كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا بِحَقِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَالْقِسْمَةُ نَظِيرُ الْبَيْعِ فَلَا يُمْتَنَعُ جَوَازُهَا بِسَبَبِ الْغَبْنِ عِنْدَ تَمَامِ التَّرَاضِي مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ تَقَعْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمَا وَالتَّرَاضِي بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَتَمَامُ الْقِسْمَةِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَانَتْ أَقْرِحَةُ الْأَرْضِ مُتَفَرِّقَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَهِيَ كَالدُّورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقَسَّمُ كُلُّ قَرَاحٍ بَيْنَهُمَا عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَقْسِمَا الْكُلَّ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَعْدَلِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا فِي الدُّورِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ الْمُتَفَرِّقَةَ تَتَفَاوَتُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلرَّطْبَةِ وَالْكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَفَاوُتِ الدُّورِ الْمُتَفَرِّقَةِ تَتَفَاوَتُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا أَوْ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تُقْسَمُ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْأَقْرِحَةِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوهَا فَأَصَابَ أَحَدُهُمْ قِرَاحَ وَغَلَّاتٍ فِي قِرَاحٍ وَأَصَابَ الْآخَرُ قَرْحَا كَرْمٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْقِسْمَةِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا وَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْقِسْمَةِ أَيْضًا وَاذَا أَصَابَ بَعْضَهُمْ بُسْتَانٌ وَكَرْمٌ وَبُيُوتٌ وَكَتَبُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا أَوْ لَمْ يَكْتُبُوا ذَلِكَ فَلَهُ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ كَتَبُوا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا دَخَلَ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَفِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ قَالَ : لَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ قَالَ هُنَاكَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا وَمِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي آخِرِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ إدْخَالُ الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَهُنَاكَ أَطْلَقَ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا وَالثَّمَرُ وَالزَّرْعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَعِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ وَمَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ نَفَرٌ بَيْنَهُمْ أَرْضًا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ وَلَا شُرْبَ وَرَضُوا بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمْ عَلَى الْتِزَامِ الضَّرَرِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : الْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَلَكِنْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي قِسْمَةَ الْحَمَّامِ بَيْنَهُمْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَإِنْ فُعِلَ بِتَرَاضِيهِمْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ نَخْلٌ فِي غَيْرِ أَرْضِهِمْ فَاقْتَسَمُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ اثْنَانِ مِنْهُمْ الْأَرْضَ وَأَخَذَ الثَّالِثُ النَّخِيلَ بِأُصُولِهَا فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ النَّخْلَةَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِطِ مِنْهَا وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمْ فِي الْقِسْمَةِ حَائِطًا يَنْصِبُهُ جَازَ ، فَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنَّ لِفُلَانٍ هَذِهِ الْقِطْعَةَ وَهَذِهِ النَّخْلَةَ وَهُوَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ وَلِلْآخَرِ قِطْعَةٌ وَلِلثَّالِثِ الْقِطْعَةُ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ النَّخْلَةُ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ النَّخْلَةَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالنَّخْلَةُ لِصَاحِبِهَا بِأَصْلِهَا ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّخْلَةَ كَالْحَائِطِ وَتَسْمِيَةُ الْحَائِطِ فِي الْقِسْمَةِ يَسْتَحِقُّهُ بِأَصْلِهِ ، فَكَذَلِكَ تَسْمِيَةُ النَّخْلَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا نَخْلَةٌ مَا لَمْ تُقْطَعْ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ هُوَ جِذْعٌ فَمِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّخْلَةِ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِهَا .
وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِنَخْلَةٍ اسْتَحَقَّهَا بِأَصْلِهَا وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ فِي الْبَيْعِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِأَصْلِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِأَصْلِهَا إلَّا بِالذِّكْرِ فَقِيلَ الْجَوَابُ فِي الْإِقْرَارِ كَالْجَوَابِ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْخِلَافِ فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ فِي الْقِسْمَةِ بَعْضُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ مِلْكُهُ وَأَصْلُ مِلْكِهِ فِيهَا نَخْلَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ نَخْلَةً قَبْلَ الْقَطْعِ فَمِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِهِ الْبَعْضَ بِأَصْلِهِ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِ النَّخْلَةِ بِأَصْلِهَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ فَهُوَ إخْبَارٌ بِمِلْكِ النَّخْلَةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ نَخْلَةً بِأَصْلِهَا فَأَمَّا الْبَيْعُ إيجَابُ مِلْكٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ إلَّا الْمُسَمَّى فِيهِ وَالنَّخْلَةُ اسْمٌ ؛ لِمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ
لَا الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِتَسْمِيَةِ النَّخْلَةِ فِي الْبَيْعِ ؛ فَلِهَذَا يَشْتَرِطُ فِيهِ ذِكْرُ الْأَصْلِ فَإِنْ قَطَعَهَا فَلَهُ أَنْ يَغْرِسَ مَكَانَهَا مَا بَدَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِ فَكَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ الْأُولَى فِيهَا قَبْلَ الْقَطْعِ ، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ إلَيْهَا فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الضَّرَرِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى نَخْلَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَأَنَّ الطَّرِيقَ الْخَاصَّ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَإِنْ كَانُوا ذَكَرُوا فِي الْقِسْمَةِ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ الطَّرِيقُ إلَى نَخْلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَلَا يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا شَرْطَ الطَّرِيقِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الطَّرِيقَ إلَى نَخْلَتِهِ أَيْضًا .
وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ وَأَرْضٌ وَرَحَا مَاءٍ بَيْنَ نَفَرٍ فَاقْتَسَمُوهَا فَأَصَابَ رَجُلٌ الرَّحَّاءَ وَأَصَابَ الْآخَرُ أَقْرِحَةً مَعْلُومَةً وَأَصَابَ الْآخَرُ بُيُوتًا وَأَقْرِحَةً فَاقْتَسَمُوهَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ فَأَرَادَ صَاحِبُ النَّهْرِ أَنْ يَمُرَّ إلَى نَهْرِهِ فِي أَرْضِ قِسْمَةٍ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَهُ الطَّرِيقُ إلَى نَهْرِهِ إذَا كَانَ نَهْرُهُ فِي وَسَطِ أَرْضِ هَذَا وَلَا يَخْلُصُ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَهْرِهِ مَا لَمْ يَخْلُصْ إلَيْهِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا فِي أَرْضِ قَسِيمِهِ وَقَدْ اشْتَرَطَ فِي الْقِسْمَةِ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ لِأَجْلِ هَذَا الطَّرِيقِ وَالطَّرِيقُ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي نَصِيبِ قَسِيمِهِ ، وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ مُنْعَرِجًا مَعَ حَدِّ الْأَرْضِ لَهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِي أَرْضِ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَمْيِيزِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا مِنْ مِلْكِ الْآخَرِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَبْقَى لِأَحَدِهِمَا حَقٌّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَإِتْمَامُ الْقِسْمَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُمْكِنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَفِي الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ إتْمَامُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُجْعَلُ الطَّرِيقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ فِي الْبَيْتِ وَالصِّفَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ أَرْضِ هَذَا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْمَرَافِقَ وَالطَّرِيقَ وَلَا كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَلَا كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ هَذَا ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي نَصِيبِ قَسِيمِهِ حَقًّا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَمُرَّ فِي بَطْنِ النَّهْرِ بِأَنْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ مَوْضِعٍ مِنْ النَّهْرِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ
وَطَرِيقُهُ فِي بَطْنِ النَّهْرِ لِيُمْكِنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَطَرِيقُهُ لَا فِي بَطْنِ النَّهْرِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَجْلِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ لِلنَّهْرِ مُسَنَّاةٌ مِنْ جَانِبَيْهِ يَكُونُ طَرِيقُهُ عَلَيْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَطَرِيقُهُ عَلَيْهَا دُونَ أَرْضِ صَاحِبِهِ ، وَإِنْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْقِسْمَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالنَّهْرِ بِالتَّطَرُّقِ عَلَى مُسِنَّاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْمُسَنَّاةَ فِي الْقِسْمَةِ فَاخْتَلَفَ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْأَرْضِ فِيهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ لِمُلْتَقَى طِينِهِ وَطَرِيقِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الشُّرْبِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ عَرْضِ بَطْنِ النَّهْرِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمَا لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ كَانَ اشْتِرَاطُ النَّهْرِ لِأَحَدِهِمَا فِي الْقِسْمَةِ اشْتِرَاطًا لِحَرِيمِهِ لَهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ وَقَدْ جَعَلَا فِي الْقِسْمَةِ النَّهْرَ حَدًّا لِمِلْكِ صَاحِبِهِ وَالْمُسَنَّاةُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَصْلُحُ ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْأَرْضُ مِنْ الْغَرْسِ وَالزِّرَاعَةِ وَلَا يَصْلُحُ ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْرِ طَرِيقٌ إلَّا فِي أَرْضٍ لِقَسِيمِهِ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إذَا عَلِمَ يَوْمئِذٍ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْقِسْمَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ رَضِيَ هُوَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ ، وَالشَّرْطُ أَمْلَكُ ، وَكَذَلِكَ
النَّخْلَةُ وَالشَّجَرَةُ نُصِبَتْ إحْدَاهُمَا فِي أَرْضِ الْآخَرِ وَاشْتَرَطَا أَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَرْضِ صَاحِبِهِ فَهُوَ وَالنَّهْرُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ نَهْرٌ يَصُبُّ فِي أَجْمِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ الْمَصَبُّ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ مُسْتَعْجِلٌ لَهُ وَقَدْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيُتْرَكُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِي جُذُوعٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حَائِطِ الْآخَرِ فَالْمَصَبُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لِصَاحِبِ النَّهْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَالْجُذُوعِ وَإِذَا كَانَ نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَمُرُّ فِي مِلْكِ رَجُلٍ آخَرَ فَاخْتَلَفَا فِي مُسَنَّاةٍ عَلَى النَّهْرِ فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا الْمُسَنَّاةُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ حَرِيمِ النَّهْرِ وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ هُمَا يَقُولَانِ لِصَاحِبِ النَّهْرِ فِي الْمُسَنَّاةِ يَدٌ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ ؛ فَإِنَّهُ بِالْمُسَنَّاةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجْرِي مَاؤُهُ فِي النَّهْرِ مُسْتَوِيًا وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ وَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَنَّاةَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَصْلُحُ ؛ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْأَرْضُ وَمِلْكُ الْآخَرِ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْعُمْقُ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ حَيْثُ يَثْبُتُ لِلْآخَرِ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْحُجَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالنَّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَفِيضُ عَدَمَ الْمُسَنَّاةِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ فِيهِ حَقُّ اسْتِمْسَاكِ الْمَاءِ بِهِ فَلَا يَهْدِمُهَا لِحَقِّهِ كَحَائِطٍ لِإِنْسَانٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لِآخَرَ لَيْسَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرِسَ عَلَى الْمُسَنَّاةِ مَا بَدَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ صَاحِبِ النَّهْرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَائِطٍ سُفْلُهُ لِرَجُلٍ
وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى عُلُوِّهِ مَا بَدَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ وَالْأَرْضُ بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ مِسَاحَةً عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ شَجَرٌ أَوْ بُيُوتٌ فِي أَرْضِهِ فَهِيَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا دَرَاهِمَ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ يَقْتَسِمَانِ دَارًا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَصَابَهُ مِنْ الْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِيهَا سَاحَةٌ وَبِنَاءٌ لَهُمَا وَلِآخَرَ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا السَّاحَةَ وَأَخَذَ الْآخَرُ مَوْضِعَ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَالِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ الَّذِي أَصَابَهُ السَّاحَةُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَكِنْ لَهُ قِيمَةُ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا كُنْت أُجْبِرُهُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهِيَ إذَا كَانَ بِشَرْطٍ أَجْوَزُ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ لِلسَّاحَةِ وَتَبَعٌ لَهَا فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مِلْكِ الْبَيْعِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِمِلْكِ الْأَصْلِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْقِيمَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ صَبْغَ الْغَيْرِ لَوْ اتَّصَلَ بِثَوْبِ الْغَيْرِ كَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الصَّبْغَ عَلَى صَاحِبِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَصْفٌ لِمِلْكِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ كُلُّهُ لِإِنْسَانٍ فِي سَاحَةِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ صَاحِبَ الْبِنَاءِ يَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِ بِنَائِهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِصَاحِبِ السَّاحَةِ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حَقُّ تَمَلُّكِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا فَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِ السَّاحَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ جَمِيعَ الْبِنَاءِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ
أَنْ يَرْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَتَمَلَّكَ نَصِيبَهُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَيُوَفِّرَ حَظَّهُ عَلَى الشَّبَهَيْنِ فَلِشَبَهِهِ بِمَا هُوَ أَصْلٌ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى صَاحِبِ الْبِنَاءِ جَمِيعَ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ بِدَنَانِيرَ فَالدَّنَانِيرُ كَالدَّرَاهِمِ فِي أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ إلَّا ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَذَلِكَ ثَمَنٌ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ ، وَالْبِنَاءُ عَيْنٌ فَاشْتِرَاطُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الثَّمَنِ فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَإِنْ شَرَطُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَقْصُودًا فَجَهَالَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ تَكُونُ مُبْطِلَةً لِلْعَقْدِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قِيَامَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةٍ الْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ تَرْكُ تَسْمِيَةِ الْمِقْدَارِ فِيهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِسْمَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَأَمَّا الْعَيْنُ يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَى عَيْنِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا فَهُوَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْعَيْنِ بِقِيمَتِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِي الثَّمَنِ هُنَا
يَقْتَسِمَانِ الْمُشْتَرَكَ بَعْضُهُ بِالْمِسَاحَةِ وَبَعْضُهُ بِالْقِيمَةِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ التِّبْرُ وَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التِّبْرُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَبِيعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي كِتَاب الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ .
وَلَوْ أَقَامَتْ الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَسَأَلُوا الْقَاضِيَ قِسْمَتَهُ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ لَمْ يَقْسِمْ شَيْئًا مِنْ أَجْنَاسِ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ ، وَالْقِسْمَةُ لِيَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ ، وَذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِالْقِسْمَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ التَّرِكَةِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُوقِفَ مِنْهَا قَدْرَ الدَّيْنِ وَيَقْسِمَ الْبَاقِيَ ؛ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَفْعَلُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ شَاغِلٌ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ إلَّا مِقْدَارَ الدَّيْنِ كَانَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَهَذَا الْقِيَاسُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ، وَقَالَ : قَلَّ مَا تَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ دَيْنٍ يَسِيرٍ وَيَقْبَحُ أَنْ يُوقَفَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ بِدَيْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَنْظُرَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَيَقِفُ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَيَقْسِمُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمَيِّتِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ بِحِفْظِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ حَقُّهُ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَجِدْ الْوَارِثُ مَنْ يَكْفُلُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ الْغَرِيمُ مَنْ يَكْفُلُ عَنْهُ أَيَسَعُ الْقَاضِي إمْسَاكَ حَقِّهِ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حَقُّهُ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ لَمْ يَلْحَقْهُ بَعْدُ وَلَكِنَّهُ يَخَافُ ذَلِكَ وَعَسَى لَا يَلْحَقُهُ شَيْءٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ هَذَا شَيْءٌ احْتَاطَهُ الْقُضَاةُ وَهُوَ جَوْرٌ
أَيْ مَائِلٌ عَنْ طَرِيقِ الْقَصْدِ فَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ سَأَلَهُمْ هَلْ هِيَ دَيْنٌ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ لَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَيَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ عَنْ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي أَيْدِيهمْ فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمْ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمٌ يُنَازِعُهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْقِسْمَةِ ، فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ قَبْلَ أَوَانِهَا فَإِنَّ أَوَانَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَسَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ الَّذِي ظَهَرَ قَبْلَ أَنْ تُنْقَضَ الْقِسْمَةُ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْقُضُهَا لِارْتِفَاعِ الْمُوجِبِ لِنَقْضِهَا كَمَا لَا يَنْقُضُ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْوَارِثِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفْهُ الشُّهُودُ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُنْتَقَضُ فِي كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ بَعْض الشُّرَكَاءِ وَلَوْ لَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ تَضَرَّرَ بِهِ هَذَا الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِمَّا وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ فَيَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فِي مَوَاضِعَ ؛ فَلِهَذَا تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ وَيَسْتَقْبِلُ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمْ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ وَجَحَدَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَوَارِيثِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْجَاحِدِينَ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ إذَا كَانَ فِي نَصِيبِهِ وَفَاءٌ بِذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْضِي مِنْ نَصِيبِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي
الْإِقْرَارِ .
وَلَوْ قَسَّمَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنْ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْقِسْمَةُ تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ الْمُرْسَلِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَسْتَحِقُّ سَابِقًا عَلَى الْمِيرَاثِ كَالدَّيْنِ فَظُهُورُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَظُهُورِ الدَّيْنِ فَإِنْ غَرِمَ الْوَارِثُ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ مَالِهِمْ مَضَتْ الْقِسْمَةُ لِوُصُولِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِكَمَالِهِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَضَوْا الدَّيْنَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَهُوَ سَوَاءٌ فِي الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ حَقِّهِ فِي التَّرِكَةِ كَقِيَامِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْقِسْمَةِ إلَّا أَنْ يَقْضُوهُ بِالْحِصَصِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَبْلَ نَقْضِ الْقِسْمَةِ فَالْقِسْمَةُ مَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْوَصِيَّةِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أُبْطِلَتْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ حَتَّى تَزْدَادَ حِصَّتُهُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَتَنْقُصُ بِنُقْصَانِ التَّرِكَةِ فَثُبُوتُ وَصِيَّتِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَظُهُورِ وَارِثٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَقْتَ الْقِسْمَةِ فَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ لِحَقِّهِ
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ وَأَرْضُهَا بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِالشِّرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِيرَاثًا فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَلَى الْأَصْلِ وَشَرِيكُ أَبِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَقْسِمْ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ ؛ لِأَنَّ حُضُورَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ كَحُضُورِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ فِي الْمُشْتَرَاةِ أَنَّ غَيْبَةَ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ مِنْ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشِّرَاءِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَغَابَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَسَمْتُهَا بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْوَرَثَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَحُضُورُهُ كَحُضُورِ الْمَيِّتِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَلِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَعْضِ وَحُضُورُ بَعْضِهِمْ كَحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَمَّا وَارِثُ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْ شَرِيكِهِ الْمُشْتَرِي مَعَهُ ؛ فَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالْقِسْمَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الشَّرِيكِ .
وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِيرَاثًا مِنْ أَبِيهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ نَصِيبَهُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَحَضَرُوا وَغَابَ عَنْهُمْ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى أُصُولِ مِيرَاثِ الْجَدِّ قَسَمْتَهَا بَيْنَهُمْ وَيُعْزَلُ نَصِيبُ عَمِّهِمْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَمُّهُمْ حَاضِرًا وَغَابَ بَعْضُ بَنِي أَخِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مِيرَاثٌ هُنَا وَفِي الْمِيرَاثِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْبَعْضِ فَيُجْعَلُ حُضُورُ بَعْضِهِمْ كَحُضُورِ جَمَاعَتِهِمْ لِلْقِسْمَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَيُعْزَلُ نَصِيبُ كُلِّ غَائِبٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ الْقَرْيَةَ وَهِيَ مِيرَاثٌ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ لَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ أَوْ غَائِبٌ لَيْسَ لَهُ وَكِيلٌ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَظَرَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ فَوْقَ نَظَرِهِمْ لِلْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ فَلَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْغَائِبِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ شَفَقَةً لِحَقِّ الدِّينِ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمُوهَا بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْطِ أَوْ عَامِلٍ غَيْرِ الْقَاضِي كَالْعَامِلِ عَلَى الرُّسْتَاقِ أَوْ الطَّسُّوجِ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ عَلَى الْمَعُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ فَوُجُودُ أَمْرِهِمْ كَعَدَمِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَضُوا بِحُكْمِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَسُمِعَ مِنْ بَيْنِهِمْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْمِيرَاثِ ، ثُمَّ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ لَا وَصِيَّ لَهُ أَوْ غَائِبٌ لَا وَكِيلَ لَهُ لَمْ تَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ ؛ فَإِنَّهُ صَارَ حَكَمًا بِتَرَاضِي الْخُصُومِ فَيَقْتَصِرُ وِلَايَتُهُ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْهُ الرِّضَا بِحُكْمِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْغَائِبُ أَوْ كَبَرَ الصَّبِيُّ فَأَجَازَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُجِيزًا حَالَ وُقُوعِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ جَازَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَ الصَّبِيِّ فَكَبَرَ الصَّبِيُّ وَأَجَازَ ذَلِكَ ، وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ الصَّغِيرُ فَأَجَازَ وَارِثُهُ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَادِثٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَا تُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ وَأَجَازَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُورِثَ فَإِجَازَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَإِجَازَةِ الْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ
وَحَرْفُ الِاسْتِحْسَانِ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ قَائِمَةٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ فَلَوْ نُقِضَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ اُحْتِيجَ إلَى إعَادَتِهَا فِي الْحَالِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ إعَادَتُهَا بِرِضَى الْوَارِثِ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهَا مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ مِنْهُ لِتُعَادَ بِرِضَاهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّا لَوْ نَقَضْنَا ذَلِكَ الْبَيْعَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إعَادَتِهِ فَالْبَيْعُ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا فِي كُلِّ عَيْنٍ لَا مَحَالَةَ ؛ فَلِهَذَا لَا يُعْمَلُ إجَازَةُ الْوَارِثِ فِيهِ بَعْدَ تَعَيُّنِ جِهَةِ الْبُطْلَانِ فِيهِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ قِسْمَةِ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ بَيْنَ قَوْمٍ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهَا وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ مُمْكِنٌ لِلتَّقَارُبِ فِي الْمَقْصُودِ فَيَغْلِبُ مَعْنَى التَّمْيِيزِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عَلَى مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَبِمَعْنَى التَّمْيِيزِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إجْبَارِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ بَيْنَهُمْ إذَا كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ جِنْسٌ وَاحِدٌ إذَا كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَمُرَاعَاةُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ مُمْكِنٌ لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الرَّقِيقَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَهْرًا وَلَا تَثْبُتُ سَلَمًا ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ يَجْعَلُ الرَّقِيقَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّقِيقَ يُقْسَمُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : التَّفَاوُتُ فِي الرَّقِيقِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّ الْأَجْنَاسَ .
الْمُخْتَلِفَةَ قَدْ تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّقِيقُ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا ، ثُمَّ قِسْمَةُ الْجَبْرِ لَا تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّقِيقِ وَهَذَا ؛
لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ فِي الْآدَمِيِّ بِاعْتِبَارِ مَعَانٍ بَاطِلَةٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً كَالدُّهْنِ وَالْكِتَابَةِ وَقَدْ يَرَى الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةً أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَالِيَّةِ وَبِتَرَجُّحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عَلَى مَعْنَى التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ أَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِي الرَّقِيقِ هُمَا جِنْسَانِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّفَاوُتِ وَهَذَا بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهَا تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْمَغَانِمِ وَقِسْمَةُ الثَّمَنِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اتِّصَالِ مِقْدَارٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَمَّا فِي الشَّرِكَةِ الْمِلْكُ حَقُّ الشُّرَكَاءِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَلِلْإِمَامِ حَقُّ التَّمْيِيزِ بِالْقِسْمَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَادِلَةِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا كَانَ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ هُنَا بِطَرِيقِ التَّمْيِيزِ لَا يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ غَنَمٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ مَتَاعٍ فَحِينَئِذٍ يَقْسِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ ذَلِكَ بِرِضَاءِ الشُّرَكَاءِ فَأَمَّا مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِهِمْ الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الرَّقِيقِ لَا يَقْسِمُ قِسْمَةَ الْجَبْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعِنْدَ
اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْلَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ هُنَا تَجْرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجِنْسَ الْآخَرَ الَّذِي هُوَ مَعَ الرَّقِيقِ يُجْعَلُ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ وَحُكْمُ الْقِسْمَةِ جَبْرًا يَثْبُتُ فِيهِ فَيَثْبُتُ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا تَبَعًا وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الشَّيْءِ تَبَعًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ فِيهِ مَقْصُودًا كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْتِ وَكَأَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا تَخْلُو تَرِكَةٌ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى قِسْمَةِ الْقَاضِي عَنْ الرَّقِيقِ وَإِذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ فَبِاعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَالِيَّةِ يَتَيَسَّرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ رَقِيقًا فَعِنْدَ مُقَابَلَةِ الرَّقِيقِ بِالرَّقِيقِ يَعْظُمُ الْغَبْنُ وَالتَّفَاوُتُ وَعِنْدَ مُقَابَلَةِ الرَّقِيقِ بِمَالٍ آخَرَ يَقِلُّ التَّفَاوُتُ .
وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ثَوْبٌ زُطِّيُّ وَثَوْبٌ هَرَوِيّ وَبِسَاطٌ وَوِسَادَةٌ لَمْ يَقْسِمْهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقِسْمَةَ تَكُونُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَتَمَلَّكُ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي يَأْخُذُ عِوَضًا عَمَّا يَمْلِكُهُ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ مِنْ الْجِنْسِ الْآخَرِ وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ لَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي فَإِنْ كَانَ فِي الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ رَقِيقٌ وَثِيَابٌ وَغَنَمٌ وَدُورٌ وَضِيَاعٌ فَاقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صِنْفًا جَازَ ذَلِكَ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمْ عَلَى إنْشَاءِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَإِنْ رَفَعُوا إلَى الْقَاضِي قَسَّمَ كُلَّ صِنْفٍ بَيْنَهُمْ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُضِيفُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ التَّمْيِيزِ بِالْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا يَغْلِبُ مَعْنَى التَّمْيِيزِ إذَا قَسَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُ الْمُعَادَلَةَ فِي كُلِّ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُ اعْتِبَارُهُ ، وَقِسْمَةُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ أَقْرَبُ إلَى الْمُعَادَلَةِ فَأَمَّا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ دُونَ الْمُعَادَلَةِ وَإِذَا تَمَّتْ بِتَرَاضِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ .
وَإِذَا كَانَتْ الْغَنَمُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ أَقْرَعَا فَأَصَابَ هَذَا طَائِفَةً ، ثُمَّ نَدِمَ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَمَّتْ بِخُرُوجِ السِّهَامِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَضِيَا بِرَجُلٍ قَسَّمَهَا وَلَمْ يَأْلُوَا أَنْ يَعْدِلَ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِتَرَاضِيهِمَا كَفِعْلِهِمَا ، وَإِنْ تَسَاهَمُوا عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوهَا فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَدُّوا لَهُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَهَذَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يَعْرِفُ مَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقِسْمَةِ وَفِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ فَالْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ تُفْسِدُهَا كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْمِيرَاثِ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ فَجَعَلُوا الْإِبِلَ قِسْمًا وَالْغَنَمَ قِسْمًا وَالْبَقَرَ قِسْمًا ، ثُمَّ تَسَاهَمُوا عَلَيْهَا وَأَقْرَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ الْإِبِلُ رَدَّ كَذَا دِرْهَمًا عَلَى صَاحِبَيْهِ نِصْفَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَتِمُّ بَيْنَهُمْ إلَّا بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ وَمَنْ وَجَبَ لَهُ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ عِنْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِاسْمِهِ مَجْهُولٌ فِيمَا يَتَفَاوَتُ فَإِنْ نَدِمَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ مَا وَقَعَتْ السِّهَامُ لَمْ يَسْتَطِعْ نَقْضَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمَّتْ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ السِّهَامُ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَتِمَّ بَعْدُ ، وَنُفُوذُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ الْمُرَاضَاةِ فَيُعْمَلُ الرُّجُوعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ تَمَامِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ سَهْمٌ وَبَقِيَ سَهْمَانِ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ جَازَ رُجُوعُهُ ، وَإِنْ وَقَعَتْ السِّهَامُ كُلُّهَا إلَّا سَهْمًا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَمَّتْ فَبِخُرُوجِ سَائِرِ السِّهَامِ يَتَعَيَّنُ مَا يُصِيبُ السَّهْمُ الْبَاقِي خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ .
وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ لَمْ يَقْسِمْ ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرًا ؛ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِ الثَّوْبِ بَيْنَهُمَا وَفِي قَطْعِهِ إتْلَافُ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي مَعَ كَرَاهَةِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ جَمِيعًا قَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِالْتِزَامِ هَذَا الضَّرَرِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْقَاضِي لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَلَكِنْ إنْ اقْتَسَمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَمْنَعْهُمَا مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ إتْلَافَ جُزْءٍ وَالْقَاضِي بِقَضَائِهِ يُحَصِّلُ وَلَا يُتْلِفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ فَشَقَّاهُ طُولًا أَوْ عَرْضًا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الثِّيَابُ بَيْنَ قَوْمٍ إنْ اقْتَسَمُوهَا لَمْ يَصِبْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ تَامٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَطْعِ وَفِيهِ إتْلَافُ جُزْءٍ ، وَإِنْ تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ عَلَى شَيْءٍ جَازَ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنِّي أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَتْ قِسْمَتُهَا تَسْتَقِيمُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ ثَوْبَيْنِ مِثْلَ قِيمَةِ الثَّالِثِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا فَيُعْطِي أَحَدَهُمَا ثَوْبَيْنِ وَالْآخَرَ ثَوْبًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ لَمْ أَقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ إلَّا إنْ تَرَاضَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى شَيْءٍ هَكَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ : إنْ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ وَكَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبًا وَنِصْفًا ؛ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثَّوْبَيْنِ بَيْنَهُمَا وَيَدَعُ الثَّالِثَ مُشْتَرَكًا ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَقَامَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ ثَوْبًا وَثُلُثَيْ الْآخَرِ وَالْقِسْمَ الْآخَرَ ثَوْبًا وَثُلُثَ الْآخَرِ أَوْ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ ثَوْبًا وَرُبْعًا وَالْآخَرَ ثَوْبًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ ؛ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ وَيَتْرُكُ الثَّوْبَ الثَّالِثَ مُشْتَرَكًا ؛ لِأَنَّهُ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ التَّمْيِيزُ فِي بَعْضِ الْمُشْتَرَكِ وَلَوْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ كَانَ يَقْسِمُ الْكُلَّ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَيَسَّرَ ذَلِكَ فِي الْبَعْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ الْخِيَارِ فِي الْقِسْمَةِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اقْتَسَمَا الشَّرِيكَانِ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ مَتَاعًا وَلَمْ يَرَ أَحَدُهُمَا قِسْمَهُ الَّذِي وَقَعَ لَهُ ، ثُمَّ رَآهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْقِسْمَةَ ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا ) وَاعْلَمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي قِسْمَةٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا دُونَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي فَلَهُ وِلَايَةُ إجْبَارِ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِهِمْ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَأَمَّا فِيمَا لَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ تَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ كَالْبَيْعِ فَكَمَا أَنَّ فِي الْبَيْعِ الرِّضَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالذَّهَبُ التِّبْرُ وَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ .
وَإِذَا كَانَتْ أَلْفَا دِرْهَمٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كُلُّ أَلْفٍ فِي كَيْسٍ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا كِيسًا وَالْآخَرُ أَخَذَ الْكِيسَ الْآخَرَ وَقَدْ رَأَى أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ وَلَمْ يَرَهُ الْآخَرُ فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الَّذِي رَآهُ وَعَلَى الَّذِي لَمْ يَرَهُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ فِي الثَّمَنِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانٌ مَحْضَةٌ وَلَا مَقْصُودَ فِي عَيْنِهَا إنَّمَا الْمَقْصُودُ الثَّمَنِيَّةُ وَبِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ يَصِيرُ الْمَقْصُودُ مَعْلُومًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ ضَمُّ الرِّضَا بِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِسْمُ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَالَ شَرَّهُمَا فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِقِسْمِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الصِّفَةِ مِثْلُ مَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ فَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَأَى عِنْدَ الشِّرَاءِ جُزْءًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ شَرًّا مِمَّا رَأَى ؛ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ .
فَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا وَقَدْ رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَاهِرَ الدَّارِ وَظَاهِرَ الْمَنْزِلِ الَّذِي أَصَابَهُ وَلَمْ يَرْجُو فِيهِ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ بِرُؤْيَةِ الظَّاهِرِ مِنْ حِيطَانِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَنَا وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا ، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ ، وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَسَمَا بُسْتَانًا وَكَرْمًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا الْبُسْتَانَ وَالْآخَرُ الْكَرْمَ وَلَمْ يَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الَّذِي أَصَابَهُ وَلَا رَأَى جَوْفَهُ وَلَا نَخْلَهُ وَلَا شَجَرَهُ وَلَكِنَّهُ رَأَى الْحَائِطَ مِنْ ظَاهِرِهِ فَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرُؤْيَةُ الظَّاهِرِ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْبَاطِنِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ جَوَابُهُ فِي الدَّارِ بِنَاءً عَلَى دُورِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ إلَّا فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ ضَعِيفٌ جِدًّا فَفِي الْبُسْتَانِ الْمَقْصُودُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَشْجَارِ وَالنَّخِيلِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ الِاسْتِقْصَاءُ بِرُؤْيَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ مَقَامَ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ الْمَطْوِيَّةِ يُجْعَلُ رُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ ظَاهِرِ كُلِّ ثَوْبٍ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ .
وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْقِسْمَةِ جَائِزٌ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا فِي اعْتِبَارِ تَمَامِ الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَفِي احْتِمَالِ الْفَسْخِ كَذَلِكَ وَالْخِيَارُ بِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْفَسْخُ أَوْ لِئَلَّا يَثْبُتَ صِفَةُ اللُّزُومِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي جَانِبٍ مِنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّدَّ بِالْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ وَادَّعَى الْآخَرُ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفَسْخِ مُتَمِّمٌ فَمَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ يَتَمَسَّكُ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ بِهِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الرَّدَّ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ الْفَسْخَ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ دُونَ صَاحِبِهِ وَسُكْنَى الدَّارِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِ صَاحِبِ الْخِيَارِ رِضًا مِنْهُ بِهَا وَإِبْطَالٌ لِلْخِيَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبُيُوعِ وَأَنَّ مُرَادَهُ حَيْثُ يَقُولُ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ إذَا تَحَوَّلَ إلَيْهَا وَسَكَنَهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَحَيْثُ يَقُولُ : لَا يَكُونُ رِضًا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهَا فَاسْتَدَامَ السُّكْنَى ، وَكَذَلِكَ إنْ بَنَى أَوْ هَدَمَ فِيهَا شَيْئًا أَوْ جَصَّصَهَا أَوْ طَيَّنَ فِيهَا حَائِطًا أَوْ ذَرَعَ الْأَرْضَ أَوْ سَقَاهَا أَوْ قَطَفَ الثَّمَرَةَ أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَ أَوْ لَقَّحَ النَّخْلَ أَوْ كَسَحَ الْكَرْمَ فَهُوَ كُلُّهُ رِضًا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يُفْعَلُ عَادَةً إلَّا فِي الْمِلْكِ وَمُبَاشَرَتُهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِمِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِهِ .
وَيَجُوزُ قِسْمَةُ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ وَيُجْعَلُ رِضَاهُ فِي ذَلِكَ كَرِضَاهُمَا أَنْ لَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأَبِ فِي ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبٌ الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا وَيَجُوزُ قِسْمَةُ وَصِيِّ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ مِنْ تَرِكَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ وَتَصَرُّفُهَا فِي مِلْكِ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ صَحِيحٌ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ ، فَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ وَصِيِّهَا بَعْدَهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةُ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ فِيهِ مَعْنَى الْحِفْظِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْعَقَارِ ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ فِي مِيرَاثِهِ مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ قِسْمَتُهُ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فَيَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ عَلَيْهِ فِيمَا وَرِثَ مِنْهُ وَلِأَنَّ فِي حِفْظِ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْمُوصِي ؛ فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُبَاعُ ذَلِكَ فِي دَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِيمَا وَرِثَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي فِيهِ وِلَايَةٌ وَهَذَا لَيْسَ فِي حِفْظِهِ مَعْنَى النَّظَرِ لِلْمُوصِي إنَّمَا فِيهِ مَعْنَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ وَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيِّ الْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ عَلَى الْيَتِيمِ وَهَذَا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ فَقَدْ كَانَ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَى الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَوَصِيُّهُ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ جَدٌّ لَمْ تَجُزْ قِسْمَةُ وَصِيِّ هَؤُلَاءِ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ فِي تَرِكَتِهِمْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ قَائِمٌ مَقَامَهُ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا بَالِغًا وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِوَصِيِّ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ
فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْأَبِ لَهُ يَكُونُ عَنْ شَفَقَةٍ وَافِرَةٍ وَوِلَايَةٍ كَامِلَةٍ كَنَظَرِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ وُجُودِهِ إلَى اعْتِبَارِ نَظَرِ وَصِيِّ الْعَمِّ لَهُ بِخِلَافِ حَالِ عَدَمِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَيَجُوزُ قِسْمَةُ وَصِيِّ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِ تَرِكَتِهِ وَالْقِسْمَةُ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ تَرْجِعُ إلَى حِفْظِ التَّرِكَةِ .
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْأُمِّ وَالْعَمِّ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرُ الْغَائِبُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَبٌ وَلَا وَصِيُّ أَبٍ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ مِنْ حَيْثُ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ مِنْ قِسْمَةِ هَؤُلَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِي خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ فَأَمَّا فِي سَائِرِ أَمْوَالِ الصَّغِيرِ هُمْ وَوَصِيُّهُمْ كَالْأَجَانِبِ .
وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الْكَافِرِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ عَلَى ابْنِهِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَالْكُفْرُ وَالرِّقُّ يُخْرِجُهُ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلْوِلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ .
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى اللَّقِيطِ ، وَإِنْ كَانَ يَعُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بَيْعًا وَشِرَاءً فَالْقِسْمَةُ مِثْلُهُ وَالْوَصِيُّ الَّذِي يُقِيمُهُ الْقَاضِي فِي أَمْرِ الْيَتِيمِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً كَامِلَةً عَلَى الصَّغِيرِ تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ جَمِيعًا كَوِلَايَةِ الْأَبِ فَوَصِيُّهُ أَيْضًا كَوَصِيِّ الْأَبِ ، وَإِنْ جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي النَّفَقَةِ خَاصَّةً أَوْ فِي حِفْظِ شَيْءٍ عِنْدَهُ لَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ ؛ لِأَنَّ تَنْصِيبَ الْقَاضِي إيَّاهُ وَصِيًّا قَضَاءٌ مِنْهُ وَالْقَضَاءُ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَهُ الْأَبُ وَصِيًّا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ ؛ لِأَنَّ إيصَاءَ الْأَبِ إلَيْهِ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْوِلَايَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ وَالْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ قِسْمَ الْقَاضِي يَتَصَرَّفُ مَعَ بَقَاءِ رَأْي الْقَاضِي فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ وِلَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ مَا أَمَرَ الْقَاضِي بِهِ لِتَمَكُّنِ الْقَاضِي مِنْ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَهُ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَصِيبُ الْقَيِّمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَزَوَالِ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَالْحَاجَةُ تَمَسُّ إلَى تَعْمِيمِ وِلَايَتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ الصَّبِيُّ إلَى مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ لَهُ وَمَنْ وَجَدَ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِنَصِيبِهِ عَيْبًا بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَيَنْقُضُ الْقِسْمَةَ إنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا كَمَا يَنْقُضُ الْبَيْعَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يُمَيِّزُ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا أَعْطَاهُ عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ مِنْ الْعَيْبِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِحْقَاقُ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَبِوُجُودِ
الْعَيْبِ يَفُوتُ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ فَيَتَخَيَّرُ لِذَلِكَ .
( قَالَ : وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عَدَدٌ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ الثِّيَابِ رَدَّ الَّذِي بِهِ الْعَيْبُ خَاصَّةً بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ فِي الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَاتَيْنِ وَقَبَضَهُمَا ، ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدَيْهِمَا عَيْبًا رَدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً فَهَذَا مِثْلُهُ وَيَكُونُ الْمَرْدُودُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ فِيهِ بِالرَّدِّ وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ مَا أَصَابَهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رُجُوعُهُ بِعِوَضِ الْمَرْدُودِ وَالْعِوَضُ حِصَّتُهُ هُنَا مِمَّا أَصَابَهُمْ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ .
وَإِنْ أَصَابَهُ دَارٌ أَوْ خَادِمٌ فَسَكَنَ الدَّارَ بَعْدَ مَا رَأَى الْعَيْبَ أَوْ اسْتِخْدَامِ الْجَارِيَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا رِضَا بِالْعَيْبِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ رِضًا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ إلَّا فِي مِلْكِهِ عَادَةً فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَقْرِيرِ مِلْكِهِ وَهُوَ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ أَوْ طَحْنِ الطَّعَامِ أَوْ قَطْعِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الِاسْتِخْدَامُ وَالسُّكْنَى قَدْ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَادَةً بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَبِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ الرِّضَا وَلِأَنَّهُ بِفِعْلِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ لِيَنْظُرَ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ هَلْ يُمْكِنُ نَقَصَانَا فِي مَقْصُودِهِ أَوَّلًا فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ وَقِيلَ جَوَابُهُ هُنَا فِي السُّكْنَى بِنَاءً عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي السُّكْنَى مُدَّةَ خِيَارٍ الشَّرْطِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فَقَالَ حَقُّهُ هُنَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَفِي إسْقَاطِ حَقِّهِ إضْرَارٌ بِهِ وَمُجَرَّدُ السُّكْنَى مِنْهُ لَا يَكُونُ رِضًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَأَمَّا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ حَقُّهُ فِي الْفَسْخِ فَقَطْ وَفِي جَعْلِ السُّكْنَى بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ فِي الْفَسْخِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَثِيرُ ضَرَرٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَإِذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ أَوْ سَقَى الزَّرْعَ فَهَذَا رِضَاءٌ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ إلَّا فِي مِلْكِهِ عَادَةً ، وَإِنْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِيَنْظُرَ إلَى قَدِّهِ أَوْ قَالَ : قَدْرِهِ فَهَذَا رِضَاءٌ بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ بِرِضَا فِي الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِهَذَا حَتَّى يَنْظُرَ أَنَّهُ صَالِحٌ لَهُ أَمْ لَا وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِاللُّبْسِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ وَفِي الْعَيْبِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ لِفَوَاتِ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلُّبْسِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَكَأَنَّ لُبْسَهُ الثَّوْبَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ دَلِيلُ الرِّضَا بِمِلْكِهِ .
وَإِذَا بَاعَ مَا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ مِنْ الدَّارِ وَلَا يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ فَرَدَّ الْمُشْتَرَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ وَالْإِقَالَةُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ كَالشِّرَاءِ الْمُبْتَدَأِ ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَالْبَيِّنَةُ فِي ذَلِكَ وَإِبَاءُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِبَيْعِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَعَادَ مِنْ الْحُكْمِ مَا كَانَ قَبِلَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هَدَمَ مِنْ الدَّارِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ إخْرَاجِهِ نَصِيبَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَفِي نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَوْضِعُ بَيَانِهِ كِتَابُ الصُّلْحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْقِسْمَةِ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي هَدَمَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَمْ يَبِعْهُ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَرَدِّهِ بِعَيْنِهِ مَهْدُومًا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لَدَفَعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ فَإِذَا رَضُوا بِذَلِكَ رَدَّ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا بِهِ فَكَمَا يَجِبُ النَّظَرُ لَهُمْ يَجِبُ النَّظَرُ لِمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ ؛ فَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى شُرَكَائِهِ فِي أَنْصِبَائِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ مِنْ مُقَدَّمِهَا وَقِيمَتُهُ سِتُّمِائَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا وَقِيمَتُهُ سِتُّمِائَةٍ وَهِيَ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمَا أَوْ شِرَاءٌ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدَيْ صَاحِبِ الْمُقَدَّمِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي هَذَا يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ عَلَى صَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ وَقِيمَةُ ذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ نَقَصَ الْقِيمَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَرُدُّ مَا فِي يَدِهِ وَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ نِصْفِ مَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُقَدَّمِ شَائِعًا ظَهَرَ لَهُمَا شَرِيكٌ ثَالِثٌ فِي الدَّارِ وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ إذَا اقْتَسَمَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمُسْتَحِقُّ رُبْعَ الدَّارِ شَائِعًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الدَّارَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْمُقَدَّمِ خَاصَّةً فَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ ذَلِكَ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا فِي الْكُلِّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَاسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْمَبِيعِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ فِيمَا بَقِيَ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ
نَقْضِ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي وَبَيْنَ الرُّجُوعِ بِعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارِهِ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ النِّصْفَ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَلَئِنْ كَانَ بِطَرِيقِ التَّمْيِيزِ فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الِانْتِقَاضِ فِيمَا بَقِيَ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْقِسْمَةِ .
؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَخَّرُ الدَّارِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَلَهُمَا شَرِيكٌ ثَالِثٌ فِي نِصْفِ الْمُقَدَّمِ بِنِصْفِهِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُمَا مِنْ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ مَعَ رُبْعِ النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ وَأَخَذَ الْآخَرُ مَا بَقِيَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَمَا لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْقِسْمَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا فِي جَمِيعِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً ، فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْ الْمُقَدَّمِ بَيْتٌ بِعَيْنِهِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ فِيمَا بَقِيَ ، فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنَّمَا يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ عَلَى شَرِيكِهِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ إذَا اخْتَارَ إمْضَاءَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ نِصْفَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نِصْفِ مَا فِي يَدِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ جَمِيعَ قِيمَةِ الدَّارِ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَبِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمُقَدَّمِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا تِسْعُمِائَةٍ فَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَاَلَّذِي بَقِيَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُقَدَّمِ يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةٍ وَمَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ يُسَاوِي سِتَّمِائَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ حَتَّى يُسَلِّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ بَاعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ النِّصْفَ الْبَاقِي ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ إنْ كَانَ الَّذِي بَاعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ الدَّارِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ مَا
بَاعَ لِصَاحِبِهِ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ اضْطِرَابٌ كَمَا بَيَّنَّا وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ فَاسِدَةً وَالْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ؛ فَلِهَذَا يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ مَا بَاعَ لِشَرِيكِهِ وَمَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِسْمَةُ كَانَتْ صَحِيحَةً فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي بَعْضِ الْقِسْمَةِ فَبِالْبَيْعِ سَقَطَ خِيَارُهُ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ بِعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَذَلِكَ رُبْعُ مَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ كَمَا بَيَّنَّا .
وَكَذَلِكَ أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَانِ وَهِيَ مِائَةُ جَرِيبٍ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ عَشَرَةَ أَجْرِبَةٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي أَصَابَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جَرِيبٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأَجْرِبَةِ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ التِّسْعِينَ جَرِيبًا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَكُونُ التِّسْعَةُ الْأَجْرِبَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَضْمَنُ صَاحِبُ التِّسْعِينَ جَرِيبًا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِصَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مِقْدَارِ جَرِيبٍ مِنْ الْعَشَرَةِ شَائِعًا وَبَيْعُ صَاحِبِ الْعَشَرَةِ الْأَجْرِبَةِ قَدْ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ يُرَدُّ الْبَاقِي عَلَيْهِ بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ فَهِيَ بَيْنُهُمَا نِصْفَيْنِ وَصَاحِبُ التِّسْعِينَ جَرِيبًا قَدْ بَاعَ مَا قَبَضَهُ بِقِسْمَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِصَاحِبِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِسْمَةُ كَانَتْ صَحِيحَةً وَتَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا مَا يُسَاوِي أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَالسَّالِمُ لِلَّذِي أَخَذَ عَشَرَةَ أَجْرِبَةٍ تِسْعُمِائَةٍ وَلِصَاحِبِهِ أَلْفٌ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَاعَ مَا فِي يَدِهِ وَإِذَا رَجَعَ بِذَلِكَ سُلِّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ .
وَإِذَا كَانَتْ مِائَةُ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ مِنْهَا مَا تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ مِنْهَا سِتِّينَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ شَاةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي السِّتِّينَ شَاةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا .
وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ شَاةٌ بِعَيْنِهَا فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ نَقْضَ الْقِسْمَةِ فِيمَا بَقِيَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَاَلَّذِي سَلَّمَ لِأَخْذِ الْأَرْبَعِينَ مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ وَلِصَاحِبِ السِّتِّينَ مَا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ الْخَمْسَةِ لِتَكُونَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَتِسْعِينَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي السِّتِّينَ شَاةً ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي يَدِهِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِي السِّتِّينَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَصَاحِبُهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ فَالسَّبِيلُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ خَمْسَةٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ السِّتِّينَ سَهْمًا عَلَى مِائَةِ سَهْمٍ : لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الْكَثِيرِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سَهْمًا مِنْهَا ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ فِيمَا بَقِيَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ الْغَنَمِ فَاسْتُحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ فِيمَا بَقِيَ وَهَكَذَا فِي الْبَيْعِ لِيُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ فَالْعَقْدُ فِي الْمُسْتَحَقِّ يَبْطُلُ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ
وَإِذَا كَانَ كَرُّ حِنْطَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مِنْهَا طَعَامٌ جَيِّدٌ عَلَى حِدَةٍ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا رَدِيءٌ عَلَى حِدَةٍ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْعَشَرَةَ بِحَقِّهِ وَيَأْخُذَ شَرِيكُهُ الثُّلُثَيْنِ بِحَقِّهِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَمُبَادَلَةُ الْحِنْطَةِ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا رِبَا فَإِنْ رَدَّ الَّذِي أَخَذَ الثَّلَاثِينَ قَفِيزًا ثَوْبًا بِعَيْنِهِ عَلَى صَاحِبِهِ وَاقْتَسَمَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْفَصْلَ يُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّلَاثِينَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ وَفِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ ( قَالَ ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ بِثُلُثِ الثَّوْبِ وَسُدُسِ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ ثَمَّةَ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الثَّوْبِ وَنِصْفِ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ وَالْعَشَرَةُ ثُلُثُ الثَّلَاثِينَ فَعِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعَشَرَةِ يَرْجِعُ بِثُلُثِ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَبَيَانُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ عَشَرَةً مِنْ الثَّلَاثِينَ أَخَذَهَا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَعَشَرَةً بِالْمُقَاسَمَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا صَاحِبُهُ وَعَشَرَةً عِوَضًا عَنْ الثَّوْبِ وَالْعَشَرَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ شَائِعَةٌ فِي الْكُلِّ ثُلُثُهَا فِيمَا أَخَذَ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ وَالثُّلُثُ مِمَّا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الثَّوْبِ فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الثَّوْبِ وَالثُّلُثُ مِمَّا أَخَذَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ فَيَرْجِعُ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ، وَذَلِكَ قَفِيزٌ وَثُلُثَا قَفِيزٍ ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ أَقْفِزَةٍ فَإِذَا اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الْخَمْسَةِ وَثُلُثُهَا
قَفِيزٌ وَثُلُثُ قَفِيزٍ سُدُسُ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ إنَّمَا يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْكُلِّ إذَا اسْتَوَتْ الْجَهَالَةُ فَأَمَّا إذَا تَفَاوَتَتْ فَلَا كَمَا إذَا بَاعَ ثَوْبًا وَقَلْبًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِشْرِينَ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ يُجْعَلُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ بَعْضَهُ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْقَلْبِ بِقَدْرِهِ وَلَوْ جُعِلَ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقَلْبِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ لِإِبْقَاءِ الْعَقْدِ صَحِيحًا حِينَ لَمْ تَثْبُتْ الْمُسَاوَاةُ فَهُنَاكَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ التَّمْيِيزُ ، وَالْمُعَاوَضَةُ فِيهَا بَيْعٌ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَالْبَيْعِ فَلَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ مِمَّا أَخَذَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ لِإِبْقَاءِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ بِمُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا بِالْقِسْمَةِ تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فَيُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا ثَانِيَةً فَلَا يُجْعَلُ شَيْءٌ بِمُقَابَلَةٍ كَيْ لَا يُنْتَقَضَ وَإِذَا جَعَلْنَا الْمُسْتَحَقَّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ الْمَقْسُومَةِ يَكُونُ النِّصْفُ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ وَالنِّصْفُ الْعَشَرَةِ الْمَوْزُونَةُ لَمْ - يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَمَا أَخَذَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَثَمَنُهُ نِصْفُ الثَّوْبِ ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ وَلَكِنْ يَجْعَلُ الْمُسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِشْرِينَ الَّذِي أَخَذَهُ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ وَعَشَرَةً مِنْ تِلْكَ الْعِشْرِينَ أَخَذَهَا بِقَدِيمِ مِلْكِهِ وَعَشَرَةً عِوَضًا عَنْ الثَّوْبِ فَنِصْفُ الْمُسْتَحَقِّ مِمَّا كَانَ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّوْبِ خَاصَّةً .
وَإِذَا كَانَ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثِينَ مَخْتُومًا حِنْطَةً رَدِيئَةً وَعَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرًا جَيِّدَةً وَأَخَذَ الْآخَرُ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً جَيِّدَةً وَثَلَاثِينَ مَخْتُومًا شَعِيرًا رَدِيئًا ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الشَّعِيرِ الرَّدِيءِ ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِرُبْعِ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ الْمَخَاتِيمَ حِنْطَةٌ جَيِّدَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَرْجِعُ بِرُبْعِهِ ؟ ، وَالصَّحِيحُ مَا فِي النُّسَخِ الْعَتِيقَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِرُبْعِ الْمَخَاتِيمِ حِنْطَةً يَعْنِي بِثَلَاثِينَ مَخْتُومًا حِنْطَةً رَدِيئَةً الَّتِي أَخَذَهَا صَاحِبُهُ يَرْجِعُ بِرُبْعِ ذَلِكَ وَهُوَ سَبْعَةُ أَقْفِزَةٍ وَنِصْفٌ وَهُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَفِي الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً رَدِيئَةً وَقَفِيزَيْنِ وَنِصْفِ شَعِيرٍ جَيِّدٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الشَّعِيرِ الرَّدِيءِ مِنْ يَدِهِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ الْحِنْطَةِ الرَّدِيئَةِ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ وَنِصْفُ الشَّعِيرِ الْجَيِّدِ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ فَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الشَّعِيرِ الرَّدِيءِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبَيَانُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَخَذَ الثَّلَاثِينَ قَفِيزًا شَعِيرًا رَدِيئًا عَشَرَةً بِقَدِيمِ مِلْكِهِ وَعَشَرَةً بِالْمُقَاسَمَةِ فَقَدْ أَخَذَ صَاحِبُهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ شَعِيرًا جِيدًا وَعَشَرَةً بِالْمُعَاوَضَةِ وَعِوَضُهُ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي أَخَذَهَا صَاحِبُهُ مِنْ نَصِيبِهِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ كَانَ ثُلُثُ الْمُسْتَحَقِّ مِمَّا أَخَذَهُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِاعْتِبَارِهِ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ وَثُلُثُهُ مِمَّا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِالْمُعَاوَضَةِ فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الرَّدِيئَةِ وَثُلُثُهُ مِمَّا أَخَذَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ قَدْرَ
حِصَّتِهِ مِنْ الشَّعِيرِ الْجَيِّدِ ، وَذَلِكَ قَفِيزَانِ وَنِصْفٌ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ الْمَأْخُوذِ بِالْمُقَاسَمَةِ لِإِبْقَاءِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ نِصْفُهُ مِنْ الْمَأْخُوذِ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ مِنْ الْمَأْخُوذِ بِالْمُعَاوَضَةِ فَيَرْجِعُ بِعِوَضِ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَقْفِزَةٍ وَنِصْفٌ مِنْ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ وَرُبْعُ الثَّلَاثِينَ قَفِيزًا يَكُونُ سَبْعَةَ أَقْفِزَةٍ وَنِصْفًا ؛ فَلِهَذَا قَالَ : يَرْجِعُ بِرُبْعِ الْمَخَاتِيمِ حِنْطَةً .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ الْمُقَدَّمَ وَقِيمَتُهُ سِتُّمِائَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ النِّصْفَ الْمُؤَخَّرَ وَقِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَصَابَهُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَأَنْفَذَ الْبَيْعَ فِي الْبَقِيَّةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُقَدَّمِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الْمُؤَخَّرِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا خَمْسُونَ مِنْهَا نِصْفُ الْمِائَةِ الَّتِي نَقَدَهُ وَمِائَةٌ مِنْهُمَا رُبْعُ قِيمَةِ النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْمُقَدَّمِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْمِائَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا وَبِقِيمَةِ نِصْفِ النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ ، وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّلَثمِائَةِ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي حِصَّةِ الْمِائَةِ كَانَ هُوَ مُشْتَرِيًا وَقَدْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَبِيعِ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا مَا يُسَاوِي سَبْعَمِائَةٍ وَأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَصَاحِبُ الْمُؤَخَّرِ أَخَذَ أَرْبَعَمِائَةٍ وَالسَّالِمُ لِصَاحِبِ الْمُقَدَّمِ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ بِالْمُقَاسَمَةِ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِرُبْعِ مَا أَخَذَ ، وَذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ كَمَالُ حَقِّهِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمِائَةِ ثَوْبٌ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّوْبِ وَبِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِمَّا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الثَّوْبِ نِصْفُهُ فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ ، وَذَلِكَ نِصْفُ الثَّوْبِ .
وَإِذَا كَانَتْ أَرْضٌ وَدَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهُمَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَالْآخَرُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ أَلْفَانِ وَقَبَضَهُ ، ثُمَّ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ بَاعَ الدَّارَ فَاسْتَحَقَّ إنْسَانٌ مِنْهَا عُلُوَّ بَيْتٍ يَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْتُ وَالسُّفْلُ عُشْرُ الدَّارِ فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْعُلُوَّ ذَهَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَرْجِعُ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَ دَوَانِقَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي رَقَبَتِهَا وَيَكُونُ شَرِيكًا بِهِ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَرْضِ ؛ فَلِهَذَا جَعَلَ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْقِيمَةِ حَتَّى إذَا رَضِيَ هُوَ بِالرُّجُوعِ فِي رَقَبَةِ الْأَرْضِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ رُجُوعُهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَرْضِ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ وَنِصْفُهَا أَخَذَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ مَعَ الدَّارِ وَقَدْ كَانَ قِيمَةُ الدَّارِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمَّا اسْتَحَقَّ مِنْهَا مَا يُسَاوِي نِصْفَ الْعُشْرِ ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُسَاوِي أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَقَدْ أَخَذَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، أَلْفٌ بِمُقَابَلَةِ مَا أَدَّى مِنْ الْعَبْدِ وَأَلْفٌ بِالْمُقَاسَمَةِ وَأَخَذَ الْآخَرُ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَ دَوَانِيقَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَكُونَ
السَّالِمُ لَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ تِسْعَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَانِ وَلِصَاحِبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْمُقَاسَمَةِ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ بِمَا يُسَاوِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ كَمَا بَيَّنَّا وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعُلُوَّ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ حَتَّى قَالَ فِي الْقِسْمَةِ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ فَإِذَا اسْتَحَقَّ عُلُوَّ بَيْتٍ يَكُونُ ذَلِكَ الْعُلُوُّ مَعَ السُّفْلِ عُشْرَ الدَّارِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ ثُلُثُ الْعُشْرِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَيَسْتَقِيمُ الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ .
وَإِذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَبِنَاءُ أَحَدِهِمَا فِي نَصِيبِهِ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ نَصِيبِهِ فَرَدَّ الْقِسْمَةَ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ عَلَى شَرِيكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فِي الشِّرَاءِ لِأَجْلِ الْغُرُورِ وَلَا غُرُورَ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ مُجْبَرٌ عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَصِيرَ عَادَى الشَّرِيكَ فِيمَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ إذَا أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَبَنَى فِيهَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَنَقَضَ بِنَاءَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ نَظِيرَهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَأْسُورَةِ وَمِنْ نَظَائِره أَيْضًا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الِابْنِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْغَرُورِ مِنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ إذَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ فِي تَضْمِينِ الْقِيمَةِ هُنَاكَ مُخْتَارٌ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَطْهُرَ الْجَارِيَةُ فَيَتَحَقَّقُ الْغَرُورُ مِنْ جِهَتِهِ حِينَ مَلَكَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ
وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي دَارَيْنِ أَوْ أَرْضَيْنِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَهُمَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ مَا بَنَى فِيهَا صَاحِبُهَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ قِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ لَا تَجْرِي فِي الدُّورِ وَالْأَرَاضِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَجْرِي قِسْمَةُ الْجَبْرِ فِيهَا فَهَذَا وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ ( قَالَ : ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَطْلَقَا الْجَوَابَ فِي قِسْمَةِ الْجَبْرِ فِي الدُّورِ وَلَكِنْ قَالَ : إنْ رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَقْسِمَهَا قِسْمَةً وَاحِدَةً فَلَهُ ذَلِكَ وَهُمَا أَقْدَمَا عَلَى الْقِسْمَةِ قَبْلَ أَنْ يَرَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ هَذَا مُعَاوَضَةً بَيْنَهُمَا عَنْ اخْتِيَارٍ مِنْهُمَا وَالْغَرُورُ بِمِثْلِهِ يَثْبُتُ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَنَى فِيهِ أَخَذَهُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ بِالْمُعَاوَضَةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَسَمَا جَارِيَتَيْنِ فَوَطِئَ أَحَدُهُمَا الْجَارِيَةَ الَّتِي أَخَذَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ عِنْدَهُ لَا تَجْرِي فِي الرَّقِيقِ فَتَكُونُ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ بَيْنَهُمَا عَنْ اخْتِيَارٌ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قِسْمَةُ الْجَبْرِ تَجْرِي فِي الرَّقِيقِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْغَرُورِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِاسْتِحْقَاقِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ بَاعَهَا ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقْبُوضَةً بِقِسْمَةٍ فَاسِدَةٍ فَنَفَذَ بَيْعُهُ فِيهَا وَيَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهَا ، وَذَلِكَ النِّصْفُ .
وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَا مَنْزِلَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَنَازِلَ الْمُتَفَرِّقَةَ فِي حُكْمِ الْقِسْمَةِ كَالدُّورِ الْمُتَفَرِّقَةِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَسَّمَ الدُّورَ الْمُخْتَلِفَةَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَجَمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَجْبَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَبَنَى أَحَدُهُمْ فِي الدَّارِ الَّتِي أَصَابَتْهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَهُدِمَ بِنَاؤُهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شُرَكَائِهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَ رَأَى جَمْعَهَا فِي الْقِسْمَةِ صَارَتْ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ مَعْنَى الْغَرُورِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إنَّمَا يَنْعَدِمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُ الشُّرَكَاءَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ هُنَا بِمَا رَآهُ الْقَاضِي فَيَنْعَدِمُ الْغَرُورُ بِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى شُرَكَائِهِ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَا الرَّجُلَانِ دَارَيْنِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ دَارًا فَبَنَى أَحَدُهُمَا فِي الدَّارِ الَّتِي أَخَذَهَا وَهَدَمَ وَأَنْفَقَ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُخْرَى مَوْضِعَ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ حَائِطٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ فَاَلَّذِي اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْقِسْمَةَ كُلَّهَا وَهَدَمَ مَا أَحْدَثَ هَذَا مِنْ الْبِنَاءِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ مَا هَدَمَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَرَضِيَ بِمَا فِي يَدِهِ وَقِيلَ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ بِنَاءَ شَرِيكِهِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَنَى فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ انْقَطَعَ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِضَ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَنْقُضَ بِنَاءَهُ فَهُنَا إذَا اخْتَارَ نَقْضَ الْقِسْمَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ صَاحِبَهُ أَخَذَ الدَّارَ بِقِسْمَةٍ فَاسِدَةٍ فَهِيَ كَالْمَأْخُوذَةِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ جَمِيعًا تَخْرِيجًا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَكًّا فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الدَّارَ تُتْرَكُ لِلْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا مِنْ أَجْلِ بِنَائِهِ حَيْثُ قَالَ : فِيمَا أَعْلَمُ وَقِيلَ هَذِهِ مِنْ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي جَرَتْ فِيهَا الْمُحَاوَرَةُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فِي اسْتِحْقَاقِ مَوْضِعِ الْجِذْعِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ ؛ لِمَا سِوَاهُمَا حِصَّةً مِنْ
الدَّرْكِ فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِعَيْنِهِ لِأَجْلِ الْبِنَاءِ .
وَلَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَأَخَذَ الْآخَرُ دَارَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَكَانَتْ لَهُ الدَّارُ الْبَاقِيَةُ وَيَرْجِعُ بِرُبْعِ الدَّارِ الَّتِي أَخَذَ الْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى دَارَيْنِ وَقَبَضَهُمَا فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْأُخْرَى وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الثَّمَنِ فَهُنَا أَيْضًا لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَاقِيَةِ فَيَرْجِعُ بِعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَذَلِكَ رُبْعُ الدَّارِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَذَلِكَ رُبْعُ الدَّارِ الَّتِي أَخَذَهَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ كِلَيْهِمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ رَجَعَ بِنِصْفِ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ كَمَا قَرَّرْنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ مَا لَا يُقْسَمُ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُقْسَمُ الْحَمَّامُ وَالْحَائِطُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا أَدَّى إلَى الضَّرَرِ وَقَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يُجْبِرْ الْقَاضِي عَلَيْهِ ) فَإِنْ رَضُوا بِهِ جَمِيعًا قَسَمَهُ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمْ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ هَذَا فِي الْحَمَّامِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى بِأَنْ يَجْعَلُهُ بَيْتًا وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَقْصُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَمَّا فِي الْحَائِطِ إنْ رَضُوا بِالْقِسْمَةِ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ هَدْمٍ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ، وَإِنْ رَضُوا بِالْهَدْمِ وَقِسْمَةِ الْأَسْهُمِ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَاضِي ذَلِكَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمِلْكِ وَلَكِنْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْبَيْتِ الصَّغِيرِ لَا يَقْسِمُهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ إذَا كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَلِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا أَنْ تَتَفَاوَتَ أَنْصِبَاؤُهُمْ وَكَانَ صَاحِبُ الْكَبِيرِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ فَحِينَئِذٍ يَقْسِمُهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ مُتَظَلِّمٌ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ الْغَيْرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ .
وَلَوْ كَانَ بِنَاءٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ قَدْ بَنَيَا بِإِذْنِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ غَائِبٌ فَلَهُمَا ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي ، وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْقَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فَالْأَرْضُ لِغَيْرِهِمَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ فِي أَيْدِيهِمَا وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ كَذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا هُوَ مُسْتَعَارٌ لَهُ أَوْ مُسْتَأْجَرٌ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُكَلِّفَ صَاحِبَهُ رَفْعَ الْبِنَاءِ لَوْ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا فَلَا يَفْعَلُ الْقَاضِي ذَلِكَ إذَا أَتَى أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَدْمَ الْبِنَاءِ فَفِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ إتْلَافُ الْمِلْكِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَكِنْ إنْ أَرَادَا فِعْلَهُ لَمْ يَمْنَعْهُمَا عَنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُمَا صَاحِبُ الْأَرْضِ هَدَمَاهُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَهُ عَارِيَّةٌ فِي أَيْدِيهمَا وَلِلْمُعِيرِ فِي الْعَارِيَّةِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ فَيُكَلِّفُهُمَا هَدْمَ الْبِنَاءِ ، ثُمَّ النَّقْضُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا فَيَفْعَلُهُ الْقَاضِي عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ .
وَإِذَا كَانَ طَرِيقٌ بَيْنَ قَوْمٍ إنْ اقْتَسَمُوهُ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضِهِمْ طَرِيقٌ وَلَا مَنْفَذٌ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهُ لَمْ أَقْسِمْهُ ؛ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ بِقَطْعِ مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَيَسْتَوِي إنْ كَرِهَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ أَوْ صَاحِبُ الْقَلِيلِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ التَّطَرُّقِ إلَى مِلْكِهِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَصَاحِبُ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَوٍ بِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَفِي الْقِسْمَةِ تَفْوِيتُ هَذَا الْحَقِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَهُنَاكَ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِ الْبَيْتِ وَصَاحِبُ الْكَثِيرِ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَوٍ بِصَاحِبِ الْقَلِيلِ وَانْقِطَاعُ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ لَا لِأَجْلِ الْقِسْمَةِ ؛ فَلِهَذَا قَسَّمَ الْقَاضِي هُنَاكَ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ وَهُنَا لَا يَقْسِمُ إذَا كَانَ فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فِي صِغَرٍ أَوْ أَنَّهُ لَا يَجِدُ طَرِيقًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَرِيقٌ نَافِذٌ قَسَمْتُهُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ تَفْوِيتٌ لِمَنْفَعَةٍ عَلَى بَعْضِهِمْ بَلْ فِيهَا تَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالِانْتِفَاعِ فِي مِلْكِهِ وَرَقَبَةُ الطَّرِيقِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ فَتَقْسِيمُهَا بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ .
وَإِنْ كَانَ طَرِيقٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إنْ اقْتَسَمَاهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ مَمَرٌّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ فِي مَنْزِله بَابًا وَيَجْعَلَ طَرِيقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ وَأَبَى الْآخَرُ قِسْمَتَهُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقِسْمَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّطَرُّقِ إلَى مِلْكِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ التَّطَرُّقِ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ .
وَإِذَا كَانَ مَسِيلُ مَاءٍ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ذَلِكَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ يَسِيلُ فِيهِ مَاؤُهُ سِوَى هَذَا قَسَمْتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ أَقْسِمْهُ وَهَذَا وَالطَّرِيقُ سَوَاءٌ فَالْمَقْصُودُ هُنَا الِانْتِفَاعُ بِتَسْيِيلِ الْمَاءِ وَهُنَاكَ بِالتَّطَرُّقِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ أَنْ يَسِيلَ مَاؤُهُ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ إذَا كَانَ يَتَيَسَّرُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنَّمَا شَرَطَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّ التَّصْوِيبَ قَدْ يَكُونُ مِنْ جَانِبٍ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ ذَلِكَ فِي جَانِبٍ آخَرَ بِلَا ضَرَرٍ .
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ صَغِيرَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ إنْ اقْتَسَمُوهَا لَمْ يَصِبْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهَا لَمْ أَقْسِمْهَا وَهُوَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ سَوَاءٌ .
وَإِنْ كَانَ حَانُوتٌ فِي السُّوقِ يَبِيعَانِ فِيهِ أَوْ يَعْمَلَانِ بِأَيْدِيهِمَا سَوَاءٌ ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ ، فَإِنِّي أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعٌ يَعْمَلُ فِيهِ قَسَمْتُهُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ لَمْ أَقْسِمْهُ بَيْنَهُمَا لِمَعْنَى الضَّرَرِ .
وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فِي أَرْضٍ لِغَيْرِهِمْ فَأَرَادُوا قِسْمَةَ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْرَكَ لَمْ أَقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يُحْصَدَ لَا بِالتَّرَاضِي وَلَا بِغَيْرِ التَّرَاضِي ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَالُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ مُجَازَفَةً إلَّا بِكَيْلٍ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْكَيْلِ قَبْلَ الْحَصَادِ ، وَإِنْ كَانَ بَقْلًا لَمْ أَقْسِمْهُ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ تَرْكِ نَصِيبِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ أَصْحَابِهِ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ مِنْ الْأَرْضِ عَارِيَّةٌ لَهُمْ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْبَقْلِ أَنَّهُ يَجُزُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَصَابَهُ فَإِذَا اقْتَسَمُوهَا عَلَى هَذَا بِتَرَاضِيهِمْ أَجَزْتُهُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ إتْلَافَ جُزْءٍ فَلَا يُبَاشِرُهُ الْقَاضِي وَلَا يَمْنَعُ الشُّرَكَاءَ مِنْهُ إنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَا زَرْعَهَا دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَا تَرْكَهُ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ الِادِّرَاكِ ، وَإِنْ اشْتَرَطَا جَزَّ ذَلِكَ وَاجْتُمِعَا عَلَيْهِ أَجَزْتُهُ وَالْقِسْمَةُ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الزَّرْعِ قَبْلَ الِادِّرَاكِ بِشَرْطِ التَّرْكِ وَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ .
وَكَذَلِكَ طَلْعٌ فِي نَخْلٍ بَيْنَ قَوْمٍ إنْ اقْتَسَمُوا الطَّلْعَ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا عَلَى النَّخْلِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَصَابَهُ أَجَزْت ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَصْحَابَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِي تَرْكِ مَا أَصَابَهُ فَأَذِنُوا لَهُ فَأَدْرَكَ وَبَلَغَ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ ، وَإِنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ يُصَدَّقُ بِالْفَضْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي لِلثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ إنْ تَرَكَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ الْفَضْلُ .
وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْتَاجُ فِي قِسْمَتِهِ إلَى كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ لَمْ أَقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إتْلَافِ الْجُزْءِ إلَّا أَنْ يَرْضَى جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ فَإِنْ رَضُوا قَسَمْتُهُ فَالْمُرَادُ أَنِّي لَا أَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي فَأَمَّا أَنْ يُبَاشِرَ الْقَاضِي ذَلِكَ فَلَا .
وَإِنْ أَوْصَى بِصُوفٍ عَلَى ظَهْرِ غَنَمِهِ لِرَجُلَيْنِ فَأَرَادَ قِسْمَتَهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَمْ أَقْسِمْهُ ، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالُ الرِّبَا ؛ فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ أَوْ مَكِيلٌ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إلَّا بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَزِّ فَأَمَّا الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ فَلَا يَجُوزُ شَرِكَتُهُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِحَالٍ لِمُضِيِّ الضَّرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ الْحِيَازَةُ ، وَذَلِكَ فِيمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُتَصَوَّرُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى نَصِيبِهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَسَمَا ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاضِي لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَتْ قَوْصَرَّةُ تَمْرٍ بَيْنَهُمَا أَوْ دَنُّ خَلٍّ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالْقِسْمَةُ فِيهِ تَمْيِيزٌ مَحْضٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ ، فَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ .
وَإِنْ كَانَتْ خَشَبَةٌ أَوْ بَابٌ أَوْ رَحَّاءُ أَوْ دَابَّةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا لَمْ تُقْسَمْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ، وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤَةُ وَالْيَاقُوتَةُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَيُقْسَمُ اللُّؤْلُؤُ وَالْيَوَاقِيتُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ إذَا كَانَتْ بِأَعْيَانِهَا .
وَإِنْ كَانَتْ جَنَّةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ فِي قَطْعِهَا ضَرَرٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ أَقْسِمْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ قَسَمْتُهَا وَقَطَعْتُهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، وَإِنْ كَانَ حَبًّا كَثِيرًا قَسَمْتُهُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ هُنَا فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ نَظِيرُ الثِّيَابِ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَتُقْسَمُ نَقْرَةُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَصُوغٍ مِنْ الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي قَطْعِ ذَلِكَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَكَذَلِكَ عُلُوٌّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالسُّفْلُ لِغَيْرِهِمَا أَوْ سُفْلٌ بَيْنَهُمَا وَالْعُلُوُّ لِغَيْرِهِمَا ، فَكَذَلِكَ كُلُّهُ يُقْسَمُ إذَا طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْكَنٌ وَفِي الْقِسْمَةِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَإِذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِئْرٌ وَعَيْنٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ نَهْرٌ لَا أَرْضَ مَعَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ذَلِكَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنِّي لَا أَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ لِلْقِسْمَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْضٌ لَيْسَ لَهَا شُرْبٌ إلَّا مِنْ ذَلِكَ قُسِمَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا وَتُرِكَتْ الْقَنَاةُ وَالْبِئْرُ وَالنَّهْرُ عَلَى حَالِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُرْبُهُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لِأَرْضِهِ شُرْبًا مِنْ مَكَان آخَرَ أَوْ كَانَتْ أَرْضَيْنِ وَأَنْهَارًا مُتَفَرِّقَةً أَوْ آبَارًا قَسَمْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَوْ قِسْمَةِ النَّهْرِ وَالْعَيْنُ هُنَا تَبَعٌ لِقِسْمَةِ الْأَرَاضِيِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَالشُّرْبُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فِيهِ مَقْصُودًا ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أُجْبِرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَمَّيْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ شَرِيكُهُ وَكَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرَكُ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُ أَحَدَهُمَا عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ إذَا طَلَبَ الْآخَرُ ذَلِكَ أَوْ يَبِيعُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا هَذَا وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَتَعَذَّرُ الْقِسْمَةُ وَلَا يُقَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَالْأَشْقَاصُ لَا تُشْتَرَى إلَّا بِثَمَنٍ وَكْسٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةُ
الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ مَعْنَى الْحَجْرِ عَلَى الْحَدِّ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ وَحْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى ذَلِكَ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي نَصِيبِهِ تَبِعَا قَوْلَهُ بِأَنْ لَا يَشْتَرِيَ مِنْهُ إلَّا بِوَكْسٍ قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَصِيبَهُ إلَّا مُشْتَرَكًا وَيَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ مُشْتَرَكًا إنَّمَا يَحْصُل لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ لِمَعْنَى الْإِحْرَازِ وَتَحْصِيلِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْقِسْمَةِ وَفِي الْإِجْبَارِ هُنَا إزَالَةُ الْمِلْكِ وَلِلنَّاسِ فِي أَعْيَانِ الْمِلْكِ أَغْرَاضٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَهُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْهُ فَلَأَنْ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ قِسْمَةِ الدَّارِ فِيهَا طَرِيقٌ لِغَيْرِ أَهْلِهَا ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ذُكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَذْرِعُوا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعِ ، ثُمَّ ابْنُوا } وَبِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ يَأْخُذُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَيَقُولُ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الطَّرِيقِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ الطَّرِيقُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَقَدْ ظَهَرَ عَمَلُ النَّاسِ فِيهِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّا نَرَى الطُّرُقَ الَّتِي اتَّخَذَهَا النَّاسُ فِي الْأَمْصَارِ مُتَفَاوِتَةً فِي الذَّرْعِ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا لَمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الثَّابِتَ بِالشَّرْعِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ أَقَلُّ ، ثُمَّ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي حَادِثَةٍ بِعَيْنِهَا وَرَاءَ حَاجَةِ الشُّرَكَاءِ إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الطَّرِيقِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَيَبْنُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا لِنَصِيبِ مِقْدَارٍ فِي الطَّرِيقِ شَرْعًا .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ قِسْمَتَهَا وَفِيهَا طَرِيقٌ لِغَيْرِهِمَا فَأَرَادَ صَاحِبُ الطَّرِيقِ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مِنْ الْقِسْمَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ الطَّرِيقَ عَرْضُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ إلَى بَابِ الَّذِي لَهُ الطَّرِيقُ وَيَقْسِمُ بَقِيَّةَ الدَّارِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى حُقُوقِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ وَيُتْرَكُ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الدَّارِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مِلْكُهُمَا وَلَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ قِسْمَةً فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلِصَاحِبِ الطَّرِيقِ مَمَرُّهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَعَلَ الطَّرِيقَ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِلَيْهِ يُرَدُّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مَا يُدْخِلُهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ إلَى بَابِ دَارِهِ فَيَكْفِيه لِذَلِكَ طَرِيقٌ عَرْضُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ وَطُولُهُ إلَى بَابِ دَارِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ قِسْمَةُ هَذَا الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّطَرُّقِ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ فَكَمَا لَا يَكُونُ لِصَاحِبَيْ الدَّارِ أَنْ يُفَوِّتَا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يُفَوِّتَا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ بَاعُوا هَذِهِ الدَّارَ وَهَذَا الطَّرِيقُ بِرِضَا مِنْهُمْ جَمِيعًا اقْتَسَمُوا الثَّمَنَ يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِثُلُثِ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالطَّرِيقِ الْمُرُورُ فِيهِ وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ فِي ذَلِكَ مُسَاوِي لِلشَّرِيكَيْنِ فِي رَقَبَةِ الطَّرِيقِ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَهُ فَسَاوَاهُمْ أَيْضًا فِي ثَمَنِ حِصَّةِ الطَّرِيقِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ هُوَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الطَّرِيقِ فَأَمَّا إذَا كَانَ
لَهُ حَقُّ الْمَمَرِّ وَلَا شَرِكَةَ لَهُ فِي أَصْلِ الطَّرِيقِ فَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ مَالِكُ الْعَيْنِ وَقَدْ كَانَ لِصَاحِبِ الْمَمَرِّ حَقٌّ فِي الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الثَّمَنِ شَرِكَةٌ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بَيْعَ الْمَمَرِّ وَحْدَهُ بِدُونِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يُقَابِلُ مَا هُوَ حَقُّ صَاحِبِ الْمَمَرِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَمَرِّ مِقْدَارُ حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّرِيقَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَانَ فِيهِ حَقُّ الْمَمَرِّ لِآخَرَ يَكُونُ قِيمَةُ مِلْكِهِمَا أَنْقَصَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمَا حَقُّ الْمَمَرِّ فِيهِ فَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ النُّقْصَانُ حَقَّ صَاحِبِ الْمَمَرِّ بِقِيمَةِ الطَّرِيقِ مَعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَيْنِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الثَّمَنِ عِنْدَ الْبَيْعِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ وَالْأَصَحُّ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَقْصُودَ فِي الطَّرِيقِ إلَّا الْمَمَرُّ وَالْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ وَلِأَجْلِهِ يَجُوزُ الْبَيْعُ فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ كَانَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَحَقًّا عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ وَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِرِضَاهُمْ ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّهُمْ يَسْتَوُونَ فِي الثَّمَنِ .
وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَسِيلُ مَاءٍ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ أَصْحَابُهَا قِسْمَتَهَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْمَسِيلِ مَنْعُهُمْ مِنْ الْقِسْمَةِ وَلَكِنْ يَتْرُكُونَ لَهُ مَسِيلَهُ وَهَذَا وَالطَّرِيقُ سَوَاءٌ فِيمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا طَرِيقٌ لِرَجُلٍ وَطَرِيقٌ لِآخَرَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى ؛ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ طَرِيقٌ وَاحِدٌ عِرْضُهُ عَرْضُ بَابِ الدَّارِ إلَى بَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَقْسِمُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بَيْنَ أَهْلِهَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الطَّرِيقِ التَّطَرُّقُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ وَيَتَوَفَّرُ هَذَا الْمَقْصُودُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ مِنْ بَابِ الدَّارِ عَرْضُهُ بَابُ الدَّارِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَفَرَّقُ فِيهِ طَرِيقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى بَابِ دَارِهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِطَرِيقٍ لَهُ خَاصٍّ مِنْ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ يَكُونُ مُتَعَنِّتًا فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَعَنُّتِهِ وَلَكِنْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَفْتَرِقُ الطَّرِيقُ بِهِمَا يَتْرُكُ لَهُمَا طَرِيقًا وَاحِدًا ، ثُمَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّرِيقُ إلَى بَابِ دَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَابُ صَاحِبِ الدَّارِ أَعْظَمَ مِنْ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ عَرْضِ الطَّرِيقِ إلَّا بِمِقْدَارِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَدْخُلُ فِي بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ لَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ حَمْلِهِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ أَوْسَعَ مِنْ بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ صِفَةٌ لِرَجُلٍ فِي دَارِ رَجُلٍ وَطَرِيقُهَا إلَى بَابِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ بَابِ الدَّارِ أَنْ يَتْرُكُوا لَهُ مِنْ الطَّرِيقِ إلَّا قَدْرَ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ دُونَ عَرْضِ بَابِ الصِّفَةِ .
وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْزِلٌ بِطَرِيقِهِ فِي الدَّارِ فَقُسِمَتْ الدَّارُ وَتُرِكَ لَهُ الطَّرِيقُ فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ بَابَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ هَدْمُ بَعْضِ الْحَائِطِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ جَمِيعَ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَطَرَّقُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ أَيِّ بَابٍ دَخَلَ مِنْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِبَابَيْنِ إلَّا مَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَابٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ لَمْ يَزِدْ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِيمَا يَسْتَوْفِيهِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَنْزِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا إلَى الطَّرِيقِ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا حَقَّ التَّطَرُّقِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ إلَى مَنْزِلِهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَطَرَّقَا فِيهِ مِنْ بَابٍ أَوْ بَابَيْنِ .
وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَاحِدًا فَاشْتَرَى دَارًا مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَفَتَحَهَا إلَيْهِ وَاِتَّخَذَ لَهَا طَرِيقًا فِي هَذَا الْمَنْزِلِ وَفِي هَذَا الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ وَاحِدًا فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ الدَّارِ فِي الْمَنْزِلِ وَفِي الطَّرِيقِ الْمَرْفُوعِ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّطَرُّقِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ إلَى مَنْزِلِهِ وَبَعْدَ مَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَلَا يَمْنَعُهُ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ دَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنْ مِلْكِهِ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ وَاحِدًا ، وَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ سَاكِنٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِي هَذَا الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ حَقُّ التَّطَرُّقِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ لِنَفْسِهِ فِيهِ حَقًّا وَصَاحِبُ الْمَمَرِّ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَالدَّارِ وَاحِدًا وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ فِي هَذَا .
وَلَوْ اخْتَصَمَ أَهْلُ الطَّرِيقِ فِي الطَّرِيقِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُهُ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْيَدِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَهُ وَلَا يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ذَرْعِ الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ الصَّغِيرِ إلَى الطَّرِيقِ كَحَاجَةِ صَاحِبِ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الشُّرْبِ فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ يُجْعَلُ الشُّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهمْ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَاكَ تَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الْأَرَاضِي وَقِلَّتِهَا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ لِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَهُنَا حَاجَتُهُمْ إلَى التَّطَرُّقِ فِي الطَّرِيقِ سَوَاءٌ ؛ فَلِهَذَا يُجْعَلُ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً وَبِهَذَا تَبَيَّنَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ بِإِضَافَةِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ حَقٍّ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ يُعْتَبَرُ فِي قِسْمَةِ الطَّرِيقِ ذَرْعُ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ يُضِيفَ الدَّارَ الْمُشْتَرَاةَ إلَى مَنْزِلِهِ ، وَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ الطَّرِيقِ كَيْفَ كَانَ بَيْنَهُمْ جَعَلْتُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا اعْتَبَرْنَاهُ نَوْعًا مِنْ الظَّاهِرِ فَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَقِيقَةُ الْحَالِ بِخِلَافِهِ .
فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ فِيهَا طَرِيقٌ وَمَاتَ صَاحِبُ الدَّارِ وَاقْتَسَمَ وَرَثَتُهُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ وَرَفَعُوا الطَّرِيقَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ وَلَهُمْ ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَرَادُوا قِسْمَةَ ثَمَنِهِ فَلِصَاحِبِ الطَّرِيقِ نِصْفُهُ وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَلَوْ كَانَ هُوَ حَيًّا فَبَاعَاهُ كَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَبِمَوْتِهِ وَكَثْرَةِ وَرَثَتِهِ لَا يَزْدَادُ نَصِيبُهُ وَلَا يَنْقُصُ نَصِيبُ صَاحِبِ الطَّرِيقِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَصْلَ الدَّارِ بَيْنَهُمْ مِيرَاثٌ وَجَحَدُوا ذَلِكَ قُسِّمَ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَرَأْسِ صَاحِبِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي الْحَقِّ فِي الطَّرِيقِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الظَّاهِرِ أَصْلٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الظَّاهِرُ فِي قِسْمَةِ ثَمَنِ الطَّرِيقِ بَيْنَهُمْ .
وَإِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ بَيْتٌ مِنْ الدَّارِ وَفِي يَدِ آخَرَ بَيْتَانِ وَفِي يَدِ آخَرَ مَنْزِلٌ عَظِيمٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدَّعِي جَمِيعَ الدَّارِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ وَسَاحَةُ الدَّارِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْيَدِ عَلَيْهَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُسْتَعْمِلٌ لِلسَّاحَةِ بِكَسْرِ الْحَطَبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَاتِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ وَرَثَةٍ كَانَ لِوَرَثَتِهِ ثُلُثُ السَّاحَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ اقْتَسَمُوا دَارًا وَرَفَعُوا طَرِيقًا بَيْنَهُمْ صَغِيرًا أَوْ عَظِيمًا أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ لِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ جَرَى بَيْنَهُمْ عَنْ تَرَاضٍ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ دَارًا وَفِيهَا كَنِيفُ شَارِعٍ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ أَوْ ظُلَّةٌ فَلَيْسَ يَحْسِبُ ذَرْعَ الظُّلَّةِ وَالْكَنِيفِ فِي ذَرْعِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ ذَلِكَ طَرِيقٌ هُوَ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يُذَرَّعُ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ بَيْنَهُمْ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُخَاصِمَ فِي رَفْعِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَكَذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلشُّرَكَاءِ فِيهِ إلَّا فِي نَقْضِ الْبِنَاءِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ فَأَمَّا أَنْ يُذَرَّعَ مَعَ ذَرْعِ الدَّارِ فَلَا وَلَوْ كَانَتْ الظُّلَّةُ عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ قَدْ كَانَ ذَرَّعَهَا يَحْسِبُ فِي ذَرْعِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ قَرَارِ الظُّلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ مُشْتَرَكٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عُلُوٍّ فِي الدَّارِ سُفْلُهُ لِغَيْرِهِمْ وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ بِالذَّرْعِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ قِسْمَةِ الدَّارِ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا لِمَيِّتٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ قَلِيلًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ كَثِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ ؛ فَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا وَالْقِسْمَةُ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَأَمَّا إذَا قَلَّ الدَّيْنُ ؛ فَلِأَنَّهُ شَاغِلٌ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْإِحْرَازِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَهَذِهِ قِسْمَةٌ قَبْلَ أَوَانِهَا فَهُوَ كَقِسْمَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَى ذَلِكَ بِعْتُهُ فِي الدَّيْنِ وَنَفَّذْت الْقِسْمَةَ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَالِ الْمَيِّتِ مَحَلٌّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَانِعُ لِلْقِسْمَةِ قِيَامُ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ حَقُّهُ مِنْ مَحَلِّهِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْقِسْمَةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَى ذَلِكَ فَأَدَّى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ أَوْ إبْرَاءِ الْغَرِيمِ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ إمَّا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ أَوْ بِسُقُوطِ دَيْنِهِ بِالْإِبْرَاءِ وَكَمَا أَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ تَنْفُذُ إذَا وَصَلَ إلَى الْغَرِيمِ حَقُّهُ ، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ وَإِذَا كَانَ فِيهِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ لَمْ تَجُزْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ وَالْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ إيفَاءَ حَقِّهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ لَمْ يَمْلِكُوا ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ هُوَ غَائِبًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ وَالْوَصِيُّ لَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَالْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ وَالْوَصِيُّ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَمَّنْ
يَكُونُ خَلْفَ الْمَيِّتِ فِي الْمِلْكِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمَيِّتِ ؛ فَلِهَذَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا تُنْظَرُ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي قَسَّمَ بَعْدَ قَضَائِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لَهُ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا وَفِيهِمْ وَارِثٌ غَائِبٌ وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ وَصِيٌّ وَلَا لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ إذَا كَبِرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحُضُورِ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ خُصُوصًا فِي تَصَرُّفِهِمْ مَعَ أَنْفُسِهِمْ وَالْقِسْمَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمَا يُنْقَلُ وَمَا لَا يُنْقَلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا وَصِيَّةَ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ فَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الدَّارَ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُبْطِلُوا الْقِسْمَةَ ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْوَصِيَّةِ وَالْوَارِثِ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ شَرِكَةً فِيمَا اقْتَسَمُوا مِنْ التَّرِكَةِ إمَّا فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ عَنْهُمْ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَلِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي فِي حِصَّتِهِ وَلَوْ كَانَ هُوَ حَيًّا غَائِبًا لَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتَهُمْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَحْضُرْ عَنْهُ خَصْمٌ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارًا بَيْنَهُمْ وَأَشْهَدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْقِسْمَةِ ، ثُمَّ ادَّعَتْ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ مَهْرَهَا وَأَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَلَهَا أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَلَا يَكُونُ قِسْمَتُهَا وَإِقْرَارُهَا بِالْمِيرَاثِ خُرُوجًا مِنْ دَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْوَارِثِ كَدَيْنِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ مِنْ مَالٍ آخَرَ لَهُمْ فَيَسْتَخْلِصُوا التَّرِكَةَ لِأَنْفُسِهِمْ فَهِيَ إنَّمَا وَافَقَتْ مَعَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَقْضُوا مَهْرَهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهَا إبْرَاءً لِلْمَيِّتِ عَنْ الْمَهْرِ وَلَا إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهَا وَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بِشَرْطِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِجَازَةُ الْغَرِيمِ الْقِسْمَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بَلْ وُجُودُ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ لَا لِحَقِّ الْغَرِيمِ خَاصَّةً فَإِذَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى وَارِثٌ آخَرُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَهُوَ وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ وَلَوْ أَنَّ وَارِثًا ادَّعَى وَصِيَّةً لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَهُ الثُّلُثُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَسَّمُوا الدَّارَ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تُبْطِلُ حَقَّ ابْنِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ أَوْ يُبْطِلَ حَقُّ ابْنِهِ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ مُسَاعِدُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ ابْنِهِ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَصِيَّةَ ابْنِهِ وَلَا أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمَّتْ بِهِ وَمَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ ضَلَّ سَعْيُهُ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْقِسْمَةِ مَعَهُمْ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةً لِابْنِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي الْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ تَمَيُّزِ حَقِّهِ فَيَكُونُ
إقْدَامُهُ عَلَى الْقِسْمَةِ مَعَ الْوَرَثَةِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِابْنِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ قَضَاءَ حَقِّ الْغَرِيمِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ جَائِزٌ وَلَا يَصِيرُ هُوَ بِدَعْوَى الدَّيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنَاقِضًا أَوْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَيَصِيرُ بِدَعْوَى الْوَصِيَّةِ لِابْنِهِ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلِلِابْنِ إذَا كَبِرَ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ وَيَرُدَّ الْقِسْمَةَ .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ فَاقْتَسَمُوهَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ مِنْ أَبِيهِمْ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ أَخًا لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ قَدْ وَرِثَاهُ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ ابْنِهِ فَوَرِثَهُ هُوَ وَأَرَادَ مِيرَاثَهُ مِنْهُ ، وَقَالَ : إنَّمَا قِسْمَتُهُمْ لِي مِيرَاثٌ مِنْ أَبِي وَلَمْ يَكْتُبُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا أَصَابَ الْبَعْضُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَلَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاعَدَهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ مِنْ الْأَبِ فَيَكُونُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ بَعْضَ الدَّارِ لِأَخِيهِ مُنَاقِضًا وَهُوَ بِهَذَا الْكَلَامِ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْقِسْمَةِ كَانَ بِرِضَاهُ ، وَإِنْ كَانُوا كَتَبُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ فِيمَا أَصَابَ الْبَعْضُ فَهُوَ أَبْقَى لِدَعْوَاهُ وَمُرَادِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكْتُبُوا إزَالَةَ الْأَشْكَالِ وَبَيَانَ التَّسْوِيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ فِي الْجَوَابِ ، فَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ابْنِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا مِنْهُ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ لِأُمِّهِ وَرِثَهَا مِنْهَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضَ فِي كَلَامِهِ شَارِعٌ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِيرَاثًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ أَبِيهِمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ ابْنًا كَبِيرًا فَاقْتَسَمَ هُوَ وَعَمَّاهُ الْقَرْيَةَ عَلَى مِيرَاثِ الْجَدِّ وَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ ، ثُمَّ إنَّ ابْنَ الِابْنِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاعَدَهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ فِيهَا فَكَانَ هُوَ فِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا وَلَوْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى ابْنِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُسَاعَدَتَهُ إيَّاهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ لَا تَكُونُ إقْرَارًا عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى ابْنِهِ وَإِنَّمَا سَاعَدَهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ لِيَتَبَيَّنَ نَصِيبُ الِابْنِ فَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ مِنْهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْغَرِيمُ الْقِسْمَةَ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا وَكَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ ، فَكَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا كَانَ هُوَ الْغَرِيمَ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَةِ الْغَرِيمِ فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نُفُوذِهَا قِيَامُ دَيْنِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِإِجَازَتِهِ وَعَدَمِ إجَازَتِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشَّرِكَةَ فِي الْعَيْنِ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَالْقِسْمَةُ هُنَاكَ تَتِمُّ بِرِضَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ أَجْنَبِيًّا آخَرَ فَيَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ .
وَإِذَا ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى نَصِيبَ أَبِيهِ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِي نَصِيبِهِ سَوَاءٌ كَانَ شِرَاءً أَوْ مِيرَاثًا وَقَدْ تَمَّتْ الْقِسْمَةُ بِحَضْرَتِهِ وَرِضَاهُ .
وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَتَقَابَضُوا ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمْ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ قِسْمَهُ وَقَبَضَهُ ، ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنٍ عَلَى الْأَبِ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ وَالشِّرَاءَ جَمِيعًا يَبْطُلَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ غَيْرُ وَارِثٍ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالشِّرَاءَ كِلَيْهِمَا تَصَرُّفٌ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ .
وَإِذَا وَرِثَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَنْ أَبِيهِمْ دَارًا فَاقْتَسَمُوهَا أَثْلَاثًا وَتَقَابَضُوا ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا غَرِيبًا اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ قِسْمَهُ وَقَبَضَهُ ، ثُمَّ جَاءَ أَحَدُ الْبَاقِينَ فَقَالَ : أَنَا لَمْ أَقْسِمْ فَاشْتَرَى مِنْهُ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ ، ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثُ فَقَالَ : قَدْ اقْتَسَمْنَاهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَكَذَّبَهُ الثَّانِي ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِي أَقَسَّمْتُمْ أَمْ لَا فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِحُجَّةٍ أَقَامَهَا مَنْ هُوَ خَصْمٌ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ بَعْدَ تَمَامِهَا لَا تَبْطُلُ بِجُحُودِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاعَ نَصِيبَ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَكَانَ بَيْعُهُ صَحِيحًا وَأَمَّا الثَّانِي إنَّمَا بَاعَ ثُلُثَ الدَّارِ شَائِعًا ثُلُثُ ذَلِكَ مِنْ قِسْمِهِ وَثُلُثَا ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ثُلُثَ قِسْمِهِ بِثُلُثِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَصْحِيحِ عَقْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ إنَّمَا بَاعَ ثُلُثَ الدَّارِ شَائِعًا فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ ذَلِكَ الْبَيْعِ فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ ثُلُثَ الدَّارِ ؛ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ ثُلُثٌ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ الدَّارِ كَمَا بَاعَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ بِالْقِسْمَةِ وَأَقَرَّ فِي الشِّرَاءِ الْآخَرِ أَنَّهَا لَمْ تُقْسَمْ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا كَانَ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا وَصَفْتُهُ ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ هُمْ الْخُصَمَاءُ وَلَا قَوْلَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي كَلَامِهِ الثَّانِي مُنَاقِضٌ وَقَوْلُ الْمُنَاقِضِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ
مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى إذَا رَدَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ؛ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِ الْأَوَّلِ ثُلُثَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ لَهُ وَكَأَنَّهُ جَحَدَهُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الْجُحُودِ صَحِيحٌ ، وَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ لَزِمَهُ ثُلُثَا الثَّمَنِ بِثُلُثِ نَصِيبِ الْأَوَّلِ وَثُلُثِ نَصِيبِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ فَبِقَدْرِ مَا يُسَلَّمُ لَهُ بِزَعْمِهِ يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ بِزَعْمِهِ ثُلُثَا مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي وَيُرْجِعُ بِثُلُثِ الثَّمَنِ حِصَّةَ نَصِيبِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَيَبْقَى فِي يَدِ الْبَائِعِ الثَّانِي ثُلُثَا قِسْمِهِ الَّذِي أَصَابَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقِسْمَ إلَّا الثُّلُثَ .
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَهَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا ، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنِّي أَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ قَوْلُهُ : هَذَا مِنْ وَصِيَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ التَّرِكَةُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تُوصَفُ التَّرِكَةُ بِأَنَّهَا مِيرَاثٌ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَأَنَّهُ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ أَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى شِرَاءً مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ التَّرِكَةَ اسْمٌ لِمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا مِيرَاثٌ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْهُ لِلتَّنَاقُضِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَا الْقَوْمُ دَارًا مِيرَاثًا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ وَأَصَابَهَا الثَّمَنُ وَعُزِلَ لَهَا عَلَى حِدَةٍ ، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِصَدَاقِهَا ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَاعَدَتْهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ فَقَدْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا كَانَتْ لِلزَّوْجِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصَارَ مِيرَاثًا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمُوا فَأَصَابَ كُلُّ إنْسَانٍ طَائِفَةً بِجَمِيعِ مِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ فِي قِسْمِ الْآخَرِ بِنَاءً أَوْ نَخْلًا زَعَمَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِيرَاثٌ لَهُمْ مِنْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَسَمَ صَارَ مِيرَاثًا لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ .
وَلَوْ اقْتَسَمُوا دَارًا أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ وَنَخِيلٌ حَامِلٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَمْلَ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا أَشْهَدُوا بِمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ لَا يَدْخُلَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَطْلُبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثِّمَارَ وَالزَّرْعَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ مِنْهُ أَوْ فِيهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ .
وَلَوْ كَانَتْ لِلدَّارِ وَالْأَرْضِ غَلَّةٌ مِنْ إجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ مِنْ ثَمَنِ ثَمَرَةٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا جَرَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ .
وَبَقِيَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَلَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فِي قِسْمِ رَجُلٍ كَانَتْ الْقِسْمَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَصِيرُ مُمَلِّكًا نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِمَّنْ شَرَطَ لَهُ بِمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَتُمْلِيك الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اقْتَسَمُوا عَلَى إنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمْ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ مُسَمًّى كَانَ هَذَا بَاطِلًا إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ أَنْ يَضْمَنَ دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ كَانَ بَاطِلًا ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ فِي الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ وَلَا مِيرَاثَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى أَنْ يُبَرِّئَ الْغُرَمَاءُ الْمَيِّتَ كَانَ هَذَا جَائِزًا إنْ رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِضَمَانِهِ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ وَرَضِيَ الْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقِسْمَةِ قِيَامُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَقْبَلُوا ضَمَانَهُ فَلَهُمْ نَقْضُ الْقِسْمَةِ لِقِيَامِ دَيْنِهِمْ عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ نُفُوذِ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ تَرَاضَوْا بِضَمَانِهِ وَأَبْرَءُوا الْمَيِّتَ ، ثُمَّ نَوَى الْمَالَ عَلَيْهِ رَجَعُوا فِي مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُ كَانَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْرَءُوهُ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمْ دَيْنَهُمْ مِنْ جِهَةِ الضَّامِنِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانُوا عَلَى حَقِّهِمْ فِي اتِّبَاعِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ أَرْضًا مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ أَوْ شِرَاءً وَتَقَابَضُوا ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ غَلَطًا فِي الْقِسْمَةِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِإِعَادَةِ الْقِسْمَةِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَمُدَّعِي الْغَلَطِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ سَبَبُ لُزُومِ الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ خِيَارًا بِسَبَبِ الْعَيْبِ أَوْ الشَّرْطِ وَلَكِنْ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ فَتُعَادُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْحُجَّةِ أَنَّ الْمُعَادَلَةَ بَيْنَهُمْ لَمْ تُوجَدْ كَمَا لَوْ ثَبَتَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمْ عَلَى الْغَلَطِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا عَلَيْهِمْ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَمَعَ نَصِيبَهُ إلَى نَصِيبِهِ ، ثُمَّ يُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا ؛ لِأَنَّ النَّاكِلَ كَالْمُقِرِّ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَفِيمَا فِي يَدِهِ يُجْعَلُ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُقْسَمُ فَهُوَ عَلَى هَذَا لَا يُعَادُ ذَرْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِسَاحَتُهُ وَلَا كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَادَلَةِ وَأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ
وَإِذَا اقْتَسَمَ رَجُلَانِ دَارَيْنِ وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ دَارًا ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ كَذَا ذِرَاعًا فِي الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَفَصَلَا فِي قِسْمَةٍ ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ الذَّرْعَ وَلَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ وَالدَّارَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَجُوزَ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَبَيْعُ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ فِي الْقِسْمَةِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ فَاسِدَةً وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الْخَبَرِ فِي الدَّارِ إنَّمَا تَجْرِي عِنْدَهُمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَلَكِنْ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ بَيْعَ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ جَائِزٌ ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ لِأَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِسْمَةِ وَبِهِ فَارِقُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمْيِيزِ هُنَاكَ يَغْلِبُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الْقِسْمَةِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا كَذَا كَذَا ذِرَاعًا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بَلْ الشَّرْطُ وَالشُّيُوعُ يَبْقَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَاكَ يَغْلِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَتَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ مَعَ شَرْطِ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا لِأَحَدِهِمَا فِي دَارِ
صَاحِبِهِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَا أَقْرِحَةً فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَرَاحَانِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةَ أَقْرِحَةٍ ، ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْقَرَاحَيْنِ أَحَدَ الْأَقْرِحَةِ الَّتِي فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَأَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ بِالْقِسْمَةِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَثْوَابِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ مُسْتَحِقٌّ لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ ظَاهِرًا وَلَكِنْ لَوْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَى حَقَّ صَاحِبِهِ أَمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَإِذَا أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ وَجَاءَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي لَيْسَ الثَّوْبُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا فِي الثَّوْبِ دَعْوَى الْمِلْكِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ فِيهِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الْمُثْبِتُ عَلَى صَاحِبِهِ لِمَا يَدَّعِيه بِالْبَيِّنَةِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي بُيُوتِ الدَّارِ .
وَإِنْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ فَأَصَابَ أَحَدَهُمَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ شَاةً وَأَصَابَ الْآخَرَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ شَاةً ، ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْأَوْكَسِ غَلَطًا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْغَلَطَ فِي التَّقْوِيمِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْهُ ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ شَاعَ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ وَاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ وَلِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ إنَّمَا يُثْبِتُ قِيمَةَ مَا تَنَاوَلَهُ فِعْلُ الْقِسْمَةِ وَفِعْلُ الْقِسْمَةِ لَاقَى الْعَيْنَ دُونَ الْقِيمَةِ ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَتِهِ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَمَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدِينَ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي عَدَدِ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَحْدِثْ إحْدَى وَخَمْسِينَ غَلَطًا أَوْ أُحْدِثُ أَنَا تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ، وَقَالَ الْآخَرُ مَا أُحْدِثُ أَنَا إلَّا خَمْسِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ لِلزِّيَادَةِ وَعَلَى مَنْ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ فِيمَا قَبَضَ صَاحِبُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي شَاةً مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَصَابَتْهُ فِي الْقِسْمَةِ وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالثَّالِثُ إنْ قَالَ : أَخْطَأْنَا فِي
الْعَدَدِ وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَهَذِهِ الْخَمْسِينَ خَطَأٌ كَانَ مِنَّا ، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ اقْتَسَمْنَا عَلَى هَذَا لَك خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِي خَمْسٌ وَخَمْسُونَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ وَالْغَنَمُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعِينَ فِي الْبَيْعِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ تُوجِبُ التَّحَالُفَ وَالتَّرَادَّ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُحْتَمَلٌ لِلْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِهِ بِالتَّرَاضِي فَيُفْسَخُ بِالتَّحَالُفِ أَيْضًا ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ رُدَّتْ بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْخَمْسِ وَأَرْبَعِينَ هُوَ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْمُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ فَيَتَرَجَّحُ كَذَلِكَ بَيِّنَتُهُ وَيَصِيرُ كَأَنَّ خَصْمَهُ صَدَّقَهُ فِيمَا قَالَ : فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَيَسْتَقْبِلَانِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَادَلَةِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا وَلَمْ يُشْهِدَا عَلَى الْقِسْمَةِ حَتَّى اخْتَلَفَا فَقَالَ : هَذَا أَصَابَنِي هَذِهِ النَّاحِيَةُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِيهَا ، وَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَصَابَنِي هَذَا كُلُّهُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَاصِلِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى الْقِسْمَةِ أُنْفِذَتْ بَيِّنَتُهُمَا عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ الْخَصْمَانِ عَلَيْهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ بِحِدَةٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَهُنَاكَ أَبَتَّتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْخَمْسِ وَأَرْبَعِينَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ خَمْسٌ شَائِعَةٌ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ؛ فَلِهَذَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحَدِّ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ ، وَقَالَ الْآخَرُ هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ أَحْدَثَ بَيِّنَةً هَذَا وَبَيِّنَةً هَذَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي جُزْءٍ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِعَيْنِهِ وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ الْجُزْءُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ فَيَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ جُزْءًا مُعَيَّنًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّ الْقِسْمَةَ رَدَّهَا بَعْدَ مَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّحَالُفِ وَبَعْدَ التَّحَالُفِ تُرَدُّ الْقِسْمَةُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ .
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَأَشْهَدَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ صَاحِبُهُ مِنْ قَبْلُ أَنْ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى الْوَفَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ كَمَالِ حَقِّهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ مُنَاقِضٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُهُ فَإِقْرَارُهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ وَالْمُنَاقِضُ إذَا صَدَّقَهُ خَصْمُهُ فِيمَا يَدَّعِي ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَشْهَدَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْقِسْمَةِ حَتَّى قَالَ : اقْتَسَمْنَا فَأَصَابَنِي فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَهَذَا الْبَيْتِ وَالنَّاحِيَةُ فِي يَدِهِ وَالْبَيْتُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ ، وَقَالَ شَرِيكُهُ بَلْ أَصَابَنِي الْبَيْتُ وَمَا فِي يَدَيَّ كُلُّهُ فَإِنِّي أَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ عَنْ الْبَيْتِ أَكَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ قَالَ : كَانَ فِي يَدَيَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَغُصِبْنَاهُ وَأَعَرْتُهُ أَوْ أَجَرْتُهُ لَمْ أَنْقُضْ الْقِسْمَةَ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى شَرِيكِهِ بِقَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعَ نَصِيبِهِ وَبَقِيَ دَعْوَاهُ أَنَّ الْبَيْتَ وَصَلَ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ يَدِهِ وَصَاحِبُهُ جَاحِدٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَالَ : فِي يَدِ صَاحِبِي قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ تَحَالَفَا وَيُرَادُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ فِي الْقِسْمَةِ ، فَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَدِّ وَعَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ فِي جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ يَكُونُ الْجَوَابُ عَلَى التَّقْسِيمِ الَّذِي قُلْنَا .
إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَوْ ادَّعَى غَلَطًا فِي الذَّرْعِ فَقَالَ : أَصَابَنِي أَلْفٌ وَأَصَابَك أَلْفٌ فَصَارَ فِي يَدِكَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَفِي يَدَيَّ تِسْعُمِائَةٍ ، وَقَالَ الْآخَرُ أَصَابَكَ أَلْفٌ وَأَصَابَنِي أَلْفٌ فَقَبَضْتُهَا وَلَمْ أَزِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَدَّعِي قَبْلَهُ الْغَلَطَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَأَصَابَك أَلْفٌ وَمِائَةٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ أَصَابَنِي أَلْفٌ وَأَصَابَكَ أَلْفٌ فَقَبَضْتَ أَنْتَ أَلْفًا وَمِائَةً وَقَبَضْتُ تِسْعَمِائَةٍ تَحَالَفَا وَتَرَاضَيَا ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبَضَ أَلْفًا وَمِائَةً وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ فَالْمُدَّعِي يَقُولُ : نَصِيبُك أَلْفٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ : نَصِيبِي أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمِائَةِ هُنَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَافِهِ وَقَدْ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا ؛ فَلِهَذَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا وَلَوْ قَالَ : كُنْتُ قَبَضْتُهَا فَقَبَضْتُهَا لَمْ أَنْقُضْ الْقِسْمَةَ وَأُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ قِبَلَهُ الْفَضْلَ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى انْتِهَاءِ الْقِسْمَةِ بِقَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامَ نَصِيبِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَصْبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْفُصُولُ أَنَّ الْقِسْمَةَ حِيَازَةٌ وَتَمَامُهَا بِالْقَبْضِ فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى قَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامَ نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ التَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ اقْتَسَمَا مِائَةَ شَاةٍ فَصَارَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا سِتُّونَ وَفِي يَدِ الْآخَرِ أَرْبَعُونَ فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْأَرْبَعُونَ : أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا خَمْسُونَ وَتَقَابَضْنَا ، ثُمَّ غَصَبَنِي عَشْرًا بِأَعْيَانِهَا وَخَلَطْتَهُمَا بِغَنَمِكَ فَهِيَ لَا تُعْرَفُ وَجَحَدَ ذَلِكَ الْآخَرُ الْغَصْبَ ، وَقَالَ : بَلْ أَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَنْتَ أَرْبَعُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبَضَ كَمَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَصْبَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ أَصَابَنِي خَمْسُونَ فَدَفَعْتَ إلَيَّ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَ فِي يَدِكَ عَشَرَةٌ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيَّ ، وَقَالَ الْآخَرُ أَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَصَابَك أَرْبَعُونَ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الَّذِي فِي يَدِهِ سِتُّونَ لِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ بِاسْتِيفَاءِ كَمَالِ حَقِّهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُنَاقِضٌ فِي الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَبِالدَّعْوَى مَعَ التَّنَاقُضِ لَا يَسْتَحِقُّ الْيَمِينَ عَلَى الْخَصْمِ فَإِنْ ادَّعَى الْغَصْبَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْغَصْبِ مِنْهُ دَعْوَى صَحِيحَةٌ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهَا فَيَسْتَوْجِبُ فِيهَا الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِالْوَفَاءِ فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْأَرْبَعُونَ كَانَتْ غَنَمُ وَالِدِي مِائَةَ شَاةٍ فَأَصَابَنِي خَمْسُونَ وَأَصَابَكَ خَمْسُونَ وَتَقَابَضْنَا ، ثُمَّ غَصَبَنِي عَشْرًا وَهِيَ هَذِهِ ، وَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ السِّتُّونَ بَلْ كَانَتْ غَنَمُ وَالِدِي مِائَةً وَعِشْرِينَ فَأَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَنْتَ سِتُّونَ وَلَمْ أَغْصِبْكَ وَقَدْ تَقَابَضْنَا فَإِنَّ هَذَا قَدْ أَقَرَّ بِفَصْلِ عَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ لَيْسَ فِيهَا قِسْمَةٌ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا أَقَرَّ بِقِسْمَةِ الْمِائَةِ وَهُوَ
مُنْكِرٌ لِلْقِسْمَةِ فَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَقَدْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمِائَةِ وَادَّعَى الْقِسْمَةَ فِيهَا وَوُصُولَ مِثْلِهَا إلَى صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِذَا حَلَفَ بَقِيَتْ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ فَيَرُدُّهَا لِيُقْسَمَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِفَصْلٍ عَلَى مِائَةٍ ، وَقَالَ : كَانَتْ مِائَةً فَأَصَابَنِي سِتُّونَ وَأَنْتَ أَرْبَعُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْغَصْبِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ مِنْ قَبْلُ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مَنْ حِصَّةِ الْمِائَةِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْفَضْلِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ وَإِلَّا أُفْسِدَتْ الْقِسْمَةُ لِجَهَالَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْقِسْمَةُ فَالْغَنَمُ تَتَفَاوَتُ وَبِجَهَالَةِ مَا لَمْ تَتَنَاوَلُهُ الْقِسْمَةُ يَصِيرُ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْقِسْمَةُ مَجْهُولًا فَالسَّبِيلُ أَنْ تُرَدَّ السِّتُّونَ وَالْأَرْبَعُونَ وَتُسْتَقْبَلَ الْقِسْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِفَسَادِ الْقِسْمَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ قِسْمَةِ الْوَصِيِّ عَلَى أَهْلِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةِ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا كَانَ فِي الْمِيرَاثِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الْقِسْمَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ وَقَعَ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ يَكُونُ مُتَمَلِّكًا عَلَى أَصْحَابِهِ نَصِيبَهُمْ مِنْ الدَّيْنِ بِعِوَضٍ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ لَا يَجُوزُ ) وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمُوا الدَّيْنَ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ حَقِّهِ فِيهَا دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ خَاصَّةً لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُمَلِّكٌ نَصِيبَهُ مِمَّا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ مِنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَتَمَلَّكْ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ مِمَّا فِي ذِمَّةِ عُمَرَ وَإِذَا كَانَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضِ عَيْنِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ بِعِوَضِ دَيْنٍ أَوْلَى ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقِسْمَتُهُمْ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حِيَازَةٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ وَصِيِّ الْأَبِ بَيْنَ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ بَيْعِ مَالِ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا عِنْدَ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلْيَتِيمِ وَفِي هَذَا التَّصَرُّفِ أَنْ تَقَعَ أَحَدُهُمَا أَضَرَّ بِالْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ وَرَثَةٌ كِبَارٌ فَإِنْ قَسَّمَ نَصِيبَ الصَّغِيرَيْنِ مَعًا جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرَيْنِ مَعَ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ جَائِزَةٌ ، فَكَذَلِكَ قِسْمَةُ نَصِيبِ الصَّغِيرَيْنِ مَعًا مَعَ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ ( قَالَ ) فِي الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَمُرَادُهُ هَذَا الْفَصْلُ لَا مَا قَبْلَهُ فَقِسْمَةُ الْأَبِ مَعَ ابْنَيْهِ الصَّغِيرَيْنِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَيُفْرِدُهُ بِالتَّصَرُّفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلصَّبِيِّ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَلَى
الْكِبَارِ وَهُمْ كَارِهُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمْ إذَا كَانُوا حُضُورًا فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَائِبٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيَّ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ فِي الْعَقَارِ وَجَازَ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْعُرُوضِ مِنْ الْحِفْظِ وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي نَصِيبِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فَكَانَ لَهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْقِسْمَةِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ فَأَمَّا الْعَقَارُ فَحِصَّتُهُ بِنَفْسِهَا وَلَيْسَ فِي قِسْمَتِهَا مَعْنَى الْحِفْظِ بَلْ هُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي نَصِيبِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ غَائِبٌ وَكَبِيرٌ حَاضِرٌ فَعَزَلَ الْوَصِيُّ نَصِيبَ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ مَعَ نَصِيبِ الصَّغِيرِ وَقَاسَمَ الْكِبَارَ الْحُضُورَ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي الْعَقَارِ وَهَذِهِ تَنْبَنِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ يَمْلِكُ بَيْعَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنْ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ إلَّا فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ ، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَصِيِّ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ التَّصَرُّفِ كَوَصِيِّ الْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ ذِمِّيًّا وَالْمَيِّتُ وَرَثَتُهُ مُسْلِمُونَ ؛ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ نَوْعَ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَإِنْ قَاسَمَ عَلَى الصَّغِيرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ جَازَتْ قِسْمَتُهُ مِثْلُ قِسْمَةِ الْوَصِيِّ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَصَرُّفٌ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْإِنَابَةُ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْإِنَابَةِ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَكَالَةِ وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِالتَّصَرُّفِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ ،
فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ مَوْتِهِ قُلْنَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْوِصَايَةِ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ عَبْدًا لِغَيْرِ الْمَيِّتِ فَهُوَ وَصِيٌّ نَافِذُ التَّصَرُّفِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي حَيَاتِهِ حَتَّى يُخْرِجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِلَايَةِ فَالرَّقِيقُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ تَثْبُتَ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ التَّعَدِّي مَا كَانَ لِلْمَرْءِ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ .
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْكَافِرِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَمَا لَا تُجْرَى عَلَيْهِ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الصَّغِيرِ فِي التَّصَرُّفِ لِيَنْفُذَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَيُجْعَلَ كَتَصَرُّفِ الْمَنُوبِ عَنْهُ .
وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ ذِمِّيٍّ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلَا وِلَايَةَ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَيَجُوزُ عَلَى ابْنٍ لَهُ مِثْلِهِ لِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } الْآيَةُ .
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُرْتَدِّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَلَى وَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ مِثْلِهِ مُرْتَدٍّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى تَبْطُلَ قِسْمَتُهُ لِنَفْسِهِ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ إذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَفِي حَقِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْلَى وَالْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ لَهُ كَالصَّغِيرِ وَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ وَكَالَتِهِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ لَا تَزُولُ وِلَايَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَصِيرُ مَوْلِيًّا عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ تَنْفِيذُ التَّصَرُّفِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِرَأْيِهِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ رَأْيِ الْوَلِيِّ مَقَامَ رَأْيِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ التَّصَرُّفِ لَهُ وَعَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ رَأْيِهِ فِي ذَلِكَ فَأَقَمْنَا رَأْيَ الْوَلِيِّ مَقَامَ رَأْيِهِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْقِسْمَةِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهَا وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنِّي أُجْبِرُهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ كَمَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى قِسْمَةِ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَلِّ وَالْغَنَمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ اقْتَسَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ خَمْرًا وَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي كَيْلِهَا لَمْ يَجُزْ الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الرِّبَا ؛ فَإِنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَفِي حُكْمِ الرِّبَا هُمْ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَإِذَا كَانَ وَصِيُّ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا كَرِهَتْ لَهُ مُقَاسَمَةُ
الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَكِنَّهُ يُوَكِّلُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيُقَاسِمُ الصَّغِيرَ وَيَبِيعُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْقِسْمَةُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَى ذِمِّيٍّ وَلَا يُشْكِلُ جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ الذِّمِّيَّ بِالتَّصَرُّفِ لَهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا هُنَا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الصَّغِيرِ وَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ يَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيُّ فِيمَا يَأْمُرُ مِنْ ذَلِكَ كَالْقَاضِي وَأَمْرُ الْقَاضِي الذِّمِّيَّ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ فِي خُمُورِ يَتَامَى أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ ، فَكَذَلِكَ أَمْرُ الْوَصِيِّ بِهِ ، وَإِنْ وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ بِقِسْمَةِ مِيرَاثٍ فِيهِ خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِلْغَيْرِ بِوَكَالَتِهِ فِي مَالٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ الْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِقِسْمَةِ ذَلِكَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فِيهِ فَإِنْ فُوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا بِهِ جَازَ .
وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَوَكَّلَ ذِمِّيًّا بِمُقَاسَمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَعَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ جَازَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ يُوَكِّلُ الذِّمِّيَّ بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلَوْ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْخَمْرِ فَجَعَلَهُ خَلًّا كَانَ الْمُسْلِمُ ضَامِنًا لِحِصَّةِ شُرَكَائِهِ مِنْ الْخَمْرِ الَّتِي خَلَّلَهَا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا قَبَضَ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ
مِنْ الْخَمْرِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَدْ خَلَّلَهَا فَيَكُونُ ضَامِنًا لِنَصِيبِهِمْ مِنْ الْقِيمَةِ وَيَكُونُ الْخَلُّ لَهُ .
وَإِذَا كَانَ فِي تَرِكَةِ الذِّمِّيِّ خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ وَغُرَمَاؤُهُ مُسْلِمُونَ وَلَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ بِبَيْعِ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَبِيعُهُ وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْمَيِّتِ ؛ وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ كَافِرٌ فَيَجُوز بَيْعُ الذِّمِّيِّ خَمْرَةً عَلَى سَبِيلِ النِّيَابَةِ عَنْهُ وَالْغُرَمَاءُ إنَّمَا يَقْبِضُونَ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِمْ لَا أَنْ يَكُونَ بَيْعُ قَيِّمِ الْقَاضِي وَاقِعًا لَهُمْ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ فَسْخُهَا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمَّتْ فِي حَالِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ كَبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَتَمَّهُ الْمُكَاتَبُ وَمُقَاسَمَتُهُ مَعَ مَوْلَاهُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ الْمَوْلَى بَيْعًا أَوْ شِرَاءً كَأَجْنَبِيِّ آخَرَ ، فَكَذَلِكَ الْمُقَاسَمَةُ .
وَلَا تَجُوزُ مُقَاسَمَةُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ رِضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَصَارَ ذَلِكَ لِمَوْلَاهُ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ كَمَا لَا يَنْفُذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَصَرَّفَ كَانَ هُوَ مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ .
وَإِنْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ بِالْقِسْمَةِ وَكِيلًا ، ثُمَّ عَجَزَ أَوْ مَاتَ لَمْ يَجُزْ لِوَكِيلِهِ أَنْ يُقَاسِمَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْمُوَكِّلِ بِعَجْزِهِ وَبِمَوْتِهِ حَتَّى لَا يَنْفُذَ مِنْهُ هَذَا التَّصَرُّفُ بَعْدَ الْعَجْزِ لَوْ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ ، فَكَذَلِكَ مِنْ وَكِيلِهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بِالْعِتْقِ ازْدَادَتْ قُوَّةً فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ لَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ أَوْصَى الْمُكَاتَبُ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَى وَصِيٍّ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ وَرَثَةَ الْمُكَاتَبِ الْكِبَارَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً فَإِنَّ قِسْمَتَهُ فِي هَذَا جَائِزَةٌ عَلَى مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ قِسْمَةُ وَصِيِّ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَأَنَّهُ أَدَّى الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ مَاتَ فَيَكُونُ وَصِيُّهُ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَوَصِيِّ الْحُرِّ وَقَالَ : فِي الزِّيَادَاتِ وَصِيُّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْحُرِّ فِي حَقِّ الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ حَتَّى يَجُوزَ قِسْمَتُهُ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ وَمَا ذُكِرَ هُنَاكَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ ، وَإِنْ اسْتَنَدَتْ حُرِّيَّتُهُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْوَلَدِ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْوَصِيِّ إذَا كَانَ لِلْمُوصِي وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ وَصِيَّ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ إلَّا قَدْرُ مَا كَانَ لِلْمُوصِي فَهُنَا أَيْضًا كَانَ لِلْمُوصِي عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ الْوِلَايَةِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ وَصِيُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِنْ الْبَيَانِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي إمْلَاءِ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ
وَفَاءً فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَقَدْ سَعَوْا فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ ؛ فَإِنَّهُ مُكَاتَبٌ لِلْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّوْا الْمُكَاتَبَةَ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوا الْقِسْمَةَ أَجَزْتُ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَدُّوا الْكِتَابَةَ حُكِمَ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَكَانَ وَصِيُّهُ كَوَصِيِّ الْحُرِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَتَّى يَمْلِكَ اسْتِئْنَافَ الْقِسْمَةِ ، فَكَذَلِكَ تَنْفُذُ تِلْكَ الْقِسْمَةُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِغَالِ بِنَقْضِ قِسْمَةٍ يُحْتَاجُ إلَى سَعَادَتِهَا وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْعِ فَإِذَا قَاسَمَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ عَبْدًا تَاجِرًا مِثْلَهُ وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ جَازَ ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ فَقِسْمَتُهُمَا بَاطِلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ وَالْقِسْمَةُ فِي مَالٍ هُوَ خَالِصٌ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ لَا تَتَحَقَّقُ وَلِأَنَّ مُقَاسَمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ عَبْدِ مَوْلَاهُ كَمُقَاسَمَتِهِ مَعَ مَوْلَاهُ وَلَوْ كَانَا مُكَاتِبَيْنِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ جَازَتْ قِسْمَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَاتِبَيْنِ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
فَإِنْ قَاسَمَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ مَوْلَاهُ دَارًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَتْ الْقِسْمَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي التَّصَرُّفِ ، وَإِنْ تَصَرَّفَ الْعَبْدُ لِغُرَمَائِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَجُلٍ آخَرَ فَقَاسَمَ مَوْلَى الْعَبْدِ الشَّرِيكَ بِغَيْرِ رِضَاءِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ .
وَإِنْ قَاسَمَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا دَارًا بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التِّجَارَةِ وَقَدْ اسْتَفَادَهُ بِمُطْلَقِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ .
وَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ الْمَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَصَرُّفٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ .
وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى هُوَ وَرَجُلٌ آخَرُ دَارًا جَازَ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكَّ الْحَجْرَ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِاعْتِبَارِهِ فِي حِصَّتِهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ، وَإِنْ قَاسَمَ الْعَبْدُ شَرِيكَهُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ ذَلِكَ لِثُبُوتِ حُكْمِ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ فِي نَصِيبِ الْإِذْنِ مِنْهُ .
وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَقَاسَمَهَا إيَّاهُ جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِسَبَبِ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي نَصِيبِ الْإِذْنِ وَالْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مِنْ نَصِيبِ الْإِذْنِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ؛ فَإِنَّهُ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْفَكِّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ الْمَوْلَى الْآخَرِ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
كِتَابُ الْإِجَارَاتِ ( قَالَ : الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيِّ إمْلَاءً : اعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَالْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ شَرْعًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا : بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالْآخَرُ : بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَجَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ عُرِفَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ) أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } أَيْ فِي الْعَمَلِ بِأَجْرٍ وَقَالَ : اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ { عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ } ، وَمَا ثَبَتَ شَرِيعَةً لِمَنْ قَبْلَنَا فَهُوَ لَازِمٌ لَنَا مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى انْفِسَاخِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفّ عَرَقَهُ } فَالْأَمْرُ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ دَلِيلُ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُؤَاجِرُونَ وَيَسْتَأْجِرُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَحْكَامَهُ وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُجُودِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ وَالْمَعْدُومُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَقْدِ مُضَافًا ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ لَا تَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ( قَالَ : ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَاشْتِرَاطُ الْوُجُودِ وَالْمِلْكِ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ لِعَيْنِهِ بَلْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ،
وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَانِعِ فَإِنَّ الْوُجُودَ يُعْجِزُهُ عَنْ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالتَّسْلِيمَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُ السَّبَبَ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ فَإِذَا كَانَ بِالْوُجُودِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْوُجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَكِنْ تُقَامُ الْعَيْنُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا مَوْجُودَةً فِي مِلْكِ الْعَقْدِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حُكْمِ جَوَازِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ كَمَا تُقَامُ الْمَرْأَةُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمِ وَتُقَامُ الذِّمَّةُ الَّتِي هِيَ مَحِلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقَامَ مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ السَّلَمِ ، أَوْ يُجْعَلُ الْعَقْدُ مُضَافًا لِلِانْعِقَادِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَيَتَحَقَّقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ التَّمَكُّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : إنَّ الْإِجَارَةَ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسْبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ كَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ فَالْفَقِيرُ مُحْتَاجٌ إلَى مَالِ الْغَنِيِّ وَالْغَنِيُّ مُحْتَاجٌ إلَى عَمَلِ الْفَقِيرِ وَحَاجَةُ النَّاسِ أَصْلٌ فِي شَرْعِ الْعُقُودِ فَيُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ تَرْتَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِأُصُولِ الشَّرْعِ ، ثُمَّ يَرِدُ هَذَا الْعَقْدُ تَارَةً عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَعَلَى الْعَمَلِ أُخْرَى وَفِي الْوَجْهَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ بِهِ الْمُنَازَعَةُ فَإِعْلَامُ الْمَنْفَعَةِ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ ، أَوْ الْمَسَافَةِ ، وَذِكْرُ الْمُدَّةِ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الْعُقُودِ عَلَيْهِ لَا لِلتَّوْقِيتِ فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَمَّا كَانَتْ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَمِقْدَارُهَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ
بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ ، أَوْ بِبَيَانِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّ مِقْدَارَ السَّيْرِ وَالْمَشْيِ يَصِيرُ بِهِ مَعْلُومًا وَإِعْلَامُ الْعَمَلِ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهِ وَصْفٌ يُحْدِثُهُ فِي الْمَحَلِّ مِنْ قِصَارَةٍ ، أَوْ دِبَاغَةٍ ، أَوْ خِيَاطَةٍ فَيَخْتَلِفُ مِقْدَارُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدِهِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ فَبَيْنَ النَّاسِ تَفَاوُتٌ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمْ وَكَمَا يَجِبُ إعْلَامُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ يَجِبُ إعْلَامُ الْبَدَلِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْكِتَابُ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَنْكِحُ عَلَى خِطْبَتِهِ وَقَالَ : لَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبِيعُوا بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ } .
وَهَذَا حَدِيثٌ طَوِيلٌ بَدَأَ بِبَعْضِهِ كِتَابُ النِّكَاحِ وَبِبَعْضِهِ كِتَابُ الْإِجَارَاتِ وَهُوَ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِالْقَبُولِ وَبِالْعَمَلِ بِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِاسْتِيَامُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ .
وَهَذَا اللَّفْظُ يُرْوَى بِرِوَايَتَيْنِ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَيَكُونُ نَهْيًا وَالنَّهْيُ مَجْزُومٌ وَلَكِنَّ الْمَجْزُومَ إذَا حُرِّكَ لِاسْتِقْبَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ ، وَبِرَفْعِ الْمِيمِ وَهُوَ نَهْيٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَأَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّهْيِ هَذَا كَالْأَمْرِ فَإِنَّ أَبْلَغَ الْأَمْرِ مَا يَكُونُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ إذَا اسْتَامَ عَلَى سَوْمِ الْغَيْر وَاشْتَرَى ، أَوْ نَكَحَ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا نَهْيٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ وَهُوَ الْأَذَى وَالْوَحْشَةُ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ فَيُوجِبُ الِاسْتِيَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ، ثُمَّ هَذَا النَّهْيُ بَعْدَ مَا رَكَنَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ ، فَأَمَّا إذَا سَاوَمَهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَلَا بَأْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يُسَاوِمَهُ وَيَشْتَرِيَهُ عَلَى مَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَبْدٍ فَسَاوَمَهُ وَلَمْ يَشْتَرِهِ فَاشْتَرَاهُ آخَرُ فَأَعْتَقَهُ .
} الْحَدِيثُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُزَايَدَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ قَعْبًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ } وَصِفَةُ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنْ يُنَادِيَ الرَّجُلُ عَلَى سِلْعَتِهِ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِنَائِبِهِ وَيَزِيدُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَا لَمْ يَكُفَّ عَنْ النِّدَاءِ فَلَا بَأْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَزِيدَ وَإِذَا سَاوَمَهُ إنْسَانٌ بِشَيْءِ فَكَفَّ عَنْ النِّدَاءِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ لِلْغَيْرِ أَنْ يَزِيدَ وَيَكُونُ هَذَا اسْتِيَامًا عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ ، وَكَذَلِكَ إذَا خَطَبَ امْرَأَةً وَلَمْ تَرْكَنْ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى مَا رُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُنِي ، وَإِنَّ أَبَا الْجَهْمِ يَخْطُبُنِي فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْعَصَا عَنْ أَهْلِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَإِنَّكِ تَجِدِينَ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } ، فَأَمَّا بَعْدَ مَا رَكَنَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَالْمُرَادُ بِالنَّجْشِ الْإِثَارَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الصَّيَّادُ نَاجِشًا ؛ لِأَنَّهُ يَنْثُرُ الصَّيْدَ عَنْ أَوْكَارِهَا فَالْمُرَادُ
أَنْ يَطْلُبَ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُسَاوِي ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُ شِرَاءَهَا وَإِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يُرَغِّبَ الْغَيْرَ فِي شِرَائِهَا بِهِ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْخِدَاعِ وَالْغُرُورِ وَقَوْلُهُ : { وَلَا تَبِيعُوا بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ } وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { وَلَا تَنَابَذُوا } وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا فَالنَّبْذُ هُوَ الطَّرْحُ وَهَذِهِ أَنْوَاعُ بُيُوعٍ كَانُوا تَعَارَفُوهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يَرْمِيَ الْحَجَرَ إلَى سِلْعَةِ إنْسَانٍ فَإِنْ أَصَابَهَا وَجَبَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ، أَوْ يَطْلُبَ سِلْعَةً مِنْ إنْسَانٍ فَإِنْ طَرَحَ إلَيْهِ صَاحِبُهَا وَجَبَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ نَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } وَمَقْصُودُهُ آخِرَ الْحَدِيثِ { وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ } وَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ وَجَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْحُرِّ لِلْعَمَلِ وَوُجُوبِ إعْلَامِ الْأَجْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأَجْرِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِعْلَامِ وَلَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلِيُؤْتِهِ أَجْرَهُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ } دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالْمُسَارَعَةِ إلَى أَدَاءِ الْأُجْرَةِ وَجَعَلَ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْمُسَارَعَةِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ جُفُوفِ الْعَرَقِ فَدَلَّ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ هَذَا وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : { قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنِّي أَكَرِي إبِلِي إلَى مَكَّةَ أَفَتَجْزِينِي مِنْ حَجَّتِي ؟ فَقَالَ : أَلَسْتَ تُلَبِّي وَتَقِفُ وَتَرْمِي الْجِمَارَ ؟ قُلْتُ : بَلَى قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا
مِنْ رَبِّكُمْ } فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ حَاجٌّ } .
وَفِي هَذَا دَلِيلُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ وَجَوَازِ كِرَاءِ الْإِبِلِ إلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسَافَةِ فِي الْإِعْلَامِ كَبَيَانِ الْمُدَّةِ ، ثُمَّ أُشْكِلَ عَلَى السَّائِلِ حَالَ حَجِّهِ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ لِتَعَاهُدِ إبِلِهِ وَاكْتِسَابِ الْكِرَاءِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ اكْتِسَابَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ فَأَزَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إشْكَالَهُ بِمَا ذَكَرَ لَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهَذَا بَيَانٌ لَهُ أَنَّ بِالذَّهَابِ لَا يَتَأَدَّى الْحَجُّ وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى بِالْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ لَا يَبْتَغِي عَرَضَ الدُّنْيَا وَهَذَا جَوَابٌ تَامٌّ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَزِيدَهُ وُضُوحًا فَرَوَى الْحَدِيثَ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَلِيلٌ يُسْتَدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ وَقَدْ شَبَّهَ ذَلِكَ بِالسِّرَاجِ وَالْخَبَرُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالشَّمْسِ وَكَمْ مِنْ عَيْنٍ لَا تُبْصِرُ بِضَوْءِ السِّرَاجِ وَتُبْصِرُ إذَا بَزَغَ الضِّيَاءُ الْوَهَّاجُ ثُمَّ فِيهِ دَلِيلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْتَظِرُ نُزُولَ الْوَحْيِ فِي بَعْضِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ أَخَّرَ جَوَابَ هَذَا السَّائِلِ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي الْحَجِّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ التِّجَارَةِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ وَلَمَّا كَانَ إكْرَاءُ الْإِبِلِ فِي مَعْنَاهُ رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْحَدِيثَ فِيهِ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا الرُّسْتَاقِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِشِرَاءِ الدُّهْنِ وَاللَّحْمِ وَشَهِدَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ فِي الثَّوَابِ ، وَاَلَّذِي لَا شُغْلَ لَهُ سِوَى إقَامَةِ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُسْلِمِ
إقَامَةُ الْعِبَادَةِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ نُقْصَانٌ فِي ثَوَابِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَى رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : إنِّي أَجَّرْتُ نَفْسِي مِنْ قَوْمٍ وَحَطَطْتُ لَهُمْ مِنْ أَجْرِي أَفَيُجْزِينِي مِنْ حَجَّتِي ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا مِنْ الدَّيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } الْآيَةَ وَإِنَّمَا أُشْكِلَ عَلَى هَذَا السَّائِلِ مَا أُشْكِلَ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَأَنَّهُ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي اُسْتُؤْجِرَ بِدِينَارَيْنِ لِلْخُرُوجِ مَعَ الْمُجَاهِدِ { وَإِنَّمَا لَكَ دِينَارُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } فَظَنَّ مِثْلَهُ فِي الْحَجِّ وَحَطَّ بَعْضَ الْأَجْرِ بِهِ لِيَرْتَفِعَ بِهِ نُقْصَانُ حَجِّهِ فَإِنَّ الْحَطَّ إحْسَانٌ وَانْتِدَابٌ إلَى مَا نُدِبَ فِي الشَّرْعِ وَمِثْلُهُ مَشْرُوعُ جَبْرِ النُّقْصَانِ الْفَرَائِضِ كَالنَّوَافِلِ فَأَزَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إشْكَالَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي حَجِّهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْكَفِّ عَنْ حَطِّ الْأَجْرِ ، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ بِدُونِهِ تَمَامًا ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ لَا يَحْسُنُ ، وَهُوَ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِخِلَافِ حَالِ مِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخُرُوجِ مَعَ الْمُجَاهِدِ ؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ لِيَخْدُمَ غَيْرَهُ لَا لِيُبَاشِرَ الْجِهَادَ وَهَذَا خَرَجَ لِيُبَاشِرَ أَعْمَالَ الْحَجِّ وَيَخْدُمَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرَهُ فَكَانَ هَذَا تَبَعًا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ نُقْصَانٌ فِي الْأَصْلِ .
وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ قَالَ { : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ : لِمَنْ هَذَا الْحَائِطِ فَقُلْتُ لِي اسْتَأْجَرْتُهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ } وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ مِنْ الدُّنْيَا مَا يُعْجِبُ غَيْرَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يَرْكَنُ إلَيْهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ } .
الْآيَةَ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْإِعْجَابِ لَا يَضُرُّ أَحَدًا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ جُهَّالُ الْمُتَعَسِّفَةِ أَنَّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا يَنْتَقِصُ مِنْ الْإِيمَانِ بِقَدْرِهِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ } فَلَمَّا أَعْجَبَهُ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ هَذَا وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَعْنِي الْمَرْءُ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِئْنَاسِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَفِي قَوْلِ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِي اسْتَأْجَرْتُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ يُضَافُ إلَى الْمَرْءِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا : مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا يَسْكُنُهَا فُلَانٌ بِإِجَارَةٍ ، أَوْ عَارِيَّةٍ حَنِثَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلُ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِلْأَرَاضِيِ وَدَلِيلُ فَسَادِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فَفِي الْمُزَارَعَةِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا تُخْرِجُهُ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَلَى مَنْ أَجَازَهُ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا وَأَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ يَفْتَحُ بَابَهُ وَيَغْلِقُهُ وَيُخْرِجُ مَتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مِنْ غَيْرِهِ وَبِهِ يَقُولُ : فَجَوَازُ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ الْمَالِكِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ مَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْوُجُودِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى ، فَكَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْضِلَ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا نَحْوَ فَتْحُ الْبَابِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ فَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ وَهَذَا فَضْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَانَ عَطَاءٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرَى بِالْفَضْلِ بَأْسًا وَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ حَيْثُ كَرِهُوا الْفَضْلَ ، وَبِقَوْلِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكْرَهُ الْفَضْلَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِيهِ شَيْئًا فَإِنْ زَادَ فِيهِ شَيْئًا طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَأَخَذْنَا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقُلْنَا إذَا أَصْلَحَ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا ، أَوْ طَيَّنَ الْبَيْتِ ، أَوْ جَصَّصَ ، أَوْ زَادَ فِيهِ لَوْحًا فَالْفَضْلُ حَلَالٌ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا زَادَ مِنْ عِنْدِهِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا لَا يَطِيبُ لَهُ فَضْلٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ ، وَالْمَنْفَعَةُ بِالْعَقْدِ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِرْبَاحًا عَلَى مَا لَمْ يَضْمَنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ ، وَكَنْسُ الْبَيْتِ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُ التُّرَابِ مِنْهُ فَلَا يَطِيبُ الْفَضْلُ بِاعْتِبَارِهِ ، وَكَذَلِكَ فَتْحُ الْبَابِ
وَإِخْرَاجُ الْمَتَاعِ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْبَيْتِ فَلَا يَطِيبُ الْفَضْلُ بِاعْتِبَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي الْعَقْدِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَضْلُ بِمُقَابَلَتِهِ وَيَطِيبُ لَهُ وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ إذَا أَبَضَعُوا بِضَاعَةً أَنْ يُعْطُوا صَاحِبَهَا أَجْرًا كَيْ يَضْمَنَهَا وَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَيَكُونُ دَلِيلًا لِمَنْ يُضَحِّي الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَبْضَعَ إذَا أَخَذَ أَجْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ يَضْمَنُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَيْ يَضْمَنَ مَا يُتْلِفُ بِعَمَلِهِ مِمَّا يَكُونُ قَصَدَ بِهِ الْإِصْلَاحَ دُونَ الْإِفْسَادِ وَبِهِ نَقُولُ ، فَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ ضَامِنٌ ؛ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ وَعَنْ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ خَاصَمَ إلَيْهِ يُقَالُ : قَدْ أَجَّرَهُ رَجُلٌ بَيْتًا فَأَلْقَى فِيهِ مِفْتَاحَهُ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ فَقَالَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَيْتِ وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَ شُرَيْحٍ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَلِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَعْدُومِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ فِي هَذَا بِقَوْلِهِ فَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَاللُّزُومُ أَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَجِبُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِدُونِ صِفَةِ اللُّزُومِ .
ثُمَّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثِ شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ فَقَالَ : إنْ أَلْقَى إلَيْهِ الْمِفْتَاحَ بِعُذْرٍ لَهُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَيْتِ وَالْعُذْرُ أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا ، أَوْ
يَمْرَضَ فَيُقَوِّمَ ، أَوْ يُفْلِسَ فَيُقَوِّمَ مِنْ السُّوقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْتَى بِضَعْفِ هَذَا الْعَقْدِ وَلَكِنْ جَعَلَهُ فِي الضَّعْفِ نِهَايَةً ؛ حَيْثُ قَالَ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَمَنْ يَقُولُ : لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ فَقَدْ جَعَلَهُ نِهَايَةً فِي الْقُوَّةِ وَفِي الْجَانِبَيْنِ مَعْنَى الضَّرَرِ فَإِنَّمَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِمَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْفَسْخِ تَعَذَّرَ بِقَصْدِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِالْغَيْرِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةٌ وَهُوَ دَلِيلُ قُوَّتِهِ وَعَدَمُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ الْعَقْدِ دَلِيلُ ضَعْفِهِ وَمَا يُجَاذِبُهُ دَلِيلَانِ يُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَدَلِيلُ الْقُوَّةِ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلِدَلِيلِ الضَّعْفِ قُلْنَا يَنْفَسِخُ بِالْعُذْرِ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمُعَاوَضَةِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ كَالْمُشْتَرِي يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ ، وَظَاهِرُ مَا يَقُولُهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَنْ الْعُذْرِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا إذَا أَثْبَتَ الْعُذْرَ عِنْدَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ غَيْرُ قَابِضٍ لِلْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَيْنَ الْحَانُوتِ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْفَسْخِ وَهُوَ قَابِضٌ لِلْحَانُوتِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ وَلَا غَيْرَهُ ، وَفَسَّرَ الْأَجِيرَ
الْمُشْتَرَكِ فِي الْكِتَابِ بِالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَكُلُّ مَنْ يَقْبَلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجِيرُ الْوَاحِدِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا ، أَوْ لِيَخْرُجَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَطِيعُ الْأَجِيرُ أَنْ يُؤَجِّرَ فِيهِ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَجِيرَ الْوَاحِدِ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ ، أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَإِنْ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ هُوَ مَعْلُومٌ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بِعَمَلٍ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ السَّلَمِ مَعَ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِهِ قَبُولُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَيْعَ لَمَّا كَانَ يُلَاقِي الْعَيْنَ فَبَعْدَ مَا بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا مُشْتَرَكًا وَالْأَوَّلُ أَجِيرَ الْوَحْدَةِ ، ثُمَّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَجِيرًا وَاحِدًا ، أَوْ مُشْتَرَكًا تَلِفَ بِمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ وَأَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي أَجِيرِ الْوَاحِدِ أَيْضًا وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ أَخَذَ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مَا ضَاعَ عَلَى يَدِهِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَالصَّبَّاغَ وَنَحْوَهُمَا فَلِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ ، وَسَنُقَرِّرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَذَكَرَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْمَلَّاحَ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْغَرَقَ وَالْحَرْقَ ، وَالْمَلَّاحُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ضَامِنٌ .
إلَّا مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَاَلَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ هُوَ الْحَرْقُ الْغَالِبُ ، أَوْ الْغَرَقُ الْغَالِبُ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إنْ غَرِقَتْ مِنْ مَدِّهِ ، أَوْ مُعَالَجَتِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ ضَامِنٌ ؛ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ ، وَإِنْ احْتَرَقَتْ مِنْ نَارٍ أَدْخَلَهَا السَّفِينَةَ لَجَاجَةٍ لَهُ مِنْ خَبْزٍ ، أَوْ طَبْخٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ كَالْبَيْتِ فَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِي إدْخَالِ النَّارِ السَّفِينَةَ لِحَاجَتِهِ ، وَإِذَا كَانَ التَّلَفُ غَيْرَ مُضَافٍ إلَيْهِ تَسَبُّبًا وَلَا مُبَاشَرَةً لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ فِي الْمَاءِ خَاصَّةً ، وَإِنْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ مَدِّهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَقَ غَالِبٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَهُوَ كَالْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْغَالِبَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : الِاحْتِرَازُ مُمْكِنٌ بِمَنْعِ السَّفِينَةِ عِنْدَ الْمَدِّ وَالْمُعَالَجَةُ مِنْ مَوْضِعِ الْغَرَقِ فَإِذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِعَمَلِهِ كَانَ ضَامِنًا وَعَنْ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَبَّاغٍ فَقَالَ :
إنِّي أَعْطَيْتُ هَذَا ثَوْبِي لِيَصْبُغَهُ فَاحْتَرَقَ بَيْتُهُ فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : اضْمَنْ لَهُ ثَوْبَهُ ، فَقَالَ الصَّبَّاغُ : كَيْفَ أَضْمَنُ لَهُ ثَوْبَهُ وَقَدْ احْتَرَقَ بَيْتِي فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ : أَرَأَيْتَ لَوْ احْتَرَقَ بَيْتَهُ أَكُنْت تَدَعُ لَهُ أَجْرَكَ ؟ وَكَانَ هَذَا الْحَرْقُ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَضْمِينُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ عَرَفَ إمْكَانَ التَّحَرُّزِ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ الثَّوْبِ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ بِإِمْكَانِ إطْفَاءِ النَّارِ وَلَكِنَّهُ تَهَاوَنَ فَلَمْ يَفْعَلْ ؛ فَلِهَذَا قَالَ لَهُ : اضْمَنْ لَهُ ثَوْبَهُ ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِ الصَّبَّاغُ وَقَالَ : كَيْفَ أَضْمَنُ لَهُ وَقَدْ احْتَرَقَ بَيْتِي ؟ وَكَأَنَّهُ ادَّعَى بِهَذَا أَنَّ الْحَرْقَ كَانَ غَالِبًا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ احْتَرَقَ بَيْتَهُ كُنْتَ تَدَعُ لَهُ أَجْرَكَ ؟ وَمَعْنَى اسْتِدْلَالِهِ هَذَا أَنَّ الْحِفْظَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ عَلَيْكَ وَالْأَجْرَ لَكَ عَلَيْهِ فَكَمَا لَا يَسْقُطُ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لَك بِاحْتِرَاقِ بَيْتِهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِاحْتِرَاقِ بَيْتِكَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الصَّبَّاغُ فَقِيهًا لَبَيَّنَ الْفَرْقَ وَيَقُولُ لَهُ : أَيُّهَا الْقَاضِي قِيَاسُكَ فَاسِدٌ ؛ فَالْأَجْرُ لِي فِي ذِمَّتِهِ وَبِاحْتِرَاقِ بَيْتِهِ لَا يَفُوتُ مَحَلُّ حَقِّي ، وَحَقِّهِ فِي عَيْنِ الثَّوْبِ وَبِاحْتِرَاقِ بَيْتِي يَفُوتُ مَحَلُّ حَقِّهِ وَلَكِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ هَذَا الْفَرْقُ أَوْ احْتَشَمَهُ فَلَمْ يُعَارِضْهُ وَالْتَزَمَ حُكْمَهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ احْتَرَقَ بَيْتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا ضَامِنَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرِ الْوَاحِدِ إلَّا إذَا خَالَفَ مَا أَمَرَ بِهِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الصُّنَّاعِ احْتِيَاطًا
لِلنَّاسِ أَنْ لَا يُضَيِّعُوا مَتَاعَهُمْ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ فِي الرِّوَايَةِ وَالصَّبَّاغَ وَالصَّائِغَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ عَنْ بِكِيرِ بْن الْأَشَجِّ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُضَمِّنُ الصُّيَّاغَ مَا أَفْسَدُوا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ ، أَوْ ضَاعَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَهُمْ فِيمَا إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِغَيْرِ صُنْعِ الْأَجِيرِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مَا أَفْسَدُوا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّلَفِ بِعِلْمِهِمْ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَنَا ؛ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ : لَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهُ وَسَيَأْتِيكَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ رَحِمَهُ اللَّهُ اتَّبَعْتُ كَاذِيًا مِنْ السُّفُنِ فَحَمَّلْتُ خَوَابِيَ مِنْهَا حَمَّالًا فَانْكَسَرَتْ الْخَابِيَةُ فَخَاصَمْتُهُ إلَى شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ الْحَمَّالُ : زَاحَمَنِي النَّاسُ فِي السُّوقِ فَانْكَسَرَتْ قَالَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا اسْتَأْجَرَكَ لِتُبَلِّغَهَا أَهْلَهُ فَضَمَّنَهُ أَيَّاهَا ، وَالْكَاذِي دُهْنٌ تُحْمَلُ مِنْ الْهِنْدِ فِي السُّفُنِ إلَى الْعِرَاقِ وَقِيلَ : هُوَ اسْمٌ ؛ لِمَا يَتَّخِذُهُ رَاكِبُ السَّفِينَةِ مِنْ الْأَوَانِي كَالْأَمْتِعَةِ لِحَاجَتِهِ فَيَسْعَ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّفِينَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَضْمِينُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْحَمَّالُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَكَثْرَةُ الزِّحَامِ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَقِلَّ الزِّحَامُ ؛ فَلِهَذَا ضَمَّنَهُ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمَّالِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ إذَا تَعَثَّرَ ، أَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ
فِعْلِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عِنْدَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : كَانَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَتَاهُ حَائِكٌ بِثَوْبٍ قَدْ أَفْسَدَهُ قَالَ : رُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ غَزْلِهِ وَخُذْ الثَّوْبِ ، وَإِنْ لَمْ يَرَ فَسَادًا قَالَ عَلَيَّ بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوَفِّكَ بِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ إذَا أَفْسَدَ كَانَ ضَامِنًا لِصَاحِبِ الْمَالِ مِثْلَ مَالِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْغَزْلُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَإِنَّ أَدَاءَ الضَّمَانِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ فِي الْمَضْمُونِ وَبِآخِرِ الْحَدِيثِ أَخَذَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَقُولُ : إذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِكِ ، وَعَلَى رَبِّ الثَّوْبِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ خَالَفَ شَرْطَهُ وَعِنْدَنَا الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي صِفَتِهِ .
وَعَنْ عَامِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَاسْتَرَقَّ الْحُرُّ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ وَمَنَعَهُ أَجْرَهُ وَرَجُلٌ أَعْطَى بِي ، ثُمَّ غَدَرَ } وَاللَّفْظُ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبْلُغُ مَا يَكُونُ مِنْ الْوَعِيدِ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفِيعٌ لِأُمَّتِهِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَرْجُو النَّجَاةَ بِشَفَاعَتِهِ فَإِذَا صَارَ الشَّفِيعُ خَصْمًا يَشْتَدُّ الْأَمْرُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلُهُ : وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ أَيْ أَلْزَمْتُهُ وَحَجَجْتُهُ فَأَمَّا قَوْلُهُ : رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ فَالْمُرَادُ صُورَةُ الْبَيْعِ لَا حَقِيقَتُهُ فَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِحَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَبِبَيْعِ الْحُرِّ يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ وَلَكِنْ بِاسْتِعْمَالِ صُورَةِ الْبَيْعِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ بَيْعًا وَمَا يَقْبِضُ بِمُقَابَلَتِهِ ثَمَنًا مَجَازًا وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِحُرٍّ فَقَدْ اسْتَذَلَّهُ وَالْمُؤْمِنُ عَزِيزٌ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْمٌ لِمَنْ يَسْتَذِلُّهُ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ ذَلِكَ الْحُرِّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْمٌ عَنْ كُلِّ ضَعِيفٍ ، وَهُوَ يَظْلِمُهُ بِاسْتِرْقَاقِهِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُبُّ عَنْ كُلِّ مَظْلُومٍ حَتَّى يَنْتَصِفَ مِنْ ظَالِمِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَرَجُلًا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ وَمَنَعَهُ أَجْرَهُ } ؛ لِأَنَّهُ اسْتَذَلَّهُ بِالْعَمَلِ وَاسْتَزْبَنَهُ بِمَنْعِ الْأَجْرِ وَظَلَمَهُ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ ، وَأَنَّ الْأَجْرَ لَا يُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِهِ بِمَنْعِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَوْ كَانَ الْأَجْرُ
يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَمَا اشْتَرَطَ اسْتِيفَاءَ الْعَمَلِ لِذِكْرِ الْوَعِيدِ عَلَى مَنْعِ الْأَجْرِ وَقَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : وَرَجُلٌ أَعْطَى بِي ، ثُمَّ غَدَرَ } أَيْ أَعْطَى كَافِرًا أَمَانَ اللَّهِ ، وَأَمَانَ رَسُولِهِ ، ثُمَّ غَدَرَ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : فِي وَصِيَّتِهِ لِأُمَرَاءِ السَّرَايَا ، وَإِنْ أَرَادُوكُمْ أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ فَلَا تُعْطُوهُمْ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، فَالْمُسْتَأْمَنُ يَكُونُ مُسْتَذَلًّا فِي دِيَارِنَا فَإِذَا غَدَرَهُ وَاسْتَحْقَرَهُ بَعْدَ إعْطَاءِ الْأَمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَدْ ظَلَمَهُ ، وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ } وَالْمُرَادُ بِعَسْبِ التَّيْسِ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى الضِّرَابِ وَهُوَ إنْزَاءُ الْفُحُولِ عَلَى الْإِنَاثِ ، وَذَلِكَ حَرَامٌ ؛ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ مَهِينٌ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْعَقْدُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى نَشَاطِ الْفَحْلِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ قَفِيزُ الطَّحَّانِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَحَّانًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً مَعْلُومَةً بِقَفِيزٍ مِنْهَا ، أَوْ مِنْ دَقِيقِهَا وَذَلِكَ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ كَانَ شَرِيكًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ ، وَالْعَامِلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْأَجْرَ ، ثُمَّ الْأَجْرُ إمَّا أَنْ يَلْتَزِمَهُ فِي الذِّمَّةِ ، أَوْ فِي عَيْنٍ مَوْجُودٍ وَهُوَ مَا الْتَزَمَهُ فِي الذِّمَّةِ وَدَقِيقُ تِلْكَ الْحِنْطَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَقْتَ الْعَقْدِ .
فَأَمَّا كَسْبُ الْحَجَّامِ فَأَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ يَأْخُذُونَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَقُولُونَ
كَسْبُ الْحَجَّامِ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمُقَابَلَةِ مَا اسْتَخْرَجَ مِنْ الدَّمِ ، أَوْ مَا يَشْتَرِطُ فَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ ، وَالْمُرَادُ بِمَهْرِ الْبَغِيِّ مَا تَأْخُذُ الزَّانِيَةُ شَرْطًا عَلَى الزِّنَا فَقَدْ كَانُوا يُؤَاجِرُونَ الْإِمَاءَ لِذَلِكَ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ } الْآيَةُ ؛ لَمَّا قَرَنَ بَيْنَ ذَلِكَ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ عَرَفْنَا أَنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ حَرَامٌ وَلَكِنَّا : نَقُولُ هَذَا النَّهْيُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ قَدْ انْتَسَخَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي آخَرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَالَ إنَّ لِي حَجَّامًا وَنَاضِحًا أَفَأَعْلِفُ نَاضِحِي مِنْ كَسْبِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ : إنَّ لِي عِيَالًا وَحَجَّامًا أَفَأَطْعِمْ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ } فَالرُّخْصَةُ بَعْدَ النَّهْيِ دَلِيلٌ انْتِسَاخِ الْحُرْمَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { اُحْتُجِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ } وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْحَرَامِ لَا يَحِلُّ إيكَالُهُ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنْ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ } وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنْ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ } وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ : هَذَا النَّهْيُ فِي كَسْبِ الْحِجَامَةِ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْإِشْفَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْنَى الْمَرْءَ بِهِ وَيُخَسِّسُهُ وَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَبْغُضُ سَفْسَافِهَا } وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكْتَسِبَ
بِمَا لَا يُدِينُهُ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَ بَعْضَ مَوَالِيهِ عَنْ كَسْبِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ حَجَّامٌ فَقَالَ : إنَّ كَسْبَكَ لَوَسِخٌ وَذُكِرَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالَ : لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الرَّاعِي ، وَإِنْ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَقُولُ : إنْ كَانَ أَجِيرًا وَاحِدًا فَهُوَ أَمِينٌ كَالْمُودِعِ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاعِي مُشْتَرَكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا تَلِفَ مِنْ فِعْلِهِ شُرِطَ ذَلِكَ ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَعِنْدَهُمَا مَا تَلِفَ بِمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ شَرْطٌ ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ كُلِّ الرَّجُلِ يَسْتَصْنِعُ الشَّيْءَ .
( قَالَ : ) رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ بِأَنَّ الْبُيُوعَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ ، بَيْعُ عَيْنٍ بِثَمَنٍ ، وَبَيْعُ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ بِثَمَنٍ وَهُوَ السَّلَمُ ، وَبَيْعُ عَمَلٍ الْعَيْنُ فِيهِ تَبَعٌ وَهُوَ الِاسْتِئْجَارُ لِلصِّنَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْمَحِلِّ بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَالْعَيْنُ هُوَ الصَّبْغُ بِيعَ فِيهِ ، وَبَيْعُ عَيْنٍ شُرِطَ فِيهِ الْعَمَلُ وَهُوَ الِاسْتِصْنَاعُ فَالْمُسْتَصْنَعُ فِيهِ مَبِيعٌ عَيْنٌ وَلِهَذَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَمَلُ مَشْرُوطٌ فِيهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعَمَلِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِمَعْنًى يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ ، وَالِاسْتِصْنَاعُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّنْعِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَمَلَ مَشْرُوطٌ فِيهِ ، ثُمَّ أَحْكَامُ مَا لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الِاسْتِصْنَاعِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْبُيُوعِ فَبِذَلِكَ بَدَأَ الْبَابَ هُنَا وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَسْلَمَ حَدِيدًا إلَى حَدَّادٍ لِيَصْنَعَهُ إنَاءً مُسَمًّى بِأَجْرٍ مُسَمًّى ؛ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا سَمَّى ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْفَسْخِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِهِ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَإِنَّ بَعْدَ اتِّصَالِ عَمَلِهِ بِالْحَدِيدِ لَا وَجْهَ لِفَسْخِ الْعَقْدِ فِيهِ ، فَأَمَّا فِي الِاسْتِصْنَاعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْعَيْنُ وَفَسْخُ الْعَقْدِ فِيهِ مُمْكِنٌ ؛ فَلِهَذَا ثَبَتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّادَ هُنَا يَلْتَزِمُ الْعَمَلَ بِالْعَقْدِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَثْبُتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فِيمَا يَكُونُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، فَأَمَّا فِي الِاسْتِصْنَاعِ الْمَقْصُودُ هُوَ الْعَيْنُ وَالْعَقْدُ يَرِدُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ صَارَ دَيْنًا بِذِكْرِ الْأَجَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ الْحَدَّادُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ حَدِيدًا مِثْلَ
حَدِيدِهِ وَيَصِيرُ الْإِنَاءُ لِلْعَامِلِ ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مُخَالِفٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ أَفْسَدَ عَمَلَهُ ، وَمُوَافِقٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ إقَامَةُ أَصْلِ الْعَمَلِ وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جِهَةِ الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ كَالْغَاصِبِ وَمَنْ غَصَبَ حَدِيدًا وَضَرَبَهُ إنَاءً فَهُوَ ضَامِنٌ حَدِيدًا مِثْلَهُ وَالْإِنَاءُ لَهُ بِالضَّمَانِ ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جِهَةِ الْوِفَاقِ وَرَضِيَ بِهِ مُتَغَيِّرَ الصِّفَةِ فَأَخَذَ الْإِنَاءَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ كَالْمُشْتَرِي ، وَإِذَا وَجَدَ بِالْبَيْعِ عَيْبًا إلَّا أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ صَالِحٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ وَلَكِنَّ قَدْرَ مَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ سُلِّمَ لَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى وَلِأَنَّهُ ؛ لَمَّا رَضِيَ بِالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ أَرْضَى بِهِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ فَاسِدٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ؛ فَإِنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْأَوْصَافِ ، وَالْفَائِتُ بِالْعَيْبِ وَصْفٌ وَهُنَا الْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ وَبِالْإِفْسَادِ يَنْعَدِمُ ذَلِكَ الْعَمَلُ ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُسَلِّمُهُ إلَى عَامِلٍ لِيَصْنَعَ لَهُ شَيْئًا مُسَمًّى ، كَالْجِلْدِ يُسَلِّمُهُ إلَى الْإِسْكَافِ لِيَصْنَعَهُ خُفَّيْنِ وَالْغَزْلِ يُسَلِّمُهُ إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَهُ ، فَلَوْ اسْتَصْنَعَ عِنْدَ حَائِكٍ ثَوْبًا مَوْصُوفَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالرِّفْعَةِ وَالْجِنْسِ يَنْسِجُهُ مِنْ غَزْلِ الْحَائِكِ كَانَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ مِثْلَ الْخُفِّ وَغَيْرِهِ وَيُرِيدُ بِهِ قِيَاسَ الِاسْتِحْسَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَعْمَلُ بِهِ النَّاسُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا
الِاسْتِصْنَاعَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَفِيمَا لَا تَعَامُلَ نَأْخُذُ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ وَنَقُولُ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَرَبَ لِهَذَا الثَّوْبِ أَجَلًا وَتَعَجَّلَ الثَّمَنَ كَانَ جَائِزًا وَكَانَ سَلَمًا لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ فَهُوَ فَاسِدٌ قِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الِاسْتِصْنَاعُ الْجَائِزُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فِيهِ لَا يَصِيرُ سَلَمًا فَالِاسْتِصْنَاعُ الْفَاسِدُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ كَيْفَ يَكُونُ سَلَمًا صَحِيحًا فَإِنَّ الْأَجَلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالِبَةِ وَلَا مُطَالَبَةَ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَذِكْرُ الْأَجَلِ فِيهِ يَكُونُ لَغْوًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ فَفِيمَا لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ وَفِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيُصَارُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْمُمْكِنِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ سَلَمًا تَوْضِيحُهُ أَنَّ فِيمَا فِيهِ التَّعَامُلُ الْمُسْتَصْنَعُ فِيهِ مَبِيعٌ شُرِطَ فِيهِ الْعَمَلُ فَذِكْرُ الْمُدَّةَ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ فِيهَا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا عَيْنًا ، فَأَمَّا فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَلَيْسَ هُنَا مَبِيعَ عَيْنٍ لِيَكُونَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ فِي الْعَيْنِ بَلْ ذِكْرُ الْعَمَلِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ فِيمَا يَلْتَزِمُهُ دَيْنًا وَذِكْرُ الْمُدَّةِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى السَّلَمِ فَيَجْعَلُهُ سَلَمًا لِذَلِكَ
وَلَوْ أَسْلَمَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَ لَهُ سَبْعًا فِي أَرْبَعٍ فَحَاكَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ أَصْغَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَ غَزْلِهِ وَسَلَّمَ لَهُ الثَّوْبَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ إلَّا فِي النُّقْصَانِ ؛ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ الْأَجْرَ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لَهُ ، أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ فَلِتَغْيِيرِ شَرْطِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَاكَهُ أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ فَهُوَ أَرَقُّ مِمَّا سُمِّيَ ، وَإِنْ حَاكَهُ أَصْغَرَ مِمَّا سُمِّيَ فَهُوَ أَصْفَقُ مِمَّا سُمِّيَ هَذَا إذَا كَانَ قَدَّرَ لَهُ الْغَزْلَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّرَهُ لَهُ فَإِذَا حَاكَهُ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى فَقَدْ زَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَزْلِهِ عَلَى مَا سَمَّى ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ فَلِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى جِهَةِ الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ كَالْغَاصِبِ فَضَمَّنَهُ غَزْلًا مِثْلَ غَزْلِهِ وَالثَّوْبُ لِلْحَائِكِ وَلَا أَجْرَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ غَزْلًا وَنَسَجَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِعَمَلِهِ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لَهُ فِي أَصْلِهِ ، وَإِنْ خَالَفَ فِي صِفَتِهِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ إلَّا فِي النُّقْصَانِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ فَقَدْ أَتَى بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ وَزِيَادَةٍ فَيُعْطِيهِ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَفِي الزِّيَادَةِ لَمْ يُوجَدْ مَا يُقَوِّمُهُ وَهُوَ التَّسْمِيَةُ فَلَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي النُّقْصَانِ قَالَ : يُعْطِيهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى تَكْسِيرِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَتَكْسِيرِ مَا جَاءَ بِهِ فَالْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ سَبْعٌ فِي أَرْبَعَةٍ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ سَبْعٌ فِي ثَلَاثَةٍ فَذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا فَعَرَفْت أَنَّهُ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْأَجْرِ ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُعْطِيهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى ؛
لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا فَإِحْدَى وَعِشْرُونَ يُقَابِلُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ لَبِنَةً بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَضَرَبَ إحْدَى وَعِشْرِينَ ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَوْجِبُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى قَالَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الثَّوْبِ تَتَفَاوَتُ بِالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَرُبَّمَا تُنْقِصُ زِيَادَةُ الطُّولِ فِي الْمَالِيَّةِ وَزِيَادَةُ الْعَرْضِ تُزِيدُ فِيهِ كَمَا فِي الْمُلَاءَةِ وَرُبَّمَا تُزِيدُ فِي مَالِيَّتِهِ زِيَادَةَ الطُّولِ دُونَ الْعَرْضِ كَمَا فِي الْعِمَامَةِ فَلَا يُمْكِنُ تَوْزِيعُ الْمُسَمَّى عَلَى الذُّرْعَانِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِخِلَافِ اللَّبِنِ فَالْبَعْضُ هُنَاكَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْبَعْضِ فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عَرَفْنَا أَنَّ التَّوْزِيعَ هُنَا عَلَى الذُّرْعَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَيُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ وَلَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِالثَّوْبِ مِثْلَ مَا سَمَّى كَانَ حِصَّتُهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ مِنْ الْأَجْرِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى ، فَإِذَا تَمَّ رِضَاهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ يَكُونُ أَرْضَى بِهِ عِنْدَ الْخِلَافِ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُسَمَّى وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ : وَلَا تَجَاوَزَ بِهِ إلَّا مَا سُمِّيَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا جَاءَ بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ صَفِيقًا فَحَاكَهُ رَقِيقًا وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَقِيقًا فَحَاكَهُ صَفِيقًا كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ جَمِيعَ الْأَجْرِ بِمُقَابَلَةِ الْوَصْفِ الَّذِي شَرَطَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَإِنَّ مَالِيَّةَ الثَّوْبِ تَخْتَلِفُ بِالرِّقَّةِ وَالصَّفَاقَةِ وَرُبَّمَا يُخْتَارُ الصَّفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالرَّقِيقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ؛
فَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا تُجَاوِزْ بِهِ مَا سُمِّيَ ؛ لِانْعِدَامِ الْمُقَوِّمِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ ؛ وَلِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْحَائِكِ بِالْمُسَمَّى مِنْ الْأَجْرِ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْغَزْلِ رِطْلًا مِنْ غَزْلِهِ وَقَالَ : قَدْ زِدْتُهُ وَقَالَ : رَبُّ الْغَزْلِ لَمْ تَزِدْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْغَزْلِ مَعَ يَمِينِهِ ، أَمَّا جَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ ؛ فَلِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ مَا أَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ مِنْ الْغَزْلِ وَيَصِيرُ الْمُسْتَقْرِضُ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَالْحَائِكُ يُقِيمُ الْعَمَلَ فِي غَزْلِ رَبِّ الثَّوْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ جَمِيعُ الْغَزْلِ مِنْ الْحَائِكِ فَإِنَّ الْمُسْتَصْنِعَ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَقْرِضًا لِلْغَزْلِ قَابِضًا فَيَكُونُ الْحَائِكُ عَامِلًا فِي غَزْلِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ الْحَائِكُ يَدَّعِي أَنَّهُ أَقْرَضَهُ رِطْلًا مِنْ غَزْلِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَرَبُّ الثَّوْبِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَائِكِ الْبَيِّنَةُ لِحَاجَتِهِ إلَى إثْبَاتِ مَا يَدَّعِي مِنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَرْضِ وَمَا يَدَّعِي مِنْ الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَخَذَ مِنْ رَبِّ الثَّوْبِ مِثْلَ غَزْلِهِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَنُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ .
وَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ غَزْلًا يَنْسِجُهُ ثَوْبًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ غَزْلًا مُسَمًّى مِثْلَ غَزْلِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَ الْغَزْلِ وَأَجْرَ الثَّوْبِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ جَازَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْغَزْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مَشْرُوطٍ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَحْسَنُ لِلتَّعَامُلِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَقَدْ يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ فَيَقُولُ لَهُ الْحَائِكُ هَذَا لَا يَكْفِي ؛ لِمَا تَطْلُبُهُ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِيُعْطِيَهُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْنَاعُ فِي الثَّوْبِ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ ، فَإِذَا وُجِدَ التَّعَامُلُ فِي هَذَا يُجَوِّزُهُ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِصْنَاعِ فِيمَا فِيهِ التَّعَامُلُ ، ثُمَّ الطُّولُ وَالْعَرْضُ فِي الثَّوْبِ وَصْفٌ وَرَأَيْنَا جَوَازَ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ لِإِحْدَاثِ وَصْفٍ فِي الثَّوْبِ بِمِلْكِهِ وَهُوَ الصِّبَاغُ فَيَجُوزُ هُنَا أَيْضًا اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ عَلَيْهِ بِغَزْلِ نَفْسِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصِّبَاغِ ، فَإِنْ أَتَاهُ كَمَا شَرَطَ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ زَادَ أَعْطَاهُ مِمَّنْ غَزَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِلْمُشْتَرِي بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَأَجْرِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ وَفَاءٌ بِمَا شَرَطَ لَهُ ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا وَكَانَ وَزْنَ غَزْلٍ مَنًا وَقَالَ النَّسَّاجُ قَدْ كَانَ وَزْنُ غَزْلِكَ مَنًا وَقَدْ زِدْتُ فِيهِ رِطْلًا فَوَزَنُوا الثَّوْبَ فَوَجَدُوهُ مَنَوَيْنِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ إنَّمَا زَادَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَقَالَ النَّسَّاجُ هُوَ مِنْ الْغَزْلِ وَالدَّقِيقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِكِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ الْحَوَكَةِ فَإِنْ قَالُوا : الدَّقِيقُ لَا يَزِيدُ فِيهِ هَذَا الْمِقْدَارَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِكِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ
قَالُوا يَزِيدُ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّهُ مَا اشْتَبَهَ عَلَى الْقَاضِي ؛ فَإِنَّهُ مَا يُرْجَعُ فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى مَنْ لَهُ بَصَرٌ فِي ذَلِكَ الْبَابِ كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَتَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِكِ وَحَلَفَ بِخَبَرِ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَا سَمَّى لَهُ وَمَتَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبُّ الثَّوْبِ بِأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الدَّقِيقَ يَزِيدُ فِيهِ هَذَا الْمِقْدَارَ ؛ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطُ عَقْدِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِأَنْ يَزِيدَ فِيهِ فَقَدْ أَمَرَ بِثَوْبٍ هُوَ أَطْوَلُ ، أَوْ أَعْرَضُ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جِهَةِ الْخِلَافِ وَضَمَّنَهُ مِثْلَ غَزْلِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى الْمُوَافَقَةِ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ وَأَعْطَاهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي مَنٍّ وَنَصْفٍ مِنْ الْغَزْلِ وَإِنَّمَا أَقَامَهُ فِي مَنٍّ فَيُعْطِيهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الْأَجْرِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ بِاعْتِبَارِ الْمُسَمَّى وَأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا بَيَّنَّا ( وَلَوْ ) ( كَانَ الثَّوْبُ ) مُسْتَهْلَكًا وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ وَرَثَتُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَائِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمَ مَانِعِهِ مِنْ الْغَزْلِ ، وَوُجُوبَ ثَمَنِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَمِينُهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَكَانَ عَلَى الْعِلْمِ وَإِذَا حَلَفَ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الثَّوْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْغَزْلِ فَيُقَسَّمُ الْأَجْرُ عَلَى عَمَلِ ثَوْبٍ مِثْلِهِ وَقِيمَةِ رِطْلٍ مِنْ غَزْلِهِ ، فَيُطْرَحُ عَنْهُ مَا أَصَابَ قِيمَةَ الْغَزْلِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَصَوَابُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ أَيْضًا حِصَّةَ مَا تَرَكَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ فِي النَّسِيجِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ غَزْلٍ وَإِنَّمَا أَقَامَ الْعَمَلَ فِي
رِطْلَيْنِ مِنْ غَزْلٍ وَهَذَا التَّقْسِيمُ وَالْمَصِيرُ إلَى مَعْرِفَةِ وَزْنِ الثَّوْبِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِقْدَارُ غَزْلِ الدَّافِعِ مَعْلُومًا وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ بِالْمَصِيرِ إلَى وَزْنِ الثَّوْبِ ، وَهُنَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُ غَزْلِ الدَّافِعِ مَعْلُومًا ؛ فَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى وَزْنِ الثَّوْبِ لِيُعْرَفَ بِهِ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ .
( قَالَ : ) وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ حِنْطَةً إلَى طَحَّانٍ لِيَطْحَنَهَا بِدِرْهَمٍ وَبِرُبْعِ دَقِيقٍ مِنْهَا فَهَذَا فَاسِدٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ ، ثُمَّ الْحُكْمُ مَتَى ثَبَتَ فِي حَادِثَةٍ بِالنَّصِّ وَعُرِفَ الْمَعْنَى فِيهِ تَعَدَّى الْحُكْمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى الْفَرْعِ وَمِنْ فَرْعِ هَذَا لَوْ دَفَعَ سِمْسِمًا إلَى الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ لَهُ بِرِطْلٍ مِنْ دُهْنِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً بِدِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهَا فَذَلِكَ فَاسِدٌ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ : وَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُ بِلَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحُبْلَةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ مَتَى كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي مَضْمُونِ خِلْقَةِ حَيَوَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَيْنًا وَتَفْسِيرُ الْمَلَاقِيحِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَا تَضْمَنُهُ الْأَصْلَابُ وَالْمَضَامِينُ مَا تَضْمَنُهُ الْأَرْحَامُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَالْمَلَاقِيحُ مَا تَضْمَنُهُ الْأَرْحَامُ بِإِلْقَاحِ الْفُحُولِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ الْقَائِلِ شَعْرٌ وَعِدَّةُ الْعَامِ وَعَامٌ قَابِلٌ مَلْقُوحَةٌ فِي بَطْنِ نَابِ حَابِلٍ وَحَبَلُ الْحُبْلَةِ هُوَ بَيْعُ مَا يَحْمِلُ حَبَلُ هَذِهِ النَّاقَةِ وَكَانُوا يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، أَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَعَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي مَضْمُونِ خَلْقِهِ حَيَوَانٌ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنْ عَمِلَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِمَّا أَقَامَ الْعَمَلَ فِيهِ فَكَانَ عَامِلًا لِغَيْرِهِ فِيمَا لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ ،
وَلِوُجُودِ الرِّضَى مِنْهُ بِالْمُسَمَّى فَإِنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ مَعْلُومًا يَتِمُّ الرِّضَى بِهِ ، وَإِنْ شَرَطَ مَعَ الدِّرْهَمِ رُبْعَ قَفِيزِ دَقِيقٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يَقِلَّ مِنْهَا كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ مَكِيلٌ مَعْلُومٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً أَيْضًا وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَهُ بِذِرَاعٍ مِنْ ذَلِكَ الثَّوْبِ ، أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ ( قَالَ : ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَحْكِي عَنْ أُسْتَاذِهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِجَوَازِ هَذَا وَيَقُولُ : فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ عِنْدَنَا بِنَسَفٍ وَلَوْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إنَّمَا يُجَوِّزُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ ، ثُمَّ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَإِنَّ النَّسَّاجَ يُعَجِّلُ بِالنَّسِيجِ وَيَجِدُّ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ فِي الثَّوْبِ نَصِيبٌ .
قَالَ : وَلَوْ دَفَعَ سِمْسِمًا إلَى رَجُلٍ فَقَالَ : قَشِّرْهُ وَرَبِّهِ بِبَنَفْسَجٍ فَاعْصِرْهُ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ أَجْرَهُ دِرْهَمًا كَانَ هَذَا فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا شَرَطَ مِنْ الْبَنَفْسَجِ وَجَهَالَةُ ذَلِكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ بِصِبْغٍ مِنْ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الصَّبْغِ فِي كُلِّ الثَّوْبِ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ الْمُصْبَغُ مِنْهُ وَغَيْرُ الْمُصْبَغِ وَلَا تَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ اللَّوْنَ فِي الثَّوْبِ مَحْسُوسٌ ، فَأَمَّا الرَّائِحَةُ فِي الدُّهْنِ الْمُرَبَّى غَيْرُ مَحْسُوسٍ وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ مَا يُرَبَّى بِهِ مِنْ الْبَنَفْسَجِ فَتَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ إعْلَامَ مِقْدَارِ الصَّبْغِ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبَّاغِ ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الثِّيَابَ وَيَصْبُغُ الْكُلَّ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ لِذَلِكَ ، فَأَمَّا الْقَشَّارُ لَا يَخْلِطُ سِمْسِمَ النَّاسِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ ضَامِنًا وَلَكِنَّهُ يُرَبِّي سِمْسِمَ كُلِّ إنْسَانٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إعْلَامُ مِقْدَارِ الْبَنَفْسَجِ ؛ فَلِهَذَا شُرِطَ ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنْ تُرَبِّيَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ بَنَفْسَجٍ فَهَذَا جَائِزٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَنَفْسَجُ الَّذِي يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا السِّمْسِمِ مَعْرُوفًا عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالشَّرْطِ وَلَا تَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا ؛ فَلِهَذَا جَوَّزْنَاهُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ هَذَا مَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِصْنَاعُ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفُ وَكُلُّ مَا تَعَارَفَ النَّاسُ الِاسْتِصْنَاعَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِذَا جَاءَ بِهِ الصَّانِعُ مَفْرُوغًا عَنْهُ وَاخْتَارَ الْمُسْتَصْنِعُ أَخْذَهُ فَلَيْسَ لِلصَّانِعِ أَنْ يَمْنَعَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يَسْتَوْفِ الثَّمَنَ حَبَسَهُ بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ بَاعَهُ
الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَالْعَقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي هَذَا الْمَصْنُوعِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ وَإِذَا نَفَذَ بَيْعُهُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي فَلَا سَبِيلَ لِلْمُسْتَصْنِعِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا دَفَعَ إلَى إسْكَافٍ جِلْدًا وَاسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ لَهُ خُفَّيْنِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِسْكَافُ وَيُبَطِّنَهُ وَوَصَفَ لَهُ الْبِطَانَةَ وَالنَّعْلَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَإِذَا جَازَ الِاسْتِصْنَاعُ فِي الْخُفِّ لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا فَفِي الْبِطَانَةِ وَالنَّعْلِ أَجْوَزُ ، وَلَا خِيَارَ لِصَاحِبِ الْأَدِيمِ إذَا عَمِلَهُ عَمَلًا مُقَارَنًا لَا فَسَادَ فِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِيَ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ الْخِيَارَ وَالْبِطَانَةَ وَالنَّعْلَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ لَكِنَّهُ قَالَ لَا خِيَارَ لَهُ فِي أَصْلِ الْأَدِيمِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَلَا يَتَأَتَّى الرَّدُّ فِي الْبِطَانَةِ وَالنَّعْلِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَصْلِ ، ثُمَّ الْبِطَانَةُ وَالنَّعْلُ بَيْعٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْعَمَلُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بِالْبِطَانَةِ وَالنَّعْلِ يَصِيرُ الْخُفُّ أَحْكَمَ وَأَنَّ الْخُفَّ يُنْسَبُ إلَى الْأَدِيمِ دُونَ الْبِطَانَةِ وَالنَّعْلِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَفِيمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْأَدِيمُ ، فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ جَاءَ بِهِ فَاسِدًا ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْجِلْدِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ دُونَ الْفَاسِدِ فَكَانَ هُوَ فِي إقَامَةِ أَصْلِ الْعَمَلِ مُوَافِقًا وَبِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْفَسَادِ فِي الْعَمَلِ مُخَالِفًا فَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ كَالْغَاضِبِ فَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى الْمُوَافَقَةِ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ وَرَضِيَ بِهِ مَعَ تَغْيِيرِ الْوَصْفِ فَأَخَذَ الْخُفَّيْنِ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ وَقِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ ، أَمَّا أَجْرُ مِثْلِ الْعَمَلِ ؛ لِمَا
بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسَمَّى بِإِزَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَعِنْدَ الْفَسَادِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ مَا زَادَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ لَهُ وَقَدْ تَمَّ قَبْضُهُ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ قَالَ قَوْلَهُ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى ، يَنْصَرِفُ إلَى الْأَجْرِ خَاصَّةً دُونَ قِيمَةِ مَا زَادَ فِيهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مُتَقَوِّمَةٌ بِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبَّةِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى فِي أَجْرِ عَمَلِهِ خَاصَّةً وَقَالُوا : بَيَانُهُ فِي فَصْلٍ يَكُونُ بَيِّنًا فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْبِطَانَةَ وَالنَّعْلَ تَابِعٌ لِلْعَمَلِ ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ الْعَقْدُ هُنَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْصُودًا مَا جَازَ الْعَقْدُ فِيهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَالتَّبَعُ مُعْتَبَرٌ بِالْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ ، فَكَذَلِكَ فِي التَّبَعِ وَسَنُقَرِّرُ هَذَا الْفَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَ خِرْقَةً إلَى صَانِعٍ لِيَصْنَعَهَا قَلَنْسُوَةً وَيُبَطِّنَهَا وَيَحْشُوَهَا فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبِطَانَةَ وَالْحَشْوَ فِي الْقَلَنْسُوَةِ تَبَعٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ تُنْسَبُ إلَى الظِّهَارَةِ وَأَنَّهَا بِالْبِطَانَةِ وَالْحَشْوِ تَصِيرُ أَحْكَمَ وَاسْمُ الْقَلَنْسُوَةِ يَتَنَاوَلُهُ بِدُونِ الْبِطَانَةِ وَالْحَشْوِ كَالْخُفِّ فَالْجَوَابُ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَبِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ الصُّنَّاعِ إذَا رَضِيَ الْمُسْتَصْنِعُ الْعَمَلَ وَأَجَازَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ لَهُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَجْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْعُ الْمَتَاعِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَاتِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْمَبِيعُ يُحْبَسُ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ الْبَيْعُ
حَالًّا وَلَا يُحْبَسُ بِهِ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لِلصَّانِعِ حَقُّ الْحَبْسِ بِالْأُجْرَةِ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الَّذِي أَحْدَثَهُ بِعَمَلِهِ وَقَدْ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ بِاخْتِيَارِ الْعَامِلِ وَرِضَاهُ وَبَعْدَ مَا سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا تَسْلِيمٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِدُونِ أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ بِمِلْكِهِ وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يُجْعَلُ عَفْوًا فَلَا يَصِيرُ هُوَ بِهِ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ وَرُبَّمَا يَقُولُ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْبَدَلُ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يُحْبَسُ الْمُبْدَلُ بِالْبَدَلِ فَإِذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حَقُّ الْحَبْسِ يَثْبُتُ لَهُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَدَّى ذَلِكَ إلَّا بِحَبْسِ الْأَصْلِ فَثَبَتَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الْأَصْلِ كَمَنْ أَجَّرَ عَيْنًا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَهُوَ إنَّمَا عَقَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِ الْعَيْنِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ فَهَذَا مِثْلُهُ .
( قَالَ ) فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ الْأَجَلُ مِيعَادًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ حَتَّى يَقْبِضَ أَجْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ وَهَذَا يَصِيرُ رِوَايَةً فِي فَصْلِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا مِنْ بَيَّاعٍ وَوَاعَدَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مُنَجَّمًا فِي كُلِّ سَبْتٍ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَاب ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ بِثَمَنٍ حَالٍّ ، وَالْمِيعَادُ لَا يَكُونُ لَازِمًا بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ لَهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَوَصَفَ لَهُ الصِّبْغَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَفَ لَهُ الصِّبْغَ وَسَمَّاهُ مِنْ زَعْفَرَانٍ ، أَوْ عُصْفُورٍ ، أَوْ بَقَّمٍ فَقَدْ صَارَ الْمَقْصُودُ مَعْلُومًا لَا تَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ خَالَفَهُ بِصَبْغِهِ عَلَى غَيْرِ مَا سَمَّى لَهُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْغِ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لَهُ ، أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ ؛ فَلِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الصَّبْغِ مُوَافِقٌ وَفِي الصِّفَةِ مُخَالِفٌ وَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ فَقَدْ قَالَ : هُنَاكَ يُعْطِيهِ أَجْرًا مِثْلَ عَمَلِهِ وَقِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّبْغَ آلَةُ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الصَّبَّاغِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَضِ وَالصَّابُونِ فِي عَمَلِ الْغَسَّالِ فَلَا يَصِيرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُشْتَرِيًا لِلصَّبْغِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْقِيمَةَ عِنْدَ فَسَادِ السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ بِالثَّوْبِ لَوْنُ الصَّبْغِ لَا عَيْنُهُ وَإِنَّمَا
يَصِيرُ مُشْتَرِيًا ؛ لِمَا يَتَّصِلُ بِمِلْكِهِ وَاللَّوْنُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُشْتَرًى بِخِلَافِ الْبِطَانَةِ وَالنَّعْلِ فَذَاكَ يَتَّصِلُ بِعَمَلِهِ بِمِلْكِهِ وَهُوَ عَيْنُ مَالٍ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِفِعْلِهِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الصَّبْغَ فِي الثَّوْبِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ حُكْمًا حَتَّى لَوْ انْصَبَغَ ثَوْبُ إنْسَانٍ بِصَبْغِ الْغَيْرِ وَاتَّفَقَا عَلَى بَيْعِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَضْرِبُ فِي الثَّوْبِ بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَصَاحِبُ الصَّبْغِ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّبْغُ الْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ فِي حُكْمِ عَيْنٍ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ ؛ لِمَا كَانَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةً وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ بَعْدَ مَا اتَّصَلَ بِالثَّوْبِ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي حُكْمِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مَعَ الثَّوْبِ لَا وَحْدَهُ وَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ الْبِطَانَةُ وَالنَّعْلُ لَمَّا كَانَ بِعَرْضِ الْفَصْلِ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مُنْفَرِدًا عَنْ الْخُفِّ ؛ فَلِهَذَا اُعْتُبِرَ قِيمَةُ مَا زَادَ فِيهِ .
، وَإِنْ اخْتَلَفَ الصَّبَّاغُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فِيمَا أَمَرَهُ أَنْ يَصْبُغَهُ بِهِ بِأَنْ صَبْغَهُ بِعُصْفُرٍ فَقَالَ : رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُكَ بِالزَّعْفَرَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الصَّبْغِ ، ثُمَّ رَبُّ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ خِلَافًا لِيُضَمِّنَهُ ، أَوْ لِيُثْبِتَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْإِذْنُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الثَّوْبِ وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ لَهُ فِي الصَّبْغِ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْإِذْنَ فِيمَا صَبَغَهُ بِهِ ، وَإِذَا اسْتَصْنَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ خُفَّيْنِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ الْمُسْتَصْنِعُ لَيْسَ هَكَذَا أَمَرْتُكَ وَقَالَ الْإِسْكَافُ بِهَذَا أَمَرْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَصْنِعِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى تُلْزِمُهُ الْجَوَابَ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّ لِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ يَأْبَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّانِعُ مُخَالِفًا فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِحْلَافِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْعَامِلُ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُلْزَمْ الْأَمْرَ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَصْنِعُ : بِهَذَا أَمَرْتُكَ وَلَكِنْ لَا أُرِيدُهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لِلْمُسْتَصْنِعِ بِسَبَبِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ خُفَّهُ بِنَعْلِهِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ لِلْعُرْفِ الظَّاهِرِ فَإِذَا نَعَلَهُ بِنَعْلٍ لَا يُنْعَلُ بِمِثْلِهِ الْخِفَافُ فَصَاحِبُ الْخُفِّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُفِّ بِغَيْرِ نَعْلٍ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَقِيمَةَ النَّعْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ مُوَافِقٌ وَفِي الصِّفَةِ مُخَالِفٌ ، وَإِنْ
كَانَ يُنْعَلُ بِمِثْلِهِ الْخِفَافُ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَيِّدًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ صِفَةُ السَّلَامَةِ ، فَأَمَّا صِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ جَيِّدًا فَنَعَلَهُ بِنَعْلٍ غَيْرِ جَيِّدٍ فَلِصَاحِبِ الْخُفِّ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ وَقَدْ عَمِلَهُ عَمَلًا عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْأَجْرُ فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْخُفِّ عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ أَجْرِ وَقَالَ الْعَامِلُ عَمِلْتُهُ بِدِرْهَمٍ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَعَلَى رَبِّ الْخُفِّ الْيَمِينُ لِلَّهِ مَا شَارَطَهُ عَلَى دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدِّرْهَمَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ فَإِذَا حَلَفَ غَرِمَ لَهُ مَا زَادَ النَّعْلُ فِي خُفِّهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْعَامِلُ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ عَمِلَ لَهُ بِغَيْرِ - أَجْرٍ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْخُفِّ يَدَّعِي عَلَيْهِ هِبَةَ النَّعْلِ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَإِذَا حَلَفَ انْتَفَى مَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَقْدِ يَبْقَى نَعْلُهُ مُتَّصِلًا بِخُفِّ الْغَيْرِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِاحْتِبَاسِ مِلْكِ الْغَيْرِ عِنْدَهُ وَلَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ ، فَأَمَّا الْعَيْنُ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ وَلَوْ عَمِلَ الْخُفَّ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِهِ ،