كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى سَفِيهٍ فَإِنَّ حَجْرَهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً مِنْهُ حَتَّى أَنَّ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُبْطِلَ حَجْرَهُ وَلَوْ تَصَرَّفَ هَذَا السَّفِيهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَرَفَعَ تَصَرُّفَهُ إلَى الْقَاضِي فَأَبْطَلَهُ كَانَ هَذَا قَضَاءً صَحِيحًا مِنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يُصَحِّحَ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ أَوْ فِي جِنْسٍ مِنْهَا وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَاتِ كُلِّهَا مِثْلِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بَاطِلٌ إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَعْتُوهًا حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِلْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَضَرَّةِ وَعِنْدَهُ هِيَ غَيْرُ صَالِحَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَكَّلَ بِالتَّصَرُّفِ عَنْ الْغَيْرِ نَفَذَ تَصَرُّفَهُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَنْفُذْ عِنْدَهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } فَقَدْ شَرَطَ الْبُلُوغَ وَإِينَاسَ الرُّشْدِ لِجَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } ، وَالْمُرَادُ الصِّبْيَانُ ، وَالْمَجَانِينَ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ } فَالْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ كَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ كَلَامٌ ، وَإِنَّمَا تُبْنَى الْأَهْلِيَّةُ عَلَى كَوْنِهِ أَهْلًا لِكَلَامٍ مُلْزِمٍ شَرْعًا وَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ بَقِيَ مُولًى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَوْ صَارَ بِاعْتِبَارِ عَقْلِهِ أَهْلًا لِمُبَاشَرَتِهَا لَمْ يَبْقَ مُولًى عَلَيْهِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُولًى عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِنَفْسِهِ ، وَالْأَهْلِيَّةُ لِلتَّصَرُّفِ آيَةُ الْقُدْرَةِ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ مَعَ النُّقْصَانِ
لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الضَّرُورَةُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِوَلِيِّهِ فَجُعِلَ عَقْلُهُ فِي ذَلِكَ مُعْتَبَرًا ؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَخِيرَتُهُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَلَا تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فِيمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِوَلِيِّهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ عَقْلِهِ فِيهِ وَلِأَنَّ مَا بِهِ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ يَزُلْ بِالْإِذْنِ فَإِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الصِّبَا أَوْ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ لَا لِحَقِّ الْغَيْرِ فِي مَالِهِ إذْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ الْإِذْنِ قَائِمٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَلَوْ زَالَ سَبَبُ الْحَجْرِ بِإِذْنِ الْوَلِيّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَجْرَ هُنَاكَ لَحِقَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ وَبِالْإِذْنِ صَارَ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ فِي كَسْبِهِ وَبِخِلَافِ السَّفِيهِ فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِمُكَابَرَةِ عَقْلِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِوَصْفٍ لَازِمٍ وَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ إلَّا أَنَّ إذْنَ الْقَاضِي إيَّاهُ دَلِيلُ زَوَالِهِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } ، وَالِابْتِلَاءُ هُوَ الِامْتِحَانُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِيُعْرَفَ رُشْدُهُ وَصَلَاحُهُ فَلَوْ تَصَرَّفَ بِدُونِ مُبَاشَرَتِهِمْ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ ، ثُمَّ عَلَّقَ إلْزَامَ دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ بِالْبُلُوغِ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ زَوَالِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَبِهِ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَبْلُغْ ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } وَاسْمُ الْيَتِيمِ حَقِيقَةً يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ فَعَرَفْنَا أَنْ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ وَتَمْكِينَهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ جَائِزٌ إذَا صَارَ عَاقِلًا ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ أَوْ الْمُرَادُ النِّسَاءُ وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَدْفَعُ الْمَالَ
لِزَوْجَتِهِ وَيَجْعَلُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَيْهَا وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَنَا .
{ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ : وَقُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ أُمَّكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ } { وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَبِيعُ لُعَبَ الصِّبْيَانِ فِي صِغَرِهِ فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَتِكَ } فَقَدْ مَكَّنَ الصَّبِيَّ مِنْ التَّصَرُّفِ فَدَلَّ أَنَّ عِبَارَتَهُ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ لَهُ وَعَرَّفَهُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَالْعَبْدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الصِّغَرِ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ إذَا كَانَ عَاقِلًا ؛ لِأَنَّهُ مُمَيِّزٌ ، وَالْأَهْلِيَّةُ لِلتَّصَرُّفِ بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا عَنْ تَمْيِيزٍ وَبَيَانٍ لَا عَنْ تَلْقِينٍ وَهَذَيَانٍ وَقَدْ صَارَ مُمَيَّزًا إلَّا أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ الْخِطَابُ ؛ لِأَنَّ فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ إضْرَارًا بِهِ عَاجِلًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ جُعِلَ أَهْلًا لِلنَّوَافِلِ مِنْ الصَّلَوَاتِ ، وَالصِّيَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ رُبَّمَا لَا يُؤَدِّي لِلْحَرَجِ وَيَبْقَى فِي وَبَالِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُقَرَّبُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَيُبَعَّدُ مِنْ الْمَضَارِّ فَإِنَّ الصِّبَا سَبَبٌ لِلْمَرْحَمَةِ وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ فِي التَّصَرُّفِ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ بَايَنَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ بِالْبَيَانِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَافِعِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا لَهُ بِرَأْيِ الْمَوْلَى ؛ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً وَهُوَ قَبُولُ الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ فَأَمَّا مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَضَرَّةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ انْضِمَامُ رَأْيٍ إلَى رَأْيِهِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ نَفَّذْنَا ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِذْنِ رُبَّمَا
يَتَضَرَّرُ بِهِ وَيَزُولُ هَذَا الْمَعْنَى بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ إذْنِ الْوَلِيِّ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ عِنْدَنَا .
وَهَذَا لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ حَالُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَاظِرًا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ بِمَا أَصَابَ مِنْ الْعَقْلِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ بِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ شَرْعًا مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ حُسْنُ النَّظَرِ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَكَانَ إذْنُ الْوَلِيِّ لَهُ دَلِيلُ كَمَالِ عَقْلِهِ أَوْ حُسْنِ نَظَرِهِ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ كَإِذْنِ الْقَاضِي لِلسَّفِيهِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ حِينَ لَزِمَ التَّصَرُّفَ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ فَإِذَا اعْتَبَرْنَا عَقْلَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ اتَّسَعَ تَوْفِيرُ طَرِيقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَنْفَعَةُ التَّصَرُّفِ بِمُبَاشَرَتِهِ وَبِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ أَنْ يَسُدَّ عَلَيْهِ أَخْذَ النَّاسِ وَيَجْعَلَ لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ طَرِيقًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّ نَظَرَهُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ مُتَرَدِّدٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ ظَاهِرًا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَلِتَوَهُّمِ الْقُصُورِ فِيهِ يَبْقَى وِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَالسَّفِيهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ مَا أَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ وَعَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إقْرَارُهُ بَعْدَ إذْنِ الْوَلِيِّ لَهُ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ وَهَذَا إشْكَالُ الْخَصْمِ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ يَقُولُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فَكَيْفَ يَسْتَفِيدُ هُوَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ مَا لَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ مُبَاشَرَتَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْوَلِيُّ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُ فَالْإِقْرَارُ قَوْلٌ مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا ثَبَتَ عَلَى الْغَيْرِ فَهُوَ شَهَادَةٌ وَإِقْرَارُ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّبِيّ قَوْلٌ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ شَهَادَةٌ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَأَمَّا قَوْلُهُ " بَعْدَ الْإِذْنِ " إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَمِمَّا لَا تَتِمُّ التِّجَارَةُ إلَّا بِهِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ يَتَحَرَّزُونَ عَنْ مُعَامَلَتِهِ فَمَنْ يُعَامِلُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ فَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ يَجُوزُ فِيمَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي كَسْبِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي التِّجَارَاتِ وَهَذِهِ الْحَاجَة تَنْعَدِمُ فِي الْمَوْرُوثِ مِنْ أَبِيهِ .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ فِي حُكْمِ إقْرَارِهِ بِمَنْزِلَةِ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فَكَذَلِكَ فِيمَا وَرِثَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ مَلَكَهُ وَهُوَ فَارِغٌ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْضَمَّ رَأْيُ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ الْتَحَقَ بِالْبَالِغِ ؛ وَلِهَذَا نَفَّذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصَرُّفَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ يَلْتَحِقُ بِالْبَالِغِ ، ثُمَّ صِحَّةُ الْإِذْنِ لَهُ فِي وَلِيِّهِ وَوَلِيُّهُ أَبُوهُ ، ثُمَّ وَصِيِّ الْأَبِ ، ثُمَّ الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ ، ثُمَّ وَصِيِّهِ ، ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيِّ الْقَاضِي فَأَمَّا الْأُمُّ أَوْ وَصِيُّ الْأُمِّ فَلَا يَصِحُّ الْإِذْنُ مِنْهُمْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ لَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ
بَيْعَ عَقَارِهِ ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ .
وَلَوْ أَقَرَّ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ بِغَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ فِي حَالِ إذْنِهِ أَوْ أَضَافَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْإِذْنِ جَازَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ، وَالِاسْتِهْلَاكِ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ ؛ وَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَكَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فِي الْحَالِ وَانْفِكَاكُ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي صِغَرِهِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْإِذْنِ .
وَلَوْ كَاتَبَ هَذَا الصَّبِيُّ مَمْلُوكَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُقَالُ فَالْأَبُ ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ فِي عَبْدِ الصَّبِيِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَيَتَحَقَّقُ فِي الْكِتَابَةِ النَّظَرُ وَأَمَّا تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ فَمُقَيَّدٌ بِالتِّجَارَةِ ، وَالْكِتَابَةِ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكَانِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ فَلَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَلَا يَمْلِكُهُ أَبُوهُ وَوَصِيُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ بَلْ فِيهِ تَعْيِيبُ الْعَبْدِ وَإِلْزَامُ الْمَهْرِ ، وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لِلصَّبِيِّ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَبُرَ الصَّبِيُّ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مَا لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ وَلَا مُجِيزَ لِهَذَا التَّصَرُّفِ حَالَ وُقُوعِهِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ جِهَةُ الْبُطْلَانِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ بِبَدَلٍ فِي ذِمَّةِ مُفْلِسِهِ وَلَوْ أَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْكِبَرِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ الْأَجْنَبِيُّ أُمَّتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ لِهَذَا التَّصَرُّفِ مُجِيزًا حَالَ وُقُوعِهِ وَهُوَ وَلِيُّهُ ، وَالْوَلِيُّ فِي الْإِجَازَةِ نَاظِرٌ لَهُ فَإِذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ نَفَّذَ بِإِجَازَتِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ
كُلَّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يَفْعَلَاهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِذَا فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ تَنْفُذُ بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ مِمَّنْ قَامَ رَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيِ الصَّبِيِّ فَيَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْآذِنِ أَوْ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ مَا كَبِرَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا النَّظَرِ وَلَوْ زَوَّجَ هَذَا الصَّبِيُّ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ بِيعَتْ فَأُعْتِقَتْ لَحِقَ الْعَبْدَ نَفَقَتُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَعْنَى الضَّرَرِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَوِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ لَا تَتَعَيَّنُ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ .
وَلَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ فَخَلَعَهَا أَبُوهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ، ثُمَّ أَجَازَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لِهَذَا التَّصَرُّفِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَالطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ مَحْضُ ضَرَرٍ عَاجِلٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ عَقْلُهُ وَلَا وِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ لَا لِلْإِضْرَارِ بِهِ وَإِذَا قَالَ حِينَ كَبِرَ قَدْ أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا فُلَانٌ أَوْ قَدْ أَوْقَعْتُ عَلَى الْعَبْدِ ذَلِكَ الْعِتْقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَالْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إيقَاعُ مُسْتَقْبَلٍ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ ابْتِدَاءً بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى أَوْقَعَ ، فُلَانٌ لِتَعْرِيفِ الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ لَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْإِيقَاعِ مِنْ فُلَانٍ لَكِنَّهُ مِنْ الْمَوْقِعِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ تَقَيُّدٌ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي بَاشَرَهُ فُلَانٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءً وَقَدْ تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَاشَرَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَإِجَازَتُهُ لِذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ تَكُونُ لَغْوًا .
وَإِذَا بَاعَ الصَّبِيُّ وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَدَفَعَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ ضَمِنَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي مَا أَدْرَكَهُ فِي الْعَبْدِ مِنْ دَرَكٍ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ عَلَى الصَّبِيِّ ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ فَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ مُطَالَبٌ بِضَمَانِ الدَّرَكِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَصِحُّ الْتِزَامُ الْكَفِيلِ عَنْهُ ذَلِكَ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى الصَّبِيِّ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ عَلَى الصَّبِيِّ لَا مِنْهُ وَهُوَ فِي التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ وَأَمْرُ الْغَيْرِ بِالْكَفَالَةِ مُعْتَبَرٌ إذَا كَانَ مَأْذُونًا بِمَنْزِلَةِ اسْتِقْرَاضِهِ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَالضَّمَانُ عَنْهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ فَالْكَفِيلُ عَنْهُ الْتَزَمَ مَا لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ أَيْضًا إنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ بِتَسْلِيطٍ صَحِيحٍ مِنْ الْمُشْتَرِي حِينَ سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَصْلِ الشِّرَاءِ أَوْ ضَمِنَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الصَّبِيِّ ، ثُمَّ وَقَعَ الثَّمَنُ عَلَى لِسَانِ الْكَفِيلِ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْكَفِيلَ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا سَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الصَّبِيِّ عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ لَهُ فَتَسْلِيمُهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُلْتَزِمٌ لِهَذَا الضَّمَانِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الدَّفْعُ حَصَلَ
عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ ضَامِنٌ لَهُ ، وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ هَذَا الضَّمَانِ ، ثُمَّ الْكَفِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْتَزَمَ مُطَالَبَةً لَيْسَتْ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَانَ بَاطِلًا " .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفَعْ إلَى هَذَا الصَّبِيِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَلَى نَفْسِهِ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى أَرُدَّهَا عَلَيْكَ ، وَالصَّبِيُّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَفَعَلَ كَانَ ضَمَانُهَا عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ أَوَّلًا إلَى الصَّبِيِّ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنْفِقَهَا عَلَى نَفْسِهِ ، ثُمَّ ضَمِنَهَا لَهُ رَجُلٌ بَعْدَ الدَّفْعِ كَانَ ضَمَانُهُ بَاطِلًا ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا .
وَإِذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ عَبْدًا فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَمِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ ؛ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَكَذَلِكَ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا فِي كَسْبِهِ ، وَإِنَّ مَأْذُونًا صَحِيحٌ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْحُرِّ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَالِهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَيَصِيرُ الْمَوْلَى - مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقَا وَإِذْنُ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي الَّذِي اسْتَعْمَلَ الْقَاضِي لِعَبْدِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ صَحِيحٌ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ لِلصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لَهُ ثَابِتٌ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ لِلْقَاضِي أَوْ الْوَالِي وَإِذْنُ أَمِيرِ الشَّرْطِ ، وَمِنْ لَمْ يُوَلَّ الْقَضَاءَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ .
، وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُولًى عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ وَلَكِنَّهُ يَعْقِلُ التَّصَرُّفَ ، وَفِي اعْتِبَارِ عَقْلِهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرْنَا فِي الصَّبِيِّ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَا يَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى مَنْ لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِالْآدَابِ فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا التَّخْيِيرِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ بَلْ هُوَ نَظِيرُ الْهِبَةِ فِي حَيَاتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْتُوهُ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ فَأَذِنَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ هَذَيَانٍ لَا عَنْ بَيَانٍ وَلَوْ أَذِنَ لِلْمَعْتُوهِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ فِي التِّجَارَةِ ابْنَهُ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا لَوْ أَذِنَ لَهُ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَقْرِبَائِهِ سِوَى الْأَبِ ، وَالْجَدِّ فَإِذْنُهُ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ ، ثُمَّ أَرَادَ مَوْلَاهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَكُونُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَّا فِي أَهْلِ سُوقِهِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ أَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِعِلْمِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجْرُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ يَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِ الْعَبْدِ وَبِغَيْرِ عِلْمِ أَهْلِ السُّوقِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ عِنْدَهُ إنَابَةٌ كَالتَّوْكِيلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى عِلْمِ الْغَيْرِ بِهِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إلَّا فِي أَهْلِ سُوقِهِ لَثَبَتَ بِهِ اللُّزُومُ مِنْ وَجْهٍ ، ثُمَّ الْإِذْنُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَهْلُ سُوقِهِ فَكَذَلِكَ الْحُرُّ الَّذِي يَرْفَعُهُ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ صَحِيحٌ بِعِلْمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَنْ يُعَامِلُهُ فَكَذَلِكَ .
الْحَجْرُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَكِنَّا نَشْتَرِطُ عِلْمَ أَهْلِ السُّوقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ عَنْهُمْ فَإِنْ الْإِذْنُ عَمَّ وَانْتَشَرَ فِيهِمْ فَهُمْ يُعَامِلُونَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ صَحَّ الْحَجْرُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ تَضَرَّرُوا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنْ اكْتَسَبَ رِبْحًا أَخَذَهُ الْمَوْلَى ، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ إنْ كَانَ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَتَتَأَخَّرُ حُقُوقُهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا نَدْرِي أَيُعْتَقُ أَمْ لَا وَمَتَى يُعْتَقُ ، وَالْمَوْلَى بِتَعْمِيمِ الْإِذْنِ يَصِيرُ كَالْفَارِّ لَهُمْ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَهْلُ سُوقِهِ ، ثُمَّ هُوَ بِالْحَجْرِ يَلْزَمُهُمْ التَّحَرُّزُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ ، وَالْخِطَابُ الْمُلْزِمُ لِلْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ كَخِطَابِ الشَّرْعِ .
( أَلَا تَرَى )
أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَجُوِّزَ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِائْتِمَارِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ شَرَطْنَا عِلْمَ الْوَكِيلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَهْلِ السُّوقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَزْلِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُمْ مَعَهُ نَافِذٌ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، ثُمَّ الْحَجْرُ رَفَعَ الْإِذْنَ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ فَإِذَا كَانَ الْإِذْنُ مُنْتَشِرًا لَا يَرْفَعُهُ إلَّا حَجْرٌ مُنْتَشِرٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ إعْلَامَ جَمِيعِ النَّاسِ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَوْلَى ، وَالتَّكْلِيفُ ثَابِتٌ بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إشْهَارُ الْحَجْرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِ سُوقِهِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُعَامَلَاتِهِ مَعَ أَهْلِ سُوقِهِ وَمَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ يَصِلُ خَبَرُهُ إلَى غَيْرِهِ عَنْ قَرِيبٍ .
فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ ، ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى مِمَّنْ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَجْرِ التَّشْهِيرُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَالْإِذْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَوْ ثَبَتَ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ كَانَ حَجْرًا خَاصًّا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ آخَرِينَ فَبَايَعَ الَّذِينَ نَهَاهُ عَنْهُمْ كَانَ جَائِزًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ خِطَابِ الشَّرْعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا أَتَى الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ إلَى أَهْلِ سُوقِهِ فَقَالَ : قَدْ حَجَرْتُ عَلَى هَذَا فَلَا تُبَايِعُوهُ كَانَ هَذَا حَجْرًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أُتِيَ بِمَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ تَشْهِيرُ الْحَجْرِ فَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ عِلْمِ جَمِيعِ أَهْلِ السُّوقِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ بِالشَّرَائِعِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِإِشْهَارِ حُكْمِ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَالْحَرْبِيُّ إذَا - أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ غَيْرُ مُنْتَشِرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ الْمَوْلَى قَدْ أَنْذَرَهُمْ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ ، وَقَدْ أَعْذَرَ مِنْ أَنْذَرَ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَارًّا لَهُمْ أَوْ مُضِرًّا بِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ بِمَحْضَرِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَجْرًا حَتَّى يَحْضُرَ الْأَكْثَرُ مِنْ
أَهْلِ سُوقِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ عَيْنَ السُّوقِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ إلَى سُوقِهِ لَيْلًا وَجَعَلَ يُنَادِي قَدْ حَجَرْتُ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ أَهْلِ السُّوقِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إعْلَامُ الْكُلِّ فَيُقَامُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَحُضُورِ جَمَاعَتِهِمْ فَثَبَتَ حُكْمُ الْحَجْرِ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ ، وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّوقِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ دَعَا بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ إلَى بَيْتِهِ وَحَجَرَ عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا وَلَوْ دَعَا إلَى مَنْزِلِهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَأَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ كَانَ حَجْرًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَلَّ مَا يَخْفَى فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِمَحْضَرِ الْوَاحِدِ ، وَالْمُثَنَّى فَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْجَمَاعَةِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْحَجْرِ تَشْهِيرُهُ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ .
وَلَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَتَى الْمَوْلَى أَهْلَ سُوقِهِ فَأَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَجْرًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ لِيُعَامِلَ غَيْرَ أَهْلِ سُوقِهِ فَبِإِعْلَامِ أَهْلِ السُّوقِ لَا يَتِمُّ مَعْنَى دَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ وَلِأَنَّ عِلْمَ الْعَبْدِ بِالْحَجْرِ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْحَجْرِ فِي حَقِّهِ كَعِلْمِ الْوَكِيلِ بِالْغُرُورِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَتَضَرَّرُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ قَبْلَ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ دُيُونَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَإِذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَأَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ حَجَرَ عَلَيْهِ تَأَخَّرَ دُيُونُهُ إلَى عِتْقِهِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي الْمِصْرِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَجْرِ فَلَيْسَ هَذَا بِحَجْرٍ عَلَيْهِ بَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مَعَ أَهْلِ سُوقِهِ وَمَعَ غَيْرِهِمْ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَجْرِ فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حِينَ عَلِمَ وَمَا اشْتَرَى وَبَاعَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَجْرِ عِلْمُهُ بِهِ فَكُلُّ تَصَرُّفٍ سَبَقَ مَا هُوَ شَرْطُ الْحَجْرِ فَهُوَ كَالتَّصَرُّفِ الَّذِي سَبَقَ الْحَجْرَ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ كَانَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَجْرِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ قَدْ حَصَلَ بِعِلْمِهِ بِالْحَجْرِ .
فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَرَاهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ بَعْدَ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَ بِهِ الْعَبْدَ فَلَمْ يَنْهَهُ ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ الْعَبْدُ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ فَالْقِيَاسُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ مَحْجُورًا ، وَأَنْ لَا تَكُونَ رُؤْيَتُهُ إيَّاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنًا مُسْتَقْبَلًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا عَلَى حَالِهِ حِينَ رَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ دَلِيلُ الرِّضَا فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لِرَفْعِ الْحَجْرِ بِهِ فَأَمَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مَأْذُونٌ فَسُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ وُجُودًا وَعَدَمًا بِمَنْزِلَتِهِ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ وَجُعِلَ ذَلِكَ إذْنًا مِنْ الْمَوْلَى لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ أَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى عِلْمِ الْعَبْدِ بِهِ ، وَالْحَجْرُ الْمَوْقُوفُ دُونَ الْحَجْرِ النَّافِذِ ، ثُمَّ رُؤْيَتُهُ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ وَسُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ لَمَّا كَانَ رَافِعًا لِلْحَجْرِ النَّافِذِ الَّذِي قَدْ عَلِمَهُ الْعَبْدُ فَلَأَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِلْحَجْرِ الْمَوْقُوفِ أَوْلَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ .
وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَجْرِ قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ كَانَ هَذَا إذْنًا مُبْطِلًا لِذَلِكَ الْحَجْرِ الْمَوْقُوفِ فَكَذَلِكَ إذَا سَكَتَ عَنْ النَّهْيِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَجْرَ كَانَ لِكَرَاهَةِ تَصَرُّفِهِ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ ، وَالرِّضَا بَعْدَ الْكَرَاهَةِ كَامِلٌ .
وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ سِوَى الْعَبْدِ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ بِعِلْمٍ مِنْهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِوُصُولِ الْحَجْرِ إلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْإِذْنُ وَهُوَ الْعَبْدُ فَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَجْرَ مِثْلُ الْإِذْنِ ، وَالشَّيْءُ يَرْفَعُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ عِلْمِ أَهْلِ السُّوقِ بِالْحَجْرِ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ عَنْهُمْ وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْإِذْنِ لِيُعَامِلُوهُ بِنَاءً عَلَى مَا عَلِمُوهُ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلُ سُوقِهِ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ فَالْحَجْرُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَجْرُ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالْإِذْنِ فَقَدْ بَطَلَ بِهِ حُكْمُ ذَلِكَ الْإِذْنِ ، وَإِنَّمَا عَلِمُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِإِذْنٍ بَاطِلٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمُوا بِالْإِذْنِ قَبْلَ قَوْلِ الْمَوْلَى حَجَرْتُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُعَامِلُوهُ حَتَّى كَانَ الْحَجْرُ مِنْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ هَهُنَا بَاطِلٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَهْلُ سُوقِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ انْتَشَرَ فِيهِمْ حِينَ عَلِمُوا بِهِ فَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا حَجْرٌ مُنْتَشِرٌ فِيهِمْ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ غَيْرُ الْعَبْدِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ كَانَ مَأْذُونًا ، وَالْحَجْرُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ الْحَجْرُ إلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْإِذْنُ وَهُوَ الْعَبْدُ وَهُوَ نَظِيرُ عَزْلِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَزْلِ لَا يَصِيرُ مَعْزُولًا سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا لَهُ أَوْ حُرًّا فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَجْرِ .
وَإِذَا أَذِنَ الْعَبْدُ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ فَلَيْسَ هُوَ بِمَأْذُونٍ وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُلْزِمًا إيَّاهُ وَهَذَا خِطَابٌ مُلْزِمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِعُهْدَةِ تَصَرُّفَاتِهِ مَعَ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْحَالِ وَيُطَالَبُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْآنَ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَجْرِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْإِذْنِ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَاعَ وَاشْتَرَى جَازَ مَا فَعَلَهُ بَعْد الْعِلْمِ بِالْإِذْنِ وَلَمْ يَجُزْ مَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَلِمَ فَإِنَّمَا تَمَّ شَرْطُ الْإِذْنِ فِي حَقِّهِ الْآنَ وَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يُؤَثِّرُ هَذَا الْإِذْنُ فِيمَا كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ وَلَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى قَوْمًا أَنْ يُبَايِعُوهُ فَبَايَعُوهُ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِأَمْرِ الْمَوْلَى كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَعَهُمْ جَائِزًا .
هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا .
وَفِي الزِّيَادَاتِ قَالَ إذَا قَالَ الْأَبُ لِقَوْمٍ : بَايِعُوا ابْنِي ، وَالِابْنُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَخْبَرُوهُ بِمَقَالَةِ الْأَبِ قَبْلَ أَنْ يُبَايِعُوهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُمْ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرُوهُ لَمْ يَنْفُذْ ، وَفِي الْوَكَالَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إذَا قَالَ اذْهَبْ فَاشْتَرِ عَبْدِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ قَالَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ إنْ أَعْلَمَهُ بِمَقَالَةِ الْمُوَكِّلِ صَحَّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ جَازَ شِرَاؤُهُ فَقِيلَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْإِذْنُ فِي الِابْتِدَاءِ كَالْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ وَإِجَازَتُهُ كَامِلَةٌ فِي نُفُوذِ التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ هُوَ مُلْزَمٌ فِي حَقِّ الْمُتَصَرِّفِ ، وَالْإِلْزَامُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَفِي الزِّيَادَاتِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحُرِّ وَلَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةُ إلْزَامِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ ابْنِهِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ الِابْنُ بِإِذْنِ الْأَبِ لَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّهِ وَلِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ شَغْلِ مَالِيَّةِ عَبْدِهِ بِدَيْنِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَرْهَنُهُ بِالدَّيْنِ فَيَصِحُّ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْإِذْنِ هَهُنَا لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ لَا لِثُبُوتِهِ فِي الْعَبْدِ فَالدَّيْنُ بِالْمُعَامَلَةِ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ وَلِهَذَا صَحَّ تَصَرُّفُ مَنْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِالْمُعَامَلَةِ مَعَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى .
وَقَدْ قَرَّرْنَا تَمَامَ هَذَا فِي الزِّيَادَاتِ فَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَبَاعَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ مَعَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ الْمَوْلَى
بِمُبَايَعَتِهِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ ، وَالْإِذْنُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ الْمَوْلَى أَنْ يُبَايِعُوهُ لَمْ يَفْعَلُوا وَبَايَعَهُ غَيْرُهُمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَيْضًا كَانَتْ مُبَايَعَتُهُمْ إيَّاهُ بَاطِلَةٌ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ مَقَالَةِ الْمَوْلَى لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَلَكِنْ ثَبَتَ حُكْمُ الْإِذْنِ فِي حَقِّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِمُبَايَعَتِهِ ضِمْنًا لِتَصَرُّفِهِمْ مَعَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ عَنْهُمْ وَمَا ثَبَتَ ضِمْنًا لِشَيْءٍ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْإِذْنِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ كَانَ لِضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ مَعَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ الْمَوْلَى بِمُبَايَعَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ مَعَهُمْ فَإِنْ بَايَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ الْمَوْلَى ، ثُمَّ بَايَعَ الْعَبْدُ بَعْدَهُمْ قَوْمًا آخَرِينَ جَازَتْ مُبَايَعَتُهُ مَعَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ الْمَوْلَى بِهَا وَمَعَ مَنْ بَايَعَهُمْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ تَصِحَّ الْمُبَايَعَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَمَّا نُفُوذُ مُبَايَعَتِهِ مَعَ الدَّيْنِ أَمَرَهُمْ الْمَوْلَى بِهَا فَلِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ عَنْهُمْ وَنُفُوذُهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الَّذِينَ كَانَ عَامَلَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ الْإِذْنُ فِي حَقِّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ ثَبَتَ حُكْمُهُ مَقْصُودًا ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ ، وَالتَّبَعُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ وَلَا يَسْبِقُهُ .
وَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَذَا حَجْرٌ عَلَيْهِ عَلِمَ بِهِ أَهْلُ سُوقِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْقَبْضِ قَدْ مَلَكَهُ فَإِنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْبَيْعِ بِدُونِ رِضَا الْغُرَمَاءِ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ تَمَكُّنَ الْغُرَمَاءِ مِنْ نَقْضِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ عِتْقُهُ نَافِذًا وَانْفِكَاكُ الْحَجْرِ عَنْهُ كَانَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ ثَابِتٌ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ فَلَا يُمْكِنُ إظْهَارُ حُكْمِ ذَلِكَ الْإِذْنِ فِيهِ فَيَثْبُتُ الْحَجْرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْإِذْنِ وَذَلِكَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ أَهْلِ السُّوقِ بِهِ كَمَا لَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ وُكِّلَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ تَجَدَّدَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى يَصِيرُ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَهْلُ سُوقِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ رَأْيِ الْمَوْلَى وَقَدْ انْقَطَعَ رَأْيُهُ بِالْمَوْتِ وَحُكْمُ الْإِذْنِ هُوَ الرِّضَا مِنْ الْمَوْلَى بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَقَدْ صَارَ مِلْكُ الْمَالِيَّةِ بِمَوْتِهِ حَقَّ وَرَثَتِهِ وَجَدَّدَ لَهُمْ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ هُوَ الَّذِي كَانَ لِلْمَوْلَى وَلَكِنَّ رِضَا الْمَوْلَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إبْطَالِ حَقِّ وَرَثَتِهِ عَنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَلِتَحَقُّقِ الْمُنَافِي قُلْنَا لَا يَبْقَى حُكْمُ الْإِذْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى .
وَإِذَا أَشْهَدَ الْمَوْلَى أَهْلَ سُوقِهِ أَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَرْسَلَ إلَى الْعَبْدِ بِهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ كِتَابًا فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ أَخْبَرَهُ الرَّسُولُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ ، وَالْكِتَابُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَهُوَ مِمَّنْ يَأْتِي كَالْخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِالتَّبْلِيغِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ مَنْ يَدْعُوهُمْ إلَى دِينِ الْحَقِّ وَكَانَ ذَلِكَ تَبْلِيغًا تَامًّا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ حَقًّا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي فُصُولٍ : مِنْهَا عَزْلُ الْوَكِيلِ ، وَمِنْهَا سُكُوتُ الْبِكْرِ إذَا أَخْبَرَهَا الْفُضُولِيُّ بِالنِّكَاحِ ، وَمِنْهَا سُكُوتُ الشَّفِيعِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ بِالْبَيْعِ ، وَمِنْهَا اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْجَانِي بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ بِجِنَايَتِهِ فَطَرِيقُهُمَا فِي الْكُلِّ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِالْوَكَالَةِ وَبِالْإِذْنِ لِلْعَبْدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ ضَرْبُ حَرَجٍ فَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ عَدْلٍ عِنْدَ كُلِّ مُعَامَلَةٍ ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَاتِ فَلِذَلِكَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِيهِ وَمَتَى كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا فَالْمُخْبِرُ بِهِ كَأَنَّهُ رَسُولُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ
الْمَوْلَى حِينَ حَجَرَ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ الْحَجْرَ دَلَالَةً ، وَالدَّلَالَةُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالصَّرِيحِ خُصُوصًا فِيمَا بُنِيَ عَلَى التَّوَسُّعِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ صِفَةُ الْعَدَالَةِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْحَجْرَ ، وَالْعَزْلَ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ لَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا يُخَالِفُ النَّصَّ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ الْمُرْسِلِ فَعِبَارَةُ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ فَأَمَّا الْفُضُولِيُّ فَلَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فَيَبْقَى حُكْمَ الْخَبَرِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ فَاسِقٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِهِ بِالنَّصِّ ، ثُمَّ هَذَا خَبَرٌ مُلْزِمٌ ؛ لِأَنَّهُ يُلْزِمَ الْعَبْدَ الْكَفُّ عَنْ التَّصَرُّفِ ، وَالشَّفِيعُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ ، وَالْبِكْرُ حُكْمُ النِّكَاحِ ، وَالْمَوْلَى حُكْمُ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَخَبَرُ الْفَاسِقِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا كَخَبَرِهِ فِي الدِّيَانَاتُ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ بِالْوَكَالَةِ ، وَالْإِذْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُلْزِمٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَصَرَّفَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَتَصَرَّفْ وَتَقْرِيرُ هَذِهِ أَنَّ لِهَذَا الْخَبَرِ شَبَهَيْنِ شَبَهُ رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ مِنْ حَيْثُ إلْزَامُ الْعَمَلِ بِهِ وَشَبَهُ الْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَامَلَةٌ وَمَنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَلِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ شَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلِشَبَهِهِ بِالْمُعَامَلَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَاسِقَانِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقَيْنِ كَخَبَرِ فَاسِقٍ وَاحِدٍ فِي أَنَّهُ
لَا يَكُونُ مُلْزِمًا ، وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ ، وَمَنْ اخْتَارَ هَذَا الطَّرِيقَ قَالَ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ " عَدْلٌ " يَصْلُحُ نَعْتًا لِلْوَاحِدِ ، وَالْمُثَنَّى ، يُقَالُ : رَجُلٌ عَدْلٌ ، وَرِجَالٌ عَدْلٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَاسِقَانِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الرَّجُلَيْنِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ الْوَاحِدَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الشَّهَادَةِ الْعَدَدَ ، وَالْعَدَالَةَ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِهَا وَتَأْثِيرُ الْعَدَدِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْعَدَالَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْفُذُ وَبِشَهَادَةِ الْفَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ ، ثُمَّ إذَا وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ هَهُنَا بِدُونِ الْعَدَدِ يَثْبُتُ الْحَجْرُ بِالْخَبَرِ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْعَدَدُ دُونَ الْعَدَالَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ تَزْدَادُ بِالْعَدَدِ كَمَا تَزْدَادُ بِالْعَدَالَةِ .
وَيَخْتَلِفُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الذِّمِّيِّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الدِّينِ ، وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الْحَجْرِ ، وَالْعَزْلِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ فَهُوَ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ بِالتَّبْلِيغِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا مَقَالَةً فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا ، ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } وَقَدْ بَيَّنَّا فِي خَبَرِ الرَّسُولِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِلْزَامِ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ عَدْلًا فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ الْفَاسِقِ فِي الْإِخْبَارِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَظْهَرُ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ كَوْنُ الْمُخْبَرِ بِهِ حَقًّا وَهَهُنَا نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ حَقٌّ فَيَثْبُتُ - حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ أَخْبَرَهُ الْفَاسِقُ بِهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْقَضَاءَ فِيمَا يَتْرُكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِبَاقُهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَقِيَامِ رَأْيِهِ وَلَمْ يَخْتَلَّ ذَلِكَ بِإِبَاقِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ فَإِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَبَقَ فَأَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي التِّجَارَةِ وَعَلِمَ بِهِ الْعَبْدُ كَانَ مَأْذُونًا وَمَا لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَكِنَّا نَقُولُ لَمَّا جَعَلَ دَلَالَةَ الْإِذْنِ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ فَكَذَلِكَ دَلَالَةُ الْحَجْرِ كَالتَّصْرِيحِ بِالْحَجْرِ وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الْحَجْرِ بَعْدَ إبَاقِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِهِ مَا بَقِيَ تَحْتَ طَاعَتِهِ وَلَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ تَمَرُّدِهِ وَإِبَاقِهِ ؛ وَلِهَذَا صَحَّ ابْتِدَاءُ الْإِذْنِ بَعْدَ الْإِبَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ اعْتِبَارَ الدَّلَالَةِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ رِضَا الْمَوْلَى بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَقَدْ تَوَتْ الْمَالِيَّةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ هَذَا وَزَوَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى عَنْهُ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ وَحُجِرَ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّ اللَّاحِقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ الْقَاضِي مَوَّتَهُ حَقِيقَةً بِالْقَتْلِ وَيُقَسِّمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ جَعَلَهُ الشَّرْعُ كَالْمَيِّتِ حَتَّى يُقَسِّمَ الْقَاضِي مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَإِنْ بَايَعَهُ رَجُلٌ بَعْدَ الْإِبَاقِ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى كَانَ آبِقًا ، وَقَالَ مَنْ بَايَعَهُ لَمْ يَكُنْ آبِقًا لَمْ يُصَدَّقْ الْمَوْلَى عَلَى إبَاقِهِ إلَّا
بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَأْذُونًا مَعْلُومٌ وَسَبَبُ الْحَجْرِ الطَّارِئِ عَلَيْهِ مُتَنَازَعٌ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ حَجَرَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ قَبْلَ مُبَايَعَةِ الْعَبْدِ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ آبِقًا فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَثْبَتَ الْحَجْرَ الْعَارِضَ بِالْحُجَّةِ ، وَإِنْ أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبَقَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَأَقَامَ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَرْسَلَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَشْتَرِي فِيهِ وَيَبِيعُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي بَايَعَ الْعَبْدَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ إرْسَالَ الْمَوْلَى إيَّاهُ وَإِذْنَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى تَنْفِي ذَلِكَ ، وَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ مِنْ بَائِعِ الْعَبْدِ يَثْبُتُ لِذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَالْمَوْلَى يَنْفِي فَكَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى .
فَإِنْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ، ثُمَّ تَصَرَّفَ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ بَطَلَ جَمِيعُ مَا صَنَعَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ أَسْلَمَ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جَمِيعُ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْعِتْقِ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُرْتَدِّ لِنَفْسِهِ يُوقَفُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَبْدًا ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً جَازَ جَمِيعُ مَا صَنَعَتْ فِي رِدَّتِهَا إنْ أَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ الْمُرْتَدَّةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَكَمَا يُوقَفُ نَفْسُهُ يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ فِي كَسْبِهِ ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُقْتَلُ فَلَا يُوقَفُ تَصَرُّفُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا لَا تُوقَفُ نَفْسُهَا ، ثُمَّ الْمُرْتَدُّ هَالِكٌ حُكْمًا لِاسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ ، وَالْمَوْتُ حَقِيقَةً يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَوَقَّفَ حُكْمُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ بِتَوَقُّفِ حُكْمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَبَدًا وَبِهِ فَارَقَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ رِدَّتِهِ نَافِذٌ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ ، وَمَوْتُهُ حَقِيقَةً لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَوْ عَنْ وَلَدٍ يَسْعَى فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ .
وَإِذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ وَأَحْرَزُوهُ فِي دَرَاهِمَ فَقَدْ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى عَنْهُ وَثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ فَإِنْ انْفَلَتَ مِنْهُمْ أَوْ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يُعَدَّ مَأْذُونًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بَطَلَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حُكْمِهِ ، وَالْإِذْنُ بَعْدَ بُطْلٍ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمْ يُحْرِزُوهُ فِي دَرَاهِمَ حَتَّى انْفَلَتَ مِنْهُمْ فَأَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِمْ مَا لَمْ يُحْرِزُوهُ ، وَالْغَصْبُ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الْمَأْذُونِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوهُ نَفَذَ عِتْقُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ .
وَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ بَيْعًا فَاسِدًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَبَاعَ وَاشْتَرَى فِي يَدِهِ ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْبَائِعِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ مَعَ فَسَادِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِ الْبَائِعِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ أَوْ قَبَضَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بَعْدَ مَا تَفَرَّقَا لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَكَمَا أَنَّ إيجَابَ الْبَيْعِ يَكُونُ رِضًى بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَكُونُ رِضًى مِنْ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَمْلِكْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَلَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَفِي الْمَجْلِسِ إنَّمَا يَقْبِضُهُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا فَهَذَا أَمْرٌ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجْلِسَ وَمَا بَعْدَهُ فَمَتَى قَبَضَهُ كَانَ قَبْضُهُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَيَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِالْمَيْتَةِ لَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا وَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِنْ قَبَضَهُ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا لَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ هَهُنَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ
الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ .
وَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ زَوَالَهُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَدْ تَمَّ وَلِذَلِكَ يَفُوتُ مَحَلُّ حُكْمِ الْإِذْنِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَجْرًا إلَّا أَنْ يُتِمَّ الْبَيْعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَمَا بَقِيَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فِيهِ يَبْقَى مَحَلُّ - حُكْمِ الْإِذْنِ وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ وَهَبَهُ فَالْهِبَةُ الصَّحِيحَةُ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ نَظِيرُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِضَعْفِ السَّبَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْصِيلَ حُكْمِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَفِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ الْجَوَابُ كَذَلِكَ .
وَإِذَا غَصَبَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَجَحَدَهُ الْغَاصِبُ وَحَلَفَ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ بَيِّنَةٌ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْغَاصِبُ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى ، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَرَاهُ فَلَمْ يَنْهَهُ ، ثُمَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ جَمِيعَ مَا بَاعَ وَاشْتَرَى ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآذِنَ لَهُ كَانَ غَاصِبًا ، وَإِذْنُ الْغَاصِبِ لَا يُوجِبُ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الْمَوْلَى عَنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ، وَفِي الْقِيَاسِ سُكُوتُ الْمَوْلَى عَنْ النَّهْيِ كَالتَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ وَلَوْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ ذَلِكَ لِقِيَامِ مِلْكِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا لَهُ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْقِيَاسَ فَقَالَ السُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ مَعَ التَّمْكِينِ مِنْ النَّهْيِ دَلِيلُ الرِّضَا فَأَمَّا بِدُونِ التَّمَكُّنِ مِنْ النَّهْيِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ سُكُوتَ الشَّفِيعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الطَّلَبِ لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ وَسُكُوتَ الْبِكْرِ كَذَلِكَ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ النَّهْيِ هَهُنَا ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَلْتَفِتُ إلَى نَهْيِهِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ يَسْتَخِفُّ بِهِ فَلِصِيَانَةِ نَفْسِهِ سَكَتَ عَنْ النَّهْيِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ فَجَعَلَ الْقَاضِي الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَاشْتَرَى وَبَاعَ ، وَالْمَوْلَى يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا يَنْهَاهُ ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّهْيِ كَانَ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ .
وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِذْنِ ابْتِدَاءً فَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ يُثْبِتُ لِلْمُدَبَّرِ حَقَّ الْعِتْقِ وَحَقُّ الْعِتْقِ إنْ كَانَ لَا يَزِيدُ فِي انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَجْرًا عَلَيْهَا فِي الْقِيَاسِ ، وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا فِي التَّدْبِيرِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ اسْتِيلَادُ الْمَوْلَى حَجْرٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُحْصِنُ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَالتِّجَارَةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ فِرَاشًا لَهُ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُ ، وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِ الْحَجْرِ وَلَا تُوجَدُ مِثْلُ هَذِهِ الْعَادَةِ فِي الْمُدَبَّرِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ هُنَاكَ بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا فَأَمَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَلَا كَتَقْدِيمِ الْمَائِدَةِ بَيْنَ يَدَيْ إنْسَانٍ يُجْعَلُ إذْنًا فِي التَّنَاوُلِ بِطَرِيقِ الْعُرْفِ فَإِنْ قَالَ لَا تَأْكُلْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا .
وَإِذَا أَذِنَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ الْأَوَّلِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ بِحَضْرَتِهِ ، وَالْعَبْدُ الْآخَرُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ فَحَجْرُهُ عَلَيْهِ حَجْرٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ حَجْرُهُ عَلَيْهِ حَجْرًا عَلَى الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ فَالْعَبْدُ الثَّانِي خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ابْتِدَاءً فَجُعِلَ الثَّانِي مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لَا بِاعْتِبَارِ الْعَبْدِ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْإِذْنِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَوْلَى الْأَوَّلَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَى مِنْهُ بِتَصَرُّفِ الثَّانِي وَهَذَا الرِّضَا يُثْبِتُ الْإِذْنَ مِنْ جِهَتِهِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ يَبْقَى وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمُسْتَغْرِقِ بِالدَّيْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى ، وَإِنَّمَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ وَقَدْ انْقَطَعَ رَأْيُهُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الثَّانِي مَأْذُونًا مِنْ جِهَتِهِ دُونَ الْمَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالثَّانِي عَلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى ، وَالْمَوْلَى بَاقٍ عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى كَانَ حَجْرًا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالثَّانِي كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ وَقَدْ صَارَ الْأَوَّلُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ الثَّانِي .
وَإِذَا أَذِنَ الْمُكَاتَبُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ عَجَزَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ حَجْرٌ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ كَسْبِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ عَبْدَهُ يَكُونُ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ أَوْ عَنْ وَلَدٍ مَوْلُودٍ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَقَدْ مَاتَ عَاجِزًا وَعَجْزُهُ فِي حَيَاتِهِ يَكُونُ حَجْرًا عَلَى عَبْدِهِ فَمَوْتُهُ عَاجِزًا أَوْلَى ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَهُوَ كَالْحُرِّ وَمَوْتُ الْحُرِّ حَجْرٌ عَلَى عَبْدِهِ بِانْقِطَاعِ رَأْيِهِ فِيهِ فَإِنْ أَذِنَ الْوَلَدُ لِلْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ إذْنُهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَشْغُولٌ بِدَيْنِهِ فَلَا يَصِيرُ شَيْءٌ مِنْهُ مِيرَاثًا لِلْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ دَيْنِهِ وَكَمَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْإِذْنُ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عَبْدٌ فَأَذِنَ لَهُ وَارِثُهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِذْنُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ بِالدَّيْنِ وَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ فِيهَا مَا لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ كَمَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي حَالِ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ فَإِنْ قَضَى الْوَارِثُ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَنْفُذْ إذْنُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِيمَا قَضَى مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ اسْتِخْلَاصَ التَّرِكَةِ فَيَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِمَا أَدَّى وَيَقُومُ دَيْنَهُ مَقَامَ دَيْنِ الْغَرِيمِ فَلَا يَنْفُذُ إذْنُهُ لِبَقَاءِ الْمَانِعِ فَإِنْ أَبْرَأَ أَبَاهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي قَضَى عَنْهُ بَعْدَ إذْنِهِ لِلْعَبْدِ نَفَذَ إذْنُهُ وَجَازَ مَا اشْتَرَى قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ زَالَ حِينَ سَقَطَ دَيْنُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَصَارَ هُوَ مِلْكًا لِلتَّرِكَةِ مِنْ
وَقْتِ الْمَوْتِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَنْفُذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ إذْنُهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَكَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ لَا يُمْلَكُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ مَعَ تَعَلُّقِهِ فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ مَا كَانَ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ وَارِثِهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِمَوْتِهِ وَحَقُّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ لَوْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوهُ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ مَالًا مِنْ إنْسَانٍ فَقَضَى بِهِ الْكِتَابَةَ لَمْ يَكُنْ إذْنُهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِمَا أَدَّى لِيَقْضِيَ بِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَقِيَامُ دَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ دَيْنِ الْمَوْلَى فِي أَنَّهُ يَمْنَعُ مِلْكَهُ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ إذْنُهُ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِابْنِ الْمُكَاتَبِ مَالًا فَقَضَى بِهِ الْكِتَابَةَ جَازَ إذْنُهُ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ مَا وَهَبَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِأَكْسَابِ وَلَدِهِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِيَقْضِيَ بِهِ مَالَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ قَضَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ هَذَا الْكَسْبِ كَقَضَائِهِ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْوَلَدُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَتَبَيَّنَ بِهِ زَوَالُ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ إذْنِهِ .
وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ جُنَّ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا دَائِمًا فَهُوَ حَجْرٌ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مَوْلًى عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ وَانْقَطَعَ رَأْيُهُ بِمَا أَعْرَضَ فَكَانَ ذَلِكَ حَجْرًا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطْبِقٍ فَالْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَصِرْ مَوْلًى عَلَيْهِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْجُنُونِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ ، وَالْمَرَضِ فَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الْعَبْدِ لِبَقَاءِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَبَقَاءِ وِلَايَتِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْبِقِ مِنْ الْجُنُونِ وَغَيْرِ الْمُطْبِقِ بَيَّنَّاهُ فِي الْوَكَالَةِ .
وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَوْلَى ، ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ وَاشْتَرَى فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَجَمِيعُ مَا صَنَعَ الْعَبْدُ بَعْدَ رِدَّةِ الْمَوْلَى بَاطِلٌ ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا أَوْ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَرَجَعَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : جَمِيعُ ذَلِكَ جَائِزٌ إلَّا مَا صَنَعَ الْعَبْدُ بَعْدَ لِحَاقِ الْمَوْلَى بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ ، وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِذْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَإِنْشَائِهِ وَتَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ مُعْتَبَرٌ بِتَصَرُّفِ الْآذِنِ .
وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ تُوقَفُ لِتَوَقُّفِ نَفْسِهِ وَيُوقَفُ مَالُهُ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ مِنْ جِهَتِهِ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ نَافِذٌ وَبَعْدَ لِحَاقِهِ يَتَوَقَّفُ بَيْنَ أَنْ يُبْطِلَ الْقَضَاءَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ وَكَوْنِ الْمَالِ لِوَارِثِهِ مِنْ حِينِ لَحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْفُذَ بِرُجُوعِهِ مُسْلِمًا فَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ ، ثُمَّ صَنَعَ الْعَبْدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ مِنْهَا صَحِيحٌ بَعْدَ رِدَّتِهَا وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَأْذُونِ كَتَصَرُّفِ الْآذِنِ وَتَصَرُّفُهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ نَافِذٌ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِنَّ نَفْسَهَا لَمْ تَتَوَقَّفْ بِالرِّدَّةِ وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى فَإِنْ رَجَعَتْ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِلِحَاقِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي بِلِحَاقِهَا وَقَسَّمَ مِيرَاثَهَا وَأَبْطَلَ مَا صَنَعَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَجَعَتْ مُسْلِمَةً لَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ مَا صَنَعَ بَعْدَ لِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا
بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ تَوَقَّفَتْ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لَهَا بِالْإِسْلَامِ أَوْ يَفُوتُ عَلَيْهَا بِالِاسْتِرْقَاقِ فَيَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهَا أَيْضًا وَكَمَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ مِنْ جِهَتِهَا وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِلِحَاقِهَا جَعَلَ الْمَالَ لِوَارِثِهَا مِنْ وَقْتِ لِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ؛ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مَنْ يَكُونُ وَارِثًا لَهَا وَقْتَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَهَا زَالَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِتَصَرُّفَاتِ الْعَبْدِ وَكَمَا أَنَّ إذْنَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُفَاوَضَةِ ، وَالْعَنَانِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فِي التِّجَارَةِ يُجْعَلُ كَإِذْنِهِمَا فَكَذَلِكَ حَجْرُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ كَحَجْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا مِنْ التِّجَارَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَائِبٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ .
وَإِذَا أَذِنَ الْمُضَارِبُ لِعَبْدٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ أَعَمُّ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ فَكٌّ لِلْحَجْرِ وَلَا يُسْتَفَادُ بِالشَّيْءِ مَا هُوَ فَوْقَهُ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْمُضَارِبُ مُفَوِّضٌ إلَيْهِ وُجُوهَ التِّجَارَةِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيُوَفِّيَ رَأْسَ الْمَالِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ نَهَى الْمُضَارِبَ لَمْ يُعْتَبَرْ نَهْيُهُ وَنَفْسُهُ أَقْرَبُ إلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ كَسْبِهِ فَإِذَا كَانَ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ مِنْهُ فِي مَنْعِ الْمُضَارِبِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ فَلَأَنْ لَا يَعْمَلَ نَهْيُهُ فِي مَنْعِ الْمَأْذُونِ مِنْ جِهَتِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَانَ أَوْلَى .
وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَبْدًا فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَحَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ هَذَا حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ لَوْ قَالَ لَا تَأْذَنْ لِعَبْدِكَ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ نَهْيُهُ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَنَهَاهُ الْمَوْلَى كَانَ نَهْيُهُ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى حَجَرَ عَلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ وَقَبَضَهُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الْأَوَّلِ دَيْنٌ فَهَذَا ، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْلَى إيَّاهُ مِنْ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْأَوَّلِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَوَّلِ دَيْنٌ فَقَبَضَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْآخَرَ وَحَجَرَ عَلَيْهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْأَوَّلِ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى فَبِقَبْضِهِ مِنْهُ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْأَوَّلِ وَصَارَ الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَاعَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَلِهَذَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِحَجْرِ الْمَوْلَى .
وَإِذَا دَفَعَ الْمَوْلَى إلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ مَالًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ عَبْدًا وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَفَعَلَ ، ثُمَّ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْمُولَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَجْرٍ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي شِرَاءِ الثَّانِي ، وَالْآذِنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا لَحِقَهُ عُهْدَةٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَيَكُونُ الثَّانِي مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ الثَّانِي مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِحَجْرِ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّل ، وَأَنَّ حَجْرَ الْمَوْلَى عَلَى الْآخَرِ كَانَ حَجْرُهُ عَلَيْهِ جَائِزًا عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى كَالْأَوَّلِ .
وَحَجْرُ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ عَلَى الصَّبِيِّ الْحُرِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِثْلُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى كَالْأَوَّلِ وَحَجْرُ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ عَلَى الصَّبِيِّ الْحُرِّ اسْتَفَادَ الْإِذْنَ مِنْ جِهَتِهِ وَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِذْنِ فَكَمَا مَلَكَ الْإِذْنَ بِوِلَايَتِهِ يَمْلِكُ الْحَجْرَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْنَسُ مِنْهُ رُشْدًا فَيَأْذَنُ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ أَنْفَعُ فَيَحْجُرُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَذَا يَحْصُلُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ تَارَةً وَيَحْجُرَ عَلَيْهِ تَارَةً حَتَّى تَتِمَّ هِدَايَتُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَكَذَلِكَ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ حَسَبِ مَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِلْوَصِيِّ وَكَذَلِكَ حَجْرُ هَؤُلَاءِ عَلَى عَبْدِ الصَّبِيِّ بَعْدَ مَا أَذِنُوا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْوِلَايَةِ عَلَى الصَّبِيِّ قَامُوا مَقَامَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ ، وَالْحَجْرِ مِنْ بَابِ النَّظَرِ كَالْإِذْنِ فَكَمَا صَحَّ مِنْهُمْ الْإِذْنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ يَصِحُّ الْحَجْرُ .
وَمَوْتُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ حَجْرٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَعَلَى عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ رَأْيِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ تَوَفُّرَ النَّظَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ إلَى رَأْيِ الصَّبِيِّ وَقَدْ انْقَطَعَ رَأْيُهُمَا بِمَوْتِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ حَجْرًا عَلَى الصَّبِيِّ وَكَذَلِكَ عَبْدُ الصَّبِيِّ إنَّمَا كَانَ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ الْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ وَقِيَامِ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِمَا وَكَذَلِكَ جُنُونُهُمَا جُنُونًا مُطْبِقًا فَإِنَّهُ كَالْمَوْتِ فِي قَطْعِ وِلَايَتِهِمَا عَنْهُ وَفَوَاتُ رَأْيِهِمَا فِي النَّظَرِ لَهُ وَكَذَلِكَ عَزْلُ الْقَاضِي الْوَصِيَّ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ وِلَايَتَهُ وَيَقْطَعُ تَدْبِيرَهُ فِي النَّظَرِ لَهُ فَيَكُونُ حَجْرًا عَلَى مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ بِاعْتِبَارِ رَأْيِهِ وَهُوَ الصَّبِيُّ أَوْ عَبْدُهُ .
وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي أَذِنَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ عَزَلَ الْقَاضِي كَانَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَعْتُوهُ عَلَى إذْنِهِمَا ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْقَاضِي يَكُونُ - قَضَاءً مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ غَيْرُ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَبِعَزْلِ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْ قَضَايَاهُ وَلِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّظَرِ لِهَذَا الصَّبِيِّ ، وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ لِعَجْزِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَبَعْدَ مَا عَزَلَ الْقَاضِي لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْوِلَايَةِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْعَزِلْ وَصِيُّهُ وَقَيِّمُهُ بِعَزْلِهِ فَكَذَلِكَ مَأْذُونُهُ .
وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ جَدٌّ أَبُو الْأَبِ فَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَأَذِنَ لَهُ وَأَبَى ذَلِكَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فَإِذْنُ الْقَاضِي لَهُ جَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ إذْنَهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ مِنْهُ وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ لَهُ فِي حَالِ قِيَامِ الْأَبِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّهُ مَتَى كَانَ النَّظَرُ فِي الْإِذْنِ فَكَذَلِكَ بِمَا يَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَفِّذَهُ كَالْوَلِيِّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا مِنْ كُفُؤٍ زَوَّجَهَا الْقَاضِي إذَا طَلَبَتْ فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا يُرِيدُ أَنْ يَفْسَخَ مَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ وَلِأَنَّ حَجْرَهُ عَلَيْهِ كَإِبَائِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَمَا أَنَّ إبَاءَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إذْنِ الْقَاضِي لَهُ فَكَذَلِكَ حَجْرُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَحَجْرُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ بِعَزْلِ الْقَاضِي وَبِمَوْتِهِ لَا تَزْدَادُ وِلَايَتُهُمْ عَلَى الصَّبِيِّ فَكَمَا لَا يَنْفُذُ حَجْرُهُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ عَزْلِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَاضِي بَعْدَ - عَزْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الرَّعَايَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ فِي حُقُوقِ هَذَا الصَّبِيِّ ، وَإِنَّمَا الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي يَسْتَقْضِي بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ أَوْ عَزْلِهِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ كَوِلَايَةِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ الثَّانِي بِالْحَجْرِ كَيْفَ يُنْقَضُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ قَاضِيًا بَعْدَ حَجْرِهِ لَا بِطَرِيقِ أَنَّهُ نَقَضَ لِقَضَائِهِ بِالْإِذْنِ بَلْ بِطَرِيقِ أَنَّهُ أَنْشَأَ - نَظَرًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّظَرَ قَدْ يَكُونُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي وَقْتٍ ، وَالْحَجَرِ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، وَالثَّانِي كَالْأَوَّلِ
فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إنْشَاءِ النَّظَرِ لِلصَّبِيِّ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فِي مَالِهِ .
وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَوَارِثُهُ الْأَبُ فَهَذَا حَجْرٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إذْنِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الِابْنِ وَقَدْ زَالَ مِلْكُ الِابْنِ بِمَوْتِهِ وَلَا يُقَالُ الْأَبُ يَخْلُفُهُ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَهُوَ رَاضٍ بِتَصَرُّفِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ الْأَبُ مِنْ الِابْنِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ فِيهِ مِنْ الِابْنِ إلَى الْأَبِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ كَانَ مَعْتُوهًا فَأَفَاقَ فَالْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ نَفَذَ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ وِلَايَتِهِ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ، ثُمَّ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ كَفِّكَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ وَلَوْ كَاتَبَهُ ، ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ ، وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ بَعْدَ إدْرَاكِ الصَّبِيِّ وَإِفَاقَةِ الْمَعْتُوهِ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ إدْرَاكِهِ الْعَبْدُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّ الْأَبَ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ فَهَذَا وَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ابْتِدَاءً سَوَاءٌ ، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ الْإِذْنِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَاسْتِدَامَتُهُ الْإِذْنَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ كَإِنْشَائِهِ وَلَا تَتَغَيَّرُ وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ بِمَوْتِ الْأَبِ .
وَإِذَا ارْتَدَّ الْأَبُ بَعْدَ مَا أَذِنَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَجْرُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ فَيَنْفُذُ بِإِسْلَامِهِ ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَذَلِكَ حَجْرٌ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ وَابْنُهُ صَغِيرٌ ، وَلَوْ أَذِنَ لِابْنِهِ فِي التِّجَارَةِ بَعْدَ رِدَّتِهِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى وَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَجَمِيعُ مَا صَنَعَ الِابْنُ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ قُتِلَ ذَلِكَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ كَانَ جَمِيعُ مَا صَنَعَ الِابْنُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلًا وَهَذَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَوِلَايَتُهُ عَلَيْهِ تَوَقَّفَتْ بِالرِّدَّةِ عَلَى أَنْ يَتَقَرَّرَ بِالْإِسْلَامِ وَيَبْطُلَ بِالْقَتْلِ وَكَذَلِكَ تَصَرُّفُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا بِخِلَافِ تَصَرُّفِهِ بِحُكْمِ مِلْكِهِ فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ بِرِدَّتِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ .
وَالذِّمِّيُّ فِي إذْنِهِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَعْتُوهِ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ عَلَى ذِمِّيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ .
أَوْ بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ بِأَنْ عَقَلَ فَأَسْلَمَ كَانَ إذْنُ الْأَبِ الذِّمِّيِّ لَهُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فَصِحَّةُ إذْنِهِ بِاعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْإِذْنُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ قَبْلَ ثُبُوتِ وَلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفُذُ بِوَلَايَتِهِ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ كَالْأَبِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا فَأَذِنَ لِوَلَدِهِ الْحُرِّ ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يُنَفَّذْ ذَلِكَ الْإِذْنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكٌّ لِلْحَجْرِ وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي وَلَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ فِي نِصْفِ التَّصَرُّفِ دُونَ النِّصْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ هَذَا الْفَكِّ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ وَاسِقَاطٌ لِحَقِّهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ شَغْلِ مَالِيَّةِ نَصِيبِهِ بِالدَّيْنِ ، وَالْإِسْقَاطُ يَتِمُّ بِالْمُسْقَطِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَهَذَا الرِّضَى مِنْ الْآذِنِ الْآنَ صَحِيحٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ دُونَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَيَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بِالدَّيْنِ كَمَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِهِ فَكَانَ هَذَا مُحْتَمَلًا لِلْوَصْفِ بِالتَّجَزِّي فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ أَصَابَهُ مِنْ تِجَارَتِهِ فَقَالَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنَا آخُذُ نِصْفَ هَذَا الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْطَى مِنْهُ جَمِيعُ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمَوْلَى وَاَلَّذِي وَجَبَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ هَهُنَا بِسَبَبٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُقَدَّمُ مِنْ كَسْبِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ زَادَ الدَّيْنُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ خَاصَّةً مِنْ الرَّقَبَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ نَصِيبِهِ بِالدَّيْنِ وَانْعِدَامِ الرِّضَا بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَسْبِ ، وَالرَّقَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ مِنْ الْكَسْبِ مَصْرُوفٌ إلَى الدَّيْنِ دُونَ نَصِيبِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ
الْكَسْبَ يَتَمَلَّكُهُ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَسَلَامَتُهُ لَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الدَّيْنِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ فَأَمَّا الرَّقَبَةُ فَلَمْ تَحْصُلْ لِلْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَوْلَى يَصْرِفُهُ إلَى دُيُونِهِ وَلَمْ يُوجَدْ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا لَحِقَهُ بِسَبَبِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْكَسْبُ ، وَالْغُنْمُ مُقَابَلٌ بِالْغُرْمِ فَكَمَا يَكُونُ نِصْفُ الْكَسْبِ لِلَّذِي .
لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ صَرْفُ ذَلِكَ الْكَسْبِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِتَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْغُنْمِ بِالْغُرْمِ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّ حُصُولَ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى مَا كَانَ بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ فَلَا تُصْرَفُ مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ إلَى الدَّيْنِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَوْلَى وَكَذَلِكَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ غَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ التِّجَارَةِ فَالدَّيْنُ الْوَاجِبُ بِهِ نَظِيرُ الْوَاجِبِ بِالْمُبَايَعَةِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا بِبَيِّنَةٍ كَانَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ رَقَبَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلُ وَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَحِقَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَقْوَالِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا مَحْسُوسَةٌ تَحَقُّقُهَا بِوُجُودِهَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الصَّبِيِّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَفْعَالِ فَبِسَبَبِ الرِّقِّ أَوْلَى فَإِذَا تَحَقَّقَ السَّبَبُ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَوْجُودٌ فَالدَّيْنُ بِالْمُبَايَعَةِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَيَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ نَصِيبُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ .
قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ فِيمَا ثَبَتَ الْحَجْرُ بِسَبَبِ الرِّقِّ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى
إلَّا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ وَفَكُّ الْحَجْرِ وُجِدَ مِنْ الْآذِنِ خَاصَّةً وَلَكِنَّ حُكْمَ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَظَهَرَ فِي الْكُلِّ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوَاضِعَهَا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ ظُهُورُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فِي اسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ كَمَا لَوْ تَوَكَّلَ الْعَبْدُ عَنْ الْغَيْرِ بِالْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ وَلَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي سَلَامَةِ الْكَسْبِ لِلْمَوْلَى ظُهُورُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْكَسْبِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ .
فَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدُ وَبَاعَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ يَرَاهُ فَلَمْ يَنْهَهُ فَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ النَّهْيِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ نَهْيِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ النَّهْيِ هَهُنَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يُجْعَلُ سُكُوتُهُ دَلِيلَ الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ .
قُلْنَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ وَإِزَالَةِ احْتِمَالِ مَعْنَى الرِّضَا مِنْ سُكُوتِهِ فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ أَقَامَ ذَلِكَ مِنْهُ مَقَامَ الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ الْآخَرُ إلَى أَهْلِ سُوقِهِ فَقَالَ : إنِّي لَسْتُ آذِنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ بَايَعْتُمُوهُ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِي فَبَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاشْتَرَى ، وَالشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ مِنْ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ لِتَصَرُّفِهِ وَبَقِيَ الضَّرَرُ ، وَالْغُرُورُ ، وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا إذْنٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَيُقَاسُ بِمَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِجَمِيعِهِ وَلَوْ أَتَى بِعَبْدِهِ إلَى السُّوقِ ، وَقَالَ : لَسْتُ آذَنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا تُبَايِعُوهُ ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ كَانَ إذْنًا مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ .
عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ كُلُّهُ لَهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ حِين رَآهُ يَتَصَرَّفُ فَيُجْعَلُ سُكُوتُهُ عَنْ الْمَنْعِ دَلِيلَ الرِّضَا وَلَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ قَبْلَ هَذَا فَقَدْ يَرْضَى الْمَرْءُ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَا كَانَ يَكْرَهُهُ ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَإِنَّمَا فِي وُسْعِهِ إظْهَارُ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ ذَلِكَ بِسُكُوتِهِ عَنْ
النَّهْيِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ يَتَصَرَّفُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بَايَعَهُ بَعْدَ مَقَالَتِهِ جُعِلَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّ مُبَايَعَتَهُ إيَّاهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ فَهُوَ وَقَوْلُهُ أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ سَوَاءٌ .
وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ لِصَاحِبِهِ ائْذَنْ لِنَصِيبِكَ مِنْهُ فِي التِّجَارَةِ فَفَعَلَ فَالْعَبْدُ كُلُّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ مِنْ الْآذِنِ بِالْإِذْنِ ، وَمِنْ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ ائْذَنْ لِنَصِيبِكَ فَهَذَا اللَّفْظُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ مِنْ سُكُوتِهِ عَنْ النَّهْيِ وَإِذَا جُعِلَ سُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ دَلِيلَ الرِّضَا فَأَمْرُهُ بِالتَّسْلِيطِ أَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلَ الرِّضَا .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَكَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ فَهَذَا وَأَذِنَ مِنْهُ لِنَصِيبِهِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ بِالْكِتَابَةِ أَقْوَى مِنْ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِالْإِذْنِ ، وَالْأَقْوَى يَنْتَظِمُ الْأَضْعَفَ ، ثُمَّ هُوَ رِضًا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ حِينَ رَغِبَهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَأَدَائِهِ لِيُعْتِقَ نَصِيبَهُ وَلِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَبِهِ فَارَقَ الْإِذْنَ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِذْنِ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ أَبْطَلَ الْآخَرُ الْكِتَابَةَ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِ الَّذِي كَاتَبَ خَاصَّةً لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِنَصِيبِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ حَتَّى رَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لِلْكِتَابَةِ وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهَا وَكَانَ هَذَا إذْنًا مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ الرِّضَا بِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ يَثْبُتُ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا فِي تَنْفِيذِ الْكِتَابَةِ فَالْحَاجَةُ إلَى التَّوْكِيلِ لِتَكُونَ مُبَاشَرَةَ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِ ، وَالتَّوْكِيلُ بِالسُّكُوتِ لَا يُثْبِتُ وَلِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ ، وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الرِّضَا فِيهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ إذَا جُعِلَ السُّكُوتَ إذْنًا ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ إجَازَةً لِلْكِتَابَةِ ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَإِنَّ رَدَّ الْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ لَحِقَ الْعَبْدُ دَيْنُ بَيْعٍ كُلِّهِ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ فَكَاتَبَ نِصْفَهُ كَانَ هَذَا إذْنًا لِجَمِيعِهِ فِي التِّجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ الْكُلُّ مُكَاتَبًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا وَمَا اكْتَسَبَ مِنْ مَالٍ فَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ النِّصْفِ الَّذِي لَمْ .
يُكَاتَبْ مِنْهُ وَنِصْفُهُ لِلْمُكَاتَبِ بِاعْتِبَارِ النِّصْفِ الَّذِي يُكَاتَبُ مِنْهُ وَمَا لَحِقَهُ مِنْ دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِيهِ ؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَةَ النِّصْفِ كَمُكَاتَبَةِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِيمَا لَحِقَهُ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مُدَبَّرًا .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ فَكَاتَبَهُ فَهَذَا إذْنٌ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ لِمَا قُلْنَا وَلَكِنَّ الْكِتَابَةَ تَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَنَّ نِصْفَ كَسْبِهِ لِلْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ وَكَأَنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْفَصْلَ لِإِيضَاحِ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّهْيِ وَأَمْرَهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ سَوَاءٌ فَكَمَا أَنَّ تَسْلِيطَهُ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ رَضِيَ مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ وَلَا يَكُونُ أَمْرًا بِالْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ سُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ إلَّا أَنَّ تَسْلِيطَهُ إيَّاهُ عَلَى الْكِتَابَةِ يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَسُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ لَا يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْوَكِيلِ الْكِتَابَةَ فِي نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ رِضًا مِنْهُ بِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ وَبِنُفُوذِ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُبَاشَرَةً مِنْهُ لِلْمُكَاتَبَةِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ فَمَا اكْتَسَبَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ نِصْفُهُ لِلْمَكَاتِبِ وَنِصْفُهُ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ لَمْ يَصِرْ مُكَاتَبًا عِنْدَهُ .
وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهُ ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاعَ ، وَالْمَوْلَى لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ ، وَالْآخَرَ كُلُّهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ الرِّضَا فِيمَا اشْتَرَى مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ تَصَرُّفًا بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ كَانَ هَذَا إذْنًا مِنْهُ لِلنِّصْفِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ الْإِذْنَ السَّابِقَ وَتَقْرِيرَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ مَعَ عِلْمِهِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الرُّؤْيَةُ هَهُنَا إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِتَصَرُّفِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ فِي حَقِّهِ وَاعْتِبَارُ السُّكُوتِ عَنْ النَّهْيِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَالْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ وَهَذَا فِي الْمَأْذُونِ لَا يَتَحَقَّقُ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُ بِتَصَرُّفِهِ لِيَكُونَ مُقَرَّرًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَكِّ السَّابِقِ ، ثُمَّ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اكْتَسَبَ الْعَبْدَ بِسَبَبِهِ لَمْ يَكُنْ الْآذِنُ مَالِكًا إلَّا لِذَلِكَ النِّصْفِ ، وَالدَّيْنُ الْآخَرُ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اكْتَسَبَ بِسَبَبِهِ كَانَ جَمِيعُهُ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الْآذِنِ فِي مِلْكِهِ .
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ فِي التِّجَارَةِ وَأَبَى الْآخَرُ وَذَهَبَ إلَى أَهْلِ سُوقِهِ فَنَهَاهُمْ عَنْ مُبَايَعَتِهِ ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ .
لِأَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي نَصِيبِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي نَصِيبِ الْبَائِعِ ، وَقَدْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ إلَى الْمُشْتَرِي .
وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مَأْذُونًا فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَالنِّصْفُ يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ فَإِنْ رَآهُ الْمُشْتَرِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ فَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فَيُجْعَلُ سُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ دَلِيلَ الرِّضَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا سَبَقَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ مُبَايَعَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ نَظَرَ إلَيْهِ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ هَذَا رِضًا مِنْهُ بِالْعَبْدِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ ، وَالْعَبْدُ مَأْذُونٌ لَهُ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِيهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ بِتَقْرِيرِ مِلْكِهِ وَذَلِكَ إسْقَاطٌ مِنْهُ لِخِيَارِهِ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْإِذْنِ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَكَانَ سُكُوتُهُ كَإِذْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَذِنَ الْبَائِعُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلٍ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ هَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُقَرَّرًا بِهِ مِلْكَهُ وَذَلِكَ مِنْهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالْفَسْخِ ، وَمِنْ أَصْل أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِذْنُ الْمُشْتَرِي لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ لِلْبَيْعِ وَإِجَازَتُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ صَحِيحَةٌ فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ مَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ فَهَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا تَعَيَّبَ بِهَذَا الْعَيْبِ بِسَبَبِ الْإِذْنِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْبَائِعِ فَالتَّعَيُّبُ مِنْ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَسْخٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ دَيْنٌ حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثُ تَمَّ الْبَيْعُ
وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَدْ تَحَوَّلَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَى الْمُشْتَرِي وَمَا اكْتَسَبَ الْعَبْدُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ فَيَسْتَنِدُ مِلْكُهُ فِي حُكْمِ الْكَسْبِ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهُ قَبْلَ الِاكْتِسَابِ طَابَ لَهُ الْكَسْبُ ، وَإِنْ كَانَ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ تَصَدَّقَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ ، وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَهُوَ رِبْحٌ حَصَلَ عَلَى ضَمَانِهِ فَيَطِيبُ لَهُ .
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ فَقَالَ الْعَبْدُ هَذَا مِنْ التِّجَارَةِ وَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ وَصَدَّقَهُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ ، وَقَالَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ هَذَا .
مَالٌ وُهِبَ لَكَ وَلِي نِصْفُهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ لَهُ وَلَكِنَّا نَدَعُ الْقِيَاسَ وَنَجْعَلُهُ كُلَّهُ لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَالَ وَهَبَهُ رَجُلٌ لِلْعَبْدِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ كَانَ مِنْ كَسْبٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ كَسْبٍ كَسَبَهُ بَعْدَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ قِبَلِهِ الدَّيْنُ فَنِصْفُ هَذَا الْمَالِ لِلْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْغُرَمَاءِ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ أَوْ هِبَةٌ فِي يَدِهِ فَسَلَامَةُ نِصْفِهِ لِلَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَا كَانَ بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا بِسَبَبٍ تُمْكِنُ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ إذْنِ الْآذِنِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ صَحِيحٌ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ مِنْ الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ بِمَنْزِلَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ فَكَمَا لَا يُصْرَفُ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى دَيْنِهِ فَكَذَلِكَ نَصِيبُهُ مِنْ الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ وَكَذَلِكَ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ قِبَلِهِ الدَّيْنُ فَنِصْفُ هَذَا الْكَسْبِ كَانَ سَالِمًا لِلَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ أَوْ كَانَ يُسَلَّمُ لَهُ لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ لُحُوقِ الدَّيْنِ وَاَلَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَا رَضِيَ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ فَلَا تَمْتَنِعُ سَلَامَةُ نَصِيبِهِ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ .
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا فِيمَا اكْتَسَبَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ لَحِقَهُ الدَّيْنُ فَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا ثَابِتًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْكَسْبِ
إلَّا بِاعْتِبَارِ الرِّضَا بِاكْتِسَابِهِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِذَلِكَ الْكَسْبِ أَرَأَيْتَ لَوْ اسْتَقْرَضَ الْعَبْدُ مِنْ رَجُلٍ مَالًا ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْغَدِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ الَّذِي اسْتَقْرَضْتُ أَكَانَ لِلَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الْعَبْدُ : هَذَا مِنْ التِّجَارَةِ ، وَقَالَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ : بَلْ هُوَ فِي يَدِكَ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ سَلَامَةِ نِصْفِ هَذَا الْمَالِ لَهُ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ ، وَالْعَبْدُ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ، وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِإِنْكَارِهِ كَمَا لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ مَالًا وَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَجَعَلَ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ حَصَلَ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ ظَهَرَ عَلَيْهِ مَعَ ظُهُورِ هَذَا الْكَسْبِ فِي يَدِهِ وَلَا يُعْلَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ فَيُجْعَلُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ سَبَبًا وَاحِدًا ، ثُمَّ كَسْبُ الْعَبْدِ يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِهِ كَانَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ السَّبَبِ .
الَّذِي بِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَوْلَى فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِحْقَاقُ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الدَّيْنُ لِلْمَوْلَى بَقِيَ مَشْغُولًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَقُلْنَا يُصْرَفُ جَمِيعُ الْكَسْبِ إلَى دُيُونِهِمْ إلَّا مَا عَلِمَ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ فِي كَسْبِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أُمِرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ عِنْدَ طَلَبِ الْغَرِيمِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ كَسْبٌ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي دُيُونِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي دَيْنِ التِّجَارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } ، وَالْعَبْدُ الَّذِي لَا كَسْبَ فِي يَدِهِ مُعْسِرٌ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلنَّظِرَةِ شَرْعًا وَلَوْ أَجَّلَهُ الطَّالِبُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْظَرَهُ الشَّرْعُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا مِنْ تِجَارَتِهِ وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى قَبْلَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ وَلَا رَهْنَهَا وَتَأْثِيرُهُ وَهُوَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ قَضَاءِ دَيْنِ التِّجَارَةِ شِبْهُ الِالْتِزَامِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ الْتَزِمْهُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ عَبْدِهِ ، وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ دُونَ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ لَهُ يَكُونُ مُلْتَزِمًا عُهْدَةَ تَصَرُّفَاتِهِ فِي أَكْسَابِهِ لَا فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ لَا إتْلَافَ مِلْكِهِ وَهَذَا كَإِذْنِ الْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ لِعَبْدِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ إذَا كَانَ رُجُوعُ الْعَبْدِ بِالْعُهْدَةِ مَقْصُورًا عَلَى كَسْبِهِ فَصَارَ فِي حَقِّ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مَا بَعْدَ الْإِذْنِ كَمَا قَبْلَهُ وَكَمَا لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ قَبْلَ الْإِذْنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ وُجُوبَهُ يَتَقَرَّرُ سَبَبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى اعْتِبَارِ رِضَا الْمَوْلَى وَاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ
بِهِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمَوْجُودَةَ مِنْ مِلْكِهِ كَالْجِنَايَةِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ هُنَاكَ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَأَخُّرِ حَقِّهِ ، وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ إضْرَارٌ بِهِ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَهُنَا صَاحِبُ الدَّيْنِ عَامَلَ الْعَبْدَ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ حِينَ عَامَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ كَسْبٌ ، وَالْمَوْلَى غَيْرُ رَاضٍ بِإِتْلَافِ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَمُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمَوْلَى أَوْلَى ، وَأَصْحَابُنَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ رَجُلًا فِي دَيْنِهِ يُقَالُ لَهُ سُرْفٌ } فَحِينَ كَانَ بَيْعُ الْحُرِّ جَائِزًا بَاعَهُ فِي دَيْنِهِ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ .
بَيْعِ الْحُرِّ فِي دَيْنِهِ بَيْعُ الْعَبْدِ فِي دَيْنِهِ ، وَمَا ثَبَتَ بِضَرُورَةِ النَّصِّ فَهُوَ كَالْمَنْصُوصِ ، ثُمَّ انْتَسَخَ بَيْعُ الْحُرِّ وَبَقِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ مَشْرُوعًا فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَإِذَا كَانَ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ مُسْتَحَقًّا بِهَذَا النَّصِّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُوسِرٌ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ، وَالْإِنْظَارُ شَرْعًا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعُسْرَةِ فَأَمَّا مَعَ الْيَسَارِ فَلَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَتُبَاعُ رَقَبَةُ الْعَبْدِ فِيهِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَتَأْثِيرُهُ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ وَدَيْنُ التِّجَارَةِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إنَّمَا لَا يَكُونُ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَأَمَّا بَعْدَ الْإِذْنِ دَيْنُ التِّجَارَةِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَكُونُ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ تَأْثِيرَهُ الْإِذْنُ فِي ظُهُورِ
وُجُوبِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِتَعَلُّقِهِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ، وَأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ يَصِيرُ كَالْمُحْتَمِلِ لِمِقْدَارِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مِنْ دُيُونِهِ فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَحَقَّقُ رِضَى الْمَوْلَى بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَوْ قُتِلَ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَتِهِ ، وَالْقِيمَةُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ فَكَمَا يَسْتَحِقُّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ بَدَلِ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ رَأْسُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا وَلَا رَهْنَهَا ؛ لِأَنَّ بَيْنَ مُوجِبِ الرَّهْنِ ، وَالْبَيْعِ وَبَيْنَ مُوجِبِ الْإِذْنِ تَضَادًّا فَإِنْ مَنَعَ اسْتِحْقَاقَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ فَنَقُولُ الْأَصْلُ أَنَّ بَدَلَ الرَّقَبَةِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ كَالدِّيَةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ فِي وُجُوبِ صَرْفِهِ إلَى غُرَمَائِهِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْحُرِّ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَالدِّيَةُ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الذِّمَّةِ وَهُنَا الْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْ رَقَبَتِهِ وَقَدْ كَانَ حَقُّ غُرَمَائِهِ مُتَعَلِّقًا بِالرَّقَبَةِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ عَلَى الْمَأْذُونِ بِسَبَبٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ أَوْ كَانَ وُجُوبُهُ بِاعْتِبَارِ سَبَبِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِيهِ حَتَّى إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ جَحَدَهَا أَوْ دَابَّةٍ عَقَرَهَا فَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ بِالضَّمَانِ وَهَذَا إذَا كَانَ ظُهُورُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِإِقْرَارِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْمُعَايَنَةِ فَلَا إشْكَالَ
أَنَّهُ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِي هَذَا وَكَذَلِكَ - أَجْرُ الْأَجِيرِ بِمَنْزِلَةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ التِّجَارَةِ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي التِّجَارَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاوِضَيْنِ إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا بِهِ فَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ إذَا أَقَرَّ بِهِ وَكَذَلِكَ مَهْرُ جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا .
فَوَطِئَهَا فَاسْتُحِقَّتْ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الدَّيْنِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَيُبَاعُ فِيهِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَهْرِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ الدَّيْنِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِ .
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ بِأَمْرِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى وَلِوُصُولِهِمْ إلَى حَقِّهِمْ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا آجِلٌ ، وَفِيهِ وَفَاءٌ بِحُقُوقِهِمْ وَهُوَ الِاسْتِكْسَابُ ، وَالثَّانِي عَاجِلٌ وَلَكِنْ رُبَّمَا لَا يَفِي بِحُقُوقِهِمْ ، وَهُوَ بَيْعٌ لِرَقَبَةٍ فَرُبَّمَا لَا يَكُونُ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِمْ ، وَفِي بَيْعِ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِدُونِ رِضَاهُمْ قَطْعُ خِيَارِهِمْ وَإِبْطَالُ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَابِتٌ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْبَاقُونَ حَقَّهُمْ كَانَ الْمَنْعُ بَاقِيًا لِحَقِّ هَذَا الْوَاحِدِ فَكَذَلِكَ إذَا رَضِيَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ رَفَعَهُ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ إلَى الْقَاضِي ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ غَائِبٌ فَبَاعَهُ الْقَاضِي لِلْحُضُورِ أَوْ أَمَرَهُ مَوْلَاهُ بِبَيْعِهِ جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرِينَ طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ وَيُنْصِفَهُمْ بِإِيصَالِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْقَاضِي نَظَرًا لِلْحَاضِرِ ، وَالْغَائِبِ جَمِيعًا وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْغَائِبِ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلِهَذَا جَازَ الْبَيْعُ مِنْ الْقَاضِي أَوْ بِأَمْرِهِ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِ ، ثُمَّ الْقَاضِي يَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِينَ حِصَّتَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ وَيُمْسِكُ حِصَّةَ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَبِثُبُوتِ دَيْنِهِ ثَبَتَ مُزَاحَمَتُهُ مَعَ الْحَاضِرِينَ فِي الثَّمَنِ فَلَا يَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِينَ إلَّا مِقْدَارَ حِصَّتِهِمْ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَلِفَ فِيهِ مَالُ إنْسَانٍ فَبَاعَهُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُتْلَفَ فِي الْبِئْرِ مَالٌ لِآخَرَ فَيَكُونُ شَرِيكًا مَعَ الْأَوَّلِ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ
هَهُنَا حَقُّ الطَّالِبِ خَاصَّةً وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَوْهُومٌ ، وَالْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقَ فَلَا يُنْقَضُ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ الطَّالِبِ لِمَكَانِ هَذَا الْمَوْهُومِ وَهَهُنَا حَقُّ الْغَائِبِ ثَابِتٌ مَعْلُومٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ إذَا حَضَرَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ وَغَابَ الْبَعْضُ فَبَاعَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِينَ إلَّا حِصَّتَهُمْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ : إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ الْمَالِ كَذَا فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ وَفُلَانٌ غَائِبٌ وَكَذَّبَهُ الْحُضُورُ مِنْ غُرَمَائِهِ فَالْعَبْدُ مُصَدَّقٌ فِيهِ وَيُوقِفُ حِصَّةَ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْضُرَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَا لَمْ يُبَعْ فِي الدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ .
وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ فِي مُزَاحَمَةِ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ اجْتَمَعَتْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ الْإِذْنِ فَكَأَنَّهَا حَصَلَتْ جُمْلَةً وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ مَا بَاعَهُ .
الْقَاضِي وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْبَيْعِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي ثَمَنِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْمَوْلَى وَيَدْفَعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَى الْغُرَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقِّهِ اتَّبَعَ الْغُرَمَاءَ بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَخَذُوا مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمْ ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ دَيْنِهِ كَالثَّابِتِ بِمُعَايَنَةِ سَبَبِهِ أَوْ بِتَصَادُقِهِمْ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ حَادِثٌ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ بِمِلْكِهِ ، وَالْمَوْلَى الْبَائِعُ مَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِغُرَمَائِهِ إلَّا مِقْدَارَ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ صَارَتْ مَصْرُوفَةً إلَى الْغُرَمَاءِ بِأَمْرِ الْقَاضِي ، وَالْعَبْدُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ حَتَّى يُعْتَقَ وَيَتْبَعُهُ تَحَوُّلُ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى الثَّمَنِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ، وَالثَّمَنُ فِي يَدِ الْغُرَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ فَلِهَذَا شَارَكَهُمْ الْغَائِبُ بِحِصَّةِ مَا أَثْبَتَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِكَفِيلٍ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَفْعَلُوا لَا يُجْبَرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ لِلْغَائِبِ مَعَهُمْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي إلْزَامِ إعْطَاءِ الْكَفِيلِ ( أَرَأَيْتَ ) لَوْ أَبَوْا أَنْ يُعْطُوا كَفِيلًا أَوْ لَمْ يَجِدُوا كَفِيلًا كَانَ لَهُ أَنْ
يَمْنَعَهُمْ حَقَّهُمْ بِسَبَبِ إقْرَارِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ إنْ أَعْطَوْا ذَلِكَ وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ جَازَ ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْقَاضِي يَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِلْغَائِبِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي إعْطَاءِ كَفِيلٍ وَأَصْلُهُ مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى إذَا قَسَّمَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ هَلْ يَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا لِحَقِّ وَارِثٍ أَوْ غَرِيمٍ بِتَوَهُّمِ حُضُورِهِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمَا هُنَاكَ يُحْتَاطُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ فَلَأَنْ يُحْتَاطَ هَهُنَا بَعْدَ إقْرَارِ الْعَبْدِ فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مَعَ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ إنْ شَاءَ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْكَفِيلِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْغُرَمَاءِ .
وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاكْتَسَبَ مَالًا فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ ، ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى الْمَالَ أَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُؤْخَذُ بِذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْأَخْذِ غَاصِبٌ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى كَسْبِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ ، وَالدَّيْنُ ، وَإِنْ قَلَّ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْكَسْبِ مَشْغُولٌ بِهِ فَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ الْمَقْبُوضُ لِلْمَوْلَى وَلَا يَخْرُجُ بِقَبْضِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبَ الْعَبْدِ بَلْ كَوْنُهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَكَوْنُهُ فِي يَدِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ فَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ بِالْحِصَّةِ ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ وَلَا دَيْنَ فَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ حَتَّى لَحِقَهُ دَيْنٌ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى مَا قَبَضَ .
الْمَوْلَى سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ الْفَارِغَ عَنْ الدَّيْنِ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَهُوَ مُحِقٌّ فِي أَخْذِهِ وَيَخْرُجُ الْمَقْبُوضُ بِقَبْضِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبَ الْعَبْدِ وَيَلْتَحِقُ بِسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَوْلَى فَإِذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقْضِي مِمَّا بَقِيَ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْكَسْبِ وَمِمَّا يَكْسِبُهُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَسْبُهُ وَمَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَسْبُهُ مِثْلُ مَا اكْتَسَبَ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ فَيَصْرِفُ جَمِيعَ ذَلِكَ إلَى دَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَخَذَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاسْتَهْلَكَهُ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَوْمَئِذٍ ، ثُمَّ لَحِقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ آخَرُ يَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى مَا قَبَضَ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْمَوْلَى يَغْرَمُ الْأَلْفَ كُلَّهَا فَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ أَيْضًا فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى غَاصِبٌ لِلْمَأْخُوذِ بِاعْتِبَارِ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ دُونَ الْمَأْخُوذِ فَهُوَ وَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ وَهَذَا ؛
لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَوْلَى رَدَّ مِقْدَارِ خَمْسِمِائَةٍ لَمْ يُسَلَّمْ ذَلِكَ لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ بَلْ يُشَارِكُهُ الْغَرِيمُ الثَّانِي فِيهِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِي كَسْبِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يَسْتَوْجِبُ الْغَرِيمُ الْأَوَّلَ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فَإِذَا قَبَضَ ذَلِكَ شَارَكَهُ فِيهِ الْغَرِيمُ الثَّانِي فَلَا يَزَالُ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْأَلْفِ فَقُلْنَا فِي الِابْتِدَاءِ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الْكُلَّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّرْتِيبِ ، وَالتَّكْرَارِ وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْ الْعَبْدَ دَيْنٌ آخَرُ لَمْ يَغْرَمْ الْمَوْلَى إلَّا نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَ لِلْغَرِيمِ خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ وَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ سَلَامَةِ الْكَسْبِ لِلْمَوْلَى فَيُسَلَّمُ لَهُ مَا بَقِيَ وَإِذَا لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ يَأْتِي عَلَى رَقَبَتِهِ وَعَلَى جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مَوْلَاهُ الْغَلَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ مَالًا كَثِيرًا .
فَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ رَدُّ جَمِيعِ مَا أَخَذَ لِأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالْمَوْلَى وَإِنْ اسْتَأْدَاهُ الضَّرِيبَةَ فَذَلِكَ لَا يَصِيرُ دَيْنًا لَهُ عَلَى عَبْدِهِ فَيَسْتَرِدُّ الْمَأْخُوذَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ الْمَقْبُوضُ سَالِمٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْمَوْلَى الْغَلَّةَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يُبْقِيهِ عَلَى الْإِذْنِ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ فَيَكْتَسِبُ وَيَقْضِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ مِنْ كَسْبِهِ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْغَلَّةَ لِلْمَوْلَى حَجَرَ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ بَابُ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِمْ مِنْ كَسْبِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ فِي هَذَا مَنْفَعَةً لِلْغُرَمَاءِ ، وَالْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ بِسَبَبِ مِلْكِهِ مِنْ تَصَرُّفِ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَمَا دَفَعَ الْعَبْدُ مِنْ الْغَلَّةِ إلَى الْمَوْلَى مِثْلَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى
نَفْسِهِ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِ وَكَمَا أَنَّ قَدْرَ نَفَقَتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ فَكَذَلِكَ مِقْدَارُ مَا دَفَعَ إلَى الْمَوْلَى مِنْ غَلَّةِ مِثْلِهِ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ ، ثُمَّ مَنَافِعُهُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْغَلَّةَ بَدَلًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ كَانَ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوْفَى بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ كَانَ قَبَضَ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ .
مِائَةَ دِرْهَمٍ كَانَ بَاطِلًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى غَلَّةِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ فِي قَبْضِ الزِّيَادَةِ عَلَى غَلَّةِ الْمِثْلِ ضَرَرًا عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَالْعَبْدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى أَدَاءِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ إلَى الْمَوْلَى فَكَانَ الْمَوْلَى غَاصِبًا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِدَيْنِ خَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ اسْتَفَادَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَأَخَذَهُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ لَحِقَ الْمَأْذُونَ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ يَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ وَعَلَى قِيمَةِ مَا قَبَضَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ يُؤْخَذُ مِنْ الْمَوْلَى فَيُبَاعُ وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْلَى غَاصِبٌ فِي أَخْذِ الْعَبْدِ مِنْهُ لِمَكَانِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ أَدَّى الْمَوْلَى الدَّيْنَ الْأَوَّلَ لِيَسْلَمَ الْعَبْدُ لَهُ لَمْ يَسْلَمْ وَبِيعَ لِلْآخَرِينَ فِي دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى كَكَوْنِهِ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ كُلِّ غَرِيمٍ ، ثُمَّ الْمَوْلَى أَسْقَطَ حَقَّ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ بِإِيفَاءِ دَيْنِهِ وَلَوْ سَقَطَ حَقُّهُ بِإِبْرَائِهِ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ الثَّانِي عَنْ الْعَبْدِ الْمَأْخُوذِ فَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ بِإِيفَاءِ الْمَوْلَى إيَّاهُ ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُخَاصِمَهُمْ بِمَا أَدَّى مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِمَا أَدَّى عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَالْمُزَاحَمَةُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَة عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَوْلَى وَلَكِنْ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ أَبْرَأَ الْعَبْدَ مِنْ دَيْنِهِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ بِيعَ الْعَبْدُ وَقَبَضَهُ الْمَوْلَى فِي دَيْنِ الْآخَرِينَ ؛ لِأَنَّ بِإِبْرَائِهِ يَسْقُطُ دَيْنُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا يَوْمَئِذٍ ، وَأَنَّ حَقَّ الْآخَرِينَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ الْمَأْخُوذِ ، وَإِنْ كَانَ أَبْرَأَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ سَلَّمَ الْعَبْدُ الَّذِي قَبَضَهُ الْمَوْلَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ سَلَامَتِهِ لَهُ قَدْ انْعَدَمَ بِسُقُوطِ دَيْنِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ الْمَوْلَى بَعْدَمَا سَقَطَ دَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ وَبِهَذَا الْأَخْذِ يَخْرُجُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْمَأْذُونِ فَلَا
يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ حَتَّى لَحِقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالدَّيْنِ كَانَ بَاطِلًا وَسَلَّمَ الْعَبْدُ الَّذِي قَبَضَهُ الْمَوْلَى لَهُ وَلَا يَتْبَعُهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ دَيْنُهُ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَأَمَّا بِإِقْرَارِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ ، وَأَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ سَالِمًا لِلْمَوْلَى .
فَإِنْ قِيلَ حِينَ لَحِقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا ظَاهِرًا فَبِاعْتِبَارِهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغَرِيمِ الْآخَرُ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ إقْرَارُ الْأَوَّلِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ إقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ الْمُبْتَدَأِ .
قُلْنَا هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي تَنَاوَلَهُ إقْرَارُهُ حَقُّ الْغَرِيمِ الْآخَرِ وَلَا حَقَّ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَهُ فَيَكُونُ قَرَارُهُ فِيهِ صَحِيحًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ سَالِمًا لِلْمَوْلَى ، وَأَنَّهُ خَرَجَ .
بِقَبْضِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِلْأَوَّلِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ ، ثُمَّ قَالَ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَإِقْرَارُهُ لِي كَانَ بَاطِلًا فَإِنَّ الْغَرِيمَ الْآخَرُ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الَّذِي قَبَضَهُ الْمَوْلَى لِيُبَاعَ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ كَانَ وَاجِبًا ، وَأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي أَخْذِ الْعَبْدِ وَإِقْرَارُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِهِمْ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَوْلَى هَهُنَا أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ الْغَرِيمَيْنِ فِيمَا قَبَضَهُ
هُوَ ثَمَّ سَقَطَ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِسَبَبِ إقْرَارِهِ فَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُ الْأَوَّلِ ، وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يُقِرَّ الْمَوْلَى بِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَخَذَهُ وَلَكِنْ إنَّمَا كَانَ يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الْغَرِيمِ الثَّانِي لِوُجُوبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ .
فَإِذَا ظَهَرَ بِإِقْرَارِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ قَبَضَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ وَلَا شَرِكَةَ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَحِقَ الْمَأْذُونَ بَعْدَمَا خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ .
وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ فَلَحِقَهَا دَيْنٌ ، ثُمَّ وَهَبَ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهَا بِصَدَقَةٍ أَوْ اكْتَسَبَتْ مَالًا مِنْ التِّجَارَةِ فَغُرَمَاؤُهَا أَحَقُّ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ مَوْلَاهَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَقَّ لِغُرَمَائِهَا إلَّا فِيمَا اكْتَسَبَتْ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَمَا كَانَ مِنْ كَسْبِ تِجَارَتِهَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ تِجَارَتِهَا فَهُوَ كَسَائِرِ أَمْلَاكَ الْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ غُرَمَائِهَا بِهِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ ، ثُمَّ لَحِقَهَا دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ غُرَمَائِهَا بِوَلَدِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِي الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ مَا كَانَ بِسَبَبِ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ الْإِذْنُ كَانَ يُثْبِتُ لَهُ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ أَيْضًا بِخِلَافِ كَسْبِ التِّجَارَةِ فَحُصُولُهُ كَانَ بِسَبَبِ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .
فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمْ لِلْمَوْلَى مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْ دَيْنِ الْعَبْدِ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ ، وَالصَّدَقَةَ كَسْبُ الْعَبْدِ فَلَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ كَكَسْبِ التِّجَارَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُكْتَسِبِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ إلَّا أَنَّ الْمُكْتَسِبَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ مَوْلَاهُ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُوَرَّثِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْمُوَرِّثِ فَكَذَلِكَ لَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ وَحَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ مَوْلَاهُ فِي كَسْبِهِ فَمَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ لَا يُسَلَّمْ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْهُ
وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْكَسْبُ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ يَدَهَا فِي الْكَسْبِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ نَازَعَهَا فِيهِ إنْسَانٌ كَانَتْ خَصْمًا لَهُ فَبِاعْتِبَارِ بَقَاءِ يَدِهَا تَبْقَى حَاجَتُهَا فِيهِ مُقَدَّمَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ .
أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهَا الدَّيْنُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَا لَحِقَهَا الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهَا وَلَكِنَّهُ جُزْءٌ مُتَوَلَّدٌ مِنْ عَيْنِهَا فَكَمَا أَنَّ نَفْسَهَا لَا تَكُونُ مِنْ كَسْبِهَا وَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى فِي نَفْسِهَا مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهَا فَكَذَلِكَ فِي وَلَدِهَا إلَّا أَنَّ نَفْسَهَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِالْتِزَامِ الْمَوْلَى ذَلِكَ بِالْإِذْنِ لَهَا فِي التِّجَارَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا يَعْلَقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ وَلَا سِرَايَةَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لَحِقَهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِهَا فِي حَالِ مَا كَانَ الْوَلَدُ جُزْءًا مُتَّصِلًا بِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ وَيَنْفَصِلُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ، ثُمَّ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهَا لَا يَكُونُ قَبْلَ سَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْوَلَدِ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ إذَا وَلَدَتْ فَلَا حَقَّ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِي وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ هُنَاكَ فِي بَدَلِ الْمُتْلَفِ وَهُوَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَوْ فِي نَفْسِهَا جَرَى عَلَى الْجِنَايَةِ وَلَكِنْ ذَاكَ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَأَكَّدٍ بِدَلِيلِ تَمَكُّنِ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَهَهُنَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَكِّدٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّتِهَا بِصِفَةِ
التَّأْكِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى فِيهَا بِالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغُرَمَاءِ حَقُّهُمْ فَيَسْرِي هَذَا الْحَقُّ الْمُتَأَكِّدُ إلَى الْوَلَدِ وَلَوْ وَلَدَتْ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ ثُمَّ لَحِقَهَا دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَكَ الْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي مَالِيَّتِهَا إذَا بِيعَتْ فَأَمَّا وَلَدُهَا فَلِأَصْحَابِ الدَّيْنِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْهَا وَحَقُّهُمْ ثَابِتٌ فِيهَا فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ وَأَصْحَابُ الدَّيْنِ الْآخَرِ إنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِيهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ عَنْهَا فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي وَلَدِهَا وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدَّيْنِ ، وَالْآخَرُ بَعْدَ الدَّيْنِ لَحِقَ الْوَلَدَ الدَّيْنُ الْآخَرُ دُونَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ انْفَصَلَ عَنْهَا قَبْلَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهَا وَيُعْتَبَرُ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ الْوَلَدُ الْآخَرُ .
وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً فَاسْتُوْفِيَ أَرْشَهَا مِنْ الْجَانِي أَوْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا فَدَفَعَ بِالْجِنَايَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِهَا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى لَا مِنْ جِهَتِهَا وَلَكِنْ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ حُكْمُ الْأَرْشِ حُكْمَ وَلَدِهَا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَفِي الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ إذَا جَنَى عَلَيْهَا بِدَفْعِ الْأَرْشِ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا وَحَقُّ الدَّفْعِ كَانَ ثَابِتًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ اعْتِبَارًا لِبَدَلِ طَرَفِهَا بِبَدَلِ نَفْسِهَا فَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَيْسَ بِبَدَلِ جُزْءٍ فَائِتٍ مِنْ عَيْنِهَا وَلَكِنَّهُ زِيَادَةٌ انْفَصَلَ عَنْهَا فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ لِوُجُوبِ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ بِالْجِنَايَةِ فَكَانَ الْوَلَدُ فِي هَذَا قِيَاسَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ بِعَقْدِهَا فَكَذَلِكَ بِوَلَدِهَا .
وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ كَثِيرٌ ، ثُمَّ دَبَّرَهُ مَوْلَاهُ فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى الْقِيمَةَ ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ لِوُصُولِهِمْ إلَى حَقِّهِمْ طَرِيقَانِ بَيْعُ الرَّقَبَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ ، وَالْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ فَوَّتَ عَلَيْهِمْ أَحَدَ الطَّرِيقِينَ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ وَمَا يَعْرِضُ لِلطَّرِيقِ الْآخَرِ وَهُوَ الْكَسْبُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى كَمَا كَانَ قَبْلَهُ فَيَبْقَى الْخِيَارُ لَهُمْ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى لِإِتْلَافِهِ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا اسْتَوْفَوْا ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُعْتَقَ فَكَذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ بِتَضْمِينِ الْمَوْلَى فَإِذَا عَتَقَ اتَّبَعُوهُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الدَّيْنِ كَانَ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ وَخَالِصُ مِلْكِهِ مَا اكْتَسَبَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَأَمَّا مَا كَانَ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى ، وَالْمَوْلَى قَدْ ضَمِنَ لَهُمْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ فَلَا يَبْقَى لَهُمْ سَبِيلٌ عَلَى كَسْبٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَإِنْ اخْتَارُوا اسْتِسْعَاءَ الْمُدَبَّرِ اسْتَسْعَوْهُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ كَمَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ لَهُمْ حَقُّ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَالْمَوْلَى رَاضٍ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ مِنْ كَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْمَوْلَى ضَمِنَ مَالِيَّةَ - الرَّقَبَةِ فَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِصَرْفِ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ لِلْغُرَمَاءِ إلَى دُيُونِهِمْ فَإِذَا اخْتَارُوا
أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا تَضْمِينَ الْمَوْلَى فَقَدْ سَلَّمُوا مَا يَكْتَسِبُهُ الْمُدَبَّرُ لِلْمَوْلَى .
وَإِنْ اخْتَارُوا اسْتِسْعَاءَ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ أَبْرَءُوا الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا فَإِنْ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ اقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ، وَالْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ فَإِنْ اشْتَرَى وَبَاعَ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ كَانَ لِأَصْحَابِ هَذَا الدَّيْنِ أَنْ يَسْتَسْعُوهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ حِينَ وَجَبَ دَيْنُهُمْ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِالْكَسْبِ خَاصَّةً وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْأَوَّلُونَ فِي سِعَايَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِاخْتِيَارِ تَضْمِينِ الْمَوْلَى أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ عَنْ كَسْبِ رَقَبَتِهِ وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِذْنِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ كَإِنْشَائِهِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ كَسْبِهِ عَنْ دَيْنِ الْآخَرِينَ كَانَ لِلْمَوْلَى دُونَ الْأَوَّلَيْنِ .
وَإِذَا قُتِلَ الْمُدَبَّرُ كَانَتْ قِيمَتُهُ لِلْآخَرِينَ دُونَ الْأَوَّلِينَ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ فَيَكُونُ كَالْكَسْبِ فِي وُجُوبِ صَرْفِهَا إلَى الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلِينَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ بَدَلُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ حِينَ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنْ الْقَاتِلِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لِلْآخَرِينَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
وَإِذَا لَحِقَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ .
دَيْنٌ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ دَبَّرَهُ الْمَوْلَى فَاخْتَارَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ اتِّبَاعَ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ وَبَعْضُهُمْ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فَذَلِكَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا اخْتَارَ غَرَضًا صَحِيحًا ، وَقَدْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هَذَا الْخِيَارُ فِي دَيْنِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ إلَّا أَنَّ قَبْلَ التَّدْبِيرِ إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمْ الْبَيْعَ فَبِيعَ لَهُ لَا يَمْلِكُ إيفَاءَ حَقِّ الْبَاقِينَ فِي الْكَسْبِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ قَدْ انْحَجَرَ عَلَيْهِ وَهَهُنَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ الْعَبْدُ عَلَى إذْنِهِ فَيُمْكِنُ إيفَاءُ حَقِّ مَنْ اخْتَارَ السِّعَايَةَ فِي كَسْبِهِ فَإِنْ كَانَ اخْتَارَ ضَمَانَ الْمَوْلَى اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَ لَهُمَا ثُلُثَا الْقِيمَةِ وَسَلَّمَ لِلْمَوْلَى ثُلُثَ الْقِيمَة ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَوْلَى أَثْلَاثًا بَيْنَهُمْ لَوْ اخْتَارُوا تَضْمِينَهُ وَاَلَّذِي اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنَّا أَسْقَطَ حَقَّهُ أَصْلًا وَلَكِنْ عَيَّنَ لِحَقِّهِ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْكَسْبُ فَيَكُونُ مُزَاحَمَتُهُ مَعَ الْأَوَّلِينَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى قَائِمًا حُكْمًا فَلِهَذَا يُسَلِّمُ حِصَّتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى وَيَغْرَمُ لِلْآخَرِينَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ ، ثُمَّ الَّذِي اخْتَارَ السِّعَايَةَ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ إنْ شَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ فِيمَا قَبَضَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا حَقَّهُ عَنْ السِّعَايَةِ بِاخْتِيَارِ التَّضْمِينِ فَانْقَطَعَتْ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي السِّعَايَةِ وَإِذَا أَرَادَ الَّذِي اخْتَارَ السِّعَايَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى نَصِيبَهُ أَوْ شَارَكَ صَاحِبَهُ فِيمَا يَقْبِضَانِ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْآخَرَانِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِمَا ضَمَانَ الْمَوْلَى .
وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَتْبَعَا الْمُدَبَّرَ بِدَيْنِهِمَا وَيَدَعَا تَضْمِينَ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَإِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ
لَهُمَا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ صَارَ حَقًّا لِلَّذِي اخْتَارَ السِّعَايَةَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَمَالُ دَيْنِهِ وَحَقُّهُ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَتَبَيَّنُ رِضَى الْمَوْلَى فِي مُزَاحَمَةِ الْآخَرِينَ مَعَهُ فِي السِّعَايَةِ بَعْدَمَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا عَنْهَا بِاخْتِيَارِ تَضْمِينِ الْمَوْلَى فَإِنْ اشْتَرَى الْمُدَبَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاعَ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ آخَرُ كَانَ جَمِيعُ كَسْبِ الْمُدَبَّرِ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي اخْتَارَ سِعَايَتَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الدَّيْنِ الَّذِي لَحِقَهُ آخِرًا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَقِيَ عَلَى إذْنِهِ فَهَذِهِ الدُّيُونُ جَمِيعُهَا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الْإِذْنِ فَيَكُونُ الْكَسْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَّةِ فَأَيُّهُمْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا شَارَكَهُ أَصْحَابُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا اكْتَسَبَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ أَوْ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ الَّذِي اخْتَارَ سِعَايَتَهُ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ سِعَايَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الدَّيْنُ الْآخَرُ سَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَبَضَهُ مَا كَانَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ حَقٌّ فِي الْكَسْبِ وَمَا قَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْآخَرِينَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي قَبَضَهُ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَصَدَّقَهُ صَاحِبُهُ أَوْ قَالَ كَانَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَسْعَى لَهُ الْمُدَبَّرُ مَعَ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إذْنِهِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ بِمَنْزِلَةِ .
مَا يَلْزَمُهُ بِالتِّجَارَةِ فَمَا سَعَى فِيهِ مِنْ شَيْءٍ اشْتَرَكُوا فِيهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُدَبَّرُ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ هَذَا فِي الْقِيمَةَ الَّتِي كَانَتْ وَجَبَتْ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِي إسْنَادِ الْإِقْرَارِ إلَى مَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إثْبَاتَ الْمُزَاحَمَةِ لَهُ مَعَهُمْ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَاخْتَارَ هَذَا الْغَرِيمُ اتِّبَاعَ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ إلَى الْغَرِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَارَا ضَمَانَهُ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي دَفَعَ إلَى هَذَا الْمُقَرِّ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ وَهُوَ نِصْفُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْمَوْلَى مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَوَّلَيْنِ ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ حَقُّهُمَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَأَنَّ عَلَيْهِمَا رَدُّ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي اسْتِرْدَادِ شَيْءٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ مَا دَفَعَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مَضْمُونًا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالتَّاوِي وَمَا بَقِيَ بِزَعْمِهِ بَيْنَ الْآخَرِينَ نِصْفَيْنِ إلَّا أَنَّ الَّذِي اخْتَارَ السِّعَايَةَ يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَدْفَعُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِقْدَارَ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِقْدَارُ نِصْفِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِ ، ثُمَّ اتَّبَعَ هَذَا الْغَرِيمُ الْمُدَبَّرَ بِثُلُثِ دَيْنِهِ فَيَسْعَى لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَامُ حَقِّهِ فِي رُبْعِ الْقِيمَةِ ، وَإِنَّمَا سَلَّمَ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ ، وَذَلِكَ ثُلُثَا حَقِّهِ وَلَوْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِ
فَكَذَلِكَ يَسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثِ دَيْنِهِ حِينَ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ثُلُثَ نَصِيبِهِ مِنْ الْقِيمَةِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلَا يُبْطِلُ اخْتِيَارُهُ ضَمَانَ الْمَوْلَى حَقَّ اسْتِسْعَائِهِ فِي هَذَا الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ ضَمَانَ الْمَوْلَى مُعْتَبَرٌ فِيمَا وَصَلَ إلَيْهِ دُونَ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ ، وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ ثُلُثَا نَصِيبِهِ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الِاخْتِيَارُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ فِي السِّعَايَةِ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي .
وَإِنْ كَانَ دَفَعَ الثُّلُثَيْنِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ غَرِمَ لِلْمُقَرِّ لَهُ رُبْعَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّ حَقَّهُ فِي رُبْعِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ ، وَمَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلَيْنِ زِيَادَةٌ عَلَى حَقِّهِمَا هَهُنَا مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلِهَذَا غَرِمَ لَهُ جَمِيعَ نَصِيبِهِ وَهُوَ رُبْعُ الْقِيمَةِ ، ثُمَّ لَا يَبِيعُ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُدَبَّرَ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ حَتَّى يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ مِنْ بَدَلِ الرَّقَبَةِ قَالَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ غُرَمَاءَهُ الثَّلَاثَةَ الْأَوَّلِينَ لَوْ اخْتَارُوا ضَمَانَ الْمَوْلَى فَضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ بِقَضَاءٍ ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ عَلَى الْمُدَبَّرِ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَصَدَّقَهُ الْمُدَبَّرُ ، وَالْمَوْلَى فِي ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ لِهَذَا الْغَرِيمِ عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يُبْطِلُ اخْتِيَارُهُ ضَمَانَ الْمَوْلَى حَقَّهُ فِي سِعَايَةِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَى الْأَوَّلِينَ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلدَّافِعِ كَمَالَ حِصَّتِهِ وَهُوَ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى دَبَّرَ عَبْدَهُ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ فَهُوَ سَوَاءٌ ، وَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّهُمْ فِي مَالِيَّتِهِ بِالْإِعْتَاقِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ ، وَالْإِعْسَارِ فَإِذَا اتَّبَعُوهُ .
بِالْقِيمَةِ أَخَذَا الْعَبْدَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ خَالِصُ حَقِّهِ ، وَالْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ كَسْبَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ مَالُ الْمَوْلَى ، وَقَدْ ضَمِنَ الْمَوْلَى لَهُمْ بَدَلَ الرَّقَبَةِ فَلَا يَبْقَى لَهُمْ سَبِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْتَقَ ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا جَمِيعَ دَيْنِهِمْ مِنْ الْعَبْدِ وَأَبْرَءُوا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمُتَوَلِّي خَالِصُ حَقِّهِمْ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِسْقَاطِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ وَيَبْقَى أَصْلُ دُيُونِهِمْ عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ عَتَقَ فَيَتْبَعُوهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِمْ وَلَمْ يُبْرِئُوا الْمَوْلَى مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَرَاءَةً مِنْهُمْ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ مُحْتَمِلٌ لَهُمْ عَنْ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ وَمُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِالدَّيْنِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ بِدُونِ الْإِبْرَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَارُوا ضَمَانَ الْمَوْلَى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ إذَا لَمْ يَقْبِضُوا مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُمْ تَضْمِينَ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِلْأَصِيلِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَهُنَاكَ حَقُّهُمْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى أَوْ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَاخْتِيَارُهُمْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ وَهَهُنَا قَدْ ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِمَا فِي مُطَالَبَةِ الْمُعْتِقِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَفِي مُطَالَبَةِ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ لِذَلِكَ الْقَدْرِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوا الْقِيمَةَ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوا الْعَبْدَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارُهُمْ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا إبْرَاءً
لِلْآخَرِ .
وَلَوْ اخْتَارَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ اتِّبَاعَ الْمَوْلَى وَأَبْرَءُوا الْمَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ يَتْبَعُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتْبَعُوهُ بِشَيْءٍ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُمْ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ كُلُّهَا لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ الَّذِينَ اخْتَارُوا تَضْمِينَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَانَ لِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِينَ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْإِبْرَاءِ فَالْتَحَقَ بِمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَيْنَهُمْ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَهُنَاكَ مُزَاحَمَةُ الَّذِينَ اخْتَارُوا اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ لَمْ يَنْعَدِمْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ سِعَايَتَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلِهَذَا لَا يَدْفَعُ إلَى الَّذِينَ اخْتَارُوا ضَمَانَهُ ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُمْ مِنْ الْقِيمَةِ وَهُنَا مُزَاحَمَةُ الَّذِينَ أَبْرَءُوا الْمَوْلَى قَدْ انْعَدَمَتْ فِي حَقِّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ دَيْنَهُمْ مِنْ سِعَايَةٍ هِيَ خَالِصُ مِلْكِ الْمُعْتِقِ لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ دَفْعُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ إلَى الَّذِينَ اخْتَارُوا تَضْمِينَهُ وَلَهُمْ الْخِيَارُ كَمَا بَيَّنَّا فَإِنْ آخَذُوا الْمَوْلَى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِإِتْلَافِهِ مَحِلَّ حَقِّهِمْ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ عَنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَسْتَوْجِبْ بِهَذَا التَّحَمُّلِ شَيْئًا عَلَى الْعَبْدِ ، وَإِنْ آخَذُوا الْعَبْدَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ قَضَى دَيْنَهُ بِمِلْكِهِ وَمَا أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي عَلَى الْمَوْلَى اشْتَرَكَ فِيهَا جَمِيعُ مَنْ اخْتَارَ ضَمَانَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ كَالثَّمَنِ لَوْ بِيعَتْ الرَّقَبَةُ فِي دُيُونِهِمْ وَمَا أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُرَمَاء مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَدَيْنُ الْحُرِّ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِكَسْبِهِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَيْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذِمَّتِهِ بِسَبَبٍ
عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ مَمْلُوكٌ ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَمْلُوكِ يَكُونُ شَاغِلًا لِكَسْبِهِ فَلِهَذَا إذَا خُصَّ أَحَدُهُمْ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ دُونَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَسْلَمْ ذَلِكَ لَهُ .
وَلَوْ لَحِقَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ كَبِيرٌ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَأَخَذَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَاسْتَهْلَكَهُ ، ثُمَّ اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ وَأَخَذُوا مِنْهُ الدَّيْنَ رَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْمَوْلَى فِي الْمَالِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ الدَّيْنِ وَضَمَّنَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ إنَّمَا كَانَ يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ عَنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِيمَا أَدَّى مِنْ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بَلْ هُوَ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ كَسْبِهِ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمَوْلَى اتَّبَعَهُ الْعَبْدُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا أَدَّى وَمَا فَضَلَ مِنْهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُوَفِّ الْعَبْدُ الدَّيْنَ وَلَكِنَّ الْغُرَمَاءَ أَبْرَءُوهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ دَيْنِهِ فَيَكُونُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا وَأَخَذَ مِنْهَا مَالَهَا وَوَلَدَهَا وَأَرْشَ يَدِهَا وَقَدْ كَانَ الدَّيْنُ لَحِقَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ ، وَالْجِنَايَةِ ، ثُمَّ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا مَالَهَا لِتَقْضِيَ دَيْنَهَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا لَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْوَلَدِ ، وَالْأَرْشِ إنْ كَانَ لَمْ يُعْتِقْهَا وَلَكِنْ تُبَاعُ فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِهَا ، وَمِنْ أَرْشِ الْيَدِ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِهَا فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى كَرَقَبَتِهَا وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُعَيِّنُوا عَلَى الْمَوْلَى قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ وَلَكِنَّ الْخِيَارَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى فَإِنْ أَرَادُوا بَيْعَ الرَّقَبَةِ لَهُمْ فِي دُيُونِهِمْ ، وَفِي الرَّقَبَةِ وَفَاءٌ بِحُقُوقِهِمْ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ وَأَرْشُ الْيَدِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ فَإِذَا اسْتَوْفَوْا حَقَّهُمْ مِنْهُ لَا يَبْقَى لَهُمْ عَلَى الْوَلَدِ سَبِيلٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالِيَّتَهَا عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ يُبَاعُ وَلَدُهَا فِي دَيْنِهِمْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِيَّتِهَا وَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمَوْلَى الْأَرْشَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا كَانَ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ ، ثُمَّ يَتْبَعُونَ الْأَمَةَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أُعْتِقَتْ ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوهَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَتَرَكُوا اتِّبَاعَ الْمَوْلَى فَإِنْ اتَّبَعُوهَا بِدَيْنِهِمْ فَأَخَذُوهُ مِنْهَا سُلِّمَ لِلْمَوْلَى وَلَدًا لِأَمَةٍ وَمَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِ يَدِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِالْوَلَدِ ، وَالْأَرْشِ كَمَا لَا تَرْجِعُ بِقِيمَةِ نَفْسِهَا اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْلَى يَرْجِعُ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَتِهَا .
وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَمَلَّكُهَا مِنْ
جِهَتِهَا فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَرَاءَتِهَا عَنْ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا لِلْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ أَخَذُوا الثَّمَنَ وَاتَّبَعُوا الْجَارِيَةَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهَا فَعَلَيْهَا قَضَاؤُهُ مِنْ مِلْكِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوهَا بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ فَإِنْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهَا سُلِّمَ لِلْمَوْلَى الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَالْمَوْلَى فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ كَالْكَفِيلِ ، وَالْأَصِيلُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى كَاتَبَهَا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا جَمِيعَ مَا يَقْبِضُ الْمَوْلَى مِنْ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَسْبُهَا وَحَقُّهُمْ بَاقٍ فِي كَسْبِهَا ، وَإِنْ نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ فِيهَا بِرِضَاهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِمْ مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ الَّتِي اسْتَوْفُوا فِي مَعْنَى بَدَلِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ بَدَلُ الرَّقَبَةِ لَا يَبْقَى لَهُمْ سَبِيلٌ عَلَى كَسْبِهَا مَا لَمْ تُعْتَقْ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ كِتَابَةَ الْمَوْلَى إيَّاهُمْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ كَبَيْعِهَا وَلَوْ بَاعَهَا بِرِضَاهُمْ وَأَخَذُوا ثَمَنَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَلَى كَسْبِهَا سَبِيلٌ مَا لَمْ تُعْتَقْ فَكَذَلِكَ هَهُنَا فَانٍ قَبَضَ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ وَعَتَقَتْ فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَخَذُوا الْمُكَاتَبَةَ مِنْ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ ، ثُمَّ اتَّبَعُوا الْأَمَةَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عَتَقَتْ ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الْأَمَةَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ فَإِنْ أَخَذُوهُ مِنْهَا سُلِّمَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِلْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الْمَوْلَى بِبَيْعِهَا بِرِضَاهُمْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ
الْأَصْلِ وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى مَا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهَا وَهِيَ فِيمَا قَضَتْ مِنْ الدَّيْنِ أَصْلٌ فَلَا تَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ بِمَا كَانَ مُتَحَمِّلًا عَنْهَا لِغُرَمَائِهَا .
وَإِذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ كَبِيرٌ ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى كَاتَبَهُ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَفْسَخُوا الْكِتَابَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِمَا بَاشَرَهُ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ ، وَالْكِتَابَةُ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَفْسَخُونَهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ كَمَا يَفْسَخُونَ الْبَيْعَ وَكَمَا يَفْسَخُ الشَّرِيكُ الْكِتَابَةَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ حَتَّى أَدَّى الْكِتَابَةَ إلَى الْمَوْلَى فَقَدْ عَتَقَ بِأَدَائِهَا لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ، وَالْمَوْلَى كَانَ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَيَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ ، ثُمَّ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا الْكِتَابَةَ مِنْ الْمَوْلَى فَيَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى كَسْبُ الْعَبْدِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُنْتَقَصُ الْعِتْقُ بِاسْتِيفَائِهِمْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا نَاقِضَ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُضَمِّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَهُنَاكَ إنَّمَا كَاتَبَهُ بِرِضَاهُمْ فَكَذَلِكَ يَضْمَنُ لَهُمْ الْقِيمَةَ ، ثُمَّ يَتْبَعُوا الْعَبْدَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دُيُونِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ .
وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ مَا عَتَقَ وَتُسَلَّمُ الْكِتَابَةُ لِلْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بَدَلُ مَا سُلِّمَ لِلْعَبْدِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ فَالْغُرَمَاءُ إذَا اسْتَوْفَوْا الْكِتَابَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا
الْمَوْلَى الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الرَّقَبَةِ سُلِّمَ لَهُمْ ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ وَلَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ رَقَبَتِهِ فَيَنْبَغِي لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى كَمَا إذَا أَخَذَ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَأَعْتَقَهُ فَقَضَى الدَّيْنَ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَ مِنْهُ مِنْ كَسْبِهِ .
قُلْنَا الْمَوْجُودُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَسْبُ الْعَبْدِ وَاسْتِيفَاءُ الْكَسْبِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمْ عَنْ بَدَلِ الرَّقَبَةِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَ الْمَوْلَى ، وَالْمُكَاتَبِ فَهُوَ بَدَلٌ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِلْمُكَاتَبِ وَقَدْ سُلِّمَ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ جِهَتِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْ كَسْبِهِ فَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمَوْلَى مَا اسْتَوْفَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَسْبُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَدَّى بَعْضَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ جَاءَ الْغُرَمَاءُ فَلَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا الْكِتَابَةَ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ لَهُمْ فِي دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكِتَابَةِ بِالْفَسْخِ بَعْدَ قَبْضِ الْبَدَلِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَيَأْخُذُونَ مَا قَبَضَ الْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِذَا أَجَازُوا الْمُكَاتَبَةَ جَازَتْ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَمَا كَانَ قَبْضُ الْمَوْلَى وَمَا بَقِيَ مِنْهَا فَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِإِذْنِهِمْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَسْبُ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ مَا قَبَضَ الْمَوْلَى مِنْهَا هَلَكَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ إجَازَتَهُمْ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُمْ بِقَبْضِ مَا قَبَضَهُ الْمَوْلَى فَكَانَ أَمِينًا فِيهِ غَيْرَ ضَامِنٍ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَجَازَ الْمُكَاتَبَةَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ لَمْ يُجْبَرْ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّ نَقْضِ الْكِتَابَةِ لِأَجْلِ دَيْنِهِمْ وَبَعْضُهُمْ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ النَّقْضِ وَاَلَّذِي أَجَازَ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّ
نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا حَقُّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ وَلَوْ أَرَادُوا رَدَّ الْمُكَاتَبَةِ فَأَعْطَاهُمْ الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ أَوْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا وَأَرَادُوا رَدَّ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي دُيُونِهِمْ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَهُمْ مُتَعَنِّتُونَ فِي الْإِبَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْسَخُونَ الْكِتَابَةَ لِيَبِيعُوهُ فِي دُيُونِهِمْ وَقَدْ وَصَلَتْ إلَيْهِمْ دُيُونُهُمْ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْكِتَابَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ أَدَانَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ .
مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بِيعَ الْعَبْدُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ قُتِلَ وَاسْتُوْفِيَتْ الْقِيمَةَ مِائَةُ دِرْهَمٍ مِنْ قَاتِلِهِ أَوْ مَاتَ وَخَلَفَ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ كَسْبِهِ .
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقَسَّمُ هَذِهِ الْمِائَةَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْمَوْلَى الدَّائِنِ أَثْلَاثًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ يَضْرِبُ الْأَجْنَبِيُّ فِيهِ بِمِائَةٍ ، وَالْمَوْلَى الدَّائِنُ بِخَمْسِينَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَرُبْعُهَا لِلْمَوْلَى الدَّائِنِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ نِصْفَ الْمِائَةِ نَصِيبُ الْمَوْلَى الدَّائِنِ وَدَيْنُهُ لَا يَثْبُتُ فِي نَفْسِهِ فَيُسَلَّمُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ خَاصَّةً وَنِصْفُهُ نَصِيبُ الَّذِي لَمْ يُدَنْ وَقَدْ اسْتَوْفَى فِيهِ حَقَّ الْأَجْنَبِيِّ وَحَقُّ الْمَوْلَى الدَّائِنِ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ مِقْدَارُ خَمْسِينَ فَيُقَسَّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَحَلُّ الدَّيْنِ هُوَ الذِّمَّةُ ، وَإِنَّمَا الْمَالُ مَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا مَحَلَّ وُجُوبِ الدَّيْنِ وَجَمِيعُ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ، وَالثَّابِتُ مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ مِلْكُهُ وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ مَا ثَبَتَ مِنْ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ كَسْبِ الْعَبْدِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ كَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مِائَةٌ لِرَجُلٍ وَدَيْنٌ خَمْسُونَ لِآخَرَ ، وَالتَّرِكَةُ مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَتَكُونُ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَظَائِرِهَا وَأَضْدَادِهَا قَدْ تَقَدَّمَ
بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فَلِهَذَا اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذَا الْحَرْفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْبَابِ عَلَى هَذَا تَدُورُ ، وَلَوْ أَدَانَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَنِصْفُ الْمِائَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَنِصْفُهَا لِلْمَوْلَيَيْنِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ نَصِيبَ الْأَكْبَرِ فَارِغٌ عَنْ دَيْنِهِ وَقَدْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَصْغَرُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بِقَدْرِ خَمْسِينَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَلِكَ نَصِيبُ الْأَصْغَرِ مِنْهُمَا فَارِغٌ عَنْ دَيْنِهِ ، وَقَدْ اسْتَوَى فِيهِ حَقُّ الْأَكْبَرِ ، وَالْأَجْنَبِيِّ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَبِالْقِسْمَتَيْنِ يُسَلَّمُ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْمِائَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ رُبْعُ الْمِائَةِ .
فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ خَمْسُونَ وَدَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ ثَابِتٌ كُلُّهُ فَيَضْرِبُ الْأَجْنَبِيُّ بِمِائَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ بِخَمْسِينَ فَكَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْمِائَةِ وَلِلْمَوْلَيَيْنِ نِصْفُهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِذَا كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَيْنِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عَنَانٍ وَبَيْنَهُمَا عَبْدٌ لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَأَدَانَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مِائَةً أَوْ بِيعَ بِمِائَةٍ فَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَاهَا وَلِلشَّرِيكَيْنِ ثُلُثُهَا ؛ لِأَنَّ إدَانَةَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ كَإِدَانَتِهِمَا جَمِيعًا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدِينًا لَهُ بِقَدْرِ الْخَمْسِينَ ، ثُمَّ نَصِيبُ الْأَكْبَرِ مِنْهُمَا فَارِغٌ عَنْهُ حَقُّهُ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ .
فِيهِ مِنْ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَمِنْ دَيْنِ الْأَصْغَرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَدِينًا بِجَمِيعِهِ خَمْسِينَ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِمَا أَثْلَاثًا وَكَذَلِكَ نَصِيبُ
الْأَصْغَرِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْأَصْغَرِ ، وَالْأَجْنَبِيِّ أَثْلَاثًا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَبِالْقِسْمَةِ يَحْصُلُ لِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَلِلْمَوْلَيَيْنِ ثُلُثُ الْمِائَةِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ مِائَةٌ كُلُّهُ ثَابِتٌ ، وَالثَّابِتُ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ مِقْدَارُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا صَارَتْ الْمَالِيَّةُ الَّتِي لِلْأَجْنَبِيِّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ سَهْمٌ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عَلَى سِتَّةٍ : أَرْبَعَةٌ لِلْأَجْنَبِيِّ وَذَلِكَ ثُلُثَا الْمِائَةِ ، وَسَهْمَانِ لِلْمَوْلَيَيْنِ وَذَلِكَ ثُلُثُ الْمِائَةِ .
وَلَوْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا شَرِكَةَ عَنَانٍ ، وَالْعَبْدُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَأَدَانَاهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ شَرِكَتِهِمَا وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةَ دِرْهَمٍ كَانَ ثُلُثَا الْمَالِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَثُلُثُهُ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ لِمَا قُلْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ مَدِينًا لَهُ فِي مِقْدَارِ خَمْسِينَ نِصْفُ ذَلِكَ لَا فِي نَصِيبِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَنِصْفُهُ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ شَرِيكِهِ فَكَانَ الثَّابِتُ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ، وَدَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ ثَابِتٌ كُلُّهُ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَدَانَاهُ وَأَدَانَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْمِائَةُ كُلُّهَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ ، وَالْمَالَ كُلَّهُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَيَيْنِ لِاتِّحَادِ الْمُسْتَحَقِّ وَاتِّحَادِ حُكْمِ الْوَاجِبِ ، وَالْمَحِلِّ الَّذِي يُقْضَى مِنْهُ ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ دَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ خَاصَّةً وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ فَأَدَانَهُ مِائَةً وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةً وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةً ، ثُمَّ بِيعَ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ
لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مِنْهُ شَيْءٌ .
وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ لِعَبْدٍ بَيْنَهُمَا فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ أَدَانَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لِلْعَبْدِ غَابَ وَحَضَرَ الْأَجْنَبِيُّ فَأَرَادَ بَيْعَ نَصِيبِ الْمَوْلَى الَّذِي أَذِنَ الْعَبْدُ فِي دَيْنِهِ بِيعَ لَهُ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ مُتَعَلِّقٌ بِنَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا خَصْمٌ فِي نَصِيبِهِ وَلَيْسَ بِخَصْمٍ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ وَلَكِنْ أَحَدُ النِّصْفَيْنِ يَنْفَرِدُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ فِي الدَّيْن فَلَا يَتَأَخَّرُ بَيْعُ نَصِيبِ الْحَاضِرِ لِغَيْبَةِ الْآخَرِ فَإِنْ بِيعَ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا أَخَذَهَا الْأَجْنَبِيُّ كُلَّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى الدَّائِنِ فِي نَصِيبِهِ فَيُسَلَّمُ نَصِيبُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ حَضَرَ الْمَوْلَى الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ نَصِيبُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلِلْمَوْلَى الَّذِي أَدَانَهُ فَيَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي نَصِيبِهِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَاقِيَ مِنْ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِ خَمْسُونَ ، وَالثَّابِتُ مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى الدَّائِنِ فِيهِ خَمْسُونَ فَلِهَذَا يُقَسَّمُ نَصِيبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا شَاهِدٌ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ قَدْ تَمَيَّزَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ هَهُنَا حِينَ بِيعَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ .
مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ نَصِيبِ الْمَوْلَى الَّذِي أَدَانَ الْعَبْدَ تَوَى عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِيعَ نَصِيبُ الَّذِي لَمْ يُدَنْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا سَهْمٌ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَسَهْمٌ لِلْمَوْلَى الَّذِي أَدَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ وَجَمِيعُ دَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ يَضْرِبُ بِمِائَةٍ ، وَالْمَوْلَى الدَّائِنُ
يَضْرِبُ بِمَا ثَبَتَ مِنْ دَيْنِهِ وَذَلِكَ خَمْسُونَ فَلِهَذَا قُسِّمَ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ يَتَمَيَّزُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ بَعْضُ الْعَبْدِ عَنْ الْبَعْضِ فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ كَذَلِكَ ، ثُمَّ خَرَجَتْ الْخَمْسُونَ الْأُولَى أَخَذَهَا الْأَجْنَبِيُّ كُلَّهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ هَذَا الْقَدْرُ وَزِيَادَةٌ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى الدَّائِنِ فِي ثَمَنِ نَصِيبِهِ فَيَأْخُذُهَا الْأَجْنَبِيُّ كُلُّهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا حَتَّى تَزِيدَ عَنْ ثُلُثَيْ الْمِائَةِ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْلَى الَّذِي أَدَانَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَالُ حَقِّهِ ، وَالْبَاقِي ثَمَنُ نَصِيبِ الْمَوْلَى الدَّائِنِ قَدْ فَرَغَ مِنْ الدَّيْنِ وَسُلِّمَ لَهُ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُدَنْ اُسْتُحِقَّ بِدَيْنٍ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِهِ بِرِضَاهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ بِخُرُوجِ مَا تَوَى لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادٌ فِي سَبَبِ الْقِسْمَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ جَمِيعَ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا يَوْمَئِذٍ .
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدَانَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ وَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً ، ثُمَّ بِيعَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْمِائَةُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْمَوْلَيَيْنِ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الدُّيُونِ ثَابِتٌ بِكَمَالِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ، وَالْمَوْلَى إنَّمَا لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا لِنَفْسِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ فِي الْإِدَانَةِ هَهُنَا نَائِبٌ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ فَكَانَ صَاحِبُ الْمَالِ هُوَ الَّذِي أَدَانَهُ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْمِائَةُ أَثْلَاثًا بَيْنَهُمْ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي أَدَانَهُ الْمَوْلَيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى الَّذِي أَدَانَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ قَدْ أَمَرَهُ بِإِدَانَتِهِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْمِائَةَ تُقَسَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةٌ لِلْأَجْنَبِيِّ الَّذِي أَدَانَ الْعَبْدَ وَأَرْبَعَةٌ لِلْأَجْنَبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ شَارَكَهُمَا الْمَوْلَيَانِ فِي الْمِائَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ سَهْمٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ نَائِبٌ عَنْ شَرِيكِهِ فِي نِصْفِ مَا أَدَانَة فَيَثْبُتُ عَلَى الْعَبْدِ جَمِيعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ، وَفِي النِّصْفِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَائِنٌ لِنَفْسِهِ فَيَثْبُتُ نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا يَثْبُتُ نِصْفُهُ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ فَكَانَ الثَّابِتُ عَلَى الْعَبْدِ لِلْأَجْنَبِيِّ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيكَيْ الْمَوْلَيَيْنِ خَمْسُونَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا كَانَ الْكُلُّ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ .
فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَقِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً فَحَضَرَ الْغَرِيمُ وَطَلَبَ دَيْنَهُ وَغَابَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ فَإِنَّ نَصِيبَ الْغَائِبِ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْضُرَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ خَصْمٌ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ صَاحِبِهِ فِي نَصِيبِهِ وَلَكِنْ بَيْعُ نَصِيبِ الْحَاضِرِ يَتَأَتَّى مُنْفَرِدًا عَنْ نَصِيبِ الْغَائِبِ فَلِهَذَا يُبَاعُ نَصِيبُ الْحَاضِرِ فَإِنْ بِيعَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَخَذَهَا الْغَرِيمُ كُلَّهَا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ دَيْنِهِ كَانَ ثَابِتًا فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَبْدِ وَاَلَّذِي بِيعَ جُزْءٌ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهِ عَلَى دَيْنِهِ فَيَأْخُذُ جَمِيعَ ذَلِكَ قَضَاءً بِدَيْنِهِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَانَ لِلَّذِي بِيعَ نَصِيبُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِخَمْسِينَ فِي نَصِيبِهِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ أَوْ بَعْضُهُ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدَّيْنِ كَانَ قَضَاؤُهُ مُسْتَحَقًّا مِنْ نَصِيبِ هَذَا الَّذِي حَضَرَ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِي ذَلِكَ بَلْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي نَصِيبِهِ بِخَمْسِينَ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثَيْنِ لَوْ اقْتَسَمَا التَّرِكَةَ وَغَابَ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَرِيمُ وَاسْتَوْفَى جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ نَصِيبِ الْحَاضِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ فَهَذَا كَذَلِكَ وَإِذَا رَجَعَ فِي نَصِيبِهِ بِخَمْسِينَ فَذَلِكَ دَيْنٌ فِي نَصِيبِهِ يُبَاعُ فِيهِ أَوْ يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قُتِلَ فَأَخَذَ الْحَاضِرُ نِصْفَ قِيمَتِهِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ وَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إذَا حَضَرَ وَقَبَضَ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ بَدَلُ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْبَيْعِ ثَمَنُ الْعَبْدِ فَيُعْتَبَرُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَلْفَا دِرْهَمٍ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ فَاسْتَهْلَكَهَا وَمَاتَ الْعَبْدُ فَلِلْغَرِيمَيْنِ أَنْ يَأْخُذَا الْمُسْتَهْلِكَ بِالْأَلْفِ فَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَيَيْنِ فَالْمُسْتَهْلِكُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَإِنْ رَفَعَاهُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فَقَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِمَا وَلَمْ يَقْبِضَا شَيْئًا حَتَّى أَبْرَأَ أَحَدُ الْغَرِيمَيْنِ الْعَبْدَ ، وَالْمَوْلَيَيْنِ مِنْ دَيْنِهِ فَإِنَّ الْغَرِيمَ الْآخَرَ يَأْخُذُ الْمُسْتَهْلِكَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِجَمِيعِ الْأَلْفِ مَعْلُومٌ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِأَنْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ جَمِيعُ الْأَلْفِ كَالشَّفِيعَيْنِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ إلَّا أَنْ هُنَاكَ يُفْصَلُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُمَا بِالدَّارِ وَمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ بِالْقَضَاءِ يَتَمَلَّكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدَّارِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ بُطْلَانُ حَقِّ صَاحِبِهِ عَنْ ذَلِكَ النِّصْفِ وَهَهُنَا بِالْقَضَاءِ لَا يَتَمَلَّكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَبَقِيَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَلْفِ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَمَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ .
فَإِنَّ حُرًّا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَقَضَى الْقَاضِي بِقِسْمَتِهَا بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَقْسِمَاهَا وَلَمْ يَقْبِضَاهَا حَتَّى أَبْرَأَ أَحَدُ الْغَرِيمَيْنِ الْمَيِّتَ مِنْ دَيْنِهِ كَانَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْغَرِيمِ الْبَاقِي وَلَوْ اقْتَسَمَاهَا وَقَبَضَاهَا ، ثُمَّ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا الْمَيِّتَ مِنْ دَيْنِهِ سُلِّمَ لَهُ مَا أَخَذَ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛
لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ لِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ دُونَ مَا تَمَّ اسْتِيفَاؤُهُ فَكَذَلِكَ فِي غَرِيمَيْ الْعَبْدِ لَوْ أَخَذَ الْأَلْفَ مِنْ الْمَوْلَى الْمُسْتَهْلِكِ ، ثُمَّ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا الْعَبْدَ مِنْ دَيْنِهِ سَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ لَوْ كَانَ مَوْلَى الْعَبْدِ وَاحِدًا .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِأَلْفٍ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِرَجُلٍ ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَيَانِ فَالْقِيَاسُ فِي هَذَا أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ نِصْفَ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفُهُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَيُسَلَّمُ لَهُ نِصْفُ الْأَلْفِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِذَلِكَ حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَكَانَ هَذَا النِّصْفُ لِلْمُسْتَوْدِعِ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنَجْعَلُ الْأَلْفَ كُلَّهَا لِلْمُسْتَوْدِعِ ؛ لِأَنَّ إذْنَ أَحَدِهِمَا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْعَبْدِ كَإِذْنِهِمَا ، وَالْإِقْرَارُ مِنْ التِّجَارَةِ فَكَمَا يَنْفَدُ جَمِيعُ تِجَارَةِ الْعَبْدِ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا وَيَتَبَيَّنُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُودِعِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الْمَوْلَيَيْنِ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ وَإِذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ كَانَ لِلْمُودِعِ كُلُّهُ وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْوَدِيعَةِ حَتَّى قَبَضَ الْمَوْلَيَانِ مِنْهُ الْأَلْفَ ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ وَكَذَّبَاهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ بِأَخْذِ الْمَوْلَيَيْنِ خَرَجَ الْمَقْبُوضُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْفُذُ فِيهِ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْإِقْرَارِ بِاعْتِبَارِ نُفُوذِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُنَاكَ الْمَالُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً لِهَذَا الرَّجُلِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا بِعَيْنِهَا فَقَالَ الْعَبْدُ هِيَ هَذِهِ الْأَلْفُ كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ
لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَ إقْرَارُهُ بَعْدَ أَخْذِ الْمَوْلَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظَا ، وَإِنَّمَا أَخَذَهَا الْمَوْلَيَانِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَوْ أَخَذَهَا أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ غَصْبًا وَجَحَدَهَا لَمْ يَضْمَنْ الْعَبْدُ شَيْئًا فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَهَا الْمَوْلَيَانِ مِنْهُ .
وَلَوْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ فِي التِّجَارَةِ فَأَدَانَهُ أَجْنَبِيٌّ مِائَةً وَأَدَانَهُ الَّذِي أَذِنَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ نَصِيبَهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَلَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِنَّ شَرِيكَهُ لَمْ يَضْمَنْ بِاسْتِحْقَاقِ نَصِيبِهِ بِالدَّيْنِ فَلِهَذَا يُبَاعُ نَصِيبُهُ فِي دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ خَاصَّةً وَلَوْ كَانَ أَدَانَهُ .
الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَدَانَهُ قَبْلَ إدَانَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِدَانَتُهُ إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ مِنْهُ مَعَ الْعَبْدِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ دَلِيلَ الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا أَدَانَهُ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ إذَا بِيعَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَرْبَاعًا فِي قَوْلِهِمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَوَّلِ الْبَابِ ، وَإِنْ كَانَ أَدَانَهُ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُهُ ، وَهُوَ حِصَّةُ الْمَوْلَى الَّذِي كَانَ أَذِنَ لَهُ فَيَضْرِبُ فِيهِ الْأَجْنَبِيُّ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْمَوْلَى الَّذِي أَدَانَهُ بِخَمْسِينَ فَيَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ النَّقْصَ أَثْلَاثًا وَلَا يَلْحَقُ حِصَّةَ الَّذِي أَدَانَهُ مِنْ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِذْنِ فِي نَصِيبِهِ كَانَ ضِمْنًا لِإِدَانَتِهِ وَقَدْ حَصَلَ بَعْدَ إدَانَةِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالدَّيْنُ السَّابِقُ عَلَى الْإِذْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ ، وَإِنْ وُجِدَ الْإِذْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ بِتِجَارَتِهِ ، ثُمَّ أَذِنَ الْمَوْلَى لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَلْحَقُهُ ذَلِكَ الدَّيْنُ مَا لَمْ يُعْتَقْ فَهَذَا كَذَلِكَ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ نَصِيبَ الْمَدِينِ فَارِغٌ عَنْ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ بَقِيَ جَمِيعُ دَيْنِهِ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَيْضًا مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى الدَّائِنِ خَمْسُونَ فَلِهَذَا قُسِّمَ ثَمَنُ نَصِيبِهِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى عَبْدِهِ مَالًا يَعْمَلُ بِهِ بِشُهُودٍ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ مَاتَ ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ وَلَا يَعْرِفُ مَالُ الْمَوْلَى بِعَيْنِهِ فَجَمِيعُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ لَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَقَدْ مَاتَ مَجْهَلًا لَهُ ، وَالْأَمَانَةُ بِالتَّجْهِيلِ تَصِيرُ دَيْنًا ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَمَا فِي يَدِهِ كَسْبُهُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ فَيَكُونُ مَصْرُوفًا إلَى غُرَمَائِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى مِنْهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ شَيْءٌ لِلْمَوْلَى بِعَيْنِهِ فَيَأْخُذُهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مُلْكِهِ وَلَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي شَيْءٍ وَكَذَلِكَ لَوْ عُرِفَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ اشْتَرَاهُ بِمَالِ الْمَوْلَى أَوْ بَاعَ بِهِ مَالَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ بِعَيْنِهِ وَحُكْمُ الْبَدَلِ بِعَيْنِهِ وَحُكْمُ الْمُبْدَلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَيْنُ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي يَدِ عَبْدِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ حُرٍّ .
وَلَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ فَمَاتَ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِمَا عَرَفَ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِبَدَلِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ بِعَيْنِهِ صَارَ دَيْنًا وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ عَلَى الْحُرِّ وَهُنَا يَصِيرُ دَيْنًا أَيْضًا وَلَكِنْ هُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى عَبْدِهِ فَيَبْطُلُ وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ فِي حِصَّتِهِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بِأَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ بِعَيْنِهِ هُوَ مَالُ مَوْلَاهُ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ .
لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْمَالِ حَقُّ غُرَمَائِهِ ، وَالْمَوْلَى يَخْلُفُ عَبْدَهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثَ ، ثُمَّ إقْرَارُ الْمُوَرَّثِ لِوَارِثِهِ بِعَيْنٍ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ ، وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ الْعَبْدُ فِي حَقِّ
مَوْلَاهُ مُتَّهَمٌ فَيَجْعَلُ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْعِتْقِ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ يُقِرُّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي الصِّحَّةِ وَهُنَاكَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَهَذَا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْرِفَهُ الشُّهُودُ بِعَيْنِهِ فَحِينَئِذٍ قَدْ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِحُجَّةٍ لَا تُهْمَةَ فِيهَا أَوْ يُقِرَّ بِهِ لِلْغُرَمَاءِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ فِي حَقِّهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ بِوَدِيعَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ أَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ عَبْدًا وَقَبَضَهُ الْمَرِيضُ إلَّا أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَعْرِفُونَ الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ وَلَكِنْ إذَا مَاتَ الْمَرِيضُ بِيعَ الْعَبْدُ فَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ الْمُسْتَوْدَعُ يَضْرِبُ فِيهِ الْمُسْتَوْدَعُ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ الْعَبْدَ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ تَعْيِينُ الْعَبْدِ فَقَدْ مَاتَ مَجْهُولًا لَهُ ، الْوَدِيعَةُ بِالتَّجْهِيلِ تَصِيرُ دَيْنًا ، وَوُجُوبُ هَذَا الدَّيْنِ بِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، وَالْقَوْلُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفُوا قَوْلُ الْغُرَمَاءِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ الزِّيَادَةَ .
وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ إقْرَارُهُ جَائِزًا ، وَالْأَجْنَبِيُّ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَصْلِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ أَقَرَّ بِعَيْنٍ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدَّفْعِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْنِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مُزَاحَمَةَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ لَهُ بِعَيْنٍ اسْتَحَقَّ الْعَيْنَ دُونَهُمْ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ
لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى إلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ مَالًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ خَاصَّةً فَاشْتَرَى بِهِ رَقِيقًا فَشِرَاؤُهُ إيَّاهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْمَوْلَى وَتَنْفِيذُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مُمْكِنٌ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَقْضِي دُيُونَهُ مِنْ كَسْبِهِ لَا مِنْ أَمَانَةٍ لِلْمَوْلَى فِي يَدِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ وَلَكِنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الطَّعَامَ ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فَقَدْ رَضِيَ الْمَوْلَى بِنَوْعٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتْبَعَ الْبَائِعَ بِذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي قَبْضِهِ مَالَ الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ وَكَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فَبَقِيَ كَمَا كَانَ وَلِلْبَائِعِ .
أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى اشْتَرَى مَتَاعًا مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي تَصَرُّفِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ وَهُوَ كَالْمَرِيضِ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَمْ يَجْعَلْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثَ .
قُلْنَا مُنِعَ الْمَرِيضُ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ مَعَ الْوَارِثِ عَبْدِهِ لِحَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ مَالِهِ ، وَفِي
هَذَا التَّصَرُّفِ إيثَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْبَعْضِ بِالْعَيْنِ فَأَمَّا هَهُنَا الْمَنْعُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِصَ إكْسَابَهُ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَإِذَا أَجَازَ الْبَيْعَ طَالَبَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ بِالثَّمَنِ لِحَقِّ غُرَمَائِهِ سَوَاءٌ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ كَسْبِهِ لِحَقِّ غُرَمَائِهِ وَلَوْ حَابَّا فِيهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ أَوْ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيُقَالُ لِلْمَوْلَى أَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْتَ فَانْتَقَضَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَدِّ جَمِيعَ قِيمَةِ مَا اشْتَرَيْتَ وَخُذْ مَا اشْتَرَيْتَ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُحَابَاةِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ ، وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالْمُحَابَاةُ الْيَسِيرَةُ ، وَالْفَاحِشَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَا كَانَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهَا .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَمَّا تَمَكَّنَتْ تُهْمَةُ الْإِيثَارِ فِي تَصَرُّفِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ مَوْلَاهُ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لَا تُسَلَّمُ لَهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي فَضْلِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ
لِلزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْغُرَمَاءُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي بَاعَ مَتَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى مَا كَانَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَدْخُلُ بِهِ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَهَذَا التَّكَلُّفُ عِنْدَهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ كَمَا لَا يَمْلِكُ كَسْبَ مُكَاتَبِهِ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْبَيْعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ وَهَذَا .
لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْعِتْقَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَقَبَضَ مَا اشْتَرَى فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَوْلَى فِيمَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَلَفَ عَنْ الثَّمَنِ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْمَوْلَى مَا بَاعَهُ إلَى الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَى الْعَبْدِ فَقَبْضُ الْعَبْدِ لِمَا اشْتَرَى جَائِزٌ وَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى مِنْ الثَّمَنِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ هَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَقْبُوضُ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْعَبْدِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُ الْمَبِيعَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْحِسِّ وَمِلْكِ الْيَدِ الَّذِي كَانَ بَاقِيًا لَهُ فَلَوْ بَقِيَ الثَّمَنُ بَقِيَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ، وَالْمَوْلَى لَمْ يَسْتَوْجِبْ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ
لَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ عَلَى حَالِهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ مَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ الْعَيْنِ فِيمَا فِي يَدِ عَبْدِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ الْيَدِ فِيهِ فَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ ، فَقَدْ صَارَ دَيْنًا .
وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عُرُوضًا كَانَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ مَلَكَ الْعَرْضَ بِعَيْنِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَيَّنَ مِلْكَهُ فِي عَبْدِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَ مَتَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَالزِّيَادَةُ لَا تُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمَوْلَى بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَكُونُ الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ قَدْرَ قِيمَةِ مَا بَاعَ وَأَبْطَلَ الْفَضْلَ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِشَرْطِ سَلَامَةِ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ .
وَإِذَا خَرَجَ الْعَبْدُ إلَى مِصْرٍ فَاتَّجَرَ فِيهِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ قَالَ لَمْ يَأْذَنْ لِي مَوْلَايَ فُلَانٌ فِي التِّجَارَةِ ، وَقَالَ الْغُرَمَاءُ : قَدْ أَذِنَ لَكَ فَلِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ فِي دَيْنِهِمْ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِمَّا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى فَتَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الرِّقُّ مَعْلُومٌ ، وَالْغُرَمَاءُ يَدَّعُونَ عَارِضَ الْإِذْنِ ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْضُرْ مَوْلَاهُ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ تَكُونَ مُعَامَلَتُهُ مَعَهُمْ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمَوْلَى ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ مِلْكُ الْمَوْلَى كَرَقَبَتِهِ فَكَمَا لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ لَا يُبَاعُ كَسْبُهُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ اسْتِبْدَادَ الْعَبْدِ بِالتَّصَرُّفِ مَعَهُمْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ الْإِنْسَانُ لَا يَبْعَثُ عَبْدَهُ إلَى مِصْرٍ آخَرَ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَكِنَّ هَذَا الظَّاهِرَ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَفِي حَقِّ الرَّقَبَةِ حَاجَتُهُمْ .
إلَى اسْتِحْقَاقِ مَالِيَّتِهَا عَلَى الْمَوْلَى ، وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ فَمَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْلَى لِاتِّبَاعِ الرَّقَبَةِ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْكَسْبِ فَحَاجَتُهُمْ إلَى دَفْعِ اسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ الْكَسْبَ مِنْ جِهَةِ عَبْدِهِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ دَيْنِهِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِسَبَبِ مُعَامَلَتِهِ وَدُيُونُهُمْ وَجَبَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَيْضًا فَهُمْ أَحَقُّ بِالْكَسْبِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ إقَامَةِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ ، وَأَمَّا الرَّقَبَةُ فَسَلَامَتُهَا لِلْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ وَجَبَتْ الدُّيُونُ عَلَيْهِ
فَلِهَذَا لَا تُبَاعُ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلَاهُ فَإِنْ أَقَامَ الْغُرَمَاءُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ لَهُ وَهُوَ يَجْحَدُ ، وَالْمَوْلَى غَائِبٌ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمْ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ حَقَّهُمْ ثَابِتٌ فِي الْكَسْبِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي حَقِّ الرَّقَبَةِ فَلَوْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِذْنِ وَأَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ بِيعَ مَا فِي - يَدِهِ أَيْضًا ، وَلَمْ تُبَعْ رَقَبَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي الرَّقَبَةِ الْمَوْلَى وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنْ حَضَرَ مَوْلَاهُ بَعْدَ مَا بَاعَ الْقَاضِي مَا فِي يَدِهِ فَقَاضَاهُ الْغُرَمَاءُ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْغُرَمَاءَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْهِ الْإِذْنَ الْعَارِضَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَامُوا وَإِلَّا رَدُّوا مَا أَخَذُوا .
فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مَا فِي يَدِهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ .
قُلْنَا : نَعَمْ وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهِ لِلْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةً مَا لَمْ يَحْضُرْ فَيُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ ، وَقَالَ : هُوَ حُرٌّ أَوْ مِلْكُ فُلَانٍ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي كَسْبِهِ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ حَقِيقَةً فَأَمَّا بَعْدَمَا حَضَرَ وَادَّعَى رَقَبَتَهُ فَقَدْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهُ حَقِيقَةً لِكَسْبِهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا الظَّاهِرِ بَعْدَ هَذَا وَيَحْتَاجُ الْغُرَمَاءُ إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَهُمْ فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ الْإِذْنُ فَإِذَا لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَهُمْ رَدُّ مَا أَخَذُوا .
وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَقَالَ الرَّجُلُ لِلْعَبْدِ : أَنْتَ مَحْجُورٌ عَلَيْكَ فَلَا - أَدْفَعُ إلَيْكَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنِّي ، وَقَالَ الْعَبْدُ : أَنَا مَأْذُونٌ لِي فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مُعَامَلَةَ الرَّجُلِ مَعَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ وَكَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَامِلَ عَبْدَ الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فَهُوَ فِي قَوْلِهِ " أَنْتَ مَحْجُورٌ عَلَيْكَ " مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَدَعْوَى الْحَجْرِ بَاطِلَةٌ لِلتَّنَاقُضِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا بَاعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْهُ كَمَا الْتَزَمَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : أَنْتِ مَحْجُورٌ عَلَيْكَ ، وَقَالَ الْعَبْدُ : أَنَا مَأْذُونٌ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ مَا اشْتَرَى وَدَفْعِ الثَّمَنِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ بِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي رَدَّ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ، وَإِنْ كَانَ مُنَاقِضًا فَقَدْ صَدَّقَهُ خَصْمُهُ ، وَالْمُنَاقِضُ إذَا صَدَّقَهُ خَصْمُهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَصَادُقَهُمَا عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَوْ تَقَابَلَا الْبَيْعَ عَنْ تَرَاضٍ جَازَ فَإِنْ حَضَرَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ كُنْتُ أَذِنْتُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ النَّقْضُ الَّذِي كَانَ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ ، وَالْمُشْتَرِي وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْمَوْلَى ؛
لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ مِنْهُمَا ، وَالْإِقَالَةُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ صَحِيحَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَمْ آذَنْ لَهُ وَلَكِنْ أَجَزْتُ بَيْعَهُ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ النَّقْضُ ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْبَيْعِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ ، وَالْإِجَازَةُ إنَّمَا تَلْحَقُ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ دُونَ الْمُنْتَقِضِ وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِنَقْضِ الْبَيْعِ حَتَّى حَضَرَ الْمَوْلَى ، فَقَالَ كُنْتُ أَذِنْتُ لَهُ أَوْ قَالَ لَمْ آذَنْ لَهُ وَلَكِنِّي أَجَزْتُ الْبَيْعَ جَازَ ذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُتَنَاقِضَيْنِ فِي كَلَامِهِمَا فَبِنَفْسِ التَّكَلُّمِ لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ قَائِمًا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِنَقْضِهِ لِحَقِّهِ الْإِجَازَةَ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَيَنْفُذُ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُمَا يُنْكِرَانِ أَصْلَ جَوَازِ الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ نَقْضِ الْبَيْعِ بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَنَقْضُ الشَّيْءِ تَصَرُّفٌ فِيهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ ، وَإِنْكَارُ الشَّيْءِ مِنْ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهِ بِالنَّقْضِ بَعْدَ صِحَّتِهِ كَمَا أَنَّ إنْكَارَ الزَّوْجِ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ فَإِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي .
وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ مَتَاعًا لِرَجُلٍ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي بِعْتُكَ لِمَوْلَايَ لَمْ يَأْذَنْ لِي فِي بَيْعِهِ وَأَنَا مَحْجُورٌ عَلَيَّ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي كَذَبْتُ ، وَأَنْتَ مَأْذُونٌ لَكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُمَا عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُمَا بِصِحَّتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي بُطْلَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ قَالَ أَنَا مَحْجُورٌ عَلَيَّ لَمْ يُصَدَّقْ وَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ فَإِنْ حَضَرَ الْمَوْلَى ، وَقَالَ لَمْ آذَنْ لَهُ فِي شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيُرَدُّ الْبَيْعُ ، وَالشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُدَّعًى عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ يُنْكِرُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا ابْتَاعَ مِنْ عَبْدٍ شَيْئًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا مَحْجُورٌ عَلَيَّ ، وَقَالَ الْآخَرُ : أَنَا ، وَأَنْتَ مَأْذُونٌ لَنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَدَّعِي مِنْهُمَا الْجَوَازَ لِلْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ صَاحِبِهِ بِذَلِكَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ بِالْحَجْرِ وَلَا عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ .
مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي أَخَذَ بِذَلِكَ وَأَبْطَلَ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ وَبَاعَ وَلَا يُدْرَى أَحُرٌّ هُوَ أَوْ عَبْدٌ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ كَثِيرٌ ، ثُمَّ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ ، وَقَالَ هُوَ عَبْدِي مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْغُرَمَاءُ هُوَ حُرٌّ فَالدَّيْنُ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ يُبَاعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَجْهُولِ الْحَالِ الْحُرِّيَّةُ وَقَدْ ثَبَتَ لِلْغُرَمَاءِ حَقُّ مُطَالَبَتِهِ بِدُيُونِهِمْ فِي الْحَالِ فَهُوَ إذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فَقَدْ زَعَمَا أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَجَلًا فِي الدَّيْنِ ، ثُمَّ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الرِّقِّ بِإِقْرَارِهِ أَنْ تَتَأَخَّرَ دُيُونُهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِالدِّينِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَوْ الْمَحْجُورِ فِي دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ فَهُوَ نَظِيرُ مَجْهُولَةِ الْحَالِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا بَقِيَ مُطَالَبًا فِي الْحَالِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ رَقِيقٌ بِيعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ وُجُوبُ هَذَا الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ وَلَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَة بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ ، ثُمَّ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَصَدَّقَهُ فُلَانٌ بِذَلِكَ ، وَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بَلْ هُوَ حُرٌّ فَهُوَ عَبْدٌ لِفُلَانٍ وَلَا حَقَّ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ حَقَّهُمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا يَعْرِفُ لَهُ عَاقِلَةً ، ثُمَّ بَيْنَ ثُبُوتِ الرِّقِّ بِإِقْرَارِهِ وَوُجُوبِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُنَافَاةً وَبَيْنَ حُرِّيَّتِهِ كَمَا زَعَمُوا وَاسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ بِالْجِنَايَةِ مُنَافَاةٌ ، وَالْمُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْحَقِّ
مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ لَا مَحَالَةَ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى أَخْذِ - الرَّقَبَةِ سَبِيلٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالدَّيْنُ هُنَاكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا إلَّا أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ رِقُّهُ يَسْتَوْفِي الدَّيْنَ مِنْ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ أَوْ مِنْ كَسْبِهِ وَقَدْ ثَبَتَ رِقُّهُ بِإِقْرَارِهِ وَكَذَلِكَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ غُرَمَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ قَدْ أَعْتَقْتُهُ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : لَمْ أُعْتِقْهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْعِتْقَ ، وَالضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى ، وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ بَقِيَ مُسْتَحَقَّ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ وَلَوْ كَانَ جَنَى جِنَايَةً فَقَالَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ لِلْمَوْلَى : قَدْ أَعْتَقْتَهُ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : لَمْ أُعْتِقْهُ فَالْعَبْدُ عَبْدُ الْمَوْلَى عَلَى حَالِهِ لِإِنْكَارِهِ الْعِتْقَ وَلَا شَيْءَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَقٌّ قِبَلَ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ قِبَلَ الْمَوْلَى وَهُوَ الْفِدَاءُ إذَا كَانَ عَالِمًا ، وَالْقِيمَةُ بِالِاسْتِهْلَاكِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَلَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْعِتْقِ وَسَقَطَ حَقُّهُمْ عَنْ الْعَبْدِ لِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَهُنَاكَ مَا أَقَرُّوا بِسُقُوطِ حَقِّهِمْ عَنْ ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِالْعِتْقِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَا ادَّعَوْا .
مِنْ الْعِتْقِ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا بَقِيَ الدَّيْنُ بَعْدَهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، وَفِي الْجِنَايَةِ لَوْ كَانَ الْعِتْقُ ظَاهِرًا فَرَغَ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ بِإِقْرَارِهِمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَقَرَّ الْمَأْذُون بِالدَّيْنِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْمَضْمُونِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِهِ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِمِثْلِهِ صَحِيحٌ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَانَ شَرِيكُهُ مُطَالَبًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَوُجُوبُ الْعَقْدِ هُنَا بِاعْتِبَارِ الشِّرَاءِ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ الْحَدَّ وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً بِكْرًا فَافْتَضَّهَا رَجُلٌ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ هَرَبَ كَانَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ بِعُقْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِالِافْتِضَاضِ جُزْءٌ مِنْ مَالِيَّتِهَا وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْعَبْدِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهَا فِي ضَمَانِهِ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ فِي الْحَالِ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ غَصْبِ ، وَالْعَبْدُ مُؤَاخَذٌ بِضَمَانِ الْغَصْبِ فِي الْحَالِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا أَوْ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةَ هَذَا الرَّجُلِ بِنِكَاحٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَافْتَضَّهَا لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ بُدِئَ بِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مَوْلَى الْجَارِيَةِ مِنْ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ حَقُّ مَوْلَى الْعَبْدِ وَتَصْدِيقُ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ مُعْتَبَرٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا السَّبَبُ مُعَايِنًا كَانَ لِمَوْلَى الْجَارِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ عُقْرَهَا مِنْ كَسْبِهِ فِي الْحَالِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَعَلَيْهِ دَيْنُ امْرَأَةٍ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ بِمَهْرِهَا وَبِمَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَحِيحٌ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَتِهِ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ ، ثُمَّ فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِفُّ بِهِ ، وَالْمَرْأَةُ تُعِينُهُ عَلَى الِاكْتِسَابِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَظَهَرَ وُجُوبُ الدَّيْنِ بِهَذَا السَّبَبِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ بِمَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ وَجَحَدَ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْمَهْرِ حَتَّى يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ فَالْمَأْذُونُ .
فِيهِ ، وَالْمَحْجُورُ سَوَاءٌ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَحْجُورُ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لَمْ يُؤَاخِذْ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتِقَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَةً بِنِكَاحٍ فَافْتَضَّهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَمَوْلَاهُ يَجْحَدُ ذَلِكَ فَإِقْرَارُهُ بِهَذَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ بِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا النِّكَاحُ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَة فَلِهَذَا لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتِقَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ افْتَضَّهَا بِإِصْبَعِهِ غَاصِبًا كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِإِتْلَافِ جُزْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ فَهُوَ كَإِقْرَارِهِ بِقَطْعِ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إقْرَارُهُ جَائِزٌ وَيَضْرِبُ مَوْلَاهَا بِمَهْرِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَار بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ ، وَالْفَائِتُ بِهَذَا الْفِعْلِ
جُزْءٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ هَذَا السَّبَبَ لَوْ كَانَ مُعَايِنًا يُبَاعُ وَلَا يُدْفَعُ بِهِ وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ صَحِيحٌ فِي مُزَاحَمَةِ الْغُرَمَاءِ ، وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا ، ثُمَّ افْتَضَّهَا بِإِصْبَعِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُقَرُّ لَهُ التَّضْمِينَ بِالْغَصْبِ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ فَالْإِقْرَارُ بِهِ صَحِيحٌ وَيُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ فِي ضَمِّنَا الْعَبْدَ ، وَإِنْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ بِالِافْتِضَاضِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَتَخَاصَمُوا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَادَامَ مَأْذُونًا ، وَإِنْ لَحِقَهُ الدَّيْنُ فَإِقْرَارُهُ يَكُونُ حُجَّةً بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَعَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَيْنِ مَتَى جَمَعَهُمَا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ يُجْعَلَانِ كَأَنَّهُمَا كَانَا مَعًا وَكَمَا وَجَبَ تَصْحِيحُ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي تِجَارِيَّتِهِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ إقْرَارَهُ لَهُمْ لَا يَصِحُّ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ تَحَرَّزُوا عَنْ مُعَامَلَتِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ بُدِئَ بِاَلَّذِي أَقَرَّ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْعَيْنِ صَحِيحٌ مَا دَامَ مَأْذُونًا وَيَكُونُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَبَيْنَ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى مَا فِي يَدِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ أَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ لَمْ يُمْلَكْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مِلْكَهُ عَنْ هَذَا الْعَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ ، وَالْيَدُ فِي الْآدَمِيِّ لَا تَكُونُ دَلِيلَ الْمِلْكِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ ، وَقَالَ لَسْتُ بِمِلْكٍ لَهُ بَلْ أَنَا حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ الْمَأْذُونُ
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهُ ، وَأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ مَمْلُوكٌ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ لِلْمَأْذُونِ فِيهِ قَدْ ظَهَرَ وَهُوَ شِرَاؤُهُ وَانْقِيَادُ الْعَبْدِ لَهُ عِنْدَ الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ حَتَّى لَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، وَأَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ مَعَ إنْكَارِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقٍ مَعَ إيَّاهُ ، وَالْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُوجِبُ الْعَتَاقَ لَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ بَعْدَ ظُهُورِهِ فِي الْمَحَلِّ بِظُهُورِ سَبَبٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْمَأْذُونِ هُنَاكَ الْيَدُ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ لَيْسَ بِدَلِيلِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ إنْكَارًا لِتَمَلُّكِهِ لَا إبْطَالًا لِلْمِلْكِ الثَّابِتِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَقَرَّ بِوِلَادَتِهَا مِنْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ ، وَالِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمَمْلُوكِ .
وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إيجَابِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ لِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بَاطِلًا بَيْنَهُمَا وَهُمَا يَمْلِكَانِ نَقْضَ الْبَيْعِ بِاتِّفَاقِهِمَا بِالْإِقَالَةِ فَيُعْمَلُ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِهِ وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ ، وَالْحُرِّيَّةُ أَوْ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ يَثْبُتُ لِلْمَمْلُوكِ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ مِنْ جِهَتِهِ ، وَالْبَائِعُ أَهْلٌ لِإِيجَابِ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يَعْتِقَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْبَائِعُ
مُنْكِرٌ ، وَالْبَيْعُ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ أَوْ حَقُّهَا لِلْمَمْلُوكِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْمَأْذُونِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَأْذُونُ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ بَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ مِنْهُ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَجَاءَ فُلَانٌ يَدَّعِي ذَلِكَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى ذَلِكَ وَيَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ تُوجِبَ الْمِلْكَ لَهُ فِيهِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةُ فَيَكُون قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِي الْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ هَهُنَا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَكَلَامُهُ هُنَاكَ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِقِيمَتِهَا عَلَى مَا ادَّعَى أَوْ يُقِرُّ الْبَائِعُ بِهِ أَوْ يَأْبَى الْيَمِينَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْبَائِعِ ، وَالْبَائِعُ مُسْتَحِقُّ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْبَيْعِ ظَاهِرًا فَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ إقْرَارِهِ وَهُوَ النُّكُولُ .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمَأْذُونِ أَوْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى دَعْوَاهُ وَهُوَ مُنَاقِضٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِبَائِعِهِ وَبِصِحَّةِ الْبَيْعِ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ يَكُونُ تَنَاقُضًا .
قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّ الْبَائِعَ بِسَبِيلٍ مِنْ بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَائِعٌ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يُجِيزَهُ الْمُشْتَرِي فَإِذَا أَبَى أَنْ يُجِيزَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قَبِلْنَا بَيِّنَتَهُ عَلَى .
ذَلِكَ وَحَلَّفْنَا الْبَائِعَ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ
أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَلَا يَدْرِي مَا حَالُهَا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي ، وَالْعَبْدُ فَالْجَارِيَةُ ابْنَةُ الرَّجُلِ وَتُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمُشْتَرِي بِمَا جَرَى مِنْ الْبَيْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِنْتُ الْمُدَّعِي وَإِقْرَارُهُ بِذَلِكَ صَحِيحٌ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا مِنْ قِبَلِهِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ أَيْضًا وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ قَدْ اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ مِلْكِهِ عَنْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا انْقَادَتْ لِلْبَيْعِ ، وَالتَّسْلِيمِ فَذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْعَبْدِ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ يَكُونُ إبْطَالًا لِمِلْكِهِ الثَّابِتِ فِيهَا ظَاهِرًا ، وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَالْحُرِّيَّةِ لَهَا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي رُجُوعُهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَهَا مِنْهُ فَأَقَرَّ الْبَائِعُ بِذَلِكَ أَيْضًا انْتَقَضَتْ الْبُيُوعُ كُلُّهَا وَيَرْجِعُوا بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ بَائِعَهَا مِنْ الْعَبْدِ أَهْلٌ لِإِيجَابِ الْحُرِّيَّةِ لَهَا فِي مِلْكِهِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِحُرِّيَّتِهَا وَيَكُونُ هَذَا تَصَادُقًا مِنْهُ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ جَمِيعًا وَهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ ذَلِكَ بِنَقْضِ الْبَيْعَيْنِ بِالْإِقَالَةِ فَيَعْمَلُ تَصَادُقُهُمْ عَلَى إبْطَالِهَا وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ لَوْ عَمِلَ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ لَهَا مِنْ جِهَتِهِ وَكَسْبُ الْمَأْذُونِ لَا يَحْتَمِلُ
ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ بِمَحْضَرٍ مِنْهَا وَقَبَضَهَا وَهِيَ سَاكِتَةٌ لَا تُنْكِرُ ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ الْمَأْذُونُ ، وَالْجَارِيَةُ ، وَالْمُشْتَرِي ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَائِعُ مِنْ الْعَبْدِ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ بِنْتُ الَّذِي ادَّعَاهَا بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْعَبْدِ يَمْلِكُ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا فَيَعْمَلُ تَصْدِيقُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي مِلْكِهِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي كَسْبِهِ فَلَا يَعْمَلُ تَصْدِيقُهُ فِي ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي الْآخَرُ أَنَّ الَّذِي بَاعَهَا مِنْ الْعَبْدِ كَانَ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَلَدَتْ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ فَإِقْرَارُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَبْدِ بِذَلِكَ صَحِيحٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إيجَابِ الْحُرِّيَّةِ أَوْ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لَهَا وَتَصْدِيقُ الْعَبْدِ إيَّاهُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحُرِّيَّةِ فَهِيَ حُرَّةٌ مَوْقُوفَةُ الْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفِي وَلَاءَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَتَكُونُ مَوْقُوفَةَ الْوَلَاءِ وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ فِيهَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ فَإِذَا مَاتَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْآخَرُ مُقِرٌّ بِأَنَّ عِتْقَهَا تَعَلَّقَ بِمَوْتِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ مُقِرٌّ أَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ فِيهَا نَافِذٌ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتِقَ فَيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّصْدِيقِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ رَدِّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِهَذَا مَعَ قِيَامِ الرِّقِّ لِحَقِّ مَوْلَاهُ وَغُرَمَائِهِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ كَانَ
مَأْخُوذًا بِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِكَفَالَةٍ أَوْ مَهْرٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مُنْكِرًا لِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَعْدَ الْعِتْقِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي وُجُوبَ رَدِّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَمَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُشْتَرِي دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ لَا يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْعَبْدُ مُصَدَّقٌ لَهُ مُقِرٌّ بِوُجُوبِ رَدِّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيُجْعَلُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ ادَّعَى أَنَّ الَّذِي بَاعَهَا مِنْ الْعَبْدِ كَانَ كَاتَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا وَصَدَّقَهُ الْمَأْذُونُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ وَادَّعَتْ الْأَمَةُ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةً وَهِيَ أَمَةٌ لِلْمُشْتَرِي يَبِيعُهَا إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَقَدْ عَجَزَتْ هِيَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجَهَالَةِ مَنْ يُؤَدِّي الْبَدَلَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْآخَرَ يَزْعُمُ أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهَا دَفْعُ الْبَدَلِ إلَيْهِ ، وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَزْعُمُ أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لِلْمُشْتَرِي الْآخَرِ بِإِقْرَارِهِ فَصَارَتْ كَمَا لَوْ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ لِعَدَمِ مَا تُؤَدِّي الْبَدَلَ بِهِ فِي يَدِهَا وَذَلِكَ مُوجِبٌ انْفِسَاخَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا انْفَسَخَتْ كَانَتْ أَمَةً فَالْمُشْتَرِي يَبِيعَهَا إنْ شَاءَ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأَبِيهِ أَوْ لِعَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ فَإِقْرَارُهُ لِمَوْلَاهُ وَلِمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَائِهِ تَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ ، وَالْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُوَرَّثِ فَكَمَا أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ أَوْ لِعَبْدِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ وَكَذَلِكَ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ فَإِنَّ كَسْبَهُمَا لِمَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ فَأَمَّا إقْرَارُهُ لِابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ لِابْنِهِ فَجَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى فِي مِلْكِهِمَا مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ لِأَبِي وَارِثِهِ أَوْ لِابْنِ وَارِثِهِ جَازَ إقْرَارُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ صَارَ الْمُقِرُّ بِهِ - بِعَيْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ لَهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَانَ إقْرَارُهُ جَائِزًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي كَسْبِهِ ، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْد ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِوَارِثِهِ ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ فَإِقْرَارُهُ يَكُونُ صَحِيحًا .
وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقِرِّ لَهُ شَيْءٌ إنْ كَانَ هُوَ الْمَوْلَى أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَإِقْرَارُهُ لَهُ مَا كَانَ مُلْزِمًا إيَّاهُ شَيْئًا بِخِلَافِ إقْرَارِهِ
لَهُ بِالْعَيْنِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى عَيْنٌ فِي يَدِ عَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَسْبُهُمَا لِلْمَوْلَى فَالْإِقْرَارُ لَهُمَا كَالْإِقْرَارِ لِلْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ أَقَرَّ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ أَوْ لِابْنِهِ ، ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ اشْتَرَكُوا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ هَهُنَا مِمَّنْ يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَقَدْ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِمَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ، ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ آخَرُ فَيَشْتَرِكُونَ فِي كَسْبِهِ .
وَإِذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ لِابْنِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ لِابْنِهِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ لِمُكَاتَبِ ابْنِهِ أَوْ لِعَبْدِ ابْنِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ لِهَؤُلَاءِ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِهِمَا إقْرَارُهُ لِهَؤُلَاءِ جَائِزٌ وَيُشَارِكُونَ الْغُرَمَاءَ فِي كَسْبِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمَأْذُونِ فِيهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ أَوْ حَقُّ مَوْلَاهُ وَإِقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ حُرًّا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَبْدًا ، وَفِي قَوْلِهِمَا إقْرَارُهُ لِهَؤُلَاءِ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ لِأَخِيهِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي إقْرَارِ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِأَبِيهِ أَوْ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ ، وَالشَّرِكَةِ أَوْ هُوَ بِنَاءً عَلَى بَيْعِ الْوَكِيلِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِالْمُحَابَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَأَذِنَ لِجَارِيَةٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهَا دَيْنٌ ، ثُمَّ أَقَرَّتْ لَهُ بِوَدِيعَةٍ فِي يَدِهَا لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِي حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْمَأْذُونِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونَ لِمَوْلَاهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهَا لَهُ وَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِقْرَارُهَا لَهُ الْوَدِيعَةِ إقْرَارٌ لِعَبْدِ مَوْلَاهَا وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ لَهَا بِوَدِيعَةٍ فِي يَدِهِ صُدِّقَ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَتَكُونُ هِيَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى الْمَأْذُونِ فَإِقْرَارُهُ لَهَا كَإِقْرَارِهِ لِأَمَةِ مَوْلَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ .
قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ إنْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَجَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ قَدْ يَعُودُ إلَيْهِ وَيَكُونُ مَصْرُوفًا إلَى غُرَمَائِهِ كَسَائِرِ إكْسَابِهَا ، فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ وَلَا إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِأَمَةِ مَوْلَاهُ فَلَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ لَهَا يَكُونُ إقْرَارًا لِغُرَمَائِهَا وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لِغُرَمَائِهَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ فَلِهَذَا جَازَ إقْرَارُهُ لَهَا بِخِلَافِ إقْرَارِهَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ إقْرَارُهَا لَهُ يَخْرُجُ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهَا وَيَبْطُلُ حَقُّ غُرَمَائِهَا عَنْهُ فَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ إلَّا أَنَّ فِي الْإِقْرَارِ
بِالدَّيْنِ هِيَ تُشَارِكُ غُرَمَاءَ الْمَأْذُونِ فِي كَسْبِهِ ، وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ هِيَ أَوْلَى بِالْعَيْنِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَأْذُونِ .
فَإِنْ كَانَ بَعْضُ غُرَمَائِهَا مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُقِرُّ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ لَهَا بِالدَّيْنِ ، الْوَدِيعَةِ صَحِيحٌ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ لِغُرَمَائِهَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ لَهَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ شَارَكَ الْمُكَاتَبُ ، وَالْعَبْدُ بِدَيْنِهِمَا سَائِرَ غُرَمَائِهِ فِيهِ وَإِقْرَارُهُ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ أَوْ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ بَاطِلٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لَهُمَا يَكُونُ بَاطِلًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِقَوْمٍ شَتَّى ، ثُمَّ حَضَرَ رَجُلًا آخَرَ الْمَوْتُ فَأَقَرَّ لِلْمَيِّتِ بِوَدِيعَةٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدِهِ أَوْ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ مَاتَ وَبَعْضُ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ أَحَدُ وَرَثَةِ آخَرَ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ إقْرَارُهُ ثَبَتَتْ لِوَارِثِهِ الشَّرِكَةُ فِي الْمُقِرِّ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ غُرَمَاءِ الْجَارِيَةِ أَبًا لِلْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ فَأَقَرَّ لَهُمَا الْعَبْدُ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ لِأَبِ مَوْلَاهُ أَوْ ابْنِهِ بِالدَّيْنِ ، وَالْعَيْنُ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِمَا تَثْبُتُ فِيهِ الشَّرِكَةُ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ بَعْضُ غُرَمَائِهَا أَبَ الْعَبْدِ أَوْ ابْنَهُ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَاطِلٌ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِأَبِيهِ أَوْ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لَهُمَا فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُ غُرَمَائِهَا مُكَاتَبًا لِأَبِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَوْ لِابْنِهِ وَلَوْ
كَانَ بَعْضُ غُرَمَائِهَا أَخًا لِلْعَبْدِ كَانَ إقْرَارُهُ لَهَا جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ لِأُخْتِهِ فَكَذَلِكَ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ فِيهِ الشَّرِكَةُ لِأُخْتِهِ .
وَإِذَا أَقَرَّ الْمَأْذُونُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ اسْتَهْلَكَهَا فَصَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ بِذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ ، وَقَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَذِنَ لَكَ مَوْلَاكَ فِي التِّجَارَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقِرُّ لَهُ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْحَالِ وَقَدْ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَا تُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَالَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ يَجِبُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ سَاءَ عِتْقُهُ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ مُنْكِرًا وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مُدَّعٍ أَجَلًا فِيهِ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ بِشَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يُعْتِقَ إلَّا بِالْغَصْبِ خَاصَّةً فَضَمَانُ الْغَصْبِ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذَ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَى مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَكَأَنَّهُ ادَّعَى الْأَجَلَ إلَى شَهْرٍ فِي دَيْنٍ أَقَرَّ بِهِ مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي الْقَرْضِ ، الْوَدِيعَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا هَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَدِيعَةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ وَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيُقِرُّ بِنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ صَحِيحٌ وَإِقْرَارُهُمَا بَعْدَ الْإِذْنِ نَافِذٌ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ وَكَمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ إلَّا أَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِالْقَرْضِ ، الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ إذَا صَدَّقَهُمَا الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ بَعْد الْكِبَرِ ، وَالْإِفَاقَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهِمَا
كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ فَقَالَ : هَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ صَحِيحٌ ، وَهُوَ خَطَأٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ إذَا أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ : غَصَبْتُكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فَاسْتَهْلَكْتهَا ، وَقَالَ الرَّجُلُ : غَصَبْتَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَرْبِيِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمُعْتَقِهِ : أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ مَا كُنْتَ عَبْدِي فَاسْتَهْلَكْتُهَا ، وَقَالَ الْعَبْدُ : بَلْ أَخَذْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَصْلًا بِإِضَافَتِهِ الْإِقْرَارَ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَضَافَ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَعْتُوهُ فَإِنَّهُمَا يُنْكِرَانِ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِمَا أَصْلًا بِالْإِضَافَةِ إلَى حَالَةِ الْحَجْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْمَالُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْإِضَافَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْأَصَحُّ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ حَالَ كَوْنِهِ حَرْبِيًّا ، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ فِي حَالِ قِيَامِ رِقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا ذَلِكَ فَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمَالٍ لَوْ عَلِمَ صِدْقَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْحَالِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا شَيْئًا ، وَالصَّبِيُّ أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَجِبُ رَدُّهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومًا حَالَ قِيَامِ عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَهُ الصَّبِيُّ أَوْ أَخَذَهُ وَدِيعَةً يَجِبُ رَدُّهُ مَا دَامَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَلَا يَخْرُجُ إقْرَارُهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا فِي الْأَصْلِ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْإِضَافَةِ
كَمَا فِي فَصْلِ الْعَبْدِ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَأَقَامَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إلْزَامَ الْمَالِ ، وَالْبَيِّنَاتِ لِذَلِكَ شُرِعَتْ وَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَقَاءَ الْعَيْنِ فِي يَدِهِمَا بَعْدَ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَذَلِكَ يَدْفَعُ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتَهُ .
وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ اسْتَقْرَضَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ إذْنِهِ الْأَوَّلِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ اسْتَوْدَعَهُ فِي حَالِ إذْنِهِ الْأَوَّلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاسْتَهْلَكَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَصَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ أَوْ كَذَّبَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَيُخَلِّصُ بِهِ غُرَمَاءَهُ الْمَعْرُوفِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ فِي الْحَالِ وَأَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَا تُنَافِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فِي الْحَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا فِي الْمُحَاصَّةِ مَعَ الْغُرَمَاءِ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَعْتُوهُ فِي نَحْوِ هَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ تُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ بِذَلِكَ السَّبَبِ عَلَى الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ أَصْلًا ، وَعَلَى الْعَبْدِ مَا لَمْ يُعْتَقْ فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ فِي ذَلِكَ وَتَكْذِيبِهِ هُنَاكَ وَسَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا هَهُنَا .
وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ بِغَصْبٍ اغْتَصَبَهُ فِي حَالِ إذْنِهِ أَوْ بِقَرْضٍ أَوْ بِوَدِيعَةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ اسْتَهْلَكَهَا فِي حَالِ إذْنِهِ فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَمْ يُصَدَّقْ حَتَّى يُعْتِقَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقَرَارِ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إذَا كَذَّبَهُ وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى عَنْهُ بِالْعِتْقِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْ حَتَّى أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى مَرَّةً أُخْرَى سَأَلَهُ الْقَاضِي عَمَّا كَانَ أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدِ الْإِذْنِ الْأَخِيرِ أَخَذَ بِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَكَأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِهِ حَتَّى الْآنَ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ حِين أَقَرَّ بِهِ الْآنَ ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي ذَلِكَ بِحَقٍّ ، وَإِنْ كُنْتُ أَقْرَرْتُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ مِنْهُ إقْرَارٌ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِقْرَارُهُ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ مِمَّا كَانَ مُلْزِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ ظَهَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْآنَ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنْ كَانَ فِي مَجْلِسِهِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ فِي الْإِذْنِ الْآخَرِ مَا لَمْ يُعْتَقْ فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ بِقَوْلِهِ " الْآنَ " ، وَالصَّبِيُّ ، وَالْمَعْتُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْعَبْدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ فِي حَالِ حَجْرِهِ وَلَكِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ إذْنِهِ الْآخَرِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَقَرَّ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ إذْنِهِ الْأَوَّلِ أَوْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً فَاسْتَهْلَكَهَا وَصَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّ
بِتَصَادُقِهِمَا ظَهَرَ إقْرَارُهُ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتِقَ فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِتَصَادُقِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي بِذَلِكَ فِي حَالِ إذْنِكَ الْأَوَّلِ أَوْ قَالَ فِي حَالِ إذْنِكَ الْآخَرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ أَضَافَ الْإِقْرَارَ .
إلَى حَالٍ لَا يُنَافِي الْتِزَامَ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ إلَى الْعِتْقِ فَكَانَ مُدَّعِيًا لِلْأَجَلِ لَا مُنْكِرًا لِلْمَالِ فَإِذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الْأَجَلِ أَخَذَ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَلِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا وَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ وَأَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَقَرَّ بِهِ فِي الْإِذْنِ الْآخَرِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ لَمْ يَلْزَمْهُمَا ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا كَمَا لَزِمَ الْعَبْدَ بِإِقْرَارِهِمَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا أَضَافَا الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ إقْرَارِهِمَا أَصْلًا فَكَانَا مُنْكِرَيْنِ لِلْمَالِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَهُوَ إضَافَةُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةِ الْحَجْرِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّهِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى إقْرَارِهِمَا بِهِ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ الْآخَرِ أَخْذًا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ .
وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَالِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْ فُلَانٍ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ عَلَى الْأَلْفِ وَهِيَ لِلْمَوْلَى ، وَيَتْبَعُ الْمُقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ بِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فِي رَقَبَتِهِ فَيَبِيعُهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِهَا بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي فَالْأَلْفُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا هِيَ لِلْمَوْلَى وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ فَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ حَتَّى أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ لِإِنْسَانٍ أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالْحَجْرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ فَأَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ أَوْ بِدَيْنٍ وَهُنَاكَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَاطِلٌ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَلَوْ أَنْشَأَ تَصَرُّفًا آخَرَ فِيمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ مَنْعًا لَهُ مِنْ التِّجَارَةِ فِيمَا فِي يَدِهِ كَانَ قَائِمًا مَقَامَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ وَلَوْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ .
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ حُرٌّ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ فِي هَذَا الْمَالِ كَانَ