْتَهِنِ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْتَلِكُ الْمَكْسُورَ ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ ضَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ إذَا لَمْ يَهْلَكْ الرَّهْنُ ، لَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمُرْتَهِنِ مُسْتَوْفِيًا قُلْنَا : الرَّاهِنُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ ، كَمَا قَبَضَ فَلَا

يَكُونُ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ ، فَالْقُلْبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ ، وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَكْسُورَ ، وَلَا يَبِيعُهُ بِشَيْءٍ ، وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ ، وَيَمْلِكَ الْمَكْسُورَ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّا لَا نُثْبِتُ ضَمَانَيْنِ بِاعْتِبَارِ قَبْضٍ وَاحِدٍ ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ قَبْضَيْنِ مَعْنَاهُ : أَحَدُهُمَا : قَبْضٌ بِرِضَا الْمَالِكِ ، وَالْآخَرُ : قَبْضٌ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَكَالْوَاحِدِ مِنْهُمَا يُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ أُخْرَى ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ يُوجِبُ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ مِنْ الْمَالِيَّةِ ، وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَلَمْ يَفُتْ شَيْءٌ بِالِانْكِسَارِ مِنْ الْوَزْنِ ، إنَّمَا فَاتَتْ الصِّفَةُ ، وَلَا قِيمَةَ لِلصِّفَةِ فِي مَالِ الرِّبَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَفَوَاتُهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ ، وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلرَّاهِنِ ، كَفَوَاتِ الزِّيَادَةِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِحُدُوثِهَا نُقْصَانٌ فِي الْأَصْلِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْقُلْبِ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا قَدْرَ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْعَشَرَةِ بِثَمَانِيَةٍ رِبًا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ دَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ ، وَكَمَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ حَقِّهِ فِي الْوَزْنِ يَجِبُ مُرَاعَاةُ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ ، أَلَا

تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ ، وَلَوْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِمَا هُوَ دُونَ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ مُسْتَوْفِيًا ، يُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْقَابِضِ إذَا هَلَكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ بِالْوَزْنِ ، وَفِي الْقُلْبِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ ، فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ فِي مَعْنَى : أَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ ، فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ ( الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) إذَا كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَشَرَةُ جِيَادٍ وَسَتُّوقٍ ، فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى كَانَ زُيُوفًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يَسْقُطُ حَقُّهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) نُضَمِّنُهُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ ، وَيَرْجِعُ بِحَقِّهِ .
ذِكْرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : عِيسَى ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ ، أَمَّا قَوْلُ الْآخَرِ فَكَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي ( كِتَابِ الرَّهْنِ ) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ فَإِنَّ الرَّهْنَ مَقْبُوضٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهُنَاكَ الْمُسْتَوْفَى إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِلْهَلَاكِ سَقَطَ حَقُّهُ ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَكَانِ الْجَوْدَةِ ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ - وَعِنْدَهُمَا - هُنَاكَ يَضْمَنُ مِثْلَ الْمُسْتَوْفِي ، وَمَقَامُ رَدِّ الْمِثْلِ مَقَامُ رَدِّ الْعَيْنِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْبِنَاءُ ، وَهُنَاكَ عِنْدَ الْقَبْضِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِصِفَةِ الْمُسْتَوْفَى سَقَطَ حَقُّهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَهُنَا عِنْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ هُوَ عَالِمٌ بِرَدَاءَةِ الْمَقْبُوضِ ؟

قُلْنَا : نَعَمْ وَلَكِنْ عِنْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَهْلَكُ فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهِ حَقَّهُ ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ هُنَا عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فَبِمُجَرَّدِ قَبْضِ الرَّهْنِ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عِنْدَ الْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقَّيْنِ ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ ، وَلَوْ انْكَسَرَ الْقُلْبُ هُنَا ضَمَّنَهُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) فَظَاهِرٌ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَالَةُ الِانْكِسَارِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَفِي حَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ : الْقُلْبُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الدَّيْنِ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ ، وَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ ، فَإِنَّهُ إنْ هَلَكَ الْقُلْبُ سَقَطَ الدَّيْنُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ فِي الْوَزْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ ، وَفِي الْقِيمَةِ كَذَلِكَ ، وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ عَلَى الدَّيْنِ كَزِيَادَةِ الْوَزْنِ فَيُلْغَى ؛ فَتَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَمَانَةً ، وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا كَمَالَ حَقِّهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ .
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ : أَنَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُضَمِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِجَمِيعِ الْقُلْبِ ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ : أَنَّ الْجَوْدَةَ لَا تُفْصَلُ عَنْ الْأَصْلِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ ، وَفِي هَذَا إبْطَالُ حَقِّ الرَّاهِنِ عَنْ الْجَوْدَةِ ، فَكَمَا يُرَاعَى حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ ، فَكَذَلِكَ يُرَاعَى حَقُّ الرَّاهِنِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِمَا يُسَاوِي عَشَرَةً مِنْ الْقُلْبِ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ ؛ لِأَنَّ وَزْنَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ ، وَاسْتِيفَاءُ الْعَشَرَةِ بِثَمَانِيَةٍ وَثُلُثٍ

يَكُونُ رِبًا ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الِاسْتِيفَاءُ قُلْنَا : يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَيَكُونُ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ زِيَادَةَ الْجَوْدَةِ لَا تَكُونُ أَعْلَى مِنْ زِيَادَةِ الْوَزْنِ ، وَالْمُرْتَهِنُ آمِنٌ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ ، فَهَلَاكُهَا فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ الرَّاهِنِ .
وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقُلْبِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوَزْنُ ، وَالصِّيغَةُ تَبَعٌ لِلْوَزْنِ ، وَلَيْسَ لِلْوَزْنِ هُنَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ ، فَكَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ ، كَثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ الْأَصْلِ كُلِّهِ مَضْمُونًا ، أَنْ تَكُونَ الْجَوْدَةُ كُلُّهَا مَضْمُونَةً ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ ، فَيَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) مِثْلَ هَذِهِ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ ، وَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ بِالضَّمَانِ ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الشُّيُوعِ فِي الرَّهْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا : أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارَنِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الضَّمَانَ ، وَالْأَمَانَ تَبَعٌ فِي الْوَزْنِ ، وَالْجَوْدَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ ، وَالصَّنْعَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ مَعَ الْأَصْلِ ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْقُلْبِ فِي الْقُلْبِ الْمُوصَى بِهِ ، وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ قُلْبَ الْيَتِيمِ بِمِثْلِ ، وَزْنِهِ لَا يَجُوزُ ، وَيُجْعَلُ مُحَابَاتُهُ بِالْجَوْدَةِ ، وَالصَّنْعَةِ كَمُحَابَاتِهِ بِالْوَزْنِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ الصَّنْعَةِ ، وَالْجَوْدَةِ يَصِيرُ الْغَاصِبُ ضَامِنًا ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا قُلْنَا : خَمْسَةُ

أَسْدَاسِ الْقُلْبِ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِجُودَتِهِ وَصَنْعَتِهِ ، وَسُدُسُهُ أَمَانَةٌ فَالتَّغَيُّرُ بِالِانْكِسَارِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ مُعْتَبَرٌ ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِهَذِهِ .
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ اُنْتُقِصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لَجُبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَزْنِ ، وَالْأَمَانَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجَوْدَةَ ، وَالصَّنْعَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ ، وَأَنَّ الْأَمَانَةَ فِي الْمَرْهُونِ كَذَلِكَ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ ، وَالتَّبَعُ بِمُقَابَلَةِ التَّبَعِ ، وَهَذِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَرَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ : أَنَّهَا مَالٌ تَبَعًا لِلْأَصْلِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمَالِيَّةِ ، وَالتَّقَوُّمِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ ، كَمَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ فِيمَا هُوَ أَمَانَةٌ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَإِذَا كَانَتْ الْأَمَانَةُ هُنَا فِي الصَّنْعَةِ ، وَالْجَوْدَةِ قُلْنَا : إذَا لَمْ تُنْقَصْ بِالِانْكِسَارِ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ ، فَالثَّابِتُ مَا كَانَ أَمَانَةً فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ ، وَإِنْ اُنْتُقِصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْمَضْمُونِ ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ : عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِانْكِسَارِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، وَيَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَسِوَى هَذَا فَصْلَانِ آخَرَانِ ، يَنْقَسِمُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ .
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا أَنْشَأَهُ مِنْ ( شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ) ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا .

وَلَوْ ارْتَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَانْكَسَرَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنُهُ بِعُشْرِ قِيمَتِهِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ ، كَمَا قَالَ : فِي الْكِتَابِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِعُشْرٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ، فَالْقِيمَةُ مِثْلُ الْوَزْنِ ، وَقِيلَ يُؤَوَّلُ مَا ذُكِرَ : أَنَّ قِيمَتَهُ بِدُونِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْوَزْنِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالضَّمَانِ عُشْرَ الْمَكْسُورِ ، فَيَضْمَنُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا ، وَإِذَا مَلَكَ عُشْرَ الْإِبْرِيقِ ، فَالضَّمَانُ بِمَعْنَى ذَلِكَ الْقَدْرِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْبَيْعِ ، وَيَكُونُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ مَعَ الذَّهَبِ الَّذِي عَزَلَهُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي نُسَخِ ابْنِ حَفْصٍ : أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ : فَالرَّاهِنُ يَجْعَلُ عُشْرَ الْمَكْسُورِ لِلْمُرْتَهِنِ بِعَيْنِهِ ، وَيَرُدُّ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَلَوْ هَلَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِعُشْرِ الْإِبْرِيقِ ، وَهَذَا مِثْلُهُ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِرْهَمٍ ، فَكَسَرَ رَجُلٌ الْقُلْبَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ ، وَكَانَ رَهْنًا ، وَالْقُلْبُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ فَاتَ إلَى بَدَلٍ ، فَيَقُومُ الْبَدَلُ مَقَامَ الْأَصْلِ ، وَيَبْقَى - بِاعْتِبَارِهِ - جَمِيعُ الدَّيْنِ فَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْقُلْبَ ، وَرَضِيَا أَنْ يَكُونَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ ، وَهُوَ مَكْسُورٌ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ الْفَائِتَ بِالْكَسْرِ الصَّنْعَةُ ، وَهِيَ لَا تَتَقَوَّمُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ ، وَكَمَا لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْكَاسِرِ ؛ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الرَّاهِنِ بِهِ حِينَ الِانْكِسَارِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ( فِي الْكِتَابِ ) ذُكِرَا بِأَيِّهِمَا جَمِيعًا ، وَالْمُعْتَبَرُ إبَاءُ الرَّاهِنِ خَاصَّةً .

وَلَوْ ارْتَهَنَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِيضًا صَرْفًا بِعَشَرَةٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِالسُّودِ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ بِالرَّهْنِ ، إذْ فِي الْوَزْنِ ، وَالْجَوْدَةِ ، وَفَاءٌ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَزِيَادَةٌ فَيُجْعَلُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ ، وَالزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ جَيِّدَةٍ بَيْضَاءَ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ سَوْدَاءَ فَهَلَكَتْ ، فَالْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفٍ لِجَمِيعِ دَيْنِهِ بِالْهَلَاكِ ، وَلَوْ انْكَسَرَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الرَّاهِنِ ، وَكَانَ رَهْنًا ، فَالدَّيْنُ ، وَالْقُلْبُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّ الْمَكْسُورَ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ مِنْ الْقُلْبِ ذَهَبًا بِقَدْرِ قِيمَةِ فِضَّةِ الْمُرْتَهِنِ السَّوْدَاءِ ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقُلْبِ لِلرَّاهِنِ ، يُقْسَمُ ذَلِكَ فَيُجْمَعُ مَعَ الذَّهَبِ الَّذِي ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ ، فَيَكُونُ رَهْنًا ، وَهَذِهِ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ إذَا انْكَسَرَ الْقُلْبُ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ ، فَانْكَسَرَ وَقِيمَتُهُ ، وَالدِّينَارُ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُقَوِّمُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ ، فَيَكُونُ رَهْنًا بِالدِّينَارِ ، وَالْقُلْبُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي وَزْنِ الْقُلْبِ فَضْلٌ عَلَى مَالِيَّةِ الدَّيْنِ ، وَحَالَةُ الِانْكِسَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) حَالُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ ، فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا ، وَلَوْ هَلَكَ هُوَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِالْعَشَرَةِ فَفِي مَالِيَّتِهِ ، وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ ، فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي حَالِ الِانْكِسَارِ أَخَصَّ الرَّاهِنَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا ، وَأَعْطَاهُ الدِّينَارَ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْفِضَّةَ لَهُ بِالدِّينَارِ اعْتِبَارًا بِهَذَا الْحَالِ بِحَالِ الْهَلَاكِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ ، سَلَمٌ أَوْ قَرْضٌ ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ فِيمَا فِيهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ مَعْنَاهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : يَكُونُ ضَامِنًا جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنُ دِرْهَمٍ ، وَفِيهِ فَصٌّ يُسَاوِي تِسْعَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِيمَا بَقِيَ وَفَاءً بِالدَّيْنِ ، وَلَوْ ارْتَهَنَ سَيْفًا مُحَلَّى قِيمَةُ السَّيْفِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَنَصْلُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَلَكَتْ فَهُوَ كَالْخَاتَمِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ الْفَصُّ ، وَالْحِلْيَةُ بَطَلَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ نُقْصَانِ النَّصْلِ ؛ لِأَنَّ النَّصْلَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَالنُّقْصَانُ فِي عَيْنِهِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ .
وَأَمَّا الْفِضَّةُ ، فَمِنْ مَالِ الرِّبَا ، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلْبِ عِنْدَ الِانْكِسَارِ ، وَفِي الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) .

وَلَوْ ارْتَهَنَ كُرَّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِكُرٍّ رَدِيءٍ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يُفْسِدُهُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ كُرٌّ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْحِنْطَةِ كَالِانْكِسَارِ فِي الْقُلْبِ ، إلَّا أَنَّ الْحِنْطَةَ مَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ ، وَالْقُلْبُ بِالْقِيمَةِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مَعِيبًا ، وَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْفَسَادِ بِحَالِ الْهَلَاكِ ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ كُرًّا رَدِيئًا ، وَالدَّيْنُ كُرًّا جَيِّدًا فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ فِي الْقَدْرِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ ، وَالْمُعْتَبَرُ : الْقَدْرُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا جَمِيعًا ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ مِنْ رَهْنِ الْقُلْبِ الرَّدِيءِ ، وَالْعَشَرَةِ السُّودِ بِالْعَشَرَةِ الْبِيضِ .

وَلَوْ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ : إنْ جِئْتُكَ بِالْعَشَرَةِ إلَى شَهْرٍ ، وَإِلَّا ، فَهُوَ بَيْعٌ لَكَ بِالْعَشَرَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا ، وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ هَذَا ، فَفِي الْقَلْبِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَدْخُلُهُ مَعْنَى الصَّرْفِ هُنَا .

وَإِذَا أَعْطَى رَجُلٌ رَجُلًا قُلْبَ فِضَّةٍ ، فَقَالَ : ارْهَنْهُ لِي عِنْدَ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْقُلْبِ عِشْرُونَ - فَأَمْسَكَهُ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ ، وَأَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ : رَهَنْتُهُ لَكَ كَمَا أَمَرْتَنِي ، وَلَمْ يَقُلْ رَهَنْتُهُ عِنْدَ أَحَدٍ فَهَلَكَ الْقُلْبُ عِنْدَهُ فَإِنْ تَصَادَقَا بِاَلَّذِي كَانَ رَجَعَ بِالْعَشَرَةِ وَكَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الْقُلْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ ، فَإِنْ قَبَضَهُ ، فَفَضَلَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً ، وَهُوَ كَفِيلٌ عَلَى حِفْظِهِ إلَى أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ أَمَانَةً ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ ، وَلَا يَكُونُ هُوَ بِمَا صَنَعَ عَاقِدًا عَقْدَ الرَّهْنِ فِي الْقُلْبِ مَعَ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ رَهْنًا لَا رَاهِنًا ، فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِ الْقُلْبِ وَإِنْ تَجَاحَدَا ، فَقَالَ : الْآمِرُ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي أَنَّكَ رَهَنْتَهُ ، فَلَا شَيْءَ لَكَ عَلَيَّ ، فَهُوَ ، كَمَا قَالَ : لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِالرَّهْنِ ، وَمِنْ حُكْمِهِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْقُلْبِ شَيْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الْقُلْبِ ، وَالْمُقِرُّ بِوَاحِدٍ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْقُلْبِ بِاَللَّهِ : مَا يَعْلَمُهُ أَمْسَكَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ لَرَهَنَهُ إذًا بِعَشَرَةٍ فَيَحْلِفُ عِنْدَ التَّكْذِيبِ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ : الِاسْتِحْلَافُ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ، وَلَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمُقِرِّ لِلتَّنَاقُضِ ، فَكَيْفَ يَحْلِفُ الْخَصْمُ ؟ قُلْنَا : مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَالَ : رَهَنْتُهُ ، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ أَحَدٍ ، فَكَانَ تَوْفِيقُهُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ صَحِيحًا أَنِّي رَهَنْتُهُ عِنْدَ نَفْسِي ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ ، وَإِذَا تَقَدَّمَ التَّنَاقُضُ ، بِهَذَا التَّوْقِيفِ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْخَصْمِ ، وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ : قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّكَ رَهَنْتَهُ ثُمَّ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَنْتِ ضَامِنٌ لِلْقُلْبِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ

قِيمَةَ الْقُلْبِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ ، وَيَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ قَالَ : عِيسَى هَذَا غَلَطٌ ، وَلَا مَعْنًى لِإِيجَابِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَهَنَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ أَيْضًا ، وَلَيْسَ هُنَا حَالَةٌ ثَالِثَةٌ ، فَبِأَيِّ طَرِيقٍ يَكُونُ الْوَكِيلُ ضَامِنًا ؟ لِلْقِيمَةِ ، وَهَذَا نَظِيرُ الظَّنِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ( كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ) إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ الْهَلَاكَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ : أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ قَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ ، وَمَعَ التَّنَاقُضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، فَكَأَنَّهُ سَاكِتٌ حَابِسٌ لِلْقُلْبِ ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : رَهَنْتُهُ أَوْجَبَ هَذَا الْكَلَامَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَيُجْعَلُ جَاحِدًا الْأَمَانَةَ ، بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَمَنْ نَكَلَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ قِيمَتَهُ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ طَوْقَ ذَهَبٍ فِيهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِثْقَالًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ ، وَالْأَلْفُ عِنْدَ الرَّاهِنِ يَتَّجِرُ فِيهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الرَّاهِنِ فِي رَهْنِهِ ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ ، فَإِذَا قَبَضَ الْمَالَ ، وَرَدَّ الرَّهْنَ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ زَكَاةُ الْأَلْفِ لِمَا مَضَى لِوُصُولِ يَدِهِ إلَيْهَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي ( كِتَابِ الزَّكَاةِ ) : أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَعَلَى الرَّاهِنِ زَكَاةُ الطَّوْقِ لِمَا مَضَى ؛ لِأَنَّهُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ مَحْبُوسَةً عِنْدَ الْحَقِّ الْمُرْتَهَنِ فَإِذَا ، وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ أَدَّى الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْأَلْفِ زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا ، وَالْمُسْتَغْرَقُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ .

وَإِذَا ارْتَهَنَ كُرَّيْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ بِكُرِّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، فَهَلَكَا عِنْدَهُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ فَفَسَدَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُرًّا مِثْلَ أَحَدِهِمَا ، وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْكُرَّيْنِ جَمِيعًا ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْفَسَادِ لَيْسَتْ بِحَالِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ، وَالْمَضْمُونُ مِنْهُ الْمَقْبُوضُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّيْنِ كَيْلًا ، فَعِنْدَ الْفَسَادِ يَضْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَيَمْكُثُ الْفَاسِدُ بِالضَّمَانِ مِثْلَ مَا ضَمِنَ ، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُمَا فِي هَذَا الْفَصْلِ ، وَيَنْبَنِي عَلَى قَوْلِهِمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَالْفَسَادِ : أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا مِثْلَ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْكُرَّيْنِ لِمَعْنَى الرِّبَا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِأَحَدِ الْكُرَّيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْجَوْدَةِ .

وَإِنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ بِشَيْئَيْنِ مِمَّا يُكَالُ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ بِشَيْئَيْنِ مِمَّا يُوزَنُ ، وَفِيهِ وَفَاءٌ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الرِّبَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَفِي مَالِيَّةِ الرَّهْنِ ، وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ أَفْسَدَهُ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) .
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فُلُوسًا تُسَاوِيهَا فَهَلَكَتْ فَهِيَ بِمَا فِيهَا ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ دُفِعَتْ فِيهِ ، دَيْنُهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ لَا تَكُونُ مَوْزُونَةً ، فَإِنَّمَا رَهَنَهَا ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالِ الرِّبَا فَبِالنُّقْصَانِ فِي عَيْنِهَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنْ تُقَوَّمَ مَكْسُورَةً ، وَغَيْرَ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ فَلْسٍ بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا جَائِزٌ عِنْدَهُمَا ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفُلُوسَ مَالُ الرِّبَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ ، وَلَا يُقَابِلُ أَحَدُ الْفَلْسَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا ، وَغَيْرِهَا ، وَلَوْ لَمْ تَنْكَسِرْ ، وَلَكِنَّهَا كُسِرَتْ فَهِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا ، فَإِنْ هَلَكَتْ ذَهَبَتْ بِالْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا بِمَنْزِلَةِ تَغَيُّرِ السِّعْرِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا : أَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ فِي الْمَرْهُونِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي سُقُوطِ الدَّيْنِ ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ بِالْقَبْضِ كَضَمَانِ الْغَصْبِ ، وَلَوْ رَدَّ الْفُلُوسَ الْمَغْصُوبَةَ بِعَيْنِهَا بَعْدَ مَا كَسَدَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَجَعَلَ الْكَسَادَ بِمَنْزِلَةِ تَغَيُّرِ السِّعْرِ هُنَاكَ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ .

وَلَوْ ارْتَهَنَ طَسْتًا أَوْ تَوْرًا أَوْ كُوزًا بِدِرْهَمٍ ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَفِي الرَّهْنِ وَفَاءً ، وَفَضْلٌ ، فَإِنْ هَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَمَا كَانَ فِيهِ لَا يُوزَنُ ، ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ النُّقْصَانِ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ يُوزَنُ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَخَذَهُ ، وَأَعْطَاهُ الدَّيْنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ ، وَكَانَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَأَخَذَ الرَّاهِنُ الْقِيمَةَ ، وَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : الْحَاكِمُ ، وَرَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَكَانَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى رِوَايَةٍ سِوَى مَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ مِنْ قِيمَتِهِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ نَصْلُ السَّيْفِ ، وَالشَّيْءُ مِنْ الْحَدِيدِ ، وَالصُّفْرُ يَكُونُ مَصُوغًا لَا يُبَاعُ ، وَزْنًا بِوَزْنٍ ، كَمَا يَتَبَادَرُ ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يُبَاعُ وَزْنًا لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِهِ شَيْءٌ ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ هُوَ ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مَصُوغًا ، وَكَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُنَا ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ إنْ كَانَ هُوَ ، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ، وَلَا إشْكَال فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .

وَإِذَا ارْتَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ قُلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ دِرْهَمًا ، فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ يُعْطِيهِ إيَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ الْمَوْعُودَ مِنْهُ الدَّيْنُ ، كَالْمُسْتَحَقِّ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا ، وَلَمْ يُسَمِّهِ فَهَلَكَ فَقَدْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ذَلِكَ الشَّيْءَ ، وَبَيَانُهُ إلَيْهِ فَيُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ : أَعْطِهِ مَا يَثْبُتُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِنَفَقَةٍ يُعْطِيهَا إيَّاهُ وَإِنْ قَالَ : أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِدَرَاهِمَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ ، وَهُوَ وَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَرَاهِمَ سَوَاءٌ ، وَلَوْ قَالَ : آخُذُهُ رَهْنًا بِمَخْتُومِ حِنْطَةٍ أَوْ مَخْتُومِ شَعِيرٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَخْتُومُ شَعِيرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَوَّلِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ : خُذْهُ رَهْنًا بِدَيْنٍ أَرَادَ بِدِرْهَمٍ .

وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ دِرْهَمٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ ، فَأَعْطَاهُ شَعِيرًا بِفَلْسٍ فَغَلَتْ الْفُلُوسُ فَصَارَتْ ثُلُثَيْنِ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ هَلَكَ الْخَاتَمُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا نَظِيرُ الشَّعِيرِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ ، وَعِنْدَ الْهَلَاكِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَقْتَ الْقَبْضِ ، وَفِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا جَمِيعَ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَدَتْ ، وَلَمْ يَبْقَ أَوْ رَخُصَتْ فَصَارَتْ تِسْعِينَ بِدَانَقٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا تِسْعُونَ فَلْسًا ، وَإِنْ هَلَكَ الْخَاتَمُ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَ حَقَّهُ ، وَدَفَعَ بِهِ الْخَاتَمَ مَكْسُورًا ، وَإِنْ طَلَبَ حَقَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ الْخَاتَمِ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ ، وَأَخَذَ نِصْفَ الْفِضَّةَ ، وَكَانَ الذَّهَبُ وَنِصْفُ الْفِضَّةِ الْبَاقِي رَهْنًا بِتِسْعِينَ فَلْسًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْخَاتَمِ أَمَانَةٌ ، وَنِصْفَهُ مَضْمُونٌ ، فَإِنَّ الْفِضَّةَ وَزْنُ دِرْهَمٍ ، وَإِنَّمَا رَهَنَهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ نِصْفَ الْخَاتَمِ مَضْمُونٌ ، وَنِصْفَهُ أَمَانَةٌ ، فَعِنْدَ الِانْكِسَارِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْ الْخَاتَمِ مِنْ الذَّهَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ : الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ فَاسِدًا ، وَأَدَّى الدَّيْنَ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْمَضْمُونَ مِنْهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَأَخَذَ الْبَاقِي مِنْهُ ، وَيَبْطُلُ قَدْرُ الدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالِ الْهَلَاكِ بِحَالِ الِانْكِسَارِ .
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي ( الْمُخْتَصَرِ ) فِي بَيَانِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : وَإِنْ انْكَسَرَ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَأَخَذَ الْخَاتَمَ مَكْسُورًا ، وَهَذَا إنْ صَحَّ ، فَمُرَادُهُ : أَنَّهُ يُؤْخَذُ مَكْسُورًا بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّسْتِ ،

وَالتَّوْرِ ؛ لِأَنَّ مَصُوغَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَالِ الرِّبَا ، فَإِنَّهُ لَا يُوزَنُ ، فَأَمَّا الْمَصُوغُ مِنْ الْفِضَّةِ ، فَمَالُ الرِّبَا ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ عَادَةً أَوْ لَا يُوزَنُ ، فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِالْكَسْرِ ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ إذَا أَرَادَ أَخْذَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.

قَالَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ، وَقَدْ قَبْضَهُ ، وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ ؛ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ بِمِائَةٍ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ ، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ الْمَالِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، فَالْمِائَةُ غَيْرُ الْمِائَتَيْنِ ، وَبِدُونِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ ، وَعِنْدَهُمَا يُثْبِتُ الْمِائَةَ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْمِائَتَيْنِ ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَيُقْضَى الرَّهْنُ بِالْمِائَةِ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ ، وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي مِائَةً وَخَمْسِينَ فَالرَّهْنُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمِائَةِ لَفْظًا ، وَمَعْنًى ، وَالْخَمْسُونَ عَطْفٌ عَلَى الْمِائَةِ فِي شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ مِائَةً بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِإِكْذَابِ الْمُدَّعِي أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَالثَّمَنُ هُنَاكَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ بِمِائَةٍ غَيْرُ الْعَقْدِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، فَلَا يُمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ ، وَبِدُونِ السَّبَبِ لَا يَجِبُ الْمَالُ ، وَهُنَا الدَّيْنُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ، وُجُوبُهُ بِالرَّهْنِ ، فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي مِقْدَارِهِ لَا يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِمَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ لَفْظًا وَمَعْنًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَعْنًى عِنْدَهُمَا ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِدَنَانِيرَ ، وَالْآخَرُ بِدَرَاهِمَ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً لِاخْتِلَافِهِمَا فِي جِنْسِ الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدَ الْمَالَيْنِ ، فَيَكُونُ مُكَذِّبًا شَاهِدَهُ الْآخَرَ .

وَلَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَهِيَ قِيمَتُهُ ، وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ ، وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى مِائَةٍ ، وَقَالَ : الْمُرْتَهِنُ لِي عَلَيْهِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ ، وَهَذَا رَهْنٌ بِمِائَةٍ مِنْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا ثَبَتَ مِنْ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَبْضِ الرَّهْنِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِيمَا اسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ ، فَالرَّاهِنُ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي ذَلِكَ ، وَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ رَهْنَ الْعَيْنِ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الرَّهْنَ بِبَعْضِ الْمَالِ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا ، وَإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ فِيمَا ثَبَتَتْ فِيهِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ .

وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ فَحَاصِلُ اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ مَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا ، فَالرَّاهِنُ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ ، وَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ بِهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا ثَوْبَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَلَاكِ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَا صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِ الثَّوْبِ الَّذِي هَلَكَ عِنْدَهُ .

وَإِذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثَمَنَ مَتَاعٍ بَاعَهُ إيَّاهُ فَيَقْبِضُ الْمَتَاعَ إلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الرَّهْنَ ، وَجَحَدَ الرَّاهِنُ ، فَأَقَامَ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَأَبَى الْآخَرُ مِنْ دَفْعِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ، وَلَوْ عَايَنَا الْبَيْعَ بِشَرْطِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَلَا يَكُونُ مَرْهُونًا غَيْرَ مَقْبُوضٍ ، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مَتَاعَهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ الْعَبْدَ رَهْنًا أَوْ يُعْطِيَهُ مَكَانَهُ رَهْنًا آخَرَ بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ حِينَ لَمْ يُعْطِهِ ذَلِكَ الْعَبْدَ رَهْنًا ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَإِمْضَائِهِ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ الْعَبْدَ رَهْنًا فَحِينَئِذٍ قَدْ وَفَّى لَهُ بِالشُّرُوطِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَكَانَهُ رَهْنًا آخَرَ يَحْتَاجُ إلَى رِضَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَالثَّانِي لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ إلَّا بِرِضَاهُمَا .
وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ الرَّاهِنُ ، وَلَكِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَحَقَّ أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ يَنْقُصُهُ فَلِبَائِعِ الْمَتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ رَهْنًا آخَرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قِيمَةَ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ أَوْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِ عَيْنِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ فَكَانَ مَنْعُ الرَّاهِنِ الْقِيمَةَ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ كَمَنْعِ الْعَيْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ فَلِأَجْلِهِ تَخَيَّرَ الْبَائِعُ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ أَخَذَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ حَالًّا أَوْ يُعْطِيهِ قِيمَةَ الرَّهْنِ : دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مَكَانَهُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ حِينَ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي ، وَالثَّمَنُ حَالٌّ فَيُطَالِبُهُ بِالثَّمَنِ حَالًّا أَوْ يُعْطِيهِ قِيمَةَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ

خَلْفٌ عَنْ الْعَيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ عَيْنًا آخَرَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى رِضَا الْبَائِعِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ مَا هَلَكَ إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَيْنًا أُخْرَى يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الثَّانِيَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْأَوْلَى إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْقِيمَةَ فَالْقِيمَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَيْنِ ، فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى رِضَا الْبَائِعِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ مَا هَلَكَ إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَيْنًا أُخْرَى يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، وَإِذَا أَعْطَاهُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ ، وَيَطْلُبَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ .

وَإِذَا ادَّعَى الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِذِي الْيَدِ قَدْ بِعْتَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضْتُ مِنْكَ ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَفِي الْقِيَاسِ : لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ إنَّمَا يَقْضِي لِكُلِّ ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالرَّهْنِ بِنِصْفٍ ، وَذَلِكَ يَنْعَقِدُ لِمَكَانِ الشُّيُوعِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْسَانَ هُنَا إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا عَلَى مَا بَيَّنَهُ ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ ثَبَتَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ رَهْنٌ لِأَوَّلِهِمَا ، وَقْتًا ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّهُ بِعَقْدٍ تَامٍّ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ ، وَبِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي بَعْدَهُ مَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْأَوَّلِ بِانْفِكَاكٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ عَقْدِهِ ، وَلِأَنَّ الْآخَرَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِي بَيِّنَتِهِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ ذِي الْيَدِ سَابِقًا .
وَذُو الْيَدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ الْيَدِ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ فَكَانَ ذُو الْيَدِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَحِينَئِذٍ شُهُودُهُ صَرَّحُوا بِسَبْقِ تَارِيخِ عَقْدِهِ ، وَبِمَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ لَهُ عَلَى ذِي الْيَدِ ، وَالتَّارِيخُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ يَتَرَجَّحُ عَلَى التَّارِيخِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُمَا جَمِيعًا فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقِيَاسِ وَبِهِ يَأْخُذُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا بِنِصْفِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ ، وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ ، وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِي

الْبَيْعِ عِنْدَ التَّعَارُضِ يُعْمَلُ بِالْبَيْعَيْنِ جَمِيعًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ رَهْنٌ مِنْهُمَا جَمِيعًا ، وَرَهْنُ الْعَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَحِيحٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ عِنْدَ التَّعَارُضِ ، وَالتَّسَاوِي إنَّمَا يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا لِأَجْلِ الشُّيُوعِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا : أَنَّ الْعَيْنَ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤُ ، وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فَهَذَا مِثْلُهُ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ هُنَا ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ أَضْعَفُ ، وَوَجْهَ الْقِيَاسِ أَقْوَى ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي جَمِيعِ الرَّهْنِ حَتَّى إذَا قَبَضَ جَمِيعَ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْ دَيْنَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثُبُوتِ حَقِّ صَاحِبِهِ فِي الْحَبْسِ مَعَهُ ، وَهُنَا لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ رَاهِنٍ بِحَقِّ صَاحِبِهِ ، وَلِأَنَّ هُنَاكَ الْعَقْدُ فِي جَانِبِ الرَّاهِنِ وَاحِدٌ ، وَهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ عَقْدًا آخَرَ .

وَالرَّهْنُ مِنْ رَجُلَيْنِ بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ بَيِّنَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : رَهَنْتُ هَذِهِ الْعَيْنَ مِنْكُمَا بِأَلْفٍ نِصْفُهُ مِنْكَ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَنِصْفُهُ مِنْكَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَدْ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقِيَاسَ ، وَالِاسْتِحْسَانَ مِنْهُمَا ، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) فَقَالُوا : هُنَاكَ لَا يَقْضِي قِيَاسًا ، وَاسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى لَمْ يَتَمَكَّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ قَبْضِ النِّصْفِ ، وَقَبْضُ النِّصْفِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مُشَاعًا لَا يَجُوزُ ، وَهُنَا الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَهْنِ الْعَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَالرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ حَقِّهِ يُبَاعُ لَهُ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالتَّخْصِيصِ ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي التَّرِكَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ ) اسْتِحْسَانًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الرَّهْنُ بَاطِلٌ وَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالتَّخْصِيصِ فَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ ، وَسَوَّى بَيْنَ مَا بَعْدَ وَفَاةِ الرَّاهِنِ ، وَحَالِ حَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْقَاضِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالرَّهْنِ إلَّا فِي النِّصْفِ ، وَالشُّيُوعُ لَمَّا كَانَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَهُمَا فَرَّقَا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَقْصُودَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ إثْبَاتُ الِاخْتِصَاصِ دُونَ الْجِنْسِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ

لِنَفْسِهِ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ حَتَّى يُبَاعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ ، وَهَذَا مِمَّا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مِيرَاثِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أُخْتَانِ نِكَاحَ رَجُلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْمِيرَاثِ ، وَبِنِصْفِ مِيرَاثٍ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ وَلِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ دَوَامِ الْيَدِ ، وَالْيَدُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّاهِنِ مُسْتَدَامَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَتَمَكُّنُ الشُّيُوعِ يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ فَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُسْتَدَامُ حَبْسُ الرَّهْنِ ، وَلَكِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ، وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيْعِ النِّصْفِ فِي دَيْنِهِ ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِرَاهِنِهِ أَوَّلًا ، وَذُو الْيَدِ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّهُ مُرْتَهِنٌ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ لِلرَّاهِنِ الْخَارِجِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ دَيْنُهُ ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ لَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الدَّيْنِ أَوَّلًا عَلَى رَاهِنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّهُ فَيَسْتَحِقَّ الْعَيْنَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَذُو الْيَدِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ رَهْنِ الْخَارِجِ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وَقَّتَ الْمُرْتَهِنُ الْخَارِجَ أَوَّلًا لِهَذَيْنِ الْعَيْنَيْنِ أَنَّهُ مَا لَمْ يُثْبِتْ مِلْكَ رَاهِنِهِ ، وَدِينُهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمَا ثَبَتَ حَقُّهُ ، وَإِنْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقُّوا بَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ

قَوْلَهُ فِي بَيَانِ حَقِّهِ ، وَهُوَ لِذِي يَدِهِ وَفِي الْبَيْعِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ خَصْمٌ عَنْ بَائِعِهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فَكَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ حَضَرَا أَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَأَحَدُهُمَا خَارِجٌ ، وَالْآخَرُ ذُو الْيَدِ ، وَفِي هَذَا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَتَاعُ فُلَانٍ الْآخَرِ ، وَأَنَّهُ ارْتَهَنَهُ مِنْهُ بِكَذَا ، وَقَبَضَهُ فَهُوَ أَيْضًا رَهْنٌ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْآخَرِ بَيِّنَةٌ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى غَائِبٍ لَيْسَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ ، وَقِيلَ : مَعْنَى هَذِهِ قَضَى عَلَى رَاهِنِ ذِي الْيَدِ بِالْمِلْكِ ، وَهُوَ غَائِبٌ ، وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنِيَّيْنِ صَحِيحٌ ، يَقُولُ : فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ شَاهِدًا يَعْنِي رَاهِنَ الْخَارِجِ ، وَصَاحِبُ الْآخَرِ غَائِبًا لَمْ أَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ رَاهِنُ هَذَا ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ مُرْتَهِنٌ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا لِرَاهِنِ الْخَارِجِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ رَاهِنُ ذِي الْيَدِ فَإِذَا حَضَرَ قَضَيْتُ بِهِ لِلْمُدَّعِي الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ ، وَجَعَلْتُهُ رَهْنًا لَهُ ، وَلَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْأَوَّلِ ، وَالْآخَرِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ حُضُورِهِمَا الدَّعْوَى دَعْوَى الْمِلْكِ ، وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَنْهُ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ ، وَبِالتَّارِيخِ فِي الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ فَلِهَذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96