كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
كَانَ فِي عَقْدَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا الْعُرْفِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مُحَمَّدٌ يُوجَدُ فِي الْعَقْدَيْنِ أَيْضًا فَقَدْ يُسَامِحُ الْإِنْسَانُ لِمَنْ يُعَامِلُهُ فِي ثَمَنٍ جَيِّدٍ مِنْ التَّرْوِيجِ عَلَيْهِ رَدِيئًا بَعْدَهُ بِثَمَنٍ مِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ، ثُمَّ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ ، فَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْعَادَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا بَعْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُعْتَبَرُ بِالْعَادَةِ
قَالَ ، وَإِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ تَمْلِيكٌ بِثَمَنِ مَا مُلِّكَ بِهِ مِنْ رِبْحٍ ضَمَّهُ إلَيْهِ فِي بَيْعِهِ ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فِي جِنْسِهِ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَطْرَحَ رِبْحَهُ الْأَوَّلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - : يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ رِبْحٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا أَوْ وَصِيَّةً فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ كَذَا هَذَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكُ غَيْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ مُتَجَدِّدًا فَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ كَذَلِكَ وَاخْتِلَافُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَيْنٌ آخَرُ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَاسَ بِمَا لَوْ اسْتَفَادَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةً مِنْ الْعَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَفَادَ رِبْحًا قَبْلَ الشِّرَاءِ الثَّانِي وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : مَا اسْتَفَادَ مِنْ الرِّبْحِ إنَّمَا يُؤَكِّدُ حَقَّهُ فِيهِ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ قَبْلَ شِرَائِهِ كَانَ حَقُّهُ فِيهِ يَعْرِضُ السُّقُوطَ بِأَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَالْمُؤَكَّدُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَالْمُوجِبِ فَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَبِهِ فَارَقَ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الْعَيْنِ فَتَأَكَّدَ حَقُّهُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَلِأَنَّ مَبْنَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى ضَمِّ الْمَعْقُودِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا أَنْفَقَ فِي الْقِصَارَةِ وَالْقَتْلِ وَالْخِيَاطَةِ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ يَضُمُّ بَعْضَ الْعُقُودِ إلَى بَعْضٍ فِيمَا يُوجِبُ
زِيَادَةَ الثَّمَنِ فَلَأَنْ يَضُمَّ الْمَعْقُودَ إلَى بَعْضٍ فَيَنْظُرُ إلَى حَاصِلِ مَا غَرِمَ فِيهِ فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ وَيَبِيعُ مُرَابَحَةً فِيمَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْلَى فَإِنَّ هَذَا إلَى الِاحْتِيَاطِ أَقْرَبُ وَلَكِنْ ضَمُّ الْعُقُودِ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِهَا فَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَلَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ بِخَيَّاطٍ حَتَّى خَاطَهُ لَمْ يُلْحِقْ بِسَبَبِهِ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً لَا يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَبَرُّعٌ وَالْآخَرُ تِجَارَةٌ ، فَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعُقُودِ يَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فَيَنْظُرُ إلَى حَاصِلِ مَا عَزَمَ فِيهِ فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ ، وَيَبِيعُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا بَقِيَ إنْ شَاءَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ غَرِمَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي دَفْعَتَيْنِ وَعَادَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ
قَالَ : وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ مِثْلَ مَا غَرِمَ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ لِيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَوْ بِدَابَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا عَادَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا غَرِمَ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ وَإِذَا كَانَ مَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ عَيْنِ جِنْسِ مَا غَرِمَ فِيهِ لَا يَظْهَرُ رِبْحُهُ فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الثَّانِي
وَإِذَا اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَاشْتَرَى آخَرَ نِصْفَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَاهُ مُرَابَحَةً أَوْ وَضِيعَةً أَوْ تَوْلِيَةً فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً فَإِنَّ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُشْتَرَى وَالْمَوْهُوبِ وَمِلْكُهُمَا فِي الْعَبْدِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمُرَابَحَةِ وَالْوَضِيعَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَمْلِيكٌ لِمَا مُلِكَ وَالْوَضِيعَةُ بِنُقْصَانِ شَيْءٍ يُسَمَّى عَمَّا مُلِكَتْ بِهِ وَالْمُرَابَحَةُ بِزِيَادَةٍ مَعْدُومَةٍ عَلَى مَا مُلِكَتْ بِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ هَذِهِ الْعُقُودُ بِالْمُشْتَرِي دُونَ الْمَوْهُوبِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ أَثْلَاثًا فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ الثَّانِي بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ هَذِهِ الْعُقُودِ مَا رُوِيَ { أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ عِنْدَ قَصْدِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ : أَمَّا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَا }
قَالَ : وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدِهِ فِي تَعْلِيمِ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ دَرَاهِمَ لَمْ يُلْحِقْهُ بِرَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ ، وَكَذَلِكَ الشِّعْرُ وَالْغِنَاءُ الْعَرَبِيُّ وَأَجْرُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحِسَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فِي مَوْضِعٍ بِإِلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مِنْ الْمُتَعَلِّمِ وَهُوَ الذِّهْنُ وَالذَّكَاءُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْمُعَلِّمِ فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَ مُوجِبًا زِيَادَةً فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ وَعَلَى هَذَا أَجْرُ الطَّبِيبِ وَالرَّابِصِ وَالْبَيْطَارِ وَالرَّاعِي وَجُعْلُ الْآبِقِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَبَّازِ لَا يَلْحَقُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْسِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا ، وَأَمَّا أَجْرُ سَائِقِ الْغَنَمِ الَّذِي يَسُوقُهَا مِنْ بَلَدٍ لِلْعُرْفِ الظَّاهِرِ فِيهِ وَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ السِّمْسَارِ فَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ بِإِلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ كَأُجْرَةِ الْقَصَّارِ وَأُجْرَةِ الرَّاعِي لَيْسَ نَظِيرُ أُجْرَةِ سَائِقِ الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالنَّقْلِ وَلَا يَعْمَلُ الرَّاعِي بَلْ يَحْفَظُ الْغَنَمَ فَهُوَ كَأُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي تُحْفَظُ فِيهِ الْغَنَمُ ، وَكَذَلِكَ جُعْلُ الْآبِقِ لَيْسَ نَظِيرُ أَجْرِ سَائِقِ الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ نَادِرٌ وَفِي إلْحَاقِ شَيْءٍ بِرَأْسِ الْمَالِ الْعُرْفُ الظَّاهِرُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي النَّادِرِ .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ وَحِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ وِلَايَةُ حَطِّ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُحَطُّ عَنْ الثَّانِي شَيْءٌ بِهَذَا السَّبَبِ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ثَبَتَتْ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِالْأَصْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْعَاقِدِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ عِنْدَنَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمَوْلَى ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ بِرٌّ مُبْتَدَأٌ فِي حَقِّ مَنْ حَطَّ عَنْهُ خَاصَّةً وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا عِوَضًا ، وَالْمَبِيعُ كُلُّهُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى مِلْكُهُ مَا بَقِيَ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَمَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الْمَبِيعِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ عِوَضًا إذْ يَلْتَزِمُ الْعِوَضَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَالْمُودَعِ يَشْتَرِي الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِعِ وَهَذَا مِنْ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ فَكَيْفَ يَلْتَزِمُ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ مَا لَا يَمْلِكُهُ .
وَلَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي وَقْتِ الْعَقْدِ ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ هَالِكًا فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ دَبَّرَهَا لَمْ يُثْبِتْ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ الزِّيَادَةُ لَا تَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ ثَبَتَتْ مِنْ وَقْتٍ لَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْمُسَمَّى فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الزِّيَادَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْحَطِّ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ إذَا صَارَ مُسْتَحَقًّا
بِالْعَقْدِ فَلَا يَخْرُجُ الْبَعْضُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا إلَّا بِفَسْخِ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَالْفَسْخُ لَا يَكُونُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ دُونَ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ وَفَسْخُ الْعَقْدِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَعْقُودِ بِهِ وَقَاسَا حَطَّ الْبَعْضِ بِحَطِّ الْجَمِيعِ فَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالشَّفِيعِ ، فَكَذَلِكَ حَطُّ الْبَعْضِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } أَيْ مِنْ فَرِيضَةٍ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الزِّيَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَحُكْمِ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ إلَّا فِيمَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَصِفُ الصَّدَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا مَا تَأَكَّدَ بِالتَّسْمِيَةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ بِالنَّصِّ فَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ حُكْمُ الزِّيَادَةِ حُكْمُ الْأَصْلِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمَا غَيَّرَا الْعَقْدَ بِتَرَاضِيهِمَا مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ لَهُ ، فَيَصِحُّ ذَلِكَ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَذْكُورِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ لِخِيَارٍ لَهُمَا فَأُسْقِطَ الْخِيَارُ أَوْ بِغَيْرِ الْخِيَارِ فَشَرَطَا الْخِيَارَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ الْخَاسِرَ عَدْلًا بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْعَدْلُ رَابِحًا ، وَالرَّابِحُ عَدْلًا أَوْ خَاسِرًا بِالْحَطِّ وَهَذَا وَصْفٌ مَشْرُوعٌ فِي الْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ أَنْوَاعٌ مِنْهُ : خَاسِرٌ ، وَرَابِحٌ ، وَعَدْلٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا قَصَدَا تَعْبِيرَهُ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِ رَفْعًا وَإِبْقَاءً فَيَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالتَّغْيِيرِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي صِفَةِ الشَّيْءِ أَهْوَنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَصْلِهِ ، فَإِذَا كَانَ بِاتِّفَاقِهِمَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَفِي صِفَتِهِ أَوْلَى فَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ
الْعِوَضَ عَنْ مِلْكِهِ قُلْنَا : قِيَامُ الْعَقْدِ بِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .
وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ الْعِوَضِ بِمُقَابَلَتِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا لَا يَلْتَزِمُ الْعِوَضَ عَمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ أَصْلًا وَمَقْصُودًا فَأَمَّا رِبْحًا فَقَدْ يَلْتَزِمُ الْعِوَضَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَاحَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ وَالْعِوَضُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ دُونَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَطْرَافَ الْمَبِيعِ يُسْتَحَقُّ بِالْمُعَاوَضَةِ تَبَعًا وَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ الْعِوَضُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِ الْعِوَضِ بِمُقَابَلَةِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ الْحَطُّ بِطَرِيقِ التَّغْيِيرِ لِأَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ عِوَضًا ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ عِوَضًا مِنْ اعْتِبَارِ الْحَالِ ثُمَّ الِاسْتِنَادُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهَا فِي الْحَالِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا حُكْمُ الِاسْتِنَادِ كَمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِجَارَةِ لِيَثْبُتَ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَبِالِاتِّفَاقِ فِي الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ الْخِيَارُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَضَمِنَهَا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا عِوَضًا ، وَهَذَا الِالْتِزَامُ صَحِيحٌ مِنْهُ .
فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا كَمَا لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ
عَلَى مَالٍ وَضَمِنَهُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ تَصَالَحَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَالٍ وَضَمِنَهُ صَحَّ الصُّلْحُ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُلْتَزِمُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا عَلَى هَذَا الْحَطِّ إلَّا أَنَّ عَمَلَ الْحَطِّ فِي إخْرَاجِ قَدْرِ الْمَحْطُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فَالشَّرْطُ فِيهِ قِيَامُ الثَّمَنِ لَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ فَثَبَتَ الْحَطُّ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُغَيِّرٌ لِوَصْفِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ بِفَاسِخٍ لِلْعَقْدِ حَتَّى يُقَالَ الْفَسْخُ فِي الثَّمَنِ لَا يَكُونُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَطُّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ ، وَالْحَطُّ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مُلْتَحِقًا بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ حَطِّ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ مُغَيِّرٌ لِوَصْفِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مَغْبُونًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَأَمَّا أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا ذَلِكَ أَوْ يَصِيرُ ذَلِكَ الْعَقْدُ هِبَةً ، وَقَدْ كَانَ قَصْدُهُمَا التِّجَارَةَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْهِبَةِ فَأَمَّا حَطُّ الْبَعْضِ لَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ تَحَقَّقَ بِهِ مَقْصُودُهُمَا وَهُوَ التَّغَيُّرُ
قَالَ : وَإِذَا بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً فَخَانَهُ فِيهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَتَاعَ أَوْ بَعْضَهُ فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لَازِمٌ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَحُطُّ عَنْهُ الْخِيَانَةَ وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ خَانَ فِي التَّوْلِيَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَحُطُّ عَنْهُ مِقْدَارَ الْخِيَانَةِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ جَمِيعًا يَحُطُّ عَنْهُ مِقْدَارَ الْخِيَانَةِ وَحِصَّتَهَا مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ فِي حَقِّ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ ، وَقَدْرُ الْخِيَانَةِ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي كَمَا فِي الشَّفِيعِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا خَانَ الشَّفِيعَ لَا يَثْبُتُ مِقْدَارُ الْخِيَانَةِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي كَمَا فِي الشَّفِيعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِيَ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ مِثْلِ مَا وَجَبَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ إلَّا مِقْدَارَ مَا زَادَ فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ فَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ وَبِدُونِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْبَعْضُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالْحَطِّ يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا فِيهِ أَوْلَى وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ فِيهِمَا جَمِيعًا : لَا يَحُطُّ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا عَقْدًا بِاخْتِيَارِهِمَا بِثَمَنٍ سَمَّيَاهُ فَيَنْعَقِدُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ
الثَّمَنِ كَمَا لَوْ بَاعَاهُ مُسَاوَمَةً ، وَهَذَا لِأَنَّ انْعِقَادَ سَبَبِ الثَّانِي يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ مِنْهُمَا وَلَا يَتِمُّ رِضَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَجِبْ لَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِرِضَا الْمُشْتَرِي هُنَاكَ ثُمَّ حَقُّ الْأَخْذِ لِلشَّفِيعِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ ، وَلَا نَعْتَبِرُهُ وَبِالْخِيَانَةِ قَصَدَ تَغَيُّرَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ وَهُنَا الْبَيْعُ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَهُوَ فِي تَسْمِيَةِ مَا سُمِّيَ غَيْرُ قَاصِدٍ إبْطَالَ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُدَلِّسُ وَالتَّدْلِيسُ يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ كَتَدْلِيسِ الْعُيُوبِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَطِّ بَعْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي بِمِثْلِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَكَانَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَعْدَمَا تَمَّ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَالْإِقَالَةِ لَمَّا كَانَتْ فَسْخًا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَمَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي الْإِقَالَةِ فَأَمَّا الْمُرَابَحَةُ فَلَيْسَتْ تُبْنَى عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَإِنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِيَارُ فِي الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا سَمَّيَا فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ سَبَبٌ مُبْتَدَأٌ بَاشَرَاهُ بِاخْتِيَارِهِمَا فَيَنْعَقِدُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِيهِ يُقَرِّرُهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي التَّوْلِيَةِ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ وَتَسْمِيَةِ مِقْدَارِ خِيَانَةٍ فِيهِ
فَيَكُونُ لَغْوًا أَيْضًا وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ قَدْرِ الرِّبْحِ فَكَانَ انْعِقَادُهَا بِالتَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ فَيَنْعَقِدُ بِجَمِيعِ مَا سَمَّيَا فِيهَا ، وَفَرَّقَ آخَرَانِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَانَةِ فِي التَّوْلِيَةِ تَغَيُّرُ الْعَقْدِ عَنْ مَوْضُوعِ مَا صَرَّحَا بِهِ لَأَنْ يَصِيرَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً لَا تَوْلِيَةً وَقَدْ صَرَّحَا بِالتَّوْلِيَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا نَفْيًا لِمِقْدَارِ الْخِيَانَةِ ، ؛ فَأَمَّا فِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ أَثْبَتْنَا جَمِيعَ الْمُسَمَّى لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْعَقْدُ عَنْ مَوْضُوعِ مَا صَرَّحَا بِهِ فَإِنَّمَا صَرَّحَا بِبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ مُرَابَحَةٌ إلَّا أَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي ، وَالْبَائِعُ دَلَّسَ بِتَسْمِيَةِ بَعْضِ رِبْحِهِ رَأْسَ الْمَالِ فَكَانَ ذَلِكَ مُثْبِتًا الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِذَا سَقَطَ خِيَارُهُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَنَعَ ذِرَاعًا مُرَابَحَةً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى ذَرَعَانِ الثَّوْبِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ النِّصْفِ مَعْلُومٌ يَقِينًا ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّصْفَ جُزْءٌ شَائِعٌ فَلَا يَتَفَاوَتُ وَالذِّرَاعُ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِي الثَّوْبِ
قَالَ وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَيَّ النِّصْفَيْنِ شَاءَ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ نِصْفٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْعَلُ كُلُّ نِصْفٍ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ بَاعَ كُلَّهُ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَامَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا بِثَلَثِمِائَةٍ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ
قَالَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ أَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا بَقِيَ لِلْفَرْقِ الَّذِي بَيَّنَّا بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِالثَّمَنِ عَرَضًا أَوْ أَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا لِهَذَا الثَّمَنِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَضَاهُ مُشَاهَدَةً ، وَلِأَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا يَمْلِكُ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الشِّرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَنَقَدَهَا زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ الْبَائِعُ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ جِيَادٍ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْجِيَادِ وَبِمَا نَقَدَ مِنْ الزُّيُوفِ صَارَ قَابِضًا لِمَا عَلَيْهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةِ نَقْدٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ شَهْرًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ النَّقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالنَّقْدِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ شَهْرًا لَا يَخْرُجُ الثَّمَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا فَلَمْ يَجْعَلْ تَجَوُّزَ الْبَائِعِ بِالزُّيُوفِ وَتَرْكَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ مُدَّةً بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْقَدْرُ الْمَحْطُوطُ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مُغَيِّرًا الْوَصْفَ ، وَهُنَا يَتْرُكُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ زَمَانًا لَا يَلْتَحِقُ شَيْءٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ بِالتَّجَوُّزِ بِالزُّيُوفِ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْعَشَرَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْوَصْفِ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَصِيرَ الْبَيْعُ مَقْصُودًا فِيمَا هُوَ بَيْعٌ فِيهِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ
قَالَ : فَإِنْ وَهَبَ الثَّوْبَ الْمُشْتَرِي بِعَشَرَةٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّ بِالرُّجُوعِ يَعُودُ الْعَيْنُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْهِبَةِ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادِ بَيْعٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ مُتَرَدِّدٌ كَالْإِقَالَةِ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ جَدِيدٍ ، وَقَدْ تَمَلَّكَ فِيهِ الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ فَبَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهِ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّمَا يَبْقَى لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مُوَرِّثُهُ بِهِ لَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكِيَّةَ قَدْ تَحَدَّدَتْ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ هُوَ الَّذِي كَانَ لِمُوَرِّثِهِ ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَقَدْ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَكُونُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ أَوْ الْمُكَاتَبَ مِنْ مَوْلَاهُ بِثَمَنٍ قَدْ قَامَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً إلَّا بِاَلَّذِي قَامَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ فِي مِلْكِهِ بِمُقَابَلَةِ هَذَا الْعَيْنِ وَهُوَ الْمَدْفُوعُ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الرِّبْحُ الَّذِي حَصَلَ لِعَبْدِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لَوْلَاهُ ، وَمَا حَصَلَ لِمُكَاتَبِهِ مِنْ وَجْهٍ كَانَ لَهُ أَيْضًا فَلِلْمَوْلَى حَقُّ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِعَجْزِهِ وَلِأَنَّ تُهْمَةَ الْمُسَامَحَةِ تَتَمَكَّنُ فَالْإِنْسَانُ يُسَامِحُ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَنْهُ مَا يَحْصُلُ لَهُمَا وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ يَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَخِيَانَةٍ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَمَالِيكِ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا إذْ لَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَالْأَخَوَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : مَا يُحَصِّلُهُ الْمَرْءُ لِهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا يُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَؤُلَاءِ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ صَارُوا فِي حَقِّهِ كَالْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّ مُسَامَحَةَ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مَعَ الْبَعْضِ فِي الْمُعَامَلَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ ، وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ فَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَتَيَقَّنُ بِالِالْتِزَامِ فِيهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُسَامَحَةِ ،
وَذَلِكَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِثَوْبٍ قَدْ قَامَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ هَذَا الثَّوْبَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَالْعِوَضُ مَا كَانَ مَذْكُورًا فِيهِ وَلَا مِثْلَ لِلثَّوْبِ مِنْ جِنْسِهِ فَلِهَذَا لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ هَذَا الثَّوْبِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ عَدْلَ زُطِّيٍّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَاهُ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا تَتَفَاوَتُ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ مَا يُصِيبُهُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ وَنِصْفَهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَ لِصَاحِبِهِ فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً ، يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِأَنَّ مَا يُصِيبُهُ بِالْقِسْمَةِ هُوَ النِّصْفُ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْحَرْزِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ لَوْ مَيَّزَا بَعْضَ الثِّيَابِ وَأَرَادَا بَيْعَ ذَلِكَ مُرَابَحَةً عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَمْلِكَا ذَلِكَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِهِ عَيْبٌ قَدْ دُلِّسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِ رَضِيَ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ ، وَسَبَبُ الْعَيْنِ يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ رُؤْيَةٌ فَأُسْقِطَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً فَخَانَهُ صَاحِبُهُ فِيهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ الْخِيَارُ فَقَطْ
قَالَ : وَإِذَا وَلَّى رَجُلٌ رَجُلًا بَيْعًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ الْأَوْسَطِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ فِيهِ ، وَقَدْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ وَتَمَّ لَهُ الْبَيْعُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَنَا الشُّبْهَةُ فِي حَرْفٍ وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي الْآخَرَ أَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى فِي التَّوْلِيَةِ مِنْهُ حَتَّى سَمِعَ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ خَصْمُهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ .
مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُ : هُوَ مُنَاقِضٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ وَلَا طَرِيقَ لِظُهُورِ ذَلِكَ إلَّا إقْرَارُ الْبَائِعِ الْأَوْسَطِ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ دَعْوَى الْخِيَانَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْعَيْبِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْحَطِّ ، وَلَوْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَسْتَحْلِفُ خَصْمَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْخِيَانَةِ يَرُدُّ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَرِبْحَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَطَّ بَائِعُهُ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ شَرِيكٍ لَهُ شَرِكَةُ عَنَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً ؛ لِأَنَّهُمَا فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ وَلِهَذَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ، فَإِنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ فِيهِ حِصَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حِصَّةَ نَفْسِهِ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِصَّتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي حِصَّتَهُ فَبَيْعُ كُلِّ حِصَّتِهِ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ
قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ خَادِمٌ لِشَرِيكٍ مُفَاوِضٍ لِلْخِدْمَةِ فَاشْتَرَاهَا شَرِيكُهُ مِنْهُ لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِنَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَبِيعُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُرَابَحَةً إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنْ قَبِلَهُ كَانَتْ الْعَيْنُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِي أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ مِنْ صَاحِبِهِ لِلشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شِرَاءٌ مُعْتَبَرٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي شَرِكَتِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا ، إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ فِي حِصَّةِ نَفْسِهِ إنَّمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِخُرُوجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ مِلْكِهِ
قَالَ : عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَامَ عَلَيْهِمَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَبِحَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي حِصَّتِهِ دِينَارًا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَدِينَارٍ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ جَمِيعَ الْعَبْدِ بِهَذَا الْقَدْرِ وَفِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَشِرَائِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مَتَاعًا ثُمَّ رَقَمَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَقْمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا أَخَذْتُهُ بِكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ لَا رُخْصَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ رَقْمُهُ بِكَذَا وَأَنَا أَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَعْلَمُ عَادَةَ التُّجَّارِ أَنَّهُمْ يَرْقُمُونَ السِّلَعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَشْتَرُونَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَهَذِهِ خِيَانَةٌ وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ بِهِ إذَا عَلِمَ وَهَذَا مِنْهُ احْتِيَاطٌ ، وَقَدْ كَانَ يُبَالِغُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ حَتَّى قَالَ : إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَشْتَرِي ذَلِكَ الشَّيْءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً ، وَإِنْ كَانَ يَشْتَرِي بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ غَرِيمِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِلَفْظَةِ الشِّرَاءِ أَوْ بِلَفْظَةِ الصُّلْحِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ فَنَقُولُ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ وَمَبْنَى الشِّرَاءِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُ الثَّوْبِ لَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَقَوَّمَهُ قِيمَةً ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ كَانَ جَائِزًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مَا أَخْبَرَ الْمُشْتَرِيَ بِشَيْءٍ هُوَ كَذِبٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ صَارَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا فِيهِ فَذَلِكَ مِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ
قَالَ : وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الْمَتَاعَ بِرِبْحِ ده يازده أَوْ بِرِبْحِ أَحَدَ عَشَرَ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ عَلِمَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ عَقْدِهِ الْبَيْعَ وَلَيْسَ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الثَّمَنِ وَرِبْحَهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالثَّمَنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِيَكْشِفَ الْحَالَ لَهُ حِينَ يَعْلَمُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ لَهُ بِرَقْمِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ بِالرَّقْمِ لِمَا بَيَّنَّا
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ ده يازده عَنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَجُزْءٌ مِنْ إحْدَى عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَلَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ ده يازده كَانَ الرِّبْحُ دِرْهَمًا ثُمَّ إذَا بَاعَهُ بِوَضِيعَةٍ ده يازده لَمْ يَجْعَلْ الْوَضِيعَةَ دِرْهَمًا فَفِي الْحَقِيقَةِ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِرِبْحِ ده يازده كَانَ الثَّمَنُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالرِّبْحِ جُزْءٌ مِنْ إحْدَى عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَضْرِبَ الْعَشَرَةَ فِي إحْدَى عَشَرَ فَتَكُونُ مِائَةً وَعَشَرَةً فَمِقْدَارُ الْوَضِيعَةِ جُزْءًا مِنْ إحْدَى عَشَرَ جُزْءًا ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ يَبْقَى مِائَةُ جُزْءٍ وَكُلُّ إحْدَى عَشَرَ جُزْءًا دِرْهَمٌ ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ وَجُزْءٌ مِنْ إحْدَى عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى آخَرُ ثَوْبًا بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَاهُمَا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ مُرَابَحَةً وَمُوَاضَعَةً فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ
قَالَ : وَلَوْ وَلَّى الْمُشْتَرِي رَجُلًا ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَحُطُّ عَنْ الْآخَرِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْكُلِّ مُبْتَدَأُ غَيْرِهِ مُلْتَحِقٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الْعُيُوبِ فِي الْبُيُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا بَرِئَ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ عَقْدِهِ الْبَيْعَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْعُيُوبَ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعُيُوبِ الْمَجْهُولَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَهُ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَاحْتَجَّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا بَيْعُ غَرَرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَمْنَعُ مُوجِبَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْمُعَاوَضَةِ اسْتِحْقَاقُ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ شَرْطٍ يَمْنَعُ الْمِلْكَ ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ الْمَجْهُولِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْبَيْعُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدِينَ وَالْتِزَامُ تَسْلِيمِ الْمَجْهُولِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ كَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ الْعَدْلِ أَوْ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّى الْعَيْبَ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ مَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الْعَيْبِ مَعْلُومٌ ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ نَحْوَ عَوْدِ الْجِرَاحَةِ أَوْ يَلْحَقُ الْجُرْحَ بِإِعْلَامِهِ نَحْوَ مَا يَكُونُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ لِلتَّعَذُّرِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَغَيْرِ الْمُسَمَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَرَضَ عَلَى إنْسَانٍ وَقَالَ : اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ بَائِعَهُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآبِقٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبَ الْإِبَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ بَائِعَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ
ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْتَاعَ مَمْلُوكًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ثُمَّ طَعَنَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ أَعْلَمُهُ وَكَتَمْتُهُ فَنَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ فَيُسْتَدَلُّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ
وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ فَالشَّافِعِيُّ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ لَنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ { عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَالِحَ بَنِي جَذِيمَةَ فَوَادَاهُمْ حَتَّى مِيلَغَةِ الْكَلْبِ وَبَقِيَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ فَقَالَ هَذَا لَكُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَهُ وَلَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُرَّ } فَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا إسْقَاطُ حَقٍّ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ نَفْسَ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ وَلَكِنْ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمْلِيكَيْنِ يَصِحُّ فِي هَذَا وَهَذَا أَضْيَقُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ثُمَّ الْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمْلِيكِ كَجَهَالَةِ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ الْإِسْقَاطِ أَوْلَى فَالسُّقُوطُ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ أَوْلَى وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْإِيجَابَ فِي الْمَجْهُولِ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الْبَيَانِ فَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دَاخِلٌ عَلَى نَفْسِ السَّبَبِ حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي حُكْمِ تَصَرُّفٍ آخَرَ هُوَ يَمِينٌ .
وَالْجَهَالَةُ تَدْخُلُ عَلَى حُكْمِ السَّبَبِ فَإِذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَإِذَا كَانَتْ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَتَعَذَّرُ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ هَذَا الشَّرْطُ ثَبَتَ جَوَازُ الْعَقْدِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُقَرِّرُ مُقْتَضَى
الْعَقْدِ وَمُقْتَضَى الْعَقْدِ اللُّزُومُ ، وَالْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ سَلِيمًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ مَعِيبًا ثُمَّ الْبَائِعُ بِهَذَا الشَّرْطِ يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ وَإِذَا كَانَ مَعِيبًا فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا وَعِنْدَ هَذَا الشَّرْطِ يَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَبِيعُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ لَا أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا فَسَادَ الْعَقْدِ ثُمَّ لَا يَتَمَكَّنُ جَهَالَةٌ فِي الْمَبِيعِ بِهَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ إلَى عَيْنِهِ وَإِلَى مَكَانِهِ ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الْإِقْرَارَ بِالْعُيُوبِ بِهِ فَلَا يَجْتَمِعُ كُلُّ عَيْبٍ فِي عَيْبٍ وَاحِدٍ ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ الْتِزَامَ الْبَيْعِ وَالْتِزَامَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ الْمُشْتَرِيَ بِقَوْلِهِ لَا عَيْبَ بِهِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِإِسْقَاطِ الْعُيُوبِ عَنْهُ بَلْ قَصْدُهُ مِنْ ذَلِكَ تَرْوِيجُ السِّلْعَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَيْسَ بِآبِقٍ فَفِي تَخْصِيصِهِ هَذَا الْعَيْبَ بِالذِّكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ نَفْيُ هَذَا الْعَيْبِ عَنْهُ وَلَئِنْ تَمَكَّنَتْ جَهَالَةٌ فِي وَصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَهِيَ جَهَالَةٌ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ مِقْدَارِ الْعَيْبِ الْمُسَمَّى وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي .
وَقَدْ جَرَتْ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ الدَّوَانِيقِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ بَعْضَ حَرَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَ عَبْدًا بِرَأْسِ ذَكَرِهِ بَرَصٌ أَكَانَ يَلْزَمُهَا أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَمَا
زَالَ بِهِ حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ فَإِذَا عَرَفْنَا جَوَازَ الْعَقْدِ لِهَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا : تَدْخُلُ فِيهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مَوْجُودٍ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ حَدَثَ بَيْعُ عَيْبٍ آخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَيَحْدُثُ أَمْ لَا وَأَيُّ مِقْدَارٍ يَحْدُثُ وَلَوْ صَرَّحَ بِالتَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ وَلَوْ دَخَلَ فِي هَذَا الشَّرْطِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ بِهِ أَيْضًا فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ فَكَذَلِكَ يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فِي دُخُولِهِ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ إثْبَاتُ صِفَةِ اللُّزُومِ لِلْعَقْدِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا نَصَّ عَلَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ .
وَقِيلَ : ذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ نَفْسِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فِي صِحَّةِ الْإِسْقَاطِ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ هُنَا : ظَاهِرُ لَفْظِهِ يَتَنَاوَلُ الْعُيُوبَ الْمَوْجُودَةَ ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَبَعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَقْرِيرِ مَقْصُودِهِمَا ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي التَّصَرُّفِ تَبَعَا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ كَالشُّرْبِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي
وَقْفِ الْقُرْبَةِ ، وَلَوْ كَانَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ فَهَذَا يُفْسِدُ الْعَيْبَ الْمَوْجُودَ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَالَ الْبَائِعُ بَلْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ كَانَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْقِطُ لِحَقِّهِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مَا أَسْقَطَ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : قَدْ ظَهَرَ الْمُسْقِطُ مُطْلَقًا فَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى خُرُوجَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي دَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِبْرَاءِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي دُخُولَهُ فِي الْبَرَاءَةِ الْمُطْلَقَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْقَطَ هُنَا مَا ظَهَرَ إلَّا مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فِي عَيْبٍ عَيَّنَهُ أَنَّهُ مَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْإِيجَابِ الْمُقَيَّدِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي الْبَرَاءَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ
قَالَ : وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِي خَادِمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُودِ كُلِّ عَيْبٍ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الشَّاهِدُ رَاضِيًا بِعَيْبٍ فِيهَا بَعْدَ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِبَاقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا فَوَجَدَهَا آبِقَةً فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ مَذْكُورٌ فِي الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْ الشَّاهِدِ وَلَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِوُجُودِ ذَلِكَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ إبَاقِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَوَجَدَهَا آبِقَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ هُنَا مُضَافٌ إلَيْهَا بِحَرْفِ الْكِتَابَةِ وَتَخْصِيصُهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْعُيُوبِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا يَكُونُ إخْبَارٌ بِوُجُودِهِ فِيهَا فَالشَّاهِدُ أَقْدَمَ عَلَى شِرَائِهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِعَيْبِهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ - عِنْدَنَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا - عِنْدَمَا اشْتَرَاهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ وَلَا يَغْرَمُ لِلْوَطْءِ شَيْئًا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَرُدُّهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَيَرُدُّ مَعَهَا عُقْرَهَا ، وَعُقْرُهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنَّ كَانَتْ ثَيِّبًا ، وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا قَبْلَ الْوَطْءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الثَّيِّبِ لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي عَيْنِهَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَإِنَّمَا اسْتَوْفَى مِنْهَا مَحْضَ مَنْفَعَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ الِاسْتِخْدَامَ يَعِيبُهَا وَالْوَطْءُ يَمْنَعُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَالْوَطْءُ هُنَاكَ يُفَوِّتُ جُزْءًا مِنْهَا فَإِنَّ صِفَةَ الْبَكَارَةِ فِي الْجَارِيَةِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنٍ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَلِهَذَا اُسْتُحِقَّ بِالْبَيْعِ شَرْطًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَمَا وَطِئَ الْبِكْرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَفِي الثَّيِّبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْبِ النِّكَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَهُ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ إذَا وَطِئَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يُسْقِطْ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَبِهَذِهِ الْفُصُولُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الثَّيِّبِ
بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِخْدَامِ ، وَكَمَا أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَالْإِجْبَارُ عَلَى الْخِدْمَةِ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ ثُمَّ لَا يَمْنَعُ نِسْبَةَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَا يَرُدُّهَا بَعْدَ الْوَطْءِ ، وَقَالَ عُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَمَنْ قَالَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا فَقَدْ خَالَفَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ وَزَيْدٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا جَنَى عَلَيْهَا ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا الْأَرْشَ فَفِي الْوَطْءِ أَجَابَا نَحْوَ ذَلِكَ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولَانِ : لَا يَرُدُّهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَطْءِ وَبِالْإِجْمَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ الْجِنَايَةُ تَمْنَعُ الرَّدَّ فَكَذَلِكَ الْوَطْءُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَطْءَ يَسْلُكُ فِيهِ مَسْلَكَ الْجِنَايَةِ فَيَمْنَعُ الرَّدَّ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - كَمَا بَيَّنَّا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ وَالْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ إلَّا مُؤَبَّدًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اسْتِيفَاءَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَخْلُو عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ
غَرَامَةٍ وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ تَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْبَدَلِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَالْمَصُونُ مِنْ الْآدَمِيِّ نَفْسُهُ وَأَجْزَاؤُهُ لَا مَنَافِعُهُ ، وَالْمَنْفَعَةُ تَتَبَدَّلُ مِنْ الْآدَمِيِّ كَمَا تَتَبَدَّلُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَاسْتِيفَاؤُهُ كَاسْتِيفَاءِ جُزْئِهِ بِالْجِنَايَةِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا تَقَرَّرَ مَا قُلْنَا أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَوْهُوبًا كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ مَبِيعًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ لِأَجْلِ الْوَطْءِ لَكَانَ إذَا رَدَّهَا وَيَفْسَخُ الْعَقْدَ مِنْ الْأَصْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ، وَالْوَطْءُ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ قُلْنَا : لَا يَرُدُّهَا وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَنَاوُلِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَنْفَكُّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ ، وَبِهَذَا فَارَقَ حُكْمَ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ بِالْبَيْعِ مُرَابَحَةً أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ أَيْضًا ، وَلَكِنْ هُوَ جُزْءٌ وَهُوَ ثَمَرَةٌ لِمَا لَمْ يُتَمَكَّنْ بِهِ نُقْصَانٌ فِي الْعَيْنِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ لَبَنَ الشَّاةِ وَأَعْلَفَهَا بِقَدْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً .
وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الزَّوْجِ إيَّاهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ وَإِيجَابِهِ لَهُ بِالنِّكَاحِ فَيُجْعَلُ كَفِعْلِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّهُ بِالنِّكَاحِ يُوجِبُ الْوَطْءَ لِلزَّوْجِ لَا صِفَةَ الْبَكَارَةِ ، فَيَصِيرُ أَصْلُ الْوَقْتِ مُضَافًا إلَى
الْبَائِعِ وَلَكِنْ بِزَوَالِ صِفَةِ الْبَكَارَةِ لَا يَصِيرُ مُضَافًا إلَى الْبَائِعِ فَكَأَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ أَوْ بِصُنْعِ إنْسَانٍ بِأُصْبُعٍ أَوْ خَشَبَةٍ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّهَا وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَسُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْبَكَارَةِ دُونَ الْوَطْءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ هُوَ ثَمَرَةٌ كَمَا بَيَّنَّا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَتَنَاوُلِ الثِّمَارِ وَاللَّبَنِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَ مَقْصُودًا يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ وَهَذَا الْجُزْءُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ وَالْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَفِي حُكْمِ الْوَطْءِ إنَّمَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَإِنَّ الْوَطْءَ تَصَرُّفٌ ، وَمِلْكُ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلِهَذَا لَا يُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي فَلِهَذَا لَمْ يُوجَبْ الْعَقْدُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَطِئَهَا وَسَنُقَرِّرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ الْكَلَامَ فِي مَوْضِعِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا بِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ فَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ ، وَلَكِنَّهَا أَعْرَاضٌ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ يَتَبَدَّلُ وَيَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا فِي عَيْنِ الْمِلْكِ وَاسْتِيفَاؤُهَا بِخُلُوٍّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالرَّدِّ أَنَّهُ اسْتَخْدَمَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ .
وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِسَبَبِ الِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ قُلْنَا : يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْفَائِتَ
صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي ، وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ فَيَرُدُّ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْمَنْعِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَهَا وَبِهَا الْعَيْبُ وَيُقَوِّمَهَا وَلَا عَيْبَ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الْعُشْرَ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ رَجَعَ بِنِصْفِ عُشْرِ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ : رُدَّهَا عَلَيَّ فَأَنَا أَرْضَى بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّهَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ حِينَ رَضِيَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَطَأْهَا وَلَكِنْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا عِنْدَنَا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نُقْصَانَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْعَيْنِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : حَقُّ الرَّدِّ لِلْمُشْتَرِي إنَّمَا ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقٍ لَا يَلْحَقُ الضَّرَرُ فِيهِ بِالْبَائِعِ وَبَعْدَمَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لَوْ رَدَّهَا كَانَ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْبَائِعِ ، وَلَا يُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْمُشْتَرِي فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ لَهُ الْعَيْبَ وَالْمُشْتَرِي صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ يَنْظُرُ لَهُمَا جَمِيعًا وَالضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ إذَا أَثْبَتْنَا لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ فَذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ كَمَا قَبَضَ لَا لِتَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْبَائِعُ وَلَوْ رَدَّهُ تَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَصَرُّفٍ يُبَاشِرُهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ رَدُّهَا عَلَيْهِ فَكَانَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَإِذَا لَمْ يَرُدَّهَا رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ
بِأَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ حَقُّ الْبَائِعِ وَقَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِ هَذَا الضَّرَرِ
قَالَ ، فَإِنْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا رَأَى الْعَيْبَ بِهَا وَقَدْ وَطِئَهَا أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ أَنَا أَقْبَلُهَا فَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذَا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ رَدُّهَا بِرِضَا الْبَائِعِ فَإِذَا بَاعَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فَبَيْعُهُ إيَّاهَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ هُنَا بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ دُونَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا وَفِي الْأَوَّلِ إنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا فَكَأَنَّهُ حَبَسَهَا عِنْدَهُ ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ حَتَّى رَأَى بِهِ الْعَيْبَ ثُمَّ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَجُوزُ رَدُّهُ إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ، وَلَوْ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ ثُمَّ رَأَى بِهِ الْعَيْبَ فَبَاعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُتَعَذَّرًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ بِصِفَةِ الْخِيَاطَةِ الَّتِي أَحَدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَبَاعَهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُتَعَذَّرًا قَبْلَ الْبَيْعِ لِلزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي الثَّوْبِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ كَالْقَطْعِ فَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ
بِبَيْعِهِ إيَّاهُ فَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ
قَالَ : وَلَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ الْمُشْتَرِي بِزِنًا لَمْ يَرُدَّهَا الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ بِهَا عِنْدَهُ بِالزِّنَا فَالزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ رُدَّهَا عَلَيَّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَنَى عَلَيْهَا أَجْنَبِيٌّ فَالْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْأَرْشَ وَالْأَرْشُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ حُكْمًا ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ ، وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يُوجِبُ إلَّا الْحَدَّ وَوَازَنَ الْأَرْشُ النِّكَاحَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهِ لِمَكَانِ الْمَهْرِ الَّذِي وَجَبَ بِالنِّكَاحِ لِلْمُشْتَرِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ لَمْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِرَدِّ حِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَكُلُّ عَيْبٍ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ فَعَرَضَهَا بَعْدَمَا رَآهُ عَلَى بَيْعٍ أَوْ وَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ أَجَّرَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ كَاتَبَهَا فَذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُهَا عَلَى الْبَيْعِ لِحَاجَتِهِ إلَى ثَمَنِهَا ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ إلَى الْبَائِعِ ، وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا ، وَأَمَّا الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ الْمُتَقَرِّرِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَلَوْ وَجَدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ ، كَانَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ رِضًا فَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَصِرْ
هُوَ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَصِيرُ هُوَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ هَذَا التَّصَرُّفَ لِلْغَيْرِ فِيهَا حَقًّا لَازِمًا .
وَذَلِكَ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَالْكِتَابَةُ تُوجِبُ لَهَا حَقًّا لَازِمًا فِي نَفْسِهَا ، وَذَلِكَ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَدَلِيلُ الرِّضَا فِيمَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ كَصَرِيحِ الرِّضَا
قَالَ : وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ كَانَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ رِضًا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهَا لِمِلْكِهِ فِيهَا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا وَيَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذَا لَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَقَدْ يَسْتَخْدِمُ الْإِنْسَانُ مِلْكَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَخْدِمُهَا لِلِاخْتِبَارِ أَنَّهَا مَعَ هَذَا الْعَيْبِ هَلْ تَصْلُحُ لِخِدْمَتِهِ أَمْ لَا فَكَانَ ذَلِكَ اخْتِبَارًا لَا اخْتِيَارًا وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ فَهُوَ رِضًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَقَلَّمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلَ الرِّضَا فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ، غَيْرَ أَنِّي أَسْتَحْسِنُ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَعْلِفَهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا رِضًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي رَدِّهَا إلَى سَوْقِهَا ، وَرُبَّمَا لَا تَنْقَادُ لَهُ مَا لَمْ يَرْكَبْهَا ، وَكَذَلِكَ فِي سَقْيِهَا وَعَلْفِهَا فَالرُّكُوبُ لِأَجْلِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ ، وَإِنَّمَا دَلِيلُ الرِّضَا أَنْ يَرْكَبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ يُسَافِرَ عَلَيْهَا
قَالَ : وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَوْ وَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا وَكَتَمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا أَوْ يُؤْثِرُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ وَصِفَةُ الثُّيُوبَةِ لَا يَعُدُّهَا التُّجَّارُ عَيْبًا فَالْجَوَارِي عَلَيْهَا فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِنَّ وَالْبَكَارَةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِالشَّرْطِ وَالْوِلَادَةُ كَذَلِكَ ، فَالنُّقْصَانُ الْمُمْكِنُ فِيهَا بِسَبَبِهَا يَزُولُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَبَعْدَ زَوَالِهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ فَلَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ يَقُولُ الْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ فَهَذَا فِيهَا عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ كَسْرٌ لَا يَرْتَفِعُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي عُكَنِ بَطْنِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بَعْدَمَا وَطِئَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ نَقَصَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ عُرْفُ التُّجَّارِ ، وَهُمْ لَا يَعُدُّونَ هَذَا مِنْ الْخِيَانَةِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ لَيْسَ بِمَالٍ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ يُلَاقِي مَالِيَّتَهَا فَاسْتِيفَاءُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مِنْهَا إذَا كَانَ لَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي مَالِيَّتِهَا لَا يُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُؤْثَرُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهَا وَالنُّقْصَانُ فِيهَا إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً
قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِبُطْلَانِ مِلْكِهِ فِيهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَا لَوْ قَبِلَهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اكْتَسَبَ سَبَبًا يَتَعَذَّرُ الرَّدُّ فِيهِ كَانَ حَابِسًا لَهَا حُكْمًا فَكَأَنَّهَا فِي يَدِهِ يَحْبِسُهَا وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَقَرَّرَ فِيهَا بِمَا صَنَعَ ، أَمَّا التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَكِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلَّ النَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ مِنْهُ لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ إلَى وَقْتِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ ، وَالْوَلَاءُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَمَتَى تَعَذَّرَ الرَّدُّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَنْتَهِي مُدَّةُ حَيَاتِهِ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِاعْتِبَارِهَا فَكَذَلِكَ بِالْعِتْقِ يَنْتَهِي الرِّقُّ وَالْمَالِيَّةُ فِيهَا بِاعْتِبَارِهَا ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَهَا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ بِأَجَلٍ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الْقَتْلِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ مَضْمُونٌ لَوْ بَاشَرَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا
اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ هُنَا لِمِلْكِهِ فِيهَا ، وَذَلِكَ فِي مَعْنَى عِوَضٍ سُلِّمَ لَهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ .
وَإِنْ نَفَذَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا حَتَّى إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فَهُوَ لَمْ يَسْتَفِدْ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ مَضْمُونٌ فِيهَا ، أَمَّا إذَا بَاعَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فِيهَا لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَاصَمَ إنَّمَا يُخَاصِمُ فِي عَيْبِ مِلْكِ الْغَيْرِ ؛ وَلِأَنَّهُ نَالَ الْعِوَضَ حَيْثُ بَاعَهَا بِصِفَةِ السَّلَامَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَالتَّسْلِيمَ فِعْلٌ مُضَمَّنٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ وَالْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْمِلْكَ فِيهَا بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ قَاطِعًا مِلْكَهُ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ ثُمَّ هَذَا فِعْلٌ مَضْمُونٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنَّمَا اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فِيهَا قَالَ : وَلَوْ بَاعَ مِنْهَا بَعْضًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ نُقْصَانَ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ مَا بَقِيَ وَلَكِنَّهُ مَعِيبٌ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ بِعَيْبٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعِيبَةً ، فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْبَاقِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَبَضَ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ غَيْرُ مَعِيبٍ وَإِنَّمَا حَدَثَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَسَبَبُ هَذَا كَانَ بَيْعَ النِّصْفِ وَمَتَى كَانَ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الْبَيْعِ فَلَيْسَ
لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْكُلَّ وَعِنْدَ زُفَرَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ إذَا لَمْ يَبِعْ ، وَلَوْ كَاتَبَهَا فَالْكِتَابَةُ نَظِيرُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ لَهَا حَقًّا بِعِوَضٍ يَسْتَوْجِبُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا فَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهَا بِمَالٍ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِعِوَضٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ لِلرِّقِّ سَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ فِي الْوَضْعَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ مِنْ الْقَاتِلِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عِوَضٍ سُلِّمَ لَهُ بِالْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ثَوْبًا فَأَحْرَقَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي الْعِوَضَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَحْرَقَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ .
قَالَ : وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ أَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ صَنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا يُشْتَرَى لِأَجْلِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ بِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَالْإِحْرَاقِ وَالْقَتْلِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اللُّبْسَ وَالْأَكْلَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فِي الْمَحَلِّ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عِوَضٍ سُلِّمَ إلَيْهِ وَكَمَا أَنَّ الْأَكْلَ وَاللُّبْسَ مَقْصُودَانِ بِالشِّرَاءِ فَالْبَيْعُ مَقْصُودٌ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي إثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِسَلَامَةِ الْعِوَضِ لَهُ فَكَذَلِكَ الْأَكْلُ ، وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الْبَعْضَ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِي الْحُكْمِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَرُدُّ بَعْضَهُ بِالْعَيْبِ دُونَ الْبَعْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَكَلَ الْبَعْضَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ يُرَدُّ بَعْضُهُ بِالْعَيْبِ وَأَكْلَ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَأَكْلُ الْبَعْضِ أَوْلَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَرُدُّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الرَّدِّ كَمَا قَبَضَهُ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِيمَا أَكَلَهُ وَبَعْدَ بَيْعِ الْبَعْضِ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ أَيْضًا فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ فِي حُكْمِ
شَيْءٍ وَاحِدٍ فَبَيْعُ الْبَعْضِ فِيهِ كَبَيْعِ الْكُلِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَرُدُّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَلَكِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِيمَا إذَا بَاعَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ
قَالَ وَإِذَا طَحَنَ الْحِنْطَةَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَفَادَ لَهُ بِالشِّرَاءِ بَاقٍ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ إذَا قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى خُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْ بَابٍ فَوَجَدَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الصُّورَةِ شَيْئَانِ وَفِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَعْنَى كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ الْمَقْصُودُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْأُخْرَى وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَعْنَى وَفِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وُجُودُ الْعَيْبِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مُمْكِنٌ مِنْ رَدِّ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً لَعَادَ إلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ حَادِثٍ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ وَذَلِكَ عَيْبٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ الَّذِي لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حَقِيقَةً إذَا بَاعَ بَعْضَهُ ، أَمَّا إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، وَلَوْ رَدَّ الْمَعِيبَ تَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الصَّفْقَةُ قَدْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ثُمَّ عِلَّةُ الرَّدِّ الْعَيْبُ وَذَلِكَ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِحَسَبِ الْعِلَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَنْ يَتَخَيَّرَ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْعَيْبُ فِي أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ النَّعْلَيْنِ فَهُنَاكَ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْآخَرَ لِاتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ انْتِفَاعًا
وَبِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ إنْ تَضَرَّرَ الْبَائِعُ هُنَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُهُ زُفَرُ فَكَذَلِكَ مِنْ قَبْلِ تَدْلِيسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا ثُبُوتُهُ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهُ حَصَلَ بِتَرَاضِيهِمَا وَالْإِقَالَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ مُبْتَدَإٍ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّهِ فَلِهَذَا لَا يُخَاصِمُهُ فِي عَيْنِهِ قَالَ وَلَوْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ أَوْ بِإِبَاءِ الْيَمِينِ أَوْ بِإِقْرَارٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ بَاعَهُ وَالْعَيْبَ بِهِ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْعَيْبِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا اسْتَحْلَفَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ فَإِنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ الْفَسْخِ بِسَبَبٍ دُونَ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَيَعُودُ إلَيْهِ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى خُصُومَتِهِ فِي الْعَيْبِ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنَّ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ .
قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ عَبْدًا وَلَهُ امْرَأَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ جَمِيعًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ الِاسْتِفْرَاشُ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَخْتَلُّ إذَا ظَهَرَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَفِي الْعَبْدِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَذَلِكَ يَنْقُصُ مِنْ مَالِيَّتِهِ فَلِهَذَا كَانَ النِّكَاحُ عَيْبًا فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً أَوْ بَقَرَةً فَحَلَبَهَا وَشَرِبَ اللَّبَنَ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ : مُتَّصِلَةٌ : وَمُنْفَصِلَةٌ وَالْمُتَّصِلَةُ نَوْعَانِ : زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فِي السَّوِيقِ وَهِيَ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي مَالِيَّةِ الزِّيَادَةِ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الَّتِي هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَانْجِلَاءِ الْبَيَاضِ مِنْ الْعَيْنِ ، وَثِيَابٌ لِلُّبْسِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ انْقِسَامِ الثَّمَنِ بِسَبَبِهَا وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ نَوْعَانِ : عَيْنٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَلَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ ثُمَّ الْكَسْبُ وَالْغَلَّةُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَسَلَامَةُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي لَا تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ سَلَامَةُ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الَّتِي هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَاللَّبَنِ وَالثِّمَارِ وَالْوَلَدِ ، الْعَقْدُ إذَا وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِالشُّبْهَةِ وَالْأَرْشُ إذَا جَنَى عَلَيْهَا بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ يَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْنَعُ وَلَكِنْ يُرَدُّ الْأَصْلُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةُ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ تُمَلَّكُ بِسَبَبِ مِلْكِ الْأَصْلِ فَلَا يُمْنَعُ رَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّهُ
لَا يُقَابِلُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَهْلَكَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلَوْ صَارَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَبِيعَةً لَقَابَلَهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مَعَ الْأَصْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِعَيْبٍ إذَا وُجِدَ بِهَا فَلَوْ صَارَتْ مَبِيعَةً لَثَبَتَ فِيهَا حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَجُوزُ فَسْخُ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ مَعَ بَقَاءِ الزِّيَادَةِ سَالِمَةً لِلْمُتَمَلِّكِ كَالْمَوْهُوبَةِ إذَا زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا تَبْقَى الزِّيَادَةُ سَالِمَةً لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ تَمَلُّكُ مَبِيعٍ فَلَوْ رَدَّ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ مَبِيعًا بِلَا ثَمَنٍ وَذَلِكَ رِبًا وَبَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِمِلْكِ الزِّيَادَةِ سِوَى التَّوَلُّدِ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَسْرِي إلَيْهَا الْمِلْكُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ وَمِلْكُهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكٌ مَبِيعٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُ بِالشِّرَاءِ وَمَا ثَبَتَ فَهُوَ بَاقٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مَنْفِيٍّ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ ذَلِكَ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ فِي الْعَقْدِ بِالْإِقَالَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكٌ مَبِيعٌ فَذَلِكَ الْمِلْكُ يَسْرِي إلَى الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ عَيْنِ الشَّيْءِ يَكُونُ بِصِفَتِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ
مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ يَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ بِصِفَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَبِهِ فَارَقَ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مُبْتَدَإٍ وَمَا سَرَى إلَيْهِ مِلْكُ الْأَصْلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ قُلْنَا لَيْسَ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ مَحْضٌ وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ دُونَ الْبَيْعِ كَأَطْرَافِ الْمَبِيعِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ إنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مَعَ الْأَصْلِ صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ فَيُقَابِلُهَا جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ صِفَةِ السَّلَامَةِ فِيهَا ، فَإِذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِذَلِكَ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا كَانَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ رَدُّهَا مَقْصُودًا ، وَلَكِنْ يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ تَبَعًا وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ تَصِرْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ وَالْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَلَا يُقَابِلُهَا ثَمَنٌ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَرُدَّ الْأَصْلَ دُونَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مَبِيعَةً سَالِمَةً لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالرِّبَا لَيْسَ إلَّا هَذَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ رَدَّهَا ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ لِحَقِّ الشَّرْعِ ؛ وَلِهَذَا رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ .
وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرْضَ وَلَا يُقَالُ قَبْلَ رَدِّ الْأَصْلِ الزِّيَادَةُ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي مَبِيعًا بِلَا ثَمَنٍ فَكَذَلِكَ بَعْدَ رَدِّ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْأَصْلِ الزِّيَادَةُ تَبَعٌ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ يَعْنِي عَنْ اعْتِبَارِ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ فَقَدْ
انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ فَالزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَإِذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً وَلَا يُقَابِلُهَا ثَمَنٌ كَانَتْ رِبًا ؛ وَلِهَذَا يُرَدُّ الْأَصْلُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ زِيَادَةٌ كَانَتْ تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي مَبِيعًا بِلَا ثَمَنٍ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ غَرِمَ بَدَلَهَا فَسَلَامَةُ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي كَسَلَامَةِ الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اسْتَهْلَكَهَا فَلِأَنَّهُ حَابِسٌ لَهَا بِاسْتِهْلَاكِهِ أَوْ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ بِمِلْكِهِ فِيهَا ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى عِوَضٍ سُلِّمَ إلَيْهِ مِنْهَا فَمَنْفَعَةُ ذَلِكَ مِنْ رَدِّهَا بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبَةِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْأَصْلِ هُنَاكَ الزِّيَادَةُ تَبْقَى لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالْأَصْلُ كَانَ سَالِمًا مَوْهُوبًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ رِبًا فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّبَا إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ مُخَنَّثًا أَوْ سَارِقًا أَوْ كَافِرًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اشْتَرَى مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ عَبْدًا وَكَتَبَ فِي عُهْدَتِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ عَبْدًا لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ } فَفِي هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ وَتَفْسِيرُ الدَّاءِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمَرَضُ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ قَالَ الْمَرَضُ مَا يَكُونُ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ وَالدَّاءُ مَا يَكُونُ فِي الْجَوْفِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الدَّاءُ الْمَرَضُ وَالْغَائِلَةُ لَا تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَفْعَالِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِبْثَةُ هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ وَقِيلَ الْجُنُونُ ثُمَّ الْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ إلَى عُرْفِ التُّجَّارِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ فَمَا يَعُدُّونَهُ عَيْبًا فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ أَوْ مَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ فَهُوَ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ الِاسْتِرْبَاحُ ، وَذَلِكَ بِالْمَالِيَّةِ فَمَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ فَهُوَ يُمْكِنُ خَلَلًا فِي الْمَقْصُودِ وَذَلِكَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ وَإِذَا وَجَدَ الْعَبْدَ مُخَنَّثًا ، فَهَذَا مِمَّا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا فَيُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهِ وَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِمِلْكِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهُ سَارِقًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِخْدَامُهُ إذْ لَا يَأْتَمِنُهُ عَلَى مَالِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ عَلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَإِنْ سَرَقَ مَالَ الْغَيْرِ يُقْطَعُ بِسَبَبِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهُ كَافِرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذْ
لَا عَيْبَ تَبْلُغُ دَرَجَتُهُ دَرَجَةَ الْكُفْرِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِخْدَامِهِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ نَحْوَ اتِّخَاذِ الْمَاءِ لِطَهُورِهِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ إلَيْهِ وَالْكَافِرُ نَجَسٌ لَا يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهُ بِخِلَافِ شَرْطِهِ وَلَهُ فِي هَذَا الشَّرْطِ غَرَضٌ فَرُبَّمَا قَصَدَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْمُحَقَّرَاتِ مِنْ الْأُمُورِ وَلَا يَسْتَخِيرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُسْتَخْدَمَ الْمُسْلِمَ فِي مِثْلِهِ ، فَإِذَا فَاتَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ يُمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا الْكُفْرُ عَيْبٌ فَذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ ، فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ وَجَدَهَ أَزْيَدَ مِمَّا شَرَطَ وَثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، فَإِذَا وَجَدَهُ أَزْيَدَ مِمَّا شَرَطَ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ حَقِّ الرَّدِّ لَهُ .
قَالَ وَإِنْ وَجَدَ الْغُلَامَ زَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ عَيْبَ الزِّنَا كَعَيْبِ السَّرِقَةِ أَوْ فَوْقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْجَارِيَةِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَيْبٌ فَكَذَلِكَ فِي الْغُلَامِ وَلَكِنَّا نَقُولُ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَوَجَدَهُ أَفَحْلَ ثُمَّ الَّذِي بِهِ لَيْسَ إلَّا تَمَنِّي الزِّنَا فَإِنَّ تَمَنِّيَ الزِّنَا مَعْدُومٌ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ فِعْلَ الزِّنَا لَا يَتَهَيَّأُ لِلْعَبْدِ إلَّا بِمَالٍ وَلَا مَالَ لَهُ بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ فِي أُمُورٍ خَارِجَ الْبَيْتِ وَزِنَاهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْمَوْلَى ، وَأَمَّا فِي الْجَارِيَةِ فَالْمَقْصُودُ هُوَ الِاسْتِفْرَاشُ وَزِنَاهَا يُخِلُّ بِهَذَا الْمَقْصُودِ فَإِنَّهَا تُلَوِّثُ عَلَيْهِ فِرَاشَهُ وَقِيلَ فِي الْغُلَامِ إذَا صَارَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ بِحَيْثُ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِي مَقْصُودِهِ فَكُلَّمَا يُوَجِّهُهُ فِي حَاجَتِهِ ذَهَبَ فِي مُتَابَعَةِ هَوَاهُ فَهُوَ كَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهَا تَخِلُّ بِالِاسْتِخْدَامِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَ الْعَبْدَ وَلَدَ زِنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِهِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَمَالِيكِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا تُعْرَفُ أَنْسَابُهُمْ فَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ وَلَدَ زِنًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِمَقْصُودَةِ مِنْهَا ، وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ فَإِنَّ وَلَدَهُ يُعَيَّرُ بِأُمِّهِ إذَا كَانَتْ وَلَدَ زِنًا وَعَلَى هَذَا الْغُلَامُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا أَوْ الْجَارِيَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَخْفُوضَةً فَفِي الْحِلْيَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْب هَذَا لَا يَكُونُ عَيْبًا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَفِي الْمُولَدِ لَا يَكُون عَيْبًا فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا وَيَكُونُ عَيْبًا بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْمُولَدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يُتْرَكُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ وَالتُّجَّارُ يَعُدُّونَ ذَلِكَ
عَيْبًا فِي الْمُولَدِ .
قَالَ : وَالثُّؤْلُولُ عَيْبٌ إذَا كَانَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فَيُعْتَبَرُ نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ بِسَبَبِهِ وَالْخَالُ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الْخَالُ رُتْبَةً لَا تُنْقِصُ مِنْ الْمَالِيَّةِ ، وَهُوَ إذَا كَانَ عَلَى الْخَدِّ وَقَدْ يَشِينُهُ إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْنَبَةِ وَذَلِكَ يُنْقِصُ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يُنْقِصَهُ مِنْ الثَّمَنِ .
قَالَ وَالصُّهُوبَةُ فِي الشَّعْرِ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ يَعُدُّونَهُ عَيْبًا وَكَذَلِكَ الشَّمَطُ فَإِنَّ الشَّمَطَ فِي أَوَانِهِ مِنْ الْهَرَمِ وَالْهَرَمُ عَيْبٌ وَفِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَمِنْ دَاءٍ فِي الْبَاطِنِ ، وَهُوَ عَيْبٌ ثُمَّ اللَّوْنُ الْمُسْتَوِي لِلشَّعْرِ السَّوَادُ فَمَا سِوَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الرَّدِّ .
قَالَ وَالْبَخَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ ، وَهُوَ نَتْنٌ فِي الْفَمِ وَهَذَا يُخِلُّ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجَارِيَةِ ، وَهُوَ الِاسْتِفْرَاشُ وَلَا يُخِلُّ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهُ بِالْبُعْدِ مِنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ فَالدَّاءُ نَفْسُهُ عَيْبٌ قَالَ وَالذَّفَرُ كَذَلِكَ ، وَهُوَ نَتْنُ الْإِبْطِ ، وَهُوَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا لَا يَكُونُ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ ، فَهَذَا يَكُونُ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ ، وَهُوَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ .
قَالَ وَالْبَجَرُ عَيْبٌ ، وَهُوَ انْتِفَاخٌ تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِهِ سُمِّيَ بَعْضُ النَّاسِ أَبْجَرُ ، وَهُوَ يَكُونُ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ وَيَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا وَالْأُدْرَةُ عَيْبٌ ، وَهِيَ عِظَمُ الْخُصْيَتَيْنِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْآذَنُ عَيْبٌ ، وَهُوَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ مَنْخِرِهِ الْمَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ وَتَرَى الذَّنِينَ عَلَى مِنْخَارِهِمْ يَوْمَ الْهِيَاجِ كَمَارِنِ النَّمْلِ وَذَلِكَ يُسْتَقْذَرُ وَلَا يَكُونُ إلَّا لِدَاءٍ فِي الدِّمَاغِ .
وَالْيَسِرُ عَيْبٌ ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَسَارِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ يَسِرَ ، وَهُوَ الْأَضْبَطُ الَّذِي يَعْمَلُ بِالْيَدَيْنِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةً ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ .
قَالَ وَالْعَشَى عَيْبٌ ، وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ حَتَّى لَا يُبْصِرَ مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ أَوْ شِدَّةِ الضَّوْءِ وَمِنْهُ يُسَمَّى الْأَعْشَى وَالْعَسَمُ عَيْبٌ ، وَهُوَ يُبُوسَةٌ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْصَابِ مِنْهُ أَصْلُ الْعَرَجِ .
وَالسِّنُّ السَّوْدَاءُ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَهُوَ يَشِينُ صَاحِبَهُ وَالسَّوَادُ فِي السِّنِّ دَلِيلُ مَوْتِ السِّنِّ عِنْد مَنْ يَقُولُ فِي السِّنِّ حَيَاةٌ ، وَكَذَلِكَ السِّنُّ السَّاقِطَةُ عَيْبٌ ضِرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا ثُمَّ سُقُوطُ السِّنِّ فِيمَا لَا يَبْدُو مِنْهَا كَالطَّوَاحِينِ يُنْقِصُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَفِيمَا يَبْدُو مِنْهَا كَالضَّوَاحِكِ وَفِي الْأَصْلِ كَالنَّوَاجِذِ يُنْقِصُ مِنْ الْجَمَالِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْأَرْشُ إذَا قَلَعَ مِنْ الْغَيْرِ وَأَفْسَدَ الْمَنْبَتَ .
قَالَ وَالظُّفْرُ الْأَسْوَدُ عَيْبٌ إذَا كَانَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ الْجَمَالِ وَالسَّوَادُ فِي الظُّفْرِ دَلِيلُ مَوْتِهِ كَمَا فِي السِّنِّ وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ لَا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَنْ هُوَ أَسْوَدُ اللَّوْنِ كَالْحَبَشِيِّ وَإِنَّمَا يُنْقِصُ فِيمَنْ هُوَ أَبْيَضُ اللَّوْنِ كَالْأَتْرَاكِ وَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُنْقِصُ الثَّمَنَ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِهِ .
وَالْإِبَاقُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَيْبٌ مِنْ الصَّغِيرِ مَا دَامَ صَغِيرًا ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يَأْبَقَ بَعْدَ الْكِبَرِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُمَيِّزُ ، أَمَّا فِي الصَّغِيرِ جِدًّا ، فَهَذَا لَا يَكُونُ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ يَضِلُّ وَلَا يَأْبَقُ وَالْإِبَاقُ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى بَيْتِ مَوْلَاهُ فَيَضِلُّ كَالدَّابَّةِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُمَيِّزًا فَالْإِبَاقُ وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ ، وَهُوَ عَيْبٌ فِيهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ ، فَإِذَا بَلَغَ زَالَ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَبَقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَرَّةً فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا وَالسَّرِقَةُ كَذَلِكَ قَالَ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ جِدًّا لَا يَكُونُ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ أَمْثَالِهِ عَادَةً وَأَمَّا الْجُنُونُ إذَا وُجِدَ مَرَّةً فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا سَوَاءٌ وُجِدَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ الْجُنُونِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، وَهُوَ آفَةٌ فِي الْعَقْلِ ، فَإِذَا وُجِدَ مَرَّةً فَأَثَرُهُ يَبْقَى فِيهِ مَا عَاشَ ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ فِي حَمَالِيقِ عَيْنَيْهِ بِمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَصَرِ فِيهِ وَأَمَّا سَبَبُ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَمُخَالِفٌ لِسَبَبِ هَذِهِ الْعُيُوبِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ سَبَبُهُ سُوءُ الْأَدَبِ وَحُبُّ اللَّعِبِ وَسَبَبُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ التَّمَرُّدُ وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِالْمَوْلَى ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ سَبَبُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ قِلَّةُ التَّأَمُّلِ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ بِسَبَبِ الصِّغَرِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ سَبَبُهَا التَّمَرُّدُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا عَلَى الصَّبِيِّ مَا يَجِبُ بِهَا عَلَى الْبَالِغِ وَسَبَبُ الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ قَبْلَ الْبُلُوغِ اسْتِرْخَاءٌ فِي الْمَثَانَةِ بِسَبَبِ الصِّغَرِ وَسَبَبُهُ فِي الْبُلُوغِ آفَةٌ فِي الْآلَةِ الْمَاسِكَةِ ، فَإِذَا وُجِدَ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَهُوَ عَيْبٌ مَا دَامَ صَغِيرًا ، فَإِذَا بَلَغَ
زَالَ ذَلِكَ السَّبَبُ فَزَالَ الْحُكْمُ أَيْضًا ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ يَعُدُّونَهُ عَيْبًا فَهُوَ يُنْقِصُ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَالْإِبَاقُ سِوَى الْمَالِيَّةِ فِيهِ حُكْمًا فَكَانَ مِنْ أَفْحَشِ الْعُيُوبِ .
قَالَ وَالْحَبَلُ فِي بَنَاتِ آدَمَ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ وَيُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَهَائِمِ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْمَالِيَّةِ قَالَ وَالْقَرَنُ عَيْبٌ ، وَهُوَ عَظْمٌ فِي الْمَأْتَى يَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَيْهَا وَبِهِ قَصَدَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَقْعِدُوهَا فَإِنْ أَصَابَ الْأَرْضَ فَهُوَ عَيْبٌ وَالرَّتَقُ عَيْبٌ ، وَهُوَ لَحْمٌ فِي الْمَأْتَى يَمْنَعُ وُصُولَ الْوَاطِئِ إلَيْهَا وَالْعَفَلُ عَيْبٌ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَأْتَى شَبَهُ الْكِيسِ لَا يَتَلَذَّذُ الْوَاطِئُ بِوَطْئِهَا وَهَذَا كُلُّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ .
قَالَ وَالْبَرَصُ عَيْبٌ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا فَيُنْقِصُ مِنْ الْمَالِيَّةِ قَالَ وَالْجُذَامُ عَيْبٌ ، وَهُوَ قَبِيحٌ تَحْتَ الْجِلْدِ يُوجَدُ نَتْنُهُ مِنْ بُعْدٍ وَرُبَّمَا تَنْقَطِعُ الْأَعْضَاءُ بِهِ ، وَهُوَ أَفْحَشُ الْعُيُوبِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ } قَالَ وَالْفَتَقُ عَيْبٌ ، وَهُوَ رِيحٌ فِي الْمَثَانَةِ رُبَّمَا يَهِيجُ بِالْمَرْءِ فَيَقْتُلُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ قَالَ وَالسِّلْعَةُ عَيْبٌ ، وَهُوَ الْقُرُوح الَّتِي تَكُون فِي الْعُنُقِ وَيُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ خوك وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَاءٍ فِي بَدَنِهِ وَرُبَّمَا يَتْلَفُ بِسَبَبِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ يُنْقِصُ الثَّمَنَ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ فَهُوَ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْبَيْعِ الِاسْتِرْبَاحُ فَمَا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ خَلَلًا فِي الْمَقْصُودِ .
قَالَ وَالْكَيُّ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سِمَةً فِي بَعْضِ الدَّوَابِّ فَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا لَا يُرَدُّ بِهِ قَالَ وَالْفَدَعُ عَيْبٌ ، وَهُوَ فِي الْكَفِّ زَيْغٌ فِي الرُّسْغِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعِدِ وَفِي الْقَدَمِ كَذَلِكَ زَيْغٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَظْمِ السَّاقِ وَفِي الْفَرَسِ هُوَ الْتِوَاءُ الرُّسْغِ عَنْ عَرْضِهِ الْوَحْشِيِّ ، وَهُوَ الْجَانِبُ الْأَيْمَنُ قَالَ وَالْفَحَجُ عَيْبٌ ، وَهُوَ فِي الْفَرَسِ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَالْأَفْحَجُ مِنْ الْآدَمِيِّ الَّذِي تَتَدَانَى صُدُورُ قَدَمَيْهِ وَتَتَبَاعَدُ عَقِبَاهُ وَتَنْفَحِجُ سَاقَاهُ وَالدَّحَسُ عَيْبٌ ، وَهُوَ وَرَمٌ يَكُونُ فِي أَطْرَافِ حَافِرِ الْفَرَسِ قَالَ وَالصَّكَكُ عَيْبٌ ، وَهُوَ أَنْ يَصْطَكَّ رُكْبَتَاهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَبُو عُبَيْدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الصَّكَكُ فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْكَعْبَيْنِ قَالَ وَالْحَنَفُ عَيْبٌ ، وَهُوَ إقْبَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبْهَامَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ وَذَلِكَ يُنْقِصُ مِنْ قُوَّةِ الْمَشْيِ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيُّ : الْأَحْنَفُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ قَالَ وَالصَّدَفُ عَيْبٌ ، وَهُوَ الْتِوَاءٌ فِي أَصْلِ الْعُنُقِ .
قَالَ وَالشَّدَقُ عَيْبٌ ، وَهُوَ وُسْعٌ مُفْرِطٌ فِي الْفَمِ وَفِيهِ الْحَدِيثِ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ } ، وَهُوَ مِمَّا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا
ثُمَّ الْعُيُوبُ الَّتِي يَطْعَنُ الْمُشْتَرِي بِهَا أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ نَوْعٌ مِنْهَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي مَوْضِعٍ يَرَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَا تُسْمَعُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِهِ الْعَيْبَ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْعَيْبِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ شَرْطٌ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَحَقِيقَةُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْمَعْرِفَةِ مُمْكِنٌ ، فَإِذَا رَآهُ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَدْ عَلِمَ الْقَاضِي وُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَقْضِي بِالرَّدِّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلِمَ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَرَضِيَ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدُّهُ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ إنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهَا عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ قُضِيَ بِالرَّدِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَلْبَتَّةَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ التَّسْلِيمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا النَّظَرُ لِلْمُشْتَرِي لِجَوَازِ إذَا اسْتَحْلَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ الْعَيْبَ لَوْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ وَالْبَائِعُ بَارٌّ فِي يَمِينِهِ بِأَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهُ بِحُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الْعَيْبُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عِنْدِي الْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْفِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ وَلَا يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ مُنْتَفِيًا فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا
يَسْتَحْلِفُ عَلَى الثَّبَاتِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ .
وَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا وَنَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ عَيْبٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُرِيَهُ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ شَيْءٍ إلَى مَنْ لَهُ بَصَرٌ فِي ذَلِكَ الْبَابِ كَمَا فِي مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُلْزِمٌ كَالشَّهَادَةِ ، فَإِذَا قَالَا الْعَيْبُ مَوْجُودٌ فِيهِ وَقَالَا هُوَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ حُكِمَ بِالرَّدِّ بِقَوْلِهِمَا ، وَإِنْ قَالَا قَدْ يَحْدُثُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْبَائِعُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ وَنَوْعٌ مِنْهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَالْقَاضِي يُرِيهَا النِّسَاءَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تَكْفِي لِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحْوَطُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُعَرَّفَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَالشَّهَادَاتِ فَإِنْ أَخْبَرَتْ بِوُجُودِ الْعَيْبِ تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ لِظُهُورِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ بِقَوْلِهَا وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ بِقَوْلِ النِّسَاءِ .
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا لَا مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ النِّسَاءِ فِيهَا ؛ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُفْصَلُ الْحُكْمُ بِهَا مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ
بِمُؤَيِّدٍ ، وَذَلِكَ بِنُكُولِ الْبَائِعِ فَيُسْتَحْلَفُ حَتَّى إذَا انْضَمَّ نُكُولُ الْبَائِعِ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالرَّدِّ بِقَوْلِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَشَهَادَةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ وَقَاسَ بِالْعَيْنَيْنِ إذَا ثَبَتَتْ الْبَكَارَةُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ ، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ إنْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُفْسَخُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى نَقْلِ الضَّمَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَنَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ حُكْمِيٌّ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ خُصُومَةَ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْعَيْبِ فِي الْحَالِ شَرْطٌ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَلَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْبَائِعِ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الْعَيْبِ عِنْدَهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَصْلَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَإِنْ يَثْبُتْ وُجُودُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ ، وَهُوَ صَغِيرٌ وَالْخُصُومَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ تُسْمَعْ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَدْ زَالَ ، وَهَذَا عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الصِّغَرِ أَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْآنَ تُسْمَعُ خُصُومَةُ الْمُشْتَرِي وَيَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ
الْبَيِّنَةِ عَلَى الَّذِي كَانَ أَبَقَ عِنْدَهُ بَعْدَمَا بَلَغَ قَبْلَ شِرَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَمَا أَبَقَ وَلَا سَرَقَ وَلَا بَالَ فِي الْفِرَاشِ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ .
وَهَذَا اسْتِحْلَافٌ عَلَى الثَّبَاتِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّسْلِيمِ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَالْيَمِينُ الْأُولَى عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْجُنُونُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي الْجُنُونِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ ، مَا جُنَّ قَطُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجُنُونَ إذَا وُجِدَ مَرَّةً فِي الصِّغَرِ أَوْ الْكِبَرِ فَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا فِي الْجُنُونِ لَا يُشْتَرَطُ عَوْدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ قَائِمٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَالْجُنُونُ بَعْدَ انْقِلَاعِهِ يَعْقُبُ أَثَرًا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَمَالِيقِ عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ بِخِلَافِ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمَا قَدْ كَانَ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَوْدِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ .
قَالَ وَإِنْ طَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ مُنْذُ عَلِمَ بِهِ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى بَيْعٍ حَلَّفَهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ .
قَالَ وَالْعَزْلُ عَيْبٌ وَهُوَ أَنْ يَعْزِلَ ذَنَبَهُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ يَكُونُ عَادَةً لَا خِلْقَةً وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا رَاثَ وَرُبَّمَا يُحَوِّلُ الذَّنَبَ مِنْ جَانِبِ إلَى جَانِبٍ حَتَّى يُلَطِّخَ وَرِكَيْهِ بِالرَّوْثِ وَذَلِكَ لِيَتَقَذَّرَ وَيُعَدُّ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ .
قَالَ وَالْمَشَشُ عَيْبٌ وَهُوَ شَيْءٌ يَشْخَصُ فِي وَظِيفَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حَجْمٌ لَيْسَ لَهُ صَلَابَةُ الْعَظْمِ قَالَ الْوَظِيفُ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ قَالَ وَالْحَرَدُ عَيْبٌ ، وَهُوَ كُلُّ مَا حَدَثَ فِي عُرْقُوبِهِ مِنْ تَزَيُّدٍ أَوْ انْتِفَاخِ عَصَبٍ قَالَ وَالزَّوَائِدُ عَيْبٌ ، وَهُوَ أَطْرَافُ عَصَبٍ يَتَفَرَّقُ عِنْدَ الْعِجَانَةِ وَيَنْقَطِعُ عِنْدَهَا وَيُلْصَقُ بِهَا وَالْحَرْنُ عَيْبٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْخَزَرُ ، وَهُوَ ضِيقٌ مُفْرِطٌ فِي الْعَيْنِ وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْحَرَنُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي جُمْلَةِ عُيُوبِ الْفَرَسِ ، وَهُوَ أَنْ لَا تَنْقَادَ لِلرَّاكِبِ عِنْدَ الْعِطْفِ وَالسَّيْرِ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجَمْحِ وَالْجَمْحُ عَيْبٌ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَخَلْعُ الرَّأْسِ عَيْبٌ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِهِ حِيلَةٌ يَخْلَعُ رَأْسَهُ مِنْ الْعِذَارِ ، وَإِنْ شُدَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ عَيْبًا وَرُبَّمَا بَطَلَ سَبَبُهُ وَبَلُّ الْمِخْلَاةِ عَيْبٌ إذَا كَانَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ ، وَهُوَ أَنْ يَسِيلَ لُعَابُ الْفَرَسِ عَلَى وَجْهٍ تَبْتَلُّ الْمِخْلَاةُ بِهِ إذَا جُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَفِيهَا عَلَفُهُ وَقِيلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمِخْلَاةَ بِشَفَتَيْهِ فَيَرْمِيَ بِهَا ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْجَمْحِ فَهُوَ عَيْبٌ إذَا كَانَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ وَالْمَهْقُوعُ عَيْبٌ وَالْهَقْعَةُ دَائِرَةٌ فِي عَرْضِ زَوْرِهِ يُعَدُّ عَيْبًا وَيُتَشَاءَمُ بِهِ وَمِنْهُ يُقَالُ اتَّقِ الْخَيْلَ الْمَهْقُوعَ وَالِانْتِشَارُ عَيْبٌ ، وَهُوَ انْتِفَاخُ الْعَصَبِ عِنْدَ التَّعَبِ وَالْعَصَبُ الَّذِي يُنْشَرُ هِيَ الْعِجَانَةُ وَتَحَرُّكُ السَّطَا كَانْتِشَارِ الْعَصَبِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرَسَ لِانْتِشَارِ الْعَصَبِ أَشَدُّ احْتِمَالًا مِنْهُ لِتَحَرُّكِ السَّطَا وَالْغَرْبُ عَيْبٌ ، وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْمَآقِي وَرُبَّمَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلًا فَصَاحِبُهُ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ .
وَالشَّتَرُ عَيْبٌ ، وَهُوَ انْقِلَابُ فِي الْأَجْفَانِ وَبِهِ كَانَ يُسَمَّى الشَّتَرَ وَهَذَا يُمْكِنُ ضَعْفًا فِي الْبَصَرِ وَالْحَوَلُ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ ضَعْفًا فِي الْبَصَرِ حَتَّى يَرَى الْأَحْوَلُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ شَيْئَيْنِ وَالْحَوَصُ وَالْفَتَلُ عَيْبٌ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَوَلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ يُمِيلُ إنْسَانَ الْعَيْنِ إلَى الْجَانِبِ الْمُقَدَّمِ يُسَمَّى فَتَلًا وَإِذَا كَانَ إلَى الْجَانِبِ الْمُؤَخَّرِ فَهُوَ الْحَوَصُ وَالطَّفْرُ عَيْبٌ وَهُوَ بَيَاضٌ يَبْدُو فِي إنْسَانِ الْعَيْنِ يُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ باحسه وَذَلِكَ يُمْكِنُ ضَعْفًا فِي الْبَصَرِ وَرُبَّمَا يَمْنَعُ الْبَصَرَ أَصْلًا وَالشَّعْرُ فِي جَوْفِ الْعَيْنِ يَكُونُ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَصَرَ .
وَالْجَرَبُ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْعَيْنِ ضَعْفًا فِي الْبَصَرِ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ يَكُونُ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْعَيْنِ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَصَرَ وَرِيحُ السَّبَلِ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يُضْعِفُ الْبَصَرَ وَرُبَّمَا يَذْهَبُ بِهِ .
وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ عَيْبٌ إذَا كَانَ مِنْ دَاءٍ ، أَمَّا الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ عَيْبًا ، فَإِذَا كَانَ قَدِيمًا فَذَلِكَ مِنْ دَاءٍ فِي الْبَدَنِ وَالدَّاءُ نَفْسُهُ عَيْبٌ وَالِاسْتِحَاضَةُ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ ثُمَّ سَيْلَانُ الدَّمِ إذَا كَانَ مُسْتَدَامًا فَرُبَّمَا يُصِيبُهَا وَيَقْتُلُهَا وَاَلَّتِي يَرْتَفِعُ حَيْضُهَا زَمَانًا عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ دَاءٍ فِي الْبَدَنِ وَمِنْهُ يَكُونُ مَوَادُّ الْمَرَضِ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّ الرُّطُوبَةَ إذَا كَانَتْ تَسِيلُ مِنْهَا فِي وَقْتِهَا تَكُونُ صَحِيحَةَ الْبَدَنِ وَإِذَا لَمْ تَسِلْ اصْفَرَّ لَوْنُهَا وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَإِنَّهَا لَا تَحْبَلُ أَيْضًا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يُخِلُّ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا .
وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ مِمَّا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا وَتَكُونُ مَالِيَّتُهُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ عَيْبٌ حُكْمِيٌّ كَعَيْبِ النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ الْبَائِعُ دَيْنَهُ أَوْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ فَبِذَلِكَ يَزُولُ الْعَيْبُ وَزَوَالُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ يُسْقِطُ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ ، أَمَّا إذَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اسْتِدْلَالًا بِسَائِرِ الْعُيُوبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَذَلِكَ هُنَا .
وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُحْرِمَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَلَكِنَّهُ يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ ، وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا ، وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ النِّكَاحَ وَلَكِنَّهُ يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ فِيهَا مَقَامَ الْبَائِعِ وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا ، فَإِذَا كَانَتْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَلَّلَهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَإِذَا كَانَتْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ فَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بِهَذَا وَبِهِ فَارَقَ النِّكَاحَ فَهُنَاكَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي ، وَهَذَا لِأَنَّ لُزُومَ النِّكَاحِ لِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَقَدْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا لُزُومُ الْإِحْرَامِ فَلِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ فِي الْمَحَلِّ مُقَدَّمٌ ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ الْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا وَالزَّوْجُ يَسْتَنِدُ بِالرَّجْعَةِ إلَّا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّهَا لِزَوَالِ الْعَيْبِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتٍ فَلَيْسَ هَذَا بِعَيْبٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا فَالْعَيْبُ هُوَ النِّكَاحُ وَقَدْ انْقَطَعَ وَالْحُرْمَةُ بِهَذَا السَّبَبِ نَظِيرُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَيْبًا ، فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَإِذَا وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا فَقَالَ الْبَائِعُ : مَا هَذِهِ بِجَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَالرَّدُّ بِحُكْمِهِ لَا يَنْفَرِدُ الْمُشْتَرِي بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الرَّدِّ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ .
وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَقَالَ وَجَدْتُهَا ثَيِّبًا لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ فِي النِّسَاءِ أَصْلٌ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَارِضًا لِيُثْبِتَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى جَوْزًا أَوْ بَيْضًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا كُلَّهُ وَقَدْ كَسَرَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ ، أَمَّا الْبَيْضُ فَالْفَاسِدُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَلَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ بَاطِلًا وَأَمَّا الْجَوْزُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ اللُّبُّ دُونَ الْقِشْرِ وَلَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْحَطَبُ وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنْدُرُ فِيهِ الْحَطَبُ فَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ لَكِنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ دُونَ الْقِشْرِ ، فَإِذَا كَانَ حَادِثًا أَنَّ مُنْتِنَ اللُّبِّ لَا يَصْلُحُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَأَمَّا إذَا كَانَ قَلِيلَ اللُّبِّ أَوْ أَسْوَدَ اللُّبِّ ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ ، فَإِذَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ بَعْدَ الْكَسْرِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَرُدُّهُ ، وَكَذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقَرْعُ وَالْفَاكِهَةُ إذَا وَجَدَهَا فَاسِدَةً كُلَّهَا بَعْدَمَا يَكْسِرُهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تُسَاوِي شَيْئًا رَجَعَ جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَأْكُلُهَا بَعْضُ النَّاسِ أَوْ تَصْلُحُ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ سِوَى الْكَسْرِ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَانِعًا حَقَّهُ فِي الرَّدِّ وَهَذَا لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْبَائِعُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى الْكَسْرِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكَسْرُ عَيْبٌ حَادِثٌ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ آخَرَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ
بِالْبَائِعِ ثُمَّ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ أَصْلًا وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُ الْبَائِعَ بِالرَّدِّ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِعِوَضٍ ؛ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا جَانِبَهُ وَهَذَا إذَا وَجَدَ الْكُلَّ فَاسِدًا فَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَالْكَلَامُ فِي حِصَّةِ ذَلِكَ كَالْكُلِّ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا إلَّا أَنَّ فِي الْجَوْزِ إذَا كَانَ الْفَاسِدُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا لَا يَخْلُو الْجَوْزُ مِنْهُ عَادَةً كَالْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَيْنِ فِي كُلِّ مِائَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ لِأَجْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ رَاضٍ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ وَالْجَوْزُ فِي الْعَادَةِ لَا يَخْلُو عَنْ هَذَا فَلَا يُخَاصِمُ فِيهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ حَلَّ دَمُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رِدَّةٍ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقَوَّمُ حَلَالَ الدَّمِ وَحَرَامَ الدَّمِ فَيَرْجِعُ بِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَمَا حَلَّ دَمُهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَحِلُّ الدَّمِ عَيْبٌ فِيهِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مَعِيبًا وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ كَانَ زَانِيًا فَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ بَيْعَ حَلَالِ الدَّمِ صَحِيحٌ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ إلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الثَّمَنُ مُتَقَرَّرًا عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ عَالِمًا حِينَ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ حَلَالُ الدَّمِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ حِلَّ الدَّمِ عَيْبٌ فِيهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ عَلَى مَحَلٍّ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِسَبَبِ حِلِّ الدَّمِ فَالْمُسْتَحَقُّ بِهِ النَّفْسُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْبَيْعِ الْمَالِيَّةَ وَمَحَلُّ الدَّمِ لَا يَعْدِمُ الْمَالِيَّةَ وَلَا يَصِيرُ يَسْتَحِقُّهُ وَإِنَّمَا تَلْفِتْ الْمَالِيَّةُ بِاسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ ، وَذَلِكَ فِعْلٌ أَنْسَأَهُ الْمُسْتَوْفِي بِاخْتِيَارِهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بِمِلْكٍ أَوْ حَقِّ رَهْنٍ أَوْ دَيْنٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُنَاكَ مَا تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ فَيَنْقُصُ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِمَا لَوْ اشْتَرَى حَامِلًا وَقَبَضَهَا فَوَلَدَتْ وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا لَمْ يَرْجِعْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ السَّبَبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَعُذْرُكُمْ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ يُشْكِلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا حَبِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا الْغَاصِبُ فَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا يَرْجِعُ
الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهَا وَفِي هَذَا الْفَرْقِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ زَالَتْ يَدُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْبَيْعِ كَسَبَبِ الْإِزَالَةِ مُسْتَحَقَّةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مَالِكٌ أَوْ مُرْتَهِنٌ أَوْ صَاحِبُ دَيْنٍ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِزَالَةَ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي يَنْتَقِضُ بِهَا قَبْضُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ مُسْتَحَقٌّ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَبِسَبَبِ الْقِصَاصِ مُسْتَحَقٌّ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُنْشِئَ مَنْ هُوَ لَهُ عَفْوًا بِاخْتِيَارِهِ ، وَالْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَالْقَتْلُ مُتْلِفٌ لِلْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَكَانَ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ تُقَامُ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ كَأَنَّهُ الْمَالِيَّةُ وَلَا تَصَوُّرَ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِدُونِ النَّفْسِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْفَصِلُ عَنْ الشَّيْءِ بِحَالٍ فَكَأَنَّهُ هُوَ وَلَا تَصَوُّرَ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِدُونِ النَّفْسِيَّةِ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِيَّةِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ وَانْعِقَادُ الْبَيْعِ صَحِيحًا وَرَاءَ ذَلِكَ وَإِذَا مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَلِهَذَا هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا قُبِلَ فَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَظْهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ دُونَ غَيْرِهِ كَمِلْكِ الزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ وَمِلْكِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي نَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى إذَا وُطِئَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِالشُّبْهَةِ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا وَإِذَا
قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْسَانٌ فَالدِّيَةُ تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الزِّنَا وَزِنَا الْعَبْدِ لَا يُصَيِّرُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقَّةً وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ وَاسْتِيفَاءُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فِي الْمَحَلِّ وَإِذَا اشْتَرَاهُ ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَحَلَّ دَمِهِ فَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ أَيْضًا إذَا قُتِلَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ حِلَّ الدَّمِ مِنْ وَجْهٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ وَجْهٍ كَالْعَيْبِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ الْمَبِيعِ فَلِشَبَهِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قُلْنَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلِشَبَهِهِ بِالْعَيْبِ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ هَذَا كَالِاسْتِحْقَاقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ انْدَفَعَ حِينَ عَلِمَ بِهِ ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَهُنَاكَ السَّبَبُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يُوجِبُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ لَا مَوْتَ الْأُمِّ بَلْ الْغَالِبُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ فَهُوَ نَظِيرُ الزَّانِي إذَا جُلِدَ وَلَيْسَ هَذَا كَالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ كَمَا غُصِبَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ رَدَّهَا حَامِلًا ، وَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ كَمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ مُسْتَحَقًّا بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ يَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَا يَنْتَقِضُ قَبْضُهُ فِيهِ .
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ سَارِقًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْيَدُ
مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا فِي نِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ السِّرَايَةِ بِأَنْ لَا يَقْطَعَ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَأَنْ يَحْسِمَ بَعْدَ الْقَطْعِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَا يَنْتَقِضُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ، وَإِنْ سَرَى .
قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَعَبْدًا فَزَوَّجَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِمَا عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَهُ فَإِنْ أَبَانَهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا لِزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ بِهَذَا النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا .
قَالَ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ وَهَذَا الْعَيْبُ بِهِ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِقَوْلٍ وَالْآخَرُ بِعَيْبٍ مُعَايَنٍ وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَةَ نَفْسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُف رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَانَ يَقُولُ أَوْ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمَوْلَى وَاسْتُحِقَّتْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمَوْلَى حَتَّى تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ فَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رُجُوعُهُ بِقِيمَةِ مَا هُوَ بَدَلٌ لَهُ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ وَكَانَ بِعَيْنِهِ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْعَقْدِ الْإِعْتَاقُ فَإِنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَيَوَانَ يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَتِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَإِنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ قَبْضُ الْبَدَلِ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالْأَجَلُ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ يَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ وَأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُرَدُّ إلَّا بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ عَرَفْنَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَتَأْثِيرُهُ وَهُوَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْجَارِيَةِ لِوُرُودِهَا بِالْعَيْبِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَكَيْف يَنْفَسِخُ وَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ ، فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ فَتَجِبُ قِيمَتُهَا وَاسْتَدَلَّ بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى جَارِيَةٍ بِغَيْرِ
عَيْنِهَا فَأَدَّاهَا وَعَتَقَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَوْلَى بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا وَأَخَذَ مِثْلَهَا صَحِيحَةً فَإِنْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمَوْلَى رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ .
وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْمَوْلَى أَزَالَ عَنْ مِلْكِهِ مَالًا بِإِزَاءِ مَالٍ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ مَا بُذِلَ لَهُ رَجَعَ بِقِيمَةِ مَا بُذِلَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ فَرَسِهِ بِجَارِيَةٍ فَعَتَقَ عَلَى الْقَرِيبِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ رَجَعَ الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنْ يَقُولَ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْعَبْدِ إلَّا مِلْكُ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ إزَالَةَ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ إلَى مَالِكٍ يَكُونُ مُوجِبًا عِتْقَ الْعَبْدِ فَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْإِزَالَةُ مِلْكٌ فَتُلَاقِي مِلْكَهُ .
وَمِلْكُهُ مِلْكُ الْمَالِيَّةِ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ فِي حَقِّ مَا يُسَلَّمُ لِلْعَبْدِ فِي هَذَا فِي مَعْنَى مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَلِمَ لِلْعَبْدِ الْعِتْقُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَفِيمَا يُزِيلُهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ هَذَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمَوْلَى أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى فَأَمَّا الْعِتْقُ فَسَالِمٌ لِلْعَبْدِ بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ لِلْعَبْدِ يُبْنَى عَلَى إزَالَةِ الْمَوْلَى مِلْكَهُ فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَبِاعْتِبَارِهِ هَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا فَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ إنَّ السَّبَبَ لَمْ يَنْفَسِخْ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ يَقُولُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى قَدْ انْفَسَخَ السَّبَبُ وَلِأَنَّ فِي حَقِّهِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ
اسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ كَالْمُدَبَّرِ إذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ قَتَلَهُ مَوْلَاهُ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ يَقُولُ لَا يَنْفَسِخُ السَّبَبُ وَلَكِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمَوْلَى الْعِوَضُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ وَمِثْلِ الْجَارِيَةِ بِحُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ مَا هُوَ عِوَضُهَا وَهُوَ مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ بِهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ عِوَضَ الصَّدَاقِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِيَكُونَ الرُّجُوعُ بِمَالِيَّتِهِ فَلِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيمَةِ الصَّدَاقِ هُنَاكَ .
وَفِي الْكِتَابِ قِيلَ الْجَوَابُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ : بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ لِمُقَابَلَةِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ مَا يُسَلَّمُ لِلْمُكَاتَبِ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ وَمَكَاسِبِهِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ ؛ فَلِهَذَا كَانَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ فِي النِّكَاحِ وَهُنَا بَدَلُ الْجَارِيَةِ مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْجَارِيَةَ كَانَ رُجُوعُهُ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ قِيمَتُهُ .
وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةَ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ ثُمَّ خُوصِمَ فِي عَيْبٍ فَقَتَلَهَا بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْبَائِعَ دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فِي أَنَّهُ يَعْتَمِدُ تَرَاضِيهِمَا فَالْإِقَالَةُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ فَكَأَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً قَالَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْدُثُ فَيَلْزَمُ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْآمِرِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَغِلْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهَا فَائِدَةً ، وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالْمَأْذُونِ قَالَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا قُلْنَا إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْبِ الَّذِي يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ وَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي فَأَقَرَّ عِنْدَهُ بِالْعَيْبِ كَانَ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِهِ سَوَاءً ، لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ إلَّا فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ فِي الْعَيْبِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدُّ الْقَاضِي بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَبِالْبَيِّنَةِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْآمِرِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْآمِرِ وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُثْبِتَ عَلَى الْآمِرِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ لِيَرُدَّهَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْآمِرِ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ رَدَّهَا الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْمُشْتَرِي فَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ عَلَى الْآمِرِ فَيَلْزَمُ الْآمِرَ فَإِنْ رَدَّهَا بِإِبَاءِ الْيَمِينِ مِنْ الْوَكِيلِ ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْآمِرَ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ هَذَا ، وَالْإِقْرَارُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ بَدَلٌ عَنْ الْإِقْرَارِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ
حُجَّةً عَلَى الْآمِرِ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ عَلَى خُصُومَتِهِ مَعَ الْآمِرِ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِنُكُولِهِ جُعِلَ هَذَا وَمَا لَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا النُّكُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ وَإِنَّمَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فِي عَمَلٍ بَاشَرَهُ لِلْآمِرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَيْهِ الثَّمَنَ وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَيَكُونَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ مُخْتَارًا لَا مُضْطَرًّا وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ وَلَكِنْ فِي عَمَلِهِ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِعُهْدَةِ عَمَلِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْآمِرُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ الَّتِي بَاعَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ بِمَا يَلْحَقُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْمُوَكِّلُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا هِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي بَاعَهَا فَحِينَئِذٍ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً لِرَجُلٍ بِأَمْرِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْآمِرِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْآمِرِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْآمِرِ فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَيَدُ الْأَمِينِ كَيَدِ صَاحِبِهَا ، وَلَوْ كَانَ سَلَّمَهَا إلَى الْآمِرِ لَمْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ إلَّا بِأَمْرِهِ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ؛ وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِهِ الْوَكِيلُ وَالْعَاقِدُ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ مُسْتَبِدٌّ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَقَدَهُ لِغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْحُقُوقِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْآمِرِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا إلَّا بِإِعَادَتِهَا إلَى يَدِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضًا بَعْدَمَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَأَمَّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ يَرُدُّ مَا اشْتَرَى بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ غَائِبًا وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَرُدُّ مَا اشْتَرَى بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْآمِرَ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَطَلَبَ يَمِينَ الْآمِرِ أَوْ يَمِينَ الْمَأْمُورِ مَا رَضِيَ بِذَلِكَ الْآمِرُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ يَمِينٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَرُدُّهَا الْوَكِيلُ وَلَا الْمُضَارِبُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآمِرُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ فَيَحْلِفَ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ رِضَى الْآمِرِ وَرَبِّ الْمَالِ يُسْقِطُ حَقَّ الْوَكِيلِ فِي الرَّدِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَقَرَّ بِهِ الْوَكِيلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، فَإِذَا ادَّعَى الْبَائِعُ سَبَبًا
مَسْقِطًا لِحَقِّهِ فِي الرَّدِّ اسْتَحَقَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الْبَائِعُ عَلَيْهِ الرِّضَا فَلَوْ اُسْتُحْلِفَ كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَلَا نِيَابَةَ فِي الْيَمِينِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى وَخُصُومَةٍ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْآمِرِ مُعَامَلَةٌ فَلَا يَكُونُ هُوَ خَصْمًا لَهُ فِي دَعْوَى الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْوَكِيلَ خَصْمٌ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْآمِرِ وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى خَصْمٍ هُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ فَرَضِيَ الْآمِرِ بِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا خُصُومَةَ لَهُ مَعَ الْبَائِعِ فِي هَذَا الْعَيْبِ فَبِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ ، فَذَلِكَ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ الْآمِرِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ الْآمِرَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَالْجَارِيَةُ تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْآمِرُ بِذَلِكَ أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَرْضَى بِمَا رَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ جَارِيَةً فَوَجَدَا بِهَا عَيْبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا وَمَاتَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الْجَارِيَةِ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُنْقِصُهُ الْعُشْرَ رَجَعَ بِعُشْرِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْعَبْدِ الْجَارِيَةُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ رَدَّهُ وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ وَالرُّجُوعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الْبَدَلِ يَكُونُ ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ رُدَّ بِالْعَيْبِ فَقَدْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ بِالْبَدَلِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ ، وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ فَوَاتَ الْقَبْضِ فِيهِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ كَمَا فِي الْعُرُوضِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِهِ لِإِنْسَانٍ وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ دُونَ الْبَائِعِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ مُتْلِفٌ لِلسِّلْعَةِ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هُوَ عَبْدِي الَّذِي بِعْتُكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْبَيْعَ فِي هَذَا الْعَبْدِ ، وَلَوْ أَنْكَرَ جَرَيَانَ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَكَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي إثْبَاتُ الْعَقْدِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الْعَقْدَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى خَادِمًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَلَيْسَ الْكُرُّ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْكُرَّ ، وَهُوَ مِلْكُ غَيْرِهِ ، فَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ قَالَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ أَوْ وَسَطٍ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ هَذَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِ الْكُرِّ بَائِعٌ .
وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ } وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { اشْتَرَى جَزُورًا بِكُرَّيْ تَمْرٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ } وَلِأَنَّ الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ فَهُوَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَكَانَ شِرَاءً بِثَمَنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَإِنْ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا وَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْبَائِعُ الْكُرَّ رَدَّهَا وَأَخَذَ كُرًّا مِثْلَ كُرِّهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكُرُّ عِنْدَ الْبَائِعِ بِعَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ كُرًّا مِثْلَهُ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ عِنْدَ الْفَسْخِ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي كُرٌّ فِي ذِمَّتِهِ يُعْطِيهِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْفَسْخِ .
وَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يَعُدُّ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ لِمَا قُلْنَا قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِثَوْبٍ لَيْسَ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا مَوْصُوفَةً وَمُؤَجَّلَةً ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ
بِعَيْنِهِ فَوَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا وَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْبَائِعُ الثَّوْبَ رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الثَّوْبِ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَقَدْ لَزِمَهُ رَدُّ عَيْنِهِ حِينَ رَدَّ عَلَيْهِ الْجَارِيَةَ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ شَيْئًا بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ فَلَمْ يَسْتَوْفِ ثَمَنَهُ حَتَّى اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ جَازَ .
وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَأَكَّدَ فِي الْمَبِيعِ بِالْقَبْضِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيِّ مِقْدَارٍ مِنْ الثَّمَنِ بَاعَهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ ثُمَّ بَاعَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ .
فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا وَقَالَتْ إنِّي بِعْتُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ جَارِيَةً لِي بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِئْسَمَا شَرَيْتِ وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْتِ أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ فَأَتَاهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مُعْتَذِرًا فَتَلَتْ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَسَادَ هَذَا الْعَقْدِ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ وَأَنَّهَا سَمِعَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ
أَجْزِيَةَ الْجَرَائِمِ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَقَدْ جَعَلْتُ جَزَاءَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ هَذَا الْعَقْدِ بُطْلَانِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتِذَارُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَيْهَا دَلِيلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ كَانَ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَمَا كَانَ يَعْتَذِرُ أَحَدُهُمْ إلَى صَاحِبِهِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا أَلْحَقَتْ الْوَعِيدَ بِهِ لِلْأَجَلِ إلَى الْعَطَاءِ فَإِنَّ مَذْهَبَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَوَازُ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ وَقَدْ كَرِهَتْ الْعَقْدَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهَا بِئْسَمَا اشْتَرَيْتِ وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى عَرَفْنَا أَنَّهَا إنَّمَا كَرِهَتْ لِمَا قُلْنَا .
وَإِنَّمَا كَرِهَتْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُطْرَقَانِ بِهِ إلَى الثَّانِي وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ اشْتَرَى عَلَى مَا لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ } وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ بِعَيْنِهِ وَبَقِيَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ، فَهَذَا رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ فَالرِّبْحُ هُنَاكَ يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي هُنَاكَ رِبْحٌ إلَّا عَلَى ضَمَانِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْأَعْيَانِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَكِنْ يَجْعَلُ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي احْتَبَسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ حَتَّى إذَا كَانَ النُّقْصَانُ نُقْصَانَ السِّعْرِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُقُودِ ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ وَلَيْسَ فِيهِ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَالْفَضْلُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّقْوِيمِ وَالْبَيْعُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْفَضْلُ يَظْهَرُ هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ .
وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذَا لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً وَجِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى فَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ ، وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ ؛ وَلِهَذَا جُعِلَا فِي أَغْلَبِ الْأَحْكَامِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ وَالْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ يُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي شَيْءٍ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } وَلِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ لِأَجْلِ الرِّبَا وَبَابُ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ مَمْلُوكُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ مِنْ وَجْهٍ فَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَهُوَ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ لِمَكَانِ حَقِّهِ فِي الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدَيْنِ وَمَنْ اشْتَرَاهُ وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمَا مُتَبَايِنَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَلَدِ فِي مَالِ الْوَالِدِ مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ فَهُوَ قِيَاسُ مَا لَوْ اشْتَرَى أَخُوهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْعَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ تُجْعَلُ كَشَهَادَةٍ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ شِرَاءُ ابْنِ الْبَائِعِ وَأَبِيهِ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ
الْخِلَافِ الَّذِي سَبَقَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبِيعُ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَمَا لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَمْلُوكِهِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ مِنْ أَخِيهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَرَابَاتِ .
قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى وَكِيلُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ لَهُ أَوْ بَيْعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَيَنْزِلُ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا الْوَكِيلُ عِنْدَهُ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ حُكْمًا فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُنَاكَ يُعْتَبَرُ حَالُ الْمُوَكِّلِ وَيُجْعَلُ عَقَدُ الْوَكِيلِ لَهُ كَعَقْدِهِ لِنَفْسِهِ فَهُنَا أَيْضًا يُجْعَلُ كَذَلِكَ وَالْمُوَكِّلُ هُنَا بَائِعٌ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ لَهُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يُسَوِّي بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَيَقُولُ هُنَاكَ التَّوْكِيلُ بَاطِلٌ وَالْوَكِيلُ يَصِيرُ فِي الشِّرَاءِ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَهُنَا أَيْضًا يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ شِرَاءً صَحِيحًا وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ هُنَاكَ الْوَكِيلُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَهُنَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ شِرَاءً فَاسِدًا حَتَّى يَصِيرَ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ عَلَى الْخَمْرِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْخَمْرَ لِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ، وَإِنْ قَبَضَ فَكَذَلِكَ تَوْكِيلُهُ بِالشِّرَاءِ بَاطِلٌ أَمَّا الْبَائِعُ هُنَا فَمِنْ أَهْلِ مُبَاشَرَةِ هَذَا الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ انْعَقَدَ شِرَاؤُهُ فَاسِدًا ، فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ صَحِيحٌ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَبَعْدَ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ ، وَبَعْدَ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ شِرَاءُ الْوَكِيلِ كَشِرَاءِ الْمُوَكِّلِ وَقَبْضِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ
وَلَكِنْ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ مَتَى أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إفْسَادُهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ وَهُنَا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ كَانَ الشِّرَاءُ فَاسِدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ شِرَاءً صَحِيحًا .
وَفِيهِ شُبْهَةٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ إنَّ الْبَائِعَ أَوْ ابْنَهُ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَمَا تَحَصَّلَ لِلْبَائِعِ مِنْ الْمِلْكِ بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ فَوْقَ مَا تَحَصَّلَ بِشِرَاءِ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ جُعِلَ هَذَا نَظِيرَ الْخَمْرِ فِي الْوَكَالَة فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ فِي شِرَاءِ ابْنِ الْبَائِعِ وَمَمْلُوكِ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ كَافِرٌ فَاشْتَرَى خَمْرًا جَازَ شِرَاؤُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ فَاشْتَرَى خَمْرًا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْكِلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ : الْأَصَحُّ عِنْدِي فِي إزَالَةِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْمَنْعَ هُنَا لِأَجْلِ الْعَقْدِ لَا لِأَجْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَوْ كَانَ هِبَةً كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحًا وَكُلُّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا لَا يَجُوزُ مِنْهُ الشِّرَاءُ كَالْبَائِعِ ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَقٌّ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ؛ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ الْعَقْدُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فَأَمَّا الْأَبُ وَالِابْنُ فَلَهُمَا حَقٌّ فِي الْعَقْدَيْنِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَمْرِ فَهُنَاكَ الْمَنْعُ لِانْعِدَامِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِي الْخَمْرِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ خَاصَّةً ، فَإِذَا كَانَ الْعَاقِدُ كَافِرًا صَحَّ الْعَقْدُ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْمِلْكِ أَوْ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ لِمُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النَّقْدِ لَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ مُوَكِّلِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِمُوَكِّلِ الْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مِنْ مُوَكِّلِهِ ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ إنَّمَا بَاعَ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ بِنَفْسِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الشِّرَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النَّقْدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةٍ سَنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِنَسِيئَةٍ سَنَتَيْنِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَجَلِ تُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّةِ الثَّمَنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْلَ الْأَجَلِ يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُؤَجَّلُ أَنْقَصَ مِنْ الْحَالِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ رِبَا النَّسْإِ شَرْعًا فَكَذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ يَزْدَادُ النُّقْصَانُ فِي الْمَالِيَّةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ جَازَ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي الثَّمَنِ الثَّانِي بِمُقَابَلَةِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ فَيَنْعَدِمُ النُّقْصَانُ بِهِ مَعْنًى ، وَالْمُمْتَنِعُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ الشِّرَاءُ جَائِزًا .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِدَرَاهِمَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ الطَّعَامِ يَدًا بِيَدٍ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ أَقَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ طَعَامُهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ أَيْضًا كَبَدَلِ الْعُرُوضِ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِالثَّمَنِ حَدِيثُ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَيْثُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالنَّقِيعِ وَرُبَّمَا أَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ إنْ افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ } .
قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ ، وَهُوَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَحَطَّ عَنْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَكِنْ يَرُدُّ مَا أَخَذَ وَالْمَالُ كُلُّهُ إلَى أَجَلِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُجَوِّزُ ذَلِكَ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقَابَلَةُ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَمُقَابَلَةُ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ رِبًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ لَوْ زَادَهُ فِي الْمَالِ لِيُؤَجِّلَهُ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ فِي الْمُؤَجَّلِ إذَا حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ لِيُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا أَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ فَقَالُوا إنَّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النَّاسِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا } فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الرِّبَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى إذَا صَالَحَ مَعَ مُكَاتَبِهِ مِنْ الْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ فَذَلِكَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَلَكَهُ وَلَا رِبًا بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَسَيِّدِهِ فَمَا فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا لَا يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالسَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَوْلَى يَقْصِدُ بِالْكِتَابَةِ الرِّفْقَ بِالْمُكَاتَبِ فَكَذَلِكَ فِي حَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ مَقْصُودُهُ الرِّفْقُ بِهِ لَا مُبَادَلَةَ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا لَوْ زَادَهُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِيَزِيدَهُ فِي الْأَجَلِ جَازَ وَيَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا بَيْنَ الْحُرَّيْنِ .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا بِنَسِيئَةٍ فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ ثَبَتَ لِلثَّانِي بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَهُوَ كَعَيْنٍ آخَرَ يَشْتَرِيه بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَارِثِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ وَارِثِ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ ؛ وَلِهَذَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ مُوَرِّثُهُ وَيَجُوزُ إقَالَةُ الْوَارِثِ مَعَ الْبَائِعِ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ ؛ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ مَعَ بَائِعِ الْمُوصِي وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي ؛ فَلِهَذَا جَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَارِثُ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ وَارِثِ الْمُشْتَرِي وَأَبُو يُوسُفَ يُسَوِّي بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ وَارِثَ الْبَائِعِ يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَهُ كَوَارِثِ الْمُشْتَرِي وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ لِلْمُوَرِّثِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ وَمَا كَانَ مِلْكُهُ لِلْوَارِثِ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا مِلْكٌ يَحْصُلُ لِوَارِثِ الْبَائِعِ بِاكْتِسَابِهِ ، وَهُوَ لَيْسَ يَخْلُفُ عَنْ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ فَيُجْعَلُ شِرَاؤُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ كَشِرَائِهِ فِي حَيَاةِ الْبَائِعِ قَالَ : وَإِنْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِثَمَنِ حِصَّتِهِ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ فِيهِ كَمَا
لَوْ اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَيَجُوزُ فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُفْسِدَ لِلْعَقْدِ فِي حِصَّةِ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَقَدْ بَيَّنَّا عُذْرَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَنَّ هَذَا فَسَادٌ ضَعِيفٌ خَفِيٌّ ؛ وَلِهَذَا خَفِيَ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُعَدُّ وَحُكْمُهُ مَحَلُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ ظَاهِرًا بِسَبَبِ الرِّبَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مَا بَاعَ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلتَّصْحِيحِ فَإِنَّهُ وَإِنْ جُعِلَ بِمُقَابَلَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ يَجُوزُ الْعَقْدُ أَيْضًا وَلَا يُقَالُ قَدْ جُعِلَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْعَقْدُ فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَظَائِرِ هَذَا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ ثَمَنَهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافَ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ صَحِيحًا وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ الثَّانِي ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ شِرَاءُ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِصْفِهِ كَمَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ فِي الْكُلِّ إذَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَاعْتِبَارُ الْبَعْضِ بِالْكُلِّ اعْتِبَارٌ صَحِيحٌ .
وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ نَقَصَتْهَا كَمَا لَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ إنْ لَمْ يُنْقِصْهَا ؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى هَيْئَتِهِ كَمَا كَانَ ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَحْصُلُ لَهُ رِبْحٌ لَا عَلَى ضَمَانِهِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ شِرَائِهَا فَادَّعَى الْوَلَدَ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ فِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ أَنَّ الْبَائِعَ بِهَذِهِ الدَّعْوَى يَسْعَى فِي نَقْصِ مَا تَمَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَكَمَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَكَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ أَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ ثُمَّ ادَّعَى نَسَبَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَإِقْدَامُهُ عَلَى بَيْعِهَا إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّ وَلَدٍ لَهُ ، فَإِذَا زَعَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ وَأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ كَانَ مُنَاقِضًا فِي ذَلِكَ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ بِاتِّفَاقٍ فَلَوْ جَعَلَ الْحَالَ بَعْدَ بَيْعِهَا كَالْحَالِ قَبْلَهُ فِي دَعْوَى الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ فِي دَعْوَى أَبِيهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَلَمَّا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَرَفْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَحُصُولُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ يُثْبِتُ لَهُ حَقَّ اسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ بِالدَّعْوَى وَحَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِحَقِيقَةِ النَّسَبِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ كَانَتْ دَعْوَاهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَدَعْوَاهُ قَبْلَهُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُنْقِصُهُ مَا هُوَ دُونَهُ وَإِنَّمَا يُنْقِصُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ حَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لِلْبَائِعِ ، فَهَذَا يَحْتَمِلُ لَرَفْعِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَضَعَتْهُ
لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّا لَا نَتَيَقَّنُ هُنَاكَ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَثُبُوتُ حَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَهُ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَالْمُتَيَقَّنُ بِهِ أَقْوَى مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ وَالْوَلَاءُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِحَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فَيَنْتَقِضُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ حَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ وَحَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ ، وَهُوَ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَاهُ أَبُو الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ لِابْنِهِ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ إلَّا بِشَرْطٍ ، وَهُوَ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ حَقَّ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ لِلْجَدِّ حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ وَيَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُوجَدُ فِيهِ بَعْدَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ بِالدَّعْوَى ؛ فَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ ثُمَّ التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُلَاعِنَ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ لِخَفَاءِ أَثَرِ الْعُلُوقِ وَقَدْ يَظُنُّ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَقْ مِنْهُ فَيَبِيعُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ فَيَسْتَدْرِكُ ذَلِكَ بِدَعْوَى النَّسَبِ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِاللِّعَانِ وَقَطْعِ النَّسَبِ أَقْوَى مِنْهُ فِي بَيْعِهِ إيَّاهَا ، فَإِذَا جَازَ إبْطَالُ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِدَعْوَى النَّسَبِ وَإِنْ كَانَ هُوَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ إبْطَالُ الْبَيْعِ أَوْلَى ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ
دَعْوَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاسْتَغْنَى بِهِ الْوَلَدُ عَنْ النَّسَبِ ؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ الَّذِي يَثْبُتُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْمِلُ النَّقْضَ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لَهُ بِالْعِتْقِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَلَاءِ يُبْطِلُ حَقَّ الِاسْتِلْحَاقِ الثَّابِتِ لِلْبَائِعِ فَاعْتِبَارُ النَّسَبِ أَوْلَى .
وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ وَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِيهَا عِنْدَنَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا حَقِّيَّةَ الْمِلْكِ وَلِلْبَائِعِ حَقُّ الْمِلْكِ وَصَاحِبُ حَقِّيَّةِ الْمِلْكِ يَتَرَجَّحُ فِي الدَّعْوَى كَمَا لَوْ وَلَدَتْ جَارِيَةُ رَجُلٍ فَادَّعَى الْوَلَدَ هُوَ وَأَبُوهُ صَحَّتْ دَعْوَى الْمَوْلَى دُونَ أَبِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنَّا نَقُولُ دَعْوَى الْبَائِعِ سَابِقَةٌ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَإِنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَى الْمُشْتَرِي لَا تَسْتَنِدُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ سَبَقَ الْبَائِعُ بِالدَّعْوَى كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا سَبَقَتْ مَعْنَى بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأَبِ لِأَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَاكَ تَسْتَنِدُ إلَى مَا تَسْتَنِدُ إلَيْهِ دَعْوَى الْآخَرِ إلَّا أَنَّ شَرْطَ دَعْوَى الْأَبِ نَقْلُهَا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ اتِّحَادُ هَذَا الشَّرْطِ إذَا اقْتَرَنَتْ دَعْوَى الْمَوْلَى بِدَعْوَاهُ ، يُوَضِّحُ مَا قُلْنَا أَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي دَعْوَى التَّحْرِيرِ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَى التَّحْرِيرِ كَالْإِعْتَاقِ أَمَّا دَعْوَى الْبَائِعِ فَدَعْوَى اسْتِيلَاءٍ وَلِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَيُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ادَّعَاهُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَعًا فَتَكُونُ دَعْوَى الْبَائِعِ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا فَدَعْوَى الْمُشْتَرِي أَوْلَى لِأَنَّا لَنْ نَتَيَقَّنَ
بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ هُنَا ، وَلَوْ انْفَرَدَ بِالدَّعْوَى لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا اقْتَرَنَتْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي بِدَعْوَى الْبَائِعِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَصِحَّ دَعْوَى الْبَائِعِ .
قَالَ : وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَنَسَبُهُ يَثْبُتُ مِنْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّسَبِ فَحَلَّ لَهُ بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ وَلَكِنْ لَا يُنْقَضُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِي الْأُمِّ لِلْوَلَاءِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَثْبُتُ حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ كَمَا فِي وَلَد الْمَغْرُور ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ فَإِنَّ هُنَاكَ دَعْوَى الْبَائِعِ لَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَالْأُمُّ تَبَعٌ ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ دَعْوَاهُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يَشْتَغِلُ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْبَيْعِ فَأَمَّا حَقُّ الْأُمِّ فِي الِاسْتِيلَادِ فَبَيْعٌ وَتَعَذُّرُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ؛ فَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا فَيَرُدُّ الْبَائِعُ حِصَّةَ الِابْنِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا لِهَذَا الْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِنَقْضِ الْعَقْدِ فِيهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْمَقْصُودِ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا ثُمَّ ادَّعَى النَّسَبَ بَعْدَمَا بَاعَهَا ، فَهَذَا وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَدَعْوَاهُ فِيهِ كَدَعْوَى التَّحْرِيرِ وَلَا يَعْمَلُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ صَحَّتْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَالْبَيْعُ الثَّانِي فِي احْتِمَالِ النَّقْضِ كَالْأَوَّلِ فَبِاعْتِبَارِ الدَّعْوَى يَنْقُضُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا .
وَلَوْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ثُمَّ
بَاعَ أَحَدَهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِحَاجَتِهِمَا إلَى النَّسَبِ وَبَقِيَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ فِي مِلْكِهِ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ يَنْتَقِضُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَلَدِ الْآخَرِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْآخَرِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ انْتِقَاضُ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ الثَّابِتِ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ انْتِقَاضُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ نُقِضَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي عَادَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ فَيَطَؤُهَا بِالْمِلْكِ بَعْدَمَا حَكَمَ بِحُرِّيَّتِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَمَّا هُنَا لَوْ نَقَضْنَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي فِي الْوَلَدِ أَثْبَتْنَا فِيهِ مَا هُوَ أَقْوَى ، وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ بُيُوعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ مَمْلُوكًا مُسْلِمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ جَازَ شِرَاؤُهُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ سَبَبٌ يُكْسِبُهُ إثْبَاتَ أَقْوَى السَّبِيلِ لَهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَرُّ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ هَذَا الْعَقْدِ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِدَامَتُهُ كَنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا مُؤَبَّدًا ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ .
فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ سَبَبِ الْمِلْكِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ إسْلَامَ الْمَمْلُوكِ مَعَ كُفْرِ الْمَالِكِ يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْمِلْكِ إذَا طَرَأَ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ إذَا اقْتَرَنَ بِالسَّبَبِ كَمَا فِي النِّكَاحِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ عَلَيْهِ اسْتِذْلَالُ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَرِقُّ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ فَكَذَلِكَ لَا يَشْتَرِيهِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشِّرَاءِ لَهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ فَيَكُونُ هَذَا فِي الْمَعْنَى كَالِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ وَلَا يَمْلِكُ الْخَمْرَ بِالشِّرَاءِ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ وَذُلُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاكْتِسَابُ سَبَبِ إزَالَةِ الذُّلِّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ إنَّمَا الْمَمْنُوعُ مِنْهُ اكْتِسَابُ سَبَبِ الذُّلِّ ، وَهَذَا النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ الْمُسْلِمَةَ وَلَا يَصِحُّ عَقَدُ النِّكَاحِ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ يَشْتَرِي وَالِدَهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَمْنُوعًا عَنْ إذْلَالِ وَالِدِهِ ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ هُنَاكَ تَتِمُّ عِلَّةُ الْعِتْقِ فَيَتَخَلَّصُ بِهِ عَنْ ذُلِّ الرِّقِّ وَالْأُمُورُ بِعَوَاقِبِهَا فَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ يَصِيرُ هَذَا الشِّرَاءُ إكْرَامًا ا لَا إذْلَالًا ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا الِابْنُ الْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ الْمُسْلِمَ يَجُوزُ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَكَ هَذَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَجُوزُ وَيَتَمَلَّكُهُ الْكَافِرُ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْفَصْدِ فَهُوَ جُرْحٌ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يَكُونُ دَوَاءً ، وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ مَا قُلْنَا أَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ وَفِي إثْبَاتِ الْيَدِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَفِيدُ بِهِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ مَعْنَى الذُّلِّ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ قَبْضِهِ فَيَقُولُ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ فَوَاتَ الْقَبْضِ إذَا طَرَأَ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْمُحْرِمُ إذَا اشْتَرَى طِيبًا لَا يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا عَلَى الصَّيْدِ لِإِحْرَامِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالشِّرَاءِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ بِالِاصْطِيَادِ فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ الْعُمُومَاتُ الْمُجَوِّزَةُ لِلْبَيْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بَيْعَ عَبْدِهِ الْمُسْلِمَ فَيَمْلِكُ شِرَاءَهُ كَالْمُسْلِمِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ
التَّصَرُّفِ وَكَوْنُ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِلتَّصَرُّفِ وَمَا يَصِيرُ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَحَلُّ مَحَلًّا لِلتَّصَرُّفِ لِكَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالشِّرَاءِ فَنُفُوذُ بَيْعِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ وَفِي تَصْحِيحِ الْبَيْعِ إظْهَارُ سُلْطَانِ مَالِكِيَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِذْلَالِ شَيْءٌ حَتَّى يُؤْمَرَ بِهِ شَرْعًا فَكَذَلِكَ فِي تَصْحِيحِ الشِّرَاءِ إثْبَاتُ سُلْطَانِ الْمِلْكِيَّةِ .
وَلَا يَكُونُ فِي عَيْنِهِ مِنْ مَعْنَى الْإِذْلَالِ شَيْءٌ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي عَيْنِ الشِّرَاءِ بَلْ لِمَعْنًى فِي قَصْدِهِ ، وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ كَالنَّهْيِ عَنْ الشِّرَاءِ وَقْتَ النِّدَاءِ ؛ وَلِهَذَا نَدَبَ الْوَلَدَ إلَى شِرَاءِ أَبِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إذْلَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِشِرَائِهِ الِاسْتِخْدَامَ ، وَلَوْ كَانَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ عَيْنِهِ إذْلَالًا لَكَانَ الْقَرِيبُ مَمْنُوعًا عَنْهُ فِي قَرِيبِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ لَا تَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِمَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بِالشِّرَاءِ لَا تَتَبَدَّلُ صِفَةُ الْمَحَلِّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا قَبْلَ شِرَائِهِ وَبَقِيَ مَمْلُوكًا بَعْدَ شِرَائِهِ وَإِنَّمَا تَتَحَوَّلُ الْإِضَافَةُ مِنْ الْمُسْلِمِ إلَى الْكَافِرِ ، وَهِيَ إضَافَةٌ مَشْرُوعَةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرِثُ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَبِالْإِرْثِ تَتَجَدَّدُ الْإِضَافَةُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَلَكِنْ لَا يَتَبَدَّلُ وَصْفُ الْمَحَلِّ فَلَا يَكُونُ عَيْنُهُ إذْلَالًا بِخِلَافِ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ تَتَبَدَّلُ صِفَةُ الْمَحَلِّ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالِكًا وَالْمَمْلُوكِيَّة إذَا قُوبِلَتْ بِالْمِلْكِيَّةِ كَانَتْ
الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي غَايَةِ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَهَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ .
وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ يَتَجَدَّدُ ثُبُوتُ الْمَمْلُوكِيَّةِ فِي الْمَحَلِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِقَامَةِ النَّسْلِ أَثْبَتَ الشَّرْعُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ فَيَبْقَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ إذْلَالًا فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَبْقَى لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إبْقَاءِ الْمِلْكِ تَبْدِيلُ صِفَةِ الْمَحَلِّ فَصَارَ الشِّرَاءُ هُنَا فِي مَعْنَى الْإِذْلَالِ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَاءِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لِلنِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَحَلِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْمُسْلِمَةُ لَيْسَتْ بِمُتَحَلِّلَةٍ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَلِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يَبْقَى ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ كَالْفَوَاتِ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ ، وَكَذَلِكَ الْقَبْضُ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْإِذْلَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ الْمُحْرِمِ يَشْتَرِي صَيْدًا ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } فَلَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ فَإِنَّمَا بَطَلَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلَسْنَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَقْصُودِ هَذَا الْعَقْدِ بَلْ يُقَرُّ عَلَى مَقْصُودِهِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مُوجِبُ الشِّرَاءِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَأَمَّا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَلَيْسَ مِنْ
مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ يَشْتَرِي عَبْدًا مُرْتَدًّا فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الشِّرَاءِ إظْهَارُ ذُلِّ الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْكَافِرِ فَيُخَاصِمُهُ وَيَجُرُّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى .
وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخِفُّ بِهِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَنَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَيْنِ الشِّرَاءِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ وَكَلَامُنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ فَالْكَافِرُ لَا يَسْتَخِفُّ بِالْمُصْحَفِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَلَامٌ فَصِيحٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ فِي مِلْكِهِ اسْتَخْدَمَهُ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَفِيهِ ذُلٌّ فَيُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الذُّلِّ ، وَذَلِكَ بِبَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُتْرَكُ لِيَبِيعَهُ مِنْ كَافِرٍ آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ بَاعَهُ جَازَ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْمُصْحَفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُهُ كَمَا يَجِبْ تَعْظِيمُهُ وَإِذَا تُرِكَ فِي مِلْكِهِ يَمَسُّهُ ، وَهُوَ نَجِسٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ { لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ }
فَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ مَمْلُوكُ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَعَلَّهُ يُسْلِمُ فَيَتْرُكَ الْعَبْدَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ كَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبِي فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَجُوزُ إزَالَتُهُ مَجَّانًا عِنْدَ إبَانَةِ الْإِسْلَامِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَرَمٌ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَالِيَّةَ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ .
وَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَبْدٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ أَمَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَوَلَدُهُ مِنْهَا صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَوَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْرِيقٌ بِحَقٍّ وَجَبَ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى الِابْنُ الصَّغِيرُ جِنَايَةً فَدَفَعَ بِهَا أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَبِيعَ فِيهِ يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْأُمِّ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ بِحَقٍّ لَزِمَ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً وَاسْتَقَامَ ذَلِكَ ، فَهَذَا مِثْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ بَيْعُ الْوَلَدِ تُبَاعُ الْأُمُّ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِلْبَيْعِ .
قَالَ وَإِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ ، وَهُوَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مِنْهُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ فَكَاتَبَهُ جَازَتْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَنُفُوذُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ ثُمَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ إزَالَةُ ذِلَّةٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي حَقِّ الْيَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَلَا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ عَلَيْهِ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَرُبَّمَا يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ وَيَتِمُّ الْمَقْصُودُ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ حِينَ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ فَظَهَرَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ، وَهُوَ الْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ ، وَإِنْ لَمْ يُكَاتِبْهُ وَلَكِنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَحْصُلْ فَالرَّاهِنُ يَسْتَخْدِمُ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ثُمَّ بَعْدَ الرَّهْنِ هُوَ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ فَيَبْقَى فِيهِ حُكْمُهُ ، وَهُوَ الْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ فَأَمَّا بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَإِذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ قَدْ صَحَّ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فِي الْمَحَلِّ فَيَتَحَوَّلُ حُكْمُهُ إلَى بَدَلِهِ كَمَا إذَا قَبِلَ الْمَرْهُونَ وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ آجَرَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَالْمَقْصُودُ ، وَهُوَ إزَالَةُ الْيَدِ عَنْ الْمُسْلِمِ لَا يَحْصُلُ بِالْإِجَارَةِ بَلْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الْإِذْلَالِ .
وَيَبْقَى هُوَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ثُمَّ تَبْطُلُ بِهِ الْإِجَارَةُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا بَاعَ الْمُؤَاجَرَ بِرِضَى الْمُسْتَأْجِرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَالرَّاهِنُ إذَا بَاعَ الْمَرْهُونَ بِرِضَى الْمُرْتَهِنِ
كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا ، وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ ، وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَجْبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَمْ أَتْرُكْهُ يَكُونُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِذْلَالَ هُنَا يَتَقَرَّرُ إذَا تُرِكَ فِي مِلْكِهِ فَيَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْإِجْبَارِ عَلَى بَيْعِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَدَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ جَعَلْتُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا مُتَعَذَّرٌ لِمَا يُقِرُّ فِيهَا مِنْ حَقِّ الْعِتْقِ فَيَجِبُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِ الْكَافِرِ بِالِاسْتِسْعَاءِ فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ مَا دَامَتْ تَسْعَى وَعِنْدَ زُفَرَ هِيَ حُرَّةٌ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِخَارِجٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ .
وَإِذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاؤُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِنْ أَمْضَاهُ لِكَافِرٍ مِثْلِهِ أَجْزَأَهُ وَأُجْبِرَ ذَلِكَ الْكَافِرُ عَلَى بَيْعِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ ابْتِدَاءً بَعْدَمَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ فَسَخَ الْعَقْدَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ إذَا كَانَ كَافِرًا ، وَإِنْ أَمْضَى الْعَقْدَ وَالْمُشْتَرِي مُسْلِمٌ فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ثُمَّ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ إنْ كَانَ كَافِرًا لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مُسْتَحَقٌّ شَرْعًا وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَا يَثْبُتُ مِنْ الْحَقِّ لِلْعَبْدِ بِإِسْلَامِهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ إذَا كَانَ كَافِرًا وَمَعَ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْحَقَّيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا فَرَفَعَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي أَجْبَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ كَانَ شِرَاءٌ يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ الْبَيْعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ فَسْخُ الْعَقْدِ لِغِيبَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْبَائِعُ إضْرَارًا بِالْعَبْدِ وَابَقَاءً لَهُ فِي ذُلِّ الْكَافِرِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرْعِ ، وَإِنْ كَانَ شِرَاءً يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ الْبَيْعُ فَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ إجْبَارُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَكِنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ أَوْ أَمَانَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ .
مُسْلِمٌ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ شِرَاءً فَاسِدًا أَجْبَرْتُهُ عَلَى رَدِّهِ عَلَى الْكَافِرِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ثُمَّ يُجْبَرُ الْكَافِرُ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَقَّيْنِ مُمْكِنٌ ، وَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ غَائِبًا فَهُوَ عَلَى حَالَةٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إبْقَاءِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ مَعْنَى الْإِذْلَالِ .
وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا وَهَبَ عَبْدًا مُسْلِمًا لِكَافِرٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ جَازَ وَأُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى بَيْعِهِ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَبِعْهُ الْكَافِرُ أَوْ يُعَوِّضْ الْمُسْلِمَ مِنْهُ وَالْكَافِرُ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ هُوَ الْوَاهِبُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ كَانَ ثَابِتًا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْعِوَضُ فَلَا يَبْطُلُ بِإِسْلَامِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ إذَا رَجَعَ فِيهِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ .
وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ فَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ نَصْرَانِيٌّ آخَرُ بِبَيِّنَةِ مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ عِتْقَهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَمْلِكْ وَإِنَّ عِتْقَهُ لَمْ يَنْفُذْ ؛ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَيَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ الْبَيْعُ بِإِجْبَارِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا أَجْبَرَ عَلَيْهِ الْمَالِكَ الظَّاهِرَ لَهُ حِينَ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا يَوْمئِذٍ وَلَعَلَّهُ يُسْلِمُ لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ .
وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ لَهَا مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ فَأُجْبِرَتْ عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا وَاشْتَرَاهُ زَوْجُهَا لِوَلَدٍ لَهُ صَغِيرًا فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ ، وَهُوَ إزَالَةُ ذُلِّ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهَا .
قَالَ : وَلَوْ أَنَّ يَتَامَى مِنْ النَّصَارَى أَسْلَمَ عَبْدٌ لَهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى بَيْعِهِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ وَصِيٌّ بَاعَهُ الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فِي الْبَيْعِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ فَفِي الْبَيْعِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيٌّ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُمْ وَصِيًّا فَبَاعَهُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ نَظَرًا مِنْهُ لِلْيَتَامَى فَلَأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ مِنْهُ نَظَرًا لِلْيَتَامَى وَمُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى .
قَالَ وَإِذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى عَبْدًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَجْبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مِنْ كَسْبِهِ مَا لَمْ يَقْضِ عَنْهُ الدَّيْنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ ، وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ كَمُكَاتَبٍ نَصْرَانِيٍّ لِمُسْلِمٍ أَسْلَمَ عَبْدُهُ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ أَرُدُّهُ تَرَكْتُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي بِالرَّدِّ حَقَّهُ وَيَدْفَعُ بِهِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ رَدُّهُ إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ مِنْهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا يُخَاصِمُ عَنْهُ فِي الْعَيْبِ جَازَ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ مَا رَأَى وَلَا رَضِيَ ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ فَيَحْلِفَ وَفِي هَذَا الْحُكْمِ يَسْتَوِي الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَاضِي يُحَلِّفُ الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَا رَأَى وَلَا رَضِيَ طَلَبَ الْبَائِعِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِطَلَبِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصُونَ قَضَاءَهُ عَنْ أَسْبَابِ الْخَطَأِ وَلَيْسَ كُلُّ خَصْمٍ يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ لِيَسْأَلَ أَوْ يَتَجَاسَرَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ حِشْمَةِ الْقَاضِي فَيَحْتَاطُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا رَأَى الْعَيْبَ وَلَا رَضِيَ بِهِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى بَيْعٍ ثُمَّ يَقْضِي بِالرَّدِّ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَإِقْرَارُ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ جَائِزٌ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي جَوَابِ الْخَصْمِ وَلَا يَحْلِفُ الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الْيَمِينِ لَا تُجْزِئُ وَلَكِنْ يَحْضُرُ الْمُوَكِّلُ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا هَذَا بِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ .
قَالَ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ شَيْءٌ مِنْ بُيُوعِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا مَا يَجُوزُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَا خَلَا الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنِّي أُجِيزُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَأَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ فِي حَقِّهِمْ وَالْأَثَرُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَأَوْضَحْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الرِّبَا وَالتَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَنَذْكُرُ هُنَا حَرْفًا آخَرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ لَمَّا بَقِيَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِمْ فَلَوْ لَمْ نُجِزْ تَصَرُّفَهُمْ فِيهِمَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِهِمْ ، وَلَوْ مَنَعْنَاهُمْ عَنْ عُقُودِ الرِّبَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ فَائِدَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ إلَّا بِطَرِيقِ الرِّبَا .
قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ الْخَمْرِ وَلَا أَكْلُ ثَمَنِهَا بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً وَذَكَرَ فِي الْجُمْلَةِ بَائِعَهَا وَالثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا ثَمَنَهَا } وَاَللَّهُ تَعَالَى إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ بَيْعَهُ وَأَكْلَ ثَمَنِهِ وَبِهَذِهِ الْآثَارُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إيَّاهَا .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ عَصِيرًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى صَارَ خَمْرًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ بَعْدَ التَّخَمُّرِ وَبِالْقَبْضِ يَتَأَكَّدُ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ وَيُسْتَفَادُ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَى الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبْضُ الْخَمْرِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى السُّلْطَانِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ هَكَذَا ذَكَر الْكَرْخِيُّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ بِالتَّخَمُّرِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ عَلَى الْخَلِّ إلَّا بِالِاسْتِقْبَالِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ التَّخَمُّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ صَحِيحًا ثُمَّ بِالتَّخَمُّرِ فَاتَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ الْعَارِضِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ ، وَهُوَ انْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ ، فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا مُخَيَّرٌ لِتَغْيِيرِ صِفَةِ الْمَبِيعِ ، وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ خَاصَمَهُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الْبَيْعَ ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْإِبَاقِ إذَا عَادَ بَعْدَمَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ كَانَتْ خَمْرًا فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْبَيْعُ مَا انْعَقَدَ صَحِيحًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ .
وَهُوَ آبِقٌ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ إبَاقِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَعَلَى هَذَا النَّصْرَانِيُّ لَوْ اشْتَرَى مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا ثُمَّ أَسْلَمَا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَغَيُّرِ صِفَةِ الْمَبِيعِ ، وَإِنْ أَسْلَمَا ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ إقْرَاضِ النَّصْرَانِيِّ نَصْرَانِيًّا خَمْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ وَقَدْ قَبَضَ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ صَاحِبِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي مَعَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِفُصُولِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ قَبَضَ مَا اشْتَرَى لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ مِنْ قَبْلِهِ وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ مَلِكَ الْمُشْتَرِي الْخَمْرَ حُكْمًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ بَاشَرَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامُهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ .
وَإِذَا ارْتَهَنَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَالْإِسْلَامُ الطَّارِئُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ بَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الْكَافِرِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْغَصْبِ فَكَذَلِكَ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الذِّمِّيِّ بِالْغَصْبِ فَكَذَلِكَ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، وَهَذَا لِانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِي حَقِّ الْمَالِكِ هُنَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ فَبَاعَهَا جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ نَصْرَانِيٌّ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ .
وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَبْدَانِ أَخَوَانِ لَمْ أَكْرَهْ لَهُ أَنْ يُفَرِّق بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ التَّفْرِيقِ يَعْنِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّفْرِيقِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَالْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ نَحْوَ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِمْ حُكْمُ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ بُيُوعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الْهِبَةِ وَلَا فِي الصَّدَقَةِ وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ { زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ بِسَبَايَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَفَّحُهُمْ فَرَأَى جَارِيَةً وَالِهَةً فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَأْنِهَا فَقَالَ زَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَجْنَا إلَى نَفَقَةٍ فَبِعْنَا وَلَدَهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرِكْ أَدْرِكْ لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ شَخْصَانِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ لِلنِّكَاحِ وَهُمَا صَغِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ كَذَلِكَ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي عِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَدْرِكْ } وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرُ يُشْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إيحَاشُهُمَا وَتَرْكُ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِمَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا } وَالْكَافِرُ
وَالْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّفَقَةِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الْقَرَابَةِ ثُمَّ تَمْتَدُّ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ إلَى الْبُلُوغِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ الصَّغِيرُ عَنْ الْكَبِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِالْإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَالتَّفْرِيقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغُلَامُ وَتَحِضْ الْجَارِيَةُ } وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا رَاهَقَ الصَّغِيرُ وَرَضِيَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَرُبَّمَا يَرَيَانِ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عِنْدَ ذَلِكَ بِرِضَاهُمَا فَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ ، وَرُبَّمَا لَا يَسْتَأْنِسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بَلْ يَسْتَوْحِشُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِهَذَا حَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا .
وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِرَجُلٍ وَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ مَمْلُوكٌ لِابْنِ الرَّجُلِ ، وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حِجْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَالْأَبُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلَدِ لَوْ كَانَ بَالِغًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَلَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا جَمِيعًا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ يَرُدُّهُمَا أَوْ يُمْسِكُهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي مَعْنَى كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَاسَ بِمَا لَوْ اشْتَرَى مِصْرَاعَيْ بَابٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا أَوْ يُمْسِكَهُمَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُثْبِتَ لِحَقِّ الرَّدِّ لَهُ هُوَ الْعَيْبُ ، وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَعِيبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّ الْآخَرِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ ثُمَّ هَذَا تَفْرِيقٌ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي أَحَدِهِمَا فَيَجُوزُ كَالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ بِالدَّيْنِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِقْصٌ لَمْ أَكْرَهْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ شِقْصَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ وَكَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ .
وَلَوْ كَانَا مَمْلُوكِينَ لَهُ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مُسِيئًا وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ إبْطَالَ الْبَيْعِ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَلَا أُبْطِلُهُ فِي الْأَخَوَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْرِكْ أَدْرِكْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِدْرَاكِ بِالِاسْتِرْدَادِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا قَالَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَرَّقَ لِقُوَّةِ الْوِلَادَةِ وَضَعْفِ الْقَرَابَةِ الْمُتَجَرِّدَةِ عَنْ الْوِلَادَةِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْرِكْ عَلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ أَوْ بَيْعِ الْآخَرِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ أَحَدَهُمَا ، وَهُوَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْقِيَاسُ لَهُمَا فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْبَيْعِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْعِ ، وَهُوَ الْوَحْشَةُ ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ كَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ .
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَآلُهُ الْعِتْقُ فَهُوَ كَالْإِعْتَاقِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتِقَ أَحَدَهُمَا فَكَذَلِكَ يُكَاتِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا التَّصَرُّفِ بَلْ يَزْدَادُ الِاسْتِئْنَاسُ وَيُمَكَّنُ الْكَبِيرُ مِنْ الْقِيَامِ بِحَوَائِجِ الصَّغِيرِ إذَا كُوتِبَ أَوْ أُعْتِقَ وَرُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا نَسَمَةً لِلْعِتْقِ وَيُمْسِكَ الْآخَرَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ .
وَهَذَا لِأَنَّ بَيْعَ نَسَمَةٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ وَلَكِنَّهُ مِيعَادٌ بَيْنَهُمَا فَرُبَّمَا يَفِي بِهِ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا لَا يَفِي فَيَبْقَى التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مُتَحَقِّقًا فِي الْحَالِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ يَشْتَرِي النَّسَمَةَ لِلْعِتْقِ الْوَفَاءُ بِمَا يَعِدُ وَإِنَّمَا يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا نَسَمَةً كَبَيْعِهِ مِنْ قَرِيبِهِ لِيَعْتِقَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ .
قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ فَدَبَّرَ إحْدَاهُمَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَالْأُخْرَى صَغِيرَةٌ لَمْ أَكْرَهْ لَهُ بَيْعُ الصَّغِيرَةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّفْرِيقِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ بَيْعِهَا فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ التَّفْرِيقُ مُحَالًا عَلَى اخْتِيَارِهِ وَهُنَا هُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ بَيْعِ إحْدَاهُمَا فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْأُخْرَى ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقٌ فَيَتَحَقَّقُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِلْكِهِ فَيُكْرَهُ التَّفْرِيقُ وَفِي الْكِتَابَةِ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمُكَاتَبِ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا .
قَالَ وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمَمْلُوكَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ بَيْعِهِمَا مِنْ وَاحِدٍ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَمِلْكُ زَوْجَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا لِعَبْدٍ لَهُ تَاجِرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهَا فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لَا يَنْفُذُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا لِمُضَارِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الْمُضَارِبُ مَا عِنْدَهُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُمَا وَلَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا .
قَالَ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَمَةٌ فَبَاعَهَا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اشْتَرَى ابْنَهَا كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ثُمَّ يَبِيعَهُمَا مَعًا ، فَإِذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ كَانَ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ الْفَسْخِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَاخْتِيَارِهِ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَوْجِبَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ابْنٌ لَهَا فَاخْتَارَ رَدَّهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ وَعِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ لِحَقٍّ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ .
قَالَ وَيُكْرَهُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ التَّاجِرِ مِنْ التَّفْرِيقِ مَا يُكْرَهُ لِلْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ وَفِي التَّمَكُّنِ مِنْ بَيْعِهِمَا مَعًا بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّيْنِ وَكَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَمْلُوكُ وَالْحُرُّ .
وَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ مِنْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ غَيْرِ النَّسَبِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَبِيعُ جَارِيَةً لِي قَدْ أَرْضَعَتْ وَلَدِي فَقَالَ قُلْ مَنْ يَشْتَرِي أُمَّ وَلَدِي ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ وَالْمُصَاهَرَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَرَابَةِ سِوَى الْحُرْمَةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ .
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ الزَّوْجَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا ، وَعَلَى ذَلِكَ تَنْبَنِي كَرَاهِيَةُ التَّفْرِيقِ .
قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَخَوَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مِنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فِي عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ التَّفْرِيقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ بِأَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ .
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ لِأَنِّي إنْ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْهُ لَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَشِرَاؤُهُ مِنْهُ أَقْرَبُ إلَى النَّظَرِ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّفْرِيقِ ، وَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَرِهْتُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَحَدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا وَلَا يُمَكَّنُ أَنْ يَدْخُلَ بِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ فَالْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي مُخَاطَبٌ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ التَّفْرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِشِرَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى بَيْعِهِمَا بَلْ هُوَ مُمَكَّنٌ مِنْ أَنْ يُدْخِلَهُمَا دَارَ الْحَرْبِ كَمَا كَانَ الْبَائِعُ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ مَعَ الصَّغِيرِ كَبِيرَانِ .
وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِيرَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقَرَابَةِ مِنْ الصَّغِيرِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْخَالَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يُكْرَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ هَذَا يُمْنَعُ لِحَقِّ الصَّغِيرِ وَحَقُّهُ مُرَاعًى إذَا
تَرَكَ مَعَهُ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَيَقُومُ الْكَبِيرُ بِحَوَائِجِهِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَرَابَتُهُمَا إلَيْهِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَالْأَبِ وَالْأُمِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَلَا يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ نَوْعُ شَفَقَةٍ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَلَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعُ اسْتِئْنَاسٍ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْآخَرِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبْعَدُ وَالْآخَرُ أَقْرَبُ إلَيْهِ فِي الْقَرَابَةِ كَالْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْأَبْعَدِ وَيُمْسِكُ الْأَقْرَبَ مَعَ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّغِيرِ يَحْصُلُ إذَا أَمْسَكَ الْأَقْرَبَ مَعَهُ وَشَفَقَةُ الْأَقْرَبِ عَلَيْهِ أَظْهَرُ وَالْقَرَابَةُ الْبَعِيدَةُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْقَرِيبَةِ تَكُونُ الْبَعِيدَةُ كَالْمَعْدُومَةِ .
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَ اسْتِئْنَاسٍ كَمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ
بَابُ بَيْعِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ أَنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَدْ بَيَّنَّا شَرْحَ مَسَائِلِهِ هُنَاكَ ، وَهُوَ بِكِتَابِ الدَّعْوَى أَشْبَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ الْمَسَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ هُنَا أَيْضًا فَمِمَّا زَادَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حُصُولَ الْعُلُوقِ بِاَلَّتِي وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي مِلْكِهِ وَهُمَا تَوَائِمُ فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّيَقُّنِ بِعُلُوقِ أَحَدِهِمَا فِي مِلْكِهِ التَّيَقُّنُ بِعُلُوقِ الْآخَرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ خَلَفَ وَلَدًا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نَسَبَ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ كَانَ ثَابِتًا مِنْ الزَّوْجِ بِالْفِرَاشِ وَبَقِيَ بَعْدَ اللِّعَانِ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ حَتَّى لَا تَنْفُذَ دَعْوَةُ الْغَيْرِ فِيهِ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْإِكْذَابِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَتُقَامُ حَاجَةُ وَلَدِهِ إلَى ذَلِكَ مَقَامَ حَاجَتِهِ فَأَمَّا نَسَبُ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فَلَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْهُ قَبْلَ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى النَّسَبِ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ وَلَدِهِ مَقَامَهُ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ ابْتِدَاءً فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ .
وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ لَا يَنْطِقُ فَزَعَمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ وَيُصَدَّقُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ فِي الِانْتِهَاءِ فَيُرِيدُ أَنْ يَتَدَارَكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ يُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ فِيهِ ثُمَّ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ النَّسَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِي ابْنَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَجْتَمِعُ لَهُ وَلَاؤُهُ وَنَسَبُهُ .
وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا أَعْتَقَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَحْرَارِ فَالدَّعْوَى مِنْ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَسْتَحْسِنُ فِي الصَّغِيرِ كَمَا أَسْتَحْسِنُ فِي الْمُدَبَّرِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا جَاءَا بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ .
قَالَ وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْأُمَّ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى نَسَبَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَمْلُوكَهُ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ ثُمَّ يَثْبُتُ مِنْهُ نَسَبُ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ تَوْأَمٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَاهُ دَعْوَى التَّحْرِيرِ وَالتَّوْأَمُ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي التَّحْرِيرِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ادَّعَى الْوَلَدَ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَدَعْوَاهُ تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ الَّذِي بَقِيَ عِنْدَهُ وَالتَّوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْصَلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْصُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِضَرُورَةِ إثْبَاتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لَهُ .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا فَخَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ حَمْلَهَا وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ عَبْدٍ لَهُ كَانَ زَوْجًا لَهَا وَلَيْسَ هَذَا بِتَعْلِيمٍ لِلْكَذِبِ وَلَا أَمْرٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي الْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ بَيَانٌ لِحُكْمِ أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا بَقِيَّةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إنْ صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ وَلَا تَكْذِيبٌ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ لِإِقْرَارِهِ حُكْمَيْنِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ وَاثِبَاتٌ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ فَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّ الْمُقِرِّ فَإِنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ خُصُوصًا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْإِقْرَارُ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاسَا النَّسَبَ بِالْوَلَاءِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهَا فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَاءَهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الْوَلَاءُ قَابِلٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ لِمَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا ، فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ تَحَوَّلَ وَلَاؤُهُ إلَيْهِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَعِنْدَمَا أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ .
قَالَ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فَيَكُونُ هَذَا كَحُكْمِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَدَعْوَى الْبَائِعِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَيَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ فَيَكُونُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بَاطِلًا ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ ، وَهِيَ حَامِلٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْحَبَلَ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَاَلَّذِي لَمْ يَبِعْ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَالْعُلُوقُ حَصَلَ فِي مِلْكِهَا وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مَا نَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرُدُّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَ الْعَقْدِ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبِعْ نِصْفَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الْعَقْدِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِوَطْئِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ .
وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ دَعْوَى النَّسَبِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَقْدِ لِلشَّرِيكَيْنِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَمِنْ الَّذِي لَمْ يَبِعْ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ وَلَكِنَّ عَلَى الْبَائِعِ نِصْفَ الْعَقْدِ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَذَلِكَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعَقْدِ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ سَوَاءٌ كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ بِشُبْهَةٍ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَقْدٌ ؛
لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ شِرَائِهِ وَإِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ شِرَائِهِ فِي ضِمْنِ دَعْوَى النَّسَبِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ ، وَهَذَا خِطَابٌ لِلْمَوَالِي فَيُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ لَا تَضْرِبْ فُلَانًا يَكُونُ ذَلِكَ نَهْيًا لِلضَّارِبِ عَنْ الضَّرْبِ لَا خِطَابًا لِلْمَضْرُوبِ وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْبِيَّةِ حُدُوثُ مِلْكِ الْحِلِّ فِيهَا لِمَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَبِهَذِهِ الْعِلَّةِ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَهِيَ الْمُشْتَرَاةُ أَوْ الْمَوْهُوبَةُ وَوُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمُشْتَرَاةِ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَصِيَانَةُ مَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الْخَلْطِ بِمَاءِ غَيْرِهِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ أَنْ يَصِيرَ مَاؤُهُ سَاقِيًا زَرْعَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ عِلَّتِهِ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ بَاعَهَا أَبُوهُ أَوْ اشْتَرَاهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ مَمْلُوكٍ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ ، وَهِيَ حُدُوثُ مِلْكِ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا تَيَقَّنَ فَرَاغَ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ كَاسْمِهِ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَاسَ بِالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِدَّةِ فِي حَالِ الدُّخُولِ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذِهِ حِكْمَةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلَّةِ لَا بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ اشْتِغَالُ رَحِمِهَا بِالْمَاءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ حَقِيقَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ شَرْعًا بِالْعَيْبِ الظَّاهِرِ .
وَهُوَ حُدُوثُ مِلْكِ
الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَدَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا لِلتَّيْسِيرِ عَلَى النَّاسِ ، وَكَذَلِكَ لَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يُبَاشِرُهَا وَلَا يَنْظُرُ مِنْهَا إلَى عَوْرَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَأَنَّ الْبَيْعَ فِيهَا بَاطِلٌ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لَا تَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَهَذَا مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ بِحُرْمَةِ الْوَطْءِ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ، لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا حَرُمَ عَلَيْهِ دَوَاعِيهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ بِسَبَبِ الْحَيْضِ اسْتِعْمَالُ الْأَذَى كَمَا وَقَعَتْ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِالنَّصِّ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي التَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ ثُمَّ الدَّوَاعِي هُنَاكَ لَا تُوقِعُهُ فِي ارْتِكَابِ الْحَرَامِ لِنُفْرَةٍ فِي طَبْعِهِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْأَذَى وَالدَّوَاعِي هُنَا مُوقِعَةٌ فِي ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، وَهُوَ الْوَطْءُ ؛ لِأَنَّهُ رَاغِبٌ فِيهَا غَايَةَ الرَّغْبَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا .
فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرٍ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ شَرْعًا فَكُلُّ شَهْرٍ يَشْتَمِلُ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ عَادَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ مَقَامَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي الْعِدَّةِ وَمُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ ثُلُثُ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِشَهْرٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِلنَّصِّ كَمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ لَا تَحْتَمِلُ التَّحَرِّي لِتَعَذُّرِ الِاسْتِبْرَاءِ بِبَعْضِهَا ، فَإِذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ جُزْءٍ مِنْهَا وَجَبَ اعْتِبَارُ الْكُلِّ وَالْمَقْصُودُ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَقْصُودِ قَبْلَ الْوَضْعِ بَلْ يَزْدَادُ مَعْنَى الِاشْتِغَالِ بِمُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ فَلِهَذَا قَدَّرْنَا الِاسْتِبْرَاءَ فِي حَقِّهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ .
وَإِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ تَرَكَهَا حَتَّى إذَا اسْتَبَانَ لَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَقَعَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ لِيَتَيَقَّنَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَوُقُوعُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ إذْ مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَوْ كَانَتْ حُبْلَى لَظَهَرَ ذَلِكَ بِهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرٌ بِشَيْءٍ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِشَهْرَيْنِ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا يَسْتَبْرِئُهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ الْعِدَّةِ ، وَهِيَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَسْتَبْرِئُهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّ أَطْوَلَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ هَذَا ، فَإِذَا كَانَ بِأَقْوَى السَّبَبَيْنِ .
وَهُوَ النِّكَاحُ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ الِاعْتِدَادُ إلَّا بِهَذِهِ الْمُدَّةِ فَفِي أَضْعَفِ السَّبَبَيْنِ ، وَهُوَ الْمِلْكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ فِي اسْتِبْرَائِهَا زِيَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَقَالَ زُفَرُ يَسْتَبْرِئُهَا بِحَوْلَيْنِ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَكَانَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ يَقُولُ يَسْتَبْرِئُهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَبَلِ فِي النِّسَاءِ عَادَةً قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ .
وَلَوْ مَلَكَهَا بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوَمِيرَاثً أَوْ جِنَايَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَوْ جُعْلِ كِتَابَةٍ أَوْ خُلْعٍ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا لِحُدُوثِ مِلْكِ الْحِلِّ لَهُ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ فِي جَارِيَةٍ شِقْصٌ فَمَلَكَ الْبَاقِيَ مِنْهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ مِلْكِ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يَكُونُ بَعْدَ مِلْكِهِ جَمِيعَ رَقَبَتِهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الرَّقَبَةِ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِ الْعِلَّةِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا بِبَعْضِ الْعِلَّةِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ .
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَاهَا ، وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَحْتَسِبْ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا كَمَا طَهُرَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِتَبَيُّنِ فَرَاغِ رَحِمِهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الشَّرْعُ أَلْزَمَهُ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَقَدْ تَعَذَّرَ الِاحْتِسَابُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِمَا مَضَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يَحْتَسِبُ بِجَمِيعِهَا مِنْهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَا يَحْتَسِبُ بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلِأَنَّهُ كَانَ يَحْتَسِبُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَيْضَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَعَلَيْهِ إكْمَالُهَا مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى ، فَإِذَا وَجَبَ جُزْءٌ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَجَبَتْ كُلُّهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حَاضَتْ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَحْتَسِبْ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْوَطْءِ بِسَبَبِ تِلْكَ الرَّقَبَةِ إنَّمَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ تَصَرُّفٌ وَمِلْكُ التَّصَرُّفِ يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَالْحَيْضَةُ الَّتِي تُوجَدُ قَبْلَ هَذَا لَا يَحْتَسِبُ بِهَا وَلَكِنَّ الْمَوْجُودَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ وَالْمَوْجُودُ قَبْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الزَّوَائِدِ الْحَادِثَةِ وَالتَّخَمُّرُ فِي الْعَصِيرِ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَتْ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ فِيهَا كَيَدِ الْبَائِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَهَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ .
قَالَ وَإِذَا بَاعَ جَارِيَةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى تَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فِيهَا فَفِي الْقِيَاسِ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا بِالْقِيَاسِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الِاسْتِحْسَانِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا بِالْبَيْعِ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِالْإِقَالَةِ فَقَدْ حَدَثَ لَهُ فِيهَا مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلِاسْتِبْرَاءِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا فِي ضَمَانِ مِلْكِهِ مَا بَقِيَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ هَلَكَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَيُجْعَلُ بَقَاؤُهُ فِيهَا كَبَقَاءِ الْمِلْكِ فَأَمَّا إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَيَدِهِ وَثَبَتَ مِلْكُ الْحِلِّ فِيهَا لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا عَادَتْ إلَيْهِ لَزِمَهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا ابْتِدَاءً بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ فَارَقَ حَتَّى تَقَايَلَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا اسْتِرَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ .