كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
وَإِنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ وَهُوَ إنَّمَا ضَمِنَ الْمَعْرِفَةَ فَهَذَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ : أَنَا ضَامِنٌ لَأَنْ أُدْخِلَكَ عَلَيْهِ أَوْ أُوقِفَكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ بِوَجْهِهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّفْسِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ بِنَفْسِهِ
وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك أَنْ تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْ مُلَاقَاتَهُمَا فِعْلُهُمَا وَلَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ ضَامِنًا لِفِعْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ عَلَيَّ إشَارَةٌ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَذَلِكَ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِفِعْلِهِ دُونَ فِعْلِ الْغَيْرِ .
وَإِذَا كَفَلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ غَرِيمًا لِلْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ مِنْ رَجُلٍ فَدَفَعَهُ الْكَفِيلُ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْوَصِيِّ وَبِالتَّسْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُوفِيًا مَا الْتَزَمَهُ وَالْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ أَيْدِيَهُمْ لَا تَنْبَسِطُ فِي التَّرِكَةِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَاسْتِيفَائِهِ فَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ
وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ بِالنَّفْسِ فِيمَا بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ وَفِيمَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ كَجَوَازِهَا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَالْمُعَارَضَاتِ .
وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَوْ الْمَالِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ أَوْ إلَى الْجَذَاذِ أَوْ إلَى الْمِهْرَجَانِ أَوْ إلَى النَّيْرُوزِ جَائِزَةٌ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي سُمِّيَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ جَهَالَةٍ فَهِيَ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ مُتَقَارِبَةٌ فَإِنَّ الدِّيَاسَ وَالْحَصَادَ يَتَقَدَّمَانِ الْحَرَّ وَتَأَخُّرُهُمَا بِامْتِدَادِ الْبَرْدِ فَتَكُونُ مُتَقَارِبَةً .
وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَفِيمَا لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْأَجَلُ - أَوْلَى وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُنَاكَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَجَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إذْنُ شَرْطٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَجَّلَهُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى الدِّيَاسِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لَا يَصِيرُ مِنْ الْعَقْدِ وَلَكِنَّ تَأْثِيرَهُ فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى هَذِهِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ فَإِنْ قِيلَ مَا يَقُولُونَ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ مُؤَجَّلٍ إلَى هَذَا الْأَجَلِ فَإِنَّ الصَّدَاقَ يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ الْمُتَقَارِبَةَ ثُمَّ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ هَذِهِ الْآجَالِ فِيهِ ؟ قُلْنَا : جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكُتُبِ وَبَيْنَ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ تَثْبُتُ هَذِهِ الْآجَالُ فِي الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِرَاطَ
هَذِهِ الْآجَالِ لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَيَبْقَى هَذَا أَجَلًا فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعَقْدِ وَالْمَهْرِ تُحْتَمَلُ جَهَالَةُ الصِّفَةِ فَجَهَالَةُ الْأَجَلِ أَوْلَى وَمَنْ يَقُولُ لَا يَثْبُتُ تَحَوُّلُ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَكَذَلِكَ الْأَجَلُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْكَفَالَةُ إلَى الْعَطَاءِ أَوْ إلَى الرِّزْقِ أَوْ إلَى صَوْمِ النَّصَارَى أَوْ فِطْرِهِمْ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ بِأَجَلٍ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَلَوْ قَالَ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنْ سَفَرِهِ ؛ لِأَنَّ قُدُومَ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ سَفَرِهِ مُنْتَشِرٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَى خَصْمِهِ وَالتَّأْجِيلُ إلَى أَنْ يَنْتَشِرَ التَّسْلِيمُ صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ غَيْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْتَشِرٍ لِتَسْلِيمِ مَا الْتَزَمَهُ ؛ فَيَكُونَ تَعْلِيقًا لِلْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ أَوْ كَلَامِ زَيْدٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَعْنِي بِقَوْلِنَا بَاطِلٌ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَفَلَ بِهِ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ أَوْ إلَى أَنْ يَمَسَّ السَّمَاءَ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ وَالْأَجَلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مِنْ الْآجَالِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ بِذِكْرِ الزَّمَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّصِلَ هُبُوبُ الرِّيحِ وَإِمْطَارُ السَّمَاءِ بِالْكَفَالَةِ فَيَبْقَى شَرْطًا فَاسِدًا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْكَفَالَةُ فَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فَذِكْرُ زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا بِالْعِلْمِ إذْ زَمَانُ الدِّيَاسِ لَيْسَ زَمَانَ الْحَصَادِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّأْجِيلِ
وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ هَذَا إلَى قُدُومِ فُلَانٍ وَذَلِكَ مَعَهُ فِي الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ إلَى هَذَا الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قُدُومِهِ لِيَنْتَشِرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ يُمَكِّنُ الطَّالِبَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ شَرَطَ قُدُومَ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ سَوَاءً
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِقَوْمٍ : اشْهَدُوا أَنِّي كَفِيلٌ لِفُلَانٍ بِنَفْسِ فُلَانٍ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إنْشَاءَ الْكَفَالَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَسَوَاءٌ أَجَازَهُ الطَّالِبُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ حِينَ حَضَرَ : قَدْ كُنْت كَفَلْت لِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَا حَاضِرٌ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ إقْرَارًا مِنْك بِالْكَفَالَةِ وَقَالَ الْكَفِيلُ : أَنْشَأْت الْكَفَالَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَمْ يَصِحَّ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ لِأَنَّ صِيغَةَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ وَلِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَمْ يَصِحَّ .
وَكَلَامُ الْعَاقِلِ مَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ ؛ يُحْمَلُ عَلَيْهِ .
وَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِ غَدًا فَهُوَ كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلِلطَّالِبِ قِبَلَهُ حَقٌّ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يُوَافِ بِالْأَوَّلِ كَانَ عَلَيْهِ الثَّانِي وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْآخَرُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالْكَفَالَةُ بِنَفْسِ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ وَبِنَفْسِ الثَّانِي بَاطِلَةٌ نُصَّ عَلَى الْخِلَافِ بَعْدَ هَذَا فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ .
وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فِي هَذَا سَوَاءٌ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُهَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا كَفِيلٌ لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ هُنَاكَ أَنْ لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا مُخَاطَرَةً وَكُنَّا اسْتَحْسَنَّا لِلتَّعَامُلِ الْجَارِي بَيْنَ التُّجَّارِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ سَبَبًا لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا اتِّصَالًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ عَمْرٍو فَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْكَفَالَةِ بِنَفْسِ زَيْدٍ فَلَا اتِّصَالَ بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ هُنَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخَطَرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَالَا : تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِخَطَرِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَالَتَيْنِ حَصَلَتَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدٌ يُوجِبُ الْأُولَى لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمُوَافَاةُ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِ بِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ جَدَّ فِي طَلَبِهِ لِيُوَافِيَ بِهِ حَتَّى
يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ الْتِزَامِ الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ
وَلَوْ قَالَ : أَنَا كَفِيلٌ لِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ كَانَ جَائِزًا بِدَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ الْكَفِيلُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ فَيَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ : مَا ثَبَتَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ الْكَفِيلُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَكُونُ مُلْتَزِمًا تَسْلِيمَ أَحَدِهِمَا إلَى الطَّالِبِ لِإِقْحَامِهِ حَرْفَ أَوْ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الْخِيَارُ فِي بَيَانِ مَا الْتَزَمَهُ إلَيْهِ وَأَيَّهُمَا سَلَّمَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا شَرَطَ
وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ : لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مَالٌ فَاكْفُلْ لَهُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ : قَدْ فَعَلْت ثُمَّ بَلَغَ الطَّالِبُ فَقَالَ أَجَزْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ وَكِيلَ الطَّالِبِ كَانَتْ الْكَفَالَةُ صَحِيحَةً فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ صَارَ مُلْتَزِمًا وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ اللُّزُومَ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الطَّالِبِ وَلِلْعَاقِدِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ إذَا فَسَخَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ وَلَيْسَ لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يُبْطِلَ هَذِهِ الْكَفَالَةَ قَبْلَ إجَازَةِ الطَّالِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَإِنَّ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخَاطَبِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُهُ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ لُزُومِ الْعُهْدَةِ إذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ لَهُ مِنْ فُلَانٍ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَأَخَذَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ كَفَلَ لِلْوَكِيلِ ؛ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَأْخُذُهُ بِذَلِكَ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : أَكْفُلُ لِي وَالْتِزَامُ الْكَفِيلِ تَسْلِيمَ نَفْسِ الْمَطْلُوبِ إلَيْهِ ؛ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ وَإِنْ كَفَلَ بِهِ لِلْمُوَكِّلِ أَخَذَهُ الْمُوَكِّلُ دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَجَعَلَ نَفْسَهُ رَسُولًا مِنْ جِهَتِهِ وَالْكَفِيلُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ دَفَعَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إلَى الْمُوَكِّلِ ؛ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي : فَلَا يُشْكِلُ وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ : فَالْوَكِيلُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ وَفَّى الْحَقَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَهُوَ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ
وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ كَفَالَةً بِنَفْسٍ وَأَرَادَ يَمِينَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ لَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ؛ يُقَامُ نُكُولُهُ مَقَامَ إقْرَارِهِ فَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ بِهِ فَاسْتَعْدَى ؛ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ أَنْ يَحْضُرَ فَيُبَرِّئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ أُمِرَ بِأَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ مِنْهَا وَلَا طَرِيقَ لِلْإِخْرَاجِ سِوَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ لِيُسَلِّمَهُ فَإِنَّ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ : كَفَلَ لِي وَلَمْ آمُرْهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهَذَا الِالْتِزَامِ وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ فَيَقْتَصِرَ وَبَالُ مَا الْتَزَمَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِأَمْرِهِ فَحِينَئِذٍ : الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَيُؤْمَرُ بِالْحُضُورِ مَعَهُ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَمَاتَ الطَّالِبُ فَلِوَصِيِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِي حُقُوقِهِ وَكَمَا يُطَالِبُ الْوَصِيُّ الْمَطْلُوبَ بِالْحَقِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُوصِي فَكَذَلِكَ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ ؛ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ ، يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِهِ وَأَيُّ الْوَرَثَةِ أَخَذَهُ بِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ حَتَّى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ شُرَكَائِهِ فِي حُقُوقِهِمْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَّا مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمَالِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ جَمِيعَ الْمَالِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ نَصِيبِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَدَفَعَهُ الْوَكِيلُ إلَى غُرَمَائِهِ أَوْ إلَى الْوَرَثَةِ ؛ لَا يَبْرَأُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَهُ وَالْوَرَثَةُ كَالْأَجَانِبِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ كَانَ فِي مَالِهِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ وَقَدْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالثُّلُثِ فَدَفَعَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى الْغُرَمَاءِ أَوْ إلَى الْمُوصِي لَهُ ؛ يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ الْمَيِّتِ لِلْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ حَتَّى يُوَصِّلَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ حَقَّهُ فَأَمَّا الْمُوصِي لَهُ وَالْوَرَثَةُ فَحَقُّهُمْ مُؤَخَّرٌ عَنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْخِلَافَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهِ إلَى الْوَصِيِّ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا دَفَعَهُ إلَى الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا .
قِيلَ : يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ
الْغُرَمَاءَ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغُرَمَاءِ حَقُّهُمْ فَإِذَا أَدَّى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ وَالْوَصِيَّةَ ؛ جَازَ الدَّفْعُ إلَى الْوَرَثَةِ ، وَبَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ كَفَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ قِيَامُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ فَبَقِيَ الْحَقُّ لِلْوَرَثَةِ فَلِهَذَا جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ بِنَفْسِ رَجُلٍ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْ كَفَالَةِ هَذَا وَكَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِمَا ، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْآخَرِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، فَلَا يَبْرَأُ عَنْ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْآخَرِ ، وَلَكِنَّ فِي حَقِّ مَنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ بِهَذَا التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ خُصُومَتِهِ وَإِثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ : وَصِيَّانِ لِمَيِّتٍ كَفَلَا رَجُلًا بِنَفْسِهِ ، لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ الْكَفِيلُ إلَى أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بَرِئَ مِنْهُ وَكَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي صَفْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْخُصُومَةِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَلِهَذَا بَرِئَ مِنْ حَقِّهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَكَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا فَعَلَيْهِ مَالُهُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ كَذَا .
فَمَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَهُ بِهِ ؛ فَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِالْخَطَرِ .
وَتَعَلُّقُ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْخَطَرِ بَاطِلٌ ، كَالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَلَّقُ بِالْأَخْطَارِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَكَذَلِكَ بِخَطَرِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ ثُمَّ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمُوَافَاةِ بِنَفْسِهِ وَالْمُوَافَاةُ تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْبَرَاءَةِ عَمَّا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ .
وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْكَلَامِ صَحِيحٌ .
فَإِذَا أَمْكَنَ فِي هَذَا الْوَجْهِ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ وَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْغَايَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا مُتَعَارَفٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ؛ فَإِنَّ رَغْبَةَ النَّاسِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ ، فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَرْضَى بِأَنْ يَكْفُلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمَالِ حِينَئِذٍ .
وَفِيهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ يَجِدُّ فِي طَلَبِهِ لِيُسَلِّمَهُ إلَى خَصْمِهِ ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَصِيرُ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ سَبَبَ كَفَالَتِهِ بِالنَّفْسِ هُوَ الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ قِبَلَهُ ، وَيَكُونُ لِلْحَقَّيْنِ اتِّصَالٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا عَيَّنَ الْكَفَالَةَ بِأَحَدِهِمَا وَأَخَّرَ الْكَفَالَةَ الثَّانِيَةَ إلَى وَقْتِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ ؛ كَانَ صَحِيحًا
وَإِذَا لَمْ يُوَافِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِهِمَا مَعًا كَانَ صَحِيحًا .
وَبَعْدَ مَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ عَنْهَا إلَّا بِالْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَالَ : فَعَلَيَّ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ هُوَ ؛ جَازَ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ مَعَ أَنَّ عَيْنَ الْجَهَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بَيْعَ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ جَائِزٌ ، فَإِنَّ جَهَالَةَ الْقَفِيزِ لَا تَقْتَضِي الْمُنَازَعَةَ .
وَهُنَا الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا فَإِعْلَامُهُ بِطَرِيقٍ مُمْكِنٍ فَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك مَا أَدْرَكَك فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْت مِنْ دَرَكٍ كَانَ جَائِزًا وَأَصْلُ لُحُوقِ الدَّرَكِ ، وَقَدْرُ مَا يَلْحَقُهُ فِيهِ مِنْ الدَّرَكِ مَجْهُولٌ .
وَقَدْ اعْتَادَ النَّاسُ الْكَفَالَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِمَا أَصَابَك مِنْ هَذِهِ الشَّجَّةِ الَّتِي شَجَّك فُلَانٌ وَهِيَ خَطَأٌ كَانَ جَائِزًا .
بَلَغَتْ النَّفْسَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ وَمِقْدَارُ مَا الْتَزَمَهُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَبْقَى مِنْ الشَّجَّةِ وَأَنَّهُ هَلْ يَسْرِي إلَى النَّفْسِ أَوْ لَا يَسْرِي فَدَلَّ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ الْكَفَالَةَ
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَفَلْت بِالْمَالِ الَّذِي لَك عَلَيْهِ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ كَانَ جَائِزًا عَنْ الْمَالِ إذَا أَسْلَمَ نَفْسَهُ إلَيْهِ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ ، وَالْإِسْقَاطُ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِأَنَّ الْمُوَافَاةَ بِنَفْسِهِ مُمَكِّنَةٌ لِلطَّالِبِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ وُصُولِ حَقِّ الطَّالِبِ إلَيْهِ فِي إبْرَاءِ الْكَفِيلِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْإِقَامَةَ تَكُونُ عِنْدَ الشَّرْطِ ، فَلَا تَثْبُتُ بِدُونِ الشَّرْطِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَقَالَ إنْ لَمْ أُوَافِيكَ بِهِ غَدًا ؛ فَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ الَّتِي لَك فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ وَفُلَانٌ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَالطَّالِبُ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَالْكَفِيلُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْكَفِيلِ .
فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الطَّالِبِ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ فَكَانَتْ هَذِهِ رِشْوَةً الْتَزَمَهَا الْكَفِيلُ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ .
وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ : فَعَلَيَّ الْأَلْفُ الَّتِي لَك عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْمَالُ ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ابْتِدَاءً مِنْ جِهَتِي ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ ؛ لِعِلْمِنَا بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فِي الْأَصْلِ وَوُقُوعِ الشَّكِّ فِي اشْتِغَالِهَا .
وَحُجَّتُهُمَا مَا بَيَّنَّا أَنَّ الصِّحَّةَ مَقْصُودُ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ ، فَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ ؛ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ ؛ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ عَنْ فُلَانٍ ؛ كَانَ صَحِيحًا .
فَعَلَيَّ مَا لَكَ عَلَيْهِ - وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ - مُوجِبٌ حَمْلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ : لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ ؛ فَيَصِحُّ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِالْتِزَامِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ كَفَالَةٌ صَحِيحَةٌ عَنْ فُلَانٍ وَالْأَصْلُ : أَنَّ مَا مَبْنَاهُ عَلَى كَلَامٍ صَحِيحٍ ؛ يَكُونُ صَحِيحًا عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا حَمَلْنَا آخِرَ كَلَامِهِ عَلَى الْكَفَالَةِ ؛ كَانَ ذَلِكَ
إقْرَارًا مِنْهُ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى فُلَانٍ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ بَعْدَ ذَلِكَ
وَلَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ الْمَالَ وَجَحَدَ الْمَطْلُوبُ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا ؛ فَعَلَيْهِ الَّذِي ادَّعَى عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَوْ مَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ لَزِمَ الْكَفِيلَ الْمَالُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ عَنْ فُلَانٍ ، وَذَلِكَ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى فُلَانٍ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ .
وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَدَّاهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إنْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ بِالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ بِالنَّفْسِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَفِيلُ بِالْمَالِ إذَا أَدَّى يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ يَصِيرُ كَالْمُمَلَّكِ لِذَلِكَ الْمَالِ مِنْ الْكَفِيلِ ، أَوْ كَالْمُقِيمِ لَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْ الْأَصِيلِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ فَبِنَفْسِ الْكَفَالَةِ يَجِبُ الْمَالُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ كَمَا يَجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ ، وَلَكِنْ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَائِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ عِنْدَ كَفَالَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ .
وَالثَّانِي أَنَّ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ يُجْعَلُ أَصْلُ الْمَالِ كَالثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ عِنْدَ الْأَدَاءِ يَتَمَلَّكُهُ بِالْأَدَاءِ وَذَلِكَ يَصِحُّ عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ أَصْلِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهُ بِالْأَدَاءِ ؛ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْمَطْلُوبِ بِذَلِكَ ، فَلِهَذَا لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ عَبْدًا تَاجِرًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ فِي التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ عَلَى أَنْ يُوَافِيَهُ بِهِ إذَا ادَّعَى بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ؛ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فَلَوْ سَأَلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ مَكَانَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ شَرْطَ الْتِزَامِ الْمَالِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ حِينَ يَطْلُبُهُ مِنْهُ فَإِذَا وَافَاهُ بِهِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي طَلَبَ مِنْهُ ؛ فَقَدْ انْعَدَمَ شَرْطُ وُجُوبِ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ فَقَدْ تَقَرَّرَ شَرْطُ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَلْزَمُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : ائْتِنِي بِهِ الْعِشَاءَ أَوْ الْغَدَاءَ فَلَمْ يُوَافِهِ بِهِ عَلَى مَا قَالَ ؛ فَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَيْهِ ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ
وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ : ائْتِنِي بِهِ غَدْوَةً وَقَالَ الْكَفِيلُ : آتِيك بِهِ بَعْدَ غَدْوَةٍ فَأَبَى الطَّالِبُ أَنْ يَفْعَلَ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْكَفِيلُ غَدْوَةً فَالْمَالُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ اسْتَمْهَلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْبَى الْإِمْهَالَ فَإِذَا أَبَاهُ ؛ بَطَلَ ذَلِكَ الِاسْتِمْهَالُ فَيَبْقَى عَدَمُ الْوَفَاءِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي طَلَبَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَإِنْ أَخَّرَهُ الطَّالِبُ إلَى بَعْدِ غَدٍ كَمَا قَالَ فَقَدْ أَجَابَهُ إلَى مَا الْتَمَسَ مِنْ الْإِمْهَالِ وَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْمُوَافَاةِ بَعْدَ غَدٍ فَإِذَا أَوْفَاهُ بِهِ ؛ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ الْمَالِ وَإِنْ مَضَى بَعْدَ غَدٍ وَلَمْ يُوَافِهِ بِهِ ؛ فَعَلَيْهِ الْمَالُ ،
وَإِنْ كَانَ شَرَطَ أَنْ يُوَافِيَهُ بِهِ عِنْدَ مَكَانِ الْقَاضِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي السُّوقِ أَوْ الْكُنَاسَةِ ؛ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِالْمُوَافَاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ بِمَكَانِ الْقَاضِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى الْخُصُومَةِ مَعَهُ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالتَّسْلِيمِ فِي الْمِصْرِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدَّمِ .
وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الْأَمِيرِ ، أَوْ شَرَطَ لَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَاسْتُعْمِلَ قَاضٍ غَيْرُهُ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ عِنْدَهُ ؛ فَهُوَ بَرِيءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا التَّقْيِيدِ عَيْنَ الْقَاضِي وَالْأَمِيرِ .
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ : تَمَكُّنُهُ مِنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ وَالِاسْتِيفَاء مِنْهُ بِقُوَّةِ الْوَالِي ، وَفِي هَذَا الْمَقْصُودِ : الْأَمِيرُ وَالْقَاضِي الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سَوَاءٌ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا مِنْ التَّقْيِيدِ لَا يُعْتَبَرُ .
وَلَوْ كَفَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا ؛ فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ لَا عَلَى مَا شَرَطَ ، وَلَوْ كَفَلَ بِيَدِهِ أَوْ بِرِجْلِهِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ، كَانَ بَاطِلًا لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ فِيهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ الثَّابِتَةَ بِالْمَالِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ الْأُولَى بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَجْهِ تَصِحُّ .
فَإِذَا صَحَّ مَا هُوَ الْأَصْلُ ؛ صَحَّ مَا جُعِلَ بِنَاءً عَلَيْهِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَقْصُودًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهَا بِالشَّرْطِ ، وَتَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يُصَحِّحُهَا اعْتِبَارُ التَّبَعِيَّةِ لِلْكَفَالَةِ الْأُولَى وَثُبُوتُ التَّبَعِ بِثُبُوتِ الْمَتْبُوعِ فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَمَّا صَحَّ الْمَتْبُوعُ ؛ صَحَّ التَّبَعُ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ الْمَتْبُوعُ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ التَّبَعَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ مَقْصُودًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِيهِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِهِ بِهِ غَدًا ؛ فَالْمَالُ الَّذِي لِلطَّالِبِ عَلَى فُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْآخَرِ .
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْأَوَّلِ : الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ بَاطِلَةٌ .
( وَهَذِهِ الْفُصُولُ أَحَدُهَا ) أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَاحِدًا فِي الْكَفَالَتَيْنِ فَتَجُوزُ الْكَفَالَتَانِ اسْتِحْسَانًا كَمَا بَيَّنَّا ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ مُخْتَلِفًا : فَتُبْطَلُ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ .
سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ وَاحِدًا ، أَوْ اثْنَيْنِ .
نَحْوَ أَنْ يَكْفُلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ ، أَوْ الْمَالُ الَّذِي لِرَجُلٍ آخَرَ سِوَى الطَّالِبِ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ سِوَى الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الطَّالِبِ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ لَا تَكُونُ تَابِعَةً لِلْكَفَالَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ تَصْحِيحُهَا مَقْصُودًا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلِالْتِزَامِ بِالشَّرْطِ ؛ وَلِأَنَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ صَحَّحْنَا الْكَفَالَةَ الثَّانِيَةَ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الطَّالِبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّالِبُ وَاحِدًا وَالْمَطْلُوبُ اثْنَيْنِ ؛ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا بَيَّنَّا فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ هُنَا لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا تَبَعًا لِلْكَفَالَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْأُولَى بِنَفْسٍ غَيْرِ نَفْسِ الْمَطْلُوبِ بِالْمَالِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُوَافَاةُ بِنَفْسِهِ مُبَرِّئَةً لَهُ عَمَّا الْتَزَمَهُ عَنْ آخَرَ فَبَقِيَتْ هَذِهِ كَفَالَةً مَقْصُودَةً مُتَعَلِّقَةً بِالشَّرْطِ ، وَهِيَ مُخَاطَرَةٌ فَلَا يَصِحُّ كَمَا قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي .
وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَفَالَةِ هُنَا
بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَ الْمَطْلُوبُ فَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ هُنَا تُوقِنُ بِحَقِّ مَنْ وَقَعَتْ الْكَفَالَةُ الْأُولَى لَهُ فَيَصِحُّ كَمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَطْلُوبُ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إنَّمَا تَقَعُ لِلطَّالِبِ .
حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِ قَبُولُ الطَّالِبِ وَإِذَا كَانَ الطَّالِبُ وَاحِدًا أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَفَالَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى كَكَفَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِتْبَاعُ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى فَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الطَّالِبُ
وَلَوْ قَالَ فَإِنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ ؛ فَالْمَالُ الَّذِي لَك عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَالْمَالُ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ : عَلَيَّ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : عَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَطْلُوبِ دُونَ الَّذِي عَلَى غَيْرِهِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِحَالِ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاسْتَشْهَدَ لَهُمَا بِمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا مَالٌ وَاحِدٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكَفَلَ بِنَفْسِ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ كَذَا عَلَيَّ إنْ لَمْ أُوَافِ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعُذْرُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ هُنَا وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَى صَاحِبِهِ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ مَالٌ فَلَزِمَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ ؛ فَالْمَالُ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَكْفُولِ بِهِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَعُذْرُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ هُنَا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَالِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بَرِئَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ؛ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ تَبَعًا لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ رَدَّدَ الِالْتِزَامَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ ، وَالْخِيَارُ إلَى الْكَفِيلِ وَأَيُّهُمَا سَلَّمَ الْمَالَ أَوْ النَّفْسَ بَرِئَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ ، وَعَزِيمَةُ الْكَلَامِ فِي أَحَدِهِمَا
وَإِذَا كَفَلَ بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ أَوْ بِنَفْسِ فُلَانٍ آخَرَ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَيَّ ذَلِكَ دَفَعَ الْكَفِيلُ فَهُوَ بَرِيءٌ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّنْصِيصِ فَعِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَيَّ ذَلِكَ دَفَعَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا لَزِمَهُ
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ قَالَ : إنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ غَدًا فَهُوَ عَلَيَّ فَإِنْ لَمْ يُوَافِهِ بِهِ غَدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلِالْتِزَامِ بِالْخَطَرِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : إنْ دَخَلْتَ دَارَكَ فَهُوَ عَلَيَّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ جَاحِدٍ وَقَالَ إنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِي عَلَيْهِ لَك عَلَيَّ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَائِزَةٌ وَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ الْمَالُ إنْ لَمْ يُوَافِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْتِزَامَ الْمَالِ تَبَعًا لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَقَدْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَكَذَلِكَ بِالْمَالِ .
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ وُجُوبُ أَصْلِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْمُطَالَبَةُ بِمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَهُوَ لَمَّا قُدِّمَ عَلَى الْكَفَالَةِ صَارَ كَالْمُقِرِّ بِوُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ ، وَإِقْرَارُهُ بِذَلِكَ مُلْزِمٌ إيَّاهُ ، - وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَطْلُوبِ - بِخِلَافِ الْمَطْلُوبِ إذَا عَلَّقَ الِالْتِزَامَ بِعَدَمِ مُوَافَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَكَانَتْ هَذِهِ مُخَاطَرَةً .
حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِالْكَفَالَةِ بِهَذَا الشَّرْطِ يَجِبُ الْمَالُ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلًا بِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا ؛ فَالْأَلْفُ دِرْهَمٍ الَّتِي لَك عَلَيْهِ عَلَى فُلَانٍ آخَرَ سِوَى الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ وَإِقْرَارُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا أَضَافَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ إلَى نَفْسِهِ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَيُجْعَلَ كَأَنَّ أَحَدَهُمَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ ، وَالْآخَرَ بِالْمَالِ بِشَرْطِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِنَفْسِهِ إنْ وَفَّى بِالنَّفْسِ بَرِئَ الْكَفِيلَانِ جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ جَائِزًا مُسْتَقِيمًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْمُوَافَاةَ بِالنَّفْسِ الطَّالِبُ يَسْتَغْنِي عَنْ الْكَفَالَتَيْنِ ؛ فَلِذَا تَعَيَّنَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْكَفَالَتَيْنِ بِسَبَبٍ بِعَيْنِهِ عَنْهُمَا .
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا ؛ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَلْفُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْكَفِيلُ وَلَكِنَّ الرَّجُلَ لَقِيَ الطَّالِبَ وَخَاصَمَهُ وَلَازَمَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى اللَّيْلِ ؛ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ مُوَافَاةِ الْكَفِيلِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا ، وَإِنْ تَلَاقَيَا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِهِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَافَاهُ بِهِ فَكَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْمَالِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ إلَى الطَّالِبِ أَنْوَاعٌ قَدْ يَكُونُ عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ فَلَا تَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْكَفَالَةِ فِي تَسْلِيمِهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَسْلِيمِهِ أَنَّهُ عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِنَاءٌ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ قَالَ : قَدْ دَفَعْتُ نَفْسِي إلَيْكَ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ ؛ لِيُسْقِطَ بِهِ مُطَالَبَةَ الْكَفِيلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ هَذَا وَمُوَافَاةُ الْكَفِيلِ بِهِ سَوَاءً فَيَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولِهِ إلَى الطَّالِبِ كَانَ ذَلِكَ مُوَافَاةً مِنْهُ حَتَّى يُبْرِئَهُ مِنْ الْمَالِ
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ الْكَفِيلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ وَهُوَ أَلْفٌ عَلَيْهِ فَوَافَى الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بِالْمَطْلُوبِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي الْغَدِ فَالْكَفِيلَانِ بَرِيئَانِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ أَمَّا الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ فَلِوُجُودِ الْمُوَافَاةِ مِنْهُ وَأَمَّا الْكَفِيلُ الثَّانِي ؛ فَلِأَنَّ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّهِ أَصِيلٌ .
وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي وَوَافَى الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ فِي الْغَدِ ؛ فَإِنَّ الْكَفِيلَ الثَّانِيَ يَبْرَأُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ بِنَفْسِ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ وَالْتَزَمَ الْمَالَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى شَهْرٍ فَالْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ - وَهُوَ مِائَةٌ - عَلَيْهِ ثُمَّ لَقِيَ الطَّالِبُ بِهِ الْمَكْفُولَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ وَبِالْمَالِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا فَوَافَى بِهِ أَحَدُهُمَا فِي الْأَجَلِ فَإِنَّ الَّذِي وَافَى بِهِ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ وَالنَّفْسِ وَلَا يَبْرَأُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَمُوَافَاتُهُ بِهِ تَكُونُ تَسْلِيمًا عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ انْعِدَامُ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ مِنْهُ ، وَإِنْ قَالَ الْكَفِيلُ الَّذِي وَافَى بِهِ قَدْ دَفَعْتُهُ عَنْ نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ عَنْ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ عَنْ جِهَتَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي التَّسْلِيمِ عَنْ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الِالْتِزَامَ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ أَصْلًا فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ عَنْ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الطَّالِبُ فَإِذَا قَبِلَهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ بَرِئَا جَمِيعًا ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَلَّمَ مَرَّةً عَنْ نَفْسِهِ وَمَرَّةً عَنْ فُلَانٍ فَإِنَّ الِاسْتِدَامَةَ عَلَى مَا يُسْتَدَامُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ بِكَفِيلٍ فَقَالَ : قَدْ دَفَعْته إلَيْك عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَبْرَأْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ الطَّالِبُ عَنْهُمَا وَلَوْ قَالَ الْمَكْفُولُ بِهِ : قَدْ دَفَعْت نَفْسِي إلَيْك عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ؛ بَرِئَا جَمِيعًا مِنْ الْكَفَالَتَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ لِتَسْلِيمِهِ إلَى الطَّالِبِ فَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا التَّسْلِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
وَتَوْضِيحُ هَذَا الْكَلَامِ لَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَاعِدًا مَعَ الطَّالِبِ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ رَجُلٌ
لِلطَّالِبِ : قَدْ دَفَعْت إلَيْك هَذَا عَنْ فُلَانٍ فَسَكَتَ الطَّالِبُ أَوْ قَالَ : لَا ، لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ ، وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ : نَعَمْ قَدْ قَبِلْت فَالْكَفِيلُ بَرِيءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا تَقَعُ الْبَرَاءَةُ لِلْكَفِيلِ إلَّا بِقَبُولِ الطَّالِبِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ وَكِيلَ الْكَفِيلِ بَرِئَ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَصَارَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ كَتَسْلِيمِ الْمَالِ فِي حُكْمِ الْبَرَاءَةِ .
وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا أَدَّى الْمَالَ عَنْ الْمَطْلُوبِ لَمْ يَبْرَأْ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِقَبُولِ الطَّالِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُؤَدِّي وَكِيلَ الْمَطْلُوبِ أَوْ الْمَطْلُوبَ نَفْسَهُ فَكَذَلِكَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ
وَلَوْ كَفَلَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافُوا بِهِ يَوْمَ كَذَا فَعَلَيْهِمْ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُوَافُوا بِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْأَلْفِ كَمَا لَوْ أَرْسَلُوا الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ أَوْ لِلْمُطَالَبَةِ .
فَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَتَوَزَّعُ عَلَى عَدَدِهِمْ كَالْإِقْرَارِ .
وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لِرَجُلِ لَك عَلَيْنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْأَلْفِ فَإِنْ وَافَى بِهِ أَحَدُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهُمْ جَمِيعًا بُرَآءُ مِنْ الْمَالِ وَالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا تَسْلِيمَ النَّفْسِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَمُوَافَاةُ أَحَدِهِمْ بِهِ كَمُوَافَاتِهِمْ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَالَ : فَعَلَيْهِمْ الْأَلْفُ الَّتِي عَلَيْهِ وَبَعْضُهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ بِهَا فَوَافَى بِهِ أَحَدُهُمْ بَرِئُوا جَمِيعًا ، وَهَذَا أَظْهَرُ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافُوا بِهِ لَزِمَهُمْ الْمَالُ وَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمْ شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْتَزَمَ عَنْ الْأَصِيلِ ثُلُثَ الْمَالِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ عَنْ صَاحِبِهِ كَفِيلٌ بِالثُّلُثِ الَّذِي الْتَزَمَهُ أَيْضًا فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمْ جَمِيعَ الْمَالِ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِهِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثُلُثِ الْمَالِ وَأَدَّى ثُلُثَهُ وَيَرْجِعُونَ جَمِيعًا عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ بِالْمَالِ ، وَإِنْ شَاءَ الْمُؤَدِّي رَجَعَ عَلَى أَحَدِ صَاحِبَيْهِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ : أَنْتَ مُسَاوٍ لِي فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ ، وَقَدْ أَدَّيْت الْمَالَ فَأَرْجِعُ عَلَيْك بِنِصْفِهِ لِنَسْتَوِيَ فِي الْقِيَامِ بِالْكَفَالَةِ كَمَا اسْتَوَيْنَا فِي الْكَفَالَةِ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ وَهُوَ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ الثُّلُثَ قُلْنَا : نَعَمْ وَلَكِنَّ الثُّلُثَ الَّذِي عَلَى الثَّالِثِ الْمُؤَدِّي وَهَذَا الْآخَرِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ إنْ يَقُولَ : نِصْفُ ذَلِكَ الثُّلُثِ أَدَّيْته بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْك ؛ لِأَنَّك كَفِيلٌ مَعِي عَنْهُ بِذَلِكَ ، وَبَعْضُنَا كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ .
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَقِيَا الثَّالِثَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِثُلُثِ الْمَالِ لِيَسْتَوُوا فِي عَدَدِ الْكَفَالَةِ ، ثُمَّ إذَا لَقُوا الْمَطْلُوبَ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ فِي الْغَدِ وَقَالَ الطَّالِبُ : وَصَلَنِي الْأَلْفُ وَأَدَّيْته أَلْفًا أُخْرَى أَوْ قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَدَّيْته أَلْفًا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ الْمَالَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ ، وَذَلِكَ الْمَالُ قَدْ سَقَطَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِإِقْرَارِ الطَّالِبِ ، وَمَا وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ فَلَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ دِرْهَمٍ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ وَمَا بَاعَهُ مِنْ شَيْءٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَمْضِيَ هَذَا الْأَجَلُ لَزِمَهُ عَلَى مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ هُنَا كَمَا تَنَاوَلَتْ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ تَتَنَاوَلُ مَا يَجِبُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الِالْتِزَامَ بِالْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ فَمَا كَانَ قَائِمًا مِنْ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ يَصِيرُ الْكَفِيلُ بِهِ كَفِيلًا بِهِ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى كَذَا مِنْ الْأَجَلِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ مَضَى الْأَجَلُ ؛ فَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ ، وَإِنْ قِيلَ : شَرْطُ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ مُوَافَاةِ مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَالُ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : إذَا قَالَ : إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَأُهْرِيقَ الْمَاءُ قَبْلَ اللَّيْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ شُرْبٍ يَتَأَتَّى أَوْ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا بِالْيَمِينِ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا أُهْرِيقَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ هُمَا جَعَلَا عَدَمَ الْمُوَافَاةِ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ ، فَالتَّقْيِيدُ بِمُوَافَاةٍ مُسْتَحَقَّةٍ يَكُونُ زِيَادَةً ثُمَّ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى وَبِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ أَنَّ تَصْحِيحَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ هُنَا بِطَرِيقِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَهُوَ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ لِلْحَالِ ثُمَّ عَلَّقَ التَّرِكَةَ عَنْهُ بِالْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ ، وَالْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ لَا تُوجَدُ بِالْمَوْتِ فَيَبْقَى الْمَالُ وَاجِبًا بِالْكَفَالَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا ، وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ الطَّالِبَ بِالرَّجُلِ ؛ فَالْمَالُ دَيْنٌ فِي مَالِ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ وَلَمْ تُوجَدْ ثُمَّ يَضْرِبُ الطَّالِبُ مَعَ سَائِرِ غُرَمَائِهِ فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ
الطَّالِبِ قِبَلَهُ فِي حُكْمِ دَيْنِ الصِّحَّةِ فِي الْوَجْهِ .
قُلْنَا : إنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الْكَفَالَةِ كَانَ صَحِيحًا فَلِهَذَا كَانَ حَقُّ الطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ يَضْرِبُ مَعَهُمْ فِي تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ فِي الْأَجَلِ أَوْ دَفَعَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ مُوَافَاةَ الْوَارِثِ بِنَفْسِهِ كَمُوَافَاةِ الْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ دَفْعُ الْمَكْفُولِ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِ الْكَفِيلِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ
وَإِنْ لَحِقَ الْكَفِيلُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ فِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْوَرَثَةِ يَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِهِ فِي بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ فِي أَمْوَالِهِ بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا يَخْلُفُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ لَحِقَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِدَارُ الْحَرْبِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَ بِهِ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ وَلَمْ تُوجَدْ ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ لُحُوقُهُ كَمَوْتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِالدَّارِ وَسُبِيَتْ فَوَافَى بِهَا وَهِيَ أَمَةٌ فِي الْأَجَلِ ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ فِي الْأَجَلِ قَدْ وُجِدَ وَالْمُوَافَاةُ تَتَحَقَّقُ بَعْدَ مَا صَارَتْ أَمَةً وَلِأَنَّهَا حِينَ سُبِيَتْ سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْهَا وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ رَجُلًا فَوَافَى بِهِ وَهُوَ حَلَالُ الدَّمِ بِرِدَّةٍ أَوْ قَتْلٍ عَمْدًا ؛ لِأَنَّ الْمُوَافَاةَ بَعْدَ حِلِّ دَمِهِ تَتَحَقَّقُ كَمَا تَتَحَقَّقُ قَبْلَهُ
وَلَوْ مَاتَ الطَّالِبُ فَوَافَى بِهِ الْكَفِيلُ وَصِيَّهُ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَيْهِ كَالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُوصِي فَلِهَذَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْبَرَاءَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ فَوَافَى بِهِ وَرَثَتَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ لَمْ يَبْرَأْ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ مَعَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ فَالتَّسْلِيمُ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ إلَيْهِمْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْمَالِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فِي التَّرِكَةِ فَيَتَمَكَّنُونَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْمَالِ فَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِهِ إلَى الطَّالِبِ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ وَافَى بِهِ أَحَدُهُمْ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ لِهَذَا الْوَاحِدِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ إلَيْهِ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَقَدْ بَرِئَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ غَيْرِهِ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ فَإِنْ وَافَاهُمَا بِهِ فَكَذَا وَإِلَّا ؛ فَعَلَيْهِ مَا لَهُمَا عَلَيْهِ فَلَوْ وَافَى بِهِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ بَرِئَ مِنْ كَفَالَةِ الشَّاهِدِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ بِالنَّفْسِ ، وَلَزِمَهُ نَصِيبُ الْغَائِبِ مِنْ الْمَالِ ؛ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ شَرِيكَهُ لَمْ يَكُنْ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِ ثُمَّ مَا أَخَذَهُ الْغَائِبُ مِنْ الْكَفِيلِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَالِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَاسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْكَفِيلِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْأَصِيلِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا كَانَ وَرَثَتُهُمَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ حَتَّى إذَا سَلَّمَهُ إلَى وَرَثَةِ أَحَدِهِمَا ؛ بَرِئَ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ الْآخَرِ إقَامَةً لِكُلِّ وَارِثٍ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ .
وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَاحِدًا فَتَغَيَّبَ عِنْدَ حِلِّ الْأَجَلِ فَطَلَبَهُ الْكَفِيلُ وَأَشْهَدَ عَلَى طَلَبِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الرَّجُلُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى الطَّالِبِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، وَإِنْ طَلَبَهُ لِيُسَلِّمَهُ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا تَغَيَّبَ قَصْدًا مِنْهُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْكَفِيلِ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ وَيُقَامُ هَذَا مَقَامَ تَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ .
قُلْنَا : الْكَفِيلُ هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ بِكَفَالَتِهِ بِالْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ لِانْعِدَامِ الْمُوَافَاةِ وَلَكِنَّ الْمُوَافَاةَ بِنَفْسِهِ مُبْرِئَةٌ لَهُ عَنْ الْمَالِ فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ بَقِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ بِكَفَالَتِهِ لَا بِتَغَيُّبِ الطَّالِبِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مَكَانًا فَوَافَى بِهِ ذَلِكَ الْمَكَانَ وَتَغَيَّبَ الطَّالِبُ ؛ لِأَنَّ الْمُبْرِئَ لَهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ إلَى الطَّالِبِ دُونَ إحْضَارِهِ ذَلِكَ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ غَائِبٌ فَوُجُودُ إحْضَارِهِ ذَلِكَ الْمَكَانَ كَعَدَمِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ اشْتَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْهُ إنْ وَافَى بِهِ الْمَسْجِدَ الْأَعْظَمَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ يَوْمَ كَذَا فَوَافَى بِهِ الْمَسْجِدَ يَوْمَئِذٍ وَأَشْهَدَ وَغَابَ الطَّالِبُ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ بَرَاءَتِهِ إحْضَارَهُ لِلْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَيَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَكَذَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَحْدَهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرِدَّتِهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِحُضُورِ الْمَكَانِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ الدِّرْهَمُ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ
وَلَوْ اشْتَرَطَ الْكَفِيلُ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ يُوَافِينِي غَدًا عِنْدَ الْمَسْجِدِ لِيَقْبِضَهُ مِنِّي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ فَالْتَقَيَا بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ الْكَفِيلُ : قَدْ وَافَيْت بِهِ ، وَقَالَ الطَّالِبُ : قَدْ وَافَيْت وَلَمْ تُوَافِ لَمْ يُصَدَّقْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُوَافَاةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَعُ مُوَافَاتَهُ ، وَخَصْمُهُ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ فَلَا تَثْبُتُ مُوَافَاةٌ بِدَعْوَى كُلٍّ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ ، وَكَانَ الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ وَالْمَالُ لَازِمٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْمَالِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ وَجَعَلَ شَرْطَ بَرَاءَتِهِ مُوَافَاتَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ ، وَلَوْ جَعَلَ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ عَدَمَ مُوَافَاةِ الطَّالِبِ لِيَقْبِضَهُ مِنْهُ وَلَمْ يُثْبِتْ هَذَا الشَّرْطَ بِقَوْلِهِ : لَمْ تُوَافِ أَنْتَ بَلْ يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ الشَّرْطَ سَوَاءٌ كَانَ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ .
وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَ الشَّرْطِ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُوَافَاةِ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَى دَفْعِ الْكَفِيلِ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ شَرْطَ بَرَاءَتِهِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ عَدَمُ مُوَافَاةِ الطَّالِبِ لِيَقْبِضَهُ مِنْهُ ؛ فَيَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ وَلَكِنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الطَّالِبِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ قَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَا كَانَ مُتَقَرِّرًا وَهُوَ وُجُوبُ تَسْلِيمِ النَّفْسِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ .
وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ فِي الْبَرَاءَةِ عَلَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُثْبِتُ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ بِبَيِّنَةٍ وَالْآخَرُ يَنْفِي فَيَتَرَجَّحُ الْإِثْبَاتُ ، وَإِنْ أَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُوَافَاةِ الْمَسْجِدِ ، وَلَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ بَرِئَ
الْكَفِيلُ مِنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ عَلَى الْمُوَافَاةِ وَالْكَفِيلُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ مُوَافَاتَهُ الْمَسْجِدَ ؛ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا قَبِلْنَا بِبَيِّنَتِهِ صَارَ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ وَالنَّفْسِ جَمِيعًا
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ غَدًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْمَالُ عَلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَطَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ : إنْ لَمْ تُوَافِنِي فَتَقْبِضَهُ مِنِّي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْمَالِ فَلَمْ يَلْتَقِيَا مِنْ الْغَدِ ؛ فَالْكَفِيلُ بَرِيءٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ أَنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُوَافِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الطَّالِبِ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مُوَافَاةُ الْمَكَانِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الطَّالِبِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا وَمُوَافَاةُ الْكَفِيلِ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُودَ فِعْلٍ كَانَ مَشْرُوطًا فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُوَافَاةِ بِنَفْسِهِ بَرِئَ ؛ لِأَنَّ مُوَافَاةَ الْمَكَانِ مَشْرُوطَةٌ عَلَيْهِ فَتَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ فَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ : فَالْمُوَافَاةُ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنَّمَا هِيَ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الطَّالِبِ ، وَأَنْ يَأْتِيَ لِيَقْبِضَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَأْتِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ بَرَاءَةِ الْكَفِيلِ عَنْ الْمَالِ فَلِهَذَا كَانَ بَرِيئًا وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ بِحَرْفٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يُنْكِرُ فِعْلَ غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ .
وَمَنْ يَدَّعِي فِعْلَ نَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ وَقَالَ الْكَفِيلُ لَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَالًا مَوْصُوفًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَصِيرُ هُوَ مُلْتَزِمًا كَمَا لَوْ قَالَ : مَا قُضِيَ بِهِ لَك عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ فَمَا لَمْ يَصِرْ الْمَالُ مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ وَبِقَوْلِ الطَّالِبِ لَمْ يَصِرْ الْمَالُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلُ فِي إنْكَارِهِ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الطَّالِبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى مَا هُوَ فِعْلُ غَيْرِهِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ : إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي تَدَّعِي عَلَيْهِ عَلَيَّ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ هُنَاكَ بِمَا يَدَّعِيه الطَّالِبُ ، وَالدَّعْوَى مُتَحَقِّقَةٌ مِنْهُ فَلَمَّا وُجِدَتْ الصِّفَةُ الَّتِي قَيَّدَتْ الْكَفَالَةَ بِمَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ لِلْمَالِ ؛ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَرَّ الْكَفِيلُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ صُدِّقَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ الْكَفِيلُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ وَقْتَ كَفَالَتِهِ ، وَإِقْرَارُ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ وَقْتَ الْكَفَالَةِ ، فَمَا أَقَرَّ بِهِ الْكَفِيلُ وَهُوَ الْمِائَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا ؛ فَعَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ ، وَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْكَفَالَةَ هُنَا بِصِفَةٍ ، ثَبَتَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ فَيَتِمُّ بِهِ شَرْطُ الِالْتِزَامِ بِالْكَفَالَةِ .
بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ بِإِقْرَارِهِ هُنَاكَ : ثَبَتَ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ هُوَ بِالْكَفَالَةِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقْتَ الْكَفَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ الْكَفِيلُ لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيهِ بَعْدَ الِاسْتِحْلَافِ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا ادَّعَى الطَّالِبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ وَادَّعَى الطَّالِبُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَرَّ بِهَا الْمَطْلُوبُ وَجَحَدَهَا الْكَفِيلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ هُنَا بِمَا ادَّعَاهُ الطَّالِبُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الدَّعْوَى مِنْهُ ، وَالْإِقْرَارُ مِنْ الْمَطْلُوبِ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ادَّعَاهُ الطَّالِبُ قَبْلَ الْكَفَالَةِ ، وَلَمْ تَظْهَرْ تِلْكَ الدَّعْوَى مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا ؛ ادَّعَى الْآنَ أَنَّهُ كَانَ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْكَفَالَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي هَذَا ؛ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ فِي إنْكَارِهِ أَنَّك لَمْ تَدَّعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ هُنَاكَ إنَّمَا كَفَلَ بِمَا يَدَّعِي الطَّالِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ بِالْمُعَايَنَةِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ إذَا جَلَسَ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ الَّتِي لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْعُدْ الْقَاضِي أَيَّامًا وَلَمْ يُوَافِ بِهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمَ الْمُوَافَاةِ إذَا جَلَسَ الْقَاضِي ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ الْقَاضِي لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَجَّلَ فِي الْمُوَافَاةِ إلَى جُلُوسِ الْقَاضِي ، وَمَا لَمْ يَمْضِ الْأَجَلُ ؛ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُوَافَاةِ .
وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَاةٍ مُسْتَحَقَّةٍ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ قَبْلَ جُلُوسِ الْقَاضِي ؛ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَقَدْ احْتَالَ الطَّالِبُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ دِرْهَمٍ الَّتِي لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ ؛ فَالْمَالُ عَلَيْهِ وَالْحَوَالَةُ فِي هَذَا وَالْكَفَالَةُ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُلْزَمُ الْمَالَ ، وَتَتَعَلَّقُ بَرَاءَتُهُ عَنْهُ بِشَرْطِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فَإِلَيَّ الْمَالُ أَوْ فَعَلَيَّ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فَعِنْدِي لَهُ هَذَا الْمَالُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عِنْدَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ ، وَقُرْبُ الدَّيْنِ مِنْهُ إمَّا بِالْتِزَامِ أَصْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ ، أَوْ بِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ .
فَكَانَ هَذَا وَالْكَفَالَةُ سَوَاءً .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ غَدًا فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ ثُمَّ أَخَذَهُ الطَّالِبُ بِكَفَالَةِ النَّفْسِ وَقَالَ : لِي عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ ، أَوْ ، لِي مَعَهُ خُصُومَةٌ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ الْكَفَالَةِ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ وَبِأَدَاءِ الْمَالِ لَمْ يَصِرْ مُسَلِّمًا نَفْسَهُ .
وَأَدَاؤُهُ ذَلِكَ الْمَالَ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِهِ ، فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهَا كَانَ أَوْلَى
وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى مَا طَالَبَهُ الطَّالِبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ ؛ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَبَهُ مِنْهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي طَلَبَهُ الطَّالِبُ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَبَهُ غَدْوَةً فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى الْعَشِيِّ قَالَ : وَلَا يُبْرِئُهُ مِنْ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ سَاعَةَ طَلَبِهِ مِنْهُ وَهَذَا اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ ، وَشَرْطُ بَرَاءَتِهِ أَنْ يُوَافِيَهُ بِهِ حِينَ يَطْلُبُهُ الطَّالِبُ .
فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ انْعَدَمَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ كَمَا الْتَزَمَهُ بِأَصْلِ الْكَفَالَةِ وَلَا يَنْفَعُهُ دَفْعُ النَّفْسِ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا عَنْ الْمَالِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ دَعْوَى وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَوَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ضَامِنًا لِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ صَاحِبِ الْحَقِّ التَّوَثُّقُ بِحَقِّهِ .
وَتَمَامُ التَّوَثُّقِ يَكُونُ بِهَذَا فَإِنَّ الْمَكْفُولَ بِنَفْسِهِ رُبَّمَا لَا يَأْتِي بِالْكَفِيلِ ، وَيُخْفِي شَخْصَهُ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الطَّالِبِ إثْبَاتُ حَقِّهِ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى حَبْسِ الْكَفِيلِ ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهِ يُمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَبَعْدَ الْإِثْبَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَرُبَّمَا لَا يَظْفَرُ الْوَكِيلُ بِالْأَصِيلِ فَإِذَا كَانَ ضَامِنًا لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ تَوَصَّلَ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ تَمَامَ التَّوَثُّقِ بِهَا يَحْصُلُ فَلِهَذَا جَوَّزْنَاهُ .
وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الضَّمَانُ لَا يَجُوزُ ( وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ) أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ مُضَافًا إلَى سَبَبِ وُجُوبِهِ يَجُوزُ عِنْدنَا نَحْوَ أَنْ يَقُولَ : مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ مَا بَعَثَ بِهِ فُلَانًا فَهُوَ عَلَيَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالِالْتِزَامِ بِالشِّرَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ .
وَالْتِزَامُ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَوْ عُلِّقَ بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ ؛ لَمْ يَصِحَّ .
فَكَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ عِنْدَكُمْ لَوْ أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى مَوْتِ الْمَطْلُوبِ ؛ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ أَضَافَهَا إلَى مَوْتِ غَيْرِهِ ؛ لَمْ يَصِحَّ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَائِنٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِأَنْ يَقُولَ : مَا بَايَعْت بِهِ
أَحَدًا مِنْ النَّاسِ .
فَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ بِهِ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمَكْفُولُ بِهِ .
وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } فَهَذَا الْمُنَادِي أَضَافَ الِالْتِزَامَ بِالْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِصُوَاعِ الْمَلِكِ وَإِنَّمَا نَادَى بِأَمْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا : فَهُوَ ثَابِتٌ فِي شَرِيعَتِنَا حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ النُّسَخِ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : هُنَا بَيَانُ الْعِمَالَةِ لِمَنْ يَأْتِي بِهِ وَعِنْدِي مَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَخَاطَبَ جَمَاعَةً وَقَالَ : مَنْ جَاءَ بِهِ مِنْكُمْ فَلَهُ عَشَرَةٌ كَانَ هَذَا صَحِيحًا وَلَكِنَّا نَقُولُ : اسْتِدْلَالُنَا بِزَعَامَةِ الْمُنَادِي بِقَوْلِهِ { وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ طَرِيقِ وُجُوبِ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّ الْعِمَالَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَمَلُ .
فَأَمَّا الْوُجُوبُ عَلَى الْكَفِيلِ فَبِسَبَبِ الْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ هَذَا كَفَالَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ ، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إذْ الْتِزَامُ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ نَظِيرُ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامٌ لَا يُقَابِلُهُ إلْزَامٌ عَلَى مَنْ يَلْتَزِمُ لَهُ وَجَهَالَةُ الْمُقِرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، فَكَذَلِكَ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَوَازُ الْكَفَالَةِ فِي الْأَصْلِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إضَافَةِ الْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ ؛ وَلِهَذَا جَوَّزَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْكَفَالَةَ بِالدَّرَكِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ - لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ - لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَمْنَعَ
صِحَّتَهَا لِمَعْنَى الْخَطَرِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ كَفَالَةٍ ؛ إذْ لَا يَدْرِي أَنَّ الطَّالِبَ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ أَوْ الْأَصِيلَ ، فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ فَهُوَ أَنَّ مَوْتَ الْمَطْلُوبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ ؛ فَلِهَذَا تَصِحُّ إضَافَةُ الْكَفَالَةِ إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ التَّعْلِيقُ بِكَلَامِ زَيْدٍ وَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِحَالٍ ، فَتَمَحَّضَ ذَلِكَ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ وَلَا يَكُونُ الْتِزَامًا .
فَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّهُ أَضَافَ الِالْتِزَامَ إلَى مَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ وَالذَّوْبُ فَيَكُونُ الْتِزَامًا صَحِيحًا فَإِنْ وَافَى بِهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِوُجُودِ الْمُوَافَاةِ بِهِ كَمَا الْتَزَمَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْكَفَالَةِ ، وَيُخَاصِمَهُ فِي دَعْوَاهُ قِبَلَ الْمَكْفُولِ بِهِ وَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لَهُ لِتَحَقُّقِ الذَّوْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَقَدْ كَانَ مُلْتَزِمًا لِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ .
وَالذَّوْبُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ .
وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَأَنَا وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمَطْلُوبُ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنَّمَا شَرَطَ رِضَاهُ فِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ نَائِبٌ عَنْهُ وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ هُوَ بِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ بِدُونِ رِضَا الْمُوَكِّلِ ، فَأَمَّا الْكَفَالَةُ : فَالْتِزَامٌ لِلطَّالِبِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : مَتَى دَعَوْتنِي بِهِ فَلَمْ أُوَافِك بِهِ ؛ فَأَنَا وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ ضَامِنٌ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى لِلْوَقْتِ فَمَعْنَاهُ : إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَطْلُبُ مِنِّي وَهَذَا الْوَقْتُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا وَلَكِنْ لَا تُمْكِنُ بِسَبَبِ جَهَالَتِهِ مُنَازَعَةٌ .
وَلَوْ كَفَلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَفُلَانٌ - يَعْنِي : رَجُلًا آخَرَ - وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ فَمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمَطْلُوبِ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ وَالضَّامِنُ لِلْمَالِ هُوَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْقَبُولُ لِذَلِكَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إضَافَتُهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ إلَى نَفْسِهِ ؛ كَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إذَا أَضَافَ كُلَّ عَقْدٍ مِنْ هَذَا إلَى شَخْصٍ مَعْلُومٍ وَقَبِلُوا ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَطْلُوبُ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ قَدَّمَ الْوَكَالَةَ فَقَالَ : هُوَ وَكِيلِي فِي خُصُومَةٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنِك ، ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ لَك عَلَيَّ أَوْ لِمَا قُضِيَ لَك بِهِ عَلَيَّ ، أَوْ لِمَا لَزِمَنِي لَك ، أَوْ بِمَا لَحِقَنِي فَإِنْ وَافَانِي بِهِ غَدًا حَتَّى أَدْفَعَهُ إلَيْك فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَخَّرَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ فَإِذَا قَدَّمَهُ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ وَهَذِهِ كُلُّهَا وَثَائِقُ لِحَقٍّ وَاحِدٍ فَلَا فَرْقَ فِي صِحَّتِهَا بَيْنَ تَقْدِيمِ التَّعْيِينِ وَتَأْخِيرِ التَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فِيهِ ؛ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي الْخُصُومَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا ، ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَطْلُوبُ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَائِزَةٌ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَنَابَهُ وَلَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فِي خُصُومَتِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْمَطْلُوبُ بِوَكَالَتِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، وَلَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُمَا صَحِيحَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَكَالَةَ أَصْلًا
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَهُوَ وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ فَرَضِيَ بِهِ الْمَطْلُوبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إطْلَاقٌ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخَطَرِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ .
وَبِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْمَالِ وَلَكِنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ بِثُبُوتِ الْمَالِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمَالِ عَلَيْهِ لَا يُغْنِيه عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يَحُوجُهُ إلَى ذَلِكَ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَكَانَ الْكَفِيلُ مُطَالَبًا بِهِ فَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ الطَّالِبَ حَقَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْمَالِ وَبِأَدَائِهِ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ خُصُومَةٌ أُخْرَى فَلِهَذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا فِي أَدَاءِ الْمَالِ .
إنْ شَاءَ الطَّالِبُ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَبَى وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ كَمَا الْتَزَمَهُ وَإِنْ كَانَ كَفِيلًا بِالْمَالِ أَجْبَرْتُ الطَّالِبَ عَلَى قَبْضِهِ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَصِيرُ الطَّالِبُ قَابِضًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُبْرِئُ ذِمَّتَهُ بِالْأَدَاءِ وَلِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ مُتَبَرِّعٌ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ شَيْءٍ بِمَا يُؤَدِّيه وَلَوْ قَضَاهُ الْكَفِيلُ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي قَضَاءِ الْمَالِ ، وَقَدْ قَبِلَهُ الطَّالِبُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الطَّالِبُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَذَلِكَ حَقُّهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَاهُ بَعْضَهُ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ .
وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ يَمْلِكُ مَا يَقْبِضُهُ
مِنْهُ بِإِزَاءِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ مُتَبَرِّعٍ آخَرَ ثُمَّ هُوَ مُسْقِطٌ لِحَقِّهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا فَأَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِمَالٍ يَشْتَرِطُهُ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ ؛ فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ الْمَالُ وَلَوْ أَدَّاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ بِحَالٍ ، وَهُوَ مُجَرَّدٌ حَتَّى لَا يُوصَفَ بِأَنَّهُ مُلْكُهُ ، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ مِثْلِهِ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْعَتَاقِ بِجَعْلٍ وَالطَّلَاقِ بِجَعْلٍ فَإِنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مُلْكٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مُلْكَ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمَالِ فَيَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ إزَالَتِهِ بِالْمَالِ أَيْضًا ، بِخِلَافِ حَقِّ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِمَالٍ قَطُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَالًا لِيَكْفُلَ بِهِ بِنَفْسِ فُلَانٍ لَا يَصِحَّ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْ الْإِبْرَاءِ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَفِي حُصُولِ الْبَرَاءَةِ رِوَايَتَانِ : فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَبْرَأُ وَجُعِلَ هَذَا كَحَقِّ الشُّفْعَةِ إذَا سَلَّمَهُ بِمَالٍ يَصِحُّ التَّسْلِيمُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ .
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ ، وَاشْتِرَاطُ الْعِوَضِ بِمُقَابَلَتِهِ فَاسِدٌ وَلَكِنَّ الْإِسْقَاطَ لَا يُبْطَلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يَكُونُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ مُبْطِلًا لَهُ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَقُولُ : لَا يَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ حَقٌّ قَوِيٌّ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا بِإِسْقَاطٍ تَامٍّ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِالسُّكُوتِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِسُقُوطِهِ إذَا وَجَبَ لَهُ الْمَالُ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ ؛ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ
فَأَمَّا سُقُوطُ الشُّفْعَةِ فَلَيْسَ يَعْتَمِدُ الْإِسْقَاطَ وَتَمَامَ الرِّضَا بِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بِالسُّكُوتِ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ يَسْقُطُ .
وَحُجَّتُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَكُنْ لِعَقْدِهِ وَإِنَّمَا كَانَ شَرْعًا لِدَفْعِ ضَرَرٍ مَخْصُوصٍ عَنْهُ وَهُوَ ضَرَرُ سُوءِ الْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِهَذَا الضَّرَرِ ، وَإِنْ سَلَّمَهُ بِمَالٍ فَأَمَّا وُجُوبُ تَسْلِيمِ النَّفْسِ بِالْكَفَالَةِ فَكَانَ بِقَبُولِهِ الْعَقْدَ فَلَا بُدَّ مِنْ إسْقَاطٍ يَكُونُ مِنْهُ وَهُوَ إذَا أَسْقَطَهُ بِمَالٍ فَإِنَّمَا يُحَوَّلُ حَقُّهُ إلَى الْمَالِ فَلَا يَسْقُطُ أَصْلًا وَهَذَا التَّحْوِيلُ لَمْ يَصِحَّ ؛ فَبَقِيَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ عَلَى حَالِهَا وَلَوْ قَضَاهُ الْمَالَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَقَبَضَهُ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ .
وَالْمُبَادَلَةُ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا تَصِحُّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمَالِ عَنْ الْمَطْلُوبِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ لِقَضَائِهِ بِعِوَضٍ وَهُنَا نَصَّ عَلَى التَّمْلِيكِ مِنْهُ حَتَّى شَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ أَيْضًا فَإِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ مُلْتَزِمٌ لِلْمَالِ ؛ لِأَنَّ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ يَجِبُ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِيَرْجِعَ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَ هُنَاكَ الْمَالَ مِنْ الْكَفِيلِ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ وَهَبَ الْمَالَ هُنَا مِنْ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ فِي قَبْضِهِ اسْتِحْسَانًا قَالَ فَإِنْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ عَلَى هَذَا كَانَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا قَضَاهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ بِحُكْمِ تَمْلِيكٍ فَاسِدٍ وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَلَوْ كَفَلَ نَفْسَهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ فَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَا أَنْ يُخَاصِمَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُدَّةِ لِتَوْسِعَةِ الْأَمْرِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَتَضَيَّقُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَاشْتِرَاطِ الْمَطْلُوبِ الْأَجَلَ لِنَفْسِهِ فِي الدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ وَضَمَانِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مُوَافَاةٍ مُسْتَحَقَّةٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَلِهَذَا لَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ .
وَعَلَى هَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُ الْكُلَّ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَجَعَلَ الْمَكْفُولَ بِهِ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهِ ضَامِنًا لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ الْكَفِيلُ وَلَهُ مَالٌ ؛ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَوَرَثَتِهِ وَلَكِنَّهُ يُخَاصِمُ الْمَكْفُولَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَقُومُ رَأْيُ وَارِثِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَ رَأْيِهِ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنْ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الذَّوْبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا يَكُونُ هُوَ ضَامِنًا لِلْمَالِ .
وَالذَّوْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ خُصُومَةِ الطَّالِبِ وَإِثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ فَلِهَذَا خَاصَمَ الْمَكْفُولَ بِهِ وَمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ ضَرَبَ بِهِ مَعَ غُرَمَاءِ الْكَفِيلِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الذَّوْبَ قَدْ تَحَقَّقَ ، فَالْوُجُوبُ بِالْكَفَالَةِ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْسِهِ وَقَدْ كَانَ أَصْلَ السَّبَبِ فِي صِحَّتِهِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى الْوَاجِبِ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ يَضْرِبُ بِهِ مَعَ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ أَيْضًا فَخَاصَمَ الطَّالِبُ وَرَثَتَهُ أَوْ وَصِيَّهُ فَقُضِيَ لَهُ بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ مِيرَاثَ أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الذَّوْبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَيَضْرِبُ فِي مِيرَاثِهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَفِي مِيرَاثِ الْآخَرِ بِمَا يَبْقَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُ حَقِّهِ حِينَ ضَرَبَ مَعَ غُرَمَاءِ الْأَوَّلِ فَلَا يَضْرِبُ مَعَ غُرَمَاءِ الْآخَرِ إلَّا بِمَا بَقِيَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِوَى هَذَا الدَّيْنِ فَالْجَوَابُ وَاضِحٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ آخَرُ يَضْرِبُ مَعَ غُرَمَاءِ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوَّلًا بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَفِي الْكِتَابِ أَبْهَمَ فَقَالَ إنْ بَدَأَ فَضَرَبَ مَعَ غُرَمَاءِ الْكَفِيلِ رَجَعَ عَلَى وَرَثَةِ الْكَفِيلِ بِمَا أَدَّوْا فِي مَالِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَضَرَبُوا بِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ عَنْهُ كَانَتْ بِأَمْرِهِ وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْ
تَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يُؤَدِّيهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَيَرْجِعُ بِهِ وَرَثَتُهُ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، وَإِنْ بَدَأَ فَضَرَبَ مَعَ غُرَمَاءِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ وَرَثَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ فِي تَرِكَةِ الْكَفِيلِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَقِّ كَانَ عَلَى مُوَرِّثِهِمْ وَكَانَ الطَّالِبُ يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فَيَضْرِبُ بِهِ مَعَ غُرَمَاءِ الْكَفِيلِ فِي تَرِكَةِ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ إلَّا مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي وَصَلَ إلَى الطَّالِبِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَقَطَعَ الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا .
وَهُوَ مُبْهَمٌ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ قَاصِرٌ فِي الْبَيَانِ فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذَكَرَ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةٌ أَشْكَلُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْحِسَابِيَّاتِ وَغَيْرِهَا فَالْوَجْهُ أَنْ نُصَوِّرَ الْمَسْأَلَةَ لِيَتَبَيَّنَ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ فَنَقُولُ : دَيْنُ الطَّالِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَدْ تَرَكَ الْكَفِيلُ عَشَرَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ آخَرَ عَشَرَةٌ ، وَتَرَكَ الْمَكْفُولُ مِنْهُ أَيْضًا عَشَرَةً وَعَلَيْهِ لِرَجُلٍ آخَرَ دَيْنٌ عَشَرَةٌ فَالطَّالِبُ بِالْخِيَارِ كَمَا بَيَّنَّا فَإِنْ بَدَأَ بِتَرِكَةِ الْكَفِيلِ ؛ ضَرَبَ بِالْعَشَرَةِ فِي تَرِكَتِهِ وَغَرِيمُ الْكَفِيلِ بِالْعَشَرَةِ فَكَانَتْ تَرِكَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَوَصَلَ إلَى الطَّالِبِ خَمْسَةٌ يَأْتِي فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَيَضْرِبُ مَعَ غَرِيمِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَيَضْرِبُ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ أَيْضًا بِمَا أَدَّوْا إلَى الطَّالِبِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فَيُسَلِّمُ الْغَرِيمُ الْمَطْلُوبَ خَمْسَةً وَلِلطَّالِبِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَلِوَرَثَةِ الْكَفِيلِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ لَا يُسَلِّمُ هَذَا لِوَرَثَةِ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ تَرِكَةُ الْكَفِيلِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِ غَرِيمِهِ خَمْسَةٌ وَمِنْ دَيْنِ الطَّالِبِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ فَيَقْسِمَانِ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِمَا أَثْلَاثًا فَالثُّلُثُ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الطَّالِبُ رَجَعَ بِهِ
وَرَثَةُ الْكَفِيلِ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ الْأُولَى ، وَإِنْ اسْتَأْنَفُوا الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الَّذِي ظَهَرَ أَيْضًا يَرْجِعُ بِهِ الطَّالِبُ فِيمَا يَسْتَوْفُونَ وَيَرْجِعُونَ بِمَا يُعْطُونَ إلَيْهِ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ أَيْضًا وَلَا يَزَالُ يَدُورُ ، هَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى .
وَإِذَا بَدَأَ بِالرُّجُوعِ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَضَرَبَ مَعَ غَرِيمِهِ بِالْعَشَرَةِ وَاقْتَسَمَا تَرِكَتَهُ نِصْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ فِي تَرِكَةِ الْكَفِيلِ مَعَ غَرِيمِ الْكَفِيلِ فَيَقْتَسِمَانِ الْعَشَرَةَ أَثْلَاثًا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ وَرَثَةَ الْكَفِيلِ أَدَّوْا إلَى الطَّالِبِ ثَلَاثَةً وَثُلُثًا وَيَرْجِعُونَ بِهِ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْنَفُوا الْقِسْمَةَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَكَمَا وَصَلَ إلَيْهِمْ شَيْءٌ يَأْخُذُ الطَّالِبُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ حِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى .
فَهَذَا بَيَانُ مَوَاضِعِ إشْكَالِ الْمَسْأَلَةِ .
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْقُمِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ الْحِسَابِ يَقُولُ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ مُفْتَرَيَاتِ الْجَبْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَعْرِفُ مُفْرَدَاتِ الْجَبْرِ وَمَا كَانَ يَعْرِفُ مُفْتَرَيَاتِ الْجَبْرِ أَصْلًا ؛ فَلِهَذَا تَرَكَ بَيَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةَ تَقَعُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى مَا يَضْرِبُ بِهِ الطَّالِبُ فِي تَرِكَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ غَرِيمُهُ وَالْعِلْمُ بِمُفْرَدَاتِ الْجَبْرِ لَا يَهْدِي إلَى ذَلِكَ فَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الْأَهْوَازِيُّ مِنْ حِسَابِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَكَانَ يَقُولُ : إنَّمَا تَعَذَّرَ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَا وَقَعَ فِيهَا
مِنْ جَذْرِ الْأَصَمِّ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ : سُبْحَانَ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْجَذْرَ الْأَصَمَّ إلَّا هُوَ وَقِيلَ : الْجَذْرُ الْأَصَمُّ مُغْلَقٌ ضَلَّ مِفْتَاحُهُ فَلَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْعِبَادِ بِطَرِيقِ التَّحْقِيقِ وَبَرْهَنَ بِمَقَالَتِهِ بِمَسْأَلَةٍ مُجْتَذَرَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَحَقَّقَهَا وَخَرَّجَهَا وَسُئِلَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ الْجَنُوبِيُّ فِي زَمَانِهِ - وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي الْحِسَابِ - أَنْ يُخَرِّجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ؛ فَتَكَلَّفَ لِذَلِكَ مُدَّةً وَخَرَّجَهَا بِالتَّقْرِيبِ دُونَ التَّحْقِيقِ ( وَالْحَاصِلُ ) أَنَّ مَنْ تَكَلَّفَ لِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ بِالتَّحْقِيقِ أَصْلًا .
وَكُلُّ مَا ذَكَرُوهُ عِنْدِي فِي تَصْنِيفٍ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مَعِي شَيْءٌ مِنْ كُتُبِي وَلَمْ يَجُدْ بِهِ خَاطِرِي الْآنَ .
فَإِنْ تَيَسَّرَ وُصُولِي إلَى كُتُبِي أَوْ جَادَ بِهِ خَاطِرِي أَيَّ وَقْتٍ أَتَيْت مِنْهُ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ نُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ بِعَيْنِهَا وَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - التَّخَلُّصَ مِنْ هَذِهِ الْخُصُومَةِ يَقُولُ : الطَّالِبُ إذَا اخْتَارَ الرُّجُوعَ عَلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ ضَرَبَ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ فِي تَرِكَةِ الْآخَرِ فَمَا سُلِّمَ لِوَرَثَةِ الْكَفِيلِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ الطَّالِبُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا وَصَلَ إلَى الطَّالِبِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مُلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ سَالِمًا لِغَرِيمِ الْكَفِيلِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى يَبْعُدُ ؛ فَإِنَّ مَا يَأْخُذُونَ مَالُ الْكَفِيلِ فَكَيْفَ يُسَلَّمُ ذَلِكَ لِأَحَدِ غَرِيمَيْهِ دُونَ الْآخَرِ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي خُصُومَةِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ خُصُومَةٍ هِيَ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ فِي أَيِّ خُصُومَةٍ وَكِيلُهُ ؛ فَالْوَكِيلُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ مَا وَكَّلَهُ بِهِ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَلَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَكِنَّ فَسَادَ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ فَالْمُفْسِدُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ
وَكَفَالَةُ الصَّبِيِّ التَّاجِرِ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ وَلَا بِإِذْنِهِ كَالْهِبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ عَقْلَ الصَّبِيِّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فِيمَا يَنْفَعُهُ ، وَالتَّبَرُّعُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَنْفَعُهُ عَاجِلًا ، وَإِذْنُ الْأَبِ لَهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْأَبُ مُبَاشَرَتَهُ كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ إقْرَاضٌ لِلذِّمَّةِ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ فِيهَا فَكَانَ كَإِقْرَاضِ الْمَالِ فَلَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِإِذْنِ أَبِيهِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُبَرْسَمُ الَّذِي يَهْذِي فِي ذَلِكَ كَالصَّبِيِّ
وَكَذَلِكَ رَجُلٌ عَلَيْهِ مَالٌ أَدْخَلَ ابْنًا لَهُ غَيْرَ بَالِغٍ مَعَهُ فِي الْكَفَالَةِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِإِذْنِ الْأَبِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ عَنْ الْأَبِ ؛ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُتَّهَمٌ بِمَا لَا يُتَّهَمُ بِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَنَّهُ كَفَلَ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَهُوَ صَبِيٌّ ؛ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَّاهُ كَفَلَ فِي صِبَاهُ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي تِلْكَ الْحَالُ الْكَفَالَةَ فَكَانَ مُنْكِرًا لِلْكَفَالَةِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُقِرًّا بِهَا وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِإِضَافَتِهِ الْكَفَالَةَ إلَى مَعْهُودٍ يُنَافِي كَفَالَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِهِ لِإِقْرَارِهِ بِالِالْتِزَامِ .
وَلَوْ اسْتَدَانَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ دَيْنًا فِي نَفَقَةِ الْيَتِيمِ وَأَمَرَ الْيَتِيمَ فَضَمِنَهُ أَوْ ضَمِنَهُ بِنَفْسِهِ فَضَمَانُ الدَّيْنِ جَائِزٌ وَضَمَانُ النَّفْسِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الدَّيْنِ عَلَى الصَّبِيِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْوَصِيَّ يُؤَدِّيه مِنْ مَالِهِ وَلَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ بِهَذَا الضَّمَانِ يَلْتَزِمُ مَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ بِهَا مَا لَيْسَ عَلَيْهِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ الصَّبِيَّ بِأَنْ يَسْتَدِينَ فَفَعَلَهُ جَازَ وَكَانَ مُطَالَبًا بِالْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَدَانَ بِنَفْسِهِ وَأَمَرَهُ حَتَّى ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا يَمْلِكُ مِثْلَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِأَمْرِهِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا اسْتَدَانَ عَلَى الِابْنِ دَيْنًا فِي بَعْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ عَلَيْهِ أَنْفَذُ مِنْ تَصَرُّفِ الْوَصِيِّ ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَالتَّاجِرُ وَغَيْرُ التَّاجِرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لِصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَلَا لِمَجْنُونٍ وَلَا لِمُغْمًى عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَفَالَةَ لِهَؤُلَاءِ جَائِزَةٌ .
فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْلُ هَذَا فِي الْكَفَالَةِ لِلْغَائِبِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَفِيلُ يَنْفَرِدُ بِالْكَفَالَةِ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَمْ يَقْبَلْ قَابِلٌ وَقَبُولُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ ، وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ لِلصَّبِيِّ التَّاجِرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَهَذَا تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ لَا مِنْهُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَاضِ لَهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا قَبِلَهُ .
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ يُوَافِي بِهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ فَلَوْ مَضَى الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَهُ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَلَكِنَّ الذَّوْبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الْمَالُ إذَا قَضَى بِهِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَالًا بِصِفَةٍ وَلَيْسَ الْكَفِيلُ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَا لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا بِهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ ، وَإِنْ مَاتَ الطَّالِبُ أَوْ الْمَطْلُوبُ قَامَ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ
وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا قُضِيَ عَلَيْهِ أَوْ لِمَا قَضَى عَلَيْهِ قَاضِي أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَضَى بِذَلِكَ غَيْرُ قَاضِي أَهْلِ الْكُوفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا وَالتَّقْيِيدُ بِصِفَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ مُفِيدٌ ، فَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْقَاضِي بِهِ قَاضِيَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَغَيْرُ مُفِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقَضَاءُ لَا عَيْنُ الْقَاضِي وَفِي الْقَضَاءِ قَاضِي الْكُوفَةِ وَغَيْرُ قَاضِي الْكُوفَةِ سَوَاءٌ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ وَالْمَكْفُولُ وَارِثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ مُسْتَقِيمٌ ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ مُطَالَبٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَاَلَّذِي عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ يَكْفُلُ نَفْسَ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِذَلِكَ الدَّيْنِ .
يَقْضِيهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَأْخُذُ مِنْ غَرِيمِ الْمَيِّتِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ضَامِنًا لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ يَأْخُذُ مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي ذَلِكَ مَقَامَ وَلَدِهِ أَنْ لَوْ كَانَ بَالِغًا
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ غَرِيمًا بِمَالٍ لِأَخِيهِ أَوْ لِبَعْضِ أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَخَذَ كَفِيلًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ ضَامِنًا لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ مُدَّعِي الْمَالَ ؛ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ هَذَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ فَإِذَا أَجَازَهُ جَازَ وَلَوْ فَسَخَ الْكَفِيلُ الْكَفَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الْمَالِ فَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عِنْدَهُمَا لَا تَلْزَمُ الْكَفِيلَ إلَّا بِرِضَا الطَّالِبِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَأْخُذَ لَهُ كَفِيلًا عَنْ غَرِيمِهِ بِنَفْسِهِ ضَامِنًا لِمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ بِمَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَفَلَ الْكَفِيلُ لِلْوَكِيلِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ مُبَاشِرًا الْعَقْدَ وَإِلَيْهِ الِاسْتِيفَاءُ وَالْمُطَالَبَةُ ، وَإِنْ كَفَلَ بِهِ لِلْمُوَكِّلِ لَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ إلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ رَسُولًا ، وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ بَرِئَ فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ : الْوَكِيلُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَإِنَّمَا يُطَالِبُ بِمُوجَبِهَا لِمَنْفَعَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُعْطِيَ فُلَانًا كَفِيلًا بِنَفْسِ الْمُوَكِّلِ ضَامِنًا بِمَا ذَابَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَأَعْطَى الْوَكِيلُ كَفِيلًا بِذَلِكَ فَقُضِيَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَالٍ لِلطَّالِبِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ بِحُكْمِ ضَمَانِهِ وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَكِيلَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَسُولًا مِنْ الْمُوَكِّلِ إلَيْهِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ لَهُ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ ( أَلَا تَرَى ) لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضْمَنَ رَجُلًا بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَضْمَنَ مَا ذَابَ عَلَيْهِ ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ وَلَا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْمُشِيرِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْكَفَالَةِ مِنْهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا .
وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ بِمَا أَدَّى مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ وَكِيلَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ كَكَفَالَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ إذَا طُولِبَ طَالَبَ وَلَوْ لُوزِمَ لَازَمَ ، وَإِذَا حُبِسَ حَبَسَ ، وَإِذَا أَدَّى رَجَعَ .
وَنَعْنِي بِقَوْلِنَا : يُطَالِبُهُ أَنْ يَقُولَ : اقْضِ حَقَّ الْمَطْلُوبِ لَا تَخْلُصْ مِنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَلَا يُطَالِبُهُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْرِضِ وَبِالْقَرْضِ لَا يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ بَعْد إقْرَاضِ الْمَالِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ أَدَائِهِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ مَا لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ الْكَفَالَةِ عَنْ الصَّبِيَّانِ وَالْمَمَالِيكِ ( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ صَبِيٍّ دَعْوَى وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ فَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِلْكَفِيلِ يُؤَاخَذُ بِهَذَا ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ لِلْجَوَابِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْضُرَ إنْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ يَحْضُرَ وَلِيُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لِيَقُومَ وَلِيُّهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ فَلَمَّا الْتَزَمَ الْكَفِيلُ تَسْلِيمَ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ - وَهُوَ مِمَّا تُجْرَى فِيهِ النِّيَابَةُ - ؛ صَحَّ الْتِزَامُهُ .
فَإِنْ طَلَبَ الْكَفِيلُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ الصَّبِيُّ لِيُسَلِّمَهُ إلَى خَصْمِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ الصَّبِيُّ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ طَلَبَ ذَلِكَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ إيَّاهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَاجِرًا مَأْذُونًا لَهُ فَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ مُلْزِمٌ فَيُؤْمَرُ بِالْحُضُورِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَهُ بِالْحُضُورِ مَعَهُ لِيُسَلِّمَهُ إلَى خَصْمِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ تَاجِرٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا فَطَلَبَ أَبُوهُ إلَى رَجُلٍ أَنْ يَضْمَنَهُ فَضَمِنَهُ ؛ كَانَ جَائِزًا وَيُؤْخَذُ بِهِ الْكَفِيلُ ، وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْغُلَامَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ قَوْلُهُ مُلْزِمٌ عَلَى وَلَدِهِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يَنْفَعُ الصَّبِيَّ فَكَانَ قَوْلُ الْأَبِ فِيهِ مُلْزِمًا إيَّاهُ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالْحُضُورِ مَعَهُ فَإِنْ تَغَيَّبَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَبَ حَتَّى يُحْضِرَهُ فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْأَبِ فِي هَذَا لَمَّا جَازَ عَلَى الْوَالِدِ ؛ صَارَ الْوَلَدُ مَطْلُوبًا بِهِ وَكُلُّ حَقٍّ كَانَ الْوَلَدُ مَطْلُوبًا بِهِ فَأَبُوهُ مَأْمُورٌ بِإِيفَائِهِ ذَلِكَ الْحَقَّ مِنْ مُلْكِ الْوَلَدِ كَمَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِالْبَيِّنَةِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ الْأَبُ بِإِحْضَارِ الصَّبِيِّ .
وَالْوَصِيُّ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلصَّبِيِّ وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَكْفُلَ
بِنَفْسِ غُلَامٍ لَيْسَ هُوَ وَصِيَّهُ أُخِذَ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَهُ وَلَا يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالْحُضُورِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْآمِرِ عَلَيْهِ قَوْلٌ مُلْزِمٌ ، وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْآمِرَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ بِشَيْءٍ .
وَالْمَعْتُوهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ وِلَايَةَ الصَّبِيِّ عَلَى الْمَعْتُوهِ تَثْبُتُ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ .
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ صَبِيٍّ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ غَدًا فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ .
فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ ، وَكَذَلِكَ بِالْمَالِ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا لِوُجُودِ شَرْطِهِ ثُمَّ الذَّوْبُ عَلَى الصَّبِيِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْمَالِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ قَيَّمَ نَصِيبَهُ الْقَاضِي لَهُ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ الْوَصِيَّ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَاضِ ، وَالْإِقْرَاضُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ لَازِمًا عَلَيْهِ وَأَمْرُ وَلِيِّهِ بِذَلِكَ كَأَمْرِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ .
وَكَفَالَةُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ أَوْ غَيْرِ التَّاجِرِ عَنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ أَوْ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مُنْفَكٌّ الْحَجْرُ عَنْهُ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ عَنْ سَائِرِ الْأَجَانِبِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ .
فَأَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْتِزَامِهِ فِي الْحَالِ حَقُّ مَوْلَاهُ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَا تُلَاقِي حَقَّ مَحَلِّ الْغُرَمَاءِ فَلِهَذَا نَفَذَ مِنْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى سَوَاءٌ كَفَلَ عَنْ الْمَوْلَى أَوْ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَجِبُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ حَبْسُهُ إنْ لَمْ يُحْضِرْ نَفْسَ الْمَطْلُوبِ وَذَلِكَ يُوقِعُ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ خِدْمَتِهِ فَلِهَذَا جَازَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُقَرَّ بِالدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ حَتَّى كَفَلَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ خَالِصِ مُلْكِهِ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : إنَّ الْكَفَالَةَ حِينَ وَقَعَتْ لَمْ تَكُنْ مُوجِبَةً لَهُ شَيْئًا عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى مَوْلَاهُ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ حَقًّا ، وَلِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّ مَا
يَجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ الْأَصِيلُ قَبْلَ أَدَائِهِ عَنْهُ ؛ كَانَ صَحِيحًا وَلَا يَرْجِعُ إذَا أَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الْكَفَالَةِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مِمَّنْ يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا عَلَى مَوْلَاهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْكَفَالَةُ فِي حَالِ رِقِّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي مَالِيَّتِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَغْلَهُ بِالدَّيْنِ بِالْإِقْرَارِ عَلَيْهِ وَلَا بِالرَّهْنِ ، فَكَذَلِكَ بِإِذْنِهِ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ .
وَلَكِنَّ الِالْتِزَامَ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا عَتَقَ كَانَ مُطَالَبًا بِهِ ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَتَرَكَ مَالًا وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ غُرَمَاءَ الْعَبْدِ يَسْتَسْعَوْنَهُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِغُرَمَاءِ السَّيِّدِ مِنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِيمَةَ ؛ بَدَلُ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ .
وَغُرَمَاءُ الْعَبْدِ حَقُّهُمْ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا بِمَالِيَّتِهِ مِنْ حَقِّ غُرَمَاءِ السَّيِّدِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ حَتَّى مَاتَ ؛ لَكَانَ يُبَاعُ الْعَبْدُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى غُرَمَائِهِ دُونَ غُرَمَاءِ السَّيِّدِ .
فَكَذَلِكَ حُكْمُ هَذِهِ السِّعَايَةِ وَلَكِنَّ غُرَمَاءَ السَّيِّدِ يَبِيعُونَ مَالَ السَّيِّدِ .
وَإِنْ شَاءَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ تَبِعُوا مَالَ السَّيِّدِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّهِمْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ فَوَجَبَ لَهُمْ قِيمَةُ الْعَبْدِ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَنْفُذُ الْكَفَالَةُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ السِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ عِنْدَهُ كَالْمُكَاتَبِ .
وَكَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ لَمْ تَصِحَّ .
وَعِنْدَهُمَا مَتَى عَتَقَ نَفَذَتْ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَالْمَكْفُولُ لَهُ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ مَالَ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ دَيْنِهِ
عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْعَبْدَ لِصِحَّةِ كَفَالَتِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ غُرَمَاءَهُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَالِيَّتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُزَاحَمَةٌ مَعَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ فِي مَالِيَّتِهِ .
فَكَذَلِكَ فِي بَدَلِ الْمَالِيَّةِ فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أُمُّ وَلَدٍ فَعَتَقَتْ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَفَالَةِ يَسْتَسْعِيهَا مَعَ غُرَمَائِهَا بِمَالِيَّتِهَا إذْ لَا مَالِيَّةَ فِيهَا وَلَكِنَّ الدُّيُونَ تَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَتُؤْمَرُ بِقَضَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْمَكْفُولُ لَهُ أَخْذُهَا .
وَالْمُدَبَّرَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ مِمَّا يُؤَدِّي عَنْهُ مِنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ الْكَفَالَةِ .
وَالْمَمْلُوكُ لَا يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ عَلَى مَالِكِهِ فَإِنَّ فِي الْمُدَبَّرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِغُرَمَائِهَا حَقُّ الرُّجُوعِ فِي تَرِكَةِ الْمَوْلَى بِقِيمَتِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِعْتَاقِ الْمُدَبَّرَةِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَهْلِكًا مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ شَيْئًا إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ بَيْعِ الرَّقَبَةِ فِي الدَّيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ حَقُّهُمْ فِي الْكَسْبِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ وَمُرَادُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ هَذَا اللَّفْظِ : الْمُسَاوَاةُ فِي إيجَابِ السِّعَايَةِ فِي الْقِيمَةِ عَلَى الْمُدَبَّرَةِ وَالْعَبْدِ دُونَ الْوَلَدِ عَلَى أَنَّ الْمَالِيَّةَ كَانَتْ قَائِمَةً فِي الْمُدَبَّرَةِ حَتَّى لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ ؛ ضَمِنَ قِيمَةَ مَالِيَّتِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لِغُرَمَائِهَا فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا لِغُرَمَائِهَا كَالْعَبْدِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَالُ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ كَفَالَةٍ فَأَدَّى عَنْهُ الْعَبْدُ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَيَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ .
وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا كَفَالَةَ لِلْعَبْدِ .
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ وِلَايَةِ الْكَفَالَةِ
بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامٍ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْهُ لِحَقِّ مَوْلَاهُ .
وَكَفَالَةُ الْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلَةٌ ، حَتَّى يَعْتِقُوا فَإِذَا عَتَقُوا لَزِمَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ مَوْلَاهُ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهَا جَازَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بُدِئَ بِدَيْنِهِ قَبْلَ دَيْنِ الْكَفَالَةِ .
وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُمَا يُسْتَسْعَيَانِ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُمَا لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلْبَيْعِ فَكَانَ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِمَا وَهُوَ السِّعَايَةُ فَيُبْدَأُ بِدَيْنِهِمَا مِنْ سِعَايَتِهِمَا ، ثُمَّ بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى .
وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِنَفْسِ رَجُلٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَأُوخِذَ الْعَبْدُ بِالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ لَمْ يَضَعْ عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ شَيْءٌ فَإِنَّ حَقَّهُ فِي مُطَالَبَةِ الْعَبْدِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ الْمَوْلَى الْمَالِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِالْمَالِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِمَالٍ ؛ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ لَهُ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّتِهِ وَقَدْ ظَهَرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ بِالْإِعْتَاقِ ؛ صَارَ ضَامِنًا ذَلِكَ لِلطَّالِبِ .
وَالْغَرِيمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْعَبْدَ بِالْمَالِ لِكَفَالَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ السَّيِّدَ لِإِتْلَافِهِ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ فَإِنْ تَبِعَ الْعَبْدَ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتْبَعَ الْمَكْفُولَ بِهِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ أَتْبَعَ السَّيِّدَ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا أَنْ يَتْبَعَ الْمَكْفُولَ بِهِ إنْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ طَلَبَ مِنْ السَّيِّدِ أَنْ يَأْمُرَ عَبْدَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبَ مِنْ السَّيِّدِ وَلَا مِنْ الْعَبْدِ ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَرَّعَا بِالِالْتِزَامِ وَالْأَدَاءِ عَنْهُ .
وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ فَكَفَلَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اسْتَدَانَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ ثَمَنَهُ يَضْرِبُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِدَيْنِهِمْ كُلِّهِ ، وَيَضْرِبُ فِيهِ أَصْحَابُ الْكَفَالَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِقْدَارُ الْفَارِغِ مِنْ قِيمَتِهِ عَنْ الدَّيْنِ يَوْمَ كَفَلَ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ الْمَالَ بِالْكَفَالَةِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى إنَّمَا يَصِحُّ بِقَدْرِ الْفَارِغِ .
وَالْفَارِغُ يَوْمَئِذٍ كَانَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِقَدْرِ الْفَارِغِ مِنْ مَالِيَّتِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ حَتَّى كَفَلَ فَاسْتِدَانَتُهُ مُلْزِمَةٌ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ فَرَاغَ الْمَالِيَّةِ فَثَبَتَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا اسْتَدَانَهُ فَلِهَذَا ضَرَبَ كُلُّ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَلَا يَضْرِبُ الْمَكْفُولُ لَهُ إلَّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ وَهُوَ صَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ .
وَالْتِزَامُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بَعْدَ مَا عَتَقَ وَهُوَ صَبِيٌّ لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ قَبْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ كَفَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ فِي الرِّقِّ وَبَعْدَ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ فِي الْكَفَالَةِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَيْهِ فِي الرِّقِّ وَبَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ هَذَا .
وَهَذَا لِأَنَّ لِلْمَوْلَى قَوْلًا مُلْزِمًا عَلَى عَبْدِهِ .
وَقَوْلُهُ عَلَى عَبْدِهِ أَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ عَلَى الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ إذْنِ وَالِدِهِ كَدُيُونِ التِّجَارَةِ يَكُونُ الْوَالِدُ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ كَفَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِدِينٍ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ ثُمَّ كَفَلَ بِدِينٍ آخَرَ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ بِإِذْنِهِ أَيْضًا ؛ لَمْ يَجُزْ الدَّيْنُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ هَذَا الِالْتِزَامِ فَرَاغُ الْمَالِيَّةِ .
فَمَا لَمْ يَقْضِ بِالْأَوَّلِ ؛ لَا يَصِيرُ هَذَا الشَّرْطُ مَوْجُودًا فَلَا يَثْبُتُ الثَّانِي ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِدِينٍ مُسْتَغْرِقٍ قِيمَتَهُ ثُمَّ بِدَيْنٍ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ مِنْ تِجَارَتِهِ ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ إنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ ؛ لَزِمَهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَانَ اشْتِغَالُ الْمَالِيَّةِ بِحَقِّ الْأَوَّلِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِبُطْلَانِ الْمَالِيَّةِ بِالْعِتْقِ فَاسْتَوَتْ الدُّيُونُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَى الْعَبْدِ صَبِيًّا ، فَأَذِنَ هُوَ أَوْ أَبُوهُ ، أَوْ وَصِيُّهُ لِلْعَبْدِ فِي الْكَفَالَةِ لَمْ يَجُزْ .
أَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْكَفَالَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْذَنُ فِيهِ لِعَبْدِهِ .
وَلَيْسَ
لِلْأَبِ وِلَايَةُ الْكَفَالَةِ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا فِي مَالِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمْ لَوْ أَذِنُوا لِلصَّبِيِّ حَتَّى كَفَلَ ؛ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنُوا فِيهِ لِعَبْدِ الصَّبِيِّ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَوْلَاهُ عَبْدًا تَاجِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِذَلِكَ لِعَبْدِهِ
فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِ عَبْدِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الْأَوَّلِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ ، مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ جَازَ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ خَالِصُ مِلْكِهِ كَالْأَوَّلِ .
فَكَمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنْ الْأَوَّلِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ، فَكَذَلِكَ مِنْ الثَّانِي .
وَإِنْ أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَنْ يَكْفُلَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ عَنْ رَجُلٍ ، وَكَفَلَ بِهَا ثُمَّ اسْتَدَانَ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ الْقَاضِي بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ فِيهَا أَصْحَابُ الْكَفَالَةِ بِدَيْنِهِمْ كُلِّهِ ، وَأَصْحَابُ الدَّيْنِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ الْعَبْدِ حَصَلَتْ فِي حَالِ فَرَاغِهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ فَنَفَذَتْ فِي الْكُلِّ .
ثُمَّ اشْتِغَالُهُ بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِدَانَةِ فَيَثْبُتُ الدَّيْنَانِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ فِي ثَمَنِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ .
وَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَدَانَ الْعَبْدُ مِثْلَ ذَلِكَ .
وَإِذَا كَفَلَ الْعَبْدُ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ كَفَلَ بِأَلْفٍ أُخْرَى بِإِذْنِهِ أَيْضًا لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ بِالْكَفَالَةِ الْأُولَى اشْتَغَلَتْ جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِحَقِّ الْمَكْفُولِ لَهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ : فَرَاغُ الْمَالِيَّةِ .
فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدِينٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ثُمَّ بِدَيْنٍ آخَرَ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى بَلَغَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ كَفَلَ بِأَلْفٍ أُخْرَى بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ الثَّالِثَةِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ فَرَاغُ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهَا بِقَدْرِهَا فَإِنْ قِيلَ : إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِمَاذَا لَمْ تُشْتَغَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بِالْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ الثَّالِثَةُ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّ الْقِيمَةَ تَزْدَادُ تَارَةً وَتُنْتَقَصُ أُخْرَى ؛ فَلِهَذَا صَحَّحْنَا - بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ - الْكَفَالَةَ الثَّالِثَةَ دُونَ الثَّانِيَةِ .
فَإِنْ بَاعَهُ الْقَاضِي بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمَكْفُولِ لَهُ الْأَوَّلِ وَالْمَكْفُولِ لَهُ الْآخِرِ نِصْفَيْنِ ؛ لِصِحَّةِ هَاتَيْنِ الْكَفَالَتَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوْسَطِ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ لَهُ وَلَيْسَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَهُ .
وَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَتَيْنِ - يَعْنِي : الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ - اسْتَوَتَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمِقْدَارِ فَمَا يَحْصُلُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بِأَنْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ؛ فَالْفَضْلُ لِلثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا
الْفَضْلَ حَقُّ الْمَوْلَى قَدْ رَضِيَ بِصَرْفِهِ إلَى الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ بِهَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ لَوْ كَفَلَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ سَقَطَتْ دُيُونُهُ بِالْأَدَاءِ ؛ يُصْرَفُ كَسْبُهُ وَرَقَبَتُهُ إلَى دَيْنِ الْمَكْفُولِ لَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ : مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الطَّالِبُ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ : لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَ الطَّالِبُ : لِي عَلَيْك أَلْفَانِ وَقَالَ الْكَفِيلُ : مَا لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ وَهُوَ مُنْكِرٌ ثُمَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ يَكُونُ لَازِمًا عَلَى الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَيَتَحَقَّقُ الذَّوْبُ فِي هَذَا الْقَدْرِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا يَتَحَقَّقُ أَنْ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَازِمًا عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنْ قِيلَ : فِي هَذَا إلْزَامُ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ بِقَوْلِ الْمَطْلُوبِ ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَيْهِ ؛ قُلْنَا : لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ إيجَابُ الْمَالِ عَلَيْهِ بِكَفَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَيَّدَ الْكَفَالَةَ بِالذَّوْبِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الذَّوْبَ قَدْ يَحْصُلُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَقَدْ صَارَ مُلْتَزِمًا ذَلِكَ بِكَفَالَتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : مَا أَقَرَّ لَك بِهِ فُلَانٌ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيَّ وَمَا صَارَ لَك عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ .
وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ إذَا أَنْكَرَ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَالثَّابِتُ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّا نَتْرُكُ هَذَا الْقِيَاسَ لِلتَّنْصِيصِ مِنْ الْكَفِيلِ فِي الْكَفَالَةِ عَلَى مَا يُقِرُّ بِهِ الْمَطْلُوبُ أَوْ عَلَى مَا يَذُوبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِ الذَّوْبِ بِشَيْءٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : مَا قُضِيَ لَك عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ إلَّا أَنَّ هُنَا لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلُ حَتَّى يَقْضِيَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِإِقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ مَقْضِيٍّ بِهِ فَمَا لَمْ يَصِرْ الْمَالُ مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا يَتَقَرَّرُ الْوَصْفُ الَّذِي قَيَّدَ الْكَفَالَةَ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ : مَا لَكَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ ؛ لَمْ
يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ بِإِقْرَارِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَقْتَ الْكَفَالَةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ أَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا وَقْتَ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ يُجْعَلُ كَالْإِنْشَاءِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ هُنَاكَ إنَّمَا كَفَلَ بِمَا يُقِرُّ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ بِمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَذَلِكَ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ : مَا كَانَ أَقَرَّ بِهِ لَك فُلَانٌ أَمْسِ فَهُوَ عَلَيَّ ، فَقَالَ الْمَطْلُوبُ : قَدْ أَقْرَرْت لَهُ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَجَحَدَ ذَلِكَ الْكَفِيلُ ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ سَبَقَ الْإِقْرَارُ بِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفَالَةِ وَلَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَمْسِ فَحِينَئِذٍ : الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ قَالَ مَا أَقَرَّ لَك بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيَّ فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ قَبْلَ الْكَفَالَةِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لَمْ تَلْزَمْ الْكَفِيلَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ إقْرَارٌ يَكُونُ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي وَكَأَنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْفَصْلَ لِإِيضَاحِ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَمَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ بِمَا يُقِرُّ بِهِ وَالنُّكُولُ بَدَلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ .
وَعِنْدَهُمَا : هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ لِضَرُورَةِ فَصْلِ الْخُصُومَةِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْكَفِيلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ عَبْدٍ دَعْوَى فَكَفَلَ مَوْلَاهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَهَذَا الْفَصْلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى عَبْدِهِ بِسَبَبِ مُلْكِهِ فَيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَكَذَلِكَ كَفَالَةُ الْمَوْلَى عَنْ الْعَبْدِ بِالْمَالِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا بِالْمَالِ فَلَوْ كَفَلَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ صَحَّ فَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ .
فَإِنْ قِيلَ : دَيْنُ الْعَبْدِ مُسْتَحِقٌّ الْقَضَاءَ مِنْ مَالِيَّتِهِ وَهُوَ مِلْكُ مَوْلَاهُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ ؟ .
قُلْنَا : الْفَائِدَةُ شَغْلُ ذِمَّةِ الْمَوْلَى إمَّا بِالْمُطَالَبَةِ أَوْ بِأَصْلِ الدَّيْنِ وَاسْتِحْقَاقِ قَضَائِهِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ وَإِذَا أَدَّى الْمَالَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الْكَفَالَةِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ لَا يَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَإِنْ أَحَالَ الْعَبْدُ غَرِيمًا لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ بِدَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ الْعَبْدُ فَمَاتَ الْمَوْلَى - وَلَا مَالَ لَهُ إلَّا الْعَبْدُ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَثِيرٌ - فَلِلْمُحْتَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ بِدُيُونِهِ وَقَدْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ إلَّا الْعَبْدُ مُفْلِسًا وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِعَوْدِ دَيْنِ الْمُحْتَالِ لَهُ إلَى الْعَبْدِ فَيَضْرِبُ بِدَيْنِهِ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ مَعَ غُرَمَائِهِ .
وَإِنْ كَفَلَ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ أَبْرَأَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمَوْلَى الْكَفِيلَ كَانَ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ ، وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ الْكَفَالَةِ كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْكَفَالَةِ يَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إلَّا بِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ ؛ فَلِهَذَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَصِيلِ فَأَمَّا الْإِبْرَاءُ فَإِسْقَاطٌ مَحْضٌ ، وَإِسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ ، فَكَانَ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ إسْقَاطًا لِلْمُطَالَبَةِ عَنْهُ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ بِحَالِهِ ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَبْدَ بَرِئَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ إسْقَاطٌ لِأَصْلِ الدَّيْنِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ضَرُورَةً
فَإِنْ كَفَلَ الْمَوْلَى بِنَفْسِ عَبْدِهِ وَضَمِنَ مَا ذَابَ عَلَيْهِ وَغَابَ الْعَبْدُ تَاجِرًا فَإِنَّ الْمَوْلَى يُؤْخَذُ بِنَفْسِهِ لِكَفَالَتِهِ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِيمَا عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَحْضُرَ الْعَبْدُ فَيُخَاصِمَ فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ لَزِمَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ مَا يَذُوبُ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِحَضْرَتِهِ ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ ضَمَانُ الْمَالِكِ ؛ لَا يَكُونُ هُوَ خَصْمًا فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الْحُرِّ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيمَا عَلَى عَبْدِهِ بِدُونِ الضَّمَانِ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى عَبْدٍ تَاجِرٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَحَالَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ ضَمِنَهُ الْعَبْدُ لَهُ بِأَمْرِهِ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِهَذِهِ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إنَّمَا يَلْتَزِمُ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّبَرُّعِ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الصَّبِيِّ لَوْ اسْتَدَانَ مَالًا وَأَنْفَقَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ الصَّبِيَّ بِأَنْ يَضْمَنَ هَذَا الْمَالَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلْزَامٍ لِلْمَالِ بَلْ فِيهِ الْتِزَامٌ لِمَا عَلَيْهِ .
كَذَا هُنَا وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا أَمْرٌ مِنْ غَرِيمِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ بِأَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ عَلَيْهِ إلَى غَرِيمِهِ ، أَوْ يُوَكِّلَ غَرِيمَهُ فِي أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْعَبْدِ مَا لَهُ عَلَيْهِ وَكَمَا يَمْلِكُ أَنْ يُطَالِبَ بِنَفْسِهِ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْآمِرِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَدْيُونِهِ صَحَّ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ .
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ ، وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ عَلَيْهِ لِجَوَابِ الْخَصْمِ مُسْتَحَقٌّ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ ذَلِكَ عَنْهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِذَلِكَ عَنْهُ كَالْمَالِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ ثُمَّ كَفَلَ بِهِ عَنْهُ إنْسَانٌ ؛ صَحَّ وَلَيْسَ لِهَذَا الْكَفِيلِ أَنْ يَتْبَعَ الْعَبْدَ بِذَلِكَ حَتَّى يَعْتِقَ كَمَا أَنَّ الطَّالِبَ لَا يُطَالِبُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَعْتِقَ فَإِذَا أُعْتِقَ اتَّبَعَهُ بِكَفَالَتِهِ حَتَّى يُبْرِئَهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ ، وَأَمْرُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ .
فَكَانَ مُطَالَبًا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ
وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَالٌ لِرَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ عَنْهُ لِآخَرَ ، كَانَ جَائِزًا بِخِلَافِ كَفَالَةِ الْمُكَاتَبِ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ وَاصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ وَهَذَا لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ الْتِزَامُ مَالٍ أَصْلُهُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْ إلَى الثَّانِي ؛ فَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ
وَإِنْ أَمَرَ الْمُكَاتِبُ عَبْدَهُ أَنْ يَكْفُلَ بِمَالٍ عَلَى الْمُكَاتِبِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَكَاتِبَ مُلْتَزِمٌ فَصَارَ هَذَا الدَّيْنُ مِنْ كَسْبِهِ .
وَعَبْدُهُ كَسْبُهُ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ إلَّا اسْتِحْقَاقُ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَكْفُلَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْتِزَامٌ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِيمَا لَيْسَ عَلَيْهِ .
وَلَا يَمْلِكُ الْمَكَاتِبُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْمُرَ عَبْدَهُ بِهِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنْ مُكَاتَبٍ أَوْ عَبْدٍ تَاجِرٍ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَتَاعًا بِمَالِ مُسَمًّى وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَاشْتَرَى الْعَبْدُ كَانَ شِرَاؤُهُ فِي الْقِيَاسِ لِنَفْسِهِ دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ بِعِوَضٍ يَحْصُلُ لِلْآمِرِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لَهُ بِالنَّسِيئَةِ ؛ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ : هَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَهُوَ مُحْتَالٌ إلَيْهِ فَإِنَّ مَنْ لَا يُعِينُ غَيْرَهُ ؛ لَا يُعَانُ ثُمَّ الْمُشْتَرِي مَحْبُوسٌ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْآمِرِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ وَالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : لَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الرَّجُلِ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِالْمُكَاتَبَةِ لِمَوْلَاهُ وَبِهِ نَأْخُذُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِأَنَّ مَا لِلْمُكَاتِبِ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ عَلَى الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ الْمَالَ بِأَنْ يُعَجَّزَ نَفْسَهُ .
وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ الْكَفِيلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَلَوْ أَثْبَتْنَاهُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ ؛ لَأَثْبَتْنَا أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَى مَالِ الْكِتَابَةِ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ ؛ لَمْ يَجُزْ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَكَمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ تَسْقُطُ سَائِرُ دُيُونِ الْمَوْلَى
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مُكَاتَبَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا بِمَالٍ عَلَى صَاحِبِهِ لِلْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ الدَّيْنِ ؛ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ لِمُكَاتَبٍ .
وَلَا كَفَالَةَ لِلْمَوْلَى عَنْ الْمُكَاتَبِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ الْحُرِّ فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ الْمُكَاتَبِ كَانَ أَوْلَى .
وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَجُعِلَ نُجُومُهَا وَاحِدَةً فَإِذَا أَدَّيَا ؛ عَتَقَا ، وَإِنْ عَجَزَا ؛ رُدَّا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ : هَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ لِمُكَاتَبٍ وَلِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : الْمَوْلَى جَعَلَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَ جَمِيعَ الْمَالِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ عَلَّقَ عِتْقَ صَاحِبِهِ بِأَدَائِهِ وَلَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ مَا بَيْنَهُمَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الْبَدَلِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ .
فَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَوْلَى : فَالْمَالُ عَلَيْهِمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْبَدَلِ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِمَا وَلَا عِتْقِ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ جَمِيعُ الْبَدَلِ وَإِذَا دَانَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا دَيْنًا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ فَكَفَلَ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الْآخَرِ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَلَا تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِأَدَائِهِ فَكَانَ هَذَا الْتِزَامًا مِنْهُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ ثُمَّ هُوَ الْتِزَامُ الدَّيْنِ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ .
بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِأَدَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُلْتَزِمًا أَدَاءَهُ
وَلَوْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ فَضَمِنَهُ لِمَوْلَاهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ مِنْ دَيْنٍ لَهُ سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبٌ عَلَى الْكَفِيلِ فَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ أَمْرٌ لَهُ مِنْهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ إلَى مَوْلَاهُ أَوْ تَوْكِيلٌ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى دَيْنٌ عَلَى ابْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَلَى رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ عَلَى عَبْدٍ لَهُ فَكَفَلَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ لِمَوْلَاهُ ، وَكَفَالَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ بَاطِلَةٌ ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُكَاتِبِ وَالدَّيْنُ الَّذِي لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِ الْمُكَاتِبِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ .
فَكَمَا لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لِلْمَوْلَى بِمَالِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَكَذَلِكَ بِمَالِهِ عَلَى عَبْدِ مُكَاتَبِهِ ، وَإِنْ كَفَلَ بِهِ الْمُكَاتَبُ عَنْ عَبْدِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا وَرَقَبَتَهُمَا كَذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ يَتَقَرَّرُ مُلْكُهُ فِيهِمَا فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى مُلْكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ .
وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ لَيْسَ بِمُلْتَزِمٍ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ ، وَإِنْ كَفَلَ بِهِ عَنْ ابْنِهِ أَوْ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَمَّا إذَا كَانَ حُرًّا فَغَيْرُ مُشْكِلٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِمَوْلَاهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بِأَدَائِهِ يَعْتِقُ كَمَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْكَفَالَةُ وَالتَّبَرُّعَاتُ كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَكَفَالَةُ أَحَدِ الْمُكَاتَبَيْنِ عَنْ الْآخَرِ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى وَاحِدًا .
وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِمَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا لِلْوَرَثَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فَكَمَا لَا تَصِحُّ كَفَالَةُ هَذَا الرَّجُلِ لِلْمُوَرِّثِ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ ؛ فَكَذَلِكَ لِوَارِثِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ الْوَارِثُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ فَلِمَاذَا إذًا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ ؟ قُلْنَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا عَجَزَ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مَعَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْكَفَالَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ حَتَّى أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا عَجَزَ نَفْسُهُ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ
وَلَوْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ أَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ مَطْلُوبٌ بِهَذَا الْمَالِ مُطْلَقًا فَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْكَفِيلِ بِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ لِلْمُكَاتَبِ عَنْ الْمَوْلَى صَحَّ فَكَذَلِكَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَإِذَا ادَّانَ الْعَبَدُ التَّاجِرُ لِمَوْلَاهُ دَيْنًا - وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ - وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ عَلَى مَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ دَيْنَهُ كَسْبُهُ وَكَسْبُهُ مُلْكُ الْمَوْلَى وَمَنْ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ ؛ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَيَتَحَقَّقُ وَاجِبًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى كَمَا يَتَحَقَّقُ وَاجِبًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ عَنْهُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَخُصُومَتُهُ مَعَ الْمَوْلَى لَا تُلْزِمُ الْمَوْلَى تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَيْهِ لِلْجَوَابِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ أَيْضًا وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَقُّ عَلَى الْمَوْلَى تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلْجَوَابِ فَيَصِحُّ إلْزَامُهُ بِالْكَفَالَةِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ هَذَا الْكَفِيلِ بِنَفْسِ مَوْلَاهُ فِي خُصُومَةِ شَيْءٍ يَدَّعِيه قِبَلَهُ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ لَمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمَوْلَى صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ عَلَى وَكِيلِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَقُّهُ لِمَوْلَاهُ وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ مِنْ الْمَوْلَى عَبْدَهُ فِي أَنْ يُخَاصِمَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ الْوَكِيلُ بِنَفْسِ الْمَوْلَى وَضَمِنَ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهُوَ عَلَى التَّقْسِيمِ الَّذِي قُلْنَا .
فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ مِنْ الْكَفِيلِ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ فِي تَرِكَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَدَّى
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى صَبِيًّا وَقَدْ أَذِنَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ شَيْئًا لِعَبْدِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَضَمَانُ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ عَلَى غَرِيمِ الْعَبْدِ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ بِرِضَا الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ يُؤْمَرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ بِقَضَائِهِ مِنْ مَالِهِ فَتَصِحُّ كَفَالَةُ الْكَفِيلِ بِهِ وَإِذَا كَانَ بِأَمْرِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ إذَا أَدَّاهُ
وَإِذَا كَفَلَ الْكَفِيلُ لِلْعَبْدِ بِمَالٍ عَنْ مَوْلَاهُ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَأَدَّى الْعَبْدُ دَيْنَهُ ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فَإِذَا سَقَطَ الدَّيْنُ فَقَدْ انْعَدَمَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ كَانَتْ الْكَفَالَةُ ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ ثُمَّ أَدَّاهُ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ إذَا أَدَّى دَيْنَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْأَدَاءِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالْمُؤَدَّى فِيمَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَمَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ الدَّيْنُ عَنْ الْمَوْلَى بَقِيَ الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ ، وَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالٍ كَانَ لَهُ فِي الرِّقِّ ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِالْمُؤَدِّي فِي كَسْبِهِ فَصَارَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى حَقًّا لَهُ فَبِالْخُلُوصِ يَسْقُطُ عَنْهُ وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُرُّ فِيمَا إذَا أَدَّى دَيْنَهُ فِي حَالِ الرِّقِّ فَإِنَّ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى يَخْلُصُ لَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَكَفَالَةُ الرَّجُلِ لِلْمُكَاتَبِ بِنَفْسِ مَوْلَاهُ أَوْ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ أَنْفَذُ مِنْهُ فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ وَقَدْ بَيَّنَّا صِحَّةَ كَفَالَةِ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلَاهُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا فَلِلْمُكَاتَبِ أَوْلَى
وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ وَضَمِنَ مَا ذَابَ عَلَيْهِ أَوْ جَعَلَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَكِيلًا فِي خُصُومَتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْمَوْلَى عَلَى مُكَاتَبِهِ لَا يَقْوَى حَتَّى يَمْلِكَ الْمُكَاتَبُ إسْقَاطَهُ بِالتَّعْجِيزِ فَأَمَّا دَيْنُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ فَقَوِيٌّ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلَّا بِالْأَدَاءِ فَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ عَنْ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ لِابْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ .
وَابْنُ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ لِلْمَوْلَى وَالْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَا عَتَقَ بَعْضُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ .
وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ كَفَالَةُ أَحَدٍ عَنْهُ بِالسِّعَايَةِ لِمَوْلَاهُ وَلَا بِنَفْسِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ إسْقَاطَهُ بِالتَّعْجِيزِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي السِّعَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِالتَّعْجِيزِ إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَيَنْبَغِيَ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ .
قُلْنَا بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ وَلَا يَقْوَى دَيْنُ الْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا فَالْمُسْتَسْعَى عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يُعْتَقُ نَصِيبُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ حَقَّ السِّعَايَةِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَلَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ فَهَذِهِ السِّعَايَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِأَدَائِهَا فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا عِنْدَ الْمَوْلَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَكَفَلَ كَفِيلٌ لِلْمَوْلَى بِذَلِكَ الْمَالِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ ؛
لِأَنَّهُ عَتَقَ هُنَاكَ بِنَفْسِ الْقَبُولِ فَكَانَ الْمَالُ دَيْنًا قَوِيًّا فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْمُسْتَسْعَى لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ فَلَا يَكُونُ الْمَالُ لَازِمًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْقُوَّةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْأَصْلِ صِلَةٌ .
وَكُلُّ مَالٍ يَحْصُلُ بِأَدَائِهِ الْعِتْقُ أَوْ يَتِمُّ بِأَدَائِهِ الْعِتْقُ : يَكُونُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَأَمَّا الْوَاجِبُ بَعْدَ تَمَامِ الْعِتْقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الصِّلَةِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ .
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأُدَانِهِ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ إلَّا نِصْفُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْكَفَالَةِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ الْعَبْدُ نِصْفُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْمَوْلَى الْمَدِينَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ عَلَى عَبْدِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِحِصَّةِ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْمَالِ فَوَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي ادَّانَ أَحَدَ مَوْلَيَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ يُؤْخَذُ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ هُنَا ثَابِتٌ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي لَهُ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِقِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ثَبَتَ نِصْفُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَصِيبُ الْمَوْلَى الْآخَرِ فَأَمَّا نَصِيبُهُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْهُ لِلْعَبْدِ بِالنِّصْفِ هُنَا دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ
وَكَذَلِكَ شَرِيكُ الْمَوْلَى شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ لَوْ ادَّانَ الْعَبْدُ دَيْنًا فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالدَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْ حِصَّةِ الْمَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُهَا بِقَدْرِ مُلْكِهِ وَمَا سَقَطَ عَنْ الْأَصِيلِ سَقَطَ عَنْ الْكَفِيلِ بِقِدْرِهِ .
وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى شَرِيكُ شَرِكَةِ عَنَانٍ فَادَّانَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالدَّيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَكَانَ جَمِيعُ دَيْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْعَبْدِ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ
وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَيَيْنِ جَمِيعًا ادَّانَا الْعَبْدَ دَيْنًا وَاحِدًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَفِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخَذَا مِنْهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهُ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الدَّيْنَ عَلَى مُلْكِهِ وَبِقَدْرِ مَا يَبْطُلُ عَنْ الْأَصِيلِ يَبْطُلُ عَنْ الْكَفِيلِ
وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ ادَّانَ مَوْلَيَيْهِ دَيْنًا وَأَخَذَ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كَسْبِ الْعَبْدِ خَالِصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ
وَلَوْ كَانَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ أَحَدُ مَوْلَيَيْهِ أَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ يُؤْخَذُ بِهِ كُلُّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَالْمَوْلَيَانِ مِنْهُ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَخَذَ بِنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كَسْبِهِ لِلْمَوْلَى الَّذِي كَفَلَ وَلَا يَجِبُ لَهُ بِالْكَفَالَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الْكَفَالَةُ بِقَدْرِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ
وَإِنْ كَفَلَ لَهُ الْمَوْلَيَانِ جَمِيعًا بِمَالٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَفَلَ بِهِ أَحَدُهُمَا ؛ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا كَفَلَا بِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي كَسْبِهِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى إلَيْهِ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ كَمَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَطَلَ عَنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكٌ لِنِصْفِ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ فَلِهَذَا بَطَلَ عَنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكٌ لِنِصْفِ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا بَطَلَ عَنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الدَّيْنِ وَلَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ بِأَصْلِ الْكَفَالَةِ صَاحِبَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبُهُ كَفِيلًا عَنْهُ بِذَلِكَ إذْ يَكُونُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَفَلَ مَا جَازَتْ فِيهِ كَفَالَةُ الْمُسْلِمِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عَنْ الذِّمِّيِّ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَسْتَوُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ
وَلَوْ كَفَلَ الذِّمِّيُّ عَنْ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ بِالْخَمْرِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ سَقَطَتْ الْخَمْرُ عَنْ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا لَا إلَى بَدَلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْخَمْرَ وَلَا قِيمَتَهَا ابْتِدَاءً بِهَذَا السَّبَبِ عَلَى أَحَدٍ فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى مَا كَانَ وَاجِبًا لَهُ وَيُجْعَلُ بِإِسْلَامِهِ لَهُ كَمُبْرِئِ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَيَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْمَطْلُوبِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ ابْتِدَاءً .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ ذِمِّيٍّ أَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَأَتْلَفَهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ تَبْقَى الْقِيمَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَقَدْ جَعَلْنَا الطَّالِبَ بِإِسْلَامِهِ كَالْمُبْرِئِ وَالْمَطْلُوبُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِإِسْلَامِهِ كَالْمُبْرِئِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْرِئُ نَفْسَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ لَا يَبْرَأْ الْكَفِيلُ فَيَكُونَ لِلطَّالِبِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْخَمْرِ ثُمَّ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي هِيَ بَدَلُ الْقَرْضِ إذَا سَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ تَسْقُطُ لَا إلَى بَدَلٍ كَمَا إذَا سَقَطَتْ بِإِسْلَامِ الطَّالِبِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ اسْتَوْفَى الْقِيمَةَ لَكَانَ بِهِ مُمَلَّكًا مِنْ الْمَطْلُوبِ الْخَمْرَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ
الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ بِبَدَلٍ فَتَسْقُطَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ إسْقَاطِ الْبَدَلِ مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطِ تَمْلِيكِ الْمُبْدَلِ .
فَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ أَصْلًا كَمَنْ هَشَّمَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِإِنْسَانٍ فَلِصَاحِبِ الْقَلْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْمَهْشُومَ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مُسْلِمًا وَقْتَ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ أَصْلَ الْخَمْرِ لَا تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِيمَةِ مُلْكُ مَا يُقَابِلُهُ كَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرًا أَوْ أَتْلَفَهُ يُضَمَّنُ قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَبَّرَ بِهِ .
فَإِذَا سَقَطَتْ عِنْدَهُمَا الْخَمْرُ عَنْ الْمَطْلُوبِ لَا إلَى بَدَلٍ بَرِئَ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَفِيلُ خَاصَّةً سَقَطَتْ الْخَمْرُ عَنْ الْكَفِيلِ لَا إلَى بَدَلٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَكَانَتْ الْخَمْرُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى حَالِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطَّالِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْخَمْرِ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ قِيمَةَ الْخَمْرِ لَمْ يَرْجِعْ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ .
وَإِسْلَامُ الطَّالِبِ يُسْقِطُ الْخَمْرَ لَا إلَى بَدَلٍ وَإِنْ أَسْلَمُوا جَمِيعًا يَسْقُطْ الْخَمْرُ لَا إلَى بَدَلٍ ؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمْ إسْلَامَ الطَّالِبِ وَزِيَادَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ أَوْ الطَّالِبُ وَالْأَصِيلُ فَإِنْ أَسْلَمَ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ سَقَطَتْ الْخَمْرُ لَا إلَى بَدَلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَيُتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَرْجِعْ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّهُ طَالَبَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ كَانَتْ الْخَمْرُ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ أَوْ الْمَطْلُوبُ سَقَطَتْ الْخَمْرُ لَا إلَى بَدَلٍ بِالِاتِّفَاقِ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ قَبْضِ الْخَمْرِ وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَفِيلُ خَاصَّةً ؛ فَالْبَيْعُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ وَيَسْقُطُ الْخَمْرُ لَا إلَى بَدَلٍ مِنْ الْكَفِيلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ وَلَوْ كَانَتْ الْخَمْرُ سَلَمًا - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَإِنْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ سَقَطَتْ لَا إلَى بَدَلٍ لِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَفِيلُ يَبْقَى الْعَقْدُ بَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَوَّلَ حَقُّ رَبِّ السَّلَمِ إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ الْخَمْرُ صَدَاقًا - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَنَقُولُ : أَمَّا بَيَانُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالصَّدَاقُ إمَّا أَنْ يَكُونَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ .
فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ وَقَدْ كَفَلَ بِهِ كَفِيلٌ فَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ فِي يَدِ الزَّوْجِ .
وَالْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ كَالْمَغْصُوبِ .
وَسَوَاءٌ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا فَبَقِيَ حَقُّهَا فِي الْعَيْنِ - كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ - فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْعَيْنَ مِنْ الزَّوْجِ ، وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الْكَفِيلَ بِالتَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا بَقِيَ بِالتَّسْلِيمِ بَعْدَ إسْلَامِهِ ؛ يَبْقَى الْكَفِيلُ مُطَالَبًا بِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ
بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ خَمْرًا وَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَحَقُّهَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فِي قِيمَةِ الْخَمْرِ وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا طَالَبَتْهُ .
وَمَا فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْقَرْضِ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالنِّكَاحِ بَلْ إنَّمَا وَجَبَ بِالْكَفَالَةِ فَيَسْقُطُ بِإِسْلَامِ الطَّالِبِ لَا إلَى بَدَلٍ فَأَمَّا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَصَدَاقٌ .
وَإِسْلَامُهَا يُحَوِّلُ الْحَقَّ إلَى قِيمَةِ الْخَمْرِ فِي صَدَاقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَحَقُّهَا عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ الْخَمْرِ ، وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الْكَفِيلَ بِالْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ مَا بَرِئَ بِإِسْلَامِهِ بَلْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ فِي حَقِّهِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنْ اسْتَوْفَتْ الْخَمْرَ مِنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقْرِضِ مِنْ الْأَصِيلِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إسْلَامُ الْمُسْتَقْرِضِ يُسْقِطُ الْخَمْرَ لَا إلَى بَدَلٍ وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَفِيلُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِالْخَمْرِ وَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ وَإِسْلَامُ الْمَطْلُوبِ عِنْدَهُ يُسْقِطُ الْخَمْرَ لَا إلَى بَدَلٍ ، وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ قَدْ سَقَطَ وَمَهْرُ الْمِثْلِ دَيْنٌ حَادِثٌ عَلَى الزَّوْجِ وَالْكَفِيلُ لَمْ يَكْفُلْ بِهِ ، وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ بَرِئَ عَنْ الْخِنْزِيرِ أَصْلًا فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِبَرَاءَتِهِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ دَيْنٌ حَادِثٌ عَلَى الزَّوْجِ فَلَيْسَ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَفِيلُ سَقَطَ عَنْهُ الْخِنْزِيرُ لَا إلَى بَدَلٍ وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْخِنْزِيرُ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى حَالِهِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْجَوَابُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخِنْزِيرِ بِعَيْنِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَوَابُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَمْرِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا إلَّا فِي فَصْلَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَدَّى الْكَفِيلُ عَيْنَ الْخَمْرِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّهِ وَإِسْلَامُ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْقِطُ الْخَمْرَ إلَى الْقِيمَةِ ( وَالثَّانِي ) فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْكَفِيلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَهَا الْخِيَارُ : إنْ شَاءَتْ ؛ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِالْخَمْرِ ، وَإِنْ شَاءَتْ ؛ عَلَى الْكَفِيلِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّهَا وَإِسْلَامُ الْمَطْلُوبِ عِنْدَهُ يُسْقِطُ الْخَمْرَ إلَى الْقِيمَةِ .
وَلَوْ كَفَلَ الذِّمِّيُّ بِالْخَمْرِ عَنْ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْخَمْرَ دَيْنًا عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْخَمْرُ أَيْضًا عَيْنًا مَضْمُونَةً عَلَى أَحَدٍ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا لَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَفَلَ عَنْ مُسْلِمٍ لِذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ لِأَحَدٍ .
وَالْكَفَالَةُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ بَاطِلَةٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلْتَزِمُ الْخَمْرَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ لِأَحَدٍ فَكَذَلِكَ بِالْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ .
وَكَفَالَةُ الذِّمِّيِّ بِالْخَمْرِ لِلْعَبْدِ التَّاجِرِ الذِّمِّيِّ وَالْمُكَاتَبِ الذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُمَا مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ لِأَنْفُسِهِمَا .
وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ فِي حَقِّهِمَا : دَيْنُهُمَا لَا دَيْنُ مَوْلَاهُمَا .
فَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ ؛ جَازَتْ الْكَفَالَةُ لَهُمَا بِالْخَمْرِ كَمَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ
وَإِذَا كَاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَيْنِ لَهُ ذِمِّيَّيْنِ عَلَى خَمْرٍ مُسَمَّاةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ؛ صَارَتْ كُلُّهَا قِيمَةٌ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا فِي هَذَا الْعَقْدِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ ؛ لَمْ يَصِحَّ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَفَالَةِ فَإِذَا كَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي حُكْمِ التَّحَوُّلِ مِنْ الْخَمْرِ إلَى الْقِيمَةِ كَإِسْلَامِهِمَا .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا إذَا أَدَّى جَمِيعَ الْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَى وَلَوْ تَحَوَّلَ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إلَى الْقِيمَةِ وَبَقِيَ نَصِيبُ النَّصْرَانِيِّ مِنْهُمَا خَمْرًا لَتَمَيَّزَ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا مِمَّا عَلَى الْآخَرِ فَيُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ خِلَافَ شَرْطِ الْمَوْلَى فَإِمَّا أَنْ يَبْقَى الْكُلُّ خَمْرًا أَوْ يَتَحَوَّلَ قِيمَةً .
وَإِبْقَاؤُهُ خَمْرًا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ فَيَتَحَوَّلُ الْكُلُّ إلَى الْقِيمَةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَبْدٌ وَاحِدٌ مُكَاتَبٌ لِذِمِّيَّيْنِ عَلَى خَمْرٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَقَدْ صَحَّ تَحَوُّلُ نَصِيبِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إلَى الْقِيمَةِ فَيَتَحَوَّلُ نَصِيبُ الْآخَرِ - أَيْضًا - ضَرُورَةً
وَلَوْ كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا وَعَبْدًا نَصْرَانِيًّا عَلَى خَمْرٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَقَدْ بَطَلَ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ إذْ لَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ فِي نَصِيبِ النَّصْرَانِيِّ لَا يَبْقَى جَعْلُ الْمُسْلِمِ كَفِيلًا بِهِ وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ إلَّا بِذَلِكَ ،
وَلَوْ غَصَبَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَكَفَلَ بِهِ عَنْهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَا قَائِمَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ كَمَا لَا يَلْتَزِمُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا بِالْعَقْدِ ؛ فَكَذَلِكَ لَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ عَيْنَيْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَا قَدْ هَلَكَا قَبْلَ الْكَفَالَةِ صَارَتْ الْكَفَالَةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْمِثْلِ فَالْكَفِيلُ الْمُسْلِمُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الْخَمْرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
فَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَالْقِيمَةُ دَرَاهِمُ فَصَحَّ الْتِزَامُ ذَلِكَ بِالْكَفَالَةِ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ مُسْلِمًا جَازَتْ كَفَالَتُهُ عَنْهُ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِهَا ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْقِيمَةِ كَالْخِنْزِيرِ .
وَالْقِيمَةُ دَرَاهِمُ فَإِذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ تَكُونُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِهَا ؛ فَهَذَا مُسْلِمٌ الْتَزَمَ دَرَاهِمَ هِيَ دَيْنٌ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْكَفَالَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ
بَابُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ ( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ .
} وَالْمِنْحَةُ نَوْعٌ مِنْ الْعَارِيَّةِ ، وَلَكِنْ فِيهَا مَعْنَى الْعَطِيَّةِ فَإِنَّ مَنْ أَعَارَ غَيْرَهُ شَاةً أَوْ نَاقَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ؛ يُسَمِّي ذَلِكَ مِنْحَةً وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ مَنَحَ غَيْرَهُ شَيْئًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَكُونُ عَارِيَّةً وَلَا يَكُونُ مِنْحَةً ، وَإِنْ مَنَحَهُ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ؛ يَكُونُ هِبَةً لَا عَارِيَّةً ، وَالْإِعَارَةُ فِي مِثْلِهِ تَكُونُ قَرْضًا .
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ رَدَّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ، وَرَدَّ الْمِنْحَةِ عَلَى الْمَمْنُوحِ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّقْلِ حَصَلَتْ لَهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ يُسْتَحَقُّ عَلَى الْمَدْيُونِ بِقَوْلِهِ : وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ .
وَمَقْصُودُهُ آخِرَ الْحَدِيثِ - وَهُوَ قَوْلُهُ : وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ - : مَعْنَاهُ الْكَفِيلُ ضَامِنٌ أَيْ ضَامِنٌ لِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ تَسْلِيمِ نَفْسٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إذَا حَلَّ أَجَلُ مَالِكَ عَلَى فُلَانٍ فَلَمْ يُوفِك مَالَك ؛ فَهُوَ عَلَيَّ ، أَوْ قَالَ : إنْ حَلَّ فَهُوَ عَلَيَّ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ سَبَبٌ لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ .
وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ فَيَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى وَقْتٍ تُوجَدُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَتَعْلِيقُهَا بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَكَ مَالَك فَهُوَ عَلَيَّ ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمَدْيُونِ سَبَبٌ لِحُلُولِ الْأَجَلِ وَتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ .
فَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِ رَجُلٍ
آخَرَ وَإِذَا ادَّعَى الْكَفِيلُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ حُلُولِ الْمَالِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ قَدْ كَانَ قَضَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ قَدْ تَقَرَّرَ وَقَدْ يَدَّعِي مَانِعًا مَا لَمْ يَظْهَرْ وَهُوَ قَضَاءُ الْمَطْلُوبِ حَقَّهُ وَلَوْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَاهُ الْكَفِيلُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا فَقَالَ : إنْ لَمْ يُعْطِك فُلَانٌ مَالَك ؛ فَهُوَ عَلَيَّ فَتَقَاضَى الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ فَلَمْ يُعْطِهِ سَاعَةَ تَقَاضَاهُ فَهُوَ لَازِمٌ الْكَفِيلَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ امْتِنَاعُ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْإِعْطَاءِ .
وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّقَاضِي فَكَمَا تَقَاضَاهُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ فَقَدْ وَجَدَ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْكَفِيلِ مِنْ هَذَا دَفْعُ مُؤْنَةِ كَثْرَةِ التَّقَاضِي عَنْ الطَّالِبِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا صَارَ الْكَفِيلُ مُلْتَزِمًا عِنْدَ امْتِنَاعِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ التَّقَاضِي وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَضَى بِكَفَالَةٍ وَقَالَ : إنَّ الْكَفِيلَ غَارِمٌ .
وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا .
لَكِنْ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقَّ التَّسْلِيمِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّ الْكَفِيلَ غَارِمٌ لَهُ .
وَإِذَا كَفَلَ الرَّجُلُ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ أَيَّهمَا شَاءَ وَبِمُطَالَبَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي مُطَالَبَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَوْعَ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا .
وَنَوْعٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هُنَاكَ الْحَقَّ قِبَلَ أَحَدِهِمَا فَيُعَيَّنُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِاخْتِيَارِهِ وَهُنَا أَصْلُ الدَّيْنِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ : لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَفُلَانٌ بِهِ كَفِيلٌ وَمُوجَبُ الْكَفَالَةِ : زِيَادَةُ الْحَقِّ لِلطَّالِبِ فِي الْمُطَالَبَةِ .
وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ لَهُ عَلَيْهِمَا ، فَلَا تَكُونُ مُطَالَبَةُ أَحَدِهِمَا مُسْقِطَةً حَقَّهُ فِي مُطَالَبَتِهِ الْآخَرَ فَإِذَا أَخَذَ الْكَفِيلَ بِهِ كَانَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَكْفُولَ بِهِ فَيُعَامِلَهُ بِحَسَبِ مَا يُعَامِلُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْأَصِيلِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ مُقْرِضٌ لِلذِّمَّةِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ بِهِ مُتَمَلِّكًا مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَلَكِنْ إنْ قَضَاهُ الْأَصِيلُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ ثَبَتَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مُتَأَخِّرًا إلَى أَدَائِهِ - وَتَعَجُّلُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ - فَإِذَا قَبَضَهُ الْكَفِيلُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ ؛ كَانَ مَا رَبِحَ حَلَالًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَقْبُوضَ مُلْكًا صَحِيحًا فَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ لَدَيْهِ يَكُونُ لَهُ وَلَوْ هَلَكَ مِنْهُ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ ، وَعَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُقْتَضِي وَلَوْ اقْتَضَاهُ الطَّالِبُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصِيلُ ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِيُسَلِّمَ لَهُ بِهِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ الْكَفِيلُ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ
لَهُ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَعْطَاهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ إلَى الْكَفِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ ، وَلَكِنْ قَالَ : أَنْتَ رَسُولِي بِهَا إلَى فُلَانٍ الطَّالِبِ فَهَلَكَ مِنْ الْكَفِيلِ ؛ كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ حِينَ بَعَثَ بِالْمَالِ عَلَى يَدِهِ إلَى الطَّالِبِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ كَانَ أَمِينًا فِيهِ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَعْمَلَ الْكَفِيلَ حَتَّى إذَا أَدَّاهُ الْمَطْلُوبُ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ أَدَّى الْكَفِيلُ إلَى الطَّالِبِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ .
فَهَلَاكُ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا .
وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ عَمِلَ بِهِ وَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ بِمَا صَنَعَ .
وَالرِّبْحُ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - .
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَطِيبُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ .
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ طَعَامًا فَأَرْسَلَ بِهِ الْأَصِيلُ مَعَ الْكَفِيلِ إلَى الطَّالِبِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْكَفِيلُ فَرَبِحَ ؛ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ .
وَلَوْ أَعْطَاهُ الطَّعَامَ اقْتِضَاءً عَمَّا كَفَلَ بِهِ فَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : الرِّبْحُ لَهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفِيلَ إنْ قَضَى الطَّالِبَ طَعَامَهُ ؛ فَالرِّبْحُ يَطِيبُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَرْبَحَ عَلَى مُلْكٍ صَحِيحٍ لَهُ .
وَإِنْ قَضَى الْمَطْلُوبُ طَعَامَهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالطَّعَامِ الَّذِي أَعْطَاهُ فَالرِّبْحُ يَطِيبُ لِلْكَفِيلِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مُلْكِهِ كَانَ صَحِيحًا فَبِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ خُبْثٌ فِي الرِّبْحِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ : يَرُدُّ الْأَصْلَ ،
وَالرِّبْحُ عَلَى الْأَصِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ : أَنْ يُفْتِيَ بِرَدِّ الرِّبْحِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ .
وَهُنَا قَالَ : يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ نَوْعُ خُبْثٍ حِينَ كَانَ قَبَضَهُ بِشَرْطٍ وَلَمْ يَسْلَمْ ذَلِكَ الشَّرْطُ لِلْمُعْطِي فَيُؤْمَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّرَاهِمِ ؛ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ رِبْحُهُ حَاصِلًا عَلَى عَيْنِ الْمَالِ الْمَقْبُوضِ .
فَأَمَّا الطَّعَامُ يُتَعَيَّنُ ؛ فَإِنَّمَا رَبِحَ عَلَى غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ الْخُبْثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : اُكْفُلْ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا ؛ فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمَالِ إنْ كَفَلَ بِهِ أَوْ لَمْ يَكْفُلْ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ وَلَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ إمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ ، أَوْ يُقْرِضَ ذِمَّتَهُ عَلَى أَنْ يُثْبِتَ فِيهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَيَقْتَضِي أَمْرُهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ .
وَالثَّابِتُ بِمُقْتَضَى النَّصِّ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ .
فَكَأَنَّهُ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاكْفُلْ بِهَا عَنِّي .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ فِي الْكَفَالَةِ إلَى أَجَلٍ فَالْكَفِيلُ بِهَا ضَامِنٌ لِلْأَصِيلِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْمُطَالَبَةَ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصِيلِ .
وَالْمُطَالَبَةُ عَلَى الْأَصِيلِ بِهَذَا الْمَالِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ أَوْ يَلْتَزِمُ فِي ذِمَّتِهِ مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ .
وَالثَّابِتُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ إلَى سَنَةٍ .
فَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ زُيُوفٌ تَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّفِيعِ إذَا أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ، وَالثَّمَنُ مُؤَجَّلٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَهُوَ سَبَبٌ مُبْتَدَأٌ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ بِهِ عَلَى الشَّفِيعِ ، فَلَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ .
فَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِهَا ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهَا الْتِزَامٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ .
فَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ ؛ فَهُوَ عَلَيْهِ حَالٌّ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْ الْأَجَلِ وَلِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ لِإِبْقَاءِ الْأَجَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ وَارِثِهِ لَا تَنْبَسِطُ فِي التَّرِكَةِ لِقِيَامِ الدَّيْنِ وَرُبَّمَا يَهْلَكُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالْأَجَلُ كَانَ لِمَنْفَعَةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِذَا أَدَّى إلَى الضَّرَرِ سَقَطَ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصِيلُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ بَاقٍ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ حَتَّى لَا يُطَالِبَهُ الطَّالِبُ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ وَرَثَةُ الْكَفِيلِ وَلَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَلَّتْ عَلَيْهِ ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأَجَلِ وَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الْكَفِيلِ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَى الْأَجَلِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ حُلُولِهِ عَلَى الْأَصِيلِ سُقُوطُ الْأَجَلِ فِي حَقِّ
الْكَفِيلِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَ الْكَفِيلُ فِيمَا عَلَيْهِ صَحَّ وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ حَالًّا .
وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ .
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَهَذَا تَأْخِيرٌ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ قَالَ : ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفُلَانٌ كَفِيلٌ بِهَا إلَى سَنَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إلَى سَنَةٍ وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَالَ عَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ ؛ لِأَنَّهُ أَجَّلَ الْكَفِيلَ خَاصَّةً .
وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطٌ لِلْمُطَالَبَةِ إلَى غَايَةٍ فَإِذَا كَانَ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَالتَّأْجِيلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْمَالِ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ .
وَلَكِنَّا نَقُولُ : إنَّمَا أَجَّلَ الطَّالِبُ هُنَا أَصْلَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ - فِي قَوْلِهِ : فَكَفَلَ بِهَا إلَى سَنَةٍ - كِنَايَةٌ عَنْ أَصْلِ الْمَالِ .
وَإِضَافَةُ التَّأْجِيلِ إلَى أَصْلِ الْمَالِ يُثْبِتُ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا ، حَتَّى لَوْ أَجَّلَ الْكَفِيلُ بِمَا الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ ؛ يَبْقَى الْمَالُ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ .
وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الْإِبْرَاءِ : إذَا أَضَافَهُ إلَى أَصْلِ الْمَالِ ؛ يَكُونُ إبْرَاءً لَهُمَا وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً ؛ يَكُونُ مُوجِبًا بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ .
وَإِذَا كَفَلَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ مِنْ وَدِيعَةٍ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الِالْتِزَامَ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِمَا فِي يَدِهِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ جَمِيعًا .
فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْكَفِيلِ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ الْتِزَامِ أَدَاءِ الْوَدِيعَةِ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ غَرِيمِ صَاحِبِهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا .
فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ فَاتَ الْمَحَلُّ الَّذِي الْتَزَمَ فِيهِ التَّسْلِيمَ لِلطَّالِبِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّ مُبْطِلٌ لِلْكَفَالَةِ .
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ وَعَلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَطَلَبَ مِنْ الَّذِي عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ الْتِزَامَ أَدَاءِ ذِمَّتِهِ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَكُونَ ضَامِنًا فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا بَعْدَ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ ثُمَّ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْكَفِيلِ لَا عَنْ حَقِّ الْغَرِيمِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ دَيْنِهِ مِنْهَا بِأَمْرِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ .
فَإِذَا هَلَكَتْ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهَا لِمَا بَيَّنَّا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهَا هَلَكَتْ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا فَيَكُونُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِي هَلَاكِهَا ، وَإِنْ اغْتَصَبَهَا إيَّاهُ رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَوْ اغْتَصَبَهَا إيَّاهُ إنْسَانٌ آخَرُ فَاسْتَهْلَكَهَا ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْعَيْنِ مَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا ، فَإِذَا لَمْ تَبْقَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا
وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَبِعْهَا ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَدَاءَ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَهُوَ ثَمَنُ الدَّارِ وَلَا يَحْصُلُ ثَمَنُ الدَّارِ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَبِعْ الدَّارَ وَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْ بَيْعَهَا عَلَى ذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَبِعْ الدَّارَ وَيَقْبِضْ الثَّمَنَ .
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا ؛ فَالْجُعْلُ بَاطِلٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ يَسْتَوْجِبُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ زِيَادَةَ مَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ عِوَضٌ بِمُقَابَلَتِهِ ، وَلَكِنَّ الضَّمَانَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْجَعْلُ فِيهِ .
وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا فِيهِ ؛ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُلْتَزِمٌ ، وَالِالْتِزَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِرِضَاهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْكَفَالَةِ ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
فَإِذَا شَرَطَ الْجُعْلَ فِي الْكَفَالَةِ فَهُوَ مَا رَضِيَ بِالِالْتِزَامِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْجُعْلَ ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْكَفَالَةِ ؛ فَهُوَ رَاضٍ بِالِالْتِزَامِ مُطْلَقًا فَيَلْزَمْهُ .
وَكَفَالَةُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَفْسٍ كَانَتْ أَوْ بِمَالٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ .
وَكَفَالَةُ الْمُرْتَدَّةِ جَائِزَةٌ وَإِنْ مَاتَتْ عَلَى الرِّدَّةِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَهَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فِي السِّيَرِ .
فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ ؛ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَحِقَتْ وَسُبِيَتْ ؛ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَالَهَا لِوَرَثَتِهَا .
وَمَوْتُ الْكَفِيلِ يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَمَةٍ كَفَلَتْ بِنَفْسٍ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَمَّا كَانَتْ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الْمَالِ وَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ أَمَةً بِالِاسْتِرْقَاقِ ؛ فَكَأَنَّهَا كَفَلَتْ ابْتِدَاءً .
وَهِيَ أَمَةٌ فَلَا تُطَالَبُ بِذَلِكَ لِحَقِّ مَوْلَاهَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَقَدْ تَحَوَّلَتْ إلَى مَا خَلَّفَتْ مِنْ الْمَالِ ، فَكَانَ وَارِثُهَا مُطَالَبًا بِقَضَاءِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا قَالَ : وَإِنْ أُعْتِقَتْ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ ؛ لَمْ تُؤْخَذْ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ وَقَدْ أَبْطَلَ السَّبْيُ كُلَّ كَفَالَةٍ وَكُلَّ حَقٍّ قِبَلَهَا ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْكَفَالَةِ مِنْهَا وَهِيَ أَمَةٌ ؛ كَانَتْ تُؤْخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمَّا تَبَدَّلَتْ نَفْسُهَا بِالرِّقِّ ؛ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهَا عَلَى مَا قِيلَ : الْحُرِّيَّةُ حَيَاةٌ وَالرَّقَبَةُ تَلَفٌ .
فَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَصْلًا وَتَحَوَّلَ الْمَالُ إلَى مَالٍ فَلَا يَعُودُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ كَفَلَ مُسْلِمٌ بِنَفْسِ مُرْتَدٍّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ فَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَلَحِقَ كَانَ الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَصْلَ بِفُرُوعِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَنَسِيَتْ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ عَنْهَا بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا حِينَ سُبِيَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحُضُورِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْكَفِيلِ مَا الْتَزَمَ مِنْ الْإِحْضَارِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّهَا لَمَّا تَبَدَّلَتْ نَفْسُهَا بِالِاسْتِرْقَاقِ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ وَمَوْتُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِنَفْسِهِ يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ وَلَكِنَّ الْكَفِيلَ مَأْخُوذٌ بِقَضَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِذَا أَدَّاهُ رَجَعَ بِهِ فِيمَا تَرَكَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ دُيُونِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ تَرَكَتْ وَأَدَّى الْكَفِيلُ ذَلِكَ .
ثُمَّ إنْ عَتَقَتْ يَوْمًا لَمْ يَتْبَعْهَا مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ السَّبْيَ أَبْطَلَ عَنْهَا كُلَّ دَيْنٍ فَإِنَّ نَفْسَ الْمَسْبِيِّ تَتَبَدَّلُ بِالِاسْتِرْقَاقِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إلَى الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّتِهِ ، وَهَذَا الدَّيْنُ حِينَ وَجَبَ لَمْ يَكُنْ شَاغِلًا لِشَيْءٍ سِوَى الذِّمَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهَا
وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ إذَا انْقَضَى الْعَهْدُ وَلَحِقَا بِالدَّارِ وَقَدْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْهُمَا بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ فَإِنْ مَاتَا أَوْ سُبِيَا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ فَإِنْ أَدَّاهُ ثُمَّ عَتَقَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمَا بِهِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُرْتَدَّةِ .
وَلَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُرْتَدِّ عَنْ الذِّمِّيِّ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ بَاقٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُقَرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ فَكَمَا لَا تَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُرْتَدِّ بِالْخَمْرِ فَكَذَلِكَ كَفَالَةُ الْمُرْتَدِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُرْتَدُّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهَا مُسْلِمٌ .
فَإِنْ كَفَلَ بِهَا عَنْهُ مُسْلِمٌ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ
وَلَوْ كَفَلَ مُسْلِمٌ لِمُرْتَدٍّ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ ثُمَّ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارُ الْحَرْبِ كَانَ وَرَثَتُهُ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ بَعْدَ لِحَاقِهِ كَمَا يَخْلُفُونَهُ فِي أَمْلَاكِهِ ، فَإِنْ رَجَعَ ثَانِيًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ قَائِمًا مِنْ حُقُوقِهِ يَعُودُ إلَيْهِ إذَا رَجَعَ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ قَائِمٌ مِنْ أَمْلَاكِهِ ، وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ قَدْ اسْتَوْفَوْا بِقَضَاءِ الْقَاضِي ؛ فَالْكَفِيلُ مِنْ ذَلِكَ بَرِيءٌ ، بِمَنْزِلَةِ مَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِ .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إلَى وَارِثِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِهِ
وَكَفَالَةُ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْكَفَالَةُ لَهُ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَإِنَّمَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ لِيُعَامِلَنَا فَفِي الْمُعَامَلَاتِ يَسْتَوِي بِنَا .
فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَأْمَنًا فَالْكَفَالَةُ بِحَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حَقِيقَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا حُكْمًا فَهُوَ قِيَاسُ مَا بَيَّنَّا فِي الْمُرْتَدِّ وَإِنْ أُسِرَ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ فِيمَا لَهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ قَدْ تَبَدَّلَتْ بِالْأَسْرِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِحُقُوقِهِ ، وَلَمْ يَخْلُفْهُ وَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَأَمَّا فِيمَا عَلَيْهِ فَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لِتَبَدُّلِ نَفْسِهِ بِالْأَسْرِ كَمَا فِي الْمُرْتَدَّةِ وَبِالْمَالِ كَذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ فِي الْمُرْتَدَّةِ الْمَالَ يَتَحَوَّلُ إلَى مَا خَلَّفَتْ وَلَيْسَ هُنَا مَحَلٌّ هُوَ خَلَفٌ عَنْهُ ؛ فَلِهَذَا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ أَيْضًا .
وَمُكَاتَبُ الْحَرْبِيِّ إذَا كَانَ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ وَعَبْدُهُ بِمَنْزِلَةِ عَبِيدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُكَاتَبِهِمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُعَامَلَاتِ هُمْ بِسَبَبِ عَقْدِ الضَّمَانِ يَكُونُونَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ عَبِيدُهُمْ وَمُكَاتَبُوهُمْ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ كَفَالَةِ الرَّهْطِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَبَعْضُهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ وَكُلُّهُمْ ضَامِنُونَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عَنْ الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ بِالْحَقِّ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ .
ثُمَّ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْآخَرَيْنِ بِمَا لَزِمَهُمَا بِالْكَفَالَةِ وَالْكَفَالَةُ عَنْ الْكَفِيلِ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مَطْلُوبٌ بِمَا الْتَزَمَهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ : أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِمَا الْتَزَمَهُ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنْ أَدَّى أَحَدُ الْكُفَلَاءِ الْمَالَ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْمَالِ كُلِّهِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا تَحَمَّلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى شَرِيكَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِثُلُثَيْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الِالْتِزَامِ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَحَدُهُمَا بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَقِيَ أَحَدَهُمَا قَالَ لَهُ : أَنَا وَأَنْتَ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّا جَمِيعًا كَفِيلَانِ عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَيْضًا فَهَاتِ نِصْفَ مَا أَدَّيْت ؛ لِنَسْتَوِيَ فِي الْغُرْمِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ رَجَعَا عَلَى الثَّالِثِ إذَا لَقِيَاهُ بِثُلُثِ الْمَالِ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ ؛ لِيَسْتَوِيَ هُوَ بِهِمَا فِي عَدَمِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْمَالِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَلُوا عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَدَّوْهُ وَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَيْهِمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَبَعْضُهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ فَأَدَّى الْمَالَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّ لِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ بِالثُّلُثِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَصِيلٌ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَالْمُؤَدِّي قَدْ
كَفَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالنِّصْفِ .
أَمَّا الثُّلُثُ فَلِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ وَأَدَّى ، وَأَمَّا السُّدُسُ فَلِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ مَعَ الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلَانِ عَنْ الثَّالِثِ بِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غُرْمُ هَذِهِ الْكَفَالَةِ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ هَذَا الثُّلُثِ لِتَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْغُرْمِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الثَّالِثِ إذَا لَقِيَاهُ بِالثُّلُثِ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ بَاعَ قَوْمًا غَنَمًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمْ شَاءَ بِحَقِّهِ فَأَبَى شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ ، وَقَالَ : اخْتَرْ أَمْلَاهُمْ فَخُذْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّك وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا ؛ لِنُبَيِّنَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ وَيَكُونَ بَعْضُهُمْ كَفِيلًا عَنْ بَعْضٍ بِمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَا فِي هَذَا مِنْ زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ لِحَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ فَإِنَّ بِدُونِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِمَا عَلَيْهِ - وَهُوَ الثُّلُثُ - وَبَعْدَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهمْ شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالثُّلُثِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمْ شَاءَ بِحَقِّهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ أَوْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ ، وَإِنْ كَانَ قَالَ : مَلِيئُهُمْ عَلَى مُعْدِمِهِمْ أَوْ حَيُّهُمْ عَلَى مَيِّتِهِمْ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَا يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِثُلُثِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَفَالَةٌ بِالْمَجْهُولِ عَلَى الْمَجْهُولِ وَلَا يُدْرَى مَنْ يُفْلِسُ مِنْهُمْ ؛ لِيَكُونَ الْمَلِيءُ كَفِيلًا عَنْهُ وَلَا
مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ لِيَكُونَ الْحَيُّ كَفِيلًا عَنْهُ فَإِنَّ حَرْفَ عَلَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } أَيْ : عَنْ النَّاسِ .
وَكَفَالَةُ الْمَجْهُولِ بَاطِلَةٌ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَكُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ كَفِيلَانِ عَنْ اثْنَيْنِ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَإِنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ - إنْ شَاءَ - وَأَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا .
أَمَّا أَخْذُهُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ كَفِيلَانِ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَنْ الْآخَرِ فَأَيَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ شَاءَ فَهُمَا كَفِيلَانِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ فَفِي رُبْعِ الْمَالِ - وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ - هُوَ أَصِيلٌ فَيُطَالِبُهُ بِذَلِكَ وَفِي الْبَاقِي - وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ - هُوَ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ كَفِيلٌ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْكَفَالَةِ كَانَ هَكَذَا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هُوَ مُطَالَبًا بِالْكُلِّ إذَا الْتَزَمَ الْكُلَّ بِالْكَفَالَةِ فَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ الْكُلَّ بِالْكَفَالَةِ مَعَ آخَرَ ؛ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُطَالَبًا إلَّا بِالنِّصْفِ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ .
فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ يَكُونُ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْوَاحِدَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمْ نِصْفَ الْمَالِ سِتَّمِائَةٍ ؛ فَفِي هَذَا النِّصْفِ هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ - وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ - هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ شُرَكَائِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْهُمْ بِأَمْرِهِمْ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ هَذِهِ الثَّلَثِمِائَةِ - وَهُوَ مِائَةٌ - أَدَّاهَا عَنْهُ فَيَرْجِعُ هُوَ بِهَا عَلَيْهِ بَقِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهُوَ مَعَ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلَانِ عَنْ الْآخَرِينَ بِهِمَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ أُخْرَى لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْآخَرِينَ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْنِ ، وَإِنْ لَقِيَا آخَرَ ؛ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ بِسِتَّةٍ
وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْنِ إمَّا لِيَسْتَوُوا فِي غُرْمِ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَدٍّ عَنْهُ خَمْسِينَ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَقِيَ مِائَةٌ أُخْرَى هُمَا مَعَ هَذَا الثَّالِثِ كَفِيلَانِ بِذَلِكَ عَنْ الرَّابِعِ وَقَدْ أَدَّيَا فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ ذَلِكَ - وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ - كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ فَصَارَ حَاصِلُ مَا يَرْجِعُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ سِتَّةٌ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَإِنْ لَقُوا الرَّابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا عَنْ الرَّابِعِ قَدْرَ الْمِائَةِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثُلُثِهَا وَلَوْ كَانَ أَدَّى النِّصْفَ وَلَقِيَ أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَقِيَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ أَحَدَ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ : إنَّمَا أَدَّيْتُ الْمِائَةَ عَنْ نَفْسِي وَمِائَةً أُخْرَى عَنْكَ وَعَنْ الرَّابِعِ فَإِنَّمَا أَدَّيْتُ نِصْفَهَا عَنْك وَالنِّصْفَ الْآخَرَ الَّذِي أَدَّيْتُهُ عَنْ الرَّابِعِ أَنْتَ مَعِي فِيهِ فِي الْكَفَالَةِ بِذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ فَأَرْجِعُ عَلَيْك بِنِصْفِ ذَلِكَ أَيْضًا فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَإِنْ لَقِيَ الْأَوَّلُ الثَّالِثَ أَيْضًا أَخَذَهُ بِاثْنَيْنِ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَنِصْفٍ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ : قَدْ أَدَّيْت عَنْك وَعَنْ الرَّابِعِ مِائَةً فَأَرْجِعُ عَلَيْك بِنِصْفِ ذَلِكَ وَذَلِكَ خَمْسُونَ لِأَنِّي أَدَّيْتهَا عَنْك .
وَأَمَّا الْخَمْسُونَ الَّتِي أَدَّيْتهَا عَنْ الرَّابِعِ فَنِصْفُ ذَلِكَ قَدْ أَخَذَهُ مِنْك الثَّانِي وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، فَرُجُوعنَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَأَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ ؛ لِنَسْتَوِيَ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الرَّابِعِ فَصَارَ حَاصِلُ مَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ لَقِيَهُمَا الْأَوْسَطُ رَجَعَا عَلَيْهِ
بِثَمَانِيَةٍ وَثُلُثٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِيَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ فِي حَقِّ الْخَمْسِينَ الَّتِي كَفَلُوا بِهَا عَنْ الرَّابِعِ فَإِنْ لَقُوا الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذُوهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْحَاصِلِ كُفَلَاءُ عَنْهُ بِالْمِائَةِ وَقَدْ أَدَّوْا فَيَأْخُذُونَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَقْتَسِمُونَهُ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَا غَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُرَاجَعَاتِ : ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ .
وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَدَّى النِّصْفَ لَقِيَ الَّذِي قَبَضَ الْخَمْسَةَ وَالسَّبْعِينَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَهَا ؛ لِأَنَّا كُنَّا قَدْ الْتَقَيْنَا مَرَّةً وَاسْتَوَيْنَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّالِثِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَنِي نِصْفَ ذَلِكَ لِنَسْتَوِيَ فِي الْغُنْمِ كَمَا اسْتَوَيْنَا فِي الْغُرْمِ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهَا ثُمَّ لَقِيَا الَّذِي أَدَّى الْخَمْسَةَ وَالسَّبْعِينَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَثُلُثٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَوْ لَقِيَاهُ مَعًا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَيَكُونُ جُمْلَةُ مَا يَرْجِعَانِ بِهِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا وَالْآنَ قَدْ اسْتَوْفَيْنَا مِنْهُ مَرَّةً خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَيَرْجِعَانِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثٌ يَأْخُذَانِ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ إذَا لَقُوا الرَّابِعَ اتَّبَعُوهُ بِمِائَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ لِمَا بَيَّنَّا
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ رَهْطٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ ضَامِنُونَ لَهَا فَأَدَّى أَحَدُهُمْ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِيكَيْهِ بِثُلُثِ مَا أَدَّى ؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي الثُّلُثَيْنِ هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ شَرِيكَيْهِ بِكَفَالَتِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرِهِمَا فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالثُّلُثِ لِأَدَائِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ وَبِنِصْفِ الثُّلُثِ الْآخَرِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ بِهَذَا الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمْ الْغَائِبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ لِصَاحِبِهِ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ أَنَّهُمَا حِينَ الْتَقَيَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ أَيْضًا وَاَلَّذِي أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّالِثِ غُنْمٌ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ أَوْ لِتَبْقَى الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْغُرْمِ كَمَا هُوَ مُوجِبُ الْكَفَالَةِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلٌ ثُمَّ إنَّ آخَرَ كَفَلَ بِهَا عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا ؛ فَهُوَ جَائِزٌ يَأْخُذُ الطَّالِبُ أَيَّهمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ عَنْ الْأَصِيلِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ بَاقٍ عَلَى الْأَصِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ الْأُولَى كَمَا كَانَ قَبْلَهَا فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ فَأَدَّاهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَفَلَ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْ الْأَصِيلِ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ وَحْدَهُ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا حَتَّى قَالَ الْكَفِيلَانِ لِلطَّالِبِ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُمَا بِالْعَقْدِ الثَّانِي جَعَلَا أَنْفُسَهُمَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ سَوَاءً .
فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا كَفِيلٌ بِالْمَالِ عَنْ الْأَصِيلِ وَقَدْ كَفَلَ عَنْ صَاحِبِهِ أَيْضًا بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَفَالَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ أَيْضًا وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجُلٌ ثُمَّ إنْ الطَّالِبُ أَخَذَ الْكَفِيلَ بِهَا فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا آخَرَ بِهَا ثُمَّ أَدَّاهَا الْآخَرُ إلَى الطَّالِبِ ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ مَا تَحَمَّلَ بِهَا عَنْ الْأَصِيلِ ، وَلَا أَمَرَهُ الْأَصِيلُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ .
وَثُبُوتُ حَقِّ الرُّجُوعِ لِلْكَفِيلِ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الْأَصِيلِ بِالْكَفَالَةِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَمَرَهُ بِهِ وَهُوَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ كَفِيلِهِ بِأَمْرِهِ بِمَنْزِلَةِ أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ عَنْ الْأَصِيلِ مُطَالَبَةَ الطَّالِبِ بِهَذَا الْمَالِ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ إلَى الطَّالِبِ ، وَإِنْ كَانَ كَفَلَ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ رَجُلَانِ وَلَمْ يَقُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : كَفَلْت عَنْ صَاحِبِي ؛ فَإِنَّ الطَّالِبَ يُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا الْمَالَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْتَزِمًا لِلنِّصْفِ كَالْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْمُقِرَّيْنِ لِرَجُلٍ عَلَيْهِمَا بِالْمَالِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى النِّصْفَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ عَنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إنَّمَا الْتَزَمَ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى قَالَا لِلطَّالِبِ : أَيُّنَا شِئْتَ أَخَذْتَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ ضَامِنٌ بِهَا .
فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَلْحَقَتْهَا بِالْكَفَالَةِ الْأُولَى وَقَدْ صَحَّتْ مِنْهُمَا فَصَارَتْ كَالْمَذْكُورِ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ الْأُولَى ؛ أَخَذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ، وَإِنْ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ كَمَا اسْتَوَيَا فِي كَفَالَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ لَقِيَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا فَاشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَعَنْ الْأَصِيلِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَفَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأَصِيلِ
وَلَوْ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ كَفِيلَانِ بِهِمَا وَأَيَّهُمَا شَاءَ أُخِذَ بِهَا وَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ وَالْكَفِيلَانِ بِذَلِكَ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهُمَا الْإِقْرَارَ إلَى الْمَكْتُوبِ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمَا بِالْمَكْتُوبِ .
فَإِنْ أَدَّى أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصِيلُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ بِنِصْفِهِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْمَكْتُوبِ فِي الصَّكِّ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِ الْأَصِيلِ لَهُمَا بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ وَأَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَفَالَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى عَشَرَةِ رَهْطٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَجَعَلَ كُلَّ أَرْبَعَةِ كُفَلَاءَ عَنْ أَرْبَعَةٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا قُلْنَا .
وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ أَرْبَعَةٍ شَاءَ بِالْمَالِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُمْ هَكَذَا الْتَزَمُوا بِالْكَفَالَةِ فَإِنْ أَخَذَ وَاحِدًا مِنْهُمْ رَجَعَ بِثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمِائَةِ أَصِيلٌ ، وَفِي الْبَاقِي - وَهُوَ سَبْعُمِائَةٍ - هُوَ مَعَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ كَفِيلٌ عَنْ الْبَاقِينَ ، فَحَظُّهُ رُبْعُ ذَلِكَ .
وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَإِنْ أَخَذَ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِسِتِّمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمِائَتَيْنِ أَصِيلَانِ وَفِي الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُمِائَةٍ هُمَا مَعَ آخَرِينَ كَفِيلَانِ عَنْ الْبَاقِينَ فَحَظُّهُمَا النِّصْفُ وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ ، وَإِنْ أَخَذَ ثَلَثَمِائَةٍ مِنْهُمْ ؛ أَخَذَهُمْ بِثَمَانِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ .
أَمَّا مِقْدَارُ ثَلَثِمِائَةٍ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصِيلٌ فِي مِائَةٍ وَالْبَاقِي وَهُوَ سَبْعُمِائَةٍ هُمْ مَعَ آخَرَ كُفَلَاءُ بِذَلِكَ عَنْ الْبَاقِينَ فَعَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذَلِكَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِنْ أَخَذَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَأَدَّى رُبْعَ الْأَلْفِ ؛ فَإِنَّ مِائَةً مِنْهَا حِصَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهَا .
وَالْأَصِيلُ فِيمَا يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ هُوَ مُؤَدٍّ عَنْ أَصْحَابِهِ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ التُّسْعُ .
فَإِنْ لَقِيَهُمْ جَمِيعًا ؛ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ هَذَا الْقَدْرَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ وَالْبَاقِي مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ نِصْفِهِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الْبَاقِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِهِ أَيْضًا .
فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ لَقِيَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أَحَدَ الْبَاقِينَ ؛ أَخَذَهُ بِنِصْفِ تُسْعِ الْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْأَوَّلِ قَدْ أَدَّيَا عَنْهُ التُّسْعَ فَنِصْفُهُ مِنْ ذَلِكَ نِصْفُ التُّسْعِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِنِصْفِ ثَلَاثَةِ أَتْسَاعٍ وَنِصْفٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ .
فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ عَنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِينَ وَهَذَا قَدْ أَدَّى عَنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَتْسَاعٍ وَنِصْفًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ لَقِيَ الْأَوَّلُ الْأَوْسَطَ بَعْدَ مَا قَبَضَ هَذَا ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ كُلَّهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّهُمَا حِينَ الْتَقَيَا اسْتَوَيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ وَأَخَذَ الْآخَرُ مِنْهُ نِصْفَهُ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ أَيْضًا .
فَإِنْ لَقِيَا الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الثَّالِثُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَتْسَاعٍ وَثُلُثِ تُسْعٍ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ التُّسْعِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَاهُ عَنْهُ وَتُسْعَانِ وَثُلُثٌ لِلْمُسَاوَاةِ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ آخَرَ كُفَلَاءُ عَنْ الْبَاقِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمَا لَوْ لَقِيَا الثَّالِثَ مَعًا ؛ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَلَيْهِ بِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَتْسَاعٍ وَثُلُثِ تُسْعٍ .
فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ لَقِيَاهُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ رَهْطٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بِهَا فَأَدَّى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ أَصِيلٌ ، فَمَا يُؤَدِّيه يَكُونُ أَصِيلًا فِيهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى بِقَدْرِ الثُّلُثِ أَوْ دُونَهُ ، وَإِنْ قَالَ : إنَّمَا أَدَّيْت هَذَا عَنْ صَاحِبَيَّ أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيمَا هُوَ أَصِيلٌ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَفِيمَا هُوَ كَفِيلٌ هُوَ مُطَالَبٌ بِمَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَالِ ، وَالْمُؤَدَّى مَالُهُ ، فَيَكُونُ إيقَاعُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ بِهِ أَصْلُ الْمَالِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ أَقْصَرُ فَإِنَّهُ إذَا جُعِلَ الْمُؤَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِ ؛ احْتَاجَ إلَى الرُّجُوعِ وَإِذَا جُعِلَ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ ؛ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى أَحَدٍ وَلِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْ صَاحِبَيْهِ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا : أَدَاؤُهُ بِالْكَفَالَةِ بِأَمْرِنَا بِمَنْزِلَةِ أَدَائِنَا .
وَلَوْ أَدَّيْنَا ؛ كَانَ لَنَا أَنْ نُجْعَلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْك ، فَلَا يَزَالُ يَدُورُ هَكَذَا فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ إلَى تَمَامِ الثُّلُثِ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِينَ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا لَا يَكُونُ الْمُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً ، بَلْ يَكُونُ عَنْهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ جَعَلْنَا الْمُؤَدَّى عَنْ الْمُؤَدِّي خَاصَّةً ؛ لَكَانَ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى مِقْدَارَ نَصِيبِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ فَفِي جَعْلِهِ عَنْ نَفْسِهِ يُعْتَبَرُ شَرْطًا مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ نَصًّا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُؤَدَّى مِنْ نَصِيبِهِمْ .
وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا وَهَذَا أَيْضًا
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ عَلَى وَاحِدٍ فَكَفَلَ بِهِ ثَلَاثَةً عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ أَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَصْلُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَهُمْ يَلْتَزِمُونَ لَهُ بِالْكَفَالَةِ فَكَانَ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ وَلَوْ رَجَعَ عَلَى شَرِيكَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى الدُّورِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّرْنَا فَإِنْ أَدَّى زِيَادَةً عَلَى الثُّلُثِ ؛ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى صَاحِبَيْهِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ مُؤَدٍّ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَهُوَ كَفِيلٌ عَنْهُمَا وَلَوْ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِفَرَاغِ ذِمَّتِهِ عَمَّا عَلَيْهِ بِأَدَائِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الزِّيَادَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَاحِدٌ وَهُوَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّمْيِيزُ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا .
فَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا أَخْذَهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ ذَلِكَ وَبِنِصْفِ مَا أَدَّى عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مَعَ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ بِمَا عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى عَنْ الْآخَرِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلَانِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ أَيَّهمَا شَاءَ فَأَدَّى أَحَدَهُمَا مِائَةً فَقَالَ هَذِهِ مِنْ حِصَّةِ صَاحِبِي الْكَفِيلِ مَعِي ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا قَالَ وَلَكِنَّهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهَا ؛ لِأَنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْأَصِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَإِذَا جَعَلَ الْمُؤَدِّي مَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى الدُّورِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْغُرْمِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهَا ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِهَا
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَلَزِمَ أَحَدُهُمَا فَأَعْطَاهُ بِهَا كَفِيلًا ثُمَّ أَدَّاهَا الْكَفِيلُ ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ مُسْتَقْرِضٌ لِذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً بِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ فِيهَا وَلِمَا لَهُ بِأَدَاءِ مَا الْتَزَمَ .
وَثُبُوتُ حَقِّ الرُّجُوعِ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ ، لَا عَلَى غَيْرِهِ وَالْغَرِيمُ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَسْتَقْرِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَفِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَحَدٌ بِالْكَفَالَةِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَيْهِ وَلَكِنْ إذَا رَجَعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ كَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا الْمَالَ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَاضِ الَّذِي قُلْنَا .
وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ بِأَدَائِهِ مَا اسْتَقْرَضَ وَهُوَ فِي النِّصْفِ كَانَ كَفِيلًا بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ أَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى الطَّالِبِ ، وَإِنْ كَانَا طَلَبَا إلَيْهِ أَنْ يَكْفُلَ بِهَا عَنْهُمَا فَفَعَلَ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَأَدَّاهَا الْكَفِيلُ عَنْهُمَا ؛ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ الْمَالَ عَنْهُمَا جُمْلَةً ؛ كَانَ كَفِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ كَمَا هُوَ قَصْدُ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ إلَى اثْنَيْنِ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ إنَّمَا يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا كَفَلَ عَنْهُ .
وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ وَكَفَالَتُهُ عَنْهُ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ وَلَوْ كَانَ فِي الشَّرْطِ حِينَ كَفَلُوا بَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَأَدَّى الْآخَرُ الْأَلْفَ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى إذَا لَقِيَاهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى أَحَدِهِمَا إذَا لَقِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا أَدَّى أَمَّا
النِّصْفُ فَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِهِ عَنْ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُ وَأَدَّاهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَلِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ مَعَ الَّذِي لَقِيَهُ كَفِيلَانِ بِهِ عَنْ الْآخَرِ ؛ إذْ هُوَ مُوجَبُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ الْبَعْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا لَقِيَا الثَّالِثَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا ذَلِكَ عَنْهُ بِكَفَالَةٍ تَلْزَمُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِهَا فَأَخَذَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ كُلِّهِ ثُمَّ أَخَذَ الْآخَرَ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكَفِيلَ بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْمَالَ ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مَطْلُوبًا بِجَمِيعِ الْمَالِ .
وَالْكَفِيلُ كَفِيلٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَعِنْدَ الْأَدَاءِ كَانَ حَقُّ الْبَيَانِ إلَيْهِ يُجْعَلُ أَدَاؤُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ .
وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ وَبِهِ رَهْنٌ وَأَلْفٌ فِي صَكٍّ آخَرَ وَبِهِ رَهْنٌ آخَرُ فَأَدَّى أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّ الصَّكَّيْنِ شَاءَ فَيَسْتَرِدُّ ذَلِكَ الرَّهْنَ فَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ هُنَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ بَعْدَ كَفَالَتِهِ عَنْهُ لَوْ أَدَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْكَفَالَةِ عَنْ الثَّانِي وَلَكِنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الثَّانِي مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى .
فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى لَزِمَهُمْ الطَّالِبُ فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ أَدَّاهَا الْكَفِيلُ ثُمَّ أَخَذَ أَحَدَهُمَا ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْقُضُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْكَفِيلُ كَفِيلٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ وَهَذَا الثَّانِي عَقْدٌ وَاحِدٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهِ كَفِيلٌ مَعَ صَاحِبِهِ عَنْ الْآخَرِ فَإِقْدَامُهُمْ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي يَكُونُ نَقْضًا مِنْهُمْ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ وَتَمَامُ ذَلِكَ الْعَقْدِ كَانَ بِهِمْ وَإِلَيْهِمْ نَقْضُهُ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَدَّدَ بَيْعًا بِأَلْفَيْنِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ
بِالْبَيْعِ الثَّانِي فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا صَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ - بِحَالِهَا - وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى سَوَاءً ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْآخَرَ يَرْجِعُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِكَفَالَتِهِ عَنْهُ وَبِنِصْفِ النِّصْفِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ بِهَذَا النِّصْفِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلَانِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَزِمَ أَحَدَ الْكَفِيلَيْنِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ لَزِمَ الْآخَرَ فَأَعْطَاهُ هَذَا أَيْضًا كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنْ الْكَفِيلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْأَصِيلَيْنِ وَهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَفِيلَيْنِ مُطَالَبٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ - لِتَفَرُّقِ الْعَقْدِ فِي كَفَالَتِهِ عَنْهُمَا - لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ .
وَلَا يُقَالُ : أَصْلُ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ .
حَتَّى لَوْ بَرِئَ هُوَ بَرِئَ الْكَفِيلُ الْآخَرُ وَهَذَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ عَلَيْهِ ، بَلْ بِأَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْكَفَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى أَخَذَ الطَّالِبُ الْكُفَلَاءَ فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ كَفِيلًا عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ الْمَالَ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدِ الْكَفِيلَيْنِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ تَنْقُضُ الْكَفَالَةَ الْأُولَى فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِهَذِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْكَفَالَةُ يَنْبَغِي لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ؛ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِأَصِيلٍ بِالْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَنْ الْأَصِيلِ .
عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ - قُلْنَا : هَذَا أَنْ لَوْ صَارَ الْآخَرُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ مَعَ الْأَوَّلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلُوا عَنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَصِرْ كَذَلِكَ هُنَا .
بَلْ بَقِيَ كَفِيلًا عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَإِنَّمَا انْتَقَضَ حُكْمُ
الْكَفَالَةِ الْأُولَى فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَفِيلِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ هَذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَحْدَهُ ، وَالْآنَ صَارَ كَفِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الْآخَرِ بِالنِّصْفِ سَوَاءٌ ؛ فَلِهَذَا كَانَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا أَدَّى وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى لَقِيَ الْكُفَلَاءَ الثَّلَاثَةَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْآخَرُ الْمَالَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالثُّلُثَيْنِ ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ انْتَقَضَ مَا كَانَ قَبْلَهَا فِي حَقِّ الْكُلِّ وَقَدْ صَارَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ كَفِيلَيْنِ عَنْ الْأَصِيلِ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ كَالْأَوَّلَيْنِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَهُنَاكَ إذَا أَدَّى أَحَدُهُمْ رَجَعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّى الْمَالَ أَحَدُ الْكَفِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ وَعَلَى أَحَدِهِمَا إنْ لَقِيَهُ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ وَالْآخَرَ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ - الَّتِي هِيَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمْ الْآنَ - سَوَاءٌ .
وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْكَفَالَةِ الْمُقَدَّمَةِ وَتِلْكَ قَدْ اُنْتُقِضَتْ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَأَدَّى أَحَدُ الْكُفَلَاءِ الْمَالَ ثُمَّ لَقِيَ أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَدَّى ، ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ لَقِيَ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا وَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ؛ فَإِنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ إلَى الْأَوْسَطِ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْأَلْفِ وَالْأَوْسَطُ قَدْ غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ حَتَّى يَبْقَى عَلَيْهِ غُرْمُ ثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَيْفِيَّةُ أَدَائِهِمَا هَذَا الْمِقْدَارَ وَهُوَ الْأَلْفُ وَإِنَّمَا يُؤَدِّيَانِ نِصْفَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ قَدْ غَرِمَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ لِلْأَوَّلِ فَيَدْفَعُ إلَى الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا حَتَّى يَكُونَ الْغُرْمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْأَلْفِ .
وَالْأَوَّلُ قَدْ أَوْصَلَ إلَيْهِ سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيَدْفَعُ إلَى الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا حَتَّى يَبْقَى الْعَائِدُ إلَيْهِ ثُلُثَا مَا أَدَّى وَيَكُونُ الْغُرْمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْأَلْفِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ رَجَعُوا جَمِيعًا عَلَى الْأَصِيلِ بِالْأَلْفِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ طَلَبَ الرَّجُلَ فَضَمِنَهَا عَنْهُ لِلطَّالِبِ ، ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ أَخَذَهُمْ جَمِيعًا حَتَّى جَعَلَ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ أَدَّى الْمَالَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ الْآخَرِ بِنِصْفِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْأَخِيرَةَ نَقَضَتْ الْكَفَالَةَ الْأُولَى فَإِنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْأُولَى : الْأَخِيرُ كَفِيلٌ عَنْ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الْأَصِيلِ .
وَهُوَ فِي الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ يَصِيرُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ وَعَنْ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى : أَنَّ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْآخَرِ .
وَفِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ الْأَخِيرَةِ : الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ يَصِيرُ كَفِيلًا عَنْ الْأَخِيرِ وَإِذَا اُنْتُقِضَتْ الْكَفَالَةُ الْأُولَى كَانَ الْحُكْمُ لِلْأَخِيرَةِ وَهُمَا فِيهَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ؛ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ .
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ بِذَلِكَ ثُمَّ أَعْطَاهُ أَحَدُهُمَا كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَخَذَ الْآخَرَ فَأَعْطَاهُ أَيْضًا ذَلِكَ الْكَفِيلُ كَفِيلًا بِالْمَالِ ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ الْأَلْفَ ؛ رَجَعَ بِهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى أَخَذَهُمْ الطَّالِبُ فَجُعِلَ بَعْضُهُمْ كُفَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ بِالْمَالِ .
ثُمَّ إنْ الْكَفِيلُ أَدَّى الْأَلْفَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْقُضُ الْكَفَالَةَ الْأُولَى .
وَفِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ الْأَخِيرَةِ الْكَفِيلُ يَصِيرُ مُتَحَمِّلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَالِ ، وَيَكُونُ هُوَ مَعَ الْآخَرِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ بِنِصْفِ الْمَالِ سَوَاءً .
فَلِهَذَا رَجَعَ عِنْدَ الْأَدَاءِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْأَلْفِ .
فَإِنْ لَقِيَ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ كَانَ لِلَّذِي أَدَّى الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ مِنْ هَذَا الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا اسْتَوَيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ مَعَ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبَاقِي وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ نِصْفَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْكَفِيلُ شَيْئًا وَلَكِنْ أَدَّى أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ الْمَالَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّهُ فِي نِصْفِ الْمَالِ أَصِيلٌ مُؤَدٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ هُوَ مَعَ الْكَفِيلِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الثَّالِثِ ؛ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ .
فَإِنْ لَقِيَ الْأَوَّلُ صَاحِبَهُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْأَلْفِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أُخْرَى ؛ رَدَّ عَلَى الْكَفِيلِ نِصْفَهَا لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُنْمِ ثُمَّ يُتْبِعُ
هُوَ الْكَفِيلَ الْآخَرَ الْأَوَّلَ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أُخْرَى وَيَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ بِهَا عَنْهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْحُرِّ وَحْدَهُ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَفَلَا جَمِيعًا عَنْهُ بِالْمَالِ فَقَدْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا بِالنِّصْفِ .
وَكَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي حَالِ الرِّقِّ كَمَا لَوْ تَفَرَّدَ بِهَا فَتَبْقَى كَفَالَتُهُ فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلَا يُقَالُ : لَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُزَاحَمَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْحُرُّ كَفِيلًا بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْمُزَاحَمَةُ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ مُتَحَقِّقَةٌ .
فَإِنَّ كَفَالَةَ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا حَتَّى يُطَالِبَانِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلِهَذَا كَانَ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ الْمَالِ وَعَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ النِّصْفُ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَدَّى الْمَالَ كُلَّهُ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْحُرِّ بِالنِّصْفِ ، ثُمَّ يَتْبَعَانِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ ، فَمَا أَدَّى إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرَكُهُ فِيهِ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَ عَتَقَ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى وَالْمَانِعُ مِنْ كَفَالَتِهِ قِيَامُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي مَالِيَّتِهِ فَإِذَا سَقَطَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ مِنْ حُرَّيْنِ عَنْ ثَالِثٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَفَلُوا عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِعَشَرَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ ، وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ ضَامِنُونَ فِي ذَلِكَ فَلَقِيَ الطَّالِبُ أَحَدَ الْكُفَلَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ لَقِيَ آخَرَ فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ ثُمَّ غَابَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ وَلَقِيَ الْكَفِيلَانِ الْمُؤَدِّيَانِ الْكَفِيلَ الثَّالِثَ وَأَرَادَا أَخْذَهُ بِمَا أَدَّيَا وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْذَ صَاحِبِهِ فَاَلَّذِي أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْهَا ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْكَفَالَةِ بِالْأَلْفِ مُسْتَوُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِهَا وَذَلِكَ فِي أَنْ يَرْجِعَ بِثُلُثَيْ مَا أَدَّى عَنْ صَاحِبَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ وَلِلَّذِي أَدَّى الطَّعَامَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ الطَّعَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَلَا يَصِيرُ الْبَعْضُ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ .
وَالْمُقَاصَّةَ بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ : عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِهِمَا وَصِفَتِهِمَا ، لَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ .
وَلَوْ الْتَقَى هَذَانِ الْمُؤَدِّيَانِ وَلَمْ يَلْقَيَا الثَّالِثَ ؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ الْتَقَوْا جَمِيعًا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبَهُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ ثُمَّ يَتْبَعَانِ جَمِيعًا الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا بِثُلُثِ مَا أَدَّاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لَقِيَهُ أَحَدُهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِ الْغُرْمِ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ لِيَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ أَحَدَ هَذَيْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْفَضْلِ بِثُلُثِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَرْجِعُ أَكْثَرُهُمَا أَدَاءً عَلَى أَقَلِّهِمَا أَدَاءً بِنِصْفِ الْفَضْلِ لِلْحَرْفِ الَّذِي قُلْنَا وَعَلَيْهِ يَدُورُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي
أَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْكَفَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْغُرْمِ بِسَبَبِهَا .
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَيْهِ فَأَدَّاهُ الْكَفِيلُ ثُمَّ لَقِيَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ لِفُلَانٍ الطَّالِبِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ فُلَانًا هَذَا قَدْ أَمَرَهُ فَضَمِنَهَا لِفُلَانٍ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا لِفُلَانٍ إلَى فُلَانٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ مَالًا بِسَبَبٍ وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إتْيَانِ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ سَبَبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ وَهُوَ أَدَاءُ الْمَالِ إلَيْهِ ، فَيُنَصَّبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ كَمَنْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ يَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِهَذَا الطَّرِيقِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ لَمْ يُكَلَّفْ الْمُدَّعِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا حَضَرَ الْمَكْفُولُ لَهُ ؛ جَحَدَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الْكَفِيلِ لَمْ يُكَلَّفْ الْكَفِيلُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ مَاضِيًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا فَمَنْ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ سَبَبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَرُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْكَفَالَةِ وَأَدَائِهِ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ فَمَا يَكُونُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ خَصْمًا لِكَفِيلٍ فِي إثْبَاتِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ يَكُونُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْأَدَاءِ إلَى الطَّالِبِ عَلَيْهِ .
وَالْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَاضِرِ يَكُونُ نَافِذًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْغَائِبِ جَمِيعًا .
وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَتَاهَا رَجُلٌ وَأَخْبَرَهَا أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَبَانَهَا وَوَكَّلَهُ
أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ وَيَضْمَنَ الْمَهْرَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَأَنْ يَكُونَ أَمَرَ هَذَا الرَّجُلَ بِشَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ ؛ كَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلًا وَالْكَفَالَةُ الْمُثْبَتَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ .
وَإِذَا أَقَرَّ لِمَعْرُوفِ نَسَبٍ أَنَّهُ أَخُوهُ ؛ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْمِيرَاثِ .
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْجِعُ هِيَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ ، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَلَوْ أَقَامَ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا أَدَّى مِنْ الطَّلَاقِ وَتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَالْكَفَالَةِ ؛ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ ، وَكَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ ثُمَّ يَرْجِعَ الْكَفِيلُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ فَصَارَ خَصْمًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .
بَابُ الْكَفَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بَرِيءٌ ( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَضَمِنَهُ لَهُ عَلَى إبْرَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَلَا يَأْخُذُ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَعْنَى الْحَوَالَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحَا بِلَفْظِهَا ، وَالْأَلْفَاظُ قَوَالِبُ الْمَعَانِي .
وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا حَوَالَةً لِتَصْرِيحِهِمَا بِمُوجَبِ الْحَوَالَةِ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ مَلَّكْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ بَيْعًا ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ الْبَيْعِ .
وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ يَتَقَارَبَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إقْرَاضٌ لِلذِّمَّةِ وَالْتِزَامٌ عَلَى قَصْدِ التَّوَثُّقِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْحَوَالَةِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمَالِ أَيَّهمَا شَاءَ ؛ كَانَتْ الْكَفَالَةَ فَإِذَا شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَصِيلُ بَرِيئًا ؛ كَانَتْ الْحَوَالَةَ وَقَوْلُهُ : ضَمِنَتْ وَإِلَيَّ وَعَلَيَّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَفَلْت .
إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ كَانَتْ حَوَالَةً بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ .
وَلَوْ تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَادَ حَقُّ الطَّالِبِ إلَى الْمُحِيلِ وَلِلتَّوَى أَسْبَابٌ فَمِنْ ذَلِكَ : أَنْ يَجْحَدَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الطَّالِبِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهَذَا أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّوَى كَالدُّرَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْبَحْرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ : أَنْ يَمُوتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَيَتَحَقَّقُ بِهِ التَّوَى عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا يَعُودُ الْمَالُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا
اللَّهُ - يَقُولُ : بِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُبْرِئُ الْمُحِيلَ بَرَاءَةً مُطْلَقَةً فَلَا يَعُودُ الْمَالُ إلَيْهِ بِحَالٍ كَمَا لَوْ بَرِئَ بِالْإِبْرَاءِ .
( وَبَيَانُ الْوَصْفِ ) أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْمَالِ وَلَا بِشَيْءٍ يُشْبِهُهُ وَهَذَا مُوجَبُ الْبَرَاءَةِ الْمُطْلَقَةِ .
وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ ؛ لِأَنَّ مُعَاوَضَةَ الذِّمَّةِ بِالذِّمَّةِ وَالدَّيْنِ بِالدَّيْنِ بَاطِلَةٌ .
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عِوَضًا عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَمْ يَكُنْ تَعَذُّرُ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَبْنِيًّا عَلَى حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بَلْ بِالْحَوَالَةِ يَصِيرُ كَالْقَابِضِ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُقْرِضِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إسْقَاطُ الْمَالِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِيجَابُهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُعَاوَضَةً إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ أَوْ يَجْعَلُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَيَّنَ مَا كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ تَحَوَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ إلَى هَذَا الْمَحَلِّ حُكْمًا هُوَ قَضِيَّةُ لَفْظَةِ الْحَوَالَةِ وَفَوَاتُ الشَّيْءِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِعَوْدِهِ إلَى الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ بَلْ فَوَاتُهُ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ كَفَوَاتِهِ فِي الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ لَا غَيْرَ .
وَعِنْدَ الْحَوَالَةِ الْمُحْتَالُ لَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَ فَيَثْبُتَ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ فَيَكُونَ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ .
وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعُودُ إلَى الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ بَعْدَ ذَلِكَ قَطُّ كَالْغَاصِبِ الْأَوَّلِ مَعَ الثَّانِي إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَوَى عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ
وَالْمَوْلَى إذَا عَتَقَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَوَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ الضَّمَانِ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا فِي الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ يَمُوتُ مُفْلِسًا { قَالَ : يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَا تَوًى عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ } وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذِهِ بَرَاءَةٌ بِالنَّقْلِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ حَقَّهُ مِنْ الْمُحِيلِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ يَعُودُ حَقُّهُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي انْتَقَلَ حَقُّهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ شَيْئًا أَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ ( وَبَيَانُ الْوَصْفِ ) أَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، فَنَقَلَهُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ الَّذِي لَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى الْعَيْنِ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ هُنَاكَ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَكَذَلِكَ هُنَا وَكَمَا أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ مُحْتَمِلُ الْفَسْخِ فَهَذَا السَّبَبُ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْحَوَالَةِ انْفَسَخَتْ ( وَتَقْرِيرُهُ ) أَنَّ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ كَمَا كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ كَمَا قَالَهُ الْخَصْمُ وَلَا هُوَ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْإِقْرَاضِ كَمَا زَعَمَ هُوَ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بِالْمَالِ لَا بِالذِّمَّةِ وَالْحَوَالَةُ الْتِزَامٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِهِ قَابِضًا وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَدَلَ صَرْفٍ أَوْ سَلَمٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ مَعَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْمُحِيلِ وَيَبْطُلُ عَقْدُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ بِافْتِرَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَوْ صَارَ بِالْحَوَالَةِ قَابِضًا ثُمَّ مُقْرِضًا ؛ لَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ عَيْنَ
ذَلِكَ الْمَالِ تَحَوَّلَتْ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ حُكْمًا إذَا تُصُوِّرَ حَقِيقَةً .
وَلَيْسَ فِي الذِّمَّةِ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ فَلَمْ يَبْقَ الطَّرِيقُ فِيهِ إلَّا جَعْلُ الذِّمَّةِ الثَّانِيَةِ خَلَفًا عَنْ الذِّمَّةِ الْأُولَى فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهَا كَمَا فِي حَوَالَةِ الْفِرَاشِ ، الْمَكَانُ الثَّانِي يَكُونُ خَلَفًا عَنْ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ ، وَيَكُونُ الثَّابِتُ فِي الْمَكَانِ الثَّانِي عَيْنَ مَا كَانَ فِي الْمَكَانِ الْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ هَذَا ؛ فَنَقُولُ إنَّمَا رَضِيَ الطَّالِبُ بِهَذِهِ الْخِلَافَةِ عَلَى قَصْدِ التَّوَثُّقِ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ رِضَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ فِي مَالَهُ فِي الذِّمَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ انْعَدَمَ رِضَاهُ فَيَعُودُ الْمَالُ إلَى الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ كَمَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَيْنًا إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْمَحَلُّ الَّذِي هُوَ خَلَفٌ فِي يَدِ الْغَرِيمِ فَكَانَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِهِ وَهُنَا الْمَحَلُّ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَيْسَ فِي يَدِ الْغَرِيمِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ الطَّالِبِ أَيْضًا فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِحَقِّهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يَكُونُ التَّوَاءُ عَلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ مَعَ الثَّانِي وَالْمَوْلَى مَعَ الْعَبْدِ .
فَإِنَّ إحْدَى الذِّمَّتَيْنِ هُنَاكَ لَيْسَتْ بِخَلَفٍ عَنْ الْأُخْرَى وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ كَانَ مُخَيَّرًا ابْتِدَاءً .
وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْخِلَافَةِ كَانَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ .
فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَادَ الْحَقُّ إلَى الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ الْمَحَلِّ الثَّانِي حَقِيقَةً كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ إذَا أَبَقَ وَاخْتَارَ الطَّالِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ؛ عَادَ حَقُّهُ كَمَا كَانَ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ الذِّمَّةَ
تَتَعَيَّبُ بِالْإِفْلَاسِ .
أَمَّا عِنْدَهُمَا حُكْمًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ التَّفْلِيسَ وَالْحَجْرَ يَتَحَقَّقُ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ الذِّمَّةَ الْمُفْلِسَةَ مَعِيبَةٌ حَتَّى يَعُدُّونَ الْحَقَّ فِيهَا ثَاوِيًا .
وَكَمَا أَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّ مُوجِبٌ انْفِسَاخَ السَّبَبِ فَتَعَيُّبُهُ مُثْبِتٌ حَقَّ الْفَسْخِ كَمَا إذَا تَعَيَّبَ الْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ } فَقَدْ قَيَّدَ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ بِشَرْطِ مَلَاءِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِالِاتِّبَاعِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : الْإِفْلَاسُ لَا يَتَحَقَّقُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَقَدْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فَقِيرًا وَيُمْسِي غَنِيًّا ثُمَّ عَوْدُ الْمَالِ إلَى الْمُحِيلِ التَّوَى لَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِعَيْبِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ وَلَا تَصَوُّرَ لِلتَّوَى فِي الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِخُرُوجِ مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلِالْتِزَامِ وَبَعْدَ الْإِفْلَاسِ الذِّمَّةُ فِي صَلَاحِيَّتِهَا لِلِالْتِزَامِ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّوَى وَلَا الْعَيْبُ بِهَذَا السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُفْلِسًا ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِلِالْتِزَامِ فَيَثْبُتُ التَّوَى بِهَذَا الطَّرِيقِ حُكْمًا وَأَمَّا ذَاتُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَقَالَ الطَّالِبُ : لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَقَالَ الْمَطْلُوبُ : قَدْ تَرَكَ وَفَاءً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ وَلِأَنَّهُ بِالْحَوَالَةِ لَمْ يَدْخُلْ فِي مُلْكِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَهُوَ حَيٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا زَعَمَ الطَّالِبُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ