كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

التَّصَرُّفَاتِ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ قَدْ يَمْشِي بِنَفْسِهِ لِجِنَايَتِهِ ، وَقَدْ يَتَكَلَّفُ بِخُطُوَاتٍ يَخْطُوهَا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا .

وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَلَا لِعَبْدِ قَاتِلِهِ وَلَا لِمُكَاتَبٍ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ بِخُرُوجِ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ لِلْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لِمَوْلَاهُ .
وَكَذَلِكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ وَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ حَقِيقَةَ مِلْكٍ بِعَجْزِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ إقْرَارُهُ لِلْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ لِمَوْلَاهُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ ، فَقَالَ إذَا وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ لَمْ يُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ لِأَخِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ وَهُنَا جَعَلَهُ كَإِقْرَارٍ لِلْمَوْلَى فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِقْرَارِ هُنَا انْتِفَاعُ الْوَارِثِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ وَمَنْفَعَةُ الْمَالِيَّةِ وَتَمَكُّنُ تُهْمَةِ الْإِيثَارِ لَهُ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَهُنَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْإِقْرَارِ لِلْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ ، وَهُنَاكَ الْمُثْبِتُ لِحَقِّ الرُّجُوعِ قَصْدُهُ عِنْدَ الْهِبَةِ إلَى الْعِوَضِ وَالْمُكَافَآتِ وَعَدَمِ سَلَامَةِ هَذَا الْمَقْصُودِ لَهُ ، وَذَلِكَ قَائِمٌ إذَا كَانَ الْقَائِلُ لِلْهِبَةِ أَجْنَبِيًّا .
وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ يَحْصُلُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ .

وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِإِقْرَارِهِ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّ مَا يَحْصُلُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يُشَارِكُهُ الْوَارِثُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ فِي نَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْسَأُ عَقْدًا ، فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْوَارِثُ .
وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ فِي نَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ انْتَفَعَ الْوَارِثُ بِالْمُشَارَكَةِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا بِالشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا أَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ ، وَقَالَ لِي عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَارِثِهِ هَذَا شَرِكَةٌ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَصَحَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّهُمَا بِالْمَالِ وَادَّعَى عَلَيْهِمَا الشَّرِكَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ ، وَقَدْ صَدَّقَاهُ فِيمَا أَقَرَّ وَكَذَّبَاهُ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا أَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ الَّتِي ادَّعَاهَا إلَيْهِ فَلَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ بِقَوْلِهِ ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ بَقِيَ إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحِيحًا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ كَانَ مَنْفَعَةَ الْوَارِثِ ، وَعِنْدَ انْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ لَا مَنْفَعَةَ لِلْوَارِثِ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ فَاسِدًا بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ ، وَهُوَ قَصْدُهُ إلَى اتِّصَالِ الْمَنْعِ وَإِلَى وَارِثِهِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ مَانِعٌ مِنْ صَيْرُورَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُقَرِّ ، وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى ذِمَّتِهِ فِي إلْزَامِ شَيْءٍ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى تَصْحِيحِ إقْرَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِهَذَا

أَوْ هَذَا فَاصْطَلَحَا كَانَ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَهُ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْإِقْرَارِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ ، وَهُوَ عَجْزُ الْمَجْهُولِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِاصْطِلَاحِهِمْ ، وَإِذَا كَانَ الْمُفْسِدُ مَعْنًى مِنْ جِهَتِهِمَا وَلَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا صَحَّ مِنْهُمَا إزَالَةُ الْمُفْسِدِ بِالِاصْطِلَاحِ وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُمَا بِالْمَالِ إلَّا بِصِفَةِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مُشْتَرَكًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَارِثِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا أَقَرَّ بِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْمَالِ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلْمَالِ وَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَالِ ، وَهُوَ حَقُّ مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَبْقَى الْمَالُ كَمَا كَانَ ، فَأَمَّا هُنَا كَوْنُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا صِفَةٌ لِهَذَا الدَّيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ ، وَإِذَا وَجَبَ مُشْتَرَكًا بِذَلِكَ السَّبَبِ لَا يَصِيرُ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ السَّبَبِ مَا دَامَ دَيْنًا لِأَنَّ إيقَاعَ الشَّرِكَةِ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ كَانَ تَجَاحُدُهُمَا وَتَصَادُقُهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ سَوَاءً .
وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الْمَرِيضُ مِنْ وَارِثِهِ مَالًا بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ كَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ لِلسَّبَبِ الْمُعَايَنِ .

وَلَوْ أَقَرَّ بِمَهْرٍ لِامْرَأَتِهِ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِثْلِهَا وَيُحَاصُّ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ فَوَجَبَ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِحُكْمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ لَا بِإِقْرَارِهِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فِي الْمَرَضِ يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا لَهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ إقْرَارِهِ ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا مِنْ وَرَثَتِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِهَا بِقَبْضِ مَهْرِهَا مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ وَارِثِهَا ، فَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ وَارِثِهِ .

وَلَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ شَيْئًا ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ وَارِثِ الْمَرِيضِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ فَهُوَ جَائِزٌ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْعَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْمَرِيضِ كَانَ إلَى مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ لَا إلَى وَارِثِهِ ، ثُمَّ وَارِثُهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي إمَّا بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ أَوْ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لِوَارِثِهِ فَلَمْ يُمَكَّنْ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ .

وَإِذَا كَانَ دَيْنُ الصِّحَّةِ يُحِيطُ بِمَالِ الْمَرِيضِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ أَقْرَضَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ اسْتَوْفَيْتُهَا لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ فِي الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ هُنَاكَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِالْمَنْعِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَلِهِ مَا دَامَ دَيْنًا ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إذَا كَانَتْ الْمُبَايَعَةُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي الْمَرَضِ فَحَقُّ الْغُرَمَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَبِيعِ فَتَحَوَّلَ إلَى بَدَلِهِ وَمَا اسْتِحْقَاقُ الْمُشْتَرِي هُنَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ مَالٍ يَقُومُ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي حَقٍّ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهِ فَلِهَذَا لَا يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي مَرَضِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ فِي صِحَّتِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ دَيْنًا وَجَبَ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مُعَايَنٍ فَهُوَ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ دَيْنًا وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي ، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فِي إثْبَاتِ الْمُحَاصَّةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ الْأُخَرِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا لَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ بِالْمُقَاصَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حِصَّةٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَتَخْصِيصُ الْمَرِيضِ بَعْضَ غُرَمَاءَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا يَصِحُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ) ( قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ نَفْسَ الْمَقْتُولِ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِ الْقَتْلِ أَوْ عِنْدَ عَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَالْحَقِّ فِي نَفْسِهِ لَهُ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَصْلٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى عَنْ أَيْسَرِ الْمَالَيْنِ قَضَاءً لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ فَلَا يُسَلَّمُ لِلْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ التَّرِكَة تُقَسَّمُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى مَا كَانَ يُقَسَّمُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ لِأَنَّ ضَرَرَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ أَنْصَابِهِمْ وَيُجْعَلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ كَالْمُتَأَدَّى مِنْ التَّرِكَةِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّ مَا يَنْوِي مِنْهُ يَنْوِي عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ رَجُلٌ قُتِلَ عَمْدًا وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَعَفَى أَحَدُهُمَا ، وَعَلَى الْمَقْتُولِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَدْ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ أَحَدِ الِابْنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَرِيمِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْمَالِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَصَارَ عَفْوُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَقْتُولِ دَيْنٌ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَى الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمَحِلِّ ، فَإِذَا قَبَضَ الْخَمْسَةَ آلَافٍ ضَمَّ ذَلِكَ إلَى الْأَلْفِ الْمَتْرُوكَةِ فَيَكُونُ تَرِكَتُهُ سِتَّةَ آلَافٍ يُقْضَى مِنْهَا دَيْنُ الْمَقْتُولِ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَيُقَسَّمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ

الِاثْنَيْنِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَهْمٌ لِلْمُعَافِي وَأَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَا دَيْنٌ كَانَ قِسْمَةُ التَّرِكَةِ سَهْمًا هَكَذَا فَإِنَّ الْخَمْسَةَ آلَافٍ كُلُّهَا حَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ ، وَالْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِلْمُعَافِي مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ خَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا صَارَ حَقُّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَلِلْمُعَافِي سَهْمٌ وَاحِدٌ فَذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقُسِّمَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، وَقَدْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَأْخُذُ الْغَرِيمُ كَمَالَ حَقِّهِ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمِقْدَارُ وَصِيَّتِهِ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِهِ فَيَنْفُذُ لَهُ ، ثُمَّ مَا بَقِيَ بَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِمَا بَيَّنَّا ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، فَإِذَا انْقَلَبَ مَالًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمَا لِكَوْنِهِ مَحِلًّا لِإِيفَاءِ حَقِّهِمَا مِنْهُ .

وَلَوْ كَانَ تَرَكَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَخَاصَمَ الْغَرِيمُ الْقَاضِي فَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَحِلُّ الصَّالِحُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ عَفَا أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَنْ الدَّمِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْآخَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ فَإِنَّ الْعَافِيَ يَتْبَعُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ سُدُسِهَا ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ التَّرِكَةَ سِتَّةُ آلَافٍ وَأَنَّ ضَرَرَ قَضَاءِ الدَّيْنِ يَكُونُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ حَقِّهِمَا ، وَقَدْ صُرِفَ نَصِيبُ جَمِيعِ الْعَافِي مِنْ الْعَبْدِ إلَى الدَّيْنِ وَإِنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ سُدُسِ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ اسْتَوَى مِنْ نَصِيبِهِ ، وَكَانَ قَضَاؤُهُ وَاجِبًا عَلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِي ذَلِكَ الْقَضَاءِ إنَّمَا أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ سُدُسِ خَمْسَةِ الْآلَافِ ، وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْعَبْدَ وَقَضَى الدَّيْنَ حَتَّى قَبَضَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ خَمْسَةَ آلَافٍ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ جَمِيعَ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ أَيْسَرَ الْمَالَيْنِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الدِّيَةَ مِنْ الْخَمْسَةِ الْآلَافِ كَانَ الْعَبْدُ سَهْمًا ، وَكَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ مِيرَاثًا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْأَرْبَعَةُ آلَافٍ الْبَاقِيَةِ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ وَيَرْجِع الَّذِي لَمْ يَعْفُ عَلَى الْعَافِي بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثٍ ، وَذَلِكَ نِصْفُ سُدُسِ الدَّيْنِ اُسْتُوْفِيَ جَمِيعُ الدَّيْنِ مِمَّا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّةِ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَنَصِيبُهُ مِنْ التَّرِكَةِ نِصْفُ سُدُسِهَا فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ سُدُسِ الدَّيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَيْهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ نِصْفَ الْعَبْدِ وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ نَصِيبُهُ مِنْ الْعَبْدِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ

الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرِكَةِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ فَكَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ وَاجِبٍ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا قَسَّمْنَا الْعَبْدَ هُنَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ وَالْأَجْنَاسُ الْمُخْتَلِفَةُ لَا تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً بَلْ يُقَسَّمُ كُلُّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ مَعَ الْمَتْرُوكِ مِنْ الْمَالِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلِهَذَا ضَمَمْنَا الْبَعْضَ إلَى الْبَعْضِ فِي الْقِسْمَةِ .

رَجُلٌ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ ابْنٌ وَامْرَأَةٌ وَتَرَكَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعَفَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الدَّمِ سَقَطَ نَصِيبُهَا وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الِابْنِ مَالًا فَيُقْضَى لَهُ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدِّيَةِ مِقْدَارُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ، فَإِذَا جَاءَ الْغَرِيمُ قَبَضَ دَيْنَهُ مِمَّا فِي يَدِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَالْعَبْدُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالِابْنِ بِالْمِيرَاثِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ وَلِلِابْنِ سَبْعَةُ أَثْمَانِهِ ، ثُمَّ ضَرَرُ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ عَلَى الِابْنِ خَاصَّةً فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهَا مِنْ التَّرِكَةِ ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ فِي الْحَاصِلِ تِسْعَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ وَحَقُّ الْمَرْأَةِ ثَمَنُ الْعَبْدِ فَاجْعَلْ كُلَّ أَلْفٍ عَلَى ثَمَانِيَةٍ فَمَا قَبَضَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ الدَّيْنِ ، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ، فَإِذَا جَعَلْتَ عَلَى كُلِّ أَلْفٍ مِائَةً يَكُونُ سَبْعِينَ سَهْمًا وَالْعَبْدُ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ سَهْمًا سَهْمٌ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبُ الْمَرْأَةِ وَالْبَاقِي كُلُّهُ لِلِابْنِ فَضَرَرُ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَيْضًا جُزْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعُونَ جُزْءًا مِنْ الدَّيْنِ فِي نَصِيبِهَا ، وَقَدْ اسْتَوْفَى مِمَّا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الِابْنِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ ، فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ لِيُسَلِّمَ لَهَا ثَمَنَ الْعَبْدِ أَوْ يُبَاعَ ثَمَنُ الْعَبْدِ .

وَلَوْ قُتِلَ وَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا وَامْرَأَةً فَعَفَى الِابْنُ عَنْ الدَّمِ فَلِلِابْنَةِ وَالْمَرْأَةِ حِصَّتُهُمَا مِنْ الدِّيَةِ ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فَالسَّبِيلُ أَنْ نُصَحِّحَ الْفَرِيضَةَ أَوَّلًا فَنَقُولَ : لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالْبَاقِي ، وَهُوَ سَبْعَةٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالِابْنَةِ أَثْلَاثًا فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ : لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةٌ وَلِلَابِنَةِ سَبْعَةٌ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَظَهَرَ أَنَّ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ وَالِابْنَةِ مِنْ الدَّمِ عَشَرَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ مَالًا فَيَعْفُو الِابْنُ وَمِقْدَارُهُ بِالدَّرَاهِمِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَمِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافٍ ، فَإِذَا قَسَمْتَهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ كَانَ كُلُّ سَهْمٍ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ ، وَعَشْرُ مَرَّاتٍ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ يَكُونُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ لِأَنَّ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَرْبَعُمِائَةٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَعَشْرَ مَرَّاتٍ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ يَكُونُ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَيُضَمُّ ذَلِكَ إلَى الْأَلْفِ الْمَتْرُوكَةِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ التَّرِكَةِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَمِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ يُقْضَى جَمِيعُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ أَوَّلًا وَمَا بَقِيَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ تَضْرِبُ فِيهِ الِابْنَةُ بِنَصِيبِهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَالدِّيَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَتَضْرِبُ الْمَرْأَةُ بِأَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَيَضْرِبُ الِابْنُ بِنَصِيبِهِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٌ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ بِهَذَا الْقَدْرِ فَقَطْ ، وَإِذَا أَرَدْتَ تَصْحِيحَ الْحِسَابِ بِالسِّهَامِ وَالسَّبِيلُ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ مِائَةٍ

عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا فَنَصِيبُ الِابْنِ يَكُونُ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ وَنَصِيبُ الْمَرْأَةِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ سَهْمًا وَنَصِيبُ الِابْنَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ سَهْمًا ، فَإِذَا ضَمَمْتَ إلَيْهِ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ يَكُونُ خَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، ثُمَّ إذَا ضَمَمْتَ إلَيْهِ نَصِيبَ الِابْنِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ يَكُونُ سِتَّمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَنْقَسِمُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ لِيَكُونَ ضَرَرُ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ .

مَرِيضٌ فِي يَدَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَقَرَّ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا لِرَجُلٍ ، ثُمَّ قُتِلَ عَمْدًا فَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَى أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْآخَرِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَدِيعَتَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَافِي ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمَرَضِ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ وَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ بَلْ هِيَ لِلْمُودِعِ يَأْخُذُهَا ، وَإِنَّمَا تُرِكَ الدَّمُ فَقَطْ ، وَقَدْ عَفَى أَحَدُ الِابْنَيْنِ فَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَالْعَافِي مُسْقِطٌ لِنَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِوَدِيعَةٍ ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِهِ وَقَضَاهَا إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَقَضَاؤُهُ إيَّاهُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَإِنَّمَا تَرِكَتُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ الدَّمُ فَقَطْ ، هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فَإِنَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنْ اتَّبَعَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الِابْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ بَقِيَ الْمَقْبُوضُ سَالِمًا لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلَّذِي عَفَى وَإِنْ اتَّبَعَ الْغَرِيمُ الثَّانِي الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ اسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمَقْبُوضَ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ كَانَ وَاجِبًا فِي صِحَّتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ دَيْنِهِ الْآنَ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا كَانَ حَقُّهُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ وَلَا ثَمَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ شَيْءٌ مِمَّا قَبَضَ فَكَذَلِكَ هُنَا لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَهُ ، وَإِذَا نَقَضَ قَبْضَهُ أَخَذَ الْأَلْفَ كُلَّهَا بِدَيْنِهِ وَاتَّبَعَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَرَضِ الِابْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ ، ثُمَّ يَتْبَعُ

الِابْنُ أَلْفًا فِي الِابْنِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ سُدُسِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَّلِ لَمَّا انْتَقَضَ صَارَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَجُمْلَةُ تَرِكَتِهِ سِتَّةُ آلَافٍ الْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ مَعَ نِصْفِ الدِّيَةِ فَيُقْضَى الدَّيْنُ أَوَّلًا مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَيَبْقَى أَرْبَعَةُ آلَافٍ سَتُقْسَمُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ عَلَى مَا كَانَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ التَّرِكَةِ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ ، وَذَلِكَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا سَهْمٌ مِنْهُ لِلْعَافِي وَأَحَدَ عَشَرَ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتْبَعْ الْغَرِيمُ الثَّانِي الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَقْبُوضَ يَبْقَى سَالِمًا لَهُ فَلَا يَكُونُ مَحْسُوبًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَافِي فَصَارَ رُجُوعُ الْغَرِيمِ الثَّانِي عَلَى الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ نَافِعًا لِلِابْنِ الْعَافِي مُضِرًّا لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ فِي نَقْضِ قَبْضِهِ كَمَا قِيلَ .
مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ .

مَرِيضٌ وَهَبَ عَبْدًا لَهُ لِرَجُلٍ وَقَبَضَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، ثُمَّ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَرِيضُ عَمْدًا وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَى أَحَدُهُمَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ بِالْقَبْضِ صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ قَائِمًا حَتَّى مَلَكَهُ عَلَى الْوَاهِبِ ، وَفِي جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ إذَا وَجَبَ الْمَالُ كَانَ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ ، وَقَدْ وَجَبَ الْمَالُ هُنَا يَعْفُو أَحَدُ الِابْنَيْنِ إنْ اخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ ، وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافٍ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الدِّيَةِ مَعَ رَقَبَتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ دُونَ الثُّلُثِ فَتُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهِ وَيَكُونُ نِصْفُ الدِّيَةِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ لِلْعَافِي مِنْهَا نِصْفُ سُدُسِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَضَرَرُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لِحِصَّتِهِمْ فَيُقَسَّمُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَيْنَ الِابْنَيْنِ عَلَى مَا كَانَ يُقَسَّمُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ وَمَا قَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الْعَافِي وَهُنَا مَا يُنَفَّذُ فِيهِ الْهِبَةُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تُنَفَّذُ مِنْ التَّرِكَةِ فَيَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ حَقِّ الْعَافِي فَلِهَذَا يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ بَعْدَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ، وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ رَدَّ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ بِحُكْمِ بَعْضِ الْهِبَةِ فِيهَا وَيَدْفَعُ خُمُسَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ خُمُسٌ هُوَ سَالِمٌ لَهُ ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي يَدِ الِابْنَيْنِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ

سَهْمًا لِلْعَافِي مِنْهَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ سَبْعَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُنَفَّذَ الْهِبَةُ فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُنَفَّذُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَكِنْ نَفَّذَهَا فِي خُمُسَيْ الْعَبْدِ هُنَا لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ فِي الْأَصْلِ يُجْعَلُ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى ثُلُثٍ يَنْقَسِمُ نِصْفَيْنِ حَتَّى يُدْفَعَ النِّصْفُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَتُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي سَهْمَيْنِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، ثُمَّ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَحَدُهُمَا إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَيَصِيرُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ خَمْسَةٌ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي أَرْبَعَةٍ فَيَظْهَرُ زِيَادَةُ سَهْمٍ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، وَهَذَا غَائِرٌ لِأَنَّكَ كُلَّمَا زِدْتَ فِي تَنْفِيذِ الْهِبَةِ يَزْدَادُ الْمَدْفُوعُ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَزَالُ يَدُورُ كَذَلِكَ وَالسَّبِيلُ فِي الدَّوْرِ أَنْ يُقْطَعَ وَطَرِيقُ الْقَطْعِ طَرْحُ السَّهْمِ الزَّائِدِ مِنْ جَانِبِ مَنْ خَرَجَ مِنْ قِبَلَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّهْمَ يُبَاعُ بِالْفَسَادِ فَالسَّبِيلُ نَفْيُهُ فَيُطْرَحُ مِنْ أَصْلِ حَقِّ الْوَرَثَةِ سَهْمًا فَتُرْجَعُ سِهَامُ الْعَبْدِ فَتُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي سَهْمَيْنِ ، ثُمَّ يُدْفَعُ أَحَدُهُمَا بِالْجِنَايَةِ فَحَصَلَ عِنْد الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةٌ ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْهِبَةَ فِي سَهْمَيْنِ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ ، وَإِنَّمَا قَسَّمْنَا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْعَبْدِ بَيْنِ الِابْنَيْنِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ؛ لِأَنَّ سِهَامَ الْعَبْدِ لَمَّا صَارَتْ عَلَى خَمْسَةٍ فَحَقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي سَهْمَيْنِ وَنِصْفٍ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ ، ثُمَّ الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَخَذَ سَهْمًا آخَرَ أَيْضًا فَيَصِيرُ حَقُّهُ فِي ثَلَاثَةٍ وَنِصْفٍ وَحَقُّ الْآخَرِ فِي سَهْمَيْنِ وَنِصْفٍ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ تَنْفِيذِ الْهِبَةِ يُقَسَّمُ عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا ، وَقَدْ انْكَسَرَ بِالْإِنْصَافِ فَأَضْعَفَهُ لِيَزُولَ الْكَسْرُ فَاَلَّذِي كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ صَارَ حَقُّهُ سَبْعَةً وَاَلَّذِي كَانَ لَهُ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ صَارَ حَقَّةُ خَمْسَةً

فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا .
وَطَرِيقُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ ، ثُمَّ تُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي دِرْهَمَيْنِ وَيُدْفَعُ أَحَدُهُمَا إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَيَصِيرُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ دِينَارًا وَدِرْهَمًا وَحَاجَتُهُمْ إلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَاجْعَلْ الدِّرْهَمَ قِصَاصًا بِمِثْلِهِ يَبْقَى فِي يَدِهِمْ دِينَارٌ يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَاقْلِبْ الْفِضَّةَ وَاجْعَلْ آخِرَ الدَّرَاهِمِ آخِرَ الدَّنَانِيرِ فَتَصِيرُ الدِّينَارُ بِمَعْنَى ثَلَاثَةٍ وَالدِّرْهَمُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، ثُمَّ عُدْ إلَى الْأَصْلِ فَتَقُولُ كَمَا جَعَلْنَا الْعَبْدَ دِينَارًا ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى ثَلَاثَةٍ وَدِرْهَمَيْنِ كُلٌّ وَاحِدٌ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ ، ثُمَّ نَفَّذْنَا بِالْهِبَةِ فِي دِرْهَمَيْنِ ، وَذَلِكَ خُمُسَا الْعَبْدِ وَاَلَّذِي حَصَلَ لِلْوَرَثَةِ دِينَارٌ وَبِمَعْنَى ثَلَاثَةٍ وَدِرْهَمٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَطَرِيقُ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ فِيهِ أَنْ تُنَفَّذَ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُدْفَعَ نِصْفُهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ فَيَحْصُلَ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ عَبْدٌ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ ، وَهُوَ حَاجَتُهُمْ إلَى سِتِّينَ ؛ لِأَنَّا نَفَّذْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ فَاجْبُرْ الْعَبْدَ بِنِصْفِ شَيْءٍ وَرُدَّ فِيمَا يَعْدِلُهُ نِصْفَ شَيْءٍ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَبْدَ الْكَامِلَ بِمَعْنَى سِتِّينَ وَنِصْفٍ ، وَقَدْ نَفَّذْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِتِّينَ ، وَنِصْفٌ خُمُسَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْهِبَةَ جَازَتْ فِي خُمُسَيْ الْعَبْدِ ، وَطَرِيقُ الْخَطَأَيْنِ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةٍ تُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي سَهْمَيْنِ وَيُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ فَيَحْصُلُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ خَمْسَةٌ وَحَاجَتُهُمْ إلَى أَرْبَعَةٍ ظَهَرَ الْخَطَأُ بِزِيَادَةِ سَهْمٍ فَعُدْ إلَى الْأَصْلِ وَنَفِّذْ الْهِبَةَ فِي ثَلَاثَةٍ ، ثُمَّ تُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ فَيَصِيرُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِعَفْوٍ نِصْفٌ

وَحَاجَتُهُمْ إلَى سِتَّةٍ ضِعْفُ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةَ فَظَهَرَ الْخَطَأُ الثَّانِي نُقْصَانُ سَهْمٍ وَنِصْفٍ ، وَكَانَ الْخَطَأُ الْأَوَّلُ بِزِيَادَةِ سَهْمٍ فَلَمَّا زِدْنَا فِي الْهِبَةِ سَهْمًا ذَهَبَ ذَلِكَ الْخَطَأُ وَجُلِبَ خَطَأُ سَهْمٍ وَنِصْفٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ يُؤَثِّرُ فِي سَهْمَيْنِ وَنِصْفٍ فَالسَّبِيلُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْهِبَةِ مَا يُذْهِبُ الْخَطَأَ وَلَا يَجْلِبُ إلَيْنَا خَطَأً آخَرَ ، وَذَلِكَ خُمُسَا سَهْمٍ فَتُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي سَهْمَيْنِ فَتَبْقَى فِي يَدِ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ ، ثُمَّ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ نِصْفُ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةَ ، وَهُوَ سَهْمٌ وَخَمْسٌ فَيَصِيرُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ، وَهُوَ ضِعْفُ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةَ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَسَهْمَانِ وَخُمُسَانِ مِنْ سِتَّةٍ يَكُونُ خُمُسَاهَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا جَازَتْ فِي خُمُسَيْ الْعَبْدِ وَطَرِيقُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَيَضْرِبَهُ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي ، وَهُوَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ فَيَصِيرُ تِسْعَةً وَيَأْخُذَ الْمَالَ الثَّانِي ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَيَضْرِبَهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ سَهْمٌ فَيَكُونُ سِتَّةً ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْخَطَأَيْنِ إلَى الزِّيَادَةِ وَالْآخَرَ إلَى النُّقْصَانِ ، وَالطَّرِيقُ فِي مِثْلِهِ الْجَمْعُ لَا الطَّرْحُ فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ جُمْلَةُ الْمَالِ ، وَبَيَانُ مَعْرِفَةِ مَا جَازَ فِيهِ الْهِبَةُ أَنْ يَأْخُذَ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةَ أَوَّلًا وَذَلِكَ سَهْمَانِ ، فَيَضْرِبُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي ، وَهُوَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ فَيَكُونُ ثَلَاثَةً ، ثُمَّ يَضْرِبُ مَا جَازَ فِيهِ الْهِبَةُ ثَانِيًا ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ ثَلَاثَةً ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ سِتَّةً فَظَهَرَ أَنَّ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةَ سِتَّةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَذَلِكَ خُمُسَاهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ خُمُسٍ ثَلَاثَةٌ ، وَطَرِيقُ الْجَامِعِ الْأَكْبَرِ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ

الْخَطَأُ الْأَوَّلُ كَانَ يُسْهَمُ فَأَضْعِفْ الْمَالَ سِوَى النَّصِيبِ وَالْمَالُ سِوَى النَّصِيبِ أَرْبَعَةٌ ، فَإِذَا ضَعَّفْتَهُ كَانَ ثَمَانِيَةً وَجُمْلَةُ سِهَامِ الْعَبْدِ عَشْرٌ تُنَفَّذُ الْهِبَةُ فِي سَهْمَيْنِ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَحَدُهُمَا فَيَحْصُلُ فِي يَدِ الْوَارِثِ تِسْعَةٌ وَحَاجَتُهُ إلَى أَرْبَعَةٍ ظَهَرَ الْخَطَأُ بِزِيَادَةِ خَمْسَةٍ فَضُرِبَ الْمَالُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ سِتَّةٌ فِي الْخَطَأِ الثَّانِي ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَيَكُونُ ثُلُثَيْنِ وَاضْرِبْ الْمَالَ الثَّانِي ، وَهُوَ عَشَرَةٌ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ عَشَرَةً وَاطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى عِشْرُونَ فَهُوَ الْمَالُ وَمَعْرِفَةُ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةُ أَنْ تَأْخُذَ سَهْمَيْنِ وَتَضْرِبَهُمَا فِي الْخَطَأِ الثَّانِي ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَيَكُونَ عَشَرَةً ، ثُمَّ تَأْخُذُ سَهْمَيْنِ ، وَهُوَ مَا نَفَّذْنَا فِيهِ الْهِبَةَ ثَانِيًا وَتَضْرِبُهُ فِي الْخَطَأِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ اطْرَحْ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي جَازَ فِيهِ الْهِبَةُ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ عِشْرِينَ يَكُونُ خُمُسُهَا كُلَّ خُمُسٍ أَرْبَعَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا جَازَتْ فِي خُمُسَيْ الْعَبْدِ عَلَى الطُّرُقِ كُلِّهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ ) ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنًا ، فَقَالَ الِابْنُ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مَوْصُولٍ لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِهَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَمُوجَبُ الْعَطْفِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ ، ثُمَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ ) ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ تَصِيرُ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ وَبِآخِرِ كَلَامِهِ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَمَتَى كَانَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ يُوقَفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَمَا لَوْ أَلْحَقَ بِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً ، ثُمَّ إقْرَارُ الْوَارِثِ عَلَى مُوَرِّثِهِ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الْعَيْنُ لِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ ، وَلَوْ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ وَسَكَتَ ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ حِينَ أَقَرَّ لَهُ وَسَكَتَ فَإِقْرَارُهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مَحِلًّا مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُوَرِّثِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِهِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَسَكَتَ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِعَمْرٍو ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرِيضِ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ ؛ لِأَنَّهُ يُلَاقِي ذِمَّتَهُ فَبِوُجُوبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ لَا تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الذِّمَّةِ وَهُنَا صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ صَادَفَ مَحِلًّا فَارِغًا فَصَحَّ ، ثُمَّ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مَحِلًّا مَشْغُولًا فَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا ، وَإِنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي خَمْسَمِائَةٍ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي صَارَ

مُقِرًّا بِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ حَقُّ الثَّانِي ، وَقَدْ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا ضَمِنَ لِلثَّانِي نِصْفَهُ .

وَلَوْ قَالَ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ هَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِهَذَا وَلِهَذَا الْآخَرِ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الْإِقْرَارَ الْوَدِيعَةِ صَارَتْ هِيَ بِعَيْنِهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ، الْوَدِيعَةُ مِنْ التَّرِكَةِ فِي شَيْءٍ ، فَقَدْ جُعِلَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْكَلَامُ الْمَوْصُولُ وَالْمَقْطُوعُ سَوَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ بِأَنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ، وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ فَظَاهِرٌ ، وَهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ بِإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَتَوَقَّفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ كَمَنْ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ هُنَاكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَوَّلِ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَيَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِآخِرِ كَلَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ .
تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَدِيعَةِ نَفْسِهَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ أَحَدِهِمَا اسْتِحْقَاقُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَمُوجَبَ الْآخَرِ اسْتِحْقَاقُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ الْعَيْنِ فَلِعَدَمِ الْمُحَاسِبَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَطْفُ فَكَانَ الْمَوْصُولُ وَالْمَقْطُوعُ سَوَاءً بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ هُنَاكَ ثَابِتَةٌ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَهَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ تَحَاصَّا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الْإِقْرَارَ صَارَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْغَرِيمِ بِالدَّيْنِ فَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ صَادَفَ مَحِلًّا مَشْغُولًا فَمَنَعَ ذَلِكَ اخْتِصَاصَ الْمُودَعِ بِالْعَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَانْقَلَبَ هَذَا إقْرَارًا بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ بِوَدِيعَةٍ جَهِلَهَا الْمُودِعُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ سَوَاءٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنَيْنِ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ تَحَاصَّا فِيهِ .

وَلَوْ قَالَ : لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ لِهَذَا فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ غَلَطَهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ لِلثَّانِي وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ بَاطِلٌ فَيَبْقَى الْأَلْفُ كُلُّهَا لَهُ وَلَا شَرِكَةَ لِلثَّانِي مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مِنْ حُكْمِ الْعَطْفِ وَالْوَصْلِ فَكَلِمَةُ لَا بَلْ لِلرُّجُوعِ لَا لِلْعَطْفِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بَعْضًا لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ عَلَى ابْنِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ضَمِنَ لِلثَّانِي مِثْلَهَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْأَلْفَ كُلَّهَا لِلثَّانِي وَأَنَّهُ غَلِطَ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْأَبِ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا الْمَدْفُوعَ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ .

وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ هَذِهِ الْأَلْفُ الَّتِي تَرَكَهَا أَبُوكَ وَدِيعَةٌ لِي ، وَقَالَ آخَرُ : لِي عَلَى أَبِيكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ صَدَقْتُمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى بِهَا .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَدِيعَةِ أَقْوَى حَتَّى يَصِحَّ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يَصِحُّ إذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَدِيعَةِ فَعِنْدَ الِاقْتِرَانِ يُجْعَلُ الْأَقْوَى مُقَدَّمًا كَدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مَعَ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ ( وَتَقْدِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ) أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ السَّبْقُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ وَالسَّبْقُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ فَكَانَ هُوَ الصَّحِيحَ فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ ، وَالثَّانِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ بِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ يَسْبِقُ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ بِنَفْسِهِ ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ يُثْبِتُ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الْعَيْنَ فَكَانَ سَبْقُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمُوجِبِ كَسَبْقِ الْإِقْرَارِ بِهَا نَصًّا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : مَا ظَهَرَ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ إلَّا وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهُ فَيَمْنَعُ ظُهُورُ الدَّيْنِ اخْتِصَاصَ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ مَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ إذَا سَبَقَهُ ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ لَمَنَعَهُ أَيْضًا كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ مَعَ الْأَمَةِ وَهُنَا إنْ سَبَقَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ رُفِعَ حَقُّ اخْتِصَاصِ الْمَدْفُوعِ الْوَدِيعَةِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ لَهُ وَصَارَ الْوَارِثُ كَالْمُسْتَهْلِكِ الْوَدِيعَةَ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَبِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَصِيرُ إقْرَارًا بِدَيْنَيْنِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ .

رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَيِّهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِيهَا وَصَدَّقَهُ الْأَوْسَطُ فِي أَلْفَيْنِ مِنْهَا وَصَدَّقَهُ الْأَصْغَرُ فِي أَلْفٍ مِنْهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ مَا فِي يَدِهِ وَمِنْ الْأَصْغَرِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْأَوْسَطِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَبَاقِي الْجَوَابِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَبْدَأُ بِالْأَكْبَرِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ ، وَهُوَ الْأَلْفُ ، ثُمَّ يُثَنِّي بِالْأَوْسَطِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَتِهِ مِنْ الْأَصْغَرِ فَيَقُولُ لِلْأَوْسَطِ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي بِدَيْنِ الْعَيْنِ وَمَا وَصَلَ إلَى الْأَلْفِ ، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِي أَلْفٌ بِزَعْمِكَ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْمَالَيْنِ قَضَاءً فَهَاتِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِكَ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ فَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ ، ثُمَّ يَأْتِي الْأَصْغَرُ بِقَوْلِ أَنَا أَقْرَرْتُ أَنَّ دَيْنَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُلُثُهُ فِي يَدِي وَثُلُثَاهُ فِي يَدِ شَرِيكِي ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ وَزِيَادَةٌ فَلَا أُعْطِيكَ إلَّا مَا أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِي فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَالُ الْمُقَرُّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ الْمَالُ فَيَقُولُ أَلْفٌ مِنْ الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصْغَرُ اتَّفَقَتْ الثَّلَاثَةُ عَلَى كَوْنِهَا دَيْنًا فَيَبْدَأُ الْمُقَرُّ لَهُ بِاسْتِيفَاءِ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنْ ثَلَاثَتِهِمْ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ

ثُلُثًا ، ثُمَّ لَمْ يَبْقَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الْأَصْغَرِ وَيَأْتِي الْأَوْسَطُ فَيَقُولُ الْأَوْسَطُ : أَنَا قَدْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِأَلْفٍ أُخْرَى ، وَقَدْ سَاعَدَنِي فِيهِ الْأَكْبَرُ ، وَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ نِصْفُهُ فِي يَدِي وَنِصْفُهُ فِي يَدِ الْأَكْبَرِ ، وَهُوَ يُسَلَّمُ لَكَ مِنْ جِهَتِهِ فَيُعْطِيهِ نِصْفَ الْأَلْفِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ مَرَّةً وَنِصْفَ الْأَلْفِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَلْفِ ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى الْأَكْبَرِ وَيَقُولُ : إنَّكَ قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّ الدَّيْنَ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ وَلَا مِيرَاثَ لَكَ وَأَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ بِحُكْمِ إقْرَارٍ .
( قَالَ ) تَفَرَّقُوا عَلَيْهِ فَلَقِيَ الْأَصْغَرَ أَوَّلًا وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ وَأَيْسَرُ الْأَمْوَالِ فِي حَقِّهِ هُوَ مَا فِي يَدِ الْأَصْغَرِ ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَوْسَطَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفَيْنِ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ أَلْفٌ وَاحِدٌ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ بِزَعْمِهِ ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَكْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ دَيْنَهُ مُحِيطٌ بِالتَّرِكَةِ فَيَتَوَصَّلُ إلَى جَمِيعِ حَقِّهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَكْبَرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَوْسَطَ بَعْدَهُ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفٌ ، وَإِنْ لَقِيَ الْأَصْغَرَ بَعْدَهُمَا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَقَرَّ الْأَصْغَرُ بِأَنَّ أَخَوَيْهِ قَدْ أَقَرَّا لَهُ بِمَا ذَكَرْنَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَقُّكَ فِي أَلْفٍ ثُلُثُهَا فِي يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ

مِنَّا فَمَا أَخَذْتَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّكَ إنَّمَا أَخَذْتَهُ بِإِقْرَارِهِمَا لَكَ بِالْبَاطِلِ فَلَا تَأْخُذْ مِنِّي إلَّا قَدْرَ مَا أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ ، وَإِنْ جَحَدَ ، فَقَالَ لَمْ يُقِرَّ لَكَ أَخَوَايَ إلَّا بِالْأَلْفِ لَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ مَا أَقْرَرْنَا لَكَ إلَّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنٍ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ التَّرِكَةِ وَزِيَادَةٌ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ دَفْعِ حُجَّتِهِ هَذِهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ إقْرَارَهُمَا لَهُ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْأَصْغَرِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْأَصْغَرِ بِهِ وَإِنْ لَقِيَ الْأَوْسَطَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَضَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا لِمَا بَيَّنَّا ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَصْغَرَ بَعْدَهُ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إقْرَارِ الْأَصْغَرِ ، وَإِنْكَارِهِ فِي الْأَوَّلِ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْعَطْفِ حَالَ إنْكَارِهِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ لَكَ الْأَوْسَطُ بِأَلْفٍ كَمَا أَقْرَرْتَ بِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ فَيَقُولُ أَقْرَرْنَا لَكَ بِأَلْفٍ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ مِنْ التَّرِكَةِ أَلْفٌ ، فَأَمَّا عِنْدَ إقْرَارِهِ بِأَنَّ الْأَوْسَطَ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ فَهَذَا نَظِيرُ الْأَوَّلِ ، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَأْخُذُ مِنْهُ الْخَمْسَمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ مِنْهُ الْأَلْفَ بِاعْتِبَارِ إقْرَارٍ كَانَ هُوَ صَادِقًا فِي نِصْفِهِ كَاذِبًا فِي نِصْفِهِ فَفِي النِّصْفِ ، وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ أَنْتَ مُسْتَوْفٍ حَقَّكَ مِنْهُ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَنْتَ ظَالِمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَبْقَى مِنْ دَيْنِهِ بِزَعْمِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ خَمْسَمِائَةٍ ، ثُمَّ إذَا لَقِيَ الْأَكْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا لِإِقْرَارِهِ أَنَّ الدَّيْنَ مُحِيطٌ بِالتَّرِكَةِ وَأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا .

رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَلْفَيْنِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا ، ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَادَّعَى آخَرُ أَلْفَ دِرْهَمٌ فَأَقَرَّا جَمِيعًا لِأَحَدِهِمَا وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَحْدَهُ فَكَانَ الْإِقْرَارُ مَعًا فَاَلَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَى دَيْنِهِ فَيَبْدَأُ بِهِ لِقُوَّةِ حَقِّهِ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دَيْنِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْآخَرُ مِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِدَيْنِهِ وَإِقْرَارُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ مِنْ نَصِيبِهِ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ إلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ، فَإِنْ غَابَ الَّذِي أَقَرَّا لَهُ وَحَصَلَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمَا فَقَدِمَ الْمُقِرُّ بِحَقِّهِ إلَى الْحَاكِمِ ، فَقَالَ : لِي عَلَى أَبِي هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَدْ أَقَرَّ لِي بِهَا وَصَدَّقَهُ الِابْنُ وَأَوْهَمَ أَنْ يُجْبِرَهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ أَيْ سُمِّيَ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفٍ وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ قَضَاءً ، وَهُوَ مَا فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ جَاءَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ جَمِيعًا وَقَدِمَ أَخَاهُ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُتْلِفْ عَلَى أَخِيهِ شَيْئًا وَمَا أَخَذَ مِنْ يَدِهِ إنَّمَا

أَخَذَهُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ حَضَرَ أَوَّلًا فَقَدِمَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ وَحْدُهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِمَا فِي يَدِهِ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَإِنْ جَاءَ الْآخَرُ وَقَدِمَ أَخَاهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا أَخَذَهُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمِيرَاثُ مِائَتَيْ دِينَارٍ أَوْ كَانَ الْمِيرَاثُ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَالدَّيْنُ مِثْلُهُ فَهَذَا وَالدَّرَاهِمُ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا .

رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَاقْتَسَمَا ذَلِكَ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا ، ثُمَّ أَقَرَّا جَمِيعًا أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِ ، وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِ الْأَصْغَرِ مِنْهُمَا فِي صِحَّتِهِ وَأَقَرَّ الْأَكْبَرُ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا فَهُمَا حُرَّانِ أَمَّا الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مَالِكٌ لَهُ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ وَإِقْرَارُ الْمَالِكِ فِي مِلْكه صَحِيحٌ ، فَإِذَا أَعْتَقَ ضَمِنَ الْأَكْبَرُ لِلْأَصْغَرِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مَا أَعْطَاهُ شَيْئًا فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ كَانَ حُرًّا بِاتِّفَاقِهِمَا وَاَلَّذِي أَخَذَ الْأَكْبَرُ فِي الظَّاهِرِ مَمْلُوكٌ لَهُمَا وَالْأَكْبَرُ بِالْإِقْرَارِ بِعِتْقِهِ صَارَ مُتْلِفًا نَصِيبَ الْأَصْغَرِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلِهَذَا ضَمِنَ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، وَهَذَا الضَّمَانُ لَيْسَ بِضَمَانِ الْعِتْقِ حَتَّى يَخْتَلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَلَكِنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالَهُ بِالْقِسْمَةِ ، وَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ الْقِسْمَةِ ، وَلَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِعَيْنِهِ بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ هُنَاكَ أَخَذَ أَلْفًا كَمَا أَخَذَ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ مَا فِي يَدِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ فَلِهَذَا لَا يُتْبِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ .
وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ فِي الْعَبْدَيْنِ بِأَنَّ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ وَأَقَرَّ الْآخَرُ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَهَذَا وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ سَوَاءٌ كَمَا بَيَّنَّا ، وَالْمَعْنَى هُنَا أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ خَاصَّةً فَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ أَعْطَى صَاحِبَهُ بَدَلًا مُسْتَحَقًّا ، وَقَدْ تَعَذَّرَ

عَلَيْهِ رَدُّ نَصِيبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ .

وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا ، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَبِيهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَرَّا جَمِيعًا أَنَّ عَلَى أَبِيهِمَا أَلْفًا دَيْنًا فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ مِقْدَارَ خَمْسِمِائَةٍ مِمَّا فِي يَدِ الْمُقِرِّ بِدَيْنِهِ وَيَخْرُجُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ تَبْقَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ أَلْفٌ فِي يَدِ الْجَاحِدِ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَالدَّيْنُ الَّذِي ثَبَتَ بِاتِّفَاقِهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدَيْهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَأَقَرَّ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَعَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ مِنْ نَصِيبِهِمَا أَثْمَانًا بِقَدْرِ نَصِيبِهِمَا فَهُنَا أَيْضًا يَلْزَمُهُمَا قَضَاءُ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا فِي يَدَيْهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ فَتَكُونُ أَثْلَاثًا ، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا بِقَضَاءِ قَاضٍ ، ثُمَّ أَقَرَّا جَمِيعًا بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ قَضَى بِالْأَلْفِ كُلِّهَا مِمَّا فِي يَدِ الْجَاحِدِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَقْضِيٌّ مِنْ التَّرِكَةِ وَبَاقِي التَّرِكَةِ فِي يَدِ الْجَاحِدِ وَالْمُقِرُّ الْأَوَّلُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لِلْجَاحِدِ أَنْ يُتْبِعَ أَخَاهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبَيِّنُ مَا سَبَقَ مِنْ فُصُولِ الدَّيْنِ .
وَلَوْ كَانَا أَقَرَّا أَوَّلًا لِرَجُلٍ بِدَيْنِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِدَيْنِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْمِائَةُ الْأُولَى عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَقَرَّا بِهِ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّرِكَةِ مِثْلُ مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِمَا قَضَاءُ تِلْكَ الْمِائَةِ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ فَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ،

فَإِنْ أَخَذَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الْمِائَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِهَا لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمَا فَالْمُؤَدِّي مِنْهُمَا لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بَلْ هُوَ قَاضٍ دَيْنَ أَبِيهِ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ، وَلَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْأَوَّلُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُقِرِّ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِمَّا فِي يَدِهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهِ وَالْمِائَةُ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِمَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ تِسْعُمِائَةٍ وَفِي يَدِ الْجَاحِدِ أَلْفٌ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا فِي يَدَيْهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ ، فَإِذَا جَعَلَ كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، فَإِنْ أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْمِائَةُ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى عَلَيْهِمَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَقَضَاهُ مِنْ نَصِيبِهِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا مِمَّا قَضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ قَصَدَ تَفْرِيغَ ذِمَّةِ مُوَرِّثِهِ وَمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ بَعْدُ شَيْئًا ، ثُمَّ دَفَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَصِيرُ ضَامِنًا ، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ صَارَ ذَلِكَ الْقَدْرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا فَمَا يَثْبُتُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الْإِقْرَارِ بِتَرْكِ الْيَمِينِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : رَجُلٌ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ يَمِينَهُ فَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي ) ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ( قَالَ ) وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ حَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ وَحَقُّهُ فِي الْجَوَابِ هُوَ الْإِقْرَارُ لِيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْقَاضِي يَقُولُ لَهُ مَاذَا تَقُولُ ، وَلَا يَقُولُ مَاذَا تَفْعَلُ ، فَإِذَا مَنَعَهُ ذَلِكَ الْجَوَابَ ، فَإِنْكَارُهُ حَقٌّ إلَى الشَّرْعِ وَحَقُّهُ الْيَمِينُ ، فَإِذَا نَكَلَ يُعَادُ إلَيْهِ أَصْلُ حَقِّهِ هُوَ وَالْإِقْرَارُ سَوَاءٌ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَوَصَّلُ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُحِقًّا فِي إنْكَارِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُبْطِلًا فِي إنْكَارِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَضَرُورَةٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْلَافِ فِي النِّكَاحِ وَنَظَائِرِهِ ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ شَيْئًا ، وَلَكِنَّهُ تَحَرَّزَ عَنْ الْيَمِينِ وَدَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَضَاؤُهُ لَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا وَإِنْ أَقَرَّ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ أَنَّ الْعَبْدَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُخَمَّسَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ، فَإِنْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ دَفَعَهُ إلَى الْمُدَّعِي ، فَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ قَبْلَ نُكُولِهِ لَهُ

لِلْمُدَّعِي دُونَ اتِّصَالِ تَصْدِيقِهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَائِبٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِحَاضِرٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ ، ثُمَّ رَجَعَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهَا ، ثُمَّ الْمُدَّعِي عَلَى حُجَّتِهِ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا اسْتَحْلَفَهُ عَلَى دَاعُوهُ ، وَلَوْ ادَّعَى غَصْبَ الْعَبْدِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ، ثُمَّ جَاءَ مُدَّعٍ آخَرُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْغَصْبِ عَلَيْهِ يَدَّعِي ضَمَانَ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ اسْتَحْلَفَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِلْكًا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دَعْوَى الْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ وَالْعَيْنُ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا دَعْوَى الْغَصْبِ فَدَعْوَى الْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ فِعْلًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فَإِنَّ الْمُودِعَ وَالْمُسْتَعِيرَ بِالتَّسَلُّمِ يَصِيرُ ضَامِنًا إلَى رَدِّ الْمِلْكِ وَجَمِيعُ أَصْنَافِ الْمِلْكِ فِي هَذَا سَوَاءٌ مَا خَلَا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلثَّانِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآخَرِ وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَصِيرُ ضَامِنًا إذَا لَمْ يَحْلِفْ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ .

رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا ، وَفِي يَدِهِ عَبْدٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ الْعَبْدَ أَبَاهُ فَإِنَّ الِابْنَ يَسْتَحْلِفُ لَهُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فَجُحُودُهُ الْوَدِيعَةَ كَجُحُودِ الْمُوَرِّثِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ، فَإِذَا أَنْكَرَ يَسْتَحْلِفُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ دَفَعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالنُّكُولِ صَارَ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا ، فَإِنْ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحْلِفْ لَهُ الِابْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِلثَّانِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يَسْتَحْلِفُ عِنْدَ جُحُودِهِ ، وَإِنَّمَا لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ يُبَاشِرْهَا هُوَ حَتَّى يَكُونَ مُلْتَزِمًا حِفْظَهَا بِعَقْدِهِ ، ثُمَّ بِالنُّكُولِ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْحِفْظِ بَلْ هُوَ رَجُلٌ امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ وَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِسَبَبِ تَرْكِ الْحِفْظِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ حِينَ أَقَرَّ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلْأَوَّلِ ، وَهَذَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلثَّانِي ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِلثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِيدَاعَ إذَا كَانَ الدَّفْعُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ مَا ادَّعَى عَلَى الْأَبِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ لِلثَّانِي عَلَى الِابْنِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَتَأْوِيلُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الِابْنِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ سِوَى مَا قَضَى بِهِ لِلْأَوَّلِ ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ اسْتَحْلَفَ لِلثَّانِي ، وَإِذَا أَبَى الْيَمِينَ صَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِ لِلثَّانِي فِي الْغَصْبِ بِلَا شُبْهَةٍ ، وَفِي الْوَدِيعَةِ

وَالْعَارِيَّةِ بِمَوْتِهِ مُجَهِّلًا وَصَارَ مُتَمَلِّكًا غَاصِبًا فَيُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ .
( قَالَ ) وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالتَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي ، وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ كَالْبَالِغِ ، وَهَذَا لَا يُسْتَحْلَف لِرَجَاءِ النُّكُولِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ إقْرَارُهُ صَحِيحًا يُسْتَحْلَفُ إذَا جَاءَ نُكُولُهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النُّكُولُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ وَالْبَذْلُ الْمُقَيَّدُ صَحِيحٌ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنَا أَحْلِفُ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ النُّكُولَ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمَلٌ ، فَقَدْ يَكُونُ لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَلَا يُوجَبُ بِهِ مَا لَمْ يَقْضِ شَيْئًا الْقَاضِي وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالشَّهَادَةِ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا قَالَ : أَحْلِفُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ بِالْإِقْرَارِ فِي نُكُولِهِ بِالْقَضَاءِ فَلَا رُجُوعَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَإِذَا اسْتَمْهَلَ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْهِلَهُ ، وَإِنْ طَلَبَ النَّظْرَةَ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى التَّأَمُّلِ فِي حِسَابِهِ وَمُعَامَلَتِهِ مَعَ الْمُدَّعِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْهِلَهُ ، وَإِنْ فَعَلَ وَأَمْضَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ جَازَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ ، وَهُوَ امْتِنَاعُهُ عَنْ الْيَمِينِ قَدْ تَقَرَّرَ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ نَافِذٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْعُرُوضِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( رَجُلَانِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْهَا لِرَجُلٍ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي الْحَالِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَالَ : يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ نِصْفُ الْبَيْتِ لِلْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدَّارِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَإِقْرَارُهُ فِي نِصْفِ الْبَيْتِ لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَشَرِيكُهُ ، وَإِنْ كَانَ يَتَصَوَّرُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بِتَفَرُّقِ مِلْكِهِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الضَّرَرَ لَا يَلْحَقُهُ بِالْإِقْرَارِ إنَّمَا يَلْحَقُهُ بِالْقِسْمَةِ مَعَ إقْرَارِ الْمُقِرِّ فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ فِي الْبَاقِي كَالرَّاهِنِ يُقِرُّ بِالْمَرْهُونِ لِإِنْسَانٍ فَيُعْتِقُهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَالْإِقْرَارُ مِنْهُ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَإِعْتَاقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ شَرِيكُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّا لَوْ صَحَحْنَا الْإِقْرَارَ فِي الْحَالِ تَضَرَّرَ بِهِ الشَّرِيكُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةُ الْبَيْتِ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ وَقِسْمَةُ بَقِيَّةِ الدَّارِ مَعَ الْمُقِرِّ فَيَتَفَرَّقُ عَلَيْهِ مِلْكُهُ ، وَهَذَا الضَّرَرُ يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ يُضَافُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَإِقْرَارُ الْمُقِرِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْأَمْرِ بِالْغَيْرِ ، وَلَكِنْ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ شَرِيكِهِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لِعَدَمِ مِلْكِهِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ ، ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ وَيَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْإِقْرَارِ بَعْدَ الْمِلْكِ ، وَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَنَصِيبُ الْمُقِرِّ

يُقَسَّمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ لَهُ وَيَضْرِبُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهِ بِذُرْعَانِ جَمِيعِ الْبَيْتِ وَالْمُقِرُّ بِذُرْعَانِ نِصْفِ الدَّارِ سِوَى الْبَيْتِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْرِبُ لَهُ بِذُرْعَانِ نِصْفِ الْبَيْتِ وَالْمُقِرُّ بِذُرْعَانِ نِصْفِ الدَّارِ سِوَى نِصْفِ الْبَيْتِ حَتَّى إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَالْبَيْتُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ يَضْرِبُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ وَالْمُقِرُّ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدِ عَشَرَ سَهْمًا سَهْمَانِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَتِسْعَةٌ لِلْمُقِرِّ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْرِبُ الْمُقَرُّ لَهُ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ وَالْمُقِرُّ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَيَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ عُشْرُ نَصِيبِ الْمُقِرِّ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ إقْرَارَهُ فِي نِصْفِ الْبَيْتِ صَادَفَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ ، وَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ حِينَ وَقَعَ الْبَيْتُ بِالْقِسْمَةِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا بِقَدْرِ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْبَيْتِ ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ إذَا وَقَعَ هَذَا النِّصْفُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَعِوَضُهُ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرُّ بِهِ إذَا أَخْلَفَ عِوَضًا يَثْبُتُ حَقُّ الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ فَلِهَذَا ضَرَبَ بِنَصِيبِهِ بِذُرْعَانِ نِصْفِ الْبَيْتِ وَالْمُقِرُّ بِجَمِيعِ حَقِّهِ ، وَهُوَ ذُرْعَانُ نِصْفِ الدَّارِ سِوَى الْبَيْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْكُلِّ قَدْ صَحَّ بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِ مِلْكِهِ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ فَيَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ .
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْعَقَارِ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ، وَلَوْ اشْتَرَيَا دَارًا وَاقْتَسَمَاهَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً فَالْبَيْتُ ، وَإِنْ

وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَعِوَضُهُ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ .
وَحُكْمُ الْعِوَضِ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيمَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِهِ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ عِوَضُهُ فِي نَصِيبِهِ يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي جَمِيعِهِ فَلِهَذَا ضُرِبَ بِذُرْعَانِ جَمِيعِ الْبَيْتِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْحَاصِلَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ كَمَا يَصِحُّ بِمِلْكِهِ يَصِحُّ فِي عِوَضِهِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَلِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الشَّرِيكَ ظَالِمٌ بِجُحُودِهِ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبَيْتِ فَيُجْعَلُ الشَّرِيكُ مَعَ مَا أَخَذَ فِي حَقِّهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ ظُلْمِهِ لَا يَكُونُ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَيَبْقَى حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِزَعْمِ الْمُقِرِّ فِي ذُرْعَانِ الْبَيْتِ وَحَقُّ الْمُقِرِّ فِي ذُرْعَانِ نِصْفِ الدَّارِ سِوَى الْبَيْتِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ بِطَرِيقٍ لِرَجُلٍ أَوْ بِحَائِطٍ مَعْلُومٍ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْتِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ بِبَيْتٍ مِنْهَا لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ هَذَا وَجَوَابُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَاحِدٌ إلَّا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَا إذَا اقْتَسَمَا فَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْوَرَثَةِ لِلْمُوصَى لَهُ هُنَا نِصْفُ الْبَيْتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ هُنَاكَ أَخَذَ جَمِيعَ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمُوصِي فِي نِصْفِ الْبَيْتِ صَادَفَتْ مِلْكَهُ ، وَفِي نِصْفِهِ صَادَفَتْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ .
وَمَنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهَا ، ثُمَّ مَلَكَهَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ فِيهَا فَلِهَذَا أُمِرَ الْوَرَثَةُ بِتَسْلِيمِ نِصْفِ الْبَيْتِ إلَى الْمُوصَى لَهُ ، وَفِي الْإِقْرَارِ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ ، ثُمَّ

مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلِهَذَا أَخَذَ الْمُقَرُّ لَهُ جَمِيعَ الْبَيْتِ ، وَفِيمَا سِوَى هَذَا مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ سَوَاءٌ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ .

وَإِذَا كَانَ حَمَّامٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْتَ الْأَوْسَطَ مِنْهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِشَرِيكِهِ بِأَنْ كَانَ لَا يُقَسَّمُ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا انْهَدَمَ الْحَمَّامُ يُحْتَمَلُ الْفُرْصَةُ فَلَوْ صَحَحْنَا إقْرَارَ الْمُقِرِّ تَضَرَّرَ بِهِ الشَّرِيكُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ هُنَا فَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ قِيمَةِ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ بِالْقِسْمَةِ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ الْحَمَّامَ لَا يُقَسَّمُ ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَفِي قِسْمَةِ الْحَمَّامِ تَعْطِيلُ الْمَنْفَعَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ بَقِيَ نِصْفُ الْحَمَّامِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْبَيْتَ الْأَوْسَطَ لِلْمُقِرِّ احْتَبَسَ نِصْفَهُ فِي يَدِهِ وَنِصْفَهُ فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِمَا احْتَبَسَ مِنْهُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْغَيْرِ إذَا احْتَبَسَ مِنْهُ فِي يَدِهِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لَا يَكُونُ مَجَّانًا بَلْ يَكُون مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ الْحَمَّامِ أَوْ بِثُلُثِهِ كَانَ إقْرَارُهُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى شَرِيكِهِ فِي إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِجُزْءٍ شَائِعٍ لِلْمُقَرِّ لَهُ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَالِ .

وَلَوْ كَانَ عِدْلٌ زُطِّيٌّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَإِقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ الثَّوْبِ الَّذِي عَيَّنَهُ صَادَفَ مِلْكَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى شَرِيكِهِ فَصَحَّ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَافِقَ هُنَاكَ مُتَّصِلَةٌ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فَفِي تَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ إضْرَارٌ بِالشَّرِيكِ ، وَهُنَا بَعْضُ الثِّيَابِ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْبَعْضِ ، وَلَيْسَ فِي تَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ إضْرَارٌ بِالشَّرِيكِ إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ فِي هَذَا الثَّوْبِ الْمُقِرِّ أَوْ الْمُقَرُّ لَهُ ، وَالرَّقِيقُ وَالْحَيَوَانُ قِيَاسٌ عَلَى الثِّيَابِ فِي ذَلِكَ .

وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ وَأَقَرَّ بِبَيْتٍ لِآخَرَ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ ذَلِكَ فَالدَّارُ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي نَصِيبِهِ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي نَصِيبِهِ قُسِّمَ مَا أَصَابَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الْبَيْتِ ، وَعَلَى نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بَعْدَ الْبَيْتِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ قِسْمَةِ نَصِيبِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي إقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِهِ .

وَلَوْ أَنَّ طَرِيقًا لِقَوْمٍ عَلَيْهَا بَابٌ مَنْصُوبٌ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِطَرِيقٍ فِيهِ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُرْ إقْرَارُهُ عَلَى شُرَكَائِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى يَقْتَسِمُوهَا ؛ لِأَنَّ مُرُورَهُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، فَإِنْ وَقَعَ مَوْضِعُ الطَّرِيقِ بِالْقِسْمَةِ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ انْدَفَعَ عَنْ شُرَكَائِهِ ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَ الْمُقَرَّ بِهِ نَصِيبَهُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَيْتِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَسْأَلَةِ الطَّرِيقِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَأَعَادَهَا هُنَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّهْرِ إذَا كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمْ بِشُرْبٍ فِيهِ لِرَجُلٍ لَمْ يُجَرْ عَلَى شُرَكَائِهِ لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَقَرَّ أَحَدُهُمْ أَنَّ عُشْرَ النَّهْرِ لِهَذَا الرَّجُلِ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ فَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى مِقْدَارِ نَصِيبِهِ ، وَعَلَى عَشَرَةٍ ، وَلَوْ قَالَ : لَهُ عُشْرُ الطَّرِيقِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ ، وَعِنْدَ الْمُرُورِ فِي النَّهْرِ يَتَحَاصُّونَ فِيهِ بِقَدْرِ شُرْبِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً بَيْنَهُمْ فِي الْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } فَيُمْكِنُ إدْخَالُ الْمُقِرِّ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى شُرَكَائِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَيْنٌ أَوْ رُكِيٌّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ أَحَدُهُمْ أَقَرَّ أَنَّ عُشْرَهَا لِرَجُلٍ دَخَلَ الْمُقِرُّ فِي حِصَّتِهِ ، فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ : لَهُ الْعُشْرُ وَلِي الثُّلُثُ فَحِصَّتُهُ تَكُونُ مَقْسُومَةً عَلَى ذَلِكَ يَضْرِبُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيهِ بِسَهْمٍ وَالْمُقِرُّ بِثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ ، فَإِذَا أَرَدْتَ تَصْحِيحَ السِّهَامِ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى

ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْمُقِرِّ عَشَرَةٌ ، وَإِنْ قَالَ : لَهُ الْعُشْرُ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقِسْمَةُ نَصِيبِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَهْمٌ وَلِلْمُقَرِّ ثَلَاثَةٌ .

وَلَوْ أَنَّ سَيْفًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ حِلْيَتُهُ فِضَّةٌ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ حِلْيَتَهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ وَضَمِنَ الْمُقِرُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحِلْيَةِ مَصُوغَةً مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مَا كَانَتْ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ بِالْقِسْمَةِ غَيْرُ مُمْكِنِ ، وَفِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْحِلْيَةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ اُحْتُبِسَ نِصْفُهَا فِي يَدِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ هُوَ ضَامِنًا لِمَا احْتَبَسَ عِنْدَهُ مِنْ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا .
وَكَذَلِكَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ إذَا أَقَرَّ بِجِذْعٍ فِي سَقْفٍ مِنْهَا لِرَجُلٍ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَةِ الْجِذْعِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِاحْتِبَاسِ هَذَا النِّصْفِ فِي يَدِهِ مِنْ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ بِزَعْمِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِآجُرٍّ فِي حَائِطٍ مِنْهَا أَوْ بِعُودٍ مِنْ قُبَّةٍ أَوْ بِلَوْحٍ مِنْ بَابٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِالْقِسْمَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ الْمُقَرَّ بِهِ ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِمَا فِي نَزْعِهِ مِنْ الضَّرَرِ .

وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ لِرَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ بَيْتٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إنَّ بَيْعَهُ صَادَفَ مِلْكَهُ وَتَسْلِيمُهُ بِالتَّخْلِيَةِ مُمْكِنٌ فَكَانَ بَيْعُهُ صَحِيحًا .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ جَازَ بَيْعُهُ لِنِصْفِ الْبَيْتِ لَتَضَرَّرَ بِهِ شَرِيكُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةٌ مَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْتِ وَقِسْمَةٌ مَعَ الشَّرِيكِ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ فَيَتَضَرَّرُ بِتَفَرُّقِ مِلْكِهِ ، وَالْبَيْعُ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ شَرِيكُهُ أَوْلَى .

رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ : لَكَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى مُكَاتَبِي فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حَقِّهِ كَالْحُرِّ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَكَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى فُلَانٍ الْحُرِّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَفِي هَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ حَرْفَ " أَوْ " فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ عَمَلُهُ فِي إثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْمَالِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ حِينَ جَعَلَهُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ ، فَقَدْ ازْدَادَ بُعْدًا مِنْ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا ، وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ جَدَّدَهُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ خَلَصَ لَهُ .

وَلَوْ اسْتَأْنَفَ الْإِقْرَارَ ، فَقَالَ : لَكَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْآنَ صَارَ الْتِزَامًا بِيَقِينٍ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ يَكُونُ شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ ، وَذَلِكَ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ ذِمَّةِ نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ صَحَّ الْإِقْرَارُ ، وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ صَحَّ أَيْضًا ، فَإِذَا جَعَلَ إقْرَارَهُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا كَانَ صَحِيحًا وَبِهِ فَارَقَ حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُكَاتَبِهِ خَاصَّةً لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا إلَّا أَنْ يَعْجِزَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَهُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ .

وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ التَّاجِرِ بِدَيْنٍ وَالْعَبْدُ يَجْحَدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ وَكَسْبَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إبْطَالَ حَقِّهِمْ وَلَا إثْبَاتَ مُزَاحِمٍ لَهُمْ بِقَوْلِهِ كَالْمَرْهُونِ لَمَّا صَارَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ لَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ إبْطَالَ حَقِّهِ وَإِثْبَاتَ مُزَاحِمٍ لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَصِحَّةُ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهِ دُونَ ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ الذِّمَّةِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ ، فَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ لِغُرَمَائِهِ فِي دَيْنِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّيْنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى .
وَكَذَلِكَ إنْ عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ بُعْدًا عَنْ مَوْلَاهُ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ .

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ وَتَرَكَ مَالًا فَالْإِقْرَارُ يَلْزَمُهُ إرْثًا كَانَ عَلَيْهِ وَإِرْثًا كَانَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَدَّدَ الْإِقْرَارَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَانَ مُلْتَزِمًا إيَّاهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ مُوجَبَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يُوَجِّهُ الْمُطَالَبَةَ بِقَضَائِهِ مِنْ مَالِهِ ، وَقَدْ صَارَ هُوَ الْمُطَالَبَ بِقَضَاءِ هَذَا الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ عَيْنًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْإِقْرَارَ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَتَرِكَةُ الْمُوَرِّثِ حَقُّ الْوَارِثِ فَلِهَذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ وَجَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُقِرِّ فِي ذَلِكَ .

وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ وَالْمُقِرُّ وَارِثُهُ فَالدَّيْنُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَ الْإِقْرَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَبَرٌ مُلْزِمٌ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ وَإِنَّ جِهَةَ الصِّدْقِ مَنْفِيَّةٌ فِيهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَفَسْخُهُ فِي تَعَيُّنِ جِهَةِ الْكَذِبِ فِيهِ وَبَعْدَ مَا تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الصِّدْقِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ تَعْيِينُ جِهَةِ الْكَذِبِ فِيهِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ كَمُجَدِّدِ الْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ بَعْدَ مَا خَلَصَ الْحَقُّ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ فَدَيْنُهُ وَاجِبٌ فِي تَرِكَتِهِ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ التَّرِكَةِ ، وَذَلِكَ حِينَ يُخْلِصُ حَقًّا لَهُ وَمَا دَامَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَقَرَّ بِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ فَلَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي تَرِكَتِهِ فَتُجْعَلُ هَذِهِ الْحَالُ كَحَالِ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ .

لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ عَلَى فُلَانٍ لَزِمَ الْمُقِرَّ الْمَالُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِإِقْرَارِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَإِلْزَامُ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ عَلَى فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ لِلِاسْتِدْرَاكِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ وَلَا وِلَايَةُ إلْزَامِ الْمُقَرِّ بِهِ غَيْرَهُ فَيُلْغَى آخِرُ كَلَامِهِ وَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ فَإِنَّ حَرْفَ " أَوْ " لِلتَّشْكِيكِ فَلَا يَكُونُ مَعَ ذِكْرِهِ مُلْتَزِمًا لِلْمَالِ بِإِقْرَارِهِ .

دَار بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فُلَانٍ وَأَقَرَّ الْآخَرُ أَنَّهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْمُقَرِّ لَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَرْبَاعًا فَإِنَّا نُسَمِّي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمَا مَحْجُورًا وَاَلَّذِي أَقَرَّ لَهُمَا مُقِرًّا وَشَرِيكَهُ مُكَذِّبًا فَنَقُولُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْتِي الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ إلَى الْمُقِرِّ فَيَأْخُذُ مِنْهُ رُبْعَ مَا فِي يَدِهِ وَيَضُمُّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْمُكَذِّبِ فَيَقْسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْحُودِ نِصْفَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ يَنْقَسِمُ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ رُبْعُ نِصْفِهِ يَنْقَسِمُ نِصْفَيْنِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَيَجْعَلُ سِهَامَ الدَّارِ سِتَّةَ عَشَرَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَانِيَةٌ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُقِرِّ رُبْعَ مَا فِي يَدِهِ سَهْمَيْنِ فَيَضُمُّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْمُكَذِّبِ ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فَيَصِيرُ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ ، وَهُوَ سِتَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْحُودِ نِصْفَيْنِ ، قَالَ : وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي قَاسَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ يَأْخُذُ مِنْ الْمُقِرِّ خُمُسَ مَا فِي يَدِهِ وَالْبَاقِي كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِابْنَيْنِ آخَرَيْنِ لِلْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فِي أَحَدِهِمَا وَكَذَّبَهُ فِي الْآخَرِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي قَاسَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُقِرِّ رُبْعَ مَا فِي يَدِهِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خُمُسُ مَا فِي يَدِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ

اللَّهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ يَقُولُ لِلْمُقِرِّ : قَدْ أَقْرَرْتَ بِأَنَّ الدَّارَ بَيْنَنَا أَرْبَاعًا فَلِي رُبْعُ كُلِّ نِصْفٍ مِنْ الدَّارِ ، وَفِي يَدِكَ النِّصْفُ فَأَعْطِنِي رُبْعَ مَا فِي يَدِكَ لِإِقْرَارِكَ لِي بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ رُبْعَ مَا فِي يَدِهِ ضَمَّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْمُكَذِّبِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ : قَدْ أَقْرَرْتَ بِأَنَّ حَقَّنَا فِي الدَّارِ عَلَى السَّوَاءِ ، وَإِقْرَارُهُ مُلْزِمٌ فِي حَقِّهِ .
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُقِرَّ يَقُولُ لِلْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ : أَنَا قَدْ أَقْرَرْتُ بِأَنَّ حَقِّي فِي سَهْمٍ وَحَقَّ الْجُحُودِ فِي سَهْمٍ وَحَقَّكَ فِي سَهْمٍ ، وَلَكِنَّ السَّهْمَ الَّذِي هُوَ حَقُّكَ نِصْفُهُ فِي يَدِي وَنِصْفُهُ فِي يَدِ شَرِيكِي ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَكَ بِذَلِكَ وَزِيَادَةٍ فَلَا يُضْرَبُ بِمَا فِي يَدِي إلَّا بِمَا أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ ، وَذَلِكَ نِصْفُ سَهْمٍ فَأَنْتَ تَضْرِبُ بِمَا فِي يَدِي بِنِصْفِ سَهْمٍ وَأَنَا بِسَهْمٍ وَالْمَجْحُودُ بِسَهْمٍ فَلِهَذَا أَخَذَ مِنْهُ خُمُسَ مَا فِي يَدِهِ وَضَمَّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْمُكَذِّبِ فَاقْتَسَمَا نِصْفَيْنِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ حَقَّهُمَا فِي الدَّارِ سَوَاءٌ .

وَإِذَا تَنَازَعَ الرَّجُلَانِ فِي حَائِطٍ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ إلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَحْكِيمُ وَجْهِ الْبِنَاءِ لَبْسٌ وَعِنْدَهُمَا الْحَائِطُ لِمَنْ إلَيْهِ وَجْهُ الْبِنَاءِ وَأَنْصَافُ اللَّبِنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي الْحَائِطِ وَالْحِصْنِ جَمِيعًا فَإِعَادَتُهُ هُنَا لِفُرُوعٍ ذَكَرْنَاهَا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَقَالَ : قَدْ يَجْعَلُ الرَّجُلُ وَجْهَ الْحَائِطِ إلَى الطَّرِيقِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ جَانِبَيْ الْحَائِطِ مُجَصَّصًا فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْحَائِطِ لِمَنْ يَكُونُ جَانِبُهُ مُجَصَّصًا .
وَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْحَائِطِ رَوَازِنُ أَوْ طَاقَاتٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ وَجْهُ الْبِنَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ فِي الْحِصْنِ وَالرَّوَازِنِ كَذَلِكَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَبْنِيًّا بِطَاقَاتٍ فَالْحَائِطُ لِلَّذِي إلَيْهِ الطَّاقَاتُ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الطَّاقَاتِ بِمَنْزِلَةِ وَجْهِ الْبِنَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَبْنِي الْحَائِطَ يَجْعَلُ الطَّاقَاتِ إلَى جَانِبِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَانِبَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الطَّاقَاتُ يُبْنَى مُسْتَوِيًا ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحَائِطُ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ لَا مِنْ جَانِبِ جَارِهِ وَلِهَذَا جُعِلَ وَجْهُ الْبِنَاءِ حُكْمًا فَكَذَلِكَ الطَّاقَاتُ ، وَقَالَ : وَإِنْ كَانَتْ الرَّوَازِنُ فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْآجُرِّ فَهِيَ مِثْلُ الطَّاقَاتِ فَهَذَا اللَّفْظُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا إنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرَا الرَّوَازِنَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْحَائِطِ ، فَقَدْ يَحْفِرُ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَائِطِ ، وَقَدْ يَحْفِرُ جَارُهُ لِيَدْخُلَ فِيهِ الضَّوْءُ فَأَمَّا مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ مَعَ الْحَائِطِ مِنْ الرَّوَازِنِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ حُكْمًا عِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الطَّاقَاتِ وَيُقْضَى بِالْحَائِطِ لِمَنْ إلَيْهِ اسْتِوَاءُ

تِلْكَ الرَّوَازِنِ ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ لِلْحَائِطِ يُرَاعِي الِاسْتِوَاءَ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ لَا مِنْ جَانِبِ جَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَابُ فِي حَائِطٍ فَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَغَلَقُ الْبَابَ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْبَابُ وَالْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي قَوْلِهِمَا الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْبَابُ الَّذِي إلَيْهِ الْغَلَقُ اعْتَبَرَا فِيهِ الْعَادَةَ فَإِنَّ الَّذِي يُرَكِّبُ الْبَابَ عَلَى الْحَائِطِ يَجْعَلُ الْغَلَقَ فِي جَانِبِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ الْقِيَاسَ أَنَّ الْغَلَقَ مُتَنَازِعٌ فِيهِ كَالْبَابِ وَالْعَادَةُ مُشْتَرَكَةٌ قَدْ يَجْعَلُ الْغَلَقَ إلَى جَانِبِهِ ، وَقَدْ يَجْعَلُ إلَى جَانِبِ جَارِهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَلَقَانِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَاحِدٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّاهِدِ بِالْعَلَامَةِ ، وَلَمَّا تَعَارَضَ الْغَلَقَانِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَا غَلَقَ عَلَى الْبَابِ فَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالْحَائِطِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ) ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مَعْلُومٌ وَلَا تَأْثِيرَ لِجَهَالَةِ الْمُقَرِّ بِهِ بِالْمَنْعِ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ بِإِجْبَارِ الْمُقِرِّ عَلَى الْبَيَانِ ، فَإِذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ شَاةً بِعَيْنِهَا ، فَإِنْ سَاعَدَهُ الْمُقِرُّ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهَا ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْهَا إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِهَا مُنْكِرٌ وَالْمُدَّعِيَ مُعَيِّنٌ ، وَالْمُنْكِرُ غَيْرُ الْمُعَيِّنِ فَلَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَوْ سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ اسْتِحْلَافِهِ ، وَلَكِنَّهُ بِدَعْوَى هَذِهِ الشَّاةِ صَارَ كَالرَّادِّ لِإِقْرَارِهِ فِيمَا سِوَاهُ ، فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الشَّاةِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُدَّعِي خُصُومَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ شَاةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَعْطَاهُ الْمُقِرُّ أَيَّ شَاةٍ شَاءَ مِنْ غَنَمِهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ فَكَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِ ، وَبَيَانُهُ مُطَابِقٌ لِلَفْظِهِ فَكَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ ، وَإِنْ حَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى كُلِّهِنَّ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَاةً مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِقْرَارِ ، ثُمَّ بِتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ هُنَاكَ صَارَ رَادًّا لِإِقْرَارِهِ فِيمَا سِوَى الَّتِي عَيَّنَهَا ، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مُوجِبٍ اسْتِحْقَاقَ تِلْكَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا .
وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْهَا ، وَقَالَ : لَا أَدْرِي أَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ وَجَحَدَ فَهُوَ شَرِيكُهُ فِيهَا ، فَقَدْ جَمَعَ فِي السُّؤَالِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَأَجَابَ عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَا أَدْرِي فَهُنَاكَ تَكُونُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَلَى

وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ عَشْرًا فَلَهُ عُشْرُ كُلِّ شَاةٍ ، وَإِنْ مَاتَتْ شَاةٌ مِنْهَا ذَهَبَتْ مِنْ مَالِهِمَا ، وَإِنْ وَلَدَتْ شَاةٌ مِنْهَا كَانَ لَهُمَا جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ الْحِسَابِ هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُمَا وَالْهَلَاكَ عَلَيْهِمَا ، فَأَمَّا إذَا جَحَدَ الْمُقِرُّ أَصْلًا وَمَنَعَ الْغَنَمَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَنَصِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ شَاةٌ مِنْهَا ضَمِنَ مِقْدَارَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهَا ، وَهُوَ الْعُشْرُ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ فَوَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ فِي مِلْكِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّأْنُ لِلْمُقِرِّ لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ وَوَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ يَمِينَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانِ وَالرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ فِي هَذَا مِثْلُ الْغَنَمِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ فِي دَرَاهِمِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهِيَ مِائَةٌ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّرَاهِمَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَزْنِ ، وَالْمِعْيَارُ فِيهِ وَزْنُ سَبْعَةٍ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْإِقْرَارِ إلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ فِي مَالِهِ ، وَفِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّرَاهِمِ صِغَارٌ نَقْصٌ وَكِبَارٌ وَمَالُ الْمُقِرِّ هِيَ عَشَرَةٌ نَقْصٌ لَمْ يَصَّدَّقْ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيَانٌ فِيهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ كَلَامِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَفْصُولًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا زُيُوفٌ ، فَقَالَ هِيَ مِنْهَا صُدِّقَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ تَغْيِيرِ مُوجَبِ كَلَامِهِ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرُهُ ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ لَمَّا عَيَّنَ لَهُ مَحِلًّا سِوَى ذِمَّتِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ هِيَ زُيُوفٌ صُدِّقَ ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ فِي طَعَامِي هَذَا كُرُّ حِنْطَةٍ ، وَلَمْ يَبْلُغْ الطَّعَامُ كُرًّا فَهُوَ كُلُّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ فِي مَحَلِّ عَيْنٍ ، وَلَكِنَّهُ غَلِطَ فِي الْعِبَارَةِ عِنْدَ مِقْدَارِهِ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ لَوْ لَزِمَتْهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ شَيْئًا ، وَهَذَا إذَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَوْجُودِ إلَى تَمَامِ الْكُرِّ ، وَهُوَ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ فَيُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ هَذِهِ الشَّاةُ أَوْ هَذِهِ النَّاقَةُ ، ثُمَّ جَحَدَ ذَلِكَ وَحَلَفَ مَا لَهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَادَّعَاهُمَا الطَّالِبُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالشَّاةِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَاهُمَا صَارَ مُصَدِّقًا لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ ، وَهُوَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ مُدَّعِيًا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَتَمَّ اسْتِحْقَاقُهُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَالْأَوْكَسُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ ، وَهُوَ الشَّاةُ فَلِهَذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ الْمُقَرُّ لَهُ شَرِيكًا فِي النَّاقَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ نَفَى حَقَّهُ عَنْهُمَا ، وَلَوْ نَفَى حَقَّهُ عَنْ النَّاقَةِ وَحْدَهَا بِأَنْ عَيَّنَ الشَّاةَ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ فَكَذَلِكَ هُنَا يُقْبَلُ مِنْهُ نَفْيُ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ عَنْ النَّاقَةِ فَلَا يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا ، وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ، وَقَالُوا سَمَّى لَنَا إحْدَاهُمَا فَنَسِينَاهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْغَفْلَةِ ، وَلِأَنَّهُمَا ضَيَّعَا مَا تَحَمَّلَا مِنْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُمَا تَحَمَّلَاهَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ ، وَقَدْ ضَيَّعَا ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ .

وَإِذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِحَقِّ دَارٍ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُسَمِّيَ ذَلِكَ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ بِجُزْءٍ لَهُ مِنْ الدَّارِ فَعَلَيْهِ بَيَانُ مَا أَبْهَمَ ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعُشْرِ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَلَّفَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ إقْرَارِهِ بِمَا بَيَّنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ الزِّيَادَةِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى لَهُ الْحَاكِمُ ، ثُمَّ وَقَفَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا انْتَهَى إلَى أَقَلَّ مَا يُقِرُّ بِهِ لَهُ عَادَةً اسْتَحْلَفَهُ مَا لَهُ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْأَقَلِّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي مُطْلَقُ الْإِقْرَارِ فَيَسْتَحْلِفُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ إذَا ادَّعَاهَا الطَّالِبُ ، ثُمَّ يُقْضَى - لَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَالْأَعْيَانُ الْمَمْلُوكَةُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا .

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ حَقًّا فِي هَذِهِ الْغَنَمِ قَالَ هُوَ عُشْرُ هَذِهِ الشَّاةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ مُطَابِقٌ لِإِقْرَارِهِ ، فَقَدْ يُضَافُ الْمُقَرُّ بِهِ إلَى مَحِلِّهِ الْخَاصِّ تَارَةً وَإِلَى الْعَامِّ مِنْ جِنْسِهِ تَارَةً فَيُقْبَلُ بَيَانُهُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الزِّيَادَةَ .

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ حَقًّا فِي هَذِهِ الدَّارِ ، ثُمَّ قَالَ : هُوَ هَذَا الْجِذْعُ أَوْ هَذَا الْبَابُ الْمُرَكَّبُ أَوْ هَذَا الْبِنَاءُ بِغَيْرِ أَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ مُغَيِّرٌ لَمُوجَبِ كَلَامِهِ فَإِنَّ مُوجَبَ إقْرَارِهِ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي رَقَبَةِ الدَّارِ ، وَهَذَا الْبَيَانُ يَنْفِي حَقَّهُ عَنْ رَقَبَتِهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَوْصُولًا .
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ أَنَّ فِي الدَّارِ بَيْعًا لِلْأَصْلِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَيُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ ، وَقِوَامُ الْبِنَاءِ بِأَصْلِ الدَّارِ ، وَقَدْ أَضَافَ إقْرَارَهُ إلَى أَصْلِ الدَّارِ فَلَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ فِي الصِّفَةِ وَالْبَيْعِ بَعْدُ ، فَأَمَّا فِي الْغَنَمِ بَعْضٌ لَيْسَ بَيْعًا لِلْبَعْضِ فَبَيَانُهُ فِي أَصْلِ الْغَنَمِ كَإِقْرَارِهِ فَلِهَذَا قُبِلَ مِنْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ عَنَيْتُ بِهِ الثَّوْبَ أَوْ الطَّعَامَ الَّذِي فِي الدَّارِ أَكُنْتُ أُصَدِّقُهُ ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَا أَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الدَّارِ لَيْسَ مِنْ رَقَبَةِ الدَّارِ فِي شَيْءٍ وَإِقْرَارُهُ يَتَنَاوَلُ رَقَبَتَهَا .

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ حَقًّا ، ثُمَّ قَالَ : هُوَ ثَمَرَةُ هَذِهِ النَّخْلَةِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَنَاوَلَ أَصْلَ الْبُسْتَانِ وَالثَّمَرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَصْلِهِ فِي شَيْءٍ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالنَّخْلَةِ بِأَصْلِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ فَكَانَ بَيَانُهُ مُطَابِقًا لِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ قَالَ : هِيَ لَهُ بِغَيْرِ أَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ بَيَانَهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِإِقْرَارِهِ " فَإِنَّ " حَرْفٌ فِي حَقِيقَةٍ لِلظَّرْفِ وَاسْمُ الْبُسْتَانِ لِأَصْلِ الْبُقْعَةِ وَالْأَشْجَارُ فِيهِ وَصْفٌ وَتَبَعٌ ؛ لِأَنَّ قِوَامَهَا بِالْبُقْعَةِ ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَصْلُ إقْرَارِهِ شَيْئًا مِنْ الْبُقْعَةِ أَوْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْحَقِّ ، فَإِذَا فَسَّرَهُ بِالنَّخْلَةِ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ مُطَابِقًا لِلَفْظِهِ .
فَإِنْ قِيلَ الظَّرْفُ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ فَإِنَّمَا جَعَلَ الْبُسْتَانَ مَحَلُّ حَقِّهِ ، فَإِذَا فَسَّرَهُ بِالنَّخْلَةِ فَالْبُسْتَانُ مَحَلُّ حَقِّهِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا فَسَّرَهُ بِالنَّخْلَةِ فَمَحَلُّ حَقِّهِ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْبُسْتَانِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الْبُسْتَانِ ظَرْفًا لِحَقِّهِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ جُزْءًا مِنْهَا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ حَقٌّ ، ثُمَّ قَالَ حَقُّهُ فِيهَا أَنِّي أَجَرْتُهَا إيَّاهُ سَنَةً لِيَزْرَعَهَا لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْحَقِّ فِي رَقَبَتِهَا ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَكُنْ تَفْسِيرُهُ مُطَابِقًا لِلَفْظِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ فِي الدَّارِ حَقًّا ، ثُمَّ قَالَ سُكْنَى شَهْرٍ فَتَفْسِيرُهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلَفْظِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً ثَابِتًا أَوْ بَابًا أَوْ مِلْكًا ثَابِتًا ، ثُمَّ قَالَ : هُوَ هَذَا الْبَابُ الْمُغْلَقُ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ رَقَبَةَ الدَّارِ ظَرْفًا لِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِجُزْءٍ مِنْ رَقَبَتِهَا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ فِي دَارِ وَالِدِي هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ وَالِدِي ، ثُمَّ قَالَ لَهُ سُكْنَى هَذَا الْبَيْتِ سَنَةً لَمْ يُصَدَّقْ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِشَرِكَةٍ فِي أَصْل الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّارَ ظَرْفًا لِلْمُوصَى بِهِ وَالْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا يَكُونُ تَفْسِيرُهُ مُطَابِقًا لِإِقْرَارِهِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ ، وَلَوْ وَصَلَ الْمَنْطِقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَانَ مَقْبُولًا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ إقْرَارِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى شَيْءٍ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَنْفَعَتُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَحَلُّ الْأَعْيَانِ ، فَإِذَا بَيَّنَهُ مَوْصُولًا قَبْلَ بَيَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُغَيِّرًا لِمُوجَبِ مُطْلَقِ كَلَامِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ فِيهَا مِيرَاثٌ بِسُكْنَى شَهْرٍ ، وَفِي هَذَا نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُوَرَّثُ عِنْدَنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ بَيَانُهُ هَذَا مَوْصُولًا وَكَذَا يَكُونُ بَيَانُهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَإِنَّ تَوْرِيثَ الْمَنْفَعَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، وَلَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ فَلَعَلَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ مَا قَضَى لَهُ بِهِ قَاضٍ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ .

وَإِذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ وَصَلَ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ شَرْعًا وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ ، وَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ عَلَى ظَنِّهِ .
وَكَذَلِكَ هَذَا .

وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَشَرَةٌ مِنْ الْغَنَمِ ، فَقَالَ : لِفُلَانٍ فِيهَا شِرْكُ شَاةٍ ، ثُمَّ مَاتَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْتَ خَلَطْتَ شَاتِي بِغَنَمِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُقِرُّ شَيْئًا إذَا حَلَفَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَمَانَةٌ ، وَالِاخْتِلَاطُ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ فَدَعْوَاهُ الْخَلْطَ دَعْوَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ .

وَلَوْ قَالَ : فِي زَيْتِي هَذَا لِفُلَانٍ رِطْلٌ مِنْ زِئْبَقٍ ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْتَ خَلَطْتَهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي دَعْوَاهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَى شَرِيكِهِ ابْتِدَاءً ، وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ ، وَإِذَا حَلَفَا فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الزَّيْتِ يُبَاعُ فَيَضْرِبُ صَاحِبُ الزِّئْبَقِ فِيهِ بِقِيمَةِ رِطْلٍ مِنْ زَيْتٍ لَا بِقِيمَةِ رِطْلٍ مِنْ زِئْبَقٍ وَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الزَّيْتِ قَالَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ زَيْتًا كُلَّهُ ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الزَّيْتَ هُوَ الْغَالِبُ ، وَالزِّئْبَقُ يَصِيرُ كَالْمُسْتَهْلَكِ فِيهِ وَقِيمَةُ الزِّئْبَقِ تُنْتَقَصُ بِالِاخْتِلَاطِ ، وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الزِّئْبَقِ ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّمَنِ بِقِيمَةِ مِلْكِهِ كَمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ وَعَقْدُ الْكُلِّ زَيْتٌ فَلِهَذَا ضَرَبَ بِقِيمَةِ رِطْلٍ مِنْ زَيْتٍ .

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُونَ رِطْلًا مِنْ زِئْبَقٍ فَأَقَرَّ أَنَّ فِيهِ لِرَجُلٍ رِطْلًا مِنْ بَنَفْسَجٍ بِعْتُهُ وَقَسَمْتُ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ الْبَنَفْسَجِ بِقِيمَةِ رِطْلٍ مِنْهُ وَصَاحِبُ الزِّئْبَقِ بِقِيمَةِ زِئْبَقِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَنَفْسَجَ بِالِاخْتِلَاطِ بِالزِّئْبَقِ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ حَصَلَتْ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِ الزِّئْبَقِ فَلَا يَضْرِبُ بِهَا مَعَ صَاحِبِ الزِّئْبَقِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَرْبُهُ بِقِيمَةِ مِلْكِهِ ، وَهُوَ رِطْلٌ بَنَفْسَجٍ ، وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الزِّئْبَقِ أَعْطَى صَاحِبَهُ رِطْلًا مِنْ الْبَنَفْسَجِ ، وَالزِّئْبَقُ كُلَّهُ لَهُ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ دُونَ صَاحِبِ الْبَنَفْسَجِ ؛ لِأَنَّ الْبَنَفْسَجَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا بِالزِّئْبَقِ فَإِنَّ الزِّئْبَقَ هُوَ الْغَالِبُ ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ الْأَقَلُّ يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا بِالْأَكْثَرِ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ لِمَنْ كَانَ حَقُّهُ قَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى صَاحِبِهِ نَصِيبَهُ بِضَمَانِ الْمِثْلِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَوْ وَقَعَ فِي صِبْغِ غَيْرِهِ فَانْصَبَغَ بِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِأَنَّ الثَّوْبَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالصَّبْغُ فِيهِ مُسْتَهْلَكٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَهَذَا مِثْلُهُ .

رَجُلٌ فِي يَدِهِ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ ، فَقَالَ لِرَجُلٍ : فِي ثَوْبِي هَذَا لَكَ قَفِيزٌ مِنْ عُصْفُرٍ فِي صَبْغِهِ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ قَفِيزًا مِنْ عُصْفُرٍ فِي ثَوْبِهِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُقَرِّ لَهُ صَارَ وَصْفًا لِمِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِضَمَانِ بَدَلِهِ ، وَإِنْ أَبَى بِيعَ الثَّوْبُ وَيَضْرِبُ بِهِ صَاحِبُ الْعُصْفُرِ بِقِيمَةِ مِلْكِهِ ، وَهُوَ مَا زَادَ قَفِيزٌ مِنْ عُصْفُرٍ فِي ثَوْبِهِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ ، فَإِنْ كَانَ صَبْغُهُ أَكْثَرَ مِنْ قَفِيزٍ ضَرَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْفَضْلِ مَعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مَا اسْتَحَقَّ إلَّا مِقْدَارَ قَفِيزٍ مِنْ الْعُصْفُرِ الَّذِي فِي الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لَيْسَ فِي هَذَا الثَّوْبِ زِيَادَةٌ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ عُصْفُرٍ ، وَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بَلْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ سَأَلَ الْقَاضِي أَهْلَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ الصَّبَّاغِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُحِقِّ مِنْهُمَا فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِي ذَلِكَ الْبَابِ كَمَا إذَا احْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْعَيْنِ سَأَلَ عَنْهُ مَنْ لَهُ نَظَرٌ فِيهِ ، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ يَعْرِفُ فِي ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِهِمْ وَإِلَّا الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَالْمُقَرُّ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ .

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ ، فَقَالَ : لِفُلَانٍ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ أَوْ قَالَ شَرِكَةٌ فَلَهُ النِّصْفُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ : فُلَانٌ شَرِيكِي فِي هَذَا الْعَبْدِ ، أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٌ أَوْ هُوَ لِي ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الشَّرِكَةِ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } ، ثُمَّ يُسْتَوَى فِيهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ .
وَكَذَلِكَ لَفْظُ " بَيْنَ " يَقْتَضِي الْمُنَاصَفَةَ بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا ، فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ شِرْكٌ أَوْ شَرِكَةٌ فِي الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا ذُكِرَ الشِّرْكُ مُنَكَّرًا فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ } أَيْ مِنْ نَصِيبٍ فَهَذَا وَقَوْلُهُ : لِفُلَانٍ فِي عَبْدِي نَصِيبٌ سَوَاءٌ وَهُنَاكَ الْبَيَانُ فِيهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِلَى نَفْسِهِ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَهُنَا جَعَلَهُ صِفَةً لِلْمَقَرِ بِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ فَلِهَذَا كَانَ هُوَ وَذِكْرُ النَّصِيبِ سَوَاءً ، وَإِنْ فَصَلَ الْكَلَامَ ، فَقَالَ هُوَ شَرِيكِي فِيهِ بِالْعُشْرِ أَوْ هُوَ مَعِي شَرِيكٌ بِالْعُشْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشَّرِكَةِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ ، وَلَكِنْ عَلَى احْتِمَالِ التَّفَاوُتِ فَكَانَ بَيَانُهُ مُغَايِرًا لِمَا اقْتَضَاهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِي وَلِفُلَانٍ لِي الثُّلُثَانِ وَلِفُلَانٍ الثُّلُثُ .

وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ مَعَهُ شِرْكًا فِي هَذَا فَهُوَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فِيهِ شُرَكَائِي ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَيَانُ فِيهِ إلَى الْمُقِرِّ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .

وَإِذَا قَالَ : قَدْ أَشْرَكْتُ فُلَانًا فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ فَفِي الْقِيَاسِ لَهُ رُبْعُهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْرَكْتُ فُلَانًا فِي هَذَا الْعَبْدِ كَانَ لَهُ نِصْفُهُ ، فَإِذَا قَالَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ ، وَهُوَ الرُّبْعُ ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُوجَبِ وَالْقَابِلِ فَبِمَا أُضِيفَ الْإِيجَابُ إلَيْهِ ، وَقَدْ أُضِيفَ هُنَا إلَى نِصْفِ الْعَبْدِ ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ، فَقَالَ لَهُ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَشْرَكْتُ فُلَانًا فِي نِصْفِ الْعَبْدِ أَيْ بِنِصْفِ الْعَبْدِ ، فَقَدْ يُسْتَعَارُ حَرْفُ " فِي " لِمَعْنَى الْبَاءِ مَجَازًا ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَبَيْنَ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ نَوْعُ إلْصَاقٍ فَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَعَارَ حَرْفُ " فِي " لِمَعْنَى الْبَاءِ ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ لِعَدَمِ إمْكَانِ اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ جَعَلَ لَهُ رُبْعَ الْعَبْدِ كَانَ شَرِيكًا فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ لَا فِي نِصْفِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ مُشَارِكٌ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ .

وَإِذَا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ ، ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ ، وَمُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ الدَّيْنُ فَتَفْسِيرُهُ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ مُعْتَبَرٌ لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ ، ثُمَّ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَحَقُّ الدَّيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَفِي تَخْصِيصِهِ نَفْسَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ .

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَى عَبْدِي هَذَا حَقٌّ ، ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الدَّيْنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " عَلَيَّ " لِلِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعُلُوِّ وَمَعْنَاهُ عَلَاهُ مَا أَقَرَّ نَفْيًا لِلْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى صَارَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الشَّرِكَةَ فِي الرَّقَبَةِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُقِرِّ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ .
وَلَوْ قَالَ : لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا الْعِتْقُ أَوْ قَالَ فِي عَبْدِي فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الرَّقَبَةِ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهَا قَوْلُ الْمُقِرِّ .

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ حَقٌّ فِي عَبْدِي هَذَا أَوْ فِي أَمَتِي هَذِهِ فَادَّعَى الطَّالِبُ حَقَّهُ فِي الْأَمَةِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَحْلِفُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى غَيْرُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَهُوَ إنَّمَا ادَّعَاهُ فِي مُعَيَّنٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ فِيمَا سِوَى الْمَحِلِّ الَّذِي عَيَّنَهُ وَمُدَّعِيًا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مُوجَبِ إقْرَارِهِ بِمَا تَضَمَّنَ دَعْوَاهُ مِنْ رَدِّ إقْرَارِهِ الْحَقَّ فِي الْعَبْدِ ، وَإِنْ ادَّعَى فِيهِمَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى أَنْ يُقِرَّ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ بِطَائِفَةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَادَّعَى زِيَادَةً عَلَيْهِ ، وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ يَتِمُّ بِتَصْدِيقِهِ فَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَبِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ فِي مِقْدَارِ مَا تَنَاوَلَهُ إقْرَارُهُ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الطَّالِبِ إنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ .

وَإِنْ أَقَرَّ بِحَائِطٍ لِرَجُلٍ ، وَقَالَ : عَنَيْتُ الْبِنَاءَ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يُصَدَّقْ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَائِطِ بِأَرْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَرْضِ ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَبْنِيِّ يَكُونُ آجُرًّا وَخَشَبًا وَلَبِنًا وَتَدًا ، وَهُوَ لَا يَكُونُ حَائِطًا فَكَانَ فِي إقْرَارِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَرْضِ ، وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَكَانَ بَيَانُهُ هَذَا مُغَايِرًا لِمُقْتَضَى مُطْلَقِ كَلَامِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأُسْطُوَانَةٍ فِي دَارِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَبْنِيَّ مِنْ الْأُسْطُوَانَةِ بِالْآجُرِّ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ أُسْطُوَانَةً مَا لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا كَالْحَائِطِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ خَشَبٍ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الْخَشَبَةُ دُونَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أُسْطُوَانَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا يَعُدُّهُ فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْمُقِرِّ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ ، فَإِنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ رَفْعُهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ أَخَذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِضَرَرٍ ضَمِنَ الْمُقِرُّ قِيمَتَهَا لِلطَّالِبِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ سَاجَةً وَبَنَى عَلَيْهَا فَإِنَّ حَقَّ صَاحِبِ السَّاجَةِ يَنْقَطِعُ عَنْ السَّاجَةِ وَيُقَرَّرُ فِيهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْبِنَاءِ عِنْدَنَا وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ .

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنَخْلَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ فِي بُسْتَانِهِ فَهِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا مِنْ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ إذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَرْضِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَتُسَمَّى خَشَبَةً فَكَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ مَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا فِي إقْرَارِهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَ نَخْلَةً أَوْ شَجَرَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ بَاعَهَا بِأَصْلِهَا فَلَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ ، وَإِنْ بَاعَهَا لِيَقْطَعَهَا الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ ، وَإِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ مَوْضِعُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا مُطْلَقًا فَلَهُ مَوْضِعُ أَصْلِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ عُرُوقُهَا مِنْ الْأَرْضِ فَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ ، وَقَالَ : الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ كَانَ فِي النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ وَلَا تَكُونُ نَخْلَةً وَشَجَرَةً إلَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الْبَيْعُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ إلَّا مَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ ، وَالتَّنْصِيصُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى النَّابِتِ دُونَ مَوْضِعِهِ الَّذِي نَبَتَ عَلَيْهِ وَمَوْضِعُهُ الَّذِي نَبَتَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَانِعًا لِلنَّابِتِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِهِ النَّابِتَةَ وَبِالْبَيْعِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي اسْتِدَامَتِهِ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ مِلْكٍ سَابِقٍ لِلْمُقَرِّ لَهُ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِدَامَتِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِمَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَاسْتَحَقَّ مَوْضِعَهَا مِنْ الْأَرْضِ بِدَلَالَةِ كَلَامِهِ وَالْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فِي الْإِقْرَارِ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ .

وَلَوْ أَقَرَّ بِثَمَرَةٍ فِي نَخْلٍ لَمْ تَكُنْ النَّخْلَةُ لَهُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّمَرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ الِاتِّصَالِ بِالنَّخْلِ بِخِلَافِ اسْمِ الْحَائِطِ وَالنَّخْلَةِ ، وَلِأَنَّ اتِّصَالَ الثِّمَارِ بِالنَّخْلِ لَيْسَ بِأَصْلٍ بَلْ هُوَ لِلْإِدْرَاكِ حَتَّى تُجَدَّ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَيَفْسُدُ إذَا تُرِكَ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ النَّخْلِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ بِالثَّمَرَةِ ، أَمَّا اتِّصَالُ الْبِنَاءِ بِالْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِالْأَرْضِ فَلِلْقَرَارِ وَلِهَذَا دَخَلَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِهِمَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِمَوْضِعِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ .

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِكَرْمٍ فِي أَرْضٍ كَانَ لَهُ الْكَرْمُ بِأَرْضِهِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَرْمِ يَجْمَعُ الشَّجَرَ وَالْأَرْضَ عَادَةً وَمُطْلَقُ اللَّفْظِ فِي الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَمَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ عَادَةً فَهُوَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْبُسْتَانِ كَانَ لَهُ الشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالنَّخْلُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبُسْتَانِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَجْمَعُ الْكُلَّ فَأَصْلُ الِاسْمِ لِلْأَرْضِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّخِيلِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ فَيَكُونُ الِاسْمُ جَامِعًا لِلْكُلِّ .

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا النَّخِيلَ لِفُلَانٍ فَأَرَادَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَهُ النَّخْلُ بِأُصُولِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ وَلَا مَا بَيْنَ النَّخِيلِ مِنْ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ النَّخِيلَ اسْمٌ لِلشَّجَرِ ، وَلَكِنْ لَا يُسَمَّى نَخْلًا إلَّا ، وَهُوَ ثَابِتٌ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَلْعِ فَيُسَمَّى جُذُوعًا فَدُخُولُ مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ لِضَرُورَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى اسْمِ النَّخْلِ فِي إقْرَارِهِ ، وَهُوَ لَا يُعَدُّ وَمَوْضِعُ أُصُولِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الطَّرِيقِ وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَنَى هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى مَعْنَى كَلَامِ النَّاسِ وَمَا يُطْلِقُونَهُ فِي عِبَارَاتِهِمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ .

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأُصُولِ عَشَرَةٍ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ مَعْرُوفَةٍ كَانَ لَهُ تِلْكَ الْعَشَرَةُ بِأُصُولِهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالنَّخْلِ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالْكَرْمِ ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِأَشْجَارٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْهَا فَتَدْخُلُ أُصُولُهَا لِدَلَالَةِ لَفْظِهِ وَلَا يَدْخُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِ .

وَلَوْ قَالَ : بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ كَانَ لَهُ الْبِنَاءُ دُونَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي لَفْظِهِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْأَرْضُ لَيْسَتْ مِنْ الْبِنَاءِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ ، فَقَالَ : النَّخْلُ يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ اسْمَ الْبِنَاءِ يَثْبُتُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ فِيمَا ارْتَفَعَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ لَا فِي الْأَرْضِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ بِذِكْرِ الْبِنَاءِ ، فَأَمَّا اسْمُ النَّخْلِ فَلَا يَحْدُثُ بِفِعْلِ الْعِبَادِ بَلْ بِالنَّبَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُسَمَّى نَخْلًا إلَّا ، وَهُوَ نَابِتٌ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّ بِتَسْمِيَةِ النَّخْلِ مَوْضِعَهُ مِنْ الْأَرْضِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ بِنَاءُ هَذَا الْحَائِطِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْضَ لِمَا قُلْنَا .

وَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ دَارِهِ يَصِحُّ ، وَبَيَانُ الْمِقْدَارِ إلَى الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ إقْرَارِهِ يَحْتَمِلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ فَالْجُزْءُ مِنْ الْجُزْأَيْنِ يَكُونُ نِصْفًا وَمِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ يَكُونُ عُشْرًا فَكَانَ بَيَانُهُ مُقَرِّرًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ لَا مُغَيِّرًا فَصَحَّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا .
وَكَذَلِكَ النِّصْفُ وَالنَّصِيبُ وَالْحَقُّ وَالطَّائِفَةُ ، الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْمُقِرِّ وَيُقْبَلُ بَيَانُهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظٍ عَنْ ظَاهِرِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إذَا نَوَى الزَّوْجُ بِهَا شَيْئًا انْصَرَفَ إلَيْهِ .

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِسَهْمٍ فِي دَارِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ السُّدُسُ .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَصَايَا ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْصَرِفُ السَّهْمُ إلَى السُّدُسِ أَخْذًا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ وَعِنْدَهُمَا السَّهْمُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَإِنَّ سَهْمًا مِنْ سَهْمَيْنِ يَكُونُ النِّصْفَ وَمِنْ عَشَرَةٍ يَكُونُ الْعُشْرَ فَهُوَ وَالْجُزْءُ وَالنَّصِيبُ سَوَاءٌ .

وَإِذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِنَقْضِ الْحَائِطِ فَلَهُ الْبِنَاءُ دُونَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ اسْمٌ لِمَا يُبْنَى بِهِ الْحَائِطُ مِنْ لَبِنٍ وَآجُرٍّ وَخَشَبٍ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِجِذْعِ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَلَهُ الْجِذْعُ دُونَ الْأَرْضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ إضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ الصِّغَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا ) ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ ، وَهُوَ صَبِيٌّ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الطَّالِبُ : بَلْ أَقْرَرْتَ بِهَا لِي بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الْوُجُوبَ بِهِ فَإِنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ هَدَرٌ فِي الْإِقْرَارِ وَالصِّبَا حَالٌ مَعْهُودَةٌ فِي كُلِّ أَحَدٍ فَكَانَ هُوَ فِي الْمَعْنَى مُنْكِرًا لِلْمَالِ لَا مُقِرًّا بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ هُوَ قَدْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فِي إقْرَارِهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ التَّارِيخِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قُلْنَا : الْمَصِيرُ إلَى هَذَا التَّرْجِيحِ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ مُلْزِمًا ، وَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي حَالِ الصِّبَا غَيْرَ مُلْزِمٍ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُدَّعِيًا لِلتَّارِيخِ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الْمَالِ عَلَيْهِ كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُكَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ فَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَقْرَرْتُ لَهُ بِهَا فِي حَالِ نَوْمِي لِأَنَّ النَّوْمَ حَالٌ مَعْهُودَةٌ تُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ فِيهَا فَإِنَّ أَصْلَ الْقَصْدِ يَنْعَدِمُ مِنْ النَّائِمِ وَالْقَصْدُ الْمُعْتَبَرُ يَنْعَدِمُ مِنْ الصَّبِيِّ ، فَإِذَا كَانَ إضَافَةُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ الصِّبَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَإِضَافَتُهُ إلَى حَالِ النَّوْمِ يَكُونُ إنْكَارًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَقْرَرْتُ بِهَا قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا يُذْكَرُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْكَارِ عَادَةً .

وَلَوْ قَالَ أَقْرَرْتُ لَهُ وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ بِرْسَامٍ أَوْ لَمَمٍ ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ فِيهِ فَكَانَ هُوَ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْحَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَعْهُودَةٍ مُدَّعِيًا لِمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْأَصْلِ مُلْزِمٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَانِعُ مِنْهُ ، وَالْمَانِعُ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ مَعْهُودٍ تُنَافِي صِحَّتَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَى حَالٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا بَلْ تَكُونُ دَعْوَى الْمُسْقِطِ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ الْمُلْزِمِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ .

وَلَوْ قَالَ : أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ مَرَضٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا فَإِنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ عَنْ الْأَقْوَالِ لَا عَنْ الْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْعَقْلِ بِوُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ الصِّبَا وَالْجُنُونُ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ وَظُهُورِ الْفِعْلِ بِإِقْرَارِهِ ، فَإِذَا كَانَ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا حِينَ أَقَرَّ بِهِ وَالْفِعْلُ مَلْزُومًا فِيهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ تَقَرَّرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ إيَّاهُ .

وَلَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الذِّمَّةِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَبِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ لَهُ ، وَهُوَ عَبْدٌ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا ، وَإِنَّمَا لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَكَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَقَرَّ لِفُلَانٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي دُخْلَةٍ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ ، أَوْ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَقْرَرْتُ لَهُ وَأَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُسْلِمُ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ حِينَ كَانَ حَرْبِيًّا فَذَلِكَ كُلُّهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَوُجُوبُ الْمَالِ بِهَا فَإِنَّا لَوْ عَايَنَّا إقْرَارَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ .

وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ ، وَقَالَ فُلَانٌ أَقْرَرْتَ لِي بِهَا بَعْدَمَا أُعْتِقَتْ لَزِمَهُ الْمَالُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالِ رَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِقْرَارِ مُلْزِمًا فَكَانَ مُلْتَزِمًا الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ قَاصِدًا إلَى تَحْوِيلِهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إلَى مَوْلَاهُ بِإِسْنَادِهِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ رَقِّهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إلَى غَيْرِهِ .

وَلَوْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ قَدْ كَانَ حَرْبِيًّا أَنَّهُ أَخَذَ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ مَا كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ حَالَ مَا كَانَ حَرْبِيًّا ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بَعْدَ إسْلَامِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَى حَالِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ فِي الْأَصْلِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَادَّعَى تَمَلُّكَهَا عَلَيْهِ بِإِضَافَةِ الْأَخْذِ حَالَ كَوْنِهِ حَرْبِيًّا فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَهْلِكَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَالَ مَا كُنْتَ عَبْدًا لِي أَوْ قُطِعَتْ يَدُكَ حَالَ مَا كُنْتَ عَبْدًا لِي ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لَا بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَعْتَقْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ فِي قَوْلِهِمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ وَالْقَطْعِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَيَكُونُ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقَتِهِ وَطِئْتُكِ حَالَ مَا كُنْتِ أَمَةً لِي أَوْ قَالَ لِمُعْتَقِهِ أَخَذْتُ مِنْكَ الْغَلَّةَ شَهْرَ كَذَا حِينَ كُنْتَ عَبْدًا لِي أَوْ قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ مَا عُزِلَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا فِي حَالِ مَا كُنْتُ قَاضِيًا وَأَخَذْتُهُ فَدَفَعْتُهُ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ : قَطَعْتُ يَدَكَ وَأَنْتَ عَبْدٌ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : بَلْ قَطَعْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِلْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ

وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ فَقَأْتُ عَيْنَكَ الْيُمْنَى وَعَيْنِي صَحِيحَةٌ ، ثُمَّ ذَهَبَتْ ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُكَ ذَاهِبَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ لِلْأَرْشِ ، وَبَيَانُهُ هُوَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ ، وَهُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } وَأَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالِ رَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأَخْذِ وَالْقَطْعِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَدْيُونًا كَانَ أَخْذُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ قَطْعُ يَدِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ أَخْذُهُ مِنْ الْحَرْبِيِّ قَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمِنًا فِي دَارِنَا فَلَمْ يَكُنْ هُوَ فِي إقْرَارِهِ مُنْكِرًا لِأَصْلِ الِالْتِزَامِ بَلْ كَانَ مُدَّعِيًا لِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ ، فَإِنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ غَيْرُ مُوجَبٍ عَلَيْهِ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْيُونَةً أَوْ غَيْرَ مَدْيُونَةٍ .
وَكَذَلِكَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي حَالِ وِلَايَتِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَإِنَّمَا أَضَافَ الْإِقْرَارَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى حَالٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الضَّمَانَ أَصْلًا فَكَانَ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِفْهَامِ ) ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ : أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَمْسِ ، فَقَالَ الطَّالِبُ بَلَى فَجَحَدَهُ الْمُقِرُّ فَالْمَالُ يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " أَلَيْسَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي " اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّقْرِيرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } وَمَعْنَى التَّقْرِيرِ أَنَّكَ قَدْ أَقْرَضْتَنِي ، قَوْلُ الطَّالِبِ بَلَى تَصْدِيقٌ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَمَا أَقْرَضْتَنِي أَمْسِ أَوْ قَالَ أَلَمْ تُقْرِضْنِي أَمْسِ فَهَذَا اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّقْرِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الطَّالِبُ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ بَلَى كَانَ هَذَا إقْرَارًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلَيْسَ اسْتِفْهَامٌ وَقَوْلُهُ بَلَى جَوَابٌ عَنْهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ بَلَى لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } مَعْنَاهُ بَلَى أَنْتَ رَبُّنَا ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ كَلِمَةَ بَلَى جَوَابُ الِابْتِدَاءِ بَلْ هُوَ نَفْيٌ ، وَقَدْ قُرِنَ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَكَلِمَةُ نَعَمْ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ الْمَحْضِ ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مَتَى كَانَ بِحَرْفِ الْإِثْبَاتِ فَقَوْلُ نَعَمْ جَوَابٌ صَالِحٍ لَهُ وَمَتَى كَانَ بِحَرْفِ النَّفْيِ فَجَوَابُ مَا هُوَ إثْبَاتٌ بَعْدَ النَّفْيِ ، وَهُوَ كَلِمَةُ بَلَى يُقَالُ فِي تَبَدُّلِ الْكَلَامِ لَا بَلْ كَذَا فَلِهَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ بَلَى جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ بِلَفْظِ النَّفْيِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ " أَلَسْتُ " ، ثُمَّ ذُكِرَ مَسَائِلُ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي قَوْلِهِ أَقْرَضْتَنِي وَأَعْطَيْتَنِي إذْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَقْبِضْ وَزَادَ هُنَا لَوْ قَالَ : أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَتْرُكْنِي أَذْهَبُ بِهَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ وَصَلَ كَلَامُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِفِعْلٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ ، وَهُوَ الْأَخْذُ فَكَانَ هُوَ مُدَّعِيًا إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ

بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْغَاصِبِ يَدَّعِي الرَّدَّ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَانْتَزَعْتُهَا مِنِّي لَمْ يُصَدَّقْ ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الِانْتِزَاعِ مِنْهُ دَعْوَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِهِ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الرَّدِّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَصْلَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِيمَا هُوَ بَيَانٌ ، فَأَمَّا دَعْوَى الْفِعْلِ الْمُسْقِطِ لِلضَّمَانِ فَلَيْسَ يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَالْمَوْصُولُ وَالْمَفْصُولُ فِيهِ سَوَاءٌ .

وَلَوْ أَقَرَّ قَصَّارٌ أَنَّ فُلَانًا سَلَّمَ إلَيْهِ ثَوْبًا يُقَصِّرُهُ ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ ، فَإِنْ وَصَلَهُ بِكَلَامِهِ صُدِّقَ ، وَإِنْ قَطَعَهُ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ أَسْلَمَ إلَيْهِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَالتَّسْلِيمَ لُغَةٌ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَكُونُ تَمَامُهُ بِالْقَبْضِ ، وَلَكِنْ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدَ دُونَ الْقَبْضِ ، فَإِذَا قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ هَذَا بَيَانًا مُعْتَبَرًا لِمُوجَبِ ظَاهِرِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا .

وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْطَيْتَنِي أَمْسِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهَلْ هِيَ أَلْفٌ ؟ فَهَذَا اسْتِفْهَامٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَ كَانَ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَ كَانَ إخْبَارًا بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِمُوجِبِهِ ، وَإِذَا نَقَدَ الْأَلْفَ ، فَقَدْ ضَمَّ صِيغَةَ الْإِخْبَارِ لِلْفِعْلِ بِأَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخَذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ } ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إخْبَارًا عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا إخْبَارًا لَكَانَ تَبَرُّؤُهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ { سُبْحَانَكَ } تَكْذِيبًا فَعَرَفْنَا مِثْلَ هَذَا إذَا قُرِنَ بِهِ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَنِي ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ فَإِنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا قُرِنَ بِهِ ، فَإِذَا قُرِنَ بِحَرْفِ النَّفْيِ ، وَهُوَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ النَّفْيِ فَيَكُونُ تَقْرِيرًا ، وَإِذَا قُرِنَ بِالْفِعْلِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالْإِعْطَاءِ .

وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَقَدْ دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيِ الْإِقْرَارِ وَإِثْبَاتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ؛ لِأَنَّ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ فِي اخْتِيَارِ أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَلِأَنَّ حَرْفَ أَوْ إذَا دَخَلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ كَانَ مُقْتَضَاهُ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ .
وَقَوْلُنَا إنَّهُ لِلتَّشْكِيكِ مَجَازٌ فَإِنَّ التَّشْكِيكَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِيُوضَعَ لَهُ لَفْظٌ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَاهُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّشْكِيكِ مَجَازًا فَهُنَا لَمَّا كَانَ عَمَلُهُ فِي إثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ إمَّا الْإِقْرَارُ وَإِمَّا الْإِنْكَارُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْإِقْرَارُ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لَمْ أَغْصِبْكَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَوْدَعْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ لَمْ تُودِعْنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى فُلَانٍ قَالَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُلْتَزِمًا لِلْمَالِ عَيْنًا وَمَا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ الْتِزَامًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فُلَانٌ ذَلِكَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ ذِمَّةً صَالِحَةً لِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فَإِدْخَالُهُ حَرْفَ أَوْ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهُ فِيهِ يَقْتَضِي أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ أَنَا أَوْ فُلَانٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قَالَ عَلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ الْحِمَارِ لَزِمَهُ الْمَالُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِمَا ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْعَتَاقِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَحَائِطٍ أَوْ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ فِي هَذِهِ

الْمَسْأَلَةِ هُمَا يَقُولَانِ عَمَلُ حَرْفِ " أَوْ " فِي شَيْئَيْنِ ضَمُّ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ آخَرَ إلَيْهِ وَنَفْيُ الِالْتِزَامِ عَنْ نَفْسِهِ عَيْنًا وَهُنَا إعْمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا مُمْكِنٌ ، وَهُوَ نَفْيُهُ الِالْتِزَامَ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ عَامِلًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَوْ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ قَوْلُهُ لَكَ عَلَيَّ الْتِزَامٌ تَامٌّ ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ مَعْنَى الِالْتِزَامِ بِالتَّرَدُّدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَذْكُورِ آخِرًا ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا التَّرَدُّدُ إذَا كَانَ الْمَذْكُورُ آخِرًا مَحِلًّا لِالْتِزَامِ الْمَالِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِذَلِكَ كَانَ ذِكْرُهُ فِي مَعْنَى الِالْتِزَامِ لَغْوًا يَبْقَى هُوَ مُلْتَزِمًا الْمَالَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ عَيْنًا ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ لِفُلَانٍ آخَرَ عَلَيَّ دِينَارٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ حَرْفَ " أَوْ " بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ شَخْصَيْنِ أَقَرَّ لَهُمَا فَمَنَعَ ذَلِكَ تَعَيُّنَ أَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوْ تَعَيُّنَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مُقِرًّا لَهُ فَلَا يَكُونُ هُوَ بِهَذَا الْكَلَامِ مُلْتَزِمًا شَيْئًا .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ .

وَلَوْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى عَبْدِي فُلَانٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَالُ لَازِمٌ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ عَيَّنَ ذِمَّتَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ كَسْبِ عَبْدِهِ ، وَهُوَ مِلْكُهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ عَبْدِهِ وَمَالِيَّتَهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ذَكَرَ غَرِيمَ الْعَبْدِ مَعَ نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَارِ وَأَدْخَلَ حَرْفَ أَوْ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ سَقَطَ دَيْنُ الْعَبْدِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ ، وَهُوَ عَبْدٌ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عِنْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْ الْعَبْدِ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِ إنْسَانٍ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ ) ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ بَيْتِ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ هِيَ لِي أَوْ قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ آخَرَ تَلْزَمُهُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَيْتِ فُلَانٍ فِي يَدِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْتِ فِي يَدِهِ وَيَدُهُ الثَّابِتَةُ عَلَى مَكَان تَكُونُ ثَابِتَةً عَلَى مَا فِيهِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ إنْسَانٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ بَيْتِهِ أَوْ فِي زَوْجَتِهِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَيَتَرَجَّحُ بِالْبَيِّنَةِ فِي الزَّوْجَةِ فَإِقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْ يَدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ مَا لَمْ يُثْبِتْ لِنَفْسِهِ حَقًّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا قَوْلَ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لِآخَرَ وَأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ ضَمِنَ لَهُ مِثْلَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ وَقَبْضَهُ مَالَ الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَصَبْتُهُ مِنْهُ أَوْ أَخَذْتُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْأَخْذِ وَالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَخْذِ يُطْلَقُ عَلَى قَبْضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَفْظَ الْقَبْضِ يُطْلَقُ عَلَى قَبْضٍ بِحَقٍّ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ الْأَخْذِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَكُونُ بِحَقٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ } وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ الْإِقْرَارُ بِهِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي لَفْظَةِ الْقَبْضِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبَضْتُ مِنْ صُنْدُوقِ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مِنْ كِيسِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ سَفَطِ فُلَانٍ ثَوْبًا أَوْ مِنْ قَرِيَّةِ فُلَانٍ كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ مِنْ نَخْلِ فُلَانٍ كُرَّ تَمْرٍ أَوْ مِنْ زَرْعِ فُلَانٍ

كُرَّ حِنْطَةٍ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ مِنْ يَدِهِ أَوْ جَعَلَ الْمَقْبُوضَ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبَضْتُ مِنْ أَرْضِ فُلَانٍ عِدْلَ زُطِّيٍّ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالزُّطِّيِّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي أَرْضِهِ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ الْمُقِرُّ بِمَا بَيَّنَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ يَدًا فِي أَرْضِهِ ، وَلَمْ يُعْرَفْ سَبَبُ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَى بَقِيَ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ يَدِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَخَذْتُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ كُنْتُ فِيهَا سَاكِنًا أَوْ كَانَتْ مَعِي بِإِجَارَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ سَبَبِ ثُبُوتِ يَدِهِ فِي الدَّارِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ ، فَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ وَأَنَّهُ نَزَلَ أَرْضَ فُلَانٍ أَبْرَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ سَبَبَ ثُبُوتِ يَدِهِ فِي الْمَكَانِ بِالْحُجَّةِ ، وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَلَوْ عُلِمَ كَوْنُ الدَّارِ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ كَوْنُهُ نَازِلًا فِي أَرْضٍ وَعَايَنَاهُ أَنَّهُ أَخْلَاهَا مَتَاعًا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا قُرِنَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ يَصِيرُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ مَا سِوَى هَذَا الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ لِفُلَانٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ الْبُيُوتِ وَالْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي إخْرَاجِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاوِلًا لَهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا لِي أَوْ قَالَ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ

صَحِيحٌ إذَا كَانَ يَبْقَى بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ .

وَلَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَتْ كُلُّهَا لِفُلَانٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي دَعْوَى ، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ فَإِنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَلَا يُعْطَفُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ جَمِيعُ الدَّارِ مُسْتَحَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَكَانَ الْمُقِرُّ مُدَّعِيًا بَيْتًا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِي أَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ وَنَخْلُهَا لِي أَوْ النَّخْلُ بِأُصُولِهَا لِفُلَانٍ وَالثَّمَرَةُ لِي لَا يُصَدَّقُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ وَالثَّمَرُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَكَانَ هُوَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِحُجَّةٍ .

وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ أَيْضًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْبِنَاءُ تَابِعٌ ، وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ مَفْصُولًا فَإِنَّ اسْمَ الدَّارِ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ مِنْ الْبُقْعَةِ وَالْبِنَاءُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ نَصًّا لِأَنَّهُ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاوِلًا لَهُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُصْرَفُ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ يَجْعَلُهُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ نَصًّا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ لَوْلَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَنْعَدِمُ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ أَنَّ هَذِهِ التَّبَعِيَّةَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ .
وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى فَدَلِيلُ الْمُعَارَضَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ تَبَعًا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ قَصْدًا ، وَبَيَانُهُ يَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخْلَةً بِغَيْرِ أَصْلِهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْحِلْيَةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهَا لِي أَوْ هَذَا الْخَاتَمُ لِفُلَانٍ إلَّا فَصَّهُ فَإِنَّهُ لِي أَوْ هَذِهِ الْحَلْقَةُ لِفُلَانٍ إلَّا فَصَّهَا فَإِنَّهُ لِي فَفِي هَذَا كُلِّهِ مَا جَعَلَهُ مُسْتَثْنًى لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ نَصًّا وَإِنَّمَا كَانَ دُخُولُهُ تَبَعًا فَلَا يَعْمَلُ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بَلْ هُوَ وَالدَّعْوَى الْمُبْتَدَأَةُ سَوَاءٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِحُجَّةٍ .

وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَأَقَامَ الثَّانِيَ مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ وَلِفُلَانٍ أَوْ لِي وَلِفُلَانٍ فَالدَّارُ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَرُجُوعُهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ بَاطِلٌ كَمَا فِي جَمِيعِهِ ، وَإِنْ قَالَ ابْتِدَاءً إنَّهَا لِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ فَوَصَلَ الْمَنْطِقَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ ، وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَايِرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ فَيَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَصَارَ كَقَوْلِهِ هِيَ لَهُمَا ، فَإِنْ وَصَلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ لِفُلَانٍ الثُّلُثَانِ وَلِفُلَانٍ الثُّلُثُ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى أَوَّلِ كَلَامِهِ الْمُنَاصَفَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى احْتِمَالِ التَّفَاوُتِ فَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ بَيَانًا مُغَايِرًا ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ مَوْصُولًا .

وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ رَجُلٍ ، ثُمَّ قَالَ الْجَارِيَةُ لِفُلَانٍ وَالْوَلَدُ لِي فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا نَصَّ الْمُقِرُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الْبِنَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ تَبَعًا لِلْأُمِّ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَهُ بِهِ اسْتَحَقَّ وَلَدَهَا مَعَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْأَصْلِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْبَاعَةَ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَعْضِ بِالْيَمِينِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ مِنْ مِلْكِهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا لَهُ ، فَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْيَمِينِ ، وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ لَهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَالِ وَلِهَذَا جُعِلَ الْإِقْرَارُ كَالْإِيجَابِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ انْفِصَالُ الْوَلَدِ مِنْ مِلْكِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلَيْنِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يَسْتَحِقُّ الْوَلَدَ فِيهِمَا ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَدَ فِيهِمَا ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ ، وَعَلَى هَذَا وَلَدُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّمَارِ الْمَجْدُودَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ .

وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صُنْدُوقٌ فِيهِ مَتَاعٌ ، فَقَالَ : الصُّنْدُوقُ لِفُلَانٍ وَالْمَتَاعُ الَّذِي فِيهِ لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَهُ لِنَفْسِهِ نَصًّا ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِي الصُّنْدُوقِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلصُّنْدُوقِ فَالصُّنْدُوقُ وِعَاءٌ لِمَا فِيهِ وَالْمُوعَى لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْوِعَاءِ .
وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ يَكُونُ فِي الدَّارِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلدَّارِ .

وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ الدَّارُ لِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ فَفِي قَوْلِهِ " وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ " إقْرَارٌ بِالْأَصْلِ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ يُوجِبُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ لَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ جَمِيعًا .

وَلَوْ قَالَ الْبِنَاءُ لِفُلَانٍ وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ كَانَ الْبِنَاءُ لِلْأَوَّلِ وَالْأَرْضُ لِلثَّانِي كَمَا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ هُنَا إقْرَارٌ مُعْتَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْأَوَّلِ فَهَبْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ ، وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ فِيمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ لِلثَّانِي الْأَرْضَ خَاصَّةً ، فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَآخِرُ كَلَامِهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ ( تَوْضِيحُ الْفَرْقِ ) أَنَّ الْبِنَاءَ لَمَّا صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ لِلثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِنَاءِ ، وَفِي الْأَوَّلِ الْبِنَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ مَعًا .

وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ فَالْعَبْدُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَلِلثَّانِي قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ الْإِقْرَارَ لِلثَّانِي بِالْغَصْبِ فِيهِ مَقَامَ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، فَإِذَا صَارَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ مِنْ الثَّانِي وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، قَالَ وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا ، وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي .
( وَبَيَانُهُ ) إذَا قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ بِعَيْنِهَا وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا أَوْ مَوْصُولًا لَا بَلْ هِيَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ أَوْدَعَهَا فُلَانٌ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي مِثْلَهَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا لَهَا عَلَى الثَّانِي بِالْإِقْرَارِ وَالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ وَالْغَصْبُ سَوَاءٌ ، وَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَمْ يُتْلِفْ عَلَى الثَّانِي شَيْئًا وَالدَّفْعُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ وَدَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْمُودَعُ مُلْتَزِمٌ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ ، وَقَدْ صَارَ بِالْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ تَارِكًا مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْحِفْظِ لِلثَّانِي بِزَعْمِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ كَمَا لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى السَّرِقَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَلْتَزِمْ

الْحِفْظَ لِلثَّانِي ، وَلَكِنَّهُ شَاهِدٌ بِالْمِلْكِ لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالشَّاهِدُ إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا .

وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي فِي يَدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ إلَّا نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ بَعْدَ مَا تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ نَصًّا فَبَقِيَ مُقِرًّا لِلْأَوَّلِ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إقْرَارَهُ بِالْمُسْتَثْنَى لِلثَّانِي ( تَوْضِيحُهُ ) أَنَّهُ قَالَ : إلَّا نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لِي كَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : هَذَانِ الْعَبْدَانِ لِفُلَانٍ إلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ نَصًّا .

وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ إلَّا الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ ، وَكَانَا جَمِيعًا لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا تَنَاوَلَهُ أَحَدُ الْكَلَامَيْنِ وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا اسْتِثْنَاءً بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَبْدَيْنِ كَلَامٌ وَاحِدٌ ، وَكَانَ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِهِمَا صَحِيحًا .

وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ أَوْ إنَّهُ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةً كَانَ لِلْأَوَّلِ يَغْرَمُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي .

وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ ، وَهَذَا لِفُلَانٍ إلَّا نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ وَإِلَّا نِصْفَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ جَازَ عَلَى مَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْصُولٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ، وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ كَلَامٍ بَعْضَهُ فَكَانَ صَحِيحًا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى .
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ أَوْ بِالشَّكِّ ) ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةً ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هِيَ فَمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْغَصْبِ فَفِي الْوَدِيعَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فَيَكُونُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيمَا بَيَّنَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَا بَيَّنَ سَبَبًا يُقْصَدُ بِهِ الْإِيدَاعُ ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ شَيْئًا آخَرَ فَعَلَى الْمُقِرِّ الْيَمِينُ لِإِنْكَارِهِ مَا ادَّعَاهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِثَوْبٍ وَدِيعَةً وَجَاءَ بِهِ مَعِيبًا وَأَقَرَّ أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ عِنْدَهُ هَذَا الْعَيْبُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ، وَإِذَا أَنْكَرَ صَاحِبُهُ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْدَعَهُ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَمْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ فِي يَدِهِ فَصَاحِبُهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ ، وَهُوَ الْأَخْذُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَذُو الْيَدِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَضَعْتُ خَاتَمَكَ فِي يَدِي فَضَاعَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ فِعْلًا يَضْمَنُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ : أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَدِيعَةً فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا أَنْكَرَ صَاحِبُ الْإِيدَاعِ كَانَ الْمُودَعُ ضَامِنًا لِإِقْرَارِهِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْأَخْذُ ، فَأَمَّا هُنَا فَقَدْ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى صَاحِبِهِ بِقَوْلِهِ أَوْدَعَنِي أَوْ وَضَعَهُ فِي يَدِي .

وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ الْمُودَعُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا ، ثُمَّ قَالَ : هَلَكَتْ بَعْدَ أَنْ نَزَلْتُ عَنْهَا وَكَذَّبَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ ، وَهُوَ اللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ عَنْ الضَّمَانِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : رَكِبْتُهَا بِإِذْنِ الْمُودِعِ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ الْإِذْنَ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِذْنِ لِإِقْرَارِهِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ صَاحِبِهَا ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ دَفَعَهَا بِإِذْنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَلَى صَاحِبِهَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِدَعْوَى الرِّضَا وَالْإِذْنِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلضَّمَانِ عَنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ أَوْ لِفُلَانٍ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا عَيْنًا حِينَ لَمْ يَقْرِنْ بِهِ حَرْفَ التَّخْيِيرِ ، وَذَكَرَ حَرْفَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ الْجَوَابُ فِي حَقِّهِمَا مِثْلَ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ حُكْمِ الِاصْطِلَاحِ وَالِاسْتِخْلَافِ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ أَوْ لِفُلَانٍ كُرُّ شَعِيرٍ فَالْمِائَةُ الدِّينَارُ لِلْأَوَّلِ ثَابِتَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا عَيْنًا وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَا عَيَّنَ فِي الْإِقْرَارِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا شَيْئًا حِينَ أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا حَرْفَ أَوْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَرْفَ أَوْ يَمْنَعُ عَيْنًا فِي حَقِّ مَنْ اقْتَرَنَ بِهِ ، وَلَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُمَا بِشَيْءٍ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ لَكَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ فَلِلْأَوَّلِ نِصْفُ الْمِائَةِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْآخَرَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا هُوَ مُوجَبُ حَرْفِ " أَوْ " فَكَأَنَّهُ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلِأَحَدِ هَذَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَنِصْفُ الْمِائَةِ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مِنْ الْآخَرَيْنِ إلَّا أَحَدُهُمَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ وَالْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ الِاصْطِلَاحُ أَوْ الِاسْتِحْلَافُ .

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ قِبَلِي مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالنِّصْفُ لِلثَّالِثِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْإِقْرَارَ لِلثَّالِثِ هُنَا حِينَ لَمْ يَقْرِنْ بِهِ حَرْفَ أَوْ وَأَثْبَتَ الْمُزَاحِمَةَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ وَلِهَذَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَنِصْفُ الْمِائَةِ لِلثَّالِثِ ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ حُكْمُ الِاصْطِلَاحِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الِاسْتِحْلَافِ قَالَ : وَقَوْلُهُ عَلَيَّ وَقِبَلِي دَيْنٌ وَقَوْلُهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ مِلْكِي وَدِيعَةٌ وَقَوْلُهُ فِي مِلْكِي أَوْ فِي مَالِي شَرِكَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا .

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي ( وَجْهُ ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالْمَالِ عَيْنًا ، وَفِي حَقِّ الثَّانِي عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلِفُلَانٍ يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَيَبْقَى إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ مُلْزِمًا ، وَفِي حَقِّ الثَّانِي بَاطِلًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَلَيَّ حِجَّةٌ لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ دُونَ مَا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ دَلِيلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ وَاجِبًا بِإِقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ لَكَانَ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ هُنَاكَ آخِرَ كَلَامِهِ تَعْلِيقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْإِقْرَارِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا يُذْكَرُ عِنْدَ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ظَنِّهِ الْأَوَّلَ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ هَذَا الْقَادِمُ زَيْدٌ وَإِلَّا فَعَمْرٌو وَكُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَإِلَّا فَهَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ لِلْأَوَّلِ فَهُنَا أَيْضًا يَكُونُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُقِرًّا لِأَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ حِجَّةٌ فَإِنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ إنْشَاءِ الْعِتْقِ وَالْتِزَامِ الْحَجِّ حَتَّى يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَعْنَى التَّرَدُّدِ فَكَانَ آخِرُ

كَلَامِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَى الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَالْحَجَّ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ آخِرِ الْكَلَامِ تَعْلِيقًا ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَفِي جَعْلِنَا إيَّاهُ شَرْطًا إلْغَاؤُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ بِمَعْنَى أَوْ لِيَكُونَ مُقِرًّا لِأَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ .

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَلْ لِفُلَانٍ أَوْ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْمِائَةِ وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ وَالْإِقْرَارُ لِلثَّانِي بِالْمِائَةِ صَحِيحٌ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَلْ عَلَيَّ حِجَّةٌ لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ وَالْحِجَّةُ نَفْسُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ وَقَوْلُ ذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِهِ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ ، فَإِنْ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَسَبَ مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ قَضَى أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ وَجُعِلَ حُرًّا ؛ لِأَنَّ فِي الْحُكْمِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ حُكْمًا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ وَمَاءُ الْحُرِّ جُزْءٌ مِنْهُ فَيَكُونُ حُرًّا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِرَحِمِ الْأَمَةِ وَحِينَ لَمْ يُسَمُّوا أَمَةً فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَظْهَرْ اتِّصَالُ مَائِهِ بِرَحِمِ الْأَمَةِ فَبَقِيَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مُوجِبَةٌ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ فَلَا يُعَارِضُهَا قَوْلُ ذِي الْيَدِ فِي إثْبَاتِ رِقِّهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْمُدَّعِي الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ بِالنَّسَبِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يُعَارِضُهَا الْيَدُ وَلَا قَوْلُ ذِي الْيَدِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ لِإِثْبَاتِهِ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ وَالْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ ، فَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ قَضَيْتَ بِنَسَبِهِ لِذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى النِّتَاجِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ هُنَاكَ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ قَضَى بِنَسَبِهِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَمِنْ امْرَأَتِهِ ، وَإِنْ جَحَدَتْ هِيَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ - هُوَ الْفِرَاشُ بَيْنَهُمَا - قَائِمٌ وَالْحُكْمُ مَتَى ظَهَرَ عَقِيبَ سَبَبٍ ظَاهِرٍ يُحَالُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ ، وَذَلِكَ الْفِرَاشُ بَيْنَهُمَا يُثْبِتُ النَّسَبَ مِنْهُمَا فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ مِنْ

أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ السَّبَبِ ثُبُوتُهُ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَنْتَفِي بِجُحُودِهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ الْأَبُ وَادَّعَتْ الْأُمُّ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ عَبْدٍ وَامْرَأَتِهِ الْأَمَةِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَأَقَامَ آخَرُ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْمَوَالِي أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ وَهِيَ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْخَارِجَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِمَا زِيَادَةَ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ وَهُمَا حُرَّانِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَلَمْ يَنْسُبُوهُ إلَى أَمَةٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ فِي بَيِّنَتِهِ ، وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ أُمِّهِ فَصَارَتْ الزِّيَادَةُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ كَزِيَادَةِ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ فَإِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْآخَرِ فِي لَا إثْبَاتٍ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وَشَهِدَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ قَضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ إقْرَارِ ذِي الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ سَمَاعِ الْقَاضِي إقْرَارَهُ ، وَذَلِكَ يَنْدَفِعُ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ، ثُمَّ أَعَادَ مَسْأَلَةَ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
( فَرْعٌ ) عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوَقِّتْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتًا قَالَ : يُنْظَرُ إلَى سِنِّ الصَّبِيِّ ، فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَهُوَ وَمَا لَمْ يُوَقِّتَا سَوَاءٌ يَقْضِي بِهِ لَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فِي أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ الْآخَرِ أَوْ أَصْغَرُ مَعْرُوفٌ قَضَيْتَ بِهِ لِلْمُشْكِلِ ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْكَذِبِ ظَهَرَتْ فِي شَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ ، وَلَمْ تَظْهَرْ فِي شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ لِكَوْنِهِ مُحْتَمِلًا لِلْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتُوهُ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ ابْنُهَا قَضَيْتَ بِالنَّسَبِ مِنْهَا لِإِثْبَاتِهَا الدَّعْوَى بِالْحُجَّةِ ، وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ يَدَّعِيهِ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى لَا يُعَارِضُهَا الْبَيِّنَةُ ، فَإِنْ ( قَبِلَ ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِهِ مِنْهُ ، وَمِنْهَا ( قُلْنَا ) نَعَمْ ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا إلَّا بِالْقَضَاءِ بِالْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا وَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهَا فِي إثْبَاتِ الْفِرَاشِ فِي النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا .

وَلَوْ لَمْ تُقِمْ الْمَرْأَةُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً شَهِدَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ ، فَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ عَبْدُهُ لَمْ يَقْضِ لِلْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ الثَّابِتَ بِالْيَدِ لَا يَبْطُلُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي إبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْغَيْرِ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ لَا يَدَّعِيهِ فَإِنِّي أَقْضِي بِهِ لِلْمَرْأَةِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقْضِي لِأَنَّ الْيَدَ فِي اللَّقِيطِ مُسْتَحَقٌّ لِذِي الْيَدِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَمَحَّضَ هَذَا مَنْفَعَةً لِلْوَلَدِ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِذِي الْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي فِي الْوَلَدِ شَيْئًا إنَّمَا يَدُهُ فِيهِ صِيَانَةٌ عَنْ ضَيَاعِهِ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ .

قَالَ : عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ فَإِنِّي أَقْضِي بِهِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ زِيَادَةَ الْحُرِّيَّةِ فَلَوْ رَجَّحْنَا بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ جَعَلْنَاهُ مَمْلُوكًا لَهُ وَكَيْفَ يُجْعَلُ مَمْلُوكًا ، وَقَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَذَا شَيْئًا .
أَمَّا فِي الْكِتَابَةِ لَا إشْكَالَ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ فَلَا يَتَرَجَّحُ بِهِ وَأَمَّا فِي التَّدْبِيرِ فَقَدْ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَجَعَلَهُ كَالْعِتْقِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِالتَّدْبِيرِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ عِتْقٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَانَ مُعْتَبِرًا بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَى الْعَبْدِ بِبَيِّنَتِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِذَا كَانَ الْوَلَاءُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْمِلْكُ بَيْعٌ فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ لِهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا كَالْكِتَابَةِ فَكَانَ الْمِلْكُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِثْبَاتِ لِكَوْنِهِ قَائِمًا فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لِإِثْبَاتِ الْوِلَادَةِ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ هُنَاكَ إثْبَاتَ الْوَلَاءِ .

وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ قَضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ أَمَتِهِ فِي مِلْكِهِ حُرُّ الْأَصْلِ ، وَإِذَا كَانَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ إثْبَاتُ حُرِّيَّةِ الْعِتْقِ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَكَذَلِكَ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَكَانَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مَنْفَعَةُ الْوَارِثِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ .
.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ تَطَوَّعَ بِهِ عَنْ الْوَارِثِ أَوْ أَقَرَّ بِحَوَالَةِ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْوَارِثِ فَهَذَا بَاطِلٌ لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِبَرَاءَةِ الْوَارِثِ ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ مِمَّنْ أَدَّى عَنْهُ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ جَازَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْ الْقَبْضِ الْمُعَايَنِ وَإِنَّمَا فَارَقَ الْمَرِيضُ الصَّحِيحَ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الصِّحَّةِ فِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ ، وَفِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ الْمَرِيضُ كَالصَّحِيحِ .

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ مِنْ ابْنِ الْآمِرِ ، ثُمَّ مَرِضَ الْآمِرُ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ أَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِهِ وَدَفْعِهِ إلَى الْمَرِيضِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ لِمَا فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَارِثِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْ الْيَمِينِ .
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ قُلْنَا فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ نَعَمْ ، فَأَمَّا فِي الْوَاجِبِ مِنْ الْيَمِينِ فَلَا حَقَّ لَهُ بَلْ هُوَ لِلْمُوَكِّلِ ، وَفِي هَذَا الْإِقْرَارِ إذَا صَحَّ سَلَامَةُ الْيَمِينِ لِلْوَارِثِ وَسُقُوطُ مُزَاحَمَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ عَنْهُ فَلِهَذَا لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ هُوَ الْوَكِيلُ صُدِّقَ ، وَإِنْ جَحَدَ الْآمِرُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْوَكِيلِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَاجِبٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ فَلَأَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى وَحَالُ مَرَضِ الْوَكِيلِ فِي هَذَا الدَّيْنِ كَحَالِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَيْسَ مَعَ وَارِثِهِ وَلَا فِي مَحَلٍّ فِيهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَارِثًا لِلْوَكِيلِ وَالْآمِرِ وَهُمَا مَرِيضَانِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ مَرَضِ الْآمِرِ يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا الْإِقْرَارِ فَمَرَضُهُمَا أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَارِثًا لِلْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ ، فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَبَضَهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ أَوْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فَقَطْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ فِي الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَقْبُوضِ إذَا مَاتَ مُقِرًّا بِهِ فَكَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ مِنْهُ إنَّمَا يُبْرِئُ ذِمَّةَ وَارِثِهِ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ عَنْ وَارِثِهِ بِالْمَالِ أَوْ تَبَرُّعِهِ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ وَأَمَّا إذَا قَالَ : دَفَعْتُهُ إلَى

الْآمِرِ أَوْ ضَاعَ مِنِّي فَلَيْسَ فِيهِ الْتِزَامُ شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَئِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْوَارِثِ فَلَيْسَ فِي مَالٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَالْمَرِيضُ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ .

وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا إذَا كَانَ وُجُوبُ الدَّيْنِ فِي الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِ الطَّالِبِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَرَضِ الطَّالِبِ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ فِي مَرَضِهِ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدِينِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَكَانَ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ فِي الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ إقْرَارِهِ هُنَاكَ لِحَقِّ الْوَارِثِ وَحَقِّهِمْ يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ أَخًا وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْأَبِ حَتَّى صَارَ الْأَخُ مِنْ وَرَثَتِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْفُصُولُ فِي الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ إنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ إذْ الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِالدَّيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .

وَلَوْ خَلَعَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى جُعْلٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهَا ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْمَرَضِ كَانَ مُصَدَّقًا ؛ لِأَنَّهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَارِثَةً بِيَقِينٍ فَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهَا وَمِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ سَوَاءٌ وَاشْتِرَاطُهُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَبْلَ الْعِدَّةِ تَتَمَكَّنُ فِيهِ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُسَاعِدْهُ عَلَى الْخُلْعِ حَتَّى فَارَقَهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ وَارِثَةً فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا سَاعَدَتْهُ عَلَى الْخُلْعِ لِيَتَّضِحَ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهَا فَلِزَوَالِ هَذِهِ التُّهْمَةِ شَرَطَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ .
وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يُقِرُّ بِهِ فِي الْمَرَضِ ، فَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ فَسَبَبٌ مُعَايَنٌ صَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ فَالْمُرَادُ فِي حُكْمِ الِاخْتِصَاصِ أَنَّهَا إنَّمَا تَخْتَصُّ بِمَا فِي ذِمَّتِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُقِرِّ دَيْنٌ فِي مَرَضِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَنْ قِصَاصٍ فِي مَرَضِهِ عَلَى مَالٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَارِثِهِ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى وَارِثِهِ ؛ لِأَنَّ بِالصُّلْحِ قَدْ انْقَلَبَ الْوَاجِبُ مَالًا فَفِي إقْرَارِهِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْوَارِثِ اتِّصَالُ مَنْفَعَةِ الْمَالِيَّةِ إلَيْهِ وَالْمَرِيضُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي حَقِّ وَارِثِهِ بِخِلَافِ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ أَنْ يُقِرَّ لِوَارِثِهِ بِمَا هُوَ مَالٌ .

وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ التَّاجِرُ بِقَبْضِ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ حَقِّ مَوْلَاهُ ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنًا إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَرَاءَةُ الْمَوْلَى لَا تَكُونُ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْلُفُ عَبْدَهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ سَلَامَتُهُ لَهُ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ الدَّيْنِ لِلْعَبْدِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ لِمَوْلَاهُ فِي مَرَضِهِ إذَا مَاتَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْمُوَرِّثِ لِوَارِثِهِ وَكَمَا تُمَكَّنُ هُنَاكَ تُهْمَةُ إيثَارِهِ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ تُمَكَّنُ هُنَا تُهْمَةُ إيثَارِهِ مَوْلَاهُ عَلَى غُرَمَائِهِ .
وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْمَوْلَى وَارِثُهُ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَثْلَاثًا وَلِهَذَا نَظَائِرُ وَأَضْدَادٌ وَمِنْ نَظَائِرِهَا الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَبِنِصْفِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِعَيْنٍ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ ذَلِكَ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ سِوَاهُ ، وَمِنْ أَضْدَادِهَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْمُشْتَرَكُ إذَا أَدَانَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ مِائَةً وَأَجْنَبِيٌّ مِائَةً ، ثُمَّ بِيعَ بِمِائَةٍ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْمَدِينِ وَالْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ أَثْلَاثًا وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا .
وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَغَرِمَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لَهُمَا .
وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَآخَرَ خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ عَمْدًا ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ دُفِعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَتَيْنِ وَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ إيفَاءِ حُقُوقِهِمْ وَالْمُوصَى لَهُ

بِالثُّلُثِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ وَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ .

فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَبَاعَ فُضُولِيٌّ آخَرُ نِصْفَهُ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْعَيْنَ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَرْبَاعًا وَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ مَتَى وَجَبَتْ بِسَبَبِ حَقٍّ فِي الْعَيْنِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَالتَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَمَتَى وَجَبَتْ بِسَبَبِ حَقٍّ كَانَ فِي الْعَيْنِ كَالْأَصْلِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ كَانَ فِي الثَّمَنِ يَتَحَوَّلُ بِالشِّرَاءِ إلَى الْمَبِيعِ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ فِي الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ لِمَعْنَى أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَائِعٌ فِي الْعَيْنِ فَمَا مِنْ جُزْءٍ مِنْهُ إلَّا وَصَاحِبُ الْقَلِيلِ مُزَاحِمٌ فِيهِ صَاحِبَ الْكَثِيرِ بِنَصِيبِهِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ يُدْلِي بِسَبَبٍ صَحِيحٍ مَعْلُومٍ فَالْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ كَالْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ ، وَإِذَا كَانَ يُدْلِي لَا بِسَبَبٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ فَالْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَمَا لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ يَسْلَمُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيَّيْنِ فَإِنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ قُوَّةِ السَّبَبِ وَاسْتِوَاءِ السَّبَبَيْنِ فِي صِفَةِ الصِّحَّةِ فَفِي مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشَّهَادَةُ وَهِيَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبَيْنِ مَعْلُومَ الصِّحَّةِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَمَا قَالَ : يَبْطُلُ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ بِسَبَبِ

حَقٍّ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَوْلِيًّا .

قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعُونَ ثَلَاثَةً يَدَّعِي أَحَدُهُمْ جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَالْآخَرُ ثُلُثَهَا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ فَتَكُونُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ يَضْرِبُ مُدَّعِي الْكُلِّ بِسِهَامِ الدَّارِ سِتَّةً وَمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ بِسِهَامِ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةً وَمُدَّعِي النِّصْفِ بِثَلَاثَةٍ فَيَقْسِمُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي ذَلِكَ فَيَسْلَمُ لَهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ لِصَاحِبِ النِّصْفِ فَيَكُونُ بَيْنَ صَاحِبِ الْجَمِيعِ وَالثُّلُثَيْنِ نِصْفَيْنِ يَبْقَى سِتَّةٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَيَسْلَمُ لِمُدَّعِي النِّصْفِ سُدُسُ الدَّارِ وَلِمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ رُبُعُ الدَّارِ وَلِمُدَّعِي الْجَمِيعِ مَا بَقِيَ ، وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا نِصْفَهَا وَالْآخَرُ جَمِيعَهَا فَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْصَرِفٌ إلَى مَا فِي يَدِهِ أَوَّلًا لِيَكُونَ يَدُهُ مُحِقَّةً فِي حَقِّهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَمْلَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ فَصَاحِبُ النِّصْفِ لَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ وَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالدَّارُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ اجْتَمَعَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ ثُلُثَيْهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ وَاسْتُحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَنَكَلَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمْ فَتَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا لِأَنَّ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ الدَّارِ وَدَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْصَرِفُ إلَى مَا فِي يَدِهِ ، ثُمَّ فِيمَا فَضَلَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا بَيِّنَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا فِي يَدِهِ ، فَأَمَّا الثُّلُثُ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ لَا بَيِّنَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي الْجَمِيعَ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يَدَّعِي الثُّلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الثُّلُثَيْنِ ثُلُثٌ فِي يَدِهِ وَثُلُثٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ دَعْوَاهُ فِيمَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الثُّلُثِ فَيَسْلَمُ نِصْفُ هَذَا الثُّلُثِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ مُنَازَعَتِهِمَا فِيهِ فَصَارَ هَذَا الثُّلُثُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَالثُّلُثُ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ صَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي جَمِيعَهُ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يَدَّعِي رُبُعَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي النِّصْفَ وَالثُّلُثَ فِي يَدِهِ فَإِنَّمَا بَقِيَ الثُّلُثُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَكَانَ دَعْوَاهُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ السُّدُسِ ، وَذَلِكَ رُبُعُ مَا فِي يَدَيْهِ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَا فِي يَدِهِ سَالِمٌ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الرُّبُعُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ يَدَّعِي صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ نِصْفَهُ وَصَاحِبُ النِّصْفِ رُبُعَهُ ، وَفِي الْمَالِ سَعَةٌ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَأَحَدُ الْغُرَمَاءِ وَارِثُهُ وَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ مَالًا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ مَالَهُ يُقَسَّمُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ كُلٌّ

مِنْهُمْ يَضْرِبُ بِدَيْنِهِ وَيَضْرِبُ الْوَارِثُ بِدَيْنِهِ وَلَا يَضْرِبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يُقْضَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ثَمَنِهِ وَالدَّيْنُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّ دَيْنَ الْمُشْتَرِي قَدْ سَقَطَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ، وَقَدْ كَانَ يُحَوِّلُ حَقَّهُ إلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَهُ الْقَاضِي فَلَمَّا هَلَكَ ذَلِكَ فَاتَ مَحَلُّ حَقِّهِ أَصْلًا فَسَقَطَ دَيْنُهُ فَلِهَذَا لَا يَضْرِبُ فِي الْكَسْبِ الَّذِي بَعْدَ الْعِتْقِ بِشَيْءٍ وَأَمَّا وَارِثُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَبْدِ فَدَيْنُهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَدَيْنِ الْآخَرِينَ ، وَهُوَ ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ، وَهُوَ الْوَلَاءُ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ إقْرَارَهُ فَلِهَذَا يَضْرِبُ مَعَ الْآخَرِينَ بِدَيْنِهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُ غُرَمَاءِ الدَّيْنِ أَقَرَّ لَهُمْ وَارِثُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثَهُ فَلَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لَهُ ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ .

وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا أَقَرَّ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ وَابْنُهُ عَبْدٌ ، ثُمَّ عَتَقَ ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ ، وَهُوَ وَارِثُهُ فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَهَذَا الْإِقْرَارُ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ فِي الْمَعْنَى لِلْمَوْلَى وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ فَبِأَنْ صَارَ الْعَبْدُ مِنْ وَرَثَتِهِ لَا يُبْطِلُ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّيْنَ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ بِإِقْرَارِهِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ ، وَذَلِكَ لِمَوْلَاهُ دُونَهُ فَبِأَنْ صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ الْمُتَقَدِّمُ ، وَإِنْ وَجَبَ قَضَاءُ مَنْ كَسَبَ هُوَ خَالِصَ حَقِّ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَثْبُتُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ وَرِثَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَاجِرًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ التَّاجِرِ لَا يَكُونُ لِمَوْلَاهُ فَفِي هَذَا الْإِقْرَارِ مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ، وَقَدْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَلِهَذَا بَطَلَ إقْرَارُهُ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَسْبُهُ يَكُونُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ وَيُجْعَلُ هَذَا كَالْإِقْرَارِ لِلْمَوْلَى .

وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِابْنِهِ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ فَإِقْرَارُهُ لَهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّمَا كَانَ مُقِرًّا بِهَذَا الدَّيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لَهُ لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَكَسْبُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَهُ فَكَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ مُوجِبًا إيصَالَ النَّفْعِ إلَى وَارِثِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ .

وَلَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ فِي مَرَضِهِ لِابْنِهِ الْحُرِّ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ مَاتَ مُكَاتَبًا ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً أَوْ تَرَكَ وَفَاءً بِالدَّيْنِ دُونَ الْمُكَاتَبَةِ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا عَاجِزًا فَلَا يَكُونُ ابْنُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ لَهُ كَالْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ أَقْوَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا فَهُوَ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً بِذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ بَاطِلًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيَحْكُمُ بِعِتْقِهِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهِ فَيَكُونُ ابْنُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ وَمُوجَبُ إقْرَارِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ حَقُّهُ ، فَإِذَا حَصَلَ إقْرَارُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ بِسَبَبٍ قَائِمٍ وَقْتَ الْإِقْرَارِ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَاسْتِثْنَاؤُهُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ خَمْسُونَ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْخَمْسِينَ عَلَى التِّسْعِمِائَةِ وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُسْتَثْنًى فَكَذَلِكَ الْمَعْطُوفُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ يَبْقَى مَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ فَجَعَلَ الْكَلَامَ عِبَارَةً عَنْهُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ وَالْبَاقِي وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَكَانَ مُقِرًّا بِهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِمَّا تَنَاوَلَهُ كَلَامُهُ لِيَصِيرَ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ فَيَكُونُ هَذَا رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ لَا اسْتِثْنَاءً وَالرُّجُوعُ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ مَوْصُولًا مَا يَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الْبَيَانِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ وَالْإِبْطَالُ لَيْسَ مِنْ الْبَيَانِ فِي شَيْءٍ فَلَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَيَطْرَحُ مِنْ الْأَلْفِ قِيمَةَ الدِّينَارِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إلَّا فَلْسًا أَوْ كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ اسْتَثْنَى شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، فَأَمَّا إذَا قَالَ : إلَّا شَاةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَحِيحٌ وَيَطْرَحُ عَنْهُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مُوجَبِ الِاسْتِثْنَاءِ فَعِنْدَهُ مُوجَبُ الِاسْتِثْنَاءِ امْتِنَاعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْعُمُومِ ، فَإِذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمٌ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : إلَّا دِرْهَمٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيَّ فَلَا يَلْزَمُ الدِّرْهَمُ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالِاسْتِثْنَاءِ الدَّعْوَتَيْنِ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهَا ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ ، وَلِأَنَّ وَضْعَهُ الْجُذُوعَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَنَى الْحَائِطَ لِحَاجَتِهِ إذَا وَضَعَ حِمْلَهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعَلَامَةِ تُثْبِتُ التَّرْجِيحَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَجْعَلُ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَوَادِي أَوْ بَوَارِيٌّ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَهْلٍ مَقْصُودٍ بُنِيَ الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ التَّرْجِيحُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ عَلَّقَهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّرْجِيحَ

بِخِلَافِ الْجُذُوعُ فَإِنَّهُ حِمْلٌ مَقْصُودٌ يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْيَدُ بِاعْتِبَارِهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ أَوْ اتِّصَالٌ وَلِلْآخِرِ بَوَارِيٌّ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ وَالِاتِّصَالِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلِلْآخِرِ اتِّصَالٌ فَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا مُدَاخَلَةُ أَنْصَافِ اللَّبِنِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاتِّصَالِ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ وَضْعَ الْجُذُوعِ اسْتِعْمَالٌ لِلْحَائِطِ وَالِاتِّصَالُ مُجَاوَرَةٌ وَالْيَدُ تَثْبُتُ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ فَكَانَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ صَاحِبَ الِاتِّصَالِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ فِي حُكْمِ حَائِطٍ وَاحِدٍ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاتِّصَالِ فِي بَعْضِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ مَعَ حَائِطِهِ فَمُدَاخَلَةُ أَنْصَافِ لِلَّبِنِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ بِنَاءٍ لِحَائِطَيْنِ مَعًا فَكَانَ هُوَ أَوْلَى .
قَالَ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اتِّصَالَ تَرْبِيعِ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ حِينَئِذٍ ، وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ صِفَةُ هَذَا الِاتِّصَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا مُتَّصِلًا بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَائِطَانِ مُتَّصِلَانِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ حَتَّى يَصِيرَ مُرَبَّعًا شِبْهَ الْقُبَّةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اتِّصَالُ جَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ، فَأَمَّا اتِّصَالُ الْحَائِطَيْنِ بِحَائِطٍ أُخْرَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَقَعُ لَهُ يَكُونُ مِلْكُهُ مُحِيطًا بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالِاتِّصَالِ بِجَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ بِالظَّاهِرِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْجُذُوعِ رَفْعَ جُذُوعِهِ ، فَإِنْ ( قِيلَ ) لَمَّا قَضَى بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ الْآخَرَ بِرَفْعِ الْجِذْعِ ؛ لِأَنَّهُ حِمْلٌ مَوْضُوعٌ لَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ لِاسْتِحْقَاقِهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ مِخْلَاةٌ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْحِمْلِ وَيُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَفْعِ الْمِخْلَاةِ قُلْنَا ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمِخْلَاةِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي الْأَصْلِ بِسَبَبٍ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِالدَّابَّةِ لِصَاحِبِ الْحِمْلِ أَمْرُ الْآخَرِ بِرَفْعِ الْمِخْلَاةِ فَأَمَّا هُنَا فَقَدْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطٍ لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ اسْتِحْقَاقُ رَفْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْآخَرِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَفْعِ جُذُوعِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا رَفْعَ جُذُوعِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فِي الْيَدِ حُكْمًا فَإِنَّهُ بِكَوْنِهِ بَيْنَ دَارَيْهِمَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ الْيَدُ حُكْمًا ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عَشْرُ خَشَبَاتٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خَشَبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ

اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي الْخَشَبَةِ وَالْخَشَبَتَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ : الْحَائِطُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ عَشْرِ خَشَبَاتٍ إلَّا مَوْضِعَ الْخَشَبَةِ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهَا وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِمَوْضِعِ الْخَشَبَةِ يُثْبِتُ يَدَ صَاحِبِهَا عَلَيْهِ فَصَاحِبُ الْقَلِيلِ فِيهِ يَسْتَوِي بِصَاحِبِ الْكَثِيرِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ عَامَّتُهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ لِصَاحِبِ الْعَشْرِ خَشَبَاتٍ عَلَيْهِ حِمْلٌ مَقْصُودٌ يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِ خَشَبَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً وَإِنَّمَا يُنْصَبُ لِأَجْلِهَا أُسْطُوَانَةُ فَكَانَ صَاحِبُ الْعَشْرِ خَشَبَاتٍ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ مَقْصُودٌ وَلِلْآخَرِ مِخْلَاةٌ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْحِمْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ خَشَبَةَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الْخَشَبَاتِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ يَسْتَحِقُّ بِهِ رَفْعَ الْخَشَبَةِ عَلَى الْآخَرِ وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْخَشَبَةِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، فَأَمَّا مَا بَيْنَ الْخَشَبَاتِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِأَيِّهِمَا ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ قَالَ يُقْضَى بِالْكُلِّ بَيْنَهُمَا عَلَى إحْدَى عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةٌ لِصَاحِبِ الْخَشَبَاتِ وَسَهْمٌ لِصَاحِبِ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ اعْتِبَارًا لِمَا بَيْنَ الْخَشَبَاتِ بِمَا هُوَ تَحْتَ كُلِّ خَشَبَةٍ مِنْ الْحَائِطِ وَأَكْبَرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْعَشْرِ

رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَعَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزُ شَعِيرٍ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَلَامَ مَوْصُولٌ ، وَفِي حَقِّ الشَّعِيرِ إنَّمَا اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِاسْتِثْنَاءِ الشَّعِيرِ ، فَقَالَ : إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ اسْتِثْنَاؤُهُ كُرَّ حِنْطَةٍ بَاطِلٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الشَّعِيرِ وَمَتَى تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَلَامٌ لَغْوٌ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْلُ وَالْكَلَامُ اللَّغْوُ فَاصِلٌ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ أَوْ أَبْلَغُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّكَلُّمَ بِاللَّغْوِ إعْرَاضٌ عَنْ الْجِدِّ ، وَلَيْسَ فِي السُّكُوتِ إعْرَاضٌ ، وَهَذَا بَاطِلٌ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ : لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ لَغْوٌ فَصَارَ فَاصِلًا وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحٌ لِكَوْنِ الْكَلَامِ مَوْصُولًا ظَاهِرًا .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ مِائَتَا دِينَارٍ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا مِنْ الدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا كَانَ مُخْتَلِفًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي وَصَلَهُ بِهِ وَإِنَّمَا وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالدَّنَانِيرِ هُنَا وَاسْتِثْنَاءُ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مِائَتَيْ دِينَارٍ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ بِطَرِيقِ الْمُسْتَثْنَى الْمُعَيَّنِ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ بِالسَّكْتَةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَهْلِيلًا أَوْ تَكْبِيرًا أَوْ تَسْبِيحًا لِأَنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْإِقْرَارِ فِي شَيْءٍ فَيَتَحَقَّقُ الْفَصْلُ بِهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بِالسُّكُوتِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَصْلُ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا فُلَانُ نِدَاءٌ لِلْمُخَاطِبِ لِيُنَبِّهَهُ فَيَسْتَمِعَ كَلَامَهُ فَكَانَ كَلَامُهُ رَاجِعًا إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَلَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِذَلِكَ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى أَلْفٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ كَلَامٌ آخَرُ أَعْقَبَ الْإِقْرَارَ بِهِ بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ ، وَهُوَ الْفَاءُ وَلَوْ عَطَفَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِحَرْفِ الْوَاوِ كَانَ فَاصِلًا بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْقَبَهُ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُفِيدٌ مَفْهُومُ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ بَلْ يَصِيرُ فَاصِلًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا فُلَانُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مَفْهُومِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ فَكَانَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمُرَادِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَقَبَضْتهَا إيَّاهُ كَانَتْ عَلَيْهِ الْأَلْفُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقَبَضْتهَا صِفَةُ الْعَشَرَةِ وَقَوْلَهُ إلَّا عَشَرَةً ظَاهِرُهُ اسْتِثْنَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا أَصْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ لِسُقُوطِهَا عَنْهُ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ بَيَانُهُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ أَقَبَضْتهَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ ، وَإِذَا صَحَّ كَانَ مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ فِي الْعَشَرَةِ وَدَعْوَى الْقَضَاءِ مِنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ فِي بَعْضِ الْمَالِ أَوْ فِي كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ أَنَّهُ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَصْلُ الْوُجُوبِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ الْمَالِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَدْ أَقَبَضْتهَا إيَّاهُ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ قَدْ حَرْفُ التَّأْكِيدِ فَدَعْوَاهُ الْقَضَاءَ فِي الْعَشَرَةِ مَعَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ وَبِدُونِ حَرْفِ التَّأْكِيدِ سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ : إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَقَدْ أَقَبَضْتُهَا إيَّاهُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ إلَّا عَشَرَةً ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَقَدْ أَقَبَضْتُهَا " كَلَامٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَكُونُ لِلْمُسْتَثْنَى إذْ لَيْسَ بَيْنَ الْوُصُوفِ وَالْمُوَصَّفِ حَرْفُ الْعَطْفِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ فِي أَصْلِ الْمَالِ فَيَبْقَى اسْتِثْنَاؤُهُ الْعَشَرَةَ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ هُنَاكَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ ، وَذَكَرَ الْقَضَاءَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ إذَا قَالَ : زَيْدٌ عَالِمٌ كَانَ صِفَةً لِزَيْدٍ ، وَإِذَا قَالَ : زَيْدٌ وَعَالِمٌ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَعَالِمٌ صِفَةً لِزَيْدٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَوْصُوفِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا دِرْهَمًا أَقَبَضْتُهَا إيَّاهُ كَانَتْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقَبَضْتُهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حَرْفَ التَّأْنِيثِ فَيَكُونُ صِفَةً لِمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَةِ التَّأْنِيثِ وَالْمُسْتَثْنَى يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَةِ التَّذْكِيرِ فَعَرَفْنَا بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ أَقَبَضْتهَا دَعْوَى الْقَضَاءِ مِنْهُ فِي أَصْلِ الْمَالِ فَبَقِيَ اسْتِثْنَاؤُهُ الدِّرْهَمَ صَحِيحًا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرَ دَانَقٍ مِنْ ثَمَنِ بَقْلٍ قَدْ أَقَبَضْتُهُ إيَّاهُ كَانَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَقَبَضْتُهُ صِفَةٌ لِلدَّانِقِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ فَكَانَ هَذَا مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ فِي الدَّانِقِ لَا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَزِمَهُ دِرْهَمٌ ، وَقَالَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ إلَّا دَانِقًا قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا أَقْرَبُ إلَى وِفَاقِ مَا اعْتَلَّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ : لِأَنَّهُ قَطَعَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ بِكَلَامٍ فَصَارَ الْقَضَاءُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ دَعْوَى الْقَضَاءِ إنَّمَا يَصِيرُ صِفَةً لِلدَّانِقِ إذَا وَصَلَهُ بِهِ ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ آخَرُ هُنَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ بَقْلٍ فَصَارَ دَعْوَى الْقَضَاءِ مِنْهُ عَلَى دِرْهَمٍ وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَوَابَ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي بِهِ شَيْئًا ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقْطَعَ الْجُذُوعَ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لِذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَفْسُ الْجُذُوعِ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لِصَاحِبِهَا فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقْطَعَهَا إلَّا بِحُجَّةِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ جُذُوعًا لَا يَحْمِلُ عَلَى مِثْلِهَا شَيْئًا إنَّمَا هُوَ أَطْرَافُ جُذُوعٍ خَارِجَةٍ فِي دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا لِأَنَّ عَيْنَ الْجُذُوعِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِعَيْنِهَا إنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا فَمَا لَا يُبْنَى عَلَى مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَمَا يُبْنَى عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِسَبَبٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ قَطْعُهَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَحْدَثَ نَصْبَهَا غَصْبًا .

قَالَ : وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ فَانْهَدَمَ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَاءِ السُّفْلِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْمِلْكِ عَلَى بِنَاءِ مِلْكِهِ فَلَهُ حَقُّ التَّدْبِيرِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ كَإِنْشَاءِ بَيْعٍ أَوْ بِنَاءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَاحِبُ السُّفْلِ هُوَ الَّذِي هَدَمَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْهَدْمِ لِمَا لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ مِنْ حَقِّ قَرَارِ الْعُلْوِ عَلَيْهِ فَيُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ بِحَقِّهِ كَالرَّاهِنِ إذَا قَبِلَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمَوْلَى قَبِلَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ ، فَأَمَّا عِنْدَ الِانْهِدَامِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ فِعْلٌ هُوَ عُدْوَانٌ ، وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ ، ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهِ الْعُلْوَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى بِنَاءِ مِلْكِهِ إلَّا بِبِنَاءِ السُّفْلِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَرَّقَ بِبِنَاءِ السُّفْلِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ ، ثُمَّ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ أَنْ يَسْكُنَ سُفْلَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى بِنَاءِ السُّفْلِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيهِ وَالْبِنَاءُ مِلْكُ الثَّانِي فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِنَاءِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهُ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِمَا أَنْفَقَ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي هَذَا الْإِنْفَاقِ شَرْعًا فَيَكُونُ كَالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْعِ عَلَيْهِ وِلَايَةً وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبِنَاءَ مِلْكُهُ فَيَتَمَلَّكُهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ السُّفْلِ بِقِيمَتِهِ كَثَوْبِ الْغَيْرِ إذَا انْصَبَغَ بِصِبْغِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ يُعْطِي صَاحِبَ الثَّوْبِ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِي الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ الصِّبْغَ مِلْكُ صَاحِبِ الصِّبْغِ فِي ثَوْبِهِ ، وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ

السُّفْلَ كَالْمَرْهُونِ فِي يَدِ صَاحِبِ الْعُلْوِ ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ صَاحِبِ السُّفْلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِسُفْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ .

قَالَ : وَلَوْ كَانَ بَيْتٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ دَارٌ فَانْهَدَمَتْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَهُ عَلَى الْبِنَاءِ لِأَنَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِقِسْمَةِ السَّاحَةِ مُمْكِنٌ ، فَإِنْ بَنَاهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي هَذَا الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ لِيَبْنِيَ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ .
وَكَذَلِكَ الْحَائِطُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُذُوعٌ ؛ لِأَنَّ أُسَّ الْحَائِطِ مُحْتَمِلٌ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ نَحْوَ الْحَائِطِ الْمَبْنِيِّ بِالْخَشَبَةِ فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى بِنَائِهِ ، وَإِذَا بَنَاهُ أَحَدُهُمَا مُنِعَ صَاحِبُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَامْتَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْحَائِطِ جُذُوعٌ لَهُمَا فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُجْبِرَ صَاحِبَهُ عَلَى الْمُسَاعَدَةِ مَعَهُ فِي بِنَائِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى ذَلِكَ بَنَاهُ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ حَيْثُ وَضَعَ الْجُذُوعَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَبْطُلُ بِقِسْمَةِ أُسِّ الْحَائِطِ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ كَانَ الْجُذُوعُ عَلَى الْحَائِطِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ أَنْ يُبَيِّنَ الْحَائِطَ وَلَا يُشَاجِرَ صَاحِبَهُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِقِسْمَةِ الْحَائِطِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ وَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِالْقِسْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِسْمَةِ كَانَ لِحَقِّهِ ، وَقَدْ رَضِيَ هُوَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ وَصَارَ هُوَ فِي حَقِّ الْآخَرِ كَأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا

عَلَيْهِ جُذُوعٌ .
وَكَذَلِكَ الْحَمَّامُ الْمُشْتَرَكُ إذَا انْهَدَمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ السَّاحَةِ مُمْكِنٌ ، فَإِذَا بَنَاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ .

قَالَ : وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ بَابٌ مِنْ دَارِهِ فِي دَارِ رَجُلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ فِي دَارِهِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّارِ فَصَاحِبُ الْبَابِ هُوَ الْمُدَّعِي لِلطَّرِيقِ فِي دَارِ الْغَيْرِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَرَبُّ الدَّارِ هُوَ الْمُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَبِفَتْحِ الْبَابِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ رَفْعُ جُزْءٍ مِنْ الْحَائِطِ وَلَوْ رَفَعَ جَمِيعَ حَائِطِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ شَيْئًا فَكَذَلِكَ إذَا فَتَحَ بَابًا ، وَقَدْ يَكُونُ فَتْحُ الْبَابِ لِدُخُولِ الضَّوْءِ وَالرِّيحِ ، وَقَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِئْنَاسِ بِالْجَارِ وَالتَّحَدُّثِ مَعَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى طَرِيقٍ لَهُ فِي الدَّارِ ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِيَدٍ كَانَتْ لَهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ فِيمَا مَضَى وَبِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي شَيْئًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّا لَوْ عَايَنَّاهُ مَرَّ فِيهِ مَرَّةً لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ لَهُ فِيهَا طَرِيقًا ثَابِتًا فَحِينَئِذٍ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالطَّرِيقُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي دَارِ الْجَارِ فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى إثْبَاتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا الطَّرِيقَ ، وَلَمْ يُسَمُّوا ذَرْعَ الْعَرْضِ وَالطُّولِ بَعْدَ أَنْ يَقُولُوا إنَّ لَهُ طَرِيقًا فِي هَذِهِ الدَّارِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إلَى بَابِ الدَّارِ فَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ تَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ بِذَلِكَ فَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، فَأَمَّا إذَا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا : الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ وَمَا كَانَ مَاضِيًا فَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ

وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ إيَّاهُ وَاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْ مَالِهِ أَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ أَوْ لِمُفْسِدٍ يُمْكِنُ فِي أَصْلِ السَّبَبِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْمَالِ بِهِ ، وَكَانَ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ اسْتِثْنَاءً لِلْيَقِينِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي عِلْمِي وَإِنْ قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالِاتِّفَاقِ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالْفَرْقُ هُنَا أَنَّ حَرْفَ قَدْ لِلتَّأْكِيدِ فَقَدْ أَكَّدَ عِلْمَهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَأْكِيدًا لِإِقْرَارِهِ وَالشَّاهِدُ لَوْ قَالَ : قَدْ عَلِمْت فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا قَدْ عَلِمْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي شَهَادَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ قَدْحًا فِي إقْرَارِهِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا ظَنَنْتُ أَوْ فِيمَا أَحْسَبُ أَوْ فِيمَا حَسِبْتُ أَوْ فِيمَا أَرَى أَوْ فِيمَا رَأَيْتُ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُذْكَرُ فِي الْعَادَةِ لِبَيَانِ شَكِّهِ فِيهِ وَاسْتِثْنَاءِ بَقِيَّةٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا رَأَيْتُ أَوْ حَسِبْتُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا قَدْ عَلِمْتُ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُتَيَقَّنُ بِهِ بِخِلَافِ الْحُسْبَانِ وَالظَّنِّ وَالرُّؤْيَةِ فَقَدْ يَتَرَاءَى شَيْءٌ لِلْإِنْسَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ كَالظَّمْآنِ يَرَى السَّرَابَ مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَرَاءَى أَنَّهُ مَاءٌ وَلَا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي شَهَادَةِ فُلَانٍ أَوْ فِي عِلْمِ فُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا تُذْكَرُ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا يَشْهَدُ بِهِ فُلَانٌ أَوْ يَعْلَمُهُ وَيَكُونُ هَذِهِ إنْكَارًا لَا إقْرَارًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلْصَاقٌ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَعِلْمِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهِ فَكَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ بِعِلْمِ فُلَانٍ وَشَهَادَتِهِ .
وَإِنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ أَوْ بِحِسَابِهِ أَوْ فِي حِسَابِهِ أَوْ فِي كِتَابَتِهِ أَوْ فِي كِتَابِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فُلَانٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْمَالِ وَلَا حِسَابِهِ فَمَقْصُودُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيَانُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ فُلَانٌ وَيَحْسَبُهُ وَيَكْتُبُ بِهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِمَّا يُؤَكَّدُ بِهَا الْوَاجِبُ ، وَالْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُتَيَقَّنُ بِهِ فَلِهَذَا فُرِّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَوْ قَالَ : بِصَكِّهِ أَوْ فِي صَكِّهِ أَوْ فِي صَكٍّ ، وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى أَحَدٍ فَالْمَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّكَّ اسْمٌ خَالِصٌ لِمَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ فَهَذَا مِنْهُ تَأْكِيدٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَالِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ : فِي سِجِلٍّ أَوْ سِجِلِّهِ كَانَ الْمَالُ لَازِمًا لَهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فِي كِتَابٍ أَوْ مِنْ كِتَابٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَوْ مِنْ حِسَابٍ أَوْ فِي حِسَابٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ يُذْكَرُ لِبَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ وَبَيَانِ الْمَحَلِّ الَّذِي أُثْبِتَ فِيهِ وُجُوبُ الْمَالِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ قَدْحًا فِي إقْرَارِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : عَلَيَّ صَكٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ كِتَابٌ أَوْ حِسَابٌ بِأَلْفٍ لَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلْصَاقُ الْأَلْفِ بِالصَّكِّ وَالْكِتَابِ

وَالْحِسَابِ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ شَرِكَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَوْ مِنْ شَرِكَةِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَوْ مِنْ تِجَارَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَوْ مِنْ خُلْطَةٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الْأَلْفِ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهَا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي قَضَاءِ فُلَانٍ ، وَهُوَ قَاضٍ أَوْ فِي فُلَانٍ الْفَقِيهِ أَوْ هُنَا أَوْ فِي فِقْهِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي قَضَاءِ فُلَانٍ كَقَوْلِهِ فِي شَهَادَةِ فُلَانٍ أَوْ فِي عِلْمِ فُلَانٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ بَيَانُ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا فِي عِلْمِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ شَهَادَةٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بِقَوْلِ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ قَوْلُهُ ، فَإِنْ قَالَ : بِقَضَاءِ فُلَانٍ وَفُلَانٌ قَاضٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ كَقَوْلِهِ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَبِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ أَلْصَقَ الْقَضَاءَ بِالْمَالِ فَالْمَالُ الْمَقْضِيُّ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ قَاضِيًا ، فَقَالَ الطَّالِبُ حَاكَمْته إلَيْهِ فَقَضَى لِي عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَكَمِ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ كَقَضَاءِ الْقَاضِي فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً فَكَانَ قَوْلُهُ بِقَضَائِهِ بَيَانًا لِتَأْكِيدِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِهَذَا السَّبَبِ ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَاكِمْهُ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَصِبْ قَاضِيًا فِي حَقِّهِمَا قَطُّ فَلَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُلْزِمًا إيَّاهُ شَيْئًا فَهَذَا وَقَوْلُهُ يَقِينُ فُلَانٍ سَوَاءٌ .

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي ذِكْرِهِ أَوْ بِذِكْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي حِسَابِهِ أَوْ بِحِسَابِهِ أَوْ فِي كِتَابِهِ أَوْ بِكِتَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كِتَابَهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ فَكَيْفَ يَلْزَمُ غَيْرَهُ

وَإِنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ سَلَمٍ أَوْ بِسَلَمٍ أَوْ بِسَلَفٍ أَوْ مِنْ سَلَفٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ وَالسَّلَمَ عِبَارَتَانِ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا أَخْذُ الْعَاجِلِ بِالْآجِلِ فَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُجُوبِ الْكُرِّ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ لِبَيْعٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ إجَارَةٍ أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ بِكَفَالَةٍ أَوْ لِكَفَالَةٍ أَوْ عَلَى كَفَالَةٍ لَزِمَ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَيَانٌ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْمَالِ مِنْهُ ، وَهُوَ سَبَبٌ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِهِ .

وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا شَيْئًا يَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَزِيَادَةٌ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُسْتَثْنَى لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مَا يَبْرَأُ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ بِهِ فَكَمَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُسْتَثْنَى لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ مُثْبَتٌ وَالْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُثْبَتٍ ، فَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِي بَيَانِ الْمُسْتَثْنَى سَوَاءٌ بَيَّنَهُ بِقَدْرِ النِّصْفِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ فِيهِ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُخْتَارُ الْعَادَةُ عَنْ الْوَاجِبِ بِذِكْرِ حَمْلِهِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْوَاجِبِ وَتَتَّضِحُ هَذِهِ الْعَادَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " إلَّا شَيْئًا " إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَلِيلِ عَادَةً فَهُوَ وَقَوْلُهُ " إلَّا قَلِيلًا " سَوَاءٌ فَلِهَذَا لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَزِيَادَةٌ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى بَيَانِهِ بِخِلَافِ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّ هُنَاكَ نَصَّ عَلَى بَيَانِ قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى وَلَا مَعْنَى لِلْعَادَةِ مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ زُهَاءُ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ عِظَمُ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ جُلُّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهَذَا وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاجِبَ بِأَنَّهُ عِظَمُ الْأَلْفِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ ، وَقَدْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى بَيَانِهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ كَانَ الْقَوْلُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ ، وَقَضَاءُ الْمَالِ مِنْ التَّرِكَةِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ

بَيَانُهُ مَقْبُولًا فَكَذَلِكَ بَيَانُهُمْ بَعْدَهُ .
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالثِّيَابِ وَكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، وَفِي قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ حَدًّا وَلَا يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْمَحْدُودِ كَمَنْ يَقُولُ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَانِ فِي الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَدْخُلُ الْحَدَّانِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا هَذَا كَذَلِكَ فِي حَدٍّ هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ ، فَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ بِقَائِمٍ بِنَفْسِهِ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ حَدًّا إذَا كَانَ وَاجِبًا ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يُتَصَوَّرُ حَدًّا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْأَصْلُ مَا قَالَهُ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ وَمَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ذِكْرًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا إلَّا أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهَا ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَاجِبٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الثَّانِي بِدُونِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَسْتَدْعِي ابْتِدَاءً ، فَإِذَا أَخْرَجْنَا الْأَوَّلَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا صَارَ الثَّانِي هُوَ الِابْتِدَاءُ فَيَخْرُجُ هُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا ، ثُمَّ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ هَكَذَا بَعْدَهُ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ أَدْخَلْنَا فِيهِ الْغَايَةَ الْأُولَى وَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْنَا فِيهَا بِالْقِيَاسِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كُرُّ شَعِيرٍ وَكُرُّ حِنْطَةٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لِأَنَّ الْقَفِيزَ الْآخَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ هُوَ الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَلْزَمُهُ الْكُرَّانِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الدَّرَاهِمُ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ عَلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَتِسْعَةَ دَرَاهِمَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ هُنَا ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْدَ هَذَا ، فَقَالَ : وَكَذَلِكَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ أَوْ اتَّفَقَا فَهُوَ سَوَاءٌ وَالْوَاحِدُ مِنْ الْأَكْثَرِ هُوَ الْغَايَةُ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ مَا يُنْتَقَصُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ عِنْدَهُ مِنْ الْأَفْضَلِ أَوْ آخِرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ وَإِحْدَى الْغَايَتَيْنِ لَمَّا صَارَ خَارِجًا وَجَبَ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِ وَجَعْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْضَلِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا بَيْنَ كَذَا وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُسَمَّى الْمَبْلَغِ ( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ ، وَلَمْ يُسَمِّيهَا لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَيَقَّنِ دَرَاهِمُ ثَلَاثَةٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : إنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُثَنَّى ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لِكَلَامِ الْعَرَبِ مَبَانٍ ثَلَاثَةٌ الْفَرْدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ التَّثْنِيَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ فِي الْمُثَنَّى بِتَعَارُضِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَتَرَجَّحُ فِيهِ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ ، وَفِي الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يُعَارِضُ فَرْضَ الْمُثَنَّى فَيَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى الْمُفْرَدِ ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ عَلَى هَذَا .

وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ لَزِمَهُ سِتَّةٌ ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَدْنَى التَّضْعِيفِ مَرَّةٌ .

وَلَوْ قَالَ : عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ لَفْظِهِ الْجَمْعُ فَيَصِيرُ تِسْعَةً فَبِالْمُضَاعَفَةِ مَرَّةً يَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : مُضَاعَفَةً أَضْعَافًا ؛ لِأَنَّ بِالْمُضَاعَفَةِ يَصِيرُ سِتَّةً وَالْأَضْعَافُ جَمْعٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ ، فَقَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةٌ يَلْزَمُهُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَضْعَافُهَا ثَلَاثُونَ وَهِيَ غَيْرُ الْعَشَرَةِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَصَارَتْ أَرْبَعِينَ وَبِالْمُضَاعَفَةِ تَصِيرُ ثَمَانِينَ .

وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُتَنَاوَلُ هَذَا اللَّفْظُ مَقْرُونًا بِالْعَدَدِ عَشَرَةٍ ، فَقَالَ : عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى لِصَاحِبِهِ ، وَهُوَ النِّصَابُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَبْنِي الْجَوَابَ عَلَى اللَّفْظِ وَهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِاللَّفْظِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ فَعَلَيْهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا عِشْرُونَ دِينَارًا بِاعْتِبَارِ نِصَابِ الزَّكَاةِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ مَرْكَبَيْنِ غَيْرَ مَعْطُوفَيْنِ وَأَدْنَى الْعَدَدَيْنِ الْمُفَسَّرَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَحَدَ عَشَرَ .

وَلَوْ قَالَ : كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ وَأَدْنَى ذَلِكَ فِي الْمُفَسَّرَيْنِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَكَذَلِكَ الْمُبْهَمُ يُعَبَّرُ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا الدَّنَانِيرُ وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ حَتَّى إذَا قَالَ : كَذَا وَكَذَا مَحْتُومًا مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مَحْتُومًا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَكَذَا وَكَذَا دِينَارًا لَزِمَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ عَشَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْجَمْعِ بِحَالَةِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : كَذَا كَذَا دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَسَّرَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ : أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ إبْهَامِ الْعَدَدَيْنِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَعَلَيْهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِمَا عِنْدَ الْوَصْفِ بِالْكَثْرَةِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا وَقِيلَ مَذْهَبُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَذْهَبِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بَنَى عَلَى لَفْظِ الدَّرَاهِمِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ بَنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغَنِيِّ فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمِ وَكَمَا أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مَالٌ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَالْعَشَرَةُ مَالٌ عَظِيمٌ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِهَا فَيَتَعَارَضُ فَيَرْجِعُ إلَى حَالِ الرَّجُلِ ، وَعَلَى حَالِهِ يَبْنِي فِيمَا بَيَّنَهُ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَيَانُ إلَى الْمُقِرِّ فِي ذَلِكَ فَأَيُّ مِقْدَارٍ بَيَّنَ يُؤْخَذُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : عَلَيَّ مَالٌ ، ثُمَّ بَيَّنَهُ بِشَيْءٍ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ قَوْلِهِ عَظِيمٌ وَلَوْ قَبِلْنَا بَيَانَهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كُنَّا قَدْ أَلْغَيْنَا تَنْصِيصَهُ عَلَى وَصْفِ الْعَظِيمِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .

وَلَوْ قَالَ : عَلَيَّ مَالٌ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ قَوْلُهُ قَالَ : وَالدِّرْهَمُ مَالٌ ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ لَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ مِنْ الْكُسُورِ لَا يُطْلَقُ اسْمُ الْمَالِ عَلَيْهِ عَادَةً قَالَ الْحَسَنُ لَعَنَ اللَّهُ الدَّانِقَ وَمِنْ دَنَّقَ الدَّانِقَ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ حِنْطَةٌ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ رُبُعُ حِنْطَةٍ فَمَا فَوْقَهُ فَإِنَّ الرُّبُعَ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ فِي الْحِنْطَةِ كَالدِّرْهَمِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْقَوْلُ فِي النَّيِّفِ مَا قَالَ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّ النَّيِّفَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ جَبَلٌ مُنِيفٌ إذَا كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْجِبَالِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَنْفُ لِزِيَادَةِ خِلْقَتِهِ فِي الْوَجْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَشَرَةٌ وَزِيَادَةٌ وَاسْمُ الزِّيَادَةِ يَتَنَاوَلُ الدَّانِقَ وَمَا زَادَ ، فَإِذَا كَانَ بَيَانُهُ مُطَابِقًا لِلَفْظِهِ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ .

وَإِنْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ بِضْعَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَالْبِضْعَةُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى سَبْعَةٍ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } خَاطَرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُرَيْشًا عَلَى أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ فَارِسًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ { كَمْ تَعُدُّونَ الْبِضْعَ فِيكُمْ قَالَ : مِنْ ثَلَاثٍ إلَى سَبْعٍ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِدْ فِي الْخَطَرِ وَأَبْعِدْ فِي الْأَجَلِ } فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبِضْعَ ثَلَاثَةٌ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ أَوْ لَهُ قِبَلِي شَيْءٌ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ وَجِنْسِهِ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي إقْرَارِهِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا قَلَّ وَكَثُرَ مِنْ الْمَالِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَدَانِقٌ فَالدَّانِقُ فِضَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ سُدُسِ الدِّرْهَمِ وَالْمَعْطُوفُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقِيرَاطٌ فَالْقِيرَاطُ مِنْ الْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ مِنْ جِنْسِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْمِائَةِ قَوْلُهُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : مِائَةٌ وَدِينَارٌ أَوْ مِائَةٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَإِنْ قَالَ : مِائَةٌ وَعَبْدٌ يَلْزَمُهُ الْعَبْدُ وَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْمِائَةِ قَوْلُهُ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : مِائَةٌ وَثَوْبٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ الثِّيَابِ .
وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ وَشَاةٌ أَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ : إنَّهُ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ بِالْمِائَةِ وَقَوْلُهُ " وَدِرْهَمٌ " لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ بِحَرْفِ الْوَاوِ وَالْعَطْفُ لَمْ يُوضَعْ لِلتَّفْسِيرِ لُغَةً فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مُفَسَّرًا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيمَا أَبْهَمَ قَوْلَهُ .
وَكَذَلِكَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ التَّفْسِيرُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا لِحَاجَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى التَّفْسِيرِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَدِرْهَمٌ بَيَانٌ لِلْمِائَةِ عَادَةً وَدَلَالَةً أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ فَلِأَنَّ النَّاسَ يَحْتَرِزُونَ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِبَارَاتِ فَيَأْتُونَ بِهِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الدَّرَاهِمِ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ عَدَدٍ وَيَكْتَفُونَ بِذَكَرِهِ مَرَّةً ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَيَكْتَفُونَ بِذِكْرِ الدِّرْهَمِ مَرَّةً وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ .
وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ فَلِأَنَّ الْمَعْطُوفَ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ مَعَ الْمُضَافِ إلَيْهِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ ،

ثُمَّ الْمُضَافُ يُجْعَلُ تَعْرِيفًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ إذَا كَانَ صَالِحًا لَهُ فَكَذَلِكَ الْمَعْطُوفُ يُجْعَلُ تَعْرِيفًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَالِحًا لَهُ وَالصَّلَاحِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ جَمِيعِ الْمُعَامَلَاتِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَيَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى جَعَلْنَا الْعَطْفَ فِيهَا تَفْسِيرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَثَوْبٌ وَشَاةٌ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا إلَّا مَبِيعًا مُسَلَّمًا فِيهِ وَالشَّاةُ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا يَعْنِي بِهِ ثُبُوتًا لَازِمًا فَلَمْ يَصْلُحْ قَوْلُهُ وَثَوْبٌ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ عِبَارَةٌ عَمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا ثُبُوتًا صَحِيحًا فَلِهَذَا كَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الثِّيَابَ وَالْغَنَمَ تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا لَا تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَتَحَقَّقُ فِي أَعْدَادِهَا الْمُجَانَسَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُفَسَّرُ مِنْهُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ وَمَا لَا يُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً لَا يَتَحَقَّقُ فِي أَعْدَادِهِ الْمُجَانَسَةُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُفَسَّرُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَمِائَةُ أَثْوَابٍ فَالْكُلُّ مِنْ الثِّيَابِ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ عَطَفَ الْعَدَدَ الْمُبْهَمَ عَلَى عَدَدِ مُبْهَمٍ ، ثُمَّ فُسِّرَ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ فَيَكُونُ الْكُلُّ مِنْ الثِّيَابِ وَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ جِنْسِهَا قَوْلُ الْمُقِرِّ .

وَلَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَتَا مِثْقَالٍ فِضَّةً وَذَهَبًا فَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ إلَى الْجِنْسَيْنِ وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي التَّوَزُّعَ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِثْقَالٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ فَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ مِائَةُ دِينَارٍ تَامًّا قِيلَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَثَاقِيلِ هُنَا ، فَقَالَ : مِائَتَا مِثْقَالٍ ، ثُمَّ فَسَّرَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ مِثْقَالٍ وَهُنَاكَ أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمُ عِبَارَةٌ عَنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ ، ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُعَيِّنُ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ ، وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ مَا يُقِرُّ بِهِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِأَيِّ سَبَبٍ أَقَرَّ بِهِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96