كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
قِيمَتُهُ قُلْت قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرَ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَمَةً فَإِنَّهَا لَا تُزَادُ قِيمَتُهَا عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ وَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَمَّا فِي قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَكَالَةِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلِأَنَّ الْمُتْلَفَ مَاتَ فَيَجِبُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْجُبْرَانُ بِمَا يَكُونُ مِثْلًا لَهُ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْغَصْبِ بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَمِلْكُهُ فِي عَبْدِهِ مِلْكُ مَالٍ وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ لَهُ يَكُونُ ضَمَانَ الْمَالِ إذَا أَمْكَنَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ الْقِصَاصُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَالِيَّةَ تَرْقُبُ بِهَذَا الْمَحَلِّ فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ بِمَا لَا يَضْمَنُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا
الْمَحَلِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْعَمْدَ وَالتَّكَافُؤَ وَذَلِكَ تُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فِي هَذَا الْمَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ هَذَا الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ لِيُوجِبَ بِهِ حِينَ يَنْفُذُ السُّوقُ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِبِلُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبِلِ هَاهُنَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِاخْتِلَافِ أَوْصَافِ الْمُتْلَفِ فِي الْجِنْسِ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِيَّةِ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْأَوْصَافُ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ الدِّيَةِ نُقْصَانًا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ أَوْ يَكُونُ الْمُتْلَفُ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْعَبْدِ مَعْنَيَيْنِ : مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْجِيحِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ صَيْرُورَتُهُ مَحِلًّا قَابِلًا لِلتَّصَرُّفَاتِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَخُرُوجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ الَّتِي اخْتَصَّتْ بِهَا النُّفُوسُ الْمُحْتَرَمَةُ عَلَى أَنَّا نَعْتَبِرُ كِلَا الْوَصْفَيْنِ فَنَقُولُ : مَتَى كَانَ الْوَاجِبُ بِإِتْلَافِهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ يَتَرَجَّحُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِيَّةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ وَضَمَانٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ يَكُون عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ فَلَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا قُبِضَ فَالْبَيْعُ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا يَبْقَى الْبَيْعُ إذَا فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَأَخْلَفَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بَدَلَ الْمَالِيَّةِ لَمَا بَقِيَ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُ الْمَالِيَّةَ .
وَالرَّاهِنُ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِيَّةِ فَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِبَارِ فَنَقُولُ : إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرَ الْقِيمَةِ يَجِبُ مِقْدَارُ الدِّيَةِ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ حُرًّا وَمَزَّقَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مِقْدَارَ الدِّيَةِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي لِهَذَا الْمَعْنَى وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَبْلُغُ قِيمَةُ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيَنْقُصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا التَّوْقِيفُ وَالسَّمَاعُ مِنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ بِقَتْلِ الْآدَمِيّ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدِّيَاتِ كَمَا لَوْ وَجَبَ بِقَتْلِ الْحُرِّ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبَدَلِ تَكُونُ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ وَمَا مِنْ فَضْلٍ فِي الْعَبِيدِ إلَّا وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْأَحْرَارِ وَزِيَادَةً ثُمَّ الْحُرُّ مَعَ أَنَّهُ مَجْمَعُ الْقِصَاصِ لَا يُزَادُ بَدَلُهُ عَلَى أَعْلَى الدِّيَاتِ فَالْعَبْدُ أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ بِالْقَتْلِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْقَتْلَ سَبَبٌ تُضْمَنُ بِهِ النَّفْسُ بِالدِّيَةِ وَهُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَنَفْسُ الْعَبْدِ فِي هَذَا دَاخِلَةٌ كَنَفْسِ الْحُرِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا تُضْمَنُ
بِالْكَفَّارَةِ كَنَفْسِ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ بِالدِّيَةِ وَالدِّيَةُ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ مُقَدَّرَةٌ بِالنَّصِّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِالرَّأْيِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهَا بِالرَّأْيِ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الدِّيَةُ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ وَاجِبًا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ كُنَّا قَدْ أَسْقَطْنَا بِالرَّأْيِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ بِالدِّيَةِ لِإِظْهَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْإِهْدَارِ وَنَفْسُ الْعَبْدِ مُحْتَرَمَةٌ كَنَفْسِ الْحُرِّ فَلَا يَجُوزُ إهْدَارُهَا مَا أَمْكَنَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَبَعٌ لِلنَّفْسِيَّةِ لِأَنَّ قِوَامَ الْمَالِيَّةِ بِبَقَاءِ النَّفْسِيَّةِ وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ التَّبَعِ مَعَ الْمَتْبُوعِ .
وَلَا يَجُوزُ إهْدَارُ الْأَصْلِ بِحَالٍ لِمُرَاعَاةِ التَّبَعِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَصْلِ اعْتِبَارَ التَّبَعِ وَلَيْسَ فِي اعْتِبَارِ التَّبَعِ اعْتِبَارَ الْأَصْلِ وَإِذَا جَعَلْنَا الضَّمَانَ وَاجِبًا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ كُنَّا اعْتَبَرْنَا مَا هُوَ الْأَصْلُ وَبِاعْتِبَارِهِ يَحْصُلُ اعْتِبَارُ التَّبَعِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ وَيُهْدَرُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ تَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَلَكِنْ مَعَ الْمُسَاوَاةِ تَتَرَجَّحُ النَّفْسِيَّةُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهُوَ الْقَتْلُ لِأَنَّ الْقَتْلَ سَبَبٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَمْوَالُ عَادَةً وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ النُّفُوسَ لِمَعْنَى التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ فَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَإِنَّمَا تَقْصِدُ بِالْغَصْبِ فَلَا جَرَمَ ضَمَانُ الْغَصْبِ يَكُونُ ضَمَانَ مَالٍ يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ وَضَمَانُ الْقَتْلِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ سَوَاءٌ بِقَتْلِ الْحُرِّ أَوْ وَجَبَ بِقَتْلِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ
الْفَائِدَةِ فَإِنَّ مَا يَجِبُ بِمُقَابِلَةِ نَفْسِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَالْخِلَافَةُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ لَا تَنْعَدِمُ حُكْمًا بِالْقَتْلِ فَلَوْ وَجَبَ وَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا فَضْلُ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ فَكَذَلِكَ الْمَالُ .
وَمَنْ يَقُولُ : الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ بِحَالٍ فَكَيْفَ يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَالْمَقْصُودُ بِالْمَالِ التَّمَوُّلُ وَالِادِّخَارُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَيْسَ فِي الْقِصَاصِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ تَرْجِيحُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ عَلَى مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ فِي حَالِ الْخَطَأِ مَا هُوَ الْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ فَإِذَا جَعَلَ الْمَضْمُونَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْعَمْد مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَمَنْ يَقُولُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ فَضْلٌ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَاهُنَا طَرِيقٌ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الدِّيَةَ مَعَ كَمَالِ الْقِيمَةِ وَيُسْتَوْفَى فِي حَالَةِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ وَالْقِيمَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِمَا بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ مِنْ الْمُغَايَرَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّضَادِّ فَأَمَّا النُّقْصَانُ فَنَقُولُ : بَدَلُ النَّفْسِ قَدْ يَنْقُصُ عَنْ أَعْلَى الدِّيَاتِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مُوجِبٍ لِلنُّقْصَانِ فِي الْمَحَلِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَنْقُصُ بِالْأُبُوَّةِ وَبِالْكُفْرِ عَنْ أَصْلِ الْخَصْمِ وَبِالِاجْتِنَانِ فِي الْبَطْنِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ دُونَ بَدَلِ الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ هُنَاكَ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي الْجَنِينِ حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَعْلَى الدِّيَاتِ
بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بَدَلَ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ بَدَلِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ وَالْأُنْثَى أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ دُونَ مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَيَتَنَصَّفُ بَدَلُهَا بِذَلِكَ وَالْجَنِينُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْحَالِ وَلَكِنَّ فِيهِ عُرْضَةَ الْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا فَبِاعْتِبَارِهِ يَنْقُصُ بَدَلُهُ غَايَةَ النُّقْصَانِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ بِسَبَبِ الرِّقِّ تَنْتَقِصُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا مَآلًا وَلَمْ يَبْقَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِأَنْ يُعْتَقَ فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بَدَلُ الرَّقِيقِ عَلَى بَدَلِ الْأُنْثَى لِهَذَا وَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّهُ دُونَ الْأُنْثَى فِي صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ فِي الرَّقِيقِ وَلَكِنْ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْوَصْفِ مَا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَإِنْ أَمْكَنَ إظْهَارُ النُّقْصَانِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ النُّقْصَانِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ كَانَ كَثِيرَ الْقِيمَةِ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ فِي النُّقْصَانِ إلَى مَعْنَى شَرْعِيٍّ .
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ فَبِاعْتِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنَّمَا النُّقْصَانُ بِاعْتِبَارِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يُزَادُ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَإِنَّمَا اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ لِإِظْهَارِ مِقْدَارِ النُّقْصَانِ إذَا أَمْكَنَ لَا لِثُبُوتِ أَصْلِ النُّقْصَانِ عَلَى أَنَّ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ يَزْدَادُ النُّقْصَانُ وَعِنْدَ قِلَّةِ الْمَالِيَّةِ يَنْتَقِصُ الْوَاجِبُ عَنْ الدِّيَةِ لَا عَنْ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْمَالِيَّةِ يُنْتَقَصُ الْوَاجِبُ عَنْ الْقِيمَةِ وَعَنْ
الدِّيَةِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا قَرَّرْنَا النُّقْصَانَ بِعَشَرَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَمْلُوكِيَّةِ تُظْهِرُ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَتَقَدَّرُ بِالْعَشَرَةِ وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ إلَّا بِعَقْدٍ يَتَقَدَّرُ الْبَدَلُ فِيهِ بِعَشَرَةٍ وَيَجُوزُ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ مُتَعَدٍّ عَنْ الْبَدَلِ وَهُوَ الْهِبَةُ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْمَوْهُوبَةَ يُبَاحُ وَطْؤُهَا فَإِذَا ظَهَرَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِالْعَشَرَةِ نَصًّا قَدَّرْنَا النُّقْصَانَ بِالْعَشَرَةِ لِهَذَا وَلِهَذَا قُلْنَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَالنُّقْصَانُ عَنْ الدِّيَةِ يَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةٍ وَالرُّجُوعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ قَدْ يَكُونُ فِيمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِيَّةِ كَحُكُومَةِ الْعَدْلِ وَالْوُجُوبُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ خِلَافُ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثِ وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِكِيَّةِ قِوَامِهَا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَحَلِّ فَمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ فِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَالْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا قُلْنَا : الْبَيْعُ يَبْقَى إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَحَلِّ فَيُجْعَلُ بَدَلُ الْمَحَلِّ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْمَالِيَّةِ فِي بَقَاءِ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ بَقِيَ الْبَيْعُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا قَتَلَهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا قَرَّرْنَا فِي الْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ فَجَعَلْنَا الْوَاجِبَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ فَتَجِبُ فِيهِ الْمَالِيَّةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَأَمَّا طَرَفُ
الْمَمْلُوكِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ فَقَطْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَلَا بِالْكَفَّارَةِ فَلِهَذَا قَالَ : كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ بَلَغَتْ أَلْفًا فَيَجِبُ بِقَطْعِ طَرَفِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ أَلْفًا أَوْ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا فَلِهَذَا قَالَ : لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً .
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا دَفَعَ الْمَوْلَى إلَى الْبَاقِي نِصْفَهُ أَوْ فَدَاهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ النَّصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ انْقَلَبَ مَالًا عِنْدَ عَفْوِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ هَذَا فِي نَصِيبِهِ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَلَوْ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَيْهِمَا أَوْ فَدَاهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ وَذَلِكَ دِيَةُ النَّفْسِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَأَرْشُ الْعَيْنِ خَمْسَةُ آلَافٍ .
وَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْقَتِيلِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَحَقُّ الْمَفْقُودِ عَيْنُهُ خَمْسَةُ آلَافٍ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَتَيْنِ فَهُوَ مُخْتَارٌ وَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشْرَ أَلْفًا فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَحَلَّ الدَّفْعِ بِالْإِعْتَاقِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَتَفْوِيتُهُ مَحَلَّ الدَّفْعِ يَكُونُ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ دَلَالَةَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاخْتِيَارِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ بِمَا أَنْشَأَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَيَتَضَمَّنُ الَّذِي اخْتَارَ الْفِدَاءَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَإِنْ جَامَعَهَا وَلَمْ تَلِدْ فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارٍ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْوَطْءُ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ بِالْخِيَارِ فَوَطِئَ الْمَبِيعَةَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اخْتِيَارًا لِلْفَسْخِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَطْءَ دَلِيلُ تَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِيهَا وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا كَانَ لِلْفِدَاءِ وَجْهٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي عَيْنِهَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَلَا يُعْجِزُهُ عَنْ دَفْعِهَا فَيَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَيْهِ
دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ بِالْوَطْءِ لَكَانَ إذَا أَجَازَ الْعَقْدَ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ زَوَائِدَهَا فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ هَذَا جَعَلْنَاهُ فَاسِخًا وَهَا هُنَا إذَا دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ مَلَكَهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ وَقْتِ الدَّفْعِ وَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ زَوَائِدِهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْوَطْءُ وَإِنْ كَانَ كَالْجِنَايَةِ لَكِنَّ الْجِنَايَةَ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَكَذَا الْوَطْءُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا لِأَنَّ التَّزْوِيجَ كَالِاسْتِخْدَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي عَيْنِهَا وَلَا يُعْجِزُهُ عَنْ دَفْعِهَا بِالْجِنَايَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا أَوْ رَهَنَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الدِّيَاتِ يَقُولُ : الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ يَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ بِهَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَفْعِهَا بِالْجِنَايَةِ فَيُجْعَلُ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ كَالْكِتَابَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تُنْقَضُ بِالْقَدْرِ فَيَكُونُ قِيَامُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهَا عُذْرًا فِي نَقْضِ الْإِجَارَةِ وَالرَّاهِنُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِرْدَادِ الرَّهْنِ مَتَى شَاءَ وَلَمْ يَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ دَفْعِهَا بِهَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ لَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إبْطَالَهُ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَفْعِهَا وَإِنْ ضَرَبَ الْعَبْدَ ضَرْبًا لَزِمَهُ مِنْهُ عَيْبٌ فَاحِشٌ أَوْ جَرَحَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَمُخْتَارٌ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَدْ فُوِّتَ جُزْءٌ فَامْتَنَعَ
الدَّفْعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ التَّجَزُّؤَ فِي الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَتَفْوِيتُ جُزْءٍ مِنْهُ كَتَفْوِيتِ كُلِّهِ .
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَوْلَى فِي الطَّرِيقِ أَوْ أَصَابَهُ جُنَاحٌ أَشْرَعهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا قَبْلَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ بَعْدَ جِنَايَتِهِ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي وُقُوعِ الْعَبْدِ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ مِنْهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ الْحَفْرِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ يَقَعُ بِهِ وَلَا قَصَدَ ذَلِكَ بِحَفْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَصِيرُ قَاتِلًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالِاخْتِيَارُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ فِعْلٍ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ مُقَوِّيًا لَهُ مَحَلَّ الدَّفْعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارٍ مِنْهُ وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْمَوْلَى سَبَبٌ لِهَلَاكِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ التَّسَبُّبِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُبَاشَرَةً عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَتْلَفَهُ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ .
وَلَوْ أَوَطْأَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ الْوَطْءَ وَلَا الْوُقُوعَ فَهَذَا اخْتِيَارٌ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ قَتْلَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ بِتَفْوِيتِ مَحَلِّ الدَّفْعِ فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يُجْعَلُ اخْتِيَارًا وَلَا مُعْتَبَرُ بِتَعَمُّدِهِ الْوَطْءَ وَالْوُقُوعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِهِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ مَنَعَ الدَّفْعَ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ
التَّصَرُّفِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ الدَّفْعِ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لِمَوْلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَالرَّاهِنِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَرْهُونَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِإِحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْأُخْرَى فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلَّذِي عَلِمَ بِهَا وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلِلْأُخْرَى حِصَّتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ كَأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ سِوَاهَا فَفِيمَا كَانَ عَالِمًا بِهَا يَجْعَلُ مُخْتَارًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الِاخْتِيَارِ وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ الدَّفْعِ فَعَلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً لَمْ تَبْلُغْ النَّفْسَ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَعْلَمُ بِهَا قَبْلَ الْبُرْءِ ثُمَّ انْتَقَضَتْ الْجِرَاحَةُ فَمَاتَ وَهُوَ مُخْتَارٌ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَخَيُّرِ الْمَوْلَى جِنَايَةُ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ اخْتِيَارًا لِلْأَرْشِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ أَدَاءَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ أَدَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ بَرِئَتْ فَقَدْ صَارَ مُخْتَارًا لِمَا يَجِبُ مِنْ الْأَرْشِ بَرَأَتْ أَوْ سَرَتْ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ بِيَدِك أَوْ شَجَجْتَهُ أَوْ جَرَحْتَهُ فَأَنْتِ حُرٌّ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَمَاتَ مِنْهُ عَتَقَ وَالْمَوْلَى مُخْتَارٌ لِلدِّيَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاء فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا مَرِضْتُ فَمَرِضَ وَمَاتَ يَصِيرُ فَارًّا مِنْ مِيرَاثِهَا فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقِصَاصُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَوْلَى بِالْعِتْقِ مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَإِذَا جَرَحَ الْعَبْدُ رَجُلًا فَخُوصِمَ فِيهِ الْمَوْلَى فَاخْتَارَ الْعَبْدَ وَأَعْطَى الْأَرْشَ ثُمَّ انْتَقَضَتْ الْجِرَاحَةُ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ وَأَخَذَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِحْسَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْكُتُبِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ تَكْرَارِ تِلَاوَةِ السَّجْدَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَوْلَى اخْتَارَ الْأَرْشَ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ السَّبَبُ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ اخْتِيَارِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَهَذَا لِأَنَّهُ أَقْدَمُ عَلَى الِاخْتِيَارِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَبْرَأُ وَقَدْ يَنْتَقِضُ فَيَسْرِي إلَى النَّفْسِ .
يُوضِحُهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ حُكْمًا وَقَدْ يَكُونُ قَصْدًا فَقَدْ صَارَ مُخْتَارًا لِمَا يَجِبُ بِهَا ثُمَّ الِاخْتِيَارُ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْبُرْءِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِمُوجِبِ الْفِعْلِ فَكَذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ قَصْدًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى اخْتَارَ الْأَرْشَ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ الْبُرْءَ قَدْ تَمَّ وَإِنَّ الْوَاجِبَ أَرْشُ الطَّرَفِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلَ اخْتِيَارِهِ الدِّيَةَ فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ الشَّيْءَ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَلَا يَخْتَارُهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ هُوَ الدِّيَةَ قُلْنَا يُخَيَّرُ خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ إذَا أَخْبَرَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ كَثِيرٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ هُوَ عَلَى حَقِّهِ بِخِلَافِ
الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ تَفْوِيتٌ لِمَحَلِّ الدَّفْعِ وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ خِيَارِهِ بَعْدَهُ قَائِمًا وَعِنْدَ الِاخْتِيَارِ قَصْدًا لَا يَفُوتُ مَحَلُّ الدَّفْعِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا أَعْطَى الْأَرْشَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، قَالَ : إذَا أَعْطَاهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يُخَيَّرُ خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلدِّيَةِ طَوْعًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ فَإِنْ أَخَذَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَإِنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي جَعَلَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ الْمُبْتَدَإِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَالَ : فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِالْأَرْشِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ .
قَالَ : وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَاخْتَارَ الْمَوْلَى إمْسَاكَ عَبْدِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ فَالْعَبْدُ عَبْدُهُ وَالْأَرْشُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ أَدَّى الدِّيَةَ مَكَانَهُ وَإِلَّا دَفَعَ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَتْبَعُوهُ بِالدِّيَةِ عَلَى مَا قَالَ فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْعَبْدِ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ نَفْسَ صَاحِبِ الْعَبْدِ صَارَ حَقًّا لِمَوْلَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْوِيلِ حَقِّهِمْ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْأَرْشِ بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ كَانَ هَذَا تَحْوِيلًا لِحَقِّهِمْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فِيهِ وَفَاءٌ بِحَقِّهِمْ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْهُ وَإِذَا كَانَ مُفْلِسًا كَانَ هَذَا مِنْهُ إبْطَالًا لِحَقِّهِمْ لَا تَحْوِيلًا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا مِنْ الْمَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِنْ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ .
فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ كَانَ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ حَوَّلَ حَقَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ عَادَ كَمَا كَانَ وَفِي بَيْعِ الْمُعَاوَضَةِ إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ حَوَّلَ حَقَّهُ إلَى الْعِوَضِ الْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ عَادَ كَمَا كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالشُّفْعَةِ إنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي فَصْلِ الشُّفْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَهَاهُنَا أَيْضًا إنْ رَضِيَ الْمَوْلَى
كَانَ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ أَبَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَاجِبًا مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُكَفِّرِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَهَاهُنَا بِاخْتِيَارِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَبْدَ فَارِغٌ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ .
يُوضِحُهُ أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ شَرْعًا يَسْتَبِدُّ بِالْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ وَلَوْ رَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَتْبَعُوا بِالدِّيَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فِي حَالِ مَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ شَرْعًا وَقِيلَ : إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَقِيقَةِ تُبْنَى عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّفْلِيسِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْلِيسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ تَحْوِيلًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى ذِمَّتِهِ لَا إبْطَالًا وَعِنْدَهُمَا التَّفْلِيسُ مُعْتَبَرٌ وَالْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ يَكُونُ تَأَوِّيًا فَيَكُونُ هَذَا الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَوْلَى إبْطَالًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اخْتِيَارَ الْمَوْلَى هَاهُنَا مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ حَقُّ تَمَلُّكِ الْعَبْدِ بِالْأَخْذِ بَعْدَ هَذَا الِاخْتِيَارِ وَلَكِنْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهِ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حِسَابِ الدِّيَةِ الَّتِي عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْقَاضِي يَحْجُرُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ .
قَالَ : وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُرٌّ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ وَزَعْمُهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُدْعَ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُخْتَارًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا وَلَوْ كَانَ إقْرَارُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ وَقَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَيُعْتَق بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ مَوْقُوفَ الْوَلَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ .
قَالَ : وَإِذَا جَنَتْ الْأَمَةُ جِنَايَةً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا أَوْ اكْتَسَبَتْ كَسْبًا فَإِنَّ مَوْلَاهَا يَدْفَعُهَا بِالْجِنَايَةِ وَلَا يَدْفَعُ وَلَدَهَا وَلَا كَسْبَهَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهَا بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ كَاسْتِحْقَاقِ نَفْسِهَا بِالْعَمْدِ قِصَاصًا وَذَلِكَ لَا يَسْرِي إلَى الْكَسْبِ وَالْوَلَدِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فِي عَيْنِهَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهَا أَوْ يَفْدِيَهَا بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ مَا يَكُونُ مُتَأَكِّدًا فِي الْأَصْلِ حِينَ انْفَصَلَ الْوَلَدُ عَنْهَا وَأَمَّا الْكَسْبُ فَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَعِنْدَ الِاكْتِسَابِ كَانَ مِلْكُ الْأَصْلِ لِلْمَوْلَى دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَخَذَ الْمَوْلَى لِذَلِكَ أَرْشًا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْأَرْشَ مَعَهَا لِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهَا بِالْجِنَايَةِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ ثَابِتًا فِيهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِ جُزْءٍ مِنْهَا أَيْضًا وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ وَلَوْ قُتِلَتْ وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا كَانَ عَلَيْهِ دَفْعُ تِلْكَ الْقِيمَةِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ .
فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ أَرْشَ جُزْءٍ مِنْهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَهُوَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَحَقُّ الْوَلِيِّ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْأَجْزَاءِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ جِنَايَتِهَا لَمْ يَدْفَعْ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْأَرْشَ مَعَهَا لِأَنَّ الْجُزْءَ الْفَائِتَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ جِنَايَتِهَا فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ بِخِلَافِ الْفَائِتِ بَعْدَ جِنَايَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا كَانَ قَبْلَ جِنَايَتِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ يُنْكِرُ وَلِأَنَّهُمْ
يَسْتَحِقُّونَهَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي بَيَانِ صِفَتِهَا حِينَ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ وَجَبَ الْأَرْشُ بَعْدَ جِنَايَتِهَا فَأَمْسَكَهَا الْمَوْلَى وَفَدَاهَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِذَلِكَ الْأَرْشِ فِي الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْفِدَاءَ حَتَّى اسْتَهْلَكَ أَوْ وَهَبَهُ الْجَانِي عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا لِأَنَّ الْأَرْشَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا فَتَصَرُّفُهُ فِي الْأَرْشِ لَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهَا وَلَا يَتَعَذَّرُ دَفْعُهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَدَثَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ أَمَتَيْنِ فَاسْتَهْلَكَ أَحَدَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأُخْرَى بِجِنَايَتِهَا ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مِثْلَ مَا اسْتَهْلَكَ فَيَدْفَعُهُ مَعَهَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ الْأَرْشِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمَوْلَى بِتَصَرُّفِهِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ الْمَوْلَى جُزْءًا مِنْهَا بِجِنَايَتِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَوْلَى تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْجِنَايَةِ وَالْجُزْءُ الَّذِي أَتْلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا وَلِهَذَا صَارَ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَلَيْهَا عَبْدًا فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَفْدِيَهُمَا بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهَا فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَمَةِ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَحُكْمُ الدَّفْعِ فِيهَا لَا يَتَجَزَّأُ بَلْ إذَا تَعَذَّرَ دَفْعُ بَعْضِهَا بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى يَتَعَذَّرُ دَفْعُ كُلِّهَا فَكَذَلِكَ حَالُ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ مَكَانَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْشِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْجَانِي إذَا كَانَ جُزْءًا لِأَنَّ الْأَرْشَ دَرَاهِمُ وَفِي الدَّرَاهِمِ لَا يَثْبُتُ
لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَإِقْدَامُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا ثَبَتَ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ فَأَمَّا هُنَا فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ التَّخَيُّرَ فِيهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِعْتَاقُهُ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَهَذَا الِاخْتِيَارُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ اخْتِيَارُهُ أَحَدَهُمَا اخْتِيَارًا لَهُمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ الْأَمَتَيْنِ إذَا جَنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ جِنَايَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُهُ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ مِنْهُ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ اخْتَارَ دَفْعَ الْأَمَةِ دَفَعَ مَعَهَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ كَانَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ مَعَهَا وَقَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ بِالْإِعْتَاقِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَوْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ فَقَأَ عَيْنَ الْأَمَةِ فَدَفَعَ بِهَا وَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مَكَانَهَا يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيَهُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا حِينَ دَفَعَ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهَا عَبْدٌ فَدَفَعَ بِهَا وَلَوْ قَتَلَهَا حُرٌّ خَطَأً فَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا لَمْ يَقُلْ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْهَا أَوْ افْدِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَتَهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَالْأَرْشُ كَذَلِكَ وَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ الَّتِي قَبَضَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَالْمَدْفُوعُ هُنَاكَ عَبْدٌ
وَلِلنَّاسِ فِي الْأَعْيَانِ أَغْرَاضٌ فَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ دَفْعِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْفِدَاءِ بِالْقِيمَةِ يَكُونُ مُقَيَّدًا .
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ قَتَلَتْ جَارِيَةُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ خَطَأً قِيلَ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْهَا أَوْ افْدِهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِيَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَجِنَايَةُ جَارِيَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهَا عَلَى عَبْدٍ مَمْلُوكٍ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَوْ قَتَلَتْ عَبْدًا أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَهَا أَوْ يَفْدِيَهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ إعْطَاءَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ إعْطَائِهِ الْعَبْدَيْنِ لَوْ كَانَ قَائِمًا وَلَوْ أَعْطَاهُمْ الْعَبْدَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُمْ قِيمَتَهُ بَعْدَ مَا قَتَلَتْهُ أَمَتُهُ .
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً وَقَتَلَتْ الْأَمَةُ رَجُلًا وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ الْأَمَةَ خَطَأً وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ فَإِنَّهُ يُقْسِمُ عَلَى قِيمَة الْأَمَةِ وَدِيَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْأَمَةَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِأَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهَا وَحَقُّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَمَوْلَاهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ ضَرَبَ فِيهِ أَوْلِيَاءُ الْحُرِّ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَأَوْلِيَاءُ الْأَمَةِ بِقِيمَتِهَا فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَبِقِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا .
قَالَ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَفَدَاهُ الْمَوْلَى مِنْهَا ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى قِيلَ لَهُ ادْفَعْهُ بِهَا أَوْ افْدِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا فَدَاهُ مِنْ الْأُولَى فَقَدْ طَهَّرَهُ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ مَا وَجَدَ مِنْهُ إلَّا الْجِنَايَةَ الْأُخْرَى فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْضِ مِنْ الْأُولَى شَيْئًا حَتَّى جَنَى الثَّانِيَةَ دَفَعَهُ بِهِمَا أَوْ فَدَاهُ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اجْتَمَعَتَا فِي رَقَبَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِدَفْعِهِ وَيَقُولَ إنَّمَا لَحِقَنِي هَذَا الشَّغْلُ بِسَبَبِ مِلْكِي رَقَبَةَ الْعَبْدِ وَأَنَا أَتَخَلَّصُ بِدَفْعِهِ فَيَدْفَعُهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ أَوْ يَفْدِيهِ بِأَرْشِهِمَا .
وَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالِ رِقِّهِ جِنَايَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى لَا شَيْءَ مِنْهُ عَلَى الْعَبْدِ قَبْلَ عِتْقِهِ وَلَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْحَالَيْنِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَإِقْرَارُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ .
وَلَوْ جَنَتْ أَمَةٌ جِنَايَةَ فَقَالَ الْمَوْلَى كُنْت أَعْتَقْتهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ دَبَّرْتهَا أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ مِنْ أَجْلِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ إنْ قَالَ هَذَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فَيُجْعَلُ إقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ فِي حَقِّهِمْ وَإِنْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ أَوْ التَّدْبِيرَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ حِينَ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ فِيهِ .
وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَأَخْبَرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَلِيَّ الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ فِي اخْتِيَارِهِ يَطْلُبُ بِحَقِّهِ فَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ فِي خَبَرِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ وَطَالَبَهُ بِإِحْضَارِ الْمَوْلَى وَتَكْلِيفِهِ الْجَوَابَ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى خَبَرِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا وَكَذَلِكَ إنْ أَخْبَرَهُ رَسُولُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَاسِقًا كَانَ الرَّسُولُ أَوْ عَدْلًا لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فُضُولِيٌّ فَإِنْ صَدَّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ حَتَّى أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِيمَا يَكُونُ مُلْزِمًا وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ وَهَذَا مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ عِنْدَهُمَا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ لَا يُعْتَبَرُ خَبَرُ الْفَاسِقِ وَهَذَا خَبَرُ الْمُلْزَمِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ إذَا كَانَ فُضُولِيًّا وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِهِ فَاسِقٌ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّهُ تَمَّ إحْدَى شَطْرَيْ الْحُجَّةِ وَهُوَ
الْعَدَدُ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ وَجَدَ الشَّطْرَ الْآخَرَ وَهُوَ الْعَدَالَةُ فِي حَقِّ الْمُخْبِرِ الْوَاحِدِ .
وَلَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً فَقَالَ الْمَوْلَى كُنْتُ بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ أَوْ قَالَ هُوَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ قِيلَ لِفُلَانٍ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ شَيْئًا حِينَ أَخْرَجَهُ إلَى مِلْكِ رَجُلٍ يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ أَوْ الْفِدَاءِ كَمَا كَانَ هُوَ يُخَاطِبُ بِهِ فَإِنْ كَذَّبَهُ فُلَانٌ قِيلَ لِلْمَوْلَى ادْفَعْهُ أَنْتَ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَالْإِقْرَارُ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمَقَرِّ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيُخَاطَبُ ذُو الْيَدِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ .
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ جَنَى جِنَايَةً فَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ هُوَ عَبْدُك فَقَالَ الرَّجُلُ هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدِيّ لِفُلَانٍ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةُ أَوْ رَهْنٌ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَخَّرَ الْأَمْرَ فِيهِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَقَالَ زُفَرُ هُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى دَفْعِهِ فَيُجْعَلُ بِهِ مُقَوِّمًا لِلدَّفْعِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ بِكَلَامِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ أَصْلًا وَاخْتِيَارُهُ يُبْنَى عَلَى كَوْنِهِ خَصْمًا فَإِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ صَارَ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْإِثْبَاتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الْخَصْمُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ يَدِهِ فِيهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِهِ فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ مُخْتَارًا مَعَ بَقَاءِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ فَدَاهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ أَخَذَ عَبْدَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ وَقَدْ اتَّصَلَ تَصْدِيقُهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَقَدْ كَانَ ذُو الْيَدِ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا الْفِدَاءِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى الْمَقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ فَالْغَائِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ وَدَفَعَ الْأَرْشَ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ اتَّصَلَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ أَمْضَى دَفَعَهُ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِيَارِ الدَّفْعِ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ اخْتَارَ الْأَرْشَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لَهُ فَمَا صَنَعَ الْأَوَّلُ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ .
وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ قَطُّ وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ فَالْعَبْدُ لَهُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّابِتَةَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتَةِ بِالْمُعَايَنَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ إنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْأَرْشِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الْعَبْدِ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ عَلَيْهِ بِهَا ثُمَّ صَارَ مُتْلِفًا الْعَبْدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَمْلِيكِهِ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَذَلِكَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْفِدَاءِ فَهَذَا مِثْلُهُ إذَا كَانَ ذُو الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ إقْرَارِهِ لِهَذَا الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ لِهَذَا الرَّجُلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَتْلَفَ شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِالْجِنَايَةِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ هُنَاكَ ذُو الْيَدِ قَدْ صَارَ مُخَاطَبًا بِالدَّفْعِ وَثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَإِذَا حَوَّلَهُ بِإِقْرَارِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ خُوطِبَ بِمَا كَانَ يُخَاطَبُ بِهِ الْمُقِرُّ وَهَا هُنَا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَلِهَذَا لَا يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ .
قَالَ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ثُمَّ أَصَابَهُ عَيْبٌ سَمَاوِيٌّ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ فَعَطِبَ فِيهَا أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْفَعْهُ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ تَعَدِّيًا فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بَعْدَ جِنَايَتِهِ فَاسْتَغْرَقَ رَقَبَتَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ تَعَدِّيًا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّتِهِ فِي الدَّيْنِ يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْإِذْنِ فَيَصِيرُ الْمُتْلَفُ بِهِ كَالْمُتْلِفِ لِلْمَالِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِالْجِنَايَةِ حِينَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا فِي عَبْدٍ غَيْرِ مَشْغُولِ الْمَالِيَّةِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ .
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَهُ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً ثُمَّ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَرْشَ الْعَيْنِ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْأَوَّلِ وَعَيْنُهُ كَانَتْ صَحِيحَةً فَيَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ فَاتَتْ وَأَخْلَفَتْ بَدَلًا فَيَكُونُ الْبَدَلُ لَهُ وَلَا مُزَاحَمَةَ لِلثَّانِي مَعَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الثَّانِي وَهُوَ أَعْوَرُ فَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الثَّانِي فِي هَذِهِ الْعَيْنِ أَصْلًا ثُمَّ يَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ إلَّا مَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِ الْعَيْنِ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِالدِّيَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ أَرْشُ الْعَيْنِ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ تِسْعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ فَيَضْرِبُ بِذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَالثَّانِي إنَّمَا يَضْرِبُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ كَمَالِ الدِّيَةِ فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ خَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي فَقَأَ عَيْنَهُ عَبْدًا فَدَفَعَ بِهِ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ أَحَقَّ بِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ مَعَ الْآخَرِ بِالدِّيَةِ إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ الَّذِي أَخَذَهُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ حَقِّهِ .
وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ قُتِلَ عِنْدَهُ آخَرُ ثُمَّ جَاءَ وَلِيُّ الْآخَرِ وَالشَّرِيكُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ : ادْفَعْ نِصْفَك إلَى الْأَوَّلِ أَوْ افْدِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ صَارَ مَمْلُوكًا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّمَا جَنَى عَلَى مِلْكِهِ فَيُخَاطَبُ بِأَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ النِّصْفَ أَوْ يَفْدِيَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ بَرِئَ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ وَيَرُدُّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَرُدُّهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ خَمْسَةِ آلَافٍ لِلْآخَرِ وَخَمْسَةِ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا فَإِنْ دَفَعَهُ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا النِّصْفِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَحَصَّلَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْآخِرَةِ وَرُبْعَهُ لِلَّذِي لَمْ يَكُنْ قُبِضَ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى الَّذِي كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي يَدِهِ رُبْعَ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوْسَطِ لِأَنَّ هَذَا الرُّبْعَ اسْتَحَقَّهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْآخَرُ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ مَضْمُونًا فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوْسَطِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي هَذَا الرُّبْعِ وَقَدْ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيُجْمَعُ لَهُ رُبْعُ الْعَبْدِ وَرُبْعُ الْقِيمَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ لِلْأَوْسَطِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَوْلَى هَذَا الرُّبْعَ بِاعْتِبَارِ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ فَإِنْ ضَمِنَ الْمَوْلَى رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ لِمَا
قُلْنَا .
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلِينَ خَطَأً فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ اجْتَمَعُوا وَاخْتَارُوا الدَّفْعَ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَقَدْ تَمَّ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذَا النِّصْفِ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ نِصْفِ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَيَرُدُّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى الْأَوْسَطِ وَالْآخَرُ يَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ حَقِّهِ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ فَيَكُونُ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأَوْسَطِ وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى سُدُسَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِلْأَوْسَطِ وَهُوَ مَا سَلِمَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْسَطِ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ هَذَا النِّصْفِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلِهَذَا يَضْمَنُ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا السُّدُسِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَإِنْ شَاءَ الْأَوْسَطُ ضَمِنَ هَذَا السُّدُسَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ هَكَذَا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَاهُنَا وَلَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَالِكًا لِهَذَا النِّصْفِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ حِينَ يَكُونُ قَبَضَ الْأَوَّلَ جِنَايَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَلَوْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ مِثْلَهُ هَذَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْأَوْسَطِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِسُدُسِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ
دَفَعَهُ إلَى الْأَوْسَطِ وَعَلَى مَا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ الْأَوْسَطُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِسُدُسِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ .
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى الْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا آخَرَ ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَاخْتَارُوا دَفْعَهُ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ يَدْفَعُ ثُلُثَهُ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الثُّلُثَ وَالْجِنَايَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذَا الثُّلُثِ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَيَدْفَعُهُ بِهَا وَيَرُدُّ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِينَ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَالْآخَرُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثُلُثُ حَقِّهِ فَيَكُونُ هَذَا مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْأَوَّلِ وَخُمُسَاهُ لِلْآخَرِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَثُلُثَيْ جُزْءٍ مِنْ سِتَّةَ عَشْرَ جُزْءًا وَثُلُثَيْ جُزْءٍ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ فِي الْحَاصِلِ خَمْسًا بَدَلَ مَا سَلَّمَ لِلْآخَرِ مِنْ هَذَا الثُّلُثَيْنِ إلَّا إنَّهُ إذَا بَنَى الْجَوَابَ عَلَى الْقِسْمَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ ضَرَبَ فِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَالْآخَرُ بِسِتَّةِ آلَافٍ وَثُلُثَيْ أَلْفٍ وَلِهَذَا قَالَ مَا قَالَ وَفِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعُهُ عَلَى الْمَوْلَى بِخُمُسَيْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَتْلَفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ دَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَاسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ كَانَتْ فِي ضَمَانِهِ .
قَالَ وَإِذَا قَتَلَتْ الْأَمَةُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا ثُمَّ قَتَلَتْ الْبِنْتُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ إنَّ الْبِنْتَ قَتَلَتْ الْأُمَّ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهَا ضَرَبَ أَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْأَمَةِ فِيهَا بِقِيمَةِ الْأُمِّ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْبِنْتِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْبِنْتَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَجَارِيَةٍ أُخْرَى لِلْمَوْلَى فَإِنَّ حَقَّ وَلِيِّ جِنَايَةِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ فِي الْبِنْتِ ثُمَّ قَدْ وُجِدَ مِنْ الْبِنْتِ جِنَايَتَانِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْحُرِّ وَالْأُخْرَى عَلَى الْأُمِّ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَةِ الْأُمِّ فَإِنْ دَفَعَهَا الْمَوْلَى ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا بِمِقْدَارِ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْأُمِّ بِقِيمَةِ الْأُمِّ وَوَلِيُّ الْحُرِّ بِالدِّيَةِ فَتُقْسَمُ الْبِنْتُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَ الْبِنْتِ دَفَعَ قِيمَتَهَا إلَى وَلِيِّهَا وَقِيمَةَ الْأُمِّ إلَى وَلِيِّ الْأُمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهَا بِمَا يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ الْحَقِّ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ فَقَأَتْ عَيْنَ الْأُمِّ .
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهَا دَفَعَ الْأُمَّ بِجِنَايَتِهَا وَدَفَعَ الْبِنْتَ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ قَتِيلِهَا بِالدِّيَةِ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْأُمِّ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ الْأَمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهَا حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْأُمِّ وَالْعَيْنُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَلِهَذَا ضَرَبُوا فِيهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فِيهِمَا فَدَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ أَرْشَ جِنَايَتِهَا وَقَدْ خَلَطْنَ بِحَقٍّ فِيهِمَا لِلْمَوْلَى وَلَا تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الْبِنْتِ عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فِي الْأُمِّ وَالْفِدَاءَ فِي بِنْتٍ دَفَعَ الْأُمَّ إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَفَدَى الْبِنْتَ بِالدِّيَةِ إلَى أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَوْلِيَاءِ قَتِيلِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ نِصْفَ الْأُمِّ بِجِنَايَتِهَا وَهِيَ جِنَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ
جِنَايَةِ الْأُمِّ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فِي الْبِنْتِ وَالْفِدَاءَ فِي الْأُمِّ فَدَى الْأُمَّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَدَفَعَ الْبِنْتَ إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا لِأَنَّهُ حِينَ فَدَى الْأُمَّ صَارَتْ هِيَ مُخَالِفَةً لَهُ فَجِنَايَةُ الْبِنْتِ عَلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَلِهَذَا دَفَعَ الْبِنْتَ إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَلَوْ فَقَأَتْ الْأُمُّ عَيْنَ الْبِنْتِ بَعْدَ مَا فَقَأَتْ عَيْنَهَا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُمَا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْبِنْتَ وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي ابْتَدَأَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأُمِّ فَيَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءَ قَتِيلِهَا بِالدِّيَةِ وَوَلِيَّ قَتِيلِ الْأُمِّ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ الْبِنْتِ مَعَ الْأُمِّ وَيَدْفَعُ الْأُمَّ وَمَا أَصَابَهَا بِأَرْشِ عَيْنِهَا مِنْ الْبِنْتِ فَيَكُونُ مَا دَفَعَ بِهَا مِنْ الْبِنْتِ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْأُمِّ خَاصَّةً لِأَنَّ الْأُمَّ حِينَ ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى كَانَتْ عَيْنُهَا صَحِيحَةً فَيَثْبُتُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ تِلْكَ الْعَيْنِ .
وَلَا مُزَاحَمَةَ فِيهِ لِأَوْلِيَاءِ جِنَايَةِ الْبِنْتِ وَهِيَ عَوْرَاءُ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي بَدَلِ عَيْنِهَا ثُمَّ يَضْرِبُ وَلِيُّ قَتِيلِ الْأُمِّ فِي الْأُمِّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ وَيَضْرِبُ فِيهَا وَلِيُّ جِنَايَةِ الْبِنْتَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنْتِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ طَعَنُوا فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْرِبَ أَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْبِنْتِ فِي الْبِنْتِ بِالدِّيَةِ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهَا عَلَى نِصْفِ الْبِنْتِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَالُ وَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ سَلِمَ لَهُ هَذَا وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ لِأَنَّ عِنْدَ دَفْعِ الْبِنْتِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا شَيْءٌ بَعْدُ فَيَضْرِبُونَ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ
عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَا الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْأَلْفَيْنِ أَبْرَأَهُ عَنْ الْأَلْفِ لَا يَتَغَيَّرُ بِهَذَا الْإِبْرَاءِ حُكْمٌ تِلْكَ الْقِسْمَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْفِدَاءَ فِيهِمَا فَدَاهُمَا بِدِيَتَيْنِ وَأَمْسَكَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ يُفْدِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِدِيَةِ قَتِيلِهَا وَقَدْ خَلَصَتَا لِلْمَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ جِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبَتِهَا .
قَالَ وَإِذَا قَتَلَتْ الْأَمَةُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا ثُمَّ إنَّ ابْنَتَهَا قَتَلَتْهَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَوْلَاهَا ادْفَعْهَا أَوْ افْدِهَا بِقِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْبِنْتَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَجَارِيَةٍ أُخْرَى لِلْمَوْلَى .
وَلَوْ جَنَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا فَالْوَلَدُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَلَدَ زِيَادَةٌ انْفَصَلَتْ عَنْهَا قَبْلَ تَقَرُّرِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهَا وَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الدَّفْعِ فَهُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ .
وَلَوْ جَنَتْ الْأَمَةُ جِنَايَةً خَطَأً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدَهَا فَقَطَعَ الْوَلَدُ يَدَهَا فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْأُمَّ وَنِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا وَوَلَدَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَأَعْطَى الْأَرْشَ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ مَمْلُوكٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَقَدْ أَتْلَفَ الْوَلَدُ نِصْفَ الْأُمِّ فَتُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَيْهَا بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا فَلِهَذَا خَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا سَوَاءٌ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَأَخَذَ الْأَرْشَ أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ أَرْشَ جِنَايَتِهَا وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ جِنَايَةَ عَبْدِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا قَبَضَ الْأَرْشَ الْتَحَقَ ذَلِكَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ أَرْشَ جِنَايَتِهَا وَيُمْسِكَ مَا بَقِيَ مَعَهَا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَرْشَ جِنَايَتِهَا مِنْ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَجِنَايَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا هُنَاكَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِحَقِّ الْأُمِّ وَإِنَّمَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لِحَقِّ وَلِيِّ جِنَايَتِهَا وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَوَلِيُّ جِنَايَتِهَا فَقَالَ الْوَلِيُّ جَنَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ ثُمَّ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَهَا فَالْأَرْشُ لِي وَقَالَ الْمَوْلَى جَنَتْ بَعْدَ الْفَقْءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلِيَّ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ مَالٍ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَيَدَّعِي تَارِيخًا فِي جِنَايَتِهِ سَابِقًا عَلَى وُجُوبِ الْأَرْشِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي جَنَى عَلَيْهَا الْقَتِيلُ نَفْسَهُ أَوْ وَلِيَّهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُنْكِرُ سَبْقَ تَارِيخٍ يَدَّعِيه الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيه بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ عَلِمَ بِمَا حَفَرَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحَافِرَ عِنْدَ الْوُقُوعِ يَصِيرُ جَانِيًا بِسَبَبِ الْحَفْرِ السَّابِقِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَفْرَ كَانَ تَعَدِّيًا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ اتَّصَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَيَصِيرُ جَانِيًا عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْحَفْرِ كَالْمُعَلَّقِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ فَعِنْدَ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ يَصِيرُ مُطَلِّقًا وَمُعْتَقًا بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَذَلِكَ الْفِعْلُ كَانَ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَمُوجِبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَاسْتِحْقَاقُ نَفْسِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْحَفْرِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنْ يَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَكَانَ مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ اشْتَرَكَا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى الثَّانِي بِالسَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَارَ جَانِيًا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْحَفْرُ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَالْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ مَا اسْتَهْلَكَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّ تِلْكَ الْقِيمَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا الْعَبْدُ فَهُوَ وَارِثُهُ تَرِكَةً فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ مَا عَتَقَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَالْتَحَقَ هُوَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ .
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ وَقَعَ الْعَبْدُ فِيهَا فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَالْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ الْحَفْرِ السَّابِقِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ
لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَ أَعْتَقَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَانِيًا حُكْمًا وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْجَانِيَ بِالْحَفْرِ هُوَ الْمَوْلَى حَتَّى إنَّ عِنْدَ وُقُوعِ الْوَاقِعِ فِيهَا يَكُونُ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى الْمُعْتِقِ فَيَكُونُ وُقُوعُ الْمُعْتِقِ فِيهَا كَوُقُوعِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَغْرَمُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ مَا وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى لَا يَعْلَمُ بِوُقُوعِ الرَّجُلِ فِيهَا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِعْتَاقِ مُسْتَهْلِكًا لَا مُخْتَارًا وَإِنْ عَلِمَ بِمَوْتِ الرَّجُلِ فِيهَا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَارًا بِالْإِعْتَاقِ فَقَدْ صَارَ مُتَخَيِّرًا بِمَوْتِ الرَّجُلِ فِيهَا وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إعْتَاقُهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي الْبِئْرِ أَحَدٌ لِأَنَّهُ مَا صَارَ مُتَخَيِّرًا قَبْلَ وُقُوعِ الْوَاقِعِ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إعْتَاقُهُ اخْتِيَارًا فَإِنْ وَقَعَ آخَرُ فِيهَا فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُقَاسِمُ صَاحِبَ الدِّيَةِ فَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَالْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الْمَوْلَى نِصْفُ قِيمَةٍ أُخْرَى لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْآخَرِ وَلَا يُشْرِكُ الْأَوَّلُ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى إيَّاهُ اخْتِيَارُ الدِّيَةِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ وَلَكِنَّهُ أَمْسَكَهُ وَأَدَّى الدِّيَةَ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ آخَرُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرِ أَوْ يُفْدِيَهُ بِالدِّيَةِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَصِيرُ هُوَ بِالْإِعْتَاقِ فِي حَقِّ الثَّانِي مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ فَيَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ دَفْعُهُ الدِّيَةَ إلَى الْأَوَّلِ بِسَبَبِ إعْتَاقِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِهِ الْقِيمَةَ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ هُنَاكَ الْمَوْلَى لَا يَغْرَمُ شَيْئًا آخَرَ إذَا وَقَعَ فِيهَا
إنْسَانٌ آخَرُ وَلَكِنَّ الثَّانِيَ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا قَبَضَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ غَرِمَ جَمِيعَ مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ بَعْد ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِوُقُوعِ الثَّانِي فِيهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى تَجَدُّدُ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ حُرٌّ حِينَ وَقَعَ فِيهِ الثَّانِي وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا أَمْسَكَهُ وَأَدَّى الدِّيَةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَ وُقُوعِ الثَّانِي فِيهِ صَارَ جَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْحَفْرِ السَّابِقِ وَهَذَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُخَاطِبُ الْمَوْلَى بِمُوجِبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ النِّصْفُ أَوْ يَفْدِيه وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَغْرَمُ شَيْئًا آخَرَ قُلْنَا وَلِيُّ الثَّانِي يَضْرِبُ مَعَ الْأَوَّلِ فِيمَا قَبَضَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَيْهِ لَا بِالْحَفْرِ السَّابِقِ وَالْمَوْلَى فِي حَقِّهِ يَصِيرُ مُخْتَارًا فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَحَقُّ الْأَوَّلِ فِي الدِّيَةِ فَقَدْ صَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا فِي حَقِّهِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَقْبُوضِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَيْهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى مِقْدَارِ حَقَّيْهِمَا .
وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَشَرَةُ آلَافٍ لِصَاحِبِ النَّفْسِ وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَم بِهِمَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا لِلْعَبْدِ عَلَيْهِمَا بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِالْقَتْلِ وَلَا يَعْلَمُ بِالْعَيْنِ فَعَلَيْهِ عَشَرَةُ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِذَلِكَ وَعَلَيْهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِي حَقِّهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَيَغْرَمُ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ
فَمَاتَ فَعَلَى الْبَائِعِ قِيمَتُهُ لِأَنَّ إزَالَتَهُ الْعَبْدَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ إزَالَتِهِ بِالْعِتْقِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِيهَا الْعَبْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْبَائِعِ قِيمَتُهُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي رِوَايَةٍ مُحَمَّدٍ دَمُهُ هَدَرٌ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْعِتْقِ .
قَالَ : وَإِذَا حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَقَالَ : الْمَوْلَى أَنَا كُنْتُ أَمَرْتُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ عَاقِلَتُهُ وَلَمْ يُصَدِّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَصَارَ الْمَوْلَى مُخَاطَبًا بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا فِي تَفْرِيغِ الْعَبْدِ عَنْ مُوجِبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ إذَا كَذَّبَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ بَرِئَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَةِ بِتَصَادُقِهَا عَلَى ذَلِكَ وَالْحَقُّ لَا يُعَدُّ وَهْمًا فَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْمَوْلَى لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَفْرِ كَانَ مِنْ الْعَبْدِ بِأَمْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ حَفَرَ بِنَفْسِهِ .
وَلَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ فِي بِئْرٍ فِي الطَّرِيقِ فَأَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَفَرَ الْبِئْرَ كَانَ مُصَدِّقًا عَلَى نَفْسِهِ دُونَ عَوَاقِلِهِ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ .
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَحُرًّا يَحْفِرَانِ لَهُ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمَا فَمَاتَا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا الْعَبْدَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَقَدْ تَلِفَ فِي عَمَلِهِ ثُمَّ تِلْكَ الْقِيمَةُ تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ جَانِيًا عَلَى نِصْفِ الْحُرِّ وَقَدْ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَسْتَوْفِي وَلِيُّهُ ذَلِكَ الْبَدَلَ بِحَقِّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا الْمَوْلَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَةِ كَانَتْ مِنْ الْعَبْدِ وَفِي ضَمَانِهِ ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ مَلَكَ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ صَارَ الْحُرُّ جَانِيًا عَلَى نِصْفِهِ فَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَاصِبٍ لَهُ وَكَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحُرَّ صَارَ جَانِيًا عَلَى نِصْفِ الْعَبْدِ ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ الْحُرِّ .
وَإِذَا حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً فَدَفَعَهُ مَوْلَاهُ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ فَمَاتَ فَإِنَّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ جَانِيًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ وَبِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ يَكُونُ نِصْفُ قِيمَةِ حَقِّ وَلِيِّ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُقُوعُ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ بِجِنَايَتِهِ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ قَدْ مَلَكَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْعَبْدُ مَا كَانَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ حَقٌّ فِي الْعَبْدِ وَبِوُقُوعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ حَقَّ وَلِيِّهِ كَانَ تَامًّا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ وَلَكِنْ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ وَلَكِنَّهُ فِي الْخِيَارِ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ أَوَّلًا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَدَفَعَهُ ثُمَّ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً فَدَفَعَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ آخَرُ فَإِنَّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ يَدْفَعُ ثُلُثَهُ إلَى الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ آخِرًا أَوْ يَفْدِيه بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْحَاصِلِ قَاتِلٌ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ اثْنَانِ فِي الْبِئْرِ وَوَاحِدٌ بِيَدِهِ وَقَدْ صَارَ حِصَّةُ صَاحِبِ الْبِئْرِ الْأَوَّلِ لِلَّذِي قَتَلَهُ بِيَدِهِ مَعَ حِصَّتِهِ وَذَلِكَ ثُلُثَانِ مِنْ الْعَبْدِ وَالثُّلُثُ مِنْهُ حَقُّ وَلِيِّ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ آخِرًا وَقَدْ قَامَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مَقَامَ الْمَالِكِ فِيهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الثُّلُثَ أَوْ يَفْدِيَهُ بِالدِّيَةِ .
وَإِذَا حَفَرَ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بِالْحَفْرِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْوُقُوعِ بِهِ كَجِنَايَتِهِ بِيَدِهِ وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَوْلَى بِهِ قَضَى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ كَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الرَّقَبَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهَا فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَاتُوا وَقَدْ تَغَيَّرَتْ قِيمَتُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا قِيمَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ يَوْمَ حَفَرَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً فَلَا يَغْرَمُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْمُدَبَّرِ سَبَبُهَا كَانَ هُوَ الْحَفْرَ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِي الْجِنَايَةِ بِيَدِهِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَ جَنَى وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِيهَا بَعْضُهُمْ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الدَّفْعِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى ابْتِدَاءً فَمَوْتُ الْمُدَبَّرِ وَحَيَاتُهُ وَعِتْقُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى جِنَايَةً بِيَدِهِ شَارَكَ أَهْلُهَا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ جَنَى بِيَدِهِ أَلْفَيْنِ فَعَلَى الْمَوْلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ لِهَذَا خَاصَّةً لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَقْتَ
جِنَايَتِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ صَارَ مَانِعًا دَفْعَهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ وُجِدَتْ مِنْهُ الْآنَ فَعَلَيْهِ لِصَاحِبِهَا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَقَدْ غَرِمَ مَرَّةً أَلْفًا فَيَغْرَمُ لِهَذَا أَلْفًا أُخْرَى ثُمَّ يَضْرِبُ هُوَ فِي الْقِيمَةِ الْأُولَى مَعَ أَهْلِهَا بِتِسْعَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِقْدَارُ أَلْفٍ فَيَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْبِئْرِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَتَكُونُ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ : وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةَ رَهْطٍ مُدَبَّرًا وَمُكَاتَبًا وَعَبْدًا وَحُرًّا يَحْفِرُونَ لَهُمْ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ فَمَاتُوا وَلَمْ يُؤْذَنْ لِلْمُدَبَّرِ وَلَا لِلْعَبْدِ فِي الْعَمَلِ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : تَلِفَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ فَيُهْدَرُ رُبْعُ نَفْسِهِ وَتُعْتَبَرُ جِنَايَةُ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْقِنِّ ثُمَّ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ رُبْعُ دِيَةِ الْحُرِّ فِي رَقَبَةِ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ وَلِوَلِيِّ الْمُكَاتَبِ رُبْعُ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ فِي رَقَبَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَضْرِبُ فِي هَاتَيْنِ الْقِيمَتَيْنِ وَدِيَةُ الْحَرِّ بِنِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ وَوَرَثَةُ الْمُكَاتَبِ بِنِصْفِ الْمُكَاتَبِ فَيَقْسِمَانِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا ثُمَّ يَرْجِعُ مَوْلَاهُمَا بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ اسْتَحَقَّ بِجِنَايَةِ قِيمَةٍ كَانَتْ مِنْهُمَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ رُبْعُ قِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مِلْكُ الْعَبْدِ بِالضَّمَانِ وَقَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لِلْمُدَبَّرِ بِاسْتِحْقَاقِ بَدَلِ نَفْسِهِ بَعْدَ مَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِرُبْعِ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَهُ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ رُبْعُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ فِي رَقَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبْعُ قِيمَتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي أَخْلَفَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ بَعْضُهُ قِصَاصًا مِنْ بَعْضٍ وَيُتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَلَوْ مَعَ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْحُرَّ أَتْلَفَ رُبْعَ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ يَأْخُذُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى رُبْعِ الْحُرِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ فَيَأْخُذُونَ رُبْعَ
الدِّيَةِ وَيَرُدُّونَ الْفَضْلَ عَلَى مَوْلَى الْمُكَاتَبِ وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : قِيمَةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ يَعْنِي الْمُدَبَّرَ وَالْعَبْدَ رُبْعُ قِيمَتِهِ فِي قِيمَة الْآخَرِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ .
فَإِنْ كَانَ الْعَبْدَانِ مَأْذُونًا لَهُمَا فِي الْعَمَلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِانْعِدَامِ الْغَصْبِ وَرُبْعُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَكَذَلِكَ رُبْعُ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةِ الْحُرِّ فِي أَعْنَاقِهِمْ فِي عُنُقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبْعٌ فَإِذَا عَقَلَتْ عَاقِلَةُ الْحُرِّ رُبْعَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَخَذَ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُلْنَا : يُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَى الْمُدَبَّرِ قِيمَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ صَارَ مَانِعًا بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ فَيَكُونُ مُوجِبُ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهِ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ وَمَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ تَرَكَ وَفَاءً أَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ تَمَامَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ جِنَايَاتِ الْمُكَاتَبِ إذَا اجْتَمَعَتْ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً فِي كَسْبِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ فِيهَا وَلِيُّ الْحُرِّ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ وَمَوْلَى الْمُدَبَّرِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَى الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بَدَلُ عَبْدِهِ وَأَوْلِيَاءُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ مَوْلَاهُ فَيَضْرِبُ فِي ذَلِكَ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِرُبْعِ دِيَةِ الْحُرِّ وَمَوْلَى الْمُدَبَّرِ بِرُبْعِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَمَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِرُبْعِ قِيمَةِ
الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ جَنَى عَلَى رُبْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلِهَذَا كَانَتْ قِيمَةُ بَدَلِهِ بَيْنَهُمْ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا أَخْرَجَ الرَّجُلُ كَنِيفًا شَارِعًا مِنْ دَارِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ مِيزَابًا أَوْ مَصَبًّا أَوْ صَلَايَةً مِنْ حَائِطٍ فَمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ دِيَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ حَتَّى شَغَلَ طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَحْدَثَهُ فِيهِ إمَّا فِي رَقَبَةِ الطَّرِيقِ أَوْ فِي هَوَاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحُولُ بَيْنَ الْمَارَّةِ وَبَيْنَ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَفِي الْمِيزَابِ إذَا أَصَابَ الَّذِي فِي الْحَائِطِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي مَوْضِعِ هَذَا الطَّرَفِ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْصِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَلَوْ وَضَعَ خَشَبَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَتَعَرْقَلَ بِهِ رَجُلٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ بِالْخَشَبَةِ الَّتِي وَضَعَهَا فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَنَى فِي الطَّرِيقِ دُكَّانًا أَوْ جَلَسَ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَ ظِلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنْ وَطِئَ الْمَارُّ عَلَى الْخَشَبَةِ وَوَقَعَ فَمَاتَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الزَّلَقَ قَالَ : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخَشَبَةُ كَبِيرَةً يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي وَضَعَهَا لِأَنَّ وَطْأَهُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْخَشَبَةِ بِمَنْزِلَةِ تَعَمُّدِ الزَّلَقِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ التَّعَرْقُلِ بِالْحَجَرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الطَّرِيقِ عَمْدًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ فَطَرَيَانُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسْبِيبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَلْقَى إنْسَانٌ نَفْسَهُ فِيهَا عَمْدًا فَإِنْ قَالَ وَاضِعُ الْحَجَرِ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ التَّعَرْقُلَ بِهِ وَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْبِئْرِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاضِعِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَاضِعِ الْجَارِحِ إذَا ادَّعَى أَنَّ الْمَجْرُوحَ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ فَبَعْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْعَارِضِ الْمُسْقِطِ ، وَهَا هُنَا الْوَاضِعُ وَالْحَافِرُ يَدَّعِي صَلَاحِيَةَ الْعِلَّةِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الشَّرْطِ عِنْدَ عَدَمِ صَلَاحِيَةِ الْعِلَّةِ لِذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ هُوَ الصَّلَاحِيَةُ فَكَانَ هُوَ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ مَعْنًى مُنْكِرًا لِسَبَبِ الضَّمَانِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَإِذَا تَعَرْقَلَ الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فَوَقَعَ عَلَى حَجَرٍ وَمَاتَ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ دَافِعٌ لَهُ بِحَجَرِهِ عَلَى الْحَجَرِ الثَّانِي فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ بِيَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاضِعٌ فَهُوَ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ لِأَنَّ وَضْعَ الْحَجَرِ الثَّانِي سَبَبٌ وَهُوَ التَّعَدِّي وَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَةُ الْقَتْلِ إلَى مَا دَفَعَهُ عَلَيْهِ يُجْعَلُ مُضَافًا إلَى الْحَجَرِ الثَّانِي ، وَأَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ مُبَاشَرَةٌ قَتْلٌ مَحْظُورٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَقَتَلَ الْعَبْدُ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ اخْتَصَمُوا فَإِنَّ الْعَبْدَ يُرَدُّ إلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ حَرَامٌ مُسْتَحِقٌّ الْفَسْخَ وَفَسْخُهُ بِالرَّدِّ عَلَى مَوْلَاهُ ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ تَخْيِيرُ الْمَالِكِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَالِكُ هُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِهَا دُونَ الْغَاصِبِ فَيَرُدُّهَا إلَيْهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا فَدَاهُ بِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ حِينَ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَةٍ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَلِأَنَّ فَسْخَ فِعْلِ الْغَاصِبِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِرَدِّهِ كَمَا قَبَضَهُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ فَارِغًا وَرَدَّهُ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ حُكْمُ فِعْلِهِ كَانَ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَخَلَّصُ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا فَهُوَ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ مُخْتَارٌ ، فَحَقُّ الرُّجُوعِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الضَّرُورَةُ دُونَ مَا هُوَ مُخْتَارٌ لَهُ وَذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الْأَقَلِّ .
وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ حَتَّى إنْ كَانَ زَادَ عِنْدَهُ خَيْرًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ جُعِلَ كَالْهَالِكِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَإِنْ حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ فَمَا وَجَبَ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى لِفَرَاغِهِ عَنْ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ذَهَبَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَاخْتَارَ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ
فَدَفَعَهُ رُجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ وَيُدْفَعُ نِصْفُهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي الْعَيْنِ الَّذِي ذَهَبَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالْعَيْنُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَلِهَذَا دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمَوْلَى وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ أَعْوَرَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ أَعْوَرَ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَهُوَ أَعْوَرُ فَيَرْجِعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَلِمَا جَنَى عَبْدُهُ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ لَحِقَهُ مِنْ دَيْنٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ وَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ وَمَالِيَّتَهُ اُسْتُحِقَّتْ بِمَا حَدَثَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ قَائِمًا يُمَكَّنُ مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْغَاصِبُ مِنْ ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَوْلَى هَذِهِ الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ بِنِيَّتِهِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَقَدْ فَاتَتْ وَأَخْلَفَتْ هَذَا الْبَدَلَ وَحُكْمُ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِقِيمَةٍ أُخْرَى عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الْأُولَى اُسْتُحِقَّتْ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ عَيْنُ الْعَبْدِ مِنْ يَدِهِ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ رُجِعَ عَلَى
الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْقِيمَةُ يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى حَتَّى تَخْلُصَ لَهُ قِيمَتُهُ قَائِمَةً مَقَامَ عَبْدِهِ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ فَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى أَعْوَرَ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا آخَرَ ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِجِنَايَتِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِنْ الْغَاصِبِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهِ الَّتِي فَاتَتْ عِنْدَهُ فَيَدْفَعُهَا إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ كَانَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ لِقِيَامِهَا عِنْدَ جِنَايَتِهِ وَحَقَّ الثَّانِي مَا ثَبَتَ فِي تِلْكَ - الْعَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْأَوَّلِ ضَرَبَ هُوَ فِي الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ بِالدِّيَةِ إلَّا مَا أَخَذَ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَأْخُوذَ سَالِمٌ لَهُ فَلَا يَضْرِبُ بِهِ وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِالدِّيَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ .
وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا أَصَابَ الْأَوَّلَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَعْوَرَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْعَبْدِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَصَابَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَتْ عِنْدَ الْمَوْلَى ثُمَّ يَرْجِعُ أَوْلِيَاءُ الْأَوَّلِ فِيمَا أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ بِتَمَامِ قِيمَةِ الْعَبْدِ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي عَبْدٍ صَحِيحٍ فَارِغٍ فَمَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ كَمَالُ حَقِّهِ لَا يُسَلَّمُ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ مِنْهُ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ الْأَوَّلُ اسْتَحَقَّهُ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ قَرَارُ ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَقَتَلَ عِنْدَهُ آخَرَ خَطَأً فَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِي رَقَبَتِهِ ثُمَّ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ يَدْفَعُ هَذَا النِّصْفَ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِهِ أَيْضًا عَلَى الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ : يَأْخُذُ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَالْقِيَاسُ هَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَوْ أَمَرَ بِدَفْعِ ذَلِكَ النِّصْفِ إلَيْهِ اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَلِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ عَدَمِ سَلَامَةِ الْعَيْنِ لِتَقُومَ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ وَذَلِكَ النِّصْفُ سَالِمٌ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا حَقَّ لَهُ فِي بَدَلِهَا وَالنِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ بَدَلًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ النِّصْفِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْوَلِيِّ فَلَا يَكُونُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ قَالَا : حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ فَارِغًا وَإِنَّمَا سُلِّمَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَعَ بَقَاءِ نِصْفِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَكِنْ يُدْفَعُ إلَيْهِ هَذَا النِّصْفُ مِنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُسَلَّمَ لَهُ كَمَالُ حَقِّهِ نِصْفَ الْعَبْدِ وَنِصْفَ قِيمَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى عِنْدَ الْمَوْلَى وَالْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ
الْغَاصِبِ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِهِمَا فَإِنَّهُ يُرْجَعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ رُجُوعَ الْوَلِيِّ هُنَاكَ بِقِسْمَةِ نِصْفِ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِنَايَةَ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَدْ كَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثَابِتًا فِيهِ وَهَا هُنَا رُجُوعُهُ بِقِيمَةِ النِّصْفِ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَلَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ هَذَا فِي مَا بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمَوْلَى بَدَلٌ عَنْ النِّصْفِ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَأَمَّا فِي حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ النِّصْفِ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ أَوْ مَا يَأْخُذُهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَوْ عَنْ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى وَلِيِّهِ حَالَ فَرَاغِهِ عَنْ كُلِّ حَقٍّ وَصَيْرُورَتِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَوْلَى فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْعَبْدِ بِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ يَبِيعُ خَمْرًا يَقْضِي بِالثَّمَنِ دَيْنَ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ يَطِيبُ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْمَقْبُوضَ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ إنَّمَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ بِاعْتِبَارِ دَيْنِهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَدَلُ الْخَمْرِ فَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ .
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ جَنَى الْجِنَايَةَ الْأُولَى عِنْدَ الْمَوْلَى وَالثَّانِيَةَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الْعَبْدَ نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَهُوَ بَدَلُ مَا اسْتَحَقَّهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ
فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا النِّصْفِ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ بِجِنَايَةٍ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبُ غَصَبَ الْعَبْدَ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ رَدَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ كَذَلِكَ مَشْغُولًا بِالْجِنَايَةِ وَلَوْ رَدَّ جَمِيعَ الْقِيمَةِ فَاسْتَحَقَّهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بَعْدَ مَا هَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ إذَا رَدَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَاسْتَحَقَّهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى .
ثُمَّ بَنَى الْمَسَائِلَ إلَى آخِرِ الْبَابِ بَعْدَ هَذَا عَلَى فَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَالِهِ مُعْتَبَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ صَاحِبِيهِ هَدَرٌ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ عَلَى مَالِ الْغَاصِبِ فَهَدَرٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِمَا مُعْتَبَرٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْغَصْبِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْغَاصِبَ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمِلْكِ تُنَفَّذُ فِيهِ مِنْ الْمَوْلَى دُونَ الْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ دُونَ الْغَاصِبِ ثُمَّ رُجُوعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ يَكُونُ بِسَبَبِ الْغَصْبِ لَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَرَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِ مَالِكِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَكُونُ خَطَأً هَدَرٌ إمَّا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ مِنْ مَمْلُوكٍ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِيَّتِهِ وَالْمَالِكُ لَا يَسْتَحِقُّ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ فِيمَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمَالِ كَجِنَايَةِ الْمَالِكِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَالِ نَفْسِهِ هَدَرٌ فَكَذَلِكَ
جِنَايَةُ مَمْلُوكِهِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ بِسَبَبِ الْمِلْكِ تُهْدَرُ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى مَمْلُوكِهِ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَوْلَاهُ فِيمَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمَالِ ثُمَّ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ الْمَغْصُوبُ كَغَيْرِهِ حَتَّى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ كَانَ ذَلِكَ هَدَرًا وَإِذَا قَتَلَهُ الْغَاصِبُ كَانَ مُعْتَبَرًا فَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ قُلْنَا : تُهْدَرُ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَتُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَأَجْنَبِيٍّ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَى الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي جِنَايَتِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً وَبِأَنْ كَانَ مَغْصُوبًا عَلَى الْغَاصِبِ فَكَذَلِكَ لَا يَدُلُّ اعْتِبَارُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى عَلَى الرَّاهِنِ لَا تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالْقَبْضِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَائِدَةً وَهُوَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْغَاصِبُ رَقَبَتَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ وَمَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْحَقُّ بِسَبَبِ الْغَصْبِ بَلْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ وَلِلْإِنْسَانِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ غَرَضٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ لِيَتَمَلَّكَ بِهِ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : الْغَاصِبُ فِي حُكْمِ جِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ كَالْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ كَانَ قَرَارُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَاسْتِحْقَاقُ ضَمَانِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى مَالِكِهِ فَلَمَّا كَانَ قَرَارُ ضَمَانِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ هَاهُنَا عَرَفْنَا أَنَّهُ صَارَ كَالْمَالِكِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ يُوَضِّحُهُ
أَنَّ إهْدَارَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ لَيْسَ لِعَيْنِ الْمِلْكِ بَلْ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا غَيْرُ مُفِيدٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ هَاهُنَا : لَوْ اعْتَبَرْنَا جِنَايَتَهُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ عَلَى مَالِ مَوْلَاهُ كَانَ مُفِيدًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ بِاعْتِبَارِهِ بَعْدَ مَا أَخَذَ الْعَبْدَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ فَلِكَوْنِهِ مُفِيدًا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَةِ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَبِرًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ عَلَى مَالِ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالِيَّتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِتِلْكَ الْمَالِيَّةِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ تَكُونُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْغَاصِبِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لِاسْتِحْقَاقِ مِلْكِ الْعَبْدِ بِهَا عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةٍ أُطْلِقَ جَوَابُهَا فِي آخَرِ الْبَابِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَالْأَصَحُّ : أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمَوْلَى الدَّفْعَ إلَيْهِ وَالْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدَّفْعِ وَبَيْنَ الْفِدَاءِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ الْمَالِيَّةَ فَقَطْ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَلَمْ يَغْرَمْ إلَّا قِيمَتَهُ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالِهِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ اعْتِبَارَ جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي اعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ، يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَقَرَّرَ
لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا جِنَايَتَهُ وَجَعَلْنَا قَرَارَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنَ لَا يُتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لِلْمُرْتَهِنِ وَهَا هُنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ إذَا تَقَرَّرَ أَوْجَبَ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ وَأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَالِكِ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ فَوُضِّحَ كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ لَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ جُعِلَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ عَبْدًا آخَرَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَقْرَبُ إلَى الِاعْتِبَارِ مِنْ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ لَمَّا اعْتَبَرْنَا جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ هَاهُنَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ جِنَايَتُهُ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ : نَحْنُ لَا نَعْتَبِرُ جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّا نَجْعَلُ قَتْلَهُ نَفْسَهُ كَمَوْتِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ .
فَكَذَلِكَ قَتْلُهُ عَبْدًا آخَرَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يُجْعَلُ كَمَوْتِ ذَلِكَ الْعَبْدِ قُلْنَا : لَا كَذَلِكَ فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْ جِنَايَتَهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ لَزِمَنَا جَعْلُ جِنَايَتِهِ كَجِنَايَةِ مَالِكِهِ عَلَى مَا قَالَا : إنَّ جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَجِنَايَةِ الْمَالِكِ فَلَوْ قَتَلَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ فَكَانَ يَنْبَغِي إذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبُ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا وَاسْتِدْلَالُهُمَا بِهَذَا الْفَصْلِ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ بِقَتْلِ الْعَبْدِ يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا لَهُ فَيَنْعَدِمُ بِهِ الضَّمَانُ الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ كَانَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْغَاصِبُ كَالْمَالِكِ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِجِنَايَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلِهَذَا افْتَرَقَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ :
إذَا عَرَفْنَا هَذَا احْتَجْنَا إلَى بَيَانِ الْمَسَائِلِ فَنَقُولُ : لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَجَارِيَةً فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُ قَتِيلًا ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ رَدَّهُ الْغَاصِبُ إلَى الْمَوْلَى فَاخْتَارَ دَفْعَهُ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ فِيهِ أَوْلِيَاءَ قَتِيلِهِ بِالدِّيَةِ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِهَا بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ جُنِيَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ فِيهَا أَصْلًا .
وَالرَّدُّ فِي الْعَبْدِ لَمْ يُسَلَّمْ حِينَ اُسْتُحِقَّ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِذَا اسْتَوْفَى قِيمَتَهُ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ إلَى أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَأَخْلَفَتْ عِوَضًا وَقَدْ كَانَتْ نَفْسُهَا مُسْتَحِقَّةً لِأَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا فَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِمْ مِنْ قِيمَتِهَا ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ ذَلِكَ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ جَنَتْهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ وَيَأْخُذُ أَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تَمَامَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ فَارِغًا وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ إلَّا الْبَعْضُ وَقَدْ أَخْلَفَ الْعَبْدُ عِوَضًا فَيُسْتَوْفَى مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَأَدَّى دِيَةَ قَتِيلِ الْعَبْدِ وَأَدَّى قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ فِدَاءَ الْعَبْدِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَتُهُ كَانَتْ عَلَى الْحُرِّ وَعَلَى الْجَارِيَةِ ثُمَّ يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ لِانْعِدَامِ الرَّدِّ فِي الْجَارِيَةِ وَانْعِدَامِ سَلَامَةِ الرَّدِّ فِي الْعَبْدِ بِدُونِ الْأَرْشِ وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ بَعِيدًا أَوْ كَانَ
غَائِبًا فَإِذَا كَانَ حَاضِرًا وَتُمْكِنُ الْمَوْلَى أَخْذَهَا مِنْهُ .
فَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا ذَكَرَهَا فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَمَّا فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الطَّوِيلَةَ وَبَيَّنَ التَّقْسِيمَ فِي الْجَوَابِ فَقَالَ : إذَا اغْتَصَبَ عَبْدًا وَجَارِيَةً وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُ قَتِيلًا ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا بِالْهَلَاكِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَوْلَى هَذِهِ الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لَهُ وَقَدْ مَاتَتْ وَأَخْلَفَتْ قِيمَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ قِيمَتِهَا مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَتِهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ كَاسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا فَيُرْجَعُ بِقِيمَتِهَا مَرَّةً أُخْرَى لِتَقُومَ مَقَامَ الْجَارِيَةِ لِلْمَوْلَى فَارِغَةً كَمَا غَصَبَهَا ثُمَّ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ .
فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ أَفْدَاهُ بِالدِّيَةِ وَرُجِعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ أَفْدَاهُ بِالدِّيَةِ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ وَإِلَى الْغَاصِبِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ لَمَّا تَقَرَّرَتْ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَدْ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ جَنَى عَلَى أَمَةِ الْغَاصِبِ وَهُوَ هَدَرٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ هُوَ مُعْتَبَرٌ فَإِذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَفِدَاءُ الْعَبْدِ بِالدِّيَةِ فَقَدْ اسْتَوْجَبَ هُوَ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْغَاصِبِ وَاسْتَوْجَبَ
الْغَاصِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْأَمَةِ لِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ أَوْ اعْتِبَارِهِ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْأَمَةِ فَيَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لِاسْتِوَاءِ الْقِيمَتَيْنِ فَلِهَذَا لَا يُرْجَعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ .
وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ جِنَايَتَانِ مُعْتَبَرَتَانِ جِنَايَةٌ عَلَى الْحُرِّ فَيُضْرَبُ وَلِيُّ الْحُرِّ فِيهِ بِالدِّيَةِ وَجِنَايَةٌ عَلَى الْأَمَةِ فَيُضْرَبُ الْغَاصِبُ فِيهِ بِقِيمَتِهَا وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ أَلْفٍ سَهْمًا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةٌ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ وَجُزْءٌ لِلْغَاصِبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُ مِنْهَا جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ فَارِغًا عَشَرَةٌ وَإِنَّمَا سَلَّمَ مِنْهُ جُزْءًا وَقَدْ فَاتَ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ رُجِعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِذَا رُجِعَ بِهِ صَارَ فِي يَدِ الْمَوْلَى قِيمَةُ الْغُلَامِ تَامَّةً وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ صَارَ فِي يَدِ وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْعَبْدِ وَجُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَصَارَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ الْغُلَامِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا وَصَارَ فِي يَدِ وَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُعْسِرًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَاخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ فَإِنْ قَالَ وَلِيُّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ : لَا أَضْرِبُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْغُلَامِ وَلَكِنِّي أَنْظُرُ فَإِنْ خَرَجَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَخَذْتهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَحِقَهُ مَحَلَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهمَا ثُمَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَدْفَعُ الْغُلَامُ كُلَّهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ
الْغُلَامِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَهُ كَمَا بَيَّنَّا فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ لِلْغَاصِبِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهِ رُجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَيَدْفَعُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهَا ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ فِي يَدِهِ قِيمَتَانِ .
فَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ وَيَتْرُكُ الْجُزْءَ فِي يَدَيْهِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْأَمَةِ جِنَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَهَذَا الْجُزْءُ الْفَائِتُ فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ قِيمَتَهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ هَذَا الْجُزْءِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا خَرَجَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَخَذَهَا الْمَوْلَى فَيَدْفَعُهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِهَا ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْ هَذَا الْجُزْءَ إلَى الْغَاصِبِ أَوْ افْدِهِ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ فَيَدْفَعُ مِنْهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا بَدَلَ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنَّمَا يَفْدِيه بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْقِيمَتَانِ سَوَاءٌ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْأُخْرَى وَيَدْفَعُ مَكَانَ ذَلِكَ الْجُزْءِ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِقِيمَتِهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ كَانَ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْغَاصِبِ .
وَإِنْ قَالَ وَلِيُّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ : أَنَا أَضْرِبُ فِي الْغُلَامِ بِقِيمَتِهَا دَفَعَ إلَيْهِمَا فَيَضْرِبُ فِيهِ وَلِيُّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ بِقِيمَتِهَا وَوَلِيُّ قَتِيلِ الْغُلَامِ بِالدِّيَةِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ
عَشَرَ كَمَا بَيَّنَّا فَإِنْ قَدَرَ الْغَاصِبُ أَوْ أَيْسَرَ أَدَّى إلَى الْمَوْلَى قِيمَةَ الْجَارِيَةِ لِانْعِدَامِ الرَّدِّ فِي الْجَارِيَةِ أَصْلًا وَلِانْعِدَامِ سَلَامَةِ الرَّدِّ فِي الْغُلَامِ فَيَدْفَعُ مِنْ قِيمَةِ الْغُلَامِ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْغُلَامِ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهِ بَدَلَ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَقَالَ : وَلَيْسَ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ إلَّا مَا أَصَابَهُ مِنْ الْغُلَامِ وَلَا يُعْطَى مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ شَيْءٌ وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْقَصِيرَةِ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ إلَى أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا تَمَامُ قِيمَتِهَا فَفِي هَذَا الْجَوَابِ رِوَايَتَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِهَا فَيُعْطُونَ مِنْ بَدَلِهَا كَمَالُ حَقِّهِمْ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا اسْتَوْفَى وَلِيُّ قَتِيلِ الْجَارِيَةِ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ بِمُقَابَلَةِ الْجَارِيَةِ فَيَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا يُعَيَّنُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَبْقَى لَهُ فِي الْمَحَلِّ الْآخَرِ حَقٌّ كَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَبِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ وَبِقِيمَتَيْنِ فِي الْجَارِيَةِ قِيمَةٌ مَكَانَ الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَقِيمَةٌ أُخْرَى بِالْغَصْبِ لِيُسَلَّمَ لَهُ مَكَانَ الْجَارِيَةِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْغُلَامِ وَقِيمَةَ الْجَارِيَةِ صَارَ كَأَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ لَهُ لِتَقَرُّرِ ضَمَانِهَا عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَوْ افْدِهِ بِقِيمَةِ
الْجَارِيَةِ وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ حُكْمِ الْمُقَاصَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى .
صَاحِبِهِ هَذَا تَمَامُ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
قَالَ : وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ آخَرَ ثُمَّ عَفَا وَلِيُّ قَتِيلِ الْأَوَّلِ عَنْ الدِّيَةِ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَهُ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْآخَرِ أَوْ يَفْدِيهِ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ إلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا نِصْفَهُ ثُمَّ بِعَفْوِ الْأَوَّلِ لَا يَزْدَادُ حَقُّ الثَّانِي وَسَوَاءٌ دَفَعَهُ أَوْ فَدَاهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ سُلِّمَ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ فَإِنْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ قَدْ فَرَغَ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ كَمَا كَانَ مَرِيضًا فَرَدَّهُ ثُمَّ بَرَأَ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا قَبْلَ الْعَفْوِ ثُمَّ عَفَا الْأَوَّلُ عَمَّا بَقِيَ لَهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَهُوَ بَدَلُ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالْعَفْوُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا بَقِيَ لَا إلَى مَا اُسْتُوْفِيَ فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ أَسْقَطَ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ بِالْعَفْوِ وَإِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى .
قَالَ : وَإِذَا اغْتَصَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا وَاسْتَوْدَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْغَاصِبُ أَمَةً فَقَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ قَتَلَ الْأَمَةَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِهَلَاكِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَإِذَا أَخَذَهَا الْمَوْلَى دَفَعَهَا إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ الْقِيمَةَ وَقَدْ كَانَتْ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْغَاصِبُ قِيمَةً أُخْرَى إلَى الْمَوْلَى لِيُسَلَّمَ لَهُ مَكَانَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ إلَى الْغَاصِبِ أَوْ افْدِهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْغَاصِبِ .
وَجِنَايَةُ الْأَمَةِ الْوَدِيعَةِ عَلَى عَبْدِ الْمُودَعِ مُعْتَبَرَةٌ فَيُخَيِّرُ مَوْلَاهَا بَيْنَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْأَمَةَ مَعَ قَتْلِهِ الْحُرَّ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ قُسِّمَ الْعَبْدُ عَلَى دِيَةِ الْقَتِيلِ وَقِيمَةِ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْخُذُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَصَابَ الدِّيَةَ وَيَأْخُذُ الْمَوْلَى مَا أَصَابَ قِيمَةَ الْأَمَةِ وَيَضْمَنُ لَهُ الْغَائِبُ تَمَامَ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ جَنَى عَلَى أَمَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَعَلَى مَالِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَضْرِبُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ أَمَتِهِ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ عَلَى مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ هَدَرٌ وَكَوْنَ الْأَمَةِ أَمَانَةً لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَكَوْنِهَا فِي يَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ كُلَّهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ .
قَالَ : وَلَوْ غُصِبَ فَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ كُلَّهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ ثُمَّ
يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ : ادْفَعْ الْوَلَدَ إلَى الْغَاصِبِ أَوْ افْدِهِ بِقِيمَةِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ أَمَانَةً لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي يَدِهِ وَقَدْ مَلَكَ الْأَمَةَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْأَمَانَةِ عَلَى مَالِ الْأَمِينِ مُعْتَبَرَةٌ فَيُخَيِّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لِذَلِكَ قَالَ : وَلَوْ غَصَبَ رَجُلَانِ عَبْدًا فَقَتَلَ فِي يَدِهِمَا قَتِيلًا ثُمَّ قَتَلَ أَحَدَهُمَا قِيلَ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلَيْنِ نِصْفَيْنِ فَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ الْغَاصِبِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ جُعِلَ جِنَايَتُهُ عَلَى أَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ قَالَ : الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَمَنْ يَقُولُ : جِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ هَدَرٌ عِنْدَهُ يَقُولُ : هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمَا فَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْغَاصِبِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَمَّا مِنْ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَهُ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ خَطَأً ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْعَبْدُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلَيْنِ رُجِعَ عَلَى الْغَاصِبَيْنِ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُسَلَّمْ فَيُدْفَعُ نِصْفُهَا إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعَبْدِ فَارِغًا وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ فَاتَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَأَخْلَفَ بَدَلًا ثُمَّ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْحَيَّ مِنْهُمَا وَفِي مَالِ الْغَاصِبِ الْمَقْتُولِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اُسْتُحِقَّ بِيَدِهِ
بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَرْجِعُ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ الْغَاصِبَيْنِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ حَقَّ الْغَاصِبِ الْمَقْتُولِ مَا يَثْبُتُ إلَّا فِي نِصْفِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى وَقَدْ سَلَّمُوا لَهُ نِصْفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِهَا وَمِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ جَنَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ بِجِنَايَتِهِمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي كَسْبِهِمَا لِلْمَوْلَى هُنَاكَ ، يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الرَّقَبَةِ هُنَاكَ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَهَا هُنَا الْمُكَاتَبُ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ رَقَبَتِهِ بِقَبُولِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ : لَا بَلْ الْمَوْلَى صَارَ مَانِعًا دَفْعَ رَقَبَتِهِ بِإِيجَابِ الْكِتَابَةِ قُلْنَا : لَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ دَفْعُ الرَّقَبَةِ بِإِيجَابِهِ هَاهُنَا .
وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ بِقَبُولِ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ لَا يَتَعَذَّرُ الدَّفْعُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ بَلْ بِاسْتِبْرَاءِ أَمَتِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ وَاسْتِبْرَاءُ أَمَةٍ لِمُكَاتَبٍ دُونَ الْمَوْلَى ، فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَيُفْسَخَ الْعَقْدُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ فَبِأَدَائِهِ قَدْ وَصَلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَالُ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ فَهُوَ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَتَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحَلِّ الدَّفْعِ اسْتَحَقَّ وَلِيُّ الْقَتِيلِ نَفْسَهُ حِينَ جَنَى فَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ مُتَعَذِّرًا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ جَنَى ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ هَذَا فِي فُصُولٍ : أَحَدُهَا إذَا عَجَزَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي يَسْعَى عِنْدَنَا وَيَدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يَفْدِي وَعِنْدَ زُفَرَ يُبَاعُ فِي قِيمَتِهِ كَمَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ آخَرَ لَوْ كَانَ
عَلَيْهِ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْجِنَايَةِ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ الْقِيمَةَ ابْتِدَاءً كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَعِنْدَنَا الدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا فِي الْحَالِ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْهُ بَعْدَ الْعَجْزِ فَلِتَوَهُّمِ الدَّفْعِ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا عَجَزَ تَقَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ فَيَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا تَنْبَنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ هَلْ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ ؟ عِنْدَ زُفَرَ يُوجِبُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَعِنْدَنَا لَا يُوجِبُ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا إعْتَاقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَتَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَنَا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ : إمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ بِقَضَائِهِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى تَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَيَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ فِي الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الدَّفْعِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِمَوْتِهِ عَنْ وَفَاءٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الدَّفْعِ وَيَتَقَرَّرُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الْقِيمَةِ .
فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ ثُمَّ جَنَى فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِلْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِهَا وَمِنْ قِيمَتِهَا لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَحَوَّلَ حَقُّ الْأَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَفَرَغَتْ الرَّقَبَةُ مِنْهُ فَيَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ يَجْنِيهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمَا قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي قَضَى فِي الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ
وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَتَيْنِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيَّيْنِ فِي الرَّقَبَةِ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَوْ عَجَزَ دَفَعَ إلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا وَمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً وَفِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ لِأَنَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وُجُوبَ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ .
فَإِنْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي أَلْفَيْنِ أَلْفٌ مِنْهَا لِلْآخَرِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ حِينَ جَنَى وَقَدْ جَنَى عَلَى الْأَوَّلِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَجَنَى عَلَى الثَّانِي وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَالْأَلْفُ الثَّانِيَةُ يَخْتَصُّ بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَا حَقَّ فِيهَا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَفِي مِقْدَارِ أَلْفٍ يَثْبُتُ حَقُّهُمَا فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا .
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ قَتِيلَيْنِ خَطَأً فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ ثُمَّ عَجَزَ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نِصْفَهُ إلَى الثَّالِثِ وَيَتْبَعُهُ الْأَوَّلُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَيُبَاعُ ذَلِكَ النِّصْفُ فِيهِ لِأَنَّ فِي النِّصْفِ تَحَوَّلَتْ الْجِنَايَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ جَنَى الْجِنَايَةَ الثَّالِثَةَ يَتَعَلَّقُ حَقُّ وَلِيِّهَا بِهَذَا النِّصْفِ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذَا النِّصْفِ جِنَايَةٌ وَدَيْنٌ فَيُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِإِبْقَاءِ الْحَقَّيْنِ وَيُدْفَعُ النِّصْفُ الْآخَرُ إلَى الثَّالِثِ وَالْأَوْسَطِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا جَمِيعًا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ النِّصْفِ فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِمَا ضَرَبَ فِيهِ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ وَضَرَبَ فِيهِ الثَّالِثُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ لِأَنَّ بِاسْتِيفَائِهِ نِصْفَ الْعَبْدِ قَدْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا نِصْفَ حَقِّهِ وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ النِّصْفُ فَإِذَا ضَرَبَ بِخَمْسَةِ آلَافٍ كَانَ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
قَالَ : وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَمُكَاتَبَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَالْمِائَةُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاجِزًا وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِمَوْتِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ وَالْمِائَةُ كَسْبُهُ فَهِيَ لِمَوْلَاهُ وَهِيَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْمِائَةُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً بِالْجِنَايَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَبْقَى هَاهُنَا فَيَسْتَوْفِي الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَةَ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ بِحَيَاتِهِ فَتَصِيرُ جِنَايَتُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعَ ذَلِكَ بُدِئَ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ بِهِ قَبْلَ الْعَجْزِ وَبَعْدَهُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ تَرِكَتِهِ سَوَاءٌ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ أَوْ عَنْ عَجْزٍ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُبْدَأُ بِالْأَقْوَى وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَخْطَأَ شُرَيْحٌ وَإِنْ كَانَ قَاضِيًا وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ مَا قَضَى بِهِ وَيُبْدَأُ بِهِ فِي تَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ بِدَيْنِهِ قَالَ : نَعَمْ فَإِذَا قَضَى الدَّيْنَ بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ وَفِيمَا بَقِيَ وَفَاؤُهُمَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَدْ قُضِيَ بِهَا خَصَّ وَلِيُّهَا صَاحِبَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا مُتَأَكِّدًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى الْحُقُوقِ وَالْكِتَابَةَ أَضْعَفُ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُحْبَسُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَالْجِنَايَةُ تَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَيُحْبَسُ لِأَجْلِهَا وَلَا تُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ
بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِهَذَا بَدَأْنَا بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ بِالْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ تَتَأَكَّدَ الْجِنَايَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ هِيَ كَالدَّيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ حَالِ حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ إذَا قُضِيَ بِكَسْبِهِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَانَ ذَلِكَ سَالِمًا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ فِي ذِمَّتِهِ وَذِمَّتُهُ تَتَقَوَّى بِعِتْقِهِ فَكَانَ التَّدْبِيرُ إلَيْهِ فِي تَقْدِيمِ مَا بَيَّنَّا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ الْحُقُوقُ فِي مَالِهِ فَيُبْدَأُ بِالْأَقْوَى لِهَذَا .
وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا قَدْ وُلِدَ لَهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ قَدْ قُضِيَ بِهَا أَوْ لَمْ يُقْضَ بِهَا سَعَى الْوَلَدُ فِي الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَبْقَى بِبَقَاءِ مَنْ يُؤَدِّي وَمَا يَبْقَى بِبَقَاءِ مَا يُؤَدَّى بِهِ يُصَيِّرُ الْجِنَايَةَ مَالًا ثُمَّ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ أَبِيهِ فَكَانَ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْأَبِ وَلِلْأَبِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَ لِأَنَّهُ بِالْبُدَاءَةِ بِالْكِتَابَةِ يُحَصِّلُ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ وَتَتَقَوَّى ذِمَّتُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْمَالِ فَهُنَاكَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي الْحُقُوقَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَقْوَى لِهَذَا إذَا عَجَزَ الْوَلَدُ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ بَعْدَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ بِيعَ وَكَانَ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ بِالْحِصَصِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ وَانْفِسَاخَ الْكِتَابَةِ بِعَجْزِهِ كَانْفِسَاخِهَا بِعَجْزِ الْأَبِ فِي حَيَاتِهِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْجِنَايَةَ مُتَعَلِّقَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَدْفَعُ بِهَا ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَهَا هُنَا الْجِنَايَةُ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِرَقَبَةِ الْوَلَدِ وَلَكِنْ فَاتَ مَحِلُّ الْجِنَايَةِ بِمَوْتِ الْجَانِي حِينَ ظَهَرَ الْعَجْزُ فَلِهَذَا بِيعَ الْوَلَدُ فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً .
فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ حَيَّةً حِينَ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَقَدْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يُقْضَ فَإِنَّ عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ السِّعَايَةَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُمَا يَسْتَفِيدَانِ الْعِتْقَ بِالْأَدَاءِ فَيَقُومَانِ مَقَامَهُ بِالسِّعَايَةِ فِيمَا عَلَيْهِ فَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهِمَا بِهَا أَوْ لَمْ يُقْضَ حَتَّى قَتَلَ أَحَدُهُمَا قَتِيلًا خَطَأً قُضِيَ عَلَيْهِ
بِقِيمَتِهِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ حِينَ كَانَ يَسْعَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِيُعْتَقَ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ فِي جِنَايَتِهِ وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إنْ كَانَ قُضِيَ عَلَيْهِمَا بِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ لَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِمَا حَتَّى لَوْ عَجَزَا لَمْ يَدْفَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ ، فَلِهَذَا قُضِيَ عَلَى الْجَانِي مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ سِوَى مَا عَلَيْهِمَا لِوَلِيِّ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جِنَايَتِهِ خَاصَّةً فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ فَالْفَضْلُ لِوَلِيِّ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ نَفْسِهِ فِي تَعَلُّقِهِ بِمَالِيَّتِهِ أَقْوَى مِنْ دَيْنِ الْغَيْرِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِمَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ .
فَلَوْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَتَرَكَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَابْنًا وَلَدَتْهُ فِي مُكَاتَبَتِهَا وَعَلَيْهَا دَيْنٌ وَقَدْ قَتَلَتْ قَتِيلًا خَطَأً فَقُضِيَ بِهَا أَوْ لَمْ - يُقْضَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى الِابْنِ أَنْ يَسْعَى فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ ثُمَّ تِلْكَ الْمِائَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ بِالْحِصَصِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ غَيْرُ عَاجِزَةٍ مَا دَامَ لَهَا ابْنٌ يَسْعَى فِي الْمُكَاتَبَةِ فَتَكُونُ جِنَايَتُهَا دَيْنًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِنْ اسْتَدَانَ الِابْنُ دَيْنًا وَجَنَى جِنَايَةً فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَعَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ أُمِّهِ وَجِنَايَتِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِي دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ خَاصَّةً فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ كَانَ فِي دَيْنِ أُمِّهِ وَجِنَايَتِهَا بِالْحِصَصِ لِأَنَّ دَيْنَ نَفْسِهِ فِي ثَمَنِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ أُمِّهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ دَفَعَهُ مَوْلَاهُ بِهَا أَوْ فَدَاهُ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ جِنَايَتِهِ فِي رَقَبَتِهِ فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَعْدَ عَجْزِهِ وَإِذَا دَفَعَهُ تَبِعَهُ دَيْنُهُ خَاصَّةً فَبِيعَ فِيهِ دُونَ دَيْنِ أُمِّهِ وَجِنَايَتِهَا فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ دَيْنِ الْأُمِّ وَجِنَايَتِهَا عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّهُ مَا تَبِعَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ مُقَدَّمَةٌ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بِخِلَافِ دَيْنِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي مِلْكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي مَالِيَّتِهِ غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى حَقِّ غَرِيمِهِ وَلَوْ فَدَاهُ الْمَوْلَى فَقَدْ ظَهَرَ بِالْفِدَاءِ مِنْ جِنَايَتِهِ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ كَانَ فِي دَيْنِ أُمِّهِ وَجِنَايَتِهَا لِأَنَّ هَذَا الْفَضْلَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَفِي مِلْكِ الْمَوْلَى دَيْنُ الْأُمِّ وَجِنَايَتُهَا
يُقْضَى مِنْ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ .
وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً بِالْمُكَاتَبَةِ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمُكَاتَبَةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَصِيرُ مَالًا فَيَسْتَوْفِي صَاحِبُ الْجِنَايَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ حَقَّهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِمَّا بَقِيَ مِنْهُ .
وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَكَ عَبْدًا تَاجِرًا عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ بِيعَ الْعَبْدُ فِي دَيْنِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ دَيْنَ نَفْسِهِ فِي مَالِيَّتِهِ مُقَدَّمٌ فَإِنَّ حَقَّ غَرِيمِهِ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا بِمَالِيَّتِهِ مِنْ حَقِّ غَرِيمِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ كَانَ فِي دَيْنِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ جَنَى جِنَايَةً وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ هُوَ وَجَمِيعُ الْغُرَمَاءِ بِالْجِنَايَةِ وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ وَلِيِّ جِنَايَتِهِ فِي نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا دَفَعَ الْجِنَايَةَ بِرِضَاهُمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِنْ شَاءُوا فَدَوْهُ بِالدِّيَةِ ثُمَّ يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ الْجِنَايَةِ إلَى الْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ مَوْلَاهُ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَأَتْبَعَهُ دَيْنُهُ فَبِيعَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ لِغُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ ثُمَّ بِيعَ فِي دَيْنِهِ خَاصَّةً فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِغُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُتَطَوِّعٌ فِي الْفِدَاءِ وَقَدْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ ثُمَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ شَرَطَ فِي الدَّفْعِ رِضَاءَ غُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاءَهُمْ لِأَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِامْتِنَاعِ الدَّفْعِ لَا يَظْهَرُ حَقُّ غُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ فِي مَالِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ فِي دَيْنِ نَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاؤُهُمْ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِامْتِنَاعِ الدَّفْعِ يَظْهَرُ حَقُّ غُرَمَاءِ الْمُكَاتَبِ فِي مَالِيَّتِهِ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِمْ إذْ لَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى اُعْتُبِرَ رِضَاؤُهُمْ فِي الدَّفْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَدَّى يُعْتَقُ فَالْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمَيْنِ : حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ أَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِي هَذَا الْجِنْسِ قَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا نُبَيِّنُ حُكْمَ الْجِنَايَةِ فَنَقُولُ : يُقْضَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَنِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ مُكَاتَبٌ حِينَ جَنَى وَالْبَعْضَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ وَقَدْ تَأَكَّدَ حُكْمُ الْكِتَابَةِ بِالْأَدَاءِ وَالْعِتْقِ بِالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ تُلْزِمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا النِّصْفِ وَاَلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ إنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الشَّرِيكِ وَاسْتَسْعَاهُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَقَبَضَ هُوَ ضَامِنٌ لِلْأَوَّلِ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَمِنْ نِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَصِيبِهِ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالرَّقَبَةِ وَقَدْ فَاتَتْ وَأَخْلَفَ بَدَلًا وَهُوَ مَا قُبِضَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَيَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْأَرْشِ أَقَلَّ مِنْهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتْلَفًا بِالْإِعْتَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ مُتَعَذِّرًا بِمَا يَفْدِيهِ مِنْ الْعِتْقِ فَكَانَ ضَامِنًا لِلْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ نِصْفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الْفَسْخِ وَذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ دُونَ الْجِنَايَةِ وَلَوْ خُوصِمَ الْمُكَاتَبُ فِي الْجِنَايَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَنِصْفِ الْأَرْشِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ نَصِيبُ الْمُكَاتِبِ مِنْهُ فِيمَا قُضِيَ بِهِ
عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَيُقَالُ لِلْآخَرِ : ادْفَعْ نَصِيبَك بِنِصْفِ الْجِنَايَةِ أَوْ افْدِهِ بِنِصْفِ أَرْشِهَا ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَصِيبِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّقَبَةِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ .
وَإِذَا كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَجَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ فَعَتَقَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُكَاتِبُ وَاَلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَإِنْ شَاءَا دَفَعَا وَإِنْ شَاءَا أَفْدَيَاهُ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ وَبَيْنَ الْمَكَاتِبِ نِصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَا يُكَاتَبُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ فِي نَصِيبِهِ بِالْعِتْقِ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكُ تُوجِبُ لِلْمَوْلَيَيْنِ الْخِيَارَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ الْجَانِي ابْنَ الْمُكَاتَبِ وَوُلِدَ عِنْدَهُ مِنْ أَمَةٍ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ كَانَ مُكَاتَبًا مَعَ ابْنِهِ وَقَدْ عَتَقَ بِأَدَاءِ الْأَبِ فَيَلْزَمُهُ فِي هَذَا النِّصْفُ مِمَّا كَانَ يَلْزَمُ الْأَبَ لَوْ جَنَى بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتَبْ شَيْءٌ حَتَّى يُعْتَقُ أَوْ يُسْتَسْعَى ثُمَّ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَقَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا عَلَى وَجْهٍ ثُمَّ يَصِيرُ مُخْتَارًا وَإِنْ اسْتَسْعَاهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى بَدَلَ نَصِيبِهِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي نَصِيبِهِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ .
وَلَوْ كَانَ هَذَا الِابْنُ جَنَى عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ أَدَّى الْأَبُ فَعَتَقَ فَعَلَى الِابْنِ نِصْفُ قِيمَةِ نَفْسِهِ فَيَسْعَى فِيهِ لِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَاتَبَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَالْمُكَاتَبُ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَتِهَا لِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ مِنْهَا حِينَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ
لَهُ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ بِحَالٍ وَهُوَ لَمْ يَصِرْ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ مِنْ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا احْتَبَسَ نَصِيبَهُ عِنْدَ الْوَلَدِ فَلِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ أَوْ يَسْتَسْعِيَهُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَأَمَّا جِنَايَةُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ فَقَدْ جَنَى حِينَ جَنَى وَنِصْفُهُ مُكَاتَبٌ مَعَ أَبِيهِ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ وَالْأَبُ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ فِي الْأَبِ مِنْ حِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَهُوَ فِي عُنُقِ الِابْنِ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى مِنْ الِابْنِ يَعْنِي النِّصْفَ الَّذِي هُوَ مُكَاتَبٌ مِنْ الِابْنِ حَيْثُ جَنَى عَلَى نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ وَمَا كَانَ مِنْ جِنَايَةِ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُكَاتَبْ مِنْ الِابْنِ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي هُوَ مُكَاتَبٌ يُوجِبُ عَلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ فَقَدْ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ مَا لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ قِصَاصًا وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ .
وَإِذَا كَانَتْ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ ازْدَادَتْ خَيْرًا أَوْ انْتَقَصَتْ بِعَيْبٍ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ فَاخْتَارَ الشَّرِيكُ تَضْمِينَ الْمُكَاتِبِ ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا يَوْمَ عَتَقَتْ لِأَنَّ مِلْكَهُ إنَّمَا تَلِفَ بِالْعِتْقِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ وَاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ مَا اكْتَسَبَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ وَنِصْفَ أَرْشِ مَا جَنَى عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ وَجَبَ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَلِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الِابْنَ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ نَصِيبُ الْمَكَاتِبِ مِنْ الِابْنِ فَقَدْ اُحْتُبِسَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ عِنْدَ الْوَلَدِ فَيَسْتَسْعِيهِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهَا .
وَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَكَاتَبَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَلَدِ ثُمَّ جَنَى الْوَلَدُ عَلَى الْأَمَةِ أَوْ جَنَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةً لَا تَبْلُغُ النَّفْسَ ثُمَّ أَدَّيَا فَعَتَقَا وَالْمَوْلَيَانِ مُوسِرَانِ فَلِلَّذِي كَاتَبَ الْوَلَدَ أَنْ يَضْمَنَ الَّذِي كَاتَبَ الْأُمَّ نِصْفَ قِيمَتِهَا إنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهَا وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مِنْهَا بِمَا صَنَعَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّرِيكِ دَلَالَةُ الرِّضَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْوَلَدِ لَا تَكُونُ رِضًى مِنْهُ بِكِتَابَةِ الْأُمِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلَّذِي كَاتَبَ الْأُمَّ عَلَى شَرِيكِهِ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّ نَصِيبَ الَّذِي كَاتَبَ الْأُمَّ مِنْ الْوَلَدِ مَا أَفْسَدَ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الْوَلَدِ وَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَلَى مَا وَصَفْت لَك فِي الْعَبْدِ وَأَبِيهِ مِنْ حُكْمِ الْمُقَاصَّةِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى نِصْفِ الْوَلَدِ الَّذِي كَاتَبَهُ الْمَوْلَى لَا يَبْطُلُ مِنْهَا شَيْءٌ بِالْكِتَابَةِ فَكَانَ وُجُودُ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ فَلِهَذَا كَانَ قِصَاصًا وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَفَقَأَ عَيْنَ أَحَدِهِمَا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ إنَّ الَّذِي فُقِئَتْ عَيْنُهُ كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَرَحَهُ جَرْحًا آخَرَ ثُمَّ أَدَّى فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَتَيْنِ فَنَقُولُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ : إنَّ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِجِنَايَتِهِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الضَّمَانَ مِنْ شَرِكَةِ شَرِيكِهِ أَوْ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَتَيْنِ : أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ وَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِنَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جَنَى جِنَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَهِيَ هَدَرٌ وَالْأُخْرَى بَعْدَهَا وَهِيَ تُوجِبُ مُوجِبَهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْلَ الْجِنَايَةِ .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمَا فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ أَنَّ الْآخَرَ بَاعَ نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ شَرِيكِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ الْعَبْدُ أَيْضًا جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ إنَّ الَّذِي بَاعَ رُبْعَهُ اشْتَرَى ذَلِكَ الرُّبْعَ ثُمَّ كَاتَبَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً أُخْرَى ثُمَّ أَدَّى فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ الْجِنَايَاتِ فَعَلَى الْمُكَاتِبِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ مُكَاتَبٌ مِنْهُ جَنَى عَلَى مَوْلَاهُ ثَلَاثَ جِنَايَاتٍ : جِنَايَتَيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ هَدَرٌ وَجِنَايَةً بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ وَعَلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ سُدُسُ وَرُبْعُ سُدُسِ دِيَةِ صَاحِبِهِ وَالْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ سُدُسِ وَرُبْعِ سُدُسِ الدِّيَةِ وَلَا يُؤَدَّى هَذَا النِّصْفُ حَتَّى يَعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ أَوْ يَضْمَنَ وَقَدْ بَطَلَ نِصْفُ سُدُسٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَمْ يَجُزْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فَنَقُولُ : أَمَّا نِصْفُ نَصِيبِهِ الَّذِي جَرَى فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَقَدْ أُتْلِفَ رُبْعُ النَّفْسِ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ : جِنَايَةٍ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَدْ صَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِذَلِكَ الْبَيْعِ وَجِنَايَةٍ بَعْدَ الْبَيْعِ وَذَلِكَ هَدَرٌ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَجِنَايَةٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَبْطُلُ ثُلُثُ الرُّبْعِ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسِ الدِّيَةِ .
وَأَمَّا النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ جَنَى عَلَى رُبْعِ النَّفْسِ أَيْضًا ثَلَاثَ جِنَايَاتٍ : إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَدْ صَارَ مُخْتَارًا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَعْضِ بِاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ كَبَيْعِ الْكُلِّ وَيَتَبَيَّنُ بَعْدَ الْبَيْعِ -
وَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ فَيَتَوَزَّعُ هَذَا نِصْفَانِ فَلِهَذَا قَالَ : عَلَى الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ سُدُسُ الدِّيَةِ وَرُبْعُ سُدُسِ الدِّيَةِ مِقْدَارُ مَا صَارَ مُخْتَارًا لَهُ بِبَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَصِيبِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ بِكِتَابَةِ شَرِيكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ سُدُسِ وَرُبْعِ سُدُسِ الدِّيَةِ وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِهْلَاكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى أَوْ ضَمِنَ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ هَذَا النِّصْفُ مَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَقَطَعَ يَدَ آخَرَ وَفَقَأَ عَيْنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَاتَا مِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِشَرِيكِ الْمُشْتَرِي : ادْفَعْ نِصْفَك إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلَيْنِ نِصْفَيْنِ أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ تَعَلَّقَتَا بِنَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَا يَكُونُ دَلِيلَ اخْتِيَارٍ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِهِ إلَيْهِمَا وَبَيْنَ أَنْ يَفْدِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ : ادْفَعْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ إلَى وَلِيِّ قَتِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ جَنَى عَلَى الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ جِنَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَالْأُخْرَى بَعْدَ الشِّرَاءِ فَيَصِيرُ مُخْتَارًا لِمَا كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ حِينَ بَاعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ فَلِهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ يُخَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْن أَنْ يَدْفَعَ نَصِيبَهُ إلَيْهِمَا أَوْ يَفْدِيَهُمَا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْآخَرِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ كَانَ هَذَا النِّصْفُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا : ثُلُثُهُ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْأَوَّلِ وَثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْآخَرِ عَلَى مِقْدَارِ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَرَحَ رَجُلًا جَرْحًا خَطَأً فَكَاتَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ جَرَحَهُ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الَّذِي كَاتَبَ أَوَّلًا رُبْعُ الدِّيَةِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ حِينَ جَنَى ثَلَاثُ جِنَايَاتٍ عَلَى نِصْفِ النَّفْسِ إحْدَاهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَاثْنَانِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فَانْقَسَمَ هَذَا النِّصْفُ نِصْفَيْنِ وَذَلِكَ قَدْ صَارَ مُخْتَارًا لَهُ بِالْكِتَابَةِ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَأَمَّا الَّذِي كَاتَبَ آخَرَ فَنَصِيبُهُ أَيْضًا حِينَ جَنَى ثَلَاثَ جِنَايَاتٍ جِنَايَتَيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ فِي حَقِّهِ وَجِنَايَةً بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَيُوَزَّعُ أَيْضًا هَذَا النِّصْفُ نِصْفَيْنِ نِصْفُهُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ لِأَنَّ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَا مُخْتَارًا فَقَدْ كَانَ الدَّفْعُ مُتَعَذَّرًا قَبْلَ هَذَا بِكِتَابَةِ شَرِيكِهِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ مِنْهُ جَنَى بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَلِفَ نِصْفُ النَّفْسِ بِالْجِنَايَاتِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ يَوْمَ جَنَى الْمُدَبَّرُ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِذَلِكَ التَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّدْبِيرِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَنَى فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً وَلَكِنَّ تِلْكَ الْقِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَتَيْنِ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمُدَّةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ بَعُدَتْ ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الرَّقَبَةِ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَاتِ بِهَا فَإِنْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَعَلَى مَوْلَاهُ قِيمَتُهُ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَتَيْنِ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحَلَّ الدَّفْعِ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فَكَذَلِكَ الْقِيمَةُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَحَقِّ وَلِيِّ الْقَتِيلِ فِي الدِّيَةِ وَحَقِّ الْآخَرِ فِي أَرْشِ الْعَيْنِ فَإِنْ اكْتَسَبَ كَسْبًا أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ فِي كَسْبِ الْمُدَبَّرِ
وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ يَوْمَ جَنَى ؛ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْعَيْنِ فَاتَ نِصْفُهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ عَنْ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ لَا يَثْبُتُ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ مَا تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ أَصْلًا فَإِنْ دَفَعَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَحْدُثْ بِهِ عَيْبٌ ثُمَّ قَتَلَ رَجُلًا آخَرَ خَطَأً فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا سَبِيلَ لِلثَّانِي عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَا أَلْزَمَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِجِنَايَاتِهِ وَدَفْعُهَا إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَدَفْعِ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ فَلَا سَبِيلَ لِلثَّانِي عَلَى الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَوَّلَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَإِنْ قَدْ كَانَ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْجَوَابُ كَذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلثَّانِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَوْلَى حِينَ دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِهِ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ سَوَاءً كَمَا فِي الرُّجُوعِ بِالْهِبَةِ وَأَخْذِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ مَا كَانَ لِأَحَدٍ فِي الْقِيمَةِ حَقٌّ سِوَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِحَقِّ الثَّانِي وَهُوَ الْجِنَايَةُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ فَلَا يَكُونُ بِهَذَا الدَّفْعِ جَانِيًا فِي حَقِّ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُ لَهُ شَيْئًا وَكَيْفَ يَكُونُ جَانِيًا فِي حَقِّهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ بَعْضَ الْقِيمَةِ مِنْ الْأَوَّلِ لِمَكَانِ حَقِّ
الثَّانِي مَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْقِيمَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ مَنْعِ الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا مَنَعَهَا بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَتَيْنِ جَمِيعًا سَوَاءٌ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَتَيْنِ كَأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ الْجِنَايَتَيْنِ جَمِيعًا وَهُنَاكَ إنْ دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا جَمِيعَ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ لِلثَّانِي الْخِيَارُ فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَذَا أَنَّ لِلثَّانِي حَقَّ الْمُشَارَكَةِ مَعَ الْأَوَّلِ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بِذَلِكَ التَّدْبِيرِ انْعَقَدَ سَبَبُ ثُبُوتِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى عِنْدَ جِنَايَتِهِ فَهُوَ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ نَحْوَ ذَلِكَ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى الْمَدْفُوعِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَمَّ التَّحْوِيلُ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةَ وَإِنْ كَانَ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَتِمَّ التَّحْوِيلُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَيَبْقَى الْخِيَارُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَذَا التَّحْوِيلِ وَأَتْبَعَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا وَأَتْبَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ أَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ أَوْ قَضَى دَيْنَ الْغَرِيمِ ثُمَّ أَحْدَثَ آخَرُ بِسَبَبٍ كَانَ وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا وَلَكِنَّ الثَّانِيَ يُتْبِعُ الْأَوَّلَ بِنَصِيبِهِ
وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ كَانَ لِلثَّانِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُتْبِعَ الْأَوَّلَ بِنَصِيبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَصِيَّ ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَصِيُّ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا بِالْجِنَايَةِ تَعَذَّرَ بِسَبَبٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَتَكُونُ كَالْمُدَبَّرِ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى أَلْفَيْنِ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً ثُمَّ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَى مَوْلَاهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الثَّانِي وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إلَّا تِلْكَ الْجِنَايَةَ لَكَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا قِيمَتَهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ أَلْفٌ مِنْ هَذَا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوْسَطِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَوَّلِ إنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَلْفِ الثَّانِي فَيُسَلِّمُ ذَلِكَ الْمَوْلَى قَتِيلَ الْأَوْسَطِ وَخَمْسَمِائَةٍ مِنْهَا بَيْنَ وَلِيِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْأَوْسَطِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الثَّالِثِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ فَيَقْسِمُ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ بَيْنَ الْأَوْسَطِ وَالْأَوَّلِ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَالْأَوْسَطَ بِتِسْعَةِ آلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا مَا أَخَذَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ مِقْدَارُ الْمَأْخُوذِ فَلَا يَضْرِبُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْأَوْسَطُ لَا يَضْرِبُ بِمَا أَخَذَ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فَيَقْسِمُ الْخَمْسَمِائَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ : وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ رَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ فَإِنَّ خَمْسَمِائَةٍ مِمَّا أَخَذَ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى وَلِيِّهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَبَقِيَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى سَالِمَةً لِلْأَوَّلِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهَا الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ فَتَكُونُ ذَلِكَ مَقْسُومَةً بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا ؛ لِأَنَّهُ يُجْعِلُ كُلُّ خَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا سَهْمًا
قَالَ : وَإِذَا اجْتَمَعَ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَعَبْدٌ وَمَكَاتِبُ فَقَتَلُوا رَجُلًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَتْلَفَ رُبْعَ النَّفْسِ فَيُقَالُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ : ادْفَعْهُ أَوْ أَفْدِهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَيَسْعَى الْمُكَاتَبُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ وَعَلَى مَوْلَى الْمُدَبَّرِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ وَعَلَى مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ رُبْعِ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِنَايَتِهِ وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ قَتِيلًا خَطَأً وَاسْتَهْلَكَ مَالًا فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ وَعَلَى الْمُدَبَّرِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا اسْتَهْلَكَ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَهْلِكُهُ الْمُدَبَّرُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا بِسَبَبِهِ شَيْئًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحِلَّ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالتَّدْبِيرِ وَمَحِلُّ مُوجِبِ الْجِنَايَةِ الرَّقَبَةُ وَبِالتَّدْبِيرِ يَتَعَذَّرُ دَفْعُهَا فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ لِذَلِكَ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَمْلُوكَ يَدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يَفْدِي وَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ ثُمَّ لَا يُشَارِكُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَ فِيمَا يَأْخُذُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا مَا اجْتَمَعَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَحَقَّ أَصْحَابِ الدَّيْنِ فِي كَسْبِ الْمُدَبَّرِ فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا مَالَ لِلْمَوْلَى غَيْرُهُ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَيَكُونُ أَصْحَابُ دِيَتِهِ أَحَقَّ بِهَا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَذَلِكَ يَمْنَعُ سَلَامَةَ شَيْءٍ مِنْ الرَّقَبَةِ لِلْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ بَعْدَ الدَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ أَصْحَابُ دِيَتِهِ
أَحَقُّ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ مِنْ أَصْحَابِ جِنَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُمْ فِي ذِمَّتِهِ وَالسِّعَايَةُ بَدَلُ مَالِيَّتِهِ وَحَقُّ غُرَمَائِهِ فِي مَالِيَّتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى وَعَلَى حَقِّ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَإِذَا اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ هَذِهِ الْمَالِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى فِيهَا حَقٌّ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لِغَرِيمِ الْمَوْلَى فِيهَا حَقٌّ .
وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْفَضْلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ يَتَقَرَّرُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْفَضْلُ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى مِقْدَارِ دَيْنِهِ يَكُونُ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ الْفَضْلَ حَقُّ الْمَوْلَى فَيُقْضَى بِهِ مِنْهُ دَيْنُ الْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى عَلَى الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى الْمُدَبَّرِ بِالسِّعَايَةِ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَهَذَا تَقْرِيرٌ مِنْهُ لِلْحُكْمِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا فَلَا يَتَقَرَّرُ بِهِ الْجَوَابُ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا تَسْعَى لِإِيجَابِ الْجِنَايَةِ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلَا يَمْتَنِعُ لِمَكَانِ دَيْنِ الْمَوْلَى وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْمَوْلَى فِي نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَهَا خَطَأً وَعَلَى مَمَالِيكِهِ هَدَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهَا فَإِنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ أَوْجَبَتْ عَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لَهُ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ قَاتِلٌ وَالْقَاتِلُ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ مَحْرُومٌ فَعَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا فَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ قَالَ : وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي
قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ وَلِلْوَرَثَةِ الْخِيَارُ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا قِصَاصًا فِي الْحَالِ وَقَدْ قَوِيَ حَقُّهُمْ فِي السِّعَايَةِ إلَّا أَنَّهُمْ رَضُوا بِذَلِكَ وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْهُ فِي الْقِيمَةِ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَوْفَوْا ذَلِكَ مِنْهُ قَتَلُوهُ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَالِصُ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَالتَّدْبِيرُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الِاسْتِسْعَاءِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهُ فَعَلَى الْمُدَبَّرِ أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ السِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
وَعِنْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمَا إنَّمَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فِي الْحَالِ وَهُوَ فِي الْحَالِ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَالُ لِمَوْلَاهُ وَلِمَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَالِ الرِّقِّ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ الْقِيمَةِ دُونَ الدِّيَةِ فَلِهَذَا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مَعَ السِّعَايَةِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لَهُمَا بِاعْتِبَارِ رَدِّ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ بُدِئَ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لِلْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ أَوْ بَدَلُ مِلْكِهِ فَيُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْوَارِثِينَ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا كَانَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ الْكُلُّ لَوْلَا الدَّيْنُ وَلَوْلَا الدَّيْنُ لَكَانَ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ قِيمَةٌ كَامِلَةٌ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ مَا بَقِيَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَثْلَاثًا وَلَوْ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا عَمْدًا وَلَا وَلَدَ لَهَا مِنْهُ فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَلَا يَمْنَعُ سَبَبَ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ
فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى أَبِيهِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلْقِصَاصِ عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي الْقِيمَةِ مِنْ قَبْلِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ كَانَ وَجَبَ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَلَدِهَا وَمَا لَمْ يَصِرْ مِيرَاثًا لِوَلَدِهَا لَا يَسْقُطُ فَإِنَّمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادَةِ وَهِيَ حُرَّةٌ حِينَ سَقَطَ الْقِصَاصُ فَيَجِبُ أَنْ يَلْحَقَ الْمَالُ لِمَوْلَاهَا وَلِمَنْ يَخْلُفُ مَوْلَاهَا إلَّا أَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ فَلِهَذَا يَلْزَمُهَا الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ .
وَكَمَا أَنَّ نَصِيبَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ انْقَلَبَ مَالًا فَكَذَلِكَ نَصِيبُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لَا بِمَعْنَى مِنْ جِهَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْلَى مِنْ دَمِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَسْتَحِقُّ دَمَهُ بِالْقِصَاصِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالْمَالِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهُ بَطَلَ الدَّمُ كُلُّهُ وَهُوَ عِنْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَلَى الَّذِي عَفَا أَنْ يَدْفَعَ نَصِيبَهُ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَوْ يَفْدِيَهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالْإِرْثِ نِصْفَيْنِ وَبِعَفْوِ أَحَدِهِمَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا عِنْدَ الْعَفْوِ وَعِنْدَ الْعَفْوِ نِصْفُهُ لِلْعَافِي وَنِصْفُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْجِنَايَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَصِيبَ نَفْسِهِ فَحِينَ انْقَلَبَ مَالًا كَانَ نِصْفُ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ فَيُهْدَرُ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَثْبُتُ وَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا انْقَلَبَ الْقِصَاصُ الَّذِي عَلَيْهِمَا مَالًا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى
وَهُمَا يَقُولَانِ : الْعَبْدُ بَعْدَ الْمَوْتِ مُبْقًى عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَلَوْ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ أَيْضًا حَتَّى يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ فَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا إيجَابَ الْمَالِ لِلْمَيِّتِ بِالْجِنَايَةِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ خَطَأً فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لَوْ وَجَبَ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ وَلَكِنْ قِيلَ : هُوَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوَرِّثِ أَوْ الْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لِلْمُوَرِّثِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ مَالٌ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَقَدْ عَتَقَا بِالْمَوْتِ وَصَارَ الْكَسْبُ لَهُمَا عَلَى الْخُلُوصِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْمَالَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلْمَالِكِ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا لَهُ عَلَى مُعْتَقِهِ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ
وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ : أَحَدُهُمَا ابْنُ الْمُدَبَّرِ فَعَلَى الْمُدَبَّرِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ : قِيمَةٍ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَقِيمَةٍ بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ ابْنَهُ قَدْ وَرِثَ بَعْضَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ فَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ وَيَنْقَلِبُ كُلُّهُ مَالًا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُرٌّ أَوْ مُكَاتَبٌ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا الْمَوْلَى فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ أَعْلَى مِمَّا إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَبَّرِ بِالْجِنَايَةِ شَيْءٌ فَهَاهُنَا لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَكَمَا لَا يُحْرَمُ الْمُسَبَّبُ الْمِيرَاثَ فَكَذَلِكَ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ فَلِهَذَا أُعْتِقَ مِنْ الثُّلُثِ
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَ الْمُدَبَّرِ يُغَرَّمُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ أَرْشُ الْعَيْنِ لِلْمَوْلَى لَا حَقَّ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ قِيمَتُهُ يَوْمَ جَنَى عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَمِائَةٍ فَلِهَذَا أَسْلَمَتْ الْخَمْسَمِائَةِ لِلْأَوَّلِ وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ يَضْرِبُ فِيهَا الثَّانِي بِالدِّيَةِ وَالْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ إلَّا الْخَمْسَمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي عَبْدًا فَدَفَعَ بِهِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيمَا يَكُونُ بَدَلَ جُزْءٍ مِنْهُ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدَ فِي الْجِنَايَةِ أَصْلًا أَوْ أَخَذَهُ وَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ بِذَلِكَ شَيْئًا وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ صَحِيحًا
وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُدَبَّرُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي كَسْبِهِ وَسِعَايَتِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ فِي إبَائِهِ وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ وَلَكِنَّ رَجُلًا قَتَلَ الْمُدَبَّرَ فَغَرِمَ قِيمَتَهُ وَقَدْ جَنَى الْمُدَبَّرُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِالْقِيمَةِ مِنْ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ بَدَلَ رَقَبَتِهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ فِي وُجُوبِ صَرْفِهِ إلَى الدَّيْنِ وَلِأَنَّ دَيْنَ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ مَوْلَاهُ فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَحَقَّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَوْلَاهُ فَلِهَذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِالْقِيمَةِ مِنْ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَيًّا أَوْ مَيِّتًا
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلَيْنِ : أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَصْحَابِ الْخَطَأِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَالْقِيمَةُ بَيْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْخَطَأِ يُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ قِنًّا دَفَعَهُ الْمَوْلَى وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَأْذُونِ وَجَمِيعَهَا وَأَضْدَادَهَا وَنَظِيرَهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فَهُمَا يَقُولَانِ حَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ ثَابِتٌ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ فَيُسْلِمُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الْعَافِي لِفَرَاغِ ذَلِكَ النِّصْفِ عَنْ حَقِّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ حَقُّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّ صَاحِبِ الْعَيْنِ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ كَانَ الْمَوْلَى مُخَاطَبًا بِدَفْعِ جَمِيعِ الْعَبْدِ إلَيْهِ أَوْ الْفِدَاءِ وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ يَدْفَعُ إلَيْهِ جَمِيعَ الْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَهَا هُنَا حَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : أَصْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَرْشِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَحَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَسْمُ أَلْفَيْنِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ حَقِّ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغُرَمَاءِ فِي التَّرِكَةِ وَبِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ النَّفْسِ مِنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ وَقِسْمَتُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا .
وَرَوَى
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ رُبْعَ الْقِيمَةِ وَيَسْقُطُ رُبْعُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمَوْلَى بِعَفْوِ الْعَافِي وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَعِنْدَ مَوْلَاهُ فَفِي الْمُدَبَّرِ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّقَبَةِ فِي جِنَايَةِ الْقِنِّ يَقُولُ : فَإِنْ غَصَبَ رَجُلٌ مُدْبِرًا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا وَاسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَقَتَلَ عِنْدَهُ رَجُلَيْنِ خَطَأً فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْجِنَايَاتِ أَثْلَاثًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ وَهُوَ مَا اسْتَحَقَّهُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ أَيْضًا فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ قِيمَةٌ تَامَّةٌ كَمَا اسْتَحَقَّهُ ثُمَّ يَرْجِعَ بِمِثْلِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعَ نِصْفَهُ إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي ثَبَتَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ الثُّلُثُ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الثُّلُثِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اُسْتُحِقَّ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْمَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَرْجِعُ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ فَيَسْلَمُ لَهُ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فِي دَيْنِهِ فَإِذَا قَضَاهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى الدَّيْنَ مِنْ كَسْبِ مَمْلُوكٍ لِلْمَوْلَى وَكَأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ الْمَوْلَى بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ
إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَسْلَمْ فَيُجْعَلُ كَالْهَالِكِ فِي يَدِهِ
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَقَتَلَ عِنْدَهُ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِصَاحِبِ الْخَطَأِ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْمَوْلَى وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَلَمْ يَسْلَمْ الرَّدُّ لِلْمَوْلَى فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَهُ صَاحِبُ الْعَمْدِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ اُسْتُحِقَّ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ فَلَا يَسْلَمُ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ وَلَوْ قَتَلَ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوَّلًا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَقَتَلَ عِنْدَهُ رَجُلًا خَطَأً بَعْدَ مَا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الدَّمِ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ كَمَا بَيَّنَّا ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَهُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ الْعَمْدِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ إلَى تَمَامِ نِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ يُنْتَقَضُ فِيمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَتِهِ عِنْدَ الْمَوْلَى أَوْ عِنْدَ الْغَاصِبِ
وَإِذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدْبِرًا فَأَقَرَّ عِنْدَهُ بِقَتْلِ رَجُلٍ عَمْدًا وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْمَوْلَى أَوْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَإِذَا قُتِلَ بِذَلِكَ بَعْدَ الرَّدِّ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي الْإِقْرَارِ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِقَّ نَفْسُهُ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ فَيَظْهَرُ بِهِ أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَسْلَمْ لِلْمَوْلَى وَلَوْ عَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَالَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِقْرَارُ الْمُدَبَّرِ وَالْقِنِّ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْأَرْشَ بَاطِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِسَرِقَةٍ أَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّهُ رَدَّهُ فَقُتِلَ فِي الرِّدَّةِ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَوْ قُطِعَ فِي السَّرِقَةِ فَعَلَى الْغَاصِبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ بِإِقْرَارٍ كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِهِ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ ، قَالَ : وَقِيَاسُ هَذَا عِنْدِي الْبَيْعُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَقُتِلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَقَدْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً يُقَوَّمُ مُرْتَدًّا أَوْ غَيْرَ مُرْتَدٍّ وَسَارِقًا أَوْ غَيْرَ سَارِقٍ فَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ لَهُمَا بَيْنَ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ
وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ عِنْدَ الْغَاصِبِ رَجُلًا خَطَأً أَوْ أَفْسَدَ مَتَاعًا ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ رَقَبَتِهِ إذَا قُتِلَ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ
قَالَ : وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا فَاسْتَهْلَكَ عِنْدَهُ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَمَاتَ عِنْدَهُ فَلَا شَيْءَ لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَسْبِ أَوْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ سَلِمَ لِلْمَوْلَى حِينَ لَمْ يُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَإِنَّمَا هَلَكَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ عِنْدَهُ وَلَوْ مَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا الْمَوْلَى دَفَعَهَا إلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَقْبُوضِ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَوْ كَانَ قُتِلَ عِنْدَ الْمَوْلَى خَطَأً فَقِيمَتُهُ لِأَصْحَابِ الدَّيْنِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ يَقْبِضُهَا الْمَوْلَى وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْ الْمُدَبَّرِ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ
وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُدَبَّرُ مَالًا عِنْدَ الْمَوْلَى ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَحَفَرَ عِنْدَهُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَقَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً فَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْمَوْلَى وَأَخَذَهَا أَصْحَابُ الدَّيْنِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ فَعَطِبَتْ شَارَكَ صَاحِبُهَا أَصْحَابَ الدَّيْنِ الَّذِينَ أَخَذُوا الْقِيمَةَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِالْحِصَّةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُقُوعِ الدَّابَّةِ فِيهَا صَارَ مُتْلِفًا لَهَا بِالْحَفْرِ السَّابِقِ وَصَارَتْ قِيمَتُهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْآخَرِ فَتَكُونُ قِيمَةُ نَفْسِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ آخَرُ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَيْهِ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى النُّفُوسِ تُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ السَّبَبِ أَوْ الْمُبَاشَرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِيمَةَ لَزِمَتْهُ لِسَبَبٍ كَانَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَ مَوْلَيَيْهِ وَرَجُلًا خَطَأً بُدِئَ بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَوْلَى فَعَلَى الْمَوْلَى الْبَاقِي نِصْفُ قِيمَتِهِ وَفِي مَالِ الْمَقْتُولِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ثُمَّ يَكُونُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْقَتِيلِ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا ضَمِنَ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ خَطَأً هَدَرٌ فَكَذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ الْقِيمَةِ يَسْلَمُ لِوَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ وَلِصَاحِبِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِيهِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ فَكَانَ ذَلِكَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى الْمُدَبَّرِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ نِصْفُهَا لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ وَنِصْفُهَا لِلْمَوْلَى الْحَيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ بِسَبَبِ الْمَقْتُولِ كَانَ حَقُّ الْمَوْلَى الْحَيِّ بِاسْتِسْعَائِهِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ قَتَلَ الْمَوْلَى عَمْدًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعَلَى الْمَوْلَى الْبَاقِي وَفِي مَالِ الْمَقْتُولِ قِيمَتُهُ تَامَّةً لِوَلِيِّ الْخَطَأِ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْعَمْدِ فِي الْقَوَدِ فَلَا مُزَاحِمَةَ لَهُ مَعَ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي الْقِيمَةِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ لِمَا قُلْنَا وَيُقْتَلُ بِالْعَمْدِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ سَعَى الْمُدَبَّرُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَالْحُرِّ فَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ فَيَسْتَسْعِيهِ فِي ذَلِكَ وَلَا مُزَاحِمَةَ لَهُ فِي وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي الْقِيمَةِ الْأُولَى
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ أَحَدَ مَوْلَيَيْهِ خَطَأً فَعَلَى الْمَوْلَى الْبَاقِي نِصْفُ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ أَصْحَابِ الْعَمْدِ نِصْفَيْنِ وَفِي مَالِ الْقَتِيلِ رُبْعُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ انْقَلَبَ مَالًا وَذَلِكَ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَيَيْنِ فَلِهَذَا كَانَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ رُبْعُ الْقِيمَةِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ وَقَدْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى الْحَيِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ بِالْجِنَايَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ فَيَسْلَمُ لِوَلِيِّ مَوْلَى الْقَتِيلِ وَحَقُّهُمَا فِي النِّصْفِ سَوَاءٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ تَامَّةً لِلْحَيِّ وَلِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِمَا قُلْنَا
قَالَ : وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَيَيْهِ مَعًا خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتِهِمَا لِوَرَثَتِهِمَا لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِهِ هَدَرٌ وَفِي نِصْفِ صَاحِبِهِ مُوجِبٌ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ قِصَاصٌ
وَلَوْ غَصَبَ الْمُدَبَّرَ أَحَدُ مَوْلَيَيْهِ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ رَدَّهُ فَقَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا لَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِمَا قِيمَةٌ تَامَّةٌ لِصَاحِبِ الْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ رُبْعُهَا وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ عَلَى الْغَاصِبِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نِصْفِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا غَرِمَ هُوَ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ إنَّمَا غَرِمَ ذَلِكَ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْمُدَبَّرِ فِي حَالِ كَوْنِ الشَّرِيكِ غَاصِبًا لَهُ ضَامِنًا ثُمَّ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْخَطَأِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْخَطَأِ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ فَارِغًا وَإِنَّمَا سَلِمَ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذَلِكَ النِّصْفِ وَقَدْ أَخْلَفَ نَصِيبَهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ وَذَلِكَ مِنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ رُبْعُ نِصْفِ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ
قَالَ : وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْمُدَبَّرِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَرِئَ وَزَادَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَهُ آخَرُ ثُمَّ انْتَقَضَ الْبُرْءُ فَمَاتَ مِنْهُمَا وَالْمُدَبَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَدِ وَمَا حَدَثَ مِنْهَا وَعَفَا الْآخَرُ عَنْ الْعَيْنِ وَمَا حَدَثَ مِنْهَا فَلِلَّذِي عَفَا عَنْ الْيَدِ عَلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً وَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَلِلَّذِي عَفَا عَنْ الْعَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ ثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ قَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ فَقَأَ الْآخَرُ عَيْنَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ أَلْفٌ فَلَمَّا مَاتَ مِنْهُمَا صَارَ صَاحِبُ الْيَدِ ضَامِنًا لِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ قِيمَتِهِ مَعَ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ فِي حَقِّهِ فَكَانَ أَلْفًا فِي فَقْءِ عَيْنِهِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَصَارَ بِهِ مُتْلِفًا نِصْفَ مَا بَقِيَ وَإِنَّمَا الْبَاقِي مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَقَدْ تَلِفَ بِالْجِنَايَتَيْنِ فَنِصْفُهُ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ تَلِفَ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا صَارَ هُوَ ضَامِنًا سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٌ ذَلِكَ لِلْعَافِي فَيَسْقُطُ وَنِصْفُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ وَأَمَّا الْعَافِي صَارَ ضَامِنًا بِجِنَايَتِهِ أَلْفًا وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِالْعَفْوِ إذْ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ نَصِيبُهُ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
قَالَ : وَلَوْ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا عَمْدًا وَلَا وَلَدَ لَهَا فَعَفَا أَحَدُ ابْنَيْ الْمَوْلَى عَنْهَا سَعَتْ لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ مِنْهَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ فَعَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْآخَرِ وَكَذَلِكَ عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الدَّمِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا كَانَ فِي الْقِصَاصِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ
قَالَ : وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا مِنْ قَبْلِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا جَنَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى مَوْلَاهَا كَجِنَايَتِهَا عَلَى غَيْرِهِ لَا مُوجِبَ جِنَايَتِهَا فِي كَسْبِهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِكَسْبِهَا ثُمَّ قَدْ بَطَلَتْ عَنْهَا الْكِتَابَةُ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَإِنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْقَتْلِ ، قَالَ : ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا لَوْ اسْتَقْرَضَتْ مِنْهُ مَالًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَطَلَتْ عَنْهَا الْكِتَابَةُ وَلَزِمَهَا الدَّيْنُ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِهَذَا لِسَبَبِ أَنَّهُ وَإِنْ أَلْزَمَهَا الْقِيمَةَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَلَا يَمْتَنِعُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعِتْقِ وَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا مِنْ قَبْلِ الْجِنَايَةِ وَتَسْعَى فِي قِيمَةٍ أُخْرَى لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَتُهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا سَعَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَتُهُ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ مُكَاتَبَتِهَا وَمِنْ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْأَقَلِّ .
وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَاسْتَسْعَاهَا فِي قِيمَتِهَا فَقَتَلَتْهُ خَطَأً وَهِيَ تَسْعَى فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا مِنْ قِبَلِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَيَبْطُلُ عَنْهَا سِرَايَةُ الرِّقِّ وَلِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ فَلَا شَيْءَ لِوَلَدِهَا مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُسْلِمٌ مَعَ أَبِيهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِوَرَثَةِ الْأَبِ وَإِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا عَمْدًا وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ وَلَا وَلَدَ لَهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ
وَرَثَتِهِ وَمِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُبْلَى لَا تُقْتَلُ بِالْقِصَاصِ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهَا لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ الْقِصَاصِ صَارَ مِيرَاثًا لِوَلَدِهَا وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا كَانَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِوَرَثَةِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْفَصِلُ مَيِّتًا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ الَّذِي فِي بَطْنِهَا كَانَ حُرًّا وَالْوَاجِبُ فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ الْغُرَّةُ وَلَهَا مِيرَاثُهَا مِنْ تِلْكَ الْغُرَّةِ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ بِالضَّرْبَةِ وَتُقْتَلُ هِيَ بِالْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا تَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانَ انْفِصَالُهُ بِالضَّرْبَةِ أَوْ بِغَيْرِ الضَّرْبَةِ وَإِيجَابُ الْغُرَّةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِكَوْنِ الْجَنِينِ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبِ قَطْعِ السُّرِّ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ثُمَّ نَصِيبُهَا مِنْ الْغُرَّةِ مِيرَاثٌ لِبَنِي مَوْلَاهَا لِأَنَّهُمْ عُتَقَاءُ وَلَا يُحْرَمُونَ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهَا بِحَقٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً وَلَهُ وَارِثَانِ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَقْضِ لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَتَلَ الْآخَرَ فَجَاءَ الْآخَرُ فَخَاصَمَ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ مُكَاتَبٌ بَعْدَ وَفَائِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْمَقْضِيَّ فِيهِ لِلْأَوَّلِ قَدْ فَرَغَ مِنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ فَيُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِذَلِكَ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي يُقْضَى لَهُ بِنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّهُ وَحَقُّ الَّذِي لَمْ يُقْضَ لَهُ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَجَاءَ الْأَوْسَطُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ رُبْعَ الْعَبْدِ أَوْ يَفْدِيهِ مَوْلَاهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ وَالْجِنَايَةُ فِي حَقِّهِ بَاقِيَةٌ فِي رُبْعِ الرَّقَبَةِ لِانْعِدَامِ الْمُحَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي فَلِهَذَا يَدْفَعُ إلَيْهِ رُبْعَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيَفْدِيهِ مَوْلَاهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ
قَالَ : فَلَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ أَعْوَرَّ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ صَحِيحًا لِلْأَوَّلِ نِصْفُهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَعْوَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ صَحِيحًا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ إلَّا مَا أَخَذَ وَالْآخَرُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ إنْسَانٌ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ سُعْرٍ أَوْ عَيْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَتُهُ حِينَ جُنِيَ عَلَيْهِ
قَالَ : وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَحَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ أَوْ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لِلَّذِي وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَسَعَى فِيهَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ عَطِبَ مِمَّا أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ إنْسَانٌ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِلَّذِي وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَسَعَى فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا صَارَ جَانِيًا بِذَلِكَ التَّسَبُّبِ وَجِنَايَاتُ التَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ آخَرُ فَمَاتَ وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ مَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بِالتَّسْبِيبِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيَلْزَمُهُ بِاعْتِبَارِهَا قِيمَةٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ قَدْ فَرَغَتْ مِنْ قَبْلِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ فَيُشْغَلُ بِالْجِنَايَةِ الْمُبْتَدَأَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِأَجْلِهَا وَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ الْأَوَّلِ فَرَسٌ فَعَطِبَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ دَيْنًا يَسْعَى فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يُشَارِكُهُ أَهْلُ الْجِنَايَةِ وَلَا يُشَارِكُونَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ ضَمَانُ مَالٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ ضَمَانِ الْمَالِ وَضَمَانِ النَّفْسِ وَلَا مُشَابَهَةَ فِي الْحُكْمِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً فَاسْتَهْلَكَ مَالًا قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فِي الْقَتْلِ وَبِالْمَالِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكُلُّ مَنْ يُكَاتِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ السِّعَايَةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ دَفْعَهَا بِالْجِنَايَةِ مُتَعَذِّرٌ
بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ وَلَوْ جَنَى عَبْدُهُ خُوطِبَ الْمَكَاتِبُ فِيهِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فَالتَّدْبِيرُ فِي كَسْبِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ الْعَبْدِ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمُكَاتِبُ عَلَى مَالِ جَازَ صُلْحُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَخْلِيصَ مِلْكِهِ
قَالَ : وَإِذَا أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِقَتْلٍ عَمْدًا ثُمَّ إنَّهُ عَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ عَنْهُ قَضَى عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْآخَرِ فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا قَضَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ صَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَالٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِذَا عَجَزَ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ بَطَلَ عَنْهُ الْمَالُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لَازِمٌ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ لَزِمَهُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ دُيُونِهِ يُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ الْعَجْزِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى عَنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَا تَأْثِيرَ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي إطْلَاقِ الْحَجَرِ عَنْهُ فِي الْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَكَانَ هُوَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِهِ بِالْكِتَابَةِ الْمَالُ إنَّمَا يُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ فَكَانَ إقْرَارُهُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ وَكَذَلِكَ قَبُولُهُ بِسَبَبِ الصُّلْحِ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ الْحَقُّ لِمَوْلَاهُ وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ قَبُولُهُ الْمَالَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ مَالًا لَا بِإِزَاءِ مَالٍ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُطْلَبُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُبَاعُ فِيهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِسَبَبٍ صَارَ هُوَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ فَكَذَلِكَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى
قَالَ : إذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا يَسْعَى لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ فَإِنْ وَقَعَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمُكَاتَبُ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةٍ أُخْرَى لِصَاحِبِ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ قَدْ غَرِمَ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَجِنَايَاتُهُ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً فَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةٍ أُخْرَى لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَشَاوَلَ صَاحِبُ الْبِئْرِ صَاحِبَ الْقَتِيلِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قُسِّمَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كَمَا بَيَّنَّا
وَإِذَا قَتَلَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ إنَّ الْمُكَاتَبَ قَتَلَ ابْنَهُ وَهُوَ عَبْدٌ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ الْآخَرِ بِالدِّيَةِ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الِابْنِ بِقِيمَةِ الِابْنِ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ إذَا حَصَلَتَا مِنْ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ وَحَقِّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَحَقِّ أَوْلِيَاءِ قَتِيلِ الِابْنِ كَانَ فِي الدِّيَةِ وَلَكِنْ بِجِنَايَةِ الِابْنِ فَأَمَّا بِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ قِبَلَهُ إلَّا فِي قِيمَةِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَا جَنَى عَلَى وَلِيِّهِمْ إنَّمَا جَنَى عَلَى الِابْنِ الَّذِي كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُمْ بِجِنَايَتِهِ فَلِهَذَا ضَرَبُوا فِي قِيمَتِهِ بِقِيمَةِ الدَّيْنِ
قَالَ : وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُكَاتَبُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا ازْدَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَعَلَى الْمَوْلَى إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْعِلْمَ بِإِنَّهَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يَحْكُمُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ عَلَى قِيَاسِ الْمُدَبَّرِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْمُكَاتَبِ فَقَالَ الْمُكَاتَبُ : جَنَيْت بَعْدَ مَا فُقِئَتْ عَيْنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخِ فِي جِنَايَتِهِ إلَى مَا قَبْلَ فَقْءِ الْعَيْنِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ الْمَفْقُوءَةِ وَالْمُكَاتَبُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَرَضِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَسْلَافِهِ : اعْلَمْ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ ، وَلَكِنْ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ ، فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمٍ وَهُوَ الْغَصْبُ وَالْعُرْفُ غَيْرُهُ فِي سَائِرِ الْأَسَامِي ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ عَلَى النُّفُوسِ نِهَايَتُهَا مَا يَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا ، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ بَعْدَ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } ، فَقَدْ جَعَلَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ كَتَخْرِيبِ الْعَالَمِ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ .
وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ فِي الدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ وَفِي الْإِعَانَةِ لِكُلِّ مَنْ اسْتَعَانَ بِهِ ، فَإِنَّ التَّعَاوُنَ بَيْنَ النَّاسِ ظَاهِرٌ فَاَلَّذِي يَقْتُلُ الْوَاحِدَ يَكُونُ قَاطِعًا لِهَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَأَيَّدَ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قِتَالُهُ لِإِيمَانِهِ فَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْجِنَايَةِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرَى التَّوْبَةَ لِلْقَاتِلِ الْعَمْدِ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِقَبُولِهِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي مَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَقَالَ جَزَاؤُهُ " جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " ، فَقَالَ : إلَّا مَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ، فَقَالَ : وَأَنَّى يَكُونُ لَهُ الْهُدَى ؟ سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { يُؤْتَى بِقَاتِلِ الْعَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ وَالْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَيَقُولُ يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ } .
وَلِعَظْمِ الْجِنَايَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لَمْ يَرَ عُلَمَاؤُنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ الْوَعِيدَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَالذَّنْبُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرْفَعَهُ الْكَفَّارَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَا يَجِبُ كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا ، وَالرَّجُلِ إذَا قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا عَمْدًا .
وَالشَّافِعِيُّ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ إنَّ مَا لَحِقَهُ مِنْ الْمَآثِمِ يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَكَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ وَالْوَعِيدُ مَنْصُوصٌ - عِنْدَهُ - عَلَيْهِ ؟ ، وَاسْتَدَلَّ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِالْقَتْلِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَالْمُرَادُ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِالْقَتْلِ لَا بِصِفَةِ الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ مُسْقِطٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ مَا يُضَادُّ الصَّوَابَ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا } أَيْ ضِدَّ الصَّوَابِ ، وَيُقَالُ فُلَانٌ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا إذَا لَمْ يُصِبْ وَالْعَمْدُ ضِدُّ الصَّوَابِ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمِ عَدُوٍّ لَكُمْ } الْآيَةَ ، وَإِنَّمَا يَقْتُلُ الْمَرْءُ عَدُوَّهُ عَمْدًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ ، وَفِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ : قَالَ { أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبٍ لَنَا أَوْجَبَ الْقَتْلَ بِالنَّارِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يَعْتِقُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِكُلِّ
عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } وَإِيجَابُ النَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَتْلُ آدَمِيٍّ مَضْمُونٍ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْكَفَّارَةِ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِالْقِيَاسِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ مُسْتَقِيمٌ عِنْدَهُ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا صَحِيحٌ عَلَيْنَا نُفَصِّلُ الْخَطَأَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْخَاطِئِ ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ بِفِعْلِهِ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَحَدَهُمْ مِمَّنْ كَانَ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ نَفْسٍ مَقَامَهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِحْيَاءِ فَأَلْزَمَهُ الشَّرْعُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّحْرِيرِ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقَّ تَلَفٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ سَوَاءٌ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا } فَلِهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لَكَانَ الْمَذْكُورُ بَعْضَ جُزْئِهِ فَيَكُونُ فَسْخًا لِهَذَا الْحُكْمِ وَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ جَزَاءُ قَتْلِ الْعَمْدِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ كَانَ الْمَذْكُورُ جَزَاءً لِرَدِّهِ ، وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً } الْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقَصْدِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ الْعَمْدَ وَلَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالْعَمْدِ وَمَتَى قُوبِلَ الْخَطَأُ بِالْعَمْدِ فَالْمُرَادُ مَا يُضَادُّ الْقَصْدَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْخَطَأَ مِنْ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ " إلَّا خَطَأً "
وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ ، فَلَوْ حُمِلَ هَذَا عَلَى ضِدِّ الصَّوَابِ أَدَّى إلَى أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الصَّوَابُ هُوَ الْمُحَرَّمُ ، وَهَذَا مُحَالٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقَصْدِ ، فَإِنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لِكَوْنِهِ رَمَى إلَى قَصْدِ الصَّيْدِ أَوْ الْحَرْبِيِّ لَكِنَّهُ بِاتِّصَالِهِ بِالْمَحَلِّ الْمُحْتَرَمِ يَصِيرُ مُحَرَّمًا وَلَكِنْ لَا يَلْحَقُهُ إثْمُ نَفْسِ الْفِعْلِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا عَنْهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - : { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ بِهِ نَوْعُ مَأْثَمٍ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّحَرُّزِ .
وَالْكَفَّارَةُ تَلْزَمُهُ لِمَحْوِ ذَلِكَ الْإِثْمِ وَالْإِثْمُ فِي حَقِّ قَاتِلِ الْعَمْدِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى تَمْحُوهُ الْكَفَّارَةُ ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَنْوَاعَ قَتْلِ الْخَطَأِ مَا يَكُونُ مِنْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَكُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ } أَيْ فِي قَوْمِ عَدُوٍّ لَكُمْ وَمَا يَكُونُ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } وَنَصَّ عَلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ نَوْعٍ ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ لِلْقِيَاسِ مَدْخَلٌ لَنَصَّ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْخَطَأِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَنْوَاعِ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ وَمِنْ جُمْلَتِهَا قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } وَالْمَشْهُورُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ : { أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ النَّارَ } فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْقَتْلِ وَلَإِنْ صَحَّ قَوْلُهُ بِالْقَتْلِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَالْعَصَا الْكَبِيرِ ، ثُمَّ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّطَوُّعُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ غَيْرَ
الْقَاتِلِ ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَفْسِيرُ الْوَصْفِ أَنَّهُ حَرَامٌ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَسَبَبُهُمَا مَا يَكُونُ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَكَمَا أَنَّ الْمُبَاحَ الْمَحْضَ ، وَهُوَ الْقَتْلُ بِحَقٍّ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ فَكَذَلِكَ الْمَحْظُورُ الْمَحْضُ ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ الْقَتْلُ الْخَطَأُ ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْفِعْلِ مُبَاحٌ وَبِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ مَحْظُورٌ فَكَانَ جَائِزًا وَشِبْهُ الْعَمْدِ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الْقَصْدَ التَّأْدِيبُ ، وَالتَّأْدِيبُ مُبَاحٌ .
وَالْقَتْلُ بِالْحَجَرِ الْكَبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ مَحْضٍ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآلَةَ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهَا لَيْسَ بِآلَةِ الْقَتْلِ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا قَتْلُ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا ، فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا مَحْظُورٌ مَحْضٌ ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِانْعِدَامِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَبِهِ لَا تَخْرُجُ الْفِعْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا مَحْضًا ، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ يَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنُ عَمْدًا ، فَإِنَّ الْفِعْلَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِهِ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الْإِحْرَازِ .
ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّذِي بَيَّنَّاهَا ، وَكَلَامُهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الشُّكْرِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَذَرَهُ بِالْخَطَأِ وَسَلَّمَ لَهُ نَفْسَهُ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الْقِصَاصَ مَعَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ مِنْهُ
كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ نَفْسًا مَقَامَ نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَذَلِكَ فِي أَنْ يُحَرِّرَ شَبَحًا لِيَتَفَرَّغَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ شَغَلَ نَفْسَهُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ فَصَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَبُ فِي حَقِّ الْعَامِدِ ، فَإِنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَهُ الْقِصَاصَ وَمَا سَلَّمَ لَهُ نَفْسَهُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ مَا قُلْتُمْ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا خَطَأً يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ مِنْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي نَفْسِ الْمَقْتُولِ حُرْمَتَانِ وَالْمَالُ فِي الْخَطَأِ وَجَبَ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ صَاحِبِ النَّفْسِ فَقَطْ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - .
فَأَمَّا فِي الْعَمْدِ الْوَاجِبِ هُوَ الْعُقُوبَةُ ، وَلَا تَجِبُ الْعُقُوبَةُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَتَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ إنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ لِمَجْمُوعِ الْحُرْمَتَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْكَفَّارَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ جِنَايَةُ الْقَتْلِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ : عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْرَارِ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْمَمَالِيكِ ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْأَحْرَارِ تَارَةً وَعَلَى الْمَمَالِيكِ تَارَةً ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ عَامَّةً أَحْكَامَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْضَ مَا لَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ مِنْ الْأَحْكَامِ .
وَفَرَّعَ عَلَى بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُصُولِ هُنَاكَ فَبَدَأَ الْكِتَابَ بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ .
وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَعَلَ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ عَلَى سَيِّدِهِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ جَعَلَ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمَالِ مِنْ جِنَايَتِهِ كَالْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، فَأَمَّا مَا يَكُون مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ فَعَلَى الْجَانِي خَاصَّةً لَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى مِنْهُ شَيْءٌ ، وَالْمُرَادُ بِإِيجَابِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ لَا بِإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكٌ وَالْمُسْتَحَقُّ بِجِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ نَفْسُهُ يَدْفَعُ بِهَا إلَّا أَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مَنَعَ دَفْعَهُ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَجْنِي ، وَلَوْ مَنَعَهُ بِالتَّدْبِيرِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ إنْ مَنَعَهُ بِتَدْبِيرٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ، وَهَذِهِ الْقِيمَةُ فِي مَالِ الْمَوْلَى لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِجِنَايَةِ مَمْلُوكِهِ وَوَصْلَةُ الْمِلْكِ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْمَالِكِ ، وَهَذِهِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى لَا فِي ذِمَّةِ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقِنِّ لَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ
جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ ، وَعِنْدَ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَكَذَلِكَ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَيَسْتَوِي جِنَايَتُهُ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا ؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَ الْوَاجِبُ دَفَعَهُ أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، فَالْقِيمَةُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ هُنَاكَ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسَيْنِ مُسْتَقِيمٌ ، وَفِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَأَوْجَبْنَا الْأَقَلَّ لِهَذَا .
فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مَا تَعَلَّقَتْ بِنَفْسِهِ ، وَلَا بِذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا أُوجِبَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا عَلَى الْمَوْلَى فَبَقَاءُ الْمُدَبَّرِ وَمَوْتُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ جِنَايَتِهِ ، وَهُوَ حَيٌّ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَالَ الْمَوْلَى لَمْ تَزَلْ هَذِهِ قِيمَتُهُ مُنْذُ جَنَى وَقَالَ الْمَوْلَى كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ ، وَلَا يُعْلَمُ مَتَى كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأَخَذَ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا وَجَدَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي وَقْتٍ لَا يَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْحَالِ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَلَوْ عَلِمَ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَعَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ سَابِقَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يُحْكَمُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمَوْلَى فِي النُّقْصَانِ ، وَلَا فِي قِيمَتِهِ ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي وَقْتٍ لَا يَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ قِيمَتَهُ لِلْحَالِ مَعْلُومٌ ، وَفِيمَا مَضَى مُسَبِّبُهُ فَيُرَدُّ الْمُسَبِّبُ إلَى الْمَعْلُومِ وَيُجْعَلُ فِي الْحَالِ شَاهِدًا عَلَى مَا مَضَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَاءِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ ،
فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ الْحَالُ فِيهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَجَّلَ الدَّفْعَ كَانَ مَدْفُوعًا بِالْجِنَايَةِ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَجَّلَ الدَّفْعَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَانَتْ دُونَ هَذَا .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَقُومُ فِي الْحَالِ لِيَتَبَيَّنَ بِهِ حُكْمَ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ وَلَكِنْ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ قِيمَتُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَقِيمَتُهُ فِي الْحَالِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَزْدَادُ تَارَةً وَتَنْقُصُ الْأُخْرَى ، فَإِنْ بَقِيَ بَيْنَهُمْ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ فَالْمَوْلَى يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى .
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي الدَّعَاوَى الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الزِّيَادَاتِ فَزَادَ هَاهُنَا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ كَثِيرِ الْقِيمَةِ فَصَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ ، فَإِنَى أَرُدُّ مِنْ الصُّلْحِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُزَادُ بَدَلُ يَدِ الْعَبْدِ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ إلَّا خَمْسَةً وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَمَّا تَعَذَّرَ بَدَلُ نَفْسِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْقُصَ بَدَلُ طَرَفِهِ عَنْ بَدَلِ نَفْسِهِ ، وَلَا نَصَّ فِي مِقْدَارِ هَذَا النُّقْصَانِ فَقَدَّرَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيِّ .
وَمُحَمَّدٌ جَعَلَ بَدَلَ طَرَفِهِ النِّصْفَ مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَسِوَى هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَدَلِ طَرَفِ الْمَمْلُوكِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ فَقَطْ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَدَلُ طَرَفِ الْمَمْلُوكِ يَتَقَدَّرُ بِنِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الدِّيَةَ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّ جَمِيعَ الْأَطْرَافِ فِي ذَلِكَ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتَثْنَى الْأُذُنَ وَالشَّعْرَ كَالْحَاجِبِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ، فَقَالَ : أَسْتَقْبِحُ اعْتِبَارَ الْمَمْلُوكِ بِالْحُرِّ فِي هَذَا وَأَوْجَبَ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ طَرَفَ الْمُلُوكِ فِي حُكْمِ الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْرَى فِيهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ وَيَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ فِي أَنَّهَا تُوجِبُ نُقْصَانَ الْمَالِيَّةِ بَدَلًا مُقَدَّرًا .
وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ ، الْمَمْلُوكُ وَالْحُرُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَمَا أَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِ الْحُرِّ نِصْفُ بَدَلِ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى طَرَفِ الْعَبْدِ .
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبَدَلَ
الْمُقَدَّرَ فِي الْحُرِّ تَارَةً يَجِبُ لِتَفْوِيتِ الزِّينَةِ وَتَارَةً يَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ وَمَعْنَى الزِّينَةِ فِي الْمَمْلُوكِ غَيْرُ الْمَطْلُوبِ ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ الْمَنْفَعَةُ فَفِي كُلِّ طَرَفٍ يَجِبُ بَدَلُهُ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ الْعَبْدُ فِيهِ كَالْحُرِّ ، وَفِي كُلِّ مَا يَجِبُ فِي الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الزِّينَةِ وَالْجَمَالُ كَالشَّعْرِ ، وَقَطْعُ الْأُذُنِ الْمَمْلُوكُ فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْحُرِّ وَلَكِنْ يَلْحَقُ بِالْمَالِ فَيَجِبُ النُّقْصَانُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ يُشْبِهُ الْحُرَّ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَالَ مِنْ وَجْهٍ وَالسَّبِيلُ فِيمَا يُرَدَّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ أَنْ يُوَفَّرَ عَلَيْهِ حَظَّهُمَا .
وَإِذَا حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ جَانٍ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ ، فَإِنْ دَفَعَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ إلَى وَلِيِّهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَوَهَبَ الْوَلِيُّ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ قَالَ يَدْفَعُ الْوَلِيُّ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِهِ كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْمَقْبُوضَةَ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهِبَةُ الْمَوْلَى النِّصْفَ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ كُلِّهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَلِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا كَالْقَائِمِ مِنْ الْقِيمَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهَبَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى وَبَيْنَ أَنْ يَهَبَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَمَا اسْتَهْلَكَهُ كَالْقَائِمِ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ قِيمَتِهِ إلَى شَرِيكِهِ ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا ثَالِثٌ ، وَقَدْ غَرِمَ الْوَاهِبُ نِصْفَ الْقِيمَةَ لِلثَّانِي بِأَمْرِ الْقَاضِي فَعَلَى الْوَاهِبِ لِوَلِيِّ الثَّالِثِ سُدُسُ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَأَنَّ حَقَّ الثَّالِثِ فِي ثُلُثِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ الثَّانِي ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الثَّانِي وَيَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَنِصْفَ حَقِّهِ ، وَهُوَ سُدُسُ الْقِيمَةِ كَانَ فِي النِّصْفِ الَّذِي وَهَبَهُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مُسْتَهْلِكٌ لِذَلِكَ فَلِهَذَا يَغْرَمُ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ الْمَوْهُوبُ بِتَمَلُّكٍ صَحِيحٍ مِنْ الْوَاهِبِ ، وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ .
وَإِنْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ ، ثُمَّ كَاتَبَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ جَانِيًا بِالْحَفْرِ السَّابِقِ ، وَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتَقِ ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ .
وَعَلَى هَذَا يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحَفْرِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا بِذَلِكَ الْحَفْرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عِنْدَ الْوُقُوعِ قَدْ يَكُونُ الْمُدَبَّرُ مَيِّتًا ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْجِنَايَةُ مِنْ الْمَيِّتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْحَفْرِ ، ثُمَّ وَقَعَ الْمَوْلَى فِي الْبِئْرِ فَمَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا بِالْحَفْرِ ، وَهُوَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِيهَا عَبْدٌ لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ وَالْمَوْلَى وَارِثَهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَا يَرِثُهُ إلَّا الْمَوْلَى فَدَمُهُ هَدَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ مُوجَبًا لِلْمَوْلَى عَلَى نَفْسِهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ ، فَإِنَّ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ يَوْمَ وَقَعَ فِيهَا وَمِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ حَفَرَ الْبِئْرَ يُؤَدَّى مِنْ ذَلِكَ مُكَاتَبَتُهُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا تَرَكَ وَفَاءً فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْمَوْلَى فَتُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ حَفَرَ لِيُؤَدِّيَ مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ فَتَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ ، ثُمَّ مَا بَقِيَ مِيرَاثٌ ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ حُرٌّ فَهُوَ مِيرَاثٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ
لِلْمَوْلَى بِالْوَلَاءِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ الْبِئْرَ قَبْلَ أَنْ يُكَاتِبَ الْمَوْلَى هَذَا الْعَبْدَ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ فِيمَا اتَّصَلَتْ بِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهَا ابْنَ الْمَوْلَى وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَهُوَ ضَامِنٌ حِصَّةَ مَنْ يَرِثُ مَعَهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَسْقُطُ حِصَّتُهُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ آخَرَ وَاجِبٍ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّي حِصَّةَ الِابْنِ إلَّا آخَرَ .
وَلَوْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ الْبِئْرَ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى ، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ فَمَاتَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ فِي مَالِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ كَانَ جِنَايَةً مِنْهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَكَانَ مُوجِبُهُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا اتَّصَلَ الْوُقُوعُ بِهِ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ حَفَرَ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ قِيمَةَ الدَّابَّةِ تَكُونُ فِي تَرِكَةِ الْمَوْلَى فِيهَا هُنَا قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمَوْلَى شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَى وَرَثَتِهِ ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَلَيْسَ عَلَى الْوَارِثِ قَضَاءُ دَيْنِ الْمُورِثِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَقِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُعْتِقِ .
مُدَبَّرٌ قَتَلَ دَابَّةَ رَجُلٍ وَأَحْرَقَ ثَوْبَ آخَرَ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمَالِ تُوجِبُ الضَّمَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ وَسِعَايَتِهِ وَلَكِنْ يَصِيرُ بِهَذَا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ مِنْهُ يَتَعَمَّدُ الرِّضَا لَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَلَمْ يُوجَدْ وَحَالُهُ هَاهُنَا كَحَالِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ دَيْنٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مَأْذُونًا وَلَكِنَّهُ لَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَصْرُوفٌ إلَى دَيْنِهِ ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى لَهُمَا مُوجِبًا الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ ، فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُمَا بِكَسْبِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَخُصُّ بَعْضَ غُرَمَائِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ وَهُنَاكَ حَقُّ الْبَاقِينَ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ سَيِّدَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إحْدَاهُمَا : رَدُّ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ .
وَالْأُخْرَى لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى فِي قِيمَةِ عَبْدِهِ مُكَاتَبٌ وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ خَطَأٌ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَذَلِكَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَهُمَا حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَجِنَايَتُهُ خَطَأً تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ .
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا جَرَحَ مَوْلَاهُ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى صَاحِبَ فِرَاشٍ سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ وَالْإِعْتَاقُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ ، وَإِذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَأَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ ، وَهُوَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَمْ يَجُزْ وَحَصَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ لِلْقَاتِلِ .
وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرَةً قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً وَهِيَ حُبْلَى ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى وَلَدِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ فَكَانَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُكَاتَبَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَالْوَلَدُ يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَهُمَا هِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ يَنْفَصِلُ عَنْهَا حُرًّا ، وَلَوْ جَرَحَتْ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ عَنْهَا وَهِيَ مُدَبَّرَةٌ ، فَإِنَّ الْمَوْلَى حَيٌّ حِينَ وَلَدَتْ وَهِيَ إنَّمَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى .
وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدْبِرٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَلَدِ مَا يَحْرِمُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ هَذَا مِنْ الثُّلُثِ .
مُدَبَّرٌ تَاجِرٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ لِغُرَمَائِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ أَمَّا وُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ فَلِرَدِّ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَتَلَ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ غُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ ضَامِنًا لَهُمْ شَيْئًا ، فَإِنَّ حَقَّهُمْ كَانَ فِي كَسْبِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَغْرَمْ لَهُمْ شَيْئًا فَكَذَلِكَ إذَا أُعْتِقَ بِمَوْتِهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْقِيمَةَ بَدَلُ مَالِيَّتِهِ وَغُرَمَاؤُهُ أَحَقُّ بِمُكَاتَبَتِهِ مِنْ مَوْلَاهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ فِي حَيَاةِ مَوْلَاهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ لِغُرَمَائِهِ دُونَ مَوْلَاهُ ، وَأَمَّا وُجُوبُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بِمُعَامَلَتِهِ فَبَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَلَى حَالِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا مَأْذُونًا عَلَيْهِ دَيْنٌ جَرَحَ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، وَهُوَ صَاحِبُ فِرَاشٍ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ جِرَاحِهِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ ، فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مَالًا فَغُرَمَاءُ الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَخَذُوا قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ بِالْإِعْتَاقِ وَيَأْخُذُونَ قِيمَتَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَتْبَعُونَ الْعَبْدَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ ، وَإِنْ شَاءُوا بَاعُوا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ لَكِنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ بِمُعَامَلَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ .
مُدَبَّرٌ ضَرَبَ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا أَجْنَبِيًّا خَطَأً بُدِئَ بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ إلَّا إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مَاتَ قَبْلَ الْمَوْلَى فَلِوَرَثَةِ الْأَجْنَبِيِّ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ فِي مَالِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لَهُ ، وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَيَجِبُ قِيمَتُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَيَسْتَوْفِي مَنْ تَرِكَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَسْعَى الْمُدَبَّرُ فِي قِيمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا لِمَوْلَاهُ فَصَارَ مَحْرُومًا مِنْ الْوَصِيَّةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ إنَّمَا صَارَ قَاتِلًا لِلْأَجْنَبِيِّ بِالضَّرْبَةِ ، وَقَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ مُوجِبُهَا الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مُدَبَّرًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي مَالِ الْمَوْلَى ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمَا مَاتَا أَوْ لَا ، لَا إنْ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتْ دَيْنًا لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَمَا يَسْعَى فِيهِ الْمُدَبَّرُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَحَقُّ غُرَمَائِهِ فِي مِلْكِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ مُدَبَّرَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَبَّرٌ فَقَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ فَيَرِثَا جَمِيعًا ، فَإِنَّ سَيِّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ مُدَبَّرِ صَاحِبِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَيْهِ مُدَبَّرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ مُدَبَّرِهِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، فَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَةَ مُدَبَّرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ مُدَبَّرِ صَاحِبِهِ أَقَلَّ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ قَاتِلًا لِصَاحِبِهِ بِفِعْلٍ كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَمَوْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَعَلَى مَوْلَى الْبَاقِي الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ مُدَبَّرِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَعَلَى مَوْلَى الْمَقْتُولِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَيِّتِ وَمِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْحَيِّ ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ هَذَا الْمِقْدَارُ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مَوْلَاهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ مُدَبَّرِهِ ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إلَى يَوْمِ أَعْتَقَ الْآخَرَ سَيِّدُهُ ، وَلَا يَضْمَنُ الْفَضْلَ الَّذِي حَدَثَ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ فِي انْقِطَاعِ السِّرَايَةِ بِهِ لِمَعْنًى يُبْدِلُ الْمُسْتَحَقَّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الدِّيَاتِ .