كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِقَبِيلَةٍ دَخَلَ الْمَوَالِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى تِلْكَ الْقَبِيلَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } ، هَذَا إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الصِّلَةُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ ، فَإِذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ صَارُوا مَجْهُولِينَ فَبَطَلَتْ وَجْهُ الْإِحْصَاءِ ذَكَرْنَاهُ فِي الشُّرْبِ وَالشُّفْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُ نَصَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَوْصَى لِفُقَرَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ فَلِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى جَدٍّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ ، وَكَذَا لِمُحْتَاجِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَيْ إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي مِنْ أَوْلَادِ الْعَبَّاسِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ نَسَبُهُ إلَى الْعَبَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ دَخَلَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ بِنَفْسِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَا مَنْسُوبَيْنِ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ ، وَمَنْ كَانَ نَسَبُهُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لَا يَدْخُلُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ آخَرِينَ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِجِنْسِ فُلَانٍ أَوْ لِمُحْتَاجِي جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَأَهْلَ الْبَيْتِ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ كَانُوا يُحْصَوْنَ أَوْ لَا يُحْصَوْنَ ؛ لِأَنَّ هَذَا سَبِيلُ الصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الْفُقَرَاءَ وَالْمُحْتَاجِينَ وَجَهَالَةُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، فَإِنَّ قَابِضَ الصَّدَقَةِ هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَهَذَا عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبَ وَلَا يُعْطِي غَيْرَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَعِنْدَهُمَا تُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِإِخْوَتِهِ وَلَهُ سِتَّةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ وَلَهُ وَلَدٌ يَحُوزُ مِيرَاثَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَ إخْوَتِهِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالِاسْمِ وَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِأَقْرِبَاءِ فُلَانٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ فُلَانٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَكْثَرُ أُخُوَّةً مِنْ فُلَانٍ بَلْ كُلُّهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ يَحُوزُ مِيرَاثَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ ثُلُثُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ .
فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ الثُّلُثِ إلَيْهِمَا إذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ قُلْنَا الْإِضَافَةُ كَانَتْ صَحِيحَةً إلَى الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمَّيْنِ وَلِأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ إلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ فَلَا يَزْدَادُ حَقُّ الْأَخِ لِأَبٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَمَاتَ اثْنَانِ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ لِلْبَاقِي ثُلُثُ الثُّلُثِ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ الثُّلُثُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِوَارِثِهِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ بِوَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ الثُّلُثُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ، وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِبَنِي فُلَانٍ ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ هُوَ قَبِيلَةً مِثْلَ تَمِيمٍ وَكُلَيْبٍ وَوَائِلٍ أَوْ لَا يَكُونَ قَبِيلَةً بَلْ أَبٌ خَاصٌّ ، فَإِنْ كَانَ قَبِيلَةً خَاصَّةً دَخَلَ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ النِّسْبَةُ وَالْمَرْأَةُ تَقُولُ أَنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ ؛
لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِهَذِهِ النِّسْبَةِ ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهَا مَجَازًا فَيَتَنَاوَلُ جِنْسَ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْحَلِيفُ وَالْخَلِيلُ ، وَإِذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ ، فَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي الْقَبِيلَةِ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَغْنِيَاءِ صِلَةٌ وَالصِّلَةُ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلَةٌ .
أَمَّا إذَا كَانَ فُلَانٌ أَبَ صُلْبٍ ، فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ لِلذُّكُورِ حَقِيقَةً فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ ، وَإِنْ كُنَّ إنَاثًا لَا يَدْخُلُ فِيهِ ذُكُورُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُنَّ ، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْوَصِيَّةُ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمِينُ لِأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبَنِينَ جَمْعٌ لِابْنٍ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ إنَاثًا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْوَصِيَّةِ .
وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ الْبَنِينَ إذَا ذُكِرُوا مُطْلَقًا يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ عِنْدَ اشْتِرَاكِهِمْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { يَا بَنِي آدَمَ } وَلَمْ يَقْصُرْ اللَّفْظَ عَلَى الذَّكَرِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْجَدِّ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ إلَى الْأَبِ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ لِيُعْرَفَ دُونَ الْأَبِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ ، وَكَذَلِكَ أَبُو نَصْرِ بْنُ سَلَامَةَ يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ جَدُّهُ لَا أَبُوهُ ، وَإِذَا كَانَ يُنْسَبُ إلَى الْجَدِّ صَارَ الْحُكْمُ أَنَّ الصُّلْبَ وَالْجَدَّ سَوَاءٌ .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ سَوَاءً ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ اسْمٌ لِجِنْسِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ دَخَلَ مَا فِي بَطْنِهَا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ تَسْمِيَةِ الْوَلَدِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَرِثُ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَنَاتٌ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِبَنَاتِهِ دُونَ بَنِي ابْنِهِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ ابْنَهُ حَقِيقَةً وَيَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الِابْنِ مَجَازًا فَمَهْمَا أَمْكَنَ صَرْفُهُ إلَى حَقِيقَتِهِ لَا يُصْرَفُ إلَى مَجَازِهِ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ وَلَيْسُوا مِنْ أَوْلَادِهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَجَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى مَجَازِهِ وَالْوَلَدُ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا .
وَإِذَا أَوْصَى لِفَخِذِ فُلَانٍ أَوْ لِبَطْنِ فُلَانٍ فَالْجَوَابُ فِيهِ مِثْلُ الْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ لِقَبِيلَةِ فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ ، وَهَذَا إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ ، فَأَمَّا إذَا كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لِلْمَجْهُولِ إلَّا إذَا قَالَ لِفُقَرَائِهِمْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ يَدْفَعُ إلَى جَمِيعِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّسْمِيَةِ لَهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ كُلِّهِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُصْرَفَ إلَى اثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْجَمْعُ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَلَهُمَا أَنَّ الْفَقْرَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْجِنْسُ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَصَاعِدًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَةَ وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ جَازَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاحِدَةً يُعْتَقُ .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَيِّتًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ نِصْفَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا مَاتَ أَوَّلًا ، فَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ نَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِهِ صَارَ نِصْفُ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ وَنِصْفُهُ مَرْدُودًا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ الْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِمَا كَانَتْ صَحِيحَةً وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ فَلَا يُزَادُ حَقُّهُ بِمَوْتِ الْآخَرِ فَكَانَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي قَالَ بَنِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ كَلِمَةُ تَقْسِيمٍ وَتَجْزِئَةٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ ، وَإِذَا بَطَلَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَا يَكُونُ لِلْحَيِّ إلَّا النِّصْفُ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانِ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ الْمُوصِي عَلِمَ بِمَوْتِهِ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلِلْحَيِّ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ قَصْدُهُ تَمْلِيكَ نِصْفِ الثُّلُثِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِلَةَ الْحَيِّ مِنْهُمَا .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا تَصْلُحُ
الْإِضَافَةُ إلَيْهِ وَالْآخَرُ لَا تَصْلُحُ فَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَنْ لَا تَصْلُحُ إلَيْهِ الْإِضَافَةُ وَتَثْبُتُ إلَى مَنْ تَصْلُحُ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِهَذِهِ الْإِسْرَاءِ وَلِهَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِعَقِبِهِ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعَقِبِ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ عَقِبَهُ مَنْ يَعْقُبُهُ ، فَإِذَا كَانَ هُوَ حَيًّا لَا يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْعَقِبِ ثَبَتَ ثُلُثُ الْمَالِ إلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ كَانَ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ عِنْدَهُ الْمَسَاكِينَ اسْمُ جَمْعٍ فَيَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْحَجِّ كَانَ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَجِّ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ ، وَإِذَا قَالَ حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً وَأَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ نَفَاذُهَا مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِذَا كَانَ لَا يَسَعُهَا يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحَجَّةُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بُدِئَ بِهَا ، وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمَيِّتُ ؛ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ نَسَمَةِ التَّطَوُّعِ وَيُعْلَمُ أَنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ أَهَمُّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِيُقْبَلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ عِنْدَهُ هَذَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ النَّسَمَةُ بِعَيْنِهَا ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَصِيَّةٌ لِلْعَبْدِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا
وَالْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَصِيَّةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَصِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَيَتَحَاصَّانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ النَّسَمَةُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا وَصِيَّتَانِ لِلَّهِ - تَعَالَى - .
وَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَمَاتَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَوُلِدَ لِلْأَبِ وَلَدٌ آخَرُ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لِوَلَدِهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَانْصَرَفَ إلَى الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَالُهُ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِمَوَالِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ الْعَرَبِيِّ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ وَأَعْتَقَ فُلَانٌ مِنْهُمْ عَبْدًا ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي فَالثُّلُثُ لِمَوَالِيهِ يَوْمَ مَاتَ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَلَوْ كَانَ لِفُلَانٍ مَوَالِي أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالِي أَعْتَقُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِأَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَعْلَى وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْأَسْفَلِ زِيَادَةُ إنْعَامٍ ، وَمِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْأَعْلَى الشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ بِالْوَصِيَّةِ الْبِرُّ وَالنَّاسُ يَقْصِدُونَ بِالْبِرِّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ دُونَ الْأَعْلَى .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ كَانَ لِلْأَسْفَلِ دُونَ الْأَعْلَى كَذَلِكَ هُنَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالِاسْمِ وَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِهِ سَوَاءٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ وَلَهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأَخٌ لِأُمٍّ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا فَلَهُ ثُلُثُ مَالِهِ يَوْمَ يَمُوتُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَكُونُ مَالُهُ أَبَدًا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَرُبَّمَا يَسْتَفِيدُ وَرُبَّمَا يَهْلَكُ فَلَمَّا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ مُرْسَلًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ ثُلُثُ مَالِي الَّذِي يَكُونُ وَقْتَ الْمَوْتِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ رَبِحَ فِي الْمَالِ رِبْحًا أَوْ زَادَ فِي الْمَالِ شَيْئًا أَنَّ لَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ مِنْ الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَكَذَا الْعُرُوض كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِهِ فَالْهَلَاكُ يُبْطِلُهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَاسْتَفَادَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْعَيْنِ ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي ، ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَصْلِ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ مَالِي أَوْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ مِنْ مَالِي أَوْ ثَوْبٌ مِنْ مَالِي فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَيُعْطِي لَهُ قِيمَةَ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى مَالِهِ فَالْمَالُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْعُرُوضَ وَنَحْوَهَا وَالشَّاةُ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ قِيمَةَ شَاةٍ مِنْ مَالِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَنَمِي وَلَا مِنْ مَالِي فَمَاتَ وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لَهُ شَاةً أَوْ قِيمَةَ شَاةٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ جَارِيَةٌ مِنْ السَّبْيِ ، فَإِنْ كَانَ فِي السَّبَايَا جَارِيَةٌ ، فَإِنَّهُ يُعْطَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى لَهُ ، وَلَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ جَارِيَةٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ السَّبْيِ ، فَإِنَّهُ يُعْطَى جَارِيَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَلِكَ هُنَا .
وَلَوْ أَوْصَى لِلرَّجُلِ بِثَوْبٍ ، ثُمَّ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُغَيِّرَهُ عَنْ جِنْسِهِ أَوْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يُنْقِصَهُ أَمَّا إذَا غَيَّرَهُ عَنْ جِنْسِهِ كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ ، ثُمَّ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا أَوْ أَوْصَى لَهُ بِقُطْنٍ ، ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ بِغَزْلٍ ، ثُمَّ نَسَجَهُ أَوْ بِحَدِيدَةٍ ، ثُمَّ صَاغَ مِنْهَا إنَاءً أَوْ سَيْفًا أَوْ بِفِضَّةٍ ، ثُمَّ صَاغَ مِنْهَا خَاتَمًا أَوْ غَيْرَهُ كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَيَّرَهُ عَنْ حَالِهِ اُسْتُدِلَّ بِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الرُّجُوعَ إذَا لَوْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ الْبَقَاءُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِمَا كَانَ يُغَيِّرُهُ عَنْ حَالِهِ فَاَلَّذِي أَوْصَى بِهِ يُوجَدُ وَاَلَّذِي وُجِدَ لَمْ يُوصَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ، وَأَمَّا إذَا زَادَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً لَهَا قِيمَةٌ مِثْلَ الثَّوْبِ إذَا صَبَغَهُ وَالسَّوِيقِ إذَا لَتَّهُ بِالسَّمْنِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ وَلَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ فَبَنَى فِيهَا كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِبَذْلٍ ، وَقَدْ جَعَلَ وَصِيَّتَهُ بِغَيْرِ بَذْلٍ فَلَمَّا لَمْ يُتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِبَذْلٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَنَّهُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ ، وَأَمَّا إذَا زَادَ شَيْئًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَذْلٍ كَمَا إذَا أَوْصَى بِدَارٍ ، ثُمَّ جَصَّصَهَا أَوْ طَيَّنَهَا فَذَلِكَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْسِينٌ وَتَزْيِينٌ وَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَذْلٍ فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْبَقَاءِ عَلَى الْوَصِيَّةِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِثَوْبٍ ، ثُمَّ غَسَلَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَهُ ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا يَبْقَى الْغَيْرُ مَعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُبُوتٍ ، ثُمَّ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ لَكِنْ انْتَقَصَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى مَعَ ذَلِكَ النُّقْصَانِ كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ ، ثُمَّ ذَبَحَهَا ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَبْقَى إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ ، وَالْإِنْسَانُ وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَضِي أَجَلُهُ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَبْقَى إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ ، فَقَدْ قَصَدَ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِقُطْنٍ ، ثُمَّ حَشَا بِهِ قَبَاءً أَوْ بِبِطَانَةٍ ، ثُمَّ بَطَّنَ بِهَا أَوْ بِظِهَارَةٍ ، ثُمَّ ظَهَّرَ بِهَا ثَوْبًا فَذَلِكَ رُجُوعٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ اسْتِهْلَاكًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ فَعَلَ هَذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ فَالِاسْتِهْلَاكُ يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَوْ بِثَوْبٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَبَيْعُهُ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ صَارَ بِحَالٍ لَوْ أَوْصَى بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَكَانَ بَيْعُهُ دَلِيلًا عَلَى الرُّجُوعِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ ، ثُمَّ تَمَلَّكَهُ الْمُوصِي بِهِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ، ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِشِرَاءِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبِدَفْعِهِ إلَى فُلَانٍ ، فَإِذَا مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ دَفَعَ بِمَوْتِهِ الشِّرَاءَ عَنْ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَالْعَبْدُ لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ مَلَكَهُ أَنَّهُ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ شِرَاؤُهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ عَبْدِ الْغَيْرِ إنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ شِرَاؤُهُ إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَلَمَّا اشْتَرَى بِنَفْسِهِ أَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَضَايَقَ عَنْ حَقِّهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا هَذَا كَدَارٍ بِيعَتْ وَلَهَا شَفِيعَانِ ثَبَتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ إلَّا أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا لِضِيقِ الْمَحَلِّ كَذَلِكَ هُنَا قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ مَتَى سَمَّى الْوَصِيَّةَ الْأُولَى وَأَوْصَى بِهَا لِلثَّانِي كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَمَتَى سَمَّى الْوَصِيَّةَ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَبَيَانُهُ إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ ، ثُمَّ قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى الْوَصِيَّةَ الْأُولَى وَاسْتَأْنَفَ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي فَكَانَ رُجُوعًا وَاسْتِئْنَافًا لِلْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ قَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى الْوَصِيَّةَ
الْأُولَى وَاسْتَأْنَفَ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي بِحَرْفِ قَدْ ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِيقَاعِ وَالْإِبْلَاغِ فِي الِاسْتِئْنَافِ فَكَانَ رُجُوعًا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ ، وَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَالْجَمْعِ ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي .
أَمَّا إذَا سَمَّى الْمُوصَى بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِأَحَدٍ وَلَكِنَّهُ جَحَدَ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ ، وَقَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ ، فَهَذَا رُجُوعٌ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لَهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ رُجُوعًا وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ أَمَّا مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَوَجْهُ مَنْ قَالَ إنَّهُ رُجُوعٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالنَّقْصَ فَكَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا كَمَا إذَا جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ كَانَ حَجْرًا عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمُتَبَايِعِينَ إذَا جَحَدَا الْبَيْعَ كَانَ إقَالَةً مِنْهُمَا .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ رُجُوعًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ وُجُوبُهَا بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ بَعْدَ الْوَفَاةِ ، فَإِذَا قَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ فَهُوَ صَادِقٌ فِي مَقَالَتِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدُ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا ، وَمَنْ فَرَّقَ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ قَالَ هُنَا جَحَدَ الْوَصِيَّةَ فَكَانَ رُجُوعًا ، وَفِي الْجَامِعِ لَمْ يَجْحَدْ وَلَكِنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ ، فَقَدْ أَمَرَ الشُّهُودَ أَنْ يَكْذِبُوا عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ
الْمُعَلَّى فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْجُحُودَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فَمَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ وَرَفْعٌ لِلْعَقْدِ الثَّابِتِ وَجُحُودُ أَصْلِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهِ بِالرَّفْعِ كَمَا أَنَّ جُحُودَ النِّكَاحِ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَكُونُ رَفْعًا بِالطَّلَاقِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالْجُحُودِ يُبْقِي الْعَقْدَ فِي الْمَاضِي ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ نَفْيُ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ وَالثَّابِتُ بِضَرُورَةِ النَّصِّ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ يَمْلِكُ نَفْيَ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ فِي الْمَاضِي وَبِهِ فَارَقَ النِّكَاحَ ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ مِنْ الْأَصْلِ يَقْتَضِي نَفْيَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَحَلِّ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ أَوْ إبِلِهِ أَوْ طَعَامِهِ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَاسْتُحِقَّ الثُّلُثَانِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ هَلَكَ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يُخْرِجُ الْبَاقِيَ مِنْ ثُلُثِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ ، وَقَالَ زُفَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَذَلِكَ ، وَفِي الْهَلَاكِ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ مَا كَانَ يَمْلِكُ إلَّا الثُّلُثُ ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ تَنَاوَلَ ذَلِكَ الثُّلُثَ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بِالْعَيْنِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فِي الْمَحَلِّ ، فَأَمَّا بِالْهَلَاكِ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْهَالِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ وَقْتَ الْإِيجَابِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ الثُّلُثُ شَائِعًا فَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا لَمْ يَبْقَ يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْبَاقِي فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ مَا سُمِّيَ لِلْمُوصَى لَهُ فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِيهِ كَالتَّبَعِ ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ الْهَالِكَ مِنْ التَّبَعِ لَا مِنْ الْأَصْلِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَجْنَاسٍ مِنْ الْمَالِ فَاسْتُحِقَّ جِنْسَانِ أَوْ هَلَكَ جِنْسَانِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، فَإِنَّ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ بِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ بِحَالٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْأَجْنَاسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ الْوَرَثَةَ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ الْكُلَّ قِسْمَةً وَاحِدَةً فَيُعْطُونَهُ أَحَدَ الْأَجْنَاسِ ، وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ مَا بَقِيَ بِمَا أَوْجَبَهُ حَتَّى إذَا لَمْ يَهْلَكْ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْوَرَثَةَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِيَأْخُذَ الثُّلُثَ ، وَالْبَاقِي هُوَ الثُّلُثُ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ وَبِثَلَاثَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ وَاسْتُحِقَّ الْبَعْضُ أَوْ هَلَكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الدُّورِ وَالرَّقِيقِ فَهِيَ عِنْدَهُ كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ جِنْسٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا فِي أَنَّهَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِقِسْمَةِ الْجَبْرِ فِي الدُّورِ إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ مُسْتَحِقًّا لِلدَّارِ الْبَاقِيَةِ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ الْمُوصِي ، وَكَذَلِكَ لَا يَرَيَانِ قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الرَّقِيقِ إلَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا نَادِرًا فَالتَّفَاوُتُ فِي بَنِي آدَمَ كَثِيرٌ فِي الظَّاهِرِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلِآخَرَ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ عُرُوضٌ بِقِيمَةِ أَلْفٍ ، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ إنْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ مَبْلَغَ الْوَصَايَا ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ مَالِ الرَّجُلِ سِتُّمِائَةٍ فَكَانَ الثُّلُثُ مِنْ مَبْلَغِ الْوَصَايَا بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يُبْطِلُ مِنْ وَصِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرُّبُعَ فَيُسَلِّمُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّوْبِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَلِصَاحِبِ السَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ السَّيْفِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَجُمْلَةُ مَا نَفَذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ سِتُّمِائَةٍ وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَرُبُعُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَرُبُعُ الثَّوْبِ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ وَلَهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ سِوَى السَّيْفَ كَانَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ السَّيْفِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ وَوَصِيَّةٌ بِسُدُسِهِ وَالْقِسْمَةُ فِي هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ السَّيْفِ تُسَلَّمُ لِصَاحِبِ السَّيْفِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي السُّدُسِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ سِهَامَ السَّيْفِ صَارَتْ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى سُدُسٍ يَنْقَسِمُ نِصْفَيْنِ وَقِيمَةُ السَّيْفِ مِائَةٌ فَكُلُّ مِائَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ يَكُونُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا فَذَلِكَ سِتُّونَ سَهْمًا لِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سُدُسُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِسُدُسِ مَالِهِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ السُّدُسَ مِنْ كُلِّ مَالٍ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةٌ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَسَهْمٌ مِنْ السَّيْفِ وَلِصَاحِبِ السَّيْفِ أَحَدَ عَشَرَ ، فَقَدْ بَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ دُونَ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ سِهَامَ الْمَالِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ وَالسَّالِمُ لِلْوَرَثَةِ خَمْسُونَ فَكَانَ التَّخْرِيجُ مُسْتَقِيمًا .
وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قِسْمَةُ السَّيْفِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَيَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ السَّيْفِ بِسِتَّةٍ وَصَاحِبُ السُّدُسِ بِسَهْمٍ فَيَكُونُ السَّيْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ وَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى تُجْعَلُ كُلُّ مِائَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ أَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سُدُسُ ذَلِكَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ سَهْمٍ ، فَقَدْ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ ، وَفِي سَهْمٍ مِنْ السَّيْفِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِصَاحِبِ السَّيْفِ سِتَّةٌ مِنْ السَّيْفِ كُلُّهَا فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ
وَخَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَجُمْلَةُ سِهَامِ الْمَالِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى مَعَ هَذَا أَيْضًا بِالثُّلُثِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبُ السُّدُسِ بِسُدُسِ خَمْسِمِائَةٍ وَثُلُثِ سُدُسِ السَّيْفِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ بِثُلُثِ خَمْسِمِائَةٍ وَخَمْسَةِ أَسْدَاسِ سُدُسِ السَّيْفِ وَصَاحِبُ السَّيْفِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ السَّيْفِ إلَّا سُدُسَ سُدُسِ السَّيْفِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ السَّيْفِ كَانَ فِي السَّيْفِ وَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ كَانَ فِي الدَّرَاهِمِ ، وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّيْفِ ، وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ صَاحِبَ السُّدُسِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ ثَلَاثُ وَصَايَا وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ وَوَصِيَّةٌ بِسُدُسِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ .
وَفِي الْحَاصِلِ تَصِيرُ سِهَامُ السَّيْفِ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِحَاجَتِنَا إلَى سُدُسٍ يَنْقَسِمُ أَثْلَاثًا فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثُلُثَاهُ بِلَا مُنَازَعَةً أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَسُدُسٌ ، وَهُوَ سِتَّةٌ لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ لِصَاحِبِ السُّدُسِ فَهُوَ بَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثِ وَالْجَمِيعِ نِصْفَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ ، وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِي السُّدُسِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ سِتِّينَ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّيْفِ بِلَا مُنَازَعَةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِالْمُنَازَعَةِ خَمْسَةٌ فَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ السَّيْفِ إلَّا سُدُسَ سُدُسِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ سُدُسٍ مِنْهُ سِتَّةٌ وَحَصَلَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ بِالْمُنَازَعَتَيْنِ خَمْسَةٌ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ سُدُسِ السَّيْفِ وَحَصَلَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمَانِ ، وَهُوَ ثُلُثُ سُدُسِ السَّيْفِ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ ، ثُمَّ الْمَالُ الْآخَرُ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ تُجْعَلُ كُلُّ مِائَةٍ مِنْهُ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَصِيرُ جُمْلَتُهُ مِائَةً وَثَمَانِينَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ ذَلِكَ ، وَهُوَ
سِتُّونَ ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سُدُسُ ذَلِكَ ثَلَاثُونَ فَكَانَ لَهُمَا تِسْعُونَ وَظَهَرَ أَنَّ مَبْلَغَ سِهَامِ الْوَصَايَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ وَالثُّلُثَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ فَجُمْلَةُ الْمَالِ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ السَّيْفُ مِنْ ذَلِكَ سُدُسُهُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَسِتُّونَ يَأْخُذُ صَاحِبُ السَّيْفِ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ مِقْدَارَ حَقِّهِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ خَمْسَةً وَصَاحِبُ السُّدُسِ سَهْمَيْنِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِنْ السَّيْفِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ، ثُمَّ يَأْخُذُ صَاحِبُ الثُّلُثِ مِنْ سِهَامِ الْخَمْسِمِائَةِ مِقْدَارَ حَقِّهِ سِتِّينَ وَصَاحِبُ السُّدُسِ ثَلَاثِينَ فَجُمْلَةُ مَا نَفَذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ سِهَامِ السَّيْفِ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَخْرِيجَ قَوْلِهِمَا فِي الْكِتَابِ وَعِنْدَهُمَا الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَيَضْرِبُ صَاحِبُ السَّيْفِ فِي السَّيْفِ بِسِتَّةٍ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِسَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ بِسَهْمٍ فَكَانَ السَّيْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِسْعَةٍ وَكُلُّ مِائَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ تَكُونُ عَلَى تِسْعَةٍ أَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سُدُسُ ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ فَكَانَ جُمْلَةُ سِهَامِ الْوَصَايَا أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ وَذَلِكَ فَوْقَ الثُّلُثِ فَيُجْعَلُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ وَنِصْفٍ وَالثُّلُثَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ فَيَكُونُ جُمْلَتُهُ أَرْبَعَةً وَتِسْعِينَ وَنِصْفُ السَّيْفِ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالسَّيْفِ سِتَّةٌ كُلُّهُ مِنْ السَّيْفِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سَهْمٌ
وَبَقِيَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ سِهَامِ السَّيْفِ سِتَّةٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِمَّا بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سَبْعَةً وَنِصْفًا ، فَإِذَا جَمَعْت بَيْنَ ذَلِكَ حَصَلَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ فِي أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ وَنِصْفٍ وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَسِتُّونَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ ، فَإِذَا أَرَدْت إزَالَةَ الْكَسْرِ فَلَا طَرِيقَ فِيهِ سِوَى التَّضْعِيفِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ خَرَّجَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَهُمَا عَلَى طَرِيقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ السَّيْفَ لَمَّا صَارَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ عَلَى تِسْعَةٍ بِاعْتِبَارِ الْعَوْلِ فَكُلُّ مِائَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ تَكُونُ عَلَى سِتَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا عَوْلَ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَسِهَامُ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ إذَنْ ثَلَاثُونَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عَشَرَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ خَمْسَةٌ فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى سِهَامِ السَّيْفِ تِسْعَةٍ كَانَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيُجْعَلُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجَمِيعُ الْمَالِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ السَّيْفُ مِنْ ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْهُ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ مِنْهُ سَهْمٌ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ مِنْ تِسْعَةٍ لِلْوَرَثَةِ وَسِهَامُ الْخَمْسِمِائَةِ سِتُّونَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عَشَرَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ خَمْسَةٌ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَجُمْلَةُ مَا سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْمَالِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ، وَقَدْ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ .
قُلْت هَذَا وَاضِحٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْحِسَابِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ الْوَاحِدَةَ مَعَ تَفَاوُتِ مِقْدَارِ السِّهَامِ لَا تَكُونُ ، فَإِذَا كَانَ السَّيْفُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ ، ثُمَّ تَجْعَلُ كُلَّ مِائَةٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ بَيْنَ
السِّهَامِ تَفَاوُتٌ فِي الْمِقْدَارِ فَكَيْفَ تَسْتَقِيمُ قِسْمَةُ الْكُلِّ بَيْنَهُمْ بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ خَرَّجَ الْمَسَائِلَ إلَى آخِرِ الْبَابِ تَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ .
تَأَمَّلْته فَوَجَدْته كَمَا قَالَ .
وَمِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ قَالَ لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ يَضْرِبُ فِيهِ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ وَسُدُسِ الْعَبْدِ وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الْعَبْدِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْعَبْدِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْعَبْدِ فَهُوَ فِي الْعَبْدِ ، وَهُوَ النِّصْفُ وَمَا أَصَابَ الثُّلُثَ فَهُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ خُمُسُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَخُمُسُ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ وَبِثُلُثِهِ فَيُسَلَّمُ ثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ مُنَازَعَتِهِمَا فِيهِ ، وَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةٍ فَكُلُّ أَلْفٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ كَذَلِكَ فَهُمَا اثْنَا عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا عَشَرَةً فَيَجْعَلُ ذَلِكَ ثُلُثَ الْمَالِ وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَلَاثُونَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةٌ هُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ خَمْسَةٌ وَهِيَ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ خُمُسُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سِهَامِ الْأَلْفَيْنِ وَذَلِكَ خُمُسُ الْعِشْرِينَ وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْأَلْفَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَمِنْ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ سُدُسُ الْعَبْدِ وَسُدُسُ الْأَلْفَيْنِ ، وَإِنَّمَا يَقْتَسِمُ هَذَا الْجَوَابَ عِنْدَهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ يَضْرِبُ فِي الْعَبْدِ بِسِتَّةٍ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ بِسَهْمَيْنِ فَسِهَامُ الْعَبْدِ ثَمَانِيَةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى سِتَّةٍ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا اثْنَيْ عَشَرَ وَذَلِكَ الثُّلُثُ وَجَمِيعُ
الْمَالِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ الْعَبْدُ مِنْهُ اثْنَا عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ سِتَّةٌ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ الْعَبْدِ سَهْمَانِ ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَسُدُسُ جَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَهُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَهُوَ السُّدُسُ فَاسْتَقَامَ التَّخْرِيجُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَأَيُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قُلْت فَهُوَ حَسَنٌ ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنَى تَفَاوُتًا وَبِهَذَا اللَّفْظِ يَسْتَدِلُّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ طَرِيقٌ حَسَنٌ فِي التَّخْرِيجِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ لَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبًا لِلْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ حَقِيقَةً .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَبِجَمِيعِ الْمَالِ لِآخَرَ ، فَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا ، وَإِنْ أَجَازُوا فَجَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِاعْتِبَارِ طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْلَمُ الثُّلُثَانِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ، وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الثُّلُثِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَحَصَلَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَالِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سُدُسُ الْمَالِ ، وَعِنْدَهُمَا الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعُ الْمَالِ قَالَ الْحَسَنُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ لَا كَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِقِسْمَةِ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى الثَّلَاثِينَ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الثُّلُثِ السُّدُسُ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ نِصْفُ الْمَالِ يُسَلَّمُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ، وَفِي مِقْدَارِ السُّدُسِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَحَصَلَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مَرَّةً السُّدُسُ وَمَرَّةً نِصْفُ السُّدُسِ فَذَلِكَ رُبُعُ الْمَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ تَخْرِيجِ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَكُونَ مَا يُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَعَدَمِ الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ وَالْإِجَازَةُ كَمَا تُؤَثِّرُ فِي الزِّيَادَةِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ صَاحِبِ الثُّلُثِ وَيُؤَدِّي ذَلِكَ أَيْضًا إلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فَوْقَ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِسُدُسِ مَالِهِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ الثُّلُثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا
فَيُصِيبُ صَاحِبُ الثُّلُثِ تُسْعَ الْمَالِ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ يَأْخُذُ صَاحِبُ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْمَالِ بِلَا مُنَازَعَةٍ ، ثُمَّ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَنَصِيبُهُ نِصْفُ سُدُسِ الْمَالِ وَذَلِكَ دُونَ تُسْعِ الْمَالِ ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسَلَّمُ لَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَظَهَرَ أَنَّ تَخْرِيجَ الْحَسَنِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحُّ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَالنِّصْفُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفَانِ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ .
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمَا فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فِي الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا اثْنَانِ فِي الذِّمَّةِ لَا وَصِيَّةَ فِيهِ لِلْآخَرِ وَوَاحِدٌ فِي الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ لِلْآخَرِ وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعَيْنِهِ وَصِيَّتَانِ بِجَمِيعِهِ وَبِثُلُثِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُهُ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ يَصِيرُ عَلَى سِتَّةٍ أَيْضًا لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْهُ سَهْمَانِ فَكَانَ جُمْلَةُ سِهَامِ الْوَصَايَا ثَمَانِيَةً إلَّا أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ اثْنَا عَشَرَ وَالثُّلُثُ مِنْهُ أَرْبَعَةٌ وَوَصِيَّتُهُ خَمْسَةٌ فَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا كَمَا هُوَ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي أَرْبَعَةٍ وَحَقُّ صَاحِبِ الثُّلُثِ فِي ثَلَاثَةٍ سَهْمٌ مِنْهُ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعَيْنِهِ وَسَهْمَانِ فِي الْعَبْدِ الْآخَرِ فَلِهَذَا قَالَ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ لَهُمَا ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِعَيْنِهِ يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِهِ بِثَلَاثَةٍ فِيهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ بِسَهْمٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا عَوْلَ فِيهِ ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ فَحَصَلَ لَهُ سَهْمَانِ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعَيْنِهِ فَلِهَذَا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ وَبِعَبْدِهِ ذَلِكَ أَيْضًا لِآخَرَ وَبِسُدُسِ مَالِهِ لِآخَرَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ أَلْفَانِ سِوَى ذَلِكَ ، فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا يَضْرِبُ فِيهِ صَاحِبَا الْعَبْدِ بِأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٍ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ وَنِصْفٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ أَرْبَعُ وَصَايَا وَالْقِسْمَةُ عِنْدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فِيهِ فَثُلُثَا الْعَبْدِ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْعَبْدِ نِصْفَانِ وَسُدُسٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثِ أَثْلَاثًا وَالسُّدُسُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا فَعِنْدَ تَصْحِيحِ هَذِهِ السِّهَامِ يَنْتَهِي الْحِسَابُ إلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ يَنْقَسِمُ سُدُسُهُ أَثْلَاثًا وَأَرْبَاعًا فَيَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُمَا بِالْعَبْدِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَالسُّدُسُ ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثِ أَثْلَاثًا وَالسُّدُسُ الْآخَرُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْعَبْدِ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَبْعَةٌ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثَلَاثَةٌ ، ثُمَّ صَارَ كُلُّ أَلْفٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فَالْأَلْفَانِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ، فَإِذَا جَمَعْت ذَلِكَ كُلَّهُ بَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ وَالثُّلُثَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ فَجُمْلَةُ الْمَالِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارُ حَقِّهِ وَاحِدٌ وَثَلَاثُونَ كُلُّهَا فِي الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ مِنْ الْعَبْدِ سَبْعَةٌ ، وَمِنْ الْأَلْفَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَذَلِكَ
خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ مِنْ الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ ، وَمِنْ الْأَلْفِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَفِي الْكِتَابِ خَرَّجَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ الْكَسْرَ بِالْإِنْصَافِ وَجَعَلَ الثُّلُثَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَحَصَلَ لِصَاحِبَيْ الْعَبْدِ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفٌ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ فَاسْتَقَامَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَا قُلْنَا .
وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِعَيْنِهِ يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بِسِهَامِ جَمِيعِهِ سِتَّةٍ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ فِيهِ بِسَهْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ يَضْرِبُ فِيهِ بِسَهْمٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ يَكُونُ عَلَى سِتَّةٍ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ سَهْمَانِ ، وَإِنْ ضَمَّنَهَا هَذِهِ السِّتَّةَ إلَى سِهَامِ الْعَبْدِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ الْكُلُّ أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَلِهَذَا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَالْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَلَهُ أَلْفَانِ سِوَى ذَلِكَ وَلَمْ يُجِيزُوا قَسْمَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثِينَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الْعَبْدِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ فِي الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ فِيهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ يَسْلَمُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَالسُّدُسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفَانِ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعَبْدِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مَرَّةً ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمَرَّةً ثَلَاثَةٌ وَمَرَّةً أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ مَرَّةً ثَلَاثَةٌ وَمَرَّةً أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ ، ثُمَّ كُلُّ أَلْفٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ يَصِيرُ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَيْضًا فَسِهَامُ الْأَلْفَيْنِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْوَصَايَا سِتِّينَ فَيَجْعَلُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَالثُّلُثَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ وَجُمْلَةُ الْمَالِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ .
وَفِي الْكِتَابِ خَرَّجَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثِينَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفُ مَا أَعْطَيْنَاهُ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ نِصْفُ مَا جَعَلْنَاهُ لَهُ ، وَهُوَ سَبْعَةٌ كُلُّهَا فِي الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ نِصْفُ مَا أَعْطَيْنَاهُ ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ سُدُسُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَالْبَاقِي فِي الْمَالِ .
قَالَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَانِ الْحَرْفَانِ الْأَخِيرَانِ خَطَأٌ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَالِ فَيَقْسِمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالْوَرَثَةِ عَلَى
أَرْبَعَةٍ وَسَبْعِينَ سَهْمًا فَمَا أَصَابَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَمَا أَصَابَ سِتِّينَ سَهْمًا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بِسِهَامِ حَقِّهِ وَالْوَرَثَةُ بِسِهَامِ حَقِّهِمْ ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْأَصْلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ سُبُعُ حَقِّهِ لَا سُدُسُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ سَهْمَانِ ، وَمِنْ الْأَلْفَيْنِ اثْنَا عَشَرَ ، فَإِذَا جَمَعْت الْكُلَّ كَانَ مَالُهُ مِنْ الْعَبْدِ سُبُعَ حَقِّهِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ وَضَرَبَ الْآخَرُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ مِنْ قِيمَةِ عَبْدِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ قِيمَةِ عَبْدِهِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي حَقِّ الضَّرْبِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ وَهَبَهَا لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا وَمَاتَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْمِائَةِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَصَارَ بِهِ رَاجِعًا وَالْوَصِيَّةُ مَتَى بَطَلَتْ بِالرُّجُوعِ لَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ ، وَلَوْ كَانَ غَصَبَهَا غَاصِبٌ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِعَيْنِهَا لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ تَأَكَّدَ فِيهَا بِالْمَوْتِ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهَا وَمَا كَانَ حَقُّهُ مُتَأَكِّدًا فِيهَا قَبْلَ مَوْتِهِ يَبْطُلُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْبَدَلِ كَالْمَوْهُوبِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذَا أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ وَرَجَعَتْ إلَيْهِ الْمَالِيَّةُ بِعَيْنِهَا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ ، فَإِنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ بِالْقَبْضِ فَصَارَتْ الْمِائَةُ مَمْلُوكَةً لِبَائِعِ الْعَبْدِ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ وَلِهَذَا كَانَ عَيْنًا بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوَصِيَّةُ بَعْدَمَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَلِلْمُوصَى لَهُ الْوَارِثُ الْمَنْفَعَةُ ، وَهُوَ قَصَدَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ صَرْفَ الْمِائَةِ مِنْ مَالِهِ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ يُتَصَدَّقُ عَنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ .
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ ثُلُثُهُ فَحَجَّ الْوَصِيُّ بِهَا فَبَقِيَ مِنْ نَفَقَةِ الْحَاجِّ وَكِسْوَتِهِ وَإِطْعَامِهِ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَفْضُلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ لَا يَجُوزُ فَمَا يَفْضُلُ بَعْدَ رُجُوعِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ، وَقَدْ فَرَغَ عَنْ وَصِيَّتِهِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ ، فَإِنْ جَامَعَ فَفَسَدَ حَجُّهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَرَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِسَفَرِهِ حَجَّةً صَحِيحَةً ، وَقَدْ فَوَّتَ هَذَا الشَّرْطَ بِالْإِفْسَادِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا بَقِيَ ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَنْفَقَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُوصِي ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ قَرَنَ أَوْ اعْتَمَرَ عَنْ آخَرَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْمَنَاسِكِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرُوا رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ مِنْ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَكَانَ بَاطِلًا وَمَتَى بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ النَّخِيلِ لِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَنْفَقَ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ ، وَإِنْ عَجَزَتْ النَّفَقَةُ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُكْمِلُوا لَهُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَهُ وَتُجْزِي الْحَجَّةُ عَنْ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرُوهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَنْ قَدْ حَجَّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَأَبْصَرُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاشْتِبَاهِ الْآثَارِ ، وَإِنْ حَجَّ عَنْهُ ضَرُورَةً جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمَنَاسِكِ ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ امْرَأَةً ، فَإِنَّهُ يُجْزِيهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّ { الْخَثْعَمِيَّةَ حِينَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهَا } ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ ، وَقَدْ أَسَاءُوا فِي ذَلِكَ لِنُقْصَانِ حَالِ النِّسَاءِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمِخْيَطَ فِي إحْرَامِهَا وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ وَلَا تَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي وَتَتْرُكُ طَوَافَ الصَّدْرِ بِعُذْرِ الْحَيْضِ وَلَا ضَرُورَةَ لَهُمْ فِي إحْجَاجِهَا عَنْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ فِيمَنْ يَحُجُّ عَنْ الرِّجَالِ كَثْرَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُوصِيَةُ فَأَحَجُّوا عَنْهَا رَجُلًا أَجْزَأَهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ كَانَ مَقْصُودَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودَهَا ، وَإِذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ
بَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ وَيَتَجَهَّزُ لِسَفَرِ الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَهُ تَجْهِيزُ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ ، وَإِنْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ ، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ خَرَجَ هُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ .
وَفِي الْجَامِعِ ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَفِي الْقِيَاسِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بَاشَرَ بَعْضَ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ كَمَا إذَا وَصَّى بِإِتْمَامِهِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ خُرُوجَهُ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } الْآيَةَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : { مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ } ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ ، فَإِنَّ سَفَرَهُ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا يُخَمَّرُ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ وَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُنْقَطِعِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الطَّرِيقِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ ، وَفِي الْأَخْذِ بِالْقِيَاسِ تَفْوِيتُ مَقْصُودِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ رُبَّمَا يَمُوتُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحُجَّ آخَرُ مِنْ بَلَدِهِ أَيْضًا حَتَّى يَفْنَى فِي ذَلِكَ مَالُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَمَلَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ وَلَا بِنَاءَ عَلَى
الْمُنْقَطِعِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ ، ثُمَّ مَاتَ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَبَيَانُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةٌ } ، وَالْخُرُوجُ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَيَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ ، ثُمَّ خُرُوجُهُ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَةً بِطَرِيقٍ مُوَصِّلٍ إلَى أَدَاءِ الْحَجِّ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ مَا كَانَ يُوَصِّلُهُ إلَى ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ظَهَرَ بِمَوْتِهِ أَنَّ سَفَرَهُ كَانَ سَفَرَ الْمَوْتِ لَا سَفَرَ الْحَجِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَبْضَ رُوحِ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إلَيْهَا حَاجَةً } ، فَكَانَ هَذَا فِي الْمَعْنَى وَخُرُوجُهُ لِلتِّجَارَةِ سَوَاءً ، ثُمَّ هُنَاكَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ فَهُنَا كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ مُخْتَلِفَةٌ فَمَاتَ ، وَهُوَ مُسَافِرٌ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْطَانِ إلَى مَكَّةَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَبِمُطْلَقِ اللَّفْظِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّيَقُّنِ بِمَا هُوَ كَامِلٌ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْكَمَالَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ فَمِنْ حَيْثُ مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَجَهَّزَ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ إنَّمَا يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى ، وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَوَطَنُهُ حَيْثُ حَلَّ ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فَهُمْ ضَامِنُونَ ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً .
وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجُّوا عَنْهُ فَأَحَجُّوا رَجُلًا فَسُرِقَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَرَجَعَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحِجُّوا آخَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ حَيْثُ أَوْصَى الْمَيِّتُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ أَوْصَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ ثُلُثٍ عُزِلَ لِلْحَجِّ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَوْهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْتِقُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةُ كَذَلِكَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فَكَانَ تَعْيِينُ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ بَعْضَ الْمَالِ لِوَصِيَّتِهِ كَتَعْيِينِ الْمُوصِي ، وَلَوْ عَيَّنَهُ بِنَفْسِهِ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا عَيَّنَ ذَلِكَ الْمَالَ لِوَصِيَّتِهِ وَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ ، ثُمَّ هَلَكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُقَاسَمَةَ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ يَصِحُّ فَلَأَنْ تَصِحَّ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ الْوَرَثَةِ عَنْ الْمُوصِي كَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَالْوَرَثَةُ مَا أَقَامُوهُ مَقَامَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمُقَاسَمَةُ الْمُوصِي مَعَ الْوَرَثَةِ فِي تَمْيِيزِ مَحَلِّ الْمِيرَاثِ مِنْ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ تَصِحُّ ، فَأَمَّا مُقَاسَمَتُهُ فِي تَمْيِيزِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ عَنْ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ ، فَقَدْ بَقِيَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ ، وَهُوَ نَظِيرُ مُقَاسَمَةِ الْوَصِيِّ عَنْ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ تَصِحُّ وَمُقَاسَمَتُهُ بَيْنَ الصِّغَارِ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ لَا تَصِحُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
يَقُولُ مَقْصُودُ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ الْمُقَاسَمَةَ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ لَهُ بِالْعِتْقِ وَيُجْعَلُ الْهَالِكُ عَلَى التَّرِكَةِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ ، وَفِيهِ جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُوصِي فِيمَا فِيهِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ خَاصَّةً ، وَهَذَا بِخِلَافِ مُقَاسَمَتِهِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ مَقْصُودِهِ ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ ، وَفِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ نَظِيرُ الْأُولَى فِي الْمَعْنَى ، فَإِنَّ السَّفَرَ كَانَ مَقْصُودُهُ فَيَدُورُ مَعَ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ ، جَعَلَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ وَهَا هُنَا التَّعْيِينُ وَالْقِسْمَةُ لِمَقْصُودٍ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ كَانَ وُجُودُ الْقِسْمَةِ كَعَدَمِهَا ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ غَائِبًا فَقَاسَمَ الْمُوصِي الْوَرَثَةَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مَا عَزَلَهُ لِلْمُوصَى لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا أَخَذُوهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاسَمَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ الْمُوَرِّثَ فِي الْعَيْنِ يُبْقِي لَهُمْ الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ لِلْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَرُدُّ الْوَارِثُ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ مُوَرِّثُهُ وَالْوَصِيُّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فَيَكُونُ قَائِمًا مَقَامَ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِهِ ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى لَا يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَصِيرَ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي فَلَا يَقُومُ الْمُوصِي مَقَامَهُ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّ حَقِّهِ وَلَكِنْ مَا هَلَكَ مِمَّا عَزَلَهُ يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْعَزْلُ إنَّمَا يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْلَمَ الْمَعْزُولُ لِلْمُوصَى لَهُ .
وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُحِجُّوا عَنْهُ وَارِثًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيثَارَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِنَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيثَارُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ تَمْلِيكًا مِنْهُ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ إبَاحَتُهُ لَهُ لِنَفَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَى بِمَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ وَالثُّلُثُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَنِصْفُ الثُّلُثِ لِلْحَجِّ وَنِصْفُهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ لِاسْتِوَاءِ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي الْقُوَّةِ وَالْمِقْدَارِ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ وَالْإِيجَابُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ مَا بَقِيَ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَطَلَ الْإِيجَابُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ ، فَإِنَّ لِلْعَصَبَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ حَقِّ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ بِقَوْلٍ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَا وَضَعَهُ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الثُّلُثَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَوَّلًا ، ثُمَّ لَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ بِمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ فَحِينَئِذٍ يَحُجُّ عَنْهُ بِالْمِائَةِ وَالْفَضْلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا بَقِيَ .
وَإِذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِلَّهِ - تَعَالَى - لَا يَسَعُهَا الثُّلُثُ ، مِثْلُ الْحَجَّةِ وَالنَّسَمَةِ وَالْبَدَنَةِ بُدِئَ بِاَلَّذِي بَدَأَ بِهِ مَا خَلَا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْوَاجِبِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَخَّرَهُ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ ، وَدَعْ الْقِيَاسَ فِيهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْتِيبِ الْوَصَايَا مِنْ الْبَيَانِ مَا هُوَ كَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَى أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ } ، فَإِنْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ جَازَتْ حِصَّةُ الْأَجْنَبِيِّ وَبَطَلَتْ حِصَّةُ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَمَّ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمَا فَبُطْلَانُهُ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ لَا يُبْطِلُ حِصَّةَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَزِيدُ فِي نَصِيبِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ وَاجِبٍ سَابِقٍ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيَّةُ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ إيجَابُهُ نِصْفَ الثُّلُثِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي لَهُ ، وَعَلَى هَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْإِقْرَارِ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَتْلِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ كَصِفَةِ الْوِرَاثَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ ، وَهُوَ وَارِثٌ يَوْمَ أَوْصَى ، ثُمَّ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ أَوْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَمَاتَ الْمُوصِي إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى يَوْمٍ يَمُوتُ الْمُوصِي ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثَهُ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثَهُ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ الْمَانِعَ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْوِرَاثَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الْوَارِثِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَالْكَفَالَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ أَصْلًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ هُنَاكَ إنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبِ تَجَدُّدِ الْإِقْرَارِ كَانَ الْإِقْرَارُ صَحِيحًا ، وَإِنْ وَرِثَهُ بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ .
وَإِذَا أَوْصَى لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ أَوْ لِعَبْدِ وَارِثِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَارِثُ ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ وَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبِهِ ، وَقَدْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا مَنْفَعَةٌ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ الْبَعْضِ ، فَإِنَّهُ إنْ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ سَالِمَةٌ لَهُ ، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ ، وَإِنْ عَجَزَ فَرَقَبَتُهُ وَكَسْبُهُ يَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ، قَالَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثًا ، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا يُوَرَّثُ قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ أَمَّا الْكَلَامُ فِي نَفْيِ الْإِرْثِ لِلْقَاتِلِ ، فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الدِّيَاتِ .
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْجِرَاحَةِ أَوْ بَعْدَهَا ، وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ ، وَإِنْ أَوْصَى بَعْدَمَا جَرَحَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ .
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْعَقْدِ فَالْقَتْلُ لَا يُبْطِلُهُ كَالتَّمْلِيكِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَبِأَنْ كَانَ يُبْطِلُ الْإِرْثَ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ كَالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ ، فَإِنَّهُ يَنْفِي التَّوْرِيثَ وَلَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ وَالْفَرْقُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْجُرْحُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصِيَ نَادِمٌ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَاجِعٌ عَنْهَا ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الْجُرْحِ فَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِدَابَ إلَى مَا نَدَبَ إلَيْهِ ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ السَّيِّئَةِ بِالْإِحْسَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا جَرَحَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَالْمُوصَى لَهُ قَصَدَ الِاسْتِعْجَالَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ كَالْمِيرَاثِ ، فَأَمَّا إذَا أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ فَلَمْ يُتَوَهَّمْ قَصْدُ الِاسْتِعْجَالِ فِي تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَلَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى حَالِهَا .
وَجْهُ قَوْلِنَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ } ، وَيَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ جَمِيعًا فِي عُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ ، وَقَالَ : { وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ } ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْوَصِيَّةِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْمِيرَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ لِدَفْعِ الْمُغَايَظَةِ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَبُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ، فَإِنَّهُ يَغِيظُهُمْ أَنْ يُقَاسِمَهُمْ قَاتِلُ أَبِيهِمْ تَرِكَةَ
أَبِيهِمْ بِسَبَبِ الْإِرْثِ أَوْ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْجُرْحِ أَوْ تَتَأَخَّرَ عَنْهُ وَبِهِ فَارَقَ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ ، فَإِنَّ الْحِرْمَانَ بِهِمَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْوِلَايَةِ لَا لِدَفْعِ الْمُغَايَظَةِ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَهْلِيَّةِ لِلْوِلَايَةِ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَبِخِلَافِ سَائِرِ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشَابِهُ الْإِرْثَ صُورَةً وَلَا مَعْنًى ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَارِثًا فَأَوْصَى لَهُ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ ، وَهَذَا تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ لَا يَكُونُ وَارِثًا ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا كَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْوَصِيَّةُ لِمِثْلِ هَذَا الْقَاتِلِ تَصِحُّ .
ثُمَّ الْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ وَصْفَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يُجْزِئُ الْوَصِيَّةَ فَاجْتِمَاعُهُمَا أَوْلَى ، فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ جَازَتْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ تَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الزِّيَادَاتِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ الْوَرَثَةَ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِرْمَانَ كَانَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْوَرَثَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِتَبَايُنِ الدَّارِ ، وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا حُكْمًا وَالْقَاتِلُ مُحَارِبٌ لَهُ حَقِيقَةً فَلَأَنْ لَا تَنْفُذَ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَانَ أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ مَشْهُورٌ ، وَفِي نَفْيِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ مَسْبُورٌ وَالْعُلَمَاءُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ ، ثُمَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَكَذَلِكَ لِلْقَاتِلِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُغَايَظَةَ تَنْعَدِمُ عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْوَارِثِ بِالْإِجَازَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ بِالْمِيرَاثِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَالْإِجَازَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا تَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ ، فَإِنَّ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْمَيِّتُ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ لَهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِجَازَةِ فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ .
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ ، فَإِنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لِمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَوْ حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَوْلَاهُ أَوْ لِعَبْدِهِ أَبْطَلْنَاهَا ، وَقَالَ الْحَاكِمُ تَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْقَاتِلُ فَأَوْصَى لَهُ أَوْ لِعَبْدِهِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْقَاتِلُ فَالْوَصِيَّةُ لِمَوْلَاهُ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ إذَا قَتَلَ الْمُوَرِّثَ لَا يُحْرَمُ الْمَوْلَى مِيرَاثَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي مِلْكِ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى مَا يَحْرِمُهُ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةُ لِابْنِ الْقَاتِلِ وَأَبَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَرَابَتِهِ جَائِزَةٌ ، وَكَذَلِكَ لِمَمَالِيكِ هَؤُلَاءِ مِنْ عَبِيدِهِمْ وَمُكَاتَبِيهِمْ وَمُدَبَّرِيهِمْ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِمْ عَلَى قِيَاسِ الْإِرْثِ ، فَإِنَّ ابْنَ الْقَاتِلِ وَأَبَوَيْهِ يُوَرَّثُونَ الْمَقْتُولَ ، وَإِنْ لَمْ يَرِثهُ الْقَاتِلُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ فِي مِلْكِ هَؤُلَاءِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ .
وَإِذَا أَقَرَّ لِقَاتِلِهِ بِدَيْنٍ ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ ، وَإِنْ كَانَ سَبَبَ الْهَلَاكِ وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ مَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا يُبَايِنُ الصَّحِيحَ بِهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ مَرَضٍ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا ، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ كَانَ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ ، وَإِذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ ، وَإِنْ تَكَلَّفَ لِمَشْيِهِ إلَى بَعْضِ حَوَائِجِهِ ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا قَبَضَهَا لِلْقَاتِلِ ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ صَحِيحٌ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي الْحَالِ مَعَ الْقَاتِلِ كَمَا يَنْفُذُ مَعَ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَالْهِبَةِ لَهُ .
وَإِذَا ضَرَبَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ فَأَوْصَى لَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا وَصِيَّةَ ، وَإِنَّمَا لَهَا مِقْدَارُ صَدَاقِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ فَيَبْطُلُ بِالْقَتْلِ .
وَلَوْ اشْتَرَكَ عَشَرَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ أَحَدُهُمْ عَبْدَهُ وَأَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ لَهُ عَلَى الْكَمَالِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْكَفَّارَةُ إذَا كَانَ خَطَأً كَمَا لَوْ تَفَرَّدَ بِهِ ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَمَا تَعَذَّرَ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِي قِيمَتِهِ ، وَالْعَفْوُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي دَمِ الْعَمْدِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مُتْلِفَهُ بِالشَّهَادَةِ بَاطِلَةٌ وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْعَفْوِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا ، وَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بِحَالٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا لِلْقَاتِلِ وَجَعَلَ الْعَفْوَ فِي الِانْتِهَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ خَطَأً فَعَفَا عَنْهُ كَانَ هَذَا مِنْهُ وَصِيَّةً لِعَاقِلَتِهِ فَيَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَهُوَ مَالٌ قُلْنَا أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْعَاقِلَةُ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ فَتَكُونُ هَذِهِ وَصِيَّةً لِلْقَاتِلِ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِلْعَاقِلَةِ وَهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنْ قِيلَ جُزْءٌ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فَفِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ تَكُونُ لِلْقَاتِلِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ تَتَعَذَّرُ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ يَتَقَرَّرُ وُجُوبُهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَفِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الْوَصِيَّةُ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ أَلْفُ نَفْسٍ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَالْجُزْءُ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ قِلَّتِهِ يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَفْوِ تَقَعُ لِمَوْلَاهُ ، فَإِنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى
الْمَوْلَى ، وَهُوَ الَّذِي يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ أَوْ فِدَائِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بِمَدِّ عِتْقِ الْعَبْدِ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ ، وَإِذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ فَيَكُونُ مُوصِيًا لَهُ بِجُزْءٍ مِنْهَا ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْعَبْدُ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْهُ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ مَالًا بَعْدَمَا عَتَقَ وَصَارَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ دُونَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَجَبَ الْمَالُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ كَانَ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَمُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَجِبُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ وَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا خَطَأً فَلَيْسَ عَلَيْهَا سِعَايَةٌ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَمُوجَبُ جِنَايَتِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَوْلَى يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَوْلَاهَا خَطَأً شَيْءٌ ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ كَانَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ ، فَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ سَعَتْ لِلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْآخَرِ إنَّمَا انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَمَا عَتَقَتْ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ بَطَلَ عَنْهَا الْقِصَاصُ لِصَيْرُورَةِ جُزْءٍ مِنْهُ لِوَلَدِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ
الْقِصَاصَ إنَّمَا انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى حِينَ وَرِثَ وَلَدُهَا جُزْءًا مِنْهُ .
وَإِذَا أَوْصَى لِقَاتِلِهِ بِالثُّلُثِ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ ، وَإِنْ أَجَازَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَاتِلٌ وَصَدَّقَهُمْ بِذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَكَذَّبَهُمْ بَعْضُهُمْ ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ حِصَّةِ الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ الدِّيَةِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي حِصَّتِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ الَّذِينَ صَدَّقُوا مِنْ الدَّيْنِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ فِي حِصَّتِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْفَرِيقَ الْآخَرَ فِي مِثْلِ حَالِهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ ، وَإِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْقَتْلِ وَأَبْرَأهُ الْمَيِّتُ فَإِبْرَاؤُهُ عَفْوٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ ، فَإِنَّ فِي حَقِّ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ حَتَّى لَوْ كَذَّبَ الْوَرَثَةُ الشُّهُودَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بَعْدُ .
وَإِذَا جُرِحَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ جِرَاحَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، فَقَالَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ وَبَعْدَمَا قَالَ لَمْ يَجْرَحْنِي لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ ، وَإِنْ أَقَامَ وَرَثَتُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُمْ ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى مِنْهُمْ وَبَعْدَ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا جِرَاحَةَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ جَازَتْ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مُوجَبَ الْجَرْحِ وَدَعْوَاهُ مُوجَبَ النَّفْسِ لَا تُنَافِي مَا أَبْقَاهُ مِنْ مُوجَبِ الْجَرْحِ ، وَفِي الْأَوَّلِ نَفْيُ أَصْلِ الْجَرْحِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ نَفْيُ الْقَتْلِ إذْ الْقَتْلُ بِدُونِ الْجَرْحِ لَا تَصَوُّرَ لَهُ إمَّا ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا .
وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بِوَصِيَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِ الْمُوصَى لَهُمَا أَنَّهُ قَتَلَ صَاحِبَهُمَا خَطَأً كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةُ آلَافٍ لِلَّذِي أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ فِي حِصَّةِ الَّذِي أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالْقَتْلِ وَتَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ بِالْحِسَابِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ مُكَذِّبٌ لِشُهُودِهِ فَيَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا فِي حَقِّ مَنْ كَذَّبَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَاتِلًا فِي حَقِّ الْآخَرِ فِي حُكْمِ الدِّيَةِ وَالْوَصِيَّةِ جَمِيعًا .
وَإِذْ أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ وَأَوْصَى لِآخَرَ بِعَبْدٍ فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُمَا بِالثُّلُثِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ أَنَّهُ قَاتِلٌ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يُجَزِّآنِ الثُّلُثَ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَيُسْقِطَانِ مُزَاحَمَةَ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مَعَهُمَا فِي الثُّلُثِ وَيَلْزَمُهُ الدِّيَةُ أَيْضًا وَلَهُمَا مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ ؛ لِأَنْفُسِهِمَا وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ ، فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْوَرَثَةِ لِلتُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى وَارِثٍ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ .
وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ صَبِيًّا صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ، ثُمَّ قَتَلَ الصَّبِيُّ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثَ وَصِيَّةً لَهُ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ مَا دَامَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَلِهَذَا أَلْزَمُهُ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ ، وَفِي قِيمَتِهِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ بَعْدَ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ .
وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتَيْنِ لِلْوَرَثَةِ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ ، وَهَذَا أَقْوَى ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ عِنْدَهُمَا ، وَلَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَوْلَاهُ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا فِي الصَّبِيِّ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لَمْ يَحْسِبْ لَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَالْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّتِهَا تَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُوَقَّتًا وَلَا غَيْرَ مُوَقَّتٍ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ لَهُ بِإِيجَابِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَالْمَنْفَعَةُ وَالْغَلَّةُ الَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُ وَبِإِيجَابِهِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَالْغَلَّةَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ بِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْمَنْفَعَةُ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَجْعَلُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ تَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِتَصَرُّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى حَاجَتِهِ ، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِهِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَالْإِرْثُ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ بِدُونِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إيجَابُ مِلْكٍ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِيمَا أَبْقَى .
فَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمُوصَى لَهُ سَنَةً ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَفِي زَمَانِ الْخِدْمَةِ تَكُونُ يَدُ الْوَرَثَةِ مَقْصُورَةً عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ قَصْرُ يَدِهِمْ عَنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ وَالْعَبْدُ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فِي نَفْسِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي سَهْمٍ فَيَخْدُمُهُمْ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمُوصَى لَهُ سَنَةً وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُوصَى لَهُ كَمَالَ حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِسُكْنَى دَارٍ سَنَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا ، فَإِنَّهُ يَسْكُنُ ثُلُثَهَا سَنَةً وَيَسْكُنُ الْوَرَثَةُ الثُّلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بِالْأَجْزَاءِ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقِسْمَةِ أَقْرَبُ إلَى الْمُعَادَلَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَوْفِي نَصِيبَهُ مِنْ السُّكْنَى فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَسْتَوْفِيه صَاحِبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَهَايَآ عَنْ الزَّمَانِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ قِسْمَةِ السُّكْنَى بِالْأَجْزَاءِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمْ عَلَى الْخُلُوصِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُمْ فِيهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ تَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِسُكْنَى جَمِيعِهَا ، وَلَوْ خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ كَانَ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْوَرَثَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَفِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَكَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّتِهِ تِلْكَ السَّنَةَ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ مُحْتَمَلِ الْقِسْمَةِ ، فَإِنَّمَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ مِنْ الْغَلَّةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخِدْمَةَ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ إلَى أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَوْفِيه خِدْمَةُ سَنَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا أَوْصَى لِزَيْدِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ دَارِهِ ، فَهَذَا وَغَلَّةُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْغَلَّةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُوصِي بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكِ فِيمَا يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ فَكَمَا أَنَّ لَلشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْقِسْمَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ نَصِيبَهُ فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ هَاهُنَا وَلَكِنَّا نَقُولُ الْقِسْمَةُ تُبْنَى عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا تُلَاقِيه الْقِسْمَةُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ إنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ وَقِسْمَةُ الدَّارِ لَا تَكُونُ قِسْمَةً لِلْغَلَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ، وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَلَكَ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ سَوَاءٌ تَمَلَّكَهَا
بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ تَمَلَّكَ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ مَعَ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْمَنْفَعَةَ عِنْدِي وَلَكِنَّ الْإِعَارَةَ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ وَلِهَذَا قُلْت : الْمُسْتَعِيرُ لَا يُعِيرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ الْغَيْرِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ ، فَإِنَّ التَّمْلِيكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَأَنْ تَحْتَمِلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْلَى .
وَتَصِحُّ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ كَانَتْ عَارِيَّةً صَحِيحَةً ، وَإِنَّمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا اللَّفْظِ اللُّزُومُ لِكَوْنِهَا مُتَعَرِّيَةً عَنْ الْبَدَلِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمُوصِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَالْمُوصِي مَاتَ فَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُهُ فِيهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَفِي تَمْلِيكِهَا بِمَالٍ إحْدَاثُ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا ، فَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِيهَا لِمَنْ يَمْلِكُهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا ، فَأَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ ، ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ مَعْنًى .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ
إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي ، فَإِذَا كَانَ الْمُوصِي وَأَهْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ ، وَإِذَا كَانُوا فِي بَصْرَةَ فَمَقْصُودُهُ إلَى تَمَكُّنِهِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمَهُ مَشَقَّةَ السَّفَرِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بَلْدَتِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَمَا فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَلِلْآخَرِ بِرَقَبَتِهِ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا وَمَا أَوْجَبَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِانْفِرَادِهِ فَبِعَطْفِ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا أَوْجَبَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، ثُمَّ لِمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ بِشَيْءٍ لَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قِيَاسُ الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَوْصَى وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْأَمَةِ فِي الْوَلَدِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ كَانَ كَمَا أَوْصَى وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ مِنْ الْفَصِّ ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْقَوْصَرَّةُ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ الثَّمَرَةِ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا أَوْصَى ، فَأَمَّا إذَا فَصَلَ أَحَدَ الْإِيجَابَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَكُونُ الْأَمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَكَذَلِكَ الْخَاتَمُ وَالْفَصُّ وَالْقَوْصَرَّةُ وَالثَّمَرُ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِإِيجَابِهِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي يَبِينُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إيجَابُ الْأَمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا دُونَ الْوَلَدِ ، وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُهُ شَيْئًا فِي حَالٍ فَيَكُونُ حَالَةَ الْبَيَانِ الْمَوْصُولُ فِيهِ وَالْمَفْصُولُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ الْمَفْصُولَ وَالْمَوْصُولَ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ اسْمُ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُ الْحَلْقَةَ وَالْفَصَّ جَمِيعًا فَاسْمُ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ، وَفِي الْقَوْصَرَّةِ كَذَلِكَ ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ مُوجَبُهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي كُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فَاجْتَمَعَ فِي الْفَصِّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِيجَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَجْعَلُ الْفَصَّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَكُونُ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي فِيهِ دَلِيلَ الرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالْخَاتَمِ لِلثَّانِي بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ مَعَ الرَّقَبَةِ فَاسْمُ الرَّقَبَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ وَلَكِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إنَّمَا يَسْتَخْدِمُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ ، فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ لِغَيْرِهِ لَا يَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ حَقٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَوْصُولًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ
التَّخْصِيصِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ الْحَلْقَةَ خَاصَّةً دُونَ الْفَصِّ ، فَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ وَرَقَبَتِهِ جِنَايَةً فَالْفِدَاءُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَبْدِ ، وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهِ كَالْمَالِكِ وَبِالْفِدَاءِ تَسْلَمُ الْخِدْمَةُ لَهُ وَلَا يَسْلَمُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ شَيْءٌ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا فَدَاهُ خَدَمَهُ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ .
وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ انْتَقَضَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْخِدْمَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْرِيثَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ لِلْمُوَرِّثِ ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّهُ يَرَى تَوْرِيثَ الْمَنْفَعَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِجَارَاتِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَدِّ إلَى وَرَثَتِهِ ذَلِكَ الْفِدَاءَ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ صَاحِبَ الرَّقَبَةِ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْفِدَاءِ ، فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تَسْلِيمٌ لَهُ ، وَقَدْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُضْطَرًّا إلَى ذَلِكَ الْفِدَاءِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيهِ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ الْفِدَاءَ عَلَى وَرَثَتِهِ بِيعَ فِيهِ الْعَبْدُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَنَى الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْفِدَاءِ ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً بِالْجِنَايَةِ ، وَإِذَا أَبَى صَاحِبُ الْخِدْمَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنْ يَفْدِيَ لَمْ يَجُزْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الرَّقَبَةِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الْخِدْمَةِ حِينَ أَبَى أَنْ يَفْدِيَ وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ فَأَيَّهُمَا صَنَعَ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَهُ ، فَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ وَصِيَّتِهِ ، وَإِنْ فَدَاهُ ، فَإِنَّمَا يَفْدِيهِ بِمَا أَسْلَمَ لَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ وَالْمُوصَى لَهُ حِينَ أَبَى أَنْ يَفْدِيَهُ ،
فَقَدْ رَضِيَ بِصَيْرُورَةِ الْعَبْدِ مُسْتَهْلَكًا فِيمَا لَحِقَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَالْغُرْمِ ، وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ خَطَأً وَلَمْ يَجْنِ الْعَبْدُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا عِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الرَّقَبَةِ ، وَقَدْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا مَشْغُولَةً لَهُ بِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِيهَا فَكَذَلِكَ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُقَالُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَتَقَوَّمُ بِالْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَنْفَعَةِ فَالِاسْتِحْقَاقُ بِهَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَيْنِ .
وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْقِيمَةُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ الْأُولَى وَيَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ كَمَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأُولَى ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ وَصَاحِبُ الْخِدْمَةِ أَمَّا صَاحِبُ الرَّقَبَةِ فَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلْعَبْدِ وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْخِدْمَةِ فَلِأَنَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إبْطَالَ حَقِّهِ فِي الْخِدْمَةِ ، وَهُوَ حَقٌّ لَازِمٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ قِيمَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا فَيَخْدُمُهُ مَكَانَهُ ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ ، وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْهِ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ دُفِعَ الْعَبْدُ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ حُكْمًا فَيُعْتَبَرُ بِاسْتِهْلَاكِهِ حَقِيقَةً فَيُوجِبُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا مِنْ الْجَانِي بَعْدَ تَسْلِيمِ الْجُثَّةِ إلَيْهِ وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا مَكَانَهُ ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُجَّ مُوضِحَةً فَأَدَّى الْقَاتِلُ أَرْشَ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُنْقِصُ
الْخِدْمَةَ اشْتَرَى بِالْأَرْشِ عَبْدًا آخَرَ يَخْدُمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ مَعَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ الْفَائِتِ بِالْجِنَايَةِ ، وَقَدْ كَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَابِتًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَلَمَّا كَانَ فَوَاتُهُ يُنْقِصُ الْخِدْمَةَ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ أَيْضًا أَوْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فَيُضَمُّ ثَمَنَهُ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ الْأَرْشِ وَيَشْتَرِي بِهِمَا عَبْدًا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ هَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُبَعْ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لِأَحَدِهِمَا وَخِدْمَتَهُ لِلْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلَكِنْ يَشْتَرِي بِالْأَرْشِ عَبْدًا يَخْدُمُهُ مَعَهُ .
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِالْأَرْشِ عَبْدٌ وَقَفَ الْأَرْشَ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْتَسِمَاهُ نِصْفَيْنِ أَجَزْت ذَلِكَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ، فَإِذَا تَرَاضَيَا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مَا يَسْتَوْفِيه الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مِنْ نِصْفِ الْأَرْشِ بَدَلًا عَنْ نُقْصَانِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الِاعْتِيَاضَ عَنْ الْخِدْمَةِ وَلَكِنْ يَكُونُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ ذَلِكَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفِيه بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا عَلَى حَالِهِ فَصَالَحَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى مَالٍ يَسْتَوْفِيه مِنْهُ لِيُسَلِّمَ الْعَبْدَ إلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ فَالْأَرْشُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ فَاتَ مِنْ مِلْكِهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ حِينَ لَمْ تُنْتَقَصْ الْخِدْمَةُ بِفَوَاتِهِ وَكُلُّ مَالٍ وُهِبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ اكْتَسَبَهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَهُوَ الْمُخْتَصُّ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْعَبْدِ أَمَةً كَانَ مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِهَا وَعَيْنُهَا مِلْكُ صَاحِبِ
الرَّقَبَةِ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ وَكِسْوَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا بِذَلِكَ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِخِدْمَتِهِ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، فَهَذَا كَذَلِكَ أَيْضًا .
فَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ ، فَإِذَا خَدَمَ صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ تَنْمُو الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، وَإِذَا صَارَ بِحَيْثُ يَخْدُمُ فَهُوَ بِالنَّفَقَةِ يَتَقَوَّى عَلَى الْخِدْمَةِ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلِهَذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ نَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُعَدًّا لِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ بِهِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُنْتَفِعِ كَالْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَمْ يُبَوِّئْهَا بَيْتًا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى ، فَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَ الزَّوْجِ بَيْتًا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ ، وَلَوْ أَوْصَى بِدَابَّةٍ لِرَجُلٍ وَبِظَهْرِهَا ، وَمَنْفَعَتِهَا لِآخَرَ كَانَتْ مِثْلَ الْعَبْدِ سَوَاءً لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَأَوْصَى بِرَقَبَةِ أَحَدِهِمْ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَةِ آخَرَ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ وَقِيمَةُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْبَاقِي أَلْفٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ خَمْسَةٌ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلِلْوَرَثَةِ يَوْمٌ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ مِنْ رَقَبَةِ عَبْدِهِ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ وَجُمْلَةُ الْمَالِ أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةٍ فَوَصِيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَضْرِبُ صَاحِبُهَا فِي الثُّلُثِ بِذَلِكَ وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ ، ثُمَّ ثُلُثُ الْمَالِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْوَصِيَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ سِتُّمِائَةٍ وَمَبْلَغُ الْوَصِيَّتَيْنِ ثَمَانِمِائَةٍ وَيُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِ فِي الْحَالِ فَيَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ حَقُّهُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي الرُّبُعِ فَلِهَذَا قَالَ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا وَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ اسْتَكْمَلَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَبْدَهُ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ قَدْ بَطَلَتْ وَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلْآخَرِ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ وَزِيَادَةٌ .
وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ
بِالْخِدْمَةِ وَصَارَ الْمَيِّتُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَبْقَى السَّالِمُ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ التَّسَاوِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي عَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دُونَ الثُّلُثِ ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ سَوَاءً كَانَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ نِصْفُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ نِصْفُ رَقَبَةِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الثُّلُثِ سَوَاءٌ وَالثُّلُثُ بِقَدْرِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْفُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَصِيَّةُ فِي نِصْفِ الثُّلُثِ مِمَّا أَوْصَى لَهُ ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبِيدِ كُلِّهِمْ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ لَمْ يَضْرِبْ صَاحِبُ الرِّقَابِ إلَّا بِقِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ فَيَكُونُ هَذَا كَالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْنِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ تَبْطُلُ ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا ، وَلَوْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الرِّقَابِ وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ ، وَيَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ وَبِخِدْمَتِهِ ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ لِفُلَانٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ لِفُلَانٍ ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ فِي خِدْمَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَلِلْآخَرِ خُمُسَا الثُّلُثِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ رَقَبَةٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْآخَرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَاحِدًا فَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ لَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِصَاحِبِ
الرَّقَبَةِ مَعَ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِيهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ لَا يُزَاحِمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الثُّلُثِ بِشَيْءٍ مِنْ وَصِيَّتِهِ فِي هَذَا الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا يُزَاحِمُهُ وَصِيَّتُهُ فِي الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، وَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَإِذَا جَعَلْنَا كُلَّ ثُلُثٍ سَهْمًا كَانَ حَقُّهُ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَلِهَذَا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ وَالثُّلُثُ بِقَدْرِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَاجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّهُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ فِي خَمْسَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْخِدْمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ خُمُسَا الثُّلُثِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَيَسْلَمُ لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُمُسُ الرَّقَبَةِ ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِصَاحِبِ الرِّقَابِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالٍ يُزَاحِمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الثُّلُثِ بِوَصِيَّتِهِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَاحِدًا فَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَبْدِ بِوَصِيَّتِهِمَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِدْمَةَ تَتَنَاوَلُهَا الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ كَمَا تَتَنَاوَلُ الرَّقَبَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ لَا تَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ غَيْرُ الرَّقَبَةِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ حَقُّهُمْ فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ فَهُوَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَذَلِكَ نِصْفُهُ وَمَا أَصَابَ
صَاحِبَ الثُّلُثِ ، وَهُوَ نِصْفُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ وَالْعَبِيدُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ عَبْدٍ ثُلُثُ ذَلِكَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ دُونَ الْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَيَّامٍ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَلَاثَةً وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَوْمًا حَتَّى يَمُوتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ فَزَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ جَمِيعَ وَصِيَّتِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ .
وَإِذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِغَلَّتِهِ لِآخَرَ ، وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنَّهُ يَخْدُمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ شَهْرًا وَيَغُلُّ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ شَهْرًا لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْخِدْمَةِ جَعَلَ الْمُنَاوَبَةَ بِالْأَيَّامِ لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ ، وَفِي الِاسْتِغْلَالِ جَعَلَ النَّوْبَةَ بِالشُّهُورِ ؛ لِأَنَّ اسْتِغْلَالَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ عَادَةً فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ وَيَتَعَذَّرُ اسْتِغْلَالُهُ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ إذَا جُعِلَتْ بِالْأَيَّامِ ، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ طَعَامُهُ عَلَى مَنْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ وَبِالنَّفَقَةِ يَتَوَصَّلُ إلَى الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ وَكِسْوَتُهُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَتَعَذُّرِ تَجْدِيدِ الْكِسْوَةِ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ ، وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُمَا مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا يَكُونُ بِالْفِدَاءِ ، فَإِنْ أَبَيَا فَفَدَاهُ الْوَارِثُ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَبَيَا الْفِدَاءَ ، فَقَدْ رَضِيَا بِدَفْعِهِ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دُفِعَ بِجِنَايَتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ مِنْ غَلَّةِ عَبْدِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ الْعَبْدِ فَثُلُثُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ كَالْوَصِيَّةِ بِرَقَبَتِهِ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ مُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ تَبْطُلُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَلِهَذَا قَالَ : الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَهُوَ لَهُ وَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْغَلَّةِ اسْتَغَلَّ بِحَسَبِ غَلَّتِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهَا ، كُلُّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ كَمَا لَوْ أَوْصَى ، وَإِنَّمَا يَحْبِسَ جَمِيعَ تِلْكَ الْغَلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يَتَعَطَّلَ فَلَا يَعْمَلُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّهِ ، فَإِنْ مَاتَ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ رَدَّ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مِمَّا يُحْبَسُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْغَلَّةُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِيمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي بَدَلِهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَكِنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ أَنْ لَوْ بَقِيَ حَيًّا وَمِثْلُ هَذَا لَا يُورَثُ ، وَإِذَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَزَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ سَلَّمَ جَمِيعَ الثُّلُثِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَالْمَحْبُوسُ مِنْ الْغَلَّةِ بَدَلُ مَنْفَعَةِ جُزْءٍ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَاحْتَاجَتْ الْوَرَثَةُ إلَى سُكْنَاهَا قُسِمَتْ الدَّارُ أَثْلَاثًا وَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهَا وَاسْتَغَلَّ ثُلُثَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَثُلُثَاهَا خَالِصُ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَجِبُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ صَرْفِ نَصِيبِهِمْ إلَى حَاجَتِهِمْ ، وَهُوَ السُّكْنَى ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ ، فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا سُمِّيَ لَهُ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الدَّارِ كَانَ لَهُ غَلَّةُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى أَوْجَبَهُ لَهُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِزَوَالِ مُزَاحَمَتِهِ إلَّا أَنَّ هَاهُنَا إنْ كَانَ حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا فِي الْحَالِ ، وَهُوَ عَيْنٌ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهَا .
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ وَعَبْدِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ إلَّا لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ ، وَهَذَا وَصِيَّةٌ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْمَسَاكِينِ ، فَأَمَّا السُّكْنَى وَالْخِدْمَةُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِمَا بَلْ تُعَارُ الْعَيْنُ لِأَجْلِهِمَا وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ إنْسَانٍ مَعْلُومٍ ، ثُمَّ الْمَسَاكِينُ مُحْتَاجُونَ إلَى مَا يَسُدُّ خُلَّتَهُمْ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ لَهُمْ بِالْغَلَّةِ وَقَلَّ مَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى ، وَقَبْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَا عَلَى قِيَاسِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ ، فَإِنَّ هَذَا فِي مَعْنَى وَقْفٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ .
وَمَنْ أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ يَرْكَبُهَا فِي حَاجَتِهِ مَا عَاشَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْإِعَارَةِ مِنْهُ ، وَلَوْ أَوْصَى بِظَهْرِهَا لِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ جَائِزٌ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ ، وَأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْفُ الْمَنْقُولِ جَائِزٌ فِيمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَرَوَى فِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاتَ عَنْ ثَلَثِمِائَةِ فَرَسٍ وَنَيِّفٍ وَمِائَتَيْ بَعِيرٍ مَكْتُوبٌ عَلَى أَفْخَاذِهَا حَبْسٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَجَوَّزَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَهُمَا أَبْطَلَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِحَاجَتِهِ .
وَلَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ غَلَّةُ دَارِي هَذِهِ أَوْ عَبْدِي هَذَا صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ ، فَإِنْ رُدَّتْ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثِي تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَا يُجَوِّزُ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ أَصْلًا فَلَا يَأْمَنُ الْمُوصِي مِنْ أَنْ يَرْفَعَ وَرَثَتُهُ إلَى قَاضٍ يَعْتَقِدُ قَوْلَهُ فَيُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ فَيُحَرَّزُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَّقَهَا بِرَدِّ الْأُولَى وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ فِيهِ فَائِدَةُ إبْقَاءِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَحْتَالُونَ فِي إبْطَالِ الْأُولَى إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ بِذَلِكَ شَيْئًا ، ثُمَّ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ ، فَإِذَا رُدَّتْ الْأُولَى وَجَبَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَيُبَاعُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِدَارِهِ أَوْ بِأَرْضِهِ فَجَعَلَهَا حَبْسًا عَلَى الْآخَرِ وَالْآخَرُ مِنْ وَرَثَتِهِ لَا يُبَاعُ أَبْطَلْت ذَلِكَ وَجَعَلْتهَا مِيرَاثًا لِلْحَدِيثِ : { لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - } ، وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَلِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ فَالْوَقْفُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجُوزُ وَالتَّأْيِيدُ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ وَبِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ وَهِيَ الثُّلُثُ فَهَدَمَهَا رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي غَرِمَ قِيمَةَ مَا هَدَمَ مِنْ بِنَائِهَا وَتُبْنَى مَسَاكِنَ كَمَا كَانَتْ فَتُؤَجَّرُ وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ وَيَسْكُنُهَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ تَعَلَّقَ بِالْبِنَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحَوَّلُ إلَى الْبَدَلِ ، وَهُوَ الْقِيمَةُ وَطَرِيقُ إبْقَاءِ حَقِّهِمَا مِنْهُ أَنْ تُبْنَى مَسَاكِنَ كَمَا كَانَتْ لِيَكُونَ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ الْبُسْتَانُ إذَا أَوْصَى بِغَلَّتِهِ فَقَطَعَ رَجُلٌ نَخْلَهُ أَوْ شَجَرَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ تَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ ، وَكَذَلِكَ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ تَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ وَالْحِصَّةُ مِنْ الْخَارِجِ إذَا وَقَعَتْ مُزَارَعَةً وَبِغَلَّةِ الْأَمَةِ يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ دُونَ الْوَلَدِ حَتَّى إنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ ، وَأَنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِهَا كَالثِّمَارِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَادَةً وَاسْمُ الْغَلَّةِ يُطْلَقُ عَلَى الثِّمَارِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى أَوْلَادِهَا .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفَانِ سِوَى ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْغَلَّةِ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ مَعْنًى كَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ بِالثُّلُثِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ نِصْفُهُ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ كُلُّهُ فِي الدَّارِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ وَالدَّارِ ، إنْ شِئْت قُلْت خُمُسُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيُقَاسِمُ الْوَرَثَةَ بِحَسَبِ الْمَالِ وَالْمَالُ الْمَقْسُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ نِصْفُ الدَّارِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَأَلْفَانِ ، فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ خَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا كَانَتْ أَخْمَاسًا ، وَإِنْ شِئْت قُلْت ثُلُثَا ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَثُلُثُهُ فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّ مُزَاحَمَةَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ قَدْ انْعَدَمَتْ فِي نِصْفِ الدَّارِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي ثُلُثِ الدَّارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْلَا وَصِيَّةُ الْآخَرِ لَكَانَ يَسْلَمُ لَهُ ثُلُثُ الدَّارِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ مِقْدَارُ حَقِّهِ وَزِيَادَةٌ أَخَذَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ مِمَّا يَسْتَوْفِيه ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الدَّارِ وَالْمَالِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْغَلَّةِ قَدْ بَطَلَتْ ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً بِالْعَيْنِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ تُسْتَحَقّ وَلَكِنَّهَا انْهَدَمَتْ قِيلَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ ابْنِ نَصِيبَك مِنْهَا وَيَبْنِي صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ وَالْوَرَثَةُ نَصِيبَهُمْ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الِامْتِنَاعِ بِنَصِيبِهِمْ وَأَيُّهُمْ أَبَى أَنْ يَبْنِيَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُمْنَعْ الْآخَرُ مِنْ أَنْ يَبْنِيَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَاجِرَهُ وَيُسْكِنَهُ ؛ لِأَنَّ الْآبِيَ مِنْهُمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ
يُلْزِمَ الضَّرَرَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الضَّرَرَ غَيْرَهُ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ أَوْ بِغَلَّتِهَا فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَوْ السُّكْنَى أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا لِلْمَيِّتِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمَهِّدُ مَحَلَّ حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَوْ بِمَالٍ أَوْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ فَشَهَادَتُهُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ نَصِيبًا ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّ مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَفِي وَصِيَّتِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ كَانَ يُقْضَى مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ وَيُسَلَّمُ لَهُ وَصِيَّتُهُ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَالْغَلَّةُ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ فِي الْبُسْتَانِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ وَالسُّكْنَى فِي الدَّارِ وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنْ يُقَدَّمَ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : ثَمَرَتُهُ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَا ثَمَرَةَ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْجُودِ ، وَإِلَى مَا يَحْدُثُ سَوَاءٌ قَالَ : أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغَلَّةِ حَقِيقَةٌ لِلْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ جَمِيعًا فَأَمَّا الثَّمَرَةُ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَادِثَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ حِينَ يَمُوتُ الْمُوصِي فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ تِلْكَ الثَّمَرَةَ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ يَنْتَفِي الْمَجَازُ عَنْهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ فِي حَقِيقَتِهِ فَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَجَازِ ، وَيَكُونُ لَهُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ مَا عَاشَ بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ : أَبَدًا فَلَهُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ أَبَدًا جَمِيعًا فِي الْفَصْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمَّ الْإِيجَابُ الْحَادِثَ وَالْمَوْجُودَ وَالسَّقْيَ وَالْخَرَاجَ ، وَمَا يُصْلِحُهُ وَعِلَاجُ مَا يُصْلِحُهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْبُسْتَانِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَلْبَانِهَا أَوْ بِسَمْنِهَا أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَبَدًا لَمْ يَجُزْ إلَّا مَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ ، وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمِنْ السَّمْنِ
الَّذِي فِي اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَمِنْ الْوَلَدِ الَّذِي فِي الْبَطْنِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ فِيهِ ، وَهَذَا وَالْغَلَّةُ وَالثَّمَرَةُ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ ، وَلَكِنِّي أَدَّعِي الْقِيَاسَ فِيهِ ، وَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ قِيلَ مُرَادُهُ إنَّ الْقِيَاسَ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ أَنْ لَا يُسْتَحَقَّ إلَّا الْمَوْجُودُ فِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْأَوْلَادِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالْوَصِيَّةِ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُوصِي وَالْعَيْنُ الْحَادِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا تَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُوصَى لَهُ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : الثِّمَارُ الَّتِي تَحْدُثُ يَجُوزُ أَنْ تُسْتَحَقَّ بِإِيجَابِهِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُعَاوَضَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْوَصِيَّةِ عِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْسَعُ الْعُقُودِ جَوَازًا بِخِلَافِ مَا فِي الْبَطْنِ ، فَإِنَّ مِمَّا يَحْدُثُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْحَالِ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ ، وَالْوَصِيَّةُ نَوْعٌ مِنْ الْعُقُودِ ، وَقِيلَ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ عِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ هَذِهِ الزَّوَائِدُ يُجْعَلُ مُبْقًى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا لِاشْتِغَالِهِ بِوَصِيَّتِهِ وَالْوَصِيَّةُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْهَا تَصِيرُ كَالْمُضَافِ إلَى حَالَةِ الْحُدُوثِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الثِّمَارِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : مَا فِي بُطُونِ الْحَيَوَانِ لَيْسَ وُسْعِ الْبَشَرِ إيجَادُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ إيجَابُهُ لِلْغَيْرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّ لِصُنْعِ الْعِبَادِ تَأْثِيرًا فِي إيجَادِهِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ ، وَهُوَ شَرِكَةٌ فِي الْخَارِجِ فَيَصِحُّ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ
أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِيَدِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ أَوْ لِرَجُلٍ حَيَاتُهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ .
وَلَوْ أَوْصَى بِقَوَائِمِ الْخِلَافِ أَوْ سَعَفِ النَّخْلِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فَكَانَ الْفَرْقُ هَذَا أَنَّ سَعَفَ النَّخْلِ ، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا لِلنَّخْلِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ التَّمْلِيكُ بِبَعْضِ الْعُقُودِ بِخِلَافِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ فَإِذَا ظَهَرَ هَذَا الْفَرْقُ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْهُمَا فَكَذَلِكَ فِيمَا يَحْدُثُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِوَلَدِ جَارِيَتِهِ أَبَدًا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ مَوْتِهِ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْوَصِيَّةِ بِالثَّمَرَةِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْحَادِثُ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ الثَّمَرَةُ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِحْقَاقِ وَذَلِكَ لَا يُورَثُ عَنْهُ .
وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ مَا أَثْمَرَ الْبُسْتَانُ فَتِلْكَ الثَّمَرَةُ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهَا ( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاعَهُ فِي حَيَاتِهِ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ جَازَ بَيْعُهُ ، وَكَانَ الثَّمَنُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ نَخْلِهِ أَبَدًا لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهَا وَلَمْ يُدْرِكْ وَلَمْ تَحْمِلْ فَالنَّفَقَةُ فِي سَقْيِهَا وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ النَّفَقَةِ يَنْمُو مِلْكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الْغَلَّةِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَإِذَا أَثْمَرَتْ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ بِهِ تَحْصُلُ ، فَإِنْ حَمَلَتْ عَامًا ، ثُمَّ أَحَالَتْ فَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّة ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ
الْغَلَّةِ فَالْأَشْجَارُ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَحْمِلَ فِي سَنَةٍ وَلَا تَحْمِلُ فِي سَنَةٍ يَكُونُ ثِمَارُهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تَحْمِلُ فِيهَا وُجُودٌ وَأَكْثَرُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ تَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ ، وَهُوَ نَظِيرُ نَفَقَةِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ هُوَ يَنَامُ بِاللَّيْلِ وَلَا يَخْدُمُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَرَاحَ بِالنَّوْمِ بِاللَّيْلِ كَانَ أَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ بِالنَّهَارِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَنْفَقَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَلَيْهَا حَتَّى تَحْمِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي نَفَقَتَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْإِنْفَاقِ لِكَيْ لَا يَتْلَفَ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيهِ ، لَكِنَّهُ يَسْتَوْفِي النَّفَقَةَ مِنْ الثِّمَارِ وَمَا يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَبَدًا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَقَاسَمَهُمْ الْبُسْتَانَ فَأَغَلَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ وَلَمْ يَغُلَّ الْآخَرُ فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ الْغَلَّةِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي ذَلِكَ بَاطِلَةٌ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ رَقَبَةِ الْبُسْتَانِ وَالْقِسْمَةُ لِتَمْيِيزِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا مِنْ مِلْكِ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ هَاهُنَا فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ ، وَمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَّةِ ، وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلْثَيْ الْبُسْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْغَلَّةِ فِي ثُلْثَيْ الْبُسْتَانِ ، فَإِذَا نَفَذَ بَيْعُهُمْ قَامَ الْمُشْتَرِي مُقَامَهُمْ فَيَكُونُ شَرِيكَ صَاحِبِ الْغَلَّةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ الَّذِي فِيهِ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِغَلَّتِهِ أَبَدًا لَهُ أَيْضًا ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَفِي الْبُسْتَانِ غَلَّةٌ تُسَاوِي مِائَةً وَالْبُسْتَانُ يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ الَّتِي فِيهِ وَثُلُثُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ
الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَطَرِيقُ تَنْفِيذِهَا مِنْ الثُّلُثِ هُوَ أَنْ يُعْطِيَ ثُلُثَ الْغَلَّةِ الْمَوْجُودَةِ وَثُلُثَاهَا لِلْوَرَثَةِ ، ثُمَّ يَصِيرُ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّتِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ غَلَّةٌ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْغَلَّةِ أَبَدًا .
وَلَوْ أَوْصَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِرَجُلٍ فَأَغَلَّ سَنَةً قَلِيلًا وَسَنَةً كَثِيرًا فَلَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ كُلَّ سَنَةٍ يُحْبَسُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مَا عَاشَ هَكَذَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي ، وَرُبَّمَا لَا تَحْصُلُ الْغَلَّةُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ ؛ فَلِهَذَا يُحْبَسُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ عَلَى حَقِّهِ ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ جَمِيعُ الثُّلُثِ لِيُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةٌ كَمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : يُحْبَسُ مِقْدَارُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَشْتَغِلُ بِحَبْسِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَشَرْطُ اسْتِحْقَاقِهِ بَقَاؤُهُ حَيًّا فَإِنَّمَا يَثْبُتُ هَذَا الشَّرْطُ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَأَمَّا فِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ : يُتَوَهَّمُ أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثُّلُثِ أَوْ يَهْلَكُ بَعْضُ الثُّلُثِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَقَ فَيُحْتَاجُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْهُ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ؛ فَلِهَذَا يُحْبَسُ جَمِيعُ الثُّلُثِ ، وَيَسْتَوِي إنْ أَمَرَ بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْهُ دِرْهَمًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ .
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ أَرْبَعَةً مِنْ مَالِهِ ، وَعَلَى آخَرَ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةً مِنْ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْبُسْتَانِ فَثُلُثُ الْبُسْتَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ
الثُّلُثِ بِوَصِيَّتِهِ ، ثُمَّ يُبَاعُ سُدُسُ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَتَوَقَّفُ ثَمَنُهُ عَلَى يَدِ الْمُوصِي أَوْ عَلَى يَدِ ثِقَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ وَيُنْفَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ رُدَّ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي لِبُطْلَانِ وَصِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : يُنْفَقُ عَلَى فُلَانٍ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ خَمْسَةٌ حُبِسَ السُّدُسُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالسُّدُسُ الْآخَرُ عَلَى الْمَجْمُوعَيْنِ فِي النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِيمَا أَوْجَبَ لَهُمَا .
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ وَبِنِصْفِ غَلَّتِهِ لِآخَرَ ، وَهُوَ جَمِيعُ مَالِهِ قُسِّمَ ثُلُثُ الْغَلَّةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ تَبْطُلُ ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا ، فَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ وَلِلْآخَرِ رُبْعُهَا ، الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَعِنْدَهُمَا الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْكُلُّ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى أَنْ يُضْرَبَ صَاحِبُ الْجَمِيعِ بِالْجَمِيعِ وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ، وَلِآخَرَ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةٍ فَثُلُثُهُ سِتُّمِائَةٍ وَالْمُوصَى لَهُ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا فَإِنَّمَا يُضْرَبُ هُوَ بِسِتِّمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فَإِذَا جُعِلَتْ كُلُّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَ الثُّلُثُ
عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا بَيْنَهُمَا لِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ سِتَّةٌ فِي غَلَّتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَيْسَ فِيهَا نَخْلٌ وَلَا شَجَرٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّهَا تُؤَاجَرُ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَجَرٌ أُعْطِيَ ثُلُثَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ عُرْفًا ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ تُؤَاجَرَ أَرْضُهُ مِنْ رَجُلٍ سِنِينَ مُسَمَّاةً كُلُّ سَنَةٍ بِكَذَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا ، فَإِنْ كَانَ سَمَّى أُجْرَةَ مِثْلِهَا جَازَ لَهُ .
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْأُجْرَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَابَاةِ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ بِالْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ أَرْضَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ مَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهَا ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَبَاعَهَا صَاحِبُ - الرَّقَبَةِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ الْغَلَّةِ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَحَقَّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَإِجَازَتُهُ الْبَيْعَ تَكُونُ إبْطَالًا لِحَقِّهِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْآخَرُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَرَضِيَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَأَغَلَّ الْبُسْتَانُ سِنِينَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ شَيْءٌ إلَّا مَا يَكُونُ فِي الْبُسْتَانِ حِينَ يَمُوتُ أَوْ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى الْبُسْتَانِ مِنْ الْغَلَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِيهِ أَوْ
مَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنْ اشْتَرَى الْمُوصَى لَهُ الْبُسْتَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ الشِّرَاءُ ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَوْ بَاعُوهُ مِنْ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطُوهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّ لِلَّقِنِ مِنْ الْغَلَّةِ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْهُمْ مِنْ الْعِوَضِ .
وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَازَ فَذَلِكَ بِالْعِوَضِ وَكَذَلِكَ فِي سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ إذَا صَالَحُوهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِعِوَضٍ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ بِالْعِوَضِ وَغَيْرِ الْعِوَضِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِعِوَضٍ إذَا مَلَكَهُ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَالَ : أَعْتِقُوهُ أَوْ قَالَ : هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَأَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعِتْقِ الَّذِي يُبْدَأُ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِهِ إذَا قَالَ : هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَنْهُمَا أَوْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَلْبَتَّةَ أَوْ قَالَ : إنْ حَدَثَ لِي حَدَثٌ مِنْ مَرْضَى هَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عِتْقٍ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ وَقْتٍ ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَا : إذَا كَانَ وَصِيَّةٌ وَعِتْقٌ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعِتْقَ الَّذِي يَقَعُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ سَبَبُهُ يَلْزَمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي قَوْلِهِ إنْ حَدَثَ لِي حَدَثٌ مِنْ مَرَضِي هَذَا ، فَإِنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِبَيْعِ الرَّقَبَةِ .
وَلَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ فَإِنَّ سَبَبَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ، وَلَكِنَّ الْحَرْفَ الصَّحِيحَ أَنْ يَقُولَ : مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّنْفِيذِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَفْسِ الْمَوْتِ يَتِمُّ وَالْآخَرُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَنْفِيذٍ مِنْ الْمُوصَى بَعْدَ مَوْت الْمُوصِي وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُنَفَّذَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَحَقٌّ اسْتِحْقَاقَ الدُّيُونِ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفِرَ بِحَبْسِ حَقِّهِ ، وَهَهُنَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَالْعِتْقُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ يُقَدَّمُ أَيْضًا
فَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَهُوَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْوَصَايَا .
وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّتَهُ فِي مَرَضِهِ فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ أَوْ بَعْدَ مَا مَاتَ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهَا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ ، وَهِيَ حُرَّةٌ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَهُمَا حُرَّةٌ عَلَيْهَا دَيْنٌ ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ مَا دَامَتْ تَسْعَى وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ رَقَبَتِهَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي وَلَدِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُ الْوَلَدِ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ كَانَ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي دَيْنِ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا .
وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ قَالَ : إنْ حَدَثَ لِي حَدَثٌ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَيَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مُسَمًّى لَمْ تَجُزْ كَمَا لَوْ وَهَبَ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَفِي حَيَاتِهِ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْمُوصَى بِهِ ، وَالْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْمِلْكُ لِوَرَثَتِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ
فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لَا تُفِيدُ شَيْئًا ، وَالْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَنْعَقِدُ خَالِيَةً عَنْ فَائِدَةٍ .
قَالَ : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ ، وَسَعَى فِي الْبَاقِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْضَ رَقَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَجَزَّأُ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ كُلِّهَا عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لَهُ رَقَبَتَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَتَنَاوَلُ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَإِنَّ رَقَبَتَهُ مِنْ مَالِهِ فَيُعْتَقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ وَيَصِيرُ عِنْدَهُمَا حُرًّا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِالْمَالِ فَإِذَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُكْمِلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ رَقَبَتِهِ ، وَأُعْطِيَ مَا فَضَلَ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى الثُّلُثِ سَعَى فِيهِ لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ
وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يُدَبَّرَ فَهَذَا رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مُنَافَاةٌ يَعْنِي التَّمْلِيكَ وَالْعِتْقَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى ؛ وَلِأَنَّهُ صَرَفَهُ بِالْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ إلَى حَاجَتِهِ وَاسْتَثْنَى وَلَاءً لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَتِهِ فِي حَيَاتِهِ كَانَ بِهِ رَاجِعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاجِعًا فَأَعْتَقَ الْوَصِيُّ نِصْفَهُ عَنْ الْمَيِّتِ كَانَ يَضْمَنُ لِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَوْ يُسْتَسْعَى الْغُلَامُ فِيهِ أَوْ يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْغُلَامِ هَذَا كُلُّهُ مُسْتَبْعَدٌ قَالَ .
وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ ، ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ سُمِّيَ حُطَّ عَنْهُ الثُّلُثُ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْعَبْدِ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ شَاءَ أَوْ يَدَعُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْوَصَايَا ، وَقَدْ اسْتَوَتْ الْوَصِيَّتَانِ مِنْ حَيْثُ اسْتِغْرَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِصَاحِبِ الْبَيْعِ نِصْفُهُ ، وَهُوَ السُّدُسُ وَلِلْآخَرِ نِصْفُ الثُّلُثِ ، وَهُوَ سُدُسُ الرَّقَبَةِ ، وَلَا يُقَالُ : يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ وَصِيَّةٌ بِالْعَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ بِسِوَى الْعَيْنِ ، وَإِنْ أَبَى الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ ثُلُثُ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ كَانَتْ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْبَيْعِ حِينَ رَدَّهَا الْمُوصَى لَهُ فَيُسَلِّمُ الثُّلُثَ لِلْمُوصِي مِنْ ذَلِكَ لَهُ بِالرَّقَبَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ أَنْ يُبَاعَ ، وَعَلَى عَكْسِ هَذَا
قَالَ آخَرُ بِالْآخَرِ ؛ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا دَلِيلُ الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى فَهُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِالرُّجُوعِ ، وَإِذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ أَنْ يُبَاعَ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ بِقِيمَتِهِ ، فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا بِحَقِّ الْمُوصِي وَلَا حَقَّ فِيهَا لِلْعَبْدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَمْلُوكِيَّةِ فِيهِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَتَغَيَّرُ النِّسْبَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُنْسَبُ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْمِلْكِ بَعْدَ مَا كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْبَائِعِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةَ نِسْبَةٍ .
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ نَسِيئَةً صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِنِسْبَةِ الْبَيْعِ لِلْعِتْقِ بِأَنْ يُحْسِنَ الْعَبْدُ خِدْمَةَ مَوْلَاهُ فَيَرْغَبُ فِي إعْتَاقِهِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِغَلَّةِ مَالِهِ فَيَبِيعُهُ نَسِيئَةً ، وَيَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهِ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ لِيَحْصُلَ بِهِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ ، وَهُوَ تَخْلِيصُ الْعَبْدِ عَنْ ذُلِّ الرِّقِّ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ { فُكَّ الرَّقَبَةَ وَأَعْتِقْ النَّسَمَةَ } الْحَدِيثُ فِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ حَقُّ الْمُوصِي وَحَقُّ الْعَبْدِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا لِذَلِكَ ، ثُمَّ يُبَاعُ كَمَا أَوْصَى ، وَيَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهِ مِقْدَارَ الثُّلُثِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ مَعْدِنَ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَفِي تَنْفِيذ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ حَقُّ الْمُوصِي فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مِنْ مَعْدِنٍ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ لَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي ، وَهُوَ مَعْلُومٌ ، وَإِنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِالْعَيْنِ بِعِوَضٍ يُعَدُّ لَهُ فَكَانَ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ بِبَيْعِهِ مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ .
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ عَبْدُهُ وَأَبَى الْعَبْدُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّ الْمُوصِي فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى وَلَاءَهُ لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ أَوْجَبَ الْعِتْقَ لَهُ لَمْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمَوْلَى فِي الْوَلَاءِ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدٌ آخَرُ مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَحَطَّ مِنْ قِيمَتِهِ مِقْدَارَ الثُّلُثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَحْتَالُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ فَأَبَى عِتْقَهُ ، ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ الْآخَرَ ، وَحَطَّ عَنْهُ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي يَحُطُّ عَنْك نِصْفَ الثُّلُثِ وَأَدِّ مَا بَقِيَ إنْ شِئْت وَيَسْعَى الْمُعْتِقُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ بَدَأَ بِالْبَيْعِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ سُلِّمَتْ الْمُحَابَاةُ لِلْمُشْتَرِي ، وَعَلَى الْعَبْدِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ : إذَا بَدَأَ بِالْمُحَابَاةِ ، ثُمَّ بِالْعِتْقِ تُقَدَّمُ الْمُحَابَاةُ ، وَإِذَا بَدَأَ بِالْعِتْقِ تَحَاصَّا ، وَإِنْ كَانَتَا مُحَابَاتَيْنِ أَوْ عِتْقَيْنِ تَحَاصَّا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ، وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ ، وَفِي قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ مَا بَدَأَ بِهِ مِنْهُمَا يُبْدَأُ
بِهِ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَ قُوَّةٍ وَقُوَّةُ الْمُحَابَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ سَبَبَهُ تِجَارَةٌ ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ التِّجَارَةِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَقُوَّةِ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ وَاجِبَيْنِ أَوْ تَطَوُّعَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا : الْمُحَابَاةُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْهِبَةُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ ، وَالْعِتْقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْهِبَةِ ، وَإِنْ أَجَرَهُ فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ .
وَهَذَا لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ إسْقَاطًا لِلْعِوَضِ ، فَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا فَهُوَ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَهُوَ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ قَدَّمْنَا الْعِتْقَ عَلَى الْهِبَةِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِهِ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُحَابَاةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْهِبَةِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ ثَابِتَةٌ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ لَا تَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ ، وَمَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ ، فَهُوَ أَقْوَى مِمَّا يَكُونُ ثَابِتًا تَبَعًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْمُحَابَاةُ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ التِّجَارَةَ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ عَقْدُ تِجَارَةٍ حَتَّى يَجِبَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ وَالشُّفْعَةُ تَخْصِيصٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ ؛ وَلِهَذَا قُلْت إنَّ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ، وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَبِالْمَرَضِ لَا يَلْحَقُهُ الْحَجْرُ عَنْ التِّجَارَةِ ، فَأَمَّا الْعِتْقُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَبِالْمَرَضِ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَنْ التَّبَرُّعَاتِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمُحَابَاةُ
أَقْوَى ، وَمِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ الْعِتْقُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ يَسْبِقُ الْحُكْمَ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالسَّبَبِ فَلِهَذَا بَدَأَ بِالْمُحَابَاةِ قُلْنَا يَبْدَأُ بِهَا لِبِدَايَةِ الْمُوصِي وَلِقُوَّةِ السَّبَبِ فَإِذَا بَدَأَ بِالْعِتْقِ فَالْعِتْقُ يُقَدَّمُ سَبَبُهُ عَلَى الْمُحَابَاةِ حِسًّا وَسَبَبُ الْمُحَابَاةِ أَقْوَى حُكْمًا فَيَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فِي قُوَّةِ السَّبَبِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي إذَا كَانَا لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ .
فَأَمَّا إذَا كَانَا لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَلَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِإِنْسَانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِآخَرَ وَلَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِمَا قَالُوا إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ بَيْعٌ فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِلشَّيْءِ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْبَيْعِ الَّذِي يَثْبُتُ ضِمْنًا لِلْعِتْقِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ ، وَهَذَا لَمَّا ثَبَتَ ضِمْنًا لِلتِّجَارَةِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ ، وَإِنَّمَا لَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقُ الْفَسْخَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْمُسْقَطَ يَكُونُ مَثَلًا شَيْئًا ، وَتَعَذُّرُ الْفَسْخِ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْضًا يُوَضِّحُ مَا قُلْنَا إنَّ الْمُحَابَاةَ تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِعَقْدِ ضَمَانٍ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ كَالدُّيُونِ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَدَلٌ مَقْصُودٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ فَيُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشِبْهِهِ بِالتَّبَرُّعِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِشِبْهِهِ بِالدُّيُونِ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى مَا هُوَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ إذَا حَصَلَتْ الْبِدَايَةُ بِهَا ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْبَيْعِ ، وَحَابَى بِالثُّلُثِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، ثُمَّ بَاعَ وَحَابَى بِالثُّلُثِ فَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَنِصْفُ الثُّلُثِ بَيْنَ الْمُعْتِقِ وَالْمُشْتَرِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحَمَةَ لِلْعِتْقِ مَعَ
الْمُحَابَاةِ الْأُولَى فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهَا كَالْمَعْدُومِ ، وَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ النِّصْفُ الَّذِي يُصِيبُ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْمُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُعْتَقُ مَحْجُورًا لِحَقِّ صَاحِبِ الْمُحَابَاةِ الْأُولَى ، وَقَدْ خَرَجَ الْوَسَطُ حِينَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فَفِيمَا بَقِيَ يُعْتَبَرُ حَقُّ صَاحِبِ الْعِتْقِ وَصَاحِبِ الْمُحَابَاةِ الْأُخْرَى ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
قَالَ ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَذَلِكَ قِيمَتُهُ وَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ ابْنُهُ يُعْتَقُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَيَرِثُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَيُقَاصُّ بِهَا مِنْ مِيرَاثِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَالِابْنُ وَارِثٌ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبِوُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فِي قِيمَتِهِ كَانَ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ عِنْدَهُ مُكَاتَبٌ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَرِثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لَهُ ، وَإِذَا أَنْفَذنَا الْوَصِيَّةَ لَهُ ، وَأَسْقَطْنَا عَنْهُ السِّعَايَةَ صَارَ وَارِثًا لَا يَزَالُ يَدُورُ هَكَذَا ، وَقَطْعُ الدَّوْرِ وَاجِبٌ فَيَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَسْهَلُ مِنْ إبْطَالِ مِيرَاثِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ تَصِحُّ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ؛ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جَمَعْنَا لَهُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ
وَالْمِيرَاثِ ، وَهُوَ نَظِيرُ جَوَازِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ قَدْ تَنْفُذُ الْهِبَةُ فِي ثُلُثِ الْمَالِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ .
وَلَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ، وَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُحَابَاةُ تُقَدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الثُّلُثَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا يَرِثُ الِابْنُ شَيْئًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ مُقَدَّمٌ إلَّا أَنَّ الِابْنَ وَارِثٌ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ الْعَبْدُ الْآخَرُ مُحَابَاةً ، وَيَسْعَى الِابْنُ فِي قِيمَتِهِ وَيُطَالِبُ الْبَائِعَ بِالرَّدِّ فَبِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الِابْنِ أَلْفًا فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ يُسَاوِي أَلْفًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ وَيَسْعَى الِابْنُ فِيمَا زَادَ عَلَى حِصَّتِهِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَسْعًى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ فَلَا يَكُونُ وَارِثًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الِابْنُ وَارِثٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَيُقَاصُّ بِهَا مِنْ مِيرَاثِهِ قَالَ : وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ جَعَلْت لَهَا الْمِيرَاثَ وَالْمَهْرَ وَأَجَزْت النِّكَاحَ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ دَفَعَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَالثُّلُثَ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ الْمَهْرِ ، ثُمَّ سَعَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَهَذَا
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اشْتِرَاطِهِ خُرُوجَ الْقِيمَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ : كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا وَالْمَهْرُ دَيْنٌ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْقِيمَةُ وَصِيَّةٌ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَكِنْ يَقُولُ : مُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ الْقِيمَةِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ دَفْعِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ دَيْنٌ فَيُعْتَبَرُ فَيَبْدَأُ بِهِ ، ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فَقَدْ عَرَفْنَا نُفُوذَ الْعِتْقِ وَصِحَّةَ النِّكَاحِ وَثُبُوتَ الْمِيرَاثِ لَهَا ، وَلَكِنْ يَجْمَعُ عَلَى أَصْلِهِ لَهَا بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ قِيمَتِهَا ، وَإِنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ ، وَالْمَوْلَى إذَا تَزَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلشُّبْهَةِ فَيَأْخُذُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوَّلًا ، ثُمَّ لَهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَهُمَا حُرَّةٌ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْمِيرَاثُ ، وَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا حِينَ وَرِثَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَصِيَّةٌ فَيُحَاسَبُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ مَهْرِهَا وَمِيرَاثِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَبْضِ ذَلِكَ مِنْهَا حِينَ وَجَبَ رَدُّهَا عَلَيْهَا ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَدَّاهُ إلَى الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ كَانَ زَادَهَا شَيْئًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ لَهُ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ، ثُمَّ اسْتَدَانَ مِنْهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَتَرَكَ أَلْفَيْنِ سِوَى ذَلِكَ عِنْدَهُمَا هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ ،
وَتَرِثُ وَلَهَا مَهْرُهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَلَهَا دَيْنُهَا الَّذِي اسْتَدَانَ مِنْهَا لِكَوْنِهِ بِبَيِّنَةٍ مُعَايَنَةٍ وَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا وَصِيَّةَ لَهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النِّكَاحُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَوْفِي دَيْنَهَا مِنْ الْمَالِ ، ثُمَّ لَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ، وَقِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ ؛ فَلِذَلِكَ بَطَلَ النِّكَاحُ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاسْتَدَانَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا مَهْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا ، ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا تَخْرُجُ هِيَ وَمَهْرُهَا مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَلَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَإِنَّ وُجُوبَهُ الْوَصِيَّةَ يَكُونُ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ رَقَبَتُهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَهْرِ فَلَا تَسْعَى فِي شَيْءٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ صَحِيحًا بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ فَلَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ ، وَيَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لِضَرُورَةِ الدَّوْرِ ، وَإِذَا أَشْهَدَ الرَّجُلُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فِي كِتَابٍ شُهُودًا وَلَمْ يَقْرَأْهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكْتُبْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا فِي الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا عَلَى الْكِتَابِ وَبِدُونِ عِلْمِ الشَّاهِدِ الْمَشْهُودِ بِهِ لَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ ، وَإِنْ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا نَشْهَدُ عَلَيْك بِذَلِكَ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِنَعَمْ وَلَمْ يَنْطِقْ فَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا إقْرَارَهُ وَتَحْرِيكُ الرَّأْسِ مِنْ النَّاطِقِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا إذْ
هُوَ مُحْتَمَلٌ فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِاسْتِبْعَادِ الشَّيْءِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلرِّضَى بِهِ ، وَإِنْ كَتَبَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَقَالَ : اشْهَدُوا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ أَوْ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا إقْرَارَهُ وَعَلِمُوا بِمَا كَتَبَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّتُك قَالَ : نَعَمْ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ كَالْمُعَادِ فِيهِ قَالَ تَعَالَى { فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } ، وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَقَالَا : سَمَّاهُ لَنَا فَنَسِينَاهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَثْبَتُوا الشَّهَادَةَ ، وَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْغَفْلَةِ وَبِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا الشَّهَادَةَ ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ الْأَرْبَعَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ ، وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ هَذَا وَأُجِيزُهُ فَيُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبُعَهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمْ سَوَاءً وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْعَتَاقِ .
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمْ مُخْتَلِفَةً أَخَذَ أَقَلَّهُمْ قِيمَةً وَأَكْثَرَهُمْ قِيمَةً فَجَمَعْنَا قِيمَتَهُمَا ، ثُمَّ أَخَذْنَا نِصْفَ ذَلِكَ وَقَسَّمْنَاهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ أَلْفًا وَقِيمَةُ الثَّانِي أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَقِيمَةُ الرَّابِعِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ ، فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ أَقَلِّهِمْ قِيمَةً وَأَكْثَرِهِ قِيمَةً ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ ، ثُمَّ يُؤْخَذُ نِصْفُ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ فَيَضْرِبُ أَحَدَهُمْ فِيهِ بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرَ بِأَلْفَيْنِ وَالْآخَرَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَالْآخَرَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ أَلْفٍ سَهْمًا بَلَغَتْ السِّهَامُ عَشَرَةً
فَلِلْأَوَّلِ عُشْرُ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ رُبُعُ قِيمَتِهِ ، وَلِلثَّانِي عُشْرَانِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ رُبُعُ قِيمَتِهِ وَلِلثَّالِثِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارٍ ، وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رُبُعُ قِيمَتِهِ ، فَإِنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةُ أَعْشَارٍ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ رُبُعُ قِيمَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ قَالَ : هَذَا حُرٌّ ، وَهَذَا فَإِنَّهُ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْتِقُوا أَحَدَهُمَا وَيُمْسِكُوا الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ يَشِيعُ فِيهِمَا ، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ .
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَالَ لِفُلَانِ : عَبْدِي هَذَا أَوْ عَبْدِي هَذَا لِلْآخَرِ وَصِيَّةٌ وَهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ أَيَّهُمَا شَاءُوا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ لَا يُعْطُوهُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ، وَهُنَاكَ الْعِتْقُ شَاعَ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخْتَلِفٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّقْدِيمِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ .
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ هَذَا ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ سِوَاهُ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ ، وَيَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَةِ الْوَرَثَةِ ، فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ مِلْكِهِمْ عَنْ الْعَبْدِ وَتَأْخِيرَ حَقِّهِمْ إلَى خُرُوجِ السِّعَايَةِ فَكَانُوا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَالْأَجَانِبِ ، وَقَدْ ثَبَتَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ مَا ثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ فَيَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ .
وَلَوْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ وَأَجَازَهُ الْقَاضِي ، ثُمَّ شَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ
عَبْدَهُ هَذَا فِي مَرَضِهِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ جَازَ إعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ وَالْعِتْقُ الْمُنْفَذُ فِي الثُّلُثِ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا ، وَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثِينَ لَا تُقْبَلُ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ عَلَيْهِمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ يُبْطِلَانِ اسْتِحْقَاقَهُ ، وَمَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُقْبَلُ ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ الْعَبْدُ لِإِقْرَارِهِمَا بِفَسَادِ رِقِّهِ ، وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ نَفَذَ مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُوصَى لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي .
وَلَوْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَبْدُهُ سَالِمٌ ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَشَهِدَا وَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ زِيَادٍ ، وَهُوَ الثُّلُثُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِلْوَرَثَةِ إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِّهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلثُّلُثِ عَلَيْهِمْ أَوْ الْآخَرُ ؛ وَلِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِلْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ فَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ ، وَجَعَلَهُ عَنْهُ وَجَعَلَهُ لِهَذَا الْآخَرِ أَوْ أَنَّهُ أَشْرَكَهُ مَعَهُ فِيهِ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا لِلْآخَرِ فَأُعْتِقُهُ ، وَلَا أُصَدِّقُهُمَا عَلَى الْفَصْلِ الَّذِي فِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّتِهِ يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَنْفَعَةً وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى ذَلِكَ ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ عِتْقُ الْآخَرِ بِشَهَادَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ وَلَا تُهْمَةَ فِي هَذَا فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِلْعَبْدَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ بِالْحِصَصِ
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ هَذَيْنِ فِي مَرَضِهِ وَقِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْبَرَاءَةِ عَنْ السِّعَايَةِ فَيَضْرِبُ بِجَمِيعِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ فِي الثُّلُثِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِأَحَدِهِمَا لِرَجُلٍ ، وَبِالْآخَرِ لِآخَرَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْجَوَابُ ، وَعِنْد أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا ، وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ : فِي مَرَضِهِ لِعَبْدٍ لَهُ وَمُدَبَّرٍ أَحَدُكُمَا حُرٌّ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَلِلْمُدَبَّرِ ثُلُثَا الثُّلُثِ ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ يَتَخَيَّرَا الْعِتْقَ ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ لَهُ حُرِّيَّةُ رَقَبَتِهِ وَيَشِيعُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَكَانَ الْقِنُّ مُوصَى لَهُ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَالْمُدَبَّرُ مُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ كَالتَّدْبِيرِ فَيَضْرِبُ الْمُدَبَّرَ فِي الثُّلُثِ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ وَالْقِنَّ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
وَلَوْ كَانَ قَالَ فِي الصِّحَّةِ سَعَى الْمُدَبَّرُ فِي سُدُسِ قِيمَتِهِ ، وَالْآخَرُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، فَإِذَا فَاتَ الْبَيَانُ بِالْمَوْتِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنَّمَا مَالُ الْمَيِّتِ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالْمُدَبَّرُ مُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَقَبَتِهِ فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ فَيُسَلِّمُ لَهُ بِالْعِتْقِ الْبَاتِّ نِصْفَ الرَّقَبَةِ وَبِالتَّدْبِيرِ ثُلُثَ
الرَّقَبَةِ وَيَسْعَى فِي سُدُسِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا يُسَلِّمُ لِلْقِنِّ نِصْفَ رَقَبَتِهِ بِالْعِتْقِ الْبَاتِّ فَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ .
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ فُلَانًا إنْ قُتِلَ ، وَأَنَّهُ قَدْ قُتِلَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مَاتَ مَوْتًا ، فَإِنِّي أُجِيزُ الْعِتْقَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ فِي إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ إثْبَاتَ الْعِتْقِ وَالْقَتْلِ وَفِي الْأُخْرَى نَفْيَهُمَا وَالْمُثْبَتُ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فِي مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ هَذَا ، وَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ ، وَمَاتَ فِي أَهْلِهِ فَإِنِّي أُجِيزُ شَهَادَةَ شُهُودِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِمَا إثْبَاتَ الْعِتْقِ وَإِثْبَاتَ تَارِيخٍ سَابِقٍ فِي مَوْتِهِ ، وَإِنْ شَهِدَ هَذَانِ الْآخَرَانِ أَنَّهُ قَالَ : إنْ رَجَعْت مِنْ سَفَرِي هَذَا فَمُتُّ فِي أَهْلِي فَفُلَانٌ حُرٌّ وَأَنَّهُ قَدْ رَجَعَ فَمَاتَ فِي أَهْلِهِ وَجَاءُوا جَمِيعًا إلَى الْقَاضِي فَإِنِّي لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى الرُّجُوعِ وَأُجِيزُ شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُ مَاتَ فِي أَهْلِهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا مَوْتَهُ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِمَوْتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِانْعِدَامِ الْمُعَارِضِ ، ثُمَّ الْمَوْتُ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً فَيُبْطِلُ شَهَادَةَ الْآخَرِينَ جَمِيعًا ضَرُورَةً ( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ : إنْ مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخَرِ فَفُلَانٌ حُرٌّ ، وَإِنْ مَاتَ فِي رَجَبٍ فَفُلَانٌ حُرٌّ لِعَبْدٍ آخَرَ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخَرِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ مَاتَ فِي رَجَبٍ أَخَذْنَا بِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمَوْتِ الْأَوَّلِ لِهَذَا الْمَعْنَى .
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ : إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانٌ حُرٌّ ، وَقَالَا : لَا نَدْرِي مَاتَ أَمْ لَا فَقَالَ : الْغُلَامُ مَاتَ مِنْهُ وَقَالَ الْوَارِثُ : صَحَّ مِنْهُ ، ثُمَّ مَاتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ
يَدَّعِي شَرْطَ الْعِتْقِ وَالْوَارِثُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْغُلَامِ ، وَلَكِنَّ ثُبُوتَ الشَّرْطِ ظَاهِرًا لَا يَكْفِي لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُدْفَعُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلشَّرْطِ وَالْعِتْقِ ، وَإِنْ قَالَ : إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانٌ حُرٌّ ، وَإِنْ بَرَأْتُ مِنْهُ فَفُلَانٌ آخَرُ حُرٌّ ، فَقَالَ الْعَبْدُ : قَدْ مَاتَ مِنْهُ وَقَالَ الْوَارِثُ : قَدْ بَرَأَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ لِمَا بَيَّنَّا ، فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي أَعْتَقْتُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْعِتْقَ بِبَيِّنَةٍ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ لَهُمَا أَخَذْتُ بِبَيِّنَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ، وَأَبْطَلْت الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ مَرَّتَيْنِ ، وَإِذَا أَمَتُّهُ فِي الْأَوَّلِ بَطَلَ الْآخَرُ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمُوتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ نَسَمَةً لِيُعْتِقَهَا عَنْ الْمَيِّتِ كَتَبَ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَصِيُّ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ اشْتَرَى مَمْلُوكًا يُقَالُ : لَهُ فُلَانُ الْفُلَانِيُّ ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ اجْتَمَعَ بِكَذَا دِرْهَمًا نَسَمَةً كَانَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهَا لَهُ فَيُعْتِقُهَا عَنْهُ ، ثُمَّ يَكْتُبُ التَّقَابُضَ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الرَّسْمِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّكَّ حِكَايَةُ مَا جَرَى ، وَالْمَقْصُودُ التَّوْثِيقُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَلَى أَحْوَطِ الْوُجُوهِ فَالنَّسَمَةُ هِيَ الرَّقَبَةُ الَّتِي تُشْرَى لِلْعِتْقِ ، وَيَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصِي رَقَبَةً أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلًا مُجْتَمِعًا ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّقَرُّبِ إنَّمَا يَتِمُّ بِإِعْتَاقِ مِثْلِهِ فَإِنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ عَاجِزَانِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْأُنْثَى كَذَلِكَ فَيَصِيرُ بَعْدَ الْعِتْقِ عِيَالًا عَلَى غَيْرِهِ ، وَإِذَا كَانَ رَجُلًا قَدْ اجْتَمَعَ يَتَخَلَّصُ مِنْ ذَلِكَ الرِّقِّ ، وَيَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّكَسُّبِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ مَعْنَى الرَّقَبَةِ فِي إعْتَاقِ مِثْلِهِ ، وَقَصَدَ الْمُوصِي التَّقَرُّبَ وَصِفَةُ الْإِطْلَاقِ تَقْتَضِي الْكَمَالَ ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْتِقُ عَنْهُ بِالثُّلُثِ رَقَبَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّ الْمُوصِي ، وَهُوَ قَصْدُهُ التَّقَرُّبُ ؛ وَلِهَذَا صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ النَّسَمَةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ مِنْ مَحَلِّهَا ، وَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ بِالثُّلُثِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَدَّقَ لَهُ مِنْ مَالِهِ بِمِائَةٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : تَنْفِيذُ
الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَهَا لَهُ الْمُوصِي لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ بِنَسَمَةٍ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاَلَّتِي قِيمَتُهَا خَمْسُونَ غَيْرُ الَّتِي قِيمَتُهَا مِائَةٌ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَشْتَرِي بِثُلُثِ مَا يُوجَدُ كَانَ هَذَا تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْمُوصِي ، ثُمَّ لِلْمُوصِي فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ، وَهُوَ التَّحَرُّزُ عَنْ إعْتَاقِ الْحَدِيثِ وَالتَّقَرُّبُ بِإِعْتَاقِ أَفْضَلِ الرِّقَابِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ فَقَالَ : أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا } وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَرْغَبُ فِي وَلَاءِ عَبْدٍ كَثِيرِ الْقِيمَةِ وَيَتَحَرَّزُ عَنْ وَلَاءِ قَلِيلِ الْقِيمَةِ ، فَفِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثُّلُثِ إبْطَالُ مَقْصُودِ الْمُوصِي ، وَإِلْزَامُ وَلَاءٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ وَبِهَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَإِنَّمَا نَظِيرُ هَذَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ لَوْ أَنَّ صَحِيحًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُحِجَّ عَنْهُ رَجُلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَحَجَّ عَنْهُ رَجُلًا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَهُنَاكَ يَصِيرُ مُخَالِفًا ضَامِنًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ نَسَمَةً بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا يُشْتَرَى لَهُ بِالثُّلُثِ نَسَمَةٌ فَتُعْتَقُ عَنْهُ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لَهُمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ : أَرَأَيْت لَوْ أَوْصَى أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِائَةٌ مِنْ مَالِهِ وَمِائَةٌ مِنْ مَالِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَكُنْتُ أُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَمَّى مَالَ الْأَجْنَبِيِّ أَرَأَيْت لَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى لَهُ نَسَمَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ بِإِنْسَانٍ حُرٍّ أَوْ يُزَادَ مَعَ هَذِهِ الْمِائَةِ شَيْءٌ لَا يَصْلُحُ مِنْ مَالِهِ أَكُنْتُ أُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ لَا أُبْطِلُهَا ، وَهِيَ
جَائِزَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ أَرَأَيْت لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَإِذَا فِيهَا دِرْهَمٌ سَتُّوقَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لَا يُنْفَقُ أَمَا كُنْت آمِرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا بَقِيَ أَرَأَيْت لَوْ تَجَوَّزَ بِهَذَا الْبَائِعُ أَمَا كُنْت آمِرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا أَرَأَيْت لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ أَوْ هَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ أَكُنَّا نُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ قِيلَ هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ وَقِيلَ : بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَيَقُولُ : إذَا أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى نَسَمَةٌ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَوْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لَكَانَ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ وَالْعِتْقُ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يُجِيزُوا لَوْ قُلْنَا يُشْتَرَى بِثُلُثِهِ كُنَّا نُلْزِمُهُ .
وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ لَوْ أَجَازَ الْغَيْرُ هُنَاكَ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لَهُ ، وَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِهِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَيْسَ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فِي مَالِهِ إلْزَامُ شَيْءٍ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهِ ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ نَسَمَةٌ ، وَأَوْصَى لِآخَرَ بِالثُّلُثِ فَثُلُثُ مَالِهِ يُقَسَّمُ عَلَى الثُّلُثِ وَعَلَى أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ قِيمَةِ النَّسَمَةِ ؛ لِأَنَّ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا الْأَدْنَى فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ قِسْمَةُ الثُّلُثِ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَثْبُتُ مِنْ كُلِّ وَصِيَّتِهِ فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ النَّسَمَةِ يُعْتِقُ بِهِ النَّسَمَةَ ، وَمَا أَصَابَ الثُّلُثَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ .
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدُ فُلَانٍ فَيُعْتَقَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مَحَلُّهَا الثُّلُثُ ، وَإِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالثُّلُثِ أُوقِفَ الثُّلُثُ حَتَّى يَبِيعَهُ صَاحِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْوَصِيَّةِ فَمَا دَامَ فِيهِ
رَجَاءُ التَّنْفِيذِ يَجِبُ أَنْ يُوقَفَ الثُّلُثُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا فَيَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ ذَلِكَ إنْ كَانَ سَمَّى مَا يُشْتَرَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ .
وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَسَمَةً بِهَذِهِ الْمِائَةِ بِعَيْنِهَا فَيُعْتِقُهَا مِنْ الثُّلُثِ عَنْهُ ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا عَنْهُ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ تِلْكَ الْمِائَةَ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ وَالْمِائَةُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِتِلْكَ الْمِائَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا لِلْمُشْتَرِي ، ثُمَّ بِمَا ظَهَرَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخَالِفٌ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَالثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قُضِيَ بِمَالِ الْمَيِّتِ دَيْنًا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهَا ، وَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، فَإِنْ خَرَجَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ يَكُونُ ثَمَنُ النَّسَمَةِ الثُّلُثَ مِنْ ذَلِكَ بَرِئَ الْوَصِيُّ مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْمَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّ غَيْرُ مُخَالِفٍ ، وَأَنَّهُ نَفَّذَ الْوَصِيَّةَ فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَلْحَقُهُ عَهْدٌ وَلَا ضَمَانٌ ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَسَمَةٌ فَتُعْتَقُ عَنْهُ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، ثُمَّ رُدَّ الْعَبْدُ مِنْ عَيْبٍ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِهِ ، وَذَلِكَ رَدَّ الثَّمَنَ عِنْدَ رَدِّ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ ، ثُمَّ يُقَالُ بِعْ الْعَبْدَ ، فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي شِرَاءِ النَّسَمَةِ
وَالْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ بَلْ هُوَ مُنَفِّذٌ الْوَصِيَّةَ فِي مَحَلِّهَا .
وَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَالْعِتْقُ عَنْ الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا إذَا نَقَصَ ثَمَنُ الْعَبْدِ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ النَّسَمَةَ فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ إذَا زَادَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ نَسَمَةً يَشْتَرِيهَا بِثَمَنِ الْعَبْدِ ، وَهَذِهِ نَسَمَةٌ اشْتَرَاهَا بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَكَانَ غَيْرَ مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوَصِيَّةُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْعِتْقُ عَنْهُ وَيَشْتَرِي بِالثَّمَنِ نَسَمَةً أُخْرَى فَيُعْتِقُهَا عَنْ الْمَيِّتِ .
وَلَوْ لَمْ يُرَدَّ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ ، وَلَكِنْ اُسْتُحِقَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الثَّمَنَ فَكَانَ الْعِتْقُ عَنْ الْوَصِيِّ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ .
وَإِنْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ النَّسَمَةَ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا عَنْ الْمَيِّتِ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الشِّرَاءِ عَلَى مَنْ اشْتَرَى لَهُ يَنْفُذُ عَلَى الْعَاقِدِ وَكَانَ الْعِتْقُ عَنْ الْوَصِيِّ نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي نَصِيبِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُوصِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِشَيْءٍ فَكَيْفَ يَرْجِعُ الْوَصِيُّ بِهِ ؟ ، أَرَأَيْت لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْيَتِيمِ مِنْ مِيرَاثِهِ أَوْ بَاعَ لَهُ فَلَحِقَهُ غُرْمٌ وَلَيْسَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ أَكَانَ يَرْجِعُ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى مِنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ نَسَمَةٌ تُعْتَقُ عَنْهُ وَمَالُهُ ثَلَثُمِائَةٍ فَاشْتَرَى الْوَصِيُّ بِمِائَةٍ نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا ، وَأَعْطَى الْوَرَثَةَ مِائَتَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ النَّسَمَةُ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ وَقَبَضَ الْوَصِيُّ الْمِائَةَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا نَسَمَةً أُخْرَى فَتَلِفَتْ مِنْهُ مِائَةٌ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا أَخَذُوا لِيَشْتَرِيَ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ
بَاطِلٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْمُوصِي ، وَفِي قَوْلِهِمَا مُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْوَرَثَةَ جَائِزَةٌ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا أَصَابَ الْوَرَثَةَ بِشَيْءٍ وَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ .
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى لَهُ نَسَمَةٌ بِعَيْنِهَا فَتُعْتَقُ عَنْهُ فَاشْتَرَاهَا الْوَصِيُّ ، ثُمَّ مَاتَتْ فَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا لِشَخْصٍ آخَرَ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَتْ جِنَايَةً قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ فَدُفِعَتْ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُوصِي .
وَلَوْ فَدَاهَا الْوَرَثَةُ كَانُوا مُتَطَوِّعِينَ فِي الْفِدَاءِ وَتُعْتَقُ عَنْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهَا طَهُرَتْ عَنْ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ مَحَلًّا لِوَصِيَّتِهِ وَالْوَرَثَةُ مَا كَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى الْفِدَاءِ فَكَانُوا مُتَبَرِّعِينَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَمَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي حُكْمًا فَكَأَنَّهُمْ فَدَوْهَا مِنْ الْجِنَايَةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي .
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَةٍ لَهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ حَالُهَا كَذَلِكَ ، فَإِنْ وَلَدَتْ النَّسَمَةُ أَوْ الْأَمَةُ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ لَا تَسْرِي إلَى الْوَلَدِ فَإِنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْمَيِّتِ الْوَلَاءَ ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْمَيِّتُ وَلَاءَ الْأَمَةِ لَا وَلَاءَ وَلَدِهَا وَالْأَمَةُ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَيُفْصَلُ مِنْهَا الْوَلَدُ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَهَا لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِوَصِيَّةِ الْمَيِّتِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَلَدِ فَكَانَ الْوَلَدُ لِلْوَرَثَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ النَّسَمَةُ وَالْأُمُّ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ حَتَّى تُعْتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِالْوَصِيَّةِ يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا إلَى الْوَارِثِ بَلْ هِيَ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ
وَلَاؤُهَا لَهُ إذَا عَتَقَتْ عَنْهُ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَنْ الْمَيِّتِ وَمَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمَرْءِ فِي عَيْنٍ بِجِهَةٍ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ عَنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ وَتَصْرِيحُهُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ قَالَ : بَعْدَ مَوْتِي لَمْ تَكُنْ مُدَبَّرَةً ، وَلَكِنَّهَا تُعْتَقُ عَنْ الْمَيِّتِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَمَاتَ الْقَائِلُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ بَدَلَهَا وَزَوَائِدَهَا وَكَسْبَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ مَالِكًا فِيمَا فِيهِ إبْطَالُ وَصِيَّةِ الْمُوصِي ، فَأَمَّا فِيمَا فِيهِ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فَيُجْعَلُ الْوَارِثُ كَالْمَالِكِ فَيَصِحُّ مِنْهُ تَعْلِيقُ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ أَوْ بِشَرْطٍ آخَرَ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يُجْعَلُ كَالْمُنَجَّزِ لِعِتْقِهَا فَيُعْتَقُ عَنْ الْمَيِّتِ وَبِهِ فَارَقَ الْوَصِيُّ فَإِنَّهُ إذَا عَلَّقَ عِتْقَهَا بِالشَّرْطِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ غَيْرُ مَالِكٍ لَهَا ، وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهِ يُنَجِّزُ الْعِتْقَ وَالْمَأْمُورُ بِالتَّنْجِيزِ إذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالشَّرْطِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَاطِلًا .
وَلَوْ قَالَ لَهَا الْوَارِثُ : أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ قَبِلْتِ فَقَبِلَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا تُعْتَقُ بِجِهَةِ الْوَصِيَّةِ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَكَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ جُعْلٍ .
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُعْتَقَ نَسَمَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِنَّهَا تُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ فَإِذَا أَوْصَى كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ كَالتَّطَوُّعَاتِ ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ .
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ فَاشْتُرِيَتْ لَهُ أَوْ
بِعِتْقِ أَمَةٍ لَهُ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَجَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً فَالْأَرْشُ لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ فِي كَوْنِهِ فَارِغًا عَنْ الْوَصِيَّةِ فَالْوَارِثُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لَهَا فِيمَا هُوَ فَارِغٌ عَنْ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ كَسْبُهَا لِلْوَرَثَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى .
وَلَوْ زَوَّجُوهَا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَثْبُتُ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رَقَبَتَهَا لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِالْوَصِيَّةِ ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ ، وَوَجَبَ الْمَهْرُ ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ يَبِيعُ عَبْدَهُ هَذَا ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً يَقُولُ : يَضْمَنُ الْوَصِيُّ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ ، وَالْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلْمُشْتَرِي ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَا أَوْصَى بِشَيْءٍ مِمَّا وَصَلَ إلَى الْوَرَثَةِ ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : يَرْجِعُ الْوَصِيُّ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ الثَّمَنِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي هَذَا الْبَيْعِ كَانَ عَامِلًا لِلْمَيِّتِ فَمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِسَبَبِ عَمَلِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لَهُ يَسْتَوْفِيه مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنَّهُ يَرْجِعُ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ مِمَّا يَغْرَمُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَحِقَهُ هَذَا الْغُرْمُ بِاعْتِبَارِ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَلِهَذَا يُقْتَصَرُ رُجُوعُهُ عَلَى ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَيَكْتُبُ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ تَرَكْته ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لِلتَّوَثُّقِ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ وَأَكْثَرُ مَا تَقَعُ فِيهِ الْمُنَازَعَةُ التَّرِكَةُ الَّتِي تَصِيرُ فِي يَدِ الْمُوصِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا فِي الْكِتَابِ إنْ كَتَبَ فِيهِ أَنَّهُ يُعْمَلُ كَذَا إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا أَوْ فِي سَفَرِهِ هَذَا فَرَجَعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ وَبَرَأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ وَقَدْ فَاتَ ، وَالْوَصِيَّةُ إلَى الْغَيْرِ إثْبَاتُ الْخِلَافَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالْوَكَالَةِ أَوْ هِيَ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ بِمَنْزِلَةِ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فَيَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ .
وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ ، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا : أَنَّ أَحَدَ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْوَصَايَا تُثْبِتُ الْوِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي التَّصَرُّفِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ يَتَصَرَّفُ بِانْفِرَادِهِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَالْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَالْأَبَوَيْنِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَبِتَكَامُلِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ إنَابَةٌ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُمَا نَائِبَيْنِ عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِنَابَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ ، وَبَيَانُ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ التَّصَرُّفِ الْفَرْقُ لِلْمُوصِي ، لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ وِلَايَةِ الْمُوصِي وَالْإِنَابَةُ تَسْتَدْعِي قِيَامَ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ ، وَتُبْطِلُ سُقُوطَ وِلَايَتِهِ كَالْوَكَالَةِ .
وَأَمَّا الْوِلَايَةُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ
فَتَسْتَدْعِي سُقُوطَ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ أَصْلٌ لِيَصِيرَ الْخَلَفُ قَائِمًا مُقَامَهُ كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا : سَبَبُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ التَّفْوِيضُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ سَبَبِ التَّفْوِيضِ ، وَإِنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا حَقَّ التَّصَرُّفِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا مِنْ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فَالسَّبَبُ هُنَاكَ الْأُخُوَّةُ ، وَهِيَ مُتَكَامِلَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِاعْتِبَارِ اخْتِيَارِ الْمُوصِي وَرِضَاهُ بِهِ ، وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى فَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى ، وَمَقْصُودُهُ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ رَأْيَيْهِمَا أَظْهَرُ فَأَشْبَهَتْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْوَكَالَةَ فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ فَهُوَ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلصَّغِيرِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَالْخُصُومَةُ وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ لِمَا قُلْنَا ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ؛ لِأَنَّ التَّجْهِيزَ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا إلْحَاقُ الضَّرَرِ لَا تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّبِيِّ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصِيَ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِيهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ ، وَأَمَّا قَضَاءُ الدَّيْنِ ؛ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَسْتَبِدُّ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إلَى فِعْلٍ أَوْ رَأْيٍ مِنْ الْوَصِيِّ فَرَدُّ الْوَدِيعَةِ كَذَلِكَ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَلِكَ فَالْوَصِيُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ
فَكَذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْخُصُومَةِ مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمَا ، وَإِنْ حَضَرَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَكَلَّمَا جَمِيعًا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي كَلَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ وَلِهَذَا مَلَكَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ الْخُصُومَةَ وَالتَّفَرُّدَ بِهَا أَمَّا قَبُولُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الصَّبِيَّ يَقْبَلُ بِنَفْسِهِ وَمَنْ يَعُولُهُ ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ لَهُ فَأَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ بِذَلِكَ أَوْلَى فَأَمَّا اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَاسْتِرْدَادُ الْوَدِيعَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ ، وَيَتَحَقَّقُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ وَفِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَحِفْظِ الْمُثَنَّى وَإِنَّمَا رَضِيَ الْمُوصِي بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا إنَّ هَاهُنَا يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وُكِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ إنَّمَا نُثْبِتُ الْوَصِيَّةَ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِالْإِيصَاءِ إلَى الثَّانِي يَقْصِدُ إشْرَاكَهُ مَعَ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ إشْرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَاكَ فَيَضُمُّ لَهُ غَيْرَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ هُنَاكَ .
وَإِذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ يُمَكِّنُ الْمُوَكَّلَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ
قَصْدُهُ ضَمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ إنَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَابَهُ بِانْفِرَادِهِ ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ فَلِأَنَّ الْآخَرَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ ، وَالْقَاضِي قَائِمٌ مُقَامَ الْمَيِّتِ فِي النَّظَرِ فَيُعْجِزُهُ بِنَفْسِهِ عَنْ النَّظَرِ فَيَضُمُّ إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَإِنَّمَا كَانَ الْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَ مُتَصَرِّفِينَ فِي حُقُوقِهِ وَتَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ نَصَبَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَيَّ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ ، وَلَا يَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْضَى بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَرْضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ .
وَإِذَا مَاتَ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيُّهُ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ بِحَالٍ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ إلَيْهِ بِوَصِيَّةِ الْأَوَّلِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ بِوَصِيَّةِ الْأَوَّلِ التَّصَرُّفُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِعَقْدٍ فَهُوَ كَالْمُفَوَّضِ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ الْوَكِيلُ ، ثُمَّ الْوَكَالَةُ تَنْقَطِعُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا مَاتَ وَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ سُقُوطِ وِلَايَةِ وَصِيٍّ ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ
الْوَصِيَّةُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوصِي حُكْمًا كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِالْمَالِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ حُكْمًا وَفِقْهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصِيَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ فِي الرَّأْيِ يَتَفَاوَتُونَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِرَأْيِ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوَكِّلُ الْوَصِيُّ أَيْضًا عِنْدِي ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ الْوَصِيُّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى الْغَيْرِ كَالْجَدِّ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ فِي الْمَالِ إلَى الْوَصِيِّ فِي النَّفْسِ وَإِلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ ، ثُمَّ الْجَدُّ فِيمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قَائِمٌ مُقَامَ الْأَبِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ يُجْعَلُ الْأَوَّلُ قَائِمًا حُكْمًا وَالْخَلَفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ ، وَمِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ إعْدَامُ الْأَصْلِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي أَنْ يَتَدَارَكَ بِرَأْيِهِ مَا فَرَّطَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَلَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى الْغَيْرِ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ ، وَبِهِ فَارَقَ الْوَكِيلَ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَاكَ قَائِمٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِوَكِيلِهِ الرِّضَا بِوَكِيلِ غَيْرِهِ أَوْ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، فَأَمَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَيَقُولُ : هُوَ بِمُطْلَقِ الْإِيصَاءِ يَجْعَلُ الْوَصِيَّ خَلَفًا عَنْهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَحُقُوقِهِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا ، وَهَذَا مَقْصُورٌ عَلَى تَرِكَتِهِ فَأَمَّا التَّصَرُّفُ فِي تَرِكَةِ الْمُوصِي فَلَيْسَ مِنْ حَوَائِجِهِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ .
وَلَكِنَّا نَقُولُ بَعْدَ قَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ وَمَوْتِ الْمُوصِي صَارَ التَّصَرُّفُ فِي تَرِكَةِ الْأَوَّلِ
وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ مِنْ حَوَائِجِهِ فِيمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِي تَرِكَةِ نَفْسِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ خَلَفًا عِنْد قَائِمًا مُقَامَهُ فِي كُلِّ مَكَان يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ مِمَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ إلَى الْغَيْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَدْ كَانَ مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِي التَّرِكَتَيْنِ جَمِيعًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَخْلُفُهُ الْوَصِيُّ الثَّانِي فِيهِمَا جَمِيعًا بِمُطْلَقِ الْإِيصَاءِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَخُصَّ تَرِكَتَهُ عِنْدَ الْإِيصَاءِ إلَى الثَّانِي فَحِينَئِذٍ يُعْمَلُ تَخْصِيصُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ لِنَفْسِهِ فِي هَذَا التَّخْصِيصِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ ، وَبَالَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حَيًّا وَمَيِّتًا .
وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ لَهُ لَازِمَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُوصِي وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ وَبَعْدَ مَا قَبِلَ الْوَصِيُّ لَوْ جَازَ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ تَضَرَّرَ بِهِ الْمُوصَى ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ النَّظَرَ وَالْإِيصَاءَ إلَى الْغَيْرِ اعْتِمَادًا عَلَى قَبُولِهِ وَيَصِيرُ هَذَا الْوَصِيُّ بِالْقَبُولِ كَالْغَارِّ لَهُ وَالْغَرُورُ حَرَامٌ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هُنَاكَ ، وَإِنْ قَبِلَهُ فِي حَيَاتِهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَ فِي رَدِّهِ مَعْنَى الضَّرَرِ وَالْغَرُورُ حَقُّ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّهُ لَا يَضِيعُ الْمَالُ بَلْ يَصِيرُ إلَى وَارِثِهِ وَذَلِكَ خَيْرٌ لِلْمُوصِي شَرْعًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيُّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِدُونِ قَبُولِهِ كَالْوَكَالَةِ ، وَلَيْسَ فِي رَدِّهِ هُنَا غَرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِنَّمَا الْمُوصِي هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ حِينَ
لَمْ يَعْرِفْ عَنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ أَمْ لَا ، فَإِنْ رَدَّهُ فِي وَجْهِ الْمُوصِي فَقَالَ الْمُوصِي مَا كَانَ ظَنِّي بِك هَذَا فَمَنْ يَقْبَلُ وَصِيَّتِي إذَا أَمْكَثَ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي ، ثُمَّ قَبِلَ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّ بِرَدِّهِ فِي وَجْهِهِ بَطَلَتْ الْوِصَايَةُ فَلَا يُمْكِنُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي ، ثُمَّ قَبِلَهَا بِأَنْ سَمِعَ كَلَامَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ : رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي إنَّمَا يَتِمُّ إذَا بَلَغَ الْمُوصِي فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى قَبِلَ صَارَ كَأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُوجَدْ .
وَلَكِنَّا نَقُولُ : قَبْلَ الْقَبُولِ هُوَ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي ، وَفِي حَالِ غَيْبَتِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ قَبِلَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَهَا فِي وَجْهِهِ بَلْ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ وِلَايَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَلْزَمَ مِنْهُ قَبْلَ أَوَانِهِ ، ثُمَّ دَلِيلُ الْقَبُولِ كَصَرِيحِ الْقَبُولِ حَتَّى لَوْ بَاعَ بَعْضَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَوْ اشْتَرَى لِلْوَرَثَةِ بَعْضَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَوْ اقْتَضَى مَالًا أَوْ قَضَاهُ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَبُولِ وَالرِّضَى بِهِ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ أَوْ الْفَسْخِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِبَرِيرَةَ : إنْ وَطِئَك الزَّوْجُ فَلَا خِيَارَ لَك } ، وَإِذَا اشْتَكَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اخْتَارَهُ وَرَضِيَ بِهِ وَالشَّاكِي قَدْ يَكُونُ ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِيَانَتَهُ لَا
يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي النَّظَرِ لَهُ وَالِاسْتِبْدَالِ بِهِ ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ خِيَانَةً عَزَلَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اعْتَمَدَ فِي اخْتِيَارِهِ أَمَانَتَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِخِيَانَتِهِ عَزَلَهُ وَالْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ قَائِمٌ مُقَامَهُ نَظَرًا مِنْهُ لِلْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي شَكَا إلَى الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ عَلِمَ عَدَالَتَهُ وَعَجْزَهُ عَنْ الِاسْتِبْدَالِ ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ الْوَصِيُّ بِالْعَجْزِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِ نَفْسِهِ أَوْ يَتْرُكَ التَّصَرُّفَ فِي حَوَائِجِ الْمُوصِي فَيَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِي مَقْصُودِهِ وَيَرْتَفِعُ هَذَا الْخَلَلُ بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ ، وَإِنْ ظَهَرَ عِنْدَهُ عَجْزُهُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ اسْتَبْدَلَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ .
وَلَوْ ظَهَرَ عِنْدَ الْمُوصِي فِي حَيَاتِهِ عَجْزُهُ اسْتَبْدَلَ بِهِ فَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ مُقَامَهُ فِي النَّظَرِ ، وَهُوَ الْقَاضِي .
وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ ، وَالرِّقُّ يَنْفِي وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَمْنَعُ وِلَايَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ ، فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِهِ ، وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ أَوْ فِيهِمْ كَبِيرٌ فَلِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَيَمْنَعُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّفِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا كُلُّهُمْ فَالْوَصِيَّةُ إلَيْهِمْ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ،
وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الَّذِي يَنْفِي الْوِلَايَةَ قَائِمٌ فِي عَبْدِهِ كَمَا هُوَ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْوَرَثَةِ ، وَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : أَوْصَى إلَى مُخَاطَبٍ مُطَّلِعٍ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا مُطَّلِعٌ أَيْ مُسْتَنِدٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِ الْمُوصِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَنْعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا اكْتِسَابَ سَبَبٍ يَمْنَعُهُ .
وَلَوْ كَانَ الرِّقُّ يَمْنَعُ الْإِيصَاءَ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمُكَاتَبِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ : الْمُكَاتَبُ لَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الصِّغَارُ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ كَانُوا يَمْلِكُونَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَلَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لَهُ فِي حُقُوقِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ تَوَفُّرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ فَإِنَّ مَنْ رَبَّى عَبْدَهُ وَأَحْسَنَ إلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ شَفَقَتَهُ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَفَقَةِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ لِلْوَصِيَّةِ فَلِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ جَوَّزَ الْوِصَايَةَ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا كَالْوَصِيَّةِ إلَى مُكَاتَبِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ عَادَ قِنًّا فَيَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ ، وَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ إلَى حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْوَصِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ ، وَلَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ وَلَا لِلْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ ،
ثُمَّ الْوَصِيُّ يَخْلُفُ الْمُوصِيَ فِي التَّصَرُّفِ كَمَا أَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِي الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ ، ثُمَّ الْكَافِرُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ إلَى الْحَرْبِيِّ لَمْ تَجُزْ لِهَذَا الْمَعْنَى .
وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ إلَى الذِّمِّيِّ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ وِلَايَةٌ بِالْقَرَابَةِ فَكَذَلِكَ بِالتَّفْوِيضِ ، وَأَحَدُهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا لَهُ أَيْضًا .
وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَوْ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ أَعْمَى أَوْ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ إرْثًا وَتَصَرُّفًا .
وَلَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ مِنْهُمْ مُتَخَوِّفٍ عَلَى مَالِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الْغَيْرِ إنَّمَا يَجُوزُ شَرْعًا لِيَتِمَّ بِهِ نَظَرُ الْمُوصِي لِنَفْسِهِ وَلِأَوْلَادِهِ وَبِالْإِيصَاءِ إلَى الْفَاسِقِ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ بَاطِلَةٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَصِيًّا بَلْ يَصِيرُ وَصِيًّا لِكَوْنِ الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ إرْثًا وَتَصَرُّفًا حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ نَظَرُ الْمُوصِي لِنَفْسِهِ ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ بِالْمَوْتِ أَنَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَوْصَى مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ لِهَذَا ، وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِمَالِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَسَائِرِ أَسْبَابِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا إلَّا فِيمَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ إلَى الْغَيْرِ فَيَخْتَصُّ بِمَا خَصَّهُ بِهِ الْمُفَوِّضُ كَالتَّوْكِيلِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْوَصِيَّ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فَيُثْبِتُ هَذِهِ
الْوِلَايَةَ إيجَابُ الْمُوصِي ، وَقِيلَ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ لَمَّا كَانَ سَبَبُ التَّقْلِيدِ كَانَ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الْغَيْرِ مَشْرُوعٌ بِحَاجَةِ الْمُوصِي ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَاجَتِهِ فَرُبَّمَا يَكُونُ التَّفْرِيطُ مِنْهُ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ فَنَجْعَلُهُ وَصِيًّا فِيمَا فَرَّطَ فِيهِ ، وَرُبَّمَا يُؤْتَمَنُ هَذَا الْوَصِيُّ عَلَى نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ أَوْ يُعْرَفُ هِدَايَتُهُ فِي نَوْعٍ مِنْ التَّصَرُّفِ دُونَ نَوْعٍ ، وَرُبَّمَا يَعْرِفُ شَفَقَةَ الْأُمِّ عَلَى الْأَوْلَادِ ، وَلَا يَأْتَمِنُهَا عَلَى مَالِهِمْ فَيَجْعَلُ الْغَيْرَ وَصِيًّا عَلَى الْمَالِ دُونَ الْأَوْلَادِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَكَانَ هَذَا تَخْصِيصًا مُقَيَّدًا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَنْصَرِفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَكُونُ كَالْجَدِّ ، وَكَمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْجَدِّ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَقْبَلُ النَّقْلَ إلَيْهِ وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْإِيصَاءَ يَتِمُّ بِقَوْلِهِ أَوْصَيْت إلَيْك مُطْلَقًا .
وَلَوْ كَانَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْإِنَابَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ كَالتَّوْكِيلِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك بِمَالِي لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : جَعَلْتُك حَاكِمًا لَا يَمْلِكُ تَنْفِيذَ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَهَهُنَا لَمَّا صَحَّ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ مُطْلَقًا عَرَفْنَا أَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْوِلَايَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ وِلَايَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ وِلَايَةِ الْمُوصِي بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْحُكُومَةِ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِيصَاءَ تَفْوِيضٌ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا التَّفْوِيضُ إنَّمَا يُعْمَلُ بَعْدَ زَوَالِ وِلَايَةِ الْمُوصِي وَعَجْزِهِ عَنْ النَّظَرِ كَانَ جَوَازُهُ لِحَاجَتِهِ ، وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَهُوَ عِنْدَ الْإِيصَاءِ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ مَا يَحْتَاجُونَ فِيهِ إلَى
النَّائِبِ بَعْدَهُ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْوَصِيِّ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ تَضَرَّرَ بِهِ الْمُوصِي ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّخْصِيصِ لَمْ يَقْصِدْ تَنْفِيذَ وِلَايَتِهِ بِمَا سُمِّيَ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ نَوْعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَهَمَّ عِنْدَهُ وَالْإِنْسَانُ فِي مِثْلِ هَذَا يَذْكُرُ الْأَهَمَّ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فَإِذَا تَجَدَّدَتْ الْحَاجَةُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَفْوِيضِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي التَّقْلِيدِ ، فَإِنَّ رَأْيَ الْمُقَلِّدِ قَائِمٌ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَفْصِلَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ
وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِهِ الْمُعَيِّنِ إلَى رَجُلٍ وَبِتَقَاضِي الدَّيْنِ إلَى آخَرَ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيٌّ فِيمَا سُمِّيَ لَهُ خَاصَّةً ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُوصِيَ أَحْسَنَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ هَهُنَا حِينَ اخْتَارَ التَّصَرُّفَ فِي الْعَيْنِ بِمَنْ يَكُونُ أَمِينًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَاخْتَارَ لِتَقَاضِي الدَّيْنِ مَنْ يَكُونُ مُهْتَدِيًا إلَى ذَلِكَ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إنَّمَا قُلْنَا تَتَعَدَّى الْوِصَايَةُ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ ؛ لِأَنَّ بِهِ تَمَامَ النَّظَرِ لِلْمَيِّتِ وَتَمَامُ النَّظَرِ هَهُنَا فِي أَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سُمِّيَ لَهُ فَإِنَّمَا يُخْتَارُ لِيَتَقَاضَى إلَى النَّاسِ وَلِلتَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ أَمِينُ النَّاسِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ هُنَاكَ التَّصَرُّفَ فِي بَعْضِ الْأَنْوَاعِ لِلْوَصِيِّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَفِي الْبَعْضِ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَيَلْحَقُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهَهُنَا التَّصَرُّفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا سُمِّيَ لَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ ، وَفِي إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا قَصْرُ وِلَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّا سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْإِيصَاءُ إلَى الْغَيْرِ مَمْلُوكٌ لِلْمُوصِي شَرْعًا ، وَالتَّقْيِيدُ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ تَصَرُّفَهُ بِنَوْعٍ وَنَهَاهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ ، وَلَكِنْ لَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْكُلِّ عَرَفْنَا أَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَذَلِكَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِمَا .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ النَّوْعَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ
وَالْآخَرَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْوَاحِدِ إذَا نُصَّ لَهُ عَلَى نَوْعٍ تَتَعَدَّى وِلَايَتُهُ إلَى سَائِرِ الْأَنْوَاعِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا خَاصًّا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِسَائِرِ الْأَنْوَاعِ يَثْبُتُ لَهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ فَكَذَلِكَ فِي النَّوْعِ الَّذِي سُمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا تَقْبَلُ التَّمْيِيزَ فِي الْأَنْوَاعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَائِبُهُ فِي بَعْضِهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ .
وَلَوْ قَالَ فُلَانٌ وَصِيِّي حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ إلَى فُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا لِكَوْنِ مَنْ يَخْتَارُهُ لِوَصِيَّتِهِ غَائِبًا فَيَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ غَيْرِهِ لِكَيْ لَا يَضِيعَ مَالُهُ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ ، ثُمَّ إذَا قَدِمَ فَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْوَصِيَّةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْخَاصَّةَ إلَى الْوَصِيِّ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَهَتْ بِقُدُومِ الثَّانِي فَهُوَ كَالْمُنْتَهِي بِبُلُوغِ الْوَلَدِ ، وَقَدْ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ لِلثَّانِي مُعَلَّقَةً بِقُدُومِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ، ثُمَّ بِهَذَا الْفَصْلِ يَسْتَدِلُّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَقُولُ : التَّقْيِيدُ تَارَةً يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ ، ثُمَّ لَمَّا صَحَّ النَّوْعُ لَهُ أَنْ يُقَيِّدَ بِصَرْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِزَمَانٍ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالنَّوْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّى نَوْعًا ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَائِرَ الْأَنْوَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ كَالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً كَانَ وَصِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْوَلَدُ ، ثُمَّ إذَا نَصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَهُمَا
وَصِيَّانِ فَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَقِّ الثَّانِي تَنْضَافُ إلَى مَا بَعْدَ قُدُومِهِ ، وَفِي حَقِّ الْآخَرِ مُطْلَقَةٌ فَيَتَصَرَّفُ الْأَوَّلُ إلَى أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى وَقْتٍ أَوْ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَهُ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ صَارَ الثَّانِي وَصِيًّا وَالْأَوَّلُ وَصِيٌّ فَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّصَرُّفِ .
وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَهُنَا لَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بِحَالٍ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا مُطْلَقٌ وَفِي الْآخَرِ مُعَلَّقٌ فَأَمَّا هَهُنَا فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا سِوَى النَّوْعَيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا ، وَالْعَقْدُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطْلَقٌ ؛ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِلَافَةِ لَهُمَا وَاحِدٌ ، وَهُوَ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ فَلِهَذَا تَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ وَلَدِهِ وَمِيرَاثِهِمْ إلَى رَجُلٍ وَبِبَقِيَّةِ وَلَدِهِ وَمِيرَاثِهِمْ إلَى آخَرَ فَهُمَا وَصِيَّانِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُوصِي كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْكُلِّ ، وَهِيَ مِمَّا تَقْبَلُ النَّقْلَ إلَى الْغَيْرِ بِالْإِيصَاءِ فَيَقُومَانِ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي الْمَالِ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا اسْتَوْدَعَاهُ رَجُلًا ، وَإِنْ أَحَبَّا كَانَ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَالِ إلَيْهِمَا ، وَيَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْقَطِعَانِ بِذَلِكَ عَنْ أَشْغَالِهِمَا فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَحْفَظَ نِصْفَهُ كَالْمُودِعِينَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، وَإِنْ أَحَبَّا اسْتَوْدَعَاهُ رَجُلًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ كَانَ وَاحِدًا كَانَ لَهُ أَنْ يُودِعَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي
فِيمَا لَهُ مِنْ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْإِيدَاعُ يَدْخُلُ فِي هَذَا وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْحِفْظِ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ فَإِذَا جَازَ لِلْوَصِيِّ الْوَاحِدِ أَنْ يُودِعَ الْمَالَ جَازَ لِلْوَصِيَّيْنِ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا جَازَ لَهُمَا أَنْ يُودِعَاهُ غَيْرَهُمَا فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُمَا أَنْ يُودِعَاهُ أَحَدَهُمَا ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ رَأْيِ الْمُوصِي كَانَ أَوْلَى .
قَالَ : وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَيُشَارِكَ بِهِ لَهُمْ ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى التِّجَارَةِ فِي مَالِهِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَهُ قَائِمًا مُقَامَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِيَكُونَ الْمَالُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ دَفْعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِلتَّصَرُّفِ كَالْوَكِيلِ .
وَلَكِنَّا نَقُولُ : هُوَ قَائِمٌ مُقَامَ الْمُوصِي فِي وِلَايَتِهِ فِي مَالِ الْوَلَدِ ، وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَفْعَلَ هَذَا كُلَّهُ فِي مَالِهِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَا يَكُونُ أَصْلَحَ لِلْيَتِيمِ وَأَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَقَالَ تَعَالَى { وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ } وَقَدْ يَكُونُ الْأَحْسَنُ فِي تَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِعَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ إمَّا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ أَوْ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا لَمْ يُشْهِدْ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِالْمَالِ مُضَارَبَةً كَانَ مَا اشْتَرَى لِلْوَرَثَةِ ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمْ قَائِمٌ مُقَامَهُمْ .
وَلَوْ تَصَرَّفُوا بِأَنْفُسِهِمْ كَانَ الرِّبْحُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ فَكَذَلِكَ
الْوَصِيُّ إذَا تَصَرَّفَ ، ثُمَّ هُوَ كَتَبَ أَعْمَلُ فِيهِ مُضَارَبَةً يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمِينٍ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِالْمَالِ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْإِشْهَادِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ عَلَيْهِمْ بَلْ يَبْقَى بَعْضُ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَيَجْعَلُ بَعْضَ ذَلِكَ لَهُمْ بِاعْتِبَارِ مَالِهِمْ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ ؛ فَلِهَذَا يَجُوزُ .
وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ أَهْلَ الْوَصِيَّةِ فَأَعْطَاهُمْ الثُّلُثَ ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مُقَامَ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْمُوصِيَ أَثْبَتَ لَهُ هَذِهِ الْخِلَافَةَ لِحَاجَةِ وَرَثَتِهِ إلَى ذَلِكَ ؛ وَلِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ لَهُمْ إلَى أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ فَجَازَتْ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصِيَّةِ كَمَا تَجُوزُ مُقَاسَمَةُ الْوَرَثَةِ مَعَهُمْ أَنْ لَوْ كَانُوا بَالِغِينَ ، فَإِنْ هَلَكَتْ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى أَهْلِ الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي قَسْمِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ كَبِيرًا وَصَاحِبُ الْوَصِيَّةِ صَغِيرًا فَأَعْطَى الْوَصِيُّ الْوَارِثَ الثُّلُثَيْنِ ، وَأَمْسَكَ الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْقِسْمَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ الثُّلُثُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ كَانَ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَارِثِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمُقَاسَمَةِ مَعَ الْوَرَثَةِ ، ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُ الْمَالَ ابْتِدَاءً بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَبْقَى لَهُ مَا كَانَ مِنْ الْمِلْكِ لِلْمَيِّتِ فِي الْمُقَاسَمَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي تَمَيُّزِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُ بِقَبُولِهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَأَمَّا الْوَارِثُ
فَيَخْلُفُ الْمَوْرُوثَ فِي مِلْكِهِ وَيَبْقَى لَهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمَوْرُوثِ وَلِهَذَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ فَيَقُومُ الْوَصِيُّ مُقَامَهُ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ هَهُنَا فَمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ يَهْلَكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا يَبْقَى يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَقَالَ الْوَصِيُّ : أَنْفَقْت عَلَيْهِمْ كَذَا دِرْهَمًا ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَفَقَةَ مِثْلِهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ زِيَادَةَ شَيْءٍ قَلِيلٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ اتَّهَمُوهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ مَعَ الْيَمِينِ ثُمَّ هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَبِالْقَلِيلِ مِنْ الزِّيَادَةِ لَا يَخْرُجُ إنْفَاقُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْمُسَلَّطُ عَلَى الشَّيْءِ إذَا أُخْبِرَ فِيمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ فِيهِ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ كَالْمُودِعِ يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ .
وَإِنْ اتَّهَمُوهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِدَفْعِ التُّهْمَةِ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْكَبِيرَ ، وَأَعْطَاهُ حِصَّتَهُ وَأَمْسَكَ حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الصَّغِيرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَالْمُقَاسَمَةُ مَعَ الْكَبِيرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَيَّزَ بِهِ مِلْكُهُ عَنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الصَّغِيرِ بَعْدَ بُلُوغِهِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا ، فَقَالَ الْوَصِيُّ : أَنْفَقْت عَلَى هَذَا كَذَا ، وَعَلَى هَذَا كَذَا ، وَكَانَتْ نَفَقَةُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يُعْرَفُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَاجَةِ ، وَرُبَّمَا تَكُونُ حَاجَةُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ لَأَنْ كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا ، أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَكْلِ فَبِاخْتِيَارِهِ مَعَ التَّفَاوُتِ لَا يَزُولُ احْتِمَالُ الصِّدْقِ فِي كَلَامِهِ
وَلَا يَخْرُجُ الظَّاهِرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لَهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِذَا قَالَ الْوَصِيُّ لِلْوَارِثَيْنِ وَهُمَا كَبِيرَانِ : قَدْ أَعْطَيْتُكُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ الْمِيرَاثُ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : صَدَقْت وَقَالَ الْآخَرُ : كَذَبْت فَإِنَّ الَّذِي صَدَّقَهُ ضَامِنٌ لِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا يُؤَدِّيهَا إلَى شَرِيكِهِ بَعْدَ مَا يَحْلِفُ شَرِيكُهُ مَا قَبَضَ الْخَمْسَمِائَةِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَخْبَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَقَدْ أَقَرَّ الَّذِي صَدَّقَهُ بِقَبْضِ خَمْسِمِائَةٍ ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ وَقَوْلُ الْوَصِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ فِي وُصُولِ الْخَمْسِمِائَةِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولًا فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي أَقَرَّ الْمُصَدِّقُ بِقَبْضِهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَهَا إلَى شَرِيكِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ شَرِيكُهُ مَا قَبَضَ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ يَدَّعِي الِاخْتِصَاصَ بِهَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ وَالْوَصِيُّ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِصَاصُ بِقَوْلِهِمَا وَمَا زَادَ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ مِنْ التَّرِكَةِ كَالْبَادِي .
وَإِذَا قَسَّمَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ، وَهُمْ صِغَارٌ وَعَزَلَ لِكُلِّ إنْسَانٍ نَصِيبَهُ أَوْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا وَذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْكِبَارِ لَمْ يَجُزْ وَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ مِنْهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَمْيِيزِ الْأَنْصِبَاءِ وَالْوَاحِدُ لَا يَنْفَرِدُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ الْوَصِيُّ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتَامَى مَعَ نَفْسِهِ إلَّا لِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ تَكُونُ لَهُمْ وَبِالْقِسْمَةِ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ بَاطِلَةً وَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ يَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَإِذَا قَضَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ بِشُهُودٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ قَضَى ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِي
حَوَائِجِهِ وَتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِهِ وَقَدْ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ دَيْنَهُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِلْمُوصِي أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ الْقَاضِي ، وَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِحِصَّةِ الْغَرِيمِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَإِنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ ، وَفِي التَّخْصِيصِ إبْطَالُ حَقِّ بَعْضِهِمْ وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ فَيَكُونُ دَفْعُهُ جِنَايَةً فِي حَقِّ الْغَرِيمِ الْآخَرِ .
وَإِنْ كَانَ أَعْطَى الْأَوَّلَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَدَفْعِ الْقَاضِي ، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَتَّبِعُ الْقَابِضَ وَالْقَاضِي بِهَذَا لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا فَالْمَأْمُورُ مِنْ جِهَتِهِ بِالدَّفْعِ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَتَّبِعُ الْقَابِضَ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقَّيْهِمَا ، ثُمَّ لَيْسَ فِي الدَّفْعِ بِأَمْرِ الْقَاضِي إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ عَنْ الْمَدْفُوعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي فَالْقَابِضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْجُحُودِ وَأَمَّا إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَذَلِكَ مِنْهُ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْآخَرِ أَوْ بِغَيْرِ نَصٍّ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ رُبَّمَا يَجْحَدُ الْقَبْضَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْغَرِيمُ الْآخَرُ مِنْ اتِّبَاعِهِ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ فَدَفَعَا إلَى رَجُلٍ دَيْنًا وَشَهِدَا أَنَّهُ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ، ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فَهُمَا ضَامِنَانِ لِجَمِيعِ مَا دَفَعَا ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهَا فَقَدْ صَارَا ضَامِنَيْنِ لِمَا دَفَعَا إلَى الطَّالِبِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ ، وَإِنَّمَا قَصَدَا بِشَهَادَتِهِمَا إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَإِذَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِذَلِكَ بَقِيَ دَفْعُهُمَا الْمَالَ الْمُدَّعَى جِنَايَةً فِي حَقِّ مَنْ أَثْبَتَ دَيْنَهُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فَكَانَا ضَامِنَيْنِ لِجَمِيعِ مَا دَفَعَا .
وَلَوْ لَمْ يَكُونَا دَفَعَا حَتَّى شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي فَقَضَى الْقَاضِي بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ وَإِنَّمَا دَفَعَا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا وَأَمَرَهُمَا بِالدَّفْعِ ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى دَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا ضَمَانٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجَانِبِ ، وَإِنَّمَا دَفَعَا بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ، وَلَكِنَّ الْغَرِيمَ يَتَّبِعُ الْمَقْضِيَّ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّهِمَا .
قَالَ : وَلَوْ شَهِدَ وَارِثَانِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا ، وَهِيَ كَشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ عَلَيْهِمَا فِيهَا ضَرَرٌ ، وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ فِيمَا يُكَفَّنُ بِهِ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ أَمِينٌ مَنْصُوبٌ لَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ الْكَفَنَ مِنْ مَالِهِ وَنَقَدَ لَهُ الثَّمَنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ كَفَنٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْكَفَنَ لَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ مَالُ الْمَيِّتِ حَاضِرًا يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ مِنْهُ
فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ الْوَصِيُّ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ، وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ دَيْنًا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ بِشُهُودٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ ، وَهُوَ الَّذِي يُخَاصَمُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ مَعْنَاهُ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي حَالٍ لَا يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ .
وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بَيْنَ أَدَائِهِ مِنْ مَالِهِ وَبَيْنَ أَدَائِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِهِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ مِنْ مَالِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَوْ يُؤَدِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ خَرَاجَهُمْ بِشُهُودٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ لَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ وَفِي الْخَرَاجِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِالْأَدَاءِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّأْخِيرِ فَيُؤَدِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ تَيْسِيرِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَدَاءِ الْخَرَاجِ وَلَا شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ ، وَهُوَ لَمْ يُجْعَلْ أَمِينًا فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ عِنْدَهُ مَالٌ فَقَالَ : أَدَّيْت مِنْهُ وَأَنْفَقْت مِنْهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُودَعِ إذَا أَمَرَهُ الْمُودِعُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ قَضَى صَاحِبَ الدَّيْنِ دَيْنَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ فِي بَرَاءَةِ