كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْجَانِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْجُثَّةَ الْعَمْيَاءَ إذَا لَمْ تَسْلَمْ لِلْجَانِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى لَوْ أَعَادَ الْمَوْلَى إمْسَاكَ الْجُثَّةِ وَالرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْعَيْنَيْنِ رَدَّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي بِنُقْصَانِ الْعَيْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ أَرَادَ إمْسَاكَ الْجُثَّةِ وَالرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْنَيْنِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي نُقْصَانُ الْعَيْنَيْنِ رَدَّ الْبَائِعُ عَلَيْهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةَ النُّقْصَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُقِئَتْ عَيْنَا الْأُمِّ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الْوَلَدِ ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ قُتِلَ الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَعَلَى الْجَانِي مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَ الْوَلَدُ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِتَكْذِيبِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْجِنَايَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى حُرٍّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأُمِّ كَانَ عَلَيْهِ مَا فِي جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي إبْطَالِ هَذَا الْبَيْعِ وَعَوْدِهِمَا إلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا وَفِي ، وَلَدِهَا بِنَفْسِ الدَّعْوَةِ مَا هُوَ مُنَافٍ لِلْبَيْعِ ، وَإِنْ جَنَى الْوَلَدُ كَانَتْ جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْحُرِّ وَجِنَايَةُ أُمِّهِ كَجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِيهَا بِنَفْسِ الدَّعْوَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمَا قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالدَّعْوَةِ قَدْ صَارَ مُبْطِلًا مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مُوجِبِ جِنَايَتِهِمَا شَيْءٌ ، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ مُخْتَارٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ أَثْبَتَ الْحُرِّيَّةَ لِلْوَلَدِ وَحَقَّ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ فَيَكُونُ كَالْمُنْشِئِ لِذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَلِهَذَا صَارَ مُخْتَارًا وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَمْ تَلِدْ بَعْدُ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ حَبَلَهَا مِنْهُ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَيْسَ بِهَا حَبْلٌ ، وَأَرَاهَا النِّسَاءَ فَقُلْنَ هِيَ حُبْلَى أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِهَا حَبَلٌ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْك فَالْبَائِعُ لَا يُصَدَّقُ فِي الدَّعْوَةِ حَتَّى تَضَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الْحَبَلِ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } ؛

وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ حَتَّى يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا تَضَعُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمْ لَا فَلَعَلَّهَا تُسْقِطُ سِقْطًا غَيْرَ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ أَوْ تَضَعَ الْوَلَدَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ فَإِنْ جَاءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ الْآنَ تَصِحُّ تِلْكَ الدَّعْوَةُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَلَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ ، وَقَالَ : أَصْلُ الْحَبَلِ كَانَ عِنْدِي ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ يَكُنْ عِنْدَك إنَّمَا كَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَ شِرَائِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى اتِّصَالِ الْعُلُوقِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْبَائِعِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي الْعُلُوقِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ تَارِيخًا سَابِقًا فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعُلُوقِ وَمِلْكُهُ حَقُّهُ فَبَيِّنَتُهُ عَلَى سَبْقِ التَّارِيخِ فِيهِ مَقْبُولَةٌ ، وَلَا شَكَّ فِي هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَوْلُهُ هَكَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .
وَأَصْلُ هَذَا فِيمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك مُنْذُ سَنَةٍ ، وَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا بِعْتهَا مِنْك مُنْذُ شَهْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي زِيَادَةَ تَارِيخٍ فِي شِرَائِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ

حُصُولَ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَثُبُوتَ حَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ التَّارِيخِ فِي شِرَائِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَثْبُتُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ مُنْذُ سَنَةٍ ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْبَائِعِ لِهَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ

قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ بِنْتًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنَتَهَا ابْنًا فَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الِابْنَ ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الِابْنَةَ فَهِيَ ابْنَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ، وَدَعْوَتَهُ فِيهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَيُثْبِتُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ فِيهَا .
وَمِنْ ضَرُورَتِهِ إبْطَالُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي عَلَى ابْنِهَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَطْرَأُ عَلَى الرِّقِّ وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ أَنْ يَنْفَصِلَ الْوَلَدُ مِنْهَا حُرًّا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الِابْنَةُ وَلَدَتْ ابْنَتَانِ قَالَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلًا لَوْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ عِنْدَهُ غُلَامًا ، ثُمَّ وُلِدَ لِلْغُلَامِ ابْنٌ فَبَاعَ الْمَوْلَى ابْنَ الْوَلَدِ الَّذِي وُلِدَ عِنْدَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَى الْوَلَدَ الَّذِي كَانَ الْعُلُوقُ بِهِ فِي مِلْكِهِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَبْطُلُ بَيْعُ الِابْنِ وَعِتْقُ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِصِحَّةِ دَعْوَتِهِ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لِلْأَبِ وَذَلِكَ يُوجِبُ حُرِّيَّةَ الِابْنِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ مَوْلُودٌ مِنْ أَمَةٍ كَانَتْ لِمُدَّعِي الْأَبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ ابْنِ ابْنِهِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ وَبَطَلَ بِهِ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وَعِتْقُهُ قَالَ : وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّوْأَمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّوْأَمَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ التَّوْأَمُ أَفْصَحُ كَمَا يُقَالُ هُمَا زَوْجٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ التَّوْأَمَانِ أَفْصَحُ كَمَا يُقَالُ هُمَا كُفْوَانِ ، وَأَخَوَانِ .
وَبَيَانُهُ جَارِيَةٌ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ مِنْ عُلُوقٍ كَانَ فِي مِلْكِ مَوْلَاهَا فَبَاعَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا ، وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ أَنَّ الْبَائِعَ ادَّعَى نَسَبَ الَّذِي عِنْدَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ نَسَبًا ، وَقَدْ كَانَ الْعُلُوقُ بِهِمَا فِي مِلْكِهِ فَيَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَمِنْ

ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْآخَرِ ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلِهِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ عِتْقِ الْمُشْتَرِي وَشِرَائِهِ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ ثُبُوتُ أُمِّيَّةِ الْوَلِيِّ لِلْأُمِّ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ ؛ وَلِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ أَبْطَلْنَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي فِيهَا رَدَدْنَاهَا مِنْ حَالَةِ الْحُرِّيَّةِ إلَى حَالَةِ الرِّقِّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْقَطَ الرِّقَّ وَالْمَسْقَطُ مُتَلَاشِي لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ وَهُنَا لَوْ أَبْطَلْنَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي رَدَدْنَاهُ إلَى حَالِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لِلْمُشْتَرِي وَالْوَلَاءُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلِهَذَا أَبْطَلْنَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْفُصُولِ .
وَلَوْ لَمْ يَبِعْ ابْنَ الِابْنِ ، وَلَكِنَّهُ بَاعَ الِابْنَ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَةِ الِابْنُ ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ ، وَهُوَ الْوَلَاءُ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْبَائِعِ فِيهِ وَعَتَقَ ابْنُ الِابْنِ الَّذِي فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ لِمَانِعٍ كَانَ عَامِلًا فِي الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ هُوَ ابْنِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ وَخَرَجَ الْبَيْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلنَّقْضِ فِيهِ فَلَمْ يُعْمِلْ دَعْوَةَ الْبَائِعِ فِي حَقِّهِ ، وَعَتَقَ ابْنُ الِابْنِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا

بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الِابْنِ بِنْتًا فَمَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَهَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ فِي حَقِّهَا ، وَلَا فِي حَقِّ ابْنَتِهَا ، وَهَذَا ، وَالْمُلَاعَنَةُ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بِنْتًا فَوَلَدَتْ ابْنًا ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ ، ثُمَّ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ لَمْ يَعْمَلْ إكْذَابُهُ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهَا مَعَ بَقَاءِ ابْنٍ يَخْلُفُهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَالْمَعْنَى فِيهِمَا سَوَاءٌ وَهُوَ أَنْ يَنْسِبَ الْوَلَدَ الْقَائِمَ إلَى أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ فَيَحْمِلَ أُمَّهُ كَالْمَيِّتَةِ لَا عَنْ ، وَلَدٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُفَرِّقَانِ بَيْنَ هَذِهِ وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا هُنَاكَ وَلَدُ الِابْنَةِ كَوَلَدِ الِابْنِ فِي قِيَامِهِ مَقَامَ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ حَتَّى يَصِحَّ إكْذَابُ الْمُلَاعِنِ نَفْسَهُ وَيُثْبِتَ نَسَبَ ، وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَصْلَ النَّسَبِ كَانَ ثَابِتًا بِالْفِرَاشِ فَاسْتَتَرَ بِاللِّعَانِ وَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ فَيُجْعَلُ بَقَاءُ وَلَدِهِ كَبَقَائِهِ فِي صِحَّةِ الْإِظْهَارِ بِالدَّعْوَةِ .
وَأَمَّا نَسَبُ وَلَدِ الْمَبِيعَةِ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَلَا تَعْمَلُ دَعْوَتُهُ فِي الْإِثْبَاتِ ابْتِدَاءً إلَّا فِي حَالِ بَقَائِهِ أَوْ بَقَاءِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَوَلَدُ الِابْنِ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ دُونَ وَلَدِ الِابْنَةِ فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بَعْدَ مَوْتٍ إلَّا بِنْتٌ بِالدَّعْوَةِ

قَالَ : وَإِذَا حَبِلَتْ الْأَمَةُ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ بَاعَهَا فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ عَنْهَا فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَدَعْوَتُهُ فِيهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَيَرُدُّ إلَيْهِ ابْنَ الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمٍّ وُلِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ كَانَا جَمِيعًا مَرْدُودِينَ عَلَيْهِ فَاسْتِيلَادُهُ الْأُمَّ يُثْبِتُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَهُوَ حَقُّ الْعِتْقِ لِلْمُشْتَرِي فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رَدَّ الْوَلَدِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ صَاحِبِهِ .
فَإِنْ ( قِيلَ ) : هَذَا الْوَلَدُ فِي حُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلْأُمِّ ، وَلَا يُثْبِتُ الْبَائِعُ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي الْأُمِّ فَكَيْفَ يَثْبُتُ فِي وَلَدِهَا ( قُلْنَا ) لَا كَذَلِكَ بَلْ هُمَا جَمِيعًا بَائِعَانِ لِلْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ بَيْعٌ ، وَلَا بَيْعَ لِلتَّبَعِ فَتَعَذُّرُ رَدِّ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ رَدَّ الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيُعْتَبَرُ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَتُهَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ الثَّانِي وَقْتَ الِانْفِصَالِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا حَدَثَ فَحَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهِ ثَابِتٌ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا صَارَ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ فَيُعْتَبَرُ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْبَائِعِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ أُمِّ وَلَدِهِ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ ابْنَ الْعَبْدِ أَنَّهُ ابْنُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ ، وَلَكِنَّهُ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ فَدَعْوَتُهُ إيَّاهُ كَإِعْتَاقِهِ .
قَالَ : وَلَوْ بَاعَهَا وَهِيَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي

بَعْدَ الْبَيْعِ بِيَوْمٍ ، ثُمَّ ، وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَادَّعَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي الْوَلَدَيْنِ مَعًا فَهُمَا ابْنَا الْبَائِعِ أَمَّا الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا فَلِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ نَسَبَهُ مِنْهُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَفِي أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ مِنْ حِينِ عَلِقَتْ وَالْوَلَدُ الثَّانِي مَرْدُودٌ عَلَيْهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ أُمِّ وَلَدِهِ فَهُوَ إنَّمَا يَدَّعِي مِلْكَ نَفْسِهِ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي مِلْكَ الْغَيْرِ فَلِهَذَا كَانَ دَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى فِيهِمَا .
وَلَوْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْوَلَدَ الْآخَرَ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ ، وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ بَعْدَهُ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ بِهِ فِي مِلْكِهِ وَيُرَدُّ إلَيْهِ الْوَلَدُ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ لِمَا ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا مِنْ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْآخَرَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِالْوَلَدِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ لِلْحَالِ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَا دَعْوَةَ لَهُ فِيهِ مَقْصُودَةً ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ ادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ فِي الَّذِي مَاتَ لَمْ يَصِحَّ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ النَّسَبِ فَلَوْ صَحَّ كَانَ الْآخَرُ مَقْصُودًا وَالْعُلُوقُ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ فِي مِلْكِهِ .

قَالَ : وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَجَنَى عَلَى أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ جِنَايَةً ، وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ ، ثُمَّ ادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ فَدَعْوَتُهُ جَائِزَةٌ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ بِهِمَا فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ ، وَاَلَّتِي وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَيْضًا أَنَّ الْعُلُوقَ الثَّانِيَ كَانَ فِي مِلْكِهِ ، وَإِنْ ، وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَفِي الْأُمِّ وَلَكِنَّ الْأَرْشَ يَبْقَى سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّا فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي الْيَدِ الْمُبَانَةِ لَا تَعْمَلُ فَيَبْقَى الْأَرْشُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَسَبَ أَحَدُهُمَا كَسْبًا فَقَدْ كَانَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ الْكَسْبُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ الدَّعْوَةِ بُطْلَانُ مِلْكِهِ فِي الْكَسْبِ فَيَبْقَى سَالِمًا لَهُ ، وَلَوْ كَانَ قَتَلَ أَحَدَهُمَا ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ كَانَ قِيمَةُ الْمَوْصُولِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ ؛ لِأَنَّ بِثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ بَدَلُهُ لِوَرَثَتِهِ ضَرُورَةً ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْشِ وَالْكَسْبِ ؛ لِأَنَّ التَّوْأَمَ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي النَّسَبِ ، وَالْحُرِّيَّةِ ، وَإِعْمَالُ ذَلِكَ فِي الْأَقْطَعِ مُمْكِنٌ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى إعْمَالِهِ فِي إبْطَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ وَالْكَسْبِ فَأَمَّا الْوَاجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ بَدَلَ النَّفْسِ وَمِنْ ضَرُورَةِ إبْطَالِ الْبَيْعِ فِيهِ عِنْدَ بَقَاءِ مَا يَخْلُفُهُ أَنَّهُ لَا يُبْقِي لِلْمُشْتَرِي حَقًّا فِي بَدَلِ نَفْسِهِ فَكَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ قَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُصَدَّقُ الْبَائِعُ فِي بَدَلِ النَّفْسِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ لَا يُصَدَّقُ فِي بَدَلِ النَّفْسِ ، وَلَيْسَ

هَذَا بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ ، وَلَكِنْ حَيْثُ قَالَ يُصَدَّقُ يَعْنِي فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُبْطِلَ حَقَّهُ عَنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْمَقْتُولِ فِي الْأَصْلِ أَنْ لَا يَمْلِكَ بَدَلَ نَفْسِهِ بِمِلْكِ الْأَصْلِ ، وَحَيْثُ قَالَ لَا يُصَدَّقُ يَعْنِي فِي حَقِّ الْجَانِي حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ بَلْ يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِهِ فَكَمْ مِنْ قَتْلٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِلدِّيَةِ ، وَمَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْجُمْلَةُ دُونَ الْأَحْوَالِ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ، ثُمَّ قُتِلَ وَتَرَكَ مِيرَاثًا ، وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي دِيَتَهُ وَمِيرَاثَهُ بِالْوَلَاءِ ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَالْمِيرَاثَ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ قَدْ ثَبَتَ لِلْمَقْتُولِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِهَا فِي الْآخَرِ ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِوَلَاءِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا أَخَذَ مِيرَاثَهُ بِالْوَلَاءِ فَإِذَا ظَهَرَ الْمُنَافِي لِلْوَلَاءِ وَجَبَ رَدُّهُ .
وَلَوْ أَعَادَهُمَا الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فَإِنَّهُمَا ابْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لَهُ مُحْتَاجَانِ إلَى النَّسَبِ فَإِنْ ادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُمَا عَنْ النَّسَبِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرِي

قَالَ أَمَةٌ حَبِلَتْ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، وَكَبُرَ فَزَوَّجَهُ الْوَلِيُّ أَمَةً لَهُ فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، ثُمَّ بَاعَ الْأَسْفَلَ ، وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الِابْنَ الْأَوَّلَ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَيُنْتَقَضُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي ، وَعِتْقُهُ فِي ابْنِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا وُلِدَ مِنْ أَمَةِ الْمَوْلَى وَمِنْ مِلْكِ ابْنِ ابْنِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَابِقًا عَلَى بَيْعِهِ فَيَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ ، وَعِتْقُ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ضَرُورَةً ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْأَمِ كَمَا قَرَّرْنَا وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ الَّذِي عِنْدَهُ وَلَكِنْ ادَّعَى الَّذِي بَاعَ أَنَّهُ ابْنُهُ كَانَتْ دَعْوَتُهُ بَاطِلَةً ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ حَصَلَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ فَقَدْ نَفَذَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي مَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِيهَا

قَالَ : أَمَةٌ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ، وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَ هَذَا الْمَوْلَى فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ، وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَاهُمَا الْبَائِعُ فَهُمَا ابْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ عِنْدَهُ فَدَعْوَتُهُ فِيهِ صَادَفَتْ مِلْكَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ ، وَلَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي وَلَا الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ بِهِمَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَدَعْوَتُهُ دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِعْتَاقِ ، وَالتَّوْأَمَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْإِعْتَاقِ ، فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عِتْقِ أَحَدِهِمَا بِدَعْوَةِ الْبَائِعِ إبْطَالُ الْبَيْعِ ، وَعِتْقُ الْمُشْتَرِي فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ بِهِمَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُ هُنَاكَ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلَّذِي بَقِيَ عِنْدَهُ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْآخَرِ فَلِهَذَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِمَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِهِ الْوَلَدَ مَقْصُودًا

قَالَ : أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَفِي يَدِهِ وَلَدٌ لَهَا وَفِي يَدِ رَجُلٍ آخَرَ وَلَدٌ لَهَا فَادَّعَى الَّذِي فِي يَدِهِ الْوَلَدُ أَنَّ الْوَلَدَيْنِ جَمِيعًا ابْنَاهُ وُلِدَا مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي بَطْنَيْنِ ، وَأَنَّ الْأَمَةَ أَمَتُهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْأَمَةِ وَالْوَلَدَيْنِ جَمِيعًا لِلَّذِي الْأَمَةُ فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقَّ الْعِتْقِ فِيهَا بِسَبَبِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فَكَانَ دَعْوَاهُ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ فِيهَا وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ قَامَتْ لِإِثْبَاتِ الْوَلَاءِ ، وَالْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَيَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فَإِذَا قَضَيْنَا بِالْأَمَةِ لَهُ أَثْبَتْنَا نَسَبَ الْوَلَدَيْنِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا وَلَدُ أُمِّ ، وَلَدِهِ قَدْ ادَّعَاهُمَا ، وَأَجْنَبِيٌّ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَصْلِ بِالْبَيِّنَةِ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ، وَفِي يَدَيْهِ وَلَدٌ لَهَا فَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهَا ، وَلَا يَدَّعِي وَلَدَهَا وَفِي يَدِهِ ، وَلَدٌ لَهَا آخَرُ يَدَّعِيهِ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ ، وَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْأَمَةَ أَمَتُهُ ، وَلَدَتْ الِابْنَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مِنْهُ ، وَلَا يَعْرِفُ أَيَّ الْوَلَدَيْنِ أَكْبَرُ ، وَقَدْ وَلَدَتْهُمَا فِي بَطْنَيْنِ قَضَيْتُ بِالْأَمَةِ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ لِدَعْوَاهُ أَمَتَهُ الْوَلَدَ فِيهَا ، وَقَضَيْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِابْنِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي نَسَبَ أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ وَخَصْمُهُ لَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ ، وَذَلِكَ كَافٍ لِلْقَضَاءِ بِنِسْبَةٍ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَةِ فَكَيْفَ إذَا أَثْبَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ الْمُنَازَعَةَ بَيْنَهُمَا هُنَاكَ فِي نَسَبِ الْوَلَدَيْنِ فَرَجَّحْنَا الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْأَصْلَ شَاهِدٌ لَهُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ نَسَبِ الْوَلَدِ ؛ وَلِأَنَّا قَضَيْنَا لَهُ بِالْفِرَاشِ حِينَ قَضَيْنَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْ جِهَتِهِ فِي الْأُمِّ ، وَثُبُوتِ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ فَإِذَا ادَّعَاهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ ، وَإِذَا نَفَاهُ ثَبَتَ مِنْ الَّذِي ادَّعَاهُ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِمَا ادَّعَاهُ سَبَبًا صَحِيحًا

قَالَ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّ الَّذِي الْأَمَةُ فِي يَدَيْهِ زَوْجُهَا مِنْهُ ، وَوَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ هَذَا الْوَلَدَ ، وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْأَمَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْأَمَةَ لِهَذَا الْمُدَّعِي ، وَأَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ وَوَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ هَذَا الْوَلَدَ فَالْأَمَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمٍّ مَوْقُوفَةٍ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ لَا يَطَؤُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِوِلَادَتِهَا مِنْهُ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِأَحَدِهِمَا فَيُثْبِتُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فِيهَا ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَقُولُ : إنَّهَا فِي مِلْكِ صَاحِبِي ، وَقَدْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ فَبَقِيَتْ مَوْقُوفَةً لَا يَطَؤُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ، ثُمَّ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ وَجَحَدَ الْبَائِعُ ذَلِكَ كَانَ مَوْقُوفَ الْوَلَاءِ فَأَيُّهُمَا مَاتَ عَتَقَتْ هِيَ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا قَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهَا بِمَوْتِ صَاحِبِهِ ، وَصَاحِبُهُ كَانَ مُقِرًّا بِأَنَّ إقْرَارَ الْحَيِّ فِيهِمَا كَانَ نَافِذًا فَلِهَذَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْوَلَدُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا فِيهِ دَعْوَى النَّسَبِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى النَّسَبِ تَتَرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الْخَارِجِ

قَالَ أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَفِي يَدِهِ وَلَدٌ لَهَا فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ إذْنِ مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ لَهُ عَلَى فِرَاشِهِ هَذَا الْوَلَدَ الَّذِي فِي يَدِ مَوْلَاهَا ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَقَامَ الْمَوْلَى الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ أَمَتِهِ هَذِهِ فَإِنِّي أَقْضِي بِالْوَلَدِ لِلزَّوْجِ ، وَأُثْبِتُ نَسَبَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ ، وَفِرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ النَّسَبَ الَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ حِينَ ادَّعَى نَسَبَهُ ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ بِسَبَبٍ هُوَ مُحْتَمَلٌ فِي نَفْسِهِ فَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ حَتَّى إذْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِإِقْرَارِهِ فِي إبْطَالِ مَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ النَّسَبُ فَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُجْعَلُ هُوَ كَالْمُقِرِّ بِالْحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِأَحَدٍ

قَالَ حُرَّةٌ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَكَبُرَا وَاكْتَسَبَا مَالًا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ ، ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ ، وَأَنَّهُمَا ابْنَاهُ مِنْهَا ، وَأَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِي كَبِيرٌ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ بِدَعْوَاهُ إلَّا عِنْدَ تَصْدِيقِهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا ابْنَاهُ قَائِمَانِ مَقَامَهُ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِدَعْوَاهُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِمَا ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهَا فَيُشْرِكُهَا فِي نَصِيبِهَا مِنْ مِيرَاثِ ابْنِهَا ؛ لِأَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ ، وَأَبَوَيْنِ فَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَالْبَاقِي لِلِابْنَيْنِ فَقَدْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ حَقَّ الْأَبِ وَحَقَّهَا فِي تَرِكَتِهِ سَوَاءٌ فَيُقْسَمُ مَا فِي يَدِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ فِي الْمِيرَاثِ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ ثُبُوتُ النَّسَبِ فَإِنَّ الْمَالَ يُسْتَحَقُّ بِأَسْبَابٍ ، وَأَصْلُهُ فِي أَحَدِ الْأَخَوَيْنِ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ فَإِنْ أَقَرَّ الِابْنُ الثَّانِي بِذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا جَمِيعًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْمُقِرِّ قَدْ ثَبَتَ بِتَصْدِيقِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا تَوْأَمٌ ، وَإِنْ أَقَرَّ ابْنُ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ ، وَهُوَ فِي حَيَاتِهِ لَوْ صُدِّقَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا صَدَّقَهُ مَنْ يَخْلُفُهُ

قَالَ أَمَةٌ وَلَدَتْ غُلَامًا فَأَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زَوْجٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مَعْرُوفٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَقَرُّ لَهُ أَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا ، ثُمَّ ادَّعَى الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ عَتَقَ بِدَعْوَاهُ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ الْمَقَرِّ لَهُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ وَعِنْدَ التَّصْدِيقِ غَيْرُ مُشْكِلٍ ، وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقَرُّ لَهُ حَاضِرًا فَكَذَّبَهُ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ قَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمَقَرِّ لَهُ وَبَقِيَ الْوَلَدُ مُحْتَاجًا إلَى النَّسَبِ فَإِذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى فِي حَالِ حَاجَتِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ يَثْبُتُ مِنْهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ ، وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ وَالْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، ثُمَّ هُنَاكَ بِالتَّكْذِيبِ يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ وَيَصِيرُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ إقْرَارٌ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا : ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ ، وَالْآخَرُ : خُرُوجُهُ مِنْ دَعْوَى هَذَا النَّسَبِ أَصْلًا ، وَبِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ إنَّمَا يَبْطُلُ مَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ فَأَمَّا مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِيهِ بِتَكْذِيبٍ ، وَخُرُوجُ الْمُقِرِّ مِنْ دَعْوَى هَذَا النَّسَبِ لَيْسَ بِحَقٍّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَبْقَى الْحَالُ فِيهِ بَعْدَ التَّكْذِيبِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بِتَكْذِيبِهِ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ أَصْلًا بَلْ بَقِيَ

مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ فِي حَالِ تَوَقُّفِهِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا ادَّعَى غَيْرُ الْمُلَاعِنِ نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّ الْمُلَاعِنِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ دَعْوَةِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ أَثَرٌ مِنْ أَثَرِ الْمِلْكِ وَأَصْلُ الْمِلْكِ مُحْتَمِلُ النَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَكَذَلِكَ أَثَرُهُ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ مِنْ وَاحِدٍ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تُصَوِّرَ بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً فَارْتَدَّتْ ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَسُبِيَتْ فَمَلَكَهَا رَجُلٌ ، وَأَعْتَقَهَا كَانَ وَلَاؤُهَا لَهُ دُونَ الْأَوَّلِ ، وَهُنَا السَّبَبُ كَانَ مَوْقُوفًا لَمْ يَتَقَرَّرْ لِلْبَائِعِ وَيَحْتَمِلُ تَقَرُّرُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ فَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ بِخِلَافِ النَّسَبِ ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَجْنَبِيٌّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ ابْنُ الْمَوْلَى فَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ وَرِثَهُ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ عَتَقَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ يُعْتَبَرُ فِيمَا لَا يَتَنَاوَلُ حَقَّ الْمُقِرِّ مَالِكًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِنَسَبٍ لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِشَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ قَدْ أَخْرَجَ نَسَبَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّسَبِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ : وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى صَبِيٍّ أَنَّهُ ابْنُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا بِالنَّسَبِ ، ثُمَّ ادَّعَتْ الشَّاهِدَةُ أَنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهَا ،

وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا بِشَهَادَتِهَا قَدْ أَخْرَجَتْ نَفْسَهَا مِنْ دَعْوَى نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَّا بِانْفِصَالِهِ عَنْهَا وَبَعْدَ مَا زَعَمَتْ أَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهَا لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَدَّعِيَ انْفِصَالَهُ مِنْهَا ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّسَبِ بِدُونِ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً وَلَوْ كَبُرَ الصَّبِيُّ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهَا ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ قَضَى الْقَاضِي بِنَسَبِهِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَدَّعِي مَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ فَإِنَّ نَسَبَهُ ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا إلَى أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ يَكُونُ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ ، وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْأُمَّ لَوْ كَانَتْ جَاحِدَةً أَصْلًا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الِابْنِ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُنَاقِضَةً فِي قَوْلِهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ صَبِيًّا فِي يَدِ امْرَأَةٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ فَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ، ثُمَّ إنَّ الشَّاهِدَ ادَّعَى الصَّبِيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ امْرَأَتُهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ بِشَهَادَتِهِ صَارَ مُخْرِجًا نَفْسَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَوْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي مَا هُوَ مِنْ حَقِّهَا فَإِنَّ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا مِنْ رَجُلٍ دَفْعَ تُهْمَةِ الزِّنَا عَنْهَا حَتَّى تَكُونَ مُحْصَنَةً ، وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا مَا يَمْنَعُهَا مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهَا عَلَيْهِ

قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ صَبِيًّا فِي يَدِ امْرَأَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ : هُوَ ابْنِي مِنْهَا بِنِكَاحٍ وَهِيَ تُنْكِرُ ، ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهَذَا الصَّبِيُّ لَهَا مِنْهُ وَشَهِدَ لَهَا بِذَلِكَ الرَّجُلَانِ الْمُدَّعِيَانِ لِلصَّبِيِّ لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا بِالدَّعْوَى الْأُولَى صَارَا مُنَاقِضَيْنِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ، وَتَأْثِيرُ التَّنَاقُضِ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الدَّعْوَى فَإِذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّنَاقُضِ يَمْنَعُهُ الدَّعْوَى فَلَأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ كَانَ أَوْلَى .
وَكَذَلِكَ صَبِيٌّ فِي يَدِ امْرَأَةٍ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ، ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِكَوْنِهِ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ مُتَنَاقِضًا فِيهَا

قَالَ : وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ أُمَّتَهُ حُبْلَى مِنْ رَجُلٍ قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَتَقَ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ فِي بَطْنِ الْأُمِّ حِينَ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ ، وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَالْإِقْرَارُ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ سَوَاءٌ فَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ الدَّعْوَى لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ .
وَهَذِهِ هِيَ الْحِيلَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً حَامِلًا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ دَعْوَى الْبَائِعِ بِأَمْرِهِ بِأَنْ يُقِرَّ أَنَّ الْحَبَلَ بِهَا مِنْ فُلَانٍ الْمَيِّتِ ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا الْمُشْتَرِي فَإِذَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ، وَلَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ الْحَبَلَ بِهَا مِنْ زَوْجٍ ، ثُمَّ مَكَثَ سَنَةً ، ثُمَّ قَالَ هِيَ حَامِلٌ مِنِّي فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْإِقْرَارِ الْآخَرِ فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ دَعْوَى نَسَبِهِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ عِنْدَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ .
فَإِنْ ( قِيلَ ) هُوَ مَالِكٌ لِأُمِّ الْوَلَدِ ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَفِرَاشُ النِّكَاحِ لِلْغَيْرِ عَلَيْهَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ دَعْوَى نَسَبِهَا ( قُلْنَا ) ذَلِكَ الْإِقْرَارُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِنِكَاحِ الْغَيْرِ عِنْدَ الْعُلُوقِ بِالثَّانِي ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُزِيلِ لَا لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْمَنْفِيِّ ، وَدَعْوَاهُ نَسَبَ الْوَلَدِ الثَّانِي تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى كَوْنِهَا فِرَاشٌ لَهُ حِينَ عَلِقَتْ بِالثَّانِي فَهَذَا دَلِيلٌ مُوجِبٌ لِفِرَاشِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُزِيلِ حَتَّى يَكُونَ دَافِعًا لَهُ

قَالَ : رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ إنْ كَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا فَهُوَ مِنِّي ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهُوَ مِنْ زَوْجٍ زَوَّجْتُهَا إيَّاهُ أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَلَيْسَتْ مِنِّي فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُمَا وَلَدَاهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرٌ ، وَالْآخَرُ لَغْوٌ فَالْمُعْتَبَرُ دَعْوَاهُ نَسَبَ مَا فِي بَطْنِهَا وَاللَّغْوُ التَّقْسِيمُ فِيمَا بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ نَفْيًا ، وَإِثْبَاتًا فَإِنَّ هَذَا رَجْمٌ بِالْغَيْبِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَاعْتُبِرَ مِنْ كَلَامِهِ مَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ ، وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِمَا فِي الْبَطْنِ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِهِمَا وَهُمَا تَوْأَمٌ فَدَعْوَاهُ نَسَبَ أَحَدِهِمَا كَدَعْوَاهُ نَسَبَهُمَا فَلِذَا قَضَى بِأَنَّهُمَا وَلَدَاهُ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَوَّجَ أُمَّتَهُ رَجُلًا غَائِبًا ، وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالنِّكَاحِ بِزَوْجٍ مَعْرُوفٍ إقْرَارٌ صَحِيحٌ فَيَثْبُتُ بِهِ نِكَاحُ الْغَائِبِ فِي حَقِّهِ فَدَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إبْطَالِ حَقِّ ذَلِكَ الْغَائِبِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إقْرَارِهِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِالنِّكَاحِ لِلْمَجْهُولِ .
وَالْإِقْرَارُ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَلَيْسَ فِي دَعْوَاهُ نَسَبَ وَلَدٍ عَلِقَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِغَيْرِهِ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهُ .
قَالَ : وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلَدُ مُكَاتَبِهِ مِنْ زَوْجٍ ، ثُمَّ ادَّعَى هُوَ نِسْبَتَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ دَعْوَى نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبٌ مَعَ أُمِّهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى كَالْأَمَةِ حَتَّى يَمْلِكَ إعْتَاقَهُ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ إقْرَارَهُ فِيهِ بِمَا يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ ، وَلَا يَضْمَنُ لِلْمُكَاتَبَةِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْضُ مَقْصُودِهَا

فَإِنَّهَا إنَّمَا تَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا ؛ وَلِأَوْلَادِهَا ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِيمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَأَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُ الْآخَرِ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ ابْنٌ لِشَرِيكِهِ وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنْ دَعْوَى نَسَبِهِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقَدْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُرِّيَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ ابْنَهَا لِهَذَا أَوْ لِذَاكَ وَصَارَتْ الْأُمُّ بِمَنْزِلِهِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا وَنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا مَاتَ عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْمَيِّتِ ، وَقَدْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَالْمَيِّتُ كَانَ مُقِرًّا بِنُفُوذِ إقْرَارِ الْحَيِّ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ فَلِهَذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا

قَالَ رَجُلٌ عَلِقَتْ جَارِيَتُهُ فِي مِلْكِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ أَبُوهُ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعَلَيْهِ لِلْمَوْلَى قِيمَةُ الْوَلَدِ لِلْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَضَافَ مَالَ الْوَلَدِ إلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَأَثْبَتَ لَهُ حَقَّ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى وَلَدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَحَاجَتُهُ إلَى النَّفَقَةِ لِإِبْقَاءِ نَفْسِهِ إلَى الِاسْتِيلَادِ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ مَعْنِيٌّ بِبَقَاءِ نَسْلِهِ إلَّا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ النَّفْسِ أَصْلِيٌّ فَيَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ صَرْفِ مَالِ الْوَلَدِ إلَى حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَحَاجَتُهُ إلَى إبْقَاءِ نَسْلِهِ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الْحَوَائِجِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْوَلَدِ عَنْ مَالِيَّةِ الْجَارِيَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِضَمَانِ الْقِيمَةِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ بِشْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ ، وَلَكِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَيَغْرَمُ الْأَبُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ ، وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ مِلْكِ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ وَلَدِهِ ، ثُمَّ لَوْ ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةٍ مُكَاتَبَةٍ لَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَكِنْ إنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَدَعْوَةُ النَّسَبِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ .
وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقَّ الْمِلْكِ وَذَلِكَ كَافٍ لِثَبَاتِ النَّسَبِ فَلَا حَاجَةَ

بِهِ إلَى تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَمَلَّكْهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَيْسَ لِلْوَالِدِ فِي مَالِ وَلَدِهِ حَقُّ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلِابْنِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ النَّسَبِ فِيهِ إلَّا بِتَقْدِيمٍ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ فِيهِ عَلَى الِاسْتِيلَادِ صِيَانَةً لِمَائِهِ مِنْ الضَّيَاعِ ، وَإِذَا صَارَ مُتَمَلِّكًا لَهَا فَإِنَّمَا اسْتَوْلَدَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ ، وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَخْلُو عَنْ إيجَابِ حَدٍّ وَعُقْرٍ ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ الْعُقْرُ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا فَلَمْ تَحْبَلْ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَهُ إيَّاهَا أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْعُلُوقِ ، وَلَكِنْ لَا يَضِيعُ مَاؤُهُ فَيَبْقَى أَصْلُ الْوَطْءِ حَاصِلًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُ الْأَبِ وَلَنَا أَنَّ مِلْكَهُ إيَّاهَا مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الِاسْتِيلَادِ ، وَأَصْلُ الْوَطْءِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْعُلُوقُ يَكُونُ اسْتِيلَادًا كَالْجُرْحِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ زَهُوقُ الرُّوحِ يَكُون قَتْلًا مِنْ الْأَصْلِ فَإِذَا تَقَدَّمَ مِلْكُهُ إيَّاهَا عَلَى فِعْلِ الِاسْتِيلَادِ كَانَ وَاطِئًا مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ غَيْرَ أَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْمِلْكِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَفِي حُكْمِ الْإِحْصَانِ لَا يَظْهَرُ هَذَا الْمِلْكُ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا ، وَقَدْ غَرِمَ بِفِعْلِهِ جَمِيعَ بَدَلِ نَفْسِهَا وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ بَدَلِ الْجُزْءِ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ خَطَأً ، ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْلَ الْبُرْءِ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا الِابْنُ حَامِلًا فَوَلَدَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِيَوْمٍ فَادَّعَاهُ أَبُوهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا أَكْذَبَهُ الِابْنُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ

الْأَبِ بِشَرْطِ تَمَلُّكِهَا عَلَى الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَادُ هَذَا الشَّرْطِ هُنَا ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ الْعُلُوقِ مَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الِابْنِ ، وَلَا كَانَ لِلْأَبِ فِيهَا وِلَايَةُ النَّقْلِ إلَى نَفْسِهِ لِحَاجَةٍ ؛ وَلِأَنَّ دَعْوَتَهُ هُنَا دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ ، وَلَا كَانَ لِلْأَبِ فِيهَا وِلَايَةٌ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ فِي مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فَقَالَ لَوْ جَعَلْتُهُ ابْنَهُ لَمْ أُضَمِّنْهُ قِيمَةَ الْأُمِّ لِتَعَذُّرِ تَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ إيَّاهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ وَكُلُّ وَلَدٍ لَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِيهِ قِيمَةَ الْأُمِّ فَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الِابْنُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ إذَا ادَّعَاهُ فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ مُحْتَمَلٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ حَقٌّ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا الِابْنُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَبُ الْبَائِعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِتَعَذُّرِ إيجَادِ شَرْطِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْأُمَّ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْوَلَدِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْعُلُوقِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ تَمَلُّكُهَا عَلَيْهِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِمَا تَخَلَّلَ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ الِابْنِ ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ بِحَبَلٍ فِي مِلْكِ مَوْلَاهَا ، وَتَلِدُ فَادَّعَى الْوَلَدَ الْأَوَّلَ أَبُوهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ النَّقْلُ إلَى مِلْكِ الْأَبِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ مُتَعَذَّرٌ فِي الْمُدَبَّرَةِ .
وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَنَفَاهُ الْمَوْلَى فَادَّعَاهُ أَبُوهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمُدَبَّرَةِ أَنَّ دَعْوَةَ الْأَبِ صَحِيحَةٌ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدُ مِنْهُ

يَضْمَنُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ مُدَبَّرًا ، وَهَذَا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ ، وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ فِي دَعْوَى النَّسَبِ ، وَفِي هَذَا الْقِنَّةُ وَالْمُدَبَّرَةُ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ انْفَصَلَ مُدَبَّرًا فَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَتْلَفَهُ بِدَعْوَتِهِ وَفَرَّقَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ : وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ مَوْلَاهَا لِمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الْفِرَاشِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْأَبِ ، وَإِنْ نَفَاهُ الْمَوْلَى كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعِنَةِ فَأَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ مَوْلَاهَا فَتَصِحُّ دَعْوَةُ أَبِيهِ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ يَدَّعِيهِ أَبُ مَوْلَاهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ عَلَى ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ أَوْ كَاتَبَهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ أَوْ كَاتَبَ الْوَلَدَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْأَبِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الِابْنِ مَا يَمْنَعُ نَقْلَهُ إلَى الْأَبِ فَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ ، وَإِنْ كَاتَبَ الْأُمَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، ثُمَّ ادَّعَى الْأَبُ نَسَبَ الْوَلَدِ قَالَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ : لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ ، وَقَالَ بَعْدَ هَذَا : تَصِحُّ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْأُمِّ وَمَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْجَامِعِ فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَ الْأُمَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَبُوهُ نَسَبَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَهَا .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ

رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَةِ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ حِينَ كَاتَبَهَا أَوْ بَاعَهَا فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ كَوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ ، وَأُمِّ الْوَلَدِ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ لِلْأَبِ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِالدَّعْوَةِ قَبْلَ كِتَابَةِ الْأُمِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِذَلِكَ كِتَابَةُ الْأُمِّ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَانِعَ هُنَاكَ فِي الْوَلَدِ مُوَازَاتُهُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ لَوْ كَاتَبَهَا جَمِيعًا .
قَالَ : وَإِنْ ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ ، وَالِابْنُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَالْأَبُ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وِلَايَةُ النَّقْلِ فِيهَا إلَى نَفْسِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَالرَّقِيقُ وَالْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِتَعَذُّرِ اتِّحَادِ شَرْطِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَالِابْنُ كَافِرًا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَطَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْحَرْفِ فَقَالَ كَمَا لَيْسَ لِلْكَافِرِ وِلَايَةٌ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وِلَايَةٌ عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ حَتَّى لَا يَرِثَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فِي صِغَرِهِ فَلَا يَتَمَلَّكُهُ بِالِاسْتِيلَادِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ التَّمَلُّكَ بِالِاسْتِيلَادِ إبْقَاءُ أَثَرِ الْوِلَايَةِ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً فِي حَالِ الصِّغَرِ فَإِذَا كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَلَا يَكُونُ الِابْنُ مُقَرًّا عَلَى كُفْرِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ الْأَبِ طَارِئًا ، وَقَدْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ حَقُّ الْمِلْكِ بِالِاسْتِيلَادِ فَأَمَّا الِابْنُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَهُوَ مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَافِرِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ قَطُّ فَلَا يَبْقَى أَثَرٌ ؛ وَلِابْنِهِ فِي

الِاسْتِيلَادِ ؛ وَلِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِالِاسْتِيلَادِ لِكَرَامَةِ الْأَبِ فَيَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ الْوِلَايَةُ الَّتِي يَرْجِعُ إلَى كَرَامَةِ الْمُسْلِمِ كَوِلَايَةِ الشَّهَادَةِ ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِثْلُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا ، وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَمِلَلُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ دَعْوَةُ الْأَبِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ وِلَايَةً مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَلِ

قَالَ : وَلَا تَجُوزُ دَعْوَةُ الْجَدِّ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّافِلَةِ ، وَلَا فِي مَالِهِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ فَكَانَ هُوَ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فَالْجَدُّ فِي الْوِلَايَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِصِحَّةِ دَعْوَةِ النَّسَبِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِ ابْنَتِهِ ، وَلَا فِي مَالِهِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَادُ شَرْطِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيلَادِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَلَمْ تَدَّعِهِ ، وَادَّعَاهُ أَبُوهُ جَازَتْ دَعْوَتُهُ ؛ لِأَنَّ مَوْطُوءَةَ الِابْنِ مُحْتَمِلَةٌ لِلنَّقْلِ إلَى الْأَبِ بِالْعِوَضِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ فَيَتَحَقَّقُ فِيهَا مَا هُوَ شَرْطُ الدَّعْوَةِ

قَالَ : وَإِذَا ادَّعَى الْأَبُ نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَضَمِنَ قِيمَتَهَا لِلِابْنِ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا ، وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةُ الِابْنِ ظَاهِرًا ؛ وَلِلْأَبِ حَقُّ الِاسْتِيلَادِ فِي مِلْكِ الِابْنِ فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا فَيَغْرَمُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا عَلَى أَبِيهِ ، وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْقِيمَةَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ الْمَوْلَى ، وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ قَضَى لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ بِالْعُقْرِ وَقِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ لَهُ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقَّ مِلْكٍ يَكْفِي لِصِحَّةِ اسْتِيلَادِهِ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا فَيَغْرَمُ لِلْمُسْتَحِقِّ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا غَرِمَ لَهُ مِنْ الْعُقْرِ ، وَقِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْئًا فَلَا يُسَلَّمُ لِلْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ ( الْحَمِيلِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْكَافِرِ ) ( قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْأَصْلُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ ، وَالْمَرْأَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، وَإِقْرَارَ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ ، وَالزَّوْجِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولٌ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { بَلْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } وَعَلَى الْغَيْرِ مَرْدُودٌ لِلتُّهْمَةِ فَالرَّجُلُ بِالْإِقْرَارِ مُقِرٌّ بِالْوَلَدِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالْمَرْأَةُ تُقِرُّ عَلَى الْغَيْرِ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَيْهِ لَا إلَيْهَا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا وَفِي الثَّلَاثَةِ هِيَ مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا كَالرَّجُلِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَالْإِقْرَارُ بِمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْقَرَابَاتِ كَالْأُخُوَّةِ وَالْأَعْمَامِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ نَسَبَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَفِي تِلْكَ الْوَاسِطَةِ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُورَثُ الْحَمِيلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
وَأَصْلُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ امْرَأَةً سُبِيَتْ وَمَعَهَا صَبِيٌّ فَأَعْتَقَا ، وَكَبُرَ الصَّبِيُّ وَاكْتَسَبَ مَالًا ، ثُمَّ مَاتَ فَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ خُذِي مِيرَاثَ ابْنِك فَقَالَتْ لَيْسَ هُوَ ابْنِي ، وَلَكِنَّهُ ابْنُ دِهْقَانِ الْقَرْيَةِ وَكُنْتُ ظِئْرًا لَهُ فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَتَبَ أَنْ لَا يُورَثَ الْحَمِيلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَمِيلُ عِنْدَنَا : كُلُّ نَسَبٍ كَانَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَمِيلَ مَنْ يَحْمِلُ النَّسَبَ عَلَى الْغَيْرِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَنْ يُحْمَلُ نَسَبُهُ عَلَى الْغَيْرِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ

بِمَعْنَى مَقْتُولٍ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَهُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ أَنْسَابِهِمْ بِالْبَيِّنَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَقَلَّ مَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلِهَذَا وَضَعَهُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ فَقَالَ إذَا سُبِيَ صَبِيَّانِ فَأَعْتَقَا ، وَكَبُرَا فَأَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ لَمْ يُصَدَّقَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْمِلَانِ النَّسَبَ عَلَى الْأَبِ فَالْأُخُوَّةُ بَيْنَهُمَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَاوَرَةٍ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَسْبِيِّ امْرَأَةٌ فَأُعْتِقَتْ ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا وَصَدَّقَهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَ الْمَسْبِيِّ رَجُلٌ فَأُعْتِقَ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِالنَّسَبِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الرَّجُلِ خَفِيٌّ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ فِيهِ مَقْبُولٌ وَسَبَبُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَرْأَةِ وِلَادَةٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ بَالِغًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا كَانَ التَّصْدِيقُ مُتَأَتِّيًا ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا ، وَلَا عَدْلًا } فَلَا يَثْبُتُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّصْدِيقِ إذَا كَانَ مُحْتَمَلًا فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدٍ وَصَدَّقَهَا لَمْ

يَثْبُتْ النَّسَبُ ، وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُعَامَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ تَتَمَكَّنُ بَيْنَهُمَا تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى إبْطَالِ حَقِّ الْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ لَا تَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ إنْشَاءِ سَبَبٍ يَجْعَلُ مَالَهُ لِصَاحِبِهِ كَالْوَصِيَّةِ فِي عَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَلَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ التُّهْمَةُ ، وَقَدْ يَنْفَصِلُ حُكْمُ الْمِيرَاثِ عَنْ النَّسَبِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِي النَّسَبِ ، وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ الْمِيرَاثُ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ صَدَّقَهَا الْوَلَدُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ تُظْهِرُ النَّسَبَ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُكَذِّبًا لَهُمَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ ، وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا امْرَأَةٌ وَصَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَنَّهُ مِنْهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا أَمَّا مِنْ الزَّوْجِ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ مِنْهُ ثَبَتَ مِنْهُمَا تَبَعًا ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ سَبَبٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا يُحَالُ النَّسَبُ عَلَى هَذَا النَّسَبِ الظَّاهِرِ

قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى وَلَدَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ } ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تُؤَثِّرُ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَةِ كَمَا فِي دَعْوَةِ الْأَبِ وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ ؛ وَلِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ كَسْبُ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَمِلْكُ التَّصَرُّفِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ مَحَلِّهِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى يُصْرَفَ إلَى دِيَتِهِ ، وَلَا يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ فَيَصِيرُ هَذَا شُبْهَةً ، وَأَدْنَى الشُّبْهَةِ تَكْفِي لِتَصْحِيحِ دَعْوَةِ النَّسَبِ ، وَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ لَوْ سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِكَسْبِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهَا لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَصِيرُ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ كَأَنَّهُ اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ

قَالَ : وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى هَذِهِ الْأَمَةَ مِنْ عَبْدِهِ صَحَّ النِّكَاحُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَمَةً أُخْرَى لَهُ وَثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا وَلَدَتْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَ إقْرَارِهِ فَعِنْدَ شُبْهَةِ النِّكَاحِ أَوْلَى .
وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَغْوٌ مِنْهُ فِيهَا فَيَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْ النِّكَاحُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ وَلَدَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ لَا يَمَسُّ حَقَّ الْمَوْلَى وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُ حَقَّ الْمَوْلَى إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ كَإِقْرَارِ الْحُرِّ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْقَوَدِ وَالطَّلَاقِ ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْحُرُّ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدَ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَتَقَ ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمَالٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى ظُهُورِ حُكْمِهِ بِمِلْكِ الْمَحَلِّ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْإِقْرَارِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى ، وَلَدَ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهُ وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهَا وَبَيْعِ وَلَدِهَا بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا أَحَلَّهَا لَهُ ، وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ لَا مُعْتَبَرَ بِإِحْلَالِ الْمَوْلَى فِيمَا هُوَ كَسْبُ الْعَبْدِ فَعِنْدَ تَكْذِيبِ الْمَوْلَى تَصِيرُ دَعْوَى الْإِحْلَالِ كَالْمَعْدُومِ وَبِدُونِهِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْعَبْدِ

قَالَ : وَإِنْ ادَّعَى وَلَدًا مِنْ أَمَةٍ لِمَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ تِجَارَتِهِ فَادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهُ أَحَلَّهَا لَهُ أَوْ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي جَارِيَةِ الْمَوْلَى فَهُوَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ فَمَلَكَهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ حُرٍّ يَدَّعِيهِ ، ثُمَّ يَمْلِكُهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ قِيَاسًا ، وَاسْتِحْسَانًا وَفِي دَعْوَى الِاسْتِحْلَالِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ : دَعْوَى الِاسْتِحْلَالِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْإِحْلَالِ ، وَالْإِحْلَالُ لَيْسَ بِعَقْدٍ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا فَكَأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِرِضَاءِ مَوْلَاهَا ، وَبِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : الْإِحْلَالُ مِنْ وَجْهٍ كَالنِّكَاحِ فَإِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُسَمَّى مِلْكَ الْحِلِّ ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِالنِّكَاحِ مِلْكُ عَيْنِهَا وَمَنَافِعِهَا إنَّمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَكَانَ الْإِحْلَالُ مُورِثًا شُبْهَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ فَإِنْ صَدَّقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ فِي ذَلِكَ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ يَحْتَاجُ إلَى التَّصْدِيقِ فِي النِّكَاحِ خَاصَّةً وَفِي دَعْوَى الْإِحْلَالِ يَحْتَاجُ إلَى التَّصْدِيقِ فِي شَيْئَيْنِ فِي أَنَّهُ أَحَلَّهَا لَهُ ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ أَضْعَفُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَالْمُتْعَةُ عَقْدٌ ، وَالْإِحْلَالُ لَيْسَ بِعَقْدٍ فَلِضَعْفِهِ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِإِقْرَارٍ بِهِمَا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَبَتَ فِي الْمَحَلِّ فَبَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِالْوِلَادَةِ فَأَمَّا الْإِحْلَالُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ، قَالَ : وَدَعْوَةُ الْمُكَاتَبِ ، وَلَدَ أَمَتِهِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي كَسْبِهِ أَقْوَى

مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ حَقَّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ بِعِتْقِهِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مِثْلُهُ فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ مِنْ الْمَأْذُونِ فَدَعْوَةُ الْمُكَاتَبِ أَوْلَى ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُكَاتَبُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِخِلَافِ الْمَوْلَى إذَا ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ .
وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْمِلْكِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُكَاتَبَ مُسْتَنِدٌ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ وَالدَّعْوَى مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ مُسْتَنِدٌ بِهِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَوْلَى حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ بِسَبَبِ الْحَجْرِ الَّذِي أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُكَاتَبُ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَجْرِ فِي جَانِبِ الْمُكَاتَبِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَوْلَى .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى وَلَدًا مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ جَائِزٍ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ كَالْحُرِّ قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ رَجُلٍ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ ، وَكَذَّبَهُ الرَّجُلُ لَمْ يُصَدَّقْ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ إذَا ادَّعَاهُ فَإِنْ عَتَقَ فَمَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَكَانَ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ حِينَ مَلَكَهُ

قَالَ : وَإِذَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَى الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ كَالْحُرِّ ، وَإِذَا حَصَلَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ وَيُرَدُّ إلَيْهِ الْوَلَدُ مَعَ أَهْلِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيلَادَهُ فِي كَسْبِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا لَهُ وَثُبُوتُ حَقِّ الْأُمِّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ فَيُمْنَعُ بَيْعُهَا فَكَانَ هُوَ كَالْحُرِّ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْعَبْد الْمَأْذُونِ فَإِنَّ هُنَاكَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ الْوَلَدُ مِنْهُ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يُرَدُّ إلَيْهِ الْوَلَدُ ، وَلَا أُمُّهُ إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ

قَالَ : وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةَ ابْنِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ مُكَاتَبٌ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا كَذَّبَهُ الِابْنُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ دَعْوَةِ الْأَبِ شَرْطُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ نَقَلَ الْجَارِيَةَ إلَى نَفْسِهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ بِدَعْوَتِهِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمَحَلِّ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ حِينَ مَلَكَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِابْنٍ لَهُ وُلِدَ فِي مُكَاتَبَتِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ جَازَتْ دَعْوَتُهُ وَصَارَتْ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَمْ يَضْمَنْ مَهْرًا ، وَلَا قِيمَةً ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمَوْلُودِ فِي كِتَابَتِهِ ، وَمَنْ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ بِشِرَائِهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ كُلِّهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ أَمَتِهِ فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَضْمَنْ عُقْرًا ، وَلَا قِيمَةً

قَالَ : رَجُلٌ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ مُكَاتَبٍ لَهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ جَعَلَ نَفْسَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالدَّعْوَةُ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ النَّسَبُ ، وَكَانَ حُرًّا بِالْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ .
لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ بَيْعُهُ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقَّ الْمِلْكِ ، وَحَقُّ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ بِمَنْزِلَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ لِلْمَغْرُورِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ ، وَلَا وَلَدَ هُنَاكَ يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى الْحُرُّ ، وَلَدَ مُكَاتَبَتِهِ ، وَكَذَّبَتْهُ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ مَمْلُوكَةٌ لِمَوْلَاهَا فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ وَدَعْوَتُهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ وَلَدِ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى غَيْرُ مَالِكٍ لِلْأَمَةِ ، وَلَا لِوَلَدِهَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عِتْقَهُ هُنَاكَ لَا يَنْفُذُ فِيهَا ، وَلَا فِي وَلَدِهَا ، وَهُنَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا ؛ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ مَعَ وَلَدِهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ يَتِمَّ الْمِلْكُ فِيهِمَا لِلْمُكَاتَبِ بِالْعِتْقِ فَلَا يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِإِبْطَالِ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالدَّعْوَةِ فَأَمَّا ، وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَى أَنْ يَتِمَّ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُكَاتَبَةِ وَلَيْسَ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَتِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُكَاتَبِ بَلْ فِيهِ تَحْصِيلُ بَعْضِ مَقْصُودِهَا فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ .

قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى ، وَلَدَ مُكَاتَبَةٍ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ سَبَبَ بُعْدِهَا عَنْ الْمَوْلَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ ، وَفِي أَمَةِ الْمُكَاتَبِ لِلْعَبْدِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فِي مُكَاتَبَةِ الْمُكَاتَبِ بُعْدُهَا مِنْ الْمَوْلَى بِسَبَبَيْنِ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ فِي أَمَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا بِالتَّصْدِيقِ فَفِي مُكَاتَبَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْلَى غَيْرَ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَكُونُ إلَى الْمُكَاتَبَةِ دُونَ الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا ، وَالْمُكَاتَبُ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا فَلِهَذَا كَانَ التَّصْدِيقُ إلَيْهَا دُونَ الْمُكَاتَبِ

قَالَ : وَإِنْ ادَّعَى وَلَدُ أَمَةِ مُكَاتَبٍ مُكَاتَبَةً ، وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهَا وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا لِلْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ وَالْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى مِنْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي لِلْوَلَدِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْأَسْفَلِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لَمْ تَصِحَّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْأَسْفَلِ فَإِنْ عَجَزَ الْأَسْفَلُ صَارَتْ الْأَمَةُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى فَيَعْمَلُ تَصْدِيقُهُ الْآنَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُدَّعٍ لِوَلَدِ أَمَتِهِ ، وَقَدْ صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ الْأَسْفَلُ ثَبَتَ النَّسَبُ ، وَلَا يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْغُرُورِ لَا يَتَمَكَّنُ هُنَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِك لِرَقَبَةِ الْأَمَةِ ، وَلَا لِرَقَبَةِ مَوْلَاهَا بِخِلَافِ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّ هُنَاكَ يَمْلِكُ رَقَبَةَ مَوْلَاهَا وَالْكَسْبَ يَمْلِكُ الْأَصْلَ فَيَتَمَكَّنُ الْغُرُورُ بِمِلْكِهِ رَقَبَةَ مَوْلَاهَا وَهُنَا لَا يَتَمَكَّنُ الْغُرُورُ ؛ وَلِأَنَّ أَسْبَابَ بُعْدِهَا عَنْ الْمَوْلَى هُنَا قَدْ كَبُرَتْ ، وَكَانَ هُوَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي أَمَةِ الْمُكَاتَب سَبَبُ الْبُعْدِ وَاجِبٌ فَبَقِيَتْ الشُّبْهَةُ الْمُثْبِتَةُ لِحُكْمِ الْغُرُورِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قِيلَ فِي ابْنِ الْأَخِ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ فَإِنَّ قَرَابَةَ ابْنِ الْأَخِ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ ؛ لِأَنَّ الْبُعْدَ سَبَبُ الشَّغَبِ فِي ابْنِ الْأَخِ مِنْ جَانِبِ وَاحِدٍ وَفِي ابْنِ الْعَمِّ التَّشَغُّبُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَنَزَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ .
وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ مُكَاتَبَتِهِ وَلَهَا زَوْجٌ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى النَّسَبِ صَدَّقَهُ زَوْجُهَا أَوْ كَذَّبَهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ مِنْ الزَّوْجِ بِالْفِرَاشِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَيْهَا ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مَعَ فِرَاشِ النِّكَاحِ ، وَلَكِنَّ الْوَلَدَ

يُعْتَقُ بِإِقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ مِثْلُ أُمِّهِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ فَكَذَلِكَ إذْ ادَّعَى نَسَبَهُ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِثُبُوتِهِ مِنْ الزَّوْجِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى أَوْ عَبْدًا لَهُ ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ مِنْ هَؤُلَاءِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ

قَالَ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلِقَتْ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، ثُمَّ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهَا وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ حُرٌّ فَكَانَ الشِّرَاءُ بَاطِلًا وَالثَّمَنُ مِنْهُ ، ثُمَّ يَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ يَتَمَلَّكُ عَلَى صَاحِبِهِ نَصِيبَهُ ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَا يُحْتَمَلُ بِالتَّجَزِّي فَإِنَّ سَبَبَهُ نَسَبُ الْوَلَدِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ فَصَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ حِينَ عَلِقَتْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ مَالِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مَجَّانًا ، وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَغْرَمُ نِصْفَ عُقْرِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ النِّصْفُ مَمْلُوكًا لَلشَّرِيكِ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ نِصْفِ الْعُقْرِ لَهُ ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَبِ يَدَّعِي نَسَبَ جَارِيَةِ ابْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الِاسْتِيلَادِ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمِلْكِ عَلَى الِاسْتِيلَادِ ، وَإِذَا قَدَّمْنَاهُ صَارَ وَطْؤُهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ وَهُنَا الْمُسْتَوْلِدُ مَلَكَ نِصْفَهَا عِنْدَ الِاسْتِيلَادِ وَذَلِكَ كَافٍ لِتَصْحِيحِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يُقَدَّمُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ فَيَبْقَى وَطْؤُهُ حَاصِلًا فِي مِلْكِ الشَّرِيكِ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَبُ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ هُنَاكَ شَرْطَ الِاسْتِيلَادِ ، وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ وَهُنَا يَمْلِكُ

نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِحُكْمِ الِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ ، وَلَا يَقْتَرِنُ بِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا عِنْدَ الْعُلُوقِ كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي جَمِيعِهَا فِي حَقِّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ ، وَلَكِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِدَعْوَتِهِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ يَدَّعِي نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِيهَا فِيهِ

قَالَ : أَمَةٌ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدِهَا فَادَّعَاهُ الْآخَرُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ مِنْهَا بَعْدَ كِتَابَةِ الشَّرِيكِ ، وَقَدْ عُرِفَ الْجَوَابُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلَا تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ حَقُّ النَّقْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ فِي الثَّانِي ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، وَعَقْدِ الْكِتَابَةِ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ فَإِذَا تَصَرَّفَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَصَرُّفًا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى شَرِيكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى اتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ عَتَقَتْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الشَّرِيكُ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْوُقُوعِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : نَصِيبُ الْمُدَّعِي مِنْهَا يَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَأَمَّا نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ لَا يَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَعِنْدَهُمَا الْكُلُّ صَارَ أُمَّ وَلَدِ الْمُسْتَوْلِدِ ، وَأَصْلٌ فِي مُكَاتَبَتِهِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْتَصَرُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَإِثْبَاتُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا بِالنَّقْلِ إلَيْهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ كَالْمُدَبَّرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا يَقْتَصِرُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ

بِالِاسْتِيلَادِ حُكْمِيٌّ ، وَالْمُكَاتَبُ مَحَلًّا لَهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مُكَاتَبَ الْمُكَاتَبِ يُنْقَلُ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى إذَا أَدَّى قَبْلَ أَدَاءِ الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ إذَا عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا ، وَقَدْ كَاتَبَ الْوَارِثُ عَبْدًا لَهُ يُعَادُ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَيْهِ مُكَاتَبًا ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْفَسْخِ فَيَفْسَخُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى تَحْلِيلِ الِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهَا لِحَقِّهَا وَفِي هَذَا تَوْفِيرُ الْحَقِّ عَلَيْهَا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلِ لِلْفَسْخِ فَلِهَذَا صَارَ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ عِنْدَهُمَا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا كَاتَبَ الْكِتَابَةَ بِإِذْنِ الْمُسْتَوْلِدِ فَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِمُدَّعِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ تَمَلُّكِ الْمُسْتَوْلِدِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَ نَصِيبُ الَّذِي كَاتَبَ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّهُ يُلْقِيهَا جِهَةَ حُرِّيَّةِ أَحَدِهِمَا عَاجِلٌ بِعِوَضٍ وَالْآخَرُ آجِلٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَيَّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَتْ فَإِذَا عَتَقَتْ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُسْتَوْلِدِ أَيْضًا مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْوَلَدِ ، وَلَا يَسْعَى لَهُ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ رِقَّ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَقَوَّمُ ، وَإِنَّهَا لَا تَسْعَى لِمَوْلَاهَا عِنْدَ الْعِتْقِ فِي شَيْءٍ كَمَا قَالَ فِي أُمِّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَنْقُضُهَا الْقَاضِي لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ فَإِذَا نَقَضَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ .
لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهَا بِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ ، وَإِنْ لَمْ

يَنْقُضْهَا حَتَّى أَدَّتْ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُسْتَوْلِدِ مِنْهَا أَيْضًا ، وَلَا يَسْعَى لَهُ فِي شَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَإِقْدَامُ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عَلَى الِاسْتِيلَادِ لَا يَكُونُ نَقْضًا مِنْهُ لِكِتَابَةِ شَرِيكِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُتَصَرِّفِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَعَرُّضًا مِنْهُ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ

قَالَ : أَمَةٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ عَلِقَتْ ، ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ ، ثُمَّ ادَّعَيَا الْوَلَدَ مَعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ تَرْجِيحَ دَعْوَةِ الْمُسْلِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْلَامِ الْوَلَدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّعْوَةِ وَالشَّرِيكُ عِنْدَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فَدَعْوَتُهُ تُوجِبُ إسْلَامَ الْوَلَدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ كَدَعْوَةِ شَرِيكِهِ فَلَمَّا اسْتَوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدُهَا لَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ عَلِقَتْ ، ثُمَّ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ ادَّعَيَا الْوَلَدَ فَهُوَ ابْنُ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَافِرٌ وَدَعْوَةُ الْكَافِرِ لَا تُعَارِضُ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ ؛ وَلِأَنَّ الدَّعْوَةَ تَصَرُّفٌ وَتَصَرُّفُ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِهِ أَنْفَذُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ إعْتَاقَ الْمُرْتَدِّ نَصِيبَهُ يَتَوَقَّفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِهَذَا دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ تُرَجَّحُ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَارْتَدَّ الْمُسْلِمُ ، ثُمَّ ادَّعَيَا الْوَلَدَ فَهُوَ ابْنُ الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مِنْ الذِّمِّيِّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُقَرٍّ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ ، وَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَنْفُذُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَلِقُرْبِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ جُعِلَ فِي حُكْمِ الدَّعْوَةِ كَالْمُسْلِمِ فَتَتَرَجَّحُ دَعْوَتُهُ عَلَى دَعْوَةِ الذِّمِّيِّ ؛ وَلِأَنَّ تَرْجِيحَ دَعْوَةِ الْمُسْلِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ لِلْوَلَدِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي دَعْوَةِ الْمُرْتَدِّ فَالدَّعْوَةُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تُوقَفُ مِنْ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَدْعِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَتَوَقُّفُ تَصَرُّفِهِ لِتَوَقُّفِ مِلْكِهِ فَإِذَا كَانَ هُوَ فِي الدَّعْوَةِ كَالْمُسْلِمِ تَرَجَّحَ عَلَى الذِّمِّيِّ ، فَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَنْبَنِي عَلَى

ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَعْوَتِهِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ ، وَيَضْمَنُ الذِّمِّيُّ أَيْضًا لَهُ نِصْفَ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا فَصَارَ نِصْفُ الْعُقْرِ بِنِصْفِ الْعُقْرِ قِصَاصًا .
قَالَ : أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا ، وَقَدْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْآخَرُ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَالدَّعْوَةُ دَعْوَةُ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ وَدَعْوَةُ الْآخَرِ دَعْوَةُ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ سَابِقَةً مَعْنًى وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا ، وَنِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِدَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ لِمَنْ يَغْرَمُ قَالُوا : وَإِنَّهُ يَغْرَمُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لَا لِشَرِيكِهِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ اسْتَنَدَتْ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ ، وَالْمِلْكُ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ لِلْبَائِعِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيمَا اشْتَرَى ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَةِ فَكَانَ الْعُلُوقُ حَاصِلًا فِي مِلْكِهِمَا ، وَلَا عُقْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا لِصَاحِبِهِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ ؛ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقْرِ عَلَى مَنْ كَانَ مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتًا وَقْتَ الْعُلُوقِ لِبَائِعِ شَرِيكِهِ .
وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ وَالْمَالُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْهُولِ .
قَالَ أَمَةٌ لِذِمِّيٍّ بَاعَ نِصْفَهَا مِنْ مُسْلِمٍ ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ ابْنُ الذِّمِّيِّ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛

لِأَنَّ بَيْعَهُ نِصْفَهَا لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ بَيْعِهِ جَمِيعَهَا وَهُوَ أَوْلَى بِالدَّعْوَةِ بَعْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ لِتَيَقُّنِنَا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ فَبَعْدَ بَيْعِ النِّصْفِ أَوْلَى .

قَالَ : أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الرَّجُلُ ، وَأَبُو الْمَرْأَةِ فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا حَقِيقَةً ، وَأَبُو الْمَرْأَةِ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةُ مِلْكٍ ، وَلَا حَقَّ مِلْكٍ إنَّمَا لَهُ مُجَرَّدُ التَّأْوِيلِ وَالتَّأْوِيلُ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ ؛ وَلِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَةِ أَبِي الْمَرْأَةِ بِاعْتِبَارِ تَمَلُّكِ نَصِيبِ وَلَدِهِ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ وَذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْ الشَّرِيكِ فِيهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَدَعْوَةُ الشَّرِيكِ دَعْوَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ تَقْدِيمِ الْمِلْكِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى .

قَالَ : أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ ابْنُهُ ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ وَفِي هَذَا الْمُنْفَصِلُ مَيِّتًا وَالْمُنْفَصِلُ حَيًّا سَوَاءٌ ، وَالْوَلَدُ الْمَيِّتُ كَالْحَيِّ فِي أَنَّ الْجَارِيَةَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ ؛ وَلِمِثْلِهِ حُكْمُ الْوَلَدِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ وَالْمَرْأَةُ تَصِيرُ بِهِ نُفَسَاءَ فَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ

قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلٍ وَابْنِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ ابْنُ الْأَبِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ نِصْفَهَا حَقِيقَةً ، وَصِحَّةُ الدَّعْوَةِ هُنَا بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مُعَارَضَةِ الْحَقِيقَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا لِلِابْنِ فَادَّعَيَا الْوَلَدَ كَانَ دَعْوَةُ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَةِ الْأَبِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ جَانِبَ الْأَبِ يَتَرَجَّحُ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي نِصْفِهَا حَقِيقَةَ الْمِلْكِ ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ حَقَّ التَّمَلُّكِ عَلَى وَلَدِهِ بِالِاسْتِيلَادِ ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ فِي نَصِيبِ الْأَبِ مِلْكٌ ، وَلَا حَقُّ مِلْكٍ ، وَلَا تَأْوِيلُ مِلْكٍ فَكَانَ جَانِبُ الْأَبِ أَرْجَحَ وَالتَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ يَحْصُلُ بِمَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ ابْتِدَاءً كَالْأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْآخَرُ لِأَبٍ تَرَجَّحَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي الْعُصُوبَةِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهِيَ لَيْسَتْ بِعِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْعُصُوبَةِ فَإِذَا صَحَّتْ دَعْوَةُ الْأَبِ ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَنِصْفَ عُقْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ لِلِابْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تَمَلُّكَ الْأَبِ نَصِيبَ الِابْنِ هُنَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ لَا شَرْطُهُ فَإِنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ لَهُ فِي النِّصْفِ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَلِهَذَا غَرِمَ نِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ الِابْنُ نِصْفَ الْعُقْرِ لِابْنِهِ أَيْضًا لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا فَكَانَ نِصْفُ الْعُقْرِ بِنِصْفِ الْعُقْرِ قِصَاصًا ، وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ وَالْأَجْنَبِيُّ فَهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَعْضِ هُنَا تَأْوِيلُ الْمِلْكِ فِي مَالِ الْبَعْضِ ، وَلَا حَقَّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَادِ .
قَالَ : وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ مُسْلِمٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِهِ يُوجِبُ إسْلَامَ الْوَلَدِ وَاعْتِبَارَ جَانِبِ الذِّمِّيِّ يُوجِبُ كُفْرَهُ فَيَتَرَجَّحُ مُوجِبُ الْإِسْلَامِ تَوْفِيرًا لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِسْلَامُ يَعْلُو ، وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ }

قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ ابْنُهُمَا فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ، وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي رَقَبَتِهَا تَمْنَعُ الْفِرَاشَ الْمُثْبِتَ لِلنَّسَبِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا فَإِنَّ ثُبُوتَ نَسَبِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا لِتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهَا حَتَّى لَا تَكُونَ مُقَدَّمَةً عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِ حَرَامٍ ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا فَإِنَّ وَطْأَهَا غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا ، وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ أَحَدُهُمَا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي نِصْفِهَا وَنِصْفِ وَلَدِهَا وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا ، وَلَا يَغْرَمُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِمَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْوَلَدُ لِلشَّرِيكِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فَدَعْوَةُ أَحَدِهِمَا لِلْوَلَدِ كَإِعْتَاقِهِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى لَهُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ لَمَّا صَارَ الْمُدَّعَى نَسَبُهُ كَالْمُعْتِقِ لَهُ جَارِيَةٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ ابْنُ الْمُسْلِمِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ ابْنُهُمَا ، وَلَكِنْ يَكُونُ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَاهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَهُمَا فِي الْمِلْكِ يَسْتَوِيَانِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ يُوجِبُ إسْلَامَهُ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُمَا كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ .

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ أَنْفَعُ لِلْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ وَالْإِسْلَامُ وَعِنْدَ تَعَارُضِ الدَّعْوَةِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ يَتَرَجَّحُ بِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا

قَالَ : وَإِذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ لَقِيطًا فَادَّعَاهُ عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ هَذِهِ الْأَمَةِ ، وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى ، وَقَالَ هُوَ عَبْدِي ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا ، وَكَانَ عَبْدًا لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا ، وَكَانَ حُرًّا ، أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ بِدَعْوَاهُمَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ثَابِتٌ لِلْمُلْتَقِطِ فَهُمَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى يُرِيدَانِ إبْطَالَ الْيَدِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ اعْتِبَارُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يَكُونَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ لَا لِحَقِّ الْمُلْتَقِطِ ، وَفِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِمَّنْ ادَّعَى تَوْفِيرَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَلَدِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ فِي دَعْوَةِ النَّسَبِ كَالْحُرِّ فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِالدَّعْوَةِ فَأَمَّا حُجَّةُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ وَفِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمَمْلُوكِينَ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَلَدِ ، وَفِي إثْبَاتِ الرِّقِّ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ثُبُوتُ الرِّقِّ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِمَا فِيمَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ ، وَقَدْ وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَلَدِ وَتَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ .
وَحُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ وَالْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ لَا يَكُونُ حُرًّا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْأَصْلَيْنِ فَإِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ وَلَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ بِذَلِكَ السَّبَبِ ، وَلَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِدُونِ السَّبَبِ يَكُونُ الْوَلَدُ

رَقِيقًا ، يُقَرِّرُهُ أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَّا إذَا تَمَكَّنَ هُنَاكَ غُرُورٌ فِي جَانِبِ الْفَحْلِ ، وَهُوَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ لِمَائِهِ ، وَلَا غُرُورَ هُنَا فَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ : الْعَبْدُ إذَا صَارَ مَغْرُورًا بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَظِيرُ مَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مَجْهُولَةُ الْحَالِ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ إقْرَارِهِمَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فَإِنْ ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَاتٍ فِي جَسَدِهِ ، وَلَمْ يَصِفْ الْآخَرُ شَيْئًا جَعَلْتَهُ ابْنَ صَاحِبِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ تَعَارُضِ الدَّعْوَةِ تَقَعُ بِالْعَلَامَةِ كَمَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ؛ وَلِأَنَّ إصَابَةَ الْعَلَامَةِ دَلِيلُ سَبْقِ يَدِهِ إلَيْهِ ، وَدَلِيلُ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِعَلَامَاتِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مُدَّعِي اللُّقَطَةِ إذَا أَصَابَ فِي الْعَلَامَاتِ يَوْمَ الْمُلْتَقِطِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، وَلَوْ أَصَابَ فِي بَعْضِ الْعَلَامَاتِ ، وَأَخْطَأَ فِي الْبَعْضِ فَهَذَا وَمَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ الْعَلَامَةِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَا أَصَابَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَاعْتِبَارَ مَا أَخْطَأَ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ فَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْعَلَامَاتِ شَيْئًا ، وَإِذَا لَمْ يَصِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ غُلَامٌ مِنْ صِفَةِ جَسَدِهِ كَذَا ، وَقَالَ الْآخَرُ هِيَ جَارِيَةٌ مِنْ

صِفَةِ جَسَدِهَا كَذَا فَأَيُّهُمَا أَصَابَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِظُهُورِ عَلَامَةِ الصِّدْقِ فِي كَلَامِهِ وَظُهُورِ دَلِيلِ الْكَذِبِ فِي كَلَامِ خَصْمِهِ ، وَلَوْ ادَّعَاهُ وَاحِدٌ ، وَقَالَ هُوَ غُلَامٌ فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِظُهُورِ دَلِيلِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَاهُ .
وَلَوْ كَانَ سَبَبُ قَضَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ يُقْضَ بِهَا مَعَ ظُهُورِ دَلِيلِ الْكَذِبِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ سَبَبُ الْقَضَاءِ الدَّعْوَى لَا يُقْضَى بِهَا مَعَ ظُهُورِ دَلِيلِ الْكَذِبِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي نَسَبَ الْغُلَامِ ، وَلَيْسَ هُنَا غُلَامٌ حَاضِرٌ وَدَعْوَةُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ .
قَالَ فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ فَالْقِيَاسُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَهَذَا غَيْرُ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ فِي دَعْوَةِ اللَّقِيطِ ؛ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ هُنَا بِاعْتِبَارِ الدَّارِ ، وَلَا قَوْلَ لِلذِّمِّيِّ فِي دَعْوَةِ نَسَبِ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ فِي دَعْوَاهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا : ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ وَالْآخَرُ : كُفْرُ الْوَلَدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُ الْوَلَدَ دُونَ مَا يَضُرُّهُ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ النَّسَبِ تَبَعَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي الدَّيْنِ كَالصَّغِيرِ إذَا سُبِيَ وَلَيْسَ مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ يَكُونُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْحَرْبِيِّ بِيَقِينٍ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقَطُ مُسْلِمًا ، وَقَدْ وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مَحْكُومًا لَهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنَسِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَكُونُ كَافِرًا فَأَمَّا إذَا ، وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ

لِذِي اللَّقِيطِ وَسَمَّاهُ ، وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ أَنَّ الْمَكَانَ إلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْوَاجِدِ وَالْحُكْمُ لِلسَّابِقِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يَضَعُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَضَعُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ .
وَوَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ اللَّقِيطَ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ فَمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ صَارَ مُحْرِزًا لَهُ ، وَكَانَ الْحُكْمُ لِيَدِهِ إذْ لَيْسَ لِلْمَكَانِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُبَاحَ يُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ بِالْيَدِ دُونَ الْمَكَانِ .
وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالزِّيِّ ، وَالسِّيمَا وَاجِبٌ كَالْبَالِغِ الَّذِي يُوجَدُ فِي دَارٍ إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } ، وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عُنُقِهِ صَلِيبٌ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبُ دِيبَاجٍ وَوَسَطُ رَأْسِهِ مُحْرَزٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ النَّصَارَى فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِإِسْلَامِهِ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَدَعَاهُ ذِمِّيٌّ ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ ذِمِّيَّيْنِ فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُ ابْنَهُ ، وَأَجْعَلَهُ مُسْلِمًا ، وَإِذَا وُجِدَ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ ، وَأَجْعَلُهُ مُسْلِمًا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ صَحَّحَ رِوَايَةَ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ مُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَأَمَّا مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّا إذَا

حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ لِلْوَاجِدِ وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَى الْوَاجِدِ ، وَلَا عَلَى مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلْوَاجِدِ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا ، وَإِنْ أَثْبَتْنَا نَسَبَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ قَالَ : وَإِذَا وَجَدْتُهُ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ جَعَلْتُهُ حُرًّا مُسْلِمًا ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِهِ فِي حَقِّ الدِّينِ فَأَمَّا فِي حَقِّ النَّسَبِ فَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ الذِّمِّيِّ كَمَا بَيَّنَّا .
وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَيْتُ بِهِ لِلَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتَ نَسَبِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ، وَفِي بَيِّنَةِ الْآخَرِ إثْبَاتَ رِقِّهِ فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْحُرِّيَّةِ لِمَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ الْحُرَّةِ ، وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ قَضَيْتُ بِهِ أَنَّهُ ابْنُ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ الْأَمَةِ بِالنِّكَاحِ يَكُونُ رَقِيقًا فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُثْبِتِ لِلْحُرِّيَّةِ .
وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ وَوَقَّتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتًا فَإِنْ عُرِفَ أَنَّ الصَّبِيَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِظُهُورِ عَلَامَةِ الصِّدْقِ فِي شُهُودِهِ بِاعْتِبَارِ سِنِّ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ الْوَقْتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى بِهِ لِأَسْبَقِ الْوَقْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى سِنِّ الصَّغِيرِ لِيُعْرَفَ بِهِ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ بَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلتَّارِيخِ فَصَاحِبُ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فِي ، وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ الْآخَرُ فِيهِ وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَعَلَى

قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَالنَّسَبُ لَا يَسْبِقُ وَقْتَ الْعُلُوقِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ سَبْقِ التَّارِيخِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَصَارَ كَأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يُوَقِّتُوا شَيْئًا فَيُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ جَعَلْته ابْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ ابْنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ ؛ قَالَ : وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهَا ابْنَتُهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَنْ اللَّقِيطُ خُنْثَى فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ ابْنٌ فَيُثْبِتُ نَسَبَهُ مَنْ أَثْبَتَ بُنُوَّتَهُ ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا فَالْعِبْرَةُ لِأَسْبَقِهِمَا خُرُوجًا ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا جَمِيعًا مَعًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْعِبْرَةُ لِأَكْثَرِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا عِبْرَةَ لِكَثْرَةِ الْبَوْلِ وَقِلَّتِهِ فَيَكُونُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِإِصَابَةِ الْعَلَامَةِ فَاسْتَوَيَا قَالَ فَإِنْ ادَّعَى اللَّقِيطَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَضَيْتُ بِهِ لِلْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتَ إسْلَامِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ مَنْفَعَةٌ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شُهُودُ الْمُسْلِمِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَشُهُودُ الذِّمِّيِّ مُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَتَرَجَّحُ مَا كَانَ مُوجِبًا إسْلَامَ الْوَلَدِ .

قَالَ : وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَى سَنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِرِدَّةِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فِي مُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي حَالِ النِّكَاحِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالطَّلَاقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا بَقِيَتْ فِي دَارِنَا فَهِيَ مُؤَاخَذَةٌ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إلَّا أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمِيرَاثُ ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِيرَاثُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَعِنْدَهُمَا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ كَافِيَةٌ ، وَأَصْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ ، وَلَا فِرَاشٌ قَائِمٌ ، وَلَا إقْرَارَ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ الْمُرْتَدُّ اللَّاحِقُ بِدَارِ الْحَرْبِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ هُنَا فَإِنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ تَعْتِقُ بِهِ أُمُّ الْوَلَدِ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَالْجَوَابُ فِيهِ وَفِي وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ اللَّاحِقَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ يَوْمِ ارْتَدَّتْ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا عِنْدَ التَّيَقُّنِ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ النِّكَاحِ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهَا صَارَتْ حَرْبِيَّةً فَلَا تُؤَاخَذُ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَمَا لَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ عِصْمَةُ

النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهَا عِصْمَةُ الْعِدَّةِ

قَالَ : وَلَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْحَرْبِيِّ فَدَخَلَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْ الْحَرْبِيَّ وَلَدُهَا إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إلَى سَنَتَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُهَاجِرَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْعِدَّةُ ، وَإِنْ سُبِيَتْ الْمُرْتَدَّةُ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ سُبِيَتْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ لِتَيَقُّنِنَا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ قَبْلَ السَّبْيِ ، وَالتَّقْدِيرُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ السَّبْيَ كَمَا يُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ يُبْطِلُ الْعِدَّةَ ، وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ مَعَ الْمَرْأَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ جُزْءٌ مِنْهَا ، وَهِيَ صَارَتْ رَقِيقَةً بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِالسَّبْيِ فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الَّذِي فِي بَطْنِهَا عِنْدَنَا

قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً أَوْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْتَدَّةُ مُسْلِمًا فَوَلَدَتْ مِنْهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ أَوْ أَقْوَى وَيَرِثُهُمَا هَذَا الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا ، وَالْمُرْتَدُّ يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ ابْتِدَاءَ سَبَبِ التَّوْرِيثِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الرِّدَّةُ فَتَمَامُهُ يَكُونُ بِالْمَوْتِ فَيُجْعَلُ الْحَادِثُ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ لِإِتْمَامِهِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ اعْتِبَارًا بِوَلَدِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُجْعَلُ كَالْمَوْلُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فِي انْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ

قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ كِتَابِيَّةً فَوَلَدَتْ لَا يَرِثُ الْوَلَدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ أَبَوَيْهِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ ، وَكَوْنُهُ فِي يَدِ الْأَبَوَيْنِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ فِي حَقِّهِ كَالصَّغِيرِ إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ وَالْمُرْتَدُّ إنَّمَا يَرِثُهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيَّةُ لَا يَرِثُهَا الْمُرْتَدُّ ، وَهَذَا الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ أَمَةُ الْمُرْتَدِّ مِنْهُ ، وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ، وَإِنْ ثَبَتَ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً وَرِثَ الْوَلَدُ أَبَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعٌ لَهَا

قَالَ : رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَةً ، وَأُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَأَقَرَّتْ الْوَرَثَةُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ وَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ الْمَيِّتِ أُثْبِتَ نَسَبُهُ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ ابْنَتُهُ أَوْ إخْوَتُهُ أَوْ ابْنًا ، وَابْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِهَذَا النَّسَبِ فِي حَالَةِ الْحَيَاة عَلَيْهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ حُجَّةً تَامَّةً فَإِذَا أَقَرُّوا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا حُجَّةً تَامَّةً فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إلَّا أَنَّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ هُنَاكَ خَصْمٌ جَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ خَصْمٌ جَاحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ كَلَامُهُ إلْزَامٌ لِلْغَيْرِ وَالْمَلْزُومُ لِلْغَيْرِ شَرْعًا الشَّهَادَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ فِيهِ فَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ كَلَامُهُ إلْزَامٌ لِلْغَيْرِ مِنْ وَجْهٍ وَالْتِزَامٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِي الْمِيرَاثِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُمْ وَمَا أَخَذَ شَبَهًا مِنْ أَصْلَيْنِ تَوَفَّرَ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالْإِلْزَامِ شَرَطْنَا الْعَدَدَ فِيهِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ ؛ وَلِشَبَهِهِ بِالِالْتِزَامِ أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَ لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ

قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَهُوَ ابْنُهُ ادَّعَاهُ أَوْ نَفَاهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ فَاسِدٌ ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَالصَّحِيحُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِهِمَا ثُمَّ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ .
وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ أَوْ الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ الْمَجُوسِيَّةَ فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ لِهَذَا النِّكَاحِ مَعَ فَسَادِهِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشُّبْهَةِ يَكْفِي لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ ، ثُمَّ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا هُنَا .
قَالَ : وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ الْكَافِرَانِ ، وَأُعْتِقَ الْمَمْلُوكَةُ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُهَا ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْحَالِ فَيَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ عَتَقَا أَوْ أَسْلَمَا لَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي حَالٍ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ فَيَلْزَمُهُ النَّسَبُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِصَيْرُورَتِهِمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ ؛ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ؛ فَإِنْ .
( قِيلَ ) فَكَذَلِكَ يُتَوَهَّمُ حُصُولُ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ إلَى سَنَتَيْنِ ( قُلْنَا ) : نَعَمْ ، وَلَكِنَّ قَطْعَ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ ، وَالِاشْتِبَاهُ يَمْنَعُ قَطْعَ النَّسَبِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ قَطْعِ النَّسَبِ هُوَ اللِّعَانُ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فَمَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَانِعُ ، وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْحِلَّ

قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَمَتَى كَانَ الْحِلُّ قَائِمًا يَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ امْرَأَةٌ كِتَابِيَّةٌ فَوَلَدَتْ فَنَفَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ وَنَسَبُ الْوَلَدِ قَدْ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِدُونِ اللِّعَانِ .
قَالَ : وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ ، وَالزَّوْجُ كَافِرٌ ، ثُمَّ نَفَى وَلَدَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ ، وَقَدْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَمَتَى تَعَذَّرَ جَرَيَانُ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ يَلْزَمُ الْحَدُّ ، وَلَا يُقْطَعُ النَّسَبُ عَنْهُ لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ ، وَهُوَ الْعُلُوقُ ، وَإِنْ أَسْلَمَا جَمِيعًا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ .
فَنَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حُكْمُ إثْبَاتِ النَّسَبِ ، وَالْآخَرُ : حُكْمُ النَّفْيِ أَمَّا حُكْمُ إثْبَاتِ النَّسَبِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا أَخِيرًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي ، وَإِنْ نَفَاهُ لَاعَنَهَا وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ عِنْدَ الْعُلُوقِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا أَخِيرًا أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ فَارَقَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنْ نَفَاهُ لَاعَنَهَا ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْبَيْنُونَةِ بَعْدَ الْعُلُوقِ يَمْنَعُ قَطْعَ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا أَخِيرًا ؛ وَلِسَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا مُنْذُ طَلَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْعُلُوقِ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ الثَّانِي وَيَصِحُّ النِّكَاحُ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا

لِأَبِي يُوسُفَ .
رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الزِّنَا لَا يَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ عِنْدَهُمَا ، وَيَمْنَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ

قَالَ : وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ غُلَامًا ، وَأَمَتُهُ غُلَامًا ، ثُمَّ مَاتَتَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا : ابْنِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ فِي الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الشَّرَفُ بِالِانْتِسَابِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ فِي الْمَجْهُولِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ وَهُوَ وَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ وَيُعْتَقَانِ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ ، وَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُعْتِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : إنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ أَنَّ وَلَدَ الْمَنْكُوحَةِ حُرٌّ فَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا ادَّعَاهُ بِعَيْنِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا ابْنِي أَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي ، أَوْ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَهَالَةِ ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ إقْرَارٌ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ لِلْمَجْهُولِ صَحِيحٌ فَيَسَعُ الْعِتْقُ فِيهِمَا عِنْدَ فَوْتِ الْبَيَانِ بِالْمَوْتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ نَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ زَوْجَةٍ مَمْلُوكَةٍ وَغَيْرِهَا ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَأُعْتِقَتْ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ فَنَفَاهُ فَلَمْ يُلَاعِنْهَا حَتَّى اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَالْوَلَدُ لَازِمٌ لَهُ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ ) ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَبِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ ثَابِتٌ مِنْهُ فَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ كَمَا لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا قَذَفَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللِّعَانِ قَطْعُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ انْقَطَعَ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ إيَّاهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ بِكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ حِينَ قَذَفَهَا فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ بِقَذْفٍ وَاحِدٍ .
قَالَ : رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ أَمَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَنَفَاهُ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ بِهَذَا الْوَلَدِ حَصَلَ مِنْ فِرَاشِ النِّكَاحِ فَلَزِمَهُ نَسَبُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ وَصَارَ ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِالشِّرَاءِ كَارْتِفَاعِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُنَاكَ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ نَسَبُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَوَجْهُهُ مَا قَالَ بَعْدَ هَذَا : إنَّ النِّكَاحَ بِالشِّرَاءِ ارْتَفَعَ لَا إلَى عِدَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَكَمَا يُنَافِي مِلْكُ الْيَمِينِ أَصْلَ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ يُنَافِي حُقُوقَهُ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ مِنْ مُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ

عُلُوقٍ حَادِثٍ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَفِي الْكِتَابِ عَلَّلَ فَقَالَ : لِأَنَّهَا أَمَةٌ يَحِلُّ فَرْجُهَا بِالْمِلْكِ ، وَحِلُّ فَرْجِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَعَ حَقِّ النِّكَاحِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي فِرَاشِ النِّكَاحِ ، وَنَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِالدَّعْوَةِ .
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يُنَافِي الْفِرَاشَ فَيَبْقَى بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْفِرَاشِ بِقَدْرِ مَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ بِالْمُنَافِي فَبِقَدْرِ الْمُنَافِي يَرْتَفِعُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ إنَّمَا يُنَافِي الْفِرَاشَ الْمُلْزِمَ الْمُثْبِتَ لِلنَّسَبِ ، فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ ؛ وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهَا فِرَاشٌ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْقَدْرُ هُنَا لَهُ قَالَ : فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا ، وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا ، وَإِنْ نَفَاهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ لَزِمَهُ ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ .
أَمَّا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ قَذَفَهَا ، وَهِيَ فِي الْحَالِ مُحْصَنَةٌ ، ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ مُوجِبًا الْعِدَّةَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِالْمِلْكِ ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِذَا أَعْتَقَهَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ظُهُورِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ وَظَهَرَتْ

الْعِدَّةُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا ، وَالْمُعْتَدَّةُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ ؛ وَلِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَدْرَ الْفِرَاشِ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَاقٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَبِالْعِتْقِ زَالَ هَذَا الْفِرَاشُ ، وَزَوَالُ الْفِرَاشِ بِالْعِتْقِ يُوجِبُ الْعِدَّةَ كَمَا فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهَا إذْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ أَعْتَقَهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَكِنَّ هَذَا الْفِرَاشَ أَثَرُ الدُّخُولِ الْحَاصِلِ فِي النِّكَاحِ لَا فِي الْمِلْكِ فَاعْتَبَرْنَا مُدَّةَ السَّنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْفِرَاشِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِالشِّرَاءِ لَا إلَى عِدَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُنَافِي حُقُوقَ النِّكَاحِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْزَمُهُ نَسَبُهُ فَبَعْدَ الْعِتْقِ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهَا بِالْعِتْقِ ازْدَادَتْ بُعْدًا مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَبْقَى بَعْدَهُ وَدَعْوَاهُ بَقَاءَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْفِرَاشِ مِنْ سَبَبٍ وَمِلْكُ الْيَمِينِ بِدُونِ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْفِرَاشَ ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يَدَّعِ نَسَبَ الْوَلَدِ ، وَفِرَاشُ النِّكَاحِ مِنْ حُقُوقِهِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الشِّرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهُوَ ابْنُهُ لِتَيَقُّنِنَا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ ، وَإِنْ نَفَاهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ نَسَبُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ

عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ ، وَهَذَا وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ ، وَإِنْ نَفَاهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ فِي حِجْرِهَا وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ وَالِدٌ فَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً ، وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْهَا حِينَ اشْتَرَاهَا ، وَلَكِنَّهُ بَاعَهَا ، وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فِي النِّكَاحِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ ، وَأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا ؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَإِنَّمَا بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ ، وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ بَاطِلٌ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا فَإِنْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْبِقْ النِّكَاحُ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا بِدَعْوَتِهِ فَعِنْدَ سَبْقِ النِّكَاحِ أَوْلَى ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ اشْتَرَاهَا ؛ وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ عَنْهَا كَزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَإِذَا ادَّعَى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَهُنَا قَدْ ثَبَتَ فِيهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِهِ إبْطَالًا لِلْبَيْعِ .
وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَاكَ حُكْمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَبْقَى إلَى سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ

زَالَ الْمِلْكُ بِالْعِتْقِ لِظُهُورِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَلِكَ هُنَا يَبْقَى حُكْمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ ، وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا يَشْتَرِطُ الدَّعْوَةَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ دَلِيلُ النَّفْيِ ، وَالْقَدْرُ الْبَاقِي مِنْ الْفِرَاشِ بَعْدَ الشِّرَاءِ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ لِيَبْطُلَ بِهِ دَلِيلُ حُكْمِ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِدَلِيلِ النَّفْيِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ قَدْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ بَطَلَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وَعِتْقُهُ لِتَيَقُّنِنَا بِأَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ ، وَإِنَّ الْوَلَدَ كَانَ حُرًّا قَبْلَ بَيْعِهِ ، وَإِنْ جَاءَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لِمَا بَعْدَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ فِيهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ ، وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّهُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إعْتَاقَ الْأُمِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَمْ يَعْتِقْهَا سَوَاءً فِي حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْخِلَافِ .

قَالَ : وَإِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ نَفَاهُ لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عُلُوقٍ بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْحِلَّ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا فَيَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ فِي الْحَالِ فَيُقْطَعُ النَّسَبُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا لَاعَنَ ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ ؛ أَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ فِي الْحَالِ ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ ، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ عِتْقِهَا حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ زَوَالِ الْفِرَاشِ إلَى عِدَّةٍ

قَالَ : رَجُلٌ أَعْتَقَ أَمَةً وَلَهَا زَوْجٌ حُرٌّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ الْعِتْقِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَاعَنَ ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ حِينَ عَلِقَ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأُمِّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّهُ لَا نَسَبَ لَهُ فَهُوَ لِمَوْلَى الْأُمِّ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّهُ كَانَ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ أَعْتَقَتْ

قَالَ : رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وَهِيَ أَمَةٌ ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ بِالْوَلَدِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ وَيُضْرَبُ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَنَسَبُ الْوَلَدِ ثَابِتٌ لِتَوَهُّمِ حُصُولِ الْعُلُوقِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ فِي حِينَ أُعْتِقَتْ فَصَارَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ ، وَقَدْ أُعْتِقَتْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِهِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يَعْقُبُ الْعِدَّةَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا

قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ، وَقَدْ وَلَدَتْ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَنَفَاهُ لَاعَنَ ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا أَخِيرًا أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا فَنَفَاهُ لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ ؛ لِأَنَّهَا بِالشِّرَاءِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَبِالْعِتْقِ صَارَتْ مُحْصَنَةً فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ الْآخَرِ عَرَفْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى هَذَا النِّكَاحِ فَلَا يَنْقَطِعُ السَّبَبُ بِاللِّعَانِ ، وَلَكِنْ يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهَا مُحْصَنَةً فِي الْحَالِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ ؛ فَإِنْ نَفَاهُ ضُرِبَ الْحَدَّ ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا ، وَهِيَ مُحْصَنَةٌ قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً فَحُكْمُ النَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ .
.

قَالَ : رَجُلٌ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ فَنَفَاهُ الْوَرَثَةُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَيِّتِ ، وَلَمْ يَرِثْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ شَاهِدَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ ، وَلَا فِرَاشَ قَائِمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا حُبْلَى مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ .
وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْوَرَثَةُ ، وَإِقْرَارُهُمْ كَإِقْرَارِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْخِلَافَ فِي الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى كَافِرًا فَشَهَادَةُ الْكِتَابِيَّةِ فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا شَهَادَةُ مُسْلِمَةٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَقُومُ عَلَى حَقِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ النَّسَبَ يَلْزَمُهُ فَيُرَاعَى فِيهِ شَهَادَةُ شَرَائِطِهِ .

بَابٌ مِنْ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا وَغَيْرِهِ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ اشْتَرَى أَمَةً وَوَلَدَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ ، ثُمَّ بَاعَهَا ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَادَّعَى ، وَلَدَهَا فَالدَّعْوَةُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ الْوَلَدُ يَوْمَ يُدَّعَى فِي مِلْكِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى نَسَبَ مَمْلُوكِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْفَسِخُ شَيْءٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى فِيهِ وَفِي أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَكَانَتْ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَهُ بَطَلَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْبُيُوعَ وَالْأَشْرِبَةَ كَانَتْ فِي أُمِّ وَلَدِهِ فَكَانَتْ بَاطِلَةً

قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ وُلِدَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ، ثُمَّ ادَّعَى نَسَبَهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا فِي مِلْكه فَيَصِحُّ دَعْوَةُ النَّسَبِ فِيهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ ، وَلَكِنْ لَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ ، وَأَحَدُهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْعِتْقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهُمَا الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْمُشْتَرِي وَقْتَ الدَّعْوَةِ وَاَلَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ يَبْقَى مَمْلُوكًا لَهُ كَمَا كَانَ ؛ قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا وَاشْتَرَى أَبُوهُ أَخَ ذَلِكَ الْعَبْدِ ، وَهُمَا تَوْأَمٌ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فِي مِلْكِهِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ ، وَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُ الْآخَرِ ضَرُورَةً ، وَيَعْتِقُ الَّذِي فِي يَدِ الْآخَرِ إنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلِأَنَّ الِابْنَ مَلَكَ أَخَاهُ ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلِأَنَّ الْأَبَ مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ ، وَلَا ضَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ كَانَ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ إلَى صَاحِبِهِ

قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَدًا ، فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهَا حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ عَتَقَ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَعَذَّرَ رَدُّهَا بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَلِهَذَا سَقَطَ خِيَارُهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ جَدَّدَ الدَّعْوَةَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَأَنْقَضَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بَطَلَتْ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا ، وَلَا وَلَدَهَا وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ .
فَإِنْ ( قِيلَ ) : أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فَلِمَاذَا لَا يَجْعَلُ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ مِثْلَهُ ( قُلْنَا ) : ذَاكَ إنْ شَاءَ الْعِتْقَ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ تَمَامِ السَّبَبِ فِي الْمَحَلِّ لَا يَنْفُذُ بِاعْتِبَارِ مِلْكٍ يَحْدُثُ ، وَهَذَا إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَمَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَلَدَتَا عِنْدَهُ ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُمَا مِنْهُ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَتِهِ ، وَلَكِنْ بِالْبَيْعِ تَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَيَتَبَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ بَعْدَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَدِّهَا وَالْآنَ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمُشْتَرَاةِ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ

أَيَّتُهُمَا أَوْلَى حَتَّى مَاتَ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَعَلَيْهِمْ بِمَنْ مَاتَ أَصَابَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ فَكَانَ بَيَانُهَا إلَيْهِمْ فَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي أَيَّتُهُمَا كَانَ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَنِصْفُ ، وَلَدِهِمَا وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَمِنْ وَلَدِهِمَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ ، وَلَا إحْدَى الْأَمَتَيْنِ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَسْعَ فِيهِمَا وَيَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّرِكَةِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَارِثٌ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ لِتَمَامِ عِلَّةِ الْخِلَافَةِ لَهُ فَاَلَّذِي قَالَ مِنْهُمْ أَوَّلًا هَذِهِ الَّتِي كَانَتْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي أَوَّلًا تَعَيَّنَتْ لِلِاسْتِيلَادِ وَوَجَبَ قِيمَتُهَا فِي التَّرِكَةِ ، وَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلرَّدِّ وَتُرَدُّ هِيَ وَوَلَدُهَا إلَى الْبَائِعِ ، وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِحَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ زَوَّجَ أَبِي عَبْدًا لَهُ يُقَالُ لَهُ كَيْسَانُ أَمَةً لَهُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ ، ثُمَّ مَاتَ أَبِي فَكَتَبَ إلَيَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُوَافِيَ بِأَبِي الْمَوْسِمَ فَكُتِبَ إلَيْهِ أَنَّ أَبِي قَدْ مَاتَ فَكَتَبَ أَنْ ابْعَثُوا بِابْنِهِ إلَيَّ فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ فَقَالَ مَا يَقُولُ ابْنُ كَيْسَانَ فَقُلْتُ قَدْ ادَّعَاهُ أَبِي فَإِنْ كَانَ صَدَقَ فَقَدْ صَدَقَ ، وَإِنْ كَانَ كَذَبَ فَقَدْ كَذَبَ فَقَالَ لَوْ قُلْتَ غَيْرَهَا لَأَوْجَعْتُك ، وَأَعْتَقَهُ بِالدَّعْوَةِ ، وَجَعَلَهُ ابْنَ الْعَبْدِ بِالْفِرَاشِ فِيمَا يَعْلَمُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ لِيُبَيِّنَ أَنَّ إقْرَارَ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَعْوَةِ الْأَبِ كَإِقْرَارِ الْأَبِ بِهِ فَكَذَلِكَ تَعْيِينُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ كَتَعْيِينِ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ .
قَالَ : مُكَاتَبٌ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَاهُ

الْمَوْلَى لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ كَسْبِهِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الِابْنُ عَبْدًا لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ الْأَبِ فِيهِ لِهَذَا قَالَ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِشُهُودٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدِ لِسِتَّةٍ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَإِنْ نَفَاهُ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مَتَى يَثْبُتُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ ، وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ سَبَقَ فِرَاشَ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمَوْلَى اسْتَنَدَتْ إلَى حَالِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى ، وَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا ، وَلَوْ كَانَ زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ حُرٍّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى صَدَّقَهُ الزَّوْجُ أَوْ كَذَّبَهُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ فِي فِرَاشِهِ وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْمَوْلَى بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَتَكُونُ أُمُّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ كَمَا أَقَرَّ الْوَلَدُ بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا ، ثُمَّ بَاعَهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ النِّكَاحِ ؛ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْبَيْعِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ إذَا لَمْ تَعْمَلْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ الْعِتْقِ ، وَإِقْرَارُ الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ بَعْدَ الْبَيْعِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ

قَالَ : وَلَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ ، وَالْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ عِنْدَ اتِّصَالِ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ دُونَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ هُنَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ فَاسِدًا كَانَ النِّكَاحُ أَوْ جَائِزًا بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ بِدَعْوَةِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِحُرِّيَّتِهِ .
وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِ رَجُلٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَادَّعَيَاهُ أَوْ نَفَيَاهُ أَوْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا ، وَادَّعَاهُ الْآخَرُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ ، وَالْمَوْلَى فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ لِمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ فِرَاشِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَابُ دَعْوَةِ إحْدَى الْإِمَاءِ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَمَةٌ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ وَلَدَتْهُمْ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ : أَحَدُ هَؤُلَاءِ ابْنِي ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُثْبِتَ نَسَبَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى نَسَبُهُ مَجْهُولٌ وَنَسَبُ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ أَحَدٍ ، إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِيَكُونَ مُنْقَطِعًا بِخَطَرِ الْبَيَانِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْمَجْهُولِ ، وَالْجَارِيَةُ تُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَتُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ إذَا لَمْ يَعْمَلْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ كَانَتْ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَحَدُهُمْ حُرٌّ فَيُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ ثُلُثُهُ وَمِنْ الْأَوْسَطِ نِصْفُهُ وَالْأَصْغَرُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ إنْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَةِ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوْسَطَ أَوْ الْأَصْغَرَ لَمْ يُعْتَقْ الْأَكْبَرُ فَهُوَ حُرٌّ فِي حَالٍ ، عَبْدٌ فِي حَالَيْنِ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ .
وَأَمَّا الْأَوْسَطُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودَ فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَكْبَرَ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا تُعْتَقُ أُمُّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَصْغَرَ لَمْ يُعْتَقْ الْأَوْسَطُ فَهُوَ يُعْتَقُ فِي حَالَيْنِ ، وَلَا يُعْتَقُ فِي حَالٍ ، وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ بِخِلَافِ حَالِ الْحِرْمَانِ فَلِهَذَا يُعْتَقُ نِصْفُهُ .
فَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَهُوَ حُرٌّ بِيَقِينٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ

الْأَوْسَطَ أَوْ الْأَكْبَرَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْحُرِّيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ ، وَحُكْمُهُ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَةِ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَهُ كَانَتْ حُرِّيَّتُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَتَبَعًا مُنَافَاةٌ ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَحُرِّيَّةِ الْعِتْقِ مُنَافَاةٌ ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا فَلِهَذَا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ أَمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى فَيَكُونُ حُرًّا كُلَّهُ أَوْ لَا يَكُونُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهُ ، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا لَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَقَالَ الْمَوْلَى : قَدْ وَلَدَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنِّي وَلَدًا ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ هَذَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ هَذَا الْمُعَرَّفِ وَالْمَوْلَى إنَّمَا أَقَرَّ بِنَسَبِ الْمُنْكَرِ ، وَالْمُنْكَرُ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِإِقْرَارِهِ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ عَبْدًا لَا يُعْتَقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِنَسَبِهِ ، وَلَا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الْأُمِّ بَعْدَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا وَالرِّقُّ فِيهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هُنَا : يُعْتَقُ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ ، وَهَذَا قَبِيحٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ قَدْ أَسْقَطَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ مِنِّي

سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَكَانَ يُعْتَقُ بِهِ شَيْئًا مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ لَا يُعْتَقُ شَيْءٌ مِنْهُ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادِ لِأُمٍّ مَعْرُوفٍ كَانَ لَهَا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلٍّ وَلَدٍ ثُلُثُهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِدَعْوَتِهِ كَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالْعِتْقِ لِأَحَدِهِمْ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ

قَالَ : وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَةٌ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَلَمْ يَدَّعِيهِ الْمَوْلَى حَتَّى كَبُرَ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لِلْمَوْلَى ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ ادَّعَى الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي يَعْنِي الْمَيِّتَ وَابْنَهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ الْأَصْلُ كُلُّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ لَمَّا لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ النَّسَبِ انْقَلَبَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ، وَقَالَ : أَحَدُهُمَا حُرٌّ عَتَقَ الْحَيُّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ .
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُرِّيَّةِ الْأَسْفَلِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرَ عَتَقَ الْأَسْفَلُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَةِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَتَسْعَى أَمَةٌ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَسْفَلَ فَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْبَرُ لَمْ يُعْتَقْ هَذِهِ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهَا ، وَسَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ، وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِهَذَا

قَالَ : أَمَةٌ لِرَجُلِ وَلَدَتْ ابْنَتًا ، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنَتَهَا ابْنَتًا فَقَالَ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ : إحْدَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلَدِي ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ نِصْفُ الْعُلْيَا وَجَمِيعُ الْوُسْطَى ، وَجَمِيعُ السُّفْلَى ؛ لِأَنَّ الْعُلْيَا تُعْتَقُ فِي حَالَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالدَّعْوَةِ فَهِيَ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ ابْنَتَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أَسْفَلَهَا فَهِيَ أَمَةٌ فَلِهَذَا عَتَقَ نِصْفُهَا فَأَمَّا الْوُسْطَى فَهِيَ حُرَّةٌ بِيَقِينٍ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ بِالنَّسَبِ ، وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتَهُمَا فَهِيَ حُرَّةٌ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أُمَّهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَهِيَ بِنْتُ بِنْتِ الْمَوْلَى ، وَكَذَلِكَ السُّفْلَى حُرَّةٌ بِيَقِينٍ .
وَلَمْ يَذْكُرُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ حُرَّةٌ ، وَقِيلَ بَلْ الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا بِجِهَةِ النَّسَبِ كَيْفَ مَا كَانَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْجِهَاتِ هُنَا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .
قَالَ : وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ ابْنَتًا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنَتَيْنِ فِي بَطْنٍ آخَرَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ابْنًا فِي بَطْنٍ آخَرَ ، ثُمَّ نَظَرَ الْمَوْلَى إلَى الْأَكْبَرِ ، وَإِلَى إحْدَى الِابْنَتَيْنِ فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ وَلَدِي ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَعَتَقَتْ الْأَمَةُ بِجِهَةِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِمَا بَيَّنَّا وَيُعْتَقُ مِنْ الْكُبْرَى نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ، وَيُعْتَقُ مِنْ الْأَوْسَطَيْنِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي غَيْرِ الْأُصُولِ قَالَ يُعْتَقُ عَبْدُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا

رُبُعُهَا .
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِدَعْوَتِهِ انْقَلَبَ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَيُعْتَقُ نِصْفُ الْكُبْرَى فِي نِصْفِ الْحُرِّيَّةِ وَحَظُّ الْأَوْسَطَيْنِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَيَصِيرُ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ رُبُعُهَا .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُرِّيَّةِ الَّذِي بَقِيَ الْعِتْقُ مِنْ وَسَطَيْنِ ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ ، وَلَا فِي النَّسَبِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ لِأَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِهِ لَهُمَا فَمَا يُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِحُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ وَهُوَ نِصْفُ رَقَبَتِهِ يُعْتَقُ مِنْ الثَّانِي مِثْلَهُ .
وَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِأَنَّهُ ، وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا تُعْتَقُ أَمَتُهُ .
قَالَ : وَلَوْ نَظَرَ الْمَوْلَى إلَى الْأَصْغَرِ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفُهُ ، وَمِنْ الْأَصْغَرِ أَيْضًا نِصْفُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ صَارَ إقْرَارًا بِالْحُرِّيَّةِ لَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُعْتَقُ الْأَصْغَرُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِيَقِينٍ إمَّا لِأَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدِهِ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ .
وَقَالَ يُعْتَقُ مِنْ الْأَوْسَطَيْنِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرَ فَهُمَا حُرَّانِ بِالِاسْتِيلَادِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْغَرَ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نِصْفُهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ

يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ مِنْ الْأَوْسَطَيْنِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَوْلَى لَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا وَقِيلَ بَلْ الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْعِتْقِ لَهُمَا وَاحِدَةٌ وَهُوَ التَّبَعِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ الْحَالَانِ فِي حَقِّهِمَا فَلِهَذَا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفٌ

قَالَ : رَجُلٌ لَهُ أَمَةٌ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ ، وَلَدَتْهُمْ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْأَكْبَرِ مِنْهُمْ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلدَّعْوَةِ وَصَارَتْ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ الْآخَرَيْنِ مِنْهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرَيْنِ مِنْهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُّ ، وَلَدٍ وَلَدَتْهُمَا عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينِ عَلِقَتْ بِالْأَكْبَرِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ ، وَتَخْصِيصُهُ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ النَّفْيِ ، وَلَا الْإِثْبَاتِ ، وَلَنَا أَنَّ تَخْصِيصَهُ الْأَكْبَرَ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ دَلِيلُ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْآخَرَيْنِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَرْعًا إظْهَارُ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ فَكَانَ تَخْصِيصُهُ الْأَكْبَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الْإِظْهَارِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ دَلِيلُ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْآخَرَيْنِ ، وَدَلِيلُ النَّفْيِ كَصَرِيحِ النَّفْيِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَكَذَلِكَ بِدَلِيلِ النَّفْيِ ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قِيلَ : إنَّ سُكُوتَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - عَنْ الْبَيَانِ بَعْدَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِالسُّؤَالِ دَلِيلُ النَّفْيِ ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَجَبَ عِنْدَ السُّؤَالِ فَكَانَ تَرْكُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ دَلِيلَ النَّفْيِ ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ الْآخَرَانِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُمَا ، وَلَدَانِ لِأُمِّ الْوَلَدِ فَيُعْتَقَانِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَمْ يَنْفِهِ الْمَوْلَى ، وَلَمْ يَدَّعِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنَّهَا بِالدَّعْوَةِ صَارَتْ فِرَاشًا لِلْمَوْلَى ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُ هَذَا الْوَلَدِ مِنْهُ ، وَفِي الْكِتَابِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ ، وَهَذَا يَكُونُ طَرِيقًا آخَرَ

فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى : أَنَّ انْفِصَالَ الْوَلَدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ

قَالَ : وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أُمَّتَهُ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ أَسْقَطَتْ مِنْهُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَرِيضٌ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ نَفَاهُ انْتَفَى بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِحَيْضَةٍ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ نَفَاهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا بِالْحَيْضَةِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ بِالْوَطْءِ تَصِيرُ فِرَاشًا لَهُ ، وَلَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِرَاشِ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ فَلَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لِلْمَوْلَى عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِرَاشٌ مُجَوَّزٌ لَا مُلْزِمٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَمْلِكُ نَقْلَ فِرَاشِهِ إلَى غَيْرِهِ بِالتَّزْوِيجِ فَكَمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ الْفِرَاشُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ النَّسَبُ بِحُكْمِهِ يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ بِنَفْيِهِ بِخِلَافِ فُرُشِ الْمَنْكُوحَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ دَعْوَةِ الْقَرَابَةِ ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ ادَّعَى ابْنُهُ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا الْوَلَدَ ، وَأَنْكَرَهُ الْأَبُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ بَيِّنَتَهُ تَقُومُ عَلَى النِّكَاحِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلِابْنِ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ تَأْوِيلُ مِلْكٍ ، وَلَا لَهُ حَقٌّ بِمِلْكِهَا عَلَى أَبِيهِ فَكَانَ هُوَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ سَبَبُهُ بِالْحُجَّةِ ، وَهُوَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ

قَالَ : وَإِذَا ادَّعَى الْأَبُ وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ ، وَالِابْنُ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَقْلِهَا إلَى نَفْسِهِ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ ؛ وَلِمَا كَانَ لِلْمَوْلَى فِيهَا مِنْ مِلْكٍ أَوْ حَقِّ مِلْكٍ وَشَرْطُ صِحَّةِ دَعْوَةِ الْأَبِ نَقْلُهَا إلَى مِلْكِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِابْنُ مُسْلِمًا وَالْأَبُ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ

قَالَ : وَإِذَا لَوْ وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ فَادَّعَاهُ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ ، وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ الْعَمُّ وَالْخَالُ وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَهُمْ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا ، وَقَدْ ادَّعَاهُ مِنْ جِهَةِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ مِلْكٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمِلْكِ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمِلْكِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ إقْرَارِهِ مَحْمُولٌ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَالْأَسْبَابُ الْمُثْبِتَةُ لِلْفِرَاشِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهَا النَّسَبُ كَثِيرَةٌ ، وَلَوْ مَلَكَ أُمَّهُ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ حِينَ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ وَالنَّسَبِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِالنَّسَبِ مُثْبِتٌ لَهَا الْفِرَاشَ وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالنِّكَاحِ فَاسِدًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا ، وَذَلِكَ مُوجِبُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا إذَا مَلَكَهَا ، وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ أَبَ الْمُدَّعِي وَهُوَ يَجْحَدُ مَقَالَةَ ابْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الِابْنِ ، وَلَا يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْأَبِ حِينَ ادَّعَاهُ الِابْنُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مَعَ جُحُودِ الْأَبِ ، فَإِذَا اعْتَرَضَ مِلْكَ الْأَبِ أَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يُعْتَقُ عَلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الِابْنِ .
قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى خَادِمٍ فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَادَّعَى الزَّوْجُ الْوَلَدَ ، وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا ، وَكَانَ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَ الزَّوْجِ

فَهُوَ مُصَدَّقٌ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ اسْتِيلَادٍ فَبَطَلَ بِهِ تَمْلِيكُهَا مِنْ الْمَرْأَةِ صَدَاقًا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بَطَلَتْ بَعْدَ صِحَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّتْ ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ النِّكَاحُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَهُ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ لَوْ أَعْتَقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ عَلَى إبْطَالِ مِلْكِهَا عَنْ عَيْنِ الْخَادِمِ حِينَ كَذَّبَتْهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَنْتَصِفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الْخَادِمُ الْمَقْبُوضُ فَكَانَ نِصْفُهَا وَنِصْفُ ، وَلَدِهَا لِلزَّوْجِ ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الدَّعْوَةِ فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَهَا عَلَيْهَا بِمَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ الدَّعْوَةِ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَعْتَمِدُ وُجُودَ الصُّنْعِ ، وَلَوْ لَمْ يَصْنَعْ فِي عَيْنِهَا شَيْئًا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ صَارَ ضَامِنًا لَهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْوَلَدِ مَمْلُوكٌ لَهَا ، وَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي نِصْفِ الْقِيمَة ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الدَّعْوَةِ حِينَ ادَّعَى لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْوَلَدِ ، وَإِنَّمَا فَسَدَ نَصِيبُهَا مِنْ الْوَلَدِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا حُكْمِيًّا وَهُوَ يُنَصِّفُ الصَّدَاقَ بَيْنَهُمَا

وَذَلِكَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ ، وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ سَبَبَهُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ لِقَطْعِ النِّكَاحِ لَا فِي الصَّدَاقِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْعُقْرِ شَيْئًا .
وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ ضَمِنَ نِصْفَ الْعُقْرِ لَهَا ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا كَانَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعُقْرِ لَهَا ؛ لِأَنَّ بِالْوَطْءِ قَدْ لَزِمَ جَمِيعُ الْعُقْرِ فَإِنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ الْغَيْرِ ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ الْعُقْرُ وَالْعُقْرُ زِيَادَةٌ كَالْوَلَدِ فَيُنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ .
( قَالَ ) وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ ادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ فَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَنَّهُ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ فِي يَدِهِ مَمْلُوكَةٌ لَهُ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبَةِ فَيَكُونُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا زِنًا غَيْرَ مُثْبِتٍ النَّسَبَ ، وَإِنْ كَانَتْ ، وَلَدَتْ فِي يَدَيْ الْمَرْأَةِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ مِنْ الْخَادِمِ وَالْوَلَدِ سَبْيٌ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ تُمْنَعُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَيَكُونُ ابْنُهُ بِدَعْوَتِهِ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَيُضَمِّنُ الْمَرْأَةَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِتَيَقُّنِنَا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ تَقُومُ .
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا ، وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا ضَمِنَ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا لِنَصِيبِ

شُرَكَائِهِ مِنْ الْجَارِيَةِ حِينَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَسْتَدْعِي صُنْعًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي حِصَّتِهِمْ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْأَبِ مِنْهُ قَدْ عَتَقَ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَحْتَبِسُ نَصِيبُ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ .
( قَالَ ) : وَكَذَلِكَ كُلُّ مِيرَاثٍ يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ وَلَدٍ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ أَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ الْأَبِ فِيهِ قَبْلَ الْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الشَّرِيكُ أَوْ يُكَذِّبَهُ ، ثُمَّ الْحَاصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ ، وَالدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ صَدَّقَهُ الشَّرِيكُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ كُلُّهُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ بِقَرَابَتِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلسِّعَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَيَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْأَبِ أَمَّا إذَا انْعَدَمَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى الْمِلْكِ فَلِأَنَّ تَمَامَ عِلَّةِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ الْحَاصِلِ بِالْمِيرَاثِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ الدَّعْوَةُ عَنْ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا كَانَ عِتْقُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ مُحَالًا بِهِ عَلَى الْقَرَابَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْأَبِ .
وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ وَصَدَّقَهُ الشَّرِيكُ فِيهِ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ ، وَصَدَّقَهُ الشَّرِيكُ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ لِانْعِدَامِ صُنْعٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ إمَّا بِتَقَدُّمِ الدَّعْوَةِ عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مُتَمِّمٌ لِعِلَّةِ الْعِتْقِ ، وَإِمَّا التَّصْدِيقُ

مِنْ شَرِيكِهِ إيَّاهُ فِي الدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْتَحِقُ بِالِابْنِ الْمَعْرُوفِ وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ بِالْمِيرَاثِ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ عِنْدَهُ ، فَتَجِبُ السِّعَايَةُ لَهُ ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ ، وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْأَبِ إنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِعِلَّةٍ ذَاتِ ، وَصْفَيْنِ الْمِلْكُ وَالْقَرَابَةُ فَيُحَالُ بِهِ عَلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا وَهُوَ الدَّعْوَةُ هُنَا ، وَذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ حِينَ كَذَّبَهُ فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا .
وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ ، وَكَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ إنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِقَرَابَتِهِ حِينَ صَدَّقَهُ فِي الدَّعْوَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ ، وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ أَوْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا وَالدَّعْوَةُ قَبْلَ الْمِلْكِ فَصَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ ، وَصَدَّقَهُ فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّ تَتْمِيمَ عِلَّةِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ قَبْلَهُ ، وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَهُ ، وَصَدَّقَهُ فَهُوَ كَالِابْنِ الْمَعْرُوفِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ الْأَبُ ضَامِنًا لِشَرِيكِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِشَرِيكِهِ فِي الِابْنِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعِتْقِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ

الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا يَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الِاسْتِيلَادِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ تَمَلُّكِ الْأُمِّ .
وَلَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا الضَّمَانُ عِنْدَ الْعُسْرِ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِإِحْصَاءٍ مِنْهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْقَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلَدِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ تَكْذِيبِهِ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَةُ بَعْدَ الْمِلْكِ ، وَكَذَّبَهُ الشَّرِيكُ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْأَبِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَالْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ مَعَ تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فَذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَالْأَجْنَبِيَّ فِيهِ سَوَاءٌ .

قَالَ : أَمَةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : بَلْ بِعْتهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْوَلَدُ مِنْهُ فَالْوَلَدُ مِنْ الزَّوْجِ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْفِرَاشِ الْمُثْبِتِ لِلنَّسَبِ لَهُ عَلَيْهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِهِ ، وَيُعْتَقُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مُقِرٌّ أَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَالْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْأَبِ فَكَانَ حُرًّا بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ، وَأُمُّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ لَهَا بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَالْمُسْتَوْلِدُ مُقِرٌّ بِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى فِيهَا نَافِذٌ فَلِهَذَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لَا تَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفِيهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَا يَسَعُ الزَّوْجَ أَنْ يُقِرَّ بِهَا ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْفَسَادِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِثُبُوتِ سَبَبِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ الْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِلزَّوْجِيَّةِ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِلشِّرَاءِ ، وَبَابُ الْحِلِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا فَإِذَا مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ، وَالزَّوْجُ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَوْلَى فِيهَا ، وَعَلَى الزَّوْجِ الْعُقْرُ قِصَاصٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْعُقْرِ تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ ، وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فِي ضَمَانِ الْمَالِ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هُوَ غَصْبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ فَهُنَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ يُعْطِي بِحِسَابِ الْعُقْرِ وَالْمَوْلَى يَأْخُذُ بِحِسَابِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الثَّمَنِ .
( قَالَ ) : وَهَذَا الْجَوَابُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْعَتَاق ،

وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ كِتَابِ الْعَتَاقِ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتَهَا لِلْمَوْلَى ، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَنَوَادِرِ هِشَامٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ الْعُقْرَ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فَسَّرَهُ هُنَا .

قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ ، وَقَالَ الْمَوْلَى : بَلْ زَوَّجْتُك ثَبَتَ النَّسَبُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ فَكَانَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِمِلْكِهِ الْأُمَّ كَمَا عُرِفَ بِثُبُوتِهِ فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ

قَالَ : أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَى وَلَدَهَا ، وَقَالَ لِرَجُلٍ هِيَ أَمَتُك زَوَّجْتنِيهَا ، وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لِلْآخَرِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَأُمُّهُ أُمُّ ، وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَثَبَتَ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ ؛ وَلِلْأُمِّ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ ، فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا قِبَلَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ احْتَبَسَتْ عِنْدَهُ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَهُ ، وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ أَصْلَهَا كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ ؛ لِأَنَّ بِدَعْوَةِ النَّسَبِ هُنَا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا ، وَلَا فِي وَلَدِهَا لِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيهَا ظَاهِرًا لِغَيْرِ الْمُسْتَوْلِدِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ لَا يُعْرَفُ لِهَذَا فَقَالَ هَذَا : بِعْتُكهَا ، وَقَالَ أَبُ الْوَلَدِ : زَوَّجْتنِي ضَمِنَ أَبُ الْوَلَدِ قِيمَتَهَا ؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْبَيْعِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا عَلَى وَلَدِهَا سَبِيلٌ بِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِالدَّعْوَةِ السَّابِقَةِ فَلِهَذَا ضَمِنَ أَبُ الْوَلَدِ قِيمَتَهَا ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْعُقْرَ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مِلْكَ نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ ضَمِنَ جَمِيعَ بَدَلِ النَّفْسِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَبُ الْوَلَدِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجْتُك فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْأَصْلَ لِهَذَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأُمَّ وَوَلَدَهَا مَمْلُوكَيْنِ مَا خَلَا خَصْلَةً وَاحِدَةً ، وَهِيَ أَنْ تُقِرَّ بِأَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا لِإِقْرَارِهِ بِخُرُوجِهَا

عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ ، وَلَا يَغْرَمُ أَبُ الْوَلَدِ الْقِيمَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ؛ لِأَنَّ احْتِبَاسَهَا بِإِقْرَارِ الْمُقَرِّ لَهُ بِبَيْعِهَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهَا ، وَأَخْذِ وَلَدِهَا فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ أَبُ الْوَلَدِ الْقِيمَةَ ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ ، وَكَانَتْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْقُوفَةً لِإِقْرَارِ مَوْلَاهَا بِذَلِكَ

قَالَ : رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ ، وَقَالَ الْآخَرُ مُنْذُ سَنَةٍ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْفِرَاشِ فِي الْحَالِ ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الظَّاهِرُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
فَإِنْ ( قِيلَ ) : بَلْ صَاحِبُهُ يَدَّعِي سَبْقَ التَّارِيخِ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ .
( قُلْنَا ) التَّارِيخُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ الظَّاهِرُ لَهُ فِي حَقِّ النَّسَبِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْمُنْكِرَ مُنَاقِضٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَالْآنَ يَدَّعِي فَسَادَهُ بِإِنْكَارِ التَّارِيخِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَأَحْبَلَهَا فَهُوَ وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ صَدَقَا ، وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا قَوْلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَبَقِيَ الْحَقُّ لَهُمَا ، وَمَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ يُجْعَلُ كَالْمُعَايَنِ فِي حَقِّهِمَا فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ لِقِيَامِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ ( قِيلَ ) : كَيْفَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَيْسَ هُنَا مَنْ يَدَّعِيهَا ( قُلْنَا ) : مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ قَالَ يَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ قَيِّمًا لِيُقِيمَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّهُ ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إثْبَاتِهِ بِنَفْسِهِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ قَيِّمًا لِإِثْبَاتِهِ ، وَقِيلَ : بَلْ فِي هَذَا حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ ثُبُوتُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَا

تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ ابْنُهُ ، وَأَنْ لَا يُنْسَبَ الْوَلَدُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لِحَقِّ الشَّرْعِ ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الشَّرْعِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالْوَلَدِ ( قَالَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ : رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ فِي صِحَّتِهِ ، وَأَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ ابْنُهُ يَرِثُهُ ، وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ حَاجَتِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَنْهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ مَعْرُوفٍ لَهُ مَلَكَهُ فِي صِحَّتِهِ ، فَيَكُونُ عِتْقُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَلِهَذَا لَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ قَالَ : وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ بِدَلِيلِ الْجَهَازِ وَالْكَفَنِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَالْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُلَاقِي مَحَلًّا لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ .
وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ وَاَلَّذِي يَنْبَنِي عَلَى هَذَا السَّبَبِ عِتْقٌ فِي صِحَّتِهِ ، وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فِي مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ وَلَدَتْ فِي صِحَّتِهِ فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَةِ النَّسَبِ هُنَا حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فِي صِحَّتِهِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ ، وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ ، وَالْوَرَثَةِ فِيهِمَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مَلَكَهُ فِي مَرَضِهِ فَادَّعَاهُ قَبْلَ الْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَتُهُ هُنَا عِتْقٌ فِي الْمَرَضِ وَذَلِكَ يُلَاقِي مَحَلًّا مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مُصَدَّقًا فِي حَقِّهِمْ إلَّا أَنَّ الرِّقَّ قَدْ فَسَدَ بِإِقْرَارِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ .

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمَا ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَانَ عِتْقُهُ مِنْ ثُلُثِهِ وَعَلَيْهِمَا السِّعَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَلَا يَرِثُهُ الْوَلَدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ قِيمَةِ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ مَدْيُونٌ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ وَيَرِثُهُ .
وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى ابْنَانِ بِحَيْثُ تَخْرُجُ رَقَبَتُهُ مِنْ الثُّلُثِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْجَوَابُ كَذَلِكَ يَسْعَى الْوَلَدُ فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ فِي شَيْءٍ وَيَرِثُهُ ، فَقَدْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُجِزْ الْوَصِيَّةَ لَهُ ، وَأَلْزَمَهُ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ كَانَ مُكَاتَبًا ، وَالْمُكَاتَبُ غَيْرُ وَارِثٍ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَسَقَطَتْ السِّعَايَةُ فَصَارَ وَارِثًا فَلَا يَزَالُ يَدُورُ هَكَذَا ، وَالسَّبِيلُ فِي الدَّوْرِ أَنْ يُقْطَعَ فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوا فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي خُمُسَيْ الْمَالِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْهِبَةِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَا تَنْفُذُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنًى فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَهُوَ شَاهِدٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ السِّعَايَةَ فِي شَيْءٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لِلْمَرِيضِ ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ سَعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ

قِيمَتِهِ سَعَى فِي الدَّيْنِ ، وَفِي ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ ، وَلَهُ الثُّلُثُ وَصِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ سَعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ وَهَبَ لِلْمَرِيضِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مَعْرُوفَةٌ عَتَقَتْ ، وَلَمْ يَسْعَ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ شَاهِدٌ لَهَا وَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَالْوَرَثَةِ .

قَالَ : وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ اشْتَرَى بِهِ ابْنَهُ ثُمَّ مَاتَ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ ، وَصِيَّةٌ لَهُ وَيَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ سَعَى فِي الدَّيْنِ وَثُلُثَيْ مَا بَقِيَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِمَا بَيَّنَّا .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مَعْرُوفَةً لَمْ يَسْعَ فِي شَيْءٍ لِلْغُرَمَاءِ ، وَلَا لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ شَاهِدٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَابَى الْبَائِعَ فِي شَيْءٍ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ فَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ بَيْعِ الْفَضْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيْهِ رَدُّ ثُلُثَيْ الْفَضْلِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالثُّلُثُ يُسَلَّمُ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ

قَالَ : وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا ، وَأَمَةً مَمْلُوكَانِ لِرَجُلٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ فَاشْتَرَاهُمَا رَجُلَانِ أَوْ مَلَكَاهُمَا بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهُ ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ لَهُ فِي النِّصْفِ كَقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْكُلِّ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَةِ وَالْوَلَدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ ، وَيُضَمِّنُهُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا لِنَصِيبِهِ عَلَيْهِ حِينَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .
( قَالَ ) : وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْوَلَدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بَعْدَ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ إذَا كَذَّبَهُ الشَّرِيكُ ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ .

قَالَ : وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ صَارَتْ حِصَّتُهُ مُكَاتَبًا مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مُلِكَ كُلُّهُ صَارَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا مَعَهُ فَكَذَلِكَ إذَا مُلِكَ النِّصْفُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ فَإِذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ عِتْقًا وَسَعَى الْوَلَدُ لِشَرِيكِهِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْحُرَّ لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ تَجِبُ السِّعَايَةُ عَلَى الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ صَارَ الْوَلَدُ كُلُّهُ مُكَاتَبًا مَعَ ابْنِهِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْكِتَابَةُ لَا تُجْزِئُ وَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ قِيمَةِ ابْنِهِ لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا عَلَيْهِ نَصِيبَهُ ، فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ، وَلَوْ كَانَ مَجْهُولًا فَادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا مَلَكَاهُ كَانَ لَلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الِابْنَ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا اسْتَسْعَى الِابْنَ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي الدَّعْوَةِ كَالْحُرِّ ، وَكَذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ عِنْدَ تَكْذِيبِ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ .
وَلَوْ كَانَتْ أُمُّهُ مَعَهُ ضَمِنَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ قِيمَتِهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ بَيْعُهَا بِمَا ثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ الْمِلْكِ فِيهَا وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَلَكَ مَعَ الْمُكَاتَبِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّبِيِّ وَنَسَبُ الصَّبِيِّ مِنْ الْمُكَاتَبِ مَعْرُوفٌ عَتَقَ نَصِيبُ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِالْقَرَابَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ ، وَكَانَ نَصِيبُ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ عَتَقَ عَتَقَ

مَعَهُ ، وَإِنْ عَجَزَ سَعَى لِمَوْلَاهُ فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ الْكُلُّ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَلَا ضَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ ؛ وَلِوَلَدِهِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ لَهُ ، وَلَا السِّعَايَةُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ دَعْوَةِ الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا ، وَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ ، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ ابْنُهُ مِنْ الزِّنَا ، وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ ) فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } ، وَلَا فِرَاشَ لِلزَّانِي ، وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَظَّ الزَّانِي الْحَجَرَ فَقَطْ وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الرَّجْمِ وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْغَيْبَةِ كَمَا يُقَالُ لِلْغَيْبَةِ الْحَجَرُ أَيْ هُوَ غَائِبٌ لَا حَظَّ لَهُ ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْعَاهِرِ مِنْ النَّسَبِ وَبَقِيَ النَّسَبُ مِنْ الزَّانِي حَقُّ الشَّرْعِ إمَّا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ ؛ لِيَكُونَ لَهُ زَجْرًا عَنْ الزِّنَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مَاءَهُ يَضِيعُ بِهِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ نَائِبُهَا غَيْرُ وَاحِدٍ فَرُبَّمَا يَحْصُلُ فِيهِ نَسَبُ الْوَلَدِ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا ، وَلَا يَرْتَفِعُ هَذَا الْمَعْنَى بِتَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ ، أَوْ كَانَ نَفْيُ النَّسَبِ عَنْ الزَّانِي لِحَقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّانِي وَفِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُمَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا فَإِنْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ ثَبَتَ بِذَلِكَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهَا الْوِلَادَةُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ، وَلَا صُنْعَ لَهَا فِي الْوِلَادَةِ لِيَسْتَوْجِبَ الْعُقُوبَةَ بِقَطْعِ النَّسَبِ عَنْهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى فِي جَانِبِ الرَّجُلِ الِاشْتِبَاهُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهَا فَإِنَّ انْفِصَالَ الْوَلَدِ عَنْهَا مُعَايَنٌ فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهَا .
قَالَ

وَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَوَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ ، وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ جَائِزًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَتْ مِنْ الْفِرَاشِ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهَا عِنْدَ جُحُودِهِ فَبَقِيَ فِي حَقِّهِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلنَّسَبِ سَوَاءٌ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ الرِّقُّ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى جُزْئِهِ ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا الْفَصْلَ لِإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ بِدَعْوَاهَا النِّكَاحَ خَرَجَ الْفِعْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا مَحْضًا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجِبُ الْعُقْرُ لَهَا عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُثْبِتٍ النَّسَبَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْفِرَاشُ وَذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا بِمَا ادَّعَتْ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِإِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالْتِزَامِ الْعِدَّةِ ؛ وَلِأَنَّهَا أَخَذَتْ الْمَهْرَ مِنْ الرَّجُلِ حِينَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ

وَإِنْ ادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ ، وَأَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَا فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ بِمَا ادَّعَى مِنْ الشُّبْهَةِ ، وَلَمْ يَثْبُتُ فِرَاشُهُ عَلَيْهَا عِنْدَ جُحُودِهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ ، وَلَدِهَا مِنْهُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ مَلَكَ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى جُحُودِهَا وَجُحُودِ سَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ ، وَإِذَا صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ كَانَ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَيَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَوْ شَاهِدَيْنِ ، وَلَمْ يَعْدِلَا ؛ لِأَنَّ مَا أَقَامَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَوْجَبَتْ الْمَهْرَ ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ مُثْبِتَةٌ لِلِاحْتِيَاطِ

قَالَ : وَإِذَا وَلَدَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ الزَّوْجُ زَنَى بِك فُلَانٌ ، وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ ، وَأَقَرَّ فُلَانٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ ، وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا لِإِقْرَارِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ

قَالَ : وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا أَوْ أَرْخَى حِجَابًا ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ إنَّمَا كَانَ مُقَرًّا لِلْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ شَرْعًا فَلِهَذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْخَلْوَةِ ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ : مُنْذُ أَغْلَقَ عَلَيْهَا الْبَابَ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُرَدُّ بِالْفَاسِدِ لِيَتَعَرَّفَ حُكْمَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِالْجَائِزِ وَفِي النِّكَاحِ الْجَائِزِ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَاعْتِبَارُهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَغْلَقَ الْبَابَ لَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةٌ يَحْصُلُ بِهِ ، وَإِنْ انْعَدَمَ التَّمَكُّنُ حُكْمًا وَاعْتِبَارُهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا صَحِيحٌ أَيْضًا لِاعْتِبَارِ الْفَاسِدِ بِالْجَائِزِ ، وَمِنْ أَصْلِنَا فِي النِّكَاحِ الْجَائِزَ أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الْفِرَاشِ الثَّابِتِ النِّكَاحِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى قَالُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَنَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ .
وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّا نَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ غَيْرُ

مَخْلُوقٍ مِنْ مَائِهِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا ؛ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ حَقِيقَةُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ ، وَذَلِكَ خَفِيٌّ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَكَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْوَطْءِ تَكُونُ شِرَاءً عَلَى غَيْرِ الْوَاطِئِينَ وَفِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ خَرَجَ ، وَلَكِنَّ التَّمَكُّنَ مِنْهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ ؛ لِأَنَّ مَا سَقَطَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فِي حَالٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ وَطْئِهَا ، وَتَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا شُرِعَ إلَّا لِلِاسْتِفْرَاشِ وَمَقْصُودِ النَّسْلِ فَيَثْبُتُ الْفِرَاشُ بِنَفْسِهِ ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا ، وَالصَّغِيرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا فَلَمْ يَعْمَلْ فِي النَّسَبِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لَهُ فَأَمَّا الْغَائِبُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا كَالْحَاضِرِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْفِرَاشُ الْمُثْبِتُ لِلنَّسَبِ بِنَفْسِ النِّكَاحِ ، وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْعُلُوقِ مِنْ مَائِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِ النَّاسِ فِيهِ ، وَفِي الْأَوْقَاتِ ، فَيَجِبُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالنَّسَبِ الظَّاهِرِ ، وَهُوَ النِّكَاحُ الَّذِي لَا يُعْقَدُ شَرْعًا إلَّا لِهَذَا الْمَقْصُودِ ، وَمَتَى قَامَ النَّسَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ وَدَارَ الْحُكْمُ مَعَ النَّسَبِ الظَّاهِرِ وُجُودًا وَعَدَمًا ، وَهُوَ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْمَسَائِلِ كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ الْمَرَادُ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ فِي إثْبَاتِ الرُّخْصَةِ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَأُقِيمَ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ مَقَامَ اشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَاءِ الْغَيْرِ فِي تَجَدُّدِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ ، وَالتَّمَكُّنَ إنَّمَا كَانَ مُعْتَبَرًا

لِمَعْنَى الْمَاءِ ، وَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ الْمَاءِ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ مُعَبَّرًا لِأَجْلِهِ أَيْضًا .

قَالَ : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَبِيٍّ فِي يَدَيْ امْرَأَةٍ : هُوَ ابْنِي مِنْ زِنًا ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِكَاحٍ ، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ مِنْ نِكَاحٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ نَفْيٌ لِلنَّسَبِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَكَلَامَهُ الثَّانِي دَعْوَةٌ لِلنَّسَبِ بَعْدَ النَّفْيِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلِانْتِفَاءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَيَبْقَى بَعْدَ النَّفْيِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ أَقَرَّتْ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَصَدَّقَهَا فِي ذَلِكَ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَبِثُبُوتِهِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِمَا مِنْهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الرَّجُلُ هُوَ ابْنِي مِنْكِ مِنْ نِكَاحٍ ، وَقَالَتْ هُوَ ابْنُكَ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِإِنْكَارِهَا مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْفِرَاشِ فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ ابْنِي مِنْ نِكَاحٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ لَهُ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ مَا أَنْكَرَتْ وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحِيحٌ فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا

قَالَ : امْرَأَةُ رَجُلٍ وَلَدَتْ وَهُمَا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَكَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ ادَّعَتْ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَهُوَ ابْنُهُ مِنْهَا لِظُهُورِ النَّسَبِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْفِرَاشُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَك قَبْلِي ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ بَلْ هُوَ مِنْك فَهُوَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَمَا ادَّعَاهُ الرَّجُلُ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ دُونَ مَا لَا يُعْرَفُ ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ : مِنْ زِنًا فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَبَتَ مِنْهُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ فَلَا يُقْطَعُ إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا إذَا صَدَّقَتْهُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الزِّنَا ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ وَجَبَ اللِّعَانُ فِيمَا بَيْنَهُمَا ، وَيُقْطَعُ النَّسَبُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ .

قَالَ : وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَا مَاتَ أَوْ كَانَ حَيًّا قَبْلَ اللِّعَانِ فَهُوَ ابْنُهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفِيَهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ ، وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِثْبَاتِ نَسَبِهِ بِالدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِقَطْعِ نَسَبِهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا بِاللِّعَانِ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ يَسْتَدْعِي الْمَحَلَّ فَكَذَلِكَ لَوْ قَبْلَ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا لِلْأَبِ بِالْمِيرَاثِ عَنْهُ إمَّا بَدَلَ نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ إنْ كَانَ لَهُ ، وَالنَّسَبُ بَعْدَ مَا صَارَ مَحْكُومًا بِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْقَطْعَ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ وَلَدٌ وَلَيْسَ فِي يَدَيْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ تَزَوَّجْتُك بَعْدَ مَا وَلَدْتُ هَذَا مِنْ زَوْجٍ قَبْلَك ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ وَلَدْتِيهِ مِنِّي فِي مِلْكِي فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَبَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ، وَهُوَ الْفِرَاشُ ، وَمَا ادَّعَتْ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَيُحَالُ بِالْوَلَدِ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ ، فَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ فَقَالَ : ابْنِي مِنْ غَيْرِك ، وَقَالَتْ هُوَ ابْنُك مِنِّي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قِيَامَ الْفِرَاشِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَا يَمْنَعُ فِرَاشًا آخَرَ لَهُ عَلَى غَيْرِهَا إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ كَانَ نَسَبُهُ إلَيْهِ مِنْ أَيِّ فِرَاشٍ حَصَلَ لَهُ ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْفِرَاشِ لَهُ عَلَيْهَا يُنَافِي فِرَاشَ آخَرَ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ ، وَكَانَ هَذَا الْفِرَاشُ فِي حَقِّهَا مُتَعَيَّنًا ، وَبِاعْتِبَارِهِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِ الرَّجُلِ ، وَالْوَلَدُ الَّذِي فِي يَدِهَا مِنْ وَجْهٍ كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَأَمَّا الزَّوْجُ لَيْسَ فِي يَدِ امْرَأَتِهِ فَمَا فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ فِي يَدِهَا فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ

قَوْلُهَا وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ ، وَفَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَبِلَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَيَقْطَعَ النَّسَبَ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ اللِّعَانِ لَا يَقْطَعُ النَّسَبَ مَا لَمْ يَقْطَعْهُ الْقَاضِي إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اللِّعَانِ قَطْعُ النَّسَبِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا إذَنْ اعْتَرَضَ قَبْلَ قَطْعِ النَّسَبِ مَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الِابْتِدَاءِ مُنِعَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ قَطْعُ النَّسَبِ بِهِ ، وَكَمَا يَتَقَرَّرُ حُكْمُ النَّسَبِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ بِمَوْتِ الْأَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ الْمِيرَاثَ مِنْهُ .
وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ تَوْأَمًا فَعَلِمَ أَحَدَهُمَا فَنَفَاهُ ، وَلَاعَنَ وَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي أُمَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْآخَرِ فَهُمَا ابْنَاهُ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُمَا ثَبَتَ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ ، وَإِنَّمَا جَرَى اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَلَدِ الَّذِي نَفَاهُ فَبَقِيَ نَسَبُ الْآخَرِ ثَابِتًا كَمَا كَانَ ، وَقَدْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنهمَا فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْفِيَ نَسَبَ الْآخَرِ بِاللِّعَانِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ يُقَرِّرُهُ ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا ، وَإِلْحَاقُ الْآخَرِ بِهِ وَاَلَّذِي انْقَطَعَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِاللِّعَانِ مُحْتَمِلٌ لِلثُّبُوتِ مِنْهُ بِالْإِكْذَابِ وَاَلَّذِي نَفَى ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ تَسْمِيَةً لَا تَحْتَمِلُ النَّفْيَ عَنْهُ فَجَعْلُ هَذَا أَصْلًا أَوْلَى .
وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ فَلَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ الشُّبْهَةِ فَتَرَجُّحُ الْجَانِبِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْلَى فَإِنْ عَلِمَ بِالثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَنَفَاهُ أَعَادَ اللِّعَانَ وَأَلْزَمَ الْوَلَدَيْنِ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ عِنْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ الثَّانِي فَيَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِقَطْعِ نَسَبِهِ كَالْوَلَدِ

الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَ مَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ مُحْصَنَةٌ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ عِنْدَ خُصُومَتِهَا ، وَهَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ حَيًّا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ مَاتَ وَتَرَكَ مِيرَاثًا ، ثُمَّ أَعَادَهُ الْأَبُ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مُدَّعٍ لِلْمَالِ لَا مُقِرٌّ بِالنَّسَبِ فَإِنَّ الْوَلَدَ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الشَّرَفِ بِالنَّسَبِ وَبِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنَاقِضًا فِي الدَّعْوَى فَإِذَا كَانَ مُنَاقِضًا أَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ وَلَدًا أَوْ أُنْثَى فَحِينَئِذٍ صَدَقَ الْأَبُ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُقِرٌّ بِالنَّسَبِ فَإِنَّ وَلَدَ الِابْنِ يُنْسَبُ إلَيْهِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ ضَرَّ بِالْجَدِّ ، وَأَخَذَ الْمِيرَاثَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ عِنْدَ إكْذَابِهِ نَفْسَهُ فَإِذَا أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِهِ إنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ نَسَبُهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا عَنْ خَلَفٍ يُقْضَى بِالنَّسَبِ ، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِيرَاثِ ، وَإِذَا كَانَ مَيِّتٌ إلَّا عَنْ خَلَفٍ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالنَّسَبِ فَلَوْ قَضَى بِالْمَالِ كَانَ قَضَاءً بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى ، وَالْمَالُ لَا يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَنْفِيَّةُ بِنْتًا فَمَاتَتْ عَنْ ابْنٍ ، وَأَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ بِهِ لَمْ يَرِثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِمَا يُصَدَّقُ وَيُضْرَبُ الْحَدَّ وَيَرِثُ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّهَا مَاتَتْ عَمَّنْ يَخْلُفُهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ كَمَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ ، وَكَمَا يَتَشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأَبِ يَتَشَرَّفُ بِشَرَفِ الْأُمِّ وَيَصِيرُ كَرِيمَ

الطَّرَفَيْنِ ، وَأَبُ الْأُمِّ يُسَمَّى أَبًا مَجَازًا كَأَبِ الْأَبِ فَكَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ بَقَاءَ الْوَلَدِ كَبَقَائِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ كَلَامُهُ الْآنَ فِي دَعْوَى الْمَالِ لَا إقْرَارٌ بِالنَّسَبِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قُرَشِيًّا لَا قِبْطِيًّا ، وَأَنَّ أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ ، وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ : فَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ مُسْتَوْدَعَاتٌ ؛ وَلِلْأَنْسَابِ آبَاءُ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَلَدُ مُنْتَسِبًا إلَى الْمُلَاعِنِ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَعْمَلُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَلَوْ أَرَادَ ابْنُ الْمَلَاعِنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَنْفِيَّةَ نَسَبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ فَصَّلَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ اللِّعَانِ كَانَتْ أُخْتًا لَهُ ، وَلَمْ يَنْتِفْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَكَانَتْ أُخْتًا لَهُ وَشُبْهَةُ الْأُخْتِيَّةِ كَحَقِيقَتِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ ، وَكَذَلِكَ الْمُلَاعِنُ نَفْسُهُ لَوْ قَالَ لَمْ أَدْخُلْ بِالْأُمِّ وَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ابْنَةً لَهُ وَبَعْدَ اللِّعَانِ قُطِعَ النَّسَبُ عَنْهُ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ ، لَوْ أَعَادَهَا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَشُبْهَةُ الْبَيِّنَةِ كَحَقِيقَتِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِمَنْزِلَةِ ابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي النِّكَاحِ ، وَالْآخَرُ كَمَذْهَبِنَا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ هُنَا مَوْقُوفٌ عَلَى حَقِّهِ لَوْ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا .

قَالَ : وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَجَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَلَدَيْنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَأْتِيَ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ ، وَلَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَبَقِيَ أَحَدُهُمَا حِينَ وَلَدَتْهُ ، ثُمَّ وَلَدَتْ الثَّانِي وَهُمَا ابْنَاهُ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَى الْمَوْلُودَ مِنْهُمَا كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا قَائِمًا فَوَجَبَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَحِينَ ، وَضَعَتْ الْوَلَدَ الْآخَرَ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ جَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَلَا يَتَأَتَّى جَرَيَانُ اللِّعَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا بَعْد مَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً .
وَالْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلِّعَانِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ مِنْهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بَيْنَهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَنَفَاهُمَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا ، وَيُقْطَعُ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدَيْنِ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَصَارَ مُرَاجِعًا لَهَا ، وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْوَلَدَيْنِ فَإِذَا نَفَى ، وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ جَرَى اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ ( قِيلَ ) لَمَّا حَكَمْنَا بِالرَّجْعَةِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدَيْنِ مِنْهُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ قَطْعُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ بَعْدَ ذَلِكَ .
( قُلْنَا ) : لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِالرَّجْعَةِ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُ فَالرَّجْعَةُ تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَيْنِ عَنْ شَهْوَةٍ بِدُونِ الْوَطْءِ وَالْإِعْلَاقِ ، وَإِنْ كَانَ نَفَى الْوَلَدَ مِنْهُمَا ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالثَّانِي فَهُمَا ابْنَاهُ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ فَإِقْرَارُهُ بِأَحَدِهِمَا كَإِقْرَارِهِ بِهِمَا ، وَهَذَا مِنْهُ إكْذَابٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِأَحَدِ الْوَلَدَيْنِ

لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَبِالْآخَرِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَذَا ، وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا وَالْفَصْلُ الثَّانِي سَوَاءٌ .
وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّا تَيَقَّنَّا بِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَشَكَكْنَا فِي الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَيْضًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَاتُّبِعَ الشَّكُّ لَا التَّيَقُّنُ فَإِنَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ يُجْعَلُ أَصْلًا وَيُرَدُّ الْمَشْكُوكُ إلَيْهِ وَهُمَا قَالَا : لَمَّا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَلِدْ غَيْرَهُ كَانَ مَحْكُومًا بِأَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِتَأْخِيرِ الْوِلَادَةِ الثَّانِيَةِ ، وَلَكِنْ يُجْعَلُ السَّابِقُ مِنْهُمَا أَصْلًا ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَضَعَتْهُمَا قَبْلَ السَّنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُزَاحِمُهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُزَاحِمِ قَدْ يَتَأَخَّرُ خُرُوجُهُ عَنْ أَوَانِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا السَّابِقَ أَصْلًا ، وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِالنَّفْيِ فَهُمَا ابْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَذَفَهَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ .
وَقَدْ جَاءَتْ بِالْوَلَدَيْنِ لِمُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بِهِمَا سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، وَإِنْ نَفَاهُمَا

فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِأَحَدِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ وَبِالْآخَرِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَذَا وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
قَالَ : وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَنَفَاهُ لَاعَنَهَا لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ ، وَيَلْزَمُ الْوَلَدُ أَبَاهُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ سَبَقَ النِّكَاحَ الثَّانِي فَكَانَ حَاصِلًا فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَبِالْفُرْقَةِ بَعْدَهُ تَقَرَّرَ النَّسَبُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِحَالٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا النِّكَاحَ الثَّانِي لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ قَائِمٌ فَيَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ النِّكَاحِ الثَّانِي فَإِذَا نَفَاهُ يُقْطَعُ النَّسَبُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْوِلَادَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَةٌ وَلَدَتْ فَادَّعَتْ أَنَّ مَوْلَاهَا قَدْ أَقَرَّ بِهِ فَجَحَدَ الْمَوْلَى فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ) لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَشْهَدُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ عَلَى الْفِرَاشِ وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ فَإِنْ اتَّفَقَ رَجُلَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ وَعَلَى الْوِلَادَةِ عَلَى فِرَاشِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ شَهِدَا عَلَى الْإِقْرَارِ فَثُبُوتُ الْإِقْرَارِ بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِالْمُعَايَنَةِ ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَى الْوِلَادَةِ فَقَدْ شَهِدَا بِالسَّبَبِ الْمُثْبِتِ لِلنَّسَبِ مِنْهُ قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى ذِمِّيًّا وَالْأَمَةُ مُسْلِمَةً فَشَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَقُومُ عَلَى الْمَوْلَى وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حُجَّةٌ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُدَّعِي ، وَالْأَمَةُ جَاحِدَةٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّينَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مُسْلِمَةً ، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا تَجْحَدُ الْمَمْلُوكِيَّةَ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ تُقِرُّ بِذَلِكَ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِدَعْوَةِ نَسَبِ وَلَدِهَا ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَكْذِيبِهَا .
وَلَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَشَهِدَ عَلَى الدَّعْوَةِ أَبُ الْمَوْلَى وَجَدُّهُ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ بِالسَّبَبِ لِلْوَلَدِ وَهُوَ ابْنُ ابْنَيْهِمَا ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِابْنِ ابْنِهِ لَا تُقْبَلُ ، وَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ ابْنُ الْمَوْلَى جَازَتْ الشَّهَادَةُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى جَاحِدًا لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَخِيهِمَا عَلَى أَبِيهِمَا وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ عَلَى أَبِيهِ مَقْبُولَةٌ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَبِيهِ ، وَإِذَا طَلُقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا فَاعْتَدَّتْ ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَوَلَدَتْ مِنْ

الزَّوْجِ الْآخَرِ ، ثُمَّ جَاءَ الْوَلَدُ حَيًّا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ نَفْيَهُ لَا يُفْسِدُ فِرَاشَهُ ، وَالزَّوْجُ الثَّانِي صَاحِبُ الْفِرَاشِ الْفَاسِدِ ، وَلَا مُعَارِضَةَ بَيْنَ الصَّحِيحِ ، وَالْفَاسِدِ بِوَجْهٍ بَلْ الْفَاسِدُ مَدْفُوعٌ بِالصَّحِيحِ وَالْمَرْأَةُ مَرْدُودَةٌ عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ كَمَنْ زَوَّجَ أُمَّتَهُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ دُونَ الْمَوْلَى ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا يُعَارِضُ النِّكَاحَ فِي الْفِرَاشِ بَلْ الْفِرَاشُ الصَّحِيحُ لِصَاحِبِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ هُنَاكَ مِلْكَ الْيَمِينِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحِلِّ وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحِلِّ فَإِنْ نَفَى الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ الْوَلَدَ أَوْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا أَوْ ادَّعَيَا أَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ حِينَ دَخَلَ الزَّوْجُ الثَّانِي بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهَا ، وَبَيْنَ الْأَوَّلِ .
وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ : الْوَلَدُ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ الْفَاسِدَ يُثْبِتُ النَّسَبَ كَالْفِرَاشِ الصَّحِيحِ أَوْ أَقْوَى حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ ، ثُمَّ الثَّانِي إلَيْهَا أَقْرَبُ يَدًا وَالْوَلَدُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ بِالْقُرْبِ ، وَاعْتِبَارٍ لِلْحَقِيقَةِ وَذَكَرَ أَبُو عِصْمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مَعَ الزَّوْجِ الثَّانِي كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَفِيهِ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ ذَكَرَهُ فِي

الْكِتَابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُعْفِيٍّ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُرِّ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَحِقَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَزَوَّجَ الْجَارِيَةَ إخْوَتُهَا فَجَاءَ ابْنُ الْحُرِّ فَخَاصَمَ زَوْجَهَا إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا إنَّكَ الْمُمَالِي عَلَيْنَا عُدْوَانًا فَقَالَ أَيَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ عَدْلِك فَقَالَ لَا فَقَضَى بِالْمَرْأَةِ لَهُ ، وَقَضَى بِالْوَلَدِ لِلزَّوْجِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : الْحَدِيثُ غَيْرُ مَشْهُورٍ فَلَا يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ ثَبَتَ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي فَهُوَ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي فَهُوَ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي سَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ أَوْ نَفَيَاهُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ يَلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ فَبِاعْتِرَاضِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ يَنْقَطِعُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ النَّسَبِ ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلثَّانِي وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ اعْتِبَارًا لِلْفَاسِدِ بِالصَّحِيحِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ يَنْقَطِعُ بِالثَّانِي ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الثَّانِي بِهَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ مِنْ الثَّانِي .
وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ لَيْسَ إلَّا لِصِيَانَةِ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّسَبُ بِحَيْثُ يَثْبُتُ مِنْ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي مَعْنًى وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ دَخَلَ بِهَا لِلثَّانِي فَهُوَ الثَّانِي ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي بِالدُّخُولِ لَا بِالنِّكَاحِ

وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا ثَبَتَتْ عَلَى الْأَوَّلِ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ الثَّانِي فَكَانَتْ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ بِهَذَا السَّبَبِ كَحُرْمَتِهَا بِالطَّلَاقِ ، وَالتَّقْدِيرُ بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ عِنْدَ قِيَامِ الْحِلِّ ، وَلَا حِلَّ بَيْنَهُمَا فَالْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ عُلُوقٍ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فِي حَالِ حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ فَكَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا التَّوَهُّمُ فَكَانَ النَّسَبُ مِنْ الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ فَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ ، وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ وَالزَّوْجُ الْأَوَّلُ جَاحِدٌ لِذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ .

قَالَ : أَمَةٌ وَلَدَتْ لِرَجُلٍ فَلَمْ يَنْفِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفِيَهُ وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ ، وَلَدِهَا ثَابِتٌ بِالْفِرَاشِ فَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ النَّفْيِ فَأَمَّا الْأَمَةُ الْقِنَّةُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنِّئَ بِالْوِلَادَةِ فَقَبِلَ التَّهْنِئَةَ يَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى جِنَايَةً فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي عَلَى عَاقِلَتِهِ لَمْ يَسْتَطِعْ نَفْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فَحُكِمَ فِيهِ بِقِصَاصٍ أَوْ أَرْشٍ فَهَذَا كُلُّهُ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمَوْلَى ، وَبَعْدَ مَا صَارَ النَّسَبُ مَحْكُومًا بِهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفِيَهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إبْطَالِ الْحُكْمِ

قَالَ : وَإِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَلَّ لِلسَّيِّدِ غِشْيَانُهَا فَعَادَتْ فِرَاشًا لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ فَإِنَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَدْ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِحُقُوقِهِ ، وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ ظُهُورِ حُكْمِ فِرَاشِهِ فَإِذَا عَادَتْ فِرَاشًا لِلْمَوْلَى ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فِي مُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُلُوقٍ بَعْدَ الْفِرَاشِ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ ذَلِكَ أَوْ يَجْرِيَ فِيهِ حُكْمٌ وَتَفْسِيرُ هَذَا التَّطَاوُلِ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَوْ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَصَاحِبَيْهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةِ النِّفَاسِ عِنْدَهُمَا

قَالَ : وَلَوْ حَرَّمَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا لَمْ يَبْطُلْ بِتَحْرِيمِهَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ فِرَاشُ النِّكَاحِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ شَرْعًا إلَى أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيَغْشَاهَا ، وَفِيهِ نَزَلَ وقَوْله تَعَالَى { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } فَلِهَذَا كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ

قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَدُهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ أَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ .
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفِرَاشِ قِيَامُ الْمِلْكِ ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ غِشْيَانُهَا بِالرِّدَّةِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ لَا يَعْتَمِدُ حِلَّ الْغِشْيَانِ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا زَوَّجَهَا ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا قَدْ انْقَطَعَ بِاعْتِرَاضِ فِرَاشِ الزَّوْجِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَلَنَا أَنَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِالْمَوْلَى وَاجِبٌ وَفِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِإِقْدَامِهِ عَلَى وَطْءٍ حَرَامٍ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِدُونِ الْحُجَّةِ فَإِنْ ادَّعَاهُ فَقَدْ صَارَ مُقِرًّا بِذَلِكَ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ حِينَئِذٍ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَلِكَ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّتْ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى رِدَّتِهَا فَلَا يَكُونُ فِيهِ حَمْلُ أَمْرِ الْمَوْلَى عَلَى الْفَسَادِ .
قَالَ : وَإِذَا أَقَرَّ بِصَبِيٍّ فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ أَمَتِهِ هَذِهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ، ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَادَّعَى أَوْلَادُهُ أَنَّ أَبُوهُمْ قَدْ كَانَ زَوَّجَ هَذِهِ الْأَمَةَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ بِثَلَاثِ سِنِينَ ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ عَلَى فِرَاشِ الْعَبْدِ ، وَالْعَبْدُ وَالْغُلَامُ وَالْأَمَةُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ ؛ لَمْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَالْغُلَامُ ابْنُ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَبَتَ مِنْ الْمَوْلَى بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِهِ ، وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ تَقُومُ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنْفُسِهِمْ حَقًّا إنَّمَا يُثْبِتُونَ النَّسَبَ لِلْعَبْدِ وَهُوَ جَاحِدٌ مُكَذِّبٌ لِلشُّهُودِ ، وَقَصْدُ الْوَرَثَةِ مِنْ هَذَا

نَفْيُ النَّسَبِ عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى لَا يُزَاحِمَهُمْ فِي مِيرَاثِهِمْ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ خُلَفَاءُ الْمَيِّتِ ، وَهُوَ لَوْ أَقَامَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ مِمَّنْ يَخْلُفُهُ قَالَ : وَلَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ ذَلِكَ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا ، وَنَسَبَ وَلَدِهَا فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ لِلْإِثْبَاتِ ، ثُمَّ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ النَّسَبِ عَنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ، وَيُعْتَقُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ حِينَ ادَّعَى نَسَبَهُ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ فَالْمُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْغُلَامِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَاهِدٌ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى مِنْ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لَهَا فَكَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يُعْتَبَرُ عِتْقُ الْغُلَامِ مِنْ الثُّلُثِ ، وَجُعِلَ ذَلِكَ كَإِنْشَاءِ الْعِتْقِ مِنْهُ فِيهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا تَوَقَّفَ حُكْمُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْعَبْدُ فَيَدَّعِيَ ، وَيُنْكِرَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيِّنَةِ يَخْتَلِفُ بِدَعْوَى الْعَبْدِ ، وَإِنْكَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ وُقُوفًا عَلَى حُضُورِهِ .
وَلَوْ ادَّعَتْ الْأُمُّ النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَاهُ الْغُلَامُ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ لِلْإِثْبَاتِ فَإِنَّ النَّسَبَ مِنْ حَقِّ الْغُلَامِ فَإِذْ الْبَيِّنَةُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ مُثْبِتًا حَقَّ نَفْسِهِ وَالْأُمُّ تُثْبِتُ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَذَلِكَ حَقُّهَا .

قَالَ : رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ قَدْ ظَهَرَ بِخَبَرِهَا فَإِنَّهَا أُمُّهُ شَرْعًا فَإِذَا جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ مَعْنَاهُ إذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا كَذَّبَتْهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهَا وَعَنْ أَوْلَادِهَا ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ قَبْلَ إقْرَارِهَا ، وَأَنَّهَا كَانَتْ حُبْلَى حِينَ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَانَ خَبَرُهَا مُسْتَنْكَرًا مَرْدُودًا ، وَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الْآخَرُ فَهُوَ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا إقْرَارٌ مِنْهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَبَقَ نِكَاحَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مُنْذُ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَتُصَدِّقُهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ فَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي ، وَتَأْوِيلُ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ أَقَرَّتْ بِهِ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ .

قَالَ : رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَمَاتَ عَنْهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَدَّعِيَ الْحَبَلَ أَوْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ كَانَتْ سَاكِتَةً فَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ فَارَقَهَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا الْحَبَلَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالْبُلُوغِ فَهِيَ وَالْكَبِيرَةُ سَوَاءٌ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْفُرْقَةِ أَوْ أَرْبَعِ أَشْهُرٍ ، وَعَشْرٍ مُنْذُ مَاتَ الزَّوْجُ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ أَقَرَّتْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ الْإِقْرَارِ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً فَقَدْ ظَهَرَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِإِقْرَارِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْفُرْقَةِ ، وَبِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِي الْمَوْتِ فَإِنَّمَا ، وَلَدَتْ لِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِتَةً .
فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ فَارَقَهَا وَلِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ مَاتَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ لِمُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُلُوقٍ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ بُلُوغُهَا مَوْهُومٌ ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَإِذَا لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهِيَ ، وَالْكَبِيرَةُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا عَرَفْنَاهَا صَغِيرَةً وَمَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى

زَوَالِهِ وَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ تَنْقَضِي فِي الْفُرْقَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِالنَّصِّ ، وَفِي الْمَوْتِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ بَعْدَ ظُهُورِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنْ ادَّعَتْ حَبَلًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ ، وَلَدِهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ أَقَرَّتْ ، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِتَةً ثَبَتَ نَسَبُ ، وَلَدِهَا مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا مُنْذُ مَاتَ الزَّوْج ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالنَّصِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوِلْدَةِ لِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الصَّغِيرَةِ .
وَلَكِنَّا نَقُولُ : انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا فَإِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ الطُّولَى ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا فَمَا لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تُجْعَلُ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ الصِّغَرَ يُنَافِي الْحَبَلَ فَانْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مُطْلَقًا يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ مَا لَمْ يَدَّعِ حَبَلًا فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْكَبِيرَةِ مِنْ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ ، وَلَا فِرَاشٌ قَائِمٌ ، وَلَا إقْرَارٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ بِيَوْمٍ بِسِقْطٍ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ أَخْبَرَتْ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مُثْبِتٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : وَلَدَتْهُ مَسَاءً ، وَقَالَتْ هِيَ كَانَ فَمَاتَ فَشَهِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَلَدِ الْقَابِلَةُ يُقْبَلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي حُكْمِ الْإِرْثِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَأَمَّا فِي الْمِيرَاثِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ .
فَصَلَّى وَعَلَيْهِ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ ، ثُمَّ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ هُنَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ الْآخَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتٌ تَسْمَعُهُ الرِّجَالُ فَلَا يَكُونُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ حُجَّةً تَامَّةً ، وَإِنْ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ كَجِرَاحَاتِ النِّسَاءِ فِي الْحَجَّامَاتِ إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ .
وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَأَمَّا الْمِيرَاثُ مِنْ بَابِ الْأَحْكَامِ فَتُسْتَدْعَى حُجَّةٌ كَامِلَةٌ وَذَلِكَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ .

قَالَ : رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ ، وَقَالَ انْقَضَتْ عِدَّتُك وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فِرَاشٌ قَائِمٌ فَلَا تَكُونُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أُخْبِرُك أَنَّ عِدَّتَك قَدْ انْقَضَتْ ، وَكَذَّبَتْهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَةً سِوَاهَا ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ ، وَلَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالنَّسَبُ مِنْ حَقِّهَا فَصَارَ فِي حَقِّ النَّسَبِ كَأَنَّ الْإِخْبَارَ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ .
وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ أَخْبَرَ الزَّوْجُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَصَارَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُسْتَنْكَرًا ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنَّمَا تَزَوَّجَ الْأَرْبَعَ وَفِرَاشُهُ عَلَى الْأَوَّلِ قَائِمٌ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي الْفِرَاشِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ ، فَلِهَذَا بَطَلَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا فَإِنْ كَانَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَلْزَمُهُ النَّسَبُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ إقْرَارِهَا ، وَلَوْ أَقَرَّتْ هِيَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَ مُرَاجِعًا لَهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَمِنْ ضَرُورَةِ مُرَاجَعَتِهِ لَهَا بُطْلَانُ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ فَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ، ثُمَّ أَبَانَهَا أَوْ بِغَيْرِهَا فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً بِحَالٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ

أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ إقْرَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاقِعَ صَارَ ثَابِتًا ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ لِلْإِبَانَةِ فَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مُرَاجِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْشَأَ الْإِبَانَةَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْوَاقِعَ نِصْفَهُ الرَّجْعَةَ ثَانِيًا أَوْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَانِيًا ، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَلَاثًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَانِيًا ، وَلَا ثَلَاثًا فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْوَاقِعُ مِنْ الطَّلَاقِ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ ، وَمِلْكُ الصِّفَةِ تُمَلِّكُ الْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَصْلُهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَبْقَ صِفَتُهَا فِي مِلْكِهِ أَيْضًا وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بَاطِلٌ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ الْوَاقِعُ بِغَرَضِ أَنْ يَصِيرَ ثَانِيًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَلِكَ ثَانِيًا يَجْعَلُهُ إيَّاهُ ثَابِتًا ، وَلَكِنَّ الْوَاحِدَ قَطُّ لَا يَصِيرُ ثَلَاثًا فَكَانَ جَعْلُهُ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا تَصَرُّفًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلِهَذَا كَانَ لَغْوًا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَا يَمْلِكُ جَعْلَ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا حَقِيقَةً وَلَكِنْ يَمْلِكُ ضَمَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَى الْوَاحِدَةِ بِالْإِيقَاعِ لِتَصِيرَ ثَلَاثًا كِنَايَةً عَنْ قَوْلِهِ أَوْقَعَتْ اثْنَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِتَصْحِيحِ مَقْصُودِهِ كَمَا جَعَلْنَا لَفْظَةَ الْخُلْعِ مَجَازًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ

قَالَ : غُلَامٌ مُحْتَلِمٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَنَّهُمَا أَبَوَاهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ ، وَامْرَأَتُهُ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ ابْنُهُمَا ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغُلَامِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّهُ فَهُوَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا هُوَ حَقٌّ لَهُ عَلَى مَنْ هُوَ جَاحِدٌ وَالْأَخَوَانِ يُثْبِتَانِ بِالْبَيِّنَةِ مَا هُوَ حَقُّ الْغُلَامِ ، وَبَيِّنَةُ الْمَرْءِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَيِّنَةِ الْغَيْرِ عَلَى حَقِّهِ ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مِثْلِ هَذَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْغُلَامُ نَصْرَانِيًّا وَاَللَّذَانِ ادَّعَى الْغُلَامُ أَنَّهُمَا أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّانِ إذَا كَانَ شُهُودُهُ مُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ مَا أَقَامَ مِنْ الشُّهُودِ حُجَّةٌ عَلَى الْخَصْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ ( قِيلَ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ بَيِّنَةُ الْآخَرَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْغُلَامِ .
( قُلْنَا ) : الْيَدُ أَقْوَى مِنْ الدِّينِ فِي حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْيَدَ تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ ظَاهِرًا وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْيَدِ ، وَلَوْ ادَّعَى الْغُلَامُ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ أَمَتِهِ فُلَانَةَ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، وَقَالَ فُلَانٌ هُوَ عَبْدِي وُلِدَ مِنْ أَمَتِي هَذِهِ زَوَّجْتُهَا مِنْ عَبْدِي فُلَانٍ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ ابْنُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى يُثْبِتَانِ نَسَبُهُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ .
وَهُوَ إنَّمَا أَثْبَتَ النَّسَبَ بِفِرَاشِ الْمِلْكِ وَفِرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ النَّسَبَ مَتَى ثَبَتَ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ ، وَإِذَا ثَبَتَ بِفِرَاشِ الْمِلْكِ انْتَفَى بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ ، وَالتَّرْجِيحُ بِمَا ذَكَرْنَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96