كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
صَحِيحًا فِي حَالِ إذْنِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَأْذُونًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِانْعِدَامِ يَدُهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَيَدُهُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْحَجْر عَلَيْهِ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ مِنْهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْحَجْرِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ .
وَالثَّانِي أَنَّ بَقَاءَ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ أَثَرُ ذَلِكَ الْإِذْنِ ، وَبَقَاءُ أَثَرِ الشَّيْءِ كَبَقَاءِ أَصْلِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا أَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ يُجْعَلُ كَبَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ فِي الْمَنْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ ، وَالْعَيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الَّذِينَ يُعَامَلُونَ مَعَهُ ، وَالْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْحِجْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَيْضًا إذَا صَارَ الْكَسْبُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِمَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْغُرَمَاءُ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ جَعَلْنَا بَقَاءَ أَثَرِ الْإِذْنِ كَبَقَاءِ أَصْلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ الْإِذْنِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَمِرٌّ فَإِنَّهُ جَعَلَ السُّكْرَ فِي الْعَصِيرِ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ صِفَةِ الْحَلَاوَةِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ هُوَ الْخَصْمُ فِي حُقُوقِ تِجَارَاتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ بِالْمُشْتَرِي عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ مِنْ حُقُوقِ تِجَارَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ كَانَ كَلَامُهُ اسْتِحْقَاقًا لِلْمِلْكِ عَلَى الْمَوْلَى ابْتِدَاءً وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْحَجْرِ
فَأَمَّا مَا بَقِيَ الْكَسْبُ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ فِي الْمَعْنَى إنْكَارًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَبِخِلَافِ إنْشَاءِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ إثْبَاتُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ وَإِقَامَةُ أَثَرِ الْإِذْنِ مَقَامَ الْإِذْنِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَلَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَا أَثَرَ لِلْإِذْنِ الثَّانِي فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مِمَّا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَيُجْعَلُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْعَيْنُ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا إقْرَارُهُ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي إقْرَارًا بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ اتَّبَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ فِيهِ فَكَذَلِكَ هُنَا .
وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي بَعْدَ الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَا تُنَافِي صِحَّةَ إقْرَارِهِ فَإِنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ مُلْزِمٌ إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا أَوْ كَانَ صَغِيرًا حُرًّا أَوْ مَعْتُوهًا فَأَقَرُّوا بَعْدَ الْإِذْنِ أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ إقْرَارِهِمْ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُمْ فِي الْحَالِ إقْرَارًا بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ أَحَدِهِمْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِأَلْفٍ قَبْلَ أَنْ أُولَدَ أَوْ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْإِضَافَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْمَالِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَهَذَا الْبَابُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِيَّةِ ؛ الَّتِي بَيَّنَّاهَا إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ قَائِمَةٍ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٍ أَوْ أَمَانَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي اسْتِهْلَاكِ رَقَبَتِهِ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى إذَا لَمْ يَفِ مَا فِي يَدِهِ بِمَا عَلَيْهِ لِاتِّبَاعِ رَقَبَتِهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَصِحَّ رِقٌّ بَعْدَ الْحَجْرِ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَقَامَ أَثَرَ الْإِذْنِ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي تَصْحِيحِ إقْرَارِهِ .
وَهَذَا الْأَثَرُ فِي الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ لَا رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ فِي - رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ - رَقَبَتَهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَصْمًا لَهُ وَلَا كَسْبُهُ مُسْتَفَادًا لِلْمَوْلَى مِنْ جِهَتِهِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ - وَرَقَبَتِهِ كَانَتْ لِلْمَوْلَى قَبْلَ الْإِذْنِ فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي حَالِ إذْنِهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ لَزِمَهُ حَالَ الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبُهُ أَقْوَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ ، وَالضَّعِيفُ لَا يُزَاحِمُ الْقَوِيَّ كَالدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْمَرَضِ مَعَ دَيْنِ الصِّحَّةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْكَسْبِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْغُرَمَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ دُيُونُهُمْ فِي حَالِ الْإِذْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي إبْطَالِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَكَذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ مَعَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ حَتَّى أَخَذَ مَوْلَاهُ الْمَالَ مِنْهُ أَوْ بَاعَهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ الْعَبْدُ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ أَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ - أَثَرُ ذَلِكَ الْإِذْنِ فِي الْمَالِ
الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ فَلِأَنَّهُ يُحَوَّلُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ مُفَوِّتٌ مَحَلَّ الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ كَانَ مِلْكَ الْإِذْنِ وَإِقَامَةِ الْأَثَرِ مَقَامَ الْأَصْلِ فِي حَالِ بَقَاءِ مَحَلِّ الْأَصْلِ لَا بَعْدَ فَوَاتِهِ ؛ وَلِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ فِي بَقَاءِ تِجَارَتِهِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ عَامَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ بَعْدَ مَا بَاعَهُ الْمَوْلَى فِي عَيْبٍ وَلَا غَيْرُهُ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَالِ رِقِّهِ وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ إذَا عَتَقَ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي حُكْمِ الِالْتِزَامِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ أَخَذَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَلَا يَكُونُ الْتِزَامُهُ صَحِيحًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ .
وَإِذَا حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهَا كَانَتْ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ فِيهَا يَدٌ حِينَ أَخَذَهَا الْمَوْلَى وَكَانَ صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ فَإِنْ عَتَقَ لَمْ يَلْحَقْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَقَدْ أَخَذَهَا الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ رِضَا الْعَبْدِ وَتَسْلِيطِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ الْوَدِيعَةَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمُودَعِ ، وَالْبِضَاعَةُ ، وَالْمُضَارَبَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ غَصْبًا أَخَذَ بِهِ إذَا عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ أَوْ مُضَارَبَةٌ أَوْ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَخَذَهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ حَقِّهِ ، ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ كَانَتْ الْأَلْفُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُؤَاخَذُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُجْعَلُ كَأَنَّمَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَضَى - بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ دَيْنًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ فَالْأَلْفُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ صَارَ الْمُقَرُّ بِهِ مُسْتَحَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ لِغَيْرِهِ لِإِبْطَالِ اسْتِحْقَاقِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ مِثْلَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ
التَّرِكَةِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ فَإِذَا صَرَفَ الْمَالَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ ، ثُمَّ عَتَقَ اتَّبَعَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ بِزَعْمِهِ وَاسْتَفَادَ بِهِ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ فَيَتْبَعُهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِمِثْلِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا قَضَى بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إنَّمَا أَزَالَ الْمَوْلَى يَدَهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَالْهَلَكِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ أَوَّلًا الْوَدِيعَةِ كَانَتْ الْأَلْفُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَيَتْبَعُهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ بَاطِلٌ ، وَالْأَلْفُ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى وَلَا يَتْبَعُهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ إذَا عَتَقَ فَأَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ فَيَبِيعُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ صَحِيحٌ .
وَلَوْ أَقَرَّ إقْرَارًا مُتَّصِلًا فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَايِرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ فَيَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَدِيعَةِ مُتَّصِلًا بِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَدَّمَ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ قَدْ صَارَ كَالْمُسْتَهْلِكِ لِلْوَدِيعَةِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَدَيْنٌ فِي كَلَامِهِ مَوْصُولٌ فَيَكُونُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِذَا عَتَقَ أَخَذَاهُ بِمَا بَقِيَ لَهُمَا وَلَوْ بَدَأَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ الْمُتَّصِلِ الْوَدِيعَةِ كَانَتْ الْأَلْفُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ الْعَيْنَ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ ، وَالدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ يَسْتَحِقُّ بِهِ كَسْبَهُ .
وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ كَسْبًا لَهُ
فَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ وَلَوْ ادَّعَيَا جَمِيعًا فَقَالَ صَدَقْتُمَا كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ إلَّا ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ هَهُنَا بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ كَمَا أَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي الْوَارِثِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ ، وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ وَالْحُرُّ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْبُلُوغِ بِشَيْءٍ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ الْعَبْدُ الْكَبِيرُ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا فِي حَقِّهِمَا لَمْ يَصِحَّ .
وَلَوْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ بِوَدِيعَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ لَمْ يَلْحَقْ الْعَبْدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِهَلَاكِ مَا فِي يَدِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ وَلَا مَالَ فِي - يَدِهِ فَإِذَا عَتَقَ أَخَذَ بِالدَّيْنِ دُونَ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ كَالْمُعَايَنِ فِي حَقِّهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُعَايَنًا مَعْلُومًا لَمْ يَلْحَقْهُ مَعَهُ بَعْدَ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِهِ وَكَانَ مُؤَاخَذًا بِالدَّيْنِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَذِنَ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ آخَرَ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ فَالْأَلْفُ الَّتِي فِي يَدِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الثَّانِيَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيمَا فِي يَدِهِ مِمَّا كَانَ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ وَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ كَمَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ صَارَ مَا فِي يَدِهِ مُسْتَحَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ كَانَ فِي حَالِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْإِسْنَادِ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فِي حَالِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ وَيَتْبَعُ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ الْعَبْدُ بِهَا فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ بِزَعْمِهِ وَعِنْدَهُمَا الْأَلْفُ لِمَوْلَاهُ وَيَتْبَعُ بِالدَّيْنِ فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الثَّانِيَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فَإِنَّ الْمَوْلَى بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ يَصِيرُ كَالْمُخْرِجِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ يَدِهِ وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ فِي الْإِذْنِ الثَّانِي صَحِيحٌ فِي رَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ
فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خَمْسُمِائَةٍ فَأَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَقَرَّ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَ الَّتِي كَانَتْ فِي - يَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ هَذَا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْوَدِيعَةِ ، وَالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ ، وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ بِالْأَلْفِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ مُقَدَّمٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ كَمَالَ حَقِّهِ ، ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ مُسْتَحِقٌّ لِمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُهُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعَتْبِ وَيَتْبَعُ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ الْعَبْدُ بِوَدِيعَتِهِ كُلِّهَا فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَدِيعَةِ حَصَلَ فِي حَالِ الْإِذْنِ الثَّانِي وَهُوَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَقَدْ قُضِيَ الْوَدِيعَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ بِزَعْمِهِ فَيُؤَاخَذُ بِبَدَلِهِ فِي الْحَالِ .
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَخَمْسِمِائَةٍ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ عِنْدَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَتْبَعُ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ فِيهِ الْعَبْدُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَبْطُلُ مِنْ وَدِيعَتِهِ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْوَدِيعَةِ حَصَلَ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِمَا قَضَى بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ دُونَ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، وَإِنَّمَا قَضَى الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا فَيَتْبَعُ بِذَلِكَ خَاصَّةً ، وَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى أَخَذَهَا الْمَوْلَى فَهِيَ فِي حَقِّهِ وَمَا لَوْ أَخَذَهَا غَاصِبٌ آخَرُ سَوَاءٌ فَإِنْ هَلَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ فِي
يَدِ الْعَبْدِ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ فِي كَسْبِهِ عَلَى حَقِّ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ وَيَلْزَمُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِنْ الْوَدِيعَةِ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ضَامِنًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَضَى الدَّيْنَ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الْخَمْسِمِائَةِ خَاصَّةً وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ هَالِكٌ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ .
وَإِذَا وَهَبَ لِعَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا الْعَبْدُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ الْمَوْلَى حَتَّى اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِبَيِّنَةٍ ، ثُمَّ اُسْتُهْلِكَ أَلْفٌ آخَرُ بِبَيِّنَةٍ فَالْأَلْفُ الْهِبَةُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا فِيمَا هُوَ فِي يَدِهِ صُورَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فِي ذَلِكَ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَصْمًا لَهُ فَهُوَ وَمَا لَوْ أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ سَوَاءٌ فَمَا يَلْحَقُهُ مَنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَصْمًا لَهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَالٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ كَانَ دَيْنًا قَبْلَ الْهِبَةِ كَانَتْ الْهِبَةُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ بِالْقَبْضِ صَارَ كَسْبًا لَهُ وَحَقِّ غُرَمَائِهِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ إنَّمَا يَسْلَمُ لِلْمَوْلَى بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِهِ وَبِقِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاكْتِسَابِ يَتَعَذَّرُ هَذَا الشَّرْطُ ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ حِينَ صَارَتْ الْأَلْفُ كَسْبًا لَهُ مَا كَانَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَتَمَّ شَرْطُ سَلَامَةِ الْكَسْبِ لِلْمَوْلَى ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ بَعْدَ الْهِبَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ آخَرَ بِبَيِّنَتِهِ كَانَتْ الْهِبَةُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ فِيهِ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ بِهِ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْمَوْلَى ، وَثُبُوتَ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ حُكْمًا فَيَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَأْذُونًا وَلَكِنَّهُ قَالَ : لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَثْبُتْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الثَّانِي .
حَقٌّ فِي ذَلِكَ الْكَسْبِ فَتَأَثَّرَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَاسْتِحْقَاقُ الْغَرِيمِ ذَلِكَ الْكَسْبَ بِهِ فِي نَفْيِ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَرِيمِ الثَّانِي مِنْهُ لَا فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْمَالِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَوْلَى ، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْلَى إيَّاهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الْغَرِيمِ الثَّانِي فِيهِ فَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ إيَّاهُ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَيْنِ فِي حَقِّهِ جَمِيعِهِمَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَالَ الْإِذْنِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ زَمَانٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الدَّيْنَيْنِ وَجَبَا عَلَيْهِ مَعًا فَيَسْتَوِيَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَسْبِ بِهِمَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَشِرَاؤُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِهِ شَغَلَ مَالِيَّتَهُ بِالثَّمَنِ وَالْمَوْلَى غَيْرُ رَاضٍ بِهِ وَفِيهِ إدْخَالُ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَيْسَ لِلْحُرِّ هَذِهِ الْوِلَايَةُ عَلَى حُرٍّ فَلَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ : إنَّهُ يُدْخِلُ الْعَيْنَ فِي مِلْكِهِ بِقَبْضِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِمِلْكِ رَقَبَتِهِ مَا قَصَدَ إلَّا تَحْصِيلَ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِمَا هُوَ انْتِفَاعٌ مَحْضٌ مُحَصَّلٌ لَهُ بِمِلْكِ رَقَبَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الشِّرَاءِ جَازَ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ فِيهِ وَامْتَنَعَ نُفُوذُهُ بِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَوْلَى وَبِإِجَازَتِهِ يَرْتَفِعُ هَذَا الْمَانِعُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِمَالِيَّتِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالٍ مَوْلَاهُ أَوْ مِمَّا وَهَبَ لِلْعَبْدِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَاقَى مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَمِثْلُهُ مِنْ الْحُرِّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِانْعِدَامِ رِضَاهُ بِهِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الرِّضَا بِإِجَازَتِهِ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْقَرْضُ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّبِيُّ وَالْحُرُّ وَالْمَعْتُوهُ الَّذِي يَعْقِلُ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ فِي ذَلِكَ كَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ عِنْدَ انْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مَتَاعًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ الْمُتَقَدِّمُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِيمَا اسْتَقْبَلَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَصَارَ الْمَوْلَى رَاضِيًا بِشَغْلِ مَالِيَّتِهِ بِمَا يُنْشِئُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ بَعْدَ الْإِذْنِ فَلَا يُؤْثِرُ ذَلِكَ فِي تَصَرُّفٍ سَبَقَ الْإِذْنُ فَإِنْ أَجَازَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ مِنْهُ وَهِيَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الشِّرَاءِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ فَتَكُونُ إجَازَتُهُ ذَلِكَ الْعَقْدَ بَعْدَ رِضَا الْمَوْلَى كَإِجَازَةِ الْمَوْلَى .
وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ ؛ لِأَنَّ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَوْلَى وَوِلَايَتُهُ عَنْهُ فَإِجَازَتُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ كَإِجَازَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَطَلَ الشِّرَاءُ الْمُتَقَدِّمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي انْعَقَدَ حَالَةَ الرِّقِّ فَإِنَّهُ انْعَقَدَ مُوجِبًا الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ وَبَعْدَ الْعَقْدِ لَوْ نَفَذَ كَانَ مُوجِبًا الْمِلْكَ لِلْعَبْدِ مَقْصُودًا عَلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا بَعْدَ الْإِذْنِ كَانَ مُوجِبًا الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ إذَا تَمَّ بِإِجَازَتِهِ وَإِجَازَةِ مَوْلَاهُ وَهَهُنَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَبْقَى كَذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ مُوجِبًا حُكْمًا غَيْرَ الْحُكْمِ الَّذِي انْعَقَدَ لَهُ وَلِهَذَا لَا تَعْمَلُ إجَازَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ فِيهِ وَلَا إجَازَةَ الْمَوْلَى وَلَا إجَازَتِهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ تَعَيَّنَ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِيهِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ
أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى نَفَذَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ مُوجِبًا مِلْكَ الْحِلِّ لِلْعَبْدِ عِنْدَ نُفُوذِهِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ إذَا نَفَذَ ثَبَتَ مِلْكُ الْمَحَلِّ لِلْعَقْدِ كَمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَكَانَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِهِ حَقَّ الْمَوْلَى فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ نَفَذَ .
فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَانْعَقَدَ مُوجِبًا الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرِي لِلْمَوْلَى عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ وَلَا يُمْكِنُ إنْفَاذُهُ كَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَ : ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي شِرَاءَ الْجَارِيَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ بِإِجَازَتِهِ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا انْعَقَدَ مُوجِبًا الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَتْ إجَازَتُهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِي مَالِيَّتِهِ وَمَالِيَّةِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَبِعْهُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ مَاتَ فَوَرِثَهُ وَارِثُهُ فَأَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ بِالْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي هَذَا الشِّرَاءِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قَبَضَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِكِ فَلَا يَكُونُ هُوَ جَانِيًا فِي الْقَبْضِ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَبْضَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ لَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْعُقُودِ فِي حَالِ قِيَامِ الرِّقِّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ بِالْعَقْدِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ دُونَ حَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا عَتَقَ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي قَبَضَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ فِيهِ وَهُوَ إذْنُ الْمَوْلَى وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، وَلَوْ كَانَ قَتَلَ الْعَبْدُ حِينَ قَبَضَهُ مِنْ الْبَائِعِ قِيلَ لِمَوْلَاهُ ادْفَعْهُ أَوْ أَفْدِهِ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَحَقَّ بِاسْتِرْدَادِهِ مِنْهُ وَمِلْكُهُ لَمْ يَزُلْ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْهُ بِذَلِكَ فَكَانَ الْعَبْدُ فِي قَتْلِهِ جَانِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيُخَاطَبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ ثِيَابٌ أَوْ عُرُوضٌ أَوْ دَوَابُّ فَاسْتَهْلَكَهَا الْعَبْدُ حِينَ قَبَضَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا حَتَّى يُعْتَقَ فَإِنْ عَتَقَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ الْعَقْدِ فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْعَقْدِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَلَا يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِضَمَانِ الْعُقُودِ حَتَّى يُعْتَقَ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ بِهِ الْمَضْمُونَ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهِ الدَّفْعُ دُونَ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ .
يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ إيجَابَ الْبَيْعِ تَسْلِيطٌ مِنْ الْبَائِعِ
لِلْمُشْتَرِي عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ كَالْأَكْلِ فِي الطَّعَامِ وَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ فَلَا يَكُونُ هَذَا السَّبَبُ مُوجِبًا الضَّمَانَ عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ كَأَصْلِ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِي الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُذْكَرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ عِنْدَهُ يُؤْخَذُ بِضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ لِلْفَرْقِ فَقَالُوا : الْبَيْعُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ التَّسْلِيطِ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ ، فَأَمَّا الْإِيدَاعُ فَإِنَّهُ اسْتِحْفَاظٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ التَّسْلِيطُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ وَلَكِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْتِقْرَاضِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْإِقْرَاضُ تَمْلِيكٌ كَالْبَيْعِ قَالَ : وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ عَبْدًا مَأْذُونًا أَوْ صَبِيًّا مَأْذُونًا لِأَنَّهُمَا فِي انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُمَا كَالْحُرِّ الْكَبِيرِ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا التَّسْلِيطُ ضَمَانًا لِعَقْدِ التِّجَارَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَعْتُوهًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُمَا إذَا قَتَلَا الْمُشْتَرِيَ كَانَتْ الْقِيمَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَاهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْحَقُهُمَا ضَمَانُ مَا اسْتَهْلَكَا مِنْ هَذَا إذَا كَبُرَ الصَّبِيُّ وَعَقَلَ الْمَعْتُوهُ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُمَا الضَّمَانَ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِمَا فَإِنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ شَرْعًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْتِزَامَهُ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَيْضًا عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا أَخَذَ الْمُشْتَرِي بِضَمَانِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيطَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إيَّاهُ عَلَى الْقَبْضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ
فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ بِهِ وَالْقَبْضُ وَالِاسْتِهْلَاكُ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَسْلِيطٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى أَوْ الْجَارِيَةَ كَانَ مَوْلَاهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَاعَ الْعَبْدَ فِي رَقَبَتِهِمَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا فَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ أَوْ يَفْدِيهِ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبَانِ مُوجِبَانِ لِلضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْقَبْضُ وَالْآخَرُ الْقَتْلُ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَضْمَنَهُ بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ شَاءَ فَإِنْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ بِالْقَبْضِ صَارَ الْعَبْدُ كَالْهَالِكِ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ فَيُبَاعُ فِي قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى عَنْهُ وَإِنْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ بِالْجِنَايَةِ أُمِرَ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا وَقَتَلَهُ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ مِنْ مَالِهِ حَالًّا بِالْغَصْبِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُوجِبًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِاعْتِبَارِ قَتْلِهِ إيَّاهُ خَطَأً .
وَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ فَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَبَاعَ حَتَّى صَارَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ حَضَرَ الْبَائِعُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ مِمَّا فِي يَدِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَدَيْنُ الْبَائِعِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْكَسْبِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي يَدِهِ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي فِي يَدِهِ قَائِمًا بِعَيْنِهِ كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِاسْتِرْدَادِهِ فَكَذَلِكَ بَدَلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى الثَّمَنَ مِمَّا فِي يَدِهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا عَلِمَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَلْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى وَالْعَبْدُ لَا يَلْحَقُهُ الْحَجْرُ عَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً لِلْمَوْلَى .
وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَجَّرَ الْمَحْجُورُ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ ثَمَنِ عَبْدِهِ الَّذِي بَاعَهُ فَذَلِكَ الْمَالُ لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَائِعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ بَدَلٌ عَمَّا كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَلِلْمَوْلَى فِيهِ سَبَبُ اسْتِحْقَاقٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ الْمَحْجُورِ فِي تَقْدِيمِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إضْرَارٌ بِالْمَوْلَى وَتَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ فِيمَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِالْمَوْلَى لَا يَكُونُ نَافِذًا وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى هَذَا الْمَالُ ذَهَبَ لِعَبْدِي أَوْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ عَبْدُك الَّذِي
بِعْت وَقَالَ الْبَائِعُ أَصَابَهُ مِنْ ثَمَنِ عَبْدِي وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ لِهَذَا الْمَالِ وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَتَصْدِيقُ الْعَبْدِ لَا يَنْفَعُ الْبَائِعَ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ لَا قَوْلَ لَهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ شِرَاءِ الْعَبْدِ قَرْضٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ وَدِيعَةٌ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عُرُوضٌ فَتَصَرَّفَ فِيهَا الْعَبْدُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَخَذَ صَاحِبُ الْأَصْلِ مَا وَجَدَهُ فِي يَدِهِ بِمَا هُوَ بَدَلُ مِلْكِهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا بَقِيَ حَتَّى يُعْتَقَ ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ دُونَ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ شَيْئًا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَتَاعًا بِضَاعَةً فَبَاعَهُ الْعَبْدُ جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْعِ وَبَيْعُهُ لَاقَى مِلْكَ الْمُبْضِعِ بِرِضَاهُ فَيَنْفُذُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْبَيْعِ بِالتَّكَلُّمِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ وَاذَا جَازَ الْبَيْعُ كَانَ الثَّمَنُ لِلْآمِرِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى يُعْتِقَ ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْعُهْدَةِ الْعَبْدَ إضْرَارًا بِمَوْلَاهُ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ الْعُهْدَةُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ هُوَ الْمُبْضِعُ فَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ لَزِمَهُ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لُزُومُهَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ .
وَإِنْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمُبَاعِ عَيْبًا فَالْخَصْمُ الْآمِرُ مَا لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاشَرَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ إذْ جَعَلَ الْعَبْدَ رَسُولًا فِيهِ إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ فِي حَقِّهِ بِالْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْلَافِهِ عَلَى الْبَتَاتِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إضْرَارٌ بِهِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ مَوْلَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ صَارَتْ الْخُصُومَةُ لِحَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ كَمَا يَصِيرُ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْعِتْقِ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ لُحُوقِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُ وَهُوَ انْعِدَامُ الرِّضَا مِنْ الْمَوْلَى بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ ، ثُمَّ عَتَقَ فَهُوَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقْضَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى إعَادَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنْ هُوَ خَصْمٌ وَهُوَ الْآمِرُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا وَإِنْ تَحَوَّلَتْ الْخُصُومَةُ إلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حُرًّا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَهُ وَارِثُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يُكَلِّفْ إعَادَتَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَيْحكُمْ عَلَيْهِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ تَمَّتْ .
فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْعَبْدِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَقْضِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الثَّمَنُ الْآمِرَ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْهُ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ رَدِّ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ دُونَ الْعَقْدِ وَالْقَابِضُ كَانَ هُوَ الْآمِرُ دُونَ الْعَبْدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ حُرًّا وَكَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ الْعَبْدُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّ قَبْضَهُ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْآمِرِ ؛ وَلِهَذَا بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِهِ فَكَانَ هَلَاكُهُ فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْآمِرِ وَلِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ كَانَ عَامِلًا لَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِسَبَبِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ أَوْ مَعْتُوهٌ كَانَتْ الْعُهْدَةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى الْآمِرِ وَالْخُصُومَةِ مَعَهُ وَالْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ وَهُوَ الَّذِي يَرُدُّ وَلَا تَنْتَقِلُ الْعُهْدَةُ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بِالْإِدْرَاكِ وَالْإِفَاقَةِ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُمَا الْعُهْدَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّهِمَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدُ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ وَجَبَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْآمِرُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ .
وَإِذَا وَجَبَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ ، ثُمَّ حَجَر عَلَيْهِ مَوْلَاهُ فَالْخَصْمُ فِيهِ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ سَبَبَ الِالْتِزَامِ فِي حَالِ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ وَتَأْثِيرُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَنْعِ لُزُومِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ ابْتِدَاءً لَا فِي إسْقَاطِ مَا كَانَ لَزِمَهُ فَإِنْ دَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى الْعَبْدِ بَرِئَ كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَامَلَ الْعَبْدَ فَقَدْ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى مَوْلَاهُ بَرِئَ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى وَبِقَبْضِ الْعَبْدِ يَتَعَيَّنُ الْمِلْكُ لَهُ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُوَكِّلِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ كَسْبَهُ الْآنَ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَالْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَ غُرَمَائِهِ فَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَوْلَى صِيَانَةً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الدَّيْنَ فَإِنْ قَضَاهُ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ وَهُوَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي كَسْبِهِ وَاسْتِدَامَةِ الْقَبْضِ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْ الْعَبْدِ كَإِنْشَائِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِنَقْضِ شَيْءٍ لِيُعَادَ مِثْلُهُ وَبَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْ الْعَبْدِ لَوْ نَقَضْنَا قَبْضَ الْمَوْلَى احْتَجْنَا إلَى إعَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَقْبِضُهُ فَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ حَالِ قِيَامِ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ .
فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ حَجْرِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى فَيَكُونُ هُوَ أَحَقَّ النَّاسِ بِاسْتِيفَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ
الْمَوْلَى أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ لِلْمُشْتَرِي فَالْمَقْبُوضُ يُسَلَّمُ لِلْبَائِعِ فَلَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَصْرِفَ الْمَنَافِعَ الَّتِي هِيَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَبْضِ وَالْخُصُومَةِ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَائِعُ وَإِنْ قَبَضَ لَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ بِقَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِيهِ حُكْمًا فَكَانَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَالْمَقْبُوضُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ بِتَسْلِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ خُصُومَةُ الْعَبْدِ عَنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي صَارَ الْعَبْدُ فِي تِلْكَ الْخُصُومَةِ كَالْمُسْتَهْلَكِ فَإِنَّ تَجَدُّدَ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ عَيْنِهِ وَلَكِنَّ الْخَصْمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلَفًا عَنْ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا هُوَ غَنِمَ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ فَكَذَلِكَ فِي الْغُرْمِ وَالْخُصُومَةُ فِيهِ يَكُونُ خَلَفَا عَنْهُ فَيَقْبِضُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى هُوَ الْخَصْمُ أَيْضًا فِي الْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ عَلَى النَّاسِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَضَى بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْ الْغُرَمَاءِ بِقَبْضِ الْمَوْلَى لِذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَأَمَّا أَنْ يَقْبِضَ الْغُرَمَاءُ دَيْنَهُمْ مِنْ الْمَقْبُوضِ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ دَيْنِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْخَصْمَ فِي قَبْضِ جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِسَبَبِهِ وَقَدْ خَلَصَتْ لَهُ مَنَافِعُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْعَبْدُ هُوَ
الْخَصْمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِخُلُوصِ مَنَافِعِهِ لَهُ وَقَدْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْخُصُومَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ كَوْنَ مَنَافِعِهِ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ .
وَإِذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مَتَاعًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَتَقَابَضَا ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَتَاعِ عَيْبًا فَالْخَصْمُ فِيهِ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي مَنَافِعِهِ بَاقٍ بَعْدَ الْحَجْرِ وَقَدْ كَانَ لَزِمَهُ الْعُهْدَةُ لِمُبَاشَرَتِهِ سَبَبَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَحُكِمَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ فَأَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ كَحَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَلِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بُدِئَ بِالْمَتَاعِ فَبِيعَ وَأُعْطِيَ الْمُشْتَرِيَ ثَمَنَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْمَتَاعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ دَيْنَهُ بَدَلُ هَذَا الْمَتَاعِ وَالْمَتَاعُ مَحْبُوسٌ بِهِ كَالْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِهَذَا يُبْدَأُ مِنْ ثَمَنِ الْمَتَاعِ بِدَيْنِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْمَتَاعِ شَيْءٌ فَهُوَ لِغُرَمَاءِ الْعَبْدِ وَإِنْ نَقَصَ فَالْمُشْتَرِي شَرِيكُ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ لِأَنَّ دَيْنَهُ وَاجِبٌ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ .
وَإِنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَتَاعَ ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يَطْلُبُ الثَّمَنَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَتَاعِ وَفِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَهُ عَلَيْهِمْ فِي ثَمَنِ الْمَتَاعِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَقَدْ انْعَدَمَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي كَانَ هُوَ أُسْوَةَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى الْعَيْبِ وَطَلَبَ الْيَمِينَ فَالثَّمَنُ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ هَذَا الْبَيْعَ وَهُوَ الْخَصْمُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْعَيْبِ فِيهِ بَعْدَ
الْحَجْرِ كَمَا قَبِلَهُ فَيَكُونُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رَدَّ الْمَتَاعَ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَكَانَ حَالُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ هَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ أَثَرَ الْإِذْنِ فِي بَقَايَا تِجَارَتِهِ بِحَاصِلِ الْإِذْنِ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اسْتَحَقَّ رَدَّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ نُكُولِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَهُوَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ وَالْقَاضِي يَتَيَقَّنُ بِدُونِ إقْرَارِهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ تَصَرُّفٍ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْهُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ كَسْبٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهَهُنَا لَا كَسْبَ فِي يَدِهِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا مَوْلَاهُ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ هُوَ خَصْمًا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِنْكَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْيَتِيمِ بِدَيْنِ لَا يَكُونُ هُوَ خَصْمًا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْخَصْمُ فِيهِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْهُ فِي غُنْمِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْخُصُومَةِ فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ رَدَّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الْمَوْلَى عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْلَفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَقَرَّ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ .
فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَكَذَّبَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ وَالسَّيِّدَ بِمَا أَقَرَّا بِهِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِقْرَارُهُمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّهِمَا دُونَ الْغُرَمَاءِ وَيُبَاعُ الْمَتَاعُ الْمَرْدُودُ
فِي ثَمَنِهِ فَأَعْطَى ثَمَنَهُ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ الْآخَرِ شَيْءٌ عَلَى ثَمَنِهِ الْأَوَّلِ كَانَ لِغُرَمَاءِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ كَسْبُ الْعَبْدِ فَيُصْرَفُ إلَى غُرَمَائِهِ وَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ كَانَ الْفَضْلُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُبَاعَ فَيُبْدَأُ مِنْ ثَمَنِهِ لِغُرَمَائِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الْفَضْلِ كَانَ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَيُبْدَأُ مِنْ ثَمَنِهِ بِحَقِّ غُرَمَائِهِ وَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِمْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ حَقُّ الْمَوْلَى وَهُوَ مُقِرٌّ بِدَيْنِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَانَ ثَمَنُ الْمَتَاعِ فِي رَقَبَتِهِ وَفِي الْمَتَاعِ يُبَاعَانِ فِيهِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْحَقُّ لَهُ فِي الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ وَإِنْ حَلَفَ الْمَوْلَى لَمْ يَرُدَّ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِذَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْعَمَلِ حَقَّ الْمَوْلَى فَإِذَا عَتَقَ صَارَ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَالْمَتَاعُ لَهُ .
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مَتَاعًا لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ الْأَلْفَ فَضَاعَتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فِي الْمَتَاعِ فَأَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ وَمِثْلُهُ يَحْدُثُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُطْلَقًا وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَ مِنْ يَدِهِ ذَلِكَ الْمَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ حِينَ قَبَضَ الْمَوْلَى مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مُسْتَحَقٌّ لِغُرَمَائِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ إقْرَارِهِ فِيهِ وَحَالُهُ كَحَالِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مَتَاعًا لَهُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ بَاعَهُ مَوْلَاهُ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَتَاعِ عَيْبًا فَلَيْسَ الْعَبْدُ خَصْمًا فِيهِ وَلَكِنَّ الْخَصْمَ هُوَ الْمَوْلَى إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حِينَ بَاعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ بِالْبَيْعِ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى خُصَمَائِهِ بِغَيْرِ رِضَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْعَيْبِ رُدَّ الْمَتَاعُ وَبِيعَ فِي ثَمَنِهِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِحَقِّهِ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْعَبْدِ وَلَكِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى وَنُكُولَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى لَهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إنَّمَا قَبَضُوا ثَمَنَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُمْ بِهِ ، وَلَوْ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فِي الْمَتَاعِ فَصَدَّقَهُ بِهِ الْعَبْدُ وَنَاقَضَهُ الْبَيْعَ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَالْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَمُنَاقَضَتُهُ إيَّاهُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ وَالْإِقَالَةُ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَشِرَاءِ الْعَبْدِ إيَّاهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْإِقَالَةُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ أَوْ يُجَدِّدَ الْإِقَالَةَ بَعْدَ الْإِذْنِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ الْمُبْتَدَأِ فِي حَالِ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ أَوْ يُجَدِّدَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فِي حَالِ
الْحَجْرِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مَالٌ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي التِّجَارَةِ لَمْ يُؤْخَذْ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِذْنِ فِي تَنْفِيذِ مَا يُنْشِئُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَا فِي تَنْفِيذِ مَا كَانَ سَبَقَ الْإِذْنَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ إقْرَارًا جَدِيدًا بَعْدَ الْإِذْنِ فَحِينَئِذٍ هُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَقْرَرْتَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَالَ الْعَبْدُ أَقْرَرْتُ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَا تُنَافِي الْإِلْزَامَ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ صَبِيًّا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ حِينَئِذٍ لِإِضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي الِالْتِزَامَ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ أَصْلًا إلَّا لَأَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ فِي الْإِذْنِ الْأَوَّلِ فَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ يَكُونُ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً .
وَلَوْ دَفَعَ أَجْنَبِيٌّ مَتَاعًا لَهُ إلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ يَبِيعُهُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَبَاعَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَالْمَأْذُونُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِالنَّاسِ فِي مِثْلِهِ وَمَنْ لَا يُعِينُ غَيْرَهُ لَا يُعِينُهُ غَيْرُهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْفَكُّ الثَّابِتُ بِالْإِذْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ - دَفَعَ مَوْلَاهُ إلَيْهِ مَتَاعًا يَبِيعُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ دُونَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ ، ثُمَّ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فِي الْمَتَاعِ فَالْعَبْدُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاعَ الْمَتَاعَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اسْتَحَقَّ الْخُصُومَةَ مَعَهُ فِي الْعَيْبِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِحَجْرِ الْمَوْلَى فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَتِهِ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِيعَ الْمَتَاعُ فِي الثَّمَنِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعُهْدَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاشَرَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إنْ كَانَ بَاعَهُ لَهُ وَعَلَى الْمَوْلَى إنْ بَاعَهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لِغُرَمَائِهِ وَالْمَوْلَى كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنَّمَا لَحِقَتْهُ الْعُهْدَةُ بِسَبَبِ عَقْدٍ بَاشَرَهُ لَهُ فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيُّ مُعْسِرَيْنِ حَاصَّ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهِ عَلَى الْآمِرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ أَيْضًا بِمَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ حَقُّهُمْ وَقَدْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي
بَعْضَ ذَلِكَ بِسَبَبِ دَيْنٍ كَانَ الْعَبْدُ فِي الْتِزَامِهِ عَامِلًا لِلْآمِرِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَقْتَسِمُونَهُ بِالْحِصَّةِ .
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ هُوَ الْخَصْمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَانَتْ لَهُ فَإِنَّ أَبَى الْيَمِينَ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ إنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ وَكِيلًا عَنْهُ فَيَدُهُ فِي الثَّمَنِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعَيْبِ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الَّذِي كَانَ فِي حَالِ الْحَجْرِ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَكَانَ الْمَتَاعُ لِلْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِأَنَّهُ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ فِي حَقِّهِ وَقَدْ خَلَصَ الْحَقُّ لَهُ بِالْعِتْقِ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَنْكَرَهُ الْعَبْدُ فَالدَّيْنُ كُلُّهُ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَفِي الْحُكْمِ عَلَى نَفْسِهِ فَالْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي حَالَةِ الرِّقِّ بَيْعُ الرَّقَبَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ وَذَلِكَ اسْتِحْقَاقٌ عَلَى الْمَوْلَى وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيُخَيَّرُ الْمُقَرُّ لَهُ بَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ بَيْعَهُ فِي الدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يَخْتَارَ اسْتِسْعَاءَهُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِكَفَالَةٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ كَفَالَةَ الْعَبْدِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى صَحِيحَةٌ مُلْزِمَةٌ إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الدَّيْنِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُمْ قِيمَتَهُ وَيَرْجِعُونَ أَيْضًا عَلَى الْعَبْدِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هِيَ حَقُّهُمْ سُلِّمَتْ لِلْعَبْدِ بِالْعِتْقِ وَالْإِقْرَارُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمَالِيَّةِ وَهُوَ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَهُ السِّعَايَةُ فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِتَصَرُّفِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ فُلَانٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَلَكِنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمَمْلُوكِ يَكُونُ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَهَذِهِ الْمَالِيَّةُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَالذِّمَّةُ مَمْلُوكَةٌ لِلْعَبْدِ وَفِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إقْرَارُ الْمَوْلَى كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ لِمُصَادِفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِيهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْعَدِمُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ فَلَا يَسْعَى الْعَبْدُ فِيهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَعْدَ الْعِتْقِ خَالِصُ مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارَ مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ .
فَأَمَّا قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْكَسْبُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى مُقِرٌّ بِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْكَسْبِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهِ ؛ فَلِهَذَا يُقْضَى جَمِيعُ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، ثُمَّ
وُجُوبُ قِيمَةِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إتْلَافُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُرَاجِعُوا عَلَى الْعَبْدِ إلَّا بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّهِ يَتَصَرَّفُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَذَا الْقَدْرَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَعَى لَهُمْ الْعَبْدُ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى لَهُمْ فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَوْفَوْا كَانَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ يَتَصَرَّفُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَعَى فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ وَقَدْ وَصَلَ إلَى الْغُرَمَاءِ كَمَالُ حَقِّهِمْ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَيْضًا لَزِمَهُ الدَّيْنُ كُلُّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَوْلَى بِهِ أَصْلًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْعَبْدِ الْتِزَامٌ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ خَالِصُ حَقِّهِ وَفِي الذِّمَّةِ سِعَةٌ فَيَثْبُتُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَأَمَّا إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّتِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إلَّا بَعْدَ مَا يَتَّسِعُ لَهُ الْمَحَلُّ .
وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ عَشَرَةِ آلَافٍ وَأَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْعَبْدُ فَبِيعَ فِي الدَّيْنِ وَاقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ دَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَهُنَاكَ إذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ رَاضٍ بِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَلَا يُسَلِّمُ الثَّمَنَ لِلْغُرَمَاءِ مَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُمْ عَنْ مُطَالَبَةٍ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ تَمَكَّنُوا مِنْ مُطَالَبَتِهِ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْقِيمَةِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ثَبَتَ لُزُومُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ أَوْ بِتَصَرُّفِهِ فَكَمَا يُطَالَبُ هُنَاكَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْعِتْقِ يُطَالَبُ هَهُنَا بِقِيمَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْ فِي الدَّيْنِ حَتَّى دَبَّرَهُ الْمَوْلَى فَلِلْغُرَمَاءِ الْخِيَارُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَبَيْنَ اسْتِسْعَاءِ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ صَارَ مُفَوِّتًا عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ فَيُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِعْتَاقِ فِي إيجَابِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هُنَاكَ إذَا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ رَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَيْضًا وَهَهُنَا لَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتِقَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُدَبَّرِ لِلْمَوْلَى وَهُمْ قَدْ اسْتَحَقُّوا عَلَى الْمَوْلَى مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ حِينَ ضَمَّنُوهُ فَلَا يَبْقَى لَهُمْ سَبِيلٌ عَلَى كَسْبٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَهُنَاكَ كَسْبُ الْمُعْتَقِ مِلْكُهُ
فَتَضْمِينُهُمْ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُعْتَقِ بِقِيمَتِهِ لِيُؤَدِّيَ مِنْ كَسْبِهِ وَالثَّانِي أَنَّ هُنَاكَ لَا يَكُونُ لَهُمْ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ إلَّا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ وَهُنَا لَهُمْ حَقُّ اسْتِسْعَاءِ الْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى مُقِرٌّ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَكَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ أَحَقَّ بِالْكَسْبِ مِنْهُ وَهُنَاكَ الْكَسْبُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُ الْعَبْدِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلدَّيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارَ مَا يُقَدَّرُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ هَهُنَا أَخَذُوهُ بِقِيمَتِهِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بَعْدَ الْعِتْقِ مِلْكُهُ وَإِنْ أَدَّى خَمْسَةَ آلَافٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى أَخَذُوا مِنْهُ أَيْضًا قِيمَتَهُ وَبَطَلَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ مِقْدَارِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ .
وَلَوْ لَمْ يُدَبِّرْهُ حَتَّى مَرِضَ الْمَوْلَى فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَيَأْخُذُهُ الْغُرَمَاءُ دُونَ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ صَارَ ضَامِنًا مِقْدَارَ قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَيَتَأَخَّرُ عَنْ الدَّيْنِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَيَأْخُذُهُ الْغُرَمَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ وَحَقُّ الْغَرِيمِ فِي تَرِكَتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى مِقْدَارَ قِيمَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ وَلَا لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا سَعَى فِيهِ الْعَبْدُ بَدَلُ مَالِيَّتِهِ وَدَيْنُهُ فِي مَالِيَّتِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّتِهِ بِمَرَضِهِ وَحَقَّ غَرِيمِ الْعَبْدِ كَانَ ثَابِتًا فِي مَالِيَّتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى مُزَاحَمَةٌ مَعَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَعَى فِيهِ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَقَرَّ عَلَى الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْأُولَى لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّتِهِ لِمَرَضِ الْمَوْلَى فَإِقْرَارُهُ عَلَى الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَمَا لَا مُزَاحَمَةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ مَعَ غَرِيمِ الصِّحَّةِ فِي تَرِكَةِ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ لَا مُزَاحَمَةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ هَهُنَا وَالْقِيمَةُ الْأُولَى الَّتِي سَعَى الْعَبْدُ فِيهَا تَرِكَةُ الْمَوْلَى فَتَكُونُ لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى خَاصَّةً ثُمَّ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِغُرَمَاءِ الْعَبْدِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ ذَلِكَ لِغُرَمَائِهِ خَاصَّةً وَهَذَا
؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ .
وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَلَكِنْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ بِهَا أَوْ يَفْدِيهِ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنْ الْمُسْتَحَقُّ بِالْجِنَايَةِ نَفْسَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْمُعَايَنَةِ فَيَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِيهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى أَمَةٍ فِي يَدَيْ الْعَبْدِ أَوْ عَبْدٍ فِي يَدَيْهِ بِدَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ كَانَ مِثْلَ إقْرَارِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى كَرَقَبَتِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إعْتَاقِهِ الْعَبْدَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ .
وَإِقْرَارُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ عَلَى عَبْدِهِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا فِي مَالِهِ فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ يَكُونُ شَهَادَةٌ وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا يُسْتَحَقُّ شَيْءٌ ، ثُمَّ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِمَا عَلَيْهِ فِي مَعْنَى النَّظَرِ لَهُ عَاجِلًا .
وَلَوْ أَذِنَ الصَّبِيُّ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ أَقَرَّ الصَّبِيُّ عَلَى عَبْدِهِ بِدَيْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ خَطَأٍ وَجَحَدَهُ الْعَبْدُ كَانَ إقْرَارُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ وَإِقْرَارُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى عَبْدِهِ بِذَلِكَ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ يُقِرُّ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْحُرِّ عَلَى عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَصِيرُ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ إذَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مِلْكُ الْمُقِرِّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ فِي هَذَا أُسْوَةُ الْحُرِّ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وُلِدَ لَهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَلَدٌ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُكَاتَبُ قَالَ : لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ مَعَهُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا وَوَلَدُهُ وَوَالِدُهُ بَيْنَهُمَا بَعْضِيَّةٌ فَكَمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ هَذَا السَّبَبِ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ لَهُ إذَا مَلَكَهُ الْحُرُّ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ يَدًا إذَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَدْرَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ فَيَصِحُّ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُكَاتَبُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَذَلِكَ وَهْمٌ مِنْهُ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَارَ مُكَاتَبًا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ بِالْكِتَابَةِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ بِدَيْنٍ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يُكَاتِبُ عَلَيْهِ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهِ كَنَفْسِ الْمُكَاتَبِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى مُكَاتَبِ مَوْلَاهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْغَلَهُ بِالدَّيْنِ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ أَحَقُّ بِمَا يَكْسِبُهُ وَبِمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالٍ كَانَ اكْتَسَبَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَأَخَذَهُ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ أَحَقُّ بِهَذَا الْكَسْبِ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ مَالًا فَإِنْ ذَكَرَ الْمُكَاتَبُ أَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ الْمَالَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لِلْغَرِيمِ فِيمَا قَبَضَهُ لِأَنَّ بِقَبْضِ الْمُكَاتَبِ يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ
وَالدَّيْنُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَوْ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْغَرِيمُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَرِيمِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ الْمَوْلَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ الْمَالَ عَلَيْهِ وَالْمُكَاتَبُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ .
وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ بِالدَّيْنِ ثُمَّ أَدَّى فَعَتَقَ هَذَا مَعَهُ لِكَوْنِهِ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ أَمَّا عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ عَلَى الْغُرَمَاءِ شَيْئًا مِنْ مَحَلِّ حَقِّهِمْ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِمْ مَا دَامَ مُكَاتَبًا وَأَمَّا عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ كَسْبَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُكَاتَبِ أَحَقُّ بِذَلِكَ الْكَسْبِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ الْكَسْبُ خَالِصُ مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْهُ بِإِقْرَارِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى أَخَاهُ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فِيهِ فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ عَلَى عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَعَتَقُوا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ قَدْرَ قِيمَةِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ يَوْمَ عَتَقَ ثُمَّ يَكُونُ عَلَى الْمُقَرِّ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ إذَا أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ حِينَ كَانَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ .
وَلَوْ كَانَ حِينَ اشْتَرَى ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ يَكُونُ عَلَيْهِ دُونَ مَوْلَاهُ وَمَنْ يُكَاتِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ ؛ فَلِهَذَا بَطَلَ إقْرَارُ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ اكْتَسَبَ مَالًا كَانَ الْمُكَاتِبُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ لَا تَكُونُ مَالًا إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا لَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ ، ثُمَّ عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ يَدْفَعُ بِهِ أَوْ يَفْدِي وَلَا يُبَاعُ فِيهِ فَقَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا تَكُونُ جِنَايَتُهُ مُتَعَلِّقَةً بِكَسْبِهِ فَلِهَذَا كَانَ كَسْبُهُ لِلْمُكَاتَبِ دُونَ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُكَاتَبُ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ الْمَقَرُّ لَهُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ أَخَذَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ دَفْعِهِ فَصَارَتْ جِنَايَتُهُ مَالًا بِمَنْزِلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فِي يَدِهِ فَهُوَ فِي كَسْبِهِ فَيَنْفُذُ إقْرَارُ الْمُكَاتِبِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتِبُ قَبَضَ مِنْهُ كَسْبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَصِيرُ جِنَايَتُهُ مَالًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَا أَخَذَهُ قَبْلَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَسْبَهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ كَسْبَهُ حَتَّى أَدَّى الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَا فَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ فِيهِ وَلَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلًا قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَدْ ازْدَادَ بِالْعِتْقِ بُعْدًا عَنْهُ فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْجِنَايَةُ
إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ لَا حُجَّةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ اكْتَسَبَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ مَالًا كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَصِيرُ مَالًا إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا لَمْ يَصِرْ مَالًا لَا يَتَعَلَّقْ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِالْكَسْبِ فَيَكُونُ مَا اكْتَسَبَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ خَاصَّةً إذْ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ تَحَاصَّ فِيهِ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ النَّاسَ عَنْ الدَّفْعِ بِمَوْتِهِ فَتَصِيرُ الْجِنَايَةُ مَالًا وَالْكَسْبُ فِي يَدِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَقَدْ كَانَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَكَانَ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ نَوْعَ قُوَّةٍ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا حَقُّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ فَلِسَبْقِ السَّبَبِ وَأَمَّا حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْكَسْبِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ فَلِهَذَا الْحَقِّ سَبْقٌ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ بِالْكَسْبِ وَلِلْآخَرِ سَبْقٌ مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقُوَّةِ وَيَتَحَاصَّانِ فِي الْكَسْبِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ أَخْذُهُ غَصْبًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهِ فَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ وَكَوْنُهُ فِي يَدِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ الْمُكَاتَبَ أَدَّى الْكِتَابَةَ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَوْ صَارَتْ مَالًا إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ لِانْعِدَامِ الْحُجَّةِ فَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُقَرِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَلَا بِاعْتِبَارِ كَسْبِهِ وَالْجِنَايَةُ إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا عَلَى أَنْ تَكُونَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ يَقْضِي مِنْ كَسْبِهِ
فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ .
وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ أَوْ لَا بِدَيْنٍ ، ثُمَّ بِجِنَايَةٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ بُدِئَ مِنْهُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ أَسْبَقُ سَبَبًا وَتَعَلُّقًا بِالْكَسْبِ وَاعْتِبَارُ إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْكَسْبِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ الْكَسْبُ عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَأَمَّا مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فَحَقُّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُكَاتَبِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِيهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ بِمَوْتِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ صَارَتْ مَالًا وَهَذَا الْفَاضِلُ مِنْ الْكَسْبِ حَقُّ الْمُكَاتَبِ فَأَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْجِنَايَةِ لِحُكْمِ إقْرَارِهِ ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا ، ثُمَّ بِجِنَايَةٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ وَهُوَ يَجْحَدُ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ مِنْهُ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ لِلسَّبْقِ وَالتَّعَلُّقِ بِالْكَسْبِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا بِالْكَسْبِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ تَحَاصَّ فِيهِ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّهُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّمَا يَفِي هُوَ جَمِيعَ الْكَسْبِ وَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ وَفِي هَذَا هُمَا يَتَحَاصَّانِ لِقُوَّةٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ .
وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ الْمُكَاتَبَ أَدَّى فَعَتَقَ بُدِئَ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ فَمَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنَيْنِ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ لَمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا وَجْه لِإِيجَابِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بَعْد الْعِتْقِ
فَكَأَنَّهُ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ إلَّا بِدَيْنٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ فَيَبْدَأُ مِنْ كَسْبِهِ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَلَا مُزَاحَمَةَ لِلضَّعِيفِ مَعَ الْقَوِيِّ ثُمَّ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ ، وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَقَرُّ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ فَإِنَّهُ يَتَحَاصُّ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَصَاحِبُ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ نَوْعُ قُوَّةٍ مِنْ وَجْهٍ ، ثُمَّ يَدْخُلُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ مَعَ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَصَابَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّهُ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ وَحَقُّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَالْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ سَوَاءٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْكَسْبِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَصِيرُ مَالًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَإِذَا كَانَ صَيْرُورَةُ الْجِنَايَتَيْنِ مَالًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْكَسْبِ كَمَا لَوْ أُقَرَّ بِهِمَا مَعًا ؛ فَلِهَذَا دَخَلَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ مَعَ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَصَابَهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ لَا يَسْلَمُ لَهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ مَا اسْتَوْفَى كَمَالَ حَقِّهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ وَيَقُولُ حَقِّي مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّك فِي الْكَسْبِ قُلْنَا الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى دَوْرٍ لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُخِذَ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَقِّي فِي الْكَسْبِ مِثْلُ حَقِّك فَلَيْسَ لَك أَنْ تَفْضُلَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَسْبِ فَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ أَتَاهُ صَاحِبُ
الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَرَدَّ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مِثْلُ حَقِّهِ فَلَا يَزَالُ يَدُورُ هَكَذَا فَلِقَطْعِ هَذَا الدَّوْرِ قَالَ : لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ سَبِيلٌ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ ، فَإِنْ اسْتَوْفَى صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَصَاحِبُ الدَّيْنِ حَقَّهُمَا وَبَقِيَ شَيْءٌ أُضِيفَ ذَلِكَ الْبَاقِي إلَى مَا أَصَابَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَاقْتَسَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ صَاحِبَا الْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَا حَقَّهُمَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الْكَسْبِ سَوَاءٌ وَالْمَانِعُ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمُزَاحَمَةِ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِوُصُولِ كَمَالِ حَقِّهِ إلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْمُكَاتَبُ أَدَّى فَعَتَقَ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ فَمَا فَضَلَ عَنْهُ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَتَيْنِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ بِجِنَايَةٍ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْقَطِعٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ تَحَاصَّا فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَعَلُّقُهُمَا بِالْكَسْبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفِي مِثْلِهِ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ سَوَاءٌ كَالْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ مَاتَ تَحَاصَّا فِي تَرِكَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ أَوْ مُنْقَطِعٍ .
وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنَيْنِ لِرَجُلَيْنِ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ تَحَاصَّا أَيْضًا فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ وَأَنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ اخْتِصَاصُ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْكَسْبِ وَيَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ لِلثَّانِي فَيَصِيرُ مُوجَبُهُ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَسْبِ وَمَتَى كَانَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ تَوَقَّفَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ قَطَعَ كَلَامَهُ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ كَانَ لِلثَّانِي سَوَاءٌ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبَتَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ وَكَمَا أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالدَّيْنِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْكَسْبِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ لِلثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَارِثِ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا فِي يَدِهِ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ لِهَذَا الْمَعْنَى .
وَإِذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَادَّانَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ يَجْحَدُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ فَالْغَرِيمُ الَّذِي ادَّانَ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ مَعَ الْقَوِيِّ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَاهُ فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِهِ الْمَالِيَّةَ الْمُسْتَحَقَّةَ لَهُ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ كَانَ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَبِالْعِتْقِ ازْدَادَ قُوَّةً وَوَكَادَةً فَإِنْ ضَمِنَهُ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ أَمَّا عَلَى الْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ إلَّا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ وَقَدْ ضَمِنَ جَمِيعَ بَدَلِهَا مَرَّةً وَأَمَّا عَلَى الْعَبْدِ فَلِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَسْعَى إلَّا فِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ وَهُنَا لَا فَضْلَ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ عَلَى دَيْنِ الْعَبْدِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْغَرِيمُ أَخْذَ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مُتْلِفًا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَغْرَمْ لِصَاحِبِ دَيْنِ الْعَبْدِ شَيْئًا حِينَ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ سِوَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُصَدَّقٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدَّقًا عَلَى عَبْدِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَى الْعَبْدِ بِدَيْنٍ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَجَحَدَهُ الْعَبْدُ ، ثُمَّ صَارَ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَمَنِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ صَادَفَ مَحَلًّا فَارِغًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ حِينَ أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى فَيَثْبُتُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى فِي حَالِ رِقِّهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِبَقَائِهِ مَأْذُونًا بَعْد إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَإِذَا بِيعَ ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَمَنِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ حَصَلَ الْإِقْرَارَانِ مِنْ الْعَبْدِ ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارُ الْعَبْدِ أَوَّلًا بُدِئَ بِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ غَرِيمِهِ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَإِقْرَارُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ صَادَفَ مَالِيَّةً مَشْغُولَةً وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ الْفَرَاغِ فَلَا يَظْهَرُ مَعَ الشُّغْلِ ؛ فَلِهَذَا بُدِئَ مِنْ ثَمَنِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسه بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْإِقْرَارَانِ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ لَا بِاعْتِبَارِ الْفَرَاغِ ، وَكَذَلِكَ إنْ بِيَع بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَخَرَجَ مِنْهُمَا أَلْفُ وَتُوِيَتْ أَلْفٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهَا لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ التَّاوِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَبِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ إقْرَارُ الْمَوْلَى لَمْ يُصَادِفْ الْفَرَاغَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ .
فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيَتَحَاصُّ فِي ثَمَنِهِ اللَّذَانِ أَقَرَّ لَهُمَا الْعَبْدُ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِي الْقُوَّةِ ؛ فَإِنَّ الْإِقْرَارَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ جَمِيعِهِمَا حَالَةَ الْإِذْنِ وَلَا مُزَاحَمَةَ مَعَهُمَا لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَضْعَفُ فَإِقْرَارُ الْمَوْلَى مَا صَادَفَ فَرَاغًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِمَا كَانَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ لِلْمَوْلَى وَقَدْ زَعَمَ هُوَ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَزَعْمُهُ فِي نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَم ، ثُمَّ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي كَلَامٍ مُنْقَطِعٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فَيُبْدَأُ بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ أَقْوَى فَإِقْرَارُ الْمَوْلَى لَهُ صَادَفَ فَرَاغًا وَلِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَقَدْ صَارَتْ الْمَالِيَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ لِلثَّانِي مَعَهُ وَلَكِنْ يَسْتَوْفِي الْأَوَّلُ دَيْنَهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ وَصَلَ كَلَامَهُ فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَى عَبْدِي هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ تَحَاصَّا فِي ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِ كَلَامِهِ ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فِي أَحَدِهِمَا وَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ تَحَاصَّا فِي ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالتَّصْدِيقِ صَارَ مُقِرًّا بِدَيْنِ أَحَدِهِمَا فَكَأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ ، وَفِي هَذَا يَتَحَاصَّانِ فِي ثَمَنِهِ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي أَوَّلِهِمَا بُدِئَ بِهِ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ مَتَى اتَّصَلَ بِالْإِقْرَارِ كَانَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا
أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِغَائِبٍ ، ثُمَّ حَضَرَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَصَدَّقَهُ جُعِلَ ذَلِكَ دَيْنَ الصِّحَّةِ فَهَهُنَا أَيْضًا يَصِيرُ الْعَبْدُ بِالتَّصْدِيقِ كَالْمُقِرِّ بِذَلِكَ الدَّيْنِ حِينَ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ ، وَهَذَا إذَا كَانَ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِمَا مُنْقَطِعًا ، فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا تَحَاصَّا فِي ثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ بِاتِّصَالِ الْكَلَامِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْإِقْرَارَيْنِ مِنْ الْمَوْلَى وُجِدَا مَعًا فَتَثْبُتُ الْمُحَاصَّةُ بَيْنَهُمَا فِي ثَمَنِهِ ، ثُمَّ التَّصْدِيقُ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ مَا أَوْجَبَ الدَّيْنَيْنِ فِي رَقَبَتِهِ لَا يَكُونُ مُغَيِّرًا لِلْحُكْمِ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةٍ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفٍ ثُمَّ بِيعَ الْعَبْدُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَيَضْرِبُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى فِي ثَمَنِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ جَمِيعَهُمَا حَالَةَ الْإِذْنِ فَيَثْبُتُ جَمِيعُ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَوْلَى فَحِينَ وُجِدَ كَانَ الْفَارِغُ مِنْهُ بِقَدْرِ خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْأَلْفِ مِنْ مَالِيَّتِهِ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ غَرِيمِ الْعَبْدِ ، وَصِحَّةُ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْفَرَاغِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ إقْرَارِ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْمُزَاحَمَةِ بِقَدْرِ الْفَارِغِ مِنْهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ خَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا كَانَ الثَّابِتُ عَلَى الْعَبْدِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ فَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ عَلَى خَمْسَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ خُمُسَاهُ وَلِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ خُمُسُهُ ، وَلَوْ لَمْ تُبَعْ وَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ كَانَ ضَامِنًا لَهُمَا قِيمَتَهُ بِالْإِعْتَاقِ ، ثُمَّ هَذِهِ الْقِيمَةُ بَدَلُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ كَالثَّمَنِ لَوْ بِيعَ الْعَبْدُ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا فَيُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْعَبْد بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ عَلَى الْعَبْدِ ، وَيَرْجِعُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِمِائَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثَلَثُمِائَةٍ فَبَقِيَ مِنْ هَذَا الثَّابِتِ مِائَتَانِ ، وَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ تَرَكُوا الْمَوْلَى وَاتَّبَعُوا الْعَبْدَ بِالثَّابِتِ مِنْ دُيُونِهِمْ ، فَإِنْ
اتَّبَعُوهُ أَخَذَ مِنْهُ الْغَرِيمَانِ اللَّذَانِ أَقَرَّ لَهُمَا الْعَبْدُ جَمِيعَ دَيْنِهِمَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَأَخَذَ مِنْهُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى خَمْسَمِائَةٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الثَّابِتُ عَلَى الْعَبْدِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَّا بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُقِرٌّ بِأَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ رَقَبَتَهُ بِالْإِعْتَاقِ وَقَدْ بَرِئَ مِنْ حَقِّ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ بِإِبْرَائِهِمَا إيَّاهُ فَكَانَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بِيعَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَجَمِيعُ الثَّمَنِ لِلدَّيْنِ أَقَرَّ لَهُمَا الْعَبْدُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي مَالِيَّتِهِ شَيْءٌ فَارِغٌ عَنْ حَقِّ غَرِيمِ الْعَبْدِ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَصِحَّةُ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْفَرَاغِ فَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى فِي مُزَاحَمَةِ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ ، وَبِالزِّيَادَةِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ إقْرَارِ الْمَوْلَى إذْ لَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَحِينَ بِيعَ فَلَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهِ عَلَى حَقِّ غَرِيمَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِغَرِيمَيْ الْعَبْدِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ كَالثَّمَنِ ، وَلَوْ اخْتَارَ اللَّذَانِ أَقَرَّ لَهُمَا الْعَبْدُ اتِّبَاعَهُ وَأَبْرَآ مِنْ الْقِيمَةِ الْمَوْلَى كَانَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى بِجَمِيعِ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَهْلَكَ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ وَفِي زَعْمِهِ أَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ ثَابِتًا فِي هَذِهِ الْمَالِيَّةِ وَزَعْمُهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ ، ثُمَّ حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي هَذِهِ الْمَالِيَّةِ إذَا فَرَغَ مِنْ حَقِّ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ أَبْرَآهُ عَنْ دَيْنِهِمَا بِيعَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَحِينَ اخْتَارَ الْمُقِرُّ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ فَقَدْ فَرَغَتْ هَذِهِ الْمَالِيَّةُ مِنْ حَقِّهِمَا ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَهُ هَذِهِ الْمَالِيَّةَ وَيَسْتَوْفِيَهُ بِدَيْنِهِ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ أَلْفٍ ، ثُمَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ فِي كَلَامٍ مُنْقَطِعٍ ، ثُمَّ بِيعَ الْعَبْدُ بِأَلْفٍ فَهُوَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ أَثْلَاثًا يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِأَلْفٍ وَالثَّانِي بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ ثَبَتَ عَلَى الْعَبْدِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِهِ فَإِنَّهُ صَادَفَ مَحَلًّا فَارِغًا ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ دَيْنِ الثَّانِي نِصْفُهُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ مَالِيَّتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ بِقَدْرِ خَمْسِمِائَةٍ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّمَنِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ مِنْ دَيْنِهِ .
وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَالِيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْأَوَّلَانِ هَذِهِ الْقِيمَةَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الثَّابِتِ مِنْ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ يُعْتَبَرُ الْفَرَاغُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ دَيْنِهِمَا عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ اسْتَوْفَيَا مِنْ الْمَوْلَى مِقْدَارَ أَلْفٍ فَيَرْجِعَانِ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا بَقِيَ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ مِنْ دَيْنِهِمَا وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَيَقْتَسِمَانِهَا أَثْلَاثًا ، وَإِنْ طَلَبَا أَوَّلًا أَخْذَ الْعَبْدِ أَخَذَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِقْدَارِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِهِ إلَّا مِقْدَارُ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مِقْدَارِ قِيمَتِهِ وَيَقْتَسِمَانِ ذَلِكَ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الثَّابِتِ مِنْ دَيْنِهِمَا ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُمَا جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَيَا ذَلِكَ مِنْهُ وَصَلَ إلَيْهِمَا جَمِيعُ
دَيْنِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمَّنَا الْمَوْلَى فِي الِابْتِدَاءِ فَهُنَاكَ لَا يَتْبَعَانِ الْعَبْدَ إلَّا بِالْبَاقِي مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ مِنْ دَيْنِهِمَا وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مُنْكِرًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا أَتْبَعَا الْعَبْدَ أَوَّلًا بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ وَالْمَوْلَى مُقِرٌّ أَنَّ جَمِيعَ دَيْنِهِمَا ثَابِتٌ فَبِحُكْمِ إقْرَارِهِ يَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا الْمَوْلَى بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ حَتَّى يَصِلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالُ حَقِّهِ ، وَإِذَا أَتْبَعَا الْمَوْلَى فَاسْتَوْفَيَا مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ اقْتَسَمَا ذَلِكَ أَثْلَاثًا أَيْضًا ، ثُمَّ قَدْ وَصَلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ كَمَالُ حَقِّهِ فَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ عَلَى الْمَوْلَى يَسْتَوْفِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ الثَّانِي .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِهَذِهِ الدُّيُونِ إقْرَارًا مُتَّصِلًا كَانُوا شُرَكَاءَ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ بِاتِّصَالِ الْكَلَامِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْهُ لَهُمْ حَصَلَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مَعًا ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى أَتْبَعُوا الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَرْجِعُوا عَلَى الْعَبْدِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِمَّا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ تَاوٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَغْرَمُ إلَّا قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ وَالْعَبْدُ بَعْد الْعِتْقِ لَا يَغْرَمُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا مِقْدَارَ قِيمَتِهِ .
حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ أَلْفُ ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَيْنٍ أَلْفِ ، ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ ، ثُمَّ بِيعَ الْعَبْدُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ نِصْفَانِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوْسَطِ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ ثَبَتَ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِفَرَاغِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَحِينَ أَقَرَّ لِلثَّانِي لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَالِيَّتِهِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَحِينَ أَقَرَّ لِلثَّالِثِ ثَبَتَ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ فِي مَالِيَّتِهِ فَضْلًا عَلَى حَقِّ الْأَوَّلِ بِقَدْرِ الْأَلْفِ وَإِقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ مَتَى صَادَفَ مَحَلًّا فَارِغًا كَانَ صَحِيحًا ؛ فَلِهَذَا قُسِّمَ الثَّمَنُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ نِصْفَيْنِ وَإِنْ بِيعَ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ اسْتَوْفَى الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ دَيْنَهُمَا وَكَانَ الْفَضْلُ لِلْأَوْسَطِ ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ مِنْ حَقِّهِمَا لِلْمَوْلَى وَالْمَوْلَى مُقِرٌّ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ لِلثَّانِي عَلَيْهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ أَخَذَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْأَوْسَطِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الْمَالِيَّةِ كَالثَّمَنِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ أَخَذَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ مِنْ الْمَوْلَى أَلْفَيْنِ وَكَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ لِلْأَوْسَطِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِ الْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ دَيْنِهِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ ، فَإِنْ تَوَى بَعْضُ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَوْلَى كَانَ التَّاوِي مِنْ نَصِيبِ الْأَوْسَطِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْفَاضِلِ وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ كَمَالَ حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا تَوَى مِنْهُ كَانَ التَّاوِي مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَأَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ ، ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ ، ثُمَّ بِيعَ الْعَبْدُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَوْفِي أَلْفَ دِرْهَمٍ تَمَامَ دَيْنِهِ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَيَبْقَى أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ لِلثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَوَى الْبَاقِي كَانَ ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ وَثُلُثُهَا لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ دَيْنِ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالثَّابِتُ مِنْ حَقِّ الثَّانِي بِقَدْرِ خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْفَارِغَ عَنْ مَالِيَّتِهِ يَوْمئِذٍ كَانَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَيَقْتَسِمَانِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قَدْرِ الثَّابِتِ مِنْ دَيْنِهِمَا فَيَكُونُ الْخَارِجُ تَمَامَ دَيْنِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الثَّالِثِ فَالْإِقْرَارُ لَهُ مِنْ الْمَوْلَى كَانَ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ لِلثَّالِثِ فَمَا يَتْوِي يَكُونُ عَلَى الْغَرِيمِ الثَّالِثِ ، وَإِنْ اسْتَوْفَى الثَّانِي جَمِيعَ دَيْنِهِ ثُمَّ خَرَجَ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لِلثَّالِثِ ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ كُلُّهُ مُتَّصِلًا كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ دَيْنِهِمْ وَالتَّاوِي بَيْنَهُمْ جَمِيعًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَصَلَ الْإِقْرَارُ لَهُمْ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مُنْقَطِعًا ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَيْنٍ أَلْفٍ ، ثُمَّ بِيعَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَإِنَّ الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ وَاَلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَ دَيْنِهِ ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى يَأْخُذُ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ لَلثَّالِثَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ دُونَ حَقِّ الثَّانِي وَحَقُّ غَرِيمِ الْعَبْدِ ثَابِتٌ بَعْدَ إقْرَارِ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الْإِذْنِ فَإِنْ تَوَى مِنْ الثَّمَنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَرَجَتْ أَلْفَانِ كَانَتَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَاَلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ أَخْمَاسًا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ دَيْنِ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ وَجَمِيعَ دَيْنِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ ثَابِتٌ وَالثَّابِتُ ،
لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي مِقْدَارُ خَمْسِمِائَةٍ ؛ فَإِنَّ الْفَارِغَ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ يَوْمئِذٍ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْخَارِجِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الثَّابِتِ مِنْ دَيْنِهِ فَيَكُونُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا سَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ لِلْأَوَّلِ خُمُسَاهُ وَلِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْعَبْدُ خُمُسَاهُ وَلِلثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى خُمُسُهُ .
وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ حَتَّى صَارَ فِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِأَلْفٍ فَالْأَلْفُ الَّذِي فِي يَدِهِ بَيْنَ الْغَرِيمَيْنِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ كَمَا يُقْضَى مِنْ بَدَلِ رَقَبَتِهِ وَبِاعْتِبَارِهِمَا جَمِيعًا إقْرَارُ الْمَوْلَى صَادَفَ مَحَلًّا فَارِغًا فِي جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَصَلَ الْإِقْرَارَانِ مِنْ الْعَبْدِ فَيُقَسَّمُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَيْهِ بِأَلْفَيْنِ مَعًا قُسِّمَ ثَمَنُ الْعَبْدِ وَمَالُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْفَارِغِ مِنْ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ أَلْفٍ ؛ فَلِهَذَا قُسِّمَ الثَّمَنُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَمِائَةٍ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِدَيْنٍ أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِدَيْنٍ أَلْفٍ لَمْ يَضْرِبْ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ مَعَ غَرِيمَيْهِ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ حِينَ أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى مِقْدَارُ خَمْسِمِائَةٍ فَيَثْبُتُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى وَجَمِيعُ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ ثَابِتٌ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ الْمَوْلَى قَبْلَ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ وَمَالُهُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا سَهْمَانِ مِنْ ذَلِكَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَرِيمَيْ الْعَبْدِ سَهْمٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى حِينَ أَقَرَّ عَلَيْهِ كَانَ الْعَبْدُ فَارِغًا عَنْ كُلِّ دَيْنٍ فَثَبَتَ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى فِي حَالِ رَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَضْرِبُ فِي الثَّمَنِ وَالْكَسْبِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ دَيْنِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ
أَرْبَاعًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إقْرَارُ الْمَوْلَى وُجِدَ بَعْدَ اشْتِغَالِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ الْفَاضِلِ مِنْ مَالِيَّتِهِ عَلَى دَيْنِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْفَاضِلِ فَارِغٌ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ مَتَاعًا لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَصَرُّفِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فَرْقَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْمَتَاعَ إلَى مَوْلَاهُ وَأَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ إقْرَارِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ ، وَالْعَبْدُ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ لِمَوْلَاهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ لِأَنَّهُ يُؤْثِرُ مَوْلَاهُ عَلَى غُرَمَائِهِ وَإِقْرَارُ الْمُتَّهَمِ لَا يَصِحُّ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَبْضِ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَالْمَقْبُوضُ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ، ثُمَّ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَإِقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، فَأَمَّا إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ ، وَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ مَرَّةً أُخْرَى وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَرَدَّ الْمَتَاعَ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهَا ، وَذَلِكَ مُثْبِتٌ لَهُ الْخِيَارَ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لَهُ صَحِيحٌ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ مَعَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ يُجْعَلُ مُعْتَبَرًا فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْفَسْخِ لِلْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ قَدْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ
يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي الْهَالِكِ لَا يَتَحَقَّقُ وَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهُ لِلْفَسْخِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ خِيَارِ الْفَسْخِ لَهُ هَهُنَا إضْرَارًا بِالْغُرَمَاءِ وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِغَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا يَبْرَأُ الْمَوْلَى مِنْهُ حَتَّى يُعَايِنَ الشُّهُودُ الْقَبْضَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَبْضِ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ لَهُ بِالدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ ، وَكَذَلِكَ إقْرَارُ وَكِيلِ الْعَبْدِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلُ بِهِ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ .
وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ أَوْ أَذِنَ لَهُ وَصِيُّ الْأَبِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ بَاعَ عَبْدًا مِنْ ابْنِهِ أَوْ مِنْ وَصِيِّ ابْنِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ إذَا بَاعَهُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ بِمَنْزِلَةِ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ فِي تِجَارَتِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ يُجْعَلُ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي تِجَارَتِهِ مَعَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بِشَيْءٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ وَالْعَبْدَ عِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فَكَذَلِكَ بَيْعُ الصَّبِيِّ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ ، فَأَمَّا فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ مِنْ وَلِيِّهِ بِالْمُحَابَاةِ فَرِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَمْلِكُ ؛ لِأَنَّ رَأْيَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ إذَا انْضَمَّ إلَى رَأْيِ وَلِيِّهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَامَلَتُهُ مَعَ وَلِيِّهِ أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ وَلِيِّهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي هَذَا الرَّأْيِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَبِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ يَنْعَدِمُ انْضِمَامُ رَأْيِ الْوَلِيِّ إلَى رَأْيِهِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ وَإِنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّائِبِ عَنْ وَلِيِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى مَلَكَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى النِّيَابَةِ
قُلْنَا لَا يَبِيعُ مِنْ وَلِيِّهِ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ كَمَا لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ قُلْنَا يَبِيعُ مِنْ وَلِيِّهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ بِغَبَنٍ يَسِيرٍ مَعَ أَنَّ فِي بَيْعِ الْيَتِيمِ مِنْ الْوَصِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ هَهُنَا نَظَرًا فَقَدْ ذُكِرَ مُفَسَّرًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ نَائِبٍ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَلَا بِغَبْنٍ يَسِيرٍ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ الْيَتِيمُ بَعْدَ إذْنِ الْوَصِيِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ فِيهِ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ وَأَنَّ الْوَصِيَّ مَا قَصَدَ بِالْإِذْنِ النَّظَرَ لِلصَّبِيِّ وَإِنَّمَا قَصَدَ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَبِغَبَنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَتَمَكَّنُ تُهْمَةُ تَرْكِ النَّظَرِ لَهُ عِنْدَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِهَذَا التَّصَرُّفِ ، فَإِنْ أَقَرَّ الصَّبِيُّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ جَازَ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَبْضِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لِأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْهُمَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ خَالِصُ مِلْكِهِ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي مَالِهِ وَقَدْ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالْإِذْنِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَحَلٍّ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ ، فَأَمَّا دَيْنُ الْعَبْدِ فَمُعَلَّقٌ بِكَسْبِهِ فَإِقْرَارُهُ لِلْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْهُ يُصَادِفُ مَحَلًّا مَشْغُولًا بِحَقِّ غُرَمَائِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ .
وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ الْمَدْيُونُ وَكِيلًا يَبِيعُ مَتَاعًا لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَبَاعَهُ جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَوْلَى وَدَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الشُّهُودُ الْقَبْضَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَبِقَبْضِهِ يَصِيرُ الْمَقْبُوضُ لِلْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى إقْرَارِهِ لِلْمَوْلَى بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ أَوْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ ؛ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بِزَعْمِهِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْوَكِيلَ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا فَسَخَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِاعْتِبَارِ إقْرَارِهِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَدَّى الثَّمَنَ مَرَّةً أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْهُ لِيَسْتَفِيدَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الثَّمَنِ بِقَبْضِهِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ ذَلِكَ حِينَ غَرِمَ الثَّمَنَ مَرَّةً أُخْرَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْوَكِيلُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الْقَبْضُ بِإِقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْقِيمَةِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ ظَهَرَ الْقَبْضُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِإِقْرَارِهِ لَمَا غَرِمَ لَهُ الْمَوْلَى الثَّمَنَ مَرَّةً أُخْرَى .
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدُ إلَى مَوْلَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً أَوْ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِهَا مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ قَالَ : دَفَعْتُهَا إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى لِإِنْكَارِهِ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَبْضِهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْمَوْلَى فِي إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ دَفَعْتُهَا وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْعَبْدُ بِخِلَافِ الْمَالِ الْمَضْمُونِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ سُقُوطُ الْيَمِينِ عَنْ الْمَوْلَى قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي يَمِينِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَإِنَّمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ إذَا سَقَطَ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ شَيْءٌ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ مَعَ أَنَّ الْغُرَمَاءَ إنْ ادَّعَوْا عَلَى الْمَوْلَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ .
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَبِحَ فِيهِ الْمَوْلَى أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ الْعَبْدُ قَدْ أَخَذْتُ مِنْ الْمَوْلَى رَأْسَ الْمَالِ وَحِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ الْمَوْلَى وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ وَالْغُرَمَاءُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَهُوَ فِيمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَوْلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَوْلَى لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمَوْلَى حِصَّتَهُ الَّتِي قَبَضَ مِنْ الرِّبْحِ بَلْ يُجْعَلُ مَا ادَّعَى الْمَوْلَى أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ كَالتَّاوِي فَكَأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ مَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيهِ الْعَبْدُ بِحِسَابِ رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ فِي حَقِّ غُرَمَائِهِ فِي أَنَّ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمَوْلَى مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ .
وَلَوْ شَارَكَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ شَرِكَةَ عَنَانٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِمَّا فِي يَدَيْهِ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَا وَيَشْتَرِيَا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ شَرِكَةُ الْعَنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ فَإِنْ اشْتَرَيَا وَبَاعَا فَلَمْ يَرْبَحَا شَيْئًا ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ قَاسَمَ مَوْلَاهُ الْمَالَ وَاسْتَوْفَى مِنْهُ نِصْفَهُ وَدَفَعَ إلَى الْمَوْلَى نِصْفَهُ وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَ مَا قَبَضَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَوْلَى مَقْبُولٌ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ ضَمَانِ مَا زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ أَمِينٌ فِي ذَلِكَ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ مَقْبُولًا لِاخْتِصَاصِ الْمَوْلَى بِمَا بَقِيَ لَمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ فَيُجْعَلُ مَا تَصَادَقَا عَلَى دَفْعِهِ إلَى الْعَبْدِ كَالتَّاوِي وَكَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ هُوَ مَا بَقِيَ فِي يَدَيْ الْمَوْلَى فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَهُ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ إلَّا إنْ تُعَايِنَ الشُّهُودُ ذَلِكَ لِحَقِّ غُرَمَائِهِ .
وَإِذَا وَكَّلَ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ مَتَاعًا مِنْ مَوْلَاهُ فَبَاعَهُ ، ثُمَّ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَبِالْحَجْرِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لَهُ فِي الْمَقْبُوضِ بِقَبْضِهِ لَيَصْرِفَهُ إلَى غُرَمَائِهِ فَكَمَا أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ بِهِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ حَجْرِ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي بَاعَ الْعَبْدَ لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَوْلَى فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ وَلَكِنَّهُ نَائِبٌ عَنْ غُرَمَائِهِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَهُمْ فَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ كَإِقْرَارِ الْغُرَمَاءِ بِقَبْضِهِ وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ بَاشَرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ قَبْضِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِغُرَمَائِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلَهُ قُلْنَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمَوْلَى إيَّاهُ وَالْوَكِيلُ نَائِبٌ عَنْ الْغُرَمَاءِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَأَخَذَ الْمَوْلَى جَارِيَةً مِنْ رَقِيقِهِ فَبَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَتَوَى الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ أَمَرَ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِلْمَوْلَى فِي بَيْعِهَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْإِذْنِ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِي إقْرَارِهِ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ الْعَبْدُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ ضَامِنًا قِيمَتَهَا حِينَ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُ الْعَبْدِ إيَّاهُ بِبَيْعِهَا فَفِي إقْرَارِ الْعَبْدِ بَرَاءَةٌ لِمَوْلَى مِنْ شَيْءٍ قَدْ لَزِمَهُ وَبِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ الْمَوْلَى عَمَّا لَزِمَهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ غُرَمَائِهِ عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ أَوَّلِ الْبَابِ ، وَمَسْأَلَةُ الْإِجَازَةِ ذَكَرَهَا بَعْدَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ كَانَ أَجَازَ بَيْعَ الْمَوْلَى فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَكِنَّ مَا ذَكَره فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ أَوَّلِ الْبَابِ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنٍ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الْمَوْلَى وَكَانَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَكَانَ فِي إقْرَارِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَهَهُنَا هُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ كَانَ بِأَمْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إسْقَاطًا مِنْهُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ بَلْ إنْكَارُ الثُّبُوتِ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الْعَبْدِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ وَهَبَ شَيْئًا مِنْ عَبْدِهِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ كَانَ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَوْ قَتَلَهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ قَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي ذِمَّةِ
الْمَوْلَى بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ فَإِقْرَارُهُ بِالْإِجَازَةِ قَبْلَ هَلَاكِهَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِبَيْعِهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهَا يَكُونُ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِالْأَمْرِ يَكُونُ صَحِيحًا ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ الْمَوْلَى بِبَيْعِهَا ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَةَ عَبْدِهِ فَكَانَتْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَهَذَا اللَّفْظُ غَلَطٌ بَلْ إنَّمَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا فِي بَيْعِهَا وَتَسْلِيمِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْعَبْدِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِعَبْدِهِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَمْ آمُرْ الْمَوْلَى بِذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ أَجَزْت الْبَيْعَ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أَوْ لَا يَدْرِي مَا فَعَلَتْ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَقَدْ بَرِيءَ الْمَوْلَى مِنْ ضَمَانِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ أَجْنَبِيٌّ وَالْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا فَعَلَتْ لِأَنَّا قَدْ عَرَفْنَا قِيَامَهَا وَمَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ وَكَمَا يَصِحُّ مِنْهُ ابْتِدَاءُ الْإِجَازَةِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْإِجَازَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ إنَّمَا تَجُوزُ فِي حَالَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْإِجَازَةِ وَيَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا قِيمَةَ الْجَارِيَةِ كَمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ
فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْحَجْرِ كَمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ أَمْرَ الْمَوْلَى بِالْبَيْعِ فَيَكُونُ هُوَ مُتَّهَمًا فِي إخْرَاجِهِ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْإِقْرَارِ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا قِيمَتَهَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ .
وَلَوْ بِيعَ الْمَأْذُونُ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ أَقْوَى مِمَّا لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَصْدًا فَلَا قَوْلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَمْرِ بِالْبَيْعِ كَمَا لَا قَوْلَ لَهُ فِي إنْشَائِهِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَبَاعَ جَارِيَةً لَهُ مِنْ ابْنِ مَوْلَاهُ أَوْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدٍ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَدَفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ جَازَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ فَهُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُشْتَرِي فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ هُنَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ إقْرَارَهُ لِعَبْدِ مَوْلَاهُ أَوْ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ لِمَوْلَاهُ ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَبِ وَالِابْنِ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى فِي مِلْكِهِمَا مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لِأَبِي مَوْلَاهُ أَوْ ابْنِهِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ وَوَكِيلُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ .
وَلَوْ كَانَ ابْنُ الْعَبْدِ حُرًّا فَاسْتَهْلَكَ مَالًا لِلْعَبْدِ الَّذِي هُوَ أَبُوهُ أَوْ امْرَأَتُهُ أَوْ مُكَاتَبُ ابْنِهِ أَوْ عَبْدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي إقْرَارِهِ كَمَا أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَكَسْبُهُ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَسْبُهُ حَقُّ مَوْلَاهُ وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَيْضًا فِي إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَهْلِكُ أَخَاهُ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ مِنْهُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْأَخِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بَلْ الْأَخُ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ لَهُ وَفِي الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْأَخِ بَعْدَ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَدَفَعَ مَتَاعًا إلَى مَوْلَاهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَدَفَعَهُ إلَى الْعَبْدِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَمِينٌ فِي بَيْعِ الْمَتَاعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا ادَّعَى أَدَاءَ الْأَمَانَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ مَنْ عَامَلَهُ قَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَلَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَجَرَ عَلَى الْعَبْدِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَاعَ عَبْدَهُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بَعْدَ بَيْعِهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ وَالْمُشْتَرِي بَرِيءٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ بِمُبَاشَرَتِهِ سَبَبَهُ وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ بِحَجْرِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا بِبَيْعِهِ وَهُوَ أَمِينٌ فِي الثَّمَنِ الَّذِي يَقْبِضُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ وَبَيْعِهِ كَمَا هُوَ أَمِينٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ ضَاعَ فِي يَدِهِ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي بَاعَ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْهُ بِالدَّيْنِ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ إقْرَارِ مَنْ عَامَلَهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بَعْدَ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ إلَيْهِ بَعْدَ الْحَجْرِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ صَحِيحًا أَيْضًا وَهُوَ شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ كَانَ بِيعَ فِي الدَّيْنِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ عَايَنَتْ الشُّهُودُ دَفْعَ الثَّمَنِ إلَيْهِ بَعْدَ مَا بِيعَ فَالثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ ثَبَتَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ حُكْمًا لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَصَارَ هُوَ فِي مَعْنَى شَخْصٍ آخَرَ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا لَا حَقَّ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَيْهِ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبِعْهُ .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَ مَتَاعَ الْعَبْدِ بِأَمْرِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لِعَبْدِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالضَّمَانُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ فِي حُكْمِ قَبْضِ الثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْمُطَالَبَةِ وَبِالْقَبْضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ عَزْلُهُ عَنْهُ فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي كَانَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ بِالثَّمَنِ فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَصَارَ ضَامِنًا مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْأَمَانَةِ ، وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ الْعَبْدُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَانْكَرْهُ الْعَبْدُ وَالْغُرَمَاءُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَوْلَى لَمَّا بَطَلَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ ، ثُمَّ قَدْ أَقَرَّ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ فَإِنَّ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِقَبْضٍ مُبْرِئٍ يَكُونُ صَحِيحًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ : قَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ فِي يَدِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ فَالْمُشْتَرِي بَرِيءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ إقْرَارِ مَنْ عَامَلَهُ بِبَرَاءَتِهِ عَنْ الثَّمَنِ وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى الْيَمِينُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْغُرَمَاءَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا الثَّمَنَ بِإِقْرَارِهِ كَاذِبًا وَأَنَّهُ ضَامِنٌ الثَّمَنَ لَهُمْ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّ الْمَوْلَى قَبَضَ الثَّمَنَ وَجَحَدَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ بَرِئَ الْمُشْتَرِي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ وَكِيلَهُ قَدْ قَبَضَ كَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْهُ فَهُوَ مُبْرِئٌ
لِلْمُشْتَرِي فَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا ضَمَانَ ، وَكَذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ لَمْ يَثْبُتْ وُصُولُ شَيْءٍ إلَى الْمَوْلَى فِي حَقِّهِ .
وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلْعَبْدِ فَضَمِنَهَا عَنْهُ الْمَوْلَى جَازَ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُسْتَهْلِك وَهُوَ فِي هَذَا الضَّمَانِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِهِ هَذَا مَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمَوْلَى عَمَّا لَزِمَهُ مِنْ الدَّيْنِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّ قَبْضَ الْمَالِ مِنْ الْأَصِيلِ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَكَذَلِكَ قَبْضُهُ مِنْ الْكَفِيلِ يُوجِبُ بَرَاءَتَهُ لَا مَحَالَةَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالْقَبْضِ الْمُوجِبِ بَرَاءَةَ مَوْلَاهُ عَنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى فَاسْتَهْلَكَهُ وَالْأَجْنَبِيُّ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ الْكَفِيلِ فَإِقْرَارُهُ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمَوْلَى لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ بِالْإِيفَاءِ تُوجِبُ بَرَاءَة الْأَصِيلِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ بِغَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَإِنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِبْرَاؤُهُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ أَوْ الْكَفِيلَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْغَرِيمُ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيُّ كَفِيلٌ بِهِ أَوْ كَانَ الْغَرِيمُ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَالْكَفِيلُ مُكَاتَبٌ لِلْمَوْلَى كَفَلَ بِمَالٍ عَلَيْهِ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى وَكَفِيلِهِ لِمَا لِلْمَوْلَى مِنْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ ، وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ لِمُكَاتَبِ مَوْلَاهُ بَاطِلٌ كَإِقْرَارِهِ لِمَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِقَبْضٍ يُوجِبُ بَرَاءَةَ مُكَاتَبِ مَوْلَاهُ عَنْ الدَّيْنِ يَكُونُ بَاطِلًا ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ أَبْرَأَ الْمَوْلَى أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ ابْنَ الْمَوْلَى كَانَ الْعَبْدُ مُصَدَّقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ
أَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْ الْأَصِيلِ أَوْ مِنْ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِأَبِ الْمَوْلَى أَوْ ابْنِهِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ بِقَبْضٍ يُوجِبُ بَرَاءَةَ ابْنِ الْمَوْلَى أَوْ أَبِيهِ عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ يَكُونُ صَحِيحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا وَكَّلَ الْأَجْنَبِيُّ عَبْدًا تَاجِرًا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ فَالتَّوْكِيلُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى مَوْلَاهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ قَضَاءَ هَذَا الدَّيْنِ مِنْهُ وَهُوَ مَالُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْعَبْدُ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ .
فَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ وَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ كَغَيْرِهِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ كَإِقْرَارِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَبَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا دَعْوَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الْمَالُ فِي عِتْقِهِ يُحَاصُّ بِهِ الْمُوَكِّلُ غُرَمَاءَ ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَدَّعِي عَلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِمَالِهِ بِإِقْرَارِهِ كَاذِبًا أَوْ مَانَعَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَرِيمِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ وَيُقَامُ نُكُولُهُ مَقَامَ إقْرَارِهِ فَيَكُونُ لِلْمُقِرِّ لَهُ الْمُزَاحَمَةُ بِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى عَبْدِهِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يَبْرَأُ الْعَبْدُ مِنْ الدَّيْنِ بِدَفْعِهِ إلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ مُسْتَحِقٌّ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ كَسْبُ الْعَبْدِ أَوْ مَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ وَمَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا عَلَى الْمَرْءِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَصْلُحُ هُوَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ كَمَا لَوْ وُكِّلَ الْمَدْيُونُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهِ يُسَلِّمُ لَهُ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ صِحَّةُ
إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ وَكَوْنُهُ أَمِينًا فِي الْمَقْبُوضِ وَهُوَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مُتَّهَمٌ لِمَالِهِ مِنْ الْحَظِّ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا هُوَ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ بِقَبْضِهِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنٍ مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ جَازَ التَّوْكِيلُ وَكَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ اُعْتُبِرَ جَانِبُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَيَكُونُ تَوْكِيلُهُ الْمَوْلَى وَتَوْكِيلُهُ أَجْنَبِيًّا آخَرَ سَوَاءً وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ مَا ذُكِرَ هَهُنَا .
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدَانِ تَاجِرَانِ فَوَكَّلَ أَجْنَبِيٌّ أَحَدَهُمَا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ وَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَوْلَى وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ فِي دَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِهْلَاكَ مَالِهِ بِإِقْرَارِهِ فَيُحَلَّفُ عَلَى ذَلِكَ وَيُجْعَلُ نُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي عِتْقِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِنْهُ أَبْعَدُ مِنْ عَبْدِهِ .
وَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ غُرَمَائِهِ أَوْ يُعْطِيَهُ بِهِ رَهْنًا فَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَمْنَعُوهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ جَمِيعُ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ وَفِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إيثَارُهُ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ كَالْمَرِيضِ إذَا خَصَّ بَعْضَ غُرَمَائِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَرَهَنَهُ بِدَيْنِهِ رَهْنًا وَوَضَعَاهُ عَلَى يَدِ الْمَوْلَى فَضَاعَ مِنْ يَدِهِ ضَاعَ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى لَا تَصْلُحُ لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْعَبْدِ حَقِيقَةً فَكَذَلِكَ لَا تَصْلُحُ النِّيَابَةُ لِلْقَبْضِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ مُسْتَحِقٍّ عَلَى الْمَوْلَى فَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى مَا لَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَجَعَلَ الرَّاهِنَ عَدْلًا فِيهِ فَتَرَكَهُ عَلَى يَدِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَجِبُ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا ، وَلَوْ وَضَعَاهُ عَلَى يَدِ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ يَدِ ابْنِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْعَبْدِ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَصْلُحُونَ لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ فِي يَدِ الِاسْتِيفَاءِ بِحُكْمِ الرَّهْنِ ، ثُمَّ هَلَاكُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْعَدْلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَاهُ عَلَى يَدِ عَبْدٍ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مَعَ عَبْدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ
يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْلَاهُ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ هُوَ الْعَدْلُ فِي الرَّهْنِ فَهَلَكَ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِ مَا عَلَى مَوْلَاهُ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ بِهِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ هَلَاكَهُ إلَّا بِقَوْلِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَصَبَ عَدْلًا كَانَ أَمِينًا فِيهِ وَالْأَمِينُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِخْبَارِ مِنْ جِهَةِ مَنْ ائْتَمَنَهُ فَإِخْبَارُهُ بِالْهَلَاكِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ؛ فَلِهَذَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِهِ دَيْنَهُ .
وَإِذَا أَذِنَ الْمَأْذُونُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ فَوَكَّلَ بَعْضُ غُرَمَاءِ الْأَوَّلِ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ جَازَ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى فِي حَقِّ عَبْدِهِ وَالدَّيْنُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا عَبْدَهُ بِحَالٍ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ ، وَلَوْ أَنَّ بَعْضَ غُرَمَاءِ الْآخَرِ وَكَّلَ الْأَوَّلَ أَوْ مَوْلَاهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الْمَوْلَى لِلْآخَرِ فَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ كَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ فَكَذَلِكَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ كَمَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَيُسَلِّمُ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ دَيْنِهِ كَمَا يُسَلِّمُ لَهُ الْأَوَّلُ فَكَمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ مِنْ مَوْلَاهُ ، وَلَوْ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهْنًا بِدَيْنِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ فَضَاعَ الرَّهْنَانِ فَرَهْنُ الْأَوَّلِ يَذْهَبُ بِمَا فِيهِ وَرَهْنُ الثَّانِي يَذْهَبُ مِنْ مَالِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ وَالْأَوَّلُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الثَّانِي وَلَا يَصِيرُ صَاحِبُ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِهَلَاكِهِ ، وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ أَحَالَ أَحَدَ غُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِ عَلَى رَجُلٍ فَإِنْ كَانَ أَحَالَهُ بِمَا كَانَ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْعَبْدِ كَسْبَهُ وَهُوَ حَقُّ جَمِيعِ غُرَمَائِهِ فَهُوَ بِهَذِهِ الْحَوَالَةِ يَخُصُّ الْمُحَالَ بِذَلِكَ الْمَالِ وَيَبْطُلُ حَقُّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ
صَحِيحًا مِنْ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ خَصَّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ .
وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْحَوَالَةَ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ وَلَا لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ مُطَالَبَةٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ دَيْنَ الْمُحْتَالِ بِالْحَوَالَةِ لِيَقْضِيَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَالْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ تَبَرَّعَ عَلَى الْعَبْدِ بِإِقْرَاضِ دَيْنِهِ مِنْهُ لِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فِيهَا لِلْمُحْتَالِ وَالتَّبَرُّعُ عَلَى الْعَبْدِ صَحِيحٌ وَالْعَبْدُ مَالِكٌ لِلِاسْتِقْرَاضِ وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْحَوَالَةِ إبْطَالُ حَقِّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ فَإِنْ وَكَّلَ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْهُ الْعَبْدَ أَيْ كَانَ عَلَيْهِ أَصْلُ الدَّيْنِ أَوْ مَوْلَاهُ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَيْنُ مَا كَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لِتَحْوِيلِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَحِينَ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ مَا كَانَ لَا يَصْلُحُ هُوَ وَلَا مَوْلَاهُ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّحَوُّلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الْحَوَالَةِ لَمْ يَسْتَفِدْ الْبَرَاءَةَ الثَّانِيَةَ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّتِهِ فَلَوْ صَحَّ التَّوْكِيلُ لَكَانَ يُثْبِتُ لَهُ الْبَرَاءَةَ بِقَبْضِهِ وَمَوْلَاهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضٍ يُوجِبُ بَرَاءَةَ عَبْدِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ قَبَضَ بِحُكْمِ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ شَرْعًا وَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِتَسْلِيمٍ صَحِيحٍ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَمِينًا فِي الْمَقْبُوضِ وَإِنْ كَانَ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ عَبْدًا آخَرَ لِلْمَوْلَى أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ابْنًا
لِلْمَوْلَى أَوْ عَبْدًا لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ جَازَ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ هَذَا الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ كَانَ هَذَا الْوَكِيلُ صَالِحًا لِلتَّوْكِيلِ فِي قَبْضِهِ مِنْهُ وَاسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ بِإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى فَأَحَالَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ ، ثُمَّ إنَّ الْغَرِيمَ وَكَّلَ عَبْدًا لِلْمَوْلَى يَقْبِضهُ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمَوْلَى حِينَ كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ جَازَ التَّوْكِيلُ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ عَبْدًا لِلْمَوْلَى بِقَبْضِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ جَازَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا .
وَإِذَا وَكَّلَ الْأَجْنَبِيُّ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ ابْنَ الْعَبْدِ وَالِابْنُ حُرٌّ أَوْ وَكَّلَ بِهِ مُكَاتَبَ ابْنِهِ أَوْ عَبْدًا لِابْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْعَبْدِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عَلَيْهِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ مِنْهُ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ قِيلَ هُوَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ يَنْفَعُ أَبَاهُ وَيُبْرِئُ ذِمَّتَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَمِنْ - أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِابْنَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْإِقْرَارِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَنْفَعَةِ أَبِيهِ قُلْنَا هَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيطُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَهَهُنَا لَمَّا وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ سَلَّطَهُ فَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ رِضًا ؛ فَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ .
وَإِذَا غَصَبَ الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَهَا مِنْهُ رَجُلٌ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ ، ثُمَّ حَضَرَ صَاحِبُهَا فَاخْتَارَ ضَمَانَ الْأَجْنَبِيِّ بَرِئَ الْعَبْدُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَكَأَنَّهُ مَا كَانَ الْوَاجِبُ إلَّا مَا اخْتَارَهُ وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا تَمْلِيكٌ لِلْمَضْمُونِ مِنْهُ وَبَعْدَ مَا صَحَّ التَّمْلِيكُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ بِحَالٍ فَإِنْ وَكَّلَ الْعَبْدَ أَوْ مَوْلَاهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ ذَلِكَ الدَّيْنِ إلَيْهِ بِحَالٍ فَيَكُونُ هُوَ وَمَوْلَاهُ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِي التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ ضَمَانَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ وَكَّلَ الْأَجْنَبِيَّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ بَعْدُ فَالِاخْتِيَارُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكَّلَ بِقَبْضِهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمَوْلَى وَلَا إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَبْضِ مَا عَلَى عَبْدِهِ .
وَلَوْ دَبَّرَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ تَضْمِينَهُ الْقِيمَةَ ، ثُمَّ وَكَّلُوا الْمُدَبَّرَ بِقَبْضِهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ وَلَا إقْرَارُ الْمُدَبَّرِ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ بَاقٍ عَلَى الْمُدَبَّرِ حَتَّى كَانَ مُطَالِبًا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ بِالْقَبْضِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ يُبْرِئُ نَفْسَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي قَبْضِ دَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارُوا اتِّبَاعَ الْمُدَبَّرِ وَوَكَّلُوا الْمَوْلَى بِقَبْضِهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَكَسْبُهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي قَبْضِ مَا عَلَى مَمْلُوكِهِ ؛ لِأَنَّ بِالْقَبْضِ يَسْتَخْلِصُ الْكَسْبَ ، لِنَفْسِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ مُسْتَأْنَفًا ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَقٌّ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ إذْ الْمُدَبَّرُ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ فِي الدَّيْنِ وَكَسْبُهُ كَانَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَبِالْإِعْتَاقِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُمْ عَنْ الْكَسْبِ بَلْ يَتَقَرَّرُ حَقُّهُمْ بِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لَهُمْ ، فَإِنْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَبَّرِ عَنْ الْوَكَالَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَكَالَةَ بَاطِلَةٌ وَلَمْ يُنْتَصَبْ هُوَ وَكِيلًا بِهَا فَلَا تَنْقَلِبُ وَكَالَةً صَحِيحَةً بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ ، وَإِنْ وَكَّلُوهُ بَعْدَ الْعِتْقِ جَازَ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْعِتْقِ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَقَدْ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ بِاخْتِيَارِ الْغُرَمَاءِ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ .
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا الْعَبْدَ بِدَيْنِهِمْ كُلِّهِ وَيَتَّبِعُوا الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِمْ بِالْإِعْتَاقِ
وَلَا يَكُونُ اتِّبَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إبْرَاءً لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ مُتَحَمِّلًا مِنْ دُيُونِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ وَمُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ ، وَكَذَلِكَ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَإِنْ أَبْرَءُوا الْعَبْدَ عَنْ دَيْنِهِمْ بَرِئَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَصِيلٌ فِي هَذَا الدَّيْنِ وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ بِالْإِبْرَاءِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ ، وَلَوْ أَبْرَءُوا الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ بِالْإِبْرَاءِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَإِنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ فَسْخٌ لِلْكَفَالَةِ وَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْقَى جَمِيعُ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ بِبَقَاءِ سَبَبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ بِرِضَاهُمْ فَإِنْ وَكَّلُوا الْمَوْلَى بَعْدَ مَا أَبَرَءُوهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِمْ مِنْ الْعَبْدِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ جَازَ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِإِبْرَائِهِمْ إيَّاهُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي كَسْبِ مُعْتَقِهِ ، وَلَوْ كَانُوا وَكَّلُوهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ يُبْرِئُ نَفْسَهُ مِمَّا عَلَيْهِ فَإِنْ أَبْرَءُوهُ بَعْدَ الْوَكَالَةِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّوْكِيلَ كَانَ بَاطِلًا فَالْإِبْرَاءُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إلَّا أَنْ يُوَكِّلُوهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَيَصِحُّ إنْشَاءُ التَّوْكِيلِ الْآنَ ، وَلَوْ كَانُوا أَبْرَءُوا الْعَبْدَيْنِ مِنْ دَيْنِهِمْ عَلَى أَنْ يَتَّبِعُوا الْمَوْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ مِنْ دَيْنِهِمْ وَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا كَانَ جَائِزًا وَيَبْرَأُ الْعَبْدُ مِنْ الدُّيُونِ وَيَتَّبِعُونَ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِهَذَا الشَّرْطِ حَوَّلُوا مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَوْلَى بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ كَالْوَاجِبِ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ فَكَانَ
الْمَوْلَى قَبْلَ الْحَوَالَةِ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ وَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَلَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ تَوَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْلَى رَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ دَيْنِهِمْ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ وَمَتَى تَوِيَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا أَوْ بِجُحُودِهِ عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ فَإِنْ لَمْ يُتْوَ مَا عَلَى الْمَوْلَى حَتَّى وَكَّلُوا الْعَبْدَ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ وَلَا قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَسْتَفِدْ الْبَرَاءَةَ عَنْ هَذَا الْقَدْرِ مُطْلَقًا حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي الْحَوَالَةِ .
وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَهُ عَبْدٌ مَدْيُونٌ فَوَكَّلَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ الْوَارِثَ بِقَبْضِ دَيْنِهِمْ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُورِثِ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي قَبْضِ مَا عَلَى عَبْدِهِ فَكَذَلِكَ وَارِثُهُ بَعْدَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلُوا بَعْضَ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي رَقَبَتِهِ وَكَسْبُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ وَقَدْ تَرَكَ ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ سِوَى الْعَبْدِ وَقَدْ أَوْصَى بِنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا لِرَجُلٍ فَوَكَّلَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِمْ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَفِي فَرَاغِهِ عَنْ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّوْكِيلُ وَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ ، ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ كَانَ يَقْضِي ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَيُسَلِّمُ لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ وَصِيَّتِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى إنْسَانٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَارِثُ الْعَبْدَ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَ عِتْقُهُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ قَالَ : لِأَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ أَقْوَى مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ اسْتِغْرَاقُ رَقَبَتِهِ بِدَيْنِ الْمَوْلَى يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فَاسْتِغْرَاقُهُ بِدَيْنِ نَفْسه أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِلْكَ
الْوَارِثِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْوَارِثُ يَخْلُفُ مِلْكَ الْمُورِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ كَانَ الْمُورِثُ مَالِكًا رَقَبَةَ الْعَبْدِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَغْرِقًا بِدَيْنِهِ فَكَذَلِكَ وَارِثُهُ بِخِلَافِ دَيْنِ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْمَوْلَى كَانَ مَالِكًا رَقَبَتَهُ فِي حَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَالِهِ وَبِمَوْتِهِ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِتَرِكَتِهِ ؛ وَلِهَذَا حَلَّ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَنَعَ دَيْنُ الْمَوْلَى مِلْكَ الْوَارِثِ ، فَأَمَّا دَيْنُ الْعَبْدِ فَعَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فِي التَّعَلُّقِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ مِنْ الْوَارِثِ كَانَ ضَامِنًا قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ فَإِنْ اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ وَأَبْرَءُوا الْوَارِثَ مِنْ الْقِيمَةِ ، ثُمَّ وَكَّلُوا الْمُوصَى لَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِمْ مِنْ الْعَبْدِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ جَازَ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ فِي التَّرِكَةِ شَرِيكُ الْوَارِثِ ، وَلَوْ وَكَّلُوا الْوَارِثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْقَبْضِ جَازَ التَّوْكِيلُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ مُطْلَقًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِي كَسْبِ الْمُعْتَقِ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلُوا الْمُوصَى لَهُ بِقَبْضِهِ ، وَلَوْ وَكَّلُوا الْمُوصَى لَهُ بِقَبْضِهِ قَبْلَ إبْرَاءِ الْوَارِثِ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ وَكَّلُوا الْوَارِثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلُوا الْمُوصَى لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلُوهُ بِقَبْضِ الْقِيمَةِ مِنْ الْوَارِثِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الَّتِي عَلَى الْوَارِثِ مَالُ الْمَيِّتِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ وَظَهَرَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ وَجَبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ وَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ مِنْ الْوَارِثِ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ لِلْغُرَمَاءِ بِرِضَاهُمْ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَاسْتَهْلَكَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ خَالِصًا لِلْمُشْتَرِي وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ تَحَوَّلَ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَبِاسْتِهْلَاكِ الْمَوْلَى الثَّمَنَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ وَلَا يَعُودُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ ؛ فَلِهَذَا لَا يُطَالِبُونَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتِقَ فَإِنْ وَكَّلَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ وَلَا قَبْضُهُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ بَاقٍ عَلَى الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا عَتَقَ كَانَ مُطَالِبًا بِجَمِيعِهِ خُصُوصًا إذَا تَوِيَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ .
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْأَلْفِ عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى وَكَّلَ الْبَائِعُ الْمَأْذُونَ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ بَعْضَ غُرَمَائِهِ بِقَبْضِ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ وَلَا الْقَبْضُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مُتَصَرِّفٌ لِلْعَبْدِ وَمَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِتَصَرُّفِهِ مُسْتَحِقٌّ عَلَى الْعَبْدِ حَقِيقَةً .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ بِقَبْضِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ جَازَ إقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ ، ثُمَّ وَكَّلَ مَوْلَاهُ أَوْ غَرِيمَهُ بِقَبْضِ الْمُشْتَرَى فَهُنَاكَ التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ .
وَلَوْ وَجَبَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَلِرَجُلٍ حُرٍّ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ ، ثُمَّ إنَّ الشَّرِيكَ وَكَّلَ الْعَبْدَ بِقَبْضِ نَصِيبِهِ فَقَبَضَهُ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ مِنْ مَالَيْهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِنَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ خَاصَّةً فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي الْمُقَاسَمَةِ مَعَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَبِدُونِ الْقِسْمَةِ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُشْتَرَكًا وَالْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ أَمِينٌ بِحُكْمِ التَّوْكِيلِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْهَلَاكُ مِنْ مَالَيْهِمَا جَمِيعًا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَبَضَ مِنْ الْغَرِيمِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَهَلَكَ كَانَ هَالِكًا مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً بِهِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ التَّوْكِيلِ كَانَ يَمْلِكُ قَبْضَ نَصِيبِهِ فَبَقِيَ مَالِكًا لَهُ بَعْدَ التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ نَصِيبِهِ فَإِنْ هَلَكَ كَانَ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ جُزْءٌ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ .
وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ وَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ بِقَبْضِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهَذَا وَوَكَالَةُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَوْ جَعَلْنَا الْمَقْبُوضَ مِنْ نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ خَاصَّةً كَانَ الْمَوْلَى وَكِيلًا عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُقَاسَمَةِ مَعَ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ نَصِيبِهِمَا وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَانَ قَبْضُ الْمَوْلَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ
فَتَوْكِيلُ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهُ بِقَبْضِ نَصِيبِهِ بِمَنْزِلَةِ تَوْكِيلِ غَيْرِهِ بِهِ وَإِنْ تَوِيَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْمَوْلَى تَوِيَ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِهِ لَهُ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِالْقَبْضِ كَانَ إقْرَارُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّوْكِيلِ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَيُجْعَلُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ كَإِقْرَارِ الْأَجْنَبِيِّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِالْقَبْضِ هَهُنَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً فَإِنَّ مَا بَقِيَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ يَخْلُصُ لِلْعَبْدِ إذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالْقَبْضِ وَفِي مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ مَنْفَعَةُ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ خُصُومَةِ الْمَأْذُونِ إذَا مَاتَ الْغَرِيمُ فَادَّعَى أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ حِصَّتَهُ فَجَحَدَهُ الشَّرِيكُ وَوَكَّلَ الشَّرِيكُ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي خُصُومَةِ الْعَبْدِ فَأَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى الشَّرِيكِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا لَهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ عَبْدِهِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ إنَّ الْمَوْلَى لَا يُخَاصِمُ عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُخَاصِمُهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ وَكِيلًا هُنَا لَكَانَ يُخَاصِمُ الْعَبْدَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ ، فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَهُوَ يُخَاصِمُ الْأَجْنَبِيَّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَجْنَبِيَّ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لِغَيْرِهِ ، وَإِذَا صَحَّ التَّوْكِيلُ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ لَمَّا وَكَّلَهُ بِهِ .
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ عَبْدِ الْوَكِيلِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ عَبْدِهِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُهُ وَلَهُ حَقُّ اسْتِخْلَاصِهِ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ عَبْدِ الْوَكِيلِ فَبَاعَهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ الْآنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَالَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي كَسْبِهِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الْبَيْعِ مِنْهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ الثَّمَنَ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ مَالَ الْغَيْرِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْعُهْدَةِ الْبَائِعُ لِغَيْرِهِ كَالْبَائِعِ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ حُقُوقِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَوْلَى تَعَلَّقَ بِمَنْ انْتَفَعَ بِهِ وَهُوَ الْآمِرُ فَهُوَ الَّذِي يَلِي التَّسْلِيمَ وَالتَّسَلُّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّا لَوْ جَعَلْنَا حَقَّ قَبْضِ الثَّمَنِ إلَى الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَى الْعَبْدِ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَلَا مَقْبُولَ الْإِقْرَارِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا .
وَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ هُوَ الْوَكِيلَ لِلْأَجْنَبِيِّ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَوْ شِرَائِهِ مِنْ مَوْلَاهُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي مَالِ مَوْلَاهُ وَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ مَدْيُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ جَازَ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَوْلَى وَيَصْلُحُ مُطَالِبًا لِلْمَوْلَى بِالثَّمَنِ إذَا بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ أَكْسَابِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ غُرَمَائِهِ فَكَذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الْآمِرُ إلَى الْعَبْدِ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَوَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ جَازَ شِرَاؤُهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الْآمِرِ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّوْكِيلِ بِالْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمَوْلَى كَهُوَ فِي التَّوْكِيلِ بِالْمُعَامَلَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ .
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَبِحَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ حَتَّى وَكَّلَ الْعَبْدُ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ بَعْضُ غُرَمَائِهِ أَجْنَبِيًّا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِمَالٍ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مُشْتَرٍ لِرَبِّ الْمَالِ وَرَبُّ الْمَالِ هُوَ الْعَبْدُ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ أَوْ غَرِيمُهُ يَكُونُ مُتَّهَمًا فِي الْبَيْعِ مِنْ مُضَارِبِهِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ مِنْهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ قَدْ انْتَفَتْ بِقَبْضِ الْمُوَكَّلِ عَلَى الْبَيْعِ مِنْهُ وَلَكِنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِي قَبْضِ مَا عَلَى مُضَارِبِهِ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ وَغَرِيمُهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَاقِدَ مَتَى لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِعُهْدَةِ الْعَقْدِ فَالْعُهْدَةُ تَكُونُ عَلَى الْآمِرِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَنْ وَصَفْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَدْلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِهِ وَكُلُّ مَنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَقْبُوضٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ تَحْقِيقُهُ لِلِاسْتِيفَاءِ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا دَفَعَ الْغُرَمَاءُ الْمَأْذُونَ إلَى الْقَاضِي وَأَرَادُوا بَيْعَهُ فِي دُيُونِهِمْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرُ هَلْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يَرْجُو وُصُولَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِتِجَارَتِهِ كَمَا أَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ بِتِجَارَتِهِ ، وَمَقْصُودُ الْمَوْلَى اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ هَذَا الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ بِدُونِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ وَالْمَالِ الْحَاضِرِ أَوْ الْغَائِبِ الَّذِي يُرْجَى وُصُولُهُ عَاجِلًا ، وَلَوْ انْتَظَرَ الْقَاضِي وُصُولَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ فَلِهَذَا يَتَأَنَّى الْقَاضِي كَمَا يَتَأَنَّى فِي الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَمَا أَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ لِلْغُرَمَاءِ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيفَائِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ غَائِبٌ لَا يُرْجَى وُصُولُهُ ؛ لِأَنَّ فِي انْتِظَارِ ذَلِكَ تَأَخُّرَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ كَضَرَرِ الْإِبْطَالِ مِنْ وَجْهٍ ، ثُمَّ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِ قَضَاءً عَلَى الْمَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ اسْتِخْلَاصِ - الرَّقَبَةِ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَقَّ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ فَإِذَا بَاعَهُ ضَرَبَ كُلُّ غَرِيمٍ فِي الثَّمَنِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ وَإِذَا قَسَّمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْقِ لِقَضَاءِ حَقِّهِمْ مَحَلًّا فِي حَالِ رِقِّهِ وَكَسْبُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ
مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرْضَ بِصَرْفِهِ إلَى دُيُونِهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهُ مَوْلَاهُ الَّذِي بَاعَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتَّبَعْ بِشَيْءٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ هَذَا الْمَوْلَى بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَبِيعَ لِغُرَمَائِهِ لَمْ يُشَارِكْ الْأَوَّلُونَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ الْآخَرِينَ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ قَدْ اسْتَوْفُوا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ مَرَّةً فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي هَذَا الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ كَعَبْدٍ آخَرَ فَالْمَوْلَى بِالْإِذْنِ إنَّمَا رَضِيَ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآخَرِينَ بِمِلْكِهِ ؛ فَلِهَذَا يُبَاعُ لَهُمْ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى الثَّمَنِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ بِيعَ بِجَمِيعِ دُيُونِهِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالذِّمَّةُ بِالْعِتْقِ تَزْدَادُ قُوَّةً فَيُؤْمَرُ بِقَضَائِهَا مِنْ كَسْبٍ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ .
وَإِذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَالْغُرَمَاءِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَكَانَ الْمَوْلَى فِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ وَهَذَا لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِي دَيْنِهِمْ فَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ بِهِ إلَى جَمِيعِ دَيْنِهِمْ فَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَقَّ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ فَإِنْ أَجَازُوا الْبَيْعَ أَوْ قَضَاهُمْ الْمَوْلَى الدَّيْنَ أَوْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِمْ فَأَعْطَاهُمْ نَفَذَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِوُصُولِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ إلَيْهِمْ كَالرَّاهِنِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْغُرَمَاءَ وَجَدُوا الْمُشْتَرِيَ وَالْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَجِدُوا الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لَهُمْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ خَصْمٌ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مَالِكُ الرَّقَبَةِ وَهُمْ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ هُوَ خَصْمًا لَهُ كَمَا لَوْ ادَّعَوْا مِلْكَ الْعَبْدِ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْغُرَمَاءُ لَا يَدَّعُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا فِي مِلْكِهِ حَقًّا ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْبَائِعِ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ عَلَيْهِ وَنَقْضُ الْبَيْعِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يُحَوِّلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِيَّةِ - الرَّقَبَةِ إلَى الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهُ الْقَاضِي أَوْ الْمَوْلَى فَأَجَازَهُ الْغُرَمَاءُ كَانَ حَقُّهُمْ فِي الثَّمَنِ لَا فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَبَعْدَ مَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَا طَرِيقَ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِمْ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ سِوَى نَقْضِ
الْبَيْعِ وَإِنَّمَا جَرَى الْبَيْعُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَبِدُونِ نَقْضِ الْبَيْعِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَوْا مِلْكَ الْعَبْدِ لِأَنْفُسِهِمْ فَهُنَاكَ إنَّمَا يَدَّعُونَ عَيْنَ مَا يَزْعُمُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشُّفْعَةِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ عَنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الثَّمَنُ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ فَيُنْتَظَرُ حُضُورُهُ لِيَأْخُذَ الْغُرَمَاءُ الْعَبْدَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ، وَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ وَغَابَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ قَبَضَ الْعَبْدَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْغُرَمَاءِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ لِلْمُشْتَرِي وَإِبْطَالُ ذَلِكَ بِدُونِ حُضُورِهِ لَا يُمْكِنُ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي لَا تَكُونُ الرَّقَبَةُ مَحَلًّا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ صَارَ مُفَوِّتًا مَحَلَّ حَقِّهِمْ فَإِذَا ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ جَازَ الْبَيْعُ فِيهِ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَبِتَضْمِينِ الْقِيمَةِ يَسْقُطُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ عَنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ فِيهِ وَإِنْ أَجَازُوا الْبَيْعَ وَأَخَذُوا الثَّمَنَ وَاقْتَسَمُوهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ .
فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَى الْمَبِيعِ حَتَّى يُعْتَقَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِمْ وَهُوَ الثَّمَنُ فَالْمَوْلَى بِإِجَازَتِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَانِيًا ضَامِنًا لَهُمْ ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَتَتَأَخَّرُ دُيُونُهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ فِي حُكْمِ الْقَابِضِ لَهُ حَتَّى يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِمْ بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالْمَوْلَى فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ ؛ وَلِهَذَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ اتَّبَعَهُ الْغُرَمَاءُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَازُوا الْبَيْعَ بَعْدَ مَا هَلَكَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ وَمَحَلُّ الْعَقْدِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَإِذًا كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْإِجَازَةِ ثُمَّ الْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ إجَازَتِهِمْ الْبَيْعَ أَوْ بَعْدَهَا فَكَذَّبُوهُ فِي الْقَبْضِ فَقَدْ أَجَازُوا الْبَيْعَ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِجَازَتِهِمْ صَارَ أَمِينًا كَمَا يَصِيرُ أَمِينًا فِي الثَّمَنِ بِإِذْنِهِمْ فِي الْبَيْعِ فِي الِابْتِدَاءِ وَحَقُّ قَبْضِ الثَّمَنِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ سَبَبَهُ فَيَكُونُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ فَإِذَا عَتَقَ اتَّبَعُوهُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ ، وَلَوْ اخْتَارَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الْقِيمَةَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الثَّمَنَ كَانَ لِلَّذِينَ اخْتَارُوا ضَمَانَ الْقِيمَةِ حِصَّتُهُمْ مِنْ الْقِيمَةِ وَلِلَّذِينَ اخْتَارُوا الثَّمَنَ حِصَّتُهُمْ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ رَأْيًا وَاسْتِحْقَاقُ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَوْلَى
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةٌ مِمَّا اخْتَارَ وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ مِمَّا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَلَوْ أَجَازَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَهُ بَعْضُهُمْ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْمَنْعِ مِنْ نُفُوذِ الْبَيْعِ .
وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ أَوْ بَاعَهُ أَمِينَهُ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْأَمِينِ الَّذِي بَاعَهُ ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْأَمِينِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْأَمِينَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَيُبَيِّنَ عَيْبَهُ أَمَّا لَا خُصُومَةَ بَيْنَ الْأَمِينِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ ذَلِكَ الْأَمِينَ أَوْ غَيْرَهُ بِأَنْ يُخَاصِمَ الْمُشْتَرِيَ نَظَرًا مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا رَدَّهُ بِالْعَيْبِ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ مَعَ بَيَانِ عَيْبِهِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إيفَاءِ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَطَرِيقُهُ بَيْعُ الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ عَيْبَهُ لِكَيْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَإِذَا أَخَذَ الثَّمَنَ بَدَأَ بِالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَأَوْفَاهُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِيَ بَدَلُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالثَّمَنَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بَدَلُ مَالِيَّةِ - الرَّقَبَةِ أَيْضًا فَكَانَ هُوَ مُقَدَّمًا فِيهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْفَضْلُ لِلْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ غَرِمَ الْغُرَمَاءُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ تَمَامَ حَقِّهِ وَلَا غُرْمَ عَلَى الْأَمِينِ فِي ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعُهْدَةِ وَلَكِنَّ بَيْعَهُ كَانَ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ لِمَنْفَعَتِهِمْ فَمَا يَلْحَقُ مِنْ الْعُهْدَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ يَكُونُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي بَاعَهُ لِلْغُرَمَاءِ بِأَمْرِهِمْ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ وَيُوفِي الْمُشْتَرِيَ ثَمَنَهُ ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ غَرِمَ الْبَائِعُ نُقْصَانَهُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ فَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الرَّدِّ يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ لِمَنْفَعَةِ الْغُرَمَاءِ فَيَكُونُ إقْرَارُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِمْ ؛ فَلِهَذَا رَجَعَ هُوَ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ ، وَلَوْ كَانَ رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِيعَ الْعَبْدُ - وَدَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ ضَمِنَ الْبَائِعُ النُّقْصَانَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ بِالْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِمَا غَرِمَ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِتَصْدِيقِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَسْتَحْلِفُ الْغُرَمَاءَ عَلَى عِلْمِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ مَا لَوْ أَقَرُّوا بِهِ لَزِمَهُمْ .
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حِينَ رَدَّ عَلَى أَمِينِ الْقَاضِي أَوْ الْمَوْلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ الْبَيْعُ الثَّانِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ أَمِينُ الْقَاضِي بَاعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ فِيهِ وَلَا عُهْدَةَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْبَائِعَ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ لِمَنْفَعَتِهِمْ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَلَا يَرْجِعُ حِينَئِذٍ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ يَأْبَى الْيَمِينَ وَصَارَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَالنُّقْصَانِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي أَوْ الْمَوْلَى الْبَائِعَ قَبِلَ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ غَرِمَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ ؛
لِأَنَّ قَبُولَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ ابْتِدَاءً فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهُ وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ .
وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهِ فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءُوا الْبَائِعَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ فَإِنْ ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ إنْ لَوْ ظَفِرُوا بِهِ وَلَمْ يُسَلَّمْ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ ، وَإِنْ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ قِيمَتَهُ سُلِّمَ الْمَبِيعُ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَأَيَّهُمَا اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ ضَمَانَهُ بَرِئَ الْآخَرُ حَتَّى لَوْ تَوَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الَّذِي اخْتَارَهُ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْآخِرِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قِبَلَ أَحَدِهِمَا وَكَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِمْ فِي التَّعْيِينِ وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ ظَهَرَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا اخْتَارُوا ضَمَانَ أَحَدِهِمَا فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى لَهُمْ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الَّذِي اخْتَارُوا ضَمَانَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ تَحَوَّلَ حَقُّهُمْ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ قَضَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ادَّعَى الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا رَضُوا بِالْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوهَا وَأَخَذُوا الْعَبْدَ فَبِيعَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ كَمَالُ حَقِّهِمْ بِزَعْمِهِمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ .
وَإِنْ
اخْتَارُوا الْبَائِعَ فَضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ فَاقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ - وَسُلِّمَتْ الْقِيمَةُ إلَى الْغُرَمَاءِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّ مِنْ الْغُرَمَاءِ مَا أَعْطَاهُمْ وَبِيعَ الْعَبْدُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ - بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَالْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ عَلَى صِفَةِ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ فَإِذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَاسْتَرَدَّ مِنْهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مَعَ بَائِعِهِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ فَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ عَادَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ كَمَا كَانَ فَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِمْ .
وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْقِيمَةَ وَيُسَلِّمَ لَهُمْ الْعَبْدَ فَيُبَاعَ فِي دَيْنِهِمْ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ لَهُمْ وَأَمْسَكَ الْعَبْدَ وَإِنْ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ وَبِهِ الْعَيْبُ سَلَّمَ الْعَبْدَ لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مُنْدَفِعٌ عَنْ الْمَوْلَى وَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَانْدَفَعَ بِهِ ضَرَرُ جَهْلِهِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ لَهُمْ الْقِيمَةَ مَعِيبًا ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَانُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ وَاقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى قَدْ انْفَسَخَ وَإِنَّمَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ
يُبَاعُ لَهُمْ .
وَإِنْ كَانُوا ضَمَّنُوا الْبَائِعَ الْقِيمَةَ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَرَدَّهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ بِإِقْرَارِهِ وَالْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ يَأْبَوْا الْيَمِينَ وَإِنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْعَيْبُ مِمَّا يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْعَبْدِ فَرَدَّهُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ مَا ضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمْشْتَرِيَ إنَّمَا رَدَّهُ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَ الْعَبْدَ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرُدَّهُ فَضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ ، ثُمَّ رَأَى الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَلَمْ يَرْضَهُ فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهِ أَنَّ سَبَبَ - الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لِلْغُرَمَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا يَوْمئِذٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ وَقَدْ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُشْتَرِي فَضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ ، ثُمَّ اخْتَارَ الْبَائِعُ رَدَّ الْعَيْبِ وَاسْتَوْضَحَ بِالْمَغْصُوبِ قَالَ : ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ لِلْغَاصِبِ لَوْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْعَبْدِ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ كَانَ الْغَاصِبُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفَسَخَ الْبَيْعَ
أَوْ أَجَازَ سُلِّمَتْ الْقِيمَةُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمَأْذُونِ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْغُرَمَاءِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَعِتْقُهُ مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّ الْمْشْتَرِيَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا يَتَمَلَّكُ الْعَبْدَ مِلْكًا تَامًّا فَإِنَّ السَّبَبَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ وَبِالسَّبَبِ الْمَوْقُوفِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِحَسَبِ السَّبَبِ وَالسَّبَبُ الضَّعِيفُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا قَوِيًّا وَالْعِتْقُ مَنْهِيٌّ لِلْمِلْكِ فَإِذَا كَانَ مَوْقُوفًا فَمَا يُنْهِيهِ يُوقَفُ بِتَوَقُّفِهِ فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ فَأَخَذُوهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ أَبْطَلَهُ الْقَاضِي وَبَاعَ الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِمْ نَظَرًا مِنْهُ لِلْغُرَمَاءِ وَعَلَّلَ فَقَالَ : لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْإِجَازَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ، ثُمَّ نَفَذَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ وَهَهُنَا يَنْفُذُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَاسِدِ فِي الضَّعْفِ لِأَجْلِ التَّوَقُّفِ ، وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الضَّعِيفَ بِالْقَبْضِ يَقْوَى كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْفَاسِدِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ وَتَمَامُ هَذَا التَّسْلِيطِ بِالتَّسْلِيمِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ تَمَامِ هَذَا التَّسْلِيطِ وَالْمُسَلِّطُ لَوْ أَعْتَقَهُ بِنَفْسِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالتَّسْلِيطُ غَيْرُ تَامٍّ وَلَكِنَّ تَمَامَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ فَيَتَوَقَّفُ الْعِتْقُ أَيْضًا وَهُوَ نَظِيرُ الرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ ، ثُمَّ يُعْتِقُهُ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِبَعْضِ مَا وَصَفْنَا جَازَ مَا فَعَلَ الْمُشْتَرِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَحَقُّ
الْغُرَمَاءِ الَّذِي كَانَ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِهِ قَدْ زَالَ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ إذَا تَصَرَّفَ ثُمَّ أَجَازَ الْمُكْرَهُ الْبَيْعَ ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ ، ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْغُرَمَاءُ الْقِيمَةَ نَفَذَتْ الْهِبَةُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بِحُكْمٍ أَوْ غَيْرِ حُكْمٍ سُلِّمَ الْعَبْدُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْقِيمَةِ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ عَلَى صِفَةِ السَّلَامَةِ وَبِالرُّجُوعِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ رَجَعَ بِمَا بَيْنَ الْعَيْبِ وَالصِّحَّةِ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ هُوَ رَاضِيًا فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا الْقِيمَةَ وَيُتَّبَعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ لِمُرَاعَاةِ حَقِّهِمْ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَإِذَا رَضُوا بِهِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَوْلَى أَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ بِالنُّقْصَانِ وَيَرْضَى بِهِ مَعِيبًا وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي جَارِيَةٍ قَدْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَوَجَبَ لَهَا الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَرَدُّوا نُقْصَانَ الْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِمْ .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى بَاعَهُ وَعَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَضَمَّنَ الْغُرَمَاءُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَهَا لِلْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَعِيبًا إلَى قِيمَتِهِ سَلِيمًا أَخَذُوهُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْهِمْ رَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَأْذُونِ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِأَقَلَّ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ يَتَأَخَّرُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ وَامْتِنَاعُ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحَقُّهُمْ فِي الْمَالِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ وَبِسَبَبِ التَّأْجِيلِ سَقَطَ هَذَا الْحَقُّ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِانْعِدَامِ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فِيهِ يَنْفُذُ بَيْعُهُ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّاهِنَ مِنْ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا كَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الْمُرْتَهِنِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ الْمُبْطِلَ لِحَقِّهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ هُوَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي مَالِ الْمَرِيضِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ الْمُبْطِلَ لِحَقِّهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَهَذَا مِثْلُهُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَلِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ مِلْكُ الْيَدِ ، وَذَلِكَ قَائِمٌ مَعَ التَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ وَبِهِ يَعْجِزُ الرَّاهِنُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ مِلْكُ الْيَدِ فِي الْمَأْذُونِ وَلَا فِي كَسْبِهِ وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ نَافِدٌ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَبْقَى الْأَجَلُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَصَرَّفُ الْوَارِثُ فِي تَرِكَتِهِ وَيُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي الْحَالِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ الْأَجَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ الدَّيْنُ الْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِي الْحُكْمِ سَوَاءً وَإِنَّمَا لَمْ يَبْقَ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا صَالِحًا لِوُجُوبِ الدَّيْنِ مِنْهُ .
فَأَمَّا ذِمَّةُ الْعَبْدِ
فَمَحَلٌّ صَالِحٌ لِذَلِكَ فَالدَّيْنُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْأَجَلُ فِيهِ صَحِيحٌ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَنْعِ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ أَوْ مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُمْ فَإِذَا حَلَّ ضَمَّنُوهُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مَحَلَّ حَقِّهِمْ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى كَالْمُحْتَمِلِ عَنْ الْعَبْدِ لِغُرَمَائِهِ مِقْدَارَ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَالدَّيْنُ إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَلَّ عَلَى الْكَفِيلِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوهُ قِيمَتَهُ بَعْد حَلِّ الْمَالِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الثَّمَنِ أَجَازُوا الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَائِزًا بِدُونِ إجَازَتِهِمْ وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْمَوْلَى سَالِمًا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِإِجَازَتِهِمْ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ دَيْنٌ لَهُمْ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَيُعْتَبَرُ مَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمَدْيُونِ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الثَّمَنِ كَمَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى سَائِرِ أَمْلَاكِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ حَلِّ الْمَالِ فَأَجَازُوهُ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْبَيْعِ هُنَاكَ يَكُونُ بِإِجَازَتِهِمْ فَيَتَحَوَّلُ حَقُّهُمْ عَنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ إلَى بَدَلِهِ وَهَهُنَا نُفُوذُ الْبَيْعِ كَانَ بِدُونِ إجَازَتِهِمْ وَكَانَ الثَّمَنُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ حَلِّهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ فَإِنْ تَوِيَ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ تَجَدَّدَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْعَبْدِ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْمِلْكِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى نَقْضِ سَبَبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بَاشَرَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقُّ الْمَنْعِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الْإِبْطَالِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ دَيْنَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ يَتَأَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ وَهَبَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ الْأَوَّلُ فَلَا سَبِيلَ لِغُرَمَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا مَحَلَّ حَقِّهِمْ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ تَوَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ سَبِيلٌ .
وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا كَانَ دَيْنُهُ إلَى أَجَلٍ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ رَقَبَتِهِ وَالْمَنْفَعَةُ تُمَلَّكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ فِي مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِخْدَامُهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِمْ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ وَبِاسْتِخْدَامِ الْمَوْلَى إيَّاهُ يَفُوتُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ نُقْصَانٌ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ فِي مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ لَهُمْ السَّبِيلُ عَلَى الْمَوْلَى فِي مَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُمْ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِبَيْعِ الرَّقَبَةِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ وَيَرْهَنَهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَانَ عُذْرًا وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَنْقُضُوا الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا تُنْتَقَضُ بِالْعُذْرِ ، وَالْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا تُنْتَقَضُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُبَاشِرِ لِلْعَقْدِ فَلَأَنْ تُنْقَضَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُبَاشِرِ أَوْلَى وَتُنْقَضُ لِلرَّدِّ بِسَبَبِ فَسَادِ الْبَيْعِ وَالرَّدِّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ فَيُنْقَضُ أَيْضًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِبَيْعِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ حَلِّ الْمَالِ .
فَأَمَّا الرَّهْنُ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ حَلِّ الْأَجَلِ نَقْضُ الرَّهْنِ كَمَا لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ نَقْضِ الْبَيْعِ الَّذِي نَفَذَ مِنْ الْمَوْلَى
وَلَكِنَّهُمْ يُضَمِّنُونَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَقِّهِمْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَبِالْبَيْعِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِإِبْطَالِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَبِالْإِعْتَاقِ فَإِذَا أَرَادُوا تَضْمِينَهُ فَافْتَكَّهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ وَإِنْ افْتَكَّهُ بَعْدَ مَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ - بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَى الْقِيمَةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لَهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْقَضَاءِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِانْعِدَامِ الْحَيْلُولَةِ بِالْفِكَاكِ كَالْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ مِنْ إبَاقِهِ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَفْتَكَّهُ فَقَضَى الْغُرَمَاءُ الدَّيْنَ لِيَبِيعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَحَقُّهُ يَسْقُطُ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُونَ بِهَذَا تَخْلِيصَ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ فَأَمَرَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يَكْفُلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْعَبْدُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ : إنْ لَمْ يُعْطِك فُلَانٌ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَهُوَ عَلَيَّ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا كَانَ مَحْجُورًا عَنْ الْكَفَالَةِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا رَضِيَ الْمَوْلَى بِكَفَالَتِهِ كَانَ هُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءً ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُعْطِكَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي لَك عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَالَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ مَعْنَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَكْفُولَ لَهُ حَقَّهُ فَإِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ يُضَمِّنُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ قِيمَتِهِ وَلَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْمَوْلَى فِي الْعَبْدِ وَلَا هِبَتُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْعَبْدِ حِينَ تَصَرَّفَ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى مُطَالَبَتِهِ بِشَيْءٍ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ دُونَهُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَإِنْ وَجَدَ سَبَبَهُ وَهُوَ الْكَفَالَةُ ، ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ الْغَرِيمَ لَا يُبْطِلُ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى فَهَهُنَا أَوْلَى وَأَمَّا تَضْمِينُ الْمَكْفُولِ لَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ بِتَصَرُّفِهِ وَقَدْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الْمَالِ مُنْعَقِدًا وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً فَيَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا لَهُ قِيمَتَهُ بِتَفْوِيتِ الْمَالِ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي ضَمَانِ الدَّرَكِ لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَضْمَنَ الدَّرَكَ فِي دَارِ بَاعَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْمَوْلَى مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى
لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُهُ مَا ضَمِنَ مَعَ الدَّيْنِ الَّذِي فِي عُنُقِهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ لِلدَّرَكِ كَانَ صَحِيحًا لِكَوْنِ الْعَبْدِ فَارِغًا عَنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْوُجُوبُ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ هَذَا دَيْنًا ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْعَبْدِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَلَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى مِنْ مِلْكِهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَعَطِبَتْ فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَخْرَجَهُ الْمَوْلَى مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعَبْدِ صُنْعٌ هُوَ جِنَايَةٌ فِي الْمِلْكِ الَّذِي تَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ يُضَمِّنُ مَوْلَاهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُقُوعِ الدَّابَّةِ فِي الْبِئْرِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مُتْلِفًا لَهُ بِالْحَفْرِ السَّابِقِ ، وَذَلِكَ الْحَفْرُ جِنَايَةٌ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ بِهِ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الْمَوْلَى عَنْ مِلْكِهِ فَبِإِخْرَاجِهِ يَكُونُ مُفَوِّتًا عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ ؛ فَلِهَذَا يَضْمَنُ لَهُ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَإِنْ تَوِيَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لَمْ يَتَّبِعْ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يُعْتَقَ فَيُؤْخَذُ بِقِيمَةِ الدَّابَّةِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهِ وَكَانَ لَا يُطَالِبُ بِهِ لِحَقِّ مَوْلَاهُ الَّذِي حَدَثَ لَهُ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ كَانَ مُطَالِبًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِإِقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ حُكْمٍ ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَدِّدٌ لَهُ بِتَجَدُّدِ السَّبَبِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعٍ مُتَجَدِّدٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَكَانَ وُجُودُ هَذَا الْعَوْدِ إلَيْهِ كَعَدَمِهِ وَعَوْدُ هَذَا الْعَبْدِ إلَيْهِ كَعَوْدِ عَبْدٍ آخَرَ فَإِنَّ اخْتِلَافَ سَبَبِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ ؛ فَلِهَذَا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ، وَلَوْ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ أَخَذُوا الْعَبْدَ بِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّمَا يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ غُرَمَائِهِ وَيَنْعَدِمُ بِهِ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ تَفْوِيتُ مَحَلِّ حَقِّهِمْ .
وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَا رَجَعَ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ دَيْنُهُمْ ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ فَلَا ضَمَانَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى ضَمَانٌ إذَا حَلَّ دَيْنُهُمْ ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى لَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْرَأُ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَإِعَادَةٌ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَنَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْهِبَةِ فَإِذَا عَادَ مَحَلُّ حَقِّهِمْ صَارَتْ الْإِزَالَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ ، وَلَوْ بَاعَهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَرِئَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ
بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ لَا يَتَقَرَّرُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَلَوْ تَقَرَّرَ السَّبَبُ بِالْبَيْعِ فَبِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ مِنْ الْأَصْلِ وَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ كَمَا كَانَ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ مَاتَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْعَبْدِ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرَجَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِوُجُوبِ الدَّيْنِ فِيهِ فَهُوَ وَمَوْتُ الْحُرِّ سَوَاءٌ وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ إلَى أَجَلِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَمْ يَقَعْ لَهُ فِيهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ يَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ حَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجِدْ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَّا إلَى الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَقِيَامِ ذِمَّتِهِ مَحَلًّا صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ فِيهَا .
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَلْفٌ حَالَّةٌ وَأَلْفٌ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنْ يَنْقُضَهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ فِي حُكْمِ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى كَالْمَعْدُومِ وَقِيَامُ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ كَافٍ فِي نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فَإِنْ قَضَاهُ جَازَ مَا صَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ جَمِيعُ حَقِّهِ وَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْآخَرُ لَمْ يُشَارِكْ الْأَقَلَّ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ مِنْ مَحَلٍّ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَهُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ جَمِيعِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآخَرِ سَقَطَ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ وَكَانَ الْمَوْلَى مُتَطَوِّعًا فِيمَا قَضَاهُ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَصَارَ كَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الدَّيْن الْمُؤَجَّلَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ يُبَاعُ لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ فِي دَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ كَانَ ضَامِنًا بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ الْمَوْلَى صَاحِبَ الدَّيْنِ الْحَالِّ حَقَّهُ فَنَقَضَ الْبَيْعَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ بِمُطَالَبَتِهِ ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ بِبَيْعِ الْقَاضِي يَتَحَوَّلُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إلَى الْعَبْدِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةً إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ وَاسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ بِثُبُوتِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بَائِعًا سَلَامَةً جَمِيعَ الثَّمَنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ فَيَدْفَعُ
إلَيْهِ نِصْفَ الثَّمَنِ وَيَدْفَعُ النِّصْفَ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَلَكِنَّ مُطَالَبَتَهُ بِهِ تَتَأَخَّرُ إلَى حُلُولِ الدَّيْنِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ قَبْلَ حُلُولِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى رَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى بَدَلِ الرَّقَبَةِ .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ كَانَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَّبِعُ الْقَاضِيَ بِحَلِّ الدَّيْنِ الْآخَرِ عَلَى الْعَبْدِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَحَوَّلُ بِبَيْعِ الْقَاضِي إلَى الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْحُرِّ وَلَكِنَّا نَقُولُ الدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ حَتَّى إذَا عَتَقَ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِبَقَاءِ الْأَجَلِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْآخَرُ أَعْطَاهُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ ضَمَانٌ وَيَتَّبِعُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا يُسَلِّمُ لَهُ الْمَقْبُوضَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي لِلْغَرِيمِ الْآخَرِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ ؛ فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ فَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا الْغَرِيمَ أَبَرَأَ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ وَهَبَهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ مِنْ الْمَوْلَى لِتَمَامِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ الْعَيْنِ بِدَيْنِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ سَلَامَةُ النِّصْفِ لَهُ لِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ وَقَدْ زَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَلِأَنَّ نِصْفَ دَيْنِ الْأَوَّلِ بَاقٍ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ
يُبْرِئْهُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى نَقَدَ غَرِيمًا لَهُ تِلْكَ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهَا قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ كَتَصَرُّفِهِ فِي الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُهُ لِحَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَلَكِنْ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ ضَمِنَ الْمَوْلَى لَهُ تِلْكَ الْخَمْسَمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ تَوِيَتْ عَلَيْهِ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا قَبَضَ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ ، ثُمَّ رَجَعَا عَلَى الْغَرِيمِ الَّذِي قَضَاهُ الْمَوْلَى بِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ مَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَنَقَضَ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى فِيهِ ، ثُمَّ يُشَارِكُ فِيهِ الْغَرِيمَ الْآخَرَ فَلَا يَزَالُ هَكَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى وَالرُّجُوعِ عَلَى الْقَابِضِ بِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْمَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَبِعْ الْقَاضِي الْعَبْدَ لِلْغَرِيمِ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ بِرِضَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الرَّاضِيَ مُسْقِطٌ حَقَّهُ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ ثُمَّ يُعْطِي نِصْفَ الثَّمَنِ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَيُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى نِصْفَ الثَّمَنِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ الْآخَرُ أَخَذَ صَاحِبُهُ مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُفَوِّتٌ عَلَيْهِ مَحَلَّ حَقِّهِ وَلَيْسَ بِمُحَوَّلٍ حَقَّهُ إلَى الثَّمَنِ إذْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ تَحْوِيلِ حَقِّهِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إنَّمَا بَاعَهُ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ تَحْوِيلِ وِلَايَةِ الْحَقِّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الثَّمَنِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلثَّانِي هَهُنَا وَمَا قَبَضَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ فَهُوَ مَالٌ سَالِمٌ لَهُ فَإِنْ تَوِيَ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ نِصْفِ
الْقِيمَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي أَخَذَ نِصْفَ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ هَهُنَا مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الدَّيْنِ فَإِنْ قِيلَ لِمَاذَا لَا يَأْخُذُ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الثَّمَنِ مِنْ الْمَوْلَى ؟ لِمَ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي شَرِكَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الثَّمَنِ ؟ قُلْنَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ضَامِنٌ لِلثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ - يُسَلِّمَ مَا هُوَ عِوَضٌ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الثَّمَنِ لِلْمَوْلَى ؛ فَلِهَذَا يُعْطِي لِلْأَوَّلِ نِصْفَ الثَّمَنِ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ نِصْفَ بَدَلِ الْمَالِيَّةِ فَمَنَعَ ذَلِكَ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي فِي تَضْمِينِ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْقِيمَةِ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دُيُونٌ إلَى آجَالٍ مُخْتَلِفَةٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ شَيْءٌ مِنْهَا ، ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ تُقَسَّمُ عَلَى الدَّيْنِ مَا حَلَّ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَحُلَّ فَمَا أَصَابَ الَّذِي حَلَّ مِنْهَا مِنْ الْقِيمَةِ أَخَذَهُ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ مِنْ غُرَمَائِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْلَى ضَامِنٌ قِيمَتَهُ بِتَفْوِيتِهِ مَحَلَّ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ حَلِّ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَحَلَّ أَلْفٌ مِنْهَا فَطَلَبَ صَاحِبُهَا مِنْ الْقَاضِي بَيْعَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُعْطِيهِ ثُلُثَ ثَمَنِهِ وَيَضَعُ الثُّلُثَيْنِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآخَرَيْنِ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى يَحُلَّ دَيْنُهُمَا فَإِذَا حَلَّ دَيْنٌ آخَرُ أَعْطَى صَاحِبَهُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ ثُلُثَ الثَّمَنِ فَإِذَا حَلَّ الثَّالِثُ أَعْطَاهُ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ فَإِنْ تَوِيَ الثُّلُثُ الْبَاقِي عَلَى الْمَوْلَى رَجَعَ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَيَأْخُذُ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا حِينَ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ الْقَاضِي وَكَانَ شَرْطُ سَلَامَةِ الثُّلُثَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ الثُّلُثَ لِلثَّالِثِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ التَّاوِي مِنْ حُقُوقِهِمْ وَالْبَاقِي مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمْ فَرَجَعَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي ثَمَنِهِ فَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الثَّمَنِ سَوَاءٌ ثُمَّ يَرْجِعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْآخَرِ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِيُسَلِّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ وَيَسْتَوُوا فِي الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالتَّوَى فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَحْدَهُ أَخَذَ مِنْهُ رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَفِي يَدِ مَنْ لَقِيَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ وَفِي
يَدِ مَنْ لَقِيَهُ الثُّلُثُ فَيَضُمُّ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الْبَاقِي فِي يَدِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَفِي يَدِ هَذَا الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ أَيْضًا فَإِنْ لَقِيَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْآخَرُ أَخَذَ مِنْهُمَا تُسْعَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ تَحْصُلُ وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ ذَلِكَ جَعَلْت الثَّمَنَ كُلَّهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ فَسِهَامُ الثُّلُثَيْنِ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَاَلَّذِي فِي يَدِ هَذَا الَّذِي لَقِيَهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ سَهْمَانِ وَفِي يَدِ الْآخَرِ سِتَّةٌ فَيَأْخُذُ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ سَهْمٍ وَثُلُثَا سَهْمٍ مِنْ سِتَّةٍ يَكُونُ تُسْعُهَا فَيَحْصُلُ لَهُ سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَبَقِيَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ وَثُلُثَا سَهْمٍ .
وَإِذَا قَالَ الْمَأْذُونُ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُعْطِكَ أَلْفَكَ الَّتِي عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا حَتَّى أَدْفَعَهَا إلَيْكَ ، ثُمَّ لَحِقَ الْعَبْدَ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ الْقَاضِي فِي دَيْنِهِمْ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ - يَدْفَعُهَا كُلَّهَا إلَى الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ الْمُزَاحَمَةَ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَجِبْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ قَبْلَ شَرْطِهِ وَبِهِ فَارَقَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ وَتَأْثِيرُ الْأَجَلِ فِي الْمَنْعِ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا فِي نَفْيِ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرْطِ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْغَرِيمِ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ لَهُ بِعَرْضِ اللُّزُومِ فَإِنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْكَفَالَةُ مُقَرَّرٌ فَلِتَقَرُّرِ السَّبَبِ يَجِبُ النَّظَرُ لَهُ بِالِاسْتِيثَاقِ فَإِذَا لَزِمَ الْعَبْدَ ضَمَانُ مَا كَفَلَ بِهِ أَخَذَ الْمَكْفُولُ مِنْ الْغَرِيمِ نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِهِ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ دُيُونِ الصِّحَّةِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمَكْفُولِ لَهُ أَخَذَ سَبَبَهَا مِنْ الدَّيْنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوُجُوبَ يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَمِنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّبَبَ كَانَ مُتَقَرِّرًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَتَوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَيَقُولُ لِشَبَهِهِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ يَدْفَعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ إلَى الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ دَيْنُ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ وَلِشَبَهِهِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قُلْنَا إذَا تَحَقَّقَ لُزُومُ دَيْنِ الْكَفَالَةِ رَجَعَ الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ حَالٌّ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْغُرَمَاءُ ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ مِنْ الْمَوْلَى وَفِي الْهِبَةِ تَفْوِيتُ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِمْ فَإِنْ أَجَازُوهَا بَطَلَ دَيْنُهُمْ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سَقَطَ عَنْ ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِصُنْعِ الْمَوْلَى وَالْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَادِثٌ بَعْدَ الدَّيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ الدَّيْنِ وَلَكِنْ يَتَأَخَّرُ حَقُّهُمْ فِي الْمُطَالَبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِانْعِدَامِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا عَتَقَ اتَّبَعُوهُ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ إلَى أَجَلٍ جَازَتْ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَلِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِمْ مَحَلَّ حَقِّهِمْ بِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا أَخَذُوا الْقِيمَةَ مِنْهُ أَوْ قَضَى بِهَا - الْقَاضِي عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ كَانَ السَّبَبُ قَائِمًا عِنْدَ الْقَضَاءِ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْعَبْدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ الْآخَرِ خَاصَّةً لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَوْلَى بِتَعَلُّقِ هَذَا الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى فَكَمَا لَا سَبِيلَ لِلْآخَرِينَ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا أَخَذَهَا الْأَوَّلُونَ فَكَذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَى الثَّمَنِ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ
وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ بِيعَ فَبُدِئَ بِدَيْنِ الْآخَرِينَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِينَ أَيْضًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ حَتَّى يَتَّبِعُوهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يَبْقَى عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ الْآخَرِينَ كَانَ لِلْأَوَّلِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَدَيْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يُقْضَى مِنْ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ سِوَى ذَلِكَ اقْتَسَمَ هَذَا الْبَاقِيَ الْأَوَّلُونَ وَأَصْحَابُ دَيْنِ الْمَوْلَى تَصَرَّفَ فِيهِ أَصْحَابُ دَيْنِ الْمَوْلَى بِدُيُونِهِمْ الْأَوَّلُونَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ وَسَلَّمَهُ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ ؛ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ لَهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ تَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى فَإِنْ أَجَازَهَا جَازَتْ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ وَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَحُلَّ دَيْنُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سِوَى دَيْنِهِ عَلَى الْعَبْدِ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ حَلَّ دَيْنُ الْآخَرِ ضَمِنَ الْمَوْلَى قَدْرَ الْقِيمَةِ لَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْغَرِيمِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِإِجَازَةِ الْهِبَةِ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي حَالِ رِقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ دَيْنِهِ وَقَدْ فَوَّتَ الْمَوْلَى عَلَى الْآخَرِ مَحَلَّ حَقِّهِ فَيَضْمَنُ لَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْحَالِّ لَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْلَى نِصْفَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً وَالْقِيمَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْعَبْدِ كَالثَّمَنِ عِنْدَ بَيْعِ الْقَاضِي إيَّاهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ .
لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ إلَّا حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَهَهُنَا أَيْضًا لَا يُسَلِّمُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ إلَّا حِصَّتَهُ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَذَلِكَ النِّصْفِ فَإِنْ ضَمِنَهُ ، ثُمَّ حَضَرَ الْعَبْدُ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ بِوُصُولِ حِصَّتِهِ مِنْ الضَّمَانِ إلَيْهِ وَالدَّيْنُ الْآخَرُ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ الْهِبَةَ فَإِذَا حَلَّ دَيْنُ الْآخَرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَحَلَّ حَقِّهِ بِتَصَرُّفِهِ فَإِنْ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ لَهُمَا فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى مُشْتَرَكَةً بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا - يُسَلِّمُ الْمَقْبُوضَ لِلْأَوَّلِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ
النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِلْآخَرِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ ، ثُمَّ يَتَّبِعَانِ الْمَوْلَى بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَمَّا صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا أَيْضًا .
وَلَوْ لَمْ يَحُلَّ الدَّيْنُ الثَّانِي حَتَّى رَجَعَ الْمَوْلَى فِي هِبَتِهِ ، ثُمَّ حَلَّ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَّبِعَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُبَاعَ لَهُ ؛ لِأَنَّ تَحَوُّلَ حَقِّهِ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ أَوْ - بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَقَدْ عَادَ الْعَبْدُ بِالرُّجُوعِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَيْعِ حِصَّتِهِ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ ، وَذَلِكَ نِصْفُهُ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ فَأَبَقَ ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَاصَمَ الْغَاصِبَ وَضَمَّنَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَإِنْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ يُبَاعُ نِصْفُ الْعَبْدِ فِي دَيْنِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَمَّا صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ الْبَاقِي كَذَلِكَ فَيُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا النِّصْفِ الْحَقَّ بَاقٍ فِي الْعَبْدِ .
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ اعْوَرَّ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ الْوَاهِبُ ضَمَّنَ الْمَوْلَى رُبُعَ قِيمَتِهِ وَبِيعَ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ ، وَلَوْ عَادَ الْكُلُّ إلَيْهِ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَانَ يُبَاعُ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْمَوْلَى ضَامِنًا نِصْفَ قِيمَتِهِ فَالْجُزْءُ يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ وَلِفَوَاتِ النِّصْفِ ضُمِّنَّ الْمَوْلَى رُبُعَ قِيمَتِهِ وَبِعَوْدِ النِّصْفِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ يُبَاعُ نِصْفُهُ فِي دَيْنِهِ ، وَلَوْ اعْوَرَّ بَعْدَ مَا
رَجَعَ إلَى الْمَوْلَى لَمْ يَضْمَنْ مِنْ عَوَرِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فَإِنَّهُ بِالرُّجُوعِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَعَوَرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَهَلَاكِهِ قَبْلَ الْهِبَةِ فَكَذَلِكَ إذَا اعْوَرَّ قُلْنَا لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا وَلَكِنْ يُبَاعُ نِصْفُهُ أَعْوَرَ فِي دَيْنِهِ .
وَإِذَا كَفَلَ الْمَأْذُونُ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ بَاعَهُ الْمَوْلَى فَلِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الْمَوْلَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْكَفَالَةِ وَيُبَاعُ لَهُ فِيهِ كَمَا يُبَاعُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَالِيَّتِهِ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِبَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ فَكَانَتْ الْمَالِيَّةُ خَالِصَ حَقِّ الْمَوْلَى ؛ فَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَنْقُضُ بَيْعَ الْمَوْلَى لِيَسْتَسْعِيَهُ فِي دَيْنِهِ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فِي اسْتِسْعَائِهِ فِي شَيْءٍ وَلَكِنْ يَبِيعُ الْعَبْدَ بِكَفَالَتِهِ حَيْثُ كَانَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْمَوْلَى إيَّاهُ وَهَذَا عَيْبٌ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ وَيُؤْمَرُ بِطَلَبِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ لِيُسَلِّمَهُ وَفِيهِ حَيْلُولَةٌ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ مِنْ الْخِدْمَةِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لِأَجْلِهِ كَمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ رَدِّ الْجَارِيَةِ بِعَيْبِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يُعْطِ الْمَطْلُوبَ مَا عَلَيْهِ إلَى كَذَا ، وَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بِشَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ فَالْتِزَامُ تَسَلُّمِ النَّفْسِ مِنْهُ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ فَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا حِينَ اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخِدْمَةِ بِسَبَبٍ كَانَ سَابِقًا عَلَى بَيْعِهِ فَإِنَّ
ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَكُونُ مُحَالًا بِهِ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ كَأَنْ عَلِمَ بِهَا حِينَ اشْتَرَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهَذَا الْعَيْبِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ .
قَالَ : وَالْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ رَقِيقِ الْمَأْذُونِ أَوْ هِبَتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْمَأْذُونِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ فَكَمَا أَنَّ فِي الرَّقَبَةِ إذَا انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ لِلتَّأْجِيلِ فِي الدَّيْنِ جُعِلَ فِي حَقِّ تَصَرُّفِ الْمَوْلَى كَأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي تَصَرُّفِهِ فِي كَسْبِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فِي حُكْمِ النُّفُوذِ وَحُكْمِ تَضْمِينِ الْمَوْلَى عِنْدَ حَلِّ الدَّيْنِ وَفِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى مُخَالِفٍ لَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِشَوَاهِدَ قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ دَيْنُ الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُجَوِّزَ عِتْقَهُ فِي الرَّقِيقِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ مُحِيطًا بِرَقَبَتِهِ وَمَا فِي يَدِهِ ( أَرَأَيْت ) لَوْ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ حَجَر عَلَيْهِ وَالدَّيْنَ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّقِيقَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَبَيْعُ الْمَوْلَى فِي هَذَا كُلِّهِ جَائِزٌ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَقِيلَ الْمُخَالِفُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ بَيْعَ الْمَوْلَى كَسْبَ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّأْجِيلِ لَا يَنْعَدِمُ وُجُوبُ أَصْلِ الدَّيْنِ وَحَاجَةُ الْمَأْذُونِ إلَى قَضَائِهِ وَحَاجَتُهُ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَكَانَ الْمَوْلَى مَمْنُوعًا مِنْ إثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ فِيهِ وَيَجُوزُ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الْعِتْقِ لَا يَسْتَدْعِي الْيَدَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ عِتْقِ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ
الْمَوْلَى يَخْلُفُ عَبْدَهُ فِي كَسْبِهِ خِلَافَةَ الْوَارِثِ الْمُورِثَ وَالدَّيْنُ عَلَى الْمُورِثِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ وَنُفُوذَ عِتْقِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَخِيرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي أَوَّلِ الزِّيَادَاتِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي كَسْبِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَهُ حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِي رَقَبَتِهِ كَمَا يَمْلِكُ عِتْقَهُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ بِمَنْزِلَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ فَكَمَا أَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي مِلْكَ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ فِي كَسْبِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَهُ مِلْكٌ مُطْلَقٌ فِي رَقَبَتِهِ فَيَمْلِكُ كَسْبَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَرَقَبَتُهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا وَقَدْ مَلَكَ بَدَلَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَالِكًا كَسْبَهُ ، فَأَمَّا رَقَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ فَمَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصَهُ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي التَّرِكَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَشْغُولَ
بِالْجِهَازِ وَالْكَفَنِ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ فَكَذَلِكَ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ وَهَهُنَا مِلْكُ الْمَوْلَى كَسْبَ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّق بِفَرَاغِهِ مِنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَتْ سَلَامَتُهُ لَهُ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ حَاجَتَهُ إلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ حَاجَتُهُ إلَى الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الدَّيْنِ فَحَالُ قِيَامِ الدَّيْنِ كَحَالِ حَيَاةِ الْمُورِثِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَوْ أَنَّ الْمِيرَاثَ وَالْحُكْمَ لَا يُسْبَقُ أَوَانُهُ ، فَأَمَّا خِلَافَةُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ فِي مِلْكِ الْكَسْبِ وَاعْتِبَارُ الرِّقِّ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ لِمِلْكِ الْمَالِ وَالْكَسْبُ مُوجِبُ الْمِلْكِ فِي الْمَكْسُوبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُكْتَسِبُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِمَنْ يَخْلُفُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْمَوْلَى يَخْلُفُ عَبْدَهُ فِي مِلْكِ الْكَسْبِ خِلَافَ الْوَارِثِ الْمُورِثَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِإِكْسَابِهِ وَسَلَامَتُهُ لَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفَرَاغِهِ عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَكَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُحِيطَ بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْمِلْكِ فِي الْمُكْتَسَبِ فَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ كَالرَّقِيقِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْمَوْتُ يُنَافِي ذَلِكَ كَالرِّقِّ بَلْ أَظْهَرُ فَالرِّقُّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِمَا جَمِيعًا ، ثُمَّ لِقِيَامِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ يُجْعَلُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَارِثُ كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لِقِيَامِ حَاجَتِهِ يُجْعَلُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا وَهَذِهِ الْحَاجَةُ لَيْسَتْ كَالْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّ
الرَّقِيقَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَلَيْسَ الْكَسْبُ نَظِيرَ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ بَلْ كَانَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ لَا بِالِاكْتِسَابِ مِنْ الْعَبْدِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ فَالْمَوْلَى مَالِكٌ رَقَبَتَهُ حَتَّى يَنْفُذَ مِنْهُ الْعِتْقُ فِي - رَقَبَتِهِ وَتُؤَدَّى بِهِ كَفَّارَتُهُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَهُ فِي الرَّقَبَةِ مُطْلَقٌ وَمَعَ ذَلِكَ لِقِيَامِ حَاجَتِهِ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ .
وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِاسْتِهْلَاكِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ أَخَذَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَبِإِقْرَارِهِ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ فِي حَقِّهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ رَجُلٌ هَذَا الدَّيْنَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ أُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي حَقِّهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ فَإِذَا ضَمِنَهُ عَنْهُ رَجُلٌ فَقَدْ ضَمِنَ دَيْنًا وَاجِبًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى مُفْلِسٍ إذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بَطَلَ دَيْنُهُ عَنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ وَمِمَّا ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا عَلَى الْعَبْدِ تَحَوَّلَ بِالْبَيْعِ إلَى الثَّمَنِ سَوَاءٌ بِيعَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَهَذَا الدَّيْنُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَيُحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ مِنْ الثَّمَنِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُون الْكَفِيلُ مُطَالِبًا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ سَقَطَ عَنْ الْكَفِيلِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصِيلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ وَهَبَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ بَطَلَ دَيْنُهُ عَنْ الْعَبْدِ وَعَنْ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هَهُنَا سَقَطَ عَنْ الْأَصِيلِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ مَحَلًّا آخَرَ يُمْكِنُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ تُوجِبَ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَإِنْ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَعُدْ الدَّيْنُ