كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

الدُّولَابَ وَالدَّوَابَّ عَلَى الْعَامِلِ ، وَشَرَطَ عَلَفَ الدَّوَابِّ كَذَا مَخْتُومًا شَعِيرًا وَسَطًا كُلَّ شَهْرٍ وَكَذَا مِنْ الْقَتِّ وَكَذَا مِنْ التِّبْنِ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِعَلْفِ دَوَابِّ الْمُزَارِعِ يَكُونُ مَشْرُوطًا لِلْمُزَارِعِ ، وَاشْتِرَاطُ شَيْءٍ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْمُزَارَعَةِ ؛ فَإِنَّهَا شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهَا مَالٌ آخَرُ ، فَإِنْ حَصَلَ الْخَارِجُ فَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَمِثْلِ مَا أَخَذَ مِنْ الْمُزَارِعِ مِنْ الشَّعِيرِ وَالْقَتِّ وَالتِّبْنِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ذَلِكَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْعَامِلِ جَازَ ؛ لِأَنَّ عَلْفَ دَوَابِّهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ، فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وِكَادَةً ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى صَاحِبِ الْعَمَلِ جَازَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْبَقَرِ لِلْكِرَابِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْبَقَرَ لِلْكِرَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الدُّولَابَ وَالدَّوَابَّ لِلسَّقْيِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ أَجِيرُهُ ، فَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ ؛ لِيُقِيمَ الْعَمَلَ بِأَدَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ، وَإِذَا اشْتَرَطَا الدَّوَابَّ وَالدُّولَابَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَفَ الدَّوَابِّ شَيْئًا مَعْرُوفًا عَلَى الْمُزَارِعِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى الْمُزَارِعِ عَلْفَ دَوَابِّ غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ طَعَامَ غُلَامِهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ سَوَاءٌ سَمَّى طَعَامًا مَعْرُوفًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاشْتِرَاطِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا الدَّوَابَّ وَالدُّولَابَ عَلَى الْمُزَارِعِ وَعَلْفَ الدَّوَابِّ عَلَى

رَبِّ الْأَرْضَ وَلَوْ اشْتَرَطَا الدَّابَّةَ وَعَلْفَهَا عَلَى أَحَدِهِمَا ، وَالدُّولَابَ عَلَى الْآخَرِ جَازَ ؛ لِأَنَّ عَلْفَ الدَّابَّةِ مَشْرُوطٌ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ ، وَهُوَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ اشْتِرَاطُ الدَّوَابِّ وَالدُّولَابِ عَلَى أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ أَيَّهمَا كَانَ ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ يَكُونُ صَحِيحًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ ) - : وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ مُزَارَعَةً ، وَفِيهَا نَخِيلٌ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَاشْتَرَطَا ذَلِكَ سِنِينَ مَعْلُومَةً فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْأَرْضِ الْعَامِلَ مُسْتَأْجِرٌ لَهَا بِنِصْفِ الْخَارِجِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ ، وَفِي حَقِّ النَّخِيلِ رَبُّ النَّخِيلِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، فَهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ جُعِلَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ .
ثُمَّ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَيَتَصَدَّقُ الْمُزَارِعُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَالْخَارِجُ مِنْ النَّخْلِ كُلِّهِ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ فِي النَّخِيلِ ، وَيَطِيبُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا فِي النَّخْلِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ فِي الزَّرْعِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَالْجَوَابُ وَاحِدٌ ، وَهَذَا أَبْيَنُ لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ مُخْتَلِفٌ فِيهَا ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ فِي أَرْضِهِ وَنَخْلِهِ ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَاحِدًا لِاتِّحَادِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضَيْنِ مُزَارَعَةً ؛ لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا عَلَى الْعَامِلِ فِي النَّخِيلِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الثِّمَارِ ، وَفِي الزَّرْعِ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الْبَذْرِ

الْمَشْرُوطِ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَبِدِينَارٍ يَكُونُ الْعَقْدُ وَاحِدًا ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْعَقْدُ بِاخْتِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ عَمَلُ الْعَامِلِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَكَرْمًا عَلَى نَحْوِ هَذَا كَانَ الْجَوَابُ كَالْجَوَابِ فِي النَّخْلِ ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا بَيْضَاءَ فِيهَا نَخِيلٌ فَقَالَ : أَدْفَعُ إلَيْك هَذِهِ الْأَرْضَ تَزْرَعُهَا بِبَذْرِك وَعَمَلِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ ، وَأَدْفَعُ إلَيْك مَا فِيهَا مِنْ النَّخِيلِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ ، وَتَسْقِيَهُ ، وَتُلَقِّحَهُ ، فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ نِصْفَانِ أَوْ قَالَ : لَك مِنْهُ الثُّلُثُ ، وَلِي الثُّلُثَانِ ، وَقَدْ وَقَّتَا لِذَلِكَ سِنِينَ مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ هُنَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ لَا لِلشَّرْطِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَهُنَاكَ جَعَلَ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ حَرْفَ عَلَى لِلشَّرْطِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبِيعُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَسْتَأْجِرَ مِنِّي هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ كَانَ هَذَا فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ شُرِطَتْ فِيهِ إجَارَةٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَبِيعُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ وَأُؤَجِّرُ كَهَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدَهُمَا شَرْطًا فِي صَاحِبِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَبِيعُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ هَذِهِ الْأَمَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : وَأَبِيعُكَ هَذِهِ الْأَمَةَ ، وَقَدْ أَجَابَ فِي الزِّيَادَاتِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ هَذَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الرِّوَايَاتِ وَالتَّوْفِيقَ فِيمَا أَمْلَيْنَا مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ

دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَكَرْمًا ، وَقَالَ : ازْرَعْ هَذِهِ الْأَرْضَ بِبَذْرِكَ عَلَى هَذَا الْكَرْمِ فَاكْسَحْهُ وَاسْقِهِ ، فَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا شَرَطَ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ فَلَا يَفْسُدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ سَنَتَهُ هَذِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُسَمِّيَا الْبَذْرَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ ، وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ ثُمَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِك ، وَلَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْآخَرِ ، وَيُحْكَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ : هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، أَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ صَحِيحًا ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالشَّرْطِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ تَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ لِلْعُرْفِ ، فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِالرُّجُوعِ إلَى الظَّاهِرِ الْمُتَعَارَفِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلْمُزَارِعِ : عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا سَنَتَكَ هَذِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ لَا يَتَعَيَّنُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَالْمَزَارِعُ هُوَ الَّذِي يَزْرَعُ الْبَذْرَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا سَنَتَكَ هَذِهِ لِنَفْسِك بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَيَكُونُ هُوَ أَجِيرًا عَامِلًا لِرَبِّ الْأَرْضِ ،

فَفِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْبَذْرِ عَلَى الْمُزَارِعِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُهَا ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الزَّرْعِ أَضَرُّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَا لَمْ يُبَيَّنْ جِنْسُ الْبَذْرِ لَا يَصِيرُ مِقْدَارُ مَا يَسْتَوْفِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَعْلُومًا ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُطَالِبُهُ بِأَنْ يَزْرَعَ فِيهَا أَقَلَّ مَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَى الْأَرْضِ ، وَالْمُزَارِعُ يَأْبَى إلَّا أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا أَضَرَّ الْأَشْيَاءِ بِالْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ فِي جَهَالَةِ جِنْسِ الْبَذْرِ جَهَالَةُ جِنْسِ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ جُزْءٌ مِنْ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِتَسْمِيَةِ جِنْسِ الْبَذْرِ ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نُجِيزَ الْعَقْدَ ، وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالرُّطَبَةِ وَالسِّمْسِمِ وَالشَّعِيرِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، إمَّا لِأَنَّ بِطَرِيقِ الْعُرْفِ يَحْصُلُ تَعْيِينُ جِنْسِ الْبَذْرِ بِتَعْيِينِ الْأَرْضِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الصَّنْعَةِ يَعْلَمُونَ كُلَّ أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ فِيهَا أَوْ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجْرِي الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ فِيهَا لِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحَظِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ ، وَمَنْفَعَةُ الْأَرْضِ مَعْلُومَةٌ بِتَعْيِينِ الْأَرْضِ ، وَالضَّرَرُ فِي أَنْوَاعِ مَا يَزْرَعُهَا فِيهَا يَتَفَاوَتُ فَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ، كَمَا لَوْ أُسْتَأْجَر دَارًا لِلسُّكْنَى ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَسْكُنُهَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا كَرْمًا وَلَا شَجَرًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْعَقْدِ : ازْرَعْهَا لِنَفْسِكَ ، وَعَمَلُ الْغَرْسِ غَيْرُ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الضَّرَرِ عَلَى الْأَرْضِ فَاحِشٌ فَلَا يَسْتَفِيدُ أَعْظَمَ الضَّرَرَيْنِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِأَدْنَاهُمَا ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا لِيَسْكُنَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ

أَنْ يُقْعِدَ فِيهَا قَصَّارًا ، وَلَا حَدَّادًا ، وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ سَنَتَهُ هَذِهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ زَارِعًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ هُوَ أَجِيرًا لَهُ فِي الْعَمَلِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الزَّارِعَ فِي زِرَاعَةِ مَا بَدَا لَهُ فِيهَا مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ اسْتِحْسَانًا ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ ، أَوْ يَشْتَرِطَ التَّعْمِيمَ ، فَيَقُولَ : عَلَى أَنْ يَزْرَعَ لِي مَا بَدَا لِي مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَتَفَاضَلُ فِي ذَلِكَ ، وَالْعَمَلُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ يَكُونُ أَشَدَّ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَمَّا أَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ الْبَذْرِ لِيَصِيرَ مِقْدَارُ الْعَمَلِ بِهِ مَعْلُومًا ، أَوْ يُصَرِّحَ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُشْتَرَطُ هَذَا ؛ لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ مَا بَدَا لِلْمُزَارِعِ مِنْ غَلَّةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الزِّرَاعَةِ ، وَلَوْ قَالَ : مَا بَدَا لِرَبِّ الْأَرْضِ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى كَوْنِ الرَّأْيِ فِيهِ إلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُزَارِعَ عَامِلٌ لَهُ ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : تَزْرَعُهَا مَا أَحْبَبْتُ أَنَا أَوْ مَا شِئْت أَنَا أَوْ مَا أَرَدْت أَنَا فَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَلَوْ قَالَ : مَا شِئْتَ أَنْتَ أَوْ مَا أَحْبَبْتَ أَنْتَ ، أَوْ مَا أَرَدْتَ أَنْتَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ الْعَامِلِ ، وَالْعَقْدُ جَائِزٌ فِي الْفَصْلَيْنِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ : لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَا مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ

أَيُّهُمَا هُوَ ؛ لِأَنَّ مَعَ اشْتِرَاطِ الرَّأْيِ لِأَحَدِهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمَا لَوْ صَرَّحَا بِذَلِكَ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، فَإِذَا سَكَتَا عَنْ ذِكْرِهِ كَانَ مَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ مَجْهُولًا مِنْهُمَا ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ الْمَشِيئَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالْإِرَادَةَ فِي الْبَذْرِ عَلَى الْعُمُومِ لِمَنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَهَذَا الظَّاهِرُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ ، وَعِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ يَبْقَى مُعْتَبَرًا ، كَتَقْدِيمِ الْمَائِدَةِ بَيْنَ يَدَيْ إنْسَانٍ يَكُونُ إذْنًا فِي التَّنَاوُلِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ ، فَقَالَ : لَا تَأْكُلْ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا فِي التَّنَاوُلِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ بِالرُّبُعِ ، وَلَمْ يُسَمِّيَا غَيْرَ ذَلِكَ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ ، وَالرُّبُعُ لِلزَّارِعِ إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ ، وَإِنَّمَا يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ ، فَيَكُونُ هَذَا اشْتِرَاطَ الرُّبُعِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا ، وَهُوَ الْمُزَارِعُ ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ ، فَأَمَّا صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُزَارِعَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ نَصِيبِهِ بِالشَّرْطِ ، فَاشْتِرَاطُ الرُّبُعِ مُطْلَقًا إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى بَيَانِ نَصِيبِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ ، وَلَوْ قَالَ : دَفَعْت إلَيْك هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا بِبَذْرِك وَعَمَلِكَ بِالرُّبُعِ كَانَ الرُّبُعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ هُنَا عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ لِلِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً مِنْ عِنْدِهِ بِالنِّصْفِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا غَيْرَ الْحِنْطَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا عَلَى الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا زِرَاعَةَ الْحِنْطَةِ فِي عَقْدٍ لَازِمٍ ، وَهَذَا شَرْطٌ مُفِيدٌ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِدَرَاهِمَ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً ، فَزَرَعَهَا شَيْئًا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْحِنْطَةِ هُنَاكَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْأَجْرِ ، وَهُوَ دَرَاهِمُ يَسْتَوْجِبُهَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهَا بِالْحِنْطَةِ إلَّا فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الضَّرَرِ عَلَى الْأَرْضِ ، فَإِذَا زَرَعَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا أَمَّا فِي الْمُزَارَعَةِ فَتَعْيِينُ الْحِنْطَةِ شَرْطٌ مُفِيدٌ فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ رَبِّ الْأَرْضِ فِي نِصْفِ

الْخَارِجِ ، فَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ مِنْ الْحِنْطَةِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ حَقَّهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ بِزِرَاعَتِهِ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ ضَرَرًا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : خُذْ هَذِهِ الْأَرْضَ لِتَزْرَعَهَا حِنْطَةً ، فَهَذَا شَرْطٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا الْحِنْطَةَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي الْمُضَارَبَةِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُزَارِعِ رُبُعُ الْخَارِجِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُهُ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، لِأَنَّ الْمُزَارِعَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ مَا شُرِطَ لَهُ ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ يَكُونُ نَمَاءَ بَذْرِهِ بِالشَّرْطِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا ، فَقَالَ : قَدْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ مُؤَاجِرٌ لِلْأَرْضِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلَ الْعَامِلِ ، وَلَوْ قَالَ : أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ زَرْعًا وَلَا غَرْسًا ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الضَّرَرِ عَلَى الْأَرْضِ فَاحِشٌ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ هُوَ الْمُؤَاجِرُ لِأَرْضِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ، فَإِنْ لَمْ يَتَفَاسَخَا حَتَّى زَرَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا ، وَقَدْ أَجَّرَهَا إيَّاهُ سِنِينَ مُسَمَّاةً كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ قَبْلَ وُجُوبِ الْبَدَلِ فَيُجْعَلُ كَتَعَيُّنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَاتِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُبْسٍ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَرْكَبُهَا ، وَلَا مَنْ يَلْبَسُهَا ، وَلَوْ قَالَ لَهُ : اسْتَأْجَرْتُكَ هَذِهِ السَّنَةَ تَزْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ بِالنِّصْفِ جَازَ ، وَالْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَمَا أَعْطَاهُ مِنْ حُبُوبٍ أَوْ رُطَبَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِاسْتِئْجَارِهِ لِلزِّرَاعَةِ ،

وَإِنَّمَا يَكُونُ رَبُّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرًا لِلزَّرْعِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا يَغْرِسُهُ فِيهَا فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلزِّرَاعَةِ ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا إنَّمَا يُسَمَّى غِرَاسَةً ، وَمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ عَمَلُ الْغِرَاسَةِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ عَشْرَ سِنِينَ بِالنِّصْفِ ، فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ، وَبَيْنَ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ وَالْغِرَاسَةِ تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ ، فَإِنْ لَمْ يَتَفَاسَخَا حَتَّى أَعْطَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ بَذْرًا فَبَذَرَهُ ، أَوْ غَرْسًا فَغَرَسَهُ ، وَعَمِلَهُ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا اسْتِحْسَانًا ، وَجُعِلَ التَّعْيِينُ فِي الِانْتِهَاءِ بِتَرَاضِيهِمَا ، كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَك الثُّلُثَ ، وَقَالَ الْمُزَارِعُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْخَارِجَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ بِالشَّرْطِ ، فَهُوَ يَدَّعِي زِيَادَةً فِيمَا شَرَطَ لَهُ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ يُنْكِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَعَلَى الْمُزَارِعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا ادَّعَى وَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ ، وَلَا يُصَارُ إلَى التَّحَالُفِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْإِجَارَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ شَيْئًا تَحَالَفَا ، وَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ أَيْضًا ، وَهُنَا أَوَّلُ الْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ فِيهِ حَالَ قِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا ، وَتَرَادَّا ، وَيُبْدَأُ بِالْمُزَارِعِ فِي الْيَمِينِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي الْبَيْعِ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ ، فَأَوَّلُ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَى الْمُزَارِعِ ثُمَّ الْعَقْدُ لَازِمٌ فِي جَانِبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَصَاحِبُ الْبَذْرِ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ أَلْزَمَ ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قَبْلَ التَّحَالُفِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلزِّيَادَةِ ، وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا ، وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ ،

وَقَدْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ الزَّرْعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ ، فَإِذَا ادَّعَى زِيَادَةً فِيمَا شُرِطَ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَعَلَى الْآخَرِ الْيَمِينُ ؛ لِإِنْكَارِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ تَحَالَفَا ، وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ هُنَا فِي جَانِبِهِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا يَزْرَعُهَا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالثُّلُثَانِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ فَهَذَا جَائِزٌ ، وَلَهُ سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَالْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْهُ لِلَّذِي شَرَطَ لِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَسَبْعَةٌ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ أَجِيرُهُمَا فِي الْعَمَلِ ، وَقَدْ اسْتَأْجَرَاهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ ، وَبَيَّنَّا مِقْدَارَ مَا لَهُ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ ، فَالْأَجِيرُ قَدْ تَسَامَحَ مَعَ أَحَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ دُونَ الْآخَرِ ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ مَعَ أَحَدِهِمَا ، وَطَلَبَ الْأَجْرَ مِنْ الْآخَرِ ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ احْتَجْنَا فِي التَّخْرِيجِ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ يَنْقَسِمُ أَثْلَاثًا ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَلَيْسَ لِتِسْعَةٍ نِصْفٌ صَحِيحٌ فَيَضْعُفُ الْحِسَابُ ، وَيُجْعَلُ الْخَارِجُ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِسْعَةٌ ، وَقَدْ شَرَطَا لِلْمُزَارِعِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَهُوَ سِتَّةٌ ثُلُثَا ذَلِكَ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ، وَنَصِيبُهُ كَانَ تِسْعَةً ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمُزَارِعُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةً بَقِيَ لَهُ خَمْسَةٌ ، وَثُلُثُ ذَلِكَ ، وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَقَدْ كَانَ نَصِيبُهُ تِسْعَةً ، فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْمُزَارِعُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةً بَقِيَ لَهُ خَمْسَةٌ ، وَثُلُثُ ذَلِكَ هُوَ سَهْمَانِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَقَدْ كَانَ نَصِيبُهُ تِسْعَةً ، فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْمُزَارِعُ مِنْ ذَلِكَ سَهْمَيْنِ بَقِيَ لَهُ سَبْعَةٌ ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَا لِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْمُزَارِعِ مُطْلَقًا يَكُونُ مِنْ النَّصِيبَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمُزَارِعُ ثُلُثَ الْخَارِجِ بَقِيَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى

مَا كَانَ أَصْلَ الْخَارِجِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَا اشْتَرَطَا الثُّلُثَ لِلزَّارِعِ ثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ هَذَا بِعَيْنِهِ ، وَالثُّلُثُ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَمَا بَقِيَ مِنْ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ نِصْفَيْنِ ، فَلِلْمُزَارِعِ الثُّلُثُ سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَحَدِهِمَا خَمْسَةٌ ، وَلِلْآخَرِ سَبْعَةٌ ، كَمَا خَرَّجْنَا ، وَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِيمَا بَقِيَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِلْمُزَارِعِ ثُلُثَيْ الثُّلُثِ مِنْ نَصِيبِهِ بِاشْتِرَاطِ الْمُنَاصَفَةِ فِي الْبَاقِي يَسْتَوْهِبُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ سَهْمًا وَاحِدًا ؛ لِيَكُونَ سِتَّةً لَهُ مِنْ الْبَاقِي ، وَلِصَاحِبِهِ سِتَّةٌ ، وَاسْتِيهَابُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ ، وَهُوَ طَمَعٌ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ ؛ وَلِأَنَّهُ طَمِعَ فِي شَيْءٍ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْضٌ وَلَا بَذْرٌ وَلَا عَمَلٌ ، وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ ، وَالشَّرْطُ الْبَاطِلُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ، وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ ،

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِيَزْرَعَاهَا بِبَذْرِهِمَا وَعَمَلِهِمَا عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثَاهُ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ الْأَرْضَ مِنْهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ ، وَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا ذَلِكَ الْأَجْرَ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ ؛ فَإِنَّهُ لَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فِي حَقِّهِ بِهَذَا التَّفَاوُتِ ، فَإِذَا حَصَلَ الْخَارِجُ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ، خَمْسَةٌ لِلَّذِي شَرَطَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَيْ الثُّلُثِ مِنْ نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ تِسْعَةً ، وَقَدْ أَوْجَبَ لِلْمُزَارِعِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةً ، فَبَقِيَ لَهُ خَمْسَةٌ ، وَالْآخَرُ إنَّمَا أَوْجَبَ لِرَبِّ الْأَرْضِ سَهْمَيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ ، فَبَقِيَ لَهُ سَبْعَةٌ ، فَإِذَا كَانَا اشْتَرَطَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ ثُلُثَيْ الثُّلُثِ مِنْ نَصِيبِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ سَهْمًا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِيَسْتَوِيَ بِهِ ، وَكَانَ صَاحِبُهُ عَاقَدَهُ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِهَذَا السَّهْمِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ ، وَشَرَطَ عَمَلَهُ مَعَهُ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَهُنَاكَ لَيْسَ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ شُبْهَةُ عَقْدٍ ، فَاشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا لِنَفْسِهِ سَهْمًا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ اسْتِيهَابٌ لِلْمَعْدُومِ ، وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعَيْنِ نِصْفَيْنِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ، أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ مُمْكِنٌ فِيمَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ فِي الْعَقْدِ الَّذِي فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ قُلْنَا : الْعَقْدُ كُلُّهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهُ مَشْرُوطٌ فِي

الْبَعْضِ فَيَتَمَكَّنُ الْمُفْسِدُ مِنْهُ ، وَفِي جَانِبٍ مِنْهُ يُفْسِدُ الْكُلَّ ، ثُمَّ قَدْ يَتَمَكَّنُ الْمُفْسِدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ نَصِيبِهِ كَأَنَّهُ شَرَطَ رُبُعَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسْتَوِيَ بِهِ فِيمَا بَقِيَ ، وَاشْتِرَاطُ شَيْءٍ مِنْ الْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْإِجَارَةِ

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلَانِ أَرْضًا وَبَذْرًا إلَى رَجُلٍ ؛ لِيَزْرَعَهَا عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَالثُّلُثَانِ مِنْ ذَلِكَ لِأَحَدِ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَلِلْآخَرِ رُبُعُهُ ، فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَلِلْعَامِلِ ثُلُثُ الْخَارِجِ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالْعَامِلُ أَجِيرُهُمَا بِالثُّلُثِ ، فَاسْتَحَقَّ الثُّلُثَ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ مِنْ نَصِيبِهِمَا سَهْمَيْنِ ، وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَاَلَّذِي شُرِطَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَا بَقِيَ يَكُونُ شَرْطُهَا لَهُ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ صَاحِبِهِ لِنَفْسِهِ ، وَهَذَا مِنْهُ اسْتِيهَابُ الْمَعْدُومِ ، أَوْ طَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ ، فَيَلْغُو ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا جَازَ ، وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلَّذِي شُرِطَ ذَلِكَ لَهُ ، وَرُبُعُهُ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا اسْتِحْقَاقُ الْخَارِجِ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارُ مَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ ، وَلِلْآخَرِ الرُّبُعُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَاسْتِحْقَاقهمَا هُنَاكَ يَكُونُ مِنْ الْخَارِجِ نَمَاءَ بَذْرِهِمَا لَا بِالشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ : هُنَا الْعَامِلُ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا نَصِيبَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ بِجَمِيعِ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ نِصْفِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ مِثْلُ مَا شُرِطَ لَهُ ، وَاسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ بِجَمِيعِ الْخَارِجِ لَا يَجُوزُ قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلَكِنْ لَا يُمَيِّزُ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَمَكُّنِ الشُّيُوعِ فِي الْعَقْدِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِذَا لَمْ يُمَيِّزْ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا الْمَعْنَى ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى جَمِيعِ الْأَرْضِ بِثُلُثَيْ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ بَيْنَهُمَا ، وَبَيْنَ صَاحِبِ الْبَذْرِ ثُمَّ جَعَلَا ثَلَاثَةَ

أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَالرُّبُعَ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِمَا وَعَمَلِهِمَا عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُلُثَ الْخَارِجِ وَلِلْعَامِلَيْنِ الثُّلُثَيْنِ ، الرُّبُعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْآخَرِ ، فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَا الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَجْرِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ الَّذِي شُرِطَ لَهُ الرُّبْعُ مِنْ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مَا بَقِيَ قَدْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ مَا يُخْرِجُهُ بَذْرُهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ شَرَطَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُمَا شَرَطَا لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ ، وَذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِمَا نِصْفَيْنِ ، فَلَمَّا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مَا بَقِيَ ، فَكَأَنَّ الْآخَرَ عَقَدَ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ بِنِصْفِ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هُوَ مَعَهُ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْمُزَارَعَةِ وَإِذَا فَسَدَتْ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْمُزَارِعَيْنِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ ،

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَرْضًا يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَلَمَّا حَصَلَ الْخَارِجُ قَالَ صَاحِبُ الْبَذْرِ شَرَطْتُ لَكَ عِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ نِصْفِ الْخَارِجِ بِالشَّرْطِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ ، وَلَا يُقَالُ : الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَصْلُ فِيهِ الصِّحَّةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ بِهِ ، وَحَاجَةُ رَبِّ الْأَرْضِ إلَى ابْتِدَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَإِذَا حَلَفَ صَاحِبُ الْبَذْرِ أَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَقَالَ الْمُزَارِعُ شَرَطْتُ لَهُ النِّصْفَ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتَ لِي عِشْرِينَ قَفِيزًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ أَجْرَ الْمِثْلِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُزَارِعِ وَالْمُزَارِعُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، ثُمَّ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُزَارِعِ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ ، وَحَاجَةُ الْمُزَارِعِ إلَى دَفْعِ اسْتِحْقَاقِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِذَلِكَ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ اشْتِرَاطَ نِصْفِ الْخَارِجِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ لَيْسَ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِاشْتِرَاطِ عِشْرِينَ قَفِيزًا ، وَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ بَلْ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ، فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ مَنْ تُثْبِتُ بَيِّنَتُهُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصِحَّةَ الشَّرْطِ ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ حَتَّى اخْتَلَفَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ

الْأَرْضِ ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَوُجُوبَ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّهُ دَفَنَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ قَفِيزًا مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْخَارِجِ عَلَيْهِ ، وَالْمُزَارِعُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَقِيلَ لَا مَعْنَى لِيَمِينِ الْمُزَارِعِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَقَدْ ادَّعَى مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْفَسْخِ مِنْهُ ثُمَّ الْيَمِينُ إنَّمَا تَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى مُلْزِمَةٍ ، وَدَعْوَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا تُلْزِمُهُ شَيْئًا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ ، فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلَمَّا أَدْرَكَ الزَّرْعَ قَالَ الْعَامِلُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ عِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ جُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِالشَّرْطِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ، فَقَالَ الْعَامِلُ : شَرَطْتَ لِي عِشْرِينَ ؛ قَفِيزًا ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي أَجْرَ الْعَمَلِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَيَشْهَدُ شُهُودُهُ بِاشْتِرَاطِ مَا يُثْبِتُ بِالشَّرْطِ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَالْآخَرُ إنَّمَا يَشْهَدُ شُهُودُهُ بِاشْتِرَاطِ مَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فِي

الْمُزَارَعَةِ ، فَكَانَ الْإِثْبَاتُ فِي بَيِّنَةِ رَبِّ الْأَرْضِ أَظْهَرَ ، وَلَوْ لَمْ يَزْرَعْ حَتَّى اخْتَلَفَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَدَّعِي الْفَسَادَ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِ شَيْءٍ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي يَدَّعِي الْمُزَارَعَةَ بِالنِّصْفِ أَيُّهُمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَكَوْنَهُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ ، فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ أَخْرَجَ زَرْعًا كَثِيرًا ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ الْعَامِلُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّصْفِ ثُمَّ ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ ، وَالْعَامِلُ مُنْكِرٌ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ ، ثُمَّ رَبُّ الْأَرْضِ مُتَعَنِّتٌ فِي كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِزِيَادَةٍ لِيُبْطِلَ بِهِ أَصْلَ اسْتِحْقَاقِهِ ، لَا لِيُثْبِتَ حَقَّهُ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ ، وَقَوْلُ الْمُتَعَنِّتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ الشَّرْطِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ فَسَادَ الْعَقْدِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ بِاتِّفَاقِهِمَا مَا هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ نِصْفِ الْخَارِجِ فَالزِّيَادَةُ هَاهُنَا فِي بَيِّنَتِهِ ، وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ لَهُ نِصْفَ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ إلَّا خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ الْعَامِلُ : لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، فَالْمُزَارِعُ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ نِصْفٍ كَامِلٍ بِالشَّرْطِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ يُنْكِرُ الشَّرْطَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ النِّصْفِ مَعْنًى ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِإِنْكَارِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ صِحَّةَ الْمُزَارَعَةِ ، وَالْفَضْلَ فِيمَا

يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ إنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ، وَقَالَ الْمُزَارِعُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّصْفِ ، وَتَفَرَّدَ الْمُزَارِعُ بِدَعْوَى الزِّيَادَةِ لَا لِيَسْتَحِقَّهَا ، بَلْ لِيُبْطِلَ الْعَقْدَ بِهَا ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ زِيَادَةَ شَرْطٍ بِبَيِّنَتِهِ ، وَيُثْبِتُ لِنَفْسِهِ أَجْرَ الْمِثْلِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُزَارِعُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ إلَّا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ ، وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَدَّعِي الْأَجْرَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَالَ الْمُزَارِعُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ .
بَيَانُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْأَجَلَ فِي السَّلَمِ ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْأَجَلَ أَيُّهُمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ إذَا كَانَ يَدَّعِي الْأَجَلَ ، وَرَبُّ السَّلَمِ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي إنْكَارِهِ إفْسَادُ

الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُنْكِرًا لِلْأَجَلِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ فِي هَذَا الْإِنْكَارِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يُقِرُّ لَهُ بِالْأَجَلِ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ تَعَنُّتًا لِيُفْسِدَ بِهِ الْعَقْدَ فَهُنَا كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَعِنْدَهُمَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ ، فَرَبُّ الْأَرْضِ يَدَّعِي عَلَى الْمُزَارِعِ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي إنْكَارِهِ إفْسَادُ الْعَقْدِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ السَّبَبَ الْمُفْسِدَ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى مَا هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ ، وَلَا يُثْبِتُ الْفَضْلَ فِيمَا شَرَطَ لَهُ وَلَوْ قَالَ الْمُزَارِعُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ إلَّا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ فَلِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا ؛ فَلِأَنَّ الْمُزَارِعَ مُتَعَنِّتٌ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُقِرُّ لَهُ بِزِيَادَةٍ فِيمَا شَرَطَ لَهُ ، وَالْمُزَارِعُ يُكَذِّبُهُ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ ، لِيُفْسِدَ بِهِ الْعَقْدَ ، فَكَانَ مُتَعَنِّتًا ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُزَارِعِ بِبَيِّنَتِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُزَارِعُ قَبْلَ الْعَمَلِ : شَرَطْتُ لِي النِّصْفَ وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ النِّصْفِ ثُمَّ رَبُّ الْأَرْضِ يَدَّعِي شَرْطَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِيُفْسِدَ بِهِ الْعَقْدَ ، وَالْمُزَارِعُ مُنْكِرٌ

لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِإِثْبَاتِهِ الشَّرْطَ الْمُفْسِدَ مَعَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى مَا هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ : شَرَطْتُ لَكَ النِّصْفَ إلَّا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ ، وَقَالَ الْمُزَارِعُ : شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ يَدَّعِي زِيَادَةَ أَقْفِزَةٍ فِيمَا شُرِطَ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ مُنْكِرٌ ؛ لِمَا قُلْنَا : إنَّ الْكَلَامَ الْمُصَدَّرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَصِيرُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْفَضْلَ فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ كَانَ حَالُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِمَنْزِلَةِ حَالِ رَبِّ الْأَرْضِ حَتَّى كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَاهَا سَنَتَهُمَا هَذِهِ ، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ ذَلِكَ فَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ الثُّلُثُ مِنْهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَانِ ، وَلِلْآخَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِعَمَلِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَأْجَرَ الْآخَرَ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ مُدَّةً مَعْلُومَةً ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، فَكَذَا عِنْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا فَاخْتَلَفَ الْعَامِلَانِ ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا صَاحِبُ الثُّلُثِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ فَإِذَا صَدَقَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَنْكَرَ اسْتِحْقَاقَ الْآخَرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي بَيَانِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ ثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ صَاحِبُ الثُّلُثِ أَخَذَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ بِإِقْرَارِهِ وَأَخَذَ الْآخَرُ الثُّلُثَ بِبَيِّنَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مَا ادَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِهِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ابْتِغَاءَ الْأَجْرِ الَّذِي بِهِ أَقَرَّ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ ، وَلَوْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا صَاحِبُ الْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِائَةُ دِرْهَمٍ لِأَحَدِهِمَا بِإِقْرَارِ رَبِّ الْأَرْضِ لَهُ ، وَلِلْآخَرِ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ رَبِّ الْأَرْضِ فِي هَذَا الْوَجْهِ ، وَلَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ

مَعَ بَيِّنَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا الْمُدَّعِيَانِ لِلْحَقِّ قَبْلَهُ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي دُونَ الْمُنْكِرِ ، وَلَوْ كَانَ دَفَعَ الْأَرْضَ إلَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَاهَا بِبَذْرِهِمَا عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ فَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ نِصْفُهُ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُ الزَّرْعِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ سُدُسُ الزَّرْعِ فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ الْأَرْضَ مِنْهُمَا نِصْفُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَنِصْفُهَا مِنْ الْآخَرِ بِثُلُثِ مَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ النِّصْفُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ لَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَإِنْ زَرَعَهَا ، فَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِرَبِّ الْأَرْضِ : أَنَا شَرَطْتُ لَكَ سُدُسَ الزَّرْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يُصَدِّقُ أَحَدَهُمَا فِي ذَلِكَ ، وَيَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ وُجُوبَ الْأَجْرِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَهَذَا مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِإِنْكَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أُخِذَ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ بِبَيِّنَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَوْ أَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي شَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى أَحَدِهِمَا الْأَجْرَ ، وَعَلَى الْآخَرِ سُدُسَ الزَّرْعِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ ، وَفِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الْخَارِجِ ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَيُقَالُ لِرَبِّ الْأَرْضِ : أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى السُّدُسِ الَّذِي ادَّعَيْتَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أُخِذَ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي الْمُثْبِتُ لِحَقِّهِ بِبَيِّنَتِهِ

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ ، فَمَا خَرَجَ مِنْهُ فَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ ، وَالثُّلُثُ لِأَحَدِ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ بِعَيْنِهِ ، وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَجْرُ نَصِيبِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى ، وَاسْتَأْجَرَ مِنْ الْآخَرِ نَصِيبَهُ بِثُلُثِ مَا يُخْرِجُهُ نَصِيبُهُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِيمٌ ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ أَنَّهُ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّارِعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْخَارِجِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ الْبَيِّنَةَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَالْآخَرُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُزَارِعِ مَعَ بَيِّنَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا الْمُدَّعِيَانِ ، وَالْبَيِّنَةُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُنْكِرِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَ الْخَارِجِ وَلِلْآخَرِ عِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ ، فَزَرَعَاهَا ، فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا فَالثُّلُثُ لِلَّذِي سُمِّيَ لَهُ الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثَانِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ : أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا ، أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ صَحِيحٌ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ شَرْطًا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهِ ، وَالْمُزَارَعَةُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ تَفْسُدُ ، وَلَكِنَّ عَقْدَهُ مَعَ أَحَدِهِمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ الْآخَرِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ، وَلَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فِيهِ ، فَفَسَادُ الْعَقْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الَّذِي شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا بِإِقْرَارِ رَبِّ الْأَرْضِ لَهُ بِهِ ، وَلِلْآخَرِ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَوْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْأَرْضِ فِي الَّذِي لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ مِنْهُمَا ، فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ ، وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الدَّعْوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَالْآخَرُ يَنْفِي ذَلِكَ بِبَيِّنَتِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي تُثْبِتُ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَتَرَجَّحُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ، فَهُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ ، فَلَا يَكُونُ رَبُّ الْأَرْضِ

بِبَيِّنَتِهِ مُثْبِتًا شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ اثْنَيْنِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ دَفَعَاهُ إلَى وَاحِدٍ ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ كَانَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِثْلَ مَا بَيَّنَّا مِنْ حُكْمِ صَاحِبِ الْأَرْضِ حِينَ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى ، وَذَلِكَ يَتَّضِحُ لَك إذَا تَأَمَّلْتَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ ) - : وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِالنِّصْفِ ، فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا ، وَالْأَرْضُ أَرْضُ عُشْرٍ ، فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ يَكُونُ لِلْمُزَارِعِ نِصْفُ الْخَارِجِ كَامِلًا ، وَيَأْخُذُ السُّلْطَانُ عُشْرَ جَمِيعِ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، إنْ كَانَتْ تَشْرَبُ سَحًّا أَوْ تَسْقِيهَا السَّمَاءُ ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِدَلْوٍ ، أَوْ دَالِيَةٍ فَنِصْفُ عُشْرِ جَمِيعِ الْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاجِرٌ لِأَرْضِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ ، وَمِنْ أَصْل أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ أَجَّرَ أَرْضَهُ الْعُشْرِيَّةَ فَالْعُشْرُ يَكُونُ عَلَى الْآخَرِ ، وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، فَهُنَا أَيْضًا عِنْدَهُمَا الْعُشْرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْخَارِجِ نِصْفَانِ ، وَإِنْ سُرِقَ الْخَارِجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمَا لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْحَقِّ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُشْرُ جَمِيعِ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنْ سُرِقَ الطَّعَامُ بَعْدَ مَا حُصِدَ أَوْ حُرِقَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ يَبْطُلُ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُهُ ، وَلَزِمَهُ فِي مَالِهِ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ النِّصْفِ الَّذِي صَارَ لِلْمُزَارِعِ مِنْ الْعُشْرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ ، وَفِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْأَرْضِ الْعُشْرُ بَاقٍ فِي عَيْنِهِ ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ عُشْرُ ذَلِكَ عَنْهُ ؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، فَيَكُونُ عُشْرُ الْكُلِّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ ، كَالْخَرَاجِ ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِلْأَرْضِ ، فَإِذَا سُرِقَ الطَّعَامُ بَعْدَ الْحَصَادِ سَقَطَ عَنْهُ النِّصْفُ

حِصَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الْخَرَاجِ ، وَأَمَّا حِصَّةُ نَصِيبِ الْمُزَارِعِ فَصَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ مِنْ الْمُزَارِعِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ ، وَلَوْ أَجَّرَ أَرْضِهِ مِنْ رَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ يَزْرَعُهَا هَذِهِ السَّنَةَ ، فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ثُمَّ تَوِيَ الْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ - فَعُشْرُ جَمِيعِ الطَّعَامِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَلِلْآخَرِ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، فَإِنْ تَوِيَ دَيْنُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ سُرِقَ طَعَامُ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُؤَاجِرِ الْعُشْرُ الَّذِي صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ .
وَلَوْ اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ فَلَمْ يُحْصَدْ حَتَّى هَلَكَ فَالْأَجْرُ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَجْرِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ، وَلَا عُشْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ عِنْدَ الْحَصَادِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَإِنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْآجِرِ بَعْدَ وُجُوبِهِ ، فَإِذَا هَلَكَ الْخَارِجُ قَبْلَ الْحَصَادِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَصَادِ ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ قَدْ تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ هُنَا وَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْآجِرِ .
وَكَذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا هَلَكَ الزَّرْعُ بَعْدَ مَا اُسْتُحْصِدَ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ فَلَا عُشْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ فَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتُ وُجُوبِ الْعُشْرِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اُسْتُهْلِكَ النِّصَابُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ، وَالْهَلَاكُ هُنَا فِي حَقِّ الْمُؤَاجِرِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فِي مَالِ الزَّكَاةِ حَتَّى إذَا اُسْتُهْلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَالزَّكَاةُ دَيْنٌ عَلَيْهِ ، فَإِذَا هَلَكَ هُنَا بَعْدَ الْحَصَادِ يَكُونُ

الْعُشْرُ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي مُعَامَلَةِ النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ ، وَهُوَ مِثْلُ الْجَوَابِ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْجُذَاذِ فَلَا عُشْرَ عَلَى رَبِّ النَّخِيلِ ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَعُشْرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّ الْجُذَاذَ فِي الثِّمَارِ بِمَنْزِلَةِ الْحَصَادِ فِي الزَّرْعِ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ فَلَيْسَ عَلَى رَبِّ النَّخِيلِ فِي حِصَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعُشْرِ إلَّا أَنْ يَسْتَوْفِيَ بَدَلَهُ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ ، فَحِينَئِذٍ يُؤَدِّي عُشْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا ، وَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْضَ الْبَدَلِ يُؤَدِّي الْعُشْرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ .
وَلَوْ صَالَحَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَنْ صَارُوا ذِمَّةً لَهُ ، وَوَضَعَ عَلَى رُءُوسِهِمْ شَيْئًا مَعْلُومًا ، وَجَعَلَ خَرَاجَ أَرَاضِيِهِمْ وَنَخِيلِهِمْ وَأَشْجَارِهِمْ الْمُنَاصَفَةَ - فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَرُبَّمَا يَكُونُ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ أَنْفَعُ لِلْفَرِيقَيْنِ مِنْ خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ .

فَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ أَرْضًا مُزَارَعَةً وَالْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ ، أَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ ، أَوْ أَعَارَهَا رَجُلًا لِيَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ ، أَوْ دَفَعَ الْأَشْجَارَ مُعَامَلَةً - كَانَ الْجَوَابُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ هُنَا بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْخَارِجِ حَقِيقَةً ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا ، بِخِلَافِ خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ كَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا .

وَإِذَا دَفَعَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ وَبَذْرًا إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ ، عَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ عِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ زَرْعًا كَثِيرًا - فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عُشْرُ جَمِيعِ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ إجَارَةً فَاسِدَةً ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِلْعَمَلِ - كَانَ عُشْرُ جَمِيعِ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَلَا يَرْفَعُ مِمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ نَفَقَةً وَلَا أَجْرَ عَامِلٍ ؛ لِأَنَّ بِإِزَاءِ مَا غَرِمَ مِنْ الْأَجْرِ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ الْعِوَضُ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ ، وَصَارَ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِأَجِيرِهِ كَإِقَامَتِهِ بِنَفْسِهِ .
وَلَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ كَانَ عَلَيْهِ عُشْرُ جَمِيعِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ بَذْرًا أَوْ نَفَقَةً أَنْفَقَهَا فَكَذَلِكَ أَجْرُ الْعَامِلِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ كَانَ الْخَارِجُ لَهُ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عُشْرُ جَمِيعِ الْخَارِجِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ اعْتِبَارًا لِلْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْقَوْلَيْنِ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرٍ مِنْهُمَا ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؟ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ مُقَابِلَةً عَمَلَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، ثُمَّ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَالْخَارِجُ نَمَاءُ الْبَذْرِ ، وَعُشْرُ الطَّعَامِ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤَاجِرًا نِصْفَ الْأَرْضِ بِمَا شَرَطَ بِمُقَابَلَتِهِ مِنْ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ ، وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ

اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ الْعُشْرُ فِي نَصِيبِ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الْأَرْضِ وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضَ عُشْرٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِالنِّصْفِ فَاسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ وَلَمْ يُحْصَدْ حَتَّى اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ أَوْ سَرَقَهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ - فَلَا عُشْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُسْتَهْلِكُ مَا عَلَيْهِ ، وَمَا أَدَّى مِنْ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عُشْرُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ، وَسَلَامَتُهُ بِأَنْ يُسْتَوْفَى مِمَّنْ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا مَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَالتَّاوِي ، وَفِي قَوْلِهِمَا : مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ أَخَذَ السُّلْطَانُ عُشْرَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا صَالَحَ الْإِمَامُ أَهْلَهَا عَلَى أَنْ جَعَلَ خَرَاجَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ - فَإِنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَجَّرَ أَرْضِهِ الْعُشْرِيَّةَ بِدَرَاهِمَ فَزَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَاسْتُحْصِدَ زَرْعُهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ - فَلَا عُشْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُسْتَهْلِكُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ ، فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عُشْرُ مِقْدَارِ مَا وَصَلَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، وَعِنْدَهُمَا عُشْرُ ذَلِكَ الْقَدْرِ فِي الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ فِي حُكْمِ الْعُشْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ زَرَعَهَا بِنَفْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ .

وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ، وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ شَيْئًا - فَالْخَارِجُ عَلَى الزَّارِعِ ، وَالْعُشْرُ عَلَيْهِ فِي الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، وَلَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ مَنْعِ الْغَاصِبِ إيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَا يَلْزَمُهُ عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ سَلِمَتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، فَكَمَا الْتَحَقَ هُوَ بِالْمَالِكِ فِي سَلَامَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَكَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ نَقَصَتْ الْأَرْضَ فَعَلَى الزَّارِعِ غُرْمُ النُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ تَلِفَ بِفِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ ، ثُمَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ : عُشْرُ جَمِيعِ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُ خَرَاجٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَوْفَى هُوَ مِنْ قِيمَةِ النُّقْصَانِ مَنْفَعَةٌ سَلِمَتْ لَهُ بِاعْتِبَارِ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّرَ الْأَرْضَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ ، سَوَاءٌ كَانَ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِثْلَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ الْوَاجِبِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ .
وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - : إنَّ نُقْصَانَ الْأَرْضِ عِوَضٌ عَنْ مَنْفَعَتِهَا ، وَإِنَّ الطَّرِيقَ فِي مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُنْظَرَ بِكَمْ تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ قَبْلَ الْمُزَارَعَةِ وَبَعْدَهَا فَمِقْدَارُ التَّفَاوُتِ هُوَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ .
وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ بَلْخِي ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْمَنْفَعَةَ عِنْدَنَا لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ، وَلَكِنَّ النُّقْصَانَ فِي حُكْمِ بَدَلِ جُزْءٍ فَائِتٍ مِنْ الْعَيْنِ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يُنْظَرَ بِكَمْ كَانَتْ تُشْتَرَى تِلْكَ

الْأَرْضُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَبِكَمْ تُشْتَرَى بَعْدَهَا ، فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ النُّقْصَانُ ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ بِنَاءً عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا ، فَإِنَّهُ جَعَلَ النُّقْصَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَأَمَّا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ مِثْلَ الْخَرَاجِ أَوْ أَكْثَرَ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَةُ النُّقْصَانِ عَلَى الْغَاضِبِ ، وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ .
يُعْطِيهِ بِمَا يَسْتَوْفِي ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ النُّقْصَانِ أَقَلَّ مِنْ الْخَرَاجِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ النُّقْصَانِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ مُوجَبَيْنِ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ زِرَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَجِبَ الْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ .
وَأَمَّا الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَفِي الْخَارِجِ ، وَالْخَارِجُ لِلْغَاصِبِ فَيُؤَدِّي عُشْرَ الْخَارِجِ وَيَغْرَمُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ النُّقْصَانَ مَعَ ذَلِكَ كَمَا يَغْرَمُ الْأَجْرَ لَوْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ .
وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ سَهْوٌ ، إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

[ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا مُعَامَلَةً سِنِينَ مَعْلُومَةً بِالنِّصْفِ - فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ .
وَكَذَلِكَ مُعَامَلَةُ الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ إلَّا فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ بِالْأَثَرِ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْأَثَرُ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ ، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ ، فَقَدْ كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ أَيْضًا كَمَا يَعْمَلُونَ فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ ، ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مِمَّنْ لَا يَرَى تَعْلِيلَ النُّصُوصِ ، فَإِذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى تَعْلِيلَ النُّصُوصِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ مَعْنًى ؛ فَيَصِيرُ حُكْمُ الْمُعَامَلَةِ عَلَى النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ فِيهَا ، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ النَّخِيلِ أَنْ يُخْرِجَ الْعَامِلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مُزَارَعَةً ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُلْقِيَ بَذْرَهُ فِي الْأَرْضِ وَفِيهِ إتْلَافُ مِلْكِهِ ؛ فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ ، وَهُنَا صَاحِبُ النَّخِيلِ لَا يَحْتَاجُ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ إلَى إتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، فَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ فِي الْجَانِبَيْنِ بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ إلَّا بِعُذْرٍ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ ، وَالْعُذْرُ هُنَا أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ النَّخِيلِ ، أَوْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ فَخَافَ مِنْهُ عَلَى أَخْذِ سَعَفِ النَّخْلِ وَسَرِقَتِهِ أَوْ عَلَى سَرِقَتِهِ الثِّمَارَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا عُذْرٌ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ نَحْوِ إجَارَةِ الظِّئْرِ لِمَا يَلْحَقُهُ فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَةِ .
وَإِنْ كَانَ

الثَّمَرُ قَدْ خَرَجَ وَلَمْ يَبْلُغْ ، ثُمَّ لَحِقَهُ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ إلَّا بِبَيْعِ النَّخِيلِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْمُعَامَلَةَ ، وَلَا يَبِيعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الثَّمَرُ ، فَيُبَاعَ نَصِيبُ صَاحِبِ النَّخْلِ مِنْ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرِ فِي الدَّيْنِ وَتُنْتَقَضَ الْمُعَامَلَةُ فِيمَا بَقِيَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا سَوَاءٌ ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَرِ ، وَلِإِدْرَاكِهِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَفِي الِانْتِظَارِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَفِي نَقْضِ الْمُعَامَلَةِ فِي الْحَالِ إضْرَارٌ بِالْعَامِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِ الثَّمَرِ ، فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ قُلْنَا : يُخْرِجُ رَبُّ النَّخِيلِ مِنْ الشَّجَرِ وَتَبْقَى الْمُعَامَلَةُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يُدْرِكَ مَا خَرَجَ مِنْ الثَّمَرِ ، وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ مَرَضًا يَضْعُفُ عَنْ الْعَمَلِ مَعَهُ فَيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا ، وَلَا يُقَالُ : يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ فِي الْمَرَضِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَامِلًا لِيُقِيمَ الْعَمَلَ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إلْحَاقَ ضَرَرٍ بِهِ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ يَصِيرُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْمُعَامَلَةِ ، قَالَ فِي الْأَصْلِ : أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا أَوْ يَتْرُكُ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا لَهُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ رِوَايَتَيْنِ ، وَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ هُنَا أَنَّ الْعَمَلَ كَانَ مَشْرُوطًا بِيَدِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ وَلَمْ يُسَمِّ الْوَقْتَ - جَازَ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ .
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ أَوَانًا مَعْلُومًا فِي الْعَادَةِ ، وَنَحْنُ نَتَيَقَّنُ أَنَّ إيفَاءَ الْعَقْدِ مَقْصُودٌ هُنَا إلَى إدْرَاكِ الثِّمَارِ ، وَالثَّابِتُ بِالْعَادَةِ كَالثَّابِتِ بِالشَّرْطِ فَصَارَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً ، وَإِنْ تَقَدَّمَ ، أَوْ تَأَخَّرَ فَذَلِكَ يَسِيرٌ لَا يَقَعُ بِسَبَبِهِ مُنَازَعَةٌ بَيْنَهُمَا فِي الْعَادَةِ ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ آخِرَ الْمُدَّةِ هُنَاكَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ أَوَّلِهَا ؛ لِأَنَّ مَا يُزْرَعُ فِي الْخَرِيفِ يُدْرَكُ فِي آخِرِ الرَّبِيعِ ، وَمَا يُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ يُدْرَكُ فِي آخِرِ الصَّيْفِ ، وَمَا يُزْرَعُ فِي الصَّيْفِ يُدْرَكُ فِي آخِرِ الْخَرِيفِ ، فَلِجَهَالَةِ وَقْتِ ابْتِدَاءِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ يَصِيرُ وَقْتُ النِّهَايَةِ مَجْهُولًا ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا ؛ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ .
ثُمَّ فِي الْمُعَامَلَةِ يُتَيَقَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ أَوَّلَ ثَمَرِهِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ شَكٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا الْمُتَيَقَّنُ ، وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ ثَمَرُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ اُنْتُقِضَتْ الْمُعَامَلَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ الْمُدَّةِ ، فَكَأَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى ذَلِكَ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أُصُولَ رَطْبَةٍ ثَابِتَةً فِي الْأَرْضِ مُعَامَلَةً وَلَمْ يُسَمِّ الْوَقْتَ - فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا نُمُوُّهَا ، وَلَكِنَّهَا تَنْمُو مَا تُرِكَتْ فِي الْأَرْضِ ، بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّ لَهَا غَايَةً تَنْتَهِي إلَيْهَا ، فَإِذَا تُرِكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْسُدُ ، فَإِنْ كَانَتْ لِلرَّطْبَةِ

غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ تَنْتَهِي إلَيْهَا فِي نَبَاتِهَا حَتَّى تُقْطَعَ ثُمَّ تُخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ - فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ جَائِزَةٌ ، وَالْمُعَامَلَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ كَمَا فِي الثِّمَارِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَخَّرْنَا فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْمُعَامَلَةَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعَادَةِ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَّا جُعِلَ كَالْمَشْرُوطِ لَهَا فِي جَوَازِ الْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ فِي لُزُومِهِ

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ الْوَقْتَ أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ أَوْ أَحْمَرَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ عِظَمُهُ - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ بِحَيْثُ يَنْمُو بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَلَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَنَاهَى عِظَمُهُ وَلَيْسَ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْطِبْ - فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَزْدَادُ بِعَمَلِهِ ، وَالشَّرِكَةُ بِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا يَحْدُثُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ أَوْ يَزْدَادُ بِعَمَلِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا .
وَإِنْ عَمِلَ فِيهِ الْعَامِلُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ طَلْعًا فِي نَخْلٍ ، أَوْ بُسْرًا أَخْضَرَ ؛ فَتَرَكَهُ فِي النَّخْلِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى صَارَ تَمْرًا - تَصَدَّقَ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ ؛ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِي الْمُشْتَرَى بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ فِيهِ مِنْ نَخْلِ صَاحِبِ النَّخْلِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ بُسْرٌ أَحْمَرُ قَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ مِنْ النَّخْلِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا النُّضْجُ وَاللَّوْنُ وَالطَّعْمُ يَحْدُثُ فِيهِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَسَبَبُ ذَلِكَ عَلَى مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا - الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ خُبْثٌ ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا لِإِيضَاحِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذَا الْفَصْلِ فِي الْبُيُوعِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَطْبَةً لَهُ فِي أَرْضٍ قَدْ صَارَتْ بَلَحًا وَلَمْ تَنْتَهِ إلَى أَنْ تُجَذَّ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَسْقِيَهَا وَيَقُومَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ ، وَلَمْ يُسَمِّ وَقْتًا مَعْلُومًا - فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّطْبَةِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ تَنْتَهِي إلَيْهَا - فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَطْبَةً قَدْ انْتَهَى إحْرَازُهَا عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَسْقِيَهَا حَتَّى تُخْرِجَ بَذْرَهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَذْرِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَمْ يُسَمِّيَا وَقْتًا - فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ أَوَانًا مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُزَارِعِينَ ، وَالْبَذْرُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا ، وَالرَّطْبَةُ لِصَاحِبِهَا .
وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الرَّطْبَةَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ ؛ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيمَا لَا يَنْمُو بِعَمَلِ الْعَامِلِ ، وَالرَّطْبَةُ لِلْبَذْرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَشْجَارِ لِلثِّمَارِ ، فَكَمَا أَنَّ شَرْطَ الشَّرِكَةِ فِي الْأَشْجَارِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ مَعَ الثِّمَارِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا .
وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَهِيَ قِدَاحٌ لَمْ تَتَنَاهَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - جَازَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَةَ هُنَا تَنْمُو بِعَمَلِهِ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ ، وَلِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ أَوَانٌ مَعْلُومٌ فَلَا يَضُرُّهُمَا تَرْكُ التَّوْقِيتِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ غِرَاسَ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ نَخْلٍ قَدْ عَلِقَ فِي الْأَرْضِ ، وَلَمْ يَبْلُغْ الثَّمَرُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلَقِّحَ نَخْلَهُ ، فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ فَاسِدَةٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّي سِنِينَ مَعْلُومَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي فِي كَمْ تَحْمِلُ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ ، وَالْأَشْجَارُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ، فَإِنْ بَيَّنَّا مُدَّةً مَعْلُومَةً صَارَ مِقْدَارُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ مَعْلُومًا فَيَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا أَوْ كَرْمًا أَوْ شَجَرًا قَدْ أَطْعَمَ ، وَبَلَغَ سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلَقِّحَ نَخْلَهُ وَيَكْسَحَ كَرْمَهُ ، عَلَى أَنَّ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ وَالشَّجَرَ وَالْخَارِجَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهَذَا فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ لَا بِعَمَلِ الْعَامِلِ وَهُوَ الْأَشْجَارُ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أُصُولَ رَطْبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَسْقِيَهَا حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا وَيَنْقَطِعَ نَبْتُهَا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ بِالْعَادَةِ ، وَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ فِي الْمُعَامَلَةِ تُفْسِدُ الْمُعَامَلَةَ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ كَرْمًا مُعَامَلَةً أَشْهُرًا مَعْلُومَةً يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُخْرِجُ ثَمَرَةً فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، بِأَنْ دَفَعَهَا أَوَّلَ الشِّتَاءِ إلَى أَوَّلِ الرَّبِيعِ - فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُعَامَلَةِ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ .
وَلَوْ اشْتَرَطَا وَقْتًا قَدْ يَبْلُغُ الثَّمَرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا - جَازَ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ تَفْوِيتَ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، فَهَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا يُوهِمُ ذَلِكَ ، وَهَذَا التَّوَهُّمُ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ وَمُزَارَعَةٍ ، فَقَدْ يُصِيبُ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ ، فَإِنْ خَرَجَ الثَّمَرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، إنْ كَانَ تَأْخِيرُ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ذَهَابٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا سَمَّيَا مِنْ الْمُدَّةِ مَا لَا تَخْرُجُ الثِّمَارُ فِيهَا ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ، فَكَذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ فِي الِانْتِهَاءِ ، وَبِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى جَوَابِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ بِآفَةٍ ؛ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَالَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ جَائِزَةٌ وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَا حَصَلَ مِنْ الْآفَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثِّمَارَ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْمُفْسِدَ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَمُوجِبًا الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْخَارِجُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يَحِلَّ إلَّا أَنَّ الْوَقْتَ

قَدْ انْقَضَى قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الثَّمَرُ - فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ ، وَهُوَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا مُدَّةً كَانَتْ الثِّمَارُ لَا تَخْرُجُ فِيهَا ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْلُومًا فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ، فَكَذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ فِي الِانْتِهَاءِ فِي الْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ؛ لِأَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ [ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ سِنِينَ مُسَمَّاةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا نَخْلًا وَشَجَرًا وَكَرْمًا ، عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ ذَلِكَ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا لَا بِعَمَلِهِ ، وَهُوَ الْأَرْضُ ، فَإِنْ قَبَضَهَا وَغَرَسَهَا فَأَخْرَجَتْ ثَمَرًا كَثِيرًا ، فَجَمِيعُ الثَّمَرِ وَالْغَرْسِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ لِمَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ : إحْدَاهُمَا ، أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ نِصْفَ الْغَرْسِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ جَمِيعَ الْغَرْسِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ .
وَالْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجْعَلَ أَرْضَهُ بُسْتَانًا بِآلَاتِ نَفْسِهِ ، عَلَى أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي يَظْهَرُ بِعَمَلِهِ وَآلَاتِهِ ، وَذَلِكَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ فَيَكُونُ فَاسِدًا ، ثُمَّ الْغِرَاسُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمَةٌ كَانَتْ لِلْعَامِلِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِ لِلِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ ، فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا مَعَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ظِهَارَةً عَلَى أَنْ يُبَطِّنَهَا أَوْ يَحْشُوَهَا وَيَخِيطَهَا جُبَّةً بِنِصْفِ الْجُبَّةِ - كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَكَانَتْ لَهُ قِيمَةُ الْبِطَانَةِ وَالْحَشْوِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : عَلَى أَنْ يَكُونَ لَك عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ كُرَّ حِنْطَةٍ ، أَوْ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ أَرْضٍ أُخْرَى مَعْرُوفَةٍ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي هَذَا كُلِّهِ ؛ لِجَهَالَةِ الْغِرَاسِ الَّذِي شَرَطَهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الزَّرْعِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِالنِّصْفِ ، وَعَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِائَةَ دِرْهَمٍ - كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لِاشْتِرَاطِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى لِلْمُزَارِعِ مَعَ نِصْفِ الْخَارِجِ ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ مِثْلُ الْكُرِّ الَّذِي بَذَرَهُ الْمُزَارِعُ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ ، أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُزَارِعِ فِي ذَلِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِأَمْرِهِ ، فَيَكُونُ كَعَمَلِ رَبِّ الْأَرْضِ بِنَفْسِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْغَرْسُ عِنْدَ رَبِّ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِائَةَ دِرْهَمٍ - فَهُوَ فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِ أَجْرِ الْمُسَمَّى لِلْعَامِلِ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ هَذَا كَانَ شَرِيكًا فِي الْخَارِجِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِعَمَلِهِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ ، وَإِذَا عَمِلَ عَلَى هَذَا فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ كُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ ، أَوْ شَرَطَ أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَلَوْ كَانَ الْغَرْسُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَقَدْ اشْتَرَطَ أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ مِائَةَ دِرْهَمٍ - فَهَذَا فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ كَانَ هُوَ يَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ فِيمَا هُوَ مَشْغُولٌ مِنْ الْأَرْضِ بِنَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْغِرَاسِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ وَعَمِلَ فِيهَا لِنَفْسِهِ حِينَ شَرَطَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى نَفْسِهِ أَجْرًا مِائَةَ دِرْهَمٍ مَعَ بَعْضِ الْخَارِجِ ، فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ

عَقْدٍ فَاسِدٍ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ .
وَلَوْ كَانَ الْغَرْسُ وَالْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ مِائَةَ دِرْهَمٍ - فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَقِيمَةُ غَرْسِهِ وَبَذْرٌ مِثْلُ بَذْرِهِ عَلَى الزَّارِعِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرِي لِلْبَذْرِ وَالْغَرْسِ بِبَعْضِ الْمِائَةِ الَّتِي شَرَطَهَا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ ، وَظَهَرَ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ مُشْتَرٍ لِلْغَرْسِ وَالْبَذْرِ بِالْمِائَةِ وَبِنِصْفِ الْخَارِجِ ، فَفَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الْغَرْسِ ، ثُمَّ صَارَ قَابِضًا لِلْغَرْسِ وَالْبَذْرِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ ، فَيُلْزِمُهُ الْقِيمَةُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ ، وَالْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ ، وَيُلْزِمُهُ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ لَهُ الْغَارِسُ مَكَانَ الْمِائَةِ حِنْطَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ - فَالْكُلُّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ سَوَاءٌ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْغَرْسِ وَيَزْرَعَهَا مَا بَدَا لَهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنَّ لِلْغَارِسِ عَلَى رَبّ الْأَرْضِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، أَوْ سَمَّى شَيْئًا غَيْرَ الْمِائَةِ - فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْغَارِسِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ وَإِنْ صَارَ كَالْمُشْتَرِي لِلْغَرْسِ وَالْبَذْرِ بِمَا شَرَطَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُسَمَّى ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَانْعِدَامِ الْقَبْضِ مِنْ جِهَتِهِ ، فَيَكُونُ الْغَارِسُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، فَكَانَ الْكُلُّ لَهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ، فَهُنَاكَ الْغَارِسُ يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا .
فَإِنْ قِيلَ : هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ رَبُّ الْأَرْضِ قَابِضًا أَيْضًا بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ .
قُلْنَا : ابْتِدَاءُ عَمَلِهِ فِي الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ يَكُونُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْأَرْضِ ، ثُمَّ هُوَ فِي يَدِ الْغَارِسِ حَقِيقَةً ، وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرَى بِالْقَبْضِ فَرَدُّهُ مُسْتَحَقٌّ شَرْعًا لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا مَعَ كَوْنِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ فِيهِ يَدٌ بِحَقٍّ وَيَدَ الْمُشْتَرِي مُحَرَّمٌ شَرْعًا ، فَأَمَّا فِيمَا سَبَقَ فَبِنَقْضِ الْعَامِلِ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ رَبِّ الْأَرْضِ وَيَصِيرُ الْعَامِلُ قَابِضًا لَهُ حَقِيقَةً .
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمِائَةَ وَاشْتَرَطَ أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْغَرْسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ ، عَلَى أَنْ يَغْرِسَهُ وَيَبْذُرَهُ الْعَامِلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرًا مِائَةَ دِرْهَمٌ - فَهُوَ فَاسِدٌ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي كَلَامِهِ بِمَا

يَنْفِي بَيْعَ الْغَرْسِ وَالْبَذْرِ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَامِلًا لِرَبِّ الْأَرْضِ إذَا كَانَ الْغَرْسُ وَالْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِلِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ بِإِزَاءِ نِصْفِ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ أَيْضًا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَكَانَ فَسَادُ الْعَقْدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَامِلَ اشْتَرَى مِنْهُ بَعْضَ الْخَارِجِ الَّذِي هُوَ مَعْدُومٌ بِالْمُسَمَّى مِنْ الْمِائَةِ ، فَكَانَ الْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا مُعَامَلَةً سِنِينَ مُسَمَّاةً ، عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلَقِّحَهُ ، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، أَوْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبّ الْأَرْضِ مِائَةَ دِرْهَمٍ - فَهُوَ فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِ الْأَرْضِ الْمُسَمَّاةِ مَعَ بَعْضِ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ نَخِيلِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَالَ لِلْعَامِلِ : اعْمَلْ ذَلِكَ لِنَفْسِك ، أَوْ قَالَ : اعْمَلْ لِي أَوْ قَالَ اعْمَلْ ، وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لَك ، فَهُوَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ النَّخِيلَ مَمْلُوكَةٌ لِصَاحِبِهَا ، فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا عَامِلًا لَهُ ، سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَوْ بِخِلَافِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَطَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا سَنَتَهُمَا هَذِهِ بِبَذْرِهِمَا وَبَقَرِهِمَا ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلٌ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِصَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْهُ ، فَإِنْ اشْتَرَطَا أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ ، كَأَنَّهُ دَفَعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ إلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً بِثُلُثِ الْخَارِجِ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هُوَ مَعَهُ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَلِأَنَّ مَا شُرِطَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ، يَكُونُ أَجْرَهُ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا أَثْلَاثًا وَالْخَارِجُ كَذَلِكَ - كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ ثُلُثَ الْخَارِجِ كَأَنَّهُ أَعَارَ شَرِيكَهُ ثُلُثَ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ ، وَأَعَانَهُ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ .
وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَانِ كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ ثُلُثُ الْبَذْرِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِ شَرِيكِهِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِعَمَلِهِ ، وَالْعَامِلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ ، إذْ هُوَ يَصِيرُ دَافِعًا سُدُسَ الْأَرْضِ مِنْ شَرِيكِهِ مُزَارَعَةً بِجَمِيعِ الْخَارِجِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ ، ثُمَّ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا ، وَعَلَى صَاحِبِ ثُلُثَيْ الْبَذْرِ أَجْرُ مِثْلِ سُدُسِ الْأَرْضِ لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ طَيِّبًا لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا سُدُسُ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ مِنْهُ رُبُعَ بَذْرِهِ الَّذِي

بَذَرَهُ وَمَا غَرِمَ مِنْ الْأَجْرِ وَالنَّفَقَةِ فِيهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ طَيِّبًا لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إلَّا الْبَقَرُ فَإِنَّهُمَا اشْتَرَطَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ خَاصَّةً - جَازَ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَقَرِ مُعِينٌ لِصَاحِبِهِ بِبَقَرِهِ حِينَ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِ صَاحِبِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَا لِصَاحِبِ الْبَقَرِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْبَقَرَ مِنْ صَاحِبِهِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ فِي الْمُزَارَعَةِ مَقْصُودًا لَا يَجُوزُ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا ، وَلِصَاحِبِ الْبَقَرِ أَجْرُ مِثْلِ بَقَرِهِ فِيمَا كَرَبَتْ ، لِأَنَّهَا كَرَبَتْ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّرْعِ ، فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ بَقَرِهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَلَوْ اشْتَرَطَا الْبَذْرَ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالْبَقَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَقَرِ يَصِيرُ دَافِعًا أَرْضَهُ وَبَقَرَهُ مُزَارَعَةً بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ مَعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَكُلُّ وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ بِانْفِرَادِهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، فَإِذَا حَصَلَ الْخَارِجُ فَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِصَاحِبِ الْبَقَرِ أَجْرُ مِثْلِ بَقَرِهِ ، وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَأَجْرُ مِثْلِ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ ، ثُمَّ يَطِيبُ نِصْفُ الزَّرْعِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ، وَيَأْخُذُ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ نِصْفَ مَا غَرِمَ لِصَاحِبِ الْبَقَرِ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ

بَقَرِهِ ، وَأَجْرِ عَمَلِهِ ، وَجَمِيعَ مَا غَرِمَ لَهُ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ، وَنِصْفِ الْبَذْرِ مَعَ نِصْفِ مَا أَنْفَقَ فِيهِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ رَبَّى هَذَا النِّصْفَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ثُلُثَيْ الْخَارِجِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَ الْخَارِجِ - فَهَذَا وَمَا سَبَقَ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلَانِ أَرْضًا لَهُمَا وَبَذْرًا إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَتَهُ هَذِهِ فَمَا خَرَجَ فَنِصْفُهُ لِأَحَدِ صَاحِبَيْ الْأَرْضِ ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ ، وَلِلْعَامِلِ السُّدُسُ - فَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الدَّافِعَيْنِ صَارَ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ فِي نَصِيبِهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يُخْرِجُهُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ ، فَإِنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ وَذَلِكَ جَمِيعُ مَا تُخْرِجُهُ أَرْضُهُ وَبَذْرُهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ جَعَلَ أَجْرَ الْعَامِلِ فِي نَصِيبِهِ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ .
وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ حِينَ اشْتَرَطَ السُّدُسَ سَمَّى أَنَّ ذَلِكَ السُّدُسَ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً ، وَهُوَ الَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ السُّدُسَ - فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْمَعْنَى الْمُفْسِد لِلْعَقْدِ فَلَا يَزْدَادُ الْعَقْدُ بِهِ إلَّا فَسَادًا .

وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، وَاشْتَرَطَ حِفْظَ الزَّرْعِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ - فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَعْدَمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ فِي مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ .
وَلَوْ شَرَطَ الْكِرَابَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ : فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْعَقْدُ فِي جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْدَمُ التَّخْلِيَةَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلُزُومُ الْعَقْدِ فِي جَانِبِهِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَالْكِرَابُ يَسْبِقُ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلِ الزِّرَاعَةِ فِي أَرْضٍ مَكْرُوبَةٍ .

وَإِذَا كَانَ النَّخِيلُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَدَفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ وَيُلَقِّحَهُ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا : لِلْعَامِلِ ثُلُثَاهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ - فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَ لِنَفْسِهِ اسْتَأْجَرَ صَاحِبَهُ لِلْعَمَلِ فِي نَصِيبِهِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَعْمَلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ ، وَاسْتِئْجَارُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِلْعَمَلِ فِيمَا هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ بَاطِلٌ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَتَصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا يُلَاقِيهِ عَمَلُهُ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ عَمَلِهِ إلَى صَاحِبِهِ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَا أَنَّ الْخَارِجَ نِصْفَانِ جَازَ وَكَانَ الْعَامِلُ مُعِينًا لِشَرِيكِهِ بِعَمَلِهِ فِي نَصِيبِهِ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ أَمَرَ الْعَامِلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُلَقِّحُ بِهِ النَّخْلَ فَاشْتَرَاهُ - رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي شِرَاءِ نِصْفِ مَا يُلَقِّحُ بِهِ النَّخْلَ لَهُ وَقَدْ أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْعِوَضِ وَتَسْلِيمٍ تَامٍّ إلَى مَنْ يَكُونُ الْعَمَلُ لَهُ ، وَالشَّرِكَةُ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْلِقَ رَأْسَهُ بِأَجْرٍ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْأَجْرَ عَلَى شَرِيكِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى ، ثُمَّ مَا يَذْكُرُ مِنْ التَّلْقِيحِ فِي النَّخْلِ أَنْوَاعٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَرْبَابِ النَّخِيلِ : مِنْهَا مَا يُشْتَرَى فَيُدَقُّ وَيُذَرُّ عَلَى مَوَاضِعَ مَعْلُومَةٍ مِنْ النَّخِيلِ .
وَمِنْهَا مَا يُوجَدُ مِنْ فُحُولَةِ النَّخْلِ مِمَّا يُشْبِهُ الذَّكَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ ثُمَّ يَشُقُّ النَّخْلَةَ الَّتِي تَحْمِلُ

فَيَغْرِزُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى صُورَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، وَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَحَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَأَحْشَفَتْ النَّخْلُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقَالَ : عَهْدِي بِثِمَارِ نَخِيلِكُمْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ .
قَالُوا : نَعَمْ .
وَإِنَّمَا كَانَتْ تُجِيدُ الثِّمَارَ بِالتَّلْقِيحِ فَانْتَهَيْنَا إذْ مَنَعْتنَا فَأَحْشَفَتْ .
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : إذَا أَتَيْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَإِذَا أَتَيْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَبْصَرُ بِدُنْيَاكُمْ .
وَقِيلَ إنَّ النَّخِيلَ عَلَى طَبْعِ الْآدَمِيِّ ، فَإِنَّ النَّخْلَةَ خُلِقَتْ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { أَكْرِمُوا النَّخْلَةَ فَإِنَّهَا عَمَّتُكُمْ } ، وَلِهَذَا لَا تُثْمِرُ إلَّا بِالتَّلْقِيحِ كَمَا لَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ إلَّا بِالْوَطْءِ ، وَإِذَا قُطِعَتْ رَأْسُهَا يَبِسَتْ مِنْ سَاعَتِهَا كَالْآدَمِيِّ إذَا جُزَّ رَأْسُهُ .
وَلَوْ اشْتَرَطَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا فِيهِ وَيَسْقِيَاهُ وَيُلَقِّحَاهُ بِتَلْقِيحٍ مِنْ عِنْدِهِمَا هَذِهِ السَّنَةَ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ - فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ نَخْلٌ وَلَا عَمَلٌ ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ صَاحِبُهُ لِلْعَمَلِ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ إنْ كَانَ عَمَلُهُ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ صَاحِبِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ نَخْلًا إلَى رَجُلَيْنِ يَقُومَانِ عَلَيْهِ وَيُلَقِّحَانِهِ بِتَلْقِيحٍ مِنْ عِنْدِهِمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلِلْآخَرِ سُدُسَهُ وَلِرَبِّ النَّخْلِ ثُلُثَهُ - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ رَبَّ النَّخْلِ اسْتَأْجَرَهُمَا لِلْعَمَلِ فِي نَخِيلِهِ ، وَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَجْرِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا لِلْعَمَلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ أَجْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى رَبِّ النَّخِيلِ ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثَ الْخَارِجِ ، وَلِرَبِّ النَّخِيلِ ثُلُثَاهُ ، أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ - كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى ، وَالْآخَرَ بِعَيْنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ يَصِحُّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا لِصَاحِبِ النَّخْلِ الثُّلُثَ ، وَلِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ الثُّلُثَيْنِ ، وَلِلْآخَرِ أَجْرًا مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ - كَانَ هَذَا فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَلِلْعَامِلِ الثُّلُثَيْنِ ، وَعَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ - فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ، وَالْمُعَامَلَةُ تَفْسُدُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ إجَارَةً فِي إجَارَةٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا هَذِهِ السَّنَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ يَقُومُ عَلَى الْعَمَلِ فِي نَخِيلِهِ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا - كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ إجَارَةً فِي إجَارَةٍ ، وَاشْتِرَاطُ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُمَا .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا سَنَتَهُ هَذِهِ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ - كَانَ فَاسِدًا .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالشَّرْطُ كَمَا وَصَفْنَا - كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا أَيْضًا .
هَكَذَا ذَكَرْنَا هُنَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ وَشَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ فُلَانٌ مَعَهُ بِثُلُثِ الْخَارِجِ أَنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ ، وَهُوَ فَاسِدٌ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَبَيْنَ فُلَانٍ .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِلِينَ جَمِيعًا ، وَهُنَا أَجَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا بِفَسَادِ الْعَقْدِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ : إنَّمَا اخْتِلَافُ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَيَعْمَلُ مَعَهُ فُلَانٌ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَحَرْفُ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ ، فَيَكُونُ هَذَا عَطْفُ عَقْدٍ فَاسِدٍ عَلَى عَقْدٍ جَائِزٍ لِاشْتِرَاطِ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ .
وَهُنَاكَ قَالَ : وَعَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ فُلَانًا يَعْمَلُ مَعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَحَرْفُ عَلَى لِلشَّرْطِ فَيَكُونُ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ .
وَالْأَصَحُّ أَنْ يَقُولَ : هُنَاكَ الْمَشْرُوطُ لِلْآخَرِ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ شَرِكَةً مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْإِجَارَةِ إذَا فَسَدَتْ ، وَالشَّرِكَةُ لَا تُفْسَدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، فَلَمَّا غَلَبَ هُنَاكَ مَعْنَى الشَّرِكَةِ صَحَّحْنَا الْعَقْدَ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ وَإِنْ فَسَدَ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْعَامِلِ الْآخَرِ لِاشْتِرَاطِ عَمَلِهِ مَعَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ .
وَهُنَا إنَّمَا شَرَطَا لِلْعَامِلِ أَجْرًا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْمُغَلَّبُ هُنَا مَعْنَى الْإِجَارَةِ ، وَاَلَّذِي كَانَ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ إجَارَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ إجَارَةً لِلْأَرْضِ أَوْ اسْتِئْجَارًا

لِلْعَامِلِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إجَارَةً مَشْرُوطَةً فِي إجَارَةٍ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَةِ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إجَارَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ رَبَّ النَّخِيلِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ وَلِهَذَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِاشْتِرَاطِ إجَارَةٍ فِي إجَارَةٍ ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، فَإِنْ كَانَ هُوَ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الزَّرْعِ وَأَجْرُ مِثْلِ الَّذِي عَمِلَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا لَهُ فَعَمَلُهُ كَعَمَلِ الْمُزَارِعِ بِنَفْسِهِ ، وَعَلَى الزَّارِعِ أَجْرُ مِثْلِ الَّذِي عَمِلَ مَعَهُ فِيمَا عَمِلَ لَا يُزَادُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِمِقْدَارِ الْمِائَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الزَّارِعِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَأَجْرُ مِثْلِ الَّذِي عَمِلَ مَعَهُ لَا يُزَادُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يُزَادُ بِأَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ عَلَى قِيَاسِ شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ .
وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ يَدْفَعُهُ الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ مُعَامَلَةً عَلَى هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الْخَارِجِ لِصَاحِبِهِ ، وَالنِّصْفَ الْبَاقِيَ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ ، وَلِلْعَامِلِ الثَّانِي عَلَى شَرِيكِهِ أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي عَمَلِهِ - فَهُوَ فَاسِدٌ لِاشْتِرَاطِ إجَارَةٍ فِي إجَارَةٍ .
يُوَضِّحُ جَمِيعَ مَا قُلْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى الْعَامِلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سِوَى عَمَلِهِ - بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ .

وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَدَفَعَاهُ إلَى رَجُلٍ سَنَةً يَقُومُ عَلَيْهِ فَمَا خَرَجَ فَنِصْفُهُ لِلْعَامِلِ ، ثُلُثَا ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبَيْ النَّخْلِ ، ثُلُثَاهُ لِلَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَ مِنْ نَصِيبِهِ لِلْعَامِلِ ، وَثُلُثَهُ لِلْآخَرِ - فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَصِيبِهِ .
أَحَدُهُمَا بِثُلُثَيْ نَصِيبِهِ ، وَالْآخَرُ بِثُلُثِ نَصِيبِهِ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَكَانَ الْمَشْرُوطُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْمَشْرُوطِ عَلَى الْآخَرِ ، ثُمَّ مَا شُرِطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ إلَّا قَدْرُ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ فَسَادٌ فِي هَذَا الشَّرْطِ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ نِصْفَ الْخَارِجِ لِأَحَدِ صَاحِبَيْ النَّخْلِ بِعَيْنِهِ نَصِيبُهُ الَّذِي هُوَ لَهُ ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِلْعَامِلِ ثُلُثَاهُ وَلِصَاحِبِ النَّخْلِ ثُلُثُهُ - فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَاهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَجْرُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ خَاصَّةً ، ثُمَّ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَتَصَدَّقَانِ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَعَلَيْهِمَا أَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ فِي عَمَلِهِ لَهُمَا .
وَلَا يُقَالُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ عَلَى الَّذِي شَرَطَ النِّصْفَ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ لِلْعَامِلِ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ وَلَكِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْأَجْرُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَبِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَبْقَى أَصْلُ الْإِجَارَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ لَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الْخَارِجِ : ثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثَاهُ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ، وَعَلَى أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَيْنَ صَاحِبَيْ النَّخْلِ نِصْفَيْنِ - فَهُوَ فَاسِدٌ ، لِأَنَّ الَّذِي شَرَطَ ثُلُثَيْ نَصِيبَهُ لِلْعَامِلِ لَا يَبْقَى لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ

إلَّا الثُّلُثُ ، فَاشْتِرَاطُ نِصْفِ مَا بَقِيَ لِنَفْسِهِ يَكُونُ طَمَعًا فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ ، وَهُوَ بِهَذَا الشَّرْطِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ مَا جَعَلَهُ أُجْرَةً لِلْعَامِلِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ نِصْفِ النِّصْفِ لَهُ مَعَ اسْتِحْقَاقِ ثُلُثَيْ النِّصْفِ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْعَامِلِ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ النِّصْفِ أُجْرَةً لَهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ .
وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْهُمَا ، وَقَالَ : اشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي بَاطِلٌ وَيُقَسَّمُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُنَا أُفْسِدَ الْعَقْدُ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ : فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا رِوَايَتَانِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، أَوْ يُقَالَ : هُنَاكَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَصْلَ الْبَذْرِ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ فَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ بَيْنَهُمَا لَا يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ ، وَهُنَا أَصْلُ النَّخْلِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ ، وَقَدْ جَعَلَا الشَّرْطَ الْفَاسِدَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْمُعَامَلَةِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ وَأَحَدُ صَاحِبَيْ النَّخْلِ بِعَيْنِهِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا - فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ تَنْعَدِمُ فِيهَا التَّخْلِيَةُ ، وَالْعَامِلُ مِنْ رَبَّيْ النَّخِيلِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَعْضِ نَصِيبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هُوَ مَعَهُ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا لِلَّذِي يَعْمَلُ مِنْ صَاحِبَيْ النَّخِيلِ نِصْفَ الْخَارِجِ وَالْبَاقِيَ بَيْنَ الْآخَرِ وَالْعَامِلِ نِصْفَيْنِ - كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ مِنْ رَبَّيْ النَّخِيلِ عَامِلٌ فِي نَخِيلِ نَفْسِهِ إذْ لَا عَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِلِ ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ أَجَّرَ الْآخَرَ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا

أَنْ يَعْمَلَا جَمِيعًا مَعَ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا - فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَعْضِ نَصِيبِهِ وَشَرَطَ عَمَلَهُ مَعَهُ فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ لَا يُوجَدُ فِيهَا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّخِيلِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ .
وَلَوْ كَانَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ وَحْدَهُ فِي سَنَةٍ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ - فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ ، وَإِضَافَةُ الْإِجَارَةِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزٌ ، وَعَطْفُ الْعَقْدِ الْجَائِزِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يُفْسِدُ الْمَعْطُوفَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ .
وَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى هَذَا مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُزَارَعَةِ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ وَاسْتِئْجَارَ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلَانِ إلَى الرَّجُلَيْنِ نَخْلًا لَهُمَا مُعَامَلَةً هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ يَقُومَا عَلَيْهِ فَمَا خَرَجَ فَلِلْعَامِلَيْنِ نِصْفُهُ : لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَا ذَلِكَ النِّصْفِ ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبَيْ النَّخْلِ نِصْفَانِ - فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَصِيبِهِمَا وَفَاوَتَا بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ فِي مِقْدَارِ الْأَجْرِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِهِ بِعَمَلِهِمَا وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْعَمَلِ مِنْ حَيْثُ الْحَذَاقَةِ أَوْ الْكَثْرَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ النِّصْفَ بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ نِصْفَانِ ، وَمَا بَقِيَ مِنْ صَاحِبَيْ النَّخْلِ : ثُلُثُهُ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثَاهُ لِلْآخَرِ - فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مَا اشْتَرَطَا لِلْعَامِلَيْنِ إلَّا رُبُعَ الْخَارِجِ ، فَاشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ طَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ ؛ إذْ هُوَ اشْتِرَاطُ أُجْرَةِ بَعْضِ أَجْرِهِ عَمَلُهَا لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِعَقْدِ الْمُعَامَلَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ النِّصْفَ لِلْعَامِلَيْنِ : مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَا ذَلِكَ النِّصْفِ ، وَمِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ ثُلُثُهُ ، وَالْبَاقِيَ بَيْنَ صَاحِبَيْ النَّخِيلِ : ثُلُثَاهُ لِلَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَ ، وَثُلُثُهُ لِلَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ - فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَيْنِ لِلْعَمَلِ فِي نَصِيبِهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ إلَّا مِقْدَارَ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَا شَرَطَ لِلْعَامِلَيْنِ ، وَهَذَا ثَابِتٌ بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَزِيدُهُ الشَّرْطُ إلَّا وِكَادَةً .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَيْنَ صَاحِبَيْ النَّخْلِ : ثُلُثَاهُ لِلَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَيْنِ ، وَثُلُثُهُ لِلَّذِي شَرَطَ الثُّلُثَ - كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً ؛

لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ زِيَادَةً عَلَى الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ ، وَذَلِكَ مِنْهُ طَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ ، وَهُوَ بِالشَّرْطِ الثَّانِي كَأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ مَا اسْتَوْجَبَهُ لِلْعَامِلَيْنِ أُجْرَةً مَشْرُوطَةً عَلَى صَاحِبِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا ثُلُثَ الْخَارِجِ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثَاهُ لِصَاحِبَيْ النَّخْلِ ، وَلِلْعَامِلِ الْآخَرِ أَجْرٌ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَلَى صَاحِبَيْ النَّخْلِ - جَازَ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَا أَحَدَ الْعَامِلَيْنِ بِثُلُثِ الْخَارِجِ وَهِيَ مُعَامَلَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَاسْتَأْجَرَا الْعَامِلَ الْآخَرَ لِلْعَمَلِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى ، وَهِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ .
وَلَوْ كَانُوا اشْتَرَطُوا الْمِائَةَ عَلَى أَحَدِ صَاحِبَيْ النَّخْلِ بِعَيْنِهِ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَحَدُهُمَا بِالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ فَعَمَلُ أَجِيرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ، وَاشْتِرَاطُ عَمَلِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ يُفْسِدُهَا ، وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُمَا فَاشْتِرَاطُ أَجْرِ أَجِيرِهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا خَاصَّةً يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ ، وَقَدْ جَعَلَا ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْمُعَامَلَةِ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبَيْ النَّخْلِ ، وَلِلْعَامِلِ عَلَى الَّذِي شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى صَاحِبَيْ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَتَسْمِيَةُ الثُّلُثِ لَهُ بَعْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَلِلْعَامِلِ الْآخَرُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الَّذِي شَرَطَ لَهُ الْمِائَةَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَاقَدَهُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَالْتَزَمَ الْبَدَلَ لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لَهُمَا جَمِيعًا بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَهُوَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الِاسْتِئْجَارِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغُرْمِ فِي نَصِيبِهِ .

وَلَوْ كَانُوا اشْتَرَطُوا أَنَّ الْمِائَةَ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي شَرَطُوا لَهُ الثُّلُثَ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ وَاحِدًا أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِاشْتِرَاطِ الْإِجَارَةِ فِي الْإِجَارَةِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ اثْنَيْنِ وَالْخَارِجُ لِصَاحِبَيْ النَّخْلِ ، وَعَلَيْهِمَا لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَأَجْرُ مِثْلِ صَاحِبِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَجَّرَهُ وَعَمَلُ أَجِيرِهِ يَقَعُ لَهُ فَيَكُونُ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَقَدْ صَحَّ رِضَاهُ بِقَدْرِ الْمِائَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ .

وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَرْضًا لَهُ هَذِهِ السَّنَةَ يَزْرَعَانِهَا بِبَذْرِهِمَا وَعَمَلِهِمَا فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهَا فَنِصْفُهُ لِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ بِعَيْنِهِ ، وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ ، وَالسُّدُسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ - فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَأْجَرَا الْأَرْضَ وَشَرَطَا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَجْرِ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً ، فَإِنَّ الْآخَرَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَطُوا لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الْخَارِجِ ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ : أَحَدُهُمَا بِخُمُسَيْ نَصِيبِهِ ، وَالْآخَرُ بِثُلُثِ نَصِيبِهِ ، وَكَمَا يَجُوزُ التَّفَاوُتُ فِي أُجْرَةِ الْعَامِلَيْنِ بِالشَّرْطِ فَكَذَلِكَ فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ مِنْهُمَا .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا أَنَّ نِصْفَ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ السُّدُسُ - جَازَ عَلَى مَا اشْتَرَطُوا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَأْجَرَ نِصْفَ الْأَرْضِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى ، وَالْآخَرَ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ ، وَبِسَبَبِ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْأَجْرِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْعَقْدِ لَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ .
وَلَوْ اشْتَرَطُوا عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثٌ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ - كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الَّذِي الْتَزَمَ الْمِائَةَ جَمَعَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ نَصِيبِهِ بَيْنَ أَجْرِ الْمُسَمَّى وَبَعْضِ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطُوا الْمِائَةَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَهُمَا كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ الْتَزَمَ لَهُمَا مَعَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْخَارِجِ ، فَفِيمَا يَخُصُّ الْمِائَةَ مِنْ الْخَارِجِ هُوَ مُشْتَرًى مِنْهُمَا ، وَشِرَاءُ

الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ فَفَسَدَ الْعَقْدُ لِذَلِكَ .
وَلَوْ اشْتَرَطَا الْمِائَةَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَقَدْ اشْتَرَطُوا أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثٌ .
فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ : هَذِهِ مُزَارَعَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَالْخَارِجُ لِصَاحِبَيْ الْبَذْرِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَيْهِمَا أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ .
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : الْمُزَارَعَةُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ الَّذِي لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْمَالَ جَائِزَةٌ ، فَيَأْخُذُ هُوَ الثُّلُثَ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ السُّدُسَ ، وَيَكُونُ نِصْفُ الْخَارِجِ لِلْمُزَارِعِ الْآخَرِ ، وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُنَا إنَّمَا صَارَ مُشْتَرِيًا بَعْضَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِمَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الْمِائَةِ ، فَإِنَّمَا تَمَكَّنَ الْمُفْسِدُ فِيمَا بَيْنَهُمَا ، إلَّا أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الصَّفْقَةَ الْوَاحِدَةَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهَا فَسَدَ كُلُّهَا .
وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْفَسَادَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِرَهُ فِي الْبُيُوعِ .
وَقِيلَ : بَلْ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى إجَارَةِ الْمُشَاعِ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمَّا فَسَدَ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الَّذِي شَرَطَ عَلَيْهِ الْمِائَةَ : فَلَوْ صَحَّ فِي حَقِّ الْعَامِلِ الْآخَرِ كَانَ إجَارَةُ نِصْفِ الْأَرْضِ مُشَاعًا ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لَهُمَا ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ الْفَسَادِ مُنْعَقِدٌ عِنْدَنَا فَلَا يَتَمَكَّنُ بِهَذَا الْمَعْنَى الشُّيُوعُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَيَسْقِيَهُ ، وَيُلَقِّحَهُ فَمَا خَرَجَ مِنْهُ فَهُوَ نِصْفَانِ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ فَدَفَعَهُ الْعَامِلُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ ، مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لِلْآخَرِ ثُلُثَ الْخَارِجِ فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ - فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ، وَلِلْعَامِلِ الْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَلَا أَجْرَ لِلْأَوَّلِ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ خَالَفَ أَمْرَ رَبِّ النَّخْلِ حِينَ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ مُعَامَلَةً ، فَإِنَّ رَبَّ النَّخِيلِ إنَّمَا رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ فِي الْخَارِجِ لَا بِشَرِكَةِ الثَّانِي ، فَهُوَ حِينَ أَوْجَبَ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ لِلْعَامِلِ الثَّانِي صَارَ مُخَالِفًا لِرَبِّ النَّخْلِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ بَعْدَ مَا صَارَ غَاصِبًا ، سَوَاءٌ أَقَامَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ ، ثُمَّ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ اسْتَأْجَرَ الثَّانِيَ بِثُلُثِ الْخَارِجِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِ رَبِّ النَّخْلِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ نَخْلِهِ فَلَا يُسْتَوْجَبُ عَلَيْهِ بِدُونِ رِضَاهُ ، وَهُوَ مَا رَضِيَ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ الثَّانِيَ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ فَفَسَدَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ، فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَرُ فِي يَدِ الْعَامِلِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ ، وَهُوَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِآفَةٍ أَصَابَتْهُ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبَيْنِ ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ إذَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً .
وَإِنْ هَلَكَ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ شَيْءٌ : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلًا خَالَفَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ فَالضَّمَانُ فِيهِ لِصَاحِبِ النَّخْلِ عَلَى الْعَامِلِ الْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ

مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَهُ بِفِعْلٍ أَنْشَأَهُ مِنْ عِنْدِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ ، فَيَقْتَصِرُ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَيْهِ ، كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ الْغَاصِبِ .
وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدَيْ مَنْ عَمِلَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْأَوَّلُ فَلِصَاحِبِ النَّخْلِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الْعَامِلَيْنِ شَاءَ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَإِنْ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ ، وَلَكِنْ كَانَ عَامِلًا ذَلِكَ الْعَمَلَ لِلْأَوَّلِ حِينَ اسْتَوْجَبَ بِمُعَامَلَتِهِ الْأَجْرَ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ عَمَلُهُ كَعَمَلِ الْأَوَّلِ بِنَفْسِهِ فَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حِينَ عَمِلَ لَهُ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ضَمِنَ صَارَ كَالْمَالِكِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ النَّخْلِ أَمَرَ الْأَوَّلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ، - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَدَفَعَهُ إلَى الْآخَرِ - جَازَ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِشْرَاكُ وَالدَّفْعُ إلَى الْغَيْرِ مُعَامَلَةً مِنْ رَأْيِهِ ، ثُمَّ نِصْفُ الْخَارِجِ لِرَبِّ النَّخْلِ ، وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ كَمَا أَوْجَبَهُ لَهُ الْأَوَّلُ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَبَقِيَ السُّدُسُ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ طَيِّبٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِالْتِزَامِ الْعَمَلِ بِالْعَقْدِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ النَّخْلِ لِلْأَوَّلِ : مَا رَزَقَك اللَّهُ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ، أَوْ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لَكَ ، أَوْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ مُعَامَلَةً بِالثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ - كَانَ جَائِزًا ، وَالْبَاقِي بَعْدَ الْمَشْرُوطِ لِلْآخَرِ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَصَاحِبِ النَّخْلِ نِصْفَيْنِ كَمَا شَرَطَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَزَقَ اللَّهُ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْبَاقِي ، وَقَدْ شَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فِيهِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ مِنْ الْخَارِجِ عِشْرِينَ قَفِيزًا ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ ، وَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِك فِيهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ ، فَدَفَعَ الْمُزَارِعُ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ إلَى رَجُلٍ بِالنِّصْفِ مُزَارَعَةً فَعَمِلَ - فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَقَدْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ فَاسِدًا بِاشْتِرَاطِ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ بِالْعَقْدَيْنِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إيجَابُ الشَّرِكَةِ لِلثَّانِي فِي الْخَارِجِ ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرُهُ لَا شَرِيكُهُ فِي الْخَارِجِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إشْرَاكُ الثَّانِي فِي الْخَارِجِ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ فِيمَا فَعَلَهُ فَيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِلْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِثُلُثِ الْخَارِجِ وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْأَرْضِ ، وَلِلْأَوَّلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا لِرَبِّ الْأَرْضِ كَانَ عَمَلُ أَجِيرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ، وَقَدْ سَلَّمَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ بِفَسَادِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ الثَّانِي ، فَالثَّانِي إنَّمَا أَقَامَ الْعَمَلَ بِحُكْمِ إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ إجَارَةً فَاسِدَةً .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، وَقَالَ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك أَوْ لَمْ يَقُلْ فَدَفَعَهَا إلَى آخَرَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ لِلْآخَرِ مِنْهُ عِشْرِينَ قَفِيزًا - فَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَاسِدَةٌ ، وَلِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ ، وَعَمَلُ أَجِيرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّ الْأَرْضِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِإِيجَابِ الشَّرِكَةِ لِلْغَيْرِ فِي الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِعِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ وَالْبَاقِي لِلْمُزَارِعِ ، أَوْ كَانَ شَرَطَ أَقْفِزَةً لِلْمُزَارِعِ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ ، فَدَفَعَهَا الْمُزَارِعُ إلَى الْآخَرِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ فَعَمِلَ - فَالْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعَيْنِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ إجَارَةً فَاسِدَةً ، فَيَصِحُّ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ فِيهِ ، أَوْ إجَارَتُهَا مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ ، فَالْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعَيْنِ نِصْفَانِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَا تَعَاقَدَا الْمُزَارَعَةَ حَتَّى أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَخْذَ الْأَرْضِ وَبَعْضَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ - كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ ، وَالْإِجَارَةُ تُنْقَضُ بِالْعُذْرِ ، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ يُنْقَضُ الْعَقْدُ الثَّانِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ ؛ لِاسْتِحْقَاقِ نَقْضِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْفَسَادِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْأَوَّلِ يُنْقَضُ اسْتِئْجَارُ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي لِفَسَادِ الْعَقْدِ أَيْضًا ، فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ قَدْ زَرَعَ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ أَرْضِهِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ الْآخَرَ مُحِقٌّ فِي إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَفِي الْقَلْعِ إضْرَارٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالِ حَقِّهِ ، فَيَتَأَخَّرُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، وَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهَا بِرَأْيِك أَوْ لَمْ يَقُلْ ، فَدَفَعَهَا الْأَوَّلُ وَبَذْرًا مَعَهَا إلَى الثَّانِي مُزَارَعَةً بِعِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ شَرَطَاهُ لِلثَّانِي أَوْ لِلْأَوَّلِ -

فَالْعَقْدُ الثَّانِي فَاسِدٌ ، وَلِلْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرُ عَمَلِهِ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ الْعَمَلَ بِأَجِيرِهِ كَإِقَامَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَاسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ كَانَ صَحِيحًا بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْآخَرِ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ فَاسِدٌ ، وَالْخَارِجُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَجَّرَ الْأَرْضَ مِنْهُ إجَارَةً فَاسِدَةً ، وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهَا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ الْأَرْضَ بِنِصْفِ الْخَارِجِ وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الْآخَرُ فَيَرْجِعُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ وَقَالَ لَهُ : اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك أَوْ لَمْ يَقُلْ ، فَدَفَعَهُ الْعَامِلُ إلَى آخَرَ مُعَامَلَةً بِعِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ - فَالْخَارِجُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَصَاحِبِ النَّخْلِ نِصْفَانِ ، وَلِلْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ ، ثُمَّ الْأَوَّلُ هُنَا لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا لِرَبِّ النَّخْلِ بِالدَّفْعِ إلَى الثَّانِي وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِإِيجَابِ الشَّرِكَةِ لِلْغَيْرِ فِي الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ وُجِدَ الْعَقْدُ الثَّانِي ، وَكَانَ عَمَلُ أَجِيرِهِ كَعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ النَّخْلِ نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الْمُعَامَلَةِ الْأُولَى عِشْرِينَ قَفِيزًا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ النِّصْفَ - فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَاسِدٌ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ الثَّانِي ، إذْ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ فِي الْخَارِجِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الشَّرِكَةَ لِغَيْرِهِ فِي الْخَارِجِ ، وَإِذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ لِلثَّانِي لَمْ يَصِرْ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا فَيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ، وَلِلْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ أَجْرُ عَمَلِهِ ، وَلِلْأَوَّلِ عَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ أَجْرُ مَا عَمِلَ الْآخَرُ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الضَّمَانِ ، وَهُوَ الْخِلَافُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا دَفَعَ الْمُرْتَدُّ أَرْضَهُ وَبَذْرَهُ إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَخَرَجَ الزَّرْعُ : فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْبَذْرِ وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ لِلدَّافِعِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ ، أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا هَذِهِ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ .
عِنْدَهُمَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ كَمَا تَنْفُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُوقَفُ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ بَيْنَهُمَا ، فَكَانَ الْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَبَطَلَ أَيْضًا إذْنُهُ لِلْعَامِلِ فِي إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الرِّضَا بِذَلِكَ فَيَصِيرُ الْعَامِلُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْبَذْرِ وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ ، أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْبَذْرَ بِالضَّمَانِ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ عَلَى الْعَامِلِ ، وَقُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ : فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ غَرِمَ الْعَامِلُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْأَرْضِ بَطَلَتْ حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ .
وَكَذَلِكَ الْإِذْنُ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِهِ ، فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ كَالْغَاصِبِ لِلْأَرْضِ ، وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لَهُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ، وَالْغَاصِبُ لِلْأَرْضِ لَا يَضْمَنْ شَيْئًا إلَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِيهَا نُقْصَانٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ ؛

لِأَنَّ إبْطَالَ عَقْدِهِ كَانَ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ ، وَالنَّظَرُ لِلْوَرَثَةِ هُنَا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَفَذَ الْعَقْدُ سَلِمَ لَهُمْ نِصْفُ الْخَارِجِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ فَنَفَذَ عَقْدُهُ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَهُنَاكَ لَوْ نَفَذَ الْعَقْدُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ نُقْصَانُ الْأَرْضِ ، وَرُبَّمَا كَانَ نُقْصَانُ الْأَرْضِ أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْ نِصْفِ الْخَارِجِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ ، فَإِنْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ضَامِنًا ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَلِمَ وَجَبَ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لِلْمَوْلَى .
وَهَذَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْمُزَارِعُ وَالْبَذْرُ مِنْهُ - فَالْخَارِجُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَغَيْرِهِ إذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ سَلَّطَهُ عَلَى عَمَلِ الزِّرَاعَةِ ، وَهُوَ تَسْلِيطٌ صَحِيحٌ ، وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ عِوَضًا بِمُقَابَلَتِهِ ، وَقَدْ بَطَلَ الْتِزَامُهُ لِلْعِوَضِ حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ ، فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِ الْمُرْتَدِّ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لِرَبِّ الْأَرْضِ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْمُرْتَدِّ بِنِصْفِ الْخَارِجِ ، وَحَقُّ وَرَثَتِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَنَافِعِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَعَانَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لِلْوَرَثَةِ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ هُنَا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهُ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخَارِجِ شَيْءٌ ؟ وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ .

وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا مُرْتَدَّيْنِ وَالْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ الْبَذْرِ وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ صَارَ كَالْغَاصِبِ لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُ الدَّافِعِ إيَّاهُ بِالزِّرَاعَةِ فَيَكُونُ الْخَارِجُ لَهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الْبَذْرِ وَنُقْصَانِ الْأَرْضِ لِوَرَثَةِ الدَّافِعِ .
وَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ صَاحِبُ الْبَذْرِ ، كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ لَهُ فَإِسْلَامُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ يَكْفِي لِفَسَادِ الْعَقْدِ ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ هُوَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَقَدْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ - كَانَ الْخَارِجُ لَهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ إذْنَ الدَّافِعِ لَهُ فِي عَمَلِ الزِّرَاعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ ، فَيَغْرَمُ لَهُمْ نُقْصَانَ الْأَرْضِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نُقْصَانٌ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْعَامِلِ الْأَرْضَ بِنِصْفِ الْخَارِجِ مِنْ بَذْرِهِ بَاطِلٌ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ رَبُّ الْأَرْضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الِابْتِدَاءِ .
وَإِنْ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ الْمُزَارِعُ وَقُتِلَ الْآخَرُ عَلَى الرِّدَّةِ ضَمِنَ الْمُزَارِعُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَلَى الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالْمُزَارَعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْهَا شَيْئًا فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْخَارِجَ لِلْمُزَارِعِ ، وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ حِينَ قُتِلَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى رِدَّتِهِ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَرِ بِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ هُنَا كَمَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ إنْ قُتِلَا أَوْ أَسْلَمَا أَوْ لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ

اللَّهُ - فِي مُزَارَعَةِ الْمُرْتَدَّةِ وَمُعَامَلَتِهَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ يَنْفُذُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُسْلِمَةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ .

وَإِذَا دَفَعَ الْمُرْتَدُّ إلَى مُرْتَدٍّ أَوْ مُسْلِمٍ نَخِيلًا لَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قُتِلَ صَاحِبُ النَّخِيلِ عَلَى رِدَّتِهِ - فَالْخَارِجُ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ نَخْلٍ هُمْ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَقَدْ بَطَلَ اسْتِئْجَارُهُ حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ .
وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ النَّخِيلِ مُسْلِمًا وَالْعَامِلُ مُرْتَدًّا فَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ بَعْدَ مَا عَمِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَسْلَمَ - فَهُوَ سَوَاءٌ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَا حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي مَنَافِعِهِ ، وَفِي تَنْفِيذِ هَذَا الْعَقْدِ مَنْفَعَةُ وَرَثَتِهِ .
وَلَوْ كَانَا عَقَدَا الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ، وَهُمَا مُسْلِمَانِ ، وَالْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ أَوْ الْعَامِلِ ، ثُمَّ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا أَيَّهمَا كَانَ ، ثُمَّ عَمِلَ الْعَامِلُ وَأَدْرَكَ الزَّرْعُ ، ثُمَّ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ - كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ إنَّمَا تُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يُنْشِئُهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ ، فَأَمَّا مَا نَفَذَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِرِدَّتِهِ ، فَوُجُودُ الرِّدَّةِ فِي حُكْمِ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ كَعَدَمِهَا .

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرْضًا لَهُ وَبَذْرًا مُزَارَعَةً هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ - فَهُوَ جَائِزٌ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ مَا دَامَ فِي دِيَارِنَا ، وَالْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ أَوْ شَرِكَةٌ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَامَلَةٌ تَصِحُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ كَامِلٌ لِاسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ ، وَالْكَافِرُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا تَمَامَ مُدَّةِ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ ، فَيَتَقَدَّمُ إلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ ، فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ ، وَجَعَلَهُ ذِمِّيًّا ، وَلَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ .

وَلَوْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً ، فَدَفَعَهَا إلَى مُسْلِمٍ مُزَارَعَةً - جَازَ ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَيُوضَعُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَرْضِهِ الْخَرَاجُ ، وَلَا يُتْرَكُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، بَلْ يَجْعَلُهُ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الرُّءُوسِ تَبَعٌ لِخَرَاجِ الْأَرَاضِي ، فَإِذَا الْتَزَمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ كَانَ مُلْتَزِمًا خَرَاجَ الرَّأْسِ أَيْضًا ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ عُشْرِيَّةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَأْمَنًا .
وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ، فَدَفَعَهَا إلَى حَرْبِيٍّ مُزَارَعَةً ، أَوْ أَخَذَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْحَرْبِيِّ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ - جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يُعَامِلُهُمْ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ - بِالشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ - لَا يَخْرُجُ مِنْهَا .
وَلَوْ كَانَ اُشْتُرِطَ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، يَأْخُذُهَا مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ .
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ، وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِلْآخَرِ الْأَجْرُ إذَا أَسْلَمَ وَخَرَجَ إلَيْنَا ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تَفْسُدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَعَقْدِ الرِّبَا هَلْ يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ .
وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ التَّاجِرَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَمَعْنَى الْإِحْرَازِ فِي مَالِهِمَا قَائِمٌ ، وَمُبَاشَرَتُهُمَا الْمُزَارَعَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ فِيمَا يَصِحُّ وَيَفْسُدُ .

وَالْمُزَارَعَةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ تَاجِرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ أَسْلَمَ هُنَاكَ جَائِزَةٌ بِالنِّصْفِ ، وَكَذَا بِعِشْرِينَ قَفِيزًا مِنْ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِ الرِّبَا بَيْنَ التَّاجِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاَلَّذِي أَسْلَمَ هُنَاكَ وَبَيْنَ اللَّذَيْنِ أَسْلَمَا وَلَمْ يُهَاجِرَا .

وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَوْ التَّاجِرُ أَرْضًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَدَفَعَهَا إلَى حَرْبِيٍّ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، فَلَمَّا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ - فَالزَّرْعُ وَالْأَرْضُ كُلُّهُمَا لِمَنْ افْتَتَحَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْلِمِ فَهِيَ بُقْعَةٌ مِنْ بِقَاعِ دَارِ الْحَرْبِ ، فَتَصِيرُ غَنِيمَةً لِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الدَّارِ ، وَالزَّرْعُ قَبْلَ الْحَصَادِ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا ، وَلِهَذَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ .
وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ حُصِدَ وَلَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى ظَهَرُوا عَلَى الدَّارِ - كَانَتْ الْأَرْضُ وَنَصِيبُ الْحَرْبِيِّ مِنْ الزَّرْعِ فَيْئًا ، وَلِلْمُسْلِمِ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ زَالَتْ بِالْحَصَادِ ، وَصَارَتْ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ فَنَصِيبُ الْحَرْبِيِّ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ غَنِيمَةً كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَنَصِيبُ الْمُسْلِمِ لَا يَصِيرُ غَنِيمَةً كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى زَوَالِ التَّبَعِيَّةِ حُكْمُ الشُّفْعَةِ ، فَإِنَّ الزَّرْعَ الْمَحْصُودَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْأَرْضِ .
وَمِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ فَالْجَوَابُ سَوَاءٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ هُوَ الْحَرْبِيُّ وَالزَّارِعُ هُوَ الْمُسْلِمُ ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يُحْصَدْ فَتَرَكَ الْإِمَامُ أَهْلَهَا ، وَتَرَكَهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَهْلِ السَّوَادِ - كَانَتْ الْأَرْضُ لِصَاحِبِهَا أَيَّهُمَا كَانَ ، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَرَّرَ مِلْكَهُمَا فِيهِ بِالْمَنِّ ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْحَرْبِيِّ فَفِي حِصَّةِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى .

وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَرْضًا فَدَفَعَهَا إلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ ، فَاسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَحْصُدْ حَتَّى ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ - فَالْأَرْضُ وَالزَّرْعُ فَيْءٌ لِمَا قُلْنَا .
وَإِنْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا بَعْدَ مَا حُصِدَ الزَّرْعُ فَالْأَرْضُ فَيْءٌ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَلَا يَصِيرُ غَنِيمَةً بِالظُّهُورِ عَلَى الدَّارِ .
وَإِنْ دَفَعَهَا الْمُسْلِمُ إلَى حَرْبِيٍّ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ وَالْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ، فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ الزَّرْعَ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ وَقَدْ اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ ، أَوْ لَمْ يُسْتَحْصَدْ - جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَرَاجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَلِلْآخَرِ الْأَجْرُ ، وَهَذَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَعَ الْمُزَارِعِ فِي الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَأَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا .
وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ أَهْلُ الدَّارِ .
وَلَكِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ - كَانَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا فَيْئًا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ أَجْرٍ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُطَالِبُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إنْ كَانَتْ لِلْحَرْبِيِّ فَقَدْ صَارَتْ غَنِيمَةً ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ صَاحِبَهُ بِأَجْرِهَا ، وَنَفْسُ الْحَرْبِيِّ تَبَدَّلَتْ بِالرِّقِّ فَلَا تَتَوَجَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَلَا لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَهُمْ الْإِمَامُ فِي أَرْضِهِمْ كَمَا تَرَكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

- أَهْلَ السَّوَادِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ إسْلَامِهِمْ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ مِلْكَهُمْ فِي أَرَاضِيِهِمْ وَحُرِّيَّتَهُمْ فِي رِقَابِهِمْ بِالْمَنِّ كَمَا يَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ لَوْ أَسْلَمُوا .
وَالْمُعَامَلَةُ كَالْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا .

وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّيْنِ بِالنِّصْفِ أَوْ بِأَقْفِزَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْ الْخَارِجِ ، فَأَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ الزَّرْعُ وَقَدْ اُسْتُحْصِدَ أَوْ بَعْدَ مَا حُصِدَ - جَازَ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْعَقْدَ حِينَ لَمْ يَكُونَا مُلْتَزِمَيْنِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا قَبْلَ إسْلَامِهِمَا ، فَيَتَأَكَّدُ مِلْكُهُمَا بِالْإِسْلَامِ .
وَلَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ ثُمَّ زَرَعَ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً عَلَى شَرْطِ الْأَقْفِزَةِ الْمُسَمَّاةِ ، وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ ، فَالْإِسْلَامُ الطَّارِئُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ .
وَلَوْ كَانَ زَرَعَ ثُمَّ أَسْلَمُوا وَهُوَ بَقْلٌ لَمْ يُسْبِلْ ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ - كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَبُّ وَالْإِسْلَامُ حَصَلَ قَبْلَ حُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَهُوَ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَبِّ الَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ حَالٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فِيهَا ، فَإِسْلَامُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُفْسِدُ الْمُزَارَعَةَ بِشَرْطِ عِشْرِينَ قَفِيزًا ، وَكُلُّ حَالَةٍ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فِيهَا فَإِسْلَامُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْبَقَاءِ بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ، وَمَا دَامَ الزَّرْعُ بَقْلًا فَابْتِدَاءُ الْمُزَارَعَةِ فِيهِ يَصِحُّ ، فَإِذَا أَسْلَمُوا وَكَانَ الْعَقْدُ بِشَرْطِ عِشْرِينَ قَفِيزًا فَسَدَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ مُزَارَعَةِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ [ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْأَرْضِ أَوْ لِلْعَامِلِ ، أَوْ هُوَ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الْخَارِجِ ، وَالتُّجَّارُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ ، فَالْمَأْذُونُ فِيهِ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ ، فَإِنْ زَارَعَ الْعَبْدُ إنْسَانًا فَلَمْ يَزْرَعْ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ فَحَيْثُ كَانَ لِلْحُرِّ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْمُزَارَعَةِ فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَيَحْجُرَ عَلَيْهِ ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْهُ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِحَجْرِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِالْحَجْرِ كَامْتِنَاعِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ ، فَكَذَلِكَ مَنْعُ الْمَوْلَى إيَّاهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ اللَّازِمَ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْتِزَامِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْأَرْضُ مِنْ الْعَبْدِ فَحَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الزَّارِعَ مِنْ الزِّرَاعَةِ .
وَإِذَا أَخَذَ الْعَبْدُ أَرْضَ الْغَيْرِ مُزَارَعَةً لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ ثُمَّ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَنَفْسُ الْحَجْرِ مَنْعٌ مِنْهُ لِلْمُزَارَعَةِ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ إذَا كَانَ هُوَ الْعَبْدُ فَفِي إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ إتْلَافٌ لَهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ ، فَمَا لَمْ يَمْتَنِعْ الْمُزَارِعُ مِنْ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُزَارِعُ بِبَذْرِهِ فَبِنَفْسِ الْحَجْرِ فَاتَ الْمَعْقُودُ

عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْبَذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي مَنَافِعِهِ بِإِقَامَةِ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَلِهَذَا جَعَلَ نَفْسَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَسْخًا لِلزِّرَاعَةِ .
وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ يَحْجُرُ عَلَيْهِ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ .
وَكَذَلِكَ الْمُعَامَلَةُ فِي الِاسْتِئْجَارِ إلَّا أَنَّ فِي الْمُعَامَلَةِ الْحَجْرَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ ، أَيَّهمَا كَانَ الْعَامِلُ ، لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ تُلْزَمُ بِنَفْسِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ نَهَاهُ أَوْ نَهَى مُزَارِعَهُ عَنْ الْعَمَلِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ كَانَ نَهْيُهُ بَاطِلًا وَلَهُ أَنْ يَعْقِدَ وَيَعْمَلَ .
وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ لِأَنَّ هَذَا حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ [ أَلَا تَرَى ] أَنَّ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ لَوْ اسْتَثْنَى الْمُزَارَعَةَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ ؟ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ إذَا نَهَاهُ عَنْ الْعَقْدِ أَوْ الْمُضِيِّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ .
فَإِذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ التَّاجِرُ أَرْضًا ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ أَبُوهُ فَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً إلَى رَجُلٍ بِالنِّصْفِ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ لِأَنَّ إذْنَ الصَّبِيِّ فِي زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ الْحَجْرِ بَاطِلٌ فَكَانَ الْعَامِلُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الصَّبِيِّ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ هُنَا ، فَإِنَّهُ لَوْ بَطَلَ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَحْجُرُ الصَّبِيَّ عَمَّا يُتَمَحَّضُ مَنْفَعَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ كَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالْبَالِغِ أَوْ الْمَأْذُونِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ كَانَ الْخَارِجُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الْبَذْرِ

فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَوْ نُقْصَانُ الْأَرْضِ إنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ ، سَوَاءٌ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرَجْ لِأَنَّ إذْنَ الصَّبِيِّ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِلْقَاءِ بَذْرِهِ فِي الْأَرْضِ بَاطِلٌ فَيَكُونُ الْمُزَارِعُ كَالْغَاصِبِ لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غُرْمُ الْبَذْرِ وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ ، وَالْخَارِجُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ شَرْعًا .

وَإِذَا دَفَعَ الْحُرُّ إلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ سَنَتَهُ هَذِهِ فَزَرَعَهَا فَحَصَلَ الْخَارِجُ ، وَسَلَّمَ الْعَامِلُ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ لِلْعَمَلِ بِالنِّصْفِ الْخَارِجِ ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ وَجَبَ لَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ مَاتَ فِي الْعَمَلِ فَصَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لَهُ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْصَادِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ، فَإِنَّمَا أَقَامَ عَمَلَ الزِّرَاعَةِ بِعَبْدِ نَفْسِهِ ، فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ ، وَلِكَوْنِهِ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ لَا يَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الزَّرْعِ .
وَإِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ الْحُرُّ مِنْ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ بَعْدَ مَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ فَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا طَيِّبٌ لَهُمَا ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الصَّبِيُّ لِأَنَّ بِاسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ تَأَكَّدَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ ، وَالصَّبِيُّ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ ، فَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ دِيَةُ الصَّبِيِّ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِإِتْلَافِهِ عَلَى وَجْهٍ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ .
لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُعَامَلَةِ فِي النَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَهُوَ حُرٌّ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ اكْتَسَبَهُ بِعَمَلِهِ ، وَالْعَبْدُ فِي الِاكْتِسَابِ كَالْحُرِّ ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ نُقْصَانٍ وَلَا غَيْرِهِ مَا لَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّهُ شَرَطَ بَعْضَ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِعَقْدِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حَالَ رِقِّهِ ، وَإِنَّمَا زَرَعَ الْأَرْضَ بِتَسْلِيطِ

صَاحِبِ الْأَرْضِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَغْرَمُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ مَا لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ ، فَإِذَا عَتَقَ رَجَعَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ بِأَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ لِأَنَّهُ كَانَ شَرَطَ لَهُ نِصْفِ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَحَصَلَ الْخَارِجَ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلَا يُرْجَعُ عَلَى الصَّبِيِّ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَثُرَ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ بِالْعَقْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّهِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ .
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ فِي عَمَلِ الْأَرْضِ لَمْ يَضْمَنْهُ رَبُّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا يَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُسْتَعْمِلًا لِلْعَبْدِ وَلَا مُتَسَبِّبًا لِإِتْلَافِ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ ضَمَانِ بَذْرِهِمَا وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا لِأَنْفُسِهِمَا فِي إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ عَمَلٌ فِي بَذْرِهِمَا تَسَبُّبًا وَلَا مُبَاشَرَةً .

وَإِذَا حَجَرَ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ ابْنِهِ وَفِي يَدِهِ نَخْلٌ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُمَا شَرَطَا لِلْعَامِلِ نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ مَا لَمْ يُعْتَقْ ، فَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْعَبْدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمَوْلَى الْخَارِجَ بَعْدَ مَا حَصَلَ الْخَارِجُ .

وَإِذَا دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَرْضًا مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ أَرْضًا أَخَذَهَا مِنْ أَرَاضِيِ مَوْلَاهُ إلَى رَجُلٍ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ فَزَرَعَهَا الْعَامِلُ فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا وَنَقَصَ الزَّرْعُ الْأَرْضَ فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ لِلْأَرْضِ ، فَإِنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ رَجَعَ الْعَامِلُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى إلَى مَوْلَاهُ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِمُبَاشَرَتِهِ عَقْدَ الضَّمَانِ ، وَالْعَبْدُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْغَرُورِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَبْدُ مِنْ الْمُزَارِعِ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّهِمَا فَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا أَخَذَا نِصْفَ الْخَارِجِ بَاعَهُ وَاسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ مَا غَرِمَهُ لِلْمُزَارِعِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ كَانَ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كَسْبٌ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ وَمَا اكْتَسَبَ الْعَبْدُ فِي حَالِ رِقِّهِ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمَوْلَى .
وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ أَنَا آخُذُ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ وَلَا أُضَمِّنُ الْعَامِلَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إنْ عَتَقَ الْعَبْدَ أَوْ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُزَارِعِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بِعَوْدِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ أَوْ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْهُ بِهِ فَيَكُونُ رِضَاهُ بِهِ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ شَيْئًا فَالْخَارِجُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْمُزَارِعِ نِصْفَانِ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْعَقْدِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَوْلَى وَهُوَ سَلَامَةُ نِصْفِ الْخَارِجِ لَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ

يَمْتَنِعُ صِحَّتُهُ فِي حَقِّهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا ضَرَرَ هُنَا .

وَإِذَا دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ مَوْلَاهُ وَبَذْرًا مِنْ بَذْرِ مَوْلَاهُ أَوْ مَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ فَزَرَعَهَا الْمُزَارِعُ فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ وَقَدْ نَقَصَ الْأَرْضَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يُنْقِصْهَا فَلِلْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَ الْمُزَارِعَ بَذْرَهُ وَنُقْصَانَهُ أَرْضَهُ لِأَنَّ الزَّارِعَ غَاصِبٌ لِذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ فَإِنَّ إذْنَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَاطِلٌ ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ ذَلِكَ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْغَرُورِ وَكَانَ نِصْفُ الْخَارِجِ لِلْعَبْدِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ مَا ضَمِنَ وَيَكُونُ الْفَضْلُ لِمَوْلَاهُ ، وَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى أَخَذَ نِصْفَ الزَّرْعِ فَكَانَ لَهُ وَلَمْ يَضْمَنْ الزَّارِعُ مِنْ الْبَذْرِ وَالنُّقْصَانِ شَيْئًا لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمُزَارِعِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِانْعِدَامِ رِضَاهُ بِهِ ، فَإِذَا رَضِيَ بِهِ تَمَّ الْعَقْدُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

[ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا لَهُ يَزْرَعُهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ وَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ الزِّرَاعَةَ مِنْ الزَّارِعِ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ عَامِلٌ ، وَالْمُزَارَعَةُ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُسْتَحَقًّا لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ ، فَإِذَا كَانَ الضَّمَانُ شَرْطًا فِي الْمُزَارَعَةِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِئْجَارٌ لِلْأَرْضِ فَتَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلَاهُ شَرْطًا فِي الْمُزَارَعَةِ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ وَالضَّمَانُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ جَازَ الضَّمَانُ وَالْمُزَارَعَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ ، وَقَدْ صَارَتْ إقَامَةُ الْعَمَلِ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فِي تَسْلِيمِهِ فَيَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْكَفَالَةِ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ أَوْ مَقْصُودًا بَعْدَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْأُجْرَةِ ، وَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ تَعَنَّتَ الزَّارِعُ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِالْعَمَلِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِإِيفَاءِ مَا كَانَ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ عَمَلُ الزِّرَاعَةِ ، فَإِذَا عَمِلَ وَبَلَغَ الزَّرْعُ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُزَارِعُ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِأَنَّ الْكَفِيلَ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ ، وَلِلْكَفِيلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ بِأَمْرِهِ وَأَوْفَاهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ ؛ وَمِثْلُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ كَالْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ إذَا أَدَّى ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَلَى الزَّارِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ الْعَامِلُ هُنَا لَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ وَهُوَ عَمَلُ الْمُزَارِعِ بِنَفْسِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْكَفِيلِ إبْقَاءُ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ الضَّمَانُ ، وَتَبْطُلُ

الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا إنْ كَانَ الضَّمَانُ شَرْطًا فِيهَا ، وَالْمُعَامَلَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُزَارَعَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ كَفَلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ - وَالْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ - فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مَا يَهْلَكُ مِنْهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ ، وَالْكَفَالَةُ بِالْأَمَانَةِ لَا تَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ الْوَدِيعَةِ ، إنَّمَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِمَا هُوَ مَضْمُونُ التَّسْلِيمِ عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ شَرْطًا فِيهَا ، وَالْمُعَامَلَةُ فِي هَذَا كَالْمُزَارَعَةِ .
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ إنْ اسْتَهْلَكَهَا صَاحِبُهَا - فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْمُزَارَعَةِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهَا فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا أُضِيفَتْ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ ، وَإِضَافَةُ الْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا دَيْنٌ يَجِبُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا بِسَبَبِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ .
وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَفِيلًا بِدَيْنٍ آخَرَ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ - يَكُونُ صَحِيحًا كَعَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ، فَإِذَا شَرَطَا الْكَفَالَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ لِهَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهَا جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَالْكَفَالَةُ ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَضْمُونُ مِنْهُ شَيْئًا ضَمِنَهُ الْكَفِيلُ وَيَأْخُذُ بِهِ الطَّالِبُ أَيَّهمَا شَاءَ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَضَمِنَ رَجُلٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ حِصَّتَهُ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ - فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ لَا

يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ .
وَالْكَفَالَةُ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْأَصْلِ بَاطِلٌ ، وَلَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِأَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ الطَّعَامَ ، وَأَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ دَرَاهِمُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ غَيْرُ مَا الْتَزَمَهُ .
وَإِذَا كَانَ الْأَجْرُ لِلْعَامِلِ أَوْ لِرَبِّ الْأَرْضِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ ، وَمَا كَانَ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعُرُوضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْعَمَلِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاتَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ ، وَلَزِمَهُ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى فِي تَحَكُّمِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ بَعْضَ الْخَارِجِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَاسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يُحْصَدْ أَوْ بَلَغَ التَّمْرُ وَلَمْ يُحْرَزْ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْآخَرِ كَالْوَدِيعَةِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ هَلَاكَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِ الْأَمِينِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا أَحَدُهُمَا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مِلْكًا تَامًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ جُبْرَانًا لِمَا أَتْلَفَ مِنْ مِلْكِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

[ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَإِذَا دَفَعَ الْمَرِيضُ أَرْضَهُ إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا عَلَى كَذَا فَزَرَعَهَا فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ، وَأَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ أَضْعَافًا ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ ، وَأَجَّرَ الْأَرْضَ ثُمَّ مَاتَ ، وَالْمُزَارِعُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَحَدُ وَرَثَتِهِ ، وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهَا - فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ مِنْ الْأَجْرِ وَالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ حَصَلَ فِيمَا لَا حَقَّ فِيهِ لِغُرَمَائِهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ الَّتِي تُوجَدُ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَحَقَّ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُمْكِنُ إيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ [ أَلَا تَرَى ] أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ الْمَرِيضُ مِنْ صَاحِبِ الْبَذْرِ أَرْضَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ عِوَضًا بِمُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي صِحَّتِهِ سَوَاءٌ ، فَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَهَا مُزَارَعَةً بِجُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الْخَارِجِ وَفِي تَصَرُّفِهِ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَهُوَ سَلَامَةُ مِقْدَارِ الْمَشْرُوطِ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ لَهُمْ ، وَلَوْلَا عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ مَا سَلِمَ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وَكَانَ عَمَلُ الْعَامِلِ فِي الْأَرْضِ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَسَمَّى لِلْعَامِلِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْخَارِجِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَرِيضِ ، وَلَا مَالَ غَيْرُ الْأَرْضِ وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الزَّرْعِ يَوْمَ خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ كَمْ يُسَاوِي تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ ؟ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ أَجْرِ الْأَرْضِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ صَارَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ

وَأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلِلْمُزَارِعِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْخَارِجِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ حِينَ خَرَجَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْمُزَارِعِ فَقَامَ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ صَارَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا - أَخَذَ الزَّارِعُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْخَارِجِ أَجْرَ مِثْلِهِ وَثُلُثَ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَتِهِ ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمُزَارِعُ بِإِيجَابِهِ شَرِيكًا فِي الْخَارِجِ حِينَ ثَبَتَ الْخَارِجُ ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ مَا نَبَتَ مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ تُمْكِنْ فِي تَصَرُّفِهِ مُحَابَاةٌ فَيُقَدَّرَ .
ثُمَّ مِلْكُ الْمُزَارِعِ فِي نَصِيبِهِ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكٍ صَحِيحٍ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ حِينَ نَبَتَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى مِقْدَارِ أَجْرِ الْمِثْلِ مُحَابَاةٌ لَهُ وَالْمُحَابَاةُ لَا تُسَلَّمُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ ، فَبَقِيَ الثَّابِتُ كُلُّهُ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّ الْمَرِيضِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ فَلَا يَسْلَمُ لِلْمُزَارِعِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ إلَّا مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْمَشْرُوطِ لَهُ يَكُونُ وَصِيَّةً فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ؛ فَيُحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ عَمَلَ الْمُزَارِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَبِالْعَقْدِ يَتَقَوَّمُ بِمِقْدَارِ أَجْرِ الْمِثْلِ ، وَلَا وَصِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَشْرُوطِ لَهُ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَرِيضُ أَجِيرًا لِعَمَلٍ آخَرَ لَهُ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اسْتَأْجَرَهُ بِمَا كَانَ حَاصِلًا لَهُ لَا بِعَمَلِهِ ، وَهُنَا اسْتَأْجَرَهُ

بِمَالٍ يَحْصُلُ أَوْ يَزْدَادُ بِعَمَلِهِ .
وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ حِينَ يَصِيرُ لِلزَّرْعِ قِيمَةٌ لَا حِينَ نَبَتَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُمَلَّكًا مِنْهُ نَصِيبَهُ بِعِوَضٍ ، وَالتَّمْلِيكُ إنَّمَا يَجُوزُ فِي الزَّرْعِ بَعْدَ مَا يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا كَالتَّمْلِيكِ بِالْبَيْعِ ، وَهُوَ وَإِنْ صَارَ شَرِيكًا فِيمَا نَبَتَ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِيمَةِ نَصِيبِهِ لِيُقَابِلَ ذَلِكَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ، وَمَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُ أَحْوَالِ إمْكَانِ التَّقَوُّمِ فِيهِ ، كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْجَنِينِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ يَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُعْتَبَرًا بِمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ .
قَالَ : وَإِنَّمَا هَذَا مِثْلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ فِي مَرَضِهِ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ سَنَتَهُ بِجَارِيَةٍ لَهُ بِعَيْنِهَا لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ، وَخَدَمَهُ الرَّجُلُ السَّنَةَ كُلَّهَا وَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَزَادَتْ فِي بَدَنِهَا ، ثُمَّ صَارَتْ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الرَّجُلِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ وَقَبَضَهَا الْأَجِيرُ مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِهِ أَوْ أَقَلَّ كَانَتْ لَهُ بِزِيَادَتِهَا لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةَ فِيهَا وَلَا وَصِيَّةَ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا وَقْتَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمئِذٍ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَى الْأَجْرَ مِنْهَا مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِهِ وَثُلُثَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَصِيَّةً لَهُ وَيَرُدُّ قِيمَةَ الْبَقِيَّةِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهَا مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْمُحَابَاةِ فَلَا تَكُونُ سَالِمَةً لِلْأَجِيرِ ، وَتَبْقَى مَوْقُوفَةً عَلَى حَقِّ الْمَرِيضِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً ، فَلَا يَسْلَمُ لِلْأَجِيرِ مِنْهَا إلَّا مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ

وَثُلُثُ التَّرِكَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ، وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ ، إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا يَمْلِكُهَا فَرَدَّ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ سَبَبٍ فَاسِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ عَيْنَهَا مَعَ الزِّيَادَةِ .
قُلْنَا : لَا كَذَلِكَ بَلْ كَانَ السَّبَبُ صَحِيحًا يَوْمئِذٍ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ نُفُوذِهِ يَكُونُ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ ، ثُمَّ يُنْقَضُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا يَتَعَذَّرُ تَنْفِيذُهُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّقْضِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِرَدِّ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي رَدِّ الْعَيْنِ إلَّا ضَرَرُ التَّبْعِيضِ عَلَى الْأَجِيرِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي تَحَوُّلِ حَقِّهِمْ إلَى الْقِيمَةِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ وَارِثَ الْمَرِيضِ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } .
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ نَصِيبِهِ أَجْرَ مِثْلِ الْمُزَارِعِ أَوْ أَقَلَّ حِينَ نَبَتَ الزَّرْعُ وَصَارَتْ لَهُ قِيمَةٌ - فَجَمِيعُ الْمَشْرُوطِ سَالِمٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ حِينَ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِيرَاثٌ عَنْ الْمَيِّتِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ أَجْنَبِيًّا وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ كَانَ الْمُزَارِعُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْحِصَّةِ فِي الزَّرْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قِيمَةِ حِصَّتِهِ حِينَ صَارَ مُتَقَوِّمًا زِيَادَةٌ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ فَقَدْ صَحَّ تَسْمِيَةُ حِصَّتِهِ لَهُ فِي الْكُلِّ ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ زِيَادَةً عَلَى مِلْكِهِ ، إلَّا أَنَّ عَيْنَ ذَلِكَ لَا تَسْلَمُ لَهُ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ

الدَّيْنِ إلَّا بَائِعًا اشْتَرَى مِنْهُ مَا تَكُونُ مَالِيَّتُهُ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَا يُخْرِجُهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِهِ ، وَلَكِنْ لَمَّا ثَبَتَ حَقُّهُ بِسَبَبٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ كَانَ هُوَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي الْخَارِجِ بِمِقْدَارِ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ حِينَ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ وَصِيَّةً لَهُ وَلَا وَصِيَّةَ مَعَ الدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْجَارِيَةِ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ ، بَيْنَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا حِينَ قَبَضَهَا مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِهِ فِي خِدْمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا تُشْبِهُ الْمُزَارَعَةُ فِي هَذَا الْمُضَارَبَةَ ؛ فَإِنَّ الْمَرِيضَ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّبْحِ وَرَبِحَ عَشَرَةَ آلَافٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ وَأَجْرُ مِثْلِ الْمُضَارِبِ فِي عَمَلِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يَأْخُذُونَ رَأْسَ الْمَالِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ رَأْسُ الْمَالِ قَدْ رَجَعَ إلَى وَرَثَتِهِ ، وَالرِّبْحُ بِمَالٍ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ .
[ أَلَا تَرَى ] أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ أَقْرِضَ الْمَالُ مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا ؟ فَفِي اشْتِرَاطِهِ بَعْضَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةٌ لِغُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ .
وَالْبَذْرُ فِي الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ يَرْجِعُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَكُونُ جَمِيعُ الْخَارِجِ بَيْنَهُمَا ؛ فَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ

الْبَذْرِ رَأْسُ مَالِهِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا لَكُنَّا نُجَوِّزُ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا نُجَوِّزُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ الْبَذْرِ وَيُقَابَلَ ذَلِكَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْخَارِجِ .
قُلْنَا : إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ مَا يُوجِبُهُ لِلْمُزَارِعِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْبَذْرِ إنَّمَا يُوجِبُ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْخَارِجِ ؛ فَلِهَذَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ مَا يُوجِبُهُ لَهُ وَإِلَى أَجْرِ مِثْلِهِ .

وَإِذَا دَفَعَ الصَّحِيحُ إلَى مَرِيضٍ أَرْضًا لَهُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِبَذْرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَزَرَعَهَا الْمَرِيضُ بِبَذْرِهِ مِنْ قِبَلِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَخْرَجَتْ زَرْعًا كَثِيرًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ يَوْمَ صَارَ الزَّرْعُ مُتَقَوِّمًا ، كَمْ قِيمَتُهُ ؟ لِأَنَّ الْمَرِيضَ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ هُنَا بِمَا أَوْجَبَ لِصَاحِبِهَا مِنْ الْحِصَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ يَوْمَئِذٍ مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ فِيهَا وَلَا مُحَابَاةَ ، وَقَدْ تَمَّ مِلْكُ رَبِّ الْأَرْضِ فِي نَصِيبِهِ ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ حَادِثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِنَصِيبِهِ بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ فِي يَدٍ أَمِينَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ أَمِينٌ فِي نَصِيبِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ نُظِرَ إلَى حِصَّتِهِ يَوْمَ تَقَعُ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ هُنَا بِطَرِيقِ الْمُحَابَاةِ فَيَثْبُتُ حَقُّ الْمَرِيضِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الزِّيَادَةِ ، فَإِنَّمَا يُعْطَى رَبُّ الْأَرْضِ مِنْهَا مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِ أَرْضِهِ ، وَثُلُثُ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا بَقِيَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ أَحَدَ وَرَثَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ أَجْرِ مِثْلِهِ مِنْ الْخَارِجِ يَوْمَ تَقَعُ الْقِسْمَةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَتَمَكَّنُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ .
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يُدْخِلْ فِي مِلْكِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَ مَا أَوْجَبَهُ لَهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ فَيَبْطُلُ تَخْصِيصُهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ ،

وَيَكُونُ هُوَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ بِمَا ثَبَتَ لَهُ .
وَلَوْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِحَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَيَكُونُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ غَرِيمِ الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ حَقُّهُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ ، إلَّا أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ مَا لَمْ يُقْضَ الدَّيْنُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا بِإِقْرَارِهِ فِي الْمَرَضِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ الْوَصِيَّةِ .
[ أَلَا تَرَى ] أَنَّ الدَّيْنَ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَصِيَّةَ مِنْ الثُّلُثِ ؟ .

وَإِذَا دَفَعَ الْمَرِيضُ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَقَامَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ وَلَقَّحَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى أَثْمَرَ ثُمَّ مَاتَ رَبُّ النَّخِيلِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ النَّخِيلِ وَثَمَرِهِ - فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الثَّمَرِ يَوْمَ طَلَعَ مِنْ النَّخْلِ وَصَارَ كُفُرَّى وَصَارَتْ لَهُ قِيمَةٌ ، فَإِنْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ مِثْلَ أَجْرِ الْعَامِلِ أَوْ أَقَلَّ فَلِلْعَامِلِ نِصْفُ الثَّمَرِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ نُظِرَ إلَى مِقْدَارِ أَجْرِ مِثْلِ الْعَامِلِ يَوْمَ تَقَعُ الْقِسْمَةُ فَيُعْطَى الْعَامِلُ ذَلِكَ ، وَثُلُثُ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا بَقِيَ مِنْ حِصَّتِهِ وَصِيَّةٌ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرِيضَ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِمَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الثَّمَرِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الثَّمَرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا حِينَ تَصِيرُ لَهَا قِيمَةٌ ؛ فَلِهَذَا يَعْتَبِرُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ : فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ النِّصْفِ مِنْ الْكُفَرَّى حِينَ طَلَعَتْ مِثْلَ أَجْرِهِ ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِنِصْفِ جَمِيعِ التَّمْرِ لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةَ هُنَا وَلَا وَصِيَّةَ ، فَتَكُونَ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً عَلَى مِلْكٍ تَامٍّ لَهُ إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَهُ إيَّاهُ بِقَضَاءِ حَقِّهِ يَبْطُلُ ، فَيَكُونُ هُوَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ بِنِصْفِ جَمِيعِ التَّمْرِ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ نِصْفِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ ضَرَبَ مَعَهُمْ فِي التَّرِكَةِ بِمِقْدَارِ أَجْرِ مِثْلِهِ لِتَمَكُّنِ الْوَصِيَّةِ هُنَا بِطَرِيقِ الْمُحَابَاةِ .

وَلَوْ دَفَعَ الصَّحِيحُ إلَى الْمَرِيضِ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ فَقَامَ عَلَيْهِ الْمَرِيضُ بِأُجَرَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَقَاهُ وَلَقَّحَهُ حَتَّى صَارَ تَمْرًا ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَرَبُّ النَّخْلِ مِنْ وَرَثَتِهِ ، وَأَجْرُ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ - فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا شَرَطَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا تَصَرَّفَ هُنَا فِيمَا لَا حَقَّ فِيهِ لِغُرَمَائِهِ وَلِوَرَثَتِهِ وَهُوَ مَنَافِعُ بَدَنِهِ .
[ أَلَا تَرَى ] أَنَّهُ لَوْ أَعَانَهُ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ وَلَمْ يَشْرِطْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا مِنْهُ ؟ فَفِي اشْتِرَاطِهِ جُزْءًا مِنْ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ - وَإِنْ قَلَّ - مَنْفَعَةُ غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ الْمَرِيضُ إلَى رَجُلٍ زَرْعًا لَهُ فِي أَرْضٍ لَمْ يُسْتَحْصَدْ ، أَوْ كُفُرَّى فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ ، أَوْ ثَمَرًا فِي شَجَرٍ حِينَ طَلَعَ وَلَكِنَّهُ أَخْضَرُ ، وَلَمْ يَبْلُغْ بَعْدُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ بِالنِّصْفِ فَقَامَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ حَتَّى بَلَغَ ثُمَّ مَاتَ صَاحِبُ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا غَيْرَهُ - فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حِصَّةِ الْعَامِلِ يَوْمَ قَامَ عَلَيْهِ فَزَادَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ شَرِيكًا عِنْدَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ إيجَابُ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ ، وَأَوَّلُ أَحْوَالِ ذَلِكَ حِينَ تَظْهَرُ زِيَادَةٌ مِنْ عَمَلِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ كَانَ لَهُ مِنْ حِصَّتِهِ مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ وَثُلُثُ التَّرِكَةِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدَ وَرَثَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَتِهِ وَكَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ ضَرَبَ الْعَامِلُ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعَ الْغُرَمَاءِ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ، وَهَذَا فِي التَّخْرِيجِ وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ سَوَاءٌ .

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْمَرِيضُ رَجُلًا يَخْدُمُهُ هَذِهِ السَّنَةَ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَمَّا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَخْدُمْهُ حَتَّى زَادَتْ الْأَمَةُ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مِثْلَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَجِيرِ فَخَدَمَهُ السَّنَةَ كُلَّهَا ، وَدَفَعَ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْأَجِيرِ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا - فَلِلْأَجِيرِ مِنْ الْجَارِيَةِ وَأَوْلَادِهَا مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ وَالثُّلُثُ مِمَّا يَبْقَى بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ، فَمَا زَادَ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمَرِيضِ ، وَتُجْعَلُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَالْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَتَمَكَّنُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ حِينَ سَلَّمَ الْجَارِيَةَ إلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْخِدْمَةِ وَحُدُوثِ الزِّيَادَةِ ؛ فَإِنَّمَا السَّالِمُ لَهُ مِنْهَا وَمِنْ أَوْلَادِهَا مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ عِوَضًا عَنْ الْخِدْمَةِ ، وَالثُّلُثُ مِمَّا يَبْقَى بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ أُعْطِيَ وَصِيَّةً مِنْ الْجَارِيَةِ .
فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لَهُ مِنْ أَوْلَادِهَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْجَارِيَةَ أَصْلٌ وَالْأَوْلَادَ تَبَعٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْوَصَايَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُقَالُ لَهُ : أَدِّ قِيمَةَ مَا بَقِيَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، وَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَوَلَدَهَا وَيَكُونُ لَك أَجْرُ مِثْلِك فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ عَيْبُ التَّبْعِيضِ ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَيَكُونَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ ، وَلَكِنْ إذَا رَدَّهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ بِالرَّدِّ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّهَا أَعْطَى الْوَرَثَةَ قِيمَةَ مَا بَقِيَ لِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ ، وَبِرَدِّ الْقِيمَةِ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُمْ ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ فِي الرَّدِّ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا

وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهَا فَيَكُونَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حِينَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ دَفَعَهَا الْمَرِيضُ إلَى الْأَجِيرِ فَلَمْ يَخْدُمْ الْأَجِيرُ حَتَّى زَادَتْ فِي يَدِهِ وَصَارَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ ثُمَّ خَدَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَمَّتْ السَّنَةُ ، وَمَاتَ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا غَيْرَهَا وَقَدْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْلَادًا - فَالْجَارِيَةُ وَجَمِيعُ أَوْلَادِهَا لِلْأَجِيرِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ قَدْ مَلَكَهَا وَلَيْسَ فِيهَا فَضْلٌ فَتَمَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِهَا لِانْعِدَامِ الْمُحَابَاةِ ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكٍ تَامٍّ لَهُ فَيَكُونُ سَالِمًا لَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَجِيرُ أَحَدَ وَرَثَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدًا أَوْ زَوْجَةً فَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَوَلَدَهَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ مِيرَاثًا ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى الْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَسْتَوْجِبُونَ الْأَجْرَ بِهَذَا الْعَقْدِ فَتَثْبُتُ هِيَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا مَعَ الزِّيَادَةِ ، بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا دَيْنًا بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَرَثَتِهِ وَكَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَا فَضْلَ فِيهَا عَنْ أَجْرِ مِثْلِهِ يَوْمَ قَبَضَهَا الْأَجِيرُ قُسِّمَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَهُ ، وَيَضْرِبُ فِي ذَلِكَ الْأَجِيرُ بِقِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةٌ فِي تَصَرُّفِهِ هُنَا ؛ وَلَكِنْ فِيهِ تَخْصِيصُ الْأَجِيرِ بِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ وَذَلِكَ يُرَدُّ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ عَلَى مِلْكٍ صَحِيحٍ لَهُ ؛ فَلِهَذَا ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا ، فَمَا أَصَابَهُ كَانَ لَهُ فِي الْجَارِيَةِ ، وَمَا أَصَابَ الْغُرَمَاءَ قِيلَ لَهُ : أَدِّ قِيمَةَ ذَلِكَ إلَى الْغُرَمَاءِ

دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ ، وَبِأَدَاءِ الْقِيمَةِ يَصِلُ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا فَقُسِّمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ ، يَضْرِبُ الْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ وَيَضْرِبُ الْأَجِيرُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَبَى ذَلِكَ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِسَبَبِ عَيْبِ التَّبْعِيضِ أَوْ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ زِيَادَةِ مَالٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَرُدَّتْ بِالْعَيْبِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَتَبْقَى الْمَنْفَعَةُ مُسْتَوْفَاةً بِحُكْمِ عَقْدٍ قَدْ انْفَسَخَ فَيَكُونُ رُجُوعُهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ؛ فَلِهَذَا يَضْرِبُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ .
وَفِي هَذَا نَوْعُ إشْكَالٍ : فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْمِلْكِ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَيَبْقَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَكِنْ يَغْرَمُ لِلْغُرَمَاءِ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : الزِّيَادَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا لَمْ يَجِبْ رَدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ بِغَيْرِ عِوَضٍ بَعْدَ رَدِّ الْأَصْلِ ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ هُنَا ، فَإِنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ ثَابِتٌ فِي الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُمْ فِيهِ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ السَّبَبِ وَخُلُوِّهِ عَنْ الْمُحَابَاةِ - فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ بِبُطْلَانِ تَخْصِيصِ الْأَجِيرِ بِإِيفَاءِ حَقِّهِ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِمْ .
وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا الْأَجِيرُ فَضْلٌ عَنْ أَجْرِ مِثْلِهِ ، وَكَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ مِثْلَ أَجْرِ الْأَجِيرِ إلَّا أَنَّ الْأَجِيرَ لَمْ يَخْدُمْ الْمَرِيضَ حِينَ قَبَضَ الْجَارِيَةَ يَضْرِبُ الْأَجِيرُ فِي الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا بِمِقْدَارِ أَجْرِ مِثْلِهِ ، فَمَا أَصَابَهُ كَانَ لَهُ فِي الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَقِيلَ لَهُ : أَدِّ قِيمَةَ مَا أَصَابَ الْغُرَمَاءُ ، فَإِنْ

أَبَى بِيعَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا وَاقْتَسَمُوا الثَّمَنَ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَجِيرُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا بِالْقَبْضِ ، وَعِنْدَ الْقَبْضِ لَمَّا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ بَقِيَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى حَقِّ الْمَرِيضِ لِتَمَكُّنِ الْوَصِيَّةِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْمُحَابَاةِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَا قَالَ .

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ رَجُلًا يَخْدُمُهُ بِجَارِيَةٍ قِيمَتُهَا ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَجْرُ مِثْلِ الْأَجِيرِ فِي خِدْمَتِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ؛ فَخَدَمَهُ الْأَجِيرُ حَتَّى أَتَمَّ الْخِدْمَةَ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا - فَالْأَجِيرُ بِالْخِيَارِ : إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا وَأَعْطَى الْوَرَثَةَ أَرْبَعَةَ أَتْسَاعِ قِيمَتِهَا ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ وَرَدَّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ حَابَى بِقَدْرِ ثُلُثَيْهَا حِينَ كَانَ أَجْرُ مِثْلِهِ مِثْلَ قِيمَةِ ثُلُثِهَا ، وَالْمُحَابَاةُ وَصِيَّةٌ فَلَا تَنْفُذُ إلَّا فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ ، فَاحْتَجْنَا إلَى حِسَابٍ لِثُلُثَيْهِ ثُلُثٌ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ ، فَثُلُثُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ يَسْلَمُ لَهُ ، وَمِنْ الثُّلُثَيْنِ يَسْلَمُ لَهُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ، وَعَلَيْهِ إزَالَةُ الْمُحَابَاةِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَتْسَاعِ قِيمَتِهَا ، فَإِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَلَ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَالُ حَقِّهِمْ ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ فِي الْعَقْدِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ نَقَضَ الْإِجَارَةَ وَرَدَّهَا كَانَ لَهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ أَجْرُ مِثْلِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَتُبَاعُ الْجَارِيَةُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ حِينَ اخْتَارَ نَقْضَ الْعَقْدِ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا وَصَفْتُ لَكَ قَبْلَهُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ إذَا كَانَ فِيهَا مُحَابَاةٌ ، فَإِنَّ هُنَاكَ إنَّمَا يَسْلَمُ لَهُ مِقْدَارُ أَجْرِ مِثْلِهِ وَالثُّلُثُ مِمَّا يَبْقَى بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ .
وَإِذَا قَالَ : أُعْطِي قِيمَةَ الْفَضْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ فَلَا يَتَضَرَّرُ هُوَ بِرَدِّ الْفَضْلِ عَلَى الْوَرَثَةِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ حَقَّ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ .
وَلَوْ كَانَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَجِيرِ يَوْمَ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ

الْمَرِيضُ الْجَارِيَةَ ، وَخَدَمَهُ الْأَجِيرِ جَمِيعَ السَّنَةِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ ، وَقَدْ زَادَتْ الْجَارِيَةُ فِي بَدَنِهَا أَوْ فِي السِّعْرِ أَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْأَجِيرِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ بَعْدَ مَا كَمُلَتْ السَّنَةُ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَكْمُلَ ، وَعَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ كَثِيرٌ - فَإِنَّ الْجَارِيَةَ بِزِيَادَتِهَا وَوَلَدِهَا بَيْنَهُمْ ، يَضْرِبُ الْأَجِيرُ فِي ذَلِكَ بِقِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ ، وَتَضْرِبُ الْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةَ هُنَا فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لِلْأَجِيرِ ، إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَرِيضِ إيَّاهُ بِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ يُرَدُّ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ فَلِهَذَا ضَرَبَ هُوَ بِقِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ فَمَا أَصَابَ الْأَجِيرُ كَانَ لَهُ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي عَيْنهَا ، وَمَا أَصَابَ الْغُرَمَاءُ قِيلَ لِلْأَجِيرِ : أَدِّ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ إلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ ، فَإِنْ أَبَى أُخِذَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا وَبِيعَا فَضَرَبَ الْأَجِيرُ فِي الثَّمَنِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ حِينَ أُخِذَتْ مِنْ يَدِهِ وَانْتُقِضَ قَبْضُهُ فِيهَا بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى قَبْضِهِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَلِدْ وَلَكِنَّهَا نَقَصَتْ فِي السِّعْرِ عِنْدَ الْأَجِيرِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ فِي نُقْصَانِهَا ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ فُتُورُ رَغَائِبِ النَّاسِ فِيهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَيَضْرِبُ الْغُرَمَاءُ فِي الْجَارِيَةِ بِدَيْنِهِمْ وَالْأَجِيرُ بِقِيمَتِهَا وَهِيَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ الْأَجِيرَ بِقَضَاءِ حَقِّهِ مَرْدُودٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْأَجِيرُ فَهُوَ لَهُ مِنْ عَيْنِهَا ، وَمَا أَصَابَ الْغُرَمَاءُ قِيلَ لِلْأَجِيرِ : أَعْطِهِمْ قِيمَةَ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ ، فَإِنْ أَبَى بِيعَتْ الْجَارِيَةُ

وَضَرَبَ الْأَجِيرُ فِي ثَمَنِهَا بِأَجْرِ مِثْلِهِ ثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ بِانْتِقَاضِ قَبْضِهِ فِيهَا ، فَإِنَّمَا يَضْرِبُ هُوَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَهُنَاكَ لَمْ يُنْتَقَضْ قَبْضُهُ فِيهَا فَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِقِيمَتِهَا لِذَلِكَ ، وَإِنْ نَقَصَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا الْأَجِيرُ وَهِيَ ثَلَثُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ ، فَمَا أَصَابَ الْغُرَمَاءُ ضَمِنَهُ لَهُمْ الْأَجِيرُ فِي مَالِهِ وَتَسْلَمُ لَهُ الْجَارِيَةُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ يَوْمَ قَبَضَهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَقَدْ تَعَيَّبَتْ فِي يَدِهِ بِالنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي بَدَنِهَا فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَرُدَّهَا لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ ، وَلَكِنْ يَغْرَمُ لِلْغُرَمَاءِ حِصَّتَهُمْ فِي مَالِيَّتِهَا يَوْمَ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ الْمَرِيضُ نَخْلًا لَهُ مُعَامَلَةً إلَى رَجُلٍ بِالنِّصْفِ فَأَخْرَجَ النَّخْلُ كُفُرَّى يَكُونُ نِصْفُهُ مِثْلَ أَجْرِ الْعَامِلِ أَوْ أَقَلَّ فَقَامَ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ حَتَّى صَارَ تَمْرًا يُسَاوِي مَالًا عَظِيمًا ، ثُمَّ صَارَ حَشَفًا قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْكُفُرَّى يَوْمَ خَرَجَ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ - فَإِنَّ مَالَهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَالْعَامِلِ ، يَضْرِبُ فِيهِ الْعَامِلُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْحَشَفِ فَقَطْ ، فَمَا أَصَابَهُ كَانَ لَهُ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الْحَشَفِ ، وَمَا أَصَابَ الْغُرَمَاءَ بِيعَ لَهُمْ فِي دَيْنِهِمْ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ بِالنُّقْصَانِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِي الْخَارِجِ ، فَالزِّيَادَةُ إنَّمَا حَصَلَتْ فِي عَيْنٍ هِيَ أَمَانَةٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَتَلِفَتْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا لِأَحَدٍ ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ، وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي وَلَدَتْ فِي يَدِ الْأَجِيرِ أَوْ مَاتَ أَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَضْمَنْهُ الْأَجِيرُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَهَلَكَتْ كَذَلِكَ فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ ضَامِنًا لِلْأَصْلِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - كَانَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الْحَشَفِ وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا صَارَ مِنْ ذَلِكَ حَشَفًا ، لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْكُلُّ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعَامِلِ لَمْ يَضْمَنْ لَهُمْ شَيْئًا ، فَإِذَا صَارَ حَشَفًا أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ لَهُمْ النُّقْصَانَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

[ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَرْضٍ لَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً هَذِهِ السَّنَةَ فَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ - فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حِينَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ الْخَارِجِ فَقَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِيهِ إلَى رَأْيِهِ ، فَبِأَيِّ مِقْدَارٍ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً كَانَ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ مُحَصِّلًا لِمَقْصُودِهِ ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِشَيْءٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ حَابَى فِيهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ عِنْدَهُمْ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ ، فَإِنْ زَرَعَهَا الْمُزَارِعُ فَخَرَجَ الزَّرْعُ فَهُوَ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْوَكِيلِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، لَا شَيْءَ مِنْهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا مُخَالِفًا ، وَغَاصِبُ الْأَرْضِ إذَا دَفَعَهَا مُزَارَعَةً كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - إنْ شَاءَ الْوَكِيلَ ، وَإِنْ شَاءَ الْمُزَارِعَ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُزَارِعَ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِهِ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ يُضَمِّنُ الْمُزَارِعَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ .
فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَغَاصِبٌ وَالْعَقَارُ عِنْدَهُ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُزَارِعُ عَلَى الْوَكِيلِ لِلْغَرُورِ ، فَإِنْ كَانَ حَابَى فِيهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَالْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الشَّرْطِ ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ نَصِيبَ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَجَّرَ الْأَرْضَ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ نَصِيبُ رَبِّ الْأَرْضِ بِعَقْدِهِ فَهُوَ الَّذِي يَلِي قَبْضَهُ ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْبِضَهُ إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْ الْوَكِيلِ ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ أَمَرَ الْوَكِيلَ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً وَلَمْ يُسَمِّ

سَنَةً وَلَا غَيْرَهَا جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً سَنَتَهُ الْأُولَى ، فَإِنْ دَفَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَمْ يَدْفَعْهَا هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَجُزْ فِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَفِي أَيِّ سَنَةٍ دَفَعَهَا وَفِي أَيِّ مُدَّةٍ دَفَعَهَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُخَالِفًا لِمَا أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِهِ ، فَجَازَ كَالْوَكِيلِ بِإِجَارَةِ الدُّورِ وَالرَّقِيقِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ دَفْعُ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً يَكُونُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ السَّنَةِ عَادَةً ، وَالتَّقْيِيدُ الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ فِي الْوَكَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ ، فَإِذَا دَخَلَهُ التَّقْيِيدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى ، كَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي الْأُضْحِيَّةَ يَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى ، بِخِلَافِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالرَّقِيقِ فَإِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ عُرْفًا ، فَرَاعَى فِيهَا مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ ، إنَّمَا الْمُزَارَعَةُ نَظِيرُ التَّوْكِيلِ بِإِكْرَاءِ الْإِبِلِ إلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ عُرْفًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى خَاصَّةً .
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ كَانَ هَذَا أَيْضًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِئْجَارِ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ ، وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ كَالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، فَإِنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَلِي قَبْضَ حِصَّتِهِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَبْضُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُنَا مَا اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ بَلْ بِكَوْنِهِ نَمَاءَ بَذْرِهِ ، فَإِنْ دَفَعَهَا الْوَكِيلُ

بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِلَافِ صَارَ غَاصِبًا لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِ ذَلِكَ الْبَذْرِ لِلْمُوَكِّلِ ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ بِالزِّرَاعَةِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ النُّقْصَانَ أَيَّهمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ مُتْلِفٌ وَالْوَكِيلَ غَاصِبٌ ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُزَارِعُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لِلْغَرُورِ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ الزَّارِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا صَارَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ يَأْخُذُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ ، وَبَذْرًا مِثْلَ الَّذِي غَرِمَ ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ تَمَكَّنَ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ حِينَ صَارَ كَالْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهَا لِلْوَكِيلِ مُزَارَعَةً هُنَا أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا ، فَإِنْ دَفَعَهَا بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ السَّنَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .

وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَأْخُذَ لَهُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُوَكِّلِ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَإِنْ أَخَذَهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ وَيَزْرَعَهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالِاسْتِئْجَارِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ .
وَزِرَاعَةُ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا صَنَعَ الْوَكِيلُ دَلِيلُ الرِّضَا بِهِ فَهُوَ كَصَرِيحِ الرِّضَا ، فَإِنْ زَرَعَهَا الْمُوَكِّلُ فَحَصَلَ الْخَارِجُ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِحِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ يَسْتَوْفِيهِ مِنْهُ الْمُوَكِّلِ فَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي شَرَطَ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَخَذَ ذَلِكَ رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ الْمُوَكِّلِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْوَكِيلِ بَرِئَ الْوَكِيلُ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ أَخَذَهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَهُوَ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ حَتَّى زَرَعَهَا الْمُوَكِّلُ ، وَقَدْ أَمَرَهُ الْوَكِيلُ بِزِرَاعَتِهَا كَانَ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ مِمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ اسْتَأْجَرَهَا بِمَا سَمَّى مِنْ الْخَارِجِ وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُوَكِّلُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْوَكِيلِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ مِمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِزِرَاعَتِهَا وَقَدْ كَانَ اسْتِئْجَارُهُ نَافِذًا عَلَيْهِ فَالْتَحَقَتْ هَذِهِ بِأَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ شَيْئًا .
وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِزِرَاعَتِهَا وَلَمْ

يُخْبِرْهُ بِمَا أَخَذَهَا بِهِ فَالْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ ، وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهِ ، وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْوَكِيلِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الزَّارِعَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ حِينَ زَرَعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَكِيلِ .
وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَغَصَبَهَا غَاصِبٌ وَزَرَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُهَا ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
فَإِنَّ هُنَاكَ الْوَكِيلُ أَمَرَ الزَّارِعَ بِزَرْعِهَا فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ زَرَعَهَا بِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِهَا لِصَاحِبِهَا ، ثُمَّ عَلَى الزَّارِعِ هُنَا نُقْصَانُ الْأَرْضِ لِرَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ زَرَعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَغُرَّهُ بَلْ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ حِينَ لَمْ يَسْأَلْ الْوَكِيلَ وَلَمْ يَسْتَكْشِفْ حَقِيقَةَ الْحَالِ ، وَيَتَصَدَّقُ الزَّارِعُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ رَبَّى زَرْعَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ ، وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ لِلْوَكِيلِ هُنَا فَهُوَ عَلَى أَوَّلِ سَنَةٍ وَأَوَّلِ زِرَاعَةٍ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ لَهُ أَرْضَ فُلَانٍ وَبَذْرًا مُزَارَعَةً فَإِنْ أَخَذَهَا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ بِكَوْنِهِ نَمَاءَ بَذْرِهِ لَا بِشَرْطِ الْوَكِيلِ لَهُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ أَخَذَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَهُ ، وَذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ ، فَإِنْ عَمِلَ الْمُزَارِعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فَحَصَلَ الْخَارِجُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ أَخَذَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ قِلَّةِ حِصَّةِ الْمُزَارِعِ وَأَمَرَ الْمُزَارِعَ فَعَمِلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لَهُ - فَالْمُزَارِعُ

مُتَطَوِّعٌ فِي عَمَلِهِ فِي الْقِيَاسِ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُوَكِّلِ مُعِينًا فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَبَقِيَ الْمُوَكِّلُ بِالْغَبْنِ ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، وَالضَّرَرُ هُنَا فِي امْتِنَاعِ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَإِنْ قَلَّ ذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْعَبْدِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ وَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يُسَمِّ لِلْوَكِيلِ الْوَقْتَ فَهُوَ عَلَى أَوَّلِ سَنَةٍ وَزِرَاعَةٍ اسْتِحْسَانًا ، فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ ثُمَّ أَخَذَ لَمْ يُجْبَرْ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْعَمَلِ ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَعَمِلَ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَذَ أَرْضًا وَبَذْرًا لِيَزْرَعَهَا .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ نَخْلًا وَوَكَّلَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهَا مُعَامَلَةً هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ وَقْتًا - فَهَذَا عَلَى أَوَّلِ سَنَةٍ لِلْعُرْفِ ، فَإِنْ دَفَعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَصَاحِبُ النَّخْلِ هُوَ الَّذِي قَبَضَ نَصِيبَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمْرَ بِمِلْكِهِ النَّخْلَ لَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ فَإِنْ دَفَعَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِاسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَقَدْ حَصَلَ الْخَارِجُ وَاسْتَحَقَّهُ رَبُّ النَّخْلِ فَيَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ نَخْلًا بِعَيْنِهِ فَأَخَذَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ عَلَى الشَّرْطِ ، وَصَاحِبُ النَّخْلِ هُوَ الَّذِي يَلِي قَبْضَ نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِسَبَبِ تَوَلُّدِهِ مِنْ نَخْلِهِ ، وَإِنْ أَخَذَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ قِلَّةِ نَصِيبِ الْعَامِلِ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ، فَإِنْ عَمِلَهُ وَقَدْ عَلِمَ نَصِيبَهُ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَانَ لَهُ نَصِيبُهُ الَّذِي سَمَّى لَهُ ، أَمَّا إذَا عَلِمَ بِهِ فَلِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا مِنْهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَمَلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْعَامِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ شَيْئًا .
وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ نَخْلًا مُعَامَلَةً أَوْ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْمُسْتَتِمَّةِ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّخْلِ وَالْأَرَاضِي عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوقَفَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ .
وَإِذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ

أَرْضَهُ مُزَارَعَةً أَوْ أَنْ يَدْفَعَ نَخْلَهُ مُعَامَلَةً إلَى رَجُلٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّجُلَ - جَازَ ، لِأَنَّ دَفْعَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً بِمَنْزِلَةِ إجَارَتِهَا .
وَمَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يُؤَاجِرُهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرَاضِي وَهِيَ مَعْلُومَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَوْفِي ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَةِ مِقْدَارُ الْعَمَلِ قَدْ صَارَ مَعْلُومًا بِبَيَانِ النَّخْلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ هَذِهِ مُزَارَعَةً فَأَعْطَاهَا رَجُلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ سِمْسِمًا أَوْ أُرْزًا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً لِهَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَعَارَفٌ ، فَمُطْلَقُ التَّوْكِيلِ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، وَالْوَكِيلُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ هَذِهِ الْأَرْضَ وَبَذْرًا مَعَهَا مُزَارَعَةً فَأَخَذَهَا مَعَ بَذْرٍ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ - جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ لِيُؤَاجِرَهُ فِي عَمَلِ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ ، فَمُطْلَقُ التَّوْكِيلِ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً فَأَخَذَهَا مِنْ صَاحِبِهَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ شَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ إلَّا مَا شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا امْتَثَلَ أَمْرَهُ كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ أَخَذَ أَرْضًا مُزَارَعَةً لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا غَيْرَ الْحِنْطَةِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ إنَّمَا رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ أَجْرَ أَرْضِهِ الْحِنْطَةُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى غَيْرِهِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ أَرْضًا لَهُ مُزَارَعَةً

هَذِهِ السَّنَةَ فَأَجَّرَهَا لِيَزْرَعَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا بِكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ أَوْ بِكُرٍّ مِنْ شَعِيرٍ وَسَطٍ أَوْ سِمْسِمٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ - فَذَلِكَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ مُخَالِفٌ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُزَارَعَةِ لِيَكُونَ شَرِيكًا فِي الْخَارِجِ وَقَدْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ حِينَ أَجَّرَهَا بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَنْفَعَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً فَلَمْ يَزْرَعْهَا أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ شَيْءٌ ، وَهُنَا تَقَرَّرَ حَقُّ رَبِّ الْأَرْضِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ زِرَاعَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ أَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ آفَةٌ ، وَمَتَى أَتَى الْوَكِيلُ بِجِنْسِ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْآمِرِ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَزْرَعَ مَا بَدَا لَهُ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ غَيْرُ مُفِيدٍ هُنَا فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الدَّفْعِ مُزَارَعَةً .
وَإِنْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُزْرَعُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْجِنْسِ ، فَرَبُّ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً وَذَلِكَ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ ، فَإِذَا أَجَّرَهَا الْوَكِيلُ بِشَيْءٍ لَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ كَانَ مُخَالِفًا فِي جِنْسِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ مُزَارَعَةً فِي الْحِنْطَةِ خَاصَّةً فَأَجَّرَهَا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ جَازَ ، وَيَزْرَعُهَا الْمُزَارِعُ مَا بَدَا لَهُ مِنْ

الزِّرَاعَاتِ مِمَّا يَكُونُ ضَرَرُهُ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلَ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ رَبِّ الْأَرْضِ الْحِنْطَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الضَّرَرِ عَلَى الْأَرْضِ بِهِ ، وَهُوَ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي الْجِنْسِ حِينَ سَمَّى الْآخَرُ كُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ ، وَإِنْ أَجَّرَ بِغَيْرِ الْحِنْطَةِ صَارَ مُخَالِفًا لِلْمُوَكِّلِ فِي جِنْسِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَدَفَعَهَا عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ جَازَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ ، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى اشْتِرَاطِ الثُّلُثِ لَهُ .
فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ إنَّمَا عَنَيْت أَنَّ لِلْمُزَارِعِ الثُّلُثَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه يُخَالِفُ الظَّاهِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ بِالشَّرْطِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَأَجَّرَهَا لِرَجُلٍ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ مُخَالِفٌ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُنَا نَصَّ عَلَى مَا هُوَ مَنَافِعُ أَرْضٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَقَدْ أَجَّرَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ ، ثُمَّ هُنَا نَصَّ عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَالْإِجَارَةُ بِكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ فَكَانَ هَذَا مُخَالَفَةً فِي الْجِنْسِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ ، فَإِنْ زَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ الْخَارِجُ لِلْمُزَارِعِ وَعَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ لِلْمُؤَاجِرِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ صَارَ غَاصِبًا لِلْأَرْضِ ، وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُضَمِّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ : إنْ شَاءَ الْمُزَارِعَ ، وَإِنْ شَاءَ الْوَكِيلَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لِأَنَّ الْوَكِيلَ غَاصِبٌ وَالْمُزَارِعُ مُتْلِفٌ ، فَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُزَارِعُ رَجَعَ بِهَا

عَلَى الْوَكِيلِ لِأَجْلِ الْغَرُورِ ، وَيَأْخُذُ الْمُؤَاجِرُ مِنْ الْكُرِّ الَّذِي أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مَا ضَمِنَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ خَبِيثٌ .
وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَجِّرَهَا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَدَفَعَهَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ أَضَرُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَتَقَرَّرُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْأَجْرِ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ ؛ وَلِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إجَارَةٍ مَحْضَةٍ وَقَدْ أَتَى بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ فَكَانَ مُخَالِفًا ، وَتَفْرِيعُ هَذِهِ كَتَفْرِيعِ الْأُولَى .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً فَاسْتَأْجَرَهَا الْوَكِيلُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ - لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ أَضَرُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ الْكُرَّ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ ، وَهُوَ مَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَهَا لَهُ مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا الْمُزَارِعُ وَيَكُونَ لِلْمُزَارِعِ ثُلُثُ الْخَارِجِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ ثُلُثَاهُ - لَمْ يَجُزْ هَذَا عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ الْمُزَارِعُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ، فَمَا يَصْحَبُهُ حَرْفُ الْبَاءِ يَكُونُ حِصَّتَهُ مِنْ الْخَارِجِ ، وَقَدْ أَتَى بِضِدِّهِ .
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُزَارِعِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ عَمَلُ الْعَامِلِ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ ، فَإِذَا شَرَطَ الثُّلُثَ لَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَ نَخْلَهُ هَذَا مُعَامَلَةً بِالثُّلُثِ

فَدَفَعَهَا عَلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْعَامِلِ - لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ النَّخِيلِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ أَمْرُ رَبِّ النَّخِيلِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى اشْتِرَاطِ الثُّلُثِ لَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ نَخْلَ فُلَانٍ هَذِهِ السَّنَةَ مُعَامَلَةً بِالثُّلُثِ فَأَخَذَهُ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِرَبِّ النَّخْلِ جَازَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الْأَرْضَ هَذِهِ السَّنَةَ وَبَذْرًا مَعَهَا مُزَارَعَةً فَأَخَذَ الْوَكِيلُ الْبَذْرَ وَالْأَرْضَ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ لِلْمُزَارِعِ كُرُّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ - فَهَذَا جَائِزٌ ، كَانَ الْبَذْرُ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ مَا بَاشَرَهُ مِنْ الْعَقْدِ أَنْفَعُ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ ، وَإِنْ شَرَطَ الْآخَرُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ إذَا شَرَطَ لَهُ شَيْئًا مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ إنْ أَجَّرَهُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لَهُ بِالثُّلُثِ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - لَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ هُنَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ ثُلُثَ الْخَارِجِ يَكُونُ مِثْلَ مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا النَّخْلَ مُعَامَلَةً فَأَخَذَهُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلِلْعَامِلِ كُرٌّ مِنْ تَمْرٍ فَارِسِيٍّ عَلَيْهِ - جَازَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ لَهُ أَفْضَلَ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ ، وَهَذَا الْعَقْدُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا .
وَإِنْ كَانَ شَرَطَ لَهُ كُرًّا مِنْ دَقَلٍ جَيِّدٍ نُظِرَ فِي النَّخْلِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَقَلًا جَازَ ، وَإِنْ كَانَ فَارِسِيًّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرَطَ لَهُ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا ، وَذَلِكَ

لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ النَّخْلَ فِي الْمُعَامَلَةِ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُخْرِجُ ذَلِكَ النَّخْلُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ لَهُ نَخْلَ فُلَانٍ مُعَامَلَةً بِالثُّلُثِ فَأَخَذَهُ بِكُرِّ تَمْرٍ فَارِسِيٍّ جَيِّدٍ لَمْ يَلْزَمْ الْعَامِلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الثُّلُثَ أَكْثَرُ مِمَّا شُرِطَ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الثُّلُثَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ أُمِرَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ غَيْرُ الشَّرِكَةِ - قُلْنَا : نَعَمْ .
وَلَكِنَّ الْأَسْبَابَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بِعَيْنِهَا بَلْ بِمَقَاصِدِهَا ، فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنْفَعُ لَهُ ، فَأَمَّا إذَا عَلِمْنَا ذَلِكَ يَقِينًا فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ ؛ فَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

[ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : الْأَصْلُ أَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فِي حُكْمِ الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَلِ وَالْحَطِّ نَظِيرُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ تَصِحُّ حَالَ قِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ ، وَلَا يَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .
وَالْحَطُّ صَحِيحٌ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ إسْقَاطٌ مَحْضٌ ، وَفِي الزِّيَادَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ .
وَإِذَا تَعَاقَدَ الرَّجُلَانِ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ وَعَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ حَتَّى حَصَلَ الْخَارِجُ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنْ نَصِيبِهِ السُّدُسَ وَحَصَلَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْآخَرُ : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ اسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ وَلَمْ يَتَنَاهَى عِظَمُ الْبُسْرِ - جَازَ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَصِحُّ مَا دَامَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَزْدَادُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ أَيْضًا مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ لِصَاحِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِحْصَادِ الزَّرْعِ وَتَنَاهِي عِظَمِ الْبُسْرِ : فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ صَاحِبَ النَّخْلِ وَصَاحِبَ الْبَذْرِ فِي الْمُعَامَلَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَصِحُّ فَكَانَ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى فَلَا يُمْكِنُ إسْنَادُ الزِّيَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَهِيَ فِي الْحَالِ هِبَةُ غَيْرِ مَقْسُومٍ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ هُوَ الزَّائِدُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَوْجَبُ بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ حَطًّا لَا زِيَادَةً ، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ ثُمَّ حَطَّ ثُلُثَ هَذَا النِّصْفِ وَاكْتَفَى بِثُلُثِ الْخَارِجِ وَالْحَطُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الَّذِي لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ

هُوَ الَّذِي زَادَ صَاحِبَ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ يُسْتَوْجَبُ بِالشَّرْطِ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ حَطًّا لَا زِيَادَةً ، وَإِذَا اشْتَرَطَا الْخَارِجَ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْمُزَارَعَةِ نِصْفَيْنِ وَاشْتَرَطَا لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ .
مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ أَوْ الشَّرْطُ - ؛ لِتَضَمُّنِ هَذَا الْعَقْدِ شِرَاءَ الْمَعْدُومِ أَوْ الْجَمْعَ بَيْنَ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَالْأُجْرَةِ دَيْنًا فِي الذِّمَةِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلِصَاحِبِ النَّخْلِ فِي الْمُعَامَلَةِ - هَذَا هُوَ حُكْمُ فَاسِدِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عِشْرِينَ قَفِيزًا إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِ الْخَارِجِ وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ النِّكَاحِ وَالصُّلْحِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالْمُكَاتَبَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ .
[ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ] وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِمُزَارَعَةِ أَرْضِهِ هَذِهِ السَّنَةَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهَا وَعَمَلِهَا فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِاشْتِرَاطِ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْأَجْرِ وَالْمُزَارَعَةُ كَالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ .
هَكَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ : النِّكَاحُ يَهْدِمُ الشَّرْطَ ، وَالشَّرْطُ يَهْدِمُ الْبَيْعَ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ ، وَصَدَاقُهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ .
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ ذَلِكَ بِأَجْرِ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَحِينَئِذٍ لَهَا أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بَذْلُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْخَارِجِ ، وَبِمُقَابَلَةِ نِصْفِهَا فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ مِلْكُ النِّكَاحِ وَنِصْفُ الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِهَا ، فَإِنَّمَا تَتَوَزَّعُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ - كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْمُقَابَلَةِ - وَنِصْفُ الْخَارِجِ مَجْهُولٌ أَصْلًا وَجِنْسًا وَقَدْرًا ؛ فَكَانَ مَا يُقَابِلُ الْبُضْعَ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَجْهُولًا أَيْضًا جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ .
وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ ؛ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِثَوْبٍ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهَا ، يَكُونُ صَدَاقُهَا مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِهِ بِمُقَابَلَةِ سِنِينَ كَانَتْ بِمُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا أَرْضَى ؛ فَلِهَذَا لَا يُجَاوِزُ بِالصَّدَاقِ أَجْرَ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ .
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : الِانْقِسَامُ بَيْنَ الْبُضْعِ وَنِصْفِ الْخَارِجِ بِاعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ؛ فَيَتَوَزَّعُ

نِصْفَيْنِ - كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْمُقَاسَمَةِ بَيْنَ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ - بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ ، كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ ، فَهُنَا أَيْضًا يَكُونُ الصَّدَاقُ مَنْفَعَةَ نِصْفِ الْأَرْضِ ، وَالْمَنْفَعَةُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حُكْمِ الصَّدَاقِ ، فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ، وَيَلْزَمُ تَسْلِيمُ مَنْفَعَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ إلَيْهَا ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْمُزَارَعَةِ ؛ فَيَكُونُ لَهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ .
فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، كَانَ لَهَا - فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِصْفُ الْمُسَمَّى ، وَهُوَ رُبُعُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ .
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَهَا الْمَنْفَعَةُ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ .
وَإِنْ زَرَعْت الْمَرْأَةُ زَرْعًا فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ ، فَجَمِيعُ الْخَارِجِ لِلْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهَا ، وَعَلَيْهَا - فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - نِصْفُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، وَنِصْفُ ذَلِكَ صَدَاقُهَا ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوْفَتْهُ بِحُكْمِ مُزَارَعَةٍ فَاسِدَةٍ ؛ فَعَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهَا أَجْرُ مِثْلِ جَمِيعِ الْأَرْضِ ؛ فَيَتَقَاصَّانِ وَيَتَرَادَّانِ فَضْلًا إنْ كَانَ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ دَفَعَ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ ، وَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ وَبِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ ، وَالْخَارِجُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ ، وَوُجُودُ أَصْلِهِ عَلَى خَطَرٍ ؛ فَلَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا ، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْجِنْسِ ، أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَشْرُوطُ

بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ بَعْضَ الْخَارِجِ فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ، وَمَتَى كَانَ الْمَشْرُوطُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ أَوْ مَنْفَعَةَ الْعَامِلِ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ فَفِي صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ اخْتِلَافٌ - كَمَا بَيَّنَّا - حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهَا لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَعَمَلِهِ بِالنِّصْفِ - فَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَرْضَهَا وَبَذْرًا مَعَهَا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ - فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ ؛ لِأَنَّهَا شَرَطَتْ عَمَلَ الزَّوْجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَنِصْفِ الْخَارِجِ ؛ فَيَكُونُ الصَّدَاقُ نِصْفَ عَمَلِ الزَّوْجِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا نَخْلًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ - فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَرَطَ لَهَا نِصْفَ الْخَارِجِ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَعَمَلِهَا .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ دَفَعْت إلَيْهِ نَخْلًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ - فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَ الْعَمَلَ بِمُقَابَلَةِ بُضْعِهَا وَنِصْفِ الْخَارِجِ .
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ فِي النِّكَاحِ ، وَسِتٌّ أُخْرَى فِي الْخُلْعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ .
فَالْمَرْأَةُ فِي الْخُلْعِ بِمَنْزِلَةِ الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْخُلْعِ عَلَيْهَا لَهُ ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا فَفِي الْخُلْعِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتَقَوَّمُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِاعْتِبَارِ رَدِّ الْمَقْبُوضِ .
وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ السِّتُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ جِنَايَةِ الْعَهْدِ ، إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَاجِبُ فِي النِّكَاحِ صَدَاقَ مِثْلِهَا - فَفِي الصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ الْوَاجِبِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ بَذْلَ النَّفْسِ هُوَ الدِّيَةُ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فِي الصُّلْحِ بِمَنْزِلَةِ

مَهْرِ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ .
وَأَمَّا كُلُّ جِنَايَةٍ لَيْسَ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ جِنَايَةٌ خَطَأٌ وَقَعَتْ عَلَى الصُّلْحِ عَنْهَا عُقْدَةٌ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً عَلَى مَا وَصَفْنَا - فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ مَالٍ عَلَى مَالٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ ، فَاشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ يُفْسِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
فَأَمَّا الْعِتْقُ عَلَى شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ - فَعَلَى الْعَبْدِ فِيهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُزِيلُ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْعِتْقِ مَالًا مُتَقَوِّمًا ، فَعِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ يَكُونُ رُجُوعُهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ .
وَلَا يَدْخُلُ هُنَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَلَى قِيَاسِ جَعْلِ الْعِتْقِ إذَا كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ التَّسْمِيَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً وَهُنَا التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ الْعِتْقِ عَلَى الْخَمْرِ .
وَأَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ مَعَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ ، وَهُوَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ؛ فَاشْتِرَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ يُفْسِدُهُمَا جَمِيعًا .
فَإِنْ عَمِلَهَا الْمُكَاتَبُ عَتَقَ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ إذَا كَانَ مَحَلُّهُ مَحَلَّ آخَرَ بِأَنْ كَانَ الْمَوْلَى صَاحِبَ النَّخْلِ أَوْ صَاحِبَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ رَقَبَتِهِ ، وَمَعَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ يُتْرَكُ الْعِتْقُ بِإِيفَاءِ الْمَشْرُوطِ ، كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ فَأَدَّى الْخَمْرَ .
ثُمَّ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى مَوْلَاهُ أَجْرُ مِثْلِهِ ، وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهِ رَقَبَتُهُ ،

فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ ، وَإِنْ كَانَ أَجْرُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ - لَمْ يَكُنْ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ نَالَ الْعِتْقَ بِمُقَابَلَةِ مَا أَوْفَى مِنْ الْعَمَلِ فَلَا يَتَمَكَّنُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَاسْتِرْدَادُ بَدَلِهِ كَاسْتِرْدَادِهِ .
ثُمَّ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْمَوْلَى أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ فَلَا يُتَقَوَّمُ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ وَإِذَا كَانَ مَحَلُّ الْمُكَاتَبِ مَحَلَّ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَحَصَلَ الْخَارِجُ ؛ لِأَنَّ الْجَعْلَ هُنَا بَعْضُ الْخَارِجِ وَهُوَ مَجْهُولُ اللَّوْنِ وَالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَمْنَعُ الْعِتْقَ وَإِنْ أَدَّى ، كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ ، ثُمَّ الْخَارِجُ كُلُّهُ فِي يَدِ الْعَبْدِ هُنَا إلَى أَنْ يَرُدَّهُ الْمَوْلَى رَقِيقًا ، وَإِذَا رَدَّهُ الْمَوْلَى رَقِيقًا كَانَ الْخَارِجُ لِلْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي الْكِتَابَةِ ، فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

[ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ] : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ بِالنِّصْفِ فَبَذَرَهُ الْعَامِلُ وَسَقَاهُ فَلَمَّا نَبَتَ قَامَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ بِنَفْسِهِ وَأُجَرَائِهِ وَسَقَاهُ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُزَارِعِ - فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَرَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا صَنَعَ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا قَدْ انْعَقَدَتْ فِي الْخَارِجِ حِينَ بَذَرَهُ الْعَامِلُ وَسَقَاهُ ، وَصَارَ الْعَقْدُ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْأَرْضِ فَسْخَهُ ، فَإِقَامَةُ الْعَمَلِ بَعْدَ ذَلِكَ كَإِقَامَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَلَوْ عَمِلَ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ فِيهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا فِيمَا صَنَعَ وَالْخَارِجُ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى الشَّرْطِ ، فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ رَبُّ الْأَرْضِ ذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ لِذَلِكَ فَعَمَلُ أَجِيرِهِ كَعَمَلِهِ وَأَجْرُ الْأَجِيرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ ، ثُمَّ رَبُّ الْأَرْضِ إنَّمَا عَمِلَ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُزَارِعُ بَذَرَ الْبَذْرَ فَلَمْ يَنْبُتْ وَلَمْ يَسْقِهِ حَتَّى سَقَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَنَبَتَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْقِيهِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ - فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ فِي عَمَلِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ .
وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَيُجْعَلُ رَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعًا فِيمَا عَمِلَ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ اسْتَرَدَّ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ قَبْلَ انْعِقَادِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْبَذْرِ وَبِمُجَرَّدِ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ وَكَوْنِهِ فِي الْجَوَالِقِ سَوَاءٌ وَلَوْ أَخَذَ رَبُّ الْأَرْضِ الْبَذْرَ وَزَرَعَ بِنَفْسِهِ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرَدًّا فِي حَالٍ هُوَ يَمْلِكُ فَسْخَ الْمُزَارَعَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَرَدَّهُ بَعْدَ الْإِلْقَاءِ فِي

الْأَرْضِ قَبْلَ السَّقْيِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ سَبَبَ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ إلْقَاءُ الْبَذْرِ فَيُقَامُ هَذَا السَّبَبُ مَقَامَ حَقِيقَةِ الشَّرِكَةِ بِبَيَانِ الزَّرْعِ .
[ أَلَا تَرَى ] أَنَّهُ يُقَامُ مَقَامَهُ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ رَبُّ الْأَرْضِ فَسْخَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَصْدًا وَمَنْعَ الْمُزَارِعِ مِنْ الْعَمَلِ فَيَكُونَ هَذَا مِنْهُ إعَانَةً لِلْمُزَارِعِ أَوْ عَمَلَهُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
وَهُوَ نَظِيرُ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَذَرَ أَرْضًا لَهُ فَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى سَقَاهُ رَجُلٌ فَنَبَتَ كَانَ الزَّرْعُ الَّذِي سَقَاهُ فِي الْقِيَاسِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ بَذْرًا وَزَرَعَهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَاَلَّذِي سَقَاهُ مُعِينٌ لَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ يَكُونُ إذْنًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي سَقْيِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ مُسْتَعِينًا بِهِ دَلَالَةً فَيُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ نَصًّا ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلَهُ تَدْبِيرٌ فِي تَقْدِيمِ عَمَلِ الزِّرَاعَةِ وَتَأْخِيرِهِ وَاخْتِيَارِ مَا يَزْرَعُهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ ، فَلَا يَكُونُ هُوَ آمِرًا لِلْغَاصِبِ بِأَنْ يَزْرَعَ بَذْرَهُ فِي أَرْضِهِ فَيَكُونَ الْغَاصِبُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ بَعْدَ مَا بَذَرَهُ الْمُزَارِعُ هُوَ كَالْمُسْتَعِينِ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي سَقْيِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ نَصًّا ، فَيَكُونُ رَبُّ الْأَرْضِ عَامِلًا لَهُ لَا لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَسْقِهِ وَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى سَقَاهُ الْمُزَارِعُ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ - فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْمُزَارِعِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَذَرَهُ وَسَقَاهُ كَانَ مُعِينًا لِلْمُزَارِعِ ، فَإِذَا بَذَرَهُ وَلَمْ يَسْقِهِ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِأَنَّ بِمُجَرَّدِ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ لَمْ

يَحْصُلْ الْخَارِجُ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِالسَّقْيِ وَالْعَمَلِ بَعْدُ ، وَقَدْ بَاشَرَهُ الْمُزَارِعُ فَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، وَهَذَا الْفِعْلُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ مُحْتَمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الْفَسْخِ مِنْهُ لِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَلِلْعَامِلِ كَيْ لَا يَفُوتَ الْوَقْتُ لِاشْتِغَالِ الْمُزَارِعِ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ لِمَرَضٍ حَلَّ بِهِ ، وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَلَوْ أَخَذَهُ رَبُّ الْأَرْضِ فَبَذَرَهُ فِي الْأَرْضِ وَسَقَاهُ فَنَبَتَ ثُمَّ إنَّ الْمُزَارِعَ يَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْقِيه حَتَّى اُسْتُحْصِدَ - فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ فِي عَمَلِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحْكَمَ اسْتِرْدَادُ رَبِّ الْأَرْضِ حِينَ بَذَرَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى نَبَتَ مِنْ حَيْثُ إنَّ بِالنَّبَاتِ تَحْصُلُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ لِيَكُونَ شَرِيكًا فِي الْخَارِجِ فَإِنَّمَا نَبَتَ الْخَارِجُ كُلُّهُ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ ، وَانْفَسَخَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، ثُمَّ الْمُزَارِعُ بِالْعَمَلِ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُتَطَوِّعٌ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ .
وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَبَذَرَهُ وَلَمْ يَسْقِهِ حَتَّى سَقَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ اسْتِحْسَانًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَسْقِهِ حَتَّى سَقَاهُ الْمُزَارِعُ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى اُسْتُحْصِدَ فَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَلَوْ بَذَرَهُ رَبُّ الْأَرْضِ وَسَقَاهُ حَتَّى نَبَتَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْمُزَارِعُ وَسَقَاهُ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمِثْلِ مَا أَخَذَ مِنْ الْبَذْرِ ، وَالْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعٌ فِي عَمَلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا لِمَا أَخَذَ مِنْ الْبَذْرِ ، وَقَدْ اسْتَحْكَمَ ذَلِكَ بِنَبَاتِ الْخَارِجِ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَتْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96