كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

لِصَاحِبِ الْأَرْضِ " أَوْرَدَ ذَلِكَ فِي الْمُشْكِلِ وَقَالَ : الْبَذْرُ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا ؛ لِأَنَّ النَّبَاتَ يَحْصُلُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ ، فَيَكُونُ النَّابِتُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَجَعْلُ الْأَرْضِ كَالْأُمِّ ، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ الْوَلَدُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِ الْأُمِّ لَا لِصَاحِبِ الْفَحْلِ ، وَلَكِنْ هَذَا وَهْمٌ مِنْهُ ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَكُلُّ قِيَاسٍ بِمُقَابَلَتِهِ مَتْرُوكٌ ، ثُمَّ فِي الْحَيَوَانَاتِ تُوجَدُ الْحَضَانَةُ مِنْ الْأُمِّ لِمَاءِ الْفَحْلِ فِي رَحِمِهَا ، وَفِي حِجْرِهَا بِلَبَنِهَا نُمُوُّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلِهَذَا جُعِلَتْ تَابِعَةً لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ الْخَارِجُ نَمَاءُ الْبَذْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْبَذْرِ وَقُوَّةِ الْأَرْضِ ، وَيَكُونُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ جِنْسُ الْخَارِجِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْبَذْرِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَكُونُ نَمَاءَ الْبَذْرِ ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُزَارَعَةٍ فَاسِدَةٍ أَنَّ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ إنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِأُجَرَائِهِ أَوْ بِغِلْمَانِهِ ، أَوْ بِقَوْمٍ اسْتَعَانَ بِهِمْ بِغَيْرِ أَجْرٍ ، وَيَكُونُ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا ، قَوْلُ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَعِنْدَهُمَا الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ هُنَا كَمَا بَيَّنَّا ، ثُمَّ صَاحِبُ الْبَذْرِ يُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْخَارِجِ فَيَدْفَعَ فِيهِ مِثْلَ مَا بَذَرَ وَمِقْدَارَ مَا غَرِمَ فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ وَلِصَاحِبِ الْبَقَرِ فَيَطِيبَ لَهُ ذَلِكَ بِمَا غَرِمَ فِيهِ ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ لِتَمَكُّنِ الْحِنْثِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ فَسَادِ الْعَقْدِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ مَتَى رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ يُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِالْفَضْلِ ، وَإِنْ

رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : اعْلَمْ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ فَاسِدَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى هُمَا جَائِزَتَانِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمُعَامَلَةُ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ ، وَالْأَشْجَارِ صَحِيحَةٌ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ مُسَاقَاةً ، وَالْمُزَارَعَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْكَرْمَ مُعَامَلَةً ، وَفِيهِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ بِالنِّصْفِ أَيْضًا ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ الْأَخْبَارِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُمَا يَقُولَانِ : الْمُزَارَعَةُ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الْخَارِجِ ، وَالْمُعَامَلَةُ كَذَلِكَ فَتَصِحُّ كَالْمُضَارَبَةِ وَتَحْقِيقُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الرِّبْحَ هُنَاكَ يَحْصُلُ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا فَتَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَعَمَلٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُمَا بِاعْتِبَارِ عَمَلٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَبَذْرٍ وَأَرْضٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، أَوْ نَخِيلٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لِلْعَمَلِ تَأْثِيرًا فِي تَحْصِيلِ الْخَارِجِ أَنَّ الْغَاصِبَ لِلْبَذْرِ أَوْ الْأَرْضِ إذَا زَرَعَ كَانَ الْخَارِجُ لَهُ وَجُعِلَ الزَّرْعُ حَاصِلًا بِعَمَلِهِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، فَصَاحِبُ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ ، وَالْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ لَا يَجِدُ مَالًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ ، فَيَجُوزُ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا ، فَكَذَلِكَ هُنَا صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ قَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ وَالْعَامِلُ لَا يَجِدُ أَرْضًا وَبَذْرًا لِيَعْمَلَ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةً فِي الْخَارِجِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا ، وَفِي هَذَا الْعَقْدِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ ، كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ فَيَجُوزُ بِالْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ

يَأْبَاهُ كَالِاسْتِبْضَاعِ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُعَامَلَةَ وَلَمْ يُجَوِّزْ الْمُزَارَعَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ بِالْمُضَارَبَةِ أَشْبَهُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ فِي الْمُعَامَلَةِ الشَّرِكَةَ فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ النَّخِيلُ ، كَمَا أَنَّ الْمُضَارَبَةَ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ شَرَطَ الشَّرِكَةَ فِي الْفَضْلِ دُونَ أَصْلِ الْبَذْرِ بِأَنْ شَرَطَا دَفْعَ الْبَذْرِ مِنْ رَأْسِ الْخَارِجِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ ، فَجَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ مَقْصُودًا لِهَذَا وَلَمْ نُجَوِّزْ الْمُزَارَعَةَ إلَّا تَبَعًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَةِ ، وَقَدْ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الشَّيْءِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ مَقْصُودًا كَالْوَقْفِ فِي الْمَنْقُولِ ، وَبَيْعِ الشُّرْبِ وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَلْبَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّ تِلْكَ الزَّوَائِدَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِ الرَّاعِي وَالْحَافِظِ فِيهَا ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الزِّيَادَةُ بِالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ ، وَالْحَيَوَانُ يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَيْسَ لِعَمَلِ الْعَامِلِ تَأْثِيرٌ فِي تَحْصِيلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ أَيْضًا ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ الْغَاصِبُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الزَّوَائِدِ ، فَأَمَّا هُنَا فَلِعَمَلِ الزَّارِعِ تَأْثِيرٌ فِي تَحْصِيلِ الْخَارِجِ ، وَكَذَلِكَ لِعَمَلِ الْعَامِلِ مِنْ السَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ تَأْثِيرٌ فِي جَوْدَةِ الثِّمَارِ ؛ لِأَنَّ بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْحَشَفِ ، فَلِهَذَا جَوَّزْنَا الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ وَلَمْ نُجَوِّزْ الْمُعَامَلَةَ فِي الزَّوَائِدِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَدُودِ الْقَزِّ وَالدِّيبَاجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : هَذَا اسْتِئْجَارٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ مَعْدُومَةٍ فِي وُجُودِهَا خَطَرٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ

الْمَعْنَيَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِئْجَارِ ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِمَا يَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الْإِجَارَةِ بِالْخَطَرِ ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا ، ثُمَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ يَكُونُ فَاسِدًا ، فَكَذَلِكَ الِاسْتِئْجَارُ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ ، وَهَذَا الْقِيَاسُ سَنَدُهُ الْأَثَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ } وَبَيَانُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِمَا سَمَّى لِصَاحِبِهَا مِنْ الْخَارِجِ ، وَفِي حُصُولِ الْخَارِجِ خَطَرٌ وَمِقْدَارُهُ مَجْهُولٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا إجَارَةً لَا شَرِكَةً أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ مِنْ جَانِبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ وَكَذَلِكَ مِنْ جَانِبِ الْآخَرِ بَعْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَعَقْدُ الْمُعَامَلَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْحَالِ ، وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا اللُّزُومُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ ، وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِإِعْلَامِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، فَأَمَّا فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ ، وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ وُجُودِ النَّصِّ بِخِلَافِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ " وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ " وَكَمَا وُجِدَ الْعُرْفُ هُنَا فَقَدْ وُجِدَ الْعُرْفُ فِي دَفْعِ الدَّجَاجِ مُعَامَلَةً بِالشَّرِكَةِ فِي الْبَيْضِ ، وَالْفُرُوجِ ، وَفِي دَفْعِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُعَامَلَةً لِلشَّرِكَةِ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَلْبَانِ وَالسُّمُونِ

وَفِي دَفْعِ دُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً لِلشَّرِكَةِ فِي الْإِبْرَيْسَمِ ، وَمَعْنَى الْحَاجَةِ يُوجَدُ هُنَاكَ أَيْضًا ، ثُمَّ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَالْحَاجَةِ فَهُنَا كَذَلِكَ ، وَإِذَا ثَبَتَ فَسَادُ الْعَقْدِ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَذْرِ هُوَ الْعَامِلُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَارِجِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِمَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ الْعَامِلُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَطِيبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِهِ ، ثُمَّ التَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ ، وَعَلَى أُصُولِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الَّذِي فَرَّعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَفَرَّعَ عَلَى أُصُولِهِ أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَهَا

ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا تَسْتَدْعِي شَرَائِطَ سِتَّةً : أَحَدُهَا : التَّوْقِيتُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ بِعِوَضٍ وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الْمُدَّةُ مِعْيَارًا لِلْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ ، كَذَلِكَ الْعَقْدُ وَهُنَا الْبَذْرُ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ ، فَبِنَا حَاجَةٌ إلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ عِلْمِ مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ مِنْ الْبَذْرِ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ ، فَإِنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَجَهَالَةُ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ إعْلَامَ جِنْسِ الْأُجْرَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ .
وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَا يَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْعَقْدِ شَرْطًا .
وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ ، حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا تَنْعَدِمُ بِهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ .
وَالسَّادِسُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ حُصُولِهِ حَتَّى إنَّ كُلَّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي

الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ

ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَآلَاتُ الْعَمَلِ كُلِّهِ مِنْ الْآخَرِ ، فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ صَحَّ ، فَكَذَا إذَا أَسْتَأْجَرَهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْ الْخَارِجِ شَائِعٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ وَالْآلَاتُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ فَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ بِآلَاتِهِ لَهُ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ صَاحِبِ الثَّوْبِ ، أَوْ طَيَّانًا لِيَجْعَلَ الطِّينَ بِآلَةِ صَاحِبِ الْعَمَلِ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَالْبَقَرُ وَالْآلَاتُ مِنْ الْعَامِلِ وَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ بِآلَاتِ نَفْسِهِ وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ نَفْسِهِ ، أَوْ قَصَّارًا لِيُقَصِّرَ الثَّوْبَ بِآلَاتِ نَفْسِهِ ، أَوْ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ الثَّوْبَ بِصَبْغٍ لَهُ ، فَكَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ وَالْآلَاتِ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ يَحْصُلُ بِالْكُلِّ ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ نَابِعًا لِعَمَلِ الْعَامِلِ فِي جَوَازِ اسْتِحْقَاقِهِ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ وَالرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَالْبَقَرُ مِنْ قِبَلِ رَبّ الْأَرْضِ وَهَذَا فَاسِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ ، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ مَقْصُودًا لَا يَجُوزُ وَهَذَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهِ الْخَارِجُ ، وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ يُقَامُ بِهِ الْعَمَلُ ،

فَلِانْعِدَامِ الْمُجَانَسَةِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْبَقَرِ تَبَعًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ مَقْصُودًا بِالْمُزَارَعَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَقَرُ مَشْرُوطًا عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ فِي اشْتِرَاكِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ كَمَا بَيَّنَّا ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هَذَا النَّوْعَ جَائِزٌ أَيْضًا لِلْعُرْفِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مَعَ الْبَذْرِ مَشْرُوطًا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ بِدُونِ الْأَرْضِ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ ، كَمَا فِي جَانِبِ الْعَامِلِ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مَعَ الْبَقَرِ مَشْرُوطًا عَلَى الْعَامِلِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ بِدُونِ الْبَذْرِ ، ثُمَّ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ إنْ حَصَلَ الْخَارِجُ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْخَارِجُ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ ، وَلَئِنْ كَانَ إجَارَةً فَالْأُجْرَةُ يَتَعَيَّنُ مَحِلُّهَا بِتَعْيِينِهَا وَهُوَ الْخَارِجُ وَمَعَ انْعِدَامِ الْمَحِلِّ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَهَكَذَا فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ .
فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ الْغَيْرُ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ بِحُكْمِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ وَبَقَرِهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِأَرْضِهِ وَبَقَرِهِ أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً ، فَأَمَّا الْبَقَرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا ، وَوُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ

بِدُونِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فَالْمَانِعُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ مِنْ جِنْسِ الْإِجَارَةِ ، وَمَنَافِعُ الْبَقَرِ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَنْعَقِدُ عَلَيْهَا عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ بِصِفَةِ الْفَسَادِ ، وَيَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهَا كَمَا يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ هُنَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الْبَقَرِ ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ يَفْسُدُ فِي حِصَّةِ الْبَقَرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْبَقَرِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الِاسْتِحْقَاقُ أَصْلًا ، وَحِصَّةُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَشْرُوطِ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِيهِ لِلْجَهَالَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الصُّلْحِ إذَا صُولِحَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ عَلَى شَيْءٍ فِي التَّرِكَةِ ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ وَاجِبٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْأَجْرِ هُنَا الذِّمَّةُ دُونَ الْخَارِجِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَحَصَلَ الْخَارِجُ أَمْ لَمْ يَحْصُلْ ، وَقِيلَ : يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَا يُزَادَ بِأَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ وَبَقَرِهِ عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ الَّذِي شُرِطَ لَهُ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى قِيَاسِ الشَّرِكَةِ فِي الِاحْتِطَابِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ عِنْدَهُ مَعَ الْعَامِلِ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثٌ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَالْبَاقِي كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ كَاشْتِرَاطِ الْبَقَرِ عَلَيْهِ فِي هَذَا

الْفَصْلِ ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ مَشْرُوطٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَفِي قَوْلِهِمَا كَذَلِكَ ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مُزَارَعَةً إلَى عَامِلَيْنِ ، عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْخَارِجِ ، حَتَّى إنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَمَلَ عَلَى الْعَبْدِ فَفِي قَوْلِهِمَا : الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ وَلَا عَمَلٍ ، وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَاشْتِرَاطِ الْبَقَرِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ ثُلُثَ الْخَارِجِ لِعَبْدِ الْعَامِلِ ، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُ الْخَارِجِ ، وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ كَاشْتِرَاطِ الْبَقَرِ ، وَالْمَشْرُوطُ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ ، وَإِنْ شَرَطَ لِعَبْدِهِ ثُلُثَ الْخَارِجِ وَلَمْ يَشْرِطْ عَلَى عَبْدِهِ عَمَلًا فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا جَائِزٌ وَالْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْعَبْدِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَهُوَ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ ، وَالْعَبْدُ مَدْيُونٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْهُ كَأَجْنَبِيٍّ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ

عَمَلَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ مَعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي آخَرِ الْكِتَابِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ مَعَ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْدَمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْعَامِلِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ التَّخْلِيَةِ وَالْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ فِي جُمْلَةِ مَا يَكُونُ فَاسِدًا مِنْ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ وَالْبَذْرُ مَشْرُوطًا عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَالْعَمَلُ وَالْأَرْضُ مَشْرُوطًا عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا فَاسِدٌ ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ هَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ فِي الْمُزَارَعَةِ بِمَنْزِلَةِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَيَجُوزُ فِي الْمُضَارَبَةِ دَفْعُ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْعَامِل ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الْمُزَارَعَةِ دَفْعُ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ .
فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَصَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ مَا اسْتَأْجَرَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَتَنْعَدِمُ التَّخْلِيَةُ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ فِي يَدِ الْعَامِلِ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَارَ الرِّيعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مِنْ قِبَلِ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ ، وَالْأَرْضُ لَهُ لَمْ يَتَصَدَّق بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِي الْخَارِجِ خُبْثٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ نَمَاءُ الْبَذْرِ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ ، وَالْأَرْضُ مِلْكُهُ وَالْبَذْرُ مِلْكُهُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ لَهُ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ خُبْثٌ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّ الْخَارِجَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ ، وَبِهَذَا جَعَلَ بَعْضُ

مَشَايِخِنَا الْخَارِجَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ إنَّمَا سَلِمَتْ لَهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا بِمِلْكِهِ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فَيَتَصَدَّقُ لِذَلِكَ بِالْفَضْلِ ، وَنَعْنِي بِالْفَضْلِ أَنَّهُ يَرْفَعُ مِنْ الْخَارِجِ مِقْدَارَ بَذْرِهِ وَمَا غَرِمَ فِيهِ مِنْ الْمُؤَنِ وَالْأَجْرِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ لَا يَرْفَعُ مِنْهُ أَجْرَ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَتَقَوَّمُ بِدُونِ الْعَقْدِ ، وَلَا عَقْدَ عَلَى مَنَافِعِهِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، فَلِهَذَا لَا يَرْفَعُ أَجْرَ مِثْلِ نَفْسِهِ مِنْ الْخَارِجِ ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ، وَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَقَرِ مِنْ الْخَارِجِ فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ لِصَاحِبِ الْبَقَرِ ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِنَفْسِهِ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ كَالْمَشْرُوطِ لِصَاحِبِهِ ، وَمَا يُشْتَرَطُ لِلْمَسَاكِينِ لِلْخَارِجِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِمْ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا بَذْرٌ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْخَارِجِ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُمْ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِمِلْكِ الْبَذْرِ لَا يُشْتَرَطُ ، وَالْأُجْرَةُ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مِقْدَارَ مَا شُرِطَ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يُسَمَّ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَسُمِّيَ مَا لِلْآخَرِ جَازَ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَأَمَّا صَاحِبُ الْبَذْرِ فَيَسْتَحِقُّ بِمِلْكِهِ الْبَذْرَ ، فَلَا يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُهُ بِتَرْكِ الْبَيَانِ فِي نَصِيبِهِ ، وَإِنْ سَمَّى نَصِيبَ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا لِلْآخَرِ فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا لَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى ذِكْرِهِ وَتَرَكُوا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَمَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَبِدُونِ الشَّرْطِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْخَارِجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ،

وَالتَّنْصِيصُ عَلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بَيَانَ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْآخَرِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } مَعْنَاهُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَذْرِ : عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَيْ الْخَارِجِ وَلَك الثُّلُثُ

وَإِذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِبَذْرِي فِي أَرْضِي بِنَفْسِك وَبَقَرِك وَأُجَرَائِك فَمَا خَرَجَ فَهُوَ كُلُّهُ لِي جَازَ ، وَالْعَامِلُ مُعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ اسْتَعَانَ بِهِ فِي الْعَمَلِ حِينَ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا ؛ وَلِأَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ مَنْفَعَةٌ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ لَمْ تَتَقَوَّمْ مَنَافِعُهُ ، وَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ مُعِيرٌ لِأَرْضِهِ مُقْرِضٌ لِبَذْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلْعَامِلِ جَمِيعَ الْخَارِجِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْخَارِجِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِلْكًا لَهُ ، وَلِتَمْلِيكِ الْبَذْرِ مِنْهُ هُنَا طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : الْهِبَةُ ، وَالثَّانِي : الْقَرْضُ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْقَرْضُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ ثُمَّ الْبَذْرُ عَيْنٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُهُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْهِبَةِ ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا فَلَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَتِهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا كَانَ مُعِيرُ الْأَرْضِ مُقْرِضًا لِلْبَذْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ حَانُوتًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ : اعْمَلْ بِهَا فِي حَانُوتِي عَلَى أَنْ الرِّبْحَ كُلَّهُ لَك فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقْرِضًا لِلْأَلْفِ مُعِيرًا لِلْحَانُوتِ

وَلَوْ قَالَ : ازْرَعْ فِي أَرْضِي كُرًّا مِنْ طَعَامِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك لَمْ يَجُزْ هَذَا الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ .
وَحُكِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ جَمِيعَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِمِلْكِ الْبَذْرِ فَكَأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ الْبَذْرَ ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ ، وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي إلْقَاءِ بَذْرِهِ فِي الْأَرْضِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، وَقَوْلُهُ : " عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِي " مُحْتَمَلٌ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْخَارِجَ لِي عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْخَارِجَ لِي بِحُكْمِ اسْتِقْرَاضِ الْبَذْرِ ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ تَمْلِيكُ الْبَذْرِ مِنْهُ بِالْمُحْتَمَلِ فَكَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ ابْتَغَى عَنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ عِوَضًا وَلَمْ يَنَلْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ

وَلَوْ قَالَ : ازْرَعْ لِي فِي أَرْضِي كُرًّا مِنْ طَعَامِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِي أَوْ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَيْنِ جَازَ عَلَى مَا قَالَ ، وَالْبَذْرُ قَرْضٌ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ازْرَعْ لِي تَنْصِيصٌ عَلَى اسْتِقْرَاضِ الْبَذْرِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا لَهُ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَاضِهِ الْبَذْرَ مِنْهُ ، فَكَانَ عَلَيْهِ بَذْرًا مِثْلَ مَا اسْتَقْرَضَ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ : إنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَهِيَ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِي فَهُوَ اسْتِعَانَةٌ فِي الْعَمَلِ ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ مُزَارَعَةٌ شُرِطَ فِيهَا الْقَرْضُ إذَا قَالَ : عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، وَالْمُزَارَعَةُ كَالْإِجَارَةِ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ : الِاسْتِقْرَاضُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُزَارَعَةِ فَهَذَا قَرْضٌ شُرِطَ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ ، وَالْقَرْضُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْهِبَةِ وَفِي الْأَصْلِ اسْتَشْهَدَ فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرِ لِي بِهَا كُرًّا مِنْ الطَّعَامِ ، ثُمَّ اُبْذُرْهُ فِي أَرْضِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ أَلَمْ يَكُنْ هَذَا جَائِزًا ؟ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ إلَّا أَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً

وَلَوْ دَفَعَ بَذْرًا إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ دَفْعِ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ نَفْيُ الْإِشْكَالِ فِي أَنَّهُ أَوْجَبَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ فَكَيْفَ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِهِ ؟ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ صَارَتْ مَنْفَعَتُهُ وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ حُكْمًا كُلُّهَا مُسَلَّمَةً إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ لِسَلَامَةِ الْخَارِجِ لَهُ حُكْمًا ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ بِأَمْرِهِ فِي إلْقَاءِ الْبَذْرِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِنْ قَالَا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَصَاحِبُ الْبَذْرِ مُعِينٌ لَهُ فِي الْعَمَلِ مُعِيرٌ لِأَرْضِهِ لِأَنَّهُ مَا شَرَطَ بِإِزَاءِ مَنَافِعِهِ وَمَنَافِعِ أَرْضِهِ عِوَضًا فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَإِنْ قَالَ ازْرَعْهُ لِي فِي أَرْضِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لَك لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ بِجَمِيعِ الْخَارِجِ حِينَ قَالَ : ازْرَعْهُ لِي فِي أَرْضِك ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَعَمَلِهِ ، وَإِنْ قَالَ ازْرَعْهُ فِي أَرْضِك لِنَفْسِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِي لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ازْرَعْهُ لِنَفْسِك تَنْصِيصٌ عَلَى إقْرَاضِ الْبَذْرِ مِنْهُ ، ثُمَّ شَرَطَ جَمِيعَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ عِوَضًا عَمَّا أَقْرَضَهُ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ شَرْعًا ، وَلَكِنَّ الْقَرْضَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَذْرِ لِصَاحِبِهِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ ، وَيَعْمَلَ فِيهَا مَعَهُ هَذَا الْأَجْنَبِيُّ لَمْ يَجُزْ

ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهُوَ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَائِزٌ ، وَثُلُثُ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ بِثُلُثِ الْخَارِجِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ ، وَهَذَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ وَلَكِنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ ، أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَالْآخَرُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ ، فَالْمُفْسِدُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُفْسِدُ الْآخَرَ ، فَلِهَذَا كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَالْبَاقِي كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّجُلِ الَّذِي عَمِلَ مَعَهُ ، وَقَدْ أَجَابَ بَعْدَ هَذَا فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : يَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ : عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ فَبِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَفْسُدُ كُلُّهُ ، وَهُنَا قَالَ وَيَعْمَلُ مَعَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ لَا لِلشَّرْطِ ، فَقَدْ جُعِلَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ مَعْطُوفًا عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا مَشْرُوطًا فِيهِ ، فَلِهَذَا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبّ الْأَرْضِ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ جَائِزَةً ، وَالْخَارِجُ أَثْلَاثًا كَمَا اشْتَرَطُوا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ عَامِلَيْنِ وَشَرَطَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْخَارِجِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ يَزْرَعُهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ وَلَمَّا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الَّذِي أَخَذَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً : قَدْ بَدَا لِي فِي تَرْكِ زَرْعِ هَذِهِ السَّنَةِ ، أَوْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَزْرَعَ أَرْضًا أُخْرَى سِوَى هَذِهِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا إجَارَةٌ ، وَالْإِجَارَةُ تُنْقَضُ بِالْعُذْرِ ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْعَيْنَ لِأَجْلِهِ عُذْرٌ لَهُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ تَرْكُ التِّجَارَةِ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ لِيَزْرَعَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ تَرْكُ الزِّرَاعَةِ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ جُوِّزَتْ لِحَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ ، فَفِي إلْزَامِ الْعَقْدِ إيَّاهُ بَعْدَ مَا بَدَا لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ الْعَمَلِ إضْرَارٌ بِهِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعُودَ إلَى مَوْضُوعِهِ بِالْإِبْطَالِ ، وَالضَّرَرُ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ اللَّازِمِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَزْرَعَ أَرْضًا أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ وَفِي إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ إتْلَافُ الْبَذْرِ ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْخَارِجُ ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْخَارِجُ ، وَفِي إلْزَامِ الْعَقْدِ صَاحِبَ الْبَذْرِ قَبْلَ الْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ إضْرَارٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْزَمُ إتْلَافُ مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، ثُمَّ لَهُ فِي تَرْكِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَزَرْعِهِ أَرْضًا أُخْرَى غَرَضٌ صَحِيحٌ فَتِلْكَ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ أَوْ يَمْنَحُهُ إيَّاهَا صَاحِبُهَا ، أَوْ تَكُونُ أَكْثَرَ رِيعًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُلْزِمَهُ زِرَاعَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ شَاءَ أَوْ أَبَى ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ إذَا أَرَادَ زِرَاعَةَ أَرْضٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا مَعَ اخْتِيَارِهِ أَرْضًا أُخْرَى

لِلزِّرَاعَةِ مَنْفَعَةً لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ أَنَّهُ اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَا فَائِدَةَ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ زِرَاعَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي الْغَلَّةِ ، وَالْغَلَّةُ لَا تَحْصُلُ بِدُونِ الزِّرَاعَةِ فَلِهَذَا قُلْنَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ فِي الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّرَاهِمِ إذَا أَرَادَ تَرْكَ الزِّرَاعَةِ أَصْلًا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَرَّزُ عَنْ إتْلَافِ الْبَذْرِ بِإِلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ أَرْضًا أُخْرَى لَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ أُجْبِرَ الْعَامِلُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا إنْ أَرَادَ تَرْكَ الزِّرَاعَةِ سَنَتَهُ تِلْكَ أَوْ لَمْ يُرِدْ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا أَجِيرٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَعَلَى الْأَجِيرِ الْإِيفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ سِوَى مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ إقَامَةَ الْعَمَلِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إقَامَةِ الْعَمَلِ ، كَمَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ ، وَمُوجَبُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَفِي إلْزَامِ الْعَقْدِ إيَّاهُ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ فِيمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، وَفِي إلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ إتْلَافُهُ وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ أَنْ يَتْرُكَ الزِّرَاعَةَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ ، أَوْ فِي غَيْرِهَا فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فِي إلْزَامِ الْعَقْدِ إيَّاهُ إتْلَافُ بَذْرِهِ ، وَالْبَذْرُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَهُ إتْلَافَهُ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ مَوْهُومٌ عَسَى يَحْصُلُ ، وَعَسَى لَا يَحْصُلُ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ

يَمْنَعَ الزَّارِعَ مِنْ الزِّرَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَجِّرٌ لِأَرْضِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ بِإِيفَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ فِيمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ عَلَيْهِ فِي إلْزَامِ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ ، وَقَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِمُطْلَقِ الزِّرَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ ، وَالْعُذْرُ دَيْنٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الْأَرْضِ ، فَإِنْ حُبِسَ فِيهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ هُنَا إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فِيمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا عُذْرٌ لَهُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ ، وَأَنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ

وَلَوْ دَفَعَ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ أَوْ يُسَافِرَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ ، أَمَّا إذَا بَدَا لَهُ تَرْكُ الْعَمَلِ ؛ فَلِأَنَّ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ إقَامَةَ الْعَمَلِ ، وَلَا يَلْحَقُهُ سِوَى ذَلِكَ ، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ بِالِامْتِنَاعِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ وَفِيمَا ذَكَرَ هُنَا لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّلُ بِالسَّفَرِ لِيَمْتَنِعَ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ ، وَقِيلَ : إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ ، فَهُنَاكَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِيَدِهِ ، وَبَعْدَ السَّفَرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَفَرٍ يُبْتَلَى بِهِ فِي الْمُدَّةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ ، وَهُنَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِيَدِهِ ، فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ بِأُجَرَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَغِلْمَانِهِ بَعْدَ السَّفَرِ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَا لِصَاحِبِ النَّخِيلِ أَنْ يَمْنَعَ الْعَامِلَ مِنْهُ وَيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ ، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَى عَامِلٍ آخَرَ ، فَذَلِكَ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ بِخِلَافِ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَحْتَاجُ إلَى إتْلَافِ بَذْرِهِ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ ، وَهُنَا رَبُّ النَّخِيلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ الْعَقْدُ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي جَانِبِ الْعَامِلِ ، وَإِنَّمَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ النَّخْلِ ، فَإِذَا حُبِسَ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي فَسْخِ الْمُعَامَلَةِ لِلْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْأَرْضِ وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ كَأَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ : ازْرَعْ نَصِيبَك مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَهَذِهِ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ ، أَوْ قَالَ : وَازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ وَهِيَ مَطْعُونَةٌ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهَا بِالْأَمْسِ ؛ فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ ، وَازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ حَتَّى تَصِحَّ الْمُزَارَعَةُ فِي نَصِيبِ الدَّافِعِ مِنْ الْأَرْضِ ، قُلْنَا : لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ انْتِهَابَ الْمَعْدُومِ وَطَمَعًا فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا بِمَا أَخْرَجَهُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَرْضٌ أَوْ بَذْرٌ أَوْ عَمَلٌ ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ بِكَلَامِهِ عَادَةً ، فَلِذَلِكَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَأَفْسَدْنَا الْمُزَارَعَةَ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلزَّارِعِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَيَطِيبُ لَهُ نِصْفُ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى نِصْفَ الزَّرْعِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ، وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَيَأْخُذُ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ مَا أَنْفَقَ فِيهِ وَغَرِمَ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِيبِي مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي ، وَهَذِهِ

اسْتِعَانَةٌ صَحِيحَةٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ قَالَ : وَازْرَعْ نَصِيبَك مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَهَذَا أَيْضًا إقْرَاضٌ صَحِيحٌ لِلْبَذْرِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُظْهِرُ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَعَلَ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الدَّافِعِ مَنْفَعَةَ إقْرَاضِ الْبَذْرِ إيَّاهُ ، أَوْ تَمْلِيكَ الْبَذْرِ مِنْهُ هِبَةً فِي مِقْدَارِ مَا يَزْرَعُ بِهِ نَصِيبَ نَفْسِهِ ، فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِلدَّافِعِ ؛ لِأَنَّ إقْرَاضَ شَيْءٍ مِنْ الْبَذْرِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُثْبِتُ التَّصْحِيحَ لِلْعَقْدِ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فَلَا يَجْعَلُ مُقْرِضًا شَيْئًا مِنْ الْبَذْر مِنْهُ ، فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِلْعَامِلِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَجْرُ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَمَنْفَعَةَ عَمَلِهِ سُلِّمَتْ لِلدَّافِعِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَيَطِيبُ لَهُ نِصْفُ الرِّيعِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ وَيَأْخُذُ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ نِصْفَ الْبَذْرِ وَمَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ وَنِصْفِ أَجْرِ مِثْلِ الْعَامِلِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ

وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ لَهُ وَلِلدَّافِعِ الثُّلُثُ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك وَهِيَ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ مِنْهُ لِي وَالثُّلُثُ لَك وَهِيَ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَسَادٌ فَكَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَ الْخَارِجِ وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : وَازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَهَذَا إقْرَاضٌ لِلْبَذْرِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ ثُلُثَ الْخَارِجِ وَمَنْفَعَةَ إقْرَاضِ نَصِفْ الْبَذْرِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ لِلدَّافِعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ ازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي ، وَهَذِهِ اسْتِعَانَةٌ صَحِيحَةٌ وَلَكِنَّهُ قَالَ : وَازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَهَذَا دَفْعُ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلِهَذَا كَانَ فَاسِدًا

وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى أَنَّ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ لِلْعَامِلِ ، وَثُلُثَهُ لِلْآخَرِ فَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الدَّافِعَ شَرَطَ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْبَذْرِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ يُلَاقِي بَذْرًا أَوْ زَرْعًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِعَمَلِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى صَاحِبِهِ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ طُيِّبَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِهِ وَلَا أَجْرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا عَمِلَ فِيمَا هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ وَهُوَ لِعَمَلِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ فِي الْمَعْمُولِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ الْعَمَلِ إلَى غَيْرِهِ ، وَبِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فَاسِدًا كَانَ الْعَقْدُ أَوْ جَائِزًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ لِلدَّافِعِ ، وَمَعْنَى الْفَسَادِ هُنَا أَبْيَنُ ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِمَّا يَحْصُلُ فِي أَرْضِ الْعَامِلِ بِبَذْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَرْضٌ وَلَا بَذْرٌ وَلَا عَمَلٌ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُعِينٌ لِلدَّافِعِ هُنَا ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَذْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ أَرْضَك بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي وَهَذِهِ اسْتِعَانَةٌ صَحِيحَةٌ فَيَكُونُ الْعَامِلُ مُعِينًا لَهُ فِي نَصِيبِهِ

وَلَوْ اشْتَرَطَا ثُلُثَيْ الْبَذْرِ عَلَى الدَّافِعِ وَثُلُثَهُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَالرِّيعُ نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ ازْرَعْ أَرْضِي بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي ، وَازْرَعْ أَرْضَك بِبَذْرِك وَبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك وَبِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِهِ مَنْفَعَةَ إقْرَاضِ ثُلُثِ الْبَذْرِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِهِ بِعَمَلِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ وَذَلِكَ فَاسِدٌ ، وَمَا خَرَجَ فَثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ ثُلُثَيْ الْبَذْرِ ، وَثُلُثُهُ لِصَاحِبِ ثُلُثِ الْبَذْرِ عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا ، وَالْأَجْرُ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ، وَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَغْرَمُ أَجْرَ مِثْلِ سُدُسِ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ ثُلُثِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَرْضِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَى الشَّرِيكِ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ بَيْتًا لِيَحْفَظَ فِيهِ الطَّعَامَ الْمُشْتَرَكَ ، ثُمَّ يَطِيبُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِهِ وَيَبْقَى سُدُسُ الزَّرْعِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ رُبُعَ بَذْرِهِ وَمَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ سُدُسِ الْأَرْضِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ

وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ ثُلُثَ الْبَذْرِ عَلَى الدَّافِعِ وَثُلُثَيْهِ عَلَى الْعَامِلِ وَالْخَارِجَ نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ بِبَذْرِك نَصِيبَك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِي وَبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي ، وَهَذِهِ مَطْعُونَةُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَقْدُ فِيهَا فَاسِدٌ عَلَى رِوَايَةِ الْكِتَابِ ، لِأَنَّ فِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ الْبَذْرِ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِجَمِيعِ مَا تُخْرِجُهُ وَذَلِكَ فَاسِدٌ فَيَكُونُ لِلْعَامِلِ ثُلُثَا الرِّيعِ ، وَعَلَيْهِ سُدُسُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي ثُلُثِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِ ذَلِكَ ، وَيَطِيبُ لَهُ نِصْفُ الرِّيعِ وَيَرْفَعُ مِنْ السُّدُسِ الْبَاقِي رُبُعَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبَذْرِ وَمَا غَرِمَ مِنْ الْأَجْرِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ، وَثُلُثُ الرِّيعِ طُيِّبَ لِلدَّافِعِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ

وَلَوْ اشْتَرَطَا الْبَقَرَ عَلَى الدَّافِعِ ، وَالْبَذْرَ عَلَى الْعَامِلِ وَالْخَارِجُ نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِيبَك بِبَذْرِك وَبَقَرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَازْرَعْ نَصِيبِي بِبَذْرِي وَبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا بَيَّنَّا ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِهِ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لِيَعْمَلَ بِهِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ كُلُّهُ مِنْ الْعَامِلِ ، وَالْبَقَرُ مِنْ الدَّافِعِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بِإِزَاءِ مَنْفَعَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ لَهُ بِزِرَاعَتِهِ نَصِيبَ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلزِّرَاعَةِ ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِلْآخَرِ مِثْلُ أَجْرِ بَقَرِهِ وَأَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ يَسْتَوْفِي الزَّارِعُ نِصْفَ الْخَارِجِ فَيَطِيبُ لَهُ ، وَيَأْخُذُ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ نِصْفَ الْبَذْرِ ، وَنِصْفَ أَجْرِ الْبَقَرِ ، وَنِصْفَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا الثُّلُثَيْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِيبِي مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِك وَبَقَرِي عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبَقَرَ إذَا كَانَ مَشْرُوطًا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ إنَّ الْمُزَارَعَةَ تَكُونُ فَاسِدَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِنَفْسِهِ وَبَقَرِهِ ، وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : ازْرَعْ نَصِفَ الْأَرْضِ بِبَذْرِي عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِي ، وَازْرَعْ نَصِفَ الْأَرْضِ بِبَذْرِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لَك ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ صَحِيحٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَعَانَ بِالْعَامِلِ ، وَالْآخَرَ أَعَارَهُ الْأَرْضَ وَلَكِنْ عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا يَظْهَرُ الْمُفْسِدُ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ لِلْعَامِلِ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ مَنْفَعَةَ نَصِفْ الْأَرْضِ وَذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَجُوزُ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ، فَإِنَّهُ أَلْقَى فِي الْأَرْضِ بَذْرًا مُشْتَرَكًا ثُمَّ عَمِلَ فِي زَرْعٍ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ مَشْغُولٌ بِزَرْعِ الْعَامِلِ ، ثُمَّ يَطِيبُ نِصْفُ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِهِ ، وَأَمَّا الْعَامِلُ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ لِلْعَامِلِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ وَالْفَسَادُ هُنَا أَبْيَنُ ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ شَرَطَ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَمَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ جَعَلَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ ثُلُثَ

الْخَارِجِ مِنْهُ ، وَعَمَلُهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ ثُلُثَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَاشْتَرَطَ الرِّيعَ عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ فَهُوَ فَاسِدٌ إنْ كَانَ ثُلُثَا الْبَذْرِ مِنْ الْعَامِلِ فَلِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ ثُلُثَيْ الْأَرْضِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي ثُلُثِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ الْبَذْرِ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ فَلِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ ثُلُثِ الْأَرْضِ بِعَمَلِهِ فِي ثُلُثَيْ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَا أَنَّ الرِّيعَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ ، وَالْفَسَادُ هُنَا أَبْيَنُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّافِعُ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَبَعْضَ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِهِ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِهِ ، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا لَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا رَبُّ الْأَرْضِ ، وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ سَنَتَهُ هَذِهِ بِبَذْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَعَارَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَهُ بِبَذْرِ نَفْسِهِ ، وَزَرَعَ نَصِفَ الْأَرْضِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ ، وَلَا يَظْهَرُ فَسَادٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ اشْتَرَطَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ كَانَ هَذَا فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ وَلَكِنْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَهُ ، وَهَذَا شَرْطٌ يُعْدِمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ مَا اسْتَأْجَرَ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا وَلَا أَجْرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَيَطِيبُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نَصِيبُهُ ، وَيَتَصَدَّقُ الْعَامِلُ بِمَا زَادَ عَلَى الْبَذْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْأَجْرِ الَّذِي غَرِمَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا الثُّلُثَيْنِ لِلْعَامِلِ كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَشَرَطَ عَمَلَ نَفْسِهِ مَعَهُ ثُمَّ جَعَلَ لَهُ مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ مَعَ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْخَارِجِ فَلِهَذَا كَانَ فَاسِدًا ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا أَجْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ مَا ابْتَغَى عَلَى مَنَافِعِ أَرْضِهِ عِوَضًا حِينَ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ فَضْلًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ شَرَطَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ابْتَغَى عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ عِوَضًا ، وَلَمْ يَنَلْ فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ يَطِيبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ

مِنْ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَجْرُ عَرَفْنَا أَنَّ نِصْفَ الْأَرْضِ كَانَ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ ، وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ فَيَطِيبُ لَهُ الْخَارِجُ

وَلَوْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالْبَذْرُ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ خَاصَّةً فَعَمِلَا أَوْ عَمِلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَحْدَهُ جَعَلَ لَهُ مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مَعَهُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ مَنْفَعَةَ إقْرَاضِ نِصْفِ الْبَذْرِ مِنْهُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ نَصِفُ أَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ نَفْسِهِ فِي عَمَلِهِ إنْ كَانَ عَمِلَ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي الْخَارِجِ هُنَا ، فَصَاحِبُ الْبَذْرِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ وَعَمَلِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَرْفَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ بَذْرَهُ مِنْ الرِّيعِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيًّا مَا كَانَ الْبَذْرُ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُهَا لِمُتَابَعَةِ الْآثَارِ ، فَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَتَى كَانَ الْعَقْدُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أُخِذَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ ، ثُمَّ الْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ وَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا مَعَ حُصُولِ الْخَارِجِ فِي بَعْضِهِ أَوْ فِي كُلِّهِ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، وَقَدْرُ الْبَذْرِ مِنْ جُمْلَةِ الرِّيعِ فَإِنَّ الْبَذْرَ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ يَتْلَفُ ، فَهَذَا الشَّرْطُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الرِّيعِ أَوْ فِي جَمِيعِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْ الْخَارِجِ إلَّا قَدْرُ الْبَذْرِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُنَا لَيْسَ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنَّ بِالتَّصَرُّفِ لَا يَتْلَفُ رَأْسُ الْمَالِ ، فَاشْتِرَاطُ دَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ ، ثُمَّ اشْتِرَاطُهُ دَفْعَ الْبَذْرِ هُنَا فِي كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُوجَبِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الرِّبْحَ وَرَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ نِصْفَانِ فَسَدَ الْعَقْدُ فَهَذَا قِيَاسُهُ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَرْفَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّيعِ بَيْنَهُمَا مَعَ حُصُولِ الْخَارِجِ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ قَدْرٍ يَخْرُجُ إلَّا وَيَبْقَى بَعْدَ رَفْعِ الْعُشْرِ مِنْهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ ، ثُمَّ هَذَا فِي الْمَعْنَى اشْتِرَاطُ خَمْسَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ عَشَرَةٍ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَأَرْبَعَةٍ وَنِصْفٍ لِلْآخَرِ ، وَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّيعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُشْتُرِطَ الْعُشْرُ

لِمَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ جَازَ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ اشْتَرَطَا رَفْعَ الْخَرَاجِ مِنْ الرِّيعِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَهُوَ دَرَاهِمُ مُسَمَّاةٌ ، أَوْ حِنْطَةٌ مُسَمَّاةٌ فَاشْتِرَاطُ رَفْعِ الْخَرَاجِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَهَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّيعِ مَعَ حُصُولِهِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْصُلَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ أَوْ دُونُهُ

وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةً فَاشْتَرَطَا رَفْعَ الْعُشْرِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَشْرَبُ سَحًّا ، أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ إنْ كَانَتْ تَشْرَبُ بِدَلْوٍ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ مِقْدَارٍ تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ إلَّا وَإِذَا دُفِعَ مِنْهُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ يَبْقَى شَيْءٌ لِيَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَإِنْ حَصَلَ الْخَارِجُ أَخَذَ السُّلْطَانُ حَقَّهُ مِنْ عُشْرٍ أَوْ نِصْفٍ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا كَذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ السُّلْطَانُ مِنْهُمْ شَيْئًا ، أَوْ أَخَذُوا بَعْضَ طَعَامِهِمْ سِرًّا مِنْ السُّلْطَانِ فَإِنَّ الْعُشْرَ الَّذِي شُرِطَ مِنْ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قِيَاسِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ مَنْ أَجَّرَ أَرْضَهُ الْعُشْرِيَّةَ فَالْعُشْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، فَفِي الْمُزَارَعَةِ رَبُّ الْأَرْضِ مُؤَجِّرٌ لِلْأَرْضِ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَالْعُشْرُ عَلَيْهِ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي الْوَجْهَيْنِ فَالْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ مَشْرُوطٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ السُّلْطَانُ مِنْهُمَا الْعُشْرَ أَوْ أَخَذَا بَعْضَ الطَّعَامِ سِرًّا مِنْ السُّلْطَانِ ، فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ الْمَشْرُوطُ لِلْعُشْرِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا لَهُمَا وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ قَالَ لِلْعَامِلِ : لَسْت أَدْرِي مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنَّا الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ ، فَإِنَّمَا تِلْكَ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ لِي مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ بَعْدَ الَّذِي

يَأْخُذُ السُّلْطَانُ وَلَك النِّصْفُ فَهَذَا فَاسِدٌ فِي قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - هُوَ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَالَا ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ بِحَيْثُ تَكْتَفِي بِمَاءِ السَّمَاءِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَقَدْ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُسْقَى بِالدِّلَاءِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَطَرِ ، وَفِي مِثْلِهِ السُّلْطَانُ يَعْتَبِرُ الْأَغْلَبِ فِيمَا يَأْخُذُ مِنْ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِ الْعُشْرِ فَكَأَنَّهُمَا قَدْ قَالَا لَا نَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ حَالُ الْمَطَرِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَمَاذَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْ الْخَارِجِ فَتَعَاقَدَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَبِهَذَا الشَّرْطِ هُمَا شَرَطَا لِرَبِّ الْأَرْضِ جُزْءًا مَجْهُولًا مِنْ الْخَارِجِ إمَّا الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ يَزْرَعُهَا بِنَفْسِهِ وَبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا دَفَعَ مِنْهُ حَظَّ السُّلْطَانِ وَهُوَ النِّصْفُ مِمَّا تُخْرِجُ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا لِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ ، وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثَانِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَإِنَّمَا يَعْنِي خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ ، وَلِلْإِمَامِ رَأْيٌ فِي الْخَرَاجِ بَيْنَ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَبَيْنَ خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ ، وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ حَتَّى لَا يَجِبَ إلَّا بِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمَشْرُوطُ لِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ كَالْمَشْرُوطِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَعِنْدَهُمَا خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا ، فَكَأَنَّهُمَا شَرَطَا الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ ، فَإِنْ أَخَذَ السُّلْطَانُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ الْخَرَاجَ وَتَرَكَ الْمُقَاسَمَةَ فَالنِّصْفُ الَّذِي شَرَطَاهُ لِلسُّلْطَانِ هُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ يَفْتَحُ بَلْدَةً وَيَمُنُّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا ، ثُمَّ يَتَرَدَّدُ رَأْيُهُ فِي تَوْظِيفِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ عَلَيْهِمْ ، أَوْ خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ فَلَا يَعْزِمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْصُلَ الْخَارِجُ ، أَوْ كَانَ جَعَلَ عَلَيْهِمْ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَقَدْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُعَطِّلُوا الْأَرَاضِيَ فَيَكُونَ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ نَظَرًا لِأَرْبَابِ الْخَرَاجِ ، فَإِذَا بَدَا لَهُ بَعْدَ حُصُولِ الْخَارِجِ أَنْ يَأْخُذَ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، ثُمَّ النِّصْفُ الْمَشْرُوطُ لِلسُّلْطَانِ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

فَلَا يُشْكِلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ مَشْرُوطٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ بَدَلَ ذَلِكَ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْغُنْمُ مُقَابَلٌ بِالْغُرْمِ فَمَا شُرِطَ لِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ السُّلْطَانُ خَرَاجًا وَلَا مُقَاسَمَةً وَتَرَكَ ذَلِكَ أَصْلًا ، أَوْ أَخَذَا شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ سِرًّا ، ثُمَّ قَاسَمَهُمْ السُّلْطَانُ مَا بَقِيَ فَأَخَذَ نِصْفَهُ فَإِنَّ مَا أَخَذَاهُ سِرًّا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ وَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثَاهُ ، فَقَدْ عَطَفَ أَحَدَ الْفَصْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِقَوْلِهِ : " وَكَذَلِكَ وَجَوَابُهُمَا يَخْتَلِفُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ السُّلْطَانُ شَيْئًا " فَعَطْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوطَ لِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَفِيمَا إذَا أَخَذَا شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ سِرًّا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ أَثْلَاثًا بَيْنَهُمَا فَفِيمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ نَوْعٌ مِنْ التَّشْوِيشِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْرُوطُ لِلْخَرَاجِ يَكُونُ مَشْرُوطًا لِرَبِّ الْأَرْضِ فَفِي الْفَصْلَيْنِ يَكُونُ النِّصْفُ الْمَشْرُوطُ لِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ فِي الْخَارِجِ إلَّا إذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مِنْهُ ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ أَخَذَا شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ سِرًّا فَذَلِكَ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا عَلَى أَصْلِ الْمُشْتَرَطِ ، لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ وَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثَاهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ أَنَّ مَا أَخَذَاهُ سِرًّا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثَاهُ وَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثُهُ ، فَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ الْجَوَابُ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَيَتَحَقَّقُ الْعَطْفُ

فَإِنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالثُّلُثُ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ ، فَإِذَا أَخَذَ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ هَذَا ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَا ، وَقِيلَ : بَلْ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ وَاجِبَةٌ بِاسْمِ الْخَرَاجِ كَالْوَظِيفَةِ ، وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، فَالْمَشْرُوطُ لِلْخَرَاجِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ لِرَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ .
وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ هُوَ الْأَصَحُّ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي مَا يَأْخُذُ السُّلْطَانُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُقَاسَمَةَ أَوْ الْخَرَاجَ فَإِنَّمَا تِلْكَ عَلَى أَنْ أَرْفَعَ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ حَظَّ السُّلْطَانِ مُقَاسَمَةً كَانَ أَوْ خَرَاجًا أَوْ يَكُونَ مَا بَقِيَ بَيْنَنَا لِي الثُّلُثُ وَلَكَ الثُّلُثَانِ فَرَضِيَ الْمُزَارِعُ بِذَلِكَ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِ الْخَارِجِ عُشْرًا بِأَنْ يَأْخُذَ السُّلْطَانُ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ وَيَكُونَ الْخَارِجُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَوْ دُونِهِ ، ثُمَّ الرِّيعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْخَرَاجُ وَالْمُقَاسَمَةُ أَيُّهُمَا كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْخَرَاجَ مُؤْنَةٌ لِلْأَرْضِ فَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ وَلَوْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ كَانَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَرَبُّ الْأَرْضِ مُؤَجِّرٌ لِلْأَرْضِ ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ تَحْصُلُ لَهُ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ كَمَا يَحْصُلُ إذَا اسْتَوْفَاهَا بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ الْحَصَادَ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْخَارِجُ أَوْ يَتَرَبَّى فِي الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِفْظِ وَالسَّقْيِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ ، وَرَأْسُ مَالِ الْعَامِلِ فِيهَا عَمَلٌ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ الْخَارِجِ ، كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الْعَمَلِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ التَّامِّ إلَى أَنْ يُقْسَمَ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِلْكُهُمَا فَالْمُؤْنَةُ فِيهِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ ، وَمَا يَكُونُ مِنْ الْعَمَلِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَالْحَمْلِ إلَى الْبَيْتِ وَالطَّحْنِ يَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ بِالْمُقَاسَمَةِ تَمَيَّزَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا عَنْ مِلْكِ الْآخَرِ ، فَيَكُونُ التَّدْبِيرُ فِي مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ ، فَإِذَا شَرَطَا الْحَصَادَ عَلَى الْعَامِلِ فَهَذَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ الْحَمْلَ ، وَالطَّحْنَ عَلَيْهِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْتَهِي بِاسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الزَّرْعَ بَعْدَ مَا اُسْتُحْصِدَ لَوْ دَفَعَهُ مُعَامَلَةً إلَى رَجُلٍ لِيُقِيمَ فِيهِ هَذِهِ الْأَعْمَالَ بِالثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ بَقْلًا فَدَفَعَهُ مُعَامَلَةً إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَسْقِيهِ بِالثُّلُثِ فَإِذَا شَرَطَ الْحَصَادَ عَلَى الْعَامِلِ فَهَذَا عَمَلٌ شُرِطَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ ، وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ عَمَلًا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ فَهُوَ فَاسِدٌ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَرَوَى بِشْرٌ وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الشَّرْطِ ،

وَلَكِنْ إنْ لَمْ يَشْتَرِطَا فَهُوَ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ شَرَطَا فَهُوَ عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُزَارِعَ يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ ، فَهَذَا شَرْطٌ يُوَافِقُ الْمُتَعَارَفَ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلَكِنْ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْعُرْفِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى حَطَبًا فِي الْمِصْرِ بِشَرْطِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ .
وَفِي الْمُعَامَلَةِ قَالَ : هَذَا الشَّرْطُ يُفْسِدُ الْمُعَامَلَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ وَكَانَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَقُولَانِ : هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ شُرِطَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ ؛ لِأَنَّ فِيهِ عُرْفًا ظَاهِرًا يَتَنَاوَلُهُ وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ فَقَدْ جَوَّزْنَا بَعْضَ الْعُقُودِ لِلْعُرْفِ ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ كَالِاسْتِبْضَاعِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي دِيَارِنَا أَيْضًا .
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ : فِيهَا عُرْفٌ ظَاهِرٌ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَطَّلَ فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا هُوَ الْعُرْفُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِمَا بَيَّنَّا ، وَفِي جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ فَسَادُ الْعَقْدِ بِهَذَا الشَّرْطِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَاءَ إلَى رَجُلٍ قَدْ صَارَ زَرْعُهُ بَقْلًا فَعَامَلَهُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ جَائِزًا ، وَلَوْ عَامَلَهُ بَعْدَ مَا اُسْتُحْصِدَ عَلَى أَنْ يَحْصُدَهُ وَيَدُوسَهُ وَيَذْرِيَهُ وَيُنَقِّيَهُ وَيَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ ، أَوْ إلَى مَوْضِعِ كَذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا إنَّمَا تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ ، وَالْأَثَرُ إنَّمَا

جَاءَ فِي مُزَارَعَةٍ يَكُونُ لِلْعَمَلِ فِيهَا تَأْثِيرٌ فِي تَحْصِيلِ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُوجَدُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَزْدَادُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ تَخْرُجُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَلِهَذَا صَحَّ الْعَقْدُ هُنَاكَ ، وَلَمْ يَصِحَّ هُنَا ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَصَارَ قَصِيلًا فَأَرَادَا أَنْ يَقْصِلَاهُ وَيَبِيعَاهُ ، فَحَصَادُ الْقَصِيلِ وَبَيْعُهُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ بِمَا عَزَمَا عَلَيْهِ ، وَالْقَصْلُ فِي الْقَصِيلِ كَالْحَصَادِ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي زِيَادَةِ الْخَارِجِ فَكَمَا أَنَّ الْحَصَادَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ عَلَيْهِمَا فَكَذَلِكَ حَصَادُ الْقَصِيلِ عَلَيْهِمَا ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، أَوْ الْمُزَارِعِ ، وَلَوْ اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ فَمَنَعَهُمْ السُّلْطَانُ مِنْ حَصَادِهِ إمَّا ظُلْمًا ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ رَأَى فِي ذَلِكَ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُمْ الْخَرَاجَ فَالْحِفْظُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ بِمَنْزِلَةِ الْحَصَادِ ، فَإِنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يَنْتَهِي بِالْحَصَادِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلْحِقَهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَعَلَى الْعَامِلِ حِفْظُهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَامَلَةِ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَصِرْ تَمْرًا ، وَالْحِفْظُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ عَلَى الْعَامِلِ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ ، فَإِذَا صَارَ تَمْرًا فَقَدْ انْتَهَى الْعَقْدُ وَبَقِيَ التَّمْرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، فَكَانَ الْحِفْظُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجُذَاذُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا ، فَإِنْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ النَّخْلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي أَصْلِ الْمُعَامَلَةِ بَعْدَ مَا يَصِيرُ تَمْرًا كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ أَرَادَ فِي الْمُعَامَلَةِ الصَّحِيحَةِ أَنْ يَجُدَّاهُ بُسْرًا فَيَبِيعَانِهِ ، أَوْ يَلْقُطَانِهِ رُطَبًا فَيَبِيعَانِهِ فَإِنَّ اللِّقَاطَ وَالْجُذَاذَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا أَنْهَيَا الْعَقْدَ بِمَا عَزَمَا عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْجُذَاذَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ بِمَنْزِلَتِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ ، وَلَكِنَّ الْحِفْظَ عَلَى الْعَامِلِ مَا دَامَ فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ حَتَّى يَصِيرَ تَمْرًا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَهُمَا بَاقٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْتَهِي ضِمْنًا لِلْجُذَاذِ وَاللِّقَاطِ ، فَلَا يَكُونُ مُنْتَهِيًا قَبْلَهُ ، وَحَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ الْحِفْظُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْعَامِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضًا لَهُ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَقَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ : اكْرِبْهَا ثُمَّ ازْرَعْهَا فَقَالَ الْعَامِلُ : أَزْرَعُهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ تُزْرَعُ بِغَيْرِ كِرَابٍ وَيَحْصُلُ الرِّيعُ إلَّا أَنَّ بِالْكِرَابِ أَجْوَدَ فَإِنْ شَاءَ الْعَامِلُ كَرَبَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَكْرُبْ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَرْعًا بِغَيْرِ كِرَابٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ إلَّا بِكِرَابٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُزَارَعَةِ تَحْصِيلُ الْخَارِجِ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَحْصِيلِ الْخَارِجِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَمَا يَحْصُلُ الْخَارِجُ بِدُونِهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ إلَّا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يُسْتَحَقُّ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ إلَّا بِالشَّرْطِ ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ رِيعُهَا إلَّا بِكِرَابٍ فَهَذَا عَمَلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْعَامِلِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَّا إنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَ الزَّرْعَ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا فِي حَقِّهِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ الرِّيعُ يَحْصُلُ بِغَيْرِ كِرَابٍ ، وَمَعَ الْكِرَابِ يَكُونُ أَجْوَدَ ، وَلَكِنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ لَا تُسْتَحَقُّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَبِدُونِ الْكِرَابِ صِفَةُ السَّلَامَةِ تَحْصُلُ فِي الرِّيعِ فَيَتَخَيَّرُ الْعَامِلُ لِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُ بَعْدَ الْكِرَابِ شَيْئًا قَلِيلًا نَظَرْت فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقْصِدُ النَّاسُ ذَلِكَ بِالزِّرَاعَةِ تُخَيِّرُ الْمُزَارِعَ فِي الْكِرَابِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَا يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالْعَمَلِ يُجْبَرُ عَلَى الْكِرَابِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ بِالزِّرَاعَةِ عَادَةً يَكُونُ مُعَيَّنًا .
وَقَضِيَّةُ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ صِفَةُ

السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ فَيَصِيرُ الْكِرَابُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْعَامِلِ لِتَحْصِيلِ صِفَةِ السَّلَامَةِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ ، وَإِذَا كَانَ يَخْرُجُ بِغَيْرِ كِرَابٍ مَا يُقْصَدُ بِالزِّرَاعَةِ فَأَدْنَى السَّلَامَةِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ كِرَابٍ ، وَالْأَعْلَى لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا إلَّا بِالشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ إنْ زَرَعَ ثُمَّ قَالَ : لَا أَسْقِي وَلَكِنْ أَدَعُهَا حَتَّى تَسْقِيَهَا السَّمَاءُ ، فَإِنْ كَانَتْ تَكْتَفِي بِمَاءِ السَّمَاءِ إلَّا أَنَّ السَّقْيَ أَجْوَدُ لِلزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى السَّقْيِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَكْفِيهِ سَقْيُ السَّمَاءِ أُجْبِرَ عَلَى السَّقْيِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِالنِّصْفِ فَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْكِرَابِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ، أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرِّيعِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ كِرَابٍ ، فَمَعَ الْكِرَابِ أَجْوَدُ ، وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِالشَّرْطِ كَصِفَةِ الْجَوْدَةِ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ ، وَصِفَةُ الْكِتَابَةِ وَالْحِبْرِ فِي الْعَبْدِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مِصْرِ كَذَا فَلَهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي أَيِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمِصْرِ شَاءَ ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرِّيعُ يَحْصُلُ بِالْكِرَابِ وَغَيْرِ الْكِرَابِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا شَرْطٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْكِرَابُ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالزَّرْعِ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ قُوَّةِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْكِرَابَ يُحْرِقُ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ ، وَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ

الصِّفَةِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَنْ يَكْرُبَهَا ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ لِلْمَنْفَعَةِ لَا لِلضَّرَرِ ، وَاشْتِرَاطُ التَّثْنِيَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْمُزَارَعَةِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ قَالَ : لِأَنَّهُ يُبْقِي مَنْفَعَتَهَا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَة بِخِلَافِ الْكِرَابِ فَإِنَّهُ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ ، فَاشْتِرَاطُهُ لَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ .
وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ التَّثْنِيَةِ فَقِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ يَزْرَعُ فَعَلَى هَذَا اشْتِرَاطُ التَّثْنِيَةِ فِي دِيَارِنَا لَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ ، وَفِي الدِّيَارِ الَّتِي تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُمَا سَنَةً وَاحِدَةٍ يَفْسُدُ بِهَذَا الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَقِيلَ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ : أَنْ يَكْرُبَهَا بَعْدَ مَا يَحْصُدُ الزَّرْعَ فَيَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً وَهَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْتَهِي بِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَقِيلَ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ : أَنْ يَجْعَلَهَا جَدَاوِلَ كَمَا يَفْعَلُ بِالْمَبْطَخَةِ فَيَزْرَعُ نَاحِيَةً مِنْهَا وَيُبْقِي مَا بَيْنَ الْجَدَاوِلِ مَكْرُوبًا فَيَنْتَفِعُ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُزَارَعَةِ وَهَذَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْمُزَارَعَةُ تَفْسُدُ بِهِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْرُبَ أَنْهَارَهَا وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُمَا سَنَةً وَاحِدَةً ، فَإِنْ كَرَبَ الْأَنْهَارَ تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ إصْلَاحَ مَشَارِبِهَا أَوْ بِنَاءَ حَائِطٍ فِيهَا ، أَوْ أَنْ يُسَرْجِنَهَا فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ

الْمُزَارَعَةِ ، فَتَكُونُ مُفْسِدَةً لِلْمُزَارَعَةِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَ بِغَيْرِ كِرَابٍ فَلِلْمُزَارِعِ رُبُعُ الْخَارِجِ ، وَإِنْ كَرَبَهَا ثُمَّ زَرَعَهَا فَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ ، وَإِنْ كَرَبَ وَثَنَّى ثُمَّ زَرَعَ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ جَائِزَةٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ الْعَمَلِ وَأَوْجَبَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْخَارِجِ ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ فَقَالَ : إنْ خِطْته رُومِيَّةً فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيَّةً فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ ، وَانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَالْكِرَابُ وَالتَّثْنِيَةُ كُلُّ ذَلِكَ يَسْبِقُ إلْقَاءَ الْبَذْرِ ، فَعِنْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ نَوْعُ الْعَمَلِ مَعْلُومٌ ، وَبَدَلُهُ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَمَلِ مَعْلُومٌ ، وَالْبَدَلُ مَعْلُومٌ ، وَقَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا الْجَوَابُ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّثْنِيَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ ، وَهُنَا قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةَ ، وَضَمَّ إلَيْهِ نَوْعَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ فَتَمَكَّنَتْ الْجَهَالَةُ هُنَا مِنْ الْعَمَلِ ، وَمِقْدَارُ الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدُ مَعَ اشْتِرَاطِ التَّثْنِيَةِ ، فَلَأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ كَانَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا كَرَبَهَا أَوْ زَرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدَ إذَا ثَنَّى ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِعَمَلِهِ فَكَانَ شَرْطُ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ ، أَمَّا إذَا جَعَلْنَا تَفْسِيرَ التَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا

وَبَيْنَ مَا سَبَقَ أَنْ جَعَلْنَا تَفْسِيرَ التَّثْنِيَةِ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ ، فَهُنَاكَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةُ بِالشَّرْطِ وَهِيَ مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُزَارِعُ عَلَى إقَامَتِهَا ، وَهُنَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةُ بَلْ يَتَخَيَّرُ هُوَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ فَعَلَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ، وَهَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ ، كَمَا إذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ يَصِحُّ ، وَيَتَخَيَّرُ الْمُزَارِعُ بَيْنَ أَنْ يُثَنِّيَ الْكِرَابَ ، وَبَيْنَ أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَدَعُ التَّثْنِيَةَ فَإِنْ زَرَعَ بَعْضَهَا بِكِرَابٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ وَبَعْضَهَا بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَمَا زَرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا يَكُونُ أَرْبَاعًا وَمَا زَرَعَهَا بِكِرَابٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَمَا زُرِعَ بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ شَرْطُ عَقْدِهِ بِهَذَا التَّبْعِيضِ ، وَهُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَ الْأَرْض بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ ، وَبَعْضَهَا بِكِرَابٍ ، وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخِيطَ بَعْضَ الثَّوْبِ رُومِيَّةً وَبَعْضَهُ فَارِسِيَّةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَنْ يُخَاطَ بَعْضُهُ رُومِيَّةً ، وَبَعْضُهُ فَارِسِيَّةً ، بَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الثَّوْبِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ أَنَّ مَا زُرِعَ بِكِرَابٍ وَثُنْيَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ، وَقَدْ طَعَنُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالُوا : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ هُنَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَعْضَ بِكِرَابٍ ، وَالْبَعْضَ بِثُنْيَانٍ ، وَالْبَعْضَ

بِغَيْرِ كِرَابٍ ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ ، إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْبَذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَأَفْسَدُوا الْعَقْدَ بِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى إلَّا أَنَّا نَقُولُ : حَرْفُ " مِنْ " قَدْ يَكُونُ لِلصِّلَةِ خُصُوصًا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الْكَلَامُ بِدُونِهِ مُخْتَلًّا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } .
وَإِذَا كَانَ حَرْفُ " مِنْ " صِلَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْكُلَّ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ .
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْأُولَى سَوَاءٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ فِي جِنْسِ الْبَذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ ، وَإِنْ زَرَعَهَا سِمْسِمًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ رُبُعُهُ ، فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، وَانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ وَالْبَذْرُ مَعْلُومٌ .
وَالْجَهَالَةُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا بَعْضَهَا حِنْطَةً ، وَبَعْضَهَا شَعِيرًا ، وَبَعْضَهَا سِمْسِمًا فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ عَلَى مَا اشْتَرَطَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ بِأَنْ يَزْرَعَ كُلَّهَا عَلَى صِفَةٍ يَكُونُ رَاضِيًا بِأَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ، وَبِذَلِكَ الْبَذْرِ ، كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا ثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى أَنَّ مَا زَرَعَ فِيهَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ الصَّيْفِ أَوْ الشِّتَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَمَا غَرَسَ فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ الثُّلُثُ ، وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثَانِ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا سَوَاءٌ زَرَعَ الْكُلَّ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَوْ زَرَعَ بَعْضَهَا ، وَجَعَلَ فِي بَعْضِهَا كَرْمًا قَالَ : وَلَا يُشْبِهُ الْبُيُوعُ فِي هَذَا الْإِجَارَاتِ ، وَالْإِجَارَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا تَجُوزُ ، وَذَكَرَ حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ الْأَجِيرِ ، أَقُولُ لَهُ : إنْ عَمِلْت فِي كَذَا كَذَا فَبِكَذَا ، وَإِنْ عَمِلْت كَذَا فَبِكَذَا ؟ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ .
قِيلَ : مَعْنَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْبُيُوعِ إذَا اشْتَرَى أَحَدٌ شَيْئَيْنِ ، وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ الْعَقْدُ

فَاسِدًا ، وَفِي الْإِجَارَاتِ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِدُونِ شَرْطِ الْخِيَارِ ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ وَالْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْخِيَارُ فِيهِ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا ، وَالثَّمَنُ مَجْهُولًا عِنْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَفِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ الْعَقْدُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْعَقْدُ ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ ، وَلَكِنَّ الْبَدَلَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمَلِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْعَمَلُ وَالْبَدَلُ مَعْلُومٌ ، وَجَهَالَةُ صِفَةِ الْعَمَلِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَقِيلَ : بَلْ مُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْبَيْعِ إذَا قَالَ : إلَى شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ إلَى شَهْرَيْنِ بِكَذَا فَهَذَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ عِنْدَ وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ ، وَفِي الْإِجَارَةِ وُجُوبُ الْبَدَلِ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ انْعِقَادُ الشَّرِكَةِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَعْلُومٌ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ : وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبُيُوعَ وَالْإِجَارَاتِ ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، إذْ فِي الْمُزَارَعَةِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً ، وَبَعْضَهَا شَعِيرًا ، وَفِي الْإِجَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعَقْدَ فِي نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا فِي التَّبْعِيضِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ ، وَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي زَرْعِهِ الْبَعْضَ حِنْطَةً وَالْبَعْضَ شَعِيرًا

مَعْنَى الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنَّهُ إنْ قَعَدَ فِيهِ طَحَّانًا فَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَإِنْ قَعَدَ يَبِيعُ الطَّعَامَ فِيهِ فَأَجْرُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِهِمَا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَاتِ ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ هُنَاكَ يَجِبُ الْأَجْرُ بِالتَّخْلِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا الْمُسْتَأْجِرُ ، وَعِنْدَ التَّخْلِيَةِ مِقْدَارُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ مَجْهُولٌ ، وَأَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ فَالشَّرِكَةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومَةٌ ، فَيَكُونُ هَذَا قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً ، وَبَعْضَهَا شَعِيرًا ، وَبَعْضَهَا سِمْسِمًا فَمَا زَرَعَ مِنْهَا حِنْطَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَمَا زَرَعَ مِنْهَا شَعِيرًا فَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ ، وَمَا زَرَعَ مِنْهَا سِمْسِمًا فَلِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْهُ ثُلُثَاهُ ، وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهُ ، فَهَذَا فَاسِدٌ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّبْعِيضِ هُنَا ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ فِي الْحَالِ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً فَلَا يَعْلَمُ مَاذَا يَزْرَعُ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْهَا فَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ؛ لِهَذَا ، وَعِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ حَرْفَ " مِنْ " صِلَةٌ ، فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْكُلَّ شَعِيرًا إنْ شَاءَ ، وَحِنْطَةً إنْ شَاءَ ، وَهُنَا نَصَّ عَلَى التَّبْعِيضِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا أَحَدَ الْأَصْنَافِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْهَا عَلَى أَنَّ مَا زَرَعْت مِنْهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، وَمَا زَرَعْت مِنْهَا شَعِيرًا فَلِي ثُلُثُهُ وَلَك ثُلُثَاهُ وَمَا زَرَعْت مِنْهَا سِمْسِمًا فَلِي ثُلُثَاهُ ، وَلَك ثُلُثُهُ ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا الطَّاعِنُ قَالَ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَجَدْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةَ أَنَّهُ قَالَ : عَلَى أَنْ يَزْرَعَ كُلَّ ذَلِكَ فِيهَا ، فَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ ، وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ حَرْفِ " مِنْ " التَّبْعِيضُ ، فَهُوَ وَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى التَّبْعِيضِ سَوَاءٌ ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا ، وَبَيْنَ مَا سَبَقَ أَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا تَتَمَكَّنُ فِي سَلْبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْبَذْرِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ

جِنْسِ الْبَذْرِ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْأَجْرُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ ، فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَمَكِّنَةً فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ، فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ فَالْجَهَالَةُ لَمْ تَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ، فَالْعَقْدُ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ بِدُونِ ذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ الْجَهَالَةُ الْمُتَمَكِّنَةُ بِذِكْرِ حَرْفِ التَّبْعِيضِ مُفْسِدَةً لِلْعَقْدِ هُنَاكَ يُوَضَّحُ الْفَرْقُ أَنَّ الْكِرَابَ وَالثُّنْيَانَ كُلُّ ذَلِكَ يَسْبِقُ إلْقَاءَ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَانْعِقَادُ الشَّرِكَةِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي ثُنِّيَ ، وَالْبَعْضُ الَّذِي كُرِبَ مَعْلُومٌ ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ ، وَأَمَّا هُنَا عِنْدَ إلْقَاءِ أَحَدِ الْأَصْنَافِ مِنْ الْبَذْرِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ ، الْعَقْدُ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مَجْهُولٌ فِي حَقِّ جِنْسِ الْبَذْرِ وَجِنْسِ الْبَدَلِ ؛ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ ، وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ إلَيْهِ لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ ، فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِعَارَةِ ، فَاشْتِرَاطُ الْخَارِجِ كُلِّهِ لِلْعَامِلِ يَكُونُ إعَارَةً لِلْأَرْضِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْحِنْطَةِ يَكُونُ مُزَارَعَةً صَحِيحَةً ، وَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ سَبَبٌ مُفْسِدٌ ، وَإِنْ سَمَّى الْخَارِجَ مِنْ الشَّعِيرِ لِنَفْسِهِ جَازَ فِي الْحِنْطَةِ ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الشَّعِيرِ ، وَهِيَ مَطْعُونَةُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِذَا دَفَعَ الْأَرْضَ إلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ مَا جَعَلَ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ ، وَلَكِنَّهُ عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، فَفَسَادُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْآخَرِ ، فَإِنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً

فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا ، وَكُرَّ حِنْطَةٍ ، وَكُرَّ شَعِيرٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ فِيهَا فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالشَّعِيرُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا الشَّعِيرَ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَيَرُدُّ الْحِنْطَةَ كُلَّهَا ، فَهُوَ كُلُّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَانَ بِالْعَامِلِ فِي أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ ، وَاسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الْخَارِجِ فِي الْآخَرِ ، وَخَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ الْخَارِجَ مِنْ الشَّعِيرِ لِلْعَامِلِ جَازَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ جَمِيعِ الْخَارِجِ لَهُ يَكُونُ إقْرَاضًا مِنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا أَنَّهُ بِانْفِرَادِهِ صَحِيحٌ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْمُزَارَعَةِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَحْدَهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا سِمْسِمًا فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ؟ ؛ فَلِهَذَا جَازَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ عَلَى مَا قَالَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْحِنْطَةِ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ بَيْنَهُمَا فِي النِّصْفِ ، وَفِي الشَّعِيرِ إعَارَةٌ لِلْأَرْضِ مِنْ الْعَامِلِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا ، وَأَمَّا فِي السِّمْسِمِ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِي السِّمْسِمِ يَكُونُ دَافِعًا لِلْأَرْضِ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ ، وَهِيَ مَطْعُونَةُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ جَازَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَاهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحِنْطَةِ الْعَقْدُ مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَفِي السِّمْسِمِ اسْتِعَانَةٌ بِالْعَامِلِ ، وَفِي الشَّعِيرِ إقْرَاضٌ لِلْبَذْرِ مِنْهُ ، وَإِعَارَةٌ لِلْأَرْضِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ الْبَعْضَ مَشْرُوطًا فِي الْبَعْضِ إنَّمَا عَطَفَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَتَوَلَّدُ مِنْ هَذَا الْعَطْفِ مَعْنًى يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ،

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضَهُ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَنَفَقَتِهِ بِالنِّصْفِ ، فَلَمَّا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا الَّذِي قَبَضَهَا شَيْئًا ، وَبَعْدَ مَا كَرَبَهَا ، وَحَفَرَ أَنْهَارَهَا ، وَسَوَّى مَسَاقِيَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ مُؤَاجِرٌ لِأَرْضِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْمُضِيِّ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ إلَى إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ ، فَيُلْزَمَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّهِ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا إلَّا بِعُذْرِ الدَّيْنِ ، فَإِنْ حُبِسَ فِي الدَّيْنِ ، وَلَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا عُذْرًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ وَبَيْعِ الْأَرْضِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُضِيِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي نَفْسِهِ ، وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي مَالِهِ يَدْفَعُ صِفَةَ اللُّزُومِ فَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي النَّفْسِ ، وَهُوَ الْحَبْسُ فِي الدَّيْنِ أَوْلَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمْتَنِعُ صِحَّتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ؛ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ جِذْعًا مِنْ سَقْفٍ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ، وَلَوْ أَجَّرَ مَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي تَسْلِيمِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَارَةُ ، فَكَذَلِكَ تَنْعَدِمُ صِفَةُ اللُّزُومِ بِعُذْرِ الدَّيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، فَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ الْعَامِلِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهَا مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ عِنْدِهِ ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ مُجَرَّدُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَالْعَقْدِ ، وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْخَارِجُ بِأَنْ لَمْ يَزْرَعْ أَصْلًا لَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا آخَرَ ، وَلِأَنَّ الْمُزَارِعَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ لِيُقِيمَ الْعَمَلَ

فِيهَا لِنَفْسِهِ ، وَالْعَامِلُ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى زَرَعَهَا فَنَبَتَ الزَّرْعُ ، وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ حَتَّى حَبَسَ الْقَاضِي رَبَّ الْأَرْضِ فِي الدَّيْنِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا لِيَبِيعَهَا ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَأَكَّدَتْ بِإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَالشَّرِكَةُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ ، وَفِي الْبَيْعِ إضْرَارٌ بِالْعَامِلِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ فِي الزَّرْعِ ، وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ ضَرَرٌ بِالْغُرَمَاءِ ؛ فَإِنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِمْ أَيْضًا ، وَمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ لِلْكُلِّ يَتَرَجَّحُ عَلَى مَا فِيهِ إضْرَارٌ بِالْبَعْضِ ، وَلَئِنْ كَانَ فِي التَّأْخِيرِ إضْرَارٌ بِالْغُرَمَاءِ فَضَرَرُ التَّأْخِيرِ دُونَ ضَرَرِ الْإِبْطَالِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا تَرَجَّحَ أَهْوَنُ الضَّرَرَيْنِ ، وَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْبِسُهُ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَفَاءٌ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ بَيْعِهَا شَرْعًا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا يُحْبَسُ الظَّالِمُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا ثَبَتَ إفْلَاسُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ ، فَهُنَا أَيْضًا يُخْرِجُهُ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ مُلَازَمَتِهِ ، كَمَا فِي الْمُفْلِسِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ فِي يَدِهِ مَالٌ ، فَإِذَا كَانَ مُلَازِمًا لَهُ أَخَذَ ذَلِكَ الْمَالَ بِحَقِّهِ ، وَالْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ ، فَإِذَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ رُدَّ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَبِيعَ الْأَرْضَ ، وَنَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ قَدْ انْتَهَتْ وَتَمَكَّنَ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِبَيْعِ مِلْكِهِ فَيَحْبِسُهُ ؛ لِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً ثَلَاثَ سِنِينَ ، فَلَمَّا نَبَتَ الزَّرْعُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ

حَتَّى مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ ، فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ أَخْذَ أَرْضِهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا ، وَلَكِنَّ الْأَرْضَ تُتْرَكُ فِي يَدِ الزَّارِعِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ ، وَفِي الْقِيَاسِ الْمُزَارَعَةُ تُنْتَقَضُ بِمَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِعَقْدِهِ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، فَالْمَنْفَعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ إنَّمَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِمْ الرِّضَا بِذَلِكَ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْعَقْدُ يَبْقَى بَيْنَهُمَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُزَارِعِ ؛ فَإِنَّ فِي قَلْعِ الزَّرْعِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى ، وَكَمَا يَجُوزُ نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِ النَّقْضِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ ابْتِدَاءً لِدَفْعِ الضَّرَرِ ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ لِلْأَرْضِ ، إذَا زَرَعَهَا ثُمَّ بَدَا لِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَتُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ ، وَكَذَلِكَ إذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ إجَارَةِ الْأَرْضِ ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحِقًّا فِي الْمُزَارَعَةِ فِي الِابْتِدَاءِ ، فَلَا يَقْلَعُ زَرْعَهُ وَيُعْقَدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْإِجَارَةِ ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، فَكَذَلِكَ هَذَا كَانَ مُحِقًّا فِي الِابْتِدَاءِ فَتَبْقَى الْإِجَارَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ الْحَجِّ ، أَوْ مَاتَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ ، وَالسَّفِينَةُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ ، فَإِذَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ أَخَذُوهَا ، وَقَدْ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَأَخَذَ الْوَارِثُ الْأَرْضَ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إيفَاءِ الْعَقْدِ هُنَا ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ مَا تَأَكَّدَ بِالزِّرَاعَةِ ، وَلَيْسَ فِي إعْمَالِ سَبَبِ النَّقْضِ إبْطَالُ

حَقِّ الْعَامِلِ عَنْ الزَّرْعِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ نَفَقَةِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ ، وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ جُزْءُ الْخَارِجِ ، وَلَمْ يَحْصُلْ ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ سَنَةً وَاحِدَةً ، فَأَخَّرَ الْعَامِلُ الزَّرْعَ حَتَّى زَرَعَ فِي آخِرِ السَّنَةِ لَمْ يُمْنَعْ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ اُنْتُقِضَتْ الْمُدَّةُ ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ بَعْدُ ، فَالزَّرْعُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ ، كَمَا كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا ، وَالْعَمَلُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْمُدَّةِ ، وَقَدْ انْتَهَتْ الْمُدَّةُ ، وَالْعَمَلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِي الزَّرْعِ ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الزَّرْعِ ، فَالْعَمَلُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَةِ ، الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ ، وَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا انْتَهَتْ لَمْ يَبْقَ لِلْعَامِلِ حَقٌّ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِتَرْبِيَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَقِيَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ الْمُدَّةِ ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي الْمُدَّةِ ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ التَّقَضِّي بَقِيَ الْعَقْدُ ، كَمَا كَانَ فَلَا يَلْزَمُهُ أَجْرٌ ، وَهُنَا الْعَقْدُ مَا تَنَاوَلَ مَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، فَالْمَنْفَعَةُ فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ لَا تُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ ، فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّرْعَ بَقْلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ

الْإِضْرَارِ بِالْعَامِلِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ ، وَهُوَ كَانَ مُحِقًّا فِي الزِّرَاعَةِ ، فَيَجِبُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ ، وَإِذَا كَانَ يُسَلِّمُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ كَانَ هُوَ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْقَلْعِ مُتَعَنِّتًا قَاصِدًا لِلْإِضْرَارِ بِهِ ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَقْلًا فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُتْرَكُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، وَقَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ ؛ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ أَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَفِي نَصِيبُهُ بِذَلِكَ ثُمَّ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ : اقْلَعْهُ ، فَيَكُونُ بَيْنَكُمَا ، أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ ، أَوْ أَنْفِقْ عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ ، وَارْجِعْ بِحِصَّتِهِ مِمَّا يُنْفَقُ فِي نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ زَرْعٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا ، فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ بِقِيمَتِهِ ، كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا رَضِيَ بِالْقَلْعِ فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ حِصَّتِهِ مَجَّانًا ، فَيَكُونُ أَرْضَى بِذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّتِهِ أَوْ رَضِيَ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ بَعْدَ الْقَلْعِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مَقْلُوعًا ، وَقِيمَةُ حِصَّتِهِ قَبْلَ الْقَلْعِ أَكْثَرُ ، فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ سَاعَدَهُ عَلَى الْقَلْعِ ، فَيَكُونُ الْمَقْلُوعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إبْقَاءِ حَقِّهِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالْإِنْفَاقِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِصِغَرِهِ وَزَمَانَةٍ بِهِ ، وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِ

الْآخَرِ ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يُنْفِقُ فِي نَصِيبِهِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ نَصِيبِهِ حَتَّى إذَا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مَا كَانَ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الزِّيَادَةَ عَلَى نَصِيبِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي نَصِيبِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ سَلَامَةَ ذَلِكَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْإِنْفَاقِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِضْرَارِ بِهِ ، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَبَدَا لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ بَعْدَ مَا كَرَبَهَا الْعَامِلُ ، وَحَفَرَ أَنْهَارَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْمُضِيِّ عَلَى الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ الْبَذْرِ بِإِلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَعْلَمُ أَيُحَصِّلُ الْخَارِجَ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعَامِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ ، وَالْمُسَمَّى لِلْعَامِلِ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ بَعْضُ الْخَارِجِ ، وَلَمْ يُحَصِّلْ الْخَارِجَ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - : وَهَذَا الْجَوَابُ فِي الْحُكْمِ ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ يَعْنِي بِأَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلَ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَغَلَ بِإِقَامَةِ الْعَمَلِ لِيَزْرَعَ فَيَحْصُلُ لَهُ الْخَارِجُ ، فَإِذَا أَخَذَ الْأَرْضَ بَعْدَ إقَامَةِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَانَ هُوَ غَارًّا لِلْعَامِلِ مُلْحِقًا الضَّرَرَ بِهِ ، وَالْغُرُورُ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ فَبَقِيَ بِأَنْ يَطْلُبَ رِضَاهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ وَصَارَ الزَّرْعُ بَقْلًا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إخْرَاجُ الْعَامِلِ مِنْهُ ، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ ؛ لِأَنَّ

الْعَقْدَ تَأَكَّدَ بِإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَانْعَقَدَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ ، وَفِي الْبَيْعِ إضْرَارٌ بِالْمُزَارِعِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ حَقِّهِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ ، وَهَذَا نَظِيرُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ عَمِلَ الْمُزَارِعُ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ انْقَضَتْ السَّنَةُ ، وَالزَّرْعُ لَمْ يُحْصَدْ تُرِكَ فِي الْأَرْضِ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحِقًّا فِي الْمُزَارَعَةِ فِي الِابْتِدَاءِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَهُ قَبْلَ الِاسْتِحْصَادِ ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ فِي الْمُدَّةِ خَاصَّةً ، وَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ لِتَرْبِيَةِ حِصَّتِهِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، فَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ ، وَلَا أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ ، فَكَانَ الْمُنْفِقُ مِنْهُمَا مُتَطَوِّعًا ، كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا إذَا اُشْتُرِيَتْ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا فِي ذَلِكَ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَزَرَعَهَا وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ حَتَّى هَرَبَ الْعَامِلُ فَأَنْفَقَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى الزَّرْعِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ ثُمَّ قَدِمَ الْمُزَارِعُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُوَفِّيَ صَاحِبَ الْأَرْضِ جَمِيعَ نَفَقَتِهِ أَوَّلًا ؛ لِقَوْلِ الْقَاضِي : لَا نَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَقُولُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ وِلَايَةِ النَّظَرِ لِلْقَاضِي فِي الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى هَذَا الزَّرْعِ ، وَلَا يَعْرِفُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ فَيُكَلِّفُهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ مِنْهُ ؛ لِيَكْشِفَ الْحَالَ بِغَيْرِ خَصْمٍ أَوْ يَكُونَ الْقَاضِي فِيهِ خَصْمَهُ ، كَمَا يَكُونُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَانَ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُ بِالْإِنْفَاقِ كَأَمْرِ الْمُودِعِ ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَرُجُوعُهُ هُنَاكَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالْإِنْفَاقَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْعَامِلِ ، وَأَمْرُ الْقَاضِي إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْغَائِبِ بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ لَهُ ، وَذَلِكَ فِي مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ لَا فِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُنَا الْعَمَلُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُزَارِعِ ، لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَيَعْتَبِرُ أَمْرَهُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ نَفَقَتَهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ بِالْإِنْفَاقِ ، فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِمَا أَنْفَقَ ، كَالْآبِقِ يُحْبَسُ بِالْجَعْلِ ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتَفَادَ نَصِيبَهُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ بِهَذِهِ النَّفَقَةِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ مَحْبُوسًا عَنْهُ بِالثَّمَنِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ مَعَ

يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً فِيمَا اسْتَوْجَبَهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلٍ بَاشَرَهُ غَيْرُهُ ، وَهُوَ الْإِنْفَاقُ الَّذِي كَانَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلَوْ لَمْ يَهْرُبْ ، وَلَكِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ ، وَالْمَزَارِعُ غَائِبٌ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْفِقْ عَلَيْهِ إنْ شِئْت ، فَإِذَا اُسْتُحْصِدَ لَمْ يَصِلْ الْعَامِلُ إلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُعْطِيَكَ نَفَقَتَك فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَك نَفَقَتَك أَبِيعُ حِصَّتَهُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّرْعِ ، وَأُعْطِيكَ مِنْ ثَمَنِهِ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ ، فَإِنْ لَمْ تَفِ حِصَّتُهُ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ الْمُزَارِعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَأَمْرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يَقْصُرَ الرُّجُوعَ عَلَى مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ يَلْحَقُهُ خُسْرَانٌ ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِيَكُونَ إقْدَامُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى بَصِيرَةٍ ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ الْقَاضِي غَارًّا يَحْسِبُ حِصَّتَهُ مِنْ الزَّرْعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَيِيَ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَ النَّفَقَةَ بَاعَ الْقَاضِي حِصَّتَهُ ، قِيلَ : هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : فَلَا يَبِيعُ الْقَاضِي حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ ، وَبَيْعُ مَالِهِ عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ هُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَهُ تَعَلَّقَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ سَلَامَتَهُ لَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوُصُولِ النَّفَقَةِ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَيُبَاعُ فِيهِ ، كَمَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ وَالتَّرِكَةُ

فِي الدَّيْنِ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الزَّرْعِ الَّذِي صَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ خُبْثٌ ، وَلَا فَسَادٌ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ سَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ ، فَزَرَعَ الْأَرْضَ ثُمَّ مَاتَ الْمُزَارِعُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ : نَحْنُ نَعْلَمُهَا عَلَى حَالِهَا فَلَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُورَثِ فِي مِلْكِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ ، فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْعَمَلِ إذَا اخْتَارُوا ذَلِكَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ رَبِّ الْأَرْضِ إقَامَةُ الْعَمَلِ لَا عَيْنُ الْعَامِلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ أَوْ بِغَيْرِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، لِيُقِيمُوا الْعَمَلَ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ إذَا اخْتَارُوا الْعَمَلَ ، وَلَا أَجْرَ لَهُمْ فِي الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ فِيمَا لَهُمْ فِيهِ شَرِكَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ مُورَثِهِمْ ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَرْضِ إنْ عَمِلُوهَا بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ مُورَثِهِمْ ، وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِ مُورَثِهِمْ إذَا اخْتَارُوا الْعَمَلَ ، وَإِنْ قَالُوا : لَا نَعْمَلُهَا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَخْلُفُونَ الْمَيِّتَ فِي أَمْلَاكِهِ وَحُقُوقِهِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إيفَاءُ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَى مُورَثِهِمْ مِنْ مِلْكِهِمْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ مِنْ مِلْكِهِمْ ، فَكَذَلِكَ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى إقَامَةِ الْعَمَلِ الَّذِي كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِمَنَافِعِهِمْ ، وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ : اقْلَعْ الزَّرْعَ فَيَكُونُ بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ ، أَوْ أَعْطِهِمْ قِيمَةَ حِصَّتِهِمْ مِنْ الزَّرْعِ ، وَأَنْفِقْ عَلَى حِصَّتِهِمْ ، فَتَكُونَ نَفَقَتُكَ فِي حِصَّتِهِمْ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضَ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ الْعَامِلِ إذَا أَبَى الْوَارِثُ إقَامَةَ الْعَمَلِ ؛ لِفَوَاتِ

الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا إلَى خَلَفٍ ، وَبَقِيَ الزَّرْعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْعَمَلِ ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ نَصِيبَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ، فَهُوَ قِيَاسُهُ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْإِنْفَاقَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ النَّفَقَةِ فِي نَصِيبِ الْعَامِلِ ، وَهُنَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ فِي نَصِيبِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِحْقَاقَ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ فِي الْمُدَّةِ لَا بَعْدَهَا ، وَقَدْ انْتَهَتْ الْمُدَّةُ ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ، وَهُنَا الْمُدَّةُ لَمْ تَنْتَهِ ، وَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُزَارِعِ بِمُقَابَلَةِ مَا يُسَلَّمُ لَهُ مِنْ نِصْفِ الزَّرْعِ ، وَمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ يَجِبُ إيفَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَلَا يُسَلِّمُ التَّرِكَةَ لِلْوَرَثَةِ إلَّا بَعْدَ إيفَاءِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ ؛ فَلِهَذَا رَجَعَ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَ فِي حِصَّةِ الْوَرَثَةِ مِنْ الزَّرْعِ ، فَيَسْتَوْفِيهِ ثُمَّ يُعْطِيهِمْ الْفَضْلَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي مَاتَ رَبَّ الْأَرْضِ وَبَقِيَ الْعَامِلُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إنْ شَاءَ الْمُزَارِعُ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا أَنْ يَمْضُوا عَلَى الْمُزَارَعَةِ ، فَذَلِكَ لَهُمْ ، وَإِنْ أَبَوْا خُيِّرَ رَبُّ الْأَرْضِ وَوَرَثَتُهُ بَيْنَ الْقَلْعِ ، وَإِعْطَاءِ قِيمَةِ حِصَّةِ الْعَامِلِ وَبَيْنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَلَمَّا صَارَ الزَّرْعُ بَقْلًا انْقَضَى وَقْتُ الْمُزَارَعَةِ ، فَأَيُّهُمَا أَنْفَقَ ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ ، فَيَكُونُ صَاحِبُهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَصِيبِهِ مُتَطَوِّعًا ،

وَلَا أَجْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْتِزَامِهِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ إمْسَاكَ الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِحْصَادِ بَعْدَ مُطَالَبَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِالتَّفْرِيغِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، وَإِنْ رَفَعَ الْعَامِلُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ غَائِبٌ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّفُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى ثُبُوتَ وِلَايَةِ الْقَاضِي فِي الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ ، فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الزَّرْعِ أَنَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَخِيفَ عَلَى الزَّرْعِ الْفَسَادُ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لَهُ ؛ أَمَرْتُكَ بِالْإِنْفَاقِ إنْ كُنْت صَادِقًا ، وَالنَّظَرُ لِهَذَا يَحْصُلُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي مَقَالَتِهِ فَالْأَمْرُ مِنْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ ، فَإِنْ أَنْفَقَ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ثُمَّ حَضَرَ رَبُّ الْأَرْضِ كَانَ الْمُزَارِعُ أَحَقَّ بِحِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نَفَقَتَهُ ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي إنَّمَا نَفَذَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِنْهُ لَهُ ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي : أَنْفِقْ عَلَى أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُكَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ لِدَفْعِ الْغَرَرِ ، وَيَجْعَلُ الْقَاضِي عَلَيْهِ مِثْلَ أَجْرِ نِصْفِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَامَ مَقَامَ الْغَائِبِ فِي مَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا يُلْزِمُهُ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ بِتَرْبِيَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، فَكَذَلِكَ الْقَاضِي يُلْزِمُهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ عَنْ الْغَائِبِ نَائِبٌ لِيُلْزِمَهُ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ .
(

أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ بِحِصَّتِهِ فِيمَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَجْرِ الْقَاضِي ، وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي ، فَكَذَلِكَ فِي أَجْرِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا فَقَالَ الْمُزَارِعُ : يَقْلَعُ الزَّرْعَ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَآخُذُ مِنْك أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَلْزَمَ الْمُزَارِعُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُزَارِعُ بِأَنْ لَا يَفِيَ نَصِيبُهُ مِنْ الزَّرْعِ بِذَلِكَ ، فَيَكُونَ لَهُ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ ، ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي لِصَاحِبِ الزَّرْعِ : إنْ شِئْتَ فَاقْلَعْ الزَّرْعَ مَعَ الْمُزَارِعِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الزَّرْعِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَنْفِقْ عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ ، وَتَكُونُ حِصَّتُهُ إلَى حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ النَّفَقَةِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الْخَارِجِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُزَارِعُ عَلَى نَفَقَةٍ وَلَا أَجْرٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ مِلْكِهِ ، وَأَحَدٌ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَإِنْ قَالَ الْمُزَارِعُ : يُنْفِقُ عَلَى الزَّرْعِ ، وَأَبَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَقَالَ : يَقْلَعُ الزَّرْعَ أَمْرُ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الزَّرْعِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى حِصَّةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ فِي اخْتِيَارِ الْإِنْفَاقِ نَاظِرٌ لِنَفْسِهِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ يُحْيِي بِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ ، وَيُسَلِّمُ لَهُ أَجْرَ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ فِي الْإِبَاءِ مُتَعَنِّتٌ قَاصِدٌ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ ، فَلَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي إلَى تَعَنُّتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّ الْمُزَارِعَ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ بِمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ الْإِنْفَاقِ ، وَلَوْ سَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ بِالْإِبَاءِ يَدْفَعُ الْغُرْمَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُنَا صَاحِبُ

الْأَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمَرَ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا بِالنَّفَقَةِ كُلِّهَا ، وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّرِكَةِ ، فَإِنْ خِيفَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ ، قَالَ لَهُ الْقَاضِي : أَمَرْتُكَ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ هَذَا ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلَمَّا صَارَ الزَّرْعُ بَقْلًا قَالَ الْعَامِلُ : لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَلَا أَسْقِيهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَيَسْقِيَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ طَائِعًا فَيُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ ، فَلَوْ أَجْبَرَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا أَنْفَقَ أُمِرَ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ نَفَقَةٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا ، فَلَمْ يُنْفِقْ ، فَأَمَرَ الْقَاضِي صَاحِبَهُ بِالنَّفَقَةِ ، فَأَنْفَقَ رَجَعَ بِكُلِّهَا عَلَى شَرِيكِهِ هَلَكَتْ الْغَلَّةُ أَوْ بَقِيَتْ ، وَكُلُّ نَفَقَةٍ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَأَنْفَقَ شَرِيكُهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ ، فَإِنْ لَمْ تَفِ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْفِقِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَصَابَ الْغَلَّةَ آفَةٌ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إيفَاؤُهُ لِلْإِفْلَاسِ فَيَسْتَحِقُّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ ، وَلَا يَبْطُلُ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَيَكُونُ الْآخَرُ كَالْفَائِتِ عَنْهُ شَرْعًا فِيمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ ، فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ، وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ مِنْهُ لَهُ ، وَمَعْنَى النَّظَرِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْإِلْزَامُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَى وَجْهٍ

يَبْقَى بِبَقَائِهِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ هَلَاكِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ أَمْرُ الْقَاضِي إلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : لَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَلَا مَا أَسْتَرْضِعُ بِهِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَمَرَ شَرِيكَهُ فَاسْتَرْضَعَ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَجْرِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إذَا كَانَ رَضَاعُ مِثْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الصَّبِيِّ سَوَاءٌ بَقِيَ الصَّبِيُّ أَوْ هَلَكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ كَانَ أَمْرُ الْقَاضِي شَرِيكَهُ بِالْإِنْفَاقِ ، كَأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي إيفَاءِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَبِمِثْلِهِ فِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي الْقَضَاءِ ، فَإِذَا أَنْفَقَ الشَّرِيكُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِهِ ، وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الدَّابَّةِ ؛ فَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنَخْلٍ وَلِآخَرَ بِغَلَّتِهِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ تُسَلَّمُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا يُنْفِقُ ، وَالْغُرْمُ مُقَابَلٌ بِالْغَنْمِ ، فَإِنْ أَحَالَهُ ، فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا فِي سَنَتِهِ لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى النَّفَقَةِ ، أَمَّا صَاحِبُ النَّخْلِ فَلِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى مِلْكِهِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ ، وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ إنَّمَا كَانَ يُنْفِقُ لِتُسَلَّمَ لَهُ الْغَلَّةُ ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ صَاحِبُ النَّخْلِ حَتَّى حَمَلَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ شَيْءٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ النَّخْلِ النَّفَقَةَ مِنْ الْغَلَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِثْلَ

مَا أَنْفَقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ غُرْمُ نَفَقَتِهِ ، وَإِنَّمَا نَفَقَتُهُ فِيمَا أَخْرَجَتْ النَّخْلُ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بِالنَّفَقَةِ ، فَلَا تُسَلَّمُ لَهُ الْغَلَّةَ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْغَلَّةِ لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَى الْإِنْفَاقِ ، فَلَا يَرْجِعُ بِالْفَضْلِ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ الزَّرْعُ الَّذِي وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ مَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَقْرَضَهُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ نَافِذٌ مُطْلَقًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ ، وَأَمْرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لَهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَغَرَسَهَا نَخْلًا أَوْ كَرْمًا أَوْ شَجَرًا فَأَثْمَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ الثَّمَرُ حَتَّى مَاتَ الْمُزَارِعُ أَوْ رَبُّ الْأَرْضِ ، فَالثَّمَرُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ فِي جَمِيعِ مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الثِّمَارِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً ، كَالزَّرْعِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ لَهُمَا ، وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ ، وَلَيْسَ فِيهِ ثَمَرٌ انْتَقَضَتْ الْمُزَارَعَةُ ، وَصَارَ الشَّجَرُ بَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ نِصْفَيْنِ ؛ فَإِنَّ الشَّجَرَ كَالْبِنَاءِ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي تَفْرِيغِ الْأَرْضِ مِنْهُ ، وَفِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ إضْرَارٌ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ الْوَارِثُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ ثُمَّ بَدَا لِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا يَبْقَى زَرْعُ الْمُسْتَعِيرِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ بِأَجْرٍ وَلَا يُفْعَلُ مِثْلُهُ فِي الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمُزَارِعُ ، وَبَقِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، فَإِنْ قَالَ الْمُزَارِعُ : أَنَا آخُذُ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصْفَ قِيمَةِ الْغَرْسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَالْخِيَارُ فِيهِ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا إنْ شَاءُوا قَلَعُوا ذَلِكَ ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْا الْمُزَارِعَ أَوْ وَرَثَتَهُ نِصْفَ قِيمَةِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ، وَهِيَ فِي أَرْضِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا ، وَالْخِيَارُ فِي التَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بِمَنْزِلَةِ الصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ

اتَّصَلَ صَبْغُ إنْسَانٍ بِثَوْبِ غَيْرِهِ كَانَ الْخِيَارُ فِي التَّمَلُّكِ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ لَا إلَى صَاحِبِ الصَّبْغِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْأَرْضَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَلَا تَصِيرُ تَبَعًا لِمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ وَهُوَ الشَّجَرُ ، وَلَا فِي أَنْ يَتَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَقَّ قَرَارِ الْأَشْجَارِ بِهَذِهِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ إنْ تَمَلَّكَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ كَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حَقَّ قَرَارِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْجَارِ فِي أَرْضِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ ، فَلَحِقَ رَبَّ الْأَرْضِ دَيْنٌ ، وَلَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْأَرْضِ ، وَلَا ثَمَرَ فِي الشَّجَرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ ، وَيُجْبَرُ رَبُّ الْأَرْضِ ، فَإِنْ شَاءَ غَرِمَ نِصْفَ قِيمَةِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ ، وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الدَّيْنِ الْفَادِحِ بِقَدْرِ إبْقَاءِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا فَيَنْقُضُ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ لِيَبِيعَ الْأَرْضَ فِي الدَّيْنِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ انْتِقَاضِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ ارْتَفَعَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، وَبَقِيَتْ الْأَشْجَارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ أَخَذَ الْأَرْضَ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ خِيَارٌ ، وَلَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَيُقَالُ لَهُ : اقْلَعْ شَجَرَكَ ؛ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ مِنْ وَجْهٍ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ ، وَمِنْ وَجْهٍ أَصْلٌ ؛ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْأَشْجَارِ بِدُونِ الْأَرْضِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ ، فَيَقُولُ لِشَبَهِهِ بِالْأَصْلِ مِنْ وَجْهٍ : لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْأَشْجَارِ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ السُّفْلِ لَا يَتَمَلَّكُ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ

عُلُوَّهُ بِالْقِيمَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلِشَبَهِهِ بِالتَّبَعِ مِنْ وَجْهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ إذَا كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِي الْأَشْجَارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِي الْأَشْجَارِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَرِيكَهُ مِنْ قَلْعِ الْأَشْجَارِ ؛ لِأَنَّهُ يُبْقِي نَصِيبَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُبْطِلَ هَذَا الْحَقَّ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَلْعِ نَصِيبِ نَفْسِهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونَ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تُقْلَعُ الْأَشْجَارُ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَشْجَارُ كُلُّهَا لِأَحَدِهِمَا ، وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ فَصَاحِبُ الْأَشْجَارِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَلْعِ أَشْجَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِ الْأَشْجَارَ بِقِيمَتِهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلْعُ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ إضْرَارًا شَدِيدًا وَيَكُونُ اسْتِهْلَاكًا لَهَا وَفَسَادًا ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يَغْرَمَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَشْجَارِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ الْفَاحِشَ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ فَقَدْ بَعُدَ الْقَلْعُ ، وَاحْتُبِسَتْ الْأَشْجَارُ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَتُحْبَسُ بِالْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ سَاحَةً ، وَأَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ أَنْ يَأْخُذَ السَّاحَةَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ الْبِنَاءِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مُزَارَعَةً سَنَتَهُ هَذِهِ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَكَرَبَهَا الْعَامِلُ ، وَبَنَاهَا وَحَفَرَ أَنْهَارَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَخَذَهَا ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ عَلَى الَّذِي دَفَعَهَا إلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ إنَّمَا أَقَامَ الْعَمَلَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ ، وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ بَعْضُ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ ، وَلِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ ، وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، فَهَذِهِ أَعْمَالٌ تَسْبِقُ الْعَقْدَ ، فَلَا يَسْتَوْجِبُ بِسَبَبِهَا شَيْئًا عَلَى الدَّافِعِ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّهَا بَعْدَ مَا زَرَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْضَ ، وَيَأْمُرُ الْمُزَارِعَ وَصَاحِبَ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَا الزَّرْعَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَغْصُوبَةً ، وَالْغَاصِبُ لَا يَكُونُ فِي الزِّرَاعَةِ مُحِقًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ إبْقَاءَ زَرْعِهِ ، ثُمَّ الْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الزَّرْعِ عَلَى حَالِهِ ، وَيَكُونُ النِّصْفُ لِلْآخَرِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الَّذِي دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً نِصْفَ قِيمَةِ الزَّرْعِ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ ، وَتَسَلَّمَ الزَّرْعَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حِينَ أَعْطَاهُ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ ، وَاَلَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَثْبُتُ الْغُرُورُ بِسَبَبِهِ ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ إبْقَاءَ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، فَإِذَا فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ نَابِتًا فِي الْأَرْضِ ، كَالْمُشْتَرِي لِلْأَرْضِ إذَا زَرَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ، وَقَلَعَ زَرْعَهُ ، وَإِنْ أَخَذَ نِصْفَ الزَّرْعِ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِعَقْدِهِ ، وَهُوَ

الَّذِي عَقَدَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَجَّرَ الدَّارَ أَوْ الْأَرْضَ فَالْأَجْرُ لَهُ ، فَكَذَا هُنَا يَكُونُ نِصْفُ الزَّرْعِ لِلدَّافِعِ دُونَ الْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ لِلزَّارِعِ خَاصَّةً ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ : الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الدَّافِعَ ، وَإِنْ شَاءَ الزَّارِعَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُزَارِعُ بِهِ عَلَى الدَّافِعِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ فَإِنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بِالْإِنْفَاقِ ، وَفِي الْغَصْبِ خِلَافٌ ، فَالدَّافِعُ غَاصِبٌ ، وَالْمُزَارِعُ فِي مِقْدَارِ النُّقْصَانِ مُتْلِفٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِمُبَاشَرَتِهِ الْمُزَارَعَةَ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ الضَّمَانُ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ الْغَاصِبِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ الْمُزَارِعُ إذَا ضَمِنَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الدَّافِعِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ سَلَامَةَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ لَهُ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ كَالْمَغْرُورِ فِي جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا ، وَاسْتَوْلَدَهَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الَّذِي ضَمِنَ عَلَى الْبَائِعِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ غَرَسَهَا نَخْلًا وَكَرْمًا وَشَجَرًا ، وَقَدْ كَانَ أَذِنَ لَهُ الدَّافِعُ فِي ذَلِكَ ، فَلَمَّا بَلَغَ ، وَأَثْمَرَ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَرْضَهُ ، وَيَقْلَعُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالشَّجَرِ مَا فِيهَا ، وَيَضْمَنَانِ لِلْمُسْتَحِقِّ نُقْصَانَ الْقَلْعِ إذَا قَلَعَا ذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ بِالْقَلْعِ بِمُبَاشَرَتِهِمَا الْقَلْعَ ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا وَيَضْمَنُ الْغَارِسُ لَهُ أَيْضًا نُقْصَانَ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ

وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ نُقْصَانِ الْقَلْعِ وَالْغَرْسِ عَلَى الدَّافِعِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّافِعَ جَمِيعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنَّ فِي النُّقْصَانِ بِالْغَرْسِ الْغَارِسُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ ، وَالدَّافِعُ غَاصِبٌ فِي ذَلِكَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : الْغَاصِبُ ضَامِنٌ كَالْمُتْلِفِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ضَمَانُ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ الْغَاصِبِ ، ثُمَّ الْغَارِسُ يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ ؛ لِأَجْلِ الْغُرُورِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ ، وَيَسْقِيَهُ ، وَيُلَقِّحَهُ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَقَامَ عَلَيْهِ ، وَلَقَّحَهُ حَتَّى إذَا صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَقَدْ اُنْتُقِضَتْ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيَاسِ ، وَكَانَ الْبُسْرُ بَيْنَ وَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَبَيْنَ الْعَامِلِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدَرَاهِمَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا مَاتَ ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ ثُمَّ انْتِقَاضُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى نَقْضِهَا فِي حَيَاتِهِمَا ، وَلَوْ نَقَضَاهُ ، وَالْخَارِجُ بُسْرٌ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : لِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ ، كَمَا كَانَ يَقُومُ حَتَّى يُدْرِكَ الثَّمَرَ ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ ؛ لِأَنَّ فِي انْتِقَاضِ الْعَقْدِ بِمَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ إضْرَارًا بِالْعَامِلِ ، وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ ، وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ فِي الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، وَإِنْ اُنْتُقِضَ الْعَقْدُ يُكَلَّفُ الْجِدَادَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ، وَكَمَا يَجُوزُ نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ ابْتِدَاءً لِدَفْعِ الضَّرَرِ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ : أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ اُنْتُقِضَ الْعَقْدُ بِمَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ شَاءُوا صَرَمُوا الْبُسْرَ ، فَقَسَمُوهُ نِصْفَيْنِ ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبُسْرِ ، وَصَارَ

الْبُسْرُ كُلُّهُ لَهُمْ وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَيَرْجِعُوا بِنِصْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ ، لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْبُسْرِ ، وَاخْتِصَاصِ الْوَرَثَةِ بِمِلْكِ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ .
وَاتِّصَالُ الثَّمَرِ بِالنَّخْلِ كَاتِّصَالِ النَّخْلِ بِالْأَرْضِ ، وَاتِّصَالِ الْبِنَاءِ بِالْأَرْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ فِي النَّخْلِ وَالْبِنَاءِ يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَرِهَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ ، وَفِي قِيَامِهِمْ عَلَى النَّخْلِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ رَبِّ النَّخْلِ ، وَتَوْفِيرُ حَقِّهِمْ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ نَصِيبِ مُورَثِهِمْ مِنْ الثَّمَرِ فِي النَّخْلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، كَمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ ، فَلَا يَكُونُ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ قَالَتْ الْوَرَثَةُ : نَحْنُ نَصْرِمُهُ بُسْرًا كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ الْخِيَارِ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا لِوَرَثَتِهِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا كَانَ الْخِيَارُ فِي الْقِيَامِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْكِهِ إلَى وَرَثَةِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَامِلِ ، وَقَدْ كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ هَذَا الْخِيَارُ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَوْرِيثِ الْخِيَارِ بَلْ مِنْ بَابِ خِلَافَةِ الْوَارِثِ الْمُورَثَ فِيمَا هُوَ حَقٌّ مَالِيٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهُ ، وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ عَلَى النَّخِيلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ إلَى وَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَكِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَالْبُسْرُ أَخْضَرُ ، فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ، وَالْخِيَارُ فِيهِ إلَى الْعَامِلِ ، فَإِنْ شَاءَ عَمِلَ عَلَى مَا كَانَ يَعْمَلُ حَتَّى

يَبْلُغَ الثَّمَرُ ، وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ فِي الْأَمْرِ بِالْجِذَاذِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ إضْرَارًا بِهِمَا ، وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزَّرْعِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْعَامِلُ إذَا اخْتَارَ التَّرْكَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ صَحِيحٌ ، فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى نِصْفِ الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، وَهُنَا لَا أَجْرَ عَلَى الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ النَّخِيلِ لِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ بَاطِلٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَنْ اشْتَرَى زَرْعًا فِي أَرْضٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَلَوْ اشْتَرَى ثِمَارًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَشْجَارَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرٌ ، وَإِذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ ابْتَنَى عَلَى الْفَرْقِ الْآخَرِ ، وَهُوَ أَنَّ هُنَاكَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ مِلْكِهِمَا فِي الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَمَّا اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ، وَهُنَا الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ رَبُّ النَّخِيلِ عَلَيْهِ أَجْرًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، كَمَا كَانَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، كَمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْعَامِلُ خُيِّرَ رَبُّ النَّخِيلِ بَيْنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُضْ الْمُعَامَلَةَ ، وَلَكِنَّهُ لَحِقَ رَبَّ النَّخْلِ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ النَّخْلِ ، وَفِي النَّخْلِ بُسْرٌ أَوْ طَلْعٌ ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِ النَّخْلِ ، وَيُخْرَجُ مِنْ السِّجْنِ حَتَّى يَبْلُغَ الثَّمَرُ ، وَتَنْقَضِيَ الْمُعَامَلَةُ ثُمَّ يُعَادُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ

قَبْلَ الْإِدْرَاكِ ضَرَرًا بِالْعَامِلِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ ، وَفِي التَّرْكِ إضْرَارٌ بِالْغُرَمَاءِ فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِمْ ، وَبِمُقَابَلَةِ هَذَا الضَّرَرِ مَنْفَعَةٌ لَهُمْ ، وَهُوَ إدْرَاكُ نَصِيبِ غَرِيمِهِمْ مِنْ الثَّمَرِ ؛ لِيُبَاعَ فِي دَيْنِهِمْ فَتَكُونَ مُرَاعَاةُ هَذَا الْجَانِبِ أَوْلَى ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَوْ لَحِقَ صَاحِبَ الْأَرْضِ دَيْنٌ فَادِحٌ ، وَقَدْ سَقَى الْعَامِلُ النَّخْلَ ، وَقَامَ عَلَيْهِ ، وَحَفِظَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا انْقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ شَيْءٌ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ مُعَامَلَةً ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْخَارِجُ بَعْدُ لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْعَوَارِضِ قَبْلَ انْعِقَادِ الشَّرِكَةِ ، كَاعْتِرَاضِهَا فِي الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ الْعَقْدُ يُنْتَقَضُ ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِهِ بِالْمُسَمَّى ، وَلَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْهُ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ الطَّلْعُ قَدْ خَرَجَ ، وَهُوَ اسْمٌ لِأَوَّلِ مَا يَبْدُو مِمَّا هُوَ أَصْلُ التَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ أَوْ صَارَ بُسْرًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ كَانَ النَّخْلُ وَمَا فِيهِ لِلْمُسْتَحِقِّ ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ كَالْبِنَاءِ ، وَكَمَا أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ يُسْتَحَقُّ الْبِنَاءُ ، فَكَذَلِكَ يُسْتَحَقُّ النَّخْلُ ، وَالتَّمْرُ زِيَادَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّخْلِ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ يَثْبُتُ فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ جَمِيعًا إذَا كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ النَّخْلَ مُعَامَلَةً بِأَجْرِ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ثُمَّ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ مُسْتَوْفًى بِعَمَلٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ ،

كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ ، فَاسْتُحِقَّ بَعْدَ مَا أَقَامَ الْعَمَلَ

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ زَرْعًا لَهُ فِي أَرْضٍ قَدْ صَارَ بَقْلًا مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ ، وَيَسْقِيَهُ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، فَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهُوَ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى دَفْعِ النَّخِيلِ مُعَامَلَةً ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّبَاتِ بِعَمَلِ الْعَامِلِ ، كَالتَّمْرِ مِنْ النَّخِيلِ ، وَلِأَنَّ الرِّيعَ يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ هُنَا ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مُزَارَعَةً بَلْ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْغَرَرِ ، فَهُنَاكَ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ الزَّرْعُ أَوْ لَا ، وَهُنَا الزَّرْعُ ثَابِتٌ ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يَحْصُلَ الرِّيعُ بِعَمَلِهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ آفَةٌ ، وَإِذَا جَازَ الْعَقْدُ ثَمَّةَ فَهُنَا أَوْلَى ، فَإِذَا قَامَ عَلَيْهِ حَتَّى انْعَقَدَ حَبُّهُ ، وَلَمْ يُسْتَحْصَدْ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْعَامِلُ أَوْ وَرَثَتُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، فَيَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْمُعَامَلَةَ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ اسْتَحَقَّ بِتَرْبِيَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ، وَوَارِثُهُ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَارَ نَقْضَ الْمُعَامَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ثُمَّ يُخَيَّرُ صَاحِبُ الزَّرْعِ أَوْ وَرَثَتُهُ بَيْنَ الْقَلْعِ وَبَيْنَ إعْطَاءِ قِيمَةِ نَصِيبِ الْعَامِلِ يَوْمئِذٍ ، وَبَيْنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، ثُمَّ يَرْجِعَ بِنِصْفِ نَفَقَتِهِ مِنْ حِصَّةِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي التَّبَعِ ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِ الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَا جَمِيعًا ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَكَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَشْهُرًا مَعْلُومَةً ، فَانْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَامَلَةِ فِي الْأَشْجَارِ

أَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِي الْفَصْلِ هَذَا عَلَى قِيَاسِ الْمُزَارَعَةِ ، فَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ أُرِيدُ قَلْعَهُ خَيَّرَ صَاحِبَ الْأَرْضِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ، كَمَا وَصَفْنَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فِي النَّخِيلِ ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَلْعَهُ ، وَقَالَ الْعَامِلُ : أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ ، قَالَ الْقَاضِي لَهُ : أَنْفِقْ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ ، وَعَلَيْك أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ، فَإِذَا اسْتُحْصِدَتْ أُخِذَتْ نِصْفَ النَّفَقَةِ مِنْ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُخْتَارُ مِنْ الْإِنْفَاقِ بِقَصْدِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَصَاحِبُ الْأَرْضِ إذَا أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَعَنِّتًا ، فَلَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي إلَى تَعَنُّتِهِ ، وَلَوْ لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ الْأَرْضَ بِزَرْعِهَا أَخَذَهَا كُلَّهَا ، وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الدَّافِعِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ثُمَّ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ حِينَ اسْتَحَقَّ ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا فِيهِ طَلْعُ كُفُرَّى عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ ، وَيُلَقِّحَهُ ، وَيَسْقِيَهُ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ وَقْتًا ، أَوْ بَيَّنَ لَهُ وَقْتًا مَعْلُومًا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ الطَّلْعِ لِإِدْرَاكِ الثِّمَارِ نِهَايَةٍ مَعْلُومَةً بِطَرِيقِ الْعَادَةِ ، وَالْمَعْلُومُ بِالْعَادَةِ كَالْمَشْرُوطِ بِالنَّصِّ ، فَلَا يَضُرُّهُمَا تَرْكُ التَّوْقِيتِ ثُمَّ التَّمْرُ هُنَا يَحْصُلُ أَوْ يَزْدَادُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ ، فَبِاعْتِبَارِهِ تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَهُمَا ، كَمَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَ خُرُوجِ الطَّلْعِ ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ بُسْرًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ، وَانْقَضَى وَقْتُ الْمُعَامَلَةِ فَالْخِيَارُ فِي الْعَمَلِ إلَى الْعَامِلِ ، أَوْ وَارِثِهِ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَعْمَلَ خَيَّرَ صَاحِبَ النَّخْلِ بَيْنَ إحْدَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ هُنَا فِي الْجَوَابِ بَيْنَ الْمَوْتِ ، وَبَيْنَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ خَارِجٌ عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ ، فَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا تَحْصُلُ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ رَبُّ النَّخْلِ الْأَجْرَ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، كَمَا لَا يُسْتَوْجَبُ عِنْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ ، وَالْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ إذَا اخْتَارَ التَّرْكَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ كَانَ عَلَى الدَّافِعِ أَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِبَعْضِ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ ، وَقَدْ حَصَلَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ فَيَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّهُ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَ مَا سَقَاهُ الْعَامِلُ ، وَقَامَ عَلَيْهِ ، وَأَنْفَقَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَزْدَدْ شَيْئًا حَتَّى أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ عَلَى الدَّافِعِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ أَجْرَ عَمَلِهِ نِصْفُ مَا تَحَصَّلَ بِعَمَلِهِ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ أَصْلِ ثَمَرَةٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذَهَبَ

قَوْلُكُمْ : إنَّ الشَّرِكَةَ تَحْصُلُ هُنَا عَقِيبَ الْعَقْدِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنْ فِيمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ حَاصِلٌ قَبْلَ عَمَلِهِ تَابِعًا لَهُ فَأَمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ قَبْلَ عَمَلِهِ مَقْصُودًا فَلَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُعَامَلَةِ فِي النَّخِيلِ ، وَلَوْ شَرَطَا هُنَاكَ الشَّرِكَةَ فِي النَّخِيلِ الْحَاصِلِ وَالثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الشَّرِكَةُ فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِعَمَلِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَسْتَوْجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِمَّا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْعَامِلِ بِعَمَلِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ ، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا ، اُنْتُقِضَتْ الْمُعَامَلَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِعَمَلِهِ شَيْءٌ ، فَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ رَبِّ النَّخِيلِ فِي الْمُعَامَلَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الثِّمَارِ ، وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، بِشَيْءٍ ، فَكَانَ الْكُفُرَّى كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخِيلِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا اشْتَرَطَا فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْبَذْرِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَنَّ لِلزَّارِعِ مَا أَخْرَجَتْ نَاحِيَةٌ مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفَةٌ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مَا أَخْرَجَتْ نَاحِيَةٌ مِنْهَا أُخْرَى مَعْرُوفَةٌ ، فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّيعِ مَعَ حُصُولِهِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ الرِّيعُ فِي النَّاحِيَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ بِمُقَابَلَتِهِ مَنْفَعَةُ نَاحِيَةٍ أُخْرَى ، وَالْخَارِجُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى ، فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي أَرْضَيْنِ ، وَفِي الْأَرْضَيْنِ إذَا شَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ أَحَدُهُمَا بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأُخْرَى بِبَذْرِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ، فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ زَرْعٍ عَلَى السَّوَّاقِي فَهُوَ لِلْمُزَارِعِ ، وَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَتْوَارِ وَالْأَوَاعِي فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا التِّبْنَ لِأَحَدِهِمَا ، وَالْحَبَّ لِلْآخَرِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهِ ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَحْصُلَ التِّبْنُ دُونَ الْحَبِّ بِأَنْ يُصِيبَ الزَّرْعَ آفَةٌ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ ، وَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهِ كَانَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التِّبْنِ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا : أَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي الزَّرْعِ أَوْ الرِّيعِ أَوْ الْخَارِجِ مُطْلَقًا فَالْحَبُّ وَالتِّبْنُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَاصِلٌ بِعَمَلِ الزَّارِعِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَشْتَرِطَا الْمُنَاصَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي التِّبْنِ ،

وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، فَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ دُونَ التِّبْنِ ، فَهَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَشْتَرِطَا الْمُنَاصَفَةَ فِي الْحَبِّ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ بِشَيْءٍ ، فَهَذَا مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ وَالْحَبُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَيْسَ بِالشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالشَّرْطِ ، وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَبَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا : فِي هَذَا الْفَصْلِ التِّبْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِيمَا لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ الْمُنَاصَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي التِّبْنِ وَالْحَبِّ جَمِيعًا ، وَلِأَنَّ التِّبْنَ فِي مَعْنَى التَّبَعِ لِلْحَبِّ وَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِي الْمَقْصُودِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِهِ فِي التَّبَعِ مَا لَمْ يُفْصَلْ عَنْهُ بِشَرْطٍ آخَرَ فِيهِ مَقْصُودٌ .
وَالرَّابِعُ : أَنْ يَشْتَرِطَا الْمُنَاصَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَبِّ ، وَالتِّبْنُ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، فَإِنْ شَرَطَا التِّبْنَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، فَإِذَا نَصَّا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا صَرَّحَا بِمَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْعَقْدِ ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ وَصْفُ الْعَقْدِ ، وَإِنْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ ، فَلَوْ صَحَّحْنَا هَذَا الْعَقْدَ أَدَّى إلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ بِالشَّرْطِ دُونَ صَاحِبِهِ بِأَنْ يَحْصُلَ التِّبْنُ دُونَ الْحَبِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَاسْتِحْقَاقُ رَبِّ الْبَذْرِ لَيْسَ بِالشَّرْطِ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ثُمَّ التِّبْنُ لِلْحَبِّ قِيَاسُ النَّخْلِ لِلتَّمْرِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ لِصَاحِبِهِ لَا بِشَرْطِ الْمُزَارَعَةِ ،

وَالتَّمْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ لِلْعَامِلِ بِالشَّرْطِ فِي الْمُعَامَلَةِ ، وَالتَّمْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَوْ سَمَّيَا لِأَحَدِهِمَا أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً فَسَدَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ الْأَقْفِزَةَ الْمَعْلُومَةَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا عِشْرِينَ سَنَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا ، وَيَغْرِسَهَا مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّالَةَ لِلْأَشْجَارِ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ لِلْخَارِجِ ، وَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُزَارَعَةِ صَحِيحٌ ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْغَرْسِ عَلَى الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً ، وَمَا زُرِعَ وَغُرِسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ حَبُّهُ وَتِبْنُهُ وَثَمَرُهُ وَرُطَبُهُ وَأُصُولُ الرُّطَبِ وَعِنَبُهُ وَكَرْمُهُ وَأُصُولُ الْكَرْمِ وَحَطَبُهُ وَعِيدَانُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ حَاصِلٌ بِعَمَلِهِ وَبِقُوَّةِ أَرْضِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْغُرُوسَ تَتَبَدَّلُ بِالْعُلُوقِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَنْ غَصَبَ تَالَةً فَغَرَسَهَا كَانَ الشَّجَرُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ بَذْرًا فَزَرَعَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ حَاصِلًا بِعَمَلِهِ ، وَقَدْ اشْتَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فِي جَمِيعِهِ كَانَ الْكُلُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، فَأَمَّا الشَّجَرُ وَالْكَرْمُ وَأُصُولُ الرُّطَبَةِ فَهُوَ لِلْغَارِسِ يَقْلَعُهُ إذَا انْتَقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا إذَا شَرَطَ الْمُنَاصَفَةَ فِي الْحَبِّ أَنَّ التِّبْنَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، فَهَذَا أَيْضًا الثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، كَمَا شَرَطَا ، وَالشَّجَرُ وَأُصُولُ الرُّطَبَةِ كُلُّهُ لِلْغَارِسِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْأَصْلِ لَا بِالشَّرْطِ وَيَقْلَعُهُ انْقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْأَرْضِ إلَى صَاحِبِهَا فَارِغَةً وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِقَلْعِ الْأَشْجَارِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا شَرَطَا ذَلِكَ لِلْغَارِسِ وَإِنْ كَانَا شَرَطَاهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً كَمَا بَيَّنَّا فِي التِّبْنِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ رَبِّ الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا هَذَا الشَّرْطَ أَدَّى إلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْخَارِجِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ لِصَاحِبِهِ

بِالشُّرُوطِ ، وَرُبَّمَا لَا يَثْبُتُ لِصَاحِبِهِ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ لَهُ الثِّمَارُ ، وَلَوْ كَانَ الْغَرْسُ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَ جَائِزًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الشَّجَرَ وَالْكَرْمَ وَأُصُولَ الرُّطَبَةِ لِلْعَامِلِ ، فَحِينَئِذٍ تَفْسُدُ الْمُعَامَلَةُ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَامِلِ هُنَا بِالشَّرْطِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي الْخَارِجِ ، وَإِنْ شَرَطَا الثَّمَرَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُعَامَلَةِ الشَّرِكَةُ فِي الثِّمَارِ ، فَهَذَا شَرْطٌ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ شَرَطَا فِي الْمُزَارَعَةِ الْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالتِّبْنَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا ، وَإِنْ اشْتَرَطَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ حِنْطَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَمَا خَرَجَ مِنْ شَعِيرٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ كُلُّهُ يَسْتَوْفِيه فَيَأْخُذُهُ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَا الشَّعِيرَ الَّذِي سُرِقَ مِنْهَا لِلَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحِنْطَةِ حَبَّاتُ شَعِيرٍ ، فَتُقْلَعُ ، وَذَلِكَ إذَا اشْتَدَّ حَبُّهُ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ الْحِنْطَةُ وَتَجِفَّ فَإِذَا شَرَطَا ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيعٌ مَقْصُودٌ ، فَهَذَا الشَّرْطُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي رِيعٍ مَقْصُودٍ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَحْصُلَ الشَّعِيرُ ، وَيُصِيبَ الْحِنْطَةَ آفَةٌ فَيَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَذَلِكَ يَنْفِي صِحَّةَ الْمُزَارَعَةِ بَيْنَهُمَا

وَلَوْ دَفَعَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ قَدْ صَارَ بَقْلًا مُزَارَعَةً وَاشْتَرَطَا أَنَّ الْحَبَّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالتِّبْنَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ سَكَتَا عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالتِّبْنُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلَوْ شَرَطَا التِّبْنَ لِلْعَامِلِ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الزَّرْعِ الَّذِي صَارَ بَقْلًا مُزَارَعَةً كَدَفْعِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مُزَارَعَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مُزَارَعَةً ، فَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ الْفَضْلَ مُزَارَعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ فَالثُّلُثَانِ مِنْ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَالثُّلُثُ لِلْمُزَارِعِ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ ، وَالثَّانِي فَاسِدٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْإِجَارَاتِ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ ، فَقَالَ : إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ مُؤَاجِرٌ أَرْضَهُ مِنْ صَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ ، وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ إقَامَةَ الْعَمَلِ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ وَقْتٍ بَدَلًا مُخَالِفًا لِلْبَدَلِ الْآخَرِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَاطَةِ فِي الْيَوْمِ ، وَفِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّرْطُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ ، وَالثَّانِي فَاسِدٌ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْأَوَّلِ ، أَوْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي ، فَإِنْ زَرَعَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، وَأَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ ، فَإِنْ زَرَعَهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا زَرَعَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ فِي يَوْمِ كَذَا فَالْخَارِجُ مِنْهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَمَا زَرَعَ

مِنْهَا فِي يَوْمِ كَذَا فَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَاهُ ، فَهَذَا فَاسِدٌ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَهَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ ؛ فَإِنَّ مِقْدَارَ مَا يَزْرَعُ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ عَلَى شَرْطِ النِّصْفِ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَكَذَلِكَ مِقْدَارُ مَا يَزْرَعُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي عَلَى شَرْطِ الثُّلُثِ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ لِلْجَهَالَةِ ، كَمَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ عَلَى أَنَّ مَا خَاطَ مِنْهُ الْيَوْمَ فَبِحِسَابِ دِرْهَمٍ ، وَمَا خَاطَ مِنْهُ غَدًا فَبِحِسَابِ نِصْفِ دِرْهَمٍ كَانَ فَاسِدًا كُلُّهُ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى زَرَعَ نِصْفَهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى ، وَنِصْفَهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، فَمَا زَرَعَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَمَا زَرَعَ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَانَ صَحِيحًا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ فَزِرَاعَةُ الْبَعْضِ مُعْتَبَرَةٌ بِزِرَاعَةِ الْكُلِّ ، إذْ لَيْسَ فِي هَذَا التَّبْعِيضِ إضْرَارٌ بِأَحَدٍ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ الْيَوْمَ ، وَنِصْفَهُ غَدًا فَلَهُ - فِيمَا خَاطَهُ الْيَوْمَ - نِصْفُ دِرْهَمٍ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَفِيمَا خَاطَهُ غَدًا - رُبُعُ دِرْهَمٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُنْقَصُ عَنْ رُبُعِ دِرْهَمٍ ، وَلَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ مَا زَرَعَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ صَرَّحَ بِالتَّبْعِيضِ ، وَالْبَعْضُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ كُلُّ شَرْطٍ مَجْهُولٌ فِي نَفْسِهِ ، فَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَهُنَا أَضَافَ كُلَّ شَرْطٍ إلَى جُمْلَةٍ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ ، وَالتَّبْعِيضُ عِنْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ ، وَلَا جَهَالَةَ فِي ذَلِكَ

أَيْضًا ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا بِدَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْمُزَارِعِ ، وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَإِنْ زَرَعَهَا بِمَاءٍ سِيحَ أَوْ سَقَتْ السَّمَاءُ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ ، فَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، وَقَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَفْسُدُ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ نَوْعَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ ، وَجَعَلَ بِمُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ مَعْلُومًا ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ خَاطَهُ خِيَاطَةً رُومِيَّةً فَأَجْرُهُ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خَاطَهُ خِيَاطَةً فَارِسِيَّةً فَأَجْرُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِجَارَاتِ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّ مَا زُرِعَ مِنْهَا بِدَلْوٍ فَلِلْعَامِلِ ثُلُثَاهُ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ ، وَإِنْ زَرَعَ مِنْهَا بِمَاءٍ سِيحَ فَلِلْعَامِلِ نِصْفُهُ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِجَهَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَمَلَيْنِ ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّبْعِيضِ ، وَشَرَطَ أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا بِدَلْوٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ ، وَكَذَلِكَ فِيمَا شَرَطَ الزِّرَاعَةَ بِمَاءِ السَّيْحِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى الْخَيَّاطِ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ يَقْطَعُهَا قُمُصًا عَلَى أَنَّ مَا خَاطَ مِنْهَا رُومِيًّا فَلَهُ دِرْهَمٌ فِي كُلِّ ثَوْبٍ ، وَمَا خَاطَ مِنْهَا فَارِسِيًّا فَلَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ ثَوْبٍ ، وَهُنَاكَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ لِلْجَهَالَةِ ، فَهَذَا قِيَاسُهُ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا خَمْسَ سِنِينَ مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثُ ، وَلِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَانِ ، وَسَمَّيَا لِكُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ أَيِّهِمَا شَرَطَ الْبَذْرَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَعْضِ ، فَفِي السَّنَةِ الْأُولَى عَقْدُ إجَارَةٍ مُطْلَقٌ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْإِجَارَةِ تَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ كُلِّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ كَأَنَّهُمَا أَفْرَدَا ذَلِكَ الْعَقْدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، وَالْعَقْدُ هُنَاكَ وَاحِدٌ بِاتِّحَادِ الْمُدَّةِ ، وَإِنَّمَا التَّغَايُرُ فِي شَرْطِ الْبَدَلِ ، ثُمَّ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ لِلْحَاجَةِ ، وَهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ لِتَحْصِيلِ الرِّيعِ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ لِنُقْصَانِ تَمَكُّنٍ فِي قُوَّةِ الْأَرْضِ بِالزِّرَاعَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَيَشْتَرِطُ لِلْمُزَارِعِ زِيَادَةً فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ عَمَلِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الْبَذْرَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ قِبَلِ الزَّارِعِ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَبَيَّنَّا نَحْوَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ ، فَفِي السَّنَةِ الْأُولَى الْعَامِلُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى حَائِكٍ يَقُومُ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيمِ الْحِيَاكَةِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ فِي كُلِّ

شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ، وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْحَائِكُ فِي خَمْسَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّا

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى بِبَذْرِهِ مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لَهُ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَعَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا فِي الثَّالِثَةِ بِبَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْمُزَارِعِ أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَهَذَا جَائِزٌ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُزَارَعَةٌ صَحِيحَةٌ بِنِصْفِ الْخَارِجِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ الْعَامِلُ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لِمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ رَبُّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ ، وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ ، وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا أُرْزًا أَوْ قَالَ : رُزًّا - كُلُّ ذَلِكَ لُغَةٌ - عَشْرَ سِنِينَ ، وَيَغْرِسَهَا نَوَى بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ ، وَعَلَى أَنْ يُحَوِّلَ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَيَسْقِيَهُ ، وَيَقُومَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهَذَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا مُزَارَعَةٌ بِشَرَائِطِهَا ، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْعَقْدِ زِيَادَةُ شَرْطِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْعَامِلِ ، وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ بِهِ يَزْكُو الرِّيعَ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ الْكِرَابِ وَالسَّقْيِ عَلَيْهِ ثُمَّ الْحَوَالَةُ تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُزْرَعُ كَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ وَالْأَشْجَارِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ

الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُ مَا يُحَوِّلُهُ بِعَيْنِهِ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ ، أَوْ لِأَنَّ فِي شَرْطِ إعْلَامِ ذَلِكَ بَعْضَ الْحَرَجِ ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضَيْنِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ هَذِهِ أُرْزًا أَوْ هَذِهِ أُرْزًا بِبَذْرِهِ ، وَعَلَى أَنْ يُحَوِّلَ مَا يَزْرَعُ فِي هَذِهِ فِي هَذِهِ الْأُخْرَى ، وَمَا يَزْرَعُ فِي هَذِهِ فِي هَذِهِ الْأُخْرَى ، وَيَسْقِيَهُ ، وَيَقُومَ عَلَيْهِ ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي أَرْضَيْنِ فِي إحْدَاهُمَا بِالزِّرَاعَةِ ، وَفِي الْأُخْرَى بِالْحَوَالَةِ ، عَلَى أَنْ تَكُونَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ مِنْ إحْدَاهُمَا ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا لَا يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَهُوَ تَحْوِيلُ جَمِيعِ مَا يَنْبُتُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْضَيْنِ إلَى الْأَرْضِ الْأُخْرَى ، وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ لَا تَتَّسِعَ لَهُ الْأَرْضُ الْأُخْرَى ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ جَمِيعَ مَا يَزْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ إلَى الْأَرْضِ الْأُخْرَى إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْلَعَهُ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَ فِيهَا وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْضَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَى حِدَةٍ ، فَبِالْقَلْعِ يَنْتَهِي ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَقْدٍ عَمَلًا بَعْدَ انْتِهَاءِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ ، فَالْعَقْدُ فِيهَا وَاحِدٌ ، وَلَا يَنْتَهِي بِتَحْوِيلِ بَعْضِ مَا نَبَتَ فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَرْضَيْنِ لَوْ شَرَطَا الزَّرْعَ فِي إحْدَاهُمَا ، وَالتَّحْوِيلَ إلَى الْأُخْرَى ، وَالْغَرْسَ فِي إحْدَاهُمَا ، وَالتَّحْوِيلَ إلَى الْأُخْرَى أَوْ كَانَتْ أَرْضًا وَاحِدَةً وَشَرَطَا أَنْ يَزْرَعَ أَوْ يَغْرِسَ نَاحِيَةً مِنْهَا مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يُحَوِّلَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا أُخْرَى مَعْلُومَةٍ ، فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ

إذَا مَيَّزَ إحْدَى النَّاحِيَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى كَانَتَا فِي مَعْنَى أَرْضَيْنِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ مَا يُحَوَّلُ ، كَالزَّعْفَرَانِ ، وَنَحْوِهِ إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضَهُ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ قُرْطُمًا ، فَمَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ عُصْفُرٍ فَهُوَ لِلْمُزَارِعِ ، وَمَا خَرَجَ مِنْ قُرْطُمٍ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْقُرْطُمَ وَالْعُصْفُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيعٌ مَقْصُودٌ فِي هَذِهِ الزِّرَاعَةِ فَاشْتِرَاطُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ شَرْطٌ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ بِالْمُزَارَعَةِ ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّيعِ ، وَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّيعِ مَعَ حُصُولِهِ بِأَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْعُصْفُرُ ثُمَّ تُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَحْصُلُ الْقُرْطُمُ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الْعُصْفُرُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا ؛ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً وَشَعِيرًا عَلَى أَنَّ الْحِنْطَةَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالشَّعِيرَ لِلْآخَرِ بِعَيْنِهِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ نَوْعَانِ مِنْ الرِّيعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ كَبَذْرِ الْكَتَّانِ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ الْكَتَّانُ وَلِلْآخَرِ الْبَذْرُ وَالرُّطَبَةُ إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بَذْرَ الرُّطَبَةِ وَلِلْآخَرِ الْعِنَبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ، وَلَوْ شَرَطَا الْقُرْطُمَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالْعُصْفُرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ الْعُصْفُرَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالْقُرْطُمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيعٌ مَقْصُودٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُزَارَعَةِ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِشَرْطِ رِيعٍ مَقْصُودٍ لَهُ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْكَتَّانِ وَبَذْرِهِ وَالرُّطَبَةِ وَبَذْرِهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التِّبْنِ فَإِنَّهُ إذَا

شَرَطَ لِصَاحِبِهِ الْبَذْرَ وَالْحَبُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ التِّبْنَ لَيْسَ بِرِيعٍ مَقْصُودٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِالزِّرَاعَةِ لِمَقْصُودِ التِّبْنِ خَاصَّةً ، بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحَبُّ ، فَإِذَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ جَازَ الْعَقْدُ إنْ شَرَطَا تَخْصِيصَ صَاحِبِ الْبَذْرِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مَقْصُودٌ ، فَاشْتِرَاطُ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ مَقْصُودٌ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَاشْتِرَاطُ بَذْرِ الْبِطِّيخِ أَوْ الْقِثَّاءِ لِأَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ التِّبْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ هُوَ تَبَعٌ لِلْمَقْصُودِ كَالتِّينِ بِخِلَافِ بَذْرِ الرُّطَبَةِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَرُبَّمَا بَلَغَ قِيمَةَ الْقَتِّ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُصْفُرِ ، وَالْكَتَّانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هُوَ وَعَبْدُهُ هَذَا فَمَا خَرَجَ فَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِهِ ثُلُثُهُ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ ، فَهَذَا جَائِزٌ ، وَمَا خَرَجَ فَلِلْمُزَارِعِ ثُلُثَاهُ : نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ بَلْ الْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ مَا يَكُونُ مِنْ كَسْبِهِ ، فَاشْتِرَاطُ الثُّلُثِ لِعَبْدِ الْمُزَارِعِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا لِلْمُزَارِعِ ، وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ عَبْدِ الْمُزَارِعِ مَعَهُ ، كَاشْتِرَاطِ الْبَقَرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الزِّرَاعَةِ يَتَأَتَّى لَهُ بِالْبَقَرِ ، وَبِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْعَمَلِ ثُمَّ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُزَارِعِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ عَمَلِ عَبْدِهِ مَعَهُ يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا عَلَى الْعَبْدِ عَمَلًا ، وَلَكِنَّهُ شَرَطَ لِعَبْدِهِ ثُلُثَ الرِّيعِ ، فَالْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ مَشْرُوطٌ لِمَوْلَاهُ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ لِلْمُزَارِعِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِبَقَرِهِ ، فَذَلِكَ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرِ ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْعَمَلَ بِبَقَرِهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ، وَلَوْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِمُكَاتَبِهِ ، أَوْ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنْ اشْتَرَطَ عَمَلَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهُوَ مُزَارِعٌ مَعَهُ لَهُ ثُلُثُ الرِّيعِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا ، فَهَذَا فِي مَعْنَى دَفْعِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مُزَارَعَةً إلَى حُرَّيْنِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ عَمَلًا فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ ، فَاشْتِرَاطُ ثُلُثِ الْخَارِجِ لِلْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْمُكَاتَبِ لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا لِمَوْلَاهُ ؛ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ مُكَاتَبِهِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ ، فَالْمَشْرُوطُ لَهُ كَالْمَشْرُوطِ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَبُطْلَانُ هَذَا الشَّرْطِ ؛

لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ بَذْرٌ وَلَا أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ ، وَالْخَارِجُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَرَاءَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ ، فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، بَلْ يَكُونُ ثُلُثُ الرِّيعِ لِلْمُزَارِعِ كَمَا شُرِطَ لَهُ ، وَالثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ ، وَالْمُزَارِعُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ ، فَمَا وَرَاءَ الْمَشْرُوطِ لَهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْبَذْرِ ، وَيُجْعَلُ مَا بَطَلَ الشَّرْطُ فِيهِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِابْنِهِ أَوْ لِأَبِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ مَعَهُ كَانَ صَحِيحًا ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ مَعَهُ كَانَ بَاطِلًا ، وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ صَحِيحَةٌ بِالثُّلُثِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ مَا شَرَطَ لِعَبْدِ الْعَامِلِ ، فَهُوَ لِلْعَامِلِ سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ، وَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ ، وَمَا شَرَطَ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ لِابْنِهِ أَوْ لِامْرَأَتِهِ فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَذَلِكَ الثُّلُثُ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا شُرِطَ لَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ ، وَعَمِلَ مَعَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ؛ لِيَعْمَلَ مَعَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَفْسُدُ بَيْنَهُمَا ؛ لِانْعِدَامِ التَّخْلِيَةِ حِينَ شَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِ الْبَذْرِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ الْآخَرِ ، وَلَكِنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَخْصَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ فَبِفَسَادِ أَحَدِهِمَا لَا

يَفْسُدُ الْآخَرُ ، فَيَكُونُ لِلْعَامِلِ الْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثُ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَثُلُثَا الزَّرْعِ طَيِّبٌ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ خُبْثٌ مِنْ جَانِبِ الْأَرْضِ ، حَيْثُ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ فَيَطِيبُ لَهُ ثُلُثُ الرِّيعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ بَقَرِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَذَلِكَ يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَعَبْدُ رَبِّ الْأَرْضِ إذَا كَانَ مَدْيُونًا بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ ، وَالْمَشْرُوطُ لَهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا لِمَوْلَاهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَالْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا عَلَى مَوْلَاهُ ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ بَيْنَ الْعَامِلِ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ كَمَا شُرِطَ لِرَبِّ الْأَرْضِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثُهُ ، وَعَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا ، وَيُعَالِجَهَا بِبَقَرِ فُلَانٍ عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ ثُلُثَ الْخَارِجِ ، فَرَضِيَ فُلَانٌ بِذَلِكَ ، فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَقَرِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبَقَرَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا فِي الْمُزَارَعَةِ ، فَكَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَاسِدًا ، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بَقَرِهِ ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَيْهِ ، وَثُلُثُ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ طَيِّبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ الثُّلُثَانِ لَهُ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَقَرِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَهُوَ جَائِزٌ ، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ مَقْصُودٌ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَهُوَ فَاسِدٌ ، وَلَوْ كَانَا اشْتَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ مَعَ بَقَرِهِ بِالثُّلُثِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ جَازَ ، وَهُمَا مُزَارِعَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْبَقَرِ هُنَا تَبَعٌ لِعَمَلِ صَاحِبِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ اشْتِرَاطِ الْبَقَرِ عَلَى الْعَامِلِ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلَيْنِ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا كَسَائِرِ الْآلَاتِ إذَا شَرَطَ عَلَى أَحَدِ الْعَامِلَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ ، وَالْأَرْضُ مِنْ آخَرَ ، وَالْعَمَلُ مِنْ ثَالِثٍ كَانَ فَاسِدًا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ مُزَارَعَةً ، وَدَفْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ مَقْصُودًا يُفْسِدُ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ ، فَدَفْعُهُمَا أَوْلَى ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ يَتَصَدَّقُ صَاحِبُ الْبَذْرِ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمْ ،

وَالْبَقَرُ مِنْ الْآخَرِ ، وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنْ الْآخَرِ كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا ، وَفِيهِ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا بَيَّنَّا

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِيهَا أُجَرَاءَ مِنْ مَالِ الزَّارِعِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَقْتَضِيه الْعَقْدُ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كُلِّهِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الزَّارِعِ ، وَلَهُ أَنْ يُقَيِّمَهَا بِنَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ وَأُجَرَائِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَأْجِرُهُمْ ؛ لِذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً ، وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْأَرْضِ يَكُونُ أَجِيرًا لَهُ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَامِلًا لَهُ ، وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ أَجِيرِ رَبِّ الْأَرْضِ ، كَاشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْمُزَارِعِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَا أَنْ يَسْتَأْجِرَا الْأُجَرَاءَ مِنْ مَالِ الْمُزَارِعِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ نِصْفَيْنِ فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي شَرَطَا فِيهِ رُجُوعَ الْمُزَارِعِ مِنْ الرِّيعِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ لِلْمُزَارِعِ ، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً مِنْ الْخَارِجِ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلَ رَبِّ الْأَرْضِ فَاشْتَرَطَ عَلَى الزَّارِعِ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ مِنْ مَالِهِ جَازَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَمَلَ كُلَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إقَامَتِهَا بِنَفْسِهِ وَأُجَرَائِهِ ، وَلَوْ شَرَطَ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ عَمَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مَعَ الْمُزَارِعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَاهُ عَلَى الزَّارِعِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ فَاسِدٌ بِمَنْزِلَةِ

مَا لَوْ شَرَطَا لَهُ ذَلِكَ الْعَقْدَ مِنْ الْخَارِجِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَيَكُونُ الرِّيعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، وَأَجْرُ مِثْلِ أُجَرَائِهِ فِيمَا عَمِلُوا ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُضَارَبَةَ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ مِنْ الْمَالِ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ يَقْتَضِيه الْعَقْدُ ، فَإِنَّ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَةِ الْمُضَارِبِ إذَا خَرَجَ لِلْعَمَلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْمَالِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَأُجَرَاءُ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَذَلِكَ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ خَاصَّةً ، وَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ ، كَمَا لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ ، فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، فَأَمَّا عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فَمُقْتَضَاهُ الشَّرِكَةُ فِي جَمِيعِ الرِّيعِ ، فَاشْتِرَاطُ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ مِنْ الرِّيعِ أَوْ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ الْعَامِلُ فِي الرِّيعِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ رَفْعِ صَاحِبِ الْبَذْرِ بَذْرَهُ مِنْ الرِّيعِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَلَوْ كَانَا اشْتَرَطَا أَنَّ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فِي مَالِهِ ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا ، وَتَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، فَإِنَّ أَجْرَ الْأُجَرَاءِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً كَانَ هَذَا شَرْطًا مُخَالِفًا لِمُوجَبِ الْعَقْدِ ، فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ) - : رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِيهِ الْأُجَرَاءَ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ عَمَلَ الزِّرَاعَةِ فِي ذِمَّتِهِ ، فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ شَاءَ بِأَعْوَانِهِ وَأُجَرَائِهِ ، وَلَمَّا اسْتَأْجَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مُطْلَقًا لِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ عَلَى إقَامَةِ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ يُبْتَلَى بِسُوءٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْعَمَلِ مَعَهُ ، فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِإِقَامَتِهِ الْعَمَلَ بِأَعْوَانِهِ وَأُجَرَائِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهَا أَحَدًا ، فَيَدْفَعَهَا إلَيْهِ مَعَ الْبَذْرِ يَعْمَلُهَا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لِلْغَيْرِ شَرِكَةً فِي الْخَارِجِ مِنْ يَدِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنَّمَا رَضِيَ رَبُّ الْأَرْضِ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَصِيبَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْعَمَلِ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهِ لِغَيْرِهِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِ نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَمِلَهَا الرَّجُلُ فَالزَّرْعُ بَيْنَ الْآخَرِ وَالْأَوْسَطِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ غَاصِبًا لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ بِتَوَلِّيهِ الْعَقْدَ فِيهِ إلَى الثَّانِي ، وَإِيجَابِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ ، وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَذْرًا وَدَفَعَهُمَا مُزَارَعَةً كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى شَرْطِهِمَا لَا شَيْءَ مِنْهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ بَذْرَهُ أَيَّهمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاصِبٌ فَتَعَدَّى فِي حَقِّهِ الثَّانِيَ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ لَا عَلَى وَجْهٍ رَضِيَ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْأَوَّلُ بِالدَّفْعِ إلَى الثَّانِي مَعَ إيجَابِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ

مُحَمَّدٍ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ : يُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ ، فَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ : فَإِنَّمَا يُضَمِّنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الثَّانِيَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ بِعَمَلِهِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ دُونَ الْغَصْبِ عِنْدَهُمَا ، فَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ الثَّانِي بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْبَذْرَ بِالضَّمَانِ ، فَإِنَّمَا دَفَعَ بَذْرَهُ مُزَارَعَةً ، وَكَذَلِكَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، فَإِنَّ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَضْمَنُهُ لِأَجْلِ الْغُرُورِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالتَّوْلِيَةُ جَائِزَةٌ ، وَنِصْفُ الْخَارِجِ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ ، وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَالدَّفْعِ إلَى الْغَيْرِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ مِنْ رَأْيِهِ ، فَيَقُومُ هُوَ مَقَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ثُمَّ هُوَ يُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشَّرِكَةِ لَهُ فِي الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ عِنْدَ حُصُولِهِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ حِينَ أَجَازَ صُنْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ إذَا قِيلَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الثَّانِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْأَوَّلُ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ الْآخَرِ ، وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَيْنِ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَأَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا بِبَذْرٍ مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ ،

وَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِالْبَذْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَعَمِلَا عَلَى هَذَا ، فَجَمِيعُ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ ضَامِنٌ لِبَذْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ بِإِلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى وَجْهٍ يُثْبِتُ لِلْغَيْرِ شَرِكَةً فِي الْخَارِجِ مِنْهُ ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِبَذْرِ الْآخَرِ ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِالْخَلْطِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، وَالْبَذْرِ ثُمَّ هُوَ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ بَذْرَ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَظَهَرَ أَنَّهُمَا زَرَعَا بِبَذْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ ، وَهُمَا ضَامِنَانِ نُقْصَانَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا عَمَلَ الزِّرَاعَةِ ، فَكَانَا مُبَاشِرَيْنِ إتْلَافَ الْجُزْءِ الَّذِي تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْأَرْضِ بِذَهَابِ قُوَّتِهَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ ذَلِكَ ، وَلَا يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ مِنْ النُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ، وَالْأَوَّلَ كَالْمُعِيرِ مِنْهُ لِنِصْفِ الْأَرْضِ ، وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُعِيرِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مَا غَرِمَ ، وَمَا أَنْفَقَ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ ، وَيُشَارِكَ فِيهَا مَنْ أَحَبَّ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ ، وَنِصْفُ الْخَارِجِ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْمُزَارِعُ مُوَافِقٌ لَهُ فِي عَمَلِ الزِّرَاعَةِ فِيهِ ، فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ نِصْفَ الْأَرْضِ زَرَعَهُ الْأَوَّلُ ، وَنِصْفَهُ زَرَعَهُ الثَّانِي ، وَالْأَوَّلُ كَالْمُعِيرِ مِنْهُ لِذَلِكَ النِّصْفِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ

بِرَأْيِهِ ، وَأَنْ يُشَارِكَ مَنْ أَحَبَّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَارَكَهُ ، وَلَكِنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْبَذْرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ ، وَيَبْذُرَ مِثْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ فِي الدَّفْعِ مَقَامَ الْمَالِكِ حِينَ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالِكَ إذَا دَفَعَ الْبَذْرَ وَالْأَرْضَ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَعَ مِثْلِ ذَلِكَ الْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ لَهُ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ الْمُزَارِعُ الْآخَرُ لَهُ نِصْفُ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ نِصْفِ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَاَلَّذِي يَلِي قَبْضَهُ مِنْ الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ ، وَيَكُونُ نِصْفُ الزَّرْعِ بَيْنَ الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْمَزَارِعُ الْأَوَّلُ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا لَهُ بِالدَّفْعِ إلَى الثَّانِي بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ ، فَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِالْخِلَافِ لَا بِالْفَسَادِ ، وَيَطِيبُ لَهُمَا هَذَا النِّصْفُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ صَارَ هَذَا النِّصْفُ مِنْ الزَّرْعِ مُرَبًّى فِي أَرْضِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْخُبْثُ ، وَأَمَّا الْمُزَارِعُ الْآخَرُ ، فَيَأْخُذُ مِمَّا أَخْرَجَ بَذْرَهُ وَنَفَقَتَهُ ، وَمَا غَرِمَ مِنْ الْأَجْرِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الْأَرْضِ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ، أَوْ يُشَارِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ

نِصْفَيْنِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ ضَامِنًا بَذْرَ رَبِّ الْأَرْضِ بِالْخِلَافِ ، فَالْخَارِجُ نَمَاءُ بَذْرِهِمَا بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ جَرَى بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى قَدْرِ الْبَذْرِ ، وَلِلْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ عَلَى الْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَالْأَوَّلُ ، وَإِنْ صَارَ غَاصِبًا لِلْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ وُجُوبَ أَجْرِ الْمِثْلِ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ الْعَاقِدُ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا ، وَأَجَّرَهَا ، وَيَضْمَنُهَا رَبُّ الْأَرْضِ نُقْصَانَ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ ، وَالثَّانِي مُتْلِفٌ فِي مِقْدَارِ النُّقْصَانِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ ، إذَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَالْغُرُورُ يَتَمَكَّنُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، كَمَا يَتَمَكَّنُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُضَمِّنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ النُّقْصَانِ أَيَّهمَا شَاءَ ، فَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُضَمِّنُ جَمِيعَ النُّقْصَانِ الْمُزَارِعَ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ فِي الْعَقَارِ يَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ الْغَاصِبِ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمُزَارِعُ الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِالنِّصْفِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِذَلِكَ الْبَذْرِ عَلَى أَنَّ لِلْآخَرِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَلِلْأَوَّلِ ثُلُثَاهُ ، فَعَمِلَهُمَا الثَّانِي عَلَى هَذَا فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثٌ ، كَمَا شَرَطَاهُ فِي الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَالْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ صَارَ مُخَالِفًا بِإِشْرَاكِ الْغَيْرِ فِي الْخَارِجِ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّ الْمَالِ ، فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ بَذْرَهُ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَكَذَلِكَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ ضَمَّنَهَا الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَإِنْ ضَمَّنَهَا الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - إنَّمَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ لِلْأَجْرِ ، وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْأَوَّلُ مِنْ نَصِيبِهِ بَذْرَهُ الَّذِي ضَمِنَ وَمَا غَرِمَ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِي تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِهِ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ الْآخَرُ بِشَيْءٍ قَالَ : لِأَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَهُوَ سَهْوٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ : لِأَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَمَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي صَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ غَاصِبًا مُخَالِفًا فَالثَّانِي إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عَلَى عَمَلِهِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ، فَهُنَاكَ الثَّانِي إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْخَارِجَ بِكَوْنِهِ نَمَاءَ بَذْرِهِ ، وَقَدْ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ ثُلُثُ الْخَارِجِ لِلْآخَرِ ، وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَسُدُسُهُ لِلْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا بِالدَّفْعِ إلَى

الثَّانِي ، وَلَكِنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ ثُلُثَ الْخَارِجِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً ، وَذَلِكَ ثُلُثَا نَصِيبِهِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَحِقٌّ لِنِصْفِ الْخَارِجِ ، كَمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ ، وَيَبْقَى ثُلُثُ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ سُدُسُ جَمِيعِ الْخَارِجِ لَهُ بِضَمَانِ الْعَمَلِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الْبَذْرَ وَالْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ فَمَا رَزَقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ إلَى رَجُلٍ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَلِلْآخَرِ نِصْفُ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ مَعَهُ بَعْدَ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى رَأْيِ الْأَوَّلِ عَلَى الْعُمُومِ ، كَعَقْدِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَيَسْتَحِقُّ هُوَ نِصْفَ الْخَارِجِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ ، وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ هُنَا نِصْفَ جَمِيعِ الْخَارِجِ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ مَا وَرَاءَ نَصِيبِ الْآخَرِ ، فَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الْخَارِجِ ، فَلَا يَنْتَقِضُ حَقُّهُ بِعَقْدِ الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لَكَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ أَوْ قَالَ : مَا أَصَبْتُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، فَهَذَا ، وَقَوْلُهُ وَمَا رَزَقَكَ اللَّهُ سَوَاءٌ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا ضَامِنًا حِينَ زَرَعَهَا الْآخَرُ لِمَا قُلْنَا ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَيُضَمِّنُ رَبَّ الْأَرْضِ بَذْرَهُ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَفِي نُقْصَانِ الْأَرْضِ خِلَافٌ كَمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ الْآخَرُ حَتَّى ضَاعَ الْبَذْرُ مِنْ يَدِهِ أَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ

فَفَسَدَتْ ، وَدَخَلَهَا عَيْبٌ يُنْقِصُهَا ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إلَى الثَّانِي لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْبَذْرَ وَالْأَرْضَ ، وَاسْتَعَانَ بِهِ فِي عَمَلِ الزِّرَاعَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِإِيجَابِ الشَّرِكَةِ لِلْغَيْرِ فِي الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ، وَلَا بِدَفْعِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةُ الشَّرِكَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْخَارِجِ ، وَسَبَبُهُ إلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ عَلَى طَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ هَذَا السَّبَبُ لَا يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُخَالِفًا ، فَلِهَذَا لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ لَا تَكُونُ فِي الْبَذْرِ بَلْ تَكُونُ فِي النَّمَاءِ الْحَاصِلِ مِنْ الْبَذْرِ وَسَبَبُهُ لَيْسَ هُوَ قَبْضُ الْمُزَارِعِ الْبَذْرَ ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ إلْقَاءُ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِالنِّصْفِ ، وَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ ، فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ إلَى آخَرَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ ، وَلِلْأَوَّلِ الثُّلُثُ ، فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي إنَّمَا يَصِحُّ فِي مِقْدَارِ نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ ، وَقَدْ أَوْجَبَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى مِقْدَارِ نَصِيبِهِ إنَّمَا يُوجِبُهَا لَهُ فِي نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ ، أَوْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْخَارِجِ ؛ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ ، وَإِذَا حَصَلَ الْخَارِجُ كَانَ لِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَالزَّرْعُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَجِيرِهِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ بِمَنْزِلَةِ عَمَلِ أَجِيرِهِ أَنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِالدَّرَاهِمِ إجَارَةً صَحِيحَةً ، وَذَلِكَ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ، فَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ الْمَعْقُودِ عَلَى عَمَلِ الْمُزَارِعِ الْآخَرِ ، وَلِسَبَبِهِ لَا يَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الْخَارِجِ .
قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُضَارَبَةَ يُرِيدُ بِهِ مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ : فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ نِصْفَ الرِّبْحِ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ ، فَاسْتِحْقَاقُ رَبِّ الْمَالِ بَعْضَ مَا شَرَطَهُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ، وَلَكِنْ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ بِمِثْلِهِ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا ،

فَاسْتُحِقَّتْ ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ طَعَامٌ بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَاسْتِحْقَاقُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ بَعْضَ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْآخَرِ ، وَبَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ ، فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْأَجْرُ مِنْ جِنْسِ الرِّبْحِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُ مِمَّا شُرِطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ مِقْدَارُ مَا تَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ أَثْلَاثًا عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَيُضَمِّنُ رَبُّ الْأَرْضِ بَذْرَهُ أَيَّهمَا شَاءَ وَفِي نُقْصَانِ الْأَرْضِ اخْتِلَافٌ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ قَالَ لِلْأَوَّلِ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ ثُلُثَا الزَّرْعِ لِلْآخَرِ ، وَالثُّلُثُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مَا شَرَطَ هُنَا لِنَفْسِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ ، بَلْ نِصْفَ مَا يَرْزُقُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمُزَارِعَ الْأَوَّلَ ، وَذَلِكَ مَا وَرَاءَ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ الْآخَرِ ، فَكَانَ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ جَمِيعُ مَا شُرِطَ لَهُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ عَلَى شَرْطِهِمَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِك أَوْ لَمْ يَقُلْ فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ ، وَبَذْرًا مَعَهَا إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُنَا مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا بِالدَّفْعِ مُزَارَعَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مَعَ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ، فَهُنَاكَ الْمُزَارِعُ أَجَّرَ رَبَّ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لِلْأَجِيرِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَمَّ الْأَجِيرُ عَامِلُ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ لِلْآخَرِ فِي الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ فَلِهَذَا افْتَرَقَا ثُمَّ إذَا حَصَلَ الْخَارِجُ هُنَا فَنِصْفُهُ لِلْآخَرِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ، كَمَا أَوْجَبَهُ لَهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ ، وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِإِزَاءِ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ ، كَمَا شَرَطَ لَهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِغَيْرِهِ جَمِيعَ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِهِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ثُمَّ أَجَرَهَا مِنْ الْآخَرِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَاجِرَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي اسْتِيفَائِهِ ، وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ ثُلُثَ الْخَارِجِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا جَازَ ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ النِّصْفُ ، وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ طَيِّبٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ فَاضِلٌ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ عَاقِدُ الْعَقْدَيْنِ

جَمِيعًا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، فَيُسَلَّمُ الْفَضْلُ لَهُ بِاعْتِبَارِ عَقْدِهِ ، فَإِنْ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ مُسْتَأْجِرُ الْأَرْضِ ، وَقَدْ أَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَطِيبَ لَهُ الزِّيَادَةُ ، قُلْنَا : هَذَا فِي أَجْرٍ يَكُونُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ ، فَيُقَالُ : إنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ فَأَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْعَقْدِ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ ، وَسَلَامَتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوْ قَالَ : مَا أَصَبْت أَوْ مَا خَرَجَ لَك مِنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقُلْ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ ، وَبَذْرًا مَعَهَا إلَى رَجُلٍ بِالنِّصْفِ ، فَنِصْفُ الْخَارِجِ لِلْآخَرِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إنَّمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ هُنَا نِصْفَ مَا يَرْزُقُ اللَّهُ الْمُزَارِعَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ مَا وَرَاءَ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ الْآخَرِ ، فَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخَرِ ، وَلَوْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَدَفَعَهَا الْأَوَّلُ إلَى الْآخَرِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا بِبَذْرِهِ عَلَى أَنَّ لِلْآخَرِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ ، وَلِلْأَوَّلِ الثُّلُثُ ، فَعَمِلَهَا عَلَى ذَلِكَ فَثُلُثَا الْخَارِجِ لِلْآخَرِ نَمَاءَ بَذْرِهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْغَيْرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بِالشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ لِلْأَوَّلِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ثُمَّ هَذَا الثُّلُثُ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِ ثُلُثِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا

مِنْهُ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ بَلْ اسْتَحَقَّهُ الْمُزَارِعُ لِلْأَجْرِ ، وَاسْتِحْقَاقُ بَعْضِ مَا هُوَ أَجْرٌ لِلْأَرْضِ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَهُ رَجَعَ بِأَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ ثُلُثَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْأَوَّلِ كَانَ ثُلُثَا الْخَارِجِ لِلْأَجِيرِ ، كَمَا أَوْجَبَهُ لَهُ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ ، وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ ثُلُثِ أَرْضِهِ عَلَى الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ قِيلَ هُنَا : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالشَّرْطِ ، وَشَرْطُ النِّصْفِ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَانَ أَسْبَقَ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ بِإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَهُ شَيْئًا مِنْ النِّصْفِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْأَرْضِ ، قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةً قَبْلَ حُصُولِ الْخَارِجِ ، وَحُكْمًا قَبْلَ لُزُومِ السَّبَبِ ، وَالسَّبَبُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْبَذْرِ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ فَصَحَّ مِنْهُ اشْتِرَاطُهُ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ لِلْآخَرِ يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَا اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ فِي بَعْضِ مَا شُرِطَ لَهُ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لَهُ بَيْنَ أَجْرِ الْمِثْلِ وَشَيْءٍ مِنْ الْخَارِجِ ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ، فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ ، وَلَوْ أَبْطَلْنَا حَقَّ رَبِّ الْأَرْضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ الْخَارِجِ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْأَرْضِ ، فَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ يُعَوَّضُ بِعَدْلِهِ ، وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُ الْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ دَفَعَهَا إلَى الْآخَرِ مِنْحَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ

نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَلَمْ يُوجِبْ مِنْهُ شَيْئًا لِغَيْرِهِ ، وَالْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مِنْهُ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ، وَاسْتَحَقَّهُ الْآخَرُ ، فَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِاسْتِحْقَاقِ الْبَدَلِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْأَوَّلِ ، فَاسْتَعَانَ بِإِنْسَانٍ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَعْمَلُ لَهُ فِيهَا فَنِصْفُ الْخَارِجِ لِلْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَجِيرِهِ وَمُعِينِهِ ، كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ بِالنِّصْفِ ، وَلَمْ يَقُلْ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَشَارَكَ فِيهَا رَجُلًا آخَرَ ، فَأَخْرَجَا جَمِيعًا بَذْرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ جَازَ لِأَنَّ ؛ الْأَوَّلَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ ، فَهُوَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لِلْأَرْضِ ، وَالْمَالِكُ لِلْأَرْضِ لَوْ شَارَكَ فِيهَا رَجُلًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرٍ بَيْنَهُمَا ، وَالْخَارِجُ نِصْفَانِ جَازَ ، وَيَكُونُ هُوَ مُعِيرًا نِصْفَ الْأَرْضِ مِنْ الْآخَرِ ، كَذَلِكَ هُنَا ثُمَّ نِصْفُ الْخَارِجِ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ بِإِزَاءِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَهَذَا الْخَارِجُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ خَارِجٌ مِنْ نِصْفِ الْأَرْضِ ، فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ بِالشَّرْطِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الْمُزَارِعُ الْآخَرُ ، وَقَدْ كَانَ الْمُزَارِعُ الْأَوَّلُ أَوْجَبَ لِرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَ ذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى الْأَجِيرِ خَاصَّةً فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ جَعَلَ لِلثَّانِي مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ لَهُ ، وَالْمُزَارَعَةُ لَا تَحْتَمِلُ مِثْلَ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ ثُمَّ نِصْفُ الزَّرْعِ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ لِلْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَيَتَصَدَّقُ الْمُزَارِعُ الْآخَرُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ تَمَكَّنَ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَنِصْفُ الزَّرْعِ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ عَلَى شَرْطِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا ، فَمَا

سَلِمَ لَهُمَا يَكُونُ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَهُمَا طَيِّبًا لَهُمَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يُخْرِجُ لَهُ جَمِيعُ الْأَرْضِ ، وَإِنَّمَا يُسَلِّمُ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا أَخْرَجَهُ نِصْفُ الْأَرْضِ ، فَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمُزَارِعُ الْأَجْرَ كُلَّهُ ؛ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَقَبَضَهَا ثُمَّ اسْتَعَانَ بِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى عَمَلِهَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَالْأَجْرُ لَهُ فِي عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِعَانَتَهُ بِرَبِّ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِعَانَتِهِ بِغَيْرِهِ ، وَعَمَلُ الْمُعِينِ بِمَنْزِلَةِ عَمَلِ الْمُسْتَعِينِ بِهِ ، ثُمَّ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مَا أَقَامَ الْعَمَلَ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ مِنْهُ لِلْمُزَارَعَةِ ، وَإِنَّمَا أَقَامَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ مِنْهُ عَلَى عَامِلِهِ ، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ كَانَ الْأَجْرُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ يَعْتَمِدُ تَسْلِيمَ الْعَمَلِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَهُوَ عَامِلٌ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ بِبَذْرِهِ ، فَلَا يَكُونُ مُسَلِّمًا عَمَلَهُ إلَى غَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَجْرِ ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْأَجْرَ كَانَ هَذَا ، وَمَا لَوْ عَمِلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِعَانَةِ سَوَاءً ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ يَعْدَمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّخْلِيَةَ شَرْطُ الْعَقْدِ ، فَكُلُّ شَرْطٍ يَفُوتُهُ أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، فَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَلَا يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُ التَّخْلِيَةِ بِإِعَانَةِ رَبِّ الْأَرْضِ الْمُزَارِعَ ، فَهُوَ قِيَاسُ الْمَرْهُونِ إذَا أَعَادَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ غَصَبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الرَّهْنُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ يَزْرَعُهَا عَلَى أَنَّ لَهُ ثُلُثَ نَصِيبِهِ ، فَعَمِلَهَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُزَارَعَةِ الْأُولَى لَا يُفْسِدُهَا مَا صَنَعَا وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا

يَكُونُ مُسَلِّمًا عَمَلَهُ إلَى الْمُزَارِعِ ، فَكَمَا لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِبُ جُزْءًا مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ ، بَلْ يَكُونُ هُوَ مُتَبَرِّعًا فِي الْعَمَلِ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ هَذَا مِنْ الْمُزَارِعِ بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ لِبَعْضِ نَصِيبِهِ ، فَقَدْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ حَطَّ ثُلُثَهُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ؟ قُلْنَا لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا كِنَايَةً عَنْ الْحَطِّ ، كَمَا لَا يُجْعَلُ بَيْعُ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ هِبَةً ثُمَّ هَذَا الْحَطُّ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ ، بَلْ هُوَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ ، وَكَمَا لَا يَسْتَحِقُّ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ وَبَذْرِهِ عِوَضًا عَلَى الْغَيْرِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ حَطَّ شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَقَّهُ الْغَيْرُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْعَمَلِ أُجَرَاءَ كَانَ أَجْرُ الْأُجَرَاءِ عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ، فَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُمْ لِإِيفَاءِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ الْأَجْرُ لَهُمْ بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَ عَلَى ذَلِكَ عَبْدَ رَبّ الْأَرْضِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ ، فَكَمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ أَجْرًا عَلَى الْمُزَارِعِ وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِ عَبْدِهِ ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ ، وَالْأَجْرُ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لِغُرَمَائِهِ ، فَاسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، كَاسْتِئْجَارِ بَعْضِ غُرَمَائِهِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ ابْنَهُ جَازَ ، لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ ، وَابْنُهُ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ

كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ، فَهُمَا فِي الْمَعْنَى مُسْتَوِيَانِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ ، وَهُوَ فِي عَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَالْمُعَامَلَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قِيَاسُ الْمُزَارَعَةِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِالنِّصْفِ ، فَلَمَّا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ أَخَذَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْبَذْرَ ، فَبَذَرَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُزَارِعِ فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْبَذْرِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، فَيَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ صَارَ فَاسِخًا حِينَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُزَارِعِ وَزَرَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعِينًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعِينَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، فَكَانَ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعِينًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ ، فَلَا يُجْعَلُ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى اسْتَعَانَ بِهِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ قَصْدَهُ إعَانَتُهُ لَا فَسْخُهُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْبَذْرِ حِينَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُزَارِعِ ، فَالْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي جَانِبِ الْمُزَارِعِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْعَقْدَ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، فَيَصِيرُ هُوَ غَاصِبًا لِلْبَذْرِ ، وَمَنْ غَصَبَ بَذْرًا فَزَرَعَهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ ، وَعَلَيْهِ بَذْرُ مِثْلِ ذَلِكَ الْبَذْرِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لِلْمُزَارِعِ شَيْءٌ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ ، وَلَوْ فَوَّتَهَا غَاصِبٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ شَيْءٌ فَهَذَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ ) - : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا لَهُ مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَكْرِيَ الْعَامِلُ أَنْهَارَهَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مُؤَاجِرٌ أَرْضَهُ بِنِصْفِ الْخَارِجِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ عَلَى الْمُؤَاجِرِ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِكَرْيِ الْأَنْهَارِ يَأْتِيهَا الْمَاءُ وَيَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كَرْيَ الْأَنْهَارِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، قُلْنَا : إذَا شُرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَعَ نِصْفِ الْخَارِجِ مُؤْنَةَ كَرْي الْأَنْهَارِ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ثُمَّ مَنْفَعَةُ كَرْي الْأَنْهَارِ تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ ، وَشَرْطُ مَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَى الْمُزَارِعِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، فَإِنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا ، وَكَرَى الْأَنْهَارَ كَانَ الْخَارِجُ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلِلْعَامِلِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَتَقَاصَّانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَرْيُ الْأَنْهَارِ مَشْرُوطًا عَلَى الْعَامِلِ فِي الْعَقْدِ ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ كَرَى الْأَنْهَارَ بِنَفْسِهِ ، فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ ، وَلَا أَجْرَ لَهُ فِي كَرْيِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِإِيفَاءِ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَوَّطَهَا ، وَكَذَلِكَ إصْلَاحُ الْمُسَنَّاةِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ ، فَإِنْ شُرِطَ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ ، وَإِنْ بَاشَرَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ، وَلَا أَجْرَ لَهُ فِيمَا

عَمِلَ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَقَدْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَرَاءَ مَا يَقْتَضِيه الْمُزَارَعَةُ وَمَنْفَعَةُ هَذَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ ، فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَيَكُونُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَوْفَى جَمِيعَ عَمَلِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَرْيَ الْأَنْهَارِ ، وَإِصْلَاحَ الْمُسَنَّاةِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الشُّرْبُ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ جَائِزَةً عَلَى شَرْطِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الْعَامِلِ ، فَاشْتِرَاطُهُمَا عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ عِوَضٍ مَجْهُولٍ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ ، فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ عَلَى أَنْ يُطَيِّنَ رَبُّ الدَّارِ سُطُوحَهَا ، وَعَلَى أَنْ يُصْلِحَ مَسَارِبَهَا لِمَسِيلِ الْمَاءِ جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ بِدُونِ الشَّرْطِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ رَبُّ الدَّارِ فَوُكِفَتْ الْبُيُوتُ ، وَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَاشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً ، وَلَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الدَّارِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ عَلَيْهِ ، كَاشْتِرَاطِ مُؤْنَتِهَا لِنَفْسِهِ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الدَّارِ ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كِرَابَهَا أَوْ الْكِرَابَ وَالثُّنْيَانَ ، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي جَانِبِ الْأَرْضِ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ ، وَمُوجَبُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ ، وَاشْتِرَاطُ الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ عَلَيْهِ يُفَوِّتُ مُوجَبَ الْعَقْدِ ، فَيَفْسُدُ

بِهِ الْعَقْدُ ثُمَّ الْكِرَابُ وَالثُّنْيَانُ مِنْ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ ، وَاشْتِرَاطُ بَعْضِ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، كَاشْتِرَاطِ الْحِفْظِ ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَعَمَلِهِ فِي الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ يُتَقَوَّمُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً أَوْ مَكْرُوبَةً مُسَنَّاةً ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا فِي وَقْتِ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِيهَا ، وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْبَذْرِ لَا يَكُونُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَالْكِرَابُ وَالثُّنْيَانُ يَسْبِقُ ذَلِكَ ، فَاشْتِرَاطُهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّ الْكِرَابَ فِي الثُّنْيَانِ بِالْبَقَرِ يَكُونُ ، وَاشْتِرَاطُ الْبَقَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَعْذِرَهَا ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ إتْلَافَ عَيْنِ مَالٍ لَا يَقْتَضِيه عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ ، فَاشْتِرَاطُهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، وَيَكُونُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ، وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ وَقِيمَةُ سِرْقِينِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ

الْعَامِلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا عَمِلَ لِنَفْسِهِ ، وَمَا بَقِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَثَرُ عَمَلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُتَقَوَّمْ أَصْلُ عَمَلِهِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، فَكَذَلِكَ أَثَرُ عَمَلِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْكِرَابِ وَالثُّنْيَانِ ، وَهَذَا ، لِأَنَّ إلْقَاءَ السِّرْقِينَ وَالْعُذْرَةِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ ، وَقَبْلَ الْكِرَابِ أَيْضًا ، وَأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الْبَذْرِ عِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ إلْقَاءِ الْعُذْرَةِ وَالسِّرْقِينِ ، وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى الْعَامِلِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا عَلَى الْعَامِلِ مَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، وَقِيمَةُ مَا طَرَحَ مِنْ السِّرْقِينِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَوْفَى ذَلِكَ كُلَّهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا إجَارَةً فَاسِدَةً لِيَصْبُغَ ثَوْبَهُ بِصَبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَقِيمَةُ صَبْغِهِ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَعْذِرَهَا ، وَلَا يُسَرْقِنَهَا ، وَالْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا طَالِبَ بِهِ ، فَإِنَّ فِي إلْقَاءِ الْعُذْرَةِ وَالسِّرْقِينِ فِي الْأَرْضِ مَنْفَعَةٌ لِلْأَرْضِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَضَرَّةٌ ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ يَكُونُ لِتَوَفُّرِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ فِي هَذَا الشَّرْطِ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَا مُطَالِبَ بِهِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْكِتَابِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَجَّرَ

أَرْضَهُ اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ لَا يُدْخِلَهَا كَلْبًا ، وَلَا يَعْذِرَهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّقَذُّرِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ مَا اشْتَرَطَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ أَرَأَيْتَ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُدْخِلَهَا كَلْبًا ، كَمَا اشْتَرَطَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ هَذَا مُفْسِدًا لِلْمُزَارَعَةِ ، وَلَيْسَ يُفْسِدُهَا هَذَا ، وَيَتَخَيَّرُ الْمُزَارِعُ إنْ شَاءَ أَدْخَلَهَا كَلْبًا ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُدْخِلْهَا ، فَكَذَلِكَ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْذِرَهَا ، وَلَا يُسَرْقِنَهَا يَتَخَيَّرُ الْمُزَارِعُ فِي ذَلِكَ ، فَلَوْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دُولَابًا أَوْ دَالِيَةً بِأَدَاتِهَا ، وَذَلِكَ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ، فَاشْتَرَاهُ ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ ، فَعَمِلَ عَلَى هَذَا ، وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ، وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ رَبُّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْقِي بِهِ الْأَرْضَ ، وَالسَّقْيُ عَلَى الْعَامِلِ ، فَاشْتِرَاطُهُ مَا يَتَأَتَّى بِهِ السَّقْيُ عَلَيْهِ يَكُونُ مُقَرِّرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ، وَلَيْسَ السَّقْيُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، فَاشْتِرَاطُ مَا يَتَأَتَّى بِهِ السَّقْيُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ السَّقْيِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ الَّتِي يَسْقِي عَلَيْهَا بِالدُّولَابِ إنْ اشْتَرَطَهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ، وَإِنْ اشْتَرَطَهَا عَلَى الْعَامِلِ جَازَ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدُّولَابِ لِلسَّقْيِ ، كَاشْتِرَاطِ الْبَقَرِ لِلْكِرَابِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَقَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، وَاشْتِرَاطُهَا عَلَى الْعَامِلِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الدَّوَابِّ لِلسَّقْيِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96