كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْقَدْرَ ، وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ ، وَالْمَوْزُونَاتِ ، كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ .

وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً ، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ اللَّآلِئَ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ اللَّآلِئِ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ ، وَكَذَلِكَ الدُّورُ فِي مَعْنَى الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ ، وَبِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي الْبَلْدَةِ ، وَبِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ .
وَكَثْرَتِهَا ؛ وَبِصَلَاحِ الْجِيرَانِ وَفَسَادِهِمْ ، وَبِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ الْمُوَكِّلِ بِمَا سَمَّى لَهُ ، قَالَ : وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ جَازَ ، وَبِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً ، وَإِنْ بَقِيَتْ جَهَالَةٌ فَهِيَ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ .
وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُونَ فِي دِيَارِنَا : لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَلَّةِ ؛ لِأَنَّ الدُّورَ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ تَتَفَاوَتُ فِي الْقِيمَةِ ، وَتُوجَدُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ الدَّارُ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ ، وَمَقْصُودُ الْآمِرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْمَحَلَّةِ .

قَالَ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ حُرًّا مُسْلِمًا ، وَأَبُوهُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا ارْتَدَّ عَنْ الذِّمَّةِ وَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ ، أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمْ عَلَيْهِ بِبَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَا خُصُومَةٍ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّصَرُّفِ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ ، وَمَلَكَ الْأَبُ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ وَلَدِهِ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ ، وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أُجِيزَ مَا مُنِعَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ تَثْبُتُ مَقْصُورَةً عَلَى الْحَالِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفِهِ سَبْقُ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ ، فَإِنْ أَسْلَمَ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَتَوَقَّفُ بَيْنَ أَنْ يَنْفُذَ بِالْإِسْلَامِ أَوْ يَبْطُلَ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ ، وَالْوَلَدُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ لِانْعِدَامِ عَقْلِهِ ، فَكَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ

قَالَ : وَإِذَا وَكَّلَ أَبُو الصَّبِيِّ وَكِيلًا بِبَيْعِ مَتَاعِ الصَّبِيِّ وَوَارِثُهُ الْأَبُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، إلَّا عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ : ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ ، وَقَدْ بَقِيَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ ، وَازْدَادَ بِتَقَرُّرِ مِلْكِ الْأَبِ فِي الْمَحَلِّ .
لَكِنَّا نَقُولُ : الْأَبُ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ كَانَ نَائِبًا عَنْ الصَّبِيِّ ، وَقَدْ انْتَهَتْ هَذِهِ النِّيَابَةُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَتَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْأَبَ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّبِيِّ ، وَرِضَاهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِزَوَالِ مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَإِذَا صَارَ الْمِلْكُ لَهُ بِالْإِرْثِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَمُتْ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْأَبَ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ ، وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ كَانَ بِاعْتِبَارِ رَأْيِ الْمُوَكِّلِ وَنَفَاذِ وِلَايَتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ عَقْلُ الْأَبِ أَوْ ارْتَدَّ ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ زَالَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ ، حَتَّى لَا يَمْلِكَ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ ، لَمْ يُعِدْ الْوَكَالَةَ بِمَنْزِلَةِ وَكَالَتِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ ، تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ بِإِسْلَامِهِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ ، وَكَذَلِكَ فِي تَوْكِيلِهِ بِالتَّصَرُّفِ لِوَلَدِهِ .

قَالَ : وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ ، أَوْ شِرَائِهِ ، أَوْ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا ، أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، أَوْ بِخُلْعٍ ، أَوْ بِمُكَاتَبَةٍ ، أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ ، فَفَعَلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ ، وَالتَّدْبِيرِ ، وَرِضَاهُ بِرَأْيِ الْمُسَمَّى لَا يَكُونُ إلَّا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ سَمَّى الْبَدَلَ أَوْ لَمْ يُسَمِّ ؛ لِأَنَّ بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ يُمْنَعُ النُّقْصَانُ ، وَلَا تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ ، وَلَوْ حَضَرَ وَلِيُّهُمَا جَمِيعًا رُبَّمَا يَزِيدَانِ فِي الْبَدَلِ فَيَنْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمَا مَالًا فَزَوَّجَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ طَلَّقَا امْرَأَتَهُ عَلَى دِرْهَمٍ ، أَوْ أَعْتَقَا الْعَبْدَ أَوْ كَاتَبَاهُ عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ يُعْمَلُ بِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى التَّقْيِيدِ ، وَهُوَ التُّهْمَةُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ ، لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ .

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدَيْنِ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَبَاعَ أَحَدَهُمَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَلْفِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فِي الْبَيْعِ إضْرَارٌ بِالْمُوَكِّلِ ، فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مُشْتَرِيًا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِمَا جُمْلَةً ، فَلَمَّا وَكَّلَهُ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا قُلْنَا كَانَ رَاضِيًا بِبَيْعِهِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ دَلَالَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ وَفِيهِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لِلْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِأَقَلَّ مِنْ حِصَّتِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَسَوَّى فِي الْكِتَابِ بَيْنَ النُّقْصَانِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا جَازَ ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا سَمَّى الثَّمَنَ بِمُقَابَلَتِهِمَا جُمْلَةً ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَزْرُ وَالظَّنُّ دُونَ الْيَقِينِ ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يُمْكِنُ التَّجَوُّزُ عَنْ النُّقْصَانِ الْيَسِيرِ ، فَجُعِلَ عَفْوًا .
كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لِلْوَكِيلِ فَبَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَازَ بَيْعُهُ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : تَنْصِيصُهُ عَلَى ثَمَنِهَا فِي الْوَكَالَةِ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ ، وَعِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى الثَّمَنِ إذَا نَقَصَ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ يَصِيرُ مُخَالِفًا سَوَاءٌ قَلَّ النُّقْصَانُ أَوْ كَثُرَ .
كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَّا دِرْهَمًا ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِسِتِّمِائَةٍ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَلْفِ ، أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، لَمْ يَجُزْ

عَلَى الْآمِرِ ، وَصَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَهَذَا وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَائِهِمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ .

وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ فَبَاعَ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ بَاعَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ بِمَا صَنَعَ ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَقْدَيْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْوَاحِدِ ، فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مُشْتَرِيًا يَشْتَرِيه جُمْلَةً ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيقِ الْعَقْدِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ ، فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ ، وَلَمْ يَبِعْ مَا بَقِيَ ، لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَجَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُمَا يَقُولَانِ : بَيْعُ النِّصْفِ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّلِ فِيمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ الْمِلْكُ ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ ، وَأَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْبَيْعِ لَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِتَعَيُّبِ مِلْكِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ قَدْ زَالَ الضَّرَرُ عَنْهُ وَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَيَجُوزُ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ ، وَالْمُوَكِّلُ مَالِكٌ لِبَيْعِ الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مَالِكٌ لِبَيْعِ الْكُلِّ ، فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجُزْءِ بَاطِلٌ وَاعْتِبَارَ الْكُلِّ صَحِيحٌ ، ثُمَّ فِي تَصَرُّفِهِ فِي هَذَا مَنْفَعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ النِّصْفَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا بَيَّنَّا .
فَإِذَا بَاعَ الْبَعْضَ بِهِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَبَقِيَ بَعْضُ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا ، فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كُلُّهُ عَلَى الْآمِرِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَانِبِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

يُفَرِّقُ فَيَقُولُ : الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَوْ اشْتَرَى بِالزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ لَا يَجُوزُ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَالتُّهْمَةُ تَتَمَكَّنُ فِي جَانِبِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، فَلَعَلَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ لِنَفْسِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَلَى الْآمِرِ ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ : أَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ ، فَأَمَّا فِي جَانِبِ الْبَيْعِ فَصِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ لِلْغَيْرِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْبَعْضِ وَالْكُلِّ .
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى النِّصْفَ تَوَقَّفَ شِرَاؤُهُ عَلَى رِضَا الْآمِرِ .
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ حَقَّا لَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَوَّلُ إلَى الْآمِرِ ، فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ حُصُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَهُ ، وَالْقَدْرُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنَّهُ مَعِيبٌ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ لَهُ ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِلْعَيْبِ ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَى الْعِتْقِ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ ، فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا رَدَّهُ يَصِيرُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ .
كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ، فَرَدَّهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ ، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِعَبْدٍ ، وَلَكِنَّهُ يُفْرَضُ أَنْ يَصِيرَ مُوَافِقًا بِشِرَاءِ مَا بَقِيَ ، فَقُبِلَ وُجُودُ هَذَا لِمُوَافَقَتِهِ ، وَكَانَ خِلَافُهُ ظَاهِرًا ، وَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، فَنَفَذَ عِتْقُهُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ

، إذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ يَتَقَرَّرُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ ، حَتَّى إنَّهُ وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ لَا يَصِيرُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَهُنَا لَوْ اشْتَرَى مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ غَرَضَهُ الْمُوَافَقَةُ هُنَاكَ ، بِاعْتِبَارِ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عَقْدُ الْوَكَالَةِ ، وَهُوَ حَطُّ الْأَلْفِ الزَّائِدِ ، فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا ، وَهُنَا غَرَضُهُ الْمُوَافَقَةُ بِاعْتِبَارِ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ ، وَهُوَ شِرَاءُ النِّصْفِ الْبَاقِي ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ ، وَأَحَدُهُمَا عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ، أَوْ صَبِيٌّ ، لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ ، حَتَّى ضَمَّ إلَيْهِ رَأْيَ الْآخَرِ ، وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا ، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ ، فَأَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِرَأْيِهِمَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَهُ جَازَ ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَهُ الْآخَرُ ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ .

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ خَادِمَةٍ لَهُ فَبَاعَهَا ، ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ الْبَائِعُ فِيهَا ، لَزِمَهُ الْمَالُ وَالْخَادِمُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ، فَهُوَ شِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ ، وَلِلْمُوَكِّلِ غَيْرُهُمَا فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِمَا حَقُّهُ ، كَأَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ عَيْبٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ ، وَلَوْ وَكَّلَ الصَّبِيَّ بِبَيْعِ خَادِمٍ فَبَاعَهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ لَهُ عِبَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا ، حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِتَوْكِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ بِذَلِكَ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ عِبَارَتِهِ بِتَمَحُّضِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ يَمْتَازُ الْآدَمِيُّ مِنْ الْبَهَائِمِ ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ مَعْنَى التَّجْرِبَةِ ، فَيَصِيرُ مُهْتَدِيًا إلَى التَّصَرُّفَاتِ ، عَالِمًا بِطُرُقِ التَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ الْغَبْنِ ، وَذَلِكَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ ، ثُمَّ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُ ضَرَرًا ، وَالصَّبِيُّ يُبْعَدُ عَنْ الْمَضَارِّ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَنْ انْتَفَعَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ ، وَهُوَ الْآمِرُ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ ، فَحِينَئِذٍ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَرُّفِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ ، وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ؛ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ؛ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مُلْزِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ

بِالْعِتْقِ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ لَيْسَ بِمُلْزَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ

وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا لَا يَعْقِلُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ ، فَرُكْنُ التَّصَرُّفِ : الْقَوْلُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ، وَلَكِنْ يُوقَفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ ، وَعِنْدَهُمَا الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ يُظْهِرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ لِنَفْسِهِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً .

وَلَوْ وَكَّلَ الصَّبِيَّ أَوْ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى فَاشْتَرَاهُ فَالثَّمَنُ لَازِمٌ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ مَا لَمْ يُعْتَقْ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ لَا يَمْلِكُ الْتِزَامَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَجَبَ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْمِلْكُ ، وَهُوَ الْآمِرُ ، وَصَارَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ بِالشِّرَاءِ ، فَيَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُرْسِلِ ، وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ لَزِمَهُمَا الثَّمَنُ ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْتِزَامَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِمَا بِتَصَرُّفِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا ، فَكَذَلِكَ لِلْغَيْرِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ .
وَأَوْرَدَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَقَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُمَا الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُمَا مُلْتَزِمَانِ الثَّمَنَ لِمَنْفَعَةٍ لِغَيْرِهِمَا ، فَكَانَ هَذَا مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ ، وَكَفَالَةُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَا تَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : هَذَا مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ ؛ لِأَنَّ التَّعَارُفَ بَيْنَ التُّجَّارِ فِي التَّصَرُّفَاتِ ظَاهِرٌ ، فَإِذَا لَمْ يَتَوَكَّلْ هُوَ عَنْ الْغَيْرِ لَا يَتَوَكَّلُ الْغَيْرُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ الْمَأْذُونِ مُنْفَكٌّ الْحَجْرُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ فِي يَدِهِ فَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْآمِرِ ، فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ ، يَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ مِنْهُ .

قَالَ : وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِابْنِهِ فِي التِّجَارَةِ ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ ، انْقَطَعَ إذْنُهُ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ بِرَأْيِ الْآذِنِ ، وَالْجُنُونُ الْمُطْبِقُ قَدْ قَطَعَ رَأْيَهُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ ، أَوْ عَتَاقٍ ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْجُنُونُ بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يَبْطُلْ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ قَدْ لَزِمَهُ فِي حَالِ عَقْلِهِ وَكَمَالِهِ ، فَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِهِ ، وَهُنَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَالِكًا لِلْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَبَطَلَ إذْنُهُ بِجُنُونِهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَتَقَوَّى رَأْيُهُ بِرَأْيِ وَلِيِّهِ ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ فِي حَقِّهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِجُنُونِ الْوَلِيِّ ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ .

وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُ الْوَكِيلِ وَاخْتَلَطَ ، ثُمَّ اشْتَرَى وَبَاعَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ الثَّمَنُ ، وَلَزِمَ الْآمِرَ ، أَمَّا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْآمِرِ ، فَرِوَايَتَانِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، قَالَ : يَنْفُذُ ؛ لِأَنَّ جُنُونَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَوْ اقْتَرَنَ بِالْوَكَالَةِ لَمَنَعَ صِحَّتَهَا ، وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا فَلَأَنْ يَمْنَعَ بَقَاءَهَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَقُولُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ فِي حَالِ كَمَالِ عَقْلِهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ مَعَ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ ، فَإِذَا ثَبَتَ نُفُوذُ التَّصَرُّفِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، قُلْنَا : الْعُهْدَةُ تَكُونُ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعُهْدَةِ وَقْتُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ ، لَا وَقْتُ التَّوْكِيلِ ، وَهُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ ، فَكَأَنَّ التَّوْكِيلَ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالِ .

وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ؛ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا ، فَاشْتَرَى لَهُ ، لَزِمَ الْوَكِيلَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِهِ ، صَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَسْبِقْ الْوَكَالَةُ ،

وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلَانِ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُمَا ، فَبَاعَ نِصْفَهُ ، وَقَالَ : هَذَا نِصْفُ فُلَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيْعِ النِّصْفَيْنِ ، وَالْوَكِيلُ مُعِيرٌ مَنَافِعَهُ لِلْمُوَكِّلِ ، فَيَمْلِكُ تَعْيِينَ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الْبَيْعِ أَيَّ النِّصْفَيْنِ يَبِيعُ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى النِّصْفَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْبَيْعِ ، فَلَيْسَ صَرْفُهُ إلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْآخَرِ ، فَيَشِيعُ فِي النِّصْفَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِذَا شَاعَ فِيهِمَا بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ لَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ النِّصْفِ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِ النِّصْفِ عِنْدَهُمَا ، كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ الْكُلِّ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ النِّصْفِ ، وَفِي ، قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ ، يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِهِ ، فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُ بَيْعِهِ هُنَا فِي نِصْفِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصِمُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ النِّصْفَ الْآخَرَ ؛ جَازَ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَلَا يُنْظَرُ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَعَ ذَلِكَ

وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ الْآمِرُ : أَمَرْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ قَالَ : أَمَرْتُكَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِحِنْطَةٍ ، أَوْ بِشَعِيرٍ ، أَوْ بَاعَهُ بِنَسِيئَةٍ ، فَقَالَ الْآمِرُ : أَمَرْتُكَ بِالْحَالِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِصِفَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَالنِّكَاحُ وَالْمُكَاتَبَةُ كُلُّهُ عَلَى هَذَا .
وَإِذَا قَالَ الْآمِرُ لِلْوَكِيلِ : قَدْ أَخْرَجْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : لَقَدْ بِعْتُهُ أَمْسِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَرَّ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ بَعْدَ مَا صَارَ مَعْزُولًا ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَيْضًا ، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ ، فَقَالَ الْآمِرُ : قَدْ أَخْرَجْتُكَ مِنْ الْوَكَالَةِ ، جَازَ الْبَيْعُ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِهِ حَالَ بَقَاءِ الْوَكَالَةِ ، لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَصَحَّ إقْرَارُهُ ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْعَزْلِ بَعْدَهُ ؛ وَإِذَا اتَّصَلَ التَّصْدِيقُ بِالْإِقْرَارِ كَانَ كَالْمَوْجُودِ يَوْمئِذٍ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ فَبَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ ، وَالْإِعْتَاقُ غَيْرُ الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ ، وَالْبَيْعُ نَاقِلٌ أَوْ مُوجِبٌ الْمِلْكَ لِلْغَيْرِ ؛ أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ الْوَكَالَةَ لِلْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْوَلَاءَ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ قَرِيبِ الْعَبْدِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ مُطْلَقٌ ، ثُمَّ الْعِتْقُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْقَرِيبِ بِالشِّرَاءِ ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ هُنَا قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ هُنَا وَلَاءٌ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ وَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى بَيْعِهِ ، فَبَاعَهُ ، وَلَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ، وَأَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ ، فَقَالَ - تَعَالَى - : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } ، ثُمَّ مَنْ بَاعَ ، وَلَمْ يُشْهِدْ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِرَهْنِ ثِقَةٍ بِنَسِيئَةٍ ، فَبَاعَهُ بِغَيْرِ رَهْنٍ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ ، وَإِلْصَاقُ الْبَيْعِ بِالرَّهْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّرْطِ ، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِبَيْعِ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ كَانَ مُخَالِفًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَفِيلٍ ثِقَةٍ ، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ ، لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُقَيَّدٍ ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ بَيْعٌ مُطْلَقٌ ، وَالْمُطْلَقُ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ ، وَفِي شِرَاءِ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ

مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لِلْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ التَّوَثُّقُ بِحَقِّهِ ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ ، وَمَنْ أَوْجَبَ لِغَيْرِهِ بَيْعًا بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْبَلَ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ : لَمْ يَأْمُرْنِي بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ ، فَبَاعَهُ مِنْهُ وَمِنْ آخَرَ ، جَازَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الَّذِي بَاعَهُ لِلْآخَرِ مُخَالِفٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ الْآخَرِ ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ الَّذِي سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِهَذَا جَازَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ ،

قَالَ : وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآمِرِ ؛ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ ، وَكُلٌّ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُوَكِّلِ ، كَاشْتِرَاطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَنَا ، خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، ثُمَّ لَا ضَرَرَ عَلَى الْآمِرِ فِي هَذَا الشَّرْطِ ، بَلْ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ ، وَالْوَكِيلُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِمَا يُرَادُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْآمِرِ ، وَإِذَا قَبِلَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ ، بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ بِخِيَارِ شَرْطٍ ، أَوْ رُؤْيَةٍ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ هُنَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ ؛ حَتَّى يَنْفَرِدَ بِهِ الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقَالَةِ ، فَكَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ مُعْتَمَدُهُ التَّرَاضِي ؛ فَيَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ .

وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ مِنْ أَبِي الْآمِرِ ، أَوْ ابْنِهِ ، أَوْ مُكَاتَبِهِ ، أَوْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الْمَدْيُونِ ، جَازَ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ ؛ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وُصْلَةٌ ، وَكَانَ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ هَؤُلَاءِ كَبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ، الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا ، فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ ؛ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ ؛ اعْتِبَارًا لِبَيْعِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ شَرْعِيٌّ ، فَيُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا ، وَلَا يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا ، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ، فَبَيْعُهُ الْكَسْبَ مِنْ هَؤُلَاءِ مُفِيدٌ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ

قَالَ : وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ بِعْتُهُ مِنْ هَذَا ، وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ ، وَهَلَكَ عِنْدِي ، وَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ - فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالْوَكِيلُ مُصَدَّقٌ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْبَيْعِ ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ ، وَقَدْ أُجْبِرَ بِمَا جُعِلَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ ؛ فِي حَالِ قِيَامِ التَّسْلِيطِ ، وَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي جَبْرِهِ ، وَهُوَ أَمِينٌ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ .
فَإِذَا أَخْبَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ قَدْ مَاتَ ، وَقَالَ وَرَثَتُهُ : لَمْ نَسْمَعْ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضْته ، وَهَلَكَ عِنْدِي ، وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ؛ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ، فَإِنَّهُ قَدْ يُعْزَلُ بِمَوْتِ الْآمِرِ ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي الظَّاهِرِ ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ الْوَارِثُ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ ؛ فَلَا قَوْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، بِخِلَافِهِ حَالَ حَيَاةِ الْآمِرِ ، وَلَكِنْ إنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فِي حَيَاةِ الْآمِرِ ؛ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ عَلَى الْعِلْمِ ، فَإِذَا أَخَذَتْ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ ؛ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي بِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ، فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا ؛ فَالْوَكِيلُ يُصَدَّقُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ : أَنَّهُ قَدْ انْعَزَلَ بِمَوْتِ الْآمِرِ ، وَإِنَّ بَدَلَهُ ، وَهُوَ الْقِيمَةُ ؛ صَارَ مِلْكًا لِلْوَارِثِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهِ الْعَبْدَ ، أَوْ بِاسْتِهْلَاكِهِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي إبْطَالِ مِلْكِهِمْ .
وَوَجْهُ

الِاسْتِحْسَانِ : أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَا يُخْبِرُ هُنَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ كَانَ أَمِينًا فِي هَذَا الْعَبْدِ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَقْبُولًا مَعَ يَمِينِهِ ، فِيمَا يَنْفِي الضَّمَانَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ قِيَامِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّهُ يُزِيلُ مِلْكًا ظَاهِرًا لِلْوَارِثِ فِي الْعَبْدِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمِينٍ فِي ذَلِكَ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِهَذَا .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ أَمَةٍ لَهُ ؛ فَبَاعَهَا الْمُوَكِّلُ ، أَوْ كَاتَبَهَا ، أَوْ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا ؛ فَذَلِكَ نَقْضٌ لِلْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالتَّسْلِيمِ ، فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ بِدُونِ الْمَحَلِّ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ، فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَحَلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلتَّصَرُّفِ ، كَمَا لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً .
وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الْمُوَكِّلُ ، أَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ تَلِدْ وَلَدًا مِنْهُ - فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ مَحَلٌّ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي وُكِّلَ الْوَكِيلُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا ، أَوْ رَهَنَهَا الْمُوَكِّلُ - فَإِنَّ الْوَكِيلَ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيهِمَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ مِنْ الْآمِرِ صَحِيحٌ بَعْدَ الرَّهْنِ ، وَالْإِجَارَةِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهَا بِنَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَهَا ؛ نَفَذَ فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا تُوقَفُ لِحَقِّ الْغَيْرِ ، حَتَّى إذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ ؛ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا نَافِذًا ، فَكَذَلِكَ تَوْكِيلُهُ بِبَيْعِهَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَيَبْقَى صَحِيحًا ، وَلَوْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ ، أَوْ الْآمِرُ ، ثُمَّ رُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ - فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهَا ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ ، فَعَادَتْ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، وَانْتِقَاضُ الْوَكَالَةِ كَانَ حُكْمًا لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا عَادَ مِلْكُهُ عَادَتْ الْوَكَالَةُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ، كَانَ لِلْبَائِعِ ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي ، أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ ، أَوْ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تَفْسَخُ الْعَقْدَ مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ

بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي - لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ كَالْعَقْدِ الْمُبْتَدَأِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَالْوَكِيلُ غَيْرُهُمَا ، فَكَانَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ كَانَ الْمُوَكِّلُ اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً ، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ سِوَى الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ ، إلَّا بِتَجْدِيدِ تَوْكِيلٍ مِنْ الْمَالِكِ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً - كَانَ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِهَذَا التَّصَرُّفِ ، بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُوَكِّلُ ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْمُوَكِّلُ بِهَذَا الْفِعْلِ عَنْ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ ، فَبَقَاءُ الْوَكَالَةِ أَوْلَى ، وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي ، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ ، وَيَأْخُذَ الْعَبْدَ ، وَيَتْبَعَ الْوَكِيلَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَيْسَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ ، نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بِقَطْعِ يَدِهِ ، قُلْنَا : هُوَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ، وَقَطْعُ الْيَدِ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ ، فَكَانَ هُوَ فِيهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَبَّلَهُ ، أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ - فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ الْقِيمَةَ ، وَيُعْطِيَهُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْوَكَالَةُ ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِ الْوَكِيلِ ، فَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ .

وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ هَذَا ، وَوَكَّلَ آخَرَ بِهِ أَيْضًا - فَأَيُّهُمَا بَاعَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، حِينَ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ وَحْدَهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهُنَا حُكْمُ الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ ، فَإِذَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ ؛ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ، فَإِنْ بَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ ، فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا ؛ كَانَ .
الْعَبْدُ لَهُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا حَصَلَ فِي حَالِ قِيَامِ الْوَكَالَةِ ، فَنَفَذَ وَصَارَ بَيْعُهُ كَبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ ، فَانْعَزَلَ بِهِ الْوَكِيلُ الثَّانِي ، وَإِنَّمَا بَاعَهُ بَعْدَمَا انْعَزَلَ ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا ؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي السَّبَبِ ، فَكَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَيُجْبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ، حَيْثُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ إلَّا نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ كُلَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ ، أَوْ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ ، أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ - فَهُوَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ فِيهِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ ، فَلَا يَظْهَرُ اعْتِبَارُ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ ؛ فَهُوَ لَهُ ؛ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِتَأَكُّدِ شِرَائِهِ ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ شِرَائِهِ ؛ وَلِأَنَّ بِالْآخَرِ حَاجَةً إلَى اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ ،

وَبِشِرَائِهِ مِنْ الْوَكِيلِ الْآخَرِ ، لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِسَبْقِ عَقْدِهِ ، فَإِنْ أَوْهَمَ لَبْسُهُ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ .

وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ، فَبَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ - فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلْآمِرِ حِصَّةُ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ ، إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ وَحْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ مَضْمُومًا إلَيْهِ عَبْدٌ آخَرُ ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بَيْعُهُ ، سَوَاءٌ قَلَّتْ حِصَّةُ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَوْ كَثُرَتْ ، وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجُوزُ ؛ إذَا كَانَ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ قِيمَتِهِ ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ وَحْدَهُ ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ بِعْ عَبْدِي هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَبَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي عَبْدِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ حِصَّةُ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْمُسَمَّى خَمْسَمِائَةٍ ، أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ بِتَصَرُّفِهِ ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَقْطُوعٌ عَلَى مِقْدَارِهِ بِيَقِينٍ ، وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْحَرَزُ وَالظَّنُّ ، فَكَانَ هَذَا غَيْرَ التَّصَرُّفِ الْمَأْمُورِ بِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ - جَازَ إذَا كَانَ حِصَّةُ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ ؛ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْآمِرِ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ حِصَّةُ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ الْمُوَكِّلَ ، حِينَ أَمَرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ قَالَ لَهُ : هُوَ يُقَوَّمُ عَلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، فَضَمَّ الْوَكِيلُ عَبْدًا آخَرَ مَعَهُ ، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، فَبَاعَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ - فَهُوَ جَائِزٌ وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٌ مَضْمُومَةٌ إلَيْهِ رِبْحًا ، فَكَانَ هُوَ مُسَمِّيًا بِمُقَابَلَةِ عَبْدِ الْآمِرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَزِيَادَةٍ ؛ فَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُهُ ، وَكَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .

وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ ، بَيْعًا فَاسِدًا ، فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي - فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ .
كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ بَيْعًا فَاسِدًا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ فِي الْمَبِيعِ ، هُوَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ ، وَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِلْفَسَادِ ، فَيَبْقَى مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ، وَالْوَكِيلُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ هُوَ بِالْخِلَافِ بِالْفَسَادِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ ، قَلَّمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا عَادَةً ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ لَا يَكُونُونَ كَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْبَيْعِ ، فَلَوْ قُلْنَا : يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْفَسَادِ ؛ لَتَحَرَّزَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَكَالَةِ ، وَفِيهِ قَطْعُ هَذَا الرِّفْقِ عَنْ النَّاسِ ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ ، وَالْفَاسِدُ مِنْ الْعَقْدِ ، مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ ، فَإِذَا كَانَ عَقْدُ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِيمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، فَيَقْبِضُ الْقِيمَةَ ، وَيَدْفَعُهَا إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِهَا ، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَالصَّحِيحِ جَمِيعًا ، وَإِنْ دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْآمِرِ ؛ بَرِئَ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ كَأَجْنَبِيٍّ ، فَقَبْضُهُ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُشْتَرِي ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ : الْوَكِيلُ يَعْمَلُ بِهِ فِي الْقَبْضِ ، فَلَيْسَ فِي قَبْضِهِ بِنَفْسِهِ تَفْوِيتُ شَيْءٍ عَلَى الْوَكِيلِ ، بَلْ فِيهِ إسْقَاطٌ فَوَّتَهُ بِالْقَبْضِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ ، تَوْضِيحُهُ ؛ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبْرِئْ الْمُشْتَرِيَ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ، وَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ قَبْضِهِ ؛ لِحَاجَتِنَا إلَى

إعَادَتِهِ فِي الْحَالِ ، فَإِنَّهُ لَوْ نَقَضَ قَبْضَ الْوَكِيلِ وَدَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ - لَكَانَ هَذَا اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ ، وَإِنْ كَتَبَ الْوَكِيلُ الصَّكَّ بِاسْمِ رَبِّ الْعَبْدِ ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ ، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَتْبَهُ الصَّكَّ بِاسْمِهِ ، إقْرَارٌ بِأَنَّ الثَّمَنَ مِلْكٌ لَهُ ، وَإِقْرَارُهُ بِذَلِكَ نَصًّا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْقَبْضِ حَقًّا لِلْوَكِيلِ ، وَلَا يَتَضَمَّنُ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ إيَّاهُ بِالْقَبْضِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ .

وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : بِعْ عَبْدَيَّ هَذَا وَهَذَا ، أَوْ بِعْ أَحَدَهُمَا ، فَأَيَّهمَا بَاعَ جَازَ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ ، فَإِيجَابُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَصْلُحُ ، فَكَذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : مَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ اللُّزُومُ بِنَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ ، لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ ، تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُّ الْعَبْدَيْنِ يَرُوجُ ، فَيُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا ؛ تَوْسِعَةً لِلْآمِرِ عَلَيْهِ ، وَتَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ نَفْسِهِ فِي الثَّمَنِ .

وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْمَوْلَى - بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ ، فَكَأَنَّهُ بِنَفْسِهِ بَاعَهُ ، ثُمَّ بِقَتْلِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَدْلِ زُطِّيٍّ ، فَبَاعَهُ ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، فَقَالَ الْآمِرُ : لَيْسَ هَذَا عَدْلِي - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِيهِ ، وَبَعْدَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَادَ أَمِينًا ، كَمَا كَانَ فَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْأَمَانَةِ قَوْلُهُ ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْهُ ثَوْبًا ، وَلَمْ يَبِعْ مَا سِوَاهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا ؛ إنْ كَانَ يَضُرُّ ذَلِكَ بِالْعَدْلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا بَاعَ نِصْفَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ .
أَوْ يُوزَنُ ، فَبَاعَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ ، - جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ ، فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ ، بِخِلَافِ الدَّارِ ، وَالْعَبْدِ عِنْدَهُمَا ، وَضَمَانُ الْوَكِيلِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ لِلْآمِرِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ فِي الثَّمَنِ لِلْوَكِيلِ ، فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي ؛ كَانَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ ، إذْ لَا حَقَّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَضَمَانُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ ؛ وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَقْبِضُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآمِرِ ، فَلَوْ صَحَّتْ كَفَالَتُهُ لِلْآمِرِ ؛ صَارَ ضَامِنًا ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ أَمِينًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ ضَامِنًا فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُنَافَاةٌ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ ، وَكُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ ، وَإِذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ ، أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ وَالْوَكِيلُ يَجْحَدُ ذَلِكَ ، ، فَقَدْ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ ، وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ، وَلَوْ عَايَنَاهُ ، قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ جَحَدَهُ ؛ كَانَ ضَامِنًا لَهُ .

وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَدْلِ زُطِّيٍّ لَهُ ، فَعَمَدَ الْوَكِيلُ إلَى الْعَدْلِ ، وَقَصَّرَهُ - فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا هَلَكَ عِنْدَ الْقَصَّارِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِلْقِصَارَةِ ، فَيَكُونُ بِهَذَا الدَّفْعِ مُخَالِفًا ضَامِنًا مَا هَلَكَ عِنْدَ الْقَصَّارِ ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى يَدِ الْوَكِيلِ ؛ بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ ، فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا هَلَكَ ، وَأُجْرَةُ الْقَصَّارِ تَكُونُ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ ، وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْقِصَارَةِ ؛ فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْوَكِيلِ ، بِاعْتِبَارِ الْأُجْرَةِ لِلْقِصَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ ، وَإِنَّمَا هِيَ إزَالَةُ الدَّرَنِ ، وَالْوَسَخِ عَنْ الثَّوْبِ ، فَإِنَّ اللَّوْنَ الْأَصْلِيَّ لِلْقُطْنِ إنَّمَا هُوَ الْبَيَاضُ ، وَيَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالْوَسَخِ ، فَإِذَا أُزِيلَتْ عِنْدَ الْقِصَارَةُ ؛ عَادَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بِاعْتِبَارِ الْقِصَارَةِ ؛ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ فَتَلَ الثِّيَابَ ، فَأَمَّا إذَا صَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ ، أَوْ زَعْفَرَانٍ ؛ فَهُوَ مُخَالِفٌ بِمَا صَبَغَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ ، لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ ، فَهُوَ كَمُودَعٍ ، أَوْ غَاصِبٍ صَبَغَ الثَّوْبَ ، فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ مِنْهُ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ وَالزَّعْفَرَانُ فِيهِ ، وَإِنْ شَاءَ ؛ بَاعَهُ الْوَكِيلُ ، وَضَارَبَ الْآمِرُ فِي الثَّمَنِ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ ، وَضَارَبَ الْوَكِيلُ ، بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ ، فَيُسَلِّمُ لِلْوَكِيلِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبَ الْأَصْلِ ، فَإِنَّ الصَّبْغَ تَبَعٌ ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ بِالثَّوْبِ ، وَقِيَامُ الْبَيْعِ يَكُونُ بِالْأَصْلِ ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ،

وَالصَّبْغُ مُسْتَهْلَكٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : السَّوَادُ نُقْصَانٌ فِي الثَّوْبِ لَا زِيَادَةُ ، فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَلَا يُعْطِيَ الْوَكِيلَ ، فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْآمِرِ ، وَعِنْدَهُمَا السَّوَادُ بِمَنْزِلَةِ الْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ ، وَقِيلَ : هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ، فَإِنَّ لُبْسَ السَّوَادِ ، لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَدَّهُ نُقْصَانًا فِي الثَّوْبِ ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي عَهْدِهِمَا فَقَالَا : زِيَادَةٌ وَقِيلَ : بَلْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثِّيَابِ : فَمِنْ الثِّيَابِ مَا يُنْقِصُ السَّوَادُ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ الثِّيَابِ مَا يَزِيدُ السَّوَادُ فِي قِيمَتِهِ ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَا قَالَا ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلَمَّا قُلِّدَ الْقَضَاءَ ، وَكُلِّفَ السَّوَادَ ؛ احْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةٍ فَرَجَعَ وَقَالَ : السَّوَادُ زِيَادَةٌ ، ثُمَّ الْوَكِيلُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي بَيْعِهِ ، لِأَنَّ مَا عَرَضَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ ، وَلَا يُخْرِجُ الْمَحَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلتَّصَرُّفِ .

وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ جِرَابَ هَرَوِيٍّ ؛ يَبِيعُهُ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَبِأَيِّ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ بَاعَهُ جَازَ ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَبَاعَهُ هُنَاكَ - ضَمِنَهُ اسْتِحْسَانًا ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ عَلَى الْآمِرِ ، وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي كَلَامِهِ ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْبَيْعُ بِالْكُوفَةِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَقْصُودِ لَا يَحْصُلُ ، خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : لَوْ لَمْ تَتَقَيَّدْ الْوَكَالَةُ بِالْكُوفَةِ ؛ كَانَتْ مُؤْنَةُ النَّقْلِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النَّقْلِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ ، فَرُبَّمَا تَبْلُغُ الْمُؤْنَةُ قِيمَةَ الْمَتَاعِ أَوْ تَزِيدُ ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ صَالِحٌ لِتَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِالْمِصْرِ كَانَ هُوَ بِالْإِخْرَاجِ مُخَالِفًا - فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَيَكُونُ ضَامِنًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا لَمْ يُخْرِجْ الْمَتَاعَ مَعَ نَفْسِهِ ، وَلَكِنْ بَاعَهُ بِالْبَصْرَةِ ، وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُونَ : بَيْعُهُ يَجُوزُ هُنَا ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ إنَّمَا يَجِبُ فِي مَوْضِعِ الْمَبِيعِ ، فَلَا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ ، وَالْأَصْلَحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ كَمَا ذَكَرْنَا ، فَكَانَ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ بِالْكُوفَةِ فَفِي أَيِّ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ بَاعَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهَذَا التَّقْيِيدِ سِعْرُ الْكُوفَةِ ، وَفِي أَيِّ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ بَاعَ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِسِعْرِ الْكُوفَةِ ، وَإِنْ حَمَلَهُ إلَى مِصْرٍ آخَرَ فَبَاعَهُ - لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَقْيِيدِ الْأَمْرِ بِالْكُوفَةِ نَصًّا .

وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَدْلُ زُطِّيٍّ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ أَيُّكُمَا بَاعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ أَوْ ، وَكَّلْتُ هَذَا أَوْ هَذَا بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا - فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِجَهَالَةِ مَنْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ - وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ فَيُحْمَلُ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ ، ثُمَّ قَدْ نَصَّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ هُنَا ، وَلَمْ يَنُصَّ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَوْكِيلِ الْوَاحِدِ بِبَيْعِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ، حَتَّى تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقِرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، وَجَهَالَةَ الْمُقَرِّ لَهُ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ : أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْفَصْلَيْنِ ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لِوَاحِدٍ بِعْ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ ، أَوْ بِعْ ذَا وَذَا - فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ سَوَاءٌ .

وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، وَيَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْآمِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَبَاعَهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ ، أَوْ بِخِيَارٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ ، فَدَفَعَهُ - فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ، وَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِعَقْدٍ هُوَ أَضُرُّ عَلَى الْآمِرِ : فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الرَّأْيُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ ، بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ ، أَوْ يُمْضِيَهُ ، وَقَدْ أَتَى بِعَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِيهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الرَّأْيِ لِلْآمِرِ ، فَكَانَ مُخَالِفًا كَالْغَاصِبِ ، وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ ، وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِي شَهْرًا ، فَبَاعَهُ ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ - جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِحْسَانًا ، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا : أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهُ ، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَكُونُ فِيهِ الرَّأْيُ إلَى الْآمِرِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ، وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فَكَانَ ضَامِنًا ، وَإِنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ ، لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَإِنَّمَا هَذَا وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُ ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا بَاعَ بَيْعًا جَائِزًا ؛ نَفَذَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ بَيْعًا فَاسِدًا ، فَبَاعَهُ بَيْعًا جَائِزًا ، كَانَ هَذَا اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ : أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَفِي الْقِيَاسِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ، وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْعَقْدِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، فَكَانَ كَالْمَأْمُورِ بِالْهِبَةِ إذَا بَاعَ ؛ أَوْ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ؛ أَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ ، يَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهُ ، فَكَانَ كَالْمَأْمُورِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْآمِرِ إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ .
وَوَجْهُ

الِاسْتِحْسَانِ : أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّصَرُّفِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ ، وَهُوَ خَيْرٌ لِلْآمِرِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ ، إذَا بَاعَ بِأَلْفَيْنِ ، وَبَيَانُهُ : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يُطْعِمَهُ الْحَرَامَ بِالتِّجَارَةِ ، وَهُوَ أَطْعَمَهُ الْحَلَال ، وَالتِّجَارَةُ مَشْرُوعَةٌ لِاكْتِسَابِ الْحَلَالِ بِهَا دُونَ الْحَرَامِ ، بِخِلَافِ الْمَضْمُونِ الْمَأْمُورِ بِالْهِبَةِ ، إذَا بَاعَ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمَأْمُورِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِيَارَ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِأَنْفَعَ لِلْآمِرِ بِهِ ، بَلْ هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ : لَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا ؛ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الِامْتِثَالَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، لَا بِصِفَةِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ .

وَفِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ ، فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ بِشُهُودٍ - لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ الْكُلَّ أَصْلًا ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَتِهِ بِإِثْبَاتِ الْحِلِّ لَهُ ؛ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : إنَّهُ لَا يَجُوزُ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ ، يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ ، وَمَا أَتَى بِهِ أَنْفَعُ لِلْمُوَكِّلِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ .

وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ ، فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ حَالَّةٍ ، فِي الْقِيَاسِ : لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، وَقَدْ أَتَى بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَالْأَصَحُّ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى جِنْسًا خِلَافَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْآمِرُ ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْمُسَمَّى يَكُونُ مُخَالِفًا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَنْفَعَ لِلْآمِرِ ، كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ ، لَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ .
وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ بِالنَّقْدِ ، فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ ، وَزَادَهُ خَيْرًا بِزِيَادَةٍ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى ، أَوْ فِي صِفَةِ الْحُلُولِ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ بِالنَّقْدِ ؛ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَقْصُودَهُ ، وَمَا سَمَّى لَهُ ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يُدْخِلَ فِي مِلْكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ أَلْفًا ، وَقَدْ أَدْخَلَ فِي مِلْكِهِ دُونَ ذَلِكَ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً ؛ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً شَهْرَيْنِ ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً شَهْرًا - لَمْ يَجُزْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا سَمَّى لَهُ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقَابَلَةَ زِيَادَةِ الْقَدْرِ بِالنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ ، إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ ذَلِكَ ، بَلْ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ مَا سَمَّى لَهُ الْآمِرُ ، فَإِذَا خَالَفَ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ ؛ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْطَقَةً فِيهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فِضَّةً ، فَقَالَ : بِعْهَا بِخَمْسِينَ ، فَبَاعَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَقْدًا - فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ

أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، وَقَدْ أَتَى بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : بِعْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا نَسِيئَةً ، فَبَاعَهَا بِخَمْسِينَ نَقْدًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ جِرَابَ هَرَوِيٍّ فَقَالَ : بِعْهُ نَسِيئَةً أَوْ نَقْدًا ، فَمَا بَاعَهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ ، أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ ، أَوْ يُوزَنُ - فَهُوَ جَائِزٌ ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يُشْكِلُ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا ؛ فَلِأَنَّهُ وَسَّعَ الْآمِرُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : بِعْهُ نَسِيئَةً ، أَوْ نَقْدًا ، فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا ، وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ؛ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ إلَى الْحَصَادِ ، وَالدِّيَاسِ ، أَوْ إلَى الْعَطَاءِ ، أَوْ إلَى النَّيْرُوزِ - فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِجَهَالَةِ هَذِهِ الْآجَالِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ .
كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي : أَنَا أُعَجِّلُ الْمَالَ ، وَأَدَعُ الْأَجَلَ ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ حَذْفُ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهِيَ زُفَرِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْبُيُوعِ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَعَامٍ فَقَالَ : بِعْهُ كُلُّ كُرٍّ بِخَمْسِينَ ، فَبَاعَهُ كُلَّهُ ، فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ كُلٍّ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُضَافُ إلَيْهِ ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى الطَّعَامِ ، فَيَجْمَعُ كُلَّ كُرٍّ مِنْهُ ، وَإِنْ قَالَ : بِعْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ الْكُرَّ ، فَقَالَ فُلَانٌ : بِعْتُ الْكُرَّ بِأَرْبَعِينَ ، فَبَاعَ الْوَكِيلُ بِأَرْبَعِينَ ، ثُمَّ وَجَدَ فُلَانًا بَاعَهُ بِخَمْسِينَ ، فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ ؛ وَأَنَّ فُلَانًا أَخْبَرَ بِالْبَاطِلِ ، وَالْمُخْبَرُ بِهِ إذَا كَانَ كَذِبًا ؛ فَبِالْإِخْبَارِ بِهِ لَا يَصِيرُ صِدْقًا ، وَجَهْلُ الْوَكِيلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُوَكِّلِ ، وَلَا يَجْعَلُ الْوَكِيلَ مُوَافِقًا ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ بَاعَ كُرًّا بِخَمْسِينَ ، فَبَاعَ هَذَا كُرَّارَهُ بِخَمْسِينَ خَمْسِينَ ، ثُمَّ بَاعَ فُلَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتِّينَ - فَهُوَ جَائِزٌ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ، بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فِي الْمَاضِي ، لَا بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَقَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ بَاعَ كُرًّا بِأَرْبَعِينَ ، وَكُرًّا بِخَمْسِينَ ، فَبَاعَ الْوَكِيلُ طَعَامَهُ كُلَّ كُرٍّ بِأَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ يَعْتَمِدُ رِضَا الْمُوَكِّلِ ، وَفِي رِضَاهُ بِأَرْبَعِينَ شَكٌّ وَلَمَّا كَانَ فُلَانٌ بَاعَ تَارَةً بِخَمْسِينَ ، وَتَارَةً بِأَرْبَعِينَ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْآمِرِ بِهَذَا : بِعْ عَلَى مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ لَا أَدْنَاهُ ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ ، وَاسْتَحْسَنَ فَقَالَ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ مَا سَمَّى لَهُ ، فَإِنَّهُ سَمَّى لَهُ الْبَيْعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ ، وَإِذَا كَانَ قَدْ بَاعَهُ بِأَرْبَعِينَ ؛ فَهَذَا قَدْ بَاعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَنْصُوصَاتِ يُعْتَبَرُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لَا نِهَايَتُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ صِفَةَ الْجَوْدَة فِي الْمَبِيعِ يَعْتَبِرُ أَدْنَى

الْجُودَةِ لَا أَعْلَاهَا ، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُنْفِذْ بَيْعَهُ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَجْعَلَ الْوَكِيلَ ضَامِنًا ، وَبِالشَّكِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ، فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ - فَهُوَ لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ عَزْلَ نَفْسِهِ فِيمَا يُوَافِقُ أَمْرَ الْآمِرِ ، وَعَزْلُهُ يَكُونُ بِالْخِلَافِ ، لَا بِالْمُوَافَقَةِ ، فَلَا يَعْمَلُ قَصْدُهُ هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشِرَائِهِ ، فَاشْتَرَاهُ - فَهُوَ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْهُ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِغَيْرِهِ .

وَإِذَا وَجَدَ الْوَكِيلُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا ؛ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ مُسْتَبِدٌّ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ غَيْرُ مُنْتَهِيَةٍ ، فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهِ بِيَدِهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْمَارِ الْآمِرِ ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي عَيْبِهِ ، إلَّا بِأَمْرِ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْآمِرِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ إلَّا بِإِبْطَالِ يَدِهِ ، وَالْيَدُ حَقِيقَةٌ فِيهِ لِلْآمِرِ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إبْطَالِ يَدِهِ إلَّا بِرِضَاهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ : أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي هَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا بَعْدَ مَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَإِنَّهُ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ مَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ .

وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِصِنْفِ الْمَكِيلِ ، أَوْ الْمَوْزُونِ ، فَاشْتَرَاهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الصِّنْفِ - لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَ الْآمِرِ ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ تَحْصِيلُ الْعَبْدِ لَهُ بِهَذَا الصِّنْفِ الَّذِي سَمَّاهُ ، فَإِذَا لَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَهُ ؛ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْآمِرِ إلَّا بِدَرَاهِمَ ، أَوْ بِدَنَانِيرَ ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ إطْلَاقِ الْوَكَالَةِ فِي الْعِوَضِ ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ، وَهَذَا الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْضَهُ بِعَيْنِهَا تِبْرًا وَإِنَاءٍ مَصُوغٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ بِمَوْزُونٍ أَوْ عَرَضٍ ، لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ ، لَمَّا قُيِّدَ بِالشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ - صَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالتِّبْرُ وَالْمَصُوغُ لَيْسَا بِنَقْدٍ فَكَانَ فِيمَا صَنَعَ مُخَالِفًا أَمْرَهُ ؛ فَلِهَذَا صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْآمِرِ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى ، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ ، فَاشْتَرَاهُ - لَزِمَ الْآمِرَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ وَكِيلِهِ بِالشِّرَاءِ ، وَمَا رَضِيَ بِتَوْكِيلِهِ فَهُوَ فِي التَّوْكِيلِ مُخَالِفٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الثَّمَنَ لَهُ ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الثَّمَنِ تَمْنَعُ الزِّيَادَةَ دُونَ النُّقْصَانِ ، وَإِذَا صَارَ مُخَالِفًا ؛ نَفَذَ شِرَاءُ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُخَالِفًا فِيهِ ، فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَحْضَرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ ؛ لَزِمَ الْآمِرَ الْأَوَّلَ ، لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ ، فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْعَقْدَ ، وَفِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .

وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ : أَمَرْتَنِي أَنْ أَشْتَرِيَهُ لَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْآمِرُ : أَمَرْتُك بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ ؛ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ كُلِّ إنْسَانٍ يَكُونُ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ ، فَكَانَ الْآمِرُ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ؛ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ ، لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ ، وَيُثْبِتُ خِلَافَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ وُقُوعُ الْمِلْكِ بِشِرَائِهِ لِلْآمِرِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْآمِرُ لِلْوَكِيلِ : أَمَرْتُكَ بِغَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ ، وَقَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِعَبْدِكَ هَذَا ، فَاشْتَرَاهُ جَازَ لِلْآمِرِ ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِعَبْدِ الْوَكِيلِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لَهُ عَبْدًا ، وَاسْتِقْرَاضُ الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَإِذَا تَمَّ ؛ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا صَحَّ التَّوْكِيلُ هُنَا ، وَاشْتَرَى بِعَبْدِهِ - وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ إلَيْهِ ، وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُهُ ، وَمِثْلُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ ، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ لَهُ بِعِوَضٍ يَلْتَزِمُهُ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ - كَانَ صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لَهُ بِعِوَضٍ يَلْتَزِمُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ .

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ يَتَرَادَّانِ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ السِّلْعَةَ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ بِعِوَضٍ يَسْتَوْجِبُهُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ ، وَالْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ ؛ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ ، أَوْ يَتَرَادَّانِ } .
ثُمَّ حَاصِلُ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ : هُنَا مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا - مَا بَيَّنَّا ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّخَالُفِ وَالثَّانِي - أَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ مُخْبِرٌ بِمَا يُجْعَلُ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ ، وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ مَالَ إلَى هَذَا الْجَانِبِ ، وَرَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا قَالَ الْوَكِيلُ ، فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي يَمِينِ الْأَمِينِ ، فَإِذَا حَلَفَ ؛ أَخَذَهُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى الْآخَرِ ، وَلَمْ يَرْضَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا قَالَ الْوَكِيلُ ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ ، وَاَلَّذِي يُبْتَدَأُ بِهِ فِي الْيَمِينِ الْآمِرُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي ، فَكَمَا أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْآمِرِ ، وَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَبَعْدَ مَا تَحَالَفَا ، فَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَى يَلْزَمُ الْوَكِيلَ ؛ لِانْفِسَاخِ السَّبَبِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ .

قَالَ : وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً يَتَّخِذُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَيَطَؤُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَى لَهُ أَمَةً رَتْقَاءَ لَا تُوطَأُ ، أَوْ مَجُوسِيَّةً ، أَوْ أَمَةً لَهَا زَوْجٌ - لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَقْصُودِهِ عِنْدَ التَّوْكِيلِ بِمَحَلٍّ صَالِحٍ لِمَا صَرَّحَ بِهِ ، وَهَذَا الْمَحَلُّ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ ، وَكَانَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَفَهُ بِصِفَةٍ ، فَاشْتَرَاهُ بِصِفَةٍ تُخَالِفُ تِلْكَ الصِّفَةِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ ، فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ .

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ ، وَقَبَضَهُ وَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَهُ فَأَبَى الْوَكِيلُ ، أَنْ يُعْطِيَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ - فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عِنْدَنَا ، سَوَاءٌ نَقَدَ الْوَكِيلَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ مَعْرُوفَةٌ فِي الْبُيُوعِ بِفُرُوعِهَا ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافِ ، إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْمَنْعِ ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ هُنَا فَقَالَ : عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ كَالْمَرْهُونِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَكُونُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ ، كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ لَبَائِعٌ مَعَ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ ، قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ - مَاتَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِلْآمِرِ ، فَيَصِيرُ الْآمِرُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ قَابِضًا حُكْمًا مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ ، وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِيَدِهِ ؛ أَوْ لِأَنَّ بِالْمَنْعِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَبْضِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لَا لِلْآمِرِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَخَّرَ الْمَالَ عَنْ الْمُشْتَرِي ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْآمِرِ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْآمِرِ مِثْلَ مَا وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ بِصِفَتِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي ، فَإِنَّ الْأَجَلَ الثَّابِتَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ، لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ سِوَى عَقْدِ الْمُشْتَرِي ،

وَالْأَجَلُ الْمَذْكُورُ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ آخَرَ ، وَهُنَا الْمُوَكِّلُ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ ، وَالْأَجَلُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا ،

وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعٌ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْوَكِيلِ ؛ ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْآمِرِ ؛ لِأَنَّ حَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَيَخْرُجُ قَدْرُ الْمَحْطُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِلْوَكِيلِ ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْكُلِّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، إذْ لَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ؛ فَسَدَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَيْعًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ ، وَهُوَ فَاسِدٌ ، فَكَانَ ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ ، وَإِبْرَاءُ الْوَكِيلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ بِالشِّرَاءِ لَا بِالْوَلَاءِ ، بِخِلَافِ الْكَفِيلِ إذَا بَرِئَ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ بِالْأَدَاءِ ، أَوْ بِمِلْكِهِ مَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةٍ ، ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ الْمِائَةَ عَنْ الْمُشْتَرِي - كَانَ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ مُخَالِفٌ فَوَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ ، ثُمَّ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْآمِرِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِتَجْدِيدِ سَبَبٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ ، فَإِنَّ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَاكَ ، وَإِنْ اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ ؛ كَانَ الْعَبْدُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الشِّرَاءِ مُخَالِفٌ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : هُنَاكَ عَرَضَتْ الْمُوَافَقَةُ بِفِعْلٍ - يَكُونُ مِنْ الْوَكِيلِ فِيمَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ - قَائِمٍ فَمَنَعَ تَحَقُّقَ الْخِلَافِ ، وَهُنَا عَرَضَتْ الْمُوَافَقَةُ بِفِعْلٍ - يُحْدِثُهُ الْوَكِيلُ فِيمَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ - غَيْرِ مَوْجُودٍ ، فَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ بِنَفْسِهِ .

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا ، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِفُلَانٍ ، فَقَالَ فُلَانٌ : قَدْ رَضِيتُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ ، حِينَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ، وَرِضَا الْغَيْرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي عَقْدٍ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَهَذَا الْعَقْدُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ ، فَرِضَاهُ فِيهِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَإِنْ سَلَّمَهُ لَهُ ، وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ مُسْتَقْبَلٍ مِنْهُمَا ، فَإِنَّ الْبَيْعَ بِالتَّعَاطِي يَنْعَقِدُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمَامُ الرِّضَا ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى : { : إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ .

وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ فَبَعَثَ بِهَا لِلْآمِرِ فَاسْتَوْلَدَهَا ، ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ : اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ ، قَالَ : هَذِهِ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَمَرْتَنِي فَاشْتَرَيْتُهَا لَكَ ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَنَّ ثَمَنَهَا أَلْفَانِ ، وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، صَارَ مُقِرًّا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْآمِرِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ ، إذَا اشْتَرَاهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّى الْآمِرُ لَهُ ، فَكَانَ هُوَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مُنَاقِضًا ، وَالْمُنَاقِضُ لَا دَعْوَى لَهُ ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ : اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي ، وَإِنَّمَا بَعَثْتُهَا إلَيْهِ وَدِيعَةً ، أَوْ لِيَنْظُرَ أَنَّهَا تُعْجِبُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهَا لَهُ بِهِ أَوْ لَا فَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَعَقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ مَغْرُورٌ فِيهَا : فَإِنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً ؛ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَاهَا لَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ كَانَ مَغْرُورًا .

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ كُرَّ حِنْطَةٍ مِنْ الْفُرَاتِ ، فَاشْتَرَاهَا ، وَاسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِحَمْلِهِ عَلَيْهِ - لَمْ يَكُنْ الْكِرَاءُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكِرَاءِ بِعَقْدٍ آخَرَ سِوَى الْعَقْدِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِي حَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ فَاشْتَرَاهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ بِكِرَاءٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ ، فَكَذَلِكَ هَذَا ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِالْكِرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَمْلِهِ دَلَالَةً ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْفُرَاتِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْرُكَهُ هُنَاكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ ، فَإِنَّ الْحِنْطَةَ تُحْمَلُ فِي السُّفُنِ إلَى بَغْدَادَ ، فَتُشْتَرَى ثَمَّةَ ، وَتُنْقَلُ إلَى الْمَنَازِلِ ؛ إذْ لَا يَبْقَى هُنَاكَ بِاللَّيْلِ أَحَدٌ يَحْفَظُهَا ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَانُوتٌ تُحْفَظُ فِيهِ ، فَلَمَّا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذَا ؛ صَارَ الْآمِرُ آمِرًا لَهُ بِالنَّقْلِ دَلَالَةً ، وَالنَّقْلُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْكِرَاءِ ، وَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِهَذَا الِاسْتِئْجَارِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْوَكِيلَ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا النَّقْلِ ، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ هُنَاكَ يَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا النَّقْلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ السُّوقِ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى نَقْلِهِ ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّرْكِ فِي حَانُوتِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُرَّ بِدِرْهَمٍ ، فَاسْتَأْجَرَ لَهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ صَارَ مُخَالِفًا لَهُ ، فَكَانَ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ ، فَحَمْلُهُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ كَحَمْلِهِ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدِرْهَمٍ ؛ جَازَ عَلَى الْآمِرِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكِرَاءَ ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ

الطَّعَامِ ، وَإِنَّمَا يُحْبَسُ الطَّعَامُ بِبَدَلِهِ ، وَبَدَلُ الْكِرَاءِ هُنَا مَنْفَعَةُ الدَّابَّةِ فِي الْحَمْلِ ، وَقَدْ تَلَاشَتْ وَلَيْسَ لِلْحَمْلِ أَثَرٌ قَائِمٌ فِي الْمَحْمُولِ ، فَلَا يُحْبَسُ الْمَحْمُولُ بِهِ ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ ، فَإِنَّ أَثَرَ فِعْلِ الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ .

وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ طَعَامًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ ، فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ نَسِيئَةً - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا أَنَّهُ : إنَّمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلْآمِرِ بِالنَّسِيئَةِ ، إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ لَا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ ؛ وَبَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ ، ثُمَّ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَكِيلِ كَحَالِ الْوَكِيلِ مَعَ الْبَائِعِ ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا ، فَلِلْآمِرِ ذَلِكَ أَيْضًا ، فَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ فَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ - لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأَجَلِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِبَقَائِهِ ؛ أَوْ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ، صَارَ كَالْمُسْتَحَقِّ فِي تَرِكَتِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْآمِرِ مَا بَقِيَ حَيًّا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إلَى أَجَلٍ ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُدْهَا ، حَتَّى دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى الْآمِرِ ، وَأَنْفَقَ الدَّنَانِيرَ فِي حَاجَتِهِ ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ غَيْرَهَا - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ فِي الشِّرَاءِ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ، وَهِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الشِّرَاءِ بِالتَّعْيِينِ ، فَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْآمِرِ ، وَقَدْ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ ، وَلِلْوَكِيلِ فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ ، فَالْوَكِيلُ حِينَ أَنْفَقَ دَنَانِيرَ الْآمِرِ فِي حَاجَتِهِ ، صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَ نَفْسِهِ فَبَقِيَ دَيْنُ الْآمِرِ عَلَيْهِ

يَغْرَمُهُ فِي مَالِهِ ، وَإِنْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا ، ثُمَّ نَقَدَهَا - فَالطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالشِّرَاءِ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِغَيْرِهَا ؛ صَارَ مُخَالِفًا فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ نَقَدَ دَنَانِيرَ الْآمِرِ فِي قَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ ، فَصَارَ ضَامِنًا لَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : الشِّرَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ، فَشِرَاءُ الْوَكِيلِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا سَوَاءٌ قُلْنَا : لَا نَقُولُ يَتَعَلَّقُ الشِّرَاءُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ، وَإِنَّمَا تَتَقَيَّدُ الْوَكَالَةُ بِمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْمَالُ الْمُضَافُ إلَيْهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهِ ، بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، وَإِذَا تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ؛ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ بِغَيْرِهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَكَالَةِ ، عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ بَطَلَ بِتَعَلُّقِ الدَّنَانِيرِ الْمُضَافَةِ إلَيْهَا نَوْعَ تَعَلُّقٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ ، وَنَقَدَهَا - لَمْ يَطْلُبْ لَهُ الْفَضْلَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِهَا وَنَقَدَهَا ، وَإِنْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ ، وَهُوَ يَنْوِي الشِّرَاءَ بِهَا ، لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ عَيْنٌ ؛ وَصِفَةُ الْعَيْنِيَّةِ تُنَافِي الْأَجَلَ ، فَبَيْنَ شِرَائِهِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ ، وَبَيْنَ شِرَائِهِ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ مُنَافَاةٌ بَيِّنَةٌ ، فَبَيْنَهُ مُخَالَفَةٌ ؛ لِمَا صَرَّحَ بِهِ ، وَدَعْوَاهُ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ غَيْرِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ .
سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى طَعَامًا بِمَالٍ ، فَنَوَى الشِّرَاءَ بِتِلْكَ - فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ مَا صَرَّحَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا ، فَإِنَّ إضَافَةَ الثَّمَنِ إلَى ذِمَّتِهِ ، وَإِلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ سَوَاءٌ ، وَكَانَ تَعْيِينُ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فِي قَلْبِهِ كَتَعَيُّنِهَا بِإِشَارَتِهِ فِي

الْعَقْدِ إلَيْهَا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا : بِأَنْ يَجِدَ مَا يُوَافِقُ الْآمِرَ فِي السُّوقِ ، وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ مَعَهُ ، فَلَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ ؛ لِيَحْضُرَهَا فَاتَهُ ، فَلِهَذَا جَوَّزْنَا شِرَاءَهُ لِلْآمِرِ بِمُطْلَقِ الدَّنَانِيرِ ، وَإِنْ نَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ نَصًّا .

وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا ، وَسَمَّى جِنْسَهُ وَثَمَنَهُ وَوَكَّلَهُ آخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ؛ وَقَالَ : نَوَيْتُهُ لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ : قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا فِي ضَمِيرِهِ ، لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ ، فَيُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ أَمِينٌ مُسَلَّطٌ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدَيْهِ ؛ مَاتَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ لَهُ يَصِيرُ مَنْ وَقَعَ لَهُ الشِّرَاءُ قَابِضًا ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نِصْفَ عَبْدٍ مَعْرُوفٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى ، وَوَكَّلَهُ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نِصْفَ عَبْدٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ نِصْفَهُ ، وَقَالَ : نَوَيْتُ أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ وَكَالَةَ الثَّانِي صَحِيحَةٌ ، وَصَارَ هُوَ مَالِكًا شِرَاءَ النِّصْفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِي تَعْيِينِ مَنْ الْمُشْتَرَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَمَّى لَهُ ثَمَنًا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّى الْآخَرُ ، فَاشْتَرَى أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ ، وَقَالَ : نَوَيْتُهُ لِفُلَانٍ الْآخَرِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ مَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ ، فَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِثَمَنٍ غَيْرِ الثَّمَنِ الَّذِي نَوَاهُ لَهُ بِالشِّرَاءِ ، وَلَا يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِهَذَا الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ لَهُ وَفِيمَا لَيْسَ بِعَيْنٍ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَنْقُدَ دَرَاهِمَهُ .

قَالَ : وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ : نَعَمْ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ، وَوَطِئَهَا ، فَحَبِلَتْ مِنْهُ - فَإِنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ ، وَتَكُونُ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا لِلْآمِرِ ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ ، فَإِنَّ نِيَّتَهُ لِنَفْسِهِ لَغْوٌ فِي الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ ، إلَّا أَنَّهَا فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا : أَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي ، وَوَطْءُ الْبَائِعِ لِلْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ الْغُرُورُ بِهَذَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لِغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ مَعَ وَلَدِهَا لِلْآمِرِ ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ .

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً ، وَسَمَّى جِنْسَهَا ، فَاشْتَرَى أَمَةً وَأَرْسَلَ إلَيْهِ بِهَا ، فَاسْتَوْلَدَهَا الْآمِرُ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ : مَا اشْتَرَيْتُهَا لَكَ ، فَإِنْ كَانَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ قَالَ : اشْتَرَيْتُهَا لَكَ أَوْ قَالَ : هِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَمَرْتَنِي بِأَنْ أَشْتَرِيَهَا لَكِ لَمْ يُسْمَعْ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْإِشْهَادِ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ؛ لِكَوْنِهِ مُنَاقَضًا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَيَأْخُذُهَا وَعَقْرَهَا ، وَقِيمَةَ وَلَدِهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ .

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارَ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَى صَحْرَاءَ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحَائِطُ ، مَبْنِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَبْنِيٍّ ؛ وَالْعَرَبُ يُطْلِقُونَ اسْمَ الدَّارِ عَلَى الصَّحْرَاءِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا أَثَرٌ ، قَالَ الْقَائِلُ : يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ وَقَالَ الْآخَرُ : عَفَتْ الدِّيَارُ مَحِلُّهَا فَمُقَامُهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بَيْتًا ، فَاشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِنَاءٌ - لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ ، وَذَلِكَ فِي الْمَبْنِيِّ خَاصَّةً ، ثُمَّ الْإِنْسَانُ قَدْ يَشْتَرِي الدَّارَ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ ؛ لِيَبْنِيَهَا عَلَى مُرَادِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ لِمَقْصُودِ الْآمِرِ ، بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَخَلُّقِ بِنَائِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِ الْمَبْنِيِّ ، فَإِذَا صَحَّ شِرَاءُ الدَّارِ لِلْآمِرِ ، وَهَلَكَ الْمَالُ عِنْدَ الْوَكِيلِ فَقَالَ الْآمِرُ : هَلَكَ قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : هَلَكَ بَعْدَ مَا اشْتَرَيْتُهَا - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ لِإِنْكَارِهِ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ أَصْلًا ؛ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَهُوَ الشِّرَاءُ بِهِ قَبْلَ الْهَلَاكِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَهْلَكْ وَنَقَدَهُ الْبَائِعُ فَاسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لَهُ فِيمَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ وَنَقَدَ وَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ - رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ بِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ ،

وَلَوْ لَمْ يُسْتَحَقَّ ، وَلَكِنْ جَحَدَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ قَبْضَ الثَّمَنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، فَإِذَا حَلَفَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ مِنْ الْآمِرِ ، وَنَقَدَهُ الْبَائِعُ ، ثُمَّ ظَلَمَهُ الْبَائِعُ بِتَغْرِيمِهِ الثَّمَنَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ الْآمِرَ إنْ ظَلَمَهُ غَيْرُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ الْبَائِعُ ، حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ فَأَخَذَهُ مِنْ الْآمِرِ ثَانِيَةً فَهَلَكَ عِنْدَهُ ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْآمِرِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ الشِّرَاءِ صَارَ بِهِ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَ نَفْسِهِ ، فَدَخَلَ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ وَكَانَ هَلَاكُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، فَإِنَّهُ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَى الْآمِرِ شَيْئًا بَعْدُ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْقَبْضِ عَامِلًا لِلْآمِرِ لَا لِنَفْسِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُضَارَبَةِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِهِ

: قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سَيْفًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى ، فَاشْتَرَى نَصْلًا ، أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى - كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ لِلنَّصْلِ حَقِيقَةً ، وَشِرَاؤُهُ مُعْتَادٌ ، فَقَدْ يَشْتَرِي الْمَرْءُ نَصْلًا لِيَرْكَبَ عَلَيْهِ الْحَمَايِلُ عَلَى مُرَادِهِ .

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا يَهُودِيًّا ؛ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا ، فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبًا لَا يَكْفِيهِ - لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ مَقْصُودَهُ ، فَتَقَيَّدَتْ الْوَكَالَةُ بِثَوْبٍ يَصْلُحُ لِمَقْصُودِهِ .

وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَابَّةً يُسَافِرُ عَلَيْهَا ، وَيَرْكَبُهَا ، فَاشْتَرَاهَا مَقْطُوعَةَ الْيَدِ ، أَوْ عَمْيَاءَ ، أَوْ مُهْرًا لَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَمَّا قَيَّدَ الْآمِرُ التَّوْكِيلَ بِهِ .

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَى أَكْثَرَ بِهِ - لَزِمَ الْآمِرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْبَاقِي لِلْمَأْمُورِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ قَدْرٍ مُسَمًّى ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، لَمْ يَتَنَاوَلْهُ أَمْرُهُ ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ أَمْرُهُ ، قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ ، وَزَادَهُ مَنْفَعَةً بِالشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ ، أَمَّا إذَا اشْتَرَى ، مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ - فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْكُلَّ لِنَفْسِهِ ، لِأَنَّ الْآمِرَ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ السَّمِين ، الَّذِي يَشْتَرِي مِنْهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ ، وَقَدْ اشْتَرَى الْمَهْزُولَ ؛ فَلَمْ يَكُنْ مُحَصِّلًا مَقْصُودَ الْآمِرِ ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِعَيْنِهِ ، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ ، فَاشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ دَنَانِيرَ ، أَوْ بِمِثْلِ وَزْنِهِ دَرَاهِمَ .
فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلِقٌ لِلتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالنُّقُودِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ مِنْ النُّقُودِ ، وَشِرَاءُ الْإِبْرِيقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَادٌ ، لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لَهُ وَفِي حُكْمِ التَّقَابُضِ الْمُعْتَبَرِ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَغَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ لَا تَضُرُّ ، هَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ ، فَفِي حُكْمِ صِحَّةِ التَّقَابُضِ - هُوَ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ ، فَإِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ : لَمْ تَشْتَرِهِ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا ، فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ - فَإِنَّهُ يُلْزِمُ الْمُوَكِّلَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ فِي حَالِ تَمَلُّكِ الْإِنْشَاءِ ، فَيَكُونُ إقْرَارُهُ صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ : أَخَذْتُهُ بِثَمَنٍ دُونَ الَّذِي قُلْتَ ، لِأَنَّ تَصَادُقَ الْبَائِعِ مَعَ الْوَكِيلِ عَلَى الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ ، بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِمَا الْعَقْدَ ، فَيَكُونُ لَازِمًا لِلْمُوَكِّلِ ، فَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِي عَقْدًا سِوَى الَّذِي ظَهَرَ بِتَصَادُقِهِمَا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءِ دَارٍ بِعَيْنِهَا ، أَوْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُعَيَّنِ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ ، وَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ ، إذَا كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ، فَمُطْلَقُ شِرَائِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ

دُونَ مَا لَا يَمْلِكُهُ ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَازِمًا لِلْمُوَكِّلِ .

قَالَ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِخَاتَمِ ذَهَبٍ فَصُّهُ يَاقُوتَةٌ .
يَبِيعُهُ ، فَبَاعَهُ بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ ، أَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ أَكْثَرَ وَزْنًا مِنْهُ ؛ وَلَيْسَ فِيهِ فَصٌّ فَهُوَ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِثْلَ مِنْ الذَّهَبِ يَصِيرُ بِإِزَاءِ الْمِثْلِ وَالْبَاقِي ، بِإِزَاءِ الْفَصِّ ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا ؛ فَسَدَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الذَّهَبِ صَرْفٌ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخَاتَمِ ذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ ، أَوْ أَقَلَّ ، وَفِيهِ فَصٌّ ، وَتَقَابَضَا جَازَ .
كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْجِنْسَ يُصْرَفُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَحْيَانًا ، لَا لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ ، يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ ، وَعِنْدَهُمَا : إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَادِ ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا ، وَإِنْ صَرَفْنَا الْجِنْسَ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِدَرَاهِمَ صَرَفَهَا لَهُ ، وَصَرَفَهَا الْوَكِيلُ عِنْدَ أَبِيهِ ، أَوْ عِنْدَ ابْنِهِ ، أَوْ عَبْدِهِ ، أَوْ مُكَاتَبِهِ - كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي عَبْدِهِ ، أَوْ مُكَاتَبِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا ثُمَّ زَادَ فَقَالَ : فَإِنْ بَاعَهُ بِالْقِيمَةِ دَنَانِيرَ ؛ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا خَلَا عَبْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا سَبَقَ

قَالَ : وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا ، فَقَالَ : بِعْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ ، فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَزْنَ خَمْسَةٍ - فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ جِنْسِهِ ، فَإِنَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ تَكُونُ سَبْعمِائَةِ مِثْقَالٍ ، وَأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَزْنَ خَمْسَةٍ يَكُونَانِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّى لَهُ الْآمِرُ .

قَالَ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُسْلِمُهَا فِي ثَوْبٍ ؛ وَلَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ - لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً ، فَلَمْ يَصِرْ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ مَعْلُومًا ، فَإِنْ أَسْلَمَهَا الْوَكِيلُ فِي ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ فَالسَّلَمُ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا بَطَلَتْ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، فَنَفَذَ عَلَى الْوَكِيلِ ، ثُمَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُضَمِّنَ دَرَاهِمَهُ أَيَّهمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ نَفْسِهِ بِدَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ ، فَكَانَ هُوَ ضَامِنًا بِالدَّفْعِ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ ، فَإِنْ ضَمِنَهَا الْوَكِيلُ فَقَدْ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ نَقَدَ دَرَاهِمَهُ بِعَيْنِهَا فَكَانَ السَّلَمُ لَهُ وَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُسَلِّمُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ لِاسْتِحْقَاقِ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ يَدِ الْمُسَلِّمِ إلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْقَبْضَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ سَمَّى ثَوْبًا يَهُودِيًّا جَازَ التَّوْكِيلُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالسَّلَمُ نَوْعُ شِرَاءٍ فَالتَّوْكِيلُ بِشِرَائِهِ سَلَمًا مُعْتَبَرٌ بِتَوْكِيلِهِ بِشِرَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الدَّيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِتَقَاضِي دَيْنِهِ وَبِقَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي التَّقَاضِي فَقَدْ يَمَلُّ الْغَرِيمُ مِنْ تَقَاضِي بَعْضِ النَّاسِ وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا رَضِيَ بِتَقَاضِيهِ بِنَفْسِهِ لَا بِتَوْكِيلِهِ وَالْقَبْضُ بِاعْتِبَارِ الِائْتِمَانِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ رِضًا مِنْهُ بِقَبْضِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَبَضَهَا الْوَكِيلُ الثَّانِي لَمْ يَبْرَأْ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الطَّالِبِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ بِقَبْضِهِ إلَّا أَنْ يَصِلَ الْمَالُ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَوُصُولُهُ إلَى يَدِهِ كَوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْمُوَكِّلِ وَلِأَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ كَوُصُولِهِ إلَى يَدِهِ أَنْ لَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْآخَرُ مِمَّا فِي عِيَالِ الْأَوَّلِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَبْضُهُ مُبَرِّئًا لِلْمَطْلُوبِ لِأَنَّ يَدَ مَنْ فِي عِيَالِ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْأَمِينُ يَحْفَظ الْأَمَانَةَ تَارَةً بِيَدِهِ وَتَارَةً بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي كُلِّ دَيْنٍ لَهُ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ لِأَنَّهُ سَمَّى فِي الْوَكَالَةِ كُلَّ دَيْنٍ لَهُ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِمَا هُوَ وَاجِبٌ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ وَاجِبًا عِنْدَ الْمُوَكِّلِ دُونَ مَا يَحْدُثُ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ النَّاسَ بِهَذَا التَّوْكِيلِ لَا يَقْصِدُونَ تَخْصِيصَ الْوَاجِبِ عَلَى مَا يَحْدُثُ وُجُوبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوَكِّلُ الْغَيْرَ بِقَبْضِ غَلَّاتِهِ وَمُرَادُهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا يَحْدُثُ وُجُوبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ صِيَانَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ مَالِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَبَيْنَ مَا يَحْدُثُ وُجُوبُهُ فَإِنْ جَحَدَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي وَالْقَبْضِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَيَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الطَّالِبُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْقَبْضِ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ حَتَّى يَصِلَ ذَلِكَ إلَى الْآخَرِ وَيَقَعَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمَا تَمَّ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ الْآنَ فَكَأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْعَقْدَ بِالْقَبْضِ مِنْ الْغَرِيمِ

وَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك بِدَيْنِي فَهُوَ وَكِيلٌ بِقَبْضِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِجَهَالَةِ مَا وَكَّلَهُ بِهِ مِنْ اسْتِبْدَالٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ قَبْضٍ أَوْ إبْرَاءٍ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ غَيْرُ مُسْتَدْرَكَةٍ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِلْعَادَةِ فَالْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْعَادَةِ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ وَكَّلْتُك بِدَيْنِي لِتَعَيُّنِهِ وَتَعَيُّنُهُ بِالْقَبْضِ يَكُونُ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُوجَبٌ الدَّيْنَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَيَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ وَهَذَا نَظِيرُ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي قَالَ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِمَالِهِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْوَكَالَةَ ثُمَّ ذَهَبَ فَقَبَضَ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ارْتَدَّتْ بِرَدِّهِ فَكَانَ هُوَ فِي الْقَبْضِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ بِمَالِهِ عَلَى الْغَرِيمِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا فِي يَدِ الْوَكِيلِ اسْتَرَدَّهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ سَلَّمَهُ إلَيْهِ لِيَسْتَفِيدَ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَفِدْ وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ فَضَمِنَهُ إنْ كَانَ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ الْمَالَ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَفِدْ هَذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بَلْ هُوَ فِي حَقِّهِ كَالْغَاصِبِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَاكِتًا فَإِنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ بِزَعْمِهِ وَزَعْمُهُ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْغَرِيمُ الْبَرَاءَةَ بِمَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَيُفِيدُ رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ فَقَدْ قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الطَّالِبُ إذَا تَصَرَّفَ ضَمِنَ لَهُ مَا يَقْبِضُهُ الطَّالِبُ مِنِّي وَهَذَا ضَمَانٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الطَّالِبَ فِي حَقِّهِمَا غَاصِبٌ فِيمَا يَقْبِضُهُ ثَانِيًا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك مَا يَغْصِبُهُ فُلَانٌ مِنْك وَهَذَا إضَافَةٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ صَحِيحًا فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ فِي الْمَقْبُوضِ أَمِينٌ وَأَنَّ الطَّالِبَ فِي قَبْضِهِ مِنْ الْغَرِيمِ ثَانِيًا غَاصِبٌ ظَالِمٌ وَمَنْ ظُلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ

قَالَ وَلَوْ قَبِلَ الْوَكَالَةَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَزْلَ حَجْرٌ عَلَيْهِ فِي الْقَبْضِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ حُرٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِرِسَالَةٍ مِنْ الْآمِرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ مِنْهُ إنْ أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ وَإِرْسَالُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فِي مِثْلِ هَذَا مُعْتَادٌ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَجِدُ عَدْلًا لِيُرْسِلَهُ فِي حَوَائِجِهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ وَكَّلَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَطْلُوبِ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْخَبَرُ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ إيَّاهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَمْرٌ لِلْمَطْلُوبِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ نَهْيٌ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَبَعْدَ مَا عَلِمَ بِالْأَمْرِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ

قَالَ وَإِذَا ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَمَّا عِنْدَ ذَهَابِ عَقْلِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِي الْوَكَالَةَ وَلَكِنَّهُ فِي حَالِ الْجُنُونِ عَاجِزٌ عَنْ الْقَبْضِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِي الْمَقْبُوضِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ أَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي قَضَى بِإِلْحَاقِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِلِحَاقِهِ فَهَذَا الْجَوَابُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيمَا سَبَقَ

قَالَ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَهَبَهُ الْغَرِيمُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَخَّرَهُ أَوْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ غَيْرُ مَا أَمَرَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَهُوَ مُجْبَرٌ عَلَى الْقَبْضِ إذَا أَتَاهُ الْمَطْلُوبُ بِالْمَالِ وَهَذَا قَوْلٌ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْجِنْسِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ إذَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ قَدْ بَرَأَ إلَيَّ مِنْهُ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهَذَا الْقَوْلِ بَرِئَ الْغَرِيمُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ قَالَ وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ جَازَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ تُوَثَّقُ بِهِ وَأَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْقَبْضِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَذَلِكَ يُزَادُ بِالتَّوَثُّقِ بِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَ كَفِيلًا عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ فَحِينَئِذٍ لَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَوَثُّقًا لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنَّ فِيهِ نَوْعَ ضَرَرٍ عَلَى الْآمِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَرْهُونِ فَهَلَاكُهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْآمِرِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ فِي تَقَاضٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ إلَّا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِوِلَايَتِهِ فِي مَالِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ عَرَفْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ جَمِيعَ مَالِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْقَدْرَ الْمُتَيَقَّنَ وَالْمُتَيَقَّنُ بِهِ هُوَ الْحِفْظُ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَكَّلْتُك بِمَالِي

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ بِالشَّامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ بِالْعِرَاقِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَقَيَّدُ بِتَقْيِيدِ الْمُوَكِّلِ وَتَقْيِيدُهُ بِمَوْضِعٍ كَتَقْيِيدِهِ بِشَخْصٍ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ الْوَكَالَةُ لَا تَعْدُو إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَبْضِ لِدُيُونِهِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا بِتَقَاضِي خَمْرٍ لَهُ عَلَى ذِمِّيٍّ كَرِهْت لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَأْمُورٌ بِالِاجْتِنَابِ عَنْ الْخَمْرِ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاقْتِرَابِ مِنْهَا وَفِي الْقَبْضِ اقْتِرَابٌ مِنْهَا وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ وَجْهِ تَوْكِيلٍ بِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَالْوَكِيلُ يُمَلِّكُ الْمَطْلُوبَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا يَقْبِضُهُ وَتَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ بِتَمَلُّكِ الْخَمْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ تَعْيِينٌ لِمَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلطَّالِبِ دَيْنًا فَكَانَ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ وَمِنْ وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ هَذَا عَلَى فِعْلِ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَتَى بِالدَّيْنِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ الطَّالِبِ أَوْ وَكِيلِهِ بَرِئَ فَلَمَّا كَانَ إتْيَانُهُ لَا يَسْتَدْعِي فِعْلًا مِنْ الْوَكِيلِ قُلْنَا يَجُوزُ وَلَمَّا كَانَ أَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الْخَمْرِ مِنْ وَجْهٍ قُلْنَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ بِهِ

قَالَ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اقْضِ عَنِّي فُلَانًا مِنْ مَالِك أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقْضِيكَهَا فَقَالَ الْمَأْمُورُ قَدْ دَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ فَإِنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْآمِرَ بِمَا لَهُ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَأْمُورِ لِلْقَضَاءِ كَدَعْوَى الْآمِرِ بِمَا لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَّا بِحُجَّةٍ فَكَذَا الْمَأْمُورُ لَا يُصَدَّقُ وَلَكِنْ إذَا حَلَفَ الطَّالِبُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعٍ يَكُونُ مُبْرِئًا لَهُ عَنْ حَقِّ الطَّالِبِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ لَمْ يَسْتَفِدْ الْبَرَاءَةَ وَلِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُمَلِّكَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِبَدَلٍ يُعْطِيهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ الطَّالِبُ بِدَيْنِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُمَلِّكَهُ عَيْنًا فِي يَدِهِ بِغَيْرِهِ بِشِرَائِهِ لَهُ وَهُنَاكَ لَوْ قَالَ اشْتَرَيْته وَنَقَدَتْ الثَّمَنَ مِنْ مَالِي وَجَحَدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَأَخَذَ مَتَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ هُنَا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْوَصِيُّ وَكِيلًا بِدَفْعِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّةٍ إلَى صَاحِبِهَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الدَّفْعِ بِنَفْسِهِ فَيَسْتَعِينُ فِيهِ بِغَيْرِهِ أَيْضًا وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا وَسَمَّاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَدَفَعَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَمْ يَكْتُبْ بَرَاءَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مَعَ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُدْفَعُ إلَّا بِشُهُودٍ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ وَاسْتَثْنَى دَفْعًا بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِشُهُودٍ فَإِذَا دَفَعَ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَهَذَا الدَّفْعُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ فَصَارَ غَاصِبًا ضَامِنًا وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ قَدْ أَشْهَدْت وَجَحَدَ الطَّالِبُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ شُهُودٌ إلَّا قَوْلُهُ أَشْهَدْت كَانَ الْوَكِيلُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ جَعَلَ إخْبَارَهُ بِأَصْلِ الدَّفْعِ مَقْبُولًا بَرَاءَتُهُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ خَبَرُهُ بِالدَّفْعِ بِالصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا يَكُونُ مَقْبُولًا لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَقَدْ يُشْهِدُ عَلَى الدَّفْعِ ثُمَّ يَغِيبُ الشُّهُودُ أَوْ يَمُوتُونَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إحْضَارِهِمْ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا تَدْفَعْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَدَفَعَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ كَانَ ضَامِنًا لِمَا قُلْنَا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِدَفْعِ مَالٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ لَهُ فَارْتَدَّ الْوَكِيلُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ مَالُ الْمُوَكِّلِ وَالدَّفْعُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْوَكِيلِ مِنْ مَتَاعِ نَفْسِهِ لَا فِي مَالِهِ وَلَا حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ دَفْعُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَدَفْعِهِ قَبْلَهَا فَإِنْ ارْتَدَّ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَالَ الْوَكِيلُ دَفَعْت الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ وَكَانَ خَبَرُهُ مَقْبُولًا فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ

وَإِنْ دَفَعَ الْمُوَكِّلُ الْمَالَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِدَفْعِ الْمُوَكِّلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا مِثْلُ إخْرَاجِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إخْرَاجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا إخْرَاجٌ حُكْمًا لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَبْقَى بَعْدَ قَضَاءِ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ تَفْوِيتًا لِلْمَحَلِّ وَذَلِكَ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ دَفْعَ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مُوجِبَ الْعَزْلِ حُكْمًا وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ الْوَكِيلِ عَنْ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ لَا يُحَصَّلُ الْمَقْصُودُ بِدَفْعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ وَجَدَ الْمَقْبُوضَ زُيُوفًا فَرَدَّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ كَانَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَزْلِهِ قَصْدًا لَا حُكْمًا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الطَّالِبُ الْمَالَ لِلْمَطْلُوبِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ قَصْدًا فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْمَالِ بِدَفْعِهِ بَلْ يَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِالْمَالِ عَلَى الطَّالِبِ إنْ بَيَّنَ هُوَ لِكَوْنِهِ مَالِكًا وَإِنْشَاءُ الْوَكِيلِ لِكَوْنِهِ دَافِعًا وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَابِضِ حَقُّ الْقَبْضِ مِنْهُ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ عَنْ الدَّفْعِ حِينَ عَلِمَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْ الْمَطْلُوبِ ، فَإِذَا دَفَعَهُ كَانَ ضَامِنًا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَقْبُوضَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ قَبَضَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَرَقَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَهَذَا فَرْقٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ عَلَى أَصْلِ الْكُلِّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَلَوْ لَمْ

يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الطَّالِبَ ارْتَدَّ ثُمَّ دَفَعَ الْوَكِيلُ إلَيْهِ بِالْمَالِ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَدَفْعُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي كَسْبِ إسْلَامِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ رِدَّتِهِ فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْوَكِيلِ وَاجِبٌ وَإِذَا عَلِمَ انْدَفَعَ الضَّرَرُ عَنْهُ وَدَفَعَ الْمَالَ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ فَصَارَ ضَامِنًا وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي الدَّفْعِ ظَاهِرًا فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا كَمَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْمَعْدُودَةُ الَّتِي يَضُرُّ الْعِلْمُ فِيهَا وَهِيَ خَمْسٌ جَمَعْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ وَإِذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ لِعِلْمِهِ رَجَعَ فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ حِينَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَطْلُوبِ الْبَرَاءَةُ بِهَذَا الْقَبْضِ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي كَسْبِ رِدَّتِهِ

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ وَكِيلًا لِلْمَطْلُوبِ فِي قَضَائِهِ وَوَكِيلًا لِلطَّالِبِ فِي الِاقْتِضَاءِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا لِلطَّالِبِ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْقَبْضِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَلَّاهُ الْوَاحِدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قَالَ وَالتَّوْكِيلُ بِالتَّقَاضِي وَالْقَبْضِ جَائِزٌ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى غَيْرِهِ مَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّ الْقَبْضَ مَعْلُومٌ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ وَعَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَلَا يَخْرُجُ الْوَكِيلُ وَلَا الطَّالِبُ إلَى التَّقَاضِي مَعَ أَنَّ لِلتَّقَاضِي حَقًّا مَعْلُومًا إذَا جَاوَزَهُ مُنِعَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي تَقَاضِي ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ بَلْ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ مُسْتَحَقٌّ وَابْتِدَاءُ التَّوْكِيلِ بِالتَّقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ صَحِيحٌ فَبَقَاؤُهُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الْمَيِّتُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّوْكِيلُ مِنْهُمْ بِقَبْضِهِ فَإِنْ قَالَ قَدْ كُنْت قَبَضْته فِي حَيَاةِ الْمُوَكِّلِ وَدَفَعْته إلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَكَانَ مُتَّهَمًا فِي الْإِخْبَارِ وَقَدْ انْعَزَلَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَالدَّيْنُ قَائِمٌ ظَاهِرًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ مِلْكٍ قَائِمٍ لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ الطَّالِبُ وَلَكِنَّهُ احْتَالَ بِالْمَالِ عَلَى آخَرَ وَأَبْرَأَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّةِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَالتَّوْكِيلُ كَانَ مُقَيَّدًا بِالتَّقَاضِي وَالْقَبْضِ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ بِهِ

الْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمْ تُبْطِلْ الْوَكَالَةَ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُوَكِّلُ بِالْمَالِ عَبْدًا مِنْ الْمَطْلُوبِ فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ مِنْ يَدِهِ أَوْ رَدَّهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَقَدْ عَادَ دَيْنُهُ كَمَا كَانَ فَبَقِيَتْ الْوَكَالَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا لِأَنَّ بِالرَّدِّ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ انْتَقَضَ الْقَبْضُ مِنْ الْأَصْلِ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَلَوْ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْهُ كَفِيلًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَقَاضَى مِنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُقَيَّدٌ بِالتَّقَاضِي مِنْ الْأَصِيلِ فَلَا يَمْلِكُ بِهِ التَّقَاضِي مِنْ غَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِرَجُلٍ إذَا حَلَّ مَالِي عَلَى فُلَانٍ فَتَقَاضَ أَوْ قَالَ إذَا قَدِمَ فَتَقَاضَاهُ أَوْ اقْبِضْ مَا عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إطْلَاقٌ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْتُهُ شَيْئًا فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي قَبْضِ مَا عَلَيْهِ فَقَدْ أَضَافَ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ إلَى حَالِ وُجُوبِ الدَّيْنِ كَالْمُسْتَثْنَى لِلْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ

وَلَوْ قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي قَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لِي وَلَيْسَ لَهُ دَيْنٌ يَوْمئِذٍ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ دَيْنٌ كَانَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ لِمَا بَيَّنَّا وَعَلَى طَرِيقَةِ الْقِيَاسِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ فِي الْحَالِ حَقِيقَةً وَلَمَّا اُسْتُجِيبَ مَجَازٌ وَلَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً هُنَا فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَفِيمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً فَانْتَفَى الْمَجَازُ

وَلَوْ قَالَ اذْهَبْ فَتَقَاضَ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقَاضِي الْقَبْضُ وَالْمَأْمُورُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ مَأْمُورًا بِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ اذْهَبْ فَتَقَاضَ دَيْنِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اذْهَبْ وَاقْبِضْهُ وَهَذَا اللَّفْظُ بِمَنْزِلَةِ الرِّسَالَةِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِلَفْظَةِ التَّوْكِيلِ قَالَ وَلَوْ كَتَبَ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ أَوْ وَكِيلٌ بِقَبْضِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ شَيْئًا لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِمَجْهُولٍ بِالْقَبْضِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ وَلَوْ كَتَبَ فِيهِ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَنِي وَكِيلًا فِي قَبْضِ هَذَا الْحَقِّ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ الْمَعْلُومِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ يَتِمُّ لِلْمُوَكِّلِ فِي حَقِّهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَضْرَةِ الْوَكِيلِ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ فَقَبَضَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ فَكَأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ الْوَكِيلُ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَضْمَنَ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ فَقَدْ جَمَعَ فِي السُّؤَالِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَابِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الزُّيُوفُ فَأَمَّا فِي السَّتُّوقِ فَلَا يَضْمَنُ بِالرَّدِّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَالسَّتُّوقُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا دَيْنَهُ حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ فَرَدَّ الْمَقْبُوضَ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي الزُّيُوفِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ فَصَارَ بِهِ قَابِضًا وَيُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ فَإِذَا رَدَّهُ عَلَى

غَيْرِهِ صَارَ ضَامِنًا وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ انْتَهَتْ بِالْقَبْضِ فَهُوَ فِي الرَّدِّ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَبْضِ أَصْلِ حَقِّهِ بِصِفَتِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الصِّفَةَ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى قَبْضِ الصِّفَةِ إلَّا بِرَدِّ الزُّيُوفِ فَصَارَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ دَلَالَةً تَوْضِيحُهُ أَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ مِنْ وَجْهٍ وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْوَكِيلُ بِالتَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ يَمْلِكُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي حِنْطَةٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَبَضَهَا وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا قَبَضَ حَقَّهُ فَيَرُدُّ الْمَقْبُوضَ لِيَقْبِضَ الْحَقَّ بِصِفَتِهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الصِّفَةِ فَكَانَ فِي الرَّدِّ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عَيْبٌ فَاسْتَأْجَرَ لَهَا مَنْ يَحْمِلُهَا لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْحَمْلِ فَأَدَاءُ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْآمِرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمِصْرِ فَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُ عَلَيْهِ وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ مُتَبَرِّعٌ هُنَا كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ الظَّاهِرُ هُنَا أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْقَبْضِ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَكْلَ جُمْلَةً إلَى مَنْزِلِهِ وَإِنْ أَرَادَ الْبَيْعَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ فِي الْمِصْرِ لَا تَخْتَلِفُ بِالسُّوقِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا خَارِجَ الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْبَيْعَ فَرُبَّمَا يَبِيعُهُ هُنَاكَ وَلَا يَحْمِلُهُ إلَى الْمِصْرِ إذَا كَانَ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الْتِزَامِ الْكِرَاءِ فَلَا يَكُونُ أَمْرُهُ بِالْقَبْضِ أَمْرًا بِالْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ وَلِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي الْحَمْلِ إلَى الْمِصْرِ تَقِلُّ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْآمِرِ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ لَوْ عَدَّيْنَا حُكْمَ الْآمِرِ إلَى الْحَمْلِ فَأَمَّا خَارِجَ الْمِصْرِ فَالْمُؤْنَةُ تَكْثُرُ فَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْآمِرُ فَهَذَا لَا يَتَعَدَّى حُكْمَ الْوَكَالَةِ إلَى الْحَمْلِ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ رَقِيقٍ أَوْ غَنَمٍ فَقَبَضَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي رَعْيِهَا أَوْ فِي كِسْوَةِ الرَّقِيقِ وَطَعَامِهِمْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَبْضِ لَا يَتَعَدَّى إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيهَا كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَبِي الْوَكِيلِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ قَبَضْته وَهَلَكَ فِي يَدِي وَكَذَّبَهُ الْآمِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا صَحَّتْ بِالْقَبْضِ مِنْ هَؤُلَاءِ صَارَ هُوَ مُسَلَّطًا مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ مُبَاشَرَةَ الشَّيْءِ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَتَأْوِيلُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إذَا كَانَ مَدْيُونًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَتَوْكِيلُهُ بِالْقَبْضِ يَصِحُّ كَتَوْكِيلِهِ بِالْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ فِيمَا هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَوْ مُكَاتَبِ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ يَعْنِي عَبْدَ الْوَلَدِ وَهَذَا الْجَوَابُ وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا فَقَالَ قَدْ قَبَضْت مِنْ مَوْلَايَ أَوْ مِنْ عَبْدِ مَوْلَايَ وَهَلَكَ مِنِّي فَهُوَ مُصَدَّقٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ وَمَلَكَ إبْرَاءَ الْغَرِيمِ بِمُبَاشَرَةِ الْقَبْضِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ أَبَا الطَّالِبِ أَوْ الْمَطْلُوبِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ وَقَدْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ إيَّاهُ بِالْقَبْضِ وَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ أَنْ يَلْزَمَ رَجُلًا بِمَالٍ لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالتَّقَاضِي فَإِنَّ هُنَاكَ التَّوْكِيلُ مُضَافٌ إلَى الْمَطْلُوبِ دُونَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَقُولُ وَكَّلْتُك بِأَنْ تُلَازِمَ فُلَانًا فَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى قَبْضِ الدَّيْنِ وَلِهَذَا يُخْتَارُ لِلْمُلَازَمَةِ أَسَفُهُ النَّاسِ وَمَنْ يَتَأَذَّى الْمَطْلُوبُ بِمُلَازَمَتِهِ وَمُصَاحَبَتِهِ وَيُخْتَارُ لِلْقَبْضِ الْأُمَنَاءُ فَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى التَّوْكِيلُ بِالْمُلَازَمَةِ إلَى الْقَبْضِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ مُرْتَدًّا بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَقَبَضَهُ أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ وَهَلَاكِهِ مِنْهُ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ جَازَ قَبْضُهُ لِأَنَّ قَبُولَ الْوَكَالَةِ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ فِي مَنَافِعِهِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ حَرْبِيًّا فَقَبَضَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ وَكَالَةٍ صَحِيحَةٍ فَبَرِئَ الْغَرِيمُ وَصَارَ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ فُلَانٍ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا جَمِيعًا فَقَبَضَهُ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْأَمْرَ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَإِنَّ التُّجَّارَ يَرْغَبُونَ فِي قَبْضِ الْحَقِّ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الْقَبْضِ مُتَفَرِّقًا فَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ الْكُلَّ جُمْلَةً لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَبْضُ هُوَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَلَا يَسْتَفِيدُ الْغَرِيمُ بِهِ الْبَرَاءَةَ وَلِلطَّالِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَقْبِضْ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا لَا تَقْبِضُهُ مُتَفَرِّقًا فَإِذَا قَبَضَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ مِنْ شَيْءٍ

قَالَ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى هَذَا فَلَمْ يُقِرَّ الْغَرِيمُ بِهِ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَإِنَّ قَاضِيَ الدَّيْنِ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْ الْمَقْضِيِّ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى الطَّالِبُ دَيْنًا عَلَى دَعْوَاهُ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَضَاهُ الْوَكِيلُ بِدَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْوَكِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَدْيُونَ يَقْضِي الدَّيْنَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَهُوَ إنَّمَا أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ جَحْدٌ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ أَنْتَ أَعْلَمُ إنْ شِئْت فَأَعْطِهِ وَإِنْ شِئْت فَاتْرُكْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ الطَّالِبِ فِي حَقِّ الْقَاضِي وَوِلَايَةُ الْإِجْبَارِ بَعْدَ ثُبُوتِ كَوْنِهِ ثَابِتًا عِنْدَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِجَبْرِ الْوَكِيلِ وَتَصْدِيقِ الْمَطْلُوبِ إذْ لَيْسَ هُنَا مُكَذِّبٌ لَهُمَا وَكُلُّ خَبَرٍ عِنْدَ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى الصِّدْقِ مَا لَمْ يَأْتِ لَهُ مُعَارِضٌ وَلَكِنْ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَالِهِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الطَّالِبِ لِإِنْكَارِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِبَرَاءَةِ الْغَرِيمِ فِي حَقِّ الطَّالِبِ أَيْضًا لِأَنَّ حُجَّةَ الْإِجْبَارِ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْوَكِيلِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِحَسَبِ الْحُجَّةِ قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ الْوَكِيلُ اسْتَحْلِفْهُ أَنَّهُ مَا وَكَّلَنِي لِيَسْتَحْلِفْهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ

بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَضَيْت عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الطَّالِبِ حَتَّى إذَا أَنْكَرَ الطَّالِبُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ الْغَرِيمِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَصْلَ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ لَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْوَكَالَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ حَلَّفَهُ وَلَكِنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الِاسْتِحْلَافُ يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَمَا لَمْ يُثْبِتْ كَوْنَهُ نَائِبًا عَنْ الْآمِرِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي عَيْبَ الْإِبَاقِ فِي الْعَبْدِ لِلْحَالِ وَجَحَدَهُ الْبَائِعُ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْعِلْمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِي الْعَيْبِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ وَبِدُونِ سَبَبِ الْخُصُومَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ وَإِنْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَحْلِفُ الْمَطْلُوبَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْتَحْلِفُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَقَدْ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي حَقِّهِ بِإِقْرَارِهِ

قَالَ وَإِذَا دَفَعَ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَلْفَ الَّتِي اُحْتُبِسَتْ عِنْدَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِيمَا أَمَرَهُ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالدَّفْعِ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ فَفِي دَفْعِ مَالِ الْآمِرِ هُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ بِمَالِ نَفْسِهِ لِدَيْنِ الْغَيْرِ وَيَرُدُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَالَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِمَقْصُودِهِ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ أَنْ يُحَصِّلَ الْبَرَاءَةَ لِنَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْأَلْفِ الْمَدْفُوعَةِ إلَى الْوَكِيلِ وَبَيْنَ مِثْلِهَا مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ وَالتَّقْيِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا لَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ الْوَكِيلُ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا بِأَنْ يَجِدَ الطَّالِبَ فِي مَوْضِعٍ وَلَيْسَ مَعَهُ مَالُ الْمَطْلُوبِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالْمُبَادَلَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا الْقَدْرُ يَصِحُّ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْمُبَادَلَةِ وَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَبَرِّعًا فِيمَا يَدْفَعُ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ

قَالَ وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ يَدْفَعُهَا بِهَا إلَى رَجُلٍ فَدَفَعَهَا أَحَدُهُمَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنِّصْفِ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَمِينٌ فِي النِّصْفِ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ إلَى الطَّالِبِ فَإِذَا دَفَعَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ إلَى الْغَيْرِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا ظَفِرَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ أَحَدِهِمَا وَاَلَّذِي دَفَعَ كَأَنَّهُ يُعِينُهُ عَلَى حَقِّهِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ الْقَابِضُ فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ قَبْضٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِحَقٍّ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى أَحَدٍ فَإِنْ قَالَ خُذْ أَنْتَ يَا فُلَانُ هَذَا الْأَلْفَ فَاقْضِهَا فُلَانًا أَوْ أَنْتَ يَا فُلَانُ فَادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ فَأَيُّهُمَا قَضَى جَازَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِدَفْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ حِينَ خَيَّرَهُمَا

وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اقْضِ عَنِّي هَذِهِ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا فَأَيَّهمَا قَضَى جَازَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِدَفْعِهِ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكَالَةَ حُكْمُهَا إبَاحَةُ التَّصَرُّفِ لِلْوَكِيلِ وَفِي الْمُبَاحَاتِ حَرْفُ أَوْ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ أَوْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الرَّهْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ مَتَاعًا فَقَالَ بِعْهُ أَوْ ارْهَنْ بِهِ لِي فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِارْتِهَانِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْتَهِنَ رَهْنًا هُوَ مِثْلُ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلُّ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ التَّقْيِيدَ يَحْصُلُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَلَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ بِهِ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْآمِرَ قَيَّدَ التَّوْكِيلَ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَهُوَ الِارْتِهَانُ بِالثَّمَنِ لِيَكُونَ حَقُّهُ مَضْمُونًا وَلِيَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُ الثَّوَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَإِذَا بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ .
كَمَا لَوْ قَالَ بِعْهُ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ وَارْتَهِنْ أَمْرٌ مُبْتَدَأٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ .
كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ وَأَشْهِدْ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاوَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَيْ بِعْهُ فِي حَالِ مَا تَرْتَهِنُ بِالثَّمَنِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ وَارْتَهِنْ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِمَا يَسْتَبِدُّ بِهِ وَذَلِكَ بِرَهْنٍ مَشْرُوطٍ فِي الْبَيْعِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْهُ بِشَرْطِ أَنْ تَرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لَازِمًا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ ذُكِرَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِرَهْنِ ثِقَةٍ فَارْتَهَنَ رَهْنًا أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الِارْتِهَانَ هُنَا بِأَنْ يَكُونَ ثِقَةً

وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ فِي مَالِيَّتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا قَالَ وَإِنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا ثِقَةً وَقَبَضَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ جَازَ رَدُّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَالِارْتِهَانُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَحَقُّ الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ بِسَبَبٍ كَانَ صَحِيحًا أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا قِيلَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ رَدُّ الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ فَيَمْلِكُهُ قَالَ وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ كَوْنَ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ الرَّهْنَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْآمِرُ بِيَدِ الْوَكِيلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِ الْعَدْلِ أَوْ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ مُعْتَبَرٌ فِي مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْقَرْضِ بِرَهْنٍ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ ائْتِ بِهَا فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا أَقْرَضَك هَذِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ بِهَا رَهْنًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنْك فَآتِيه بِهِ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الرَّهْنَ فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ مَقْبُوضٌ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ رَسُولًا حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا يَقُولُ لَهُ إلَى الْآمِرِ وَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ إلَّا تَبْلِيغَ الرِّسَالَةِ فَأَمَّا شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ فَكَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَقْرِضَ بِدَيْنِهِ إلَّا أَنَّ الرَّهْنَ يَتِمُّ بِقَبْضِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْسِلِ فِي قَبْضِهِ لِنَائِبِهِ فَتَمَّ الرَّهْنُ بِقَبْضِهِ وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ وَإِنْ قَالَ اقْرِضْ أَنْتَ وَخُذْ بِهَا رَهْنًا لَمْ يَكُنْ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ كَانَ وَكِيلًا لَا رَسُولًا فَقَدْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ وَإِنَّمَا رَضِيَ الْمُسْتَقْرِضُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ هَلَكَ مِنْ مَالِ نَفْسِ الْآمِرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِيمَا صَنَعَ فَقَبْضُهُ كَقَبْضِ الْآمِرِ

قَالَ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَوَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِعَشَرَةٍ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الْعَشَرَةَ فَإِنْ كَانَ قَالَ لِلَّذِي أَعْطَاهُ الْمَالَ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك بِهَذَا الرَّهْنِ لِتُقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَتَرْتَهِنَ هَذَا الثَّوْبَ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ فَالدَّرَاهِمُ لِلْآمِرِ وَالْوَكِيلُ فِيهَا أَمِينٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ حِينَ أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَ الْآمِرِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّسُولِ أَنْ يَسْتَرِدَّ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا يَكُونُ هَذَا مُطَالَبًا بِالْعَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ لِلْمُقْرِضِ أَقْرِضْنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَارْتَهِنْ هَذَا الثَّوْبَ مِنِّي فَالْعَشَرَةُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ رَسُولًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَكِيلًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَلْتَزِمُ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ قَالَ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِك عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ لِي لَا يَصْلُحُ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْتَزِمْ الْعَشَرَةَ فِي ذِمَّتِك عَلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ لِي وَكَانَ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ قِيَاسَ التَّوْكِيلِ فَكَانَ بَاطِلًا وَالْعَشَرَةُ لِلْوَكِيلِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْآمِرِ وَإِنْ هَلَكَتْ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ هَذَا الْخِلَافُ مِنْهُ لِلْآمِرِ وَإِنْ كَانَ قَالَ اسْتَقْرِضْ لِي مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ فَاسْتِقْرَاضُهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَهَذَا تَقْيِيدٌ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ قُلْ لِفُلَانٍ يُقْرِضُنِي وَأَعْطِهِ هَذَا الثَّوْبَ بِرِسَالَتِي رَهْنًا عَنِّي فَأَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا لِلثَّوْبِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ جَعَلَهُ رَسُولًا وَكِيلًا هُنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ لَهُ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ

قَالَ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا فَقَالَ لَهُ ائْتِ فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَرْهَنُك هَذَا الْعَبْدَ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْأَلْفَ وَأَعْطَاهَا الْآمِرَ ثُمَّ جَاءَهُ بِالْمَالِ فَأَمَرَ الرَّاهِنَ فَقَضَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ رَبُّ الْعَبْدِ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ فِيمَا صَنَعَ كَانَ رَسُولًا وَقَدْ انْتَهَتْ الرِّسَالَةُ بِالتَّبْلِيغِ فَيَكُونُ هُوَ فِي اسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَإِرْسَالُهُ بِالْمَالِ عَلَى يَدِهِ لَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ لَهُ بِقَبْضِ الْعَبْدِ فَإِنْ قَبَضَ الْعَبْدَ فَعَطِبَ عِنْدَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ الْخِيَارُ يَضْمَنُ أَيَّهمَا شَاءَ قِيمَتُهُ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمُرْتَهِنُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِهَذَا شَيْئًا وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقِيمَةَ الْقَابِضَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا قَضَاهُ وَجَعَلَ الرَّهْنَ تَأَدِّيًا فَيُسْقِطُ الدَّيْنَ بِهِ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ مَا قَضَاهُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ غَاصِبٌ فَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ تَأَدِّيًا فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قَضَاهُ دَيْنَهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ ثَوْبًا لَهُ بِدَرَاهِمَ قَرْضًا فَذَهَبَ الْوَكِيلُ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك اقْبِضْ هَذَا الثَّوْبَ رَهْنًا وَأَعْطِهِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَزَادَ عَلَى مَا سَمَّى لَهُ أَوْ نَقَصَ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمُقْرِضُ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ رَهْنًا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ خَالَفَ أَمْرَهُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَضَرُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ عَمَّا سَمَّى لَهُ فَمَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَحْصُلْ وَلَمْ يَرْضَ هُوَ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ مَضْمُونًا بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا سَمَّى لَهُ فَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ مَحْبُوسًا عِنْدَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ فَإِنْ جَاءَ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِدَرَاهِمَ مِثْلِ مَا سَمَّى لَهُ فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ فَهُوَ دَيْنٌ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ مُسْتَقْرِضًا لِنَفْسِهِ وَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمُوَكِّلَ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا يَكُونُ الثَّوْبُ رَهْنًا بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ رَهْنًا عِنْدَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ وَالْوَكِيلُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ كَانَ مُخَالِفًا فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ رَهْنًا وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَفْسِهِ أَوْ كَالْقَابِضِ لِمَا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ صَدَّقَهُ فِي الرِّسَالَةِ فَالْوَكِيلُ مُؤْتَمَنٌ إنْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِلْمُرْتَهِنِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ بَلْ هُوَ مُؤَدٍّ لِلرِّسَالَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَإِنْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَى رَبِّ الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ رَبِّ الثَّوْبِ بِزَعْمِ أَنَّ

الرَّسُولَ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا فَلِهَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ إنَّمَا أَمَرْتنِي أَنْ أَرْهَنَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك بِعَشَرَةٍ أَوْ بِعِشْرِينَ فَفِي الْوَجْهَيْنِ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِرْسَالَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ هَذَا وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ ثَوْبًا بِشَيْءٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَرْهَنُهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا لَمْ يُقِمْ دَلِيلَ التَّقْيِيدِ فِيهِ وَدَلِيلُهُ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْعُرْفُ وَلَا عُرْفَ هُنَا فَالرَّهْنُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَادَةً قَالَ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالرَّهْنِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالْمُوَكِّلُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الرَّهْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالتَّوْكِيلُ بِالرَّهْنِ لَا يَعْدُو مَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ فَفِيمَا وَرَاءَ مُوجَبِ الْعَقْدِ الْوَكِيلُ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ قَالَ وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي إتْمَامِ الرَّاهِنِ بِهِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْعَقْدِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ بِمَا هُوَ مِنْ إتْمَامِهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ كَوْنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَنْفَعُ لِلرَّاهِنِ مِنْ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِهَذَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَرْهَنَهُ وَأَنْ يَرْهَنَهُ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُسَلِّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَهَذَا مِمَّا يُقْصَدُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ لِإِتْمَامِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْبَيْعِ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا فَرَهَنَهُ فَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يُسَلِّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلٌ بِالرَّهْنِ مُطْلَقًا وَتَوْكِيلُ الْأَوَّلِ إيَّاهُ بِذَلِكَ عِنْدَ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ

بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ بِذَلِكَ قَالَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ رَبُّ الثَّوْبِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ تَفْوِيضَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ الْأَمْرَ إلَى الثَّانِي عَامِلًا لَا يُطْلَق لَهُ لِأَنَّ هَذَا يُسَوِّي غَيْرَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْوِيضِ الْمُوَكِّلِ ذَلِكَ إلَيْهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ دَرَاهِمَ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا يَرْهَنُهُ وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَتَعَيَّنَ لِرَجُلٍ وَرَهَنَ لِرَجُلٍ فَإِنَّ الْعَيِّنَةَ لِلْمُوَكِّلِ وَبَيْعُ الْعَيِّنَةِ مَا وَرَدَ الْأَثَرُ بِالذَّمِّ فِيهِ إذَا اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَقَعَدْتُمْ عَنْ الْجِهَادِ ذَلَلْتُمْ حَتَّى يُطْمَعَ فِيكُمْ وَتَفْسِيرُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ شَيْئًا فَأَبَى أَنْ يُقْرِضَهُ إلَّا بِرِبْحٍ وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ رِبًا فَيَبِيعُ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ شَيْئًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةِ عَشَرَ فَيَبِيعُهُ الْمُقْتَرَضُ بِعَشَرَةٍ فَسَلِمَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَيَكُونُ لِلْمُقْرِضِ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّوْكِيلَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالرَّهْنِ وَفِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا الْعَيِّنَةُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنْ كَانَ قَالَ لِلْوَكِيلِ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى لِيُحَصِّلَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي هِيَ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ أَجَازَ صُنْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَالْبَيْعُ مِنْ صُنْعِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَمْلِكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْبَيْعَ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُسْتَصْنِعِ ذَلِكَ وَإِنْ حَلَّ الثَّمَنُ فَالْمَأْخُوذُ بِهِ هُوَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِعَقْدِ الشِّرَاءِ قَابِضٌ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِثَمَنِهِ فَإِذَا قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ وَيَكُونَ أَمِينًا فِيهِ إنْ هَلَكَ قَبْلَ رَدِّهِ عَلَى الْآمِرِ وَيَرْجِعُ بِمَا قَضَى بِهِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ أَوْجَبَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْآمِرِ وَقَدْ قَضَى مَا وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ ائْتِ

فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك بِعْنِي خَادِمَك فُلَانًا إلَى سَنَةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَبْلَغَهُ الْوَكِيلُ ذَلِكَ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت فَرَجَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْآمِرِ فَأَبْلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ قَدْ قَبِلْت فَرَجَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْبَائِعِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ قَدْ أَجَزْت فَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَرَجَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْبَائِعِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ قَدْ أَجَزْت فَصْلَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ يَتِمُّ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَعَلْت وَقَوْلِ الْمُرْسِلِ قَبِلْت لِأَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِلَفْظَيْنِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَاضِي وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَإِنْ قَالَ قَدْ فَعَلْت مَا لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْمُبَلِّغُ رَسُولًا يَقْبِضُهُ وَالْمُرْسَلُ الْأَوَّلُ لِيُبَلِّغَهُ فَإِذَا بَلَّغَهُ فَقَالَ قَدْ قَبِلْت يُوقَفُ هَذَا التَّبْلِيغُ عَلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغُ بِإِجَازَتِهِ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْت فَلِهَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَالَ فَإِنْ قَبَضَ الْآمِرُ الْخَادِمَ فَالْمَالُ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ كَانَ رَسُولًا فَبِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَسَطِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُرْسِلَ عَبَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَتَبَ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَرْهَنَا لَهُ شَيْئًا بِكَذَا فَرَهَنَهُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَرْهَنُ عِنْدَهُ وَالْوَضْعُ عَلَى يَدَيْ مُرْتَهِنٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَقَدْ رَضِيَ الْآمِرُ أَيَّهمَا فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَإِنْ رَهْنَاهُ جَمِيعًا وَشَرَطَ لَهُ أَحَدُهُمَا بَيْعَ الرَّهْنِ جَازَ الرَّهْنُ لِاجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ حَتَّى إذَا بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَدْ أَمَرَهُمَا بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَا قَالَا إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُك كَذَا فَأَقْرِضْهُ وَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّهُ قَدْ أَمَرَنَا أَنْ يَجْعَلَك مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ إذَا بَدَا لَك وَسَكَتَ الْآخَرُ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَنَّهُمَا كَانَا رَسُولَيْنِ وَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ عَنْ الْمُرْسِلِ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلِهَذَا صَحَّ مَا بَلَّغَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَا اسْتَقْرَضَا لَهُ الْمَالَ وَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَمْ يَجُزْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا يَكُونَانِ مُسْتَقْرِضَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا عَمِلَا لِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيطُ أَحَدِهِمَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا مُبَاشَرَتُهُمَا الْعَقْدَ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَهُوَ مَا رَضِيَ بِالتَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مِنْ جِهَتِهِ

قَالَ فَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَدَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى الْآمِرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ رَهْنًا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَرْهَنَهُ لَا بِأَنْ يَرْتَهِنَهُ وَإِذَا رَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ كَانَ مُرْتَهِنًا لَا رَاهِنًا وَهُوَ أَمِينٌ فِي هَذَا الثَّوْبِ وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ قَبْضُ ضَمَانٍ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ يَدَ ضَمَانٍ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى أَمِينًا فِي الثَّوْبِ وَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِي الثَّوْبِ شَيْئًا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ بَلْ هُوَ حَافِظٌ لِلثَّوْبِ وَبِذَلِكَ أُمِرَ وَالدَّرَاهِمُ قَرْضٌ لَهُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ عِنْدَ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِهَذَا الرَّهْنِ فَهُوَ وَمَا لَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ عِنْدَ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَهَذَا وَمَا لَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ سَوَاءٌ قَالَ وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ عِنْدَ ابْنِهِ وَهُوَ كَبِيرٌ أَوْ عِنْدَ مُكَاتَبِهِ أَوْ عِنْدَ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ مَعْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْإِضْرَارِ بِالْآمِرِ فِي تَصَرُّفِهِ مَعَ هَؤُلَاءِ فَلِهَذَا صَحَّ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ عَبْدًا تَاجِرًا أَوْ غَيْرَ تَاجِرٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَك أَقْرِضْنِي كَذَا وَامْسِكْ هَذَا رَهْنًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ فَيَكُونُ صَالِحًا لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ أَقْرِضْنِي وَامْسِكْ هَذَا رَهْنًا لَمْ يَجُزْ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مُسْتَقْرِضَيْنِ

لِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِقْرَاضُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الضَّمَانَ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَجَازَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ التَّاجِرَ يَمْلِكَانِ الِاسْتِقْرَاضَ وَإِنْ كَانَا لَا يَمْلِكَانِ الْإِقْرَاضَ

قَالَ وَلَوْ كَانَ تَاجِرًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَهَنَهُ فَإِنْ قَالَ لَهُ اقْرِضْ فُلَانًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا بَيْنَ مَوْلَاهُ وَبَيْنَ الْآمِرِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ وَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي وَامْسِكْ هَذَا رَهْنًا لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَدْيُونًا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الدَّيْنُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الرَّهْنِ فِي الثَّوْبِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ عَبْدًا ذِمِّيًّا بِخَمْرٍ أَوْ يَرْهَنَ لَهُ خَمْرًا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ أَضَافَهُ الْوَكِيلُ إلَى الْآمِرِ وَأَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ صَحَّ لِأَنَّ صِحَّةَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَلَا يَصِيرُ الرَّسُولُ عَاقِدًا وَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ بَلَّغَهُ كِتَابًا كَتَبَ بِهِ الْآمِرُ سَوَاءٌ وَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَعْقِدُ عَلَى الْآمِرِ بِالْخَمْرِ اسْتِقْرَاضًا وَلَا رَهْنًا بِهَا بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَكُونَ مَضْمُونًا لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ

وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ ائْتِ فُلَانًا وَقُلْ لَهُ أَقْرِضْنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَامْسِكْ هَذَا الْعَبْدَ عِنْدَك رَهْنًا بِهَا فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُبَلِّغْ ذَلِكَ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَ الْعَبْدَ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ حَتَّى يُبْلِغَهُ وَهُوَ خَاطَبَهُ بِالْعَزْلِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلَمَّا لَمْ يُبْلِغْهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ فَلِهَذَا جَازَ رَهْنُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِذَلِكَ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَرَهَنَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ يَعْنِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَظْهَرَ الْعَزْلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ أَبْلَغَهُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ قَبِلَ أَنْ يَرْهَنَهُ فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْعَبْدِ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَهُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ خَرَجَ الْمَحَلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ أَوْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِيهِ التَّصَرُّفَ الَّذِي فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ فَيَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بَلْ ثُبُوتُهُ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ رَهَنَهُ ثُمَّ افْتَكَّهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ قَدْ تَمَّ بِمَا بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِانْفِكَاكِ لَا يَنْفَسِخُ رَهْنُهُ مِنْ الْأَصْلِ بَلْ يَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يُعْقَدُ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ فَكَانَ الْفِكَاكُ تَقْدِيرًا

لَا فَسْخًا فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَرْهَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَ بَيْعُهُ مِنْ الْأَصْلِ بِسَبَبٍ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ لَمْ يَتِمَّ بِمَا صَنَعَ وَلِأَنَّ بِانْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ صَارَ ذَلِكَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْآمِرُ آخَرَ بِرَهْنِهِ فَرَهَنَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ لَهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَهَنَهُ ثُمَّ وَكَّلَ الْمَوْلَى بِرَهْنِهِ رَجُلًا ثُمَّ افْتَكَّهُ الْمَوْلَى ثُمَّ رَهَنَهُ الثَّانِي فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَمَّا حَصَلَ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ عَرَفْنَا أَنَّ مَقْصُودَهُ إضَافَةَ التَّوْكِيلِ إلَى حَالِ الْفِكَاكِ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ حَضَرَ الْوَكِيلُ فِي وَقْتٍ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَرْهَنَهُ فَإِذَا زَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ ذَلِكَ تَضَمَّنَ عَزْلَ الْوَكِيلِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَتَحْتُهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ صَارَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ إحْدَاهُنَّ إذَا فَارَقَ إحْدَاهُنَّ ثُمَّ زَوَّجَهَا الْوَكِيلَ صَحَّ وَمِثْلُهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ التَّوْكِيلِ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَاَلَّذِي يُوَضِّح الْفَرْقَ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ بِمَا صَنَعَهُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ عَزْلُ الْوَكِيلِ بِهِ

قَالَ وَإِذَا رَهَنَ الْوَكِيلُ عَبْدًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ أَنَّهُ نَاقَضَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ أَجَّرَهُ إيَّاهُ أَوْ بَاعَهُ فَالْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ تَصَرُّفًا سِوَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَمَّا مُنَاقَضَةُ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ قَالَ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُك وَقَدْ رَهَنَك هَذَا فَمُنَاقَضَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ خَرَجَ مِنْ الْوَسَطِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ فَمُنَاقَضَتُهُ كَمُنَاقَضَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ إنْ قَبَضَهُ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ هُوَ أَوْ الرَّاهِنَ فَالْمُنَاقَضَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمُنَاقَضَةِ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَدَّ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ فَإِذَا صَحَّتْ مُنَاقَضَتُهُ كَانَ هُوَ مُؤْتَمَنًا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحَقٍّ وَعَادَتْ يَدُهُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَانِيَةً لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالشَّيْءِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُكَرِّرَهُ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَمُنَاقَضَةُ الرَّهْنِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْحَالِ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ ثُمَّ كَتَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَهَنَهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا كَتَبَ الشِّرَاءَ سُمْعَةً فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا لَا يَكُونُ رَهْنًا وَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فِيمَا أَظْهَرَ وَجَعَلَ مِلْكَهُ فِي الْعَيْنِ بِعَرْضِ الْهَلَاكِ بِمَا كَتَبَ بِهِ مِنْ حُجَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَصَرُّفٍ بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ وَقَدْ أَبَى بِتَصَرُّفِ بَاطِنِهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ فَصَارَ ضَامِنًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ هَذَا ظَاهِرًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَعْقِدُونَ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ مُطْلَقًا فَيَمْلِكُ بِهِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ وَالضَّرَرُ الْمَوْهُومُ

الَّذِي قُلْنَا فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ قَدْ انْدَفَعَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَهْنٌ وَلَيْسَ بِشِرَاءٍ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَهَنْته عِنْدَ فُلَانٍ وَقَبَضْت مِنْهُ الْمَالَ وَهَلَكَ وَدَفَعْت إلَيْهِ الْعَبْدَ وَإِنَّمَا قُلْت لَهُ أَقْرِضْ فُلَانًا فَإِنَّهُ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَقْبِضْ هَذَا الْقَرْضَ وَلَمْ يَرْهَنْ الْعَبْدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمَالَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ يَجِبُ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْآمِرِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا لَوْ عَايَنَا هَذَا التَّصَرُّفَ فَإِنَّمَا حَصَلَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِوُجُوبِ الْمَالِ لِلْمُقْرِضِ عَلَى الْآمِرِ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فِي إلْزَامِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّطَهُ عَلَى مَالِ عَيْنٍ بِقَبْضِهِ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِإِنْكَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ الَّذِي اسْتَقْرَضَ الْمَالَ هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْعَبْدَ وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّ الْعَبْدِ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَيْهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِالْمَالِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ قَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَرْهَنَهُ بِمَا يَسْتَقْرِضُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُعِيرِ لِلْعَبْدِ مِنْهُ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ وَإِعَارَةُ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ صَحِيحَةٌ

قَالَ وَإِذَا أَذِنَ الْوَكِيلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي رُكُوبِ الرَّهْنِ وَاسْتِخْدَامِهِ فَفَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ بِالرَّهْنِ فَإِذْنُهُ فِيهِ وَإِذْنُ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَعْمِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ صَحِيحٍ فَلِهَذَا كَانَ ضَامِنًا قَالَ وَطَعَامُ الرَّهْنِ وَعَلَفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ اسْتَقْرَضَ الْمَالَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى صَارَ قَاضِيًا لِدَيْنِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ بِمِثْلِهِ فَلِهَذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعَارِ لِلِانْتِفَاعِ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَاكَ لِلْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْمُعِيرِ فَيُقَالُ إمَّا أَنْ تُنْفِقَ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِيُنْفِقَ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ الْمَكَانُ وَأَجْرُ رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ أَجْرِ الْحَافِظِ فَإِنَّ الْحِفْظَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ أَجْرُ الْحَافِظِ عَلَيْهِ وَالْمَكَانُ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَأَمَّا الرَّعْيُ فَلَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَكُونُ أَجْرُ الرَّاعِي عَلَيْهِ أَيْضًا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي قَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ أَمَانَةٍ لَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ ذُو الْيَدِ قَدْ دَفَعْتهمَا إلَى الْمُوَكِّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْوَكِيلِ إيَّاهُ بِالرَّدِّ كَمُطَالَبَةِ الْمُوَكِّلِ وَدَعْوَى الْأَمِينِ الرَّدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهُ سُلِّطَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ مُجْبَرٌ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْرَائِهِ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَنْ الْغَيْرِ حَتَّى إذَا ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ وَحَلَفَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنْ إذَا جَحَدَ وَحَلَفَ

وَإِنْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ وَدِيعَةً فَقَبَضَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَأَمَانَتِهِمَا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ جَازَ لِأَنَّهُمَا امْتَثَلَا أَمْرَهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ لِيَحْفَظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَلَمَّا اسْتَحْفَظَهُمَا عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ صَاحِبِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِيمَا يَطُولُ وَهُوَ اسْتِدَامَةُ الْحِفْظِ فَأَمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْقَبْضِ فَيَتَحَقَّقُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَكَمَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُودِعَهُ مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يُودِعَاهُ عِيَالَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ يَدَ عِيَالِ الْمُودِعِ فِي الْحِفْظِ كَيَدِ الْمُودِعِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ وَاحِدًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرْءَ إنَّمَا يَحْفَظُ الْمَالَ بِيَدِ عِيَالِهِ عَادَةً وَإِنْ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْوَكِيلَيْنِ لِأَنَّ الْحِفْظَ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ وَصَارَ تَسْلِيمُ الْمُودِعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ هَذَا التَّوْكِيلِ كَتَسْلِيمِهِ قَبْلَهُ فَكَانَ الْمُودِعُ ضَامِنًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى الْوَكِيلَيْنِ فَحِينَئِذٍ وُصُولُهُ إلَى يَدِهِمَا كَوُصُولِهِ إلَى يَدِ الْوَكِيلِ فِي بَرَاءَةِ الدَّافِعِ لَهُ عَنْ الضَّمَانِ

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ وَدِيعَتِهِ فَقَبَضَ بَعْضَهَا جَازَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ قَدْ تَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ كُلِّهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحْمِلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ بَعْضَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْبِضَهَا إلَّا جَمِيعًا فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهَا أَوْ يَصِيرَ ضَامِنًا لَهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَيَّدَ أَمْرَهُ وَنَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ إلَّا بِصِفَةٍ فَكُلُّ قَبْضٍ لَا يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَهُوَ قَبْضٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَإِنْ قَبَضَ مَا بَقِيَ قَبْلَ أَنْ يَهْلَكَ الْأَوَّلُ جَازَ الْقَبْضُ عَنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ الْكُلُّ عِنْدَ الْوَكِيلِ وَانْدَفَعَ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ عَنْ الْمُوَكِّلِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِعَبْدٍ لَهُ يَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ وَدِيعَةً فَأَتَاهُ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا اسْتَوْدَعَكَ هَذَا فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلَكَ فَلِرَبِّ الْعَبْدِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ حِينَ أَضَافَ الْإِيدَاعَ إلَى الْآمِرِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ رَسُولًا وَتَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ يُخْرِجُ فَكَانَ هُوَ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَصِيرُ الْمُودِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ غَاصِبًا وَهُوَ بِالْقَبْضِ كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ قَدْ أَمَرَك فُلَانٌ أَنْ تَسْتَخْدِمَهُ أَوْ تَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَفَعَلَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فَالْمُسْتَوْدِعُ ضَامِنٌ إنْ كَانَ كَذَّبَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ بِاسْتِعْمَالِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِدَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ يَصِيرُ غَاصِبًا وَلَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَد مِنْهُ فِعْلٌ مُتَّصِلٌ بِالْعَيْنِ إنَّمَا غَرَّهُ بِخَبَرِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ زُورًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ هَذَا الطَّرِيقُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَأُخِذَ مَتَاعُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُخْبِرُ شَيْئًا

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ عَارِيَّةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْوَارِثِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَارِثِ الرِّضَا بِقَبْضِهِ وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ قَدْ كُنْتُ قَبَضْتُهَا فِي حَيَاتِهِ وَهَلَكَتْ عِنْدِي أَوْ دَفَعْتُهَا إلَى الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْمُودِعَ لَوْ ادَّعَى هُنَا الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَكِيلُ فَإِذَا صَدَّقَهُ أَوْلَى وَفِي الدَّيْنِ لَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَجَحَدَ الْوَكِيلُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْوَارِثِ فَتَصْدِيقُهُ كَتَكْذِيبِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ مَا اعْتَرَضَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً كَانَ لِلْمُسْتَوْدِعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِإِمْسَاكِ عَيْنِهِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَبَدَلِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْعَبْدِ وَالْقَاتِلُ جَانٍ عَلَى حَقِّهِ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَخْذُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مُودِعٌ فِي الْعَيْنِ فَتَتَعَذَّرُ وِلَايَتُهُ عَلَى الْعَيْنِ وَلَا تَتَعَدَّى إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً بِمِلْكِ أَحَدٍ يَجُوزُ لَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَأَمَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الْقِيمَةِ ثُمَّ فَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بَيْنَ الْمُودِعِ وَالْوَكِيلِ قَالُوا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقْبِضَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِي الْقَبْضِ وَإِنَّمَا أَنَابَهُ الْمُوَكِّلُ فِي قَبْضِ الْعَبْدِ دُونَ الْقِيمَةِ وَقَدْ يُخْتَارُ الْمَرْءُ بِقَبْضِ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لِأَدَائِهِ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ النُّقُودِ فَأَمَّا الْمُودِعُ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَيْنِ فَأَزَالَهَا الْقَاتِلُ بِجِنَايَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْقِيمَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ بِحُكْمِ يَدِهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ قَبَضَ الْعَبْدَ ثُمَّ قُتِلَ عِنْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ صَارَ مُودِعًا فِيهِ وَلَوْ جَنَى عَلَى الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَكِيلُ فَأَخَذَ الْمُسْتَوْدِعُ الْأَرْشَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْعَبْدَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْأَرْشِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي قَبْضِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى قَبْضِ الْأَرْشِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ أَجَّرَهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْأَجْرَ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً

فَوُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَهْرَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالِكَ إنَّمَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي قَبْضِ الْعَبْدِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ نَائِبًا فِي قَبْضِ مَا انْقَلَبَ مِنْ الْعَيْنِ دَرَاهِمَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ أَمَةٍ أَوْ شَاةٍ فَوَلَدَتْ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِالْوَكَالَةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ هَذَا الْجُزْءِ بِالِانْفِصَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ شَخْصٌ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ ثُمَّ نَقُولُ الْوَلَدُ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَلَا يَبْقَى مَحْفُوظًا إلَّا مَعَ الْأُمِّ وَمَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ مِنْ هَذَا التَّوْكِيلِ صِيَانَةُ مَالِهِ فَلِهَذَا يَتَعَدَّى أَمْرُهُ إلَى مَا يَلِدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَرْشِ وَالْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَيَبْقَى مَحْفُوظًا مُنْفَصِلًا مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَضَ الْمُنْفَصِلُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ هُنَاكَ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ قَبْضَ الْوَلَدِ مَعَ الْأَصْلِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنُصَّ فِي التَّوْكِيلِ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْوَلَدِ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّوْكِيلِ فَأَمَّا مَا يَنْفَصِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ الْمُوَكِّلُ يَعْلَمُ بِهِ لِيَنُصَّ فِي التَّوْكِيلِ عَلَى قَبْضِهِ فَلِهَذَا يَتَعَدَّى حُكْمُ الْآمِرِ إلَيْهِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ بِأَمْرِ رَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ لِأَنَّ ائْتِمَانَهُ إيَّاهُ فِي قَبْضِ الْبُسْتَانِ لَا يَكُونُ ائْتِمَانًا فِي قَبْضِ الدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّ ائْتِمَانَهُ إيَّاهُ فِي قَبْضِ الْبُسْتَانِ يَكُونُ ائْتِمَانًا فِي قَبْضِ الثِّمَارِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَشْجَارِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ وَكَمَا لَا يَقْبِضُ ثَمَنَ الثِّمَارِ لَا يَقْبِضُ ثَمَنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَلَا قِيمَتَهُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ

قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ وَقَبَضَ الْمُسْتَوْدِعُ مِثْلَهَا مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمِثْلَ لِأَنَّ الْمِثْلَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الْعَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى إذْنُهُ إلَى عَيْنٍ أُخْرَى وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمِثْلَ لِأَنَّ رِضَاهُ بِأَمَانَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَقَدْ يُؤَدِّي الْإِنْسَانُ الْأَمَانَةَ مِنْ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ فَائْتِمَانُهُ إيَّاهُ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا الْمِثْلُ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ فَائْتِمَانُهُ إيَّاهُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ يَقْتَضِي الِائْتِمَانَ فِي الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يُفِيدُ دُونَ مَا لَا يُفِيدُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَعْيِينَ النُّقُودِ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ فِي تَعْيِينِ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْقُدَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَكَلَهَا الْمُسْتَوْدِعُ أَمَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَهَا وَالْجَوَابُ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ وَفِيمَا اسْتَشْهَدَ لَهُ سَوَاءٌ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ اسْتَوْدَعَهَا إيَّاهُ ثَانِيَةً لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ تَمَّ مَقْصُودُهُ فَانْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَلِأَنَّ إيدَاعَهُ ثَانِيًا عَقْدٌ جَدِيدٌ وَالتَّوْكِيلُ بِاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ بِحُكْمِ عَقْدٍ لَا يَتَعَدَّى إلَى اسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ بِعَقْدٍ آخَرَ كَمَا لَا يَتَعَدَّى مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهَا الْوَكِيلُ أَوَّلًا وَدَفَعَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ اسْتَوْدَعَهَا الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِاسْتِرْدَادِ الْوَكِيلِ إيَّاهَا فَكَانَ هُوَ فِي اسْتِرْدَادِهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْوَكِيلُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِهَا مَا كَانَ عَامِلًا لِلْمُسْتَوْدِعِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدَعُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ مَكَّنَهَا بِالضَّمَانِ وَمَا رَضِيَ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ لَهُ وَحَالُهُمَا كَحَالِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ مَعَ الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَبَقَ

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَقَالَ اقْبِضْهَا الْيَوْمَ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا غَدًا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَوَقَّتُ بِالتَّوْقِيتِ فَإِذَا وَقَّتَهَا بِالْيَوْمِ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ .
كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا غَدًا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لَيْسَ لِتَوْقِيتِ الْوَكَالَةِ بَلْ لِلتَّعْجِيلِ فِي قَبْضِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ اقْبِضْهَا السَّاعَةَ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْبِضْهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا مَتَى شَاءَ فَقَوْلُهُ الْيَوْمَ سُكُوتٌ عَمَّا بَعْدَهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَزْلًا عَمَّا كَانَ ثَابِتًا لَهُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ الْيَوْمَ بِيَدِكِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْمَجْلِسِ فَقَوْلُهُ الْيَوْمَ لِمَدِّ حُكْمِ الْأَمْرِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَدِ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهَا وَلَوْ قَالَ اقْبِضْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَقَبَضَهَا وَهُوَ غَيْرُ حَاضِرٍ جَازَ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْبِضْهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا سَوَاءٌ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَقَوْلُهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ سُكُوتٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ فَيَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اقْبِضْهَا بِشُهُودٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا تَقْبِضْهَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ هُنَاكَ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ وَاسْتَثْنَى قَبْضًا بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ وَكُلُّ قَبْضٍ لَا يَكُونُ بِمَحْضَرٍ مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ لِعُمُومِهِ دُونَ الْإِذْنِ

قَالَ وَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ وَدِيعَةَ رَجُلٍ فَقَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَا وَكَّلْتُك وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ الْمُسْتَوْدِعُ رَجَعَ بِالْمَالِ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَإِنْ قَالَ هَلَكَ مِنِّي أَوْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى التَّقْسِيمِ الَّذِي قُلْنَا إنْ صَدَّقَهُ الْمُسْتَوْدِعُ بِالْوَكَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ لِمَا قُلْنَا

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَابَّةٍ اسْتَعَارَهَا مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ وَرَكِبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ إنَّمَا رَضِيَ بِرُكُوبِ الْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْوَكِيلِ وَالرُّكُوبُ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ فَرُبَّ رَاكِبٍ يُرَوِّضُ الدَّابَّةَ رُكُوبُهُ وَالْآخَرُ يُتْلِفُ الدَّابَّةَ رُكُوبُهُ فَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيلُ ضَامِنًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ فِي الرُّكُوبِ مَا كَانَ عَامِلًا لَهُ وَلَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَتِهِ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تَنْقَادُ لِلسُّوقِ مِنْ غَيْرِ رُكُوبٍ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَادُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ لَمَّا دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ لِيَأْتِيَ بِهَا الْمُسْتَعِيرَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَنْقَادُ إلَّا بِالرُّكُوبِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِرُكُوبِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ وَكِيلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ رُدَّ الْمُكَاتَبُ فِي الرِّقِّ فَقَبَضَهَا الْوَكِيلُ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَبْدًا تَاجِرًا فَحَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ فِيمَا بَاشَرَ الْإِيدَاعَ بِنَفْسِهِ أَوْ الْمُعَامَلَةَ حَقُّ الْقَبْضِ إلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ يَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا مُسَمًّى عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا فَيَأْتِيَهُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ حَمْلُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ وَذَلِكَ عَمَلٌ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ دَيْنًا يَتَقَاضَاهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ لَهُ أَيَّامًا لِأَنَّ عَمَلَ التَّقَاضِي لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْمِقْدَارِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَجَعَلَ لَهُ أَجْرًا كَانَ فَاسِدًا إلَّا أَنْ يُوَقِّتَ أَيَّامًا لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ

وَإِنْ وَكَّلَ الْوَصِيُّ وَكِيلًا بِدَفْعِ وَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِمَا كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي التَّوْكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْهِبَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجُوزُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ تَجْزِي فِيهِ النِّيَابَةُ وَإِذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَقُومُ فِعْلُ الْوَكِيلِ فِيهِ مَقَامَ فِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْقَبْضِ وَالصَّدَقَةُ نَظِيرُ الْهِبَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّوْكِيلُ بِهِ يَصِحُّ وَإِذَا وُكِّلَ الْوَاهِبُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْمَوْهُوبُ بِالْقَبْضِ وَقَامَا جَمِيعًا فَامْتَنَعَ وَكِيلُ الْوَاهِبِ مِنْ التَّسْلِيمِ فَخَاصَمَهُ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ وَكَّلَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَأُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْعَيْنَ لَا أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ فِعْلٍ فَإِنَّ وَكِيلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ يُثْبِتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ قَبَضَهُ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا ادَّعَى مُدَّعٍ فِي ذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْوَكِيلَيْنِ خَصْمًا فِي خُصُومَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينٌ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ وَالْأَمِينُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يُحْضِرْ صَاحِبَهَا

وَلَيْسَ لِوَكِيلِ الْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِعَقْدِ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْهِبَةُ تَبَرُّعًا مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَكَمَا بَاشَرَ عَقْدَ الْهِبَةِ وَسَلِمَتْ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ وَالْتَحَقَ بِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْعِوَضُ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِلْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ

قَالَ وَلَوْ أَرَادَ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ فِي يَدِ وَكِيلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ خَصْمًا لَهُ فِيهِ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ وَالْعِوَضُ مَقْصُودٌ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَالْقَبْضُ ثَابِتٌ مَحْضٌ فَانْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِقَبْضِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَقُولُ سَلِّمْ إلَيَّ مَا وَهَبْتَ لِفُلَانٍ وَلَا يَقُولُ مَا وَهَبْتَهُ لِي وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِقَبُولِ الْهِبَةِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَقُولَ هَبْ لِفُلَانٍ كَذَا حَتَّى لَوْ قَالَ هَبْ لِي كَانَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا قَالَ بِعْ مِنِّي لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمُوَكِّلِ هُنَاكَ يُوجِبُ ضَمَانَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ وَلَيْسَ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ ضَمَانُ الثَّمَنِ فَلِهَذَا جُعِلَ مُلْتَمِسًا الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْآمِرِ

قَالَ وَلَوْ وَهَبَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ وَكَّلَا رَجُلًا بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَا رَجُلَيْنِ أَوْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ نَائِبٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ وَيَجُوزُ نِيَابَةُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ وَعَنْ الِاثْنَيْنِ فَإِنْ دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَيْهِ أَوْ قَبَضَهَا مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ جَازَ لِأَنَّهُمَا حِينَ وَكَّلَا هَذَيْنِ بِدَفْعِهَا فَقَدْ سَلَّطَا الْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى قَبْضِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْقَبْضِ عِنْدَ وُجُودِ التَّسْلِيطِ مِنْ الْوَاهِبِ تَصْرِيحًا أَوْ دَلَالَةً

قَالَ وَإِذَا وَهَبَ الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَوَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقَبْضِهَا مُسْلِمًا أَوْ وَكَّلَ الْوَاهِبُ بِدَفْعِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ مُسْلِمًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ مُمَلَّكٍ وَلَا يَتَمَلَّكُ بَلْ هُوَ نَائِبٌ فِي الْقَبْضِ أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْمُسْلِمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ الذِّمِّيِّ أَمِينًا لَهُ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِ الْهِبَةِ فَقَبَضَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِهَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ دَفْعِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِدَفْعِهَا جَازَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَقْبِضُهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَجَازَ صِفَةً عَلَى الْعُمُومِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صِفَتِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَهَبَ الثَّوْبَ لِفُلَانٍ عَلَى عِوَضٍ يَقْبِضُهُ مِنْهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْعِوَضَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْهِبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَإِنَّ اسْمَ الْعِوَضِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِثْلَ الْمَوْهُوبِ أَوْ دُونَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَكِيلًا بِأَنْ يُعَوِّضَ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَدَفَعَ عِوَضَهُ مِنْ عُرُوضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مَا أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ مَجْهُولٌ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِي وَاسْتَبْدِلْ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ عَوِّضْ لَهُ مِنْ مَالِي مَا شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ قَالَ لَهُ عَوِّضْ عَنِّي مِنْ مَالِك عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهُ فَعَوَّضَهُ عِوَضًا جَازَ وَرَجَعَ بِمِثْلِهِ عَلَى الْآمِرِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَبِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لِأَنَّهُ بِاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا مِنْهُ بِعِوَضٍ لَهُ مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَجَهَالَةُ مَا يُعَوِّضُهُ هُنَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ التَّعْوِيضِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَتَعْيِينُهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمَانِ إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ لَهُ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ مَعْلُومَيْنِ وَالْعِوَضُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِقْرَاضِ إذَا كَانَ عِنْدَ الْإِقْرَاضِ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا فَإِنَّ هُنَاكَ هُوَ فِي أَصْلُ التَّعْوِيضِ نَائِبٌ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْيِينَ إلَّا عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ قَالَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الضَّمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَوَّضَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّعْوِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ مُسْقِطًا عَنْهُ بِهَذَا التَّعْوِيضِ مَا هُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ

مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْآمِرِ هُنَاكَ فَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ ذِمَّتِهِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُعَوِّضُ عَنْ الْهِبَةِ لَا يَمْلِكُ بِالتَّعْوِيضِ شَيْئًا فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ

قَالَ وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي الرُّجُوعِ بِالْهِبَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ عِنْدَ طَلَبِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ طَلَبِ وَكِيلِهِ لَهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى الْمَوْهُوبِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ بِالْقَبْضِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَقْبِضَ لَهُ دَيْنًا مِنْ فُلَانٍ فَيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ هِبَةً مِنْهُ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِشَيْئَيْنِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ ثُمَّ بِعَقْدِ الْهِبَةِ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِمَا وَتَوْكِيلُهُ بِهِبَةِ دَيْنٍ يَقْبِضُهُ مِنْ مَدْيُونِهِ كَتَوْكِيلِهِ بِهِبَةِ عَيْنٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَيَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يُضِيفُهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ الْمَدْيُونُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالدَّفْعِ يَكُونُ تَسْلِيطًا لِلْآخَرِ عَلَى الْقَبْضِ فَإِنْ قَالَ الْغَرِيمُ قَدْ دَفَعْتُ إلَيْهِ فَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ الْغَرِيمُ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى الْمَوْهُوبِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ إلَى الْوَاهِبِ فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ الدَّفْعُ وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ مِنْهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ الْغَرِيمُ قَدْ دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ وَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ دَفَعْتُهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَالْغَرِيمُ وَالْوَكِيلُ بَرِيئَانِ فَتَصْدِيقُ الْوَكِيلِ لِاخْتِيَارِهِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِينِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ ادَّعَى ثُبُوتَ وُصُولِ شَيْءٍ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يُثْبِتُ بِقَوْلِهِ وُصُولَ الْهِبَةِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَهَبُ مَا عَلَى مُكَاتَبِهِ لِرَجُلٍ وَيَأْمُرُ آخَرَ بِقَبْضِهِ وَدَفْعِهِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ فِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ عَلَى مَالِ أَوْ غَيْرِ مَالٍ فَلَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ نَفْسَكَ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْعِتْقِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ وَوُجُوبُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ أَلَا تَرَى أَنَّ هُنَاكَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ وَهُنَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ الْوَكِيلِ مِثْلُ الْوَكَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهُ ثُمَّ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ هُنَا لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ وَإِنْ كَانَ بِمَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَا يَمْلِكَانِهِ فِي عَبْدِ الْيَتِيمِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّبَرُّعِ نَائِبٌ مَحْضٌ وَأَنَّ الْمُعْتِقَ هُوَ الْمَوْلَى دُونَ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى وَالشَّرْعُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُطَالِبُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَالْوَكِيلُ بِالْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَكُونُ إلَيْهِ قَبْضُ الْبَدَلِ بَلْ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ نَائِبِهِ كَمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ فَدَبَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ سِوَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ وَالْمَأْمُورِ بِالتَّنْجِيزِ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ وَلَا الْإِضَافَةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا أَوْ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ قَبُولِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ آخَرَ وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّبَرُّعِ الْمَحْضِ وَرُبَّمَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ مَقْصُودٌ يُفَوِّتُ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ وَهُوَ الْجَوَازُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ آخَرُ سِوَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ آخَرَ بِإِعْتَاقِهِ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ لَا يُثْبِتُ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةَ تَوْكِيلِ الْغَيْرِ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَاوِي تَأْثِيرَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْعِتْقِ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ وَهُوَ إنَّمَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْإِعْتَاقِ خَاصَّةً

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ غَدًا فَأَعْتَقَهُ الْيَوْمَ كَانَ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ أَضَافَ وَكَالَتَهُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَهُ غَدًا جَازَ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ التَّعْجِيلُ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ الْوَكَالَةَ بِالْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَعْتِقْهُ السَّاعَةَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ عَنْهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ أَوْ غَيْرِ مَالٍ أَوْ كَاتَبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَمُبَاشَرَةُ هَذَا الْعَقْدِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْعِبَادَةِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ أَلْبَتَّةَ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِ مَالٍ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْمَوْلَى فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْلَى لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ لَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ بِجَعْلٍ أَوْ غَيْرِ جَعْلٍ فَلَمْ يَخْرُجْ الْمَحَلُّ بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِمَا فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ أُمَّتَهُ فَوَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَلَدَهَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعِتْقِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَلَا يَمْلِكُ عِتْقَ شَخْصَيْنِ وَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْعِتْقِ لَيْسَتْ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي الْأُمِّ وَإِنَّمَا يَسْرِي عَلَى الْوَلَدِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا فِي الْأُمِّ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلْوَلَدِ عَنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْكِتَابَةُ وَالْبَيْعُ عَلَى هَذَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِهِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ فِي الْأُمِّ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأُمِّ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ يَبِيعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ بَعْدَ الْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ فِيهِ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِهِ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ يَتَضَمَّنُ خُرُوجَ الْوَكِيلِ مِنْ الْوَكَالَةِ حُكْمًا فَإِنْ رَجَعَ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَكَانَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ كَانَ حُكْمًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَا يَظْهَرُ بَعْدَ عَوْدِ ذَلِكَ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ هُوَ تَمْلِيكٌ فَسَدَ مِنْ وَجْهٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِالْإِقَالَةِ أَوْ الْمِيرَاثِ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ تَعَلُّقَهَا كَانَ بِذَلِكَ الْمِلْكِ وَالْعَائِدُ مَلَكَ غَيْرَ ذَلِكَ الْمِلْكِ قَالَ وَلَوْ بَاشَرَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَأَدْخَلُوهُ دَارَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ بِالثَّمَنِ أَوْ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذَا الطَّرِيقِ يُعِيدُهُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَقَدْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُتَعَلِّقَةً بِذَلِكَ الْمِلْكِ فَإِذَا عَادَ عَادَتْ الْوَكَالَةُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ أُمَّتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ فَأُسِرَتْ وَمَلَكهَا الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْوَكِيلِ فِيهَا لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِإِزَالَةِ رِقٍّ كَانَ فِيهَا وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى وَهَذَا الْحَادِثُ رِقٌّ مُتَجَدِّدُ السَّبَبِ فَلَا يَكُونُ هُوَ وَكِيلًا بِإِزَالَتِهِ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مُسْتَأْنَفٍ

قَالَ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ أَعْتَقْتُهُ أَمْسِ وَجَحَدَ ذَلِكَ رَبُّ الْعَبْدِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْعِتْقِ تَنْتَهِي بِالْفَرَاغِ مِنْهُ فَكَيْفَ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَلَيْسَ هُوَ بِوَكِيلٍ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْقَى بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْعِتْقِ مُعَبِّرٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ إنْشَاءَ الْعِتْقِ دُونَ الْإِقْرَارِ وَكَانَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ سِوَى الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا لِلْآمِرِ وَيَبْقَى الْمَأْمُورُ عَلَى وَكَالَتِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَبَى أَنْ يُعْتِقَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُعِيرٌ لِمَنَافِعِهِ وَالْمُعِيرُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى تَسْلِيمِ مَا أَعَارَهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْتَ فَقَالَ قَدْ شِئْتُ لَمْ يُعْتِقْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّنْجِيزِ وَقَدْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةٍ أَوْ بِتَمْلِيكِ الْآمِرِ مِنْ الْعَبْدِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى وَكَالَتِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا مِنْهُ

قَالَ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْعَبْدِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَبِأَيِّ لَفْظٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يَكُونُ كَقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ وَحَرَّرْتُكَ وَكَمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ يَحْصُلُ بِالْكِتَابِ أَيْضًا حَتَّى إذَا كَتَبَ بِعِتْقِهِ جَازَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْتَرِيه مُكَفِّرًا فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا

قَالَ وَإِنْ قَالَ لَهُ أَعْتِقْ نَفْسَكَ بِمَا شِئْتَ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ عَلَى دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ رَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَلَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ لِلْمَوْلَى يَبْقَى قَوْلُ الْعَبْدِ أَعْتَقْتُ نَفْسِي بِدِرْهَمٍ فَيُوقَفُ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الْمَوْلَى بِهِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْعَبْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْ نَفْسَكَ مِنْ نَفْسِكَ بِمَا شِئْتَ فَبَاعَ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا رَضِيَ الْمَوْلَى بِهِ وَالطَّلَاقُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قِيَاسُ الْعِتْقِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِي الْبَدَلِ إلَى رَأْيِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى فِي قَبُولِ الْبَدَلِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ نَائِبًا فِي تَعْيِينِ جِنْسِ الْبَدَلِ وَمِقْدَارِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ فَأَعْتَقَهُ عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي ثُبُوتِ التَّقْيِيدِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى شَيْءٍ فَمَا أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا هُنَاكَ يَتَقَيَّدُ مُطْلَقُ اللَّفْظِ بِالْبَيْعِ لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ هُنَاكَ فَإِنَّ الْإِعْتَاقَ بِغَيْرِ النُّقُودِ مِنْ الْأَمْوَالِ مُتَعَارَفٌ كَالْإِعْتَاقِ بِالنُّقُودِ فَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى أَيِّ صِنْفٍ مِنْ الْمَالِ يُسَمِّيهِ

وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْوَكِيلُ فِي جِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ الْبَدَلِ أَوْ فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إلَّا مَا يُقِرُّ بِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى جَعْلٍ فَأَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ بِمَا صَنَعَ فَإِنَّ الْعِتْقَ بِالْخَمْرِ لَوْ بَاشَرَهُ الْمَالِكُ كَانَ عِتْقًا بِعِوَضٍ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمَالِيَّةِ فِي الْخَمْرِ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لَوْ بَاشَرَهُ الْمَالِكُ كَانَ عِتْقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ إذْ لَيْسَ فِي الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ شُبْهَةُ الْمَالِيَّةِ فَبِتَسْمِيَتِهِ لَا يَصِيرُ مُمْتَثِلًا لِانْعِدَامِ الرِّضَا بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِعِتْقٍ بِعِوَضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَالَ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى حُكْمِ الْعَبْدِ أَوْ عَلَى حُكْمِ الْوَكِيلِ جَازَ الْعِتْقُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ كَانَ عِتْقًا بِعِوَضٍ فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ غَيْرَ أَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَبْدُ أَوْ الْوَكِيلُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَعِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَكِنْ لِاشْتِرَاطِ أَصْلِ الْمَالِ بِهَذَا اللَّفْظِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا بِالْعِتْقِ مَجَّانًا

قَالَ وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ جَازَ الْعِتْقُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ حِينَ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِيمَا صَنَعَ وَقَدْ سَمَّى مَا هُوَ مَالٌ وَهُوَ الْعَبْدُ فَإِذَا ظَهَرَتْ حُرِّيَّتُهُ تَبَيَّنَ بِهِ فَسَادُ التَّسْمِيَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى عَبْدٍ وَاسْتُحِقَّ جَازَ الْعِتْقُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُسْتَحَقِّ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ بِمَالٍ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ ثُمَّ حُكْمُ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حُكْمِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى جَعْلٍ فَأَعْتَقَهُ عَلَى شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ عَلَى دَنِّ خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَإِذَا الشَّاةُ مَيِّتَةٌ وَالْخَلُّ خَمْرٌ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ فِي الْخَمْرِ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ فِي الشَّاةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَيْتَةِ شُبْهَةُ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَصِيرُ بِهَا الْعِتْقُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَفِيهَا شُبْهَةُ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْعِتْقُ بِعِوَضٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَمْرِ فَلَيْسَ فِي تَسْمِيَةِ الشَّاةِ مَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ الْعِوَضِ لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمَذْبُوحَةَ بِخِلَافِ تَسْمِيَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْمَ الْعَبْدِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا هُوَ مَالٌ فَبِذِكْرِهِ يَثْبُتُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ عَلَى جَعْلٍ فَأَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْعِتْقِ بِمَالٍ نَائِبٌ مَحْضٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ دَيْنُ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ وَهُوَ الْمَوْلَى كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَلِهَذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَالْكِتَابَةُ فِي هَذَا قِيَاسُ الْعِتْقِ بِالْجَعْلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ أَيْضًا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَيَسْأَلَهُ لَهُ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمَوْلَى فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَكِيلِ شَيْءٌ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْمَالَ عَلَى الْوَكِيلِ وَهَكَذَا أَجَابَ فِي الْجَامِعِ إلَّا أَنَّ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ وَيَسْأَلُهُ الْعِتْقَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ يَسْأَلُهُ لَهُ الْعِتْقَ فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَقَوْلُهُ يَسْأَلُهُ الْعِتْقَ تَفْسِيرٌ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ وَبَيَانُ أَنَّهُ جُعِلَ رَسُولًا إلَى الْمَوْلَى وَالْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الرَّسُولِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ الْعَبْدُ فَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَ هُنَا دُونَ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ بِجَعْلٍ يَكُونُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْآمِرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ كَالْوَكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ تَوْكِيلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِهِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ فَكَمَا أَنَّهُ هُنَاكَ يَصِيرُ الْمَطْلُوبُ بِتَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ هُنَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَإِنَّ الَّذِي فِي جَانِبِ الْمَوْلَى إعْتَاقٌ بِمَالٍ يَشْتَرِطُهُ وَاَلَّذِي فِي جَانِبِ الْعَبْدِ الْتِزَامُ الْمَالِ فَالْوَكِيلُ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى يَكُونُ وَكِيلًا بِالْإِعْتَاقِ فَكَانَ مُعَبِّرًا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ وَالْوَكِيلُ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ

وَكِيلٌ بِالْتِزَامِ الْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِنْ الْبَيَانِ فَقَدْ أَمْلَيْنَاهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْكُلَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الْكُلُّ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَالثَّانِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَسْمِيَةُ النِّصْفِ غَيْرُ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ وَالْوَكِيلُ مَتَى زَادَ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَأَتَى بِغَيْرِهِ كَانَ مُخَالِفًا فَهُنَا الْمُوَكِّلُ أَمَرَهُ بِإِعْتَاقِ النِّصْفِ وَهُوَ قَدْ سَمَّى الْكُلَّ فَصَارَ مُخَالِفًا فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ فَالتَّوْكِيلُ بِإِعْتَاقِ النِّصْفِ وَإِعْتَاقِ الْكُلِّ سَوَاءٌ وَيَكُونُ هُوَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْمُوَكِّلِ فِي إعْتَاقِ الْكُلِّ فَلِهَذَا عَتَقَ كُلُّهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ كُلَّهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ عَتَقَ النِّصْفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ نِصْفَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَتَى بِبَعْضِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَيُعْتَقُ نِصْفُهُ وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى جَعْلٍ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَأَعْتَقَهُ عَلَى أَلْفٍ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُعْتَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ لِأَنَّ الْبَدَلَ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً فَإِنَّ اسْمَ الْأَلْفِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَعْدُودٍ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عِتْقٍ بِغَيْرِ جَعْلٍ فَيَكُونُ بَاطِلًا مِنْ الْوَكِيلِ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا فَقُلْنَا الْوَكِيلُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ بِنَفْسِهِ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى هَذَا كَانَ عِتْقًا بِعِوَضٍ وَكَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا فَعَلَهُ وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّسْمِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ تَسْمِيَةِ النَّقْدِ مَعْرُوفٌ فَكَذَلِكَ مُطْلَقُ تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مِثْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ الْأَلْفِ هُوَ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ هُوَ الْإِعْتَاقُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ فَصَارَ الثَّابِتُ بِالْعَادَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُكَاتَبَ لِأَنَّهُ فِي الْعَقْدِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِ مِنْ قَبْضِ الْبَدَلِ شَيْءٌ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَبْرَأْ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ قَدْ انْتَهَتْ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ فَكَانَ هُوَ فِي قَبْضِ الْبَدَلِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِهَذَا لَا يَسْتَفِيدُ الْمُكَاتَبُ الْبَرَاءَةَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ الْمُقَيِّدُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّقْيِيدَ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى غَنَمٍ أَوْ صِنْفٍ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ مِنْ الْمَكِيلِ جَازَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُشْكِلُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا الِاخْتِصَاصُ بِالنَّقْدِ هُنَاكَ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ هُنَا فَالْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ النُّقُودِ مِنْ الْأَمْوَالِ مُتَعَارَفٌ وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا جَازَ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدَيْنِ يَبِيعُ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَيَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إنْ كَاتَبَهُمَا مَعًا فَكَانَ الْمُوَكِّلُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ كَالشَّارِطِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَرِّقَ الْعَقْدَ فَإِذَا فَرَّقَ كَانَ مُخَالِفًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِرَهْنٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ رَهْنٍ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ كَفَالَةٍ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْهُ بِشُهُودٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالْكَفَالَةَ إنَّمَا يَشْتَرِطَانِ فِي الْعَقْدِ وَيَصِيرُ مُسْتَحِقًّا بِالشَّرْطِ وَحَرْفُ الْبَاءِ لِلْوَصْلِ فَإِنَّمَا أَقَرَّ أَنْ يَصِلَ شَرْطَ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ بِالْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ فَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَا يَتَحَقَّقُ اشْتِرَاطُهُمْ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَخْرُجُ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ الْمَوْلَى فَعَجَزَ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُكَاتِبَهُ لِأَنَّ مَا قَصَدَهُ الْمُوَكِّلُ بِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَتَكُونُ مُبَاشَرَتُهُ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ ثُمَّ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ مِنْ الْأَصْلِ وَلَكِنْ تَرْتَفِعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ السَّبَبَ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ فَلِهَذَا لَا تَعُودُ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يَبِيعَهُ ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ فَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ مَا صَنَعَهُ الْوَكِيلُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ بِجِنَايَتِهِ لَا يَمْنَعُ الْمُوَكِّلَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ أَيْضًا وَابْتِدَاءُ التَّوْكِيلِ صَحِيحٌ بَعْدَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى ثُمَّ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِفِعْلٍ مِنْهُ سَبَقَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمَوْلَى فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ دَبَّرَهُ قَبْلَ جِنَايَتِهِ وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْوَكَالَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ لِكَوْنِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْعَزْلِ فَيَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ

وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدِي هَذَا أَوْ كَاتِبْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَلَى مَالٍ فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ الْوَكِيلُ جَازَ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَالَ كَاتِبْ عَبْدِي هَذَا أَوْ هَذَا فَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْمَوْلَى خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ أَوْ فَإِنْ كَاتَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ جَازَتْ مُكَاتَبَةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِكِتَابَةِ أَحَدِهِمَا فَإِذَا كَاتَبَ الْأَوَّلَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَاتَبَهُمَا مَعًا فَكِتَابَتُهُمَا بَاطِلَةٌ إذَا جَعَلَ النُّجُومَ وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِمُكَاتَبَتِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْعَقْدِ فِيهِمَا وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ النُّجُومَ وَاحِدَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى يَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا مُمْكِنٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ مُتَفَرِّقً فَهُوَ فِي كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الْمَوْلَى وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُعَبِّرٌ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِ مِنْ خِيَارِ الْبَيَانِ شَيْءٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي حُكْمِ الْإِسْقَاطِ دُونَ التَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى يَصِيرَ لِلْمُكَاتَبِ كَمَا أَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ الْحَقِّ عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ لَأَنْ يَكُونَ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي التَّمْلِيكَاتِ لَا فِي الْإِسْقَاطَاتِ فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَيَّ هَاتَيْنِ فَزَوَّجَهُمَا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا

يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَزْوِيجِ إحْدَاهُمَا وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَا فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ كَالْكِتَابَةِ فَقَالَ يَجُوزُ فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِبَيْعِهَا

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ يَوْمَ السَّبْتِ قَدْ كَاتَبْتُهُ أَمْسِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ عَلَى كَذَا وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْعَقْدِ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَإِنَّ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَدْ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَجُوِّزَ إقْرَارُهُ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ أَخْبَرَ بِمَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّوْقِيتَ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ لَا فِي الْإِقْرَارِ بِهِ فَجُعِلَ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ كَأَنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ مُطْلَقًا فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ كَانَ إقْرَارُهُ صَحِيحًا وَعَلَى هَذَا الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ وَكَّلَنِي أَمْسِ وَكَاتَبْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ وَقَالَ رَبُّ الْعَبْدِ إنَّمَا وَكَّلْتُكَ الْيَوْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ أَمْسِ وَإِذَا لَمْ يُثْبِتْ التَّوْكِيلَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَضَافَ الْوَكِيلُ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ إلَيْهِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا وَلَوْ قَالَ أَيُّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ كَاتِبْهُ فَهُوَ جَائِزٌ فَأَيُّهُمَا كَاتَبَهُ جَازَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ فِيهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَأَيُّهُمَا كَاتَبَهُ جَازَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَأَبَى الْعَبْدُ أَنْ يَقْبَلَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي قَبُولِ ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ الْوَكِيلُ جَازَ لِأَنَّ بِإِبَاءِ الْعَبْدِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ كِتَابَتِهِ وَإِذَا بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ بِقَبُولِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَبِلَ فِي الِابْتِدَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

قَالَ بَابُ وَكَالَةِ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَوْكِيلُ الْمُضَارِبِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْمُضَارَبَةِ جَائِزٌ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ إقَامَةَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَلَمَّا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً عَلَى عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَدْ صَارَ آذِنًا لَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِالْمُضَارَبَةِ فَاشْتَرَى لَهُ أَخَا رَبِّ الْمَالِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارِبِ دُونَ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ شِرَاءَ وَكِيلِ الْمُضَارِبِ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْمُضَارِبِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ اشْتَرَى أَخَا رَبِّ الْمَالِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِيُحَصِّلَ الرِّبْحَ بِتَصَرُّفِهِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِشِرَاءِ أَخِي رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ شِرَاؤُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَيَضْمَنُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذْ هُوَ فِي يَمِينِهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى أَخَا الْمُضَارِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ كَشِرَاءِ الْمُضَارِبِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَخَا نَفْسِهِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمُضَارِبِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ عَتَقَ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُضَارِبُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فِي دَيْنِ الْمُضَارَبَةِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُضَارِبَ قَدْ قَبَضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ وَيَكُونُ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُضَارِبُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ بِإِدَانَتِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ فَكَذَلِكَ إقْرَارُ وَكِيلِهِ وَإِنْ قَالَ الْمُضَارِبُ لَمْ أَقْبِضْهُ مِنْهُ بَرِئَ الْغَرِيمُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِجَوَابِ الْخَصْمِ وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ وُصُولُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ لِأَنَّهُ مَا وُكِّلَ بِذَلِكَ قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْوَكِيلِ قَدْ أَخَذْتُهُ فَدَفَعْتُهُ إلَيْكَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَمْ تَدْفَعْهُ إلَيَّ وَكَذَا إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ صَحِيحٌ فِي بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ غَيْرِ مَقْبُولٍ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا بِقَبْضِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي مُبَاشَرَتِهِ

قَالَ وَإِذَا أَمَرَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَهْلِهِ فَوَكَّلَ الْمُضَارِبُ وَكِيلًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِيصَالِ مِقْدَارِ حَاجَتِهِمْ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَيْهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَصِّلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ لَهُ النَّفَقَةُ لَهُ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى هَذَا الْمَالِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ إذَا ظَهَرَ بِهِ وَلِأَنَّ أَمْرَ رَبِّ الْمَالِ بِالدَّفْعِ إلَى أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ أَنْفَقْت مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَنْفَقْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي مُدَّةٍ يُنْفَقُ مِثْلُهَا عَلَى مِثْلِهِمْ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ مَا أَنْفَقْتَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ وَقَدْ ذَهَبَ مِنْ الْمَالِ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ عَلَى أَهْلِهِ بِأَمْرِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ شَيْئًا لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا وَكَذَلِكَ كُلُّ وَكِيلٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ وَيُؤْمَرُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي النَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَخْبَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ بِطَرِيقٍ مُحْتَمَلٍ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ وَكِيلًا يُنْفِقُ عَلَى رَقِيقٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لِيَكُونَ أَمِينًا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَكِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ أَمَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي مِثْلِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ يُنْفِقُ عَلَى رَقِيقِهِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ مَتَاعًا بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ إلَيْهِ فَجَاءَ رَبُّ الْمَالِ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاقَضَ الْمُضَارَبَةَ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ فَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَ التَّوْكِيلِ أَيْضًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَإِذَا بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ كَانَ شِرَاءُ وَكِيلِ الْمُضَارِبِ كَشِرَاءِ الْمُضَارِبِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُضَارِبِ خَاصَّةً لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ قَدْ انْفَسَخَ بِاسْتِرْدَادِ رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُضَارِبُ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْمَالِ نَهَى الْمُضَارِبَ عَنْ الْبَيْعِ وَنَقَضَ الْمُضَارَبَةَ ثُمَّ بَاعَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَالَ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا بِمِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فِيهِ نُهِيَ الْمُضَارِبُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَكَانَ وُجُودُ النَّهْيِ كَعَدَمِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ بَاعَهُ الْوَكِيلُ أَوْ وَكَّلَهُ الْمُضَارِبُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَاعَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْبَيْعِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ وَالرِّبْحُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مِنْ وَجْهٍ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يَمْتَنِعُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا بِبَيْعِهِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ ثُمَّ اشْتَرَى الْعَبْدَ لَزِمَ الْمُضَارِبَ خَاصَّةً لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ انْفَسَخَ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ حِينَ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُضَارِبُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَيَكُونَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِرْدَادِ رَبِّ الْمَالِ مَالَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ الْوَكَالَةُ تَبْقَى وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَوَكَّلَ وَكِيلًا فِي رَدِّهِ أَوْ كَانَ شَرِيكُهُ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ الَّذِي اشْتَرَى حَتَّى يَحْلِفَ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِالرَّدِّ إلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِحْلَافُ الْوَكِيلِ وَلَا الشَّرِيكِ إذَا كَانَ يُخَاصِمُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْرَى فِي الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي اشْتَرَى حَاضِرًا يُخَاصِمُ فَطَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ شَرِيكِهِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَنْبَنِي عَلَى تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ لِلْبَائِعِ مَعَ الشَّرِيكِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَامِلْهُ بِشَيْءٍ وَكَذَا إنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي عَبْدٍ بَاعَهُ وَطَعَنَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِعَيْبٍ وَرَدَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَكِيلِ فِيهِ يَمِينٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ نَائِبٌ وَلَا نِيَابَةَ فِي الْيَمِينِ وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُخَاصِمَ الشَّرِيكَ الْآخَرَ وَيُحَلِّفَهُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُفَاوَضَةِ قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ وَلَا يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضِينَ وَكِيلًا بِشَيْءٍ هُوَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ نَقَضَاهَا وَاقْتَسَمَا وَأَشْهَدَا أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَمْضَى الْوَكِيلُ مَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ كَتَوْكِيلِهِمَا فَصَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَنْعَزِلُ بِنَقْضِهِمَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ فُوِّضَ إلَيْهِ الْأَمْرُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِتَصَرُّفِ وَاحِدٍ فَصَارَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِالتَّوْكِيلِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُضَارِبِ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِ صَاحِبِهِ فِيمَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ التِّجَارَةِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ التِّجَارَةِ فَلِهَذَا نَفَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ تَقَاضِي دَيْنٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ كَمَا جَعَلَ تَوْكِيلَ أَحَدِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِهِمَا فَكَذَلِكَ عَزْلُ أَحَدِهِمَا عَنْ التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِهِمَا إلَّا فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّيْنِ هُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِقَبْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ شَرِيكُهُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ نَهْيُ وَكِيلِهِ ؛ تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الشَّرِيكَ الْآخَرَ لَمَّا جُعِلَ فِي هَذَا الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ فَكَذَلِكَ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ النَّهْيُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي أَدَانَهُ لَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُ هَذَا الْآخَرِ الْوَكِيلَ مِنْ التَّقَاضِي لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَدَانَهُ هُوَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فَتَوْكِيلُ الشَّرِيكِ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْقَبْضِ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوَكِّلُ بِهِ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

بَابُ مَا لَا تَجُوز فِيهِ الْوَكَالَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا بِطَلَبِ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ جَازَ التَّوْكِيلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ رِضَا الْخَصْمِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِذَلِكَ ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْقِصَاصُ لَا يَثْبُتُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ كَمَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِيمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ إنَّمَا يُوَكِّلُ لِيَحْتَالَ الْوَكِيلُ لِإِثْبَاتِهِ وَفِي الْقِصَاصِ إنَّمَا يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهِ لَا لِإِثْبَاتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَذَلِكَ بِإِثْبَاتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ وَكَّلَ بِمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا وَقَعَ الْغَلَطُ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي فَصَحَّ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي .
فَأَمَّا إثْبَاتُ الْقِصَاصِ فَكَإِثْبَاتِ سَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَكَّلَ الْمَطْلُوبُ بِالْقِصَاصِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَفْعِ مَا يُطَالَبُ بِهِ وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ لِأَنَّ دَفْعَ الْقِصَاصِ جَائِزٌ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96