كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْ جَمِيعِ تَرِكَتِهَا أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا مُكَاتَبٌ وَنِصْفَهَا مَأْذُونٌ وَدَيْنُ الْمَأْذُونِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى نِصْفُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مِلْكُهُ وَكَسْبُ ذَلِكَ النِّصْفِ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ وَنِصْفَ الْمُكْتَسِبِ لَهَا فَيُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ كِتَابَتَهَا فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَخَذَ الْمَوْلَى نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَسْعِيهَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهَا ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِمَوْتِهَا حُرَّةً وَلَا يَرِثُ هَذَا الْوَلَدُ مِنْهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اسْتِنَادَ الْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ إلَى حَالِ حَيَاتِهَا كَانَ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ لَهَا ، وَفِي النِّصْفِ الْبَاقِي الْوَلَدُ مَقْصُودٌ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ سِعَايَتِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَ مَوْتِ أُمِّهِ فَإِنْ لَمْ تَدَعْ الْأُمُّ شَيْئًا سَعَى الْوَلَدُ فِي الدَّيْنِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ الْوَلَدُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ كَوَلَدِ الْمَأْذُونَةِ ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقُ النِّصْفِ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ لَهَا فِي هَذَا النِّصْفِ فَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ عَتَقَ نِصْفُهُ وَنِصْفُ أُمِّهِ كَمَا لَوْ أَدَّتْ فِي حَيَاتِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَ لَكِنَّهُمْ يُتْبِعُونَ الْوَلَدَ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا ، فَأَخْذُهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْهُ كَأَخْذِهِ مِنْهَا وَإِذَا أَخَذَ مِنْهَا كَانَ الْمَأْخُوذُ سَالِمًا وَالْغُرَمَاءُ يُتْبِعُونَهَا بِدُيُونِهِمْ فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَمَا اكْتَسَبَ الْوَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ

فَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى بَعْدَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَتِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى نِصْفَ مَا بَقِيَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فِي نِصْفِهَا فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ .

رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ أَمَتِهِ فَاسْتَدَانَتْ دَيْنًا سَعَتْ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ النِّصْفِ مِنْ الْمَوْلَى يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ لِلنِّصْفِ الْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهَا مِنْ التَّقَلُّبِ وَالتَّكَسُّبِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ كَانَ جَمِيعُ الدَّيْنِ فِي جَمِيعِ رَقَبَتِهَا تُبَاعُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فَتُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِشَرِيكَيْنِ وَكَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَاسْتَدَانَتْ دَيْنًا ثُمَّ عَجَزَتْ فَالدَّيْنُ فِي جَمِيعِ رَقَبَتِهَا تُبَاعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ رِضَا الشَّرِيكِ بِالْكِتَابَةِ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ لَهَا فِي التِّجَارَةِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ضَرُورَةً .

عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَانَ دَيْنًا فَهُوَ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْآذِنَ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَذَلِكَ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ لَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِنَصِيبِهِ وَلَا بِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِذْنِ فِي نَصِيبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ اشْتَرَى الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ فَالدَّيْنُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ شِرَائِهِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتَدَانَ بَعْدَ هَذَا بِغَيْرِ عِلْمِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِذْنِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ شِرَائِهِ وَهَذَا النِّصْفُ كَانَ مَحْجُورًا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَتَأْثِيرُ الشِّرَاءِ فِي رَفْعِ الْإِذْنِ الثَّابِتِ لَا فِي إثْبَاتِهِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ وَبَيْعَهُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي نِصْفِهِ وَتَأْثِيرِ سُكُوتِ الْمَوْلَى فِي إثْبَاتِ الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ لِيَنْفُذَ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْغُرُورِ عَمَّنْ عَامَلَهُ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِ ثُبُوتِ الْإِذْنِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَلَا يُجْعَلُ سُكُوتُهُ إذْنًا .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ مَحْجُورًا فَرَآهُ الْمَوْلَى يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ صَارَ الْكُلُّ مَأْذُونًا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّصْفُ مَحْجُورًا ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّهْيِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِتَصَرُّفِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ ، وَإِنْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْبَاقِيَ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ حَقُّ التَّكَسُّبِ وَالتَّقَلُّبِ لَازِمًا ، وَفِي بَيْعِ الْبَاقِي إبْطَالُ هَذَا الْحَقِّ عَلَيْهِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَ النِّصْفُ الَّذِي بَاعَهُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ

مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَكِتَابَةُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ إعْتَاقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ تَقْرِيرَ حَقِّهِ لَا إبْطَالَهُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ عَجَزَ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَضَى عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَدَّى بَعْضَهَا ثُمَّ عَجَزَ حُسِبَ لَهُ مَا أَدَّى مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بِعِتْقِ النِّصْفِ صَارَ هُوَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ كَسْبِهِ وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهِ إمَّا الْكِتَابَةُ وَإِمَّا نِصْفُ الْقِيمَةِ فَمَا سَبَقَ فِيهِ يَكُونُ مَحْسُوبًا مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ نِصْفِ الْقِيمَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ ، وَمَا كَانَ كَسَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ فَلَهُ نِصْفُهُ وَلِلْمَوْلَى نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى حِينَ اكْتَسَبَ هَذَا الْمَالَ فَإِنْ كَانَ أَدَّى إلَى الْمَوْلَى شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ فَقَالَ الْمَوْلَى اطْرَحْ نِصْفَ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى ؛ لِأَنَّ لِي نِصْفَ الْكَسْبِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ أَدَّاهُ مِنْ شَيْءٍ اكْتَسَبَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَدَّاهُ مِنْ دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مَأْذُونٌ لَهُ وَلَا يُسَلَّمُ كَسْبُهُ لِلْمَوْلَى إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ .

وَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى السَّيِّدُ مِنْ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا جَازَ الشِّرَاءُ فِي نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مُكَاتَبٌ وَالنِّصْفَ مَأْذُونٌ ، وَشِرَاءُ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ مُفِيدٌ وَشِرَاؤُهُ مِنْ الْمَأْذُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ الْمُشْتَرِي لِلسَّيِّدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلسَّيِّدِ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ ، وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ مِنْ مَوْلَاهُ عَبْدًا فَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَازَ شِرَاؤُهُ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مُكَاتَبٌ وَالنِّصْفَ مَأْذُونٌ .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ إلَّا فِي النِّصْفِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مُكَاتَبٌ وَالنِّصْفَ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى وَشِرَاءُ الْمَمْلُوكِ مِنْ مَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَيَجُوزُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ فَكَذَلِكَ هُنَا وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فَالْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بِعَيْنِهَا بَلْ لِفَائِدَتِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ لَا يُحِيطُ بِهَا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْغُرَمَاءُ يَتَوَصَّلُونَ إلَى حَقِّهِمْ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ وَهُنَا لَا يَتَوَصَّلُونَ إلَى حَقِّهِمْ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُنَجَّمٌ مُؤَجَّلٌ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْبَيْعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْكِتَابَةَ أَوْلَى فَإِنْ أَخَذَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ أَوْ بَعْضَهَا ثُمَّ عَلِمَ الْغُرَمَاءُ بِذَلِكَ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ كَسْبِهِ مَا بَقِيَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ قَدْ عَتَقَ إنْ كَانَ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ كَانَ حَقًّا لِلْغُرَمَاءِ حَتَّى يَبِيعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ وَقَدْ أَبْطَلَ الْمَوْلَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِالْإِعْتَاقِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ ثُمَّ يُتْبِعُونَ الْعَبْدَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَبِالْعِتْقِ تَقْوَى ذِمَّتُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِالْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَاتَبَهُ لِيُؤَدِّيَ الْبَدَلَ مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ كَانَ عَالِمًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّ كَسْبَهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِقَبْضِ الْبَدَلِ مَشْغُولًا وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لِلْمَوْلَى بِمَا أَوْجَبَهُ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ فِي كَسْبِهِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لَهُ الْحَقَّ فِي كَسْبِهِ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْبَدَلَ لِلْمَوْلَى مَشْغُولًا

بِالدَّيْنِ تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ .
وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَةَ وَلَمْ يَرُدَّهَا الْغُرَمَاءُ حَتَّى قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ جَازَتْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ دَيْنُهُمْ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِوُصُولِ دَيْنِهِمْ فَجَازَتْ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ قَضَى الدَّيْنَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِوُصُولِ دَيْنِهِمْ إلَيْهِمْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِلْكُهُ بِمَا أَدَّى فَهُوَ كَمَا إذَا أَدَّى الْفِدَاءَ عَنْ الْعَبْدِ الْجَانِي وَلِأَنَّهُ أَصْلَحَ مُكَاتَبَتَهُ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِأَدَاءِ هَذَا الدَّيْنِ وَكَانَ هُوَ فِي الْأَدَاءِ كَمُتَبَرِّعٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ إنْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ فَأَدَّاهُ الْغُلَامُ عَاجِلًا ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُمْ بِوُصُولِ دَيْنِهِمْ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ .

رَجُلٌ كَاتَبَ أُمَّتَهُ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَأَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ ثُمَّ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُكَاتَبَةَ مِنْ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهَا وَيُضَمِّنُونَهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالِيَّتَهَا عَلَيْهِمْ بِالْعِتْقِ وَيَرْجِعُونَ بِفَضْلِ الدَّيْنِ إنْ شَاءُوا عَلَى الْجَارِيَةِ ، وَإِنْ شَاءُوا عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّةِ الْوَلَدِ لَمَّا انْفَصَلَ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهَا .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُبَاعُ فِي دُيُونِهِمْ وَقَدْ احْتَبَسَتْ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ عِنْدَ الْوَلَدِ بِالْعِتْقِ فَيَبِيعُونَهُ بِدَيْنِهِمْ إنْ شَاءُوا وَلَكِنْ لَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ فَيَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَإِنْ شَاءُوا رَجَعُوا عَلَى الْجَارِيَةِ بِجَمِيعِ دُيُونِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهَا تَأَكَّدَتْ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْمَوْلَى قِيمَةَ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ مَا صَنَعَ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا عَتَقَ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَعَلَى الْوَلَدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا .

أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَذِنَ لَهُمَا أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَانَتْ دَيْنًا ثُمَّ كَاتَبَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بَيْعَ نَصِيبِ الْآذِنِ ، وَفِي دُيُونِهِمْ ، وَفِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ إبْطَالُ هَذَا الْحَقِّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَ الْبَعْضِ لَا يُبَاعُ وَلِأَنَّ إذْنَ الشَّرِيكِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي نَصِيبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهِ فَيُجْعَلُ وُجُودُ إذْنِهِ كَعَدَمِهِ فَإِنْ رَضَوْا بِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْغُرَمَاءُ حَتَّى أَخَذَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ عَتَقَ نَصِيبُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَيَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ كَسْبِهِ وَنِصْفَ حِصَّةِ نَصِيبِ الْآذِنِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِدُيُونِهِمْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْكَسْبِ قَدْ سَلِمَ لَهَا ، وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا اسْتَحَقَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ .

أَمَةٌ مَأْذُونٌ لَهَا فِي التِّجَارَةِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَكَاتَبَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأُمِّ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الْوَلَدِ حَتَّى يُبَاعَ بِهِ فِي دُيُونِهِمْ ، وَفِي الْكِتَابَةِ إبْطَالُ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ جَازَتْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ مَالِيَّةِ الْأُمِّ بِبَيْعِهَا فِي دُيُونِهِمْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ ، وَالْوَلَدَ تَبَعٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْأَصْلِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ التَّبَعِ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي كَسْبِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا يُبَاعُ وَلَدُهَا فِيهِ فَلِهَذَا جَازَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوهُ قِيمَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمِّ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ فِي الْأُمِّ ، وَقَدْ أَتْلَفَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِالْإِعْتَاقِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُعْسِرًا فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْعَوْا الِابْنَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّتِهِ وَقَدْ احْتَبَسَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَسْعُوهُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَمِمَّا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَشَبَّ الْوَلَدُ وَبَاعَ وَاشْتَرَى وَلَزِمَهُ دَيْنٌ ثُمَّ جَاءَ الْغُرَمَاءُ الْأَوَّلُونَ فَرَدُّوا الْمُكَاتَبَةَ فَقَدْ بَطَلَتْ الْمُكَاتَبَةُ بِرَدِّهِمْ لِقِيَامِ حَقِّهِمْ فِي مَالِيَّةِ الْأُمِّ تُبَاعُ الْأُمُّ لِغُرَمَائِهَا وَيُبَاعُ الْوَلَدُ لِغُرَمَائِهِ خَاصَّةً دُونَ غُرَمَاءِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ فَهُوَ آكَدُ مِنْ دَيْنِ غُرَمَاءِ الْأُمِّ إذْ لَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دُيُونِهِمْ شَيْءٌ أَلَا تَرَى

أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ وَدَيْنَ الْمَوْلَى إذَا اجْتَمَعَا فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى يُقَدَّمُ دَيْنُهُ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى .
( فَإِنْ قِيلَ ) هُنَاكَ دَيْنُهُ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا بِمَالِيَّتِهِ وَهُنَا دَيْنُ غُرَمَاءِ الْأُمِّ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا بِمَالِيَّةِ الْوَلَدِ ( قُلْنَا ) التَّرْجِيحُ بِالسَّبْقِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ دَيْنَ الْوَلَدِ أَقْوَى حَتَّى يَبْقَى كُلُّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ وَلَا مَعْنَى لِلتَّرْجِيحِ بِالسَّبْقِ مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ كَاتَبَ الْأُمَّ وَلَكِنَّهُ أَذِنَ لِلْوَلَدِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ بِالْإِذْنِ يَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهِ .

رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ تَاجِرَيْنِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَغَابَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ جَاءَ الْغُرَمَاءُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْحَاضِرَ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُمَا وَاحِدَةٌ فَلَا يُرَدَّانِ فِي الرِّقِّ إلَّا مَعًا وَالْحَاضِرُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَكَانَ غَيْبَةُ أَحَدِهِمَا كَغِيبَتِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رُدَّ الْحَاضِرُ فِي الرِّقِّ وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ أَدَّى الْغَائِبُ الْبَدَلَ عَتَقَا جَمِيعًا ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ فَعَرَفْنَا أَنَّ رَدَّ الْحَاضِرِ فِي الرِّقِّ غَيْرُ مُفِيدٍ شَيْئًا وَلَكِنَّهُمْ يَسْتَسْعَوْنَهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَأْخُذُونَ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ وَمَا أَدَّى مِنْ الْمُكَاتَبَةِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ أَيْضًا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَ مَالِيَّتَهُمَا عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَا كَسْبَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ حَضَرَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَبِيعَا لِلْغُرَمَاءِ فِي الدَّيْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْغُرَمَاءِ يَكُونُ بِثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ فِي الرَّقَبَةِ أَوْ حَقِّ الْعِتْقِ وَبِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا احْتَمَلَ الْكِتَابَةَ الْفَسْخُ أَلَا تَرَى أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِمَنْزِلَةِ حَقِّ الشَّرِيكِ وَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَلشَّرِيكُ الْآخَرِ أَنْ يُضَمِّنَهُ شَيْئًا قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ الْغُرَمَاءُ وَلَكِنَّهُمْ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوهُ قِيمَةَ هَذَا الْعَبْدِ الشَّاهِدِ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُمْ مِنْ بَيْعِهِ بِتَصَرُّفِهِ وَالتَّأْخِيرُ كَالْإِبْطَالِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ وَلَوْ أَبْطَلَ حَقَّ الْبَيْعِ بِتَصَرُّفِهِ بِالتَّدْبِيرِ كَانَ ضَامِنًا لَهُمْ فَكَذَلِكَ إذَا أَخَّرَهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوهُ قِيمَةَ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ تَمَكَّنُوا مِنْ بَيْعِهِ .
وَلَوْ حَضَرَ الْعَبْدَانِ فَأَجَازَ

الْغُرَمَاءُ مُكَاتَبَةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الْآخَرَ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَتَهُمَا وَاحِدَةٌ فَإِجَازَتُهُمْ الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ إجَازَةً فِي الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ مِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ .
( قَالَ ) : وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا مِنْ تَدْبِيرٍ وَغَيْرِهِ وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا وَوَلَدًا وُلِدَ فِي الْمُكَاتَبَةِ مِنْ أَمَتِهِ بُدِئَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِدُيُونِ الْأَجَانِبِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ أَقْوَى مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى حَتَّى يَبْقَى دَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَجْزِ دُونَ دَيْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ بِدَيْنِ الْمَوْلَى إنْ كَانَ ثُمَّ بِالْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَوْلَى أَقْوَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إذْ لَيْسَ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الدَّيْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ فَيُسْقِطُهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ سِوَى الْمُكَاتَبَةِ ثُمَّ بِالْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ أُدِّيَتْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَبَطَلَتْ وَصَايَاهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِنَادَ الْعِتْقِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ دُونَ وَصَايَاهُ وَوَصَايَا الْمُكَاتَبِ فِي الْحَاصِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يُوصِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ كَسْبِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ أَدَّى الْكِتَابَةَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ يُرَاعَى قِيَامُ مِلْكِ الْمُوصِي وَقْتَ الْإِيصَاءِ وَمِلْكُهُ وَقْتَ الْإِيصَاءِ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ .
( وَالثَّانِي ) أَنْ يَقُولَ إذَا عَتَقْتُ فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لَكَ فَإِنْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةَ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ .
( وَالثَّالِثُ ) أَنْ يَقُولَ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ ثُمَّ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ يَمُوتُ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَحِيحَةٌ عِنْدَهُمَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَتَاقِ إذَا قَالَ :

كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اسْتَقْبَلَ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ أَلْفًا وَعَلَيْهِ لِلْمَوْلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ بُدِئَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَبَضَ هَذَا الْمَالَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ يُسَلَّمُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَلَوْ قَبَضَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ عَاجِزًا وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا .
( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ إذَا قَبَضَ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ سَلَّمَ الْمَالَ لَهُ وَوَصَلَ الْمُكَاتَبُ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَإِذَا قَبَضَ بِجِهَةِ الدَّيْنِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا ذَلِكَ الْمَالُ أَيْضًا وَلَا تَحْصُلُ الْحُرِّيَّةُ لِلْعَبْدِ فَكَانَ قَبْضُهُ مِنْ جِهَةٍ يَحْصُلُ بِهَا لِلْعَبْدِ الْحُرِّيَّةُ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا إلَّا دَيْنًا عَلَى إنْسَانٍ فَاسْتَسْعَى الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ سِوَاهَا فَعَجَزَ عَنْهُ وَقَدْ أَيِسَ مِنْ الدَّيْنِ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَأْيُوسَ تَاوٍ فَلَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَبِدُونِهِ قَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُ الْوَلَدِ وَلَوْ تَحَقَّقَ عَجْزُ الْأُمِّ فِي حَيَاتِهَا لَكَانَتْ تُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالدَّيْنِ الْمَأْيُوسِ عَنْ خُرُوجِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ عَجْزُ الْوَلَدِ فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ أَمَتِهِ .

وَإِذَا مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ عَنْ وَفَاءٍ وَوَلَدٍ قَدْ كُوتِبَ عَلَيْهِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ أَوْ عَنْ وَلَدٍ مَوْلُودٍ فِي مُكَاتَبَتِهَا وَرِثَهُ بَعْدَ قَضَاءِ مُكَاتَبَتِهَا ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْوَلَدِ لَا يَسْتَنِدُ إلَى مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ عِتْقُ الْأَبِ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ مَعَهُ مَضْمُومٌ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُنْفَرِدًا بِكِتَابَتِهِ فَأَدَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ قَضَاءِ مُكَاتَبَةِ الْأَبِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَرِثْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّمَا يُعْتَقُ مِنْ وَقْتِ أَدَاءِ الْبَدَلِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ هُنَا فَإِذَا لَمْ يَسْتَنِدْ عِتْقُهُ كَانَ هُوَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلِهَذَا لَا يَرِثُهُ .

وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ مُكَاتَبِهِ وَلَهُ وَرَثَةٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ وَرَثَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَيَكُونُ مِيرَاثًا لَهُمْ عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَمَا فَضَلَ عَنْهَا فَلِلذُّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ الْإِنَاثِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ وَارِثٌ سِوَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بِأَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ وَلَاءَهُ بِكِتَابَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ الذُّكُورُ مِنْ عَصَبَتِهِ دُونَ الْإِنَاثِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَمُتْ الْمُكَاتَبُ حَتَّى أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ إلَيْهِمْ أَوْ وَهَبُوهَا لَهُ أَوْ أَعْتَقُوهُ ثُمَّ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِلذُّكُورِ مِنْ وَرَثَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنَّهُ عَتَقَ وَهُوَ مُكَاتَبٌ وَالْمُكَاتَبُ لَا يُورَثُ فَلِهَذَا كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ مُكَاتَبَةِ الصَّغِيرِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا صَغِيرًا لَمْ يَعْقِلْ لَمْ تَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْقَبُولِ وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ فَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ أَلَا تَرَى أَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَصِحُّ ، وَإِنَّهُ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ كَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ أَدَّاهَا عَنْهُ رَجُلٌ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْبَدَلِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ حِينَ لَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ فَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ .
كَمَا لَوْ كَاتَبَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَدَّى عَنْهُ الْمَالَ لَمْ يُعْتَقْ ثُمَّ يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ لِمَقْصُودٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهُ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ بَاطِلٍ .

وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ صَغِيرَيْنِ يَعْقِلَانِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَهُمَا كَالْكَبِيرَيْنِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي يَعْقِلُ مِنْ أَهْلِ قَبُولِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ كَالْكَبِيرِ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الْكَفَالَةِ لَا تَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدَانِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَالصَّغِيرَانِ فِيهِ كَالْكَبِيرَيْنِ .

رَجُلٌ كَاتَبَ عَلَى عَبْدٍ لِرَجُلٍ رَضِيعٍ رَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْقَابِلِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ بِالْقَبُولِ فِي كِتَابَةِ الْغَيْرِ وَلَكِنْ إنْ أَدَّى إلَيْهِ الْمُكَاتَبَةَ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُعْتَقُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الرَّجُلِ عَلَى الرَّضِيعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ هُنَا فَقَالَ يُعْتَقُ وَقَالَ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ : أَجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ خَاطَبَ الْأَجْنَبِيَّ هُنَا بِالْعَقْدِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَفِي الْأَوَّلِ مَا خَاطَبَ الْأَجْنَبِيَّ بِعَقْدٍ إنَّمَا خَاطَبَ بِهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ هُنَا مُنْعَقِدٌ لِقَبُولِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَكِنْ لَمْ يَلْزَمْ مُرَاعَاةٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَمْ يَجِبْ لَهُ الْبَدَلُ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ الْمُكَاتَبَةَ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ يُعْتَقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ حُرًّا عَلَى عَبْدٍ لَهُ غَائِبٍ ثُمَّ رَجَعَ الْغَائِبُ فَأَجَازَ كَانَ الْعَقْدُ جَائِرًا وَلَوْ أَدَّى الْقَابِلُ قَبْلَ رُجُوعِ الْغَائِبِ عَتَقَ الْغَائِبُ وَلَوْ أَدَّى الْبَدَلَ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ رَجَعَ الْغَائِبُ فَأَجَازَ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّرَاهِمِ الْبَاقِي وَيُعْتَقُ إذَا أَدَّى فَبِهَذَا تَبَيَّنَ مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ فِي الرَّضِيعِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ مُكَاتَبَةِ عَبْدِهِ عَلَى نَفْسِهِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَبْدٍ لَهُ آخَرَ غَائِبٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَهَا الْحَاضِرُ فَإِنَّ مُكَاتَبَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزَةٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْإِلْزَامِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ الْحَاضِرِ يَصِيرُ مُكَاتَبًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ مُكَاتَبًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَيَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِيمَا لَا يَضُرُّهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ بَيْعُهُ وَيُعْتَقَ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلَا كَانَ هُوَ مَأْمُورًا بِالْأَدَاءِ عَنْهُ ، وَإِنْ عَجَزَ الْحَاضِرُ رُدَّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ وَلَا قَوْلَ لِلْغَائِبِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبُولٍ وَلَا رَدٍّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ بَلْ قَدْ نَفَذَ حِينَ وَجَبَ جَمِيعُ الْمَالِ عَلَى الْحَاضِرِ .
وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ تَبَعًا وَلَا قَوْلَ لِلتَّبَعِ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ ، وَإِنْ أَدَّى الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ لَمْ تُعْتَقْ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ جَمِيعَ الْبَدَلِ وَالْمَوْلَى غَيْرُ رَاضٍ بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَإِنْ عَجَّلَ الْآخَرُ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ قُبِلَ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ مَعَ هَذَا وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَكُونُ الْتِزَامًا لِلْبَدَلِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَحُضُورُهُ وَغَيْبَتُهُ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدٌ لَهُ صَغِيرٌ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى وَلَدِهِ فِي

إلْزَامِ الْبَدَلِ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ إنْ مَاتَ الْوَالِدُ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْمُكَاتَبَةِ عَلَى نُجُومِهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذَا .

رَجُلٌ كَاتَبَ جَارِيَةً لَهُ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى جَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ اسْتَوْلَدَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَةَ فَاخْتَارَتْ الْعَجْزَ فَلَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمَالُ كُلُّهُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَلَهَا الْخِيَارُ ، وَإِنْ اسْتَوْلَدَ الْأُخْرَى فَعَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْكِتَابَةِ وَتَسْعَى الْمُكَاتَبَةُ فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْمَالِ وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ تَكُونُ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يَنْظُرَ مَا تَصْنَعُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ قَدْ تَنَاوَلَهَا تَبَعًا وَلِهَذَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِ لَا يُعْتَبَرُ ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ حَقٌّ عَتَقَ لِجِهَةٍ أُخْرَى فَإِذَا أَدَّتْ الْأُخْرَى عَتَقَا جَمِيعًا ، وَإِنْ عَجَزَتْ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ دَبَّرَ لَمْ يَرْفَعْ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حِصَّتَهَا مِنْ الْبَدَلِ لِتَغَيُّرِ حُكْمِ الْعَقْدِ فِيهَا بِالْإِعْتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَةَ مِنْهُمَا سَقَطَ حِصَّتُهَا وَجُعِلَ كَالْقَابِضِ لِلْمَالِ مِنْهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْأُخْرَى يُجْعَلُ كَالْقَابِضِ لِحِصَّتِهَا مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى إنَّمَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ عَنْهُمَا وَلَوْ أَدَّتْ الْغَائِبَةُ وَجَبَ الْقَبُولُ مِنْهَا فَكَذَلِكَ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهَا ، وَإِنْ لَمْ يُدَبِّرْهَا وَلَكِنَّهَا وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَلَدَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِثُبُوتِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهَا فَكَذَلِكَ لَا يَبِيعُ وَلَدَهَا وَأَكْرَهُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ امْتَنَعَ بَيْعُهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ .
وَإِنْ قَتَلَتْ

فَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتُهَا ، وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ عَتَقَتْ الْمُكَاتَبَةُ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ نَفْسِهَا كَكَسْبِهَا وَلَوْ مَاتَتْ عَنْ كَسْبٍ كَانَ يُوَفِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهَا وَيَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهَا فَكَذَلِكَ يُجْعَلُ الْمَوْلَى مُسْتَوْفِيًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَمْ يَرْجِعْ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِشَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً فَأَدَّتْ الْكِتَابَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ مِنْ خَلْفِهَا وَهُوَ الْوَلِيُّ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِشَيْءٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ ( قَالَ ) رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى عَبْدٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ عَلَى وَصَيْفٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ فَلَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ هَذَا عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ مَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الصَّدَاقِ ثُمَّ قِيمَةُ الْوَصِيفِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ ، وَإِنْ جَاءَ بِوَصِيفٍ وَسَطٍ أَوْ قِيمَتِهِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذَا فِي النِّكَاحِ .
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ الْجِنْسَ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ وَمَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ .

رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَوَطِئَهَا الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ قَالَ يَأْخُذُهَا الْمُسْتَحِقُّ وَعَلَى الْمَوْلَى عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ فَإِنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ دُونَ الْعُقْرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حُكْمِ الْغُرُورِ مِنْ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ابْتَاعَ مُكَاتَبٌ لَهُ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ أَخَذَهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ثُمَّ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَتَقَ بِتَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ إلَى الْمَوْلَى وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَبْطُلُ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَدَلِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْجَارِيَةِ الَّتِي كَاتَبَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ انْتَقَضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْأَصْلِ فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى دَارٍ قَدْ سَمَّاهَا وَوَصَفَهَا أَوْ عَلَى أَرْضٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَالْأَرْضَ لَا تُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ وَهُوَ مَجْهُولٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ فَقَدْ كَاتَبَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُعْرَفُ وَإِذَا عَيَّنَهَا فَقَدْ كَاتَبَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُ دَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ .

وَلَوْ كَاتَبَهَا عَلَى يَاقُوتَةٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ لَمْ يَجُزْ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْيَاقُوتَةَ وَاللُّؤْلُؤَةَ لَا تُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ عَظِيمٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فَوْقَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ فِي مَعْنَى التَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ مَقْصُودٌ .

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ وَلَهُ الْوَسَطُ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْمُسَمَّى مَعْلُومٌ وَجَهَالَةُ الصِّفَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ .

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ فَأَعْطَاهُ وَصِيفًا ، وَعَتَقَ بِهِ ثُمَّ أَصَابَ السَّيِّدُ بِهِ عَيْبًا فَاحِشًا رَدَّهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَالصَّدَاقِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُكَاتَبُ رَقِيقًا بَعْدَ مَا عَتَقَ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْوَصِيفِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فَاحِشٌ يُرَدُّ الصَّدَاقُ بِهِ فَكَذَلِكَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَيَرُدُّهُ إنْشَاءً وَيُطَالِبُهُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَهُوَ وَصِيفٌ وَسَطٌ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ كِتَابَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ذِمِّيٌّ ابْتَاعَ عَبْدًا مُسْلِمًا فَكَاتَبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يُرَدُّ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَإِنَّمَا كَاتَبَ مِلْكَهُ وَكَانَ مُجْبَرًا عَلَى بَيْعِهِ لِيَزُولَ بِهِ ذُلُّ الْكُفْرِ عَنْ الْمُسْلِمِ ، وَقَدْ حَصَلَ هَذَا بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا .

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ مُسْلِمٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْتَزِمَ فِي ذِمَّتِهِ الْخَمْرَ بِالْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ إنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْعَقَدَتْ مَعَ الْفَسَادِ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ سَلِمَتْ لَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْلِمَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا أَوْلَى .

ذِمِّيٌّ كَاتَبَ عَبْدًا كَافِرًا عَلَى خَمْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِمْ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ فِي حَقِّنَا فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَالْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَرَدَ وَالْحَرَامُ مَمْلُوكٌ بِالْعَقْدِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَيُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ قَدْ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ بِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ يَدًا فَبِإِسْلَامِهِ يَتَأَكَّدُ مِلْكُ الْمَالِكِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُهُ مُبْطِلًا مَالِكِيَّتَهُ وَإِذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْخَمْرِ بِإِسْلَامِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ هُنَاكَ مُمْكِنٌ فَيُجْعَلُ الْإِسْلَامُ الطَّارِئُ كَالْمُقَارَنِ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ الْعَقْدِ مَعَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ إبْقَاءِ الْعَقْدِ لِمَا قُلْنَا فَتَبْقَى التَّسْمِيَةُ مُعْتَبَرَةً أَيْضًا ، فَلِهَذَا يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ .

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّهِمْ وَشَرْطُ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَالَ فِي الْكِتَابَةِ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ أَدَّاهُ وَقَبِلَهُ السَّيِّدُ فَيُعْتَقُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى انْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ فِي الْمَيْتَةِ يَعُمُّهُمَا .

وَإِذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ أُمَّ وَلَدِهِ فَأَدَّتْ بَعْضَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ثُمَّ عَجَزَتْ فَرَدَّهَا الْقَاضِي وَقَضَى عَلَيْهَا بِالْقِيمَةِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِهَا بِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْهَا بِهَذِهِ الْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ إنْ أَدَّتْهُ بَعْدَ إسْلَامِهَا ؛ لِأَنَّهَا حِينَ رُدَّتْ فِي الرِّقِّ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَصَارَ هُوَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ مَكَاسِبِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهَا وَكَسْبُهَا سَالِمٌ لَهُ فَإِنَّمَا قَضَى عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ بَعْدَ مَا صَارَ هَذَا الْمَالُ لِلسَّيِّدِ فَلِهَذَا لَا يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ .

ذِمِّيٌّ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا فَإِنْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا ، وَإِنْ عَجَزَتْ نَفْسُهَا قُضِيَ عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا عُقْرَ عَلَى السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ عُقْرَهَا كَكَسْبِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْكَسْبِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ هُنَا .

عَبْدٌ كَافِرٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَكَاتَبَ الذِّمِّيُّ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى خَمْرٍ تَجُوزُ الْمُكَاتَبَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَا تَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْكِتَابَةَ لَا تَتَجَزَّى وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا فِي نَصِيبِ الْمُسْلِمِ بِالْخَمْرِ فَكَذَلِكَ فِي نَصِيبِ الْكَافِرِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكِتَابَةُ تَتَجَزَّى فَيُقْتَصَرُ الْعَقْدُ عَلَى نَصِيبِ الْكَافِرِ خَاصَّةً وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ كَافِرٍ بِخَمْرٍ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ وَلَا يَضْمَنُ لِلْمُسْلِمِ فِيمَا أَخَذَ النَّصْرَانِيُّ مِنْ الْخَمْرِ سَوَاءٌ كَاتَبَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ قَضَى بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْقَابِضُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَضْمَنُ الْخَمْرَ لِلْمُسْلِمِ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، وَإِنْ كَاتَبَاهُ جَمِيعًا عَلَى خَمْرٍ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ وَلَوْ كَانَ دَرَاهِمَ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ فِي نَصِيبِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ خَمْرًا فَلَا يَصِحُّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ أَيْضًا إذْ لَوْ صَحَّحْنَاهُ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ نَصِيبِ الْآخَرِ مِنْ الْخَمْرِ إلَيْهِ وَذَلِكَ خِلَافُ شَرْطِهِمَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِلْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي نَصِيبِهِ فَاسِدٌ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْأَدَاءِ مَعَ صِفَةِ الْفَسَادِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ وَلِلذِّمِّيِّ نِصْفُ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَدْ زَالَ فِي نَصِيبِهِ حِينَ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَتَسْمِيَةُ الْخَمْرِ فِي حَقِّهِ كَانَ صَحِيحًا وَقَدْ سَلِمَ لَهُ نِصْفُ الْخَمْرِ كَمَا شَرَطَ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ وَلَوْ أَنَّ

ذِمِّيَّيْنِ كَاتَبَا عَبْدًا عَلَى خَمْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَهُمَا جَمِيعًا قِيمَةُ الْخَمْرِ يَوْمَ أَسْلَمَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي تَعَذُّرِ قَبْضِ الْخَمْرِ كَإِسْلَامِهِمَا وَلَوْ أَسْلَمَا تَحَوَّلَ الْخَمْرُ قِيمَةً عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُسْلِمِ تَحَوَّلَ إلَى الدَّرَاهِمِ بِإِسْلَامِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَحَوَّلَ نَصِيبُ الْآخَرِ إلَى الدَّرَاهِمِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي نَصِيبِهِمَا وَاحِدٌ فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَإِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْبَاقِي مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا الْخَمْرَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا سُمِّيَتْ قِيمَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ .

وَإِذَا مَاتَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ فَالْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهُ وَقَدْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَعَلَيْهِ كَفَنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَضَرَ مَوْلَاهُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لَهُ .

حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَكَاتَبَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَهُ فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَعَهُ دَارَ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ أَدْخَلَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَدْخَلَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وَإِدْخَالُهُ إيَّاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ الْمِلْكُ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ دَبَّرَهُ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ فِي قِيمَتِهِ أَوْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا دَارَ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تُعْتَقُ وَتَسْقُطُ السِّعَايَةُ عَنْهَا وَعَنْ الْمُدَبَّرِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا أَوْ الْأَمَةُ ذِمِّيَّةً ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمُسْلِمِ ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَكَاتَبَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِأَحَدِهِمَا فَاَلَّذِي أَدْخَلَهُ مَعَهُ دَارَ الْحَرْبِ حُرٌّ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ قَصْدًا وَالْآخَرُ لَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِ أَحَدِهِمَا قَصْدًا وَلَكِنَّهُ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ يَسْعَى فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا فَإِنْ رَجَعَ الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَدَّاهَا إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَأَدَّاهَا إلَى الْقَاضِي عَتَقَ ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَرْبِيٌّ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي قَبْضِ دُيُونِ الْمَيِّتِ فَلِهَذَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبِ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ إلَى الْقَاضِي وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ لِلْحَرْبِيِّ إذَا جَاءَ أَخَذَهُ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْأَمَانِ لَهُ فِي الْمَالِ

الَّذِي خَلَفَهُ فِي دَارِنَا وَوَلَاءُ الْعَبْدِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ حِينَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ يَكُونُ لَهُ .

حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا اشْتَرَى عَبْدًا فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ حِينَ أَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ فَقَدْ سَقَطَتْ حُرْمَةُ مِلْكِهِ وَبَقِيَ الْعَبْدُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَيَدُهُ مُحْتَرَمَةٌ فَيُعْتَقُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَهَرَ مَوْلَاهُ صَارَ هُوَ مَالِكًا وَالْمَوْلَى مَمْلُوكًا فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوْلَى عَلَى نَفْسِهِ وَمَتَى كَانَ عِتْقُ الْعَبْدِ لِتَمَلُّكِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَالْمُرَاغَمِ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ إذَا أَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَوْ يَهْرَبَ مِنْهُ إلَيْنَا بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدًا مُسْلِمًا فَالْعِتْقُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَهْرِ فَإِنَّ حُرِّيَّتَهُ تَتَأَكَّدُ بِإِسْلَامِهِ فَلِهَذَا نَفَذَ إعْتَاقُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِمَّنْ بَاشَرَ سَبَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ ، وَقَدْ بَاشَرَ الْحَرْبِيُّ هُنَا اكْتِسَابَ سَبَبِ الْوَلَاءِ وَهُوَ إعْتَاقُهُ إيَّاهُ وَكُلُّ مُعْتَقٍ يَجْرِي عَلَيْهِ السَّبْيُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْمَوْلَى حَرْبِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ إنْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْفُذُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْوَلَاءِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى

الْخِلَافِ فِي الْوَلَاءِ أَنَّ لِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَاؤُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَعَلَ ذَلِكَ الِاسْتِحْسَانَ مِنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُسْلِمِ خَاصَّةً يُعْتَقُ الْحَرْبِيُّ أَنَّ لَهُ وَلَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَ مُسْلِمًا حُكْمُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَفِي التَّعْلِيلِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا .
وَفِي قَوْلِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَشَارَ إلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَاشْتَبَهَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلَيْنِ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حَرْبِيٌّ فَمَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْنَا فَقَدْ خَرَجَ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْمَالِ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَاصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ لِلْغُرَمَاءِ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ عَادَةً بَلْ يَحْتَرِزُونَ عَنْهَا وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهُ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْبَسُ إذَا غَابَ الْمَطْلُوبُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي مَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ فَوُجُودُ إذْنِهِ فِيمَا هُوَ تَبَرُّعٌ كَعَدَمِهِ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمَوْلَى فِي إلْزَامِ شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ قَبُولُ الْحَوَالَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْتِزَامِ الْمَالِ فِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْكَفَالَةِ فَإِنْ كَفَلَ بِمَالٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَجَزَ لَمْ تَلْزَمْهُ تِلْكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ضَمَانِهِ كَانَ بَاطِلًا فِي حَالَةِ رِقِّهِ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ مَعَ الرِّقِّ وَبِالْعَجْزِ يَتَأَكَّدُ رِقُّهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ حِينَ كَفَلَ ، وَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ صَحِيحٌ فِي ذِمَّتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَهُ قَوْلُ مُلْزِمٍ وَلَا يَكُونُ هُوَ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ أَدْوَنَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا مَحْجُورًا كَفَلَ بِكَفَالَةٍ ثُمَّ عَتَقَ لَزِمَتْهُ فَالْمُكَاتَبُ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَفَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ يُطَالَبُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ إلْزَامِ الْمَالِ فِي رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ صَغِيرًا حِينَ كَفَلَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهَا ، وَإِنْ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ مُلْزِمٌ فِي التَّبَرُّعَاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ

، وَأَبُوهُ وَقَرَابَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَحَالُهُ كَحَالِ الْمُكَاتَبِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ .
وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَفَلَ لَهُ سَيِّدُهُ بِمَالٍ عَلَى إنْسَانٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ مِنْهُ وَيَبِيعَ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ وَكَفَالَةُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ بِالْمَالِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ لَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ كَفَالَةُ الْمَوْلَى فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ السَّيِّدُ بِالْمَالِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بَطَلَ الْمَالُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْمَالُ الْمَكْفُولُ بِهِ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ وَكَسْبُهُ بِالْعَجْزِ يَصِيرُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ فَكَانَ مِلْكُ الْمَوْلَى الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ كَمِلْكِهِ وَالْهِبَةُ مِنْهُ وَهُنَاكَ يَسْقُطُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إذَا كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَدَّى السَّيِّدَ الْمَالَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الَّذِي ضَمِنَهُ بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَدَاءِ اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مُسْتَهْلَكًا ؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ الْمُكَاتَبُ الْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَكَمَا أَنَّ عَوْدَ مَالِهِ إلَى الْمَوْلَى بِالْعَجْزِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ عَوْدُ هَذَا الْمَالِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَّتْ الْمُكَاتَبَةُ فَصَارَتْ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْمُقَاصَّةِ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَ الْكَفَالَةِ

لِلْمُكَاتَبِ أَوْ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ .

وَلَا تَجُوزُ مُكَاتَبَةُ مَا فِي الْبَطْنِ ، وَإِنْ قَبِلَتْهَا الْأُمُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مَعْلُومِ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي الْقَبُولِ وَالْقَبُولُ مِنْهُ لَا يُتَصَوَّرُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كِتَابَةَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ بَاطِلٌ فَمَا فِي الْبَطْنِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ إنْ تَوَلَّى قَبُولُ ذَلِكَ حُرٌّ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ وَضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْقَبُولِ وَمَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْكِتَابَةِ وَالْعَقْدِ مَتَى أُضِيفَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ كَانَ بَاطِلًا ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ قَبُولُ الْغَيْرِ كَقَبُولِ مَنْ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ الْقَبُولُ فِيهِ مِمَّنْ هُوَ الْمَقْصُودُ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ قَالَ لِلْحُرِّ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّاهُ عَتَقَ إذَا وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ يَوْمَئِذٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ مَحَلُّ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِالشَّرْطِ وَيَعْتِقُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ لَمْ يَمْلِكْهُ مِنْ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَعِتْقُ الْجَنِينِ كَانَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَالشَّرْطُ هُوَ الْأَدَاءُ إلَى الْمَوْلَى دُونَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَدِّي ؛ فَلَهَدَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَتَقَ الْجَنِينُ .

وَإِذَا وَهَبَ الْمُكَاتَبُ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ رُدَّتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ حَيْثُ كَانَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِمَا صَنَعَ وَلَا كَانَ كَسْبُهُ مُحْتَمِلًا لَهُ فَلَغَا فِعْلَهُ وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَأْخُذُهُ حَيْثُ مَا يَجِدُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ كَفَالَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْتِزَامٌ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ بِاسْتِهْلَاكِهِ مَالًا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ يَسْتَوْفِي ذَلِكَ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ فِي حَالِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْمَوْلَى بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي كَسْبِهِ خَلَصَ لَهُ .

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ عَبْدًا مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ فِي حُقُوقِ عَقْدِ الشِّرَاءِ كَالْحُرِّ وَالْمَوْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ عَجَزَ ثُمَّ وَجَدَ السَّيِّدُ بِهِ عَيْبًا وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَخْلُصُ لَهُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ كَمَا يَخْلُصُ لِلْمُكَاتَبِ بِعِتْقِهِ ثُمَّ لَا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْعَجْزِ وَالْمَوْلَى يَخْلُفُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثَ ، وَلِلْوَارِثِ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ مُوَرِّثُهُ فَكَذَلِكَ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُكَاتَبَ هُوَ الَّذِي يَلِي رَدَّهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ إلَى الْعَاقِدِ خَاصَّةً مَا بَقِيَ حَيًّا وَهُوَ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يَشْتَرِي شَيْئًا ثُمَّ يَحْجُرُ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ .

مُكَاتَبٌ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَجَزَ فَوَجَدَ بِهِ السَّيِّدُ عَيْبًا لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ عَلَى عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ مِنْ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا عَامَلَهُ بِشَيْءٍ وَلَا كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَفَادًا بِذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُسْتَفَادُ بِعَقْدِهِ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ فَمَا لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ الْمِلْكُ لَا تُتَصَوَّرُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ فِي الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْعَجْزِ ثُمَّ وَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ لِلْمُكَاتَبِ مُتَعَذِّرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ عَاجِزًا عَمَّا كَانَ مُتَعَذِّرًا بَعْدَ عَجْزِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَوْلَاهُ وَدَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ دَيْنُ الْمَوْلَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّتَهُ ، وَمَالِيَّتُهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ فِي مِلْكِهِ ، وَيُبَاعُ فِي دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ وَبَقِيَ بَعْدَ الْعَجْزِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَجْزَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لِلْأَجْنَبِيِّ ابْتِدَاءً إذَا وُجِدَتْ سَبَبُهُ فَكَذَلِكَ لَا يُنَافِي بَقَاءَهُ وَإِذَا بَقِيَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّتِهِ فَيُبَاعُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ وَلَكِنَّهُ مَاتَ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ بُدِئَ بِدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى ثُمَّ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَوْلَى وَمُكَاتَبَتِهِ ، وَفِي هَذَا أَشَارَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُكَاتَبَةِ وَالدَّيْنِ الْآخَرِ لِلْمَوْلَى وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا مُفَسَّرًا أَنَّ دَيْنَ الْمَوْلَى مُقَدَّمٌ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ .

وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، وَفِي رَقَبَتِهِ دَيْنٌ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنْهُ يُرِيدُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَجْزِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْعَجْزِ فَإِنْ رَدَّهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْعَبْدُ الْمَرْدُودُ كَسْبُهُ فَيُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الرَّادِّ وَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمْ فِي كَسْبِهِ ، وَإِنْ قَالَ الرَّادُّ : لَا أَرُدُّهُ حَتَّى آخُذَ ثَمَنَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ عِنْدَ الرَّدِّ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَبِاعْتِبَارِ بَقَاءِ يَدِهِ هُوَ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيُبَاعُ لَهُ خَاصَّةً .

وَإِذَا سُبِيَ الْمُكَاتَبُ فَاسْتَدَانَ دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اسْتَدَانَهُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْلَكُ بِالْأَسْرِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ مُكَاتَبًا سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .

وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَاسْتَدَانَ فِي رِدَّتِهِ أَيْضًا عُلِمَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الْمَرَضِ حَتَّى يَبْدَأَ بِمَا اسْتَدَانَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِنْ إكْسَابِهِ ثُمَّ مَا بَقِيَ لِلَّذِي أَدَانَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ الْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُرَّ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي التَّصَرُّفَاتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ دَفْعِ مَا نَزَلَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّوْبَةِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ لِكَوْنِهِ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْحُرَّ بِالرِّدَّةِ تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ وَيَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْمُكَاتَبُ إنَّمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَوْلَاهُ فَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْحَجَرِ مُتَقَرِّرٌ فَلِهَذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا كَسْبُ الْإِسْلَامِ وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ ؛ فَلِهَذَا يَسْتَوِي الْكَسْبَانِ فِيهِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ وَأَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ حَقِّ الْمَوْلَى يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ كَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْئًا فَيَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَكَسْبِ إسْلَامِهِ .

وَلَوْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ثُمَّ اسْتَدَانَ فِي رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إذْنِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِذَا أَسْلَمَ صَارَ كَأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَكُنْ فَيَكُونُ هَذَا وَمَا اسْتَدَانَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ سَوَاءٌ .
وَلَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا عَنْ مَالٍ كَانَ غُرَمَاؤُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَانُوا أَحَقَّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ .

وَإِذَا سَعَى وَلَدُ الْمُكَاتَبِ الْمَوْلُودُ فِي مُكَاتَبَتِهِ وَقَضَى مُكَاتَبَتَهُ وَعَتَقَ ثُمَّ حَضَرَ غُرَمَاءُ أَبِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ وَلَكِنَّهُمْ يُتْبِعُونَ الْوَلَدَ بِدَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَالْمُكَاتَبُ فِي حَيَاتِهِ لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ أَوَّلًا عَتَقَ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ وَلَدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتِحْسَانًا ، نَقُولُ فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ تَرَكَ مَالًا فَأَدَّاهُ الِابْنُ إلَى السَّيِّدِ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَرْجِعُونَ بِذَلِكَ الْمَالِ عَلَى السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَمْلِكُ الْوَلَدُ إبْطَالَ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ وَيَعُودُ الِابْنُ مُكَاتَبًا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ لَمَّا بَطَلَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يُؤَدِّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْلَى وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا فِي الْفَصْلِ بِعَيْنِهِ إنَّهُ يَكُونُ حُرًّا وَهَكَذَا يُذْكَرُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَيُضِيفُهُ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ابْنَ الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مِنْ تَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ مَالًا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَلَحِقَهُ دَيْنٌ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْعِتْقُ مَاضٍ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَوْلَى مَا أُخِذَ وَيَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عِتْقِهِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْأَدَاءُ فَيُعْتَقُ .
وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُسْتَحَقًّا لِلْغُرَمَاءِ وَلَكِنْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَقُولُ هُوَ لَا يَخْلُفُ أَبَاهُ فِي كَسْبِهِ مَا بَقِيَ الرِّقُّ فِيهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِأَدَائِهِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ يَخْلُفُهُ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ بِنَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ أَدَاؤُهُ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى مَا يَقْبِضُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ وُجُوهُ وَصِيَّةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدٍ لَهُ ، فَقَالَ بِيعُوهُ بَعْدَ مَوْتِي نَسَمَةً فَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ

لِلْعَبْدِ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ نَسَمَةٌ يَكُونُ لِلْعِتْقِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرْغَبُ فِيهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَوْ أَوْصَى بِهَذَا يَحُطُّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَوَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ بِالثُّلُثِ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كَسْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ فَإِنْ أَجَازُوا بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَدْفَعُوهُ إلَى صَاحِبِهِمْ فَلَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ لَغْوًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَلَا تَعْمَلُ الْإِجَازَةُ فِي لُزُومِهِ بِخِلَافِ وَرَثَةِ الْحُرِّ إذَا أَجَازُوا وَصِيَّتَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَادَفَ مَحَلَّهُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ نُفُوذُهُ لَحِقَ الْوَرَثَةَ فَإِجَازَتُهُمْ تَكُونُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِمْ فَلِهَذَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ وَهُنَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَلَا تَعْمَلُ الْإِجَازَةُ فِيهِ وَلَكِنَّهُمْ لَوْ دَفَعُوهُ إلَى صَاحِبِهِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَفِي الْقِيَاسِ لَهُمْ الِاسْتِرْدَادُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا الْعَقْدُ ابْتِدَاءً ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَجَازَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ لَغْوًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ دَفْعُهُمْ الْمَالَ إلَى صَاحِبِهِ تَمْلِيكٌ مِنْهُ لِذَلِكَ الْمَالِ وَتَمْلِيكُهُمْ صَحِيحٌ بَعْدَ مَا خَلَصَ الْمَالُ لَهُمْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَ تَمْلِيكُهُ فَلِهَذَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمْ .

وَإِذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِصَدَقَةٍ فَقَضَى مِنْهَا الْكِتَابَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَفَاءٌ فَعَجَزَ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي يَدِهِ فَهِيَ طَيِّبَةٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَمَّتْ وَصَارَ الْمَقْبُوضُ كَسْبًا لِلْمُكَاتَبِ فَإِنَّمَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى إمَّا بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ أَوْ بِجِهَةِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ فَيَكُونُ طَيِّبًا لَهُ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ .
وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ بَرِيرَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ } .
وَكَذَلِكَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى عَبْدِ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حُكْمِ الصَّدَقَةِ كَالْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَى عَبْدِ الْفَقِيرِ بِزَكَاةِ الْمَالِ وَيَحِلُّ ذَلِكَ لِمَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَكَاتِبِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ الْمُكَاتَبِ فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ أَوْ جِنْسِهِ فِي حُكْمِ التَّحَالُفِ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَالَ ) إذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ كَاتَبْتَنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : عَلَى أَلْفَيْنِ فَجَعَلَ الْقَاضِي الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَلْزَمَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ ، ثُمَّ أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَبَيِّنَتُهُ مَقْبُولَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ زِيَادَةِ الْمَالِ ، وَهُوَ حَقُّهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا بَعْدُ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى أَلْفًا وَأَمْضَى الْقَاضِي عِتْقَهُ ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ ، فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا ، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْحُجَّةِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ أَلْفَانِ ، وَأَنَّ الْقَاضِي مُخْطِئٌ فِي إمْضَاءِ عِتْقِهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَلْفِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : هُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِعِتْقِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ ، ثُمَّ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ عَلَى إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى نَفْيِ الْعِتْقِ الْمَقْضِيِّ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْمُكَاتَبِ بُطْلَانُ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي وَقْتِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ .
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يُعْتَقُ بِأَدَاءِ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِعِتْقِهِ صَادَفَ مَوْضِعَ

الِاجْتِهَادِ فَكَانَ نَافِذًا فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُخَاصِمْهُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى أَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَلْفَيْنِ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ الْبَاقِيَةَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ أَلْفَانِ فَلَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ بَعْضِ الْمَالِ ، وَلَمَّا لَمْ يُخَاصِمْهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ لَهُ مُحَالًا بِهِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْمَالِ .

وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَوْلَى كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفَيْنِ ، وَقَالَ الْعَبْدُ : كَاتَبْتَنِي عَلَى أَلْفٍ إذَا أَدَّيْتَ فَأَنَا حُرٌّ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَلْفَيْنِ فَيُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْمَوْلَى عَلَى الْمَالِ وَبِبَيِّنَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْعِتْقِ فَإِذَا أَدَّى أَلْفًا عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عِتْقِهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَلْفِ حِين شَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَدَّى أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ أَبْهَمَ الْجَوَابَ وَهُنَا فَسَّرَ وَفَرَّقَ بَيْنَمَا إذَا شَهِدَ شُهُودُ الْعَبْدِ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ وَلَكِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَنَجَمَهَا عَلَيْهِ نُجُومًا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ هُنَا حَتَّى يُؤَدِّيَ أَلْفًا أُخْرَى ، وَهَذَا الْفَرْقُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عِتْقُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَلْفِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ الْمَوْلَى أَنَّ الْبَدَلَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ أَلْفَانِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَلْفَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ ، ثُمَّ جَدَّدَ الْكِتَابَةَ عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ زَادَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ أَلْفًا أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْعَبْدُ : كَاتَبْتَنِي عَلَى نَفْسِي وَمَالِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : بَلْ كَاتَبْتُكَ عَلَى نَفْسِكَ دُونَ مَالِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذَا الْفَصْلِ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي حَقِّهِ ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَوْلَى : كَاتَبْتُكَ عَلَى نَفْسِكَ خَاصَّةً ، وَقَالَ الْعَبْدُ : بَلْ عَلَى نَفْسِي وَوَلَدِي .

فَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى : كَانَ هَذَا الْمَالُ فِي يَدِكَ حِينَ كَاتَبْتُكَ فَهُوَ مَالِي ، وَقَالَ الْعَبْدُ : أَصَبْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِحُكْمِ يَدِهِ ، وَالْمَوْلَى يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَيَحْتَاجُ الْمَوْلَى إلَى إثْبَاتِ التَّارِيخِ السَّابِقِ بِالْبَيِّنَةِ .

وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا فَسَادًا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ يَكُونُ اتِّفَاقًا مِنْهُمَا عَلَى مَا يَصْلُحُ بِهِ الْعَقْدُ فَإِنَّ مُطْلَقَ فِعْلِ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلِأَنَّ الْمُفْسَدَ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى مَا بِهِ تَتِمُّ الْمُكَاتَبَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى قَبْلَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ زِيَادَةَ شَرْطٍ بِبَيِّنَتِهِ .

وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى : كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ ، وَقَالَ الْعَبْدُ إلَى سَنَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْعَبْدِ فَهُوَ يَدَّعِي زِيَادَةً فِي حَقِّهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْأَجَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ زِيَادَةً فِي الْأَجَلِ .

وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَاتَبَهُ نُجُومًا عَلَى أَلْفٍ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةٌ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : نُجُومُكَ مِائَتَانِ كُلَّ شَهْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ فِي فَصْلِ الْأَجَلِ الْعَبْدُ يَدَّعِي أَنَّ الْأَجَلَ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ ، وَالْمَوْلَى يَدَّعِي أَنَّ الْأَجَلَ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ .

وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ : كَاتَبْتَنِي عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُكَاتَبِ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِهِمَا ، وَإِنَّمَا قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى ، وَبَيِّنَتُهُ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَةِ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّهِ .

وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِمُكَاتَبَتِهِ : وَلَدْتِ هَذَا الْوَلَدَ قَبْلَ أَنْ أُكَاتِبَكِ فَهُوَ عَبْدِي ، وَقَالَتْ : بَلْ وَلَدْتُهُ فِي مُكَاتَبَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ الْوَلَدُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ ، وَالْآخَرُ يُرِيدُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : إذَا كَانَ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِمَاذَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَوِلَادَتُهَا الْوَلَدَ حَادِثٌ وَيُحَالُ بِالْحَادِثِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ؟ قُلْنَا ) : نَعَمْ وَلَكِنَّ هَذَا نَوْعٌ ظَاهِرٌ ، وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَالْمُكَاتَبُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْيَدِ عَلَى الْمَوْلَى فِي الْوَلَدِ ، وَالظَّاهِرُ لِهَذَا لَا يَكْفِي فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُكَاتَبَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ بِبَيِّنَتِهَا ، وَالْمَوْلَى يَنْفِي ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقَ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهَا بِبَيِّنَتِهَا تُثْبِتُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ فِي الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتِهِ عِنْدَ أَدَائِهَا ، وَالْمَوْلَى يَنْفِي ذَلِكَ بِبَيِّنَتِهِ فَكَانَ الْمُثْبَتُ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى كَمَا لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِهَا هَذَا الِاخْتِلَافَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْجَارِيَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الْعِتْقِ لِلْوَلَدِ .

وَإِذَا مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ وَلَدُهَا ، وَالْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبَةِ فَهُوَ كَاخْتِلَافِ الْمَوْلَى ، وَالْأُمِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَامَ مَقَامَ الْأُمِّ فَاخْتِلَافُهُ مَعَ الْمَوْلَى فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْأُمِّ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ أَنَّهُ أَدَّى الْبَدَلَ أَوْ أَنَّ الْأُمَّ أَدَّتْ الْبَدَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الْأُمُّ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُكَاتَبَةِ وَابْنِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى .

وَلَوْ كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدًا لَهُ مُسْلِمًا ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ وَأَقَامَ الْمَوْلَى بَيِّنَةً مِنْ النَّصَارَى لَمْ تُقْبَلْ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ مُسْلِمٌ وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُسْلِمِ .

حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا ذِمِّيًّا وَكَاتَبَهُ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِمَّنْ دَخَلَ مَعَهُ بِأَمَانٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا لَا تَكُونُ حُجَّةً كَشَهَادَةِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ ، وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .

بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمَرِيضِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نَجَّمَهَا عَلَيْهِ نُجُومًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يُخَيِّرُ الْعَبْدُ إنْ شَاءَ عَجَّلَ مَا زَادَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ بِتَأْجِيلِ الْمَالِ عَلَيْهِ أَخَّرَ حَقَّ الْوَرَثَةِ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِمْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ التَّأْجِيلِ كَضَرَرِ الْإِبْطَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَيْلُولَةَ تَقَعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ حَقِّهِمْ عَقِيبَ مَوْتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَجَّلَ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ يُعْتَبَرُ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَ ، وَأَنَّ شُهُودَ التَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ إذَا رَجَعُوا ضَمِنُوا كَشُهُودِ الْإِبْرَاءِ فَإِنْ عَجَّلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْمَالِ ، وَإِنْ عَجَّلَ شَيْئًا عِنْدَ اعْتِرَاضِ الْوَرَثَةِ يَشِيعُ الْمُعَجَّلُ فِي جَمِيعِ النُّجُومِ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ بِحِصَّتِهِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ النُّجُومِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَجَّلَ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ .

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ قِيلَ لَهُ عَجِّلْ ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُقَالُ لَهُ عَجِّلْ ثُلُثَيْ قِيمَتِكَ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مَالَ الْمَوْلَى بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ وَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ كَانَ الْمَرِيضُ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا فَإِذَا تَمَلَّكَهُ مُؤَجَّلًا لَا يَثْبُتُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَجَلِ فِيهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ .

وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قِيلَ لَهُ عَجِّلْ ثُلُثَيْ قِيمَتِكَ وَأَنْتَ حُرٌّ وَإِلَّا رَدَدْنَاكَ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ حَابَاهُ بِنِصْفِ الْمَالِ ، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ وَإِذَا اسْتَغْرَقَتْ الْمُحَابَاةُ لِلثُّلُثِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّأْجِيلِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يُعَجِّلَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَيُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِ الْمَوْلَى بِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ مِنْهُ لَمَّا كَانَ الْعَقْدُ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ لَا يُبْطِلُ الِاسْتِحْقَاقَ الثَّابِتَ لِلْمُكَاتِبِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ فِي صِحَّتِهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحَقَّ هُنَا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إيصَالِ الْمَالِ إلَيْهِ ظَاهِرًا لِيَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ حَقُّهُمْ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ ، ثُمَّ تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ هُنَا أَنَّهُ قَصَدَ بِتَصَرُّفِهِ تَحْصِيلَ الْعِتْقِ لَهُ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ كَأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ مَكَانَ الْكِتَابَةِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ .

وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى فِي مَرَضِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِأَنَّهُ لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَعْجِزَ نَفْسَهُ فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ إلَّا فِي الْقِيمَةِ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثَانِ فِي الْأَقَلِّ وَهُوَ قِيمَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّ إعْتَاقَهُ إيَّاهُ إبْطَالٌ لِلْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ الْمُبْتَدَأَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى غَيْرُ الْمُعْتَقِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا إبْطَالًا لِلْكِتَابَةِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يُكَاتِبْهُ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَوْلَى هُوَ الْأَقَلُّ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ بِالْهِبَةِ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقُّهُ وَهُوَ الْأَقَلُّ ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ إنَّهُ مَتَى أَدَّى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عَتَقَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَمُرَادُهُ قَوْلَ يَعْقُوبَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعِتْقِهِ وَجْهَانِ سَعَى فِي الْأَقَلِّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ السِّعَايَةِ ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يُخَيِّرُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُفِيدٍ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ مَا عَلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ

بِالْإِعْتَاقِ الْمُبْتَدَأِ بَطَلَ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَمَا أَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَيَكُونُ سَالِمًا لَهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْكِتَابَةِ ، وَالسِّعَايَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَاقِيَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْمِائَةِ ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ هُنَا أَقَلُّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَالَ الْمَوْلَى الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ ؛ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثَانِ هُنَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ .

وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا وَاشْتَرَتْ وَلَدًا آخَرَ لَهَا ، ثُمَّ مَاتَتْ سَعَيَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ فِي بَقَاءِ النُّجُومِ بِبَقَائِهِ وَهُوَ الْمُطَالَبُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ دُونَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَا يُطَالَبُ بِالْمَالِ عَلَى النُّجُومِ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَالًّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا يُبَاعُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ مَقَامَهَا ، وَإِنَّمَا الْقَائِمُ مَقَامَهَا هُوَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَصَارَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ الْآخَرِ كَالْأُمِّ وَفِي حَالِ حَيَاتِهَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تُطَالَبُ بِالْمَالِ وَتَلِي الْأَدَاءَ دُونَ الْوَلَدِ فَكَذَا هُنَا فَإِنْ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْكِتَابَةِ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ أُمِّهِ وَلِأَنَّ كَسْبَهُ فِي أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ تَرِكَتِهَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ .
وَلَوْ اكْتَسَبَ هَذَا الِابْنُ الْمُشْتَرَى كَسْبًا فَلِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أُمِّهِ وَكَانَ لَهَا فِي حَيَاتِهَا أَنْ تَأْخُذَ كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْأَجَلُ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَبْقَى الْأَجَلُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَنْ هُوَ أَصْلٌ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَصْلٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ ، وَالْمُشْتَرَى تَبَعٌ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي عَمَلٍ لِيَأْخُذَ كَسْبَهُ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ الْقَاضِي أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ أَوْ يَأْمُرُ أَخَاهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً

كَانَ لَهَا أَنْ تُؤَاجِرَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي إذَا أَبَى أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِيُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبَةَ مِنْ إجَارَتِهِ وَمَا اكْتَسَبَ الْمَوْلُودُ فِي الْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَمَا اكْتَسَبَ أَخُوهُ حُسِبَ مِنْ تَرِكَتِهَا فَقَضَى مِنْهُ الْكِتَابَةَ ، وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ مَالٍ خَلَّفَتْهُ يَقْضِي مِنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ ، وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ عَنْهَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فَأَمَّا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ قَدْ انْتَصَبَ أَصْلًا فَإِذَا حَكَمَ بِعِتْقِهِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ عِتْقِ أُمِّهِ كَانَ مَا اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِنْدَهُمَا الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ، وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَكُلُّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ سَوَاءٌ فَلَا يَكُونُ لِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا يَتْبَعُ لِصَاحِبِهِ .

وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ كَاتَبَ الصَّحِيحُ بِإِذْنِهِ جَازَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إبْطَالُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوَرِّثِ إبْطَالُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْإِذْنِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إسْقَاطِ خِيَارٍ ثَبَتَ لَهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا ، مِنْ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا غَلَطٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْقَبْضِ رِضًا مِنْهُ بِأَنْ يَقْضِيَ الْمُكَاتَبُ دَيْنَهُ بِنِصْفِ الْكَسْبِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَرِيضِ ، وَهَذَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمَرِيضُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ وَرَثَتِهِ عَنْ كَسْبِهِ بِأَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ فَيُعْمَلُ رِضَاهُ أَيْضًا بِقَضَاءٍ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ سَبِيلٌ عَلَى إبْطَالِ ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَتَبَرُّعُهُ بِمَنْفَعَةِ نَصِيبِهِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ فَكَذَلِكَ تَبَرُّعُهُ مِنْ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ .

وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْيِيبًا لَهُمَا فَإِنَّ النِّكَاحَ عَيْبٌ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ جَمِيعًا ، وَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الْعَقْدِ نَفَقَتُهَا عَنْهُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ أَيْضًا فَكَانَ هَذَا ضَرَرًا فِي حَقِّ الْمَكَاتِبِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ .

وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَيَقْصِدُ بِهِ اكْتِسَابَ الْمَالِ ، وَالْمُكَاتَبُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي مِثْلِهِ وَلِأَنَّ الْفَكَّ الثَّابِتَ بِالْكِتَابَةِ فَوْقَ الثَّابِتِ بِالْإِذْنِ وَإِذَا جَازَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَى فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْمَكَاتِبُ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ الدَّيْنَ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ تَنَاوَلَهُ الْفَكُّ الثَّابِتُ بِالْكِتَابَةِ ، وَالْمُكَاتَبُ فِي مِثْلِهِ كَالْحُرِّ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِنَفْسِهِ جُعِلَ كَالْحُرِّ لِهَذَا فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، وَقَدْ لَحِقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ بِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَيْنِ نَفْسِهِ لَا أَنْ يَفْدِيَهُمَا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ الرَّأْيُ إلَيْهِ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُمَا الدَّيْنَ أَوْ يُبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دَيْنِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ لَمْ يُصْرَفْ فِي دَيْنِ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ بَلْ الْمُكَاتَبُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَكَمَا لَا يَقْضِي دَيْنَ الْعَبْدِ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ لَا يَقْضِي مِنْ ثَمَنِ الْمُكَاتَبِ .
وَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ شَيْءٌ صُرِفَ فِي دَيْنِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَسْبُهُ وَحَقُّ غُرَمَائِهِ ثَبَتَ فِي كَسْبِهِ إلَّا أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ كَانَ مُقَدَّمًا فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْ دَيْنِهِ صُرِفَ فِي دَيْنِ الْمُكَاتَبَةِ ، فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى بَعْضَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ ، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى مَنْ اقْتَضَى دَيْنَهُ سَبِيلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا قَضَى مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ

وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مُتَبَرِّعٍ آخَرَ يَتَبَرَّعُ بِقَضَاءِ بَعْضِ دَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْبَاقِينَ عَلَى الْمُقْتَضِي سَبِيلٌ وَلَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الْعَبْدَ بِدَيْنِهِمْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَلَا يُخَاصِمُهُمْ الْمَوْلَى بِمَا قَضَى مِنْ دَيْنِهِ فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلَا فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ هُوَ فِي الْأَدَاءِ بِمَنْزِلَةِ مُتَبَرِّعٍ آخَرَ وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ الْفَكِّ الثَّابِتِ لِلْمُكَاتَبِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِعَجْزِهِ فَيَكُونُ عَجْزُهُ كَمَوْتِ الْحُرِّ وَبِمَوْتِ الْحُرِّ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَكَذَلِكَ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ عَاجِزًا فَقَدْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَهُوَ كَمَوْتِ الْحُرِّ فَيَكُونُ حَجْرًا عَلَى الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ ؛ لِأَنَّ غُرَمَاءَ الْعَبْدِ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ ، وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ إنَّمَا يَخْلُفُ أَبَاهُ فِيمَا هُوَ حَقُّهُ ، فَأَمَّا فِيمَا هُوَ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَلَا فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ .

وَإِذَا أَذِنَ الْمُكَاتَبُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَانَ دَيْنًا فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ جَازَ ذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى هُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ ، وَالْمُكَاتَبُ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَالْحُرِّ فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْفَكُّ وَدَفْعُ الْعَبْدِ إلَى الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِمْ يَجُوزُ مِنْ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمَكَاتِبِ .

وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيجِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْذَنُ الْعَبْدُ فِيهِ ، وَإِنْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التَّزْوِيجِ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَهْرَهَا وَيُسْقِطُ نَفَقَتَهَا عَنْ نَفْسِهِ .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَيْسَ مِنْ صُنِعَ التُّجَّارِ عَادَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الْخِيَارِ فِي الْكِتَابَةِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيَجُوزُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ نُفُوذِهِ كَالْبَيْعِ ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمَوْلَى لِنَفْسِهِ فِيهَا الْخِيَارَ ثَلَاثًا فَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا أَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ أَجَازَ الْكِتَابَةَ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ ، وَالْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ مِنْ حِينِ عُقِدَ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ ، وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلِأَنَّ وَلَدَهَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا وَهِيَ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فَكَذَلِكَ بِمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا ، وَالْعُقْرُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا ، وَالْكَسْبُ بَدَلُ مَنَافِعِهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهَا بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ كَمَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَ أَوْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ رَدٌّ لِلْمُكَاتَبَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ .

وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ أَوْ بَاعَهُ كَانَ رَدًّا لِلْبَيْعِ ، وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا وَلَوْ بَاشَرَ هَذَا التَّصَرُّفَ فِيهَا كَانَ رَدًّا لِلْمُكَاتَبَةِ فَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُسَلِّمُ لَهَا بِنُفُوذِ الْكِتَابَةِ بِالْإِجَازَةِ وَمَقْصُودُ الْمَوْلَى تَصْحِيحُ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إلَّا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ فَجَعَلْنَاهُ فَاسِخًا لِهَذَا ، وَلَكِنْ فِيهِ بَعْضُ الْإِشْكَالِ فِي الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عِتْقِ الْوَلَدِ ، وَبَيْنَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَلُزُومِهَا كَانَ عِتْقُهُ صَحِيحًا نَافِذًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْعَلَ إعْتَاقُهُ الْوَلَدَ رَدًّا لِلْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ .

رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ صِغَارٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ ، ثُمَّ أَجَازَ الْكِتَابَةَ جَازَتْ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ كُلُّهُ عَلَيْهِ دُونَ الْوَلَدِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فِي إلْزَامِ الْبَدَلِ إيَّاهُ فَكَذَلِكَ مَوْتُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ .

وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّتَهُ عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ فَأَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ عِتْقِ السَّيِّدِ الْوَلَدَ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُمْكِنٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ لُزُومِ الْكِتَابَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ ، ثُمَّ لَا يُحَطُّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَحْصِيلَ بَعْضِ مَقْصُودِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ لَمْ يُحَطَّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْكِتَابَةِ إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَإِنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْعِتْقِ هُنَاكَ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ كَانَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ حَتَّى لَا يُعْتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا فَكَذَلِكَ إعْتَاقُهُ الْوَلَدَ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ بِخِيَارِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَالْعَقْدُ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ فَاسِخًا لِلْكِتَابَةِ حَتَّى يُعْتِقَ الْوَلَدَ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، وَالْخِيَارِ لِلْمَوْلَى فَلَهُ الْإِجَازَةُ ، ثُمَّ الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ الْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَبِالْقِيَاسِ يَأْخُذُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعَقْدِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ مَنْ هُوَ الْأَصْلُ ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ عِنْدَ ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا عَلَى الْوَلَدِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُودُ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ الْأَصْلُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا فَبَقَاؤُهُ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَبَقَائِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ نُفُوذِ الْعَقْدِ

لَوْ مَاتَتْ جَعَلَ الْوَلَدَ قَائِمًا مَقَامَهَا فِي السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ إذَا مَاتَتْ بِجَعْلِ الْوَلَدِ قَائِمًا مَقَامَهَا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ لِحَاجَتِهَا وَلِحَاجَةِ وَلَدِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يُورَثُ مِمَّنْ هُوَ حُرٌّ فَكَيْفَ يُورَثُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا لَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَتْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهَا ، فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَاشْتَرَتْ وَبَاعَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، ثُمَّ رَدَّ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَةَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِمَّا صَنَعَتْ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ بَطَلَتْ بِفَسْخِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَمَامِهَا ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ الْكِتَابَةِ وَلُزُومِهَا فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَأْذُونَةً فِي التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى رَآهَا فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاسْتَدَانَ دَيْنًا ، ثُمَّ رَدَّ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَمَّا إذَا رَآهُ يَتَصَرَّفُ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّهْيِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِتَصَرُّفِهِ يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا ، وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْكِتَابَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبِ كَانَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ رِضًا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْهُ فَيَتَضَمَّنُ الْإِجَازَةَ لِلْعَقْدِ مِنْهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْمُشْتَرِي

فِي التِّجَارَةِ كَانَ هَذَا رِضًا مِنْهُ بِالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .

بَابُ مُكَاتَبَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْمُدَبَّرِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَجُلٌ بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ خِدْمَتَهَا مِنْ نَفْسِهَا جَازَ ذَلِكَ وَهُمَا حُرَّتَانِ ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ رَقَبَتَهُمَا مِنْ نَفْسِهِمَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِمَا الْخِدْمَةُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْهُمَا بِعِوَضٍ وَمُضِيفًا لِتَصَرُّفِهِ إلَى مَا هُوَ الْمَمْلُوكُ لَهُ عَلَيْهِمَا فَيَصِحُّ وَيَجِبُ الْبَدَلُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ .

أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَنْقُضَ الْكِتَابَةَ كَمَا لَوْ كَانَتْ قِنَّهُ وَلَا يُقَالُ هُنَا لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَبِيعَاهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلِمَاذَا ثَبَتَ لِلسَّاكِتِ حَقُّ فَسْخِ كِتَابَةِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَسْتَخْدِمَاهَا وَيُؤَاجِرَاهَا ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَسْتَدِيمَا الْمِلْكَ فِيهَا وَإِذَا رُدَّتْ الْكِتَابَةُ تَعَذَّرَ عَلَى الشَّرِيكِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ .

وَلَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَمَةً لَهُ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، ثُمَّ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ أَوْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فَالْأُخْرَى تَسْعَى فِي نِصْفِ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَتَوَزَّعُ عَلَى قِيمَتِهِمَا ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَبِإِعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهَا مِنْ الْبَدَلِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ مُدَبَّرًا لَهُ وَقِنًّا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الْبَدَلِ وَسَعَى الْآخَرُ فِي نِصْفِ الْبَدَلِ ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مُدَبَّرًا أَوْ قِيمَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ مِثْلَ قِيمَةِ الْقِنِّ ؛ لِأَنَّ فِي الِانْقِسَامِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ دَعْوَةِ الْمُكَاتَبِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : جَارِيَةٌ بَيْنَ مُكَاتَبٍ وَحُرٍّ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا لِلْحُرِّ يَوْمَ عَلَقَتْ مِنْهُ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَالِهِ مِنْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ يَمْلِكُ الدَّعْوَةَ كَالْحُرِّ فَبِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا هُنَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ وَثَبَتَ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي حَقِّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ تَبَعًا لِثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ وَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهَا مِنْ حِينِ عَلَقَتْ فَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ وَنِصْفَ قِيمَتِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ عَلَى مِلْكِهِ ، وَالْحُرُّ فِي نَظِيرِ هَذَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَأَشَارَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْجَنِينَ تَبَعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمَةً إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَهِيَ حُبْلَى فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْهَا كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي ، فَإِنْ ضَمِنَ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمَا كَسْبُهُ ، وَقَدْ خَرَجَا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ بِعَجْزِهِ فَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ .
وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْهُ وَلَمْ يُضَمِّنْهُ شَيْئًا حَتَّى عَجَزَ كَانَ نِصْفُ الْجَارِيَةِ وَنِصْفُ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ بِعَجْزِهِ وَنِصْفُهُمَا عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ الْحُرِّ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الضَّمَانُ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَبَقَاءِ الْمِلْكِ لِلشَّرِيكِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ بِالضَّمَانِ هُنَاكَ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ الشَّرِيكِ ، وَالضَّمَانُ كَانَ وَاجِبًا مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَصَارَ الْحُرُّ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ مِنْهَا

وَلَكِنْ عَلَيْهِ نِصْفَ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُمَا فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ وَلَدَهَا جَازَتْ الدَّعْوَةُ لِبَقَاءِ حَقِّ مِلْكِهِ فِي نِصْفِهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ ، وَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا ، وَإِنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ ، وَضَمِنَ الْمُكَاتَبُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُرُّ هُوَ الْمُدَّعِي وَاخْتَارَتْ أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ هُوَ الْمُدَّعِي فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِهَا وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ فِيهَا حَقِيقَةً مَا لَمْ يُعْتَقْ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ فَإِنْ كَانَا ادَّعَيَا الْوَلَدَ فَالدَّعْوَةُ دَعْوَةُ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي نِصْفِهَا وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَةِ الْحُرِّ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي دَعْوَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ مَاتَ الْحُرُّ سَقَطَ نَصِيبُ الْحُرِّ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ فَكَأَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَسَعَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ حِصَّةِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَمِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا كَمَا بَيَّنَّا فِي مُكَاتَبَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ يُعْتِقُهَا أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْعَجْزَ سَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْمُكَاتَبِ أَمَّا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛

لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَمْ تَثْبُتْ فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ بَعْدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ كَانَ نَصِيبُهُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى ؛ فَلِهَذَا بَقِيَ قِيمَةُ رِقِّهَا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ ، وَالسِّعَايَةِ ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ نَصِيبَ الْمُكَاتَبِ بِالضَّمَانِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .

وَمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ أُمِّ وَلَدِهِ عَتَقَ كُلُّهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ وَطِئَهَا أَوَّلًا فَوَلَدَتْ لَهُ ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْحُرُّ فَوَلَدَتْ لَهُ فَادَّعَيَا الْوَلَدَيْنِ مَعًا ، وَلَمْ يُعْلَمْ إلَّا بِقَوْلِهَا فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَيَغْرَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهَا الصَّدَاقَ وَبِهَذَا اللَّفْظِ تَبَيَّنَ أَنَّ عُقْرَ الْمَمْلُوكَةِ هُوَ الصَّدَاقُ ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَسْتَعْمِلُ لَفْظَ الْعُقْرِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الصَّدَاقَ وَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَجْزِ ، وَالْمُضِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُرِّ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمَا الْتَقَتْ فِيهَا بِالْوَلَدَيْنِ وَلَوْ الْتَقَتْ دَعْوَتُهُمَا فِيهَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ كَانَ الْحُرُّ أَوْلَى بِهَا ؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَتِهِ إثْبَاتَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ الْمُكَاتَبِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهَا حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْمُكَاتَبِ بَعْدُ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ نِصْفُهَا مَمْلُوكًا لَهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لِلْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مَقْصُودًا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ بِالدَّعْوَةِ حِينَ لَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الْأُمِّ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْوَلَدِ لَهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنْ عَجَزَتْ وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ مَعَهَا كَانَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا بَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِلْحُرِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِاعْتِبَارِ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ بِالِاسْتِتْبَاعِ فِي الْكِتَابَةِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِعَجْزِهِ ، وَإِنْ كَانَ وَطْءُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ وَطْءِ الْحُرِّ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْحُرِّ كَمَا بَيَّنَّا وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ أُمَّ وَلَدِ الْحُرِّ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ

تَعَالَى اُسْتُحْسِنَ إنْ أُثْبِتَ نَسَبُهُ ، وَهُوَ لِلْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ نِصْفُهَا مَمْلُوكًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ، وَالزِّيَادَاتِ فِي الْحُرَّيْنِ لَا أَنَّ هُنَاكَ مُدَّعِي الْأَصْغَرِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إذْ عَلَّقَ حُرَّ الْأَصْلِ وَهُنَا لَا يُعْتَقُ الْأَصْغَرُ عَلَى الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيَبْقَى مَمْلُوكًا لِمُدَّعِي الْأَكْبَرِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ .
وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ بِسَبَبِ الْغُرُورِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فِي النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ مَا ظَنَّهُ الْمُكَاتَبُ هُنَا لَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ حُرًّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .

بَابُ كِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مُرْتَدٌّ كَاتَبَ عَبْدَهُ ، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا فَإِنْ رَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى الْقَاضِي فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ فَالْمُكَاتَبَةُ بَاطِلَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ كَانَ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَدْ بَطَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ إلَيْهِ .

وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ ، ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَوْلَى فَهُوَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا كَمَوْتِهِ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَا صَحَّتْ وَلَكِنْ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبَةَ إلَى وَرَثَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ قَبَضَ مِنْهُ مُكَاتَبَتَهُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ قُتِلَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ قَوْلًا فَيَبْطُلُ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَخْذُهُ لِلدَّيْنِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي كُلِّ مَا وَلِيَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِثَمَنٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَلَطٌ فِي الْكِتَابَةِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ حَقُّ الْقَبْضِ فِيهِ لِلْعَاقِدِ فَأَمَّا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَقُّ الْقَبْضِ لَيْسَ لِلْعَاقِدِ وَلَكِنَّهُ لِلْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ لَا يَقْبِضُ الْبَدَلَ فَكَانَ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ لَهُ لَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ هُنَا يَثْبُتُ لَهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ بَاشَرَ الْعَقْدَ فِي مِلْكِهِ فَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ وَلَاءَهُ ، وَإِنْ قَبَضَ وَرَثَتُهُ الْبَدَلَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ بِالْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِرِدَّتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَسْتَحِقُّ الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ وَرِدَّتُهُ لَا تُبْطِلُ اسْتِحْقَاقَ الْمُكَاتَبِ .
( فَإِنْ قِيلَ ) لِمَاذَا لَا يَقُولُ فِي الْإِقْرَارِ هَكَذَا اسْتَحَقَّ

بَرَاءَةَ قِيمَتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِرِدَّتِهِ ( قُلْنَا ) إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ مِلْكِهِ مِنْهُ ، وَالْمِلْكُ هُنَا صَارَ لِوَرَثَتِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُخْرِجٌ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ مِلْكِ وَرَثَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الرِّدَّةِ ، وَالْقَبْضُ مُقَرِّرٌ حَقَّ وَرَثَتِهِ فِي الْمَقْبُوضِ فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا حَتَّى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَجَعَلَ الْقَاضِي مَالَهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَأَخَذُوا الْمُكَاتَبَةَ ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا فَوَلَاءُ الْعَبْدِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَإِذَا رَجَعَ مُسْلِمًا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَيُعَادُ إلَيْهِ مَا يَجِدُ مِنْ مِلْكِهِ قَائِمًا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا قَبَضُوهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ وَجَدَ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ قَبَضُوا جَمِيعَ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ شَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ وَشُفْعَتِهِ .
( قَالَ ) : وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُشَارِكَ حُرًّا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحُرِّ ، وَالْمُكَاتَبِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلِأَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَظْهَرُ فَإِنَّ عِنْدَهُ كَفَالَةَ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ تَلْزَمُ شَرِيكَهُ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْمُفَاوَضَةَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ إذَا كَفَلَ الْحُرُّ بِمَالٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمَالُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْحُرَّ شَرِكَةَ عَنَانٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَوْكِيلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالشِّرَاءِ ، وَالْبَيْعِ ، وَالْمُكَاتَبُ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ انْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ صَارَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةَ .

( قَالَ ) : وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمَوْلَى وَلِلْمَوْلَى فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي حَقِّهِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ .

( قَالَ ) : وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ شَرِكَةِ الْعَنَانِ بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَأَكَّدَ بِالْعِتْقِ وَكَذَلِكَ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَيَبْقَى شَرِيكُهُ عَلَى وَكَالَتِهِ .

( قَالَ ) وَإِنْ شَارَكَ الْغَيْرَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الشَّرِكَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُفَاوَضَةِ ، وَالْعَقْدُ إذَا بَطَلَ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يَصِحُّ بِحُدُوثِ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ .

( قَالَ ) : وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ انْقَطَعَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ كَانَ ثَابِتًا لَهُ بَيْنَ الْفَسْخِ ، وَالْإِمْضَاءِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْعَجْزِ لَهُ لِمَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ لِأَنَّ رَأْيَ الْإِنْسَانِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الدَّارَ بِعَجْزِهِ خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبِ الْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَا اشْتَرَى حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ لَهُ بِاعْتِبَارِهِ وَأَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ إسْقَاطًا مِنْهُ لِخِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ بِهِ مِلْكُهُ فِي الْمُشْتَرَى حِينَ حَصَّلَ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بِالشُّفْعَةِ حَتَّى رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا حِينَ بِيعَتْ هَذِهِ الدَّارُ .

( قَالَ ) : وَلَا يُقْطَعُ الْمُكَاتَبُ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ فَلَا يَتِمُّ إحْرَازُ الْمَالِ عَنْهُ ، وَالْقَطْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِسَرِقَةِ مَالٍ مُحْرَزٍ قَدْ تَمَّ إحْرَازُهُ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ ابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ سَرَقَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ سَرَقَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُقْطَعْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ دَارَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةَ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَدْخُلُ عَادَةً فِي كُلِّ بَيْتٍ يَدْخُلُ فِيهِ مَالِكُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُقْطَعْ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَهُ فِي كَسْبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ .

( قَالَ ) فَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، ثُمَّ رُدَّ فِي الرِّقِّ فَاشْتَرَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْطَعْ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي مِثْلِهِ الْمُعْتَرِضُ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ إذَا مَلَكَ السَّارِقَ بَعْدَ وُجُوبِ الْقَطْعِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ رَجُلٍ وَلِذَلِكَ الرَّجُلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى السَّارِقِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَطَلَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ دَيْنَهُ فَقَضَى الْقَاضِي أَنْ يُبَاعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ ، وَقَدْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا ، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِأَنْ يُبَاعَ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْسَانَ ، وَقِيلَ فِي الِاسْتِحْسَانِ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ صَارَتْ لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ يُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهِ فَيُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَارَ الْمِلْكُ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتِحْسَانٌ ضَعِيفٌ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا .

( قَالَ ) : وَإِنْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مُكَاتَبٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ ذَلِكَ الْمُكَاتَبِ مِنْ وَجْهٍ لِمَوْلَاهُ أَوْ يُجْعَلُ سَرِقَةُ الْمُكَاتَبِ كَسَرِقَةِ مَوْلَاهُ وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ الْمُكَاتَبِ لَا يُقْطَعُ فَكَذَلِكَ مُكَاتَبُهُ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ عَبْدٍ كَانَ بَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَ آخَرَ ، وَقَدْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى نَصِيبَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا كَالْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا اخْتَارَ ضَمَانَ الْمَوْلَى رَجَعَ الْمَوْلَى بِهِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَهُ .

( قَالَ ) وَإِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مُضَارِبِ مَوْلَاهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمَوْلَى لَوْ سَرَقَهُ مِنْهُ لَا يُقْطَعُ فَكَذَا مِنْ مُضَارِبِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي السَّرِقَةِ كَفِعْلِ الْمَوْلَى وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى هَذَا الْمَالَ لَمْ يُقْطَعْ وَكَيْفَ يُقْطَعُ ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِحَقٍّ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ عُرُوضًا وَقُطِعَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَوْلَى ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ حَقًّا وَلَا شُبْهَةً فِيمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فِي مَالِ الْمَدْيُونِ فَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمَوْلَى ، وَالْمُكَاتَبُ بِسَرِقَتِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ ، وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .
( قَالَ ) شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الزَّاهِدُ : انْتَهَى شَرْحُ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ بِإِمْلَاءٍ الْمَحْصُورِ الْمُعَاتَبِ ، وَالْمَحْبُوسِ الْمُعَاقَبِ وَهُوَ مُنْذُ حَوْلَيْنِ عَلَى الصَّبْرِ مُوَاظِبٌ وَلِلنَّجَاةِ بِلَطِيفِ صُنْعِ اللَّهِ مُرَاقِبٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

كِتَابُ الْوَلَاءِ ( قَالَ ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ الْأُسْتَاذُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : اعْلَمْ بِأَنَّ الْوَلَاءَ نَوْعَانِ وَلَاءُ نِعْمَةٍ وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ ، فَوَلَاءُ النِّعْمَةِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذِهِ الْعِبَارَةَ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ { إذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } أَيْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ ، وَالْآيَةُ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ : سَبَبُ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلًى لَهُ ، وَلَا إعْتَاقَ هُنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ .
يُقَالُ : وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ ، وَلَا يُقَالُ : وَلَاءُ الْعَتَاقَةَ .
وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ مَا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ ، فَإِنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدٌ يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ ، وَالْمَطْلُوبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّنَاصُرُ ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَنَاصَرُونَ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا : الْحَلِفُ وَالْمُحَالَفَةُ .
فَالشَّرْعُ قَرَّرَ حُكْمَ التَّنَاصُرِ بِالْوَلَاءِ حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ } ، فَالْمُرَادُ بِالْحَلِيفِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ ذَلِكَ بِالْحَلِفِ ، وَلِمَعْنَى التَّنَاصُرِ أَثْبَتَ الشَّرْعُ حُكْمَ التَّعَاقُدِ بِالْوَلَاءِ ، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ حُكْمَ الْإِرْثِ ، وَفِي حُكْمِ الْإِرْثِ تَفَاوُتٌ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ ، أَمَّا ثُبُوتُ أَصْلِ الْمِيرَاثِ بِالسَّبَبَيْنِ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إشَارَةٌ إلَيْهِ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ

أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } .
وَالْمُرَادُ الْمُوَالَاةُ وَفِيهِ تَحْقِيقُ مُقَابَلَةِ الْغُنْمِ بِالْغُرْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ وَيَرِثُ مَالَهُ ، إلَّا أَنَّ الْإِرْثَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلِهَذَا قُلْنَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِلْمُعْتِقِ فِي مُعْتَقِهِ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتُهُ } ، فَقَدْ شَرَطَ لِتَوْرِيثِهِ عَدَمَ الْوَارِثِ وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْوَلَاءُ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ } وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } ، وَمَا أَشْبَهَ الشَّيْءَ لَا يُزَاحِمُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ، بَلْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَلَكِنَّا نَحْتَجُّ بِمَا رُوِيَ { أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا فَمَاتَ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفَ الْمَالِ لِلْبِنْتِ وَنِصْفَهُ لِبِنْتِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَالْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْفَرْضِ لِلْعَصَبَةِ } ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ وَرَدَّ الْبَاقِي عَلَى صَاحِبِ الْفَرْضِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ عَلَى الْبِنْتِ بَلْ جَعَلَهُ لِلْمُعْتِقَةِ ، عَرَفْنَا أَنَّهَا عَصَبَةٌ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ .
وَفِي حَدِيثِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتُهُ ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّ مُرَادَهُ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا هُوَ عَصَبَةٌ .
وَقَوْلُهُ : { وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ } دَلِيلُنَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُضَافُ

إلَى الْمُعْتِقِ بِالْوَلَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقُّ تَلَفٌ حُكْمًا ، فَكَانَ كَالْأَبِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الْوَلَدِ فَتُسْتَحَقُّ الْعُصُوبَةُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ ، كَمَا تُسْتَحَقُّ الْعُصُوبَةُ بِالْأُبُوَّةِ ، فَأَمَّا قَرَابَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا الْإِضَافَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُضَافُ إلَى عَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ حَقِيقَةً ، فَكَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ الْوَلَاءِ ، وَكَانَ الْوَلَاءُ خَلَفًا عَنْ الْأُبُوَّةِ فِي حُكْمِ الْإِضَافَةِ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الْعُصُوبَةُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ كَمَا تُسْتَحَقُّ الْعُصُوبَةُ بِالْأُبُوَّةِ ، ثُمَّ تُقَدَّمُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ، فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ عِنْدَنَا ، وَلَكِنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْإِرْثِ أَصْلًا ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عِنْدَنَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ وَعِنْدَهُ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَقُّ بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ ، فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ ذَلِكَ الْحَقِّ بِعَقْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَنَا الْمَالُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالصَّرْفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ لَا لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِبَيْتِ الْمَالِ .
فَإِذَا انْعَدَمَ الْوَارِثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُوجِبَهُ بِعَقْدِهِ لِمَنْ شَاءَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمُوَالَاةِ .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : السَّائِبَةُ يَضَعُ مَالَهُ حَيْثُ أَحَبَّ وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : بَدَأَ الْكِتَابُ بِمَا رَوَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ

ثَابِتٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى .
وَكَانَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ بِالْوَلَاءِ بَعْدَ الْمُعْتِقِ يَكُونُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ بِنْتِهِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
هُوَ يَقُولُ : الْوَلَاءُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ ، وَكَمَا أَنَّ أَصْلَ مِلْكِ الْأَبِ فِي هَذَا الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ بِالْعِتْقِ يَزُولُ بَعْضُ الْمِلْكِ وَيَبْقَى بَعْضُهُ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ .
وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } وَالنَّسَبُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ .
فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتَقِ بِإِحْدَاثِ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُعْتَقِ وَنَفْيِ الْمَمْلُوكِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَلَاءُ جُزْءًا مِنْ الْمِلْكِ ؟ وَمَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ لِلْقُرْبِ وَالْكِبَرُ بِمَعْنَى الْعِظَمِ وَبِمَعْنَى الْقُرْبِ ، فَدَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا } .
وَتَفْسِيرُهُ ، رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ ابْنًا ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ أَقْرَبُ إلَى الْمُعْتِقِ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ فَكَذَلِكَ بِالْإِرْثِ بِوَلَائِهِ ، وَهَذَا

لِأَنَّ الْوَلَاءَ عَيْنُهُ لَمْ يَصِرْ مِيرَاثًا بَيْنَ الِابْنَيْنِ حَتَّى يَخْلُفَ الِابْنُ أَبَاهُ فِي نَصِيبِهِ ، وَلَكِنَّهُ لِلْأَبِ عَلَى حَالِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَقَ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَى الْمُعْتِقِ دُونَ أَوْلَادِهِ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ حَقِيقَةً ، ثُمَّ يَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ فِي مَالِهِ لَوْ مَاتَ الْأَبُ ، فَيَكُونُ لِابْنِهِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ ، وَدُونَ ابْنَتِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ .
وَالْبِنْتُ لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا إنَّمَا تَكُونُ عَصَبَةً بِالِابْنِ ، فَعِنْدَ وُجُودِهِ لَا تُزَاحِمُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهِ هِيَ لَا تَكُونُ عَصَبَةً ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ النُّصْرَةُ كَمَا بَيَّنَّا .
وَالنُّصْرَةُ لَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَ حَمْلِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْغَيْرِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِالْوَلَاءِ طَرِيقُهُ الْعُصُوبَةُ ، وَحَقُّ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ مُقَدَّمٌ ، فَلِهَذَا يُعْطِي نَصِيبَ بِنْتِ الْمُعْتِقِ أَوَّلًا وَكَذَلِكَ نَصِيبُ زَوْجَتِهِ إنْ كَانَتْ ، ثُمَّ حُكْمُ الْبَاقِي هُنَا كَحُكْمِ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَيَكُونُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ فَإِذَا مَاتَ هَذَا الِابْنُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ابْنٍ ، ثُمَّ مَاتَتْ بِنْتُ الْمُعْتِقِ فَمِيرَاثُهَا لِابْنَيْ الْمُعْتِقِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَبِيهَا فِي الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ ، وَالْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ حَقِيقَةً لَهُ فَكَذَلِكَ يَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي أَبِيهِ فَكَانَ مِيرَاثُهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لِمُعْتِقِ الْأَبِ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ ابْنَا ابْنِهِ كَمَا فِي مَالِهِ لَوْ مَاتَ الْأَبُ .
وَكَذَلِكَ هَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ لِلْمُعْتِقِ وَقَدْ طَوَّلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَقْرَبَ عَصَبَةِ

الْمُعْتِقِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُعْتَقِ يَخْلُفُهُ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ ( قَالَ ) : فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِ الِابْنَيْنِ ابْنَانِ وَلِلْآخَرِ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَوْ مَاتَ الْآنَ كَانَ مِيرَاثُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَكَذَلِكَ مِيرَاثُ الْمُعْتَقِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَلَاءِ الْمُدَبَّرِ وَمِيرَاثِهِ وَوَلَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَمِيرَاثِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُسْتَوْلَدَ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُمْ لِمَا بَاشَرَ مِنْ السَّبَبِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْعِتْقِ بِهَذَا السَّبَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَبِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ بِمَا أَوْصَى بِهِ وَفِعْلُ وَصِيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَفِعْلِهِ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ الْمُعْتَقِ مَاتَتْ عَنْ بِنْتٍ ثُمَّ مَاتَتْ ابْنَتُهَا فَلَيْسَ لِابْنَيْ ابْنِ الْمُعْتَقِ مِنْ مِيرَاثِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَرِثْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلًى لَهَا إنَّمَا هُوَ مَوْلًى لِأُمِّهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ ، وَالْوَلَدُ فِي النَّسَبِ لَا يَتْبَعُ أُمَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَسَبٌ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ .
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ ، وَعَنْ شُرَيْحٍ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ

رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ ، وَبِهَذِهِ الْآثَارِ نَأْخُذُ فَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ جَرَّهُ وَلَاءُ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ } .
وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا فَقَدْ تَأَكَّدَ بِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَقَاوِيلِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَوَيْنَا { أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا فَمَاتَ ، وَتَرَكَ بِنْتًا فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَهُ النِّصْفَ وَبِنْتَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا } النِّصْفَ ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ عَصَبَةً لِمُعْتِقِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النِّسْبَةِ لِلْوَلَاءِ إحْدَاثُ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْعِتْقِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الرَّجُلِ ، بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْفِرَاشُ ، وَالْفِرَاشُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ صَاحِبَةَ فِرَاشٍ ؛ وَلِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي هَذَا الْوَلَاءِ لِمُبَاشَرَتِهَا سَبَبَهُ وَكَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي مِلْكِ الْمَالِ تُسَاوِي الرَّجُلَ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْفِرَاشُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا بِصِفَةِ الْأُنُوثَةِ مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَلَا تَكُونُ مَالِكَةً نِكَاحًا ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أَصْلٌ فِي هَذَا الْوَلَاءِ كَانَ مِيرَاثُ مُعْتِقِهَا لَهَا فَكَذَلِكَ مِيرَاثُ مُعْتَقِ مُعْتِقِهَا لِأَنَّ مُعْتَقَ الْمُعْتِقِ يُنْسَبُ إلَى مُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ ، وَهِيَ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي الْوَلَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتِقُ الْأَوَّلُ ؛ وَلِأَنَّ مِيرَاثَ مُعْتَقِ الْمُعْتِقِ يَكُونُ لِمُعْتَقِهِ بِالْعُصُوبَةِ وَمُعْتِقُهُ مُعْتِقُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ فَتَخْلُفُهُ فِي

اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا تَخْلُفُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِالْعُصُوبَةِ لَوْ مَاتَ الْأَبُ ، وَعَلَى هَذَا مُكَاتَبُهَا وَمُكَاتَبُ مُكَاتَبِهَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سَبَبٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ كَالْعِتْقِ وَعَلَى هَذَا جَرَّ وَلَاءُ مُعْتَقِ مُعْتِقِهَا لِأَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فَتَسْتَوِي هِيَ بِالرَّجُلِ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ

( قَالَ ) : وَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَابْنٍ وَبِنْتٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ ، فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا إذْ لَيْسَ لِزَوْجِهَا فِي الْعُصُوبَةِ حَظٌّ ، وَالْبِنْتُ لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا ، فَكَانَ أَقْرَبَ عَصَبَتِهَا الِابْنُ فَيَخْلُفُهَا مِنْ مِيرَاثِ مُعْتَقِهَا وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ أَعْتَقَتْهُ بِجُعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جُعْلٍ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لَهَا بِإِحْدَاثِ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُعْتَقِ وَفِي هَذَا يَسْتَوِي الْعِتْقُ بِجُعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جُعْلٍ .

( قَالَ ) : وَإِذَا اشْتَرَتْ امْرَأَتَانِ أَبَاهُمَا فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا مَعَ الْأَبِ أَخًا لَهَا مِنْ الْأَبِ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَمِيرَاثُهُ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَابْنَتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُمَا مِنْ مِيرَاثِهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَاهُ لِأَبٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثُمَّ لِلَّتِي اشْتَرَتْ الْأَخَ مَعَ الْأَبِ بِالْوَلَاءِ نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةٌ نِصْفَهُ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ الْقَرِيبَ إعْتَاقٌ وَهِيَ الْمُشْتَرِيَةُ لِنِصْفِ الْأَخِ وَلَهُمَا جَمِيعًا نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي بِوَلَاءِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَانَ هُوَ الْمُعْتِقُ لِهَذَا النِّصْفِ مِنْ الْأَخِ بِشِرَائِهِ ، وَهُمَا كَانَتَا مُعْتِقَتَيْنِ الْأَبَ بِشِرَائِهِمَا إيَّاهُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي مِيرَاثِ مُعْتَقِ مُعْتَقِهَا كَالرَّجُلِ ، وَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ أَبِيهِمَا .

( قَالَ ) : امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنَهَا وَأَبَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لِأَبِيهَا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأُبُوَّةَ تُسْتَحَقُّ بِهَا الْعُصُوبَةُ كَالْبُنُوَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ عَصَبَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ يَنْبَنِي عَلَى الْعُصُوبَةِ ، وَوُجُودُ الِابْنِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا حِرْمَانَ الْأَبِ أَصْلًا عَنْ الْمِيرَاثِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَحْرُومًا عَنْ مِيرَاثِهَا بِهَذَا ، فَكَذَلِكَ عَنْ مِيرَاثِ مُعْتَقِهَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ بَيْنَهُمَا كَمِيرَاثِهِمَا لَوْ مَاتَتْ الْآنَ فَيَكُونُ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرٌ فِي نَفْسِهِ وَيَتَّصِلُ بِهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوبًا بِالْآخَرِ ، فَهَذَا شِبْهُ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ أَقْرَبَ عَصَبَةِ الْمُعْتَقِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُعْتِقِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ ، وَالِابْنُ هُوَ الْعَصَبَةُ دُونَ الْأَبِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَبِ السُّدُسَ مِنْهَا بِالْفَرِيضَةِ دُونَ الْعُصُوبَةِ ، فَهُوَ كَاسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ نِصْفَ مَا لَهَا بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْأَبِ .
وَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمُزَاحَمَتِهَا مَعَ الْأَبِ فِي مِيرَاثِ مُعْتِقِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا .

( قَالَ ) : رَجُلٌ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ غَرِقَا جَمِيعًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْ الْمَوْلَى مِنْهَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ فَشَرْطُ اسْتِحْقَاقِ مِيرَاثِ الْغَيْرِ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ هُنَا ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ ظَهَرَا وَلَا يُعْرَفُ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّقْدِيمِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَلَوْ عَلِمْنَا مَوْتَهُمَا مَعًا لَمْ يَرِثْ الْمَوْلَى مِنْهَا فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَكِنْ مِيرَاثُهَا لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا لَمْ يَرِثْهَا جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ فَكَأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا قَبْلَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثُهَا لِأَقْرَبِ عَصَبَتِهِ

( قَالَ ) : وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ أَخًا مِنْ أُمِّهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ ، فَمِيرَاثُهَا لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَلَيْسَ لِلْأَخِ لِأُمٍّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، سَوَاءٌ كَانَ أَخَ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ أَوْ أَخًا لِابْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَأَخُ ابْنِ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمُعْتِقِ ، وَأَخُ الْمُعْتِقِ لِأُمِّهِ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ لَهُ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُ فَرِيضَةٍ وَلَا يَخْلُفُ الْمُعْتِقَ فِي مِيرَاثِ مُعْتَقِهِ إلَّا مَنْ كَانَ عَصَبَةً لَهُ .

( قَالَ ) : امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابْنَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُمَا ، فَالْمِيرَاثُ لِلِابْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا ، يُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ بِالْإِرْثِ عَنْهَا فَكَذَلِكَ فِي الْخِلَافَةِ فِي مِيرَاثِ مُعْتَقِهَا وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَعَقْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَخِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ مُعْتِقِهَا كَجِنَايَتِهَا وَجِنَايَتِهَا عَلَى قَوْمِ أَبِيهَا ، فَكَذَلِكَ جِنَايَةُ مُعْتَقِهَا .
وَابْنُهَا لَيْسَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا .
وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمَا اخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي مَوْلًى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَمَّتِي وَأَنَا أَرِثُ مَوْلَاهَا ، وَأَعْقِلُ عَنْهُ .
وَقَالَ الزُّبَيْرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : أُمِّي وَأَنَا أَرِثُ مَوْلَاهَا فَقَضَى عُمَرُ بِالْمِيرَاثِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : شَهِدْتُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ ذَهَبَ بِمَوَالِي صَفِيَّةَ ، وَشَهِدْتُ عَلَى جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ ذَهَبَ بِمَوَالِي أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَانَ ابْنًا لَهَا ، فَخَاصَمَهُ عَلَى مِيرَاثِ مَوْلَاهَا ، فَبِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَثْبُتُ أَنَّ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ يَكُونُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَى قَوْمِ أَبِيهَا .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

بَابُ جَرِّ الْوَلَاءِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا ، فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُمْ جَرَّ الْوَلَاءَ وَبِهِ نَأْخُذُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَيَنْفَصِلُ الْوَلَدُ مِنْهَا حُرًّا ثُمَّ الْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ ، وَالْوَلَدُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ بِالنَّسَبِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ أَبُوهُ ، وَالْأَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَى مُعْتِقِهِ فَكَذَلِكَ وَلَدُهُ .
وَاسْتَدَلَّ عَلَى إثْبَاتِ جَرِّ الْوَلَاءِ بِحَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَيْضًا فَإِنَّهُ أَبْصَرَ بِخَيْبَرَ فِتْيَةً لُعْسًا أَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ وَأُمُّهُمْ مَوْلَاةٌ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرْقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ لِبَعْضِ أَشْجَعَ فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ فَأَعْتَقَهُ قَالَ انْتَسَبُوا إلَيَّ وَقَالَ رَافِعٌ : بَلْ هُمْ مُوَالِيَّ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَلَاءٌ مِنْ جَانِبِ أَبِيهِ ، فَإِذَا ظَهَرَ بِالْعِتْقِ جَرَّ الْأَبُ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى مَوَالِيهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي النَّسَبِ الْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إلَى أُمِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مِنْ أَبِيهِ لِلضَّرُورَةِ ، كَالْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَمَا انْقَطَعَ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ إذَا ظَهَرَ لَهُ النَّسَبُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ بِأَنْ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ صَارَ الْوَلَدُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ ، وَقَوْلُهُ : فِتْيَةٌ لُعْسًا بَيَانٌ لِمَلَاحَتِهِمْ فَهُوَ حُمْرَةٌ تَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ قَالَ الشَّاعِرُ لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةُ لُعْسٍ وَفِي اللِّثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ وَقَوْلُهُ : أَعْجَبَنِي ظُرْفُهُمْ أَيْ مَلَاحَتُهُمْ وَقِيلَ كِيَاسَتُهُمْ فَمَنْ كَانَ بِهَذَا اللَّوْنِ فَهُوَ كَيِّسٌ عَادَةً ، ثُمَّ

ذَكَرَ الشَّعْبِيُّ قَالَ : إذَا أَعْتَقَ الْجَدُّ جَرَّ الْوَلَاءَ وَهَكَذَا يَرْوِي الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْجَدُّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، فَإِنَّ هَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ : جَرُّ الْوَلَاءِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ ، وَصَيْرُورَتُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ ، وَدُخُولُ الْجَدِّ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ بِخِلَافِ الْأَبِ فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ رِوَايَتَانِ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَاكَ ، وَاسْتَبْعَدَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ مَنْ يَقُولُ النَّافِلَةُ بِإِسْلَامِ الْجَدِّ يَصِيرُ مُسْلِمًا .
فَقَالَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ بَنُو آدَمَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَا يُسْبَى صَغِيرٌ أَبَدًا ، وَهَذَا بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ بِعِتْقِ الْجَدِّ لَوْ أُعْتِقَ الْأَبُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَبَ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى مَوَالِيهِ ، وَالْجَدُّ أَبٌ وَبَعْدَمَا ثَبَتَ جَرُّ الْوَلَاءِ بِالْأُبُوَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ، ثُمَّ أُسِرَ أَبُوهُ فَأُعْتِقَ ، فَإِنَّ الِابْنَ يَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ ، فَكَأَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَحَدٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الِابْنُ مُعْتِقَ إنْسَانٍ فَأَعْتَقَ أَبَاهُ إنْسَانٌ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَرُّ وَلَاءُ الِابْنِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ الثَّابِتَ عَلَى الِابْنِ مِثْلُ الْوَلَاءِ الَّذِي ظَهَرَ لِلْأَبِ وَهُوَ فِي هَذَا مَقْصُودٌ فَبَعْدَمَا صَارَ مَقْصُودًا فِي حُكْمٍ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا فِي عَيْنِ ذَلِكَ .

( قَالَ ) : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَأَوْلَادُهَا مَوَالٍ لِمَوَالِي الْأُمِّ مُعْتَقَةً كَانَتْ أَوْ مُوَالِيَةً ، فَمَتَى أُعْتِقَ أَبُوهُمْ جَرَّ وَلَاءَهُمْ إلَى مَوْلَاهُ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُوَالِيَةً ؛ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ مَقْصُودًا بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ كَانَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِظُهُورِ وَلَاءِ الْعِتْقِ لِلْأَبِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ تَبَعًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً فَلِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَا تَبَعٌ فِي الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْوَلَاءِ لِلْأَبِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَبْقَى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةَ إنْسَانٍ وَالْأَبُ حُرٌّ مُسْلِمٌ نَبَطِيٌّ لَمْ يَعْتِقْهُ أَحَدٌ فَالْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ وَالِيَ رَجُلَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلَيْنِ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ ، وَلَكِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ .
قَالَ : وَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أُمِّهِ ، وَأَبُوهُ حُرٌّ لَهُ عَشِيرَةٌ وَمَوَالٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا وَتَقْرِيرُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ رَقِيقٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ ، وَمَاؤُهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ لِمَائِهِ لِاتِّصَالِهِ بِرَحِمِهَا فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِيهَا حَتَّى يُعْتَقَ الْأَبُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا عَرَبِيًّا كَانَ الْوَلَدُ مَنْسُوبًا إلَى قَوْمِ أَبِيهِ ، وَلَا يَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي أُمِّهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَعْجَمِيًّا ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ سَوَاءٌ ، وَالثَّانِي أَنَّ الرِّقَّ تَلِفَ حُكْمًا فَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا ، كَانَ حَالُ هَذَا الْوَلَدِ فِي الْحُكْمِ كَحَالِ مَنْ لَا أَبَ لَهُ ، فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى مَوْلَى الْأُمِّ .
وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ إذَا كَانَ الْأَبُ

حُرًّا ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فِيهِ سَوَاءٌ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَلَاءُ نِعْمَةٍ وَهُوَ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَحْكَامِ وَالْحُرِّيَّةُ وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ تَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بِالِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ حُرِّيَّةِ الْعَرَبِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَجَمَ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ تَفَاخُرَهُمْ لَيْسَ بِالنَّسَبِ وَلَكِنَّ تَفَاخُرَهُمْ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا ، وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالدِّينِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ مَنْ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الضَّعْفُ فِي جَانِبِ الْأَبِ كَانَ هَذَا وَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا سَوَاءً ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا فَلَهُ نَسَبٌ مُعْتَبَرٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ بِالنَّسَبِ تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَرَبِ وَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ .
وَالْأَصْلُ فِي النِّسْبَةِ النَّسَبُ .
فَإِذَا كَانَ فِي جَانِبِ الْأَبِ نَسَبٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ وَلَاءٌ قَوِيٌّ كَانَ الْوَلَدُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ، وَإِذَا عُدِمَ ذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ .
وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَرَبِيَّةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَإِنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا عَرَبِيَّةً وَكَوْنَهَا مُعْتَقَةً سَوَاءٌ ، كَمَا سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا فِي جَانِبِ الْأَبِ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَا بَيْنَهُمَا وَقَالَا فِي الْفَرْقِ : إنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ تُجِزْ عَلَيْهَا نِعْمَةَ عَتَاقٍ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ

الْأُمَّ إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً فَالْوَلَدُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهَا بِالْوَلَاءِ وَالنِّسْبَةُ بِالْوَلَاءِ أَقْوَى لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا ، وَإِذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَلَوْ انْتَسَبَ الْوَلَدُ إلَى قَوْمِهَا إنَّمَا يُنْسَبُ بِالنَّسَبِ ، وَالِانْتِسَابُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْأُمِّ إلَى أَبِيهَا حَتَّى لَا تَسْتَحِقُّ الْعُصُوبَةَ بِمِثْلِ هَذَا النَّسَبِ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَإِذَا كَانَ نَسَبُهُ ضَعِيفًا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُصُوبَةَ .

( قَالَ ) : وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَةً وَوَلَدَهَا ، أَوْ كَانَتْ حُبْلَى حِينَ أَعْتَقَهَا ، أَوْ أُعْتِقَتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَقَدْ أَعْتَقَ الْأَبَ رَجُلٌ آخَرُ ، كَانَ الْوَلَدُ مَوْلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ مَعَ أُمِّهِ دُونَ مَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ .
أَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مُنْفَصِلًا عَنْهَا فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِمَالِك الْأُمِّ فَتَنَاوَلَهُ الْعِتْقُ مَقْصُودًا وَالْوَلَدُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِوَلَاءِ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَبِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حُبْلَى بِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ بِإِعْتَاقِهَا يُعْتَقُ مَقْصُودًا فَإِنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى يُفْرَدَ بِالْعِتْقِ ، فَهُوَ وَالْمُنْفَصِلُ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ مِنْ حِينِ أُعْتِقَتْ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ حِينَ أُعْتِقَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ ؛ لِأَنَّ التَّوْأَمَ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا حِينَ أُعْتِقَتْ التَّيَقُّنُ بِوُجُودِ الْآخَرِ ، فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ هَذَا الْوَلَدِ حِينَ أُعْتِقَتْ فَكَانَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ تَبَعًا .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ إذَا كَانَ قَائِمًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّمَا يُسْنَدُ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي الْإِسْنَادِ إلَى مَا وَرَاءَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ ، فَحِينَئِذٍ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مُنْذُ يَوْمِ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فَالْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَيْسَ بِقَائِمٍ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتٍ ، فَيُسْنَدُ الْعُلُوقُ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ، وَإِذَا حَكَمْنَا بِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ حِينَ أُعْتِقَتْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ

رَجْعِيٍّ لِأَنَّا لَا نُثْبِتُ الرَّجْعَةَ بِالشَّكِّ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ النَّسَبِ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ مُرَاجِعًا الْحُكْمُ بِأَنَّ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، كَانَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأَبِ فَصَارَ مُرَاجِعًا لِتَيَقُّنِنَا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ ، فَالْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ لِأَنَّا عَلِمْنَا مُجَازَفَتَهَا فِي الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حِينَ أَقَرَّتْ وَهِيَ حَامِلٌ فَيُسْنَدُ الْعُلُوقُ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ ، وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَارَ لَغْوًا حِينَ تَيَقَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمئِذٍ ، فَكَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ حِينَ أُعْتِقَتْ وَلَا يَصِيرُ مَقْصُودًا بِالْوَلَاءِ إلَّا بِذَلِكَ .

( قَالَ ) : أَمَةٌ مُعْتَقَةٌ وَلَدَتْ مِنْ عَبْدٍ فَالْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي أُمِّهِ ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْوَلَدُ وَأُمُّهُ فَمُوَالَاتُهُ مُوَالَاةٌ لِمَوَالِي الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ مُوَالَاةِ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَعْتَقَهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ الْوَلَدِ رَجُلٌ وَوَالَاهُ فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ أَيْضًا يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَرِثُونَهُ ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا كَنَفْسِهَا وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهَا وَوَالَاهَا كَانَ مَوْلًى لِمَوَالِيهَا فَهَذَا مِثْلُهُ ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاؤُهَا وَلَاءَ كُلِّهِمْ حَتَّى يَكُونَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْأُمِّ انْجَرَّ إلَى قَوْمِ الْأَبِ فَكَذَلِكَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ وَلَاءِ مُعْتَقِهِ وَمَوْلَاهُ وَهَذَا لِأَنَّ نِسْبَةَ مُعْتَقِهِ وَمَوْلَاهُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ كَانَ بِوَاسِطَةٍ ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ هَذِهِ الْوَاسِطَةُ حِينَ صَارَ هُوَ مَنْسُوبًا إلَى قَوْمِ الْأَبِ ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ لِأَنَّهُ تَبِعَ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ لِمُعْتِقِ أُمِّهِ وَبَقَاءُ الْأَصْلِ يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِ بَقَاءِ التَّبَعِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا غَرِمُوا مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُمْ غَرِمُوا ذَلِكَ حِينَ كَانَ مَوْلًى لَهُمْ حَقِيقَةً فَإِنَّ حُكْمَ جَرِّ الْوَلَاءِ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ عِتْقُ الْأَبِ مَقْصُورٌ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى وَقْتٍ سَابِقٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْمَلَاعِنِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَدْ عَقَلَ جِنَايَةَ الْوَلَدِ قَوْمُ أُمِّهِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ حِينَ عَلِقَ وَقَوْمُ الْأُمِّ كَانُوا مُجْبَرِينَ عَلَى أَدَاءِ الْأَرْشِ فَلَا يَكُونُونَ مُتَبَرِّعِينَ فِي ذَلِكَ .
وَلَوْ لَمْ يُعْتَقْ الْأَبُ فَأَرَادَ

الْمَوْلَى الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ أَبِيهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى مِلْكِ أَبِيهِ وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ مَوَالِي الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ مَعَ الِابْنِ تَأَكَّدَ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي التَّحَوُّلِ إلَى غَيْرِهِ فَسْخُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْأَبَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي تَحَوُّلِ وَلَائِهِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَسْخُ ذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِابْنِ بَلْ فِيهِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ هَذَا التَّحَوُّلَ يَثْبُتُ حُكْمًا لِضَرُورَةِ اتِّبَاعِ التَّبَعِ الْأَصْلَ وَالْأَوَّلُ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ وَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ حُكْمًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ ( قَالَ ) إبْرَاهِيمُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَالْإِسْلَامُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَوْ أَتَاهُ مُسْلِمًا وَعَاقَدَهُ عَقْدَ الْوَلَاءِ كَانَ مَوْلًى لَهُ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ لَا وَلَاءَ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ يَعْنِي الْعَتَاقَ وَبِهِ يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَخَذْنَا فِيهِ بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي الْأَشْعَثِ حَيْثُ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَوَالَاهُ فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِيرَاثُهُ لَكَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَلِحَدِيثِ زِيَادَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَتَاهُ بِوَالِيهِ فَأَبَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَالَاهُ وَلِحَدِيثِ مَسْرُوقٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالَى ابْنَ عَمٍّ لَهُ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فَمَاتَ ، وَتَرَكَ مَالًا فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ هُوَ لِمَوْلَاهُ وَأَيَّدَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ ، مَا السُّنَّةُ فِيهِ ؟ قَالَ : هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ } ، وَأَيَّدَ هَذَا قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَمْ يُوَالِهِ ، لَمْ يُعْقَلْ عَنْهُ ، وَلَمْ

يَرِثْهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الرَّوَافِضِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى يَدَيْهِ يَكُونُ مَوْلًى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَالْمَوْتَى فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ .
فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْيَاهُ بِالْعِتْقِ ، وَعَلَى هَذَا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّاسَ مَوَالِي عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ السَّيْفَ كَانَ بِيَدِهِ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَتِهِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُ بِالْإِسْلَامِ بِأَنْ هُدَاهُ لِذَلِكَ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } أَيْ كَافِرًا فَرَزَقْنَاهُ الْهُدَى .
وَقَالَ تَعَالَى { : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُنْعِمَ بِالْإِسْلَامِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى الَّذِي عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ؛ لِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ مُبَاشِرٌ مَا يَحِقُّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ مَوْلًى لَهُ مَا لَمْ يُعَاقِدْهُ عَقْدَ الْوَلَاءِ ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا التَّحَكُّمَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَةِ عَلِيٍّ وَهُوَ كَانَ صَغِيرًا حِينَ أَسْلَمَ الْكِبَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ ؟ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا مُقَدَّمَيْنِ عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أُمُورِ الْقِتَالِ وَغَيْرِ الْقِتَالِ ، لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَتَأَمَّلُ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ الرَّوَافِضَ قَوْمٌ بُهْتٌ لَا يَحْتَرِزُونَ عَنْ الْكَذِبِ ، بَلْ بِنَاءُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَى رَجُلَانِ آخَرَ ، فَهُوَ مَوْلَى هَذَا الَّذِي وَالَاهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ عَلَى يَدَيْ الْأَوَّلِ لَمْ يَصِرْ مَوْلًى لَهُ وَلَوْ كَانَ مَوْلًى بِأَنْ عَاقَدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حِينَ عَاقَدَ مَعَ الثَّانِي فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْلًى

لِلْأَوَّلِ ؟ فَإِنْ مَاتَ عَنْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَةِ كَانَ مِيرَاثُهُ لِقَرَابَتِهِ دُونَ الْمَوْلَى ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ عَنْ مَالِهِ بِعَقْدِهِ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَهُ وَارِثٌ وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ .
قَالَ : { الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ } فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِعَقْدِهِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ سَبَبَ ذِي الرَّحِمِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ شَرْعًا ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْإِرْثِ بِهِ ، وَعَقْدُ الْوَلَاءِ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ شَرْعًا فَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ ، ( فَإِنْ قِيلَ ) : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى الثُّلُثُ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ يَمْلِكُ وَضْعَهُ فِيمَنْ شَاءَ .
( قُلْنَا ) : نَعَمْ وَلَكِنَّهُ بِعَقْدِ الْوَلَاءِ مَا وَضَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ وَارِثًا مِنْهُ وَفِي سَبَبِ الْوِرَاثَةِ ذُو الْقَرَابَةِ يَتَرَجَّحُ فَلَا يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْلَى مَعَهُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَإِنَّهُ خِلَافَةٌ فِي الْمَالِ مَقْصُودًا .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ التَّمَلُّكَ بِالْوَصِيَّةِ غَيْرُ التَّمَلُّكِ بِالْإِرْثِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثُّلُثِ لَهُ ، لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لِتَرَجُّحِ اسْتِحْقَاقِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَالَى رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ مِنْ امْرَأَةٍ قَدْ وَالَتْ رَجُلًا ، فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ ، فَإِذَا كَانَ لِلْوَلَدِ فِي جَانِبِ الْأَبِ وَلَاءٌ هُوَ مُسَاوٍ لِلْوَلَاءِ الَّذِي فِي جَانِبِ الْأُمِّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ ، كَمَا فِي وَلَاءِ الْعِتْقِ ( قَالَ ) وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَالَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ

وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنَّهَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِهِ ، وَكَانَ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ يَكُونُ مَقْصُودًا بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْعِتْقُ ، فَإِنَّ الْجَنِينَ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ مَقْصُودًا ، وَهُنَا الْجَنِينُ لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا بِالْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْقَبُولِ ، وَإِذَا كَانَ تَبَعًا فَاتِّبَاعُهُ الْأَبَ أَوْلَى كَمَا بَيَّنَّا .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ حِينَ وَالَى الْأَبُ إنْسَانًا ، وَقَدْ وَالَتْ الْأُمُّ قَبْلَ ذَلِكَ آخَرَ ، فَالْأَوْلَادُ مَوَالٍ لِمَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ وِلَايَةُ عَقْدِ الْوَلَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي قَوْلِهِمَا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ ، أَمَّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَلَا ، وَلَئِنْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَهِيَ مَا عَقَدَتْ عَلَيْهِمْ إنَّمَا عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا خَاصَّةً ، وَلَئِنْ جُعِلَ عَقْدُهَا عَلَى نَفْسِهَا عَقْدًا عَلَى الْأَوْلَادِ فَعَقْدُ الْأَبِ كَذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ عَقْدٌ عَلَى الْأَوْلَادِ ، وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُ التَّحَوُّلَ ، فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُحَوَّلًا لِوَلَائِهِمْ إلَى مَنْ وَالَاهُ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَوْلَادُ مَوَالٍ لِمَوَالِي الْأَبِ فَإِنْ جَنَى الْأَبُ جِنَايَةً فَعَقَلَ الَّذِي وَالَاهُ عَنْهُ فَلَيْسَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْكِبَرِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْأَبِ تَأَكَّدَ بِعَقْدِ الْجِنَايَةِ ، وَيَتَأَكَّدُ التَّبَعُ بِتَأَكُّدِ الْأَصْلِ وَكَمَا لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا عَقَلَ جِنَايَتَهُ ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ لِوَلَدِهِ ذَلِكَ إذَا كَبُرَ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ هَذَا الْوَلَدُ جَنَى ، أَوْ جَنَى بَعْضُ إخْوَتِهِ فَعَقَلَ عَنْهُ مَوْلَاهُ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مَعَ أَوْلَادِهِ كَالشَّخْصِ

الْوَاحِدِ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ ، فَبِعَقْلِ جِنَايَةِ أَحَدِهِمْ بِتَأَكُّدِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ عَقْلِ الْجِنَايَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وَلَاؤُهُمْ لَمْ يَتَأَكَّدْ فَإِنَّ تَأَكُّدَ الْعَقْدِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ هَذَا الْعَقْدُ مُتَأَكِّدًا قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، بَلْ أَحَدُهُمَا مُتَبَرِّعٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْقِيَامِ عَلَى نُصْرَتِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ ، وَالْآخَرُ مُتَبَرِّعٌ عَلَى صَاحِبِهِ فِي جَعْلِهِ إيَّاهُ خَلِيفَتَهُ فِي مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ .
وَعَقْدُ التَّبَرُّعِ لَا يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُعَاوَضَةً بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا صُورَةً ، فَيَكُونُ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ حِينَ وَالَى الْأَبَ فَأَسْلَمَ الِابْنُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ وَوَالَاهُ ، فَوَلَاؤُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِاكْتِسَابِ سَبَبِ الْوَلَاءِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ اكْتِسَابِ أَبِيهِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْأَبَ إنْسَانٌ ، وَالِابْنَ إنْسَانٌ آخَرُ ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلًى لِمَنْ أَعْتَقَهُ ، وَإِنْ أَسْلَمَ الِابْنُ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ .
نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأَبِ ، بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي وَلَائِهِ وَالصَّغِيرِ عِنْدَ عَقْدِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَلَاءِ تَرَتَّبَ عَلَى الْإِسْلَامِ عَادَةً ، وَالِابْنُ الْكَبِيرُ لَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْمَوْلُودِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوَلَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَيُجْعَلُ فِيهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ ، أَمَّا الْكَبِيرُ أَصْلٌ فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ هَذَا الْوَلَاءِ حَتَّى يَصِحَّ

مِنْهُ عَقْدُ الْوَلَاءِ بِدُونِ إذْنِ أَبِيهِ ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ أَصْلًا فِي الْحُكْمِ وَتَبَعًا فِيهِ مُنَافَاةٌ ، وَلِهَذَا لَا يَصِيرُ مَوْلًى لِلَّذِي وَالَاهُ أَبُوهُ .

وَإِذَا أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ وَوَالَتْ رَجُلًا وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْ رَجُلٍ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قِيَاسَ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ ، أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ ذَلِكَ لِلْأُمِّ عَلَى وَلَدِهَا الصَّغِيرِ حَتَّى يَصِحَّ عَقْدُهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صِفَةُ اللُّزُومِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْوَلَدِ خِيَارُ الْبُلُوغِ ، فَكَذَلِكَ يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ مِنْهَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صِفَةُ اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلْأُمِّ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ ، وَكَذَلِكَ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَلَى حِدَةٍ .
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّ حُكْمَ الْوَلَاءِ يَثْبُتُ بِعَقْدٍ فَيَسْتَدْعِي عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، وَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ ، وَالْوَلَدُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأُمِّ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَلَا يَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْمُبَاشَرَةِ لِهَذَا الْعَقْدِ كَعَقْدِ الْكِتَابَةِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَادَةً ، أَوْ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالْإِسْلَامِ فَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَكَذَا فِي هَذَا الْوَلَاءِ ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَاءٌ مِنْ جَانِبِ أَبِيهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةٌ فِي حَقِّ هَذَا الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا فَمَوْلَاهُ يَقُومُ بِنُصْرَتِهِ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهُ ، وَإِذَا بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ جِنَايَتَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ

إنْ شَاءَ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَحْضَةٌ فِي حَقِّهِ ، فَيَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ فِيهِ إلْزَامُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةٌ فِي حَقِّهِ .

وَإِذَا أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ابْنُهُ عَلَى يَدَيْ آخَرَ وَوَالَاهُ ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الَّذِي وَالَاهُ ، وَلَا يَجُرُّ بَعْضُهُمْ وَلَاءَ بَعْضٍ ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَتَاقِ ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِي سَبَبِ الْوَلَاءِ ، وَهُوَ الْعَقْدُ وَلَوْ كَانَ مَقْصُودًا فِي سَبَبِ وَلَاءِ الْعِتْقِ أَيْضًا لَمْ يَجُرَّ أَحَدُهُمَا وَلَاءَ الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ الثَّانِي لَا يَصِيرُ مَوْلًى لِمَوَالِي أَبِيهِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبُ الْوَلَاءِ الْعَقْدُ لَا الْإِسْلَامُ ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ ، فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ فِيهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ .

حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَوَالَى مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْعَقْدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحٌ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْآخَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنَاصُرُ ، وَالْمُسْلِمُ يَقُومُ بِنُصْرَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ ، أَوْ يُعْتَبَرُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ مَوْلًى لَهُ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُوَالَاةِ ، فَإِنْ سَبَى ابْنَهُ فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُزْ وَلَاءُ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَتْبَعُ وَلَدَهُ فِي الْوَلَاءِ ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ ، وَالْوَالِدُ لَا يُنْسَبُ إلَى وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ وَالْأَصْلُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْفَرْعِ ، فَلِهَذَا لَا يَجُرُّ الِابْنُ وَلَاءَ الْأَبِ ، وَإِنْ سُبِيَ أَبُوهُ فَأُعْتِقَ جَرَّ وَلَاءَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعِتْقِ ، فَكَانَ الِابْنُ بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ ، فَيَجُرُّ الْأَبُ وَلَاءَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الْأَبُ وَوَالَى رَجُلَانِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ هُنَا مُسَاوٍ لِوَلَاءِ الْأَبِ ، فَيَظْهَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلًى لِمَوْلَاهُ ، وَلَوْ كَانَ ابْنُ ابْنِهِ لَمْ يُسْبَ وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ثُمَّ سُبِيَ الْجَدُّ فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَ نَافِلَتِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَدَّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ إلَّا أَنْ يَجُرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ ، فَإِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ جَرُّهُ وَلَاءَ ابْنِهِ فِيمَا إذَا سُبِيَ أَبُوهُ فَاشْتَرَاهُ هَذَا الْجَدُّ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ ، فَيَصِيرُ ابْنُهُ مَوْلًى لِمَوَالِيهِ ، وَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاءُ النَّافِلَةِ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ ، فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ الِابْنُ غَيْرَهُ

فَالْجَدُّ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُ ؛ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ وَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ أَيْضًا

( قَالَ ) : وَمُوَالَاةُ الصَّبِيِّ بَاطِلَةٌ ، يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ صَبِيٍّ وَوَالَاهُ ؛ لِأَنَّ بِالْعَقْدِ يَلْتَزِمُ نُصْرَتَهُ فِي الْحَالِ ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْعَاقِلَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ وَوَالَاهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْعَقْدِ وَمِنْ أَهْلِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوَلَاءِ بِالْعِتْقِ ، فَكَذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ وَالَى رَجُلٌ عَبْدًا لَمْ نُجِزْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَوْلًى لَهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ الْتِزَامِ النُّصْرَةِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَقْدُهُ كَعَقْدِ مَوْلَاهُ ، فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ النُّصْرَةُ وَالْمِيرَاثُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنُصْرَةُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ بِالْإِرْثِ ، وَلِهَذَا يُجْعَلُ الْمَوْلَى خَلَفًا عَنْهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ ، وَإِنْ وَالَى صَبِيًّا بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعُقُودِ ، وَالْتِزَامُهُ بِالْعَقْدِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ صَحِيحٌ فِيمَا لَا يَكُونُ مَحْضُ مَضَرَّةٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ عَلَيْهِ هَذَا الْعَقْدَ فَإِنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْوَلَاءَ لِوَلَدِهِ عَلَى إنْسَانٍ كَانَ صَحِيحًا ، فَكَذَلِكَ يَمْلِكُهُ الْوَلَدُ بِإِذْنِ أَبِيهِ ثُمَّ يَكُونُ مَوْلًى لِلصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ بِنَفْسِهِ إذَا صَحَّ سَبَبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَرِثَ قَرِيبَهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ مَوْلًى لَهُ فَكَذَا حُكْمُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ مُكَاتَبٍ وَوَالَاهُ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْعَقْدِ وَمِنْ أَهْلِ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْوَلَاءِ ، أَلَا

تَرَى أَنَّهُ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْهُ ، وَإِذَا أَدَّى مُكَاتَبَتَهُ فَيُعْتَقُ قَبْلَ أَدَائِهِ كَانَ مَوْلًى لِمَوْلَاهُ ، فَكَذَا هُنَا يَكُونُ مَوْلًى لِمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الرِّقِّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمُوجِبِ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْإِرْثُ فَيَخْلُفُهُ مَوْلَاهُ فِيهِ .

وَلَوْ وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْعَقْدِ وَمِنْ أَهْلِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِ ، وَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ فَإِسْلَامُ الْأَسْفَلِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وَكَادَّةً وَيَبْقَى مَوْلًى لَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ ،

وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَوَالَاهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ ، وَلَكِنْ يُنْسَبُ إلَى عَشِيرَتِهِ .
وَأَصْلُهُ هُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَرِثُونَهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَبَ فِي حَقِّ الْعَرَبِ مُعْتَبَرٌ ، وَأَنَّهُ يُضَاهِي وَلَاءَ الْعِتْقِ ، وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءُ الْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ مَعَ أَحَدٍ ، فَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مِنْ الْعَرَبِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ مَعَ أَحَدٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعِتْقِ فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الرِّقُّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ إذَا أُعْتِقَ كَانَ مَوْلًى لِمُعْتِقِهِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ قَوِيٌّ كَالنَّسَبِ فِي حَقِّ الْعَرَبِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ ، فَيَظْهَرُ مَعَ وُجُودِهِ ، وَيَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ بِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ ، فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَرَّرُ سَبَبُهُ مَعَ وُجُودِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ .
وَالْحُكْمُ يَنْبَنِي عَلَى السَّبَبِ .

ذِمِّيٌّ أَسْلَمَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ آخَرُ عَلَى يَدَيْهِ وَوَالَاهُ فَهُوَ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْعَقْدِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَقْصُودِ بِالْوَلَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فَهُوَ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْعَقْدِ ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَقْصُودِ بِالْوَلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَلَاءٌ ، وَإِنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَوْلَاهُ وَإِنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ مَوْلًى لَهُ ، وَلَكِنْ فَائِدَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الَّذِي يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى غَيْرِهِ وَيُلَقِّنُهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : وَإِنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ يُلَقِّنُ غَيْرَهُ شَيْئًا لَا يَكُونُ مُبَاشِرًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَاَلَّذِي يُلَقِّنُ غَيْرَهُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ عَبْدِهِ .

( قَالَ ) : رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِحَضْرَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِهِمَا وَمِثْلُ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَفْسَخُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ تَمَكُّنَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْفَسْخِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ بِنَفْسِهِ ، لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِنَفْسِهِ ، فَفِي فَسْخِ أَحَدِهِمَا إلْزَامُ الْآخَرِ حُكْمَ الْفَسْخِ فِي عَقْدٍ كَانَ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّهِ ، فَلَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ ، وَلَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَسْخِ فِي حَقِّهِ قَبْلَ عِلْمِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْخِطَابِ بِالشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْأَعْلَى تَبْرَأَ مِنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ صَحَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ صَاحِبِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ ، وَإِنْ وَالَى الْأَسْفَلُ رَجُلًا آخَرَ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ مَعَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ هُنَا يَثْبُتُ حُكْمًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي وَفِي الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَوَّلِ ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ حُكْمًا لَهُ بِخِلَافِ الْفَسْخِ مَقْصُودًا ، وَهُوَ نَظِيرُ عَزْلِ الْوَكِيلِ حَالَ غَيْبَتِهِ لَا يَصِحُّ مَقْصُودًا وَيَصِحُّ حُكْمًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ الَّذِي وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : فَلِمَاذَا يَجْعَلُ صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي مُوجِبًا فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَوْ وَالَاهُمَا جُمْلَةً صَحَّ ؟ ( قُلْنَا ) : لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ مَا دَامَ ثَابِتًا مِنْ إنْسَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ مِنْ

ضَرُورَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الثَّانِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بَعْدَ صِحَّتِهِ مُعْتَبَرٌ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ الْأَسْفَلُ عَبْدًا وَوَالَاهُ رَجُلٌ فَوَلَاءُ مُعْتِقِهِ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَعْلَى الَّذِي هُوَ مَوْلَاهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْأَعْلَى ثُمَّ مَاتَ الْأَسْفَلُ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِ الْأَعْلَى دُونَ الْإِنَاثِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي وَلَاءِ الْعِتْقِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ بَيْعِ الْوَلَاءِ ( قَالَ ) : ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { : الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ } .
وَبِهَذَا نَأْخُذُ دُونَ مَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ مَوْلًى لِمَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، فَوَهَبَتْ وَلَاءَهُ لِابْنِ الْعَبَّاسِ وَهَذَا لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَيَسْتَدْعِي شَيْئًا مَمْلُوكًا يُضَافُ إلَيْهِ عَقْدُ الْهِبَةِ لِيَصِحَّ التَّمْلِيكُ فِيهِ ، وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى مُعْتَقِهِ شَيْءٌ مَمْلُوكٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَدَّقَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِإِنْسَانٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِمَا قُلْنَا ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي مَالًا مُتَقَوِّمًا ، وَالْوَلَاءُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْوَلَاءَ نَفْسُهُ لَا يُورَثُ ، إنَّمَا يُورَثُ بِهِ كَالنَّسَبِ ، وَالْإِرْثُ قَدْ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ كَالْقِصَاصِ ، فَإِذَا كَانَ لَا يُورَثُ فَلَأَنْ لَا يَتَحَقَّقَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كَانَ أَوْلَى ، وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ قِيَاسُ وَلَاءِ الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا هِبَتُهُ ؛ لِمَا قُلْنَا بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ ، وَالْأَسْفَلُ غَيْرُ رَاضٍ بِأَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِغَيْرِ مَنْ عَاقَدَهُ ، وَوَلَاءُ الْعِتْقِ لَا يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّحْوِيلُ هُنَاكَ فَهُنَا أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ وَوَالَى هُوَ الَّذِي بَاعَ وَلَاءَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْوَلَاءِ الْأَوَّلِ وَمُوَالَاةً مَعَ هَذَا الثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ عَقَلَ عَنْهُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِتَصَرُّفِهِ أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِلثَّانِي ، فَيَجِبُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ بِطَرِيقِ الْإِمْكَانِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ مَعَ الثَّانِي بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا مِنْهُ لِلْوَلَاءِ

الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْأَعْلَى ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ وَلَائِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ بِحَالٍ ، وَلَكِنْ بَيْعُ الْأَسْفَلِ مِنْ الثَّانِي بَاطِلٌ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّانِي مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَالْوَلَاءُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ مُضَافًا إلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ لَا يَمْلِكُ الْبَدَلَ بِالْقَبْضِ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ عِتْقِ الرَّجُلِ عَبْدَهُ مِنْ غَيْرِهِ ( قَالَ ) : ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بَرِيرَةَ أَتَتْهَا تَسْأَلُهَا فِي مُكَاتَبَتِهَا .
فَقَالَتْ لَهَا : أَشْتَرِيك فَأُعْتِقُكِ وَأُوَفِّي عَنْك أَهْلَكِ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُمْ فَقَالُوا : إلَّا أَنْ نَشْتَرِطَ الْوَلَاءَ لَنَا ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ، فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا ، فَقَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ .
كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ .
مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ : اعْتِقْ يَا فُلَانُ وَالْوَلَاءُ لِي ، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا وَهْمٌ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَلَا يَأْمُرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَاطِلٍ وَلَا بِغُرُورٍ ، وَهُوَ شَاذٌّ مِنْ الْحَدِيثِ ، لَا يَكَادُ يَصِحُّ إنَّمَا الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّ مَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَهُوَ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي بُعِثَ لِأَجْلِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهِ هِشَامٌ فَهُوَ وَهُمْ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، وَالشِّرَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ .
وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ الثَّقَفِيَّةِ جَارِيَةً ، وَشَرَطَ لَهَا أَنَّهَا لَهَا بِالثَّمَنِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا فَسَأَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أَطَأَهَا وَلَا حَدَّ فِيهَا شُرِطَ فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْثَقَ

وَأَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِ .
وَفِي الْبَيْعِ مَعَ الشَّرْطِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَيْعَ الْمُكَاتَبَةِ بِرِضَاهَا يَجُوزُ ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِمَنْ حَصَلَ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ لَا لِمَنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بِدُونِ مِلْكِ الْمَحَلِّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ؛ وَلِأَجْلِهِ رُوِيَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْكِتَابِ .

وَإِذَا أُعْتِقَ الرَّجُلُ عَنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَالْعِتْقُ جَائِزٌ عَنْ الْمُعْتِقِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ دُونَ الْمُعْتَقِ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ إدْخَالِ الشَّيْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا ، فَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ الْوَارِثُ عَنْ مُورِثِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الصَّدَقَةِ لَا يَسْتَدْعِي مِلْكَ مَنْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ ؛ وَلِأَنَّهُ بِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ يَكْتَسِبُ لَهُ الثَّوَابَ وَلَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا ، وَبِالْعِتْقِ يَلْزَمُهُ الْوَلَاءُ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُلْزِمَ مُوَرِّثَهُ الْوَلَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَلَمْ يُوجَدْ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ الظِّهَارِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَضْمَنُهَا لَك فَفَعَلَ لَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ عَنْ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ التَّمْلِيكَ يَنْدَرِجُ فِيهِ ، وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي ، فَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْتِمَاسِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ ، فَلَا يَنْدَرِجُ فِيهِ التَّمْلِيكُ ، وَبِدُونِهِ يَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتِقِ دُونَ الْآمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى أَحَدٍ ؛

وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُ مَالًا بِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَتَحْصِيلِهِ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى الْمَالَ رَجَعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا فَفَعَلَ فَالْوَلَاءُ لِلزَّوْجِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا عَنْهَا ، فَإِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهَا يَنْدَرِجُ هُنَاكَ فَيَتَقَرَّرُ فِيهَا رَقَبَةُ الْأَبِ صَدَاقًا لَهَا ، وَهُنَا لَا يَنْدَرِجُ التَّمْلِيكُ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَيَبْقَى النِّكَاحُ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا .

( قَالَ ) : وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ ، يَعْنِي أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ تُعْتِقَ أَبَاهُ فَالْعِتْقُ عَنْهَا ، وَالْأَبُ مَوْلًى لَهَا ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الزَّوْجَ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا مَنْفَعَةَ الْوَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنَلْ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا فَلِهَذَا مِثْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ عَلَى الْآمِرِ ، وَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ ، وَفِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الظِّهَارِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْآمِرُ بِذَلِكَ امْرَأَةَ الْعَبْدِ فَسَدَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ الرَّقَبَةَ وَذَكَرَ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَفَعَ عَلَيْهَا حَتَّى كَلَّمَتْهُ فَأَعْتَقَ عَنْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَمْسِينَ رَقَبَةً فِي كَفَّارَةِ يَمِينِهَا .
وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ ، وَبِالِاتِّفَاقِ بِدُونِ الْأَمْرِ لَا يَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهَا كَفَّرَتْ يَمِينَهَا وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَعْتَقَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى حَيْثُ كَلَّمَتْهُ وَذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا أَعْتَقَتْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَبِيدًا مِنْ تِلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ عَبْدَ

الرَّحْمَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ وَجَعَلَ إلَيْهَا ذَلِكَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَلَاءِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَا وَارِثَ لَهُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِالْوَلَاءِ ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَاهُ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ حَتَّى يُفَسِّرَا الْوَلَاءَ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } .
وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى ابْنِ الْعَمِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي } .
وَقَدْ يَكُونُ بِالْعِتْقِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْمُوَالَاةِ ، فَمَا لَمْ يُفَسِّرُوا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَى هَذَا مَوْلَى عَتَاقَةٍ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى الْعَتَاقَةُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَيَتَنَاوَلُ الْأَسْفَلَ ، فَلَا يَدْرِي الْقَاضِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ يَقْضِي ، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْتَقَ صَاحِبَهُ ( فَإِنْ قِيلَ ) : هَذَا الِاحْتِمَالُ يَزُولُ بِقَوْلِهِمَا وَوَارِثُهُ فَإِنَّ الْأَسْفَلَ لَا يَرِثُ مِنْ الْأَعْلَى ، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ ( قُلْنَا ) : بِهَذَا لَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْأَسْفَلِ مِنْ الْأَعْلَى ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا ، وَلَعَلَّ الشَّاهِدَيْنِ اعْتَقَدَا ذَلِكَ وَقَصَدَا بِهِ التَّلْبِيسَ عَلَى الْقَاضِي يَعْلَمُهُمَا أَنَّهُمَا لَوْ فَسَّرَا لَمْ يَقْبِضْ الْقَاضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مَوْلَى عَتَاقَةٍ لَهُ بِإِعْتَاقٍ مِنْهُ ، وَبِإِعْتَاقٍ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بَعْضِ أَقَارِبِهِ ، وَبَيْنَ النَّاسِ كَلَامٌ فِي الْإِرْثِ بِمِثْلِ هَذَا الْوَلَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَصَبَةُ ، أَمْ يَكُونُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ، فَلِهَذَا لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا مَا لَمْ يُفَسِّرَا فَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْحَيَّ أَعْتَقَ هَذَا الْمَيِّتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَرُّوا مَا

شَهِدُوا بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تُهْمَةُ التَّلْبِيسِ ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى النَّسَبِ .
وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ نَسَبًا وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الشَّرْطُ إلَّا بِشَهَادَتِهِمْ وَقَوْلُهُمْ : لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ إنَّمَا شَهَادَةٌ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ وَكَمَا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ .
فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا عَلَى عِتْقٍ كَانَ مِنْ أَبِيهِ ، وَفَسَّرُوا عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ وِرَاثَتُهُ مِنْهُ فَإِنْ قَالَا لَمْ نُدْرِكْ أَبَاهُ هَذَا الْمُعْتِقَ ، وَلَكِنَّا قَدْ عَلِمْنَا هَذَا ، لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى هَذَا إمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَلَاءِ بِالتَّسَامُعِ ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجَوِّزُ ذَلِكَ .
وَلَكِنْ إذَا أَطْلَقَا الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا بَيَّنَا أَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا ، وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِالتَّسَامُعِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ ، وَبَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ هَذَا الْمَيِّتِ ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ مِنْ عَبْدِ فُلَانٍ ، وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَبْدًا أَوْ مَاتَتْ أُمُّهُ ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ فَقَدْ فَسَرُّوا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ ( قَالَ ) : فَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَ أَبَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ ، وَأَنَّهُ وَارِثُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّهُ

أَثْبَتَ سَبَبَ جَرِّ الْوَلَاءِ إلَيْهِ ، وَهُوَ عِتْقُ الْأَبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِالْمِيرَاثِ لِمَوَالِي الْأُمِّ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ إذَا أَثْبَتَ الثَّانِي خَطَأَ الْقَاضِي فِي الْقَضَاءِ بِهِ لِلْأَوَّلِ ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ مَا قَضَى بِهِ ، وَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَاءَ مَيِّتٍ بِالْعِتْقِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ جَعَلْت مِيرَاثَهُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إرْثُ رَجُلَيْنِ بِالْوَلَاءِ مِنْ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ أَعْتَقَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا ، وَالْبَيِّنَاتُ حُجَجٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
فَإِنْ وَقَّتَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَكَانَ أَحَدُهُمَا سَابِقًا ، فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ الْغَيْرُ فِيهِ ، فَهُوَ كَالنَّسَبِ إذَا أَقَامَ رَجُلَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ الْعِتْقُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَّخَ شُهُودُهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الثَّانِي فِيهِ حَتَّى يُعْتِقَهُ ، فَتَبَيَّنَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَرَّخُوا تَارِيخًا سَابِقًا بُطْلَانَ شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ ، فَصَاحِبُ الْعَقْدِ الْآخَرِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ الْأَوَّلِ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَقْدُ مَعَ الثَّانِي ، وَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْوَلَاءِ الْأَوَّلِ فَشُهُودُ الْآخَرِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ مَا يَفْسَخُ الْوَلَاءَ ، فَالْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ عَقَلَ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ قَدْ تَأَكَّدَ وَلَاؤُهُ ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْعَقْدِ مَعَ الْآخَرِ ، بَلْ يَبْطُلُ الثَّانِي وَيَبْقَى الْأَوَّلُ بِحَالِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ

وَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِوَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ ، ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ بِتَقَدُّمِ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَاضِي بِبَيِّنَتِهِ ، لَمْ تُقْبَلْ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ كَذِبَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَقَدْ تَأَكَّدَتْ شَهَادَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهَا فَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْكَذِبِ عَلَى شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي ، إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ ، فَحِينَئِذٍ يَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ ، وَيَبْطُلُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا سَبَبَ كَوْنِهِ مُخْطِئًا فِي الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا حِينَ أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ .

رَجُلٌ مَاتَ ، وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ ، وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لِأَبِيهِ وَلَا لِهَذَا الْمَيِّتِ غَيْرَهُ ، وَجَاءَ بِابْنَيْ أَخِيهِ فَشَهِدَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِجَدِّهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ ، وَالْإِرْثُ بِهِ كَانَ لِلْمُعْتِقِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ فِي ذَلِكَ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ ، وَشَهَادَةُ النَّافِلَةِ لِلْجَدِّ لَا تُقْبَلُ ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْمُعْتِقِ بِذَلِكَ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ وَلَاءَ رَجُلٍ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا حُرُّ الْأَصْلِ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَوَالَاهُ ، وَالْغُلَامُ يَدَّعِي أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ يَقْضِي بِهِ لِلَّذِي وَالَاهُ دُونَ الَّذِي أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ تَثْبُتُ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَحُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لَا نَاقِضَ لَهَا ، فَبَعْدَ ثُبُوتِهَا تَنْدَفِعُ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ انْتَفَى الْمِلْكُ بِثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ ، وَلِهَذَا قَضَى بِوَلَائِهِ لِلَّذِي وَالَاهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَيِّتًا عَنْ تَرِكَةٍ ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ تَقُومُ عَلَى رِقَّةٍ ، وَالْأُخْرَى عَلَى حُرِّيَّتِهِ فَالْمُثْبِتُ لِلْحُرِّيَّةِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْمُوَالَاةِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ عَاقَدَهُ عَقْدَ الْوَلَاءِ ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، فَثُبُوتُ هَذَا الْإِقْرَارِ بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِالْمُعَايَنَةِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَأَقَرَّ أَنَّهُ مَوْلَى عَتَاقَةٍ لِهَذَا أَجَزْت بَيِّنَةَ الْعَتَاقَةِ ، وَكَانَ هَذَا نَقْضًا مِنْ الْغُلَامِ لِلْمُوَالَاةِ لَوْ كَانَ وَالَى هَذَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَذِّبٌ لِلَّذِينَ شَهِدُوا بِحُرِّيَّتِهِ فِي الْأَصْلِ ، وَمُدَّعِي الْمُوَالَاةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ ؛

لِأَنَّ الْعَبْدَ بِإِقْرَارِهِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ نَاقِضًا لِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَافَاةِ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ نَقْضِ وَلَائِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ خَصْمٌ يَدَّعِي حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لَهُ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْمِلْكِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ الدَّعْوَى وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ، فَيَثْبُتُ لَهُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ بِحُجَّةٍ حُكْمِيَّةٍ ، وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بِإِقْرَارِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ عَلَيْهِ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ عِنْدَهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْعَتَاقَةِ تُعَارِضُ بَيِّنَةَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فِيمَا لِأَجْلِهِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُمَا ، وَهُوَ إثْبَاتُ حُقُوقِ الشَّرْعِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَتَرَجَّحُ بِخَصْمٍ يَدَّعِيهَا أَوْ لَمَّا انْتَفَى وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ فَهَذَا حُرٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَوْلَى هَذَا الَّذِي يَدَّعِي وَلَاءَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ إقْرَارُهُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِمَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ النَّسَبَ لِإِنْسَانٍ وَلَا نَسَبَ لَهُ .

رَجُلٌ مَاتَ عَنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَشَهِدَ ابْنَا الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ ، وَادَّعَى آخَرُ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ فَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ بِنْتُ الْمَيِّتِ ، فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الِابْنَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِالْوَلَاءِ وَلَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ ثُمَّ الْإِقْرَارُ لَا يُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَعْدُو الْمُقِرَّ ، وَالشَّهَادَةَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْتَقُ أَبِ الْمُدَّعِي ، وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا الْقَضَاءِ تَكْذِيبُ الِابْنَةِ فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ إقْرَارِهِمَا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَابْنَيْنِ وَابْنَةٍ ، وَادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَشَهِدَ لَهُ ابْنَا الْمَيِّتِ وَادَّعَى آخَرُ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَرَّتْ ابْنَةُ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إقْرَارِهَا ، وَيُجْعَلُ الْمَالُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَثْبَتَ دَيْنَهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ شَهِدَ لِلْآخَرِ ابْنٌ لَهُ وَابْنَتَانِ وَلَمْ يُوَقِّتُوا وَقْتًا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْحُجَّتَيْنِ ، فَإِنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْوَلَاءِ مِثْلُ شَهَادَةِ الرِّجَالِ وَلَا تَرْجِيحَ مِنْ حَيْثُ التَّارِيخِ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ ، فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي فَادَّعَى عَلَى عَرَبِيٍّ أَنَّهُ مَوْلَاهُ ، وَأَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ أَبَاهُ وَجَاءَ بِأَخَوَيْهِ لِأَبِيهِ يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ ، وَالْعَرَبِيُّ يُنْكِرُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا مِنْهُمْ دَعْوَى ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مَعَ أَخَوَيْهِ فِي هَذَا الْوَلَاءِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا مَالًا ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ تَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، فَإِذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ مُنْكِرًا كَانَ

الْمُدَّعِي هُوَ الِابْنُ الَّذِي يَدَّعِي الْوَلَاءَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ أَبِيهِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَبَ حَيٌّ يَدَّعِيهِ وَشَهَادَةُ الِابْنَيْنِ لِأَبِيهِمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً وَإِنْ ادَّعَى الْعَرَبِيُّ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى جَازَتْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الِابْنِ كَإِنْكَارِ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا ، فَإِنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِالْوَلَاءِ لِلْعَرَبِيِّ وَلَا تُهْمَةَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ .

وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ وَلَاءَ رَجُلٍ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرِ مَوْتِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، فَإِنَّ التَّدْبِيرَ غَيْرُ الْعِتْقِ الْمُنْجَزِ فِي الْمَرَضِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ قَدْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ ، وَقَدْ دَخَلَ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِكَلَامِ فُلَانٍ وَقَدْ فَعَلَ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ وَاسْتَوْفَى الْبَدَلَ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِمَالٍ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ غَيْرُ الْعِتْقِ بِمَالٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْعِتْقَ فَكَانَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَوْلٌ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ إذْ الْقَوْلُ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ ، وَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَأَخَذَ رَجُلٌ مَالَهُ ، وَادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَخَبَرُ الْمُخْبِرِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّدْقِ فِي حَقِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُعَارِضُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ خَاصَمَهُ فِيهِ إنْسَانٌ سَأَلْتَهُ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَالِ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَمَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ لَا يُؤْخَذُ الْمَالُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ ، فَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْمَيِّتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ ، وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْمَالُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قَضَيْتَ بِالْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ

بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَإِنَّمَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ وَقَدْ اسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي ذَلِكَ ، فَيُقْضَى بَيْنَهُمَا بِالْوَلَاءِ ، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ ( فَإِنْ قِيلَ ) : لَا كَذَلِكَ بَلْ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ وَأَحَدُهُمَا فِيهَا صَاحِبُ الْيَدِ وَالْآخَرُ خَارِجٌ فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ هَذَا كَبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ وَالْخَارِجِ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيُقْضَى لِلْخَارِجِ ، أَوْ يُجْعَلَ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَتَكُونُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى .
( قُلْنَا ) : لَا كَذَلِكَ بَلْ الْوَلَاءُ حَقٌّ مَقْصُودٌ يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَلَاءِ أَوَّلًا ، وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ غَيْرُ مَقْصُودٍ حَتَّى لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْحُكْمِ ، وَهُوَ الْمِلْكُ ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ ، فَذُو الْيَدِ يُثْبِتُ شِرَاءً مُتَأَكِّدًا بِالْقَبْضِ ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى ، وَهُنَا الْوَلَاءُ مُتَأَكِّدٌ بِنَفْسِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْيَدِ عَلَى الْمَالِ فِي تَأْكِيدِ السَّبَبِ ، فَلِهَذَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا .
فَإِنْ أَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ ، وَأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مُسْلِمٌ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الذِّمِّيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ ، وَأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَلِلْمُسْلِمِ نِصْفُ الْمِيرَاثِ ، وَنِصْفُ الْمِيرَاثِ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الذِّمِّيِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمْ قَرَابَةٌ جَعَلْته لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ ،

وَقَدْ اسْتَوَتْ الْحُجَّتَانِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ شُهُودَ الذِّمِّيِّ مُسْلِمُونَ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ كَشُهُودِ الْمُسْلِمِ ، فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ تُوجِبُ كُفْرَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَالْأُخْرَى تُوجِبُ إسْلَامَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَاَلَّذِي يُثْبِتُ إسْلَامَهُ أَوْلَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا فَالْمُسْلِمُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ دُونَ الْكَافِرِ ، وَلَكِنَّ الْإِرْثَ بِحَسَبِ السَّبَبِ ، وَلِلْمُسْلِمِ نِصْفُ وِلَايَةٍ فَلَا يَرِثُ بِهِ إلَّا نِصْفَ الْمِيرَاثِ ، وَنِصْفُ الْوَلَاءِ لِلذِّمِّيِّ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يَرِثَهُ ، فَيُجْعَلَ كَالْمَيِّتِ ، وَيَكُونُ هَذَا النِّصْفُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةٍ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ الذِّمِّيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ لِلنَّسَبِ ، فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَتَجَزَّأُ بِحَالٍ فَيَتَكَامَلُ السَّبَبُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يَرِثُهُ فَلِلْآخَرِ جَمِيعُ الْمَالِ لِتَكَامُلِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ ، فَأَمَّا الْوَلَاءُ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ رَجُلَانِ عَبْدًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ وَلَائِهِ ، فَلِهَذَا لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ إلَّا نِصْفَ الْمِيرَاثِ ، فَإِنْ كَانَ شُهُودُ الذِّمِّيِّ نَصَارَى لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْمَيِّتِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْحُجَّةُ فِي الْوَلَاءِ تَقُومُ عَلَيْهِ ، وَشَهَادَةُ النَّصَارَى لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى خَصْمِهِ ، وَالذِّمِّيَّ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ ، فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ يُقْضَى بِوَلَائِهِ لِلْمُسْلِمِ وَبِجَمِيعِ الْمِيرَاثِ لَهُ ، فَإِنْ وَقَّتَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا فِي الْعِتْقِ ، وَهُوَ حَيٌّ وَالشُّهُودُ كُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ ، فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَحَقُّ ؛

لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَثْبَتَ عِتْقَهُ مِنْ حِينِ أَرَّخَ شُهُودَهُ فَلَا تَصَوُّرَ لِلْعِتْقِ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَمَتَى كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ طَاعِنَةً فِي الْأُخْرَى دَافِعَةً لَهَا فَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى .

ذِمِّيٌّ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ أَعْتَقَهُ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ عَبْدُهُ ، وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ يَمْلِكُ أَمْضَيْت الْعِتْقَ وَالْوَلَاءَ لِلذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتَ الْعِتْقِ ، وَفِي بَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ إثْبَاتَ الْمِلْكِ .
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَى الْخَصْمِ فَيَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ مُسْلِمًا ، وَإِذَا كَانَ شُهُودُ الذِّمِّيِّ كُفَّارًا قَضَيْت بِهِ لِلْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ حُجَّةٌ عَلَى خَصْمِهِ ، وَبَيِّنَةُ الذِّمِّيِّ فِي إثْبَاتِ الْعِتْقِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ ، فَكَأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ عَبْدُهُ دَبَّرَهُ ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ، وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَلَى الْمِلْكِ وَالْعِتْقِ ، فَبَيِّنَةُ الذِّمِّيِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ حَقَّ الْعِتْقِ ، وَالذِّمِّيَّ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ ، وَحَقُّ الْعِتْقِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَبِلْنَا بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ وَطِأَهَا بِالْمِلْكِ بَعْدَمَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهَا ، وَذَلِكَ قَبِيحٌ .
وَلِهَذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ الذِّمِّيِّ أَوْلَى ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فِي يَدَيْ ذِمِّيٍّ ، وَقَدْ وَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا أَمَتُهُ غَصَبَهَا هَذَا مِنْهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَدَتْ هَذَا مِنْهُ فِي مِلْكِهِ قَضَيْت بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ طَاعِنَةٌ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ دَافِعَةٌ لَهَا ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ إذْ لَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً سِوَى الْيَدِ ، وَقَدْ أَثْبَتَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ يَدَ غَصْبٍ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَدَ مِلْكٍ ، فَلِهَذَا كَانَتْ بَيِّنَةُ

الْمُدَّعِي أَوْلَى ، وَإِذَا قَضَى بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي قَضَى لَهُ بِالْوَلَدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَوِلَادَتُهَا فِي يَدَيْ الْآخَرِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا ، لَا يُوجِبُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهَا أَمَتُهُ أَجَّرَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ ، أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ يَثْبُتُ أَنَّ وُصُولَهَا إلَى يَدِهِ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَأَنَّ يَدَهُ فِيهَا لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ فَهَذَا وَفَصْلُ الْغَصْبِ سَوَاءٌ .
وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ قَضَيْت بِهَا لِذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي هُنَا مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّ وِلَادَتَهَا فِي مِلْكِهِ لَا يَنْفِي مِلْكَ ذِي الْيَدِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَيَبْقَى التَّرْجِيحُ لِذِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ لِلْوَلَدِ وَحَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّهَا أَمَتُهُ أَعْتَقَهَا ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ ، فَبَيِّنَةُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِيهَا إثْبَاتُ حُرِّيَّتِهَا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوطَأَ بِالْمِلْكِ بَعْدَمَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهَا ، وَلَوْ شَهِدَ شُهُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ ذَلِكَ بِالْغَصْبِ عَلَى الْآخَرِ كَانَ شُهُودُ الْعِتْقِ أَيْضًا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَافِعَةٌ لِلْأُخْرَى طَاعِنَةٌ فِيهَا ، وَلِلْمُعَارَضَةِ لَا تَنْدَفِعُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى ، ثُمَّ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ زِيَادَةُ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ لَهَا ، وَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ عَلَيْهَا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَإِذَا كَانَ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ إثْبَاتُ حَقٍّ قَوِيٍّ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْأُخْرَى تَتَرَجَّحُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا ، ثُمَّ إنَّ الْمُكَاتَبَ كَاتَبَ أَمَةً مُسْلِمَةً ، ثُمَّ أَدَّى الْأَوَّلُ فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ ، وَنَسَبُ الْكَافِرِ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْمُسْلِمِ ، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ ، وَأَصْلُ الْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ فَكَذَلِكَ أَثَرُهُ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَرِثُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمِلَّةِ ، وَشَرْطُ الْإِرْثِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمِلَّةِ ، وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ جِنَايَتَهُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَ الْجِنَايَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَنْصُرُ الْكَافِرَ ، فَإِذَا أَدَّتْ الْأَمَةُ فَعَتَقَتْ فَوَلَاؤُهَا لِلْمَكَاتِبِ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مِلْكِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ لِكَوْنِهِ حُرًّا ، وَكَمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ ، أَوْ يُعْتَبَرُ بِالنَّسَبِ ، وَنَسَبُ الْمُسْلِمِ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْكَافِرِ فَإِنْ مَاتَتْ فَمِيرَاثُهَا لِلْمَوْلَى الْمُسْلِمِ ، وَإِنْ جَنَتْ فَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا وَهُوَ الْمَكَاتِبُ الْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَرِثَهَا ، وَلَا أَنْ يَعْقِلَ جِنَايَتَهَا فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ مُعْتَقُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي وَلَاءِ مُعْتَقِهِ فِي حُكْمِ الْإِرْثِ وَعَقْلِ الْجِنَايَةِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ لَا يَرِثُهُ وَلَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهَا بَعْدَ ذَلِكَ .
( قُلْنَا ) : أَمَّا فَائِدَتُهُ النِّسْبَةُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ كَالنَّسَبِ ، مَعَ أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُسْلِمُ فَيَرِثُهُ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ قَدْ

ظَهَرَتْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْمَوْلَى الْمُسْلِمَ مُعْتِقُهُ فَيَرِثُهُ وَيَعْقِلُ جِنَايَتَهَا عَاقِلَتُهُ .

رَجُلٌ بَاعَ مُكَاتَبًا فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِالْكِتَابَةِ ، وَفِي بَيْعِهِ إبْطَالُ هَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهُ ، وَقَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا فَلَا يَقْدِرُ الْمَوْلَى عَلَى تَسْلِيمِهِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَمَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ صَارَ كَالتَّاوِي ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ دُونَ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَبْضُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ كَالْحُرِّ وَالْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ بِدُونِ الْمَحَلِّ ، وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا ، فَلِهَذَا كَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا ، وَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ قَدْ عَجَزْت ، وَكَسَرَ الْمُكَاتَبَةَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى ، فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ ، فَإِنَّمَا صَادَفَهُ الْبَيْعُ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ قِنٌّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَصَدَا تَصْحِيحَ الْبَيْعِ ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمِ فَسْخِ الْكِتَابَةِ فَيَتَقَدَّمُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ حَالَّةٌ فَكَاتَبَ الْعَبْدُ أَمَةً عَلَى أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ وَكَّلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ بِقَبْضِ الْأَلْفَيْنِ مِنْهَا عَلَى أَنَّ أَلْفًا مِنْهَا قَضَاءٌ لَهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ فَفَعَلَ ، فَإِنَّ وَلَاءَ الْأَمَةِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى وَكِيلُ عَبْدِهِ فِي قَبْضِ الْأَلْفَيْنِ مِنْهَا فَتُعْتَقُ هِيَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ ، ثُمَّ الْمَوْلَى يَقْبِضُ إحْدَى الْأَلْفَيْنِ لِنَفْسِهِ بَعْدَمَا يَقْبِضُهُ لِلْمُكَاتَبِ ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ عِتْقَهَا يَسْبِقُ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ أَدَّتْ إلَى الْمُكَاتَبِ فَعَتَقَتْ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ كَانَ

وَلَاؤُهَا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَيَخْلُفُهُ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ فَهَذَا مِثْلُهُ ؛ وَلِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَهَا ، وَمَا لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَهَا لَا يَكُونُ هُوَ أَهْلًا لِوَلَائِهَا ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يُعْتَقَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِيهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ ، وَكَمَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُعْتِقَ كَسْبَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْعَبْدِ فِيهِ ، أَوْ يُنِيبَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ وَإِنْ فَعَلَ ، وَالدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَفِي نُفُوذِهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى هَلْ يَمْلِكُ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَأْذُونِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ذَلِكَ مِنْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مَالِهِ ، فَيَمْلِكُ أَنْ يُنِيبَ الْعَبْدَ مَنَابَ نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فَإِنْ كَاتَبَ عَبْدًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْمُكَاتَبَةَ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى دُونَ الْعَبْدِ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَالْوَكِيلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْهُ فَإِنَّمَا عَتَقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْمَكَاتِبِ إذَا أَدَّى بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُكَاتَبٌ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ حَقِّ الْمِلْكِ الَّذِي لَهُ فِي كَسْبِهِ وَقَدْ انْقَلَبَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ حَقِيقَةَ مِلْكٍ ، وَكَانَ حَقُّ قَبْضِ الْبَدَلِ لَهُ فَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ ، وَبَعْدَ عِتْقِهِ يَكُونُ

كَسْبُهُ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الرِّقِّ لِمَوْلَاهُ ، وَلِلصَّبِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْكِتَابَةِ فِي عَبْدِهِ دُونَ الْعِتْقِ بِمَالٍ ، فَكَذَلِكَ يَصِحُّ إذْنُهُ فِي الْكِتَابَةِ دُونَ الْعِتْقِ بِمَالٍ ، وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ الْبَدَلَ فَوَلَاؤُهُ لِلصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ وَلَاءِ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَقْبَلَ وَلَاءَ مَنْ يُوَالِيهِ بِإِذْنِ وَصِيِّهِ أَوْ أَبِيهِ ، وَلَهُمَا أَنْ يَقْبَلَا عَلَيْهِ هَذَا الْوَلَاءَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَقْدَ الْوَلَاءِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ ، وَمَعْنَى الْمَنْفَعَةِ فِيهِ أَظْهَرُ وَمِثْلُ هَذَا الْعَقْدِ يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ ، وَيَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَيَّدُ رَأْيُهُ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَيْهِ كَمَا فِي التِّجَارَاتِ .
وَإِنْ أَسْلَمَ صَبِيٌّ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ لَمْ يَجُزْ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِبْدَادِ بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزُ يَثْبُتُ فِيمَا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةٌ لَهُ دُونَ مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ ، وَالْإِسْلَامُ يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً لَهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ ، وَأَمَّا عَقْدُ الْوَلَاءِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ رَأْيُ وَلِيِّهِ إلَى رَأْيِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ مِنْهُ فِي مُبَاشَرَةِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ .

وَإِنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِمَا فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ فِي إيجَابِ الْعَقْدِ وَلَا فِي قَبُولِهِ ، وَبِدُونِهِ لَا يَثْبُتُ عَقْدُ الْوَلَاءِ فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَوْجُودِ فِي الْبَطْنِ هَذَا فَفِي الْمَعْدُومِ أَصْلًا أَوْلَى .

رَجُلٌ أَعْطَى رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ ابْنِ الْمُعْطِي وَهُوَ صَغِيرٌ فَفَعَلَ فَالْعِتْقُ عَنْ الْمَوْلَى الَّذِي أَعْتَقَ ، وَلَا يَكُونُ عَنْ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ ، وَلَا لِوَلِيِّهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ إضْمَارُ التَّمْلِيكِ مِنْ الصَّبِيِّ فِي هَذَا الِالْتِمَاسِ ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ لِتَصْحِيحِ مَا صَرَّحَ بِهِ إنْ أَعْتَقَهُ ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْهُ وَيَرُدُّ الْأَلْفَ إنْ كَانَ قَبَضَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِضْمَارِ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِضْمَارِ تَصْحِيحُ مَا صَرَّحَ بِهِ ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ إضْمَارُ التَّمْلِيكِ مِنْ الْمُعْطِي لِلْمَالِ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَمَسَ إعْتَاقَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَالتَّمْلِيكُ فِي ضِمْنِ هَذَا الِالْتِمَاسِ فَظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ فَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْهُ ، وَيَرُدُّ الْأَلْفَ إنْ كَانَ قَبَضَ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْآمِرُ بِذَلِكَ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا تَاجِرًا بِأَنْ قَالَ لِحُرٍّ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إضْمَارِ التَّمْلِيكِ هُنَا تَصْحِيحُ مَا صَرَّحَ بِهِ ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ لَيْسَ لَهُمَا أَهْلِيَّةُ الْعِتْقِ فِي كَسْبِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلصَّبِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ : أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَهُ الْأَبُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُمَلِّكًا الْعَبْدَ مِنْ الْمُلْتَمِسِ بِالْأَلْفِ ، ثُمَّ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْعِتْقِ وَلِلْوَلِيِّ حَقُّ هَذَا التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ لِمُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ عَبْدٌ فَقَالَ : أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُمَلِّكًا الْعَبْدَ مِنْهُ بِأَلْفٍ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ فِي كَسْبِهِمَا ، ثُمَّ يَنُوبُ عَنْ الْمُلْتَمِسِ فِي الْعِتْقِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُمَا أَيْضًا ، وَإِنْ قَالَ : ذَلِكَ مُكَاتَبٌ لِمُكَاتِبٍ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ

يُعْتَقْ ؛ لِأَنَّ إضْمَارَ التَّمْلِيكِ إنَّمَا يَجُوزُ لِتَصْحِيحِ مَا صَرَّحَ بِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُلْتَمِسُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعِتْقِ ، فَلَمَّا ثَبَتَ التَّمْلِيكُ مِنْهُ بِهَذَا الِالْتِمَاسِ بَقِيَ الْمَأْمُورُ مُعْتِقًا مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ بَاطِلًا .
وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ الْوَلَاءِ الْمَوْقُوفِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا ، ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَهُوَ حُرٌّ ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ إذَا جَحَدَ ذَلِكَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَالِكٌ لَهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِعِتْقٍ نَفَذَ فِيهِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ ، وَلَوْ أَنْشَأَ فِيهِ عِتْقًا نَفَذَ مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِي الْوَلَاءَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَالْبَائِعُ يَقُولُ : الْمُشْتَرِي كَاذِبٌ وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ : عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ إلْزَامِ صَاحِبِ الْوَلَاءِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْوَلَاءُ وَرَدُّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ ، وَأَنَّهُ كَانَ حُرًّا مِنْ جِهَتِهِ حِينَ بَاعَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ صَدَّقَهُ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَمَّا فِي حَقِّ رَدِّ الثَّمَنِ ؛ فَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَالتَّرِكَةُ حَقُّهُمْ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْوَلَاءِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَ الْمَيِّتَ وَلَاءً قَدْ أَنْكَرَهُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةُ إلْزَامِ الْوَلَاءِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَعْتَقُوا عَنْهُ عَبْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَاؤُهُ ، فَكَذَلِكَ هَذَا ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : وَرَثَتُهُ يَخْلُفُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِهِ فَيَكُونُ تَصْدِيقُهُمْ كَتَصْدِيقِهِ فِي حَيَاتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي النَّسَبِ يُجْعَلُ إقْرَارُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانُوا عَدَدًا كَإِقْرَارِ الْمُورِثِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّدْبِيرِ فَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ لَا يَخْدُمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّأَ عَنْ خِدْمَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَكْتَسِبُ فَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِذَا مَاتَ الْبَائِعُ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ

الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ أَنَّهُ مُدَبَّرُ الْبَائِعِ قَدْ عَتَقَ بِمَوْتِهِ ، وَالْبَائِعُ كَانَ مُقِرًّا أَنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي ، وَأَنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ نَافِذٌ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ لَزِمَ الْوَلَاءُ الْبَائِعَ اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا .

أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ صَاحِبِهِ ، وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ ، فَإِنَّهَا تَبْقَى مَوْقُوفَةً لَا تَخْدُمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْهَا ، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ ، وَأَنَّ حَقَّهُ فِي ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى صَاحِبِهِ فَتَبْقَى مَوْقُوفَةً حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَيِّتِ ، وَقَدْ أُعْتِقَتْ بِمَوْتِهِ ، وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْحَيِّ ، وَأَنَّ إقْرَارَهُ فِيهَا نَافِذٌ فَيُعْتَقُ بِاتِّفَاقِهِمَا ، وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ .

أَمَةٌ لِرَجُلٍ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهَا لَهُ ، وَلَدَتْ مِنْ آخَرَ ، فَقَالَ رَبُّ الْأَمَةِ : بِعْتُكهَا بِأَلْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجْتَنِيهَا ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ وَالِدِهِ أَنَّهُ مِلْكٌ لِمَوْلَى الْأَمَةِ ، فَإِنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ ، وَمَوْلَى الْأَمَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ أَبِ الْوَلَدِ ، وَإِنَّمَا اسْتَوْلَدَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيُثْبِتُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ إقْرَارِ مَوْلَى الْأَمَةِ بِهِ ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْأَمَةِ يَنْفِي وَلَاءَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَقُولُ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ عَلَقَ فِي مِلْكِ أَبِيهِ ، وَالْجَارِيَةُ مَوْقُوفَةٌ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَطَؤُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا وَلَا يَسْتَغِلُّهَا ؛ لِأَنَّ أَبَ الْوَلَدِ يَتَبَرَّأُ عَنْهَا لِإِنْكَارِهِ الشِّرَاءَ ، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا ، وَمَوْلَاهَا يَقُولُ : هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِأَبِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنِّي قَدْ بِعْتهَا مِنْهُ ، فَتَبْقَى مَوْقُوفَةً بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا أَقَرَّ بِذَلِكَ ، وَأَبُ الْوَلَدِ مُقِرٌّ بِأَنَّ إقْرَارَ مَوْلَاهَا فِيهَا نَافِذٌ ، فَإِذَا مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهَا مُقِرٌّ بِأَنَّهَا عَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِ أَبِ الْوَلَدِ ؛ لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَأَبُ الْوَلَدِ كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّ إقْرَارَ مَوْلَاهَا فِيهَا نَافِذٌ ، فَلِهَذَا عَتَقَتْ ، وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْعُقْرَ مِنْ أَبِ الْوَلَدِ قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لَهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ أَبَ الْوَلَدِ يَزْعُمُ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا بِالنِّكَاحِ فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا لِمَوْلَاهَا ، وَمَوْلَاهَا يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ ، وَبَعْدَ مَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي السَّبَبِ ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ مَنْ عَلَيْهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ ،

وَيَقْبِضُهُ الْآخَرُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ وَاجِبٌ لَهُ .

رَجُل أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ ، وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ ، فَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ فِي الْقِيَاسِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ وَلَاءَهُ أَبَاهُ بِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ ؛ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي حَقِّ أَبِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَبِإِقْرَارِ الْوَارِثِ إذَا كَانَ وَاحِدًا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عَنْ أَبِيهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ الْوَلَاءَ لَهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَأَلْزَمَ وَلَاءَهُ الْأَبَ إذَا كَانَ عَصَبَتُهُمَا وَاحِدًا ، وَقَوْمُهُمَا مِنْ حَيٍّ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرُ الْمِلْكِ ، وَإِقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ كَإِقْرَارِ الْأَبِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي أَثَرِهِ ثُمَّ الْإِرْثُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْوَلَاءِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلِابْنِ الْمُقِرِّ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ ، وَعَقْدُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ عَلَى قَوْمِهِ .
فَإِذَا كَانَا مِنْ حَيٍّ وَاحِدٍ فَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ قَوْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ عِتْقَهُ بِنَفْسِهِ يَلْزَمُهُمْ عَقْلُ جِنَايَتِهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ أَعْتَقَهُ قَوْمٌ ، وَالِابْنَ آخَرُونَ فَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمُ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ عَقْلَ جِنَايَتِهِ بِإِنْشَاءِ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي الْإِقْرَارِ بِهِ ، وَهَذَا الْفَصْلُ نَظِيرُ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إثْبَاتَ حُكْمِهِ فِي حَقِّ الْأَبِ وَقَوْمِهِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ آخَرُ فَكَذَّبَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَاذِبًا ، وَلَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ ضَامِنًا كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْعِتْقِ بَلْ احْتَبَسَ نَصِيبَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ ، فَلَهُ أَنْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96