كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
وَإِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ رَجُلٍ جَازَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ الثَّابِتَ لَهُ عَلَيْهَا سَبَبُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُلْزَمٍ لِلْمَوْلَى فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَرْوِيجِهِ إيَّاهَا فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ فَلِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَأَمَّا ثُبُوتُ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِهَذَا الْوَلَدِ فَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا بِصِفَتِهَا وَكَمَا أَنَّهَا تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ وَلَا تَسْعَى لِأَحَدٍ فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْفَصِلُ مِنْ الْحُرِّ إلَّا حُرًّا وَعَلَى الْمَوْلَى فِي جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ قِيمَتُهَا لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيلَادِ السَّابِقِ مَنَعَ دَفْعَهَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَجْنِي ، وَلَوْ كَانَتْ مَحَلَّ الدَّفْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا دَفْعُهَا بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهَا فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً ، وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهَا بِغَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهَا وَلَوْ كَانَتْ مَحَلَّ الْبَيْعِ لَكَانَتْ تُبَاعُ فِيهِ وَيَصْرِفُ كَسْبَهَا وَرَقَبَتَهَا إلَى دُيُونِهَا فَإِذَا تَعَذَّرَ بَيْعُهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَجَبَ قَضَاءُ دُيُونِهَا مِنْ كَسْبِهَا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا تَتَبَاعَدُ مِنْ الْجَانِي وَتَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ دَيْنَ الْمَمْلُوكِ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ وَلَا تَبْقَى الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَنْفِهِ ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } وَلَكِنْ يَنْتَفِي عَنْهُ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ
عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ يَلْزَمُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا لَا يَلْزَمُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأُمِّ وَلَدٍ سَوَاءٌ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ عِنْدَهُ الْأَمَةُ تَصِيرُ فِرَاشًا بِنَفْسِ الْوَطْءِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا أَيْضًا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الدَّعْوَى فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَهُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ هَذَا الْفِرَاشِ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ هَذَا الْفِرَاشِ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا يَلْزَمُهُ النَّسَبُ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ شَرْعًا فَلَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ وَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ فَقَدْ انْعَدَمَ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّ بِسَبَبِهَا كَانَ اشْتِغَالُ رَحِمِهَا بِمَائِهِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ النَّسَبُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَعِنْدَنَا لَهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِرَاشٌ مُعْتَبَرٌ وَلِهَذَا لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ فَثَبَتَ النَّسَبُ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ وَلَكِنَّ هَذَا الْفِرَاشَ غَيْرُ مُلْزِمٍ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَكَمَا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِ الْفِرَاشِ إلَى غَيْرِهِ يَنْفَرِدُ بِنَفْيِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ مَا لَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي أَوْ يَتَطَاوَلْ ذَلِكَ .
فَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّطَاوُلِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ
مِنْهُ دَلِيلُ الْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ بِالْإِقْرَارِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُدَّةِ التَّطَاوُلِ قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ اللِّعَان مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ ، فَأَمَّا الْأَمَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَدُهُمَا وَإِنْ حَصَّنَهُمَا وَطَلَبَ وَلَدَهُمَا مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ عِنْدَنَا وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْفِرَاشِ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نَسَبَ وَلَدِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ فِيمَا لَا تُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ فَأَمَّا إذَا عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرُ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْ بِالْوَلَدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَهُ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ حَصَّنَهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهَا وَحَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ وَلِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ سَبَبِهِ يَكُونُ مُحَالًا بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ النَّسَبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْهُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدَ وَيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَعْتِقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ نَسَبٍ لَيْسَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ شَرْعًا فَيَحْتَاطُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ فِي أَنْ يَدَّعِيَ النَّسَبَ وَلَكِنْ يَعْتِقُ الْوَلَدَ وَيَعْتِقُ الْأُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ .
وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْ الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ تَزْوِيجُهَا صَحِيحًا وَلَكِنَّ هَذَا التَّوَهُّمَ يُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ وَلَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ فَتَزْوِيجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ سَبَقَ النِّكَاحَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْلَى وَإِنْ زَوَّجَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَمَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ أَحَدٍ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ وَلَدْته لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَنَسَبُهُ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ .
وَإِذَا حُرِّمَتْ أُمُّ الْوَلَدِ عَلَى مَوْلَاهَا بِوَطْءِ ابْنِهِ إيَّاهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا اعْتَرَضَ عَلَى فِرَاشٍ آخَرَ فَيَكُونُ النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُ بِالْفِرَاشِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِهَذَا السَّبَبِ كَثُبُوتِهَا بِالْحَيْضِ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ الْفِرَاشَ وَلَكِنَّا نَقُولُ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَاجِبٌ فَلَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لَكَانَ فِيهِ حَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى الْفَسَادِ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِمُبَاشَرَةِ الْوَطْءِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُوجَدَ الدَّعْوَى مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَ الْحُرْمَةِ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ لِلِاحْتِمَالِ .
وَإِذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا بِالْحُرْمَةِ مَا صَارَتْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ لِتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِ لَا لِانْعِدَامِ الْفِرَاشِ حَتَّى إذَا ادَّعَى يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا فَقَدْ زَالَ الْفِرَاشُ إلَيْهَا بِالْعِتْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ لِهَذَا .
وَإِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمَ أَعْتَقَهَا فَنَفَاهُ فَنَفْيُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا قَدْ تَأَكَّدَ بِحُرِّيَّتِهَا .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا مِنْ غَيْرِهِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَكَانَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَة وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ مَتَى جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ النَّفْيَ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ .
وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَفِي الْمَغْرُورِ إذَا مَلَكَ الْجَارِيَةَ لَهُ وَجْهَانِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَشَرَطَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا أَنْ تَلِدَ مِنْ سَيِّدِهَا وَهَذِهِ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا لَا مِنْ سَيِّدِهَا } وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِالزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَلَدَ يَعْلَقُ حُرَّ الْأَصْلِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَمَاؤُهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِذَلِكَ الْجُزْءِ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ لِجَمِيعِهَا .
إلَّا أَنَّ اتِّصَالَ الْوَلَدِ بِهَا بِعَرْضِ الِانْفِصَالِ وَجَعْلِ الْوَلَدِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ ، فَلِوُجُودِ حَقِيقَةِ الِاتِّصَالِ أَثْبَتْنَا حَقَّ الْعِتْقِ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا وَلِكَوْنِهِ بِعَرْضِ الِانْفِصَالِ وَبِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فِي الْحَالِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ إذَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ ، وَحَقُّهَا فِي أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَى حَقِّ الْوَلَدِ فِي الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الِاسْتِيلَادُ بِالزِّنَا فَمِلْكُهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْأُمّ ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُونَ فِي الْمَغْرُورِ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا مَلَكَهَا ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِحُرٍّ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ مُوجِبَ الِاسْتِيلَادِ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا فَإِذَا حَصَلَ قَبْلَ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ الَّذِي لَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَالتَّدْبِيرِ وَحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَعَلَى
هَذَا الطَّرِيقِ فِي الْمَغْرُورِ يَقُولُونَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .
( وَحُجَّتُنَا ) فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ كَمَا اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِهِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ ثَبَتَ لَهَا بِالِاسْتِيلَادِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } وَالْمِلْكُ فِي الْمَحَلِّ شَرْطٌ فَإِذَا تَقَرَّرَ السَّبَبُ قَبْلَ الْمِلْكِ تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ لَمَّا تَقَرَّرَ السَّبَبُ قَبْلَ الْمِلْكِ وَهُوَ النَّسَبُ تَوَقُّفٌ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ حَتَّى إذَا مَلَكَهُ يَعْتِقُ فَكَذَلِكَ فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَابِعٌ الْوَلَدَ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَغْوٌ شَرْعًا فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ بَعْدَ الْمِلْكِ وَهَذَا السَّبَبُ مُتَقَرِّرٌ شَرْعًا .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ لِأُمِّ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ لِلْجُزْئِيَّةِ تَأْثِيرًا فِي النِّسْبَةِ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا فَتَصِيرُ هِيَ مَنْسُوبَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ حَتَّى يُقَالَ : أُمُّ وَلَدِهِ ، وَهَذَا مُتَقَرِّرٌ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِنِكَاحٍ كَانَ أَوْ بِمِلْكٍ وَلَا ، مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَهُ الْخَصْمُ مِنْ حُرِّيَّةِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حَقُّ الْعِتْقِ وَلَا حَقِيقَةُ الْعِتْقِ فَلَوْ كَانَ ثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ وَالْجُزْئِيَّةِ لَثَبَتَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْجُزْءِ وَالثَّابِتُ لِلْوَلَدِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْقُبُ الْوَلَاءَ وَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ وَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الطَّرِيقَ فِيهِ مَا قُلْنَا وَهُوَ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا
ظَاهِرًا أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَأَنْكَرَ مَوْلَاهَا ثُمَّ مَلَكَ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُعَامَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ .
فَأَمَّا إذَا اسْتَوْلَدَهَا بِالزِّنَا وَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ مَلَكَهَا فِي الْقِيَاسِ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْعِتْقِ وَلِلْوَلَدِ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ ثُمَّ فِي حَقِيقَة الْعِتْقِ لِلْوَلَدِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَوْ الزِّنَا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالُوا إنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِحَقِّ الْعِتْقِ لَهَا صَيْرُورَتُهَا مَنْسُوبَةً إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ بِالزِّنَا وَهِيَ لَا تَصِيرُ مَنْسُوبَةً إلَيْهِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ فَلِهَذَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَأَمَّا الْوَلَدُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَلَدِ فَقَدْ وُجِدَ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ لَا تَنْعَدِمُ حَقِيقَةً بِسَبَبِ أَنَّ الْوَلَدَ بِالزِّنَا ، وَالْإِنْسَانُ كَمَا لَا يَسْتَدِيمُ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَسْتَدِيمُ الْمِلْكَ عَلَى جُزْئِهِ فَلِهَذَا يُعْتِقُ الْوَلَدَ إذَا مَلَكَهُ .
يُقَرِّرُهُ أَنَّ حَالَ الْأُمِّ فِي حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ كَحَالِ الْأَخِ فَإِنَّهُ يَنْسِبُهُ إلَى أَخِيهِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ ثُمَّ مَنْ مَلَكَ أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يَعْتِقُ الْأَخُ ؛ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ قَدْ انْعَدَمَتْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِالزِّنَا فَكَذَلِكَ الْوَاسِطَةُ هُنَا قَدْ انْعَدَمَتْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ وَلَدِهَا بِالزِّنَا فَلِهَذَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبَده فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى يَعْتِقُ الْوَلَدُ وَتَكُونُ أُمُّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ وَهُنَا نَسَبُ الْوَلَدِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الْمَوْلَى وَمَعَ ذَلِكَ الْجَارِيَةُ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنَّمَا
كَانَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى بِعُلُوقٍ سَبَقَ النِّكَاحَ ، وَالشُّبْهَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ ، إلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ النَّسَبِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الزَّوْجِ وَاسْتِغْنَائِهِ بِهِ عَنْ النَّسَبِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ بِالزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِلنَّسَبِ هُنَاكَ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالزِّنَا وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فَادَّعَى أَحَدَهُمْ فَإِنْ كَانُوا وُلِدُوا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُمْ جَمِيعًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ النَّسَبِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا نَسَبُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَالْبَاقِيَانِ رَقِيقَانِ وَيَبِيعُهُمَا إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَتُهُ فِيهِمْ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمْ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا ذَاكَ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِهِمْ .
وَلَوْ وُلِدُوا فِي مِلْكِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ أَمَةُ رَجُلٍ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْأَصْغَرِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْآخَرَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ ادَّعَى الْأَكْبَرَ ثَبَتَ نَسَبُ الْأَكْبَرِ مِنْهُ وَالْأَوْسَطُ وَالْأَصْغَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْ حِينَ عَلِقْت بِالْأَكْبَرِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَنْفِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَخْصِيصُ الْأَكْبَرِ بِالدَّعْوَةِ دَلِيلُ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْآخَرَيْنِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَالْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَلَكِنَّا نَقُولُ يَحِقُّ عَلَيْهِ
شَرْعًا الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ وَلَدٍ وَهُوَ مِنْهُ وَلَمَّا خَصَّ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ هَذَا شَرْعًا كَانَ هَذَا نَفْيًا لِلْآخَرَيْنِ ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قِيلَ السُّكُوتُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَكِنَّ السُّكُوتَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيَانِ يُجْعَلُ دَلِيلَ النَّفْيِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَكَمَا أَنَّ دَلِيلَ الدَّعْوَةِ كَالتَّصْرِيحِ فَدَلِيلُ النَّفْيِ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، وَلَوْ نَفَى الْآخَرَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُمَا وَكَانَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِمَا
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ فَارَقَهَا فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مَعَ الْوَلَدَيْنِ فَالْجَارِيَةُ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ ، فَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّهَا وَلَدْته بَعْدَ تَمَامِ سَبَبِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالِ أُمِّهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدْته بَعْدَ مَا مَلَكَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فَكَذَلِكَ هُنَا ( وَحُجَّتُنَا ) أَنَّ السَّبَبَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا فِي مَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ فِي مِلْكِهِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِذَلِكَ النَّسَبِ ، وَكُلُّ وَلَدٍ انْفَصَلَ قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا لَا يَسْرِي حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ فَكَذَلِكَ لَا يَسْرِي حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهَا بِخِلَافِ مَا تَلِدُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهَا وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَدَعَاهُ أَحَدُهُمَا فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْهَا وَقِيَامُ مِلْكِهِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا كَقِيَامِ الْمِلْكِ فِي جَمِيعِهَا فِي صِحَّةِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ مِلْكِهِ يُثْبِتُ النَّسَبَ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ ، وَاعْتِبَارُ جَانِبِ مِلْكِ شَرِيكِهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَيُغَلَّبُ الْمُثْبِتُ لِلنَّسَبِ احْتِيَاطًا .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ ؛ لِأَنَّ
الْوَلَدَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ وَبَعْضُهُ فِي مِلْكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ نَسَبِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْهُ بِدَعْوَتِهِ وَالنَّسَبُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا صَارَ أُمَّ وَلَدٍ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ فَيَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ احْتِمَالِ الِاسْتِيلَادِ لِلتَّجَزِّي وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ يَوْمَ وَطِئَهَا فَعَلِقَتْ ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ ثَبَتَ لَهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَصِيرُ مُمْتَلِكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَمْتَلِكُهَا إلَّا بِعِوَضٍ فَلِهَذَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوَطْءِ حَصَلَ مِنْهُ وَنِصْفُهَا مِلْكٌ لِشَرِيكِهِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ الْعُقْرُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ تَمَلُّكَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ هُنَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ لَا شَرْطُهُ فَإِنَّ قِيَامَ مِلْكِهِ فِي نِصْفِهَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا وَقْتَ الْعُلُوقِ وَلِأَنَّهُ حِينَ عَلِقَ كَانَ مَاءً مَهِينًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلِهَذَا لَا يَغْرَمُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِلشَّرِيكِ شَيْئًا وَضَمَانُ نِصْفِ قِيمَتِهَا عَلَيْهِ فِي حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْعُسْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ إلَّا أَنَّهُ رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْلِدُ مُعْسِرًا تُؤْمَرُ هِيَ بِالسِّعَايَةِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَلشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لَهَا فَنَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْ وَجْهٍ كَأَنَّهُ احْتَبَسَ عِنْدَهَا .
وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا نَسَبَ الْوَلَدِ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ الْوَلَدَ وَأَعْتَقَهَا الْآخَرُ وَخَرَجَ الْقَوْلُ مِنْهُمَا مَعًا فَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا
نَسَبَ الْوَلَدِ وَأَعْتَقَهَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَكُونُ سَابِقًا مَعْنًى وَإِنْ اقْتَرَنَ بِالْعِتْقِ صُورَةً ، وَلَمَّا ثَبَتَ بِهِ لِلْوَلَدِ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فَإِعْتَاقُ الْآخَرِ إيَّاهُ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ لَمَّا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِمُدَّعِي النَّسَبِ مِنْ حِينَ عَلِقَتْ فَقَدْ أَعْتَقَهَا الْآخَرُ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَلِهَذَا كَانَ الْعِتْقُ بَاطِلًا وَدَعْوَةُ الْآخَرِ أَوْلَى كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَةِ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْعُلُوقِ ، وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَعَبْدٍ فَوَلَدَتْ فَادَّعَوْا جَمِيعًا فَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ أَوْلَى عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ أَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ فَلَيْسَ لَهُمَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلَا تُعَارِضُ دَعْوَتُهُمَا دَعْوَةَ مَنْ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فَزُفَرُ يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكٌ فِي نَصِيبِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَصِحَّةُ الدَّعْوَى بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْمُسْلِمُ بِإِسْلَامِهِ بَعْدَ مَا تَسَاوَيَا فِي السَّبَبِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَلَكِنَّا نَقُولُ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ تُوجِبُ الْإِسْلَامَ لِلْوَلَدِ وَدَعْوَةُ الْكَافِرِ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ الْمُوجِبُ لِلْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْوَلَدِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ دَعْوَةِ الْمُسْلِمِ وَالْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ بِهِ وَبَعْدَ مَا حَكَمَ بِذَلِكَ فَقَوْلُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَتِهِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ مِلْكِهِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا إذْ لَا مُعْتَبَرَ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى وَعَلَيْهِ ضَمَانُ حِصَّةِ شُرَكَائِهِ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَالْعُقْرُ لِمَا
بَيَّنَّا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ حِصَّةُ شُرَكَائِهِ مِنْ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ حِينَ ادَّعَى النَّسَبَ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الدَّيْنِ لَا بِسَبَبِ التِّجَارَةِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مُدَبَّرٌ مُسْلِمٌ كَانَ الْوَلَدُ وَلَدَ الذِّمِّيِّ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدَّعْوَةَ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَا تُعَارِضُهُ الدَّعْوَةُ بِحَقِّ الْمِلْكِ ثُمَّ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَةِ الْكَافِرِ هُنَا إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ وَلَا يُقَالُ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَةِ الْمَمْلُوكِ إثْبَاتُ الْإِسْلَامِ لِلْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ فِي الْحَالِ مَنْفَعَتُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى أُمُورِ الدُّنْيَا أَظْهَرُ وَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ إذَا بَلَغَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ الْحُرِّيَّةَ لِنَفْسِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ سَبَبَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيُسْلِمَ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْحُرِّيَّةِ وَجَعَلْنَا الْوَلَدَ وَلَدَ الذِّمِّيِّ الْحُرِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ ذِمِّيٌّ كَانَ ابْنَ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَلِكَ فَلَا تُعَارِضُ دَعْوَتُهُمَا دَعْوَةَ الْمُكَاتَبِ .
يُقَرِّرُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَهُ نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ فَإِنَّهُ مَالِكٌ يَدًا وَلَوْ رَجَّحْنَا دَعْوَتَهُ ثَبَتَ لِلْوَلَدِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا دَعْوَتَهُ عَلَى دَعْوَةِ الْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُكَاتَبٌ لَمْ تَجُزْ دَعْوَى الْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مِلْكُ الْمَوْلَى وَدَعْوَى النَّسَبِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ فَكَيْف يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَبِنَحْوِهِ عَلَّلَ ، فَقَالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يُزَوِّجْهُمْ .
وَلَوْ صَدَّقَهُمَا
الْمَوْلَى بِالْوَلَدِ وَقَالَا كُنَّا وَطِئْنَاهَا بِغَيْرِ نِكَاحٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ دَعْوَةَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةٍ مِنْ كَسْبِهِ تَكُونُ صَحِيحَةً كَدَعْوَةِ الْمُكَاتَبِ لِمَا لِلْمَأْذُونِ مِنْ الْيَدِ فِي كَسْبِهِ ، فَقَالُوا : تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ هُنَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَوَهَبَ لَهُ جَارِيَةً وَهُوَ فَارِغٌ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى يَكُونَ كَسْبُهُ خَالِصَ حَقِّ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ الرَّجُلِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا وَيَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ التَّمَلُّكِ ، فَالرِّضَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَرِثَاهَا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ التَّمَلُّكِ لَا يَعْتَمِدُ الصُّنْعَ بِالْإِرْثِ إنَّمَا يَنْعَدِمُ الصُّنْعُ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الضَّمَانِ بِاحْتِبَاسِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ عِنْدَ الْمُسْتَوْلِدِ مِلْكًا وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَقَرَّرُ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنْ وَرِثَا مَعَهَا الْوَلَدَ وَكَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْقَرَابَةُ تَمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ وَسَعَى لَلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ الْعِتْقِ يَعْتَمِدُ الصُّنْعَ وَالْمِيرَاثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَيَا أَوْ وَهَبَ لَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ عَرَفَ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّ شَرِيكَهُ أَبُوهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْأَبُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ .
أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَدْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ حُرٍّ فَاشْتَرَى الزَّوْجُ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ حِينَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَشَرِيكُهُ فِي الْوَلَدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ صَارَ مُعْتِقًا لِنَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ وَلَمْ يُسَاعِدْهُ الشَّرِيكُ عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ وَلَوْ أَنَّ أَمَةً غَرَّتْ رَجُلًا مِنْ نَفْسِهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَالْعُقْرُ عَلَى الْوَاطِئِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَحْكَامَ وَلَدِ الْمَغْرُورِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالدَّعْوَى ثُمَّ إذَا عَتَقَتْ رَجَعَ عَلَيْهَا الْأَبُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغُرُورِ كَضَمَانِ الْكَفَالَةِ ، وَالْمَمْلُوكُ إنَّمَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنْ اشْتَرَى أَبُ الْوَلَدِ نِصْفَهَا مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا ثَبَتَ مِنْهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِمَوْلَاهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيلَادِ
وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ ابْنُهُمَا وَيَرِثُهُمَا وَيَرِثَاهُ وَحُكْمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ رَجُلَيْنِ قَدْ بَيَّنَّاهُ بِتَمَامِهِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الدَّعْوَى وَمَقْصُودُهُ هُنَا بَيَانُ حُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فَنَقُولُ الْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا لِثُبُوتِ سَبَبِ وَلَدِهَا مِنْهُمَا وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فِي الْمَحَلِّ وَلَكِنْ إذَا ثَبَتَ لِاثْنَيْنِ لَا يَظْهَرُ بِهِ حُكْمُ التَّجَزُّؤِ فِي الْمَحَلِّ كَمِلْكِ الْقِصَاصِ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فِي الْمَحَلِّ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِاثْنَيْنِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالْعِتْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْمَحَلِّ ثُمَّ إذَا بَاشَرَهُ رَجُلَانِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتِقًا لِلنِّصْفِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا قُلْنَا تَخْدُمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ قَبْلَ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلِاسْتِيلَادِ فِي إبْطَالِ مِلْكِ الْخِدْمَةِ ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لَلشَّرِيكِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِعِتْقِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَلشَّرِيكِ الْحَيِّ فَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فِي حَيَاتِهِ عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ لَلشَّرِيكِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ نِصْفَ قِيمَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِشَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رِقَّ أُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ .
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكٍ مُحْتَرَمٍ فَتَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ وَدَلِيلُ
الْوَصْفِ أَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِخْدَامَهَا وَاسْتِكْسَابَهَا وَوَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ .
وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ بَقَاءُ مِلْكِ الْيَمِينِ فَصِفَةُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لَا تَنْفَصِلُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَ إلَّا عِبَارَةً عَنْ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِكَوْنِ الْمَالِكِ مُحْتَرَمًا وَلِأَنَّ بِالِاسْتِيلَادِ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا بِمَوْتِهِ فَتَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْمُدَبَّرَةِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ مِنْ حَوَائِجِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ مَاؤُهُ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ كَحَاجَتِهِ إلَى الْجِهَازِ وَالْكَفَنِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّيْدَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ يَصِيرُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالْآدَمِيُّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِيَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ وَلَا يَصِيرُ مَالًا وَلَكِنْ مَتَى صَحَّ إحْرَازُهُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَيَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَإِذَا حَصَّنَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إحْرَازَهُ لَهَا كَانَ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ إلَّا لِقَصْدِ التَّمَوُّلِ فَصَارَ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ كَأَنَّ الْإِحْرَازَ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ يَنْفَصِلُ عَنْ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ مِلْكَ الْمُتْعَةِ دُونَ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَمَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَيَاتِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَحَاجَتُهُ إلَى النَّسَبِ فَنَقُولُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ ثُبُوتُ حَقِّ أُمِّيَّةِ
الْوَلَدِ لَهَا حَتَّى تَجْعَلَ حَاجَتَهُ مُسْقِطًا حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ عَنْهَا فَعَرَفْنَا أَنَّهَا إنَّمَا لَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهَا صِفَةُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّ إحْرَازَهَا لِلْمَالِيَّةِ حِينَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدٌ إلَى إحْرَازِهَا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَلِهَذَا تَقَوَّمَتْ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا الْأَصْلَ فَنُخَرِّجُ الْمَسَائِلَ عَلَيْهِ .
مِنْهَا : أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مِنْهَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَا يَلْزَمُهَا بَدَلُهُ وَإِذَا أُبْرِئَتْ عَنْ السِّعَايَةِ عَتَقَتْ لِبَرَاءَتِهَا عَنْ السِّعَايَةِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْهَا مَالًا مُتَقَوِّمًا وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا بِالْعِتْقِ فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الشَّرِيكِ بِالْإِفْسَادِ وَلَا بِالْإِتْلَافِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ لَلشَّرِيكِ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِمَنْزِلَةِ الْقِنَّةِ .
وَمِنْهَا : أُمُّ الْوَلَدِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ وَعَتَقَ وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فَلَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى لَهُ الْوَلَدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا .
وَمِنْهَا : أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى لَوْ غَصَبَهَا فَمَاتَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِخِلَافِ
ضَمَانِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِالْقَتْلِ دُونَ الْغَصْبِ وَعِنْدَهُمَا أُمُّ الْوَلَدِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرَّقَبَاتِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّ الْوَلَدِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عَلَى نَحْوِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الصَّبِيُّ الْحُرُّ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا وَلَوْ قَرَّبَهَا إلَى مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا السَّبُعُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْجِنَايَةِ لَا ضَمَانُ الْغَصْبِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ بِمِثْلِهِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ كَلَامَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْمَوْلَى عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ مِلْكُ الْخِدْمَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَا بِالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَالْبَاقِي عَلَيْهَا مِلْكُ الْمَالِيَّةِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ مَالِيَّتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمَالُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَيَدْخُلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلُ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ وَفَصْلُ الْمَغْرُورِ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَسَنُبَيِّنُ عُذْرَ كُلِّ فَصْلٍ فِي مَوْضِعِهِ
فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ خَالِصَةً فَأَعْتَقَ نِصْفَهَا عَتَقَ جَمِيعُهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا بِحَالٍ وَبَرَاءَتُهَا عَنْ السِّعَايَةِ تُوجِبُ عِتْقَهَا وَعِنْدَهُمَا هِيَ كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ
( قَالَ ) أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بَطْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ الْأَكْبَرَ وَالْآخَرُ الْأَصْغَرَ مَعًا فَإِنْ كَانَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَهُمَا ابْنَاهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَدَعْوَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا تَكُونُ دَعْوَةً لَهُمَا وَإِنْ كَانَا فِي بَطْنَيْنِ فَالْأَكْبَرُ وَلَدُ الَّذِي ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَدْ حَصَلَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِمَا فَتَسْتَنِدُ دَعْوَتُهُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ عُقْرِهَا وَنِصْفَ قِيمَتِهَا لِمُدَّعِي الْأَصْغَرِ ، فَأَمَّا الْأَصْغَرُ فِي الْقِيَاسِ عَبْدٌ لِمُدَّعِي الْأَكْبَرِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِمُدَّعِيهِ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِ الْمُدَّعِي الْأَكْبَرِ مِنْ حِينَ عَلِقَتْ بِهِ فَمُدَّعِي الْأَصْغَرِ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ وَيَضْمَنُ جَمِيعَ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْءِ أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْأَصْغَرِ مِنْ مُدَّعِي الْأَصْغَرِ ؛ لِأَنَّهَا حِينَ عَلِقَتْ بِالْأَصْغَرِ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فِي الظَّاهِرِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْأَصْغَرِ مِنْ مُدَّعِيهِ بِالدَّعْوَةِ ، وَقِيَامُ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا ظَاهِرًا عِنْدَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ وَنَسَبُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَكُونُ ثَابِتًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَإِنْ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَامِلَةً لِشَرِيكِهِ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلَا يَشْكُلُ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مُدَّعِي الْأَصْغَرِ أَتْلَفَهُ بِالدَّعْوَةِ عَلَى مُدَّعِي الْأَكْبَرِ وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعُذْرُ أَنْ يَقُولَ سُقُوطُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ
حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ أُمِّهِ قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا بِدَعْوَةِ مُدَّعِي الْأَكْبَرِ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ فِي الْأُمِّ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ فَلِهَذَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا لِشَرِيكِهِ ، أَوْ عُذْرُهُ هُنَا نَظِيرُ عُذْرِهِ فِي الْمَغْرُورِ بِأُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حُرَّ الْأَصْلِ وَثُبُوتُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الرِّقِّ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الرِّقُّ فِيهِ أَصْلًا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ حُدُوثَ الرِّقِّ فِيهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ فَهَذَا مِثْلُهُ .
( قَالَ ) وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ لِشَرِيكِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى يَضْمَنُ نِصْفَ الْعُقْرِ لِشَرِيكِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ مُرَادَهُ هُنَا بَيَانُ جَمِيعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَمُرَادُهُ ثَمَّ بَيَانُ حَاصِلِ مَا يَبْقَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ عَلَى مُدَّعِي الْأَكْبَرِ نِصْفُ الْعُقْرِ ، فَنِصْفُ الْعُقْرِ بِنِصْفِ الْعُقْرِ قِصَاصٌ ، يَبْقَى لِمُدَّعِي الْأَكْبَرِ عَلَى مُدَّعِي الْأَصْغَرِ نِصْفُ الْعُقْرِ .
قَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُدَّعِي الْأَكْبَرِ ذِمِّيًّا وَمُدَّعِي الْأَصْغَرِ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِيمَا ادَّعَى وَالتَّرْجِيحُ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ فَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ تَصِحُّ دَعْوَى الذِّمِّيِّ كَمَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ .
( قَالَ ) أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا حَيٌّ وَالْآخَرُ مَيِّتٌ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْمَيِّتَ وَنَفَى الْحَيَّ لَزِمَهُ الْحَيُّ ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَدَعْوَتُهُ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ دَعْوَتِهِمَا فَيَثْبُتُ نَسَبُ الْحَيِّ مِنْهُ وَلَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ( فَإِنْ قِيلَ ) الْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلدَّعْوَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ حَيٌّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ تُصَادِفْ دَعْوَتُهُ مَحَلَّهُ كَانَ لَغْوًا ( قُلْنَا ) إنَّمَا لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ نَسَبَ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَهَذَا الْمَعْنَى يَنْعَدِمُ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ وَلَدٌ حَيٌّ وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُوَ ابْنِي أَيْ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي حَتَّى تَصِيرَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ حَيٌّ فَإِقْرَارُهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْحَيَّ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا نَسَبَ الْحَيِّ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَيِّتَ أَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ الْوَلَدَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُ الْحَيِّ مِنْهُمَا جَمِيعًا لِمَا بَيَّنَّاهُ .
( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ إذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ فَهُوَ مِنِّي وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَلَيْسَتْ مِنِّي وَقَالَ الْآخَرُ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَهِيَ مِنِّي وَإِنْ كَانَ غُلَامًا فَلَيْسَ مِنِّي وَالْقَوْلُ مِنْهُمَا مَعًا فَمَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ فَهُوَ لَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّعْوَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ لِمَا فِي بَطْنِهَا وَالتَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرَاهُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ وَتَقْسِيمٌ فِيمَا هُوَ فِي رَحِمٍ وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي الرَّحِمِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا لَغَى هَذَا التَّقْسِيمُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا بِالدَّعْوَةِ إذَا كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُمَا مَعًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَابِقًا فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ غُلَامًا كَانَ أَوْ
جَارِيَةً ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّعْوَةِ مِنْهُ قَدْ صَحَّ وَالتَّقْسِيمُ بَطَلَ وَقَدْ صَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَالدَّعْوَةُ مِنْ الْآخَرِ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْمِلْكِ وَفِي وَلَدٍ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا .
( قَالَ ) وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ فَهُوَ مِنِّي إلَى سَنَتَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ إنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَارِيَةٌ فَهِيَ مِنِّي إلَى سَنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِمَا لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ قَالَا ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ فَهُمَا رَقِيقَانِ لَهُمَا ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِمَا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ وَقَوْلُ الْمُدَّعِيَيْنِ إلَى سَنَتَيْنِ لَغْوٌ ؛ لِأَنَّهُ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ مِنْهُمَا فَلَا طَرِيقَ لَهُمَا إلَى مَعْرِفَةِ مُدَّةِ بَقَاءِ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَإِنْ جَاءَتْ بِآخَرِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْقَوْلِ وَجَاءَتْ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُمَا وَلَدَا الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِمَا فِي الْبَطْنِ حِينَ ادَّعَى الْأَوَّلُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَهَذَا لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَقْتَ دَعْوَتِهِ وُجُودُ الْآخَرِ كَذَلِكَ وَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إقْرَارِ الثَّانِي وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ إقْرَارِ الْأَوَّلِ فَهُمَا وَلَدَا الْآخَرِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِمَا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ دَعْوَةِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَبَطَلَتْ دَعْوَتُهُ وَتَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِمَا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ دَعْوَةِ الْآخَرِ فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا مِنْ وَلَدٍ فَهُوَ يَلْزَمُ الْآخَرَ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ
( قَالَ ) أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ مِنْ رَجُلٍ قَالَ زَوَّجْتُمَانِيهَا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ بِعْنَاكَهَا فَإِنَّ نِصْفَهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ مُدَّعِي الْبَيْعِ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَ اسْتَوْلَدَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَإِقْرَارُهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الظَّاهِرِ قَالَ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ لِلَّذِي قَالَ زَوَّجْنَاك ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فِي نَصِيبِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِشَرِيكِهِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ إذَا كَذَّبَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ ( قَالَ ) وَيُعْتِقُ نِصْفَ الْوَلَدِ حِصَّةُ الَّذِي أَقَرَّ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَإِقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلَّذِي أَنْكَرَ الْبَيْعَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَسْعَى لِلشَّاهِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ وَهُنَا لَا يَسْعَى الْوَلَدُ لِلْمُقِرِّ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْوَلَدَ حُرُّ الْأَصْلِ ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَى الْوَاطِئِ الْعُقْرُ لَهُمَا ، نِصْفُهُ لِلْمُقِرِّ بِالنِّكَاحِ يَأْخُذُهُ بِحِسَابِ الْمَهْرِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ وَنِصْفُهُ لِمُدَّعِي الْبَيْعِ يَأْخُذُهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ عَلَى وُجُوبِ هَذَا الْمِقْدَارِ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ هُوَ مَهْرٌ وَمُدَّعِي الْبَيْعِ يَقُولُ هُوَ ثَمَنٌ وَالِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَلِهَذَا يَسْتَوْفِيه مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيه فَأَمَّا إذَا مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ سَعَتْ الْجَارِيَةُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا
لِلْمُقِرِّ بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ مُدَّعِي الْبَيْعِ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِأَبِ الْوَلَدِ وَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فَيُعْتَبَرُ زَعْمُهُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِمُدَّعِي النِّكَاحِ وَهَذَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ لَمْ تَثْبُتْ فِي هَذَا النِّصْف عَلَى مَا بَيَّنَّا ( قَالَ ) وَلَوْ كَانَ الْأَبُ ادَّعَى الشِّرَاءَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ الثَّمَنِ لِلَّذِي صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا صَارَ لِأَبِ الْوَلَدِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِلَّذِي كَذَّبَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَثْبُتْ فَهِيَ كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَسْتَوْلِدُهَا أَحَدُهُمَا
( قَالَ ) وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مَجْهُولَةً لَا تُعْرَفُ لِمَنْ كَانَتْ فَقَالَ أَبُ الْوَلَدِ زَوَّجْتُمَانِي وَقَالَا بِعْنَاكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَابْنُهَا حُرٌّ ؛ لِأَنَّهَا فِي الظَّاهِرِ مَمْلُوكَتُهُ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَكَانَ وَلَدُهَا حُرًّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَلَا يُصَدَّقُ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا وَيَكُونُ عَلَى الْوَاطِئِ الْقِيمَةُ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا فِي يَدِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهَا عَلَيْهِمَا فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِهَذَا وَلَا يُسْقِطُ حَقَّهُمَا عَنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ إقْرَارُهُمَا بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَثْبُتْ حِينَ كَذَّبَهُمَا وَلِأَنَّ تَعَذُّرَ الِاسْتِرْدَادِ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِهِمَا بِالْبَيْعِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا وَإِنْ جَحَدَا الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ثُمَّ قَالَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِأَنَّهَا لَهُمَا وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِأَنَّهَا لَهُمَا كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ وَهَذَا لِأَنَّ تَعَذُّرَ الِاسْتِرْدَادِ هُنَا بِإِقْرَارِهِمَا بِالْبَيْعِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أَنْكَرَا الْبَيْعَ وَالتَّزْوِيجَ كَانَتْ أَمَةً قِنَّةً لَهُمَا فَيَكُونُ إقْرَارُهُمَا بِالْبَيْعِ مَانِعًا لَهُمَا مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يُضَمِّنَاهُ قِيمَتَهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ بِدَعْوَى النِّكَاحِ فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ ( قَالَ ) وَإِذَا ادَّعَى الْوَاطِئُ الْهِبَةَ وَادَّعَيَا هُمَا بِالْبَيْعِ وَالْجَارِيَةُ مَجْهُولَةٌ لَا يُدْرَى لِمَنْ كَانَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِمَا وَالْبَيْعُ لَمْ يَثْبُتْ
بِإِنْكَارِهِ إلَّا أَنَّ تَعَذُّرَ الِاسْتِرْدَادِ مَا كَانَ بِإِقْرَارِهِمَا بِالْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَلْ بِاسْتِهْلَاكِهِ جَارِيَةً زَعَمَ أَنَّهَا لَهُمَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَهُمَا .
( قَالَ ) وَإِنْ قَالَا غَصَبْتهَا وَقَالَ صَدَقْتُمَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهَا بَعْدَ الَّذِي دَخَلَهَا مِنْ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِهَا مِنْهُمَا وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِمَا بِمَا ثَبَتَ فِيهَا مِنْ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ( قَالَ ) وَإِنْ صَدَّقَتْهُمْ بِذَلِكَ صُدِّقَتْ وَكَانَتْ أَمَةً لَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فَإِنْ تَصَادَقُوا عَلَى شَيْءٍ ثَبَتَ ذَلِكَ بِتَصَادُقِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا تُصَدَّقُ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَكَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ بَعْدَ مَا حُكِمَ بِثُبُوتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعِتْقِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ ( قَالَ ) وَلَوْ كَانَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَيْهَا أَخَذَاهَا وَوَلَدُهَا رَقِيقٌ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَظَهَرَ أَنَّهُ غَاصِبٌ زَنَى بِجَارِيَةٍ مَغْصُوبَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ وَإِنْ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ نِكَاحًا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فَقَدْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ ، وَالْحَدُّ بِمِثْلِهِ يَسْقُطُ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ وَثُبُوتُ النَّسَبِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ .
( قَالَ ) وَإِنْ مَلَكَهَا يَوْمًا مَعَ وَلَدِهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَانَ الْوَلَدُ وَلَدُهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ لِقِيَامِ حَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَحَلِّ فَإِذَا زَالَ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا كَانَ كَالْمُجَدِّدِ لِلْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ
الْوَلَدِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ مُحْتَمَلٍ فَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
بَابُ مُكَاتَبَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى خِدْمَتِهَا أَوْ عَلَى رَقَبَتِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُرَدُّ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ فِي الْحَالِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي ثَانِي الْحَالِ ، وَحَاجَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَى هَذَا كَحَاجَةِ غَيْرِهَا .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَكَاسِبِ لِلْمُكَاتَبِ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى يَدًا وَكَسْبًا فَيَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا بِالْبَدَلِ ثُمَّ كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي كِتَابَةِ الْقِنِّ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي كِتَابَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِذَا أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةُ عَتَقَتْ لِفَرَاغِ ذِمَّتِهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ بَاقٍ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمِنْ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ عِتْقُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ .
( قَالَ ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤَدِّي لِتَعْتِقَ وَقَدْ عَتَقَتْ فَصَارَتْ مُسْتَغْنِيَةً عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَيُسَلَّمُ الْكَسْبُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَبِالْعِتْقِ تَتَأَكَّدُ الْمَالِكِيَّةُ الثَّابِتَةُ لَهَا بِالْكِتَابَةِ .
( قَالَ ) وَإِنْ بَاعَهَا نَفْسَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ دَرَجَاتِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهَا مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَإِسْقَاطُهُ الْمِلْكَ بِبَدَلٍ عَلَيْهَا صَحِيحٌ كَالطَّلَاقِ بِجُعْلٍ ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ بِقَبُولِهَا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى لَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ الدَّيْنُ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ بَطَلَ بِعِتْقِهَا فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لِلِاسْتِيلَادِ تَأْثِيرٌ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ
( قَالَ ) وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ النَّسَبُ ؛ لِأَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْنَعَ مِنْ وَطْئِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا يَغْرَمُ عُقْرًا خَارِجًا مِنْ مِلْكِهِ وَالْفِرَاشُ يَنْعَدِمُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِمُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ تَكُونَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى لِتَيَقُّنِنَا أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ حُرٌّ وَقَدْ عَتَقَتْ هِيَ أَيْضًا بِمَوْتِ الْمَوْلَى .
( قَالَ ) وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَا صَارَتْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ وَحُرْمَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى إذَا كَانَتْ بِسَبَبٍ لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهَا وَلَا تَجْعَلُهَا فِرَاشًا لِغَيْرِهِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ بَعْدَ الدَّعْوَةِ كَمَا لَوْ حُرِّمَتْ بِجِمَاعِ ابْنِ الْمَوْلَى إيَّاهَا وَلِأَنَّا قَبْلَ الدَّعْوَةِ إنَّمَا لَا نُثْبِتُ النَّسَبَ مِنْهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِارْتِكَابِ الْحَرَامِ وَوُجُوبِ الْعُقْرِ وَيَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّحَرُّزِ إذَا أَقَرَّ هُوَ بِالْوَلَدِ ، فَإِنْ جَنَتْ فِي كِتَابَتِهَا جِنَايَةً سَعَتْ فِيهَا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَتِهَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى قَبْلَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا لِلْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهَا أَوْ كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهَا عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيلَادِ كَانَ مَانِعًا دَفْعَهَا بِالْجِنَايَةِ وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلدَّفْعِ فَهِيَ وَالْقِنَّةُ إذَا كُوتِبَتْ سَوَاءٌ ( قَالَ ) وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا كَانَ الْأَرْشُ لَهَا ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ وَهِيَ أَحَقُّ
بِمَكَاسِبِهَا .
( قَالَ ) وَإِنْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ وَلَدًا وَلَدَتْهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى سَعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْهَا وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا وَقَدْ كَانَتْ فِي حَيَاتِهَا تَسْعَى عَلَى النُّجُومِ لِحَاجَتِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِنَفْسِهَا بِالْأَدَاءِ وَحَاجَةِ هَذَا الْجُزْءِ إلَى ذَلِكَ لِحَاجَتِهَا فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ بِبَقَاءِ هَذَا الْجُزْءِ .
( قَالَ ) وَلَوْ اشْتَرَتْ ابْنًا لَهَا عَبْدًا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ ثَبَتَ لَهَا نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ فَإِذَا كَانَ لَهَا نَوْعُ مَالِكِيَّةٍ ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ لِوَلَدِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ يُكَاتَبُ عَلَيْهَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى حَتَّى إذَا أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ وَابْنُهَا وَأَبَوَاهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، إلَّا أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ عَنْ هَذَا الِابْنِ الْمُشْتَرَى فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَسْعَى عَلَى هَذِهِ النُّجُومِ كَالِابْنِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقِيَاسِ يُبَاعُ هَذَا الْوَلَدُ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْهَا قَبْلَ ثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا فَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِهَذَا الْوَلَدِ وَإِنْ مَلَكَتْهُ فَيُبَاعُ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ مُكَاتَبَةٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إنْ جَاءَ بِالْمُكَاتَبَةِ حَالًا قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يَبِعْ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَقُومُ فِي أَدَاءِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ مُكَاتَبَةٍ فَلَا يَبْقَى الْأَجَلُ بِبَقَائِهِ وَلَكِنْ يَأْتِي بِالْمَالِ حَالًا فَيَكُونُ مَقْبُولًا مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ
الْمُكَاتَبَةِ يُقَرِّرُهُ أَنَّ السِّرَايَةَ مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ فَيَثْبُتُ حَقِيقَةُ سِرَايَةِ الْعَقْدِ إلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فَيَسْعَى عَلَى النُّجُومِ وَلَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ سِرَايَةِ الْعَقْدِ إلَى الْوَلَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ النُّجُومُ فِي حَقِّهِ وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ ، حُكْمُ هَذَا الْجُزْءِ وَحُكْمُ الْأَصْلِ سَوَاءٌ فَإِذَا جَاءَ بِالْمَالِ حَالًا يُقْبَلُ مِنْهُ .
( قَالَ ) وَلَوْ كَانَتْ اشْتَرَتْ أَبَاهَا أَوْ أُمَّهَا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيُبَاعَانِ فِي الْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ لَيْسَا بِجُزْءٍ مِنْ الْوَلَدِ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهِمَا عَلَيْهَا فِي حَيَاتِهَا كَانَ لِمَالِهِمَا مِنْ الْحَقِّ فِي كَسْبِهَا وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ أَبَوَيْهَا فَلِهَذَا يُبَاعَانِ فِي مُكَاتَبَتِهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيُجْعَلُ بَقَاءُ هَذَا الْجُزْءِ كَبَقَائِهَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَهُمْ فِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ مِنْ الْقَرَابَاتِ أَنَّهُ هَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا بَيْعُهُمْ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ الْجَلِيلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِخْوَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ نَصَّ هُنَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْأَبِ ، وَالْأُمُّ فِي الْقِيَاسِ لَهَا أَنْ تَبِيعَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتْبَعَانِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُمَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا بَيْعُهُمَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ يَثْبُتُ فِي الْكَسْبِ وَلَهَا كَسْبٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ .
( قَالَ ) وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قُوِّمَتْ قِيمَةَ عَدْلٍ فَبِيعَتْ بِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَيَدِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا وَإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ فَتَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ كَمَا بَيَّنَّا فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمٌ فَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ مَجَّانًا وَهُوَ إشْكَالٌ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ رِقَّ أُمِّ الْوَلَدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَأَنَّ وَرَاءَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ عَلَيْهَا شَيْءٌ آخَرُ فَإِنَّ مِلْكَهُ الْمُتْعَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُزَالُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَالْعُذْرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الذِّمِّيَّ يَعْتَقِدُ فِيهَا الْمَالِيَّةَ وَالتَّقَوُّمَ وَيُحْرِزُهَا لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ جَوَازَ بَيْعِهَا وَإِنَّمَا يَنْبَنِي فِي حَقِّهِمْ الْحُكْمُ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي مَالِيَّةِ الْخَمْرِ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهَا عِنْدَ الِاحْتِبَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ثُمَّ إذَا احْتَبَسَ نَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْآخَرِ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ قِيمَتِهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُبَاعُ فَلَا نُقْصَانَ فِي قِيمَتِهَا وَلَكِنْ قِيلَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرَةِ قَدْرُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا قِنَّةً وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ قَدْرُ ثُلُثِ قِيمَتِهَا قِنَّةً ؛ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ فِي مَمْلُوكِهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَقَضَاءُ دُيُونِهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بَعْدَهُ فَبِالتَّدْبِيرِ يَنْعَدِمُ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحُ وَيَبْقَى مَنْفَعَتَانِ ، وَبِالِاسْتِيلَادِ يَنْعَدِمُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ
فَتَتَوَزَّعُ الْقِيمَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَا تَعْتِقُ مَا لَمْ تُؤَدِّ السِّعَايَةَ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ ذُلِّ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَفِي اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا ذُلٌّ وَلَكِنَّا نَقُولُ الذُّلُّ فِي الِاسْتِخْدَامِ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ يَزُولُ بِالِاسْتِسْعَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَمَكَاسِبِهَا فَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَذَا وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الذِّمِّيِّ وَاجِبُ وَلَوْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا فِي الْحَالِ بِبَدَلٍ فِي ذِمَّةٍ مُفْلِسَةٍ وَالْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ تَاوٍ لَأَدَّى إلَى الضِّرَارِ بِهِ وَكَانَ هَذَا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ إزَالَتِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلِهَذَا لَا تَعْتِقُ مَا لَمْ تُؤَدِّ السِّعَايَةَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْمَوْلَى ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَعْتَقَتْ وَسَقَطَ عَنْهَا السِّعَايَةُ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَخَارَجَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَتُؤْمَرُ بِأَنْ تَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى فَحِينَئِذٍ تَعْتِقُ فَإِنَّهُ لَا يَرَى السِّعَايَةَ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِحَالٍ فَجَعَلَ طَرِيقَ إزَالَةِ الذُّلِّ إخْرَاجَهَا مِنْ يَدِ الْمَوْلَى كَمَا قُلْنَا وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ صَارَتْ مُسْتَسْعَاةً لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَوْ مَاتَتْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ
( قَالَ ) وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَحَالَفَانِ وَتَنْفَسِخُ الْمُكَاتَبَةُ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ ثَابِتٌ أَيْضًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ أَمَّا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَالْبَيْعُ مَشْرُوعٌ لِلِاسْتِرْبَاحِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ وَالْمُمَاكَسَةِ ، وَالْكِتَابَةُ لِلْأَرِقَّاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْكِتَابَةُ بَعْد تَمَامِهَا بِأَدَاءِ الْبَدَلِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَفِي الْحَالِ مُوجِبُ الْعَقْدِ إثْبَاتُ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ يَدًا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَكَاسِبِ ، فَمَا مَضَى فَائِتٌ لَا يَتَحَقَّقُ رَدُّهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ أُلْحِقَ بِهِ بِالْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ كَانَ قِيَاسًا وَالثَّابِتُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ فِيهِ مُفِيدًا حَتَّى إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ مَا قَالَ صَاحِبُهُ وَفِي الْكِتَابَةِ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فَإِنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَكَانَ لَهَا أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا فَإِذَا انْعَدَمَ التَّحَالُفُ وَجَبَ اعْتِبَارُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا لِإِنْكَارِهَا الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ بِبَيِّنَتِهِ إلَّا أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ مِقْدَارَ مَا أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ تَعْتِقُ ؛
لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ الْحُرِّيَّةَ لِنَفْسِهَا عِنْدَ أَدَاءِ هَذَا الْمِقْدَارِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهَا عَلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا مَتَى أَدَّتْ خَمْسَمِائَةٍ عَتَقَتْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عِتْقِهَا كَمَا لَوْ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ بِمَالٍ مُسْتَحَقٍّ تَعْتِقُ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا بِحَالِهِ
( قَالَ ) وَإِذَا كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَمَتِهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا وَصِيفًا وَسَطًا فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَتُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَعَلَى قِيمَةِ وَصِيفٍ وَسَطٍ ، فَتَكُونُ مُكَاتَبَةً بِمَا يَخُصُّهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْوَصِيفِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ مُشْتَرِيَةً لِلْوَصِيفِ مِنْ مَوْلَاهَا وَشِرَاءُ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بَاطِلٌ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَلْفَ مَذْكُورٌ بِمُقَابَلَةِ شَيْئَيْنِ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ وَامْتِنَاعُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَصِيفُ بِعَيْنِهِ فَاسْتَحَقَّهُ إنْسَانٌ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي حَقِّهَا بِمَا يَخُصُّهَا مِنْ الْبَدَلِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ هَذَا الْعَقْدِ لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ بِاعْتِبَارِ ذِكْرِ الْوَصِيفِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى وَصِيفٍ وَسَطٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْوَصِيفِ الْوَسَطِ مَعْلُومٌ فَإِذَا قَسَمَ الْأَلْفَ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَصِيفٍ وَسَطٍ تَتَبَيَّنُ حِصَّتُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقُولَانِ الْحَيَوَانُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ أَصْلًا وَانْقِسَامُ الْبَدَلِ مِنْ حُكْمِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ الْوَصِيفُ فِي الْعَقْدِ كَانَ هَذَا كِتَابَةً بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً ، وَالْكِتَابَةُ بِالْحِصَّةِ لَا تَصِحُّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهَا عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأَلْفِ إذَا قَسَمَ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ عَبْدٍ آخَرَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ خَاطَبَ عَبْدَيْنِ بِالْكِتَابَةِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ
لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ كَانَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ حَتَّى لَوْ كَانَ سَمَّى بِمُقَابَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا صَحَّ الْقَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الْحَاجَةِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَفَسَادُهَا بِالشُّرُوطِ الَّتِي نَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ يَبْطُلُ فَكَذَا الْكِتَابَةُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى وَصِيفٍ فَإِنَّ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَصِيفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأَلْفِ إذَا قَسَمَ عَلَى مَهْرِ فُلَانَةَ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، ثُمَّ الْمَعْنَى أَنَّ تَعَيُّنَ صِفَةِ النَّبَطِيَّةِ فِي الْوَصِيفِ بِاعْتِبَارِ اسْتِحْقَاقِهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ إذَا سَمَّى الْوَصِيفُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ هُنَا لَمَّا لَمْ يَصِرْ الْوَصِيفُ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ
( قَالَ ) وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ الْمُكَاتَبَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْقِنَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى مَا لَمْ تَعْتِقْ فَلَا يَكُونُ مَالُ الْكِتَابَةِ دَيْنًا مُتَقَرِّرًا عَلَيْهِ .
( قَالَ ) وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَكَاتَبَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا جَازَتْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهَذَا الْعَقْدِ وَهُوَ إخْرَاجُهَا مِنْ يَدِ الْكَافِرِ ( فَإِنْ قِيلَ ) الْبَدَلُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا يُقَدَّرُ بِالْقِيمَةِ شَرْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ ( قُلْنَا ) هُنَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ مِلْكُهُ فِيهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِزَالَةِ بِبَدَلٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَتَقَرَّرْ هُنَا بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ فَإِنْ عَجَزَتْ هُنَا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الْعَجْزِ هُنَا مُفِيدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُسْتَسْعَاةً فِي قِيمَتِهَا
( قَالَ ) مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ ذِمِّيٍّ فَوَلَدَتْ لَهُ سَعَى الْوَلَدُ فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى الذِّمِّيِّ فَيَجِبُ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالِاسْتِسْعَاءِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَا دَامَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ
( قَالَ ) مُكَاتَبٌ ذِمِّيٌّ اشْتَرَى أَمَةً مُسْلِمَةً فَأَوْلَدَهَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا وَثَبَتَ لَهَا نَوْعُ حَقٍّ تَبَعًا لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ تَمَّ مِلْكُهُ فِيهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلذِّمِّيِّ فَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فَإِنْ عَجَزَ فَرُدَّ رَقِيقًا أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ تَقَرَّرَ فِيهَا لِلْمَوْلَى فَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى كَافِرٌ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا
( قَالَ ) حَرْبِيٌّ خَرَجَ إلَى دَارِنَا مُسْتَأْمَنًا وَمَعَهُ أُمُّ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِنَا فَكَذَلِكَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا وَكَمَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ بَيْعِ ابْنِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ بَيْعِ أُمِّ وَلَدِهِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَأْمَنِ مُحْتَرَمٌ كَمِلْكِ الذِّمِّيِّ فَيَتَعَذَّرُ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهَا مَجَّانًا فَلِهَذَا سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ دَعْوَى الرَّجُلِ رِقَّ الْغُلَامِ فِي يَدِهِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُلَامٌ صَغِيرٌ لَا يَنْطِقُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ هَذَا عَبْدِي فَهُوَ كَمَا قَالَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا قَوْلَ فَيَتَقَرَّرُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ عَلَيْهِ وَمَا فِي يَدِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَإِذَا ادَّعَى مَا يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ بِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَابَّةٌ أَوْ ثَوْبٌ فَقَالَ هَذَا لِي .
( قَالَ ) وَإِنْ أَدْرَكَ الصَّغِيرُ فَقَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي إبْطَالَ مِلْكٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ لِذِي الْيَدِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ .
( قَالَ ) وَإِنْ كَانَ حِينَ ادَّعَاهُ الَّذِي فِي يَدِهِ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَلَهُ قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَلَا تَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ يَدُ ذِي الْيَدِ مَعَ ذَلِكَ بَلْ يَدُ نَفْسِهِ تَكُونُ دَافِعَةً لِيَدِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْغُلَامُ أَنَا لَقِيطٌ لِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالدَّارِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنَا حُرٌّ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الْغُلَامُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ بِبَيِّنَتِهِ ، وَبَيِّنَةُ الْمِلْكِ لَا تُعَارِضُ بَيِّنَةَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ وَالْمِلْكَ يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ الْإِثْبَاتَ فِي بَيِّنَةِ الْحُرِّيَّةِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّيَةٌ إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَلِأَنَّ فِي بَيِّنَتَهُ مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ وَلَيْسَ فِي بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ مَا يَدْفَعُ بَيِّنَتَهُ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْمِلْكِ وَإِنْ قَالَ الَّذِي فِي
يَدِهِ هَذَا عَبْدِي وَقَالَ الْغُلَامُ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَهُوَ عَبْدُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ فِي نَفْسِهِ بَلْ تَتَقَرَّرُ يَدُ ذِي الْيَدِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ هُوَ يُنْكِرُ رِقَّهُ أَصْلًا .
وَقَوْلُهُ فِي دَفْعِ الرِّقِّ عَنْ نَفْسِهِ مَقْبُولٌ وَفِي تَعْيِينِ مَالِكِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحَوِّلُ بِهِ مِلْكًا ثَابِتًا لِذِي الْيَدِ إلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ فَقَالَ هُوَ : أَنَا عَبْدُ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ تَقَرَّرَتْ يَدُهُمَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْطِقُ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّ فِي بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ إثْبَاتِ النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ فَتَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ ، فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَلَدُ عَبْدِهِ وَوَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا قَبْلَ وَقْتِ الْأُخْرَى قُضِيَ بِهِ لِلْأَوَّلِ إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْمِيلَادِ .
مَعْنَاهُ إذَا كَانَ سِنُّ الْغُلَامِ مُوَافِقًا لِلْوَقْتِ الْأَوَّلِ فَقَدْ ظَهَرَ عَلَامَةُ الصِّدْقِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِهِ وَعَلَامَةُ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِ الْآخَرِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمِيلَادِ قُضِيَ بِهِ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْكَذِبِ ظَهَرَتْ فِي شَهَادَةِ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُشَكُّ فِيهِ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْحُجَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ مِنْ حِينِ وُلِدَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ وَلَا يُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّارِيخِ مَعَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلًا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا .
فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الِاحْتِمَالِ وَصَاحِبُ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تُوَقِّتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَقْتًا غَيْرَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْمَوْلَى أَعْتَقَ أُمَّهُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَهُ أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ أَعْتَقَ الْغُلَامَ وَأُمُّهُ حَامِلٌ بِهِ أَوْ دَبَّرَهُ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيِّنَتِهِ زِيَادَةُ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْغُلَامِ إمَّا مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ قَبْضٌ مِنْ الْمُعْتِقِ فَبِإِثْبَاتِهِ الْعِتْقَ أَوْ التَّدْبِيرَ يَثْبُتُ أَنَّ الْيَدَ لَهُ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تَتَرَجَّحُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَيْرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ شَهِدُوا أَنَّهُ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَلْبَتَّةَ يُقْضَى بِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ ، وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَلَوْ كَانَ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ زِيَادَةُ إثْبَاتِ النَّسَبِ تَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ .
( قَالَ ) صَبِيٌّ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَابْنُ الَّذِي ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ وَإِقْرَارُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ صَحِيحٌ وَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ يَنْفِي الرِّقَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَمَاتَ مِنْ عَمَلِهِمَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا قَتَلَاهُ خَطَأً بَعْدَ مَا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ لِمُدَّعِي الْبُنُوَّةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ بَعْدَ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ فَيَكُونُ مَحْرُومًا عَنْ الْمِيرَاثِ وَإِذَا صَارَ مَحْرُومًا كَانَ كَالْمَيِّتِ وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ لِأَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَمَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالْمِلْكِ لَهُ فَالْأَمَةُ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَقَدْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ فِي الْأَمَةِ وَاسْتَوَيَا فِي الْيَدِ فِي الْوَلَدِ ( فَإِنْ قِيلَ ) لَمَّا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأَمَةِ لِأَحَدِهِمَا وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْوَلَدِ لَهُ ( قُلْنَا ) ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْأَمَةِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَالْيَدُ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا مُوجِبَةٌ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ الْوَلَدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْأُمُّ فِي يَدِ الْآخَرِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي يَدِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ جَدَّتُهُ فِي يَدِ الْآخَرِ أَكَانَ يَدْفَعُ إلَى الصَّبِيِّ مَنْ كَانَتْ جَدَّتُهُ فِي يَدِهِ ؟ هَذَا بَعِيدٌ .
( قَالَ ) وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ بَلْ تُبَيِّنُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ ذَا الْيَدِ أَعْتَقَ مِلْكَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُعْتِقُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَلَدٌ عِنْدَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَحِينَئِذٍ تَتَرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ لِمَا قُلْنَا .
( قَالَ ) وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ رَجُلٍ فَدَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ فَهُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ زِيَادَةَ الْعِتْقِ وَاسْتِحْقَاقَ الْوَلَاءِ وَلِأَنَّ حُجَّةَ ذِي الْيَدِ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ وَوَلَاؤُهُ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ .
( قَالَ ) وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ وَلِأَنَّهُ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ بِهِ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ لَا تَصِحُّ كَالْإِعْتَاقِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بِهِ فِي مِلْكِهِ فَيُصَدَّقُ عَلَى النَّسَبِ حِينَئِذٍ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ يَثْبُتُ لَهُ بِالْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ دُونَهُ فِي احْتِمَالِ النَّقْضِ ، وَهَذِهِ زُفَرِيَّةٌ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالدَّعْوَى .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الصَّبِيَّ أَدْرَكَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حُرِّيَّتَهُ بِالْحُجَّةِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا مُقِرًّا بِالْمِلْكِ وَأَمَرَ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ عَبْدٌ لِلْبَائِعِ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ عَتَقَ ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ إثْبَاتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ إثْبَاتِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لَا نَاقِضَ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُشْتَرِي عَلَى الَّذِي بَاعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حِينَ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ وَأَمْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ، وَصِحَّةُ الْبَيْعِ كَانَ بِقَوْلِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا حُرٌّ مَا كَانَ يَشْتَرِيه أَحَدٌ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ ، وَالْغُرُورُ مَتَى تَمَكَّنَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَهُوَ مُثْبِتٌ حَقَّ الرُّجُوعِ لِلْمَغْرُورِ عَلَى الْغَارِّ وَصَارَ كَأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ نَفْسِهِ
أَوْ رَدَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ حَاضِرًا فَرُجُوعُهُ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ حَقِيقَةً وَالْمُشْتَرِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ مُخْتَارًا فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ لِيَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ حِينَ ضَمِنَ لَهُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَقَرَّ بَحْرِيَّته عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ وَلَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أُمَّتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ مِنْ الْعَبْدِ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا وَإِذَا اسْتَوْلَدَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى شُبْهَةً بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهَا لَمْ يَثْبُت نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ مَوْلَاهَا حِينَ عَارَضَهُ بِالتَّكْذِيبِ ، وَثُبُوتُ النَّسَبِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ فَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّهِ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ ، فَإِنَّ خَبَرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّدْقِ فِي حَقِّهِ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ لِلْمُعَارَضَةِ مِنْ مَوْلَاهَا وَحَقُّ الْمُعَارَضَةِ كَانَ لَهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ سَقَطَتْ مُعَارَضَتُهُ وَخَلَصَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي حِينَ مَلَكَهُ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا لَوْ وُجِدَ الْإِقْرَارُ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ فَهُوَ مَوْلَاهُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي نَسَبِهِ خَلَصَ لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالتَّصْدِيقِ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ تَعَرُّضٌ لِلْوَلَاءِ الثَّابِتِ لِلْمَوْلَى إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ( فَإِنْ قِيلَ ) قَبْلَ الْعِتْقِ لَيْسَ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ أَيْضًا تَعَرُّضٌ لِلْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْمَوْلَى ( قُلْنَا ) نَعَمْ وَلَكِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَمُجَرَّدُ الدَّعْوَى مَعَ قِيَامِ الْمُعَارَضَةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَأَمَّا دَعْوَاهُ عِنْدَ تَصْدِيقِ الْغُلَامِ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ يَكُونُ حُجَّةً .
( قَالَ ) وَإِذَا اسْتَوْلَدَ الْأَبُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ غَصْبًا وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ أَوْ مُرْتَدٌّ وَقَدْ عَلِمَ الْأَبُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ وَادَّعَاهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ كَذَّبَهُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ أَوْ صَدَّقَهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ ، أَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ فَلِلتَّأْوِيلِ الثَّابِتِ لَهُ فِي مَالِ الْوَلَدِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } وَأَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ فَلِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ ثَابِتٌ إلَّا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أُصُولِ الْحَوَائِجِ كَالنَّفَقَةِ يَتَمَلَّكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ يَتَمَلَّكُ بِعِوَضٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ هُنَا إلَى صِيَانَةِ مَائِهِ عَنْ الضَّيَاعِ فَيَتَمَلَّكُهَا بِضَمَانِ الْقِيمَة سَابِقًا عَلَى الِاسْتِيلَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا فُرُوعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الدَّعْوَى وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ كَافِرًا وَالْوَالِدُ مُسْلِمًا أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ الْمَغْرُورِ وَبَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَيْضًا أَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ وَالْأَبُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ تَمَلُّكِهَا فِي ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهِ فَإِنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ تَكْفِي لِذَلِكَ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ يَعْنِي لَا يَتَمَلَّكُهَا وَلَكِنْ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِاعْتِبَارِ الْغُرُورِ كَمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ غَيْرَ أَنِّي أَخَذْت مِنْ الْأَوَّلِ بِالِاسْتِحْسَانِ يَعْنِي أَنَّ تَمَلُّكَهَا عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ بِهَذَا السَّبَبِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ لِتَحَقُّقِ صِيَانَةِ مَائِهِ وَلِإِثْبَاتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ وَحَقِّ
أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا .
( قَالَ ) وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ وَلَدًا وَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَأَبُوهُ مَعًا فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَتِهِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَصِحَّةَ دَعْوَةِ الْأَبِ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ الْمِلْكِ وَتَأْوِيلُ الْمِلْكِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ ثُمَّ دَعْوَةُ الْوَلَدِ تَمْنَعُ الْأَبَ مِنْ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجَارِيَةَ بِدَعْوَتِهِ وَبِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
( قَالَ ) وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةً لِمُكَاتَبِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ فَهُوَ وَلَدُهُ بِالْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فَكَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ هُنَاكَ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ فَكَذَلِكَ هُنَا إلَّا أَنَّهُ اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ ، وَالدَّعْوَةُ تَصَرُّفٌ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّهُ مَا حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْوَلَدِ ثُمَّ عِنْدَ التَّصْدِيقِ فِي الْمُكَاتَبِ لَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ ثَابِتٌ لَهُ فِي كَسْبِهِ وَذَلِكَ كَافٍ لِإِثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ بِعَجْزِهِ يَنْقَلِبُ حَقِيقَةُ مِلْكٍ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى التَّمَلُّكِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ فِي مَالِ الْوَلَدِ مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ النَّسَبِ مِنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَمَلُّكِ الْجَارِيَةِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى حَقُّ التَّمَلُّكِ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلِلْأَبِ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْوَلَدِ فَإِذَا مَلَكَ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْمَحَلِّ كَانَ مُثْبِتًا لِلنَّسَبِ مِنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ إلَّا أَنَّ بِمُعَارَضَةِ الْمُكَاتَبِ إيَّاهُ بِالتَّكْذِيبِ امْتَنَعَ صِحَّةُ دَعْوَتِهِ وَقَدْ زَالَتْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ حِينَ مَلَكَهُ .
( قَالَ ) وَإِنْ وَطِئَ مُكَاتَبُهُ مُكَاتَبَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ وَصَدَّقَتْهُ الْمُكَاتَبَةُ الْأَخِيرَةُ فَهُوَ ابْنُهُ ؛ لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا فَتَصْدِيقُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ حِينَ كَانَتْ أَمَةً لَهُ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَالْغُلَامُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالْغُلَامُ هُنَاكَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ بُعْدِهَا مِنْ الْمَوْلَى هُنَاكَ وَاحِدٌ وَقَدْ تَعَدَّدَ هُنَا سَبَبُ بُعْدِهَا مِنْ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْكِتَابَةَ الثَّانِيَةَ تُوجِبُ بُعْدَهَا مِنْ الْمَوْلَى كَالْأُولَى فَيَمْنَعُ تَعَدُّدُ أَسْبَابِ الْبُعْدِ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْوَلَدَ هُنَا حُرًّا كَانَ حُرًّا بِغَيْرِ قِيمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِيمَةِ لِلْأُمِّ فَإِنَّهَا تَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِيمَةِ هُنَا لِلْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي وَلَدِهَا بَعْدَ مَا كَاتَبَهَا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِغَيْرِ قِيمَةٍ ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْجِزُ فَتَخْلُصُ لِلْمُكَاتَبِ وَحَقُّهُ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا مَرْعِيٌّ فَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ هُنَا وَفِي الْأَوَّلِ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِالْقِيمَةِ مُمْكِنٌ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَاهُ فَإِنْ عَجَزَتْ هِيَ أَخَذَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الثَّانِيَةَ انْفَسَخَتْ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَإِنْ كَانَتْ كَذَّبَتْهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ وَإِنْ عَجَزَتْ لِانْعِدَامِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَهُوَ التَّصْدِيقُ مِمَّنْ الْحَقُّ لَهُ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ لَهُ فَكَأَنَّهُ جَدَّدَ الدَّعْوَةَ الْآنَ .
( قَالَ ) وَإِنْ ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ وَقَدْ انْعَدَمَ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت بِالْحُرْمَةِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِبَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ ظَنَّ بَعْضَ مَا يُظَنُّ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَلَالًا لِي فَكَذَلِكَ جَارِيَتُهَا وَلَمَّا كَانَتْ جَارِيَةُ الْأَبِ حَلَالًا لَهُ فَكَذَلِكَ لِي لِأَنِّي جُزْءٌ مِنْهُ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ مُعْتَبَرَةٌ فِي إسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ فِي حَقِّ مَنْ تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ فَإِذَا مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ بِالزِّنَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةَ نِكَاحٍ فَحِينَئِذٍ إذَا مَلَكَهَا مَعَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .
( قَالَ ) وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ رَجُلٍ فَقَالَ أَحَلَّهَا لِي وَالْوَلَدُ وَلَدِي وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ فِي حَقِّ مَوْلَاهَا وَيَكُونُ تَكْذِيبُهُ إيَّاهُ فِي الدَّعْوَةِ مُعَارِضًا مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِسُقُوطِ الْمُعَارَضَةِ بِالدَّعْوَةِ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا صَدَّقَهُ فِي الْإِحْلَالِ وَالدَّعْوَةِ جَمِيعًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلزَّوْجِ إلَّا مِلْكَ الْحِلِّ وَالتَّمَكُّنَ مِنْ الْوَطْءِ شَرْعًا ، وَالْإِحْلَالُ تَمْكِينٌ مِنْ ذَلِكَ حِسًّا ، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ الْإِحْلَالُ يَكُونُ مُثْبِتًا حِلَّ التَّنَاوُلِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَلَكِنَّهَا شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ التَّصْدِيقُ مِنْ الْمَوْلَى بِأَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ أَوْ خُلُوصُ الْمِلْكِ فِي الْوَلَدِ لِلْمُدَّعِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى فَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَهُوَ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي جَارِيَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ إذَا ادَّعَى أَنَّ مَوْلَاهَا أَحَلَّهَا لِي ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ مَتَى ثَبَتَ النَّسَبُ بِالتَّصْدِيقِ عَتَقَ لِقَرَابَتِهِ مِنْ الْمَوْلَى أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا .
( قَالَ ) وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ وَقَبَضَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا الْوَلَدَ فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا وَالْوَلَدُ وَلَدُهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ وَفِي نَسَبِ الْوَلَدِ وَفِي حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ مُتَأَيِّدٌ بِالْقَبْضِ وَشِرَاءُ الْآخَرِ مُتَجَرِّدٌ عَنْ الْقَبْضِ وَعِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ يَتَرَجَّحُ الْقَابِضُ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَسْبَقُ التَّارِيخَيْنِ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ الْمُدَبَّرِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ مَأْخُوذٌ مِنْ { قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } وَصُورَةُ الْمُدَبَّرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا يَتَعَلَّقُ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّا لَا نَأْخُذُ بِهَذَا وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَشُرَيْحٍ وَابْنِ سِيرِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ جَعَلَ الْمُدَبَّرَ مِنْ الثُّلُثِ } وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ خِلَافَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَتَقَدَّرُ حَقُّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَقُّ الْمَوْلَى بَعْدَ الْمَوْتِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ فَيُعْتَبَرُ خِلَافَتُهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا ، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِسُقُوطِ قِيمَةِ مَالِيَّتِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَا أَنَّ الْإِحْرَازَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ لِقَصْدِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا لِقَصْدِ الْمَالِيَّةِ وَبِدُونِ الْإِحْرَازِ لَا تَثْبُتُ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَقَرَّرُ بِالتَّدْبِيرِ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ بِقَصْدٍ إلَى الْإِحْرَازِ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فَيَبْقَى الْإِحْرَازُ بَعْدَهُ لِلتَّمَوُّلِ ، وَإِذَا بَقِيَ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ وَعَلَى هَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ بَيْعُهُ عَطَاءٍ { لِحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ
فَبَاعَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ } وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا دَبَّرَتْ أَمَةً لَهَا فَسَحَرَتْهَا وَعَلِمَتْ بِذَلِكَ فَقَالَتْ مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ فَقَالَتْ حُبِّي الْعَتَاقَ فَبَاعَتْهَا مِنْ أَسْوَإِ النَّاسِ مُلْكَةً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ أَوْ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ ، وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْنَعُ الْمُوصِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَمْنَعُ الْإِضَافَةَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْوُجُوبِ فِي الْحَالِ .
( وَحُجَّتُنَا ) حَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ } وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَطَاءٍ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّمَا بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ لَا رَقَبَتَهُ } يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ أَجْرُهُ وَالْإِجَارَةُ تُسَمَّى بَيْعًا بِلُغَةٍ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا أَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ بَيْعُ الْحُرِّ جَائِزًا عَلَى مَا رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَاعَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سَرَقَ فِي دَيْنِهِ } ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَا لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَمَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا تَعَالَى عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ
بِمُطْلَقِ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَدَلِيلُ الْوَصْفِ أَنَّ التَّعَلُّقَ حُكْمُ التَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بِهِ عَلَّقَ السَّيِّدُ وَهُوَ إنَّمَا عَلَّقَهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ سَبَبٌ لِلْخِلَافَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِي تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ بِهَذَا التَّعْلِيقِ يَكُونُ مُثَبِّتًا لِلْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ الْخِلَافَةَ فِي رَقَبَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ إيجَابًا فِي ثَانِي الْحَالِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَنْ إبْطَالِهِ كَمَا أَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا الْخِلَافَةَ لِلْوَارِثِ فِي تَرِكَتِهِ وَسَبَبُهُ الْمَرَضُ ثَبَتَ نَوْعُ حَقٍّ لَهُمْ بِهَذَا السَّبَبِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ الْمَرِيضُ مَحْجُورًا عَنْ التَّبَرُّعِ ، وَهَذِهِ الْخِلَافَةُ فِي الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، فَيَتَقَوَّى هَذَا السَّبَبُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ ، وَالثَّانِي : أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْخِلَافَةِ ، وَلِهَذِهِ الْقُوَّةِ قُلْنَا لَا يُحْتَمَلُ الْإِبْطَالُ وَالْفَسْخُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَهَذَا الشَّرْطُ أَوْلَى وَلِهَذِهِ الْقُوَّةِ يَجِبُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَهُ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ وَيَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَالتَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ أَيْضًا وَالتَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْخِلَافَةِ .
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ لِغَيْرِهِ
فَإِنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَقُّ بِنَفْسِهِ ، وَتَقَرَّرَ بِهَذَا التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي مَعْنَى أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ مَعْنَيَيْنِ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا وُجُوبُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَبِالْآخَرِ سُقُوطُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمُ ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ هَهُنَا دُونَ الْآخَرِ فَيَتَعَدَّى بِذَلِكَ الْمَعْنَى حُكْمُ ثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ إلَى الْمُدَبَّرِ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُ سُقُوطِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لِانْعِدَامِ مَعْنَاهُ هُنَا فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ ، عَلَى هَذَا نَقُولُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَهَا فِي الْحَالِ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ ، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَمْنَعُونَ سِرَايَتَهُ إلَى الْوَلَدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مِثْلُ أُمِّهِ وَخُوصِمَ إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَوْلَادِ مُدَبَّرَةٍ فَقَضَى بِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ عَبْدٌ يُبَاعُ وَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مِثْلُهَا لَا يُبَاعُ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ .
رَجُلٌ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ إنْ مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ أَوْ إذَا حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ وَهُوَ مُدَبَّرٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَطْلَقَ الْحَدَثَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوْتُ عَادَةً ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِالْيَوْمِ مَا لَا يَمْتَدُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ فَيَكُونُ عِبَارَةً عَنْ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَقْتَ مَوْتِي فَإِنْ نَوَى بِالْيَوْمِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ثُمَّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مَوْتُهُ بِالنَّهَارِ وَرُبَّمَا يَمُوتُ بِاللَّيْلِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا .
وَلَوْ قَالَ إنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فِي مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَرُبَّمَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ وَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ، وَفِقْهُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّا إنَّمَا نُوجِبُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ بِالتَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى قَصْدِهِ الْقُرْبَةَ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَهَذَا الْقَصْدُ مِنْهُ يَنْعَدِمُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْقُرْبَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْمَوْتِ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلِانْعِدَامِ هَذَا الْقَصْدِ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْقَصْدَ إلَى إيجَابِ الْقُرْبَةِ هُنَاكَ مُتَحَقِّقٌ حِينَ عَلَّقَهُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ إنْ مَاتَ كَمَا قَالَ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ مَعَ انْعِدَامِ الْقَصْدِ إلَى إيجَابِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ بِهِ قَدْ انْعَدَمَ .
وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْمَوْلَى ، وَوُجُوبُ حَقِّ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْخِلَافَةِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ فُلَانًا لَوْ مَاتَ وَالْمَوْلَى حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا خِلَافَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَذَلِكَ حَيٌّ صَارَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ فَكَيْف يَكُونُ مُدَبَّرًا وَتَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي فَهَذَا لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَحَسْبُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَوْتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ فُلَانٍ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتِمَّ وَصَارَ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْمَوْلَى فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُدَبَّرًا عِنْدَنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَحَسْبُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَوْتَيْنِ كَمَا عَلَّقَهُ الْمَوْلَى فَكَانَ مَوْتُ الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مُتَمِّمًا لِلشَّرْطِ لَا أَنَّهُ كَمَالُ الشَّرْطِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَقِيمٌ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الشَّرْطِ مُعْتَبَرًا حَتَّى اعْتَبَرَ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الطَّلَاقِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى حَتَّى أَنَّهُ مَتَى مَاتَ عَتَقَ وَصُورَةُ الْمُدَبَّرِ هَذَا فَكَانَ مُدَبَّرًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ إذَا كَلَّمْتَ فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِكَ فُلَانًا وَبَعْدَ مَوْتِي فَإِذَا كَلَّمَ فُلَانًا كَانَ مُدَبَّرًا فَكَذَلِكَ هُنَا .
قَالَ وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى بَلْ بِهِ وَمَشِيئَتِهِ ثُمَّ قَوْلُ الْمَوْلَى إنْ شِئْت مُحْتَمَلٌ ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَشِيئَةَ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَشِيئَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَنْوِي فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ نَوَى بِالْمَشِيئَةِ السَّاعَةَ فَشَاءَ الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَشِيئَةِ لَمَّا وُجِدَ مِنْ الْعَبْدِ فِي الْمَجْلِسِ يَصِيرُ عِتْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا وَإِنْ كَانَ نَوَى بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَشَاءَ الْعَبْدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّدْبِيرِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يَعْتِقَ هُنَا مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ مِيرَاثًا فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً يَحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهَا كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ وَجُعِلَ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتِ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ بَعْدَ شَهْرٍ ، هَكَذَا ذَكَره ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشِيئَةِ مِنْ الْعَبْدِ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا يَتَقَيَّدُ بِهَذَا اللَّفْظ مَشِيئَتَهُ بِالْمَجْلِسِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْوَصِيَّةِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مَا تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ بَلْ بِمُضِيِّ يَوْمٍ بَعْدَهُ فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي سَمَّى حَتَّى يُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : لَمَّا أَخَّرَ الْعِتْقَ عَنْ مَوْتِهِ بِزَمَانٍ مُمْتَدٍّ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ وَمِلْكُ الْوَارِثِ يَتَقَرَّرُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ تَتَّصِلُ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ فَيَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى وَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إعْتَاقِ الْوَارِثِ إيَّاهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ فَهَذَا وَمَا أَوْجَبَ لِلْمَمْلُوكِ بِعَيْنِهِ سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَمَا كَانَ فِي مِلْكِهِ حِينَ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَمَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا وَلَكِنْ إنْ مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ مَعَ الْمُدَبَّرِينَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا اللَّفْظُ مَا يَسْتَحْدِثُ الْمِلْكُ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا مِتُّ فَهُوَ حُرٌّ ، فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : التَّعْلِيقُ مُعْتَبَرٌ بِالتَّنْجِيزِ ، وَلَوْ نَجَّزَ الْعِتْقَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعِتْقُ إلَّا مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ إذَا عُلِّقَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا فِي قَوْلِهِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا هُوَ مُضَافٌ إلَيْهِ فِي الْحَالِ ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ .
فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ : الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَالُ ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ يُقَيَّدُ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيُقَالُ سَأَمْلِكُهُ أَوْ سَوْفَ أَمْلِكُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَسْتَحْدِثُ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ تَنَاوَلَهُ هَذَا اللَّفْظُ لَصَارَ مُدَبَّرًا كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ عَلَّقَ عِتْقَ مَا يَمْلِكُهُ فَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَاَلَّذِي اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ مَمْلُوكٌ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَفِي الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعْيِينُ مِنْ الْمُوصِي عِنْدَ الْإِيصَاءِ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ يَتَنَاوَلُ هَذَا مَا يَكُونُ مَالَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ إيجَابُ الْعِتْقِ كَمَا قَرَّرْنَا فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ فَفِي حَقِّ الْمَوْجُودِينَ فِي مِلْكِهِ وُجِدَ الْمِلْكُ فَيَصِحُّ إيجَابُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهُمْ وَفِي حَقِّ الَّذِينَ يُسْتَحْدَثُ الْمِلْكُ فِيهِمْ لَمْ يُوجَدْ الْإِيجَابُ فِي الْمِلْكِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ إنَّمَا وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُمْ حَقُّ الْعِتْقِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى بَقَاؤُهُمْ فِي مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُهُمْ كَلَامُهُ
فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُمْ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ تَنَاوَلَتْهُمْ وَصِيَّتُهُ فَيَعْتِقُونَ مِنْ الثُّلُثِ لِهَذَا .
( قَالَ ) وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُدَبَّرَةَ وَيَسْتَغِلَّهَا وَيَطَأَهَا وَيُزَوِّجَهَا وَمَهْرُهَا لَهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُمَا بَاقِيَتَانِ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ لَهُمَا حَقُّ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمُبْطِلِ لِحَقِّهِمَا دُونَ التَّصَرُّفِ الَّذِي لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمَا كَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُنَا الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ مُبْطِلٌ لِحَقِّهِمَا فَيُمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِحَقِّهِمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَلَا مَالِيَّةَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّةِ الْمُدَبَّرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ .
( قَالَ ) وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مُنِعَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي جِنَايَتِهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا بِمُبَاشَرَةٍ وَبَعْضُهَا يَتَسَبَّبُ ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً ، وَأَمَّا غُرْمُ الْمُسْتَهْلِكَاتِ فَدَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ وَيَسْعَى فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ مَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمَالِيكِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بَعْدَ التَّدْبِيرِ .
( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَالَ قَدْ دَبَّرْتُكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ بِصِيغَةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ بِصِيغَةِ الْوَصْفِ .
( قَالَ ) أَرَأَيْت لَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لَا يُفْصِحُ بِالتَّدْبِيرِ فَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إمَّا يَكُونُ مُدَبَّرًا فَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ مُدَبَّرٌ فِي الْحَالِ ، وَجُعِلَ هَذَا وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي سَوَاءٌ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ .
( قَالَ ) وَتَدْبِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَاطِلٌ أَطْلَقَا أَوْ أَضَافَا إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْتَاقِ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فَإِيجَابُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ بِالْقَوْلِ كَذَلِكَ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلٌ أَنَّ تَدْبِيرَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ وَهُوَ يُجَوِّزُ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَهُ يَكُونُ بَعْدَ وُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ فِيهِ وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ وَصِيَّةَ غُلَامٍ يَفَعٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَقَوْلُ الصَّبِيِّ فِي التَّبَرُّعَاتِ هَدَرٌ وَقَدْ تَنَاقَضَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ إسْلَامَهُ وَقَبُولَهُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ فَأَمَّا السَّكْرَانُ وَالْمُكْرَهُ فَتَدْبِيرُهُمَا جَائِزٌ عِنْدَنَا كَإِعْتَاقِهِمَا وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِعْتَاقُهُ وَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ نُفُوذَهُمَا يَسْتَدْعِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ .
( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا عَتَقْتُ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ بَعْدَ مَا أُعْتَقُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا فَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَهُ قَوْلٌ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِإِضَافَةِ الْعِتْقِ إلَى مَا بَعْدَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ وَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ كَالْمُنْجِزِ لَهُ .
( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ أَوْ إلَى خَمْسِينَ سَنَةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا لَمْ يَعْتِقْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ نَوْعَيْ مِلْكٍ : مِلْكٌ لَا يَقْبَلُ الْعِتْقَ وَهُوَ حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ ، وَمِلْكٌ يَقْبَلُ الْعِتْقَ وَهُوَ مَا بَعْدَ عِتْقِهِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ لَفْظِهِ إلَيْهِمَا وَيَصِيرُ كَالْمُنْجِزِ عِنْدَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَاسَا هَذَا بِالْحُرِّ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيه لِنَفْسِهِ لَا مَا يَشْتَرِيه لِغَيْرِهِ حَتَّى يَعْتِقَ مَا يَشْتَرِيه لِنَفْسِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مِلْكُهُ فِي حَالِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ مِلْكُ مَجَازٍ وَبَعْدَ الْعِتْقِ حَقِيقَةٍ وَلَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُسْتَعَارٌ وَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُسْتَعَارَةٍ ، وَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ عَلَى إنْسَانٍ مِلْكًا وَعَارِيَّةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَالْمَجَازُ هُنَا مُرَادٌ بِالِاتِّفَاقِ ، حَتَّى لَوْ قَالَ إذَا مَلَكْت مَمْلُوكًا فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَمَلَكَ فِي حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ يَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِهِ فَإِذَا صَارَ الْمَجَازُ فِي مُرَادٍ تُنَحَّى الْحَقِيقَةُ .
وَهَذَا الْمَجَازُ مُسْتَعْمَلٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي قَوْلِهِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ لِلْغَيْرِ لَيْسَ بِمَجَازٍ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ كَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَسْتَدْعِي أَهْلِيَّةَ الْمُعْتِقِ وَالْمَحَلِّيَّةَ فِي الْمُعْتَقِ ، ثُمَّ لَوْ انْعَدَمَتْ الْمَحَلِّيَّةُ لَمْ يَصِحَّ الْإِيجَابُ إلَّا مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ فَكَذَلِكَ إذَا انْعَدَمَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِي
الْحَالِ لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ إلَّا مُضَافًا إلَى حَالَةِ الْأَهْلِيَّةِ صَرِيحًا وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ إيجَابًا لِلْعِتْقِ .
( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ لِأَمَةِ الْغَيْرِ إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ مُدَبَّرَةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَالْأُمُّ مُدَبَّرَةٌ دُونَ الْوَلَدِ ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمُنَجَّزُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالتَّدْبِيرَ إنَّمَا يَصِلُ إلَيْهِمَا بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَدْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا سِرَايَةَ إلَى الْمُنْفَصِلِ .
( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ دَبِّرْ عَبْدِي فَأَعْتَقَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَكَانَ مُبْتَدِئًا لَا مُمْتَثِلًا
( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ دَبِّرْ عَبْدِي إنْ شِئْت فَدَبَّرَهُ جَازَ وَهَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمَشِيئَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ .
( قَالَ ) وَإِنْ جَعَلَ أَمْرَ عَبْدِهِ فِي التَّدْبِيرِ إلَى رَجُلَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا هَذَا التَّصَرُّفَ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ دَبِّرَا عَبْدِي هَذَا فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مُعَبِّرَيْنِ عَنْهُ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَعِبَارَةُ الْمَثْنَى سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُدَبِّرَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ
( قَالَ ) وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا فَقَالَ الْمَوْلَى : وَلَدْتِيهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ ، وَقَالَتْ هِيَ : وَلَدْتُهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حَقَّ الْعِتْقِ لِوَلَدِهَا وَلَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ لِنَفْسِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى إذَا أَنْكَرَ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَتْ لِوَلَدِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ إثْبَاتِ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا
( قَالَ ) وَعِتْقُ الْمُدَبَّرِ مَحْسُوبٌ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بَعْدَ الدَّيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَعَلَى الْمُدَبَّرِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ وَالْعِتْقُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَكَانَ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمَوْلَى وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ دَبَّرَهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَالِيَّةِ بِالْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ فَلِهَذَا اُعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ يَمُوتُ .
( قَالَ ) وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ قَدْ صَحَّ فِي حَالِ قِيَامِ عَقْلِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ يَوْمَ أَدْخُلُ الدَّارَ فَعَبْدِي هَذَا مُدَبَّرٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ مِنْهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا مِتُّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ .
عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى حَتَّى يَعْتِقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مَاتَ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ فَإِنْ كَانَ مَوْتًا فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ وَغُسِّلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَبِشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ ، ثُمَّ إذَا مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ غُسِّلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقِلْ إلَى الْوَارِثِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِهِ بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ فَذَلِكَ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ تَدْبِيرِ الْعَبْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَدَبَّرُ نَصِيبُهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَلِلْآخَرِ خَمْسُ خِيَارَاتٍ : إنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ صَارَ كَالْمُحْتَبِسِ عِنْدَ الْمُدَبِّرِ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُدَبِّرِ بَاقٍ فِي نَصِيبِهِ فَيَتَمَكَّنُ الشَّرِيكُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَبِّرُ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ حَقُّ التَّضْمِينِ وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قُلْنَا ، فَإِنْ أَعْتَقَ السَّاكِتُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِلْمُدَبِّرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْغُلَامُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَرْجِعَ هُوَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْغُلَامِ ، وَأَيَّ ذَلِكَ اخْتَارَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ اسْتَحَقَّ وَلَاءَ نَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَهُوَ وَإِنْ ضَمِنَ شَرِيكُهُ بَعْد ذَلِكَ لَمْ يَتَحَوَّلْ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِهِ إلَى الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَرُجُوعُ الضَّامِنِ عَلَى الْغُلَامِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ
يَقُومُ مَقَامَ مَنْ ضَمِنَهُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَالِكًا وَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنهمَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقُهُ الثَّانِي وَلَكِنْ ضَمِنَ الْمُدَبَّرُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ صَارَ الْغُلَامُ كُلُّهُ لِلْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ غَيْرُ مُدَبَّرٍ فَيَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالِ مِنْ دَبَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ نِصْفُهُ مُدَبَّرٌ وَنِصْفُهُ غَيْرُ مُدَبَّرٍ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَكِنْ اسْتَسْعَاهُ فَأَدَّى إلَيْهِ السِّعَايَةَ عَتَقَ نَصِيبُهُ حُكْمًا بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ فَيَكُونُ الْمُدَبِّرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ شَرِيكَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ كَانَ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ فَهَذَا عِتْقٌ حَصَلَ بِسَبَبِ رِضَى الْمُدَبِّرِ بِهِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ بِهَذَا السَّبَبِ ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْعِتْقُ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُدَبَّرِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ إنْ شَاءَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا كَانَ مُدَبِّرًا كُلَّهُ ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ الْمُدَبَّرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَالْمُدَبَّرُ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ سِعَايَةَ مِلْكٍ لَا سِعَايَةَ ضَمَانٍ وَفِي هَذَا أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ كَمَا رَوَيْنَا فِي نَظِيرِ هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السِّعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ سِعَايَةُ ضَمَانٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ فِي دُيُونِ مَوْلَاهَا وَأَمَّا السِّعَايَةُ عَلَى الْمُدَبَّرِ سِعَايَةُ مِلْكٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ
مَصْرُوفًا إلَى دَيْنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فِي دَيْنِ مَوْلَاهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا دَبَّرَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخِرِ بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْآخَرُ اسْتِدَامَةَ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ غَيْرَ مُدَبَّرٍ عَرَفْنَا أَنَّ التَّدْبِيرَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ بِالتَّدْبِيرِ يَجِبُ حَقُّ الْعِتْقِ فِي بَعْضِهِ فِي الْحَالِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ بَيْعِهِ كَحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا إذَا دَبَّرَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخِرُ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَبْطُلُ بِهِ تَدْبِيرُ الْمُدَبَّرِ فَيَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِلْمُدَبِّرِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُدَبِّرُ اسْتَحَقَّ وَلَاءَ نَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ الْآخَرِ .
( قَالَ ) أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَا جَمِيعًا لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِنَا لَمْ تَصِرْ مُدَبَّرَةً ؛ لِأَنَّ عِتْقَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ بَلْ تَعَلَّقَ بِمَوْتِهِمَا فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَلَكِنْ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ نَصِيبُ الْآخِرِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ عِتْقُ نَصِيبِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ الْآنَ ، وَنَصِيبُ الَّذِي مَاتَ صَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عِتْقِهِ لَمْ يَتِمَّ بِمَوْتِهِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُوسِرًا بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْشَأَ تَدْبِيرَ نَصِيبِهِ فِي الْحَالِ ( فَإِنْ قِيلَ ) كَيْف يَكُونُ ضَامِنًا وَإِنَّمَا تَدَّبَّرَ نَصِيبُهُ بِسَبَبٍ كَانَ سَاعَدَهُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَوَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ ( قُلْنَا ) نَعَمْ الْوَرَثَةُ خُلَفَاؤُهُ فِيمَا كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ وَالتَّدْبِيرُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ بَعْدَ مَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَرَثَتِهِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَضْمَنُوهُ .
( قَالَ ) مُدَبَّرَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَسَعَتْ لِلْآخَرِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَلَا ضَمَانَ لَهُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ الَّذِي رَضِيَا بِهِ إلَّا أَنَّ نَصِيبَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ بَقِيَ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَقَدْ احْتَبَسَ عِنْدَهَا فَتَسْعَى لَهُ .
( قَالَ ) فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَ أَنْ تَسْعَى لَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ أَيْضًا إنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ السِّعَايَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى مِلْكِهِ مَا لَمْ تُؤَدِّ السِّعَايَةَ فَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ عَنْهَا السِّعَايَةُ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهَا بِمَوْتِ الْأَوَّلِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى .
( قَالَ ) مُدَبَّرَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ نَسُبَّهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مِنْ الْوَلَد مُدَبَّرٌ وَبِالتَّدْبِيرِ يَجِبُ حَقُّ الْعِتْقِ فَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ إبْطَالَهُ بِالدَّعْوَةِ وَلِأَنَّهُ إثْبَاتُ الِاسْتِيلَادِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُدَبَّرٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ مِلْكِهِ فِي النِّصْفِ كَافٍ لِصِحَّةِ دَعْوَتِهِ وَالْوَلَدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُسْتَوْلَدَ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَعْلَقُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُنَا لَا يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا مُدَبَّرَةٌ فَيَصِيرُ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهُ مُدَبَّرًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهُ وَهِيَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي الْبَطْنِ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَاسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ بِالدَّعْوَةِ فَهُوَ كَالْمُنْفَصِلِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيِّتًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَإِتْلَافُ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا ، وَإِنْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بَعْدَ الدَّعْوَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعَلَى الْجَانَّيْ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ غُلَامًا وَعُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً لِأَبِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ فَلَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْهُ وَأَرْشُ الْجَنِينِ الْمَمْلُوكِ هَذَا الْمِقْدَارُ وَعَلَى أَبِ الْوَلَدِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً لِشَرِيكِهِ .
وَإِنْ كَانَ غُلَامًا فَرُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ
حِصَّةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْشِ هَذَا ، وَبِاعْتِبَارِ سَلَامَةِ الْأَرْشِ لِأَبِ الْوَلَدِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى حَيَاتِهِ إلَّا ذَلِكَ فَيَتَقَدَّرُ الضَّمَانُ بِقَدْرِهِ لِهَذَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا وَالْمُدَبَّرَةُ عَلَى حَالِهَا فِي خِدْمَتِهَا لَهُمَا فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ فَادَّعَاهُ أَبُ الْوَلَدِ أَيْضًا فَهُوَ ابْنُهُ لِمَا قُلْنَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِإِتْلَافِهِ نَصِيبَ الشَّرِيكِ فِيهِ مَقْصُودًا بِالدَّعْوَةِ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ أَيْضًا مِنْ قَبْلِ الْوَطْءِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مِنْهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، فَوَطْؤُهُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ انْفَصِلْ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا فَاسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَاءَ نَصِيبِهِ حَتَّى أَنَّهُ إنْ جَنَى جِنَايَةً كَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا بِاعْتِبَارِ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لَهُمَا إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَلَوْ وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَادَّعَاهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ كَانَ ابْنَهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهِ وَحَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ الثَّانِي لَا يَثْبُتُ مِنْ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الدَّعْوَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَوَطْؤُهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الشَّرِكَةِ فَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْآخَرِ وَكَانَ ضَامِنًا لِنِصْفِ الْعُقْرِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَجَوَابُهُ فِي ضَمَانِ نِصْفِ الْعُقْرِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ، فَأَمَّا فِي ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ مِنْ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا قِيمَةَ لِرِقِّ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ بِالدَّعْوَةِ لَهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَهُ ، ثُمَّ الْجَارِيَةُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَوْلِدْهَا
فَصَحَّ اسْتِيلَادُهَا فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْحَيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِهِمَا تَسْعَى لَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا .
( قَالَ ) مُدَبَّرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهَا مِنْ ثُلُثِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَعَتَقَ نَصِيبُ أَبِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ صَارَ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُ وَإِنْ مَاتَ أَبُ الْوَلَدِ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَعَتْ لَلْآخَرِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا مُدَبَّرَةً ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْآخَرِ مُدَبَّرٌ وَلَيْسَ بِأُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْمُدَبَّرُ يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَالَ ) مُدَبَّرَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَاهُ فَالْغُلَامُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَالْحَقُّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ مِنْ سِعَايَتِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، وَالْجَارِيَةُ بَيْنَهُمَا تَخْدُمُهُمَا عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً بَيْنَهُمَا وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ إقْرَارِهِمَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَسَعَتْ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ الَّذِي مَاتَ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِذَلِكَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أَمَةً غَيْرَ مُدَبَّرَةٍ فَإِنَّ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا تَسْعَى لِلْآخِرِ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يَتَبَرَّأُ مِنْ سِعَايَتِهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَلشَّرِيكِ الْمَيِّتِ قَدْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ، وَحَقُّهُ فِي الضَّمَانِ قَبْلَهُ فَلِهَذَا لَا يَسْتَسْعِيهَا هُنَاكَ .
( قَالَ ) جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ دَبَّرَهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَهَا بِشَهَادَتِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَا تُبَاعَ وَلَا تُوهَبَ وَلَا تُمْهِرَ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ فِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ التَّدْبِيرُ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعْلُومًا لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ وَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، فَإِنْ مَاتَ الشَّاهِدُ فَهِيَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ كَمَا كَانَتْ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّاهِدِ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّفَاقِهِمَا فَيَخْلُفُهُ وَرَثَتُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَتَقَتْ وَسَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُقِرٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَفْسُدُ رِقُّهَا بِزَعْمِهِ ، ثُمَّ وَرَثَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ يَقُولُونَ الشَّاهِدُ كَاذِبٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَيْهِ ( قُلْنَا ) لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي قِيمَةِ نَصِيبِهَا ، وَالشَّاهِدُ يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ شَرِيكِي بِمَوْتِهِ وَلِي حَقُّ اسْتِسْعَائِهَا فِي نَصِيبِي فَلِهَذَا سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَالْمُدَبَّرَةِ لِاعْتِبَارِ زَعْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ سَعَتْ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا لِوَرَثَتِهِ وَلِلْحَيِّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ وَيَزْعُمُ أَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِإِقْرَارِ شَرِيكِهِ
( قَالَ ) وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ فَتَدْبِيرُهُ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، وَتَدْبِيرُهُ يَكُونُ إبْرَاءً لِلْمُعْتَقِ عَنْ الضَّمَانِ وَاخْتِيَارًا لِلسِّعَايَةِ فَيَسْعَى لَهُ الْغُلَامُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ قَدْرَ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ حَصَلَ بِمُبَاشَرَتِهِ وَاكْتِسَابِهِ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ فَلِهَذَا يَسْعَى لَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا
( قَالَ ) عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نِصْفَ نَصِيبِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ فَقَدْ أَبْرَأ الْمُدَبِّرَ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ نَصِيبِهِ كَانَ مُبْرِئًا لَهُ عَنْ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ إذْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فِي بَعْضِ نَصِيبِهِ دُونَ الْبَعْضِ ، ثُمَّ يَسْعَى لَهُ الْعَبْدُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ كَامِلٍ ، وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فَيُضَمِّنُهُ الْمُدَبِّرُ إنْ شَاءَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ بِإِعْتَاقِ الْمُعْتِقِ بَعْضَ نَصِيبِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهِ بِإِعْتَاقِ الْمُعْتِقِ جَمِيعَ نَصِيبِهِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ قَدْ اكْتَسَبَ سَبَبَ الضَّمَانِ لِلثَّالِثِ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ نَصِيبُهُ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَّا إلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَالسَّبَبُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِإِعْتَاقِ الثَّانِي فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ وَلَكِنْ يُضَمِّنُ الْمُدَبِّرَ وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُدَبِّرُ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْتَسْعِيه فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَسْتَسْعِيه فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ عَلَى الثَّالِثِ نَصِيبَهُ بِالضَّمَانِ .
( قَالَ ) وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ الثَّانِي حَتَّى ضَمَّنَ الثَّالِثُ الْمُدَبَّرَ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ : ثُلُثٌ مُدَبَّرٌ وَثُلُثٌ غَيْرُ مُدَبَّرٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ يَمْلِكُ نَصِيبَ الثَّالِثِ غَيْرَ مُدَبَّرٍ ثُمَّ صُنْعُ الْمُعْتِقِ
فِي الْإِعْتَاقِ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الصُّنْعِ قِيمَةَ جَمِيعِ نَصِيبِهِ كُلُّ ثُلُثٍ بِصِفَتِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ صُنْعَ الْمُعْتِقِ هُنَاكَ وُجِدَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمُدَبِّرُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِ الثَّالِثِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الصُّنْعِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَهُ لِلْمُدَبَّرِ وَذَلِكَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ ، وَثُلُثُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ الَّذِي أَعْتَقَ وَثُلُثَا الْوَلَاءِ لِلْمُدَبِّرِ ، أَمَّا مِقْدَارُ نَصِيبِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ بِالتَّدْبِيرِ وَأَمَّا نَصِيبُ الثَّالِثِ فَلِأَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَّا إلَيْهِ وَبَعْدَ النَّقْلِ إلَيْهِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمُعْتِقِ وَإِنْ ضَمِنَهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلثَّالِثِ حَقُّ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ نَقْلُ هَذَا النَّصِيبِ إلَيْهِ بِحَالٍ لَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَى مِلْكِ الْمُدَبِّرِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ وَلَاءُ الثُّلُثَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ نَصِيبِهِ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ كُلَّهُ وَهُوَ مُوسِرٌ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَهُوَ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ مُدَبَّرٌ وَثُلُثَاهُ غَيْرُ مُدَبَّرٍ وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُدَبِّرِ قَدْ دَخَلَهَا عِتْقٌ حِينَ دَبَّرَ بَعْضَهُ فَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِهِ إلَى الْمُعْتِقِ بِالضَّمَانِ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ .
وَإِذَا قَالَ إنْ مَلَكْت شَيْئًا مِنْ هَذَا الْعَبْدِ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ مَلَكَهُ مَعَ آخَرَ صَارَ نَصِيبُهُ مِنْهُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ وَلَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالتَّدْبِيرُ فِي هَذَا وَتَنْجِيزُ الْعِتْقِ سَوَاءٌ وَهَذَا فَرْعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا وَهُوَ قَرِيبُ أَحَدِهِمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَا شَرْطُ الْعِتْقِ لَا عِلَّتُهُ وَمُبَاشَرَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِلشَّرْطِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي الضَّمَانِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ ضَرْبِ السَّوْطِ فَمُعَاوَنَتُهُ عَلَى تَحْصِيلِ الشَّرْطِ أَوْ رِضَاهُ بِهِ كَيْف يَكُونُ مُسْقِطًا ؟ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ وَهَذَا شَرْطٌ فِي مَعْنَى السَّبَبِ ؛ لِأَنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّعْلِيقِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَصِحُّ إلَّا مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ هَذَا الْمَمْلُوكِ أَوْ تَدْبِيرَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَانَ بَاطِلًا وَإِذَا كَانَ مُصَحَّحًا لِمَا هُوَ السَّبَبُ كَانَ فِي مَعْنَى الْمُتَمِّمِ لِلسَّبَبِ فَمُعَاوَنَتُهُ إيَّاهُ عَلَيْهِ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الضَّمَانِ بِخِلَافِ ضَرْبِ السَّوْطِ ( فَإِنْ قِيلَ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَجُوزَ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ وَبِالِاتِّفَاقِ لَا يَجُوزُ ( قُلْنَا ) هَذَا الشَّرْطُ مُصَحِّحٌ لِلْيَمِينِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِتْقِ بَلْ الْمُوجِبُ لِلْعِتْقِ هُوَ الْيَمِينُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَقْتَرِنَ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ فَأَمَّا الرِّضَا بِمَا يُصَحِّحُ الْيَمِينَ كَالرِّضَا بِالْيَمِينِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي التَّضْمِينِ وَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى فَقَالَ : لِأَنَّهُمَا لَمْ يَمْلِكَاهُ جَمِيعًا .
مَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَعْتَمِدُ الصُّنْعَ وَصُنْعُهُ اتَّصَلَ بِالْمَمْلُوكِ قَبْلَ مِلْكِ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ صُنْعَهُ الشِّرَاءَ وَالْمِلْكَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُ السَّبَبَ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِصُنْعٍ سَبَقَ مِلْكَهُ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ إنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَهُ مَوْلَاهُ فَسَرَى إلَى
النَّفْسِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْقَاطِعَ شَيْئًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا الطَّرِيقُ يَسْتَقِيمُ هُنَا وَفِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
بَابُ تَدْبِيرِ مَا فِي الْبَطْنِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا جَازَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَالشَّرِيكُ فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ التَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ حِينَ دَبَّرَ لَعَلَّهَا حَبِلَتْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَعَ الشَّكِّ لَا يَثْبُتُ التَّدْبِيرُ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَقَالَ الْآخَرُ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ النُّطْقِ الْأَوَّلِ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ دَبَّرَهُ الْأَوَّلُ فَتَدَبَّرَ نَصِيبُهُ بِتَدْبِيرِهِ ، وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ بِتَدْبِيرِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُمِّ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا وَحِصَّةُ الَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ مُدَبَّرٌ مَعَ الْأُمِّ وَشَرِيكُهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ تَدْبِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ مِنْ جِهَةِ الَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ وَثُبُوتُ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي هَذَا لَا يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَ الْأُمَّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ مِنْ الْوَلَدِ هُنَاكَ صَارَ مَقْصُودًا يَنْفَرِدُ التَّدْبِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ ، ثُمَّ نِصْفُ الْأُمِّ مُدَبَّرٌ لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْأُمِّ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَالْوَلَدُ لِلْمُدَبِّرِ بِغَيْرِ ضَمَانٍ
؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا لَزِمَهُ مِنْ حِينِ دَبَّرَ ، وَعُلُوقُ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الشَّرِيكِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ازْدَادَتْ فِي بَدَنِهَا لَمْ يَكُنْ لَلشَّرِيك الْآخَرِ تَضْمِينُ نِصْفِ الْقِيمَةِ إلَّا وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُسْتَسْعَاةِ حَتَّى ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا بِذَلِكَ التَّدْبِيرِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ تَكُونُ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا فَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَبِّرِ شَيْءٌ مِنْ ضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ اسْتَسْعَاهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَا يَسْعَى الِابْنُ فِي شَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ كَالْمُكَاتَبَةِ فَلَا يَثْبُتُ لِمَوْلَاهَا فِيمَا يَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْوَلَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ حَقٌّ يُمَكِّنُهُ مِنْ اسْتِسْعَائِهِ الْوَلَدَ ، فَإِنْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ فَالْمُدَبِّرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مِنْ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَرْجِعُ الَّذِي ضَمِنَ بِهِ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ عِنْدَ تَصَرُّفِهِمَا فَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا وَحُكْمُ مَا لَوْ كَانَ تَصَرُّفُهُمَا فِي الْوَلَدِ بَعْدَ الِانْفِصَالَ سَوَاءً
( قَالَ ) وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا وَلَا يُمْهِرَهَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَتَمْلِيكُهَا دُونَ مَا فِي بَطْنِهَا بِالْهِبَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ هِبَتُهَا وَوَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ نَصًّا ، وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ بِاسْتِثْنَاءِ مَا فِي الْبَطْنِ نَصًّا بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ فَنَقُولُ بَعْدَ مَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ جَازَ كَمَا ذُكِرَ هُنَاكَ وَبَعْدَ مَا دَبَّرَ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ لَا يَجُوزُ كَمَا ذُكِرَ هُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا فِي الْبَطْنِ فَإِذَا وَهَبَ الْأُمَّ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَالْمَوْهُوبُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا ابْنُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ .
فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْوَلَدُ مُدَبَّرٌ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ رَقِيقًا لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ فَهُمَا مُدَبَّرَانِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَقْتَ التَّدْبِيرِ وَهُمَا تَوْأَمٌ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا
مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وُجُودُ الْآخَرِ .
( قَالَ ) وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ثُمَّ كَاتَبَهَا جَازَتْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُعْقَدُ لِلْعِتْقِ وَثُبُوتُ حَقِّ الْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْعِتْقِ فِي الْأُمِّ ، وَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْوَلَدِ صَحِيحًا وَلَكِنْ يَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ تَبَعًا لِلْأُمِّ فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَا جَمِيعًا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ عَتَقَ الْوَلَدُ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ الثُّلُثِ وَعَلَى الْأُمِّ السِّعَايَةُ فِي الْمُكَاتَبَةِ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ لَمْ يَمُتْ الْمَوْلَى حَتَّى مَاتَتْ الْأُمُّ فَعَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ مَوْلُودٌ فِي الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فَالْوَلَدُ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ أَحَدُهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالْآخَرُ بِأَدَاءِ كِتَابَةِ الْأُمِّ فَيَخْتَارُ أَنْفَعَ الْوَجْهَيْنِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ قَدْ حَصَلَ
( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَدُكِ الَّذِي فِي بَطْنِك وَلَدُ مُدَبَّرَةٍ أَوْ وَلَدُ حُرَّةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِهَذَا عِتْقًا لَمْ تَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ بِتَحْقِيقٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتَ مِثْلُ الْحُرَّةِ أَوْ الْمُدَبَّرَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمُدَبَّرِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْمُكَاتَبَةُ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ وَلَوْ عَتَقَ كُلُّهُ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ إذَا عَتَقَ ثُلُثَهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمَّا عَتَقَ عَلَيْهِ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ ، فَكَذَلِكَ إذَا سَبَقَ التَّدْبِيرُ الْكِتَابَةَ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى جَمِيعَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ لَمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَهُ بِالتَّدْبِيرِ كَاسْتِحْقَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ جَمِيعِهَا بِالِاسْتِيلَادِ ثُمَّ لَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَ الْمَالُ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ وُرُودَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ
يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ بَلْ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ كَانَ الْأَلْفُ كُلُّهَا بِإِزَاءِ التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ نَفْسِهِ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ ، وَكَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ الْمَوْلَى حَتَّى تَقَرَّرَ اسْتِحْقَاقُهَا فِي جَمِيعِ نَفْسِهَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَأَمَّا قَبْلَ الْمَوْتِ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَا قَبْلَ الْمَوْلَى .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ هُنَاكَ بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِشَيْءٍ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ التَّدْبِيرَ الْآخَرَ وَصِيَّةٌ بِالرَّقَبَةِ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ لَا تَنْفُذُ مِنْ مَالٍ آخَرَ بِحَالٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ قُتِلَ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَا مِنْ ثَمَنِهِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ التَّدْبِيرِ هُنَاكَ حَقَّهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ إنْ أَدَّى أَوْ مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ إنْ عَجَزَ فَيَكُونُ مُوصِيًا لَهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ فَلِهَذَا يَنْفُذُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا دَبَّرَهُ أَوَّلًا ثُمَّ كَاتَبَهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْعِتْقَ يَتَجَزَّى وَقَدْ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ .
أَمَّا السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِجِهَةِ الْعَقْدِ فَيَخْتَارُ أَيَّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدُهُ لَا يَتَجَزَّأَ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ وَالْمَالُ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَقَلُّ الْمَالَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ قَدْ سَقَطَ وَلَا يَتَجَدَّدُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَلَوْ كَانَ كَاتَبَهُ أَوَّلًا ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ وَرُبَّمَا يَكُونُ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا لِمَنْفَعَةٍ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَسْعَى فِي أَقَلِّ الْمَالَيْنِ بِلَا خِيَارٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ
( قَالَ ) وَإِذَا كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَتْ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا فَيَبْقَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ بِبَقَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا ، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا الْمَالَ كُلَّهُ مِنْ سِعَايَتِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَدَّى عَنْ الْأُمِّ فَإِنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ كَسْبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَسْتَعِينَ بِهِ فِي أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالِ الْأُمِّ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَيْنِ لَهُ جَمِيعًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ أَحَدُهُمَا وَلَدًا وُلِدَ لَهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ مِنْ أَمَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِأَبِيهِ وَلِنَفْسِهِ وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ لِأَبِيهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّدْبِيرِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِهِ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمَوْتِ فُلَانٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الشَّرْطِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي بِشَيْءٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ دَبَّرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْعِتْقِ الْبَاتِّ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَسْتَحِبُّ أَنْ أُجِيزَ شَهَادَتَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنَجَّزُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ وَلِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعْنَى حَقِّ الْمُوصَى .
وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشُّهُودَ قَالُوا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ وَفِي حُكْمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ .
قَالُوا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُولُوا فَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا الْقَيْدُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَا شَهِدَا بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ فَأَبْطَلَهَا الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ الْحُكْمُ بِرَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ حَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّهَا لَا يَقْبَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ
( قَالَ ) وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي لَا بَلْ هَذَا عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ تَدْبِيرِ الْأَوَّلِ وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ فِي الثَّانِي فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ بِعَيْنِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَلْبَتَّةَ لَا بَلْ هَذَا مُدَبَّرٌ ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِلْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَلِلثَّانِي بِعَيْنِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا مُدَبَّرٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُمَا مَا شَهِدَا لِلْمُعَيَّنِ بِشَيْءٍ فَإِنَّ حَرْفَ أَوْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ يُخْرِجُ كَلَامَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالشَّهَادَةُ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِالْعِتْقِ أَوْ التَّدْبِيرِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ هَذَا مُدَبَّرٌ أَوْ هَذَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ الْمَوْلَى ثَبَتَ بِهِ التَّدْبِيرُ لِلْأَوَّلِ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى فِي الْبَاقِينَ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِلْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ مُدَّعٍ لِذَلِكَ فَيَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْآخَرِينَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُمَا كَلَامَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَبُطْلَانُ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ مُدَبَّرٌ لَا بَلْ هَذَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ صَارَ الَّذِي عَيَّنَهُ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لَهُ بِعَيْنِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ بِاَللَّهِ مَا عَنَاهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ عَبْدًا لَهُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا أَنَّهَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِهَا وَهُوَ مَا ادَّعَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ جَمِيعًا فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُعَيِّنَا الْمَشْهُودَ لَهُ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهَا فِي التَّدْبِيرِ ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ طَرِيقَ الِاسْتِحْسَانِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ حَقَّ الْمُوصِي دُونَ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا أَلْبَتَّةَ فِي صِحَّتِهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْعِتْقِ الْبَاتِّ بَاطِلَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِهِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي الْمُعَيَّنِ إذْ الْمُدَبَّرُ وَالْقِنُّ فِي الْمَحَلِّيَّةِ لِلْعِتْقِ الْبَاتِّ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ فِي الصِّحَّةِ تَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا فَيَشِيعُ الْعِتْقُ فِيهِمَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَعْتِقُ
مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَيَعْتِقُ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ فَكَانَ السَّالِمُ لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ رَقَبَتِهِ وَيَسْعَى فِي سُدُسِ قِيمَتِهِ وَالْآخَرُ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ .
وَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّ الْعِتْقَ الْبَاتَّ كَانَ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنَّمَا سَلِمَ لِلْآخَرِ نِصْفُ رَقَبَتِهِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِي الثُّلُثِ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَالْمُدَبَّرُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَالْمَالُ عَلَى تِسْعَةٍ ، إلَّا أَنَّ الْمَالَ رَقَبَتُهُمَا وَلَوْ جَعَلْنَا كُلَّ رَقَبَةٍ أَرْبَعَةً وَنِصْفًا لَانْكَسَرَ بِالْأَنْصَافِ فَيَضْعُفُ وَنَجْعَلُهُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى تِسْعَةٍ وَقَدْ كَانَ لِلْمُدَبَّرِ سَهْمَانِ فَبِالتَّضْعِيفِ صَارَ أَرْبَعَةً فَلِهَذَا سَلِمَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَتْسَاعِهِ ، وَلِلْقِنِّ نِصْفُ ذَلِكَ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي سَبْعَةِ أَتْسَاعِهِ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً ( فَإِنْ قِيلَ ) لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ لِلْقِنِّ كُلِّهِ لِيَكُونَ كَلَامُهُ مَحْمُولًا عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَمَا يَصْرِفُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لَغْوًا ( قُلْنَا ) إنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ هَكَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ جَمِيعًا وَبَقَاءُ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِ يَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْآخَرِ لِلْعِتْقِ الْبَاتِّ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فِيهِ فَيَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ فَلِهَذَا ضَرَبَ فِي الثُّلُثِ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ الْمُكَاتَبِ إذَا دَبَّرَهُ مَوْلَاهُ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلٌ دَبَّرَ مُكَاتَبًا لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْكِتَابَةَ وَكَانَ مُدَبَّرًا لَهُ وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ أَحَدُهُمَا عَاجِلٌ بِبَدَلٍ وَالْآخَرُ آجِلٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَهُ أَنْ يَمِيلَ إلَى أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ ، وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَخْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُكَاتَبُ بِالتَّدْبِيرِ حَتَّى أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ كُلَّهَا فَقَدْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ وَالْمَالُ سَالِمٌ لِلْمَوْلَى وَلَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ قَدْ بَطَلَ بِعِتْقِهِ ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ ثُمَّ عَلِمَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَإِذَا اخْتَارَ التَّدْبِيرَ فَمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى حَلَالٌ لَهُ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ .
( قَالَ ) وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ عَنْ أَدَائِهَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي حَيَاتِهِ وَأَخَذَ الْوَرَثَةُ بِحِصَّةِ الْآخَرِ أَيِّهِمَا شَاءُوا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الثَّانِيَ أَصِيلٌ فِي حِصَّتِهِ وَالْمُدَبَّرُ كَانَ كَفِيلًا مُطَالَبًا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ تِلْكَ الْمُطَالَبَةُ بِعِتْقِهِ ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمُدَبَّرُ رَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَدَّاهَا قَبْلَ عِتْقِهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ مُنْتَفِعٌ بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِذَلِكَ وَالْآنَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ إنَّمَا أَدَّاهَا بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ الْمَحْضَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ ثُلُثٍ وَسَعَى فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَمُكَاتَبَتُهُمَا أَلْفٌ بَطَلَ حِصَّةُ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَاعْتَبَرَ قِيمَتَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى هُوَ الْأَقَلُّ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ وَخَمْسُمِائَةٍ حِصَّةُ الْآخَرِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَذَلِكَ ثَمَانُمِائَةٍ ثُلُثُهُ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ يُسَلَّمُ لِلْمُدَبَّرِ مِنْ قِيمَتِهِ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ثُمَّ يُؤْخَذُ الْمُدَبَّرُ بِمَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ بِهِ وَلَا يُؤْخَذُ الْمُكَاتَبُ بِمَا عَلَى الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَلَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ مِنْ قَبْلِ التَّدْبِيرِ وَالْمُكَاتَبُ لَمْ يَكُنْ كَفِيلًا عَنْهُ بِذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمُكَاتَبَتُهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَاخْتَارَ الْمُدَبَّرُ أَنْ يَسْعَى فِي
الْكِتَابَةِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يَنْفَعُهُ عَسَى يَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُنَجَّمًا مُؤَجَّلًا ، وَإِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ يَسْقُطُ ثُلُثُ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّهُ عَتَقَ ثُلُثَا رَقَبَتِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةُ كَانَتْ لَهُ بِمَا هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى فَلِهَذَا يَسْقُطُ ثُلُثُ الْمُكَاتَبَةِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَا الْمُكَاتَبَةِ عَلَيْهِمَا يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ أَيَّهمَا شَاءُوا ، فَإِنْ أَدَّى الْمُدَبَّرُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ذَلِكَ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ رَجَعَ عَلَى الْمُدَبَّرِ بِرُبْعِ ذَلِكَ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا بَقِيَ مِنْ حِصَّتِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَاخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَسْعَى فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَسِعَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُنَافِي الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً ، وَالْمُدَبِّرُ غَيْرُ مُفْسِدٍ عَلَى شَرِيكِهِ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ ، فَإِنْ عَجَزَ فَاَلَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ تَدْبِيرِهِ فِي الْإِفْسَادِ قَدْ ظَهَرَ بَعْدَ الْعَجْزِ فَكَانَ حُكْمُ هَذَا كَحُكْمِ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتَيْنِ إذَا مَلَكْتُكُمَا فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ بَعْدَ مَوْتِي فَاشْتَرَى إحْدَاهُمَا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْأُخْرَى فَقَدْ صَارَتَا مُدَبَّرَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مِلْكُهُمَا فَإِنَّمَا تَمَّ عِنْدَ شِرَاءِ الثَّانِيَةِ وَوَلَدُ الْأُولَى رَقِيقٌ يُبَاعُ ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْهَا قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّدْبِيرِ فِيهَا فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَصِلُ إلَى الْمَحِلِّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ
( قَالَ ) وَإِذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ ذِمِّيٌّ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ فِي قِيمَتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ عِنْدَهُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ وَعِنْدَنَا هُوَ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ، فَإِنْ أَدَّى السِّعَايَةَ عَتَقَ ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَهُ الْمَوْلَى عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُحَاكَمَةٍ فَهَذَا وَاسْتِسْعَاءُ الْقَاضِي سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلِاسْتِسْعَاءِ قَائِمٌ بَعْدَ عَجْزِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَالِ الصُّلْحِ فَضْلٌ عَلَى قِيمَتِهِ يُبْطِلُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْفَضْلَ عَنْهُ إذَا عَجَزَ وَيُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ
( قَالَ ) وَإِذَا دَبَّرَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامُ الْإِسْلَامِ لَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنْ خَرَجَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ لَغْوًا ، وَإِنْ دَبَّرَهُ بَعْدَ مَا خَرَجَا بِأَمَانٍ فَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمَا فِي دَارِنَا فِيمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ ، فَإِنْ أَسْلَمَ هَذَا الْمُدَبَّرُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَأْمَنِ مُحْتَرَمٌ بِالْأَمَانِ وَبَيْعُهُ بِسَبَبِ التَّدْبِيرِ مُتَعَذِّرٌ ، فَإِنْ لَحِقَ الْمَوْلَى بِدَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ يَسْعَى ثُمَّ قُتِلَ الْمَوْلَى أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ أَوْ أُسِرَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ ، أَمَّا إذَا قُتِلَ الْمَوْلَى فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ ، وَإِنْ أُسِرَ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ عَنْهُ قَدْ بَطَلَ ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ لَيْسَ يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَالْمَمْلُوكُ مَتَى زَالَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لَا إلَى أَحَدٍ كَانَ حُرًّا ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ لَمْ يَبْقَ لِمِلْكِهِ حُرْمَةٌ وَالسِّعَايَةُ كَانَتْ لِحُرْمَةِ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ
( قَالَ ) وَلَوْ كَانَ خَرَجَ بِأُمِّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحِيحٌ تَبَعًا لِلنَّسَبِ ، فَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَوْلَى ، فَإِنْ أَدَّتْ السِّعَايَةَ عَتَقَتْ ، وَإِنْ عَجَزَتْ رُدَّتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ فِيهَا قَدْ ارْتَفَعَ بِإِسْلَامِهِ فَلَوْ أَسْلَمَتْ وَبَاعَهَا مِنْ نَفْسِهَا بِمَالٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ جَازَ وَكَانَتْ حُرَّةً بِالْقَبُولِ وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا ، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ فَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْقَبُولِ فَمَوْتُ الْمَوْلَى وَحَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ .
( قَالَ ) وَإِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَدْبِيرُهُ بَاطِلٌ وَالْعَبْدُ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَرَجَعَ إلَى دَارِنَا وَوُجِدَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ فَأُخِذَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ التَّدْبِيرُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ بِالدَّارِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حَقِّهِ كَانَ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا وَأَصْلُ مِلْكِهِ بَاقٍ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّوَقُّفُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُمْ حِينَ عَادَ مُسْلِمًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِهِ لِلْوَرَثَةِ وَبَاعُوهُ فَبَيْعُهُمْ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُ يَوْمَئِذٍ فَمَتَى حَصَلَ الْمِلْكُ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ كَانَ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ اسْتَوْلَدَ فِي رِدَّتِهِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَهَا بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُرْتَدِّ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِي كَسْبِهِ أَظْهَرُ مِنْ مِلْكِ الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ فَإِذَا كَانَ يَصِحُّ الِاسْتِيلَادُ مِنْ الْأَبِ فَمِنْ الْمُرْتَدِّ لَأَنْ يَصِحَّ أَوْلَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى التَّدْبِيرُ مِنْهُ صَحِيحٌ كَالِاسْتِيلَادِ فَإِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي مِنْ ثُلُثِهِ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ الَّذِي دَبَّرَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ .
وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي السِّيَرِ
( قَالَ ) وَإِذَا دَبَّرَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْعَبْدُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ اشْتَرَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَسْلَمَ رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِالتَّدْبِيرِ فَلَا يَبْطُلُ بِرِدَّتِهِ وَلِحَاقِهِ كَمَا لَا تَبْطُلُ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ ، وَالْمُدَبَّرُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلتَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَلَا الْمُسْلِمُونَ لِلْوَلَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ وَلِهَذَا رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ مُدَبَّرًا عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ الْأَمَةِ الْحَامِلِ إذَا بِيعَتْ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ بَاعَ أَمَةً وَسَلَّمَهَا أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَنَقُولُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا قَدْ تَمَّ وَلَكِنَّا نَقُولُ تَيَقُّنًا إنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَبِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ كَالنَّسَبِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ دُونَهُ فِي احْتِمَالِ النَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ وَالضَّعِيفُ لَا يُبْطِلُ الْقَوِيَّ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي سَبَقَ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ سَوَاءٌ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ عَنْهُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الِاسْتِلْحَاقِ وَالضَّعِيفُ لَا يَبْقَى بِطَرَيَانِ الْقَوِيِّ ، وَإِذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا فَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هُوَ ابْنُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدَّعْوَةِ فَيَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ دَعْوَةُ الْبَائِعِ أَسْبَقُ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَإِنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي أَوْلَى لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِحُصُولِ
الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الدَّعْوَى ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرِ وَالْآخَرُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالدَّعْوَةُ دَعْوَةُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فِي مِلْكِهِ فَيَتْبَعُ الشَّكُّ الْيَقِينَ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدَّعْوَةِ لَمْ تُرَدَّ رَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ فِيهَا لِقِيَامِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِنَقْضِ الْبَيْعِ فِيهَا وَلِأَنَّا لَوْ نَقَضْنَا الْبَيْعَ وَالْعِتْقَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ فَيَطَؤُهَا بِالْمِلْكِ بَعْدَ مَا حَكَمْنَا بِحُرِّيَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ بَعْدَ عِتْقِهَا وَحَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ بَاقٍ فَلِهَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ فِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مَقْصُودًا بِالِاسْتِرْدَادِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ يَرُدُّهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ ثُبُوتُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي الْأُمِّ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ ، وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ فَلَا يَبْقَى الضَّعِيفُ بَعْدَ طَرَيَان الْقَوِيِّ ، وَلَا تَصِيرُ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَبَعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ فَكَذَلِكَ فِي التَّبَعِ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْتِقْهُ وَلَكِنَّهُ مَاتَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ ابْتِدَاءً ، وَإِذَا كَانَ لِلْوَلَدِ وَلَدٌ حَيٌّ
لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ الْبَائِعِ أَيْضًا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ النَّسَبُ كَانَ ثَابِتًا اسْتَتَرَ بِاللِّعَانِ فَيَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِبَقَاءِ وَلَدٍ يَخْلُفُهُ حَتَّى يَظْهَرَ بِدَعْوَتِهِ وَهُنَا النَّسَبُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ابْتِدَاءَ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَتِهِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ فِي الدَّعْوَى
( قَالَ ) ، وَإِذَا بَاعَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ وَفُسِخَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى شَيْءٍ ثَبَتَ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ حَتَّى بَاعَهَا الْمُشْتَرِي وَتَنَاسَخَهَا رِجَالٌ ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَادَّعُوهُ جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَتُهُ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقَ وَتُفْسَخُ الْبُيُوعُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ الْبُيُوعَ فِي احْتِمَالِ الْفَسْخِ كَبَيْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقُّ الِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ وَلَدًا وُلِدَ عِنْدَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ وَالْوِلَادَةِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَحَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ لَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّعْوَى لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ فَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَيَظُنُّ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهُ فَيَتَدَارَكُ ذَلِكَ بِالدَّعْوَةِ
( قَالَ ) وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْ رَجُلٍ صَبِيٌّ لَا يَنْطِقُ وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُولَدْ عِنْدَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقِيَاسِ لِلتَّنَاقُضِ وَصَدَقَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِخَفَاءِ أَمْرِ الْعُلُوقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِالنَّسَبِ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ وَهُوَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ .
وَلَوْ كَانَ لَقِيطًا فِي يَدِهِ فَادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَهُنَا أَوْلَى ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَهُوَ مُعَبِّرٌ عَنْ نَفْسِهِ فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ دَعْوَةِ نَسَبِهِ عَلَى تَصْدِيقِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَلَا قَوْلَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ مُصَدَّقًا فِي دَعْوَةِ نَسَبِهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ
( قَالَ ) وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فِي الصَّغِيرِ كَمَا اُسْتُحْسِنَ فِي الْمُدَبَّرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ مِنْهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَنِصْفِ عُقْرِ أُمِّهِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ بِالْعِتْقِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ وَالْوَلَاءُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَيَبْطُلُ حَقُّ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ فِي الْقِيَاسِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ بَيْنَهُمَا لَمَّا ثَبَتَ نِصْفُ الْوَلَاءِ لِشَرِيكِهِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي الدَّعْوَةِ فِي الْقِيَاسِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَبَيْنَ الْوَلَاءِ لَلشَّرِيك وَفِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مَنْفَعَةٌ لِلصَّغِيرِ فَلِهَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمَّ قَالَ هُنَا وَوَلَاءُ الْوَلَدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ ، وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ نِصْفُ وَلَاءِ الْوَلَدِ لَلشَّرِيك وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ، وَمَعْنَى هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْوَلَاءَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِلْأَبِ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَّا عِنْدَ جِنَايَةِ الْوَلَدِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْأُمُّ فَنَصِيبُ الْأَبِ مِنْهَا أُمُّ وَلَدٍ وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْهَا مُدَبَّرٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ فَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ اقْتَصَرَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا كَبِيرًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ دَبَّرَاهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُمَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْعَبْدِ يَدٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالدَّعْوَةِ اسْتِحْسَانًا كَمَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُمَا بِالتَّدْبِيرِ اسْتَحَقَّا وَلَاءَهُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ
( قَالَ ) وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَبَاعَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا مَعَ الْأُمِّ فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ ، وَاَلَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ عَبْدٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ فَإِنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّوْأَمُ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْإِعْتَاقِ ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمُشْتَرِي ، وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَهُ مَعَ الْأُمِّ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الَّذِي عِنْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا جَمِيعًا مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَالتَّوْأَمُ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ لِأَحَدِهِمَا ثُبُوتُهُ لِلْآخَرِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ الَّذِي عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ لَا يَعْتِقُ ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ بُطْلَانُ عِتْقِ الْأُمِّ إذْ الِاسْتِيلَادُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَسَبِ الْوَلَدِ فَلِهَذَا رَدَّ الْبَائِعُ حِصَّةَ الِابْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ ، وَلِأَنَّا لَوْ نَقَضْنَا عِتْقَهُ فِي الْوَلَدِ إنَّمَا نَنْقُضُهُ لِإِثْبَاتِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ وَلَوْ نَقَضْنَا عِتْقَهُ فِي الْأُمِّ نَنْقُضُهُ لِمَا هُوَ أَضْعَفُ وَهُوَ حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَيُؤَدِّي إلَى أَنْ تُوطَأَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
( قَالَ ) وَإِذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا فَخَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ وَلَدَهَا فَارَاد أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَبَلَ مِنْ عَبْدٍ كَانَ لَهُ قَدْ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَإِذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِهَذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدَّعِيَهُ أَبَدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّعِيَهُ إنْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْوَلَدَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ الْوَلَدِ لِلْعَبْدِ يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ الْعَبْدِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ صَارَ كَالْمَعْدُومِ مِنْ الْأَصْلِ وَشَبَّهَا هَذَا بِالْوَلَاءِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ ثُمَّ لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ فَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَاءَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ بِتَكْذِيبِ الْبَائِعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إقْرَارُهُ تَضَمَّنَ حُكْمَيْنِ : انْتِفَاءُ النَّسَبِ عَنْهُ ، وَثُبُوتُهُ مِنْ الْعَبْدِ ، فَبِإِنْكَارِ الْعَبْدِ يَبْطُلُ إقْرَارُهُ بِالْحُكْمِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ وَلَا يَبْطُلُ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَهُوَ انْتِفَاؤُهُ مِنْ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يُقْطَعُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلَاعِنِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ دَعْوَةِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ حُكْمٌ بِنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَبَعُدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ أَبْطَلْنَا بِاللِّعَانِ حُكْمَ إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ الْمُلَاعِنِ يَبْقَى مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ وَلَيْسَ النَّسَبُ كَالْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ فِي الْبُيُوعِ
( قَالَ ) أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا فَهُوَ وَلَدُهُمَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ أَصْلُهُ كَانَ فِي مِلْكِهِمَا فَاسْتَوَيَا فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ ، وَإِذَا جَازَ إبْطَالُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِهَا بِدَعْوَةِ الْوَلَدِ فَفِي نِصْفِهَا أَوْلَى ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَعًا كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَحَقَّ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَقِيَامُ مِلْكِهِ فِي نِصْفِهَا وَقْتَ الْعُلُوقِ كَقِيَامِ مِلْكِهِ فِي جَمِيعِهَا فِي ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَسْبَقَ وَثَبَتَ بِهَا حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ كَانَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بَاطِلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
بَابُ الْمُكَاتَبِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي وَقْتِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَمَا أَخَذَ الصَّحِيفَةُ مِنْ مَوْلَاهُ يَعْتِقُ يَعْنِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيفَةَ عِنْدَ ذَلِكَ تُكْتَبُ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْكِتَابَةَ وَارِدًا عَلَى الرَّقَبَةِ كَالْعِتْقِ بِجُعْلٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ غَرِيمٌ لِلْمَوْلَى فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إذَا أَدَّى قِيمَةَ نَفْسِهِ عَتَقَ وَهُوَ غَرِيمٌ لِلْمَوْلَى فِي الْفَضْلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ وُصُولُ قَدْرِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْلَى لِيَنْدَفِعَ بِهِ الضَّرَرُ عَنْهُ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَكَأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْبَعْضَ بِالْكُلِّ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِهِ يُعْتِقُ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ مَا شَاءَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْكِتَابَ وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ رَقِيقٌ } وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ وَهَذَا لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمَكَاسِبِ وَالْمَنَافِعِ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا يَدًا وَرَقَبَةً فَهُوَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ مَالِكِيَّةَ الْيَدِ مِنْ كَرَامَاتِ بَنِي آدَمَ وَهُوَ مَعَ الرِّقِّ أَهْلٌ لِبَعْضِ الْكَرَامَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ ، وَمَالِكِيَّةُ الْيَدِ تَنْفَصِلُ عَنْ مَالِكِيَّةِ الرَّقَبَةِ أَلَا تَرَى
أَنَّ الرَّاهِنَ يُثْبِتُ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْيَدِ وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ بِتَفْوِيتِ الْيَدِ فَكَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فَأَمَّا الْعِتْقُ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَالشَّرْطُ يُقَابِلُ الْمَشْرُوطَ جُمْلَةً وَلَا يُقَابِلُهُ جُزْءًا فَجُزْءًا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ نَظِيرُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى حَطُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ رُبْعُ الْمُكَاتَبَةِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَطَّ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ أَوَّلَ نَجْمٍ حَلَّ عَلَيْهِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّدْبِ فَبِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ حَطُّ رُبْعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدُ إرْفَاقٍ يَجْرِي بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ وَلَا يَقْصِدُ الْمَوْلَى بِهِ التِّجَارَةَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ إيصَالَهُ بِهِ إلَى الْعِتْقِ فَيَكُونُ إرْفَاقًا وَيَسْتَحِقُّ بِكُلِّ عَقْدٍ مَا كَانَ الْعَقْدُ مَشْرُوعًا لِأَجْلِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْعَقْدُ مَشْرُوعًا لِلْإِرْفَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ مَا هُوَ مَحْضُ الْإِرْفَاقِ وَهُوَ حَطُّ بَعْضِ الْبَدَلِ ( وَحُجَّتُنَا ) فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْبَدَلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِسْقَاطِ الْبَدَلِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ ضِدَّهُ وَالْقِيَاسُ لَنَا فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ إذْ يُعْتَبَرُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ بِالْآخَرِ
فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ { فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } فَذَلِكَ نَدْبٌ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ خَيْرًا فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { وَآتُوهُمْ } لِأَنَّ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ فَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِلنَّاسِ بِصَرْفِ الصَّدَقَةِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ لِيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَ فِي بَيَانِ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمُرَادُ الْمُكَاتَبُونَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَالْمَالُ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا هُوَ الصَّدَقَةُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ فَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَسَرَ نَجْمًا فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ وَيَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطٌ عَقَدَهُ وَذَلِكَ يُثْبِتُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ الْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْفَسْخِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ مَا لَمْ يَكْسِرْ نَجْمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ فَدَخَلَا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَكَانَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرْفَاقِ وَفِي رَدِّهِ فِي الرِّقِّ عِنْدَ كَسْرِهِ نَجْمًا وَاحِدًا تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ فَلِمَعْنَى التَّوَسُّعِ وَالْإِرْفَاقِ شُرِطَ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ النُّجُومُ مُسْتَوِيَةً ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً فَكَسَرَ نَجْمًا وَاحِدًا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ
لَمَّا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَقَلِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ أَدَاءً عَنْ الْأَكْثَرِ أَعْجَزُ ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ ، وَجَعَلَ هَذَا الْعَجْزَ نَظِيرَ عَجْزِ الْعِنِّينِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ هُنَاكَ لَا تَكُونُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْعَقْدُ تَمَّ بِتَرَاضِيهِمَا وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِلُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِشَرْطٍ فَإِذَا فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ لِانْعِدَامِ رِضَاهُ بِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَصْلٌ لَنَا فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى تَمَامِ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ وَبَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَقْضِ الْقَبْضِ التَّامِّ وَنَقْلِ الضَّمَانِ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بَحْرِيَّته حَتَّى يَكُونَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ فِيهِ وَقَالَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَاتَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ سَلَامَتِهِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ كَهَلَاكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ
وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرَّقَبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يُضَافُ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ يَرْجِعُ إلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ ، وَالرُّجُوعُ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ إلَى قِيمَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِيَعْتِقَ بِوُصُولِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْلَى .
وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ ابْتِدَاءً لِمَا فِي الْعِتْقِ مِنْ إحْدَاثِ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ الْعِتْقُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَسْبِقُ الشَّرْطَ وَفِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَرَثَةِ وَصَارَ الْمَوْلَى مُعْتِقًا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مُعْتِقًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِك كَانَ لَغْوًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا أُعْتِقَ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقُ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَالْفِقْهُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ يَبْقَى مِلْكُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْقَدْرِ الْمَشْغُولِ بِالدَّيْنِ فَإِذَا بَقِيَ مِلْكُهُ صَارَ مُعْتَقًا ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مَمْلُوكًا بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ وَلَيْسَ فِي إبْقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعْنَى الْكَرَامَةِ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ تَبْقَ الْمَمْلُوكِيَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ .
( وَحُجَّتُنَا ) فِيهِ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَا يَنْفَسِخُ
بِمَوْتِ الْآخَرِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ قَضِيَّةَ مُطْلَقِ الْمُعَاوَضَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَالْخَصْمُ لَا يُنَازَعُ فِي هَذَا ، وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ فِي مَوْتِ الْمُكَاتَبِ فَوَاتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا يُسَلَّمُ لِلْعَاقِدِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَالرَّقَبَةُ لَا تُسَلَّمُ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا السَّالِمُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَقَدْ سُلِّمَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الرَّقَبَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرَّقَبَةُ كَمَا تُضَافُ الْإِجَارَةُ إلَى الدَّارِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَالرُّجُوعُ عِنْدَ الْفَسَادِ بِقِيمَةِ الرَّقَبَةِ لَيْسَ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرَّقَبَةُ ، وَلَكِنْ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فَيُصَارُ إلَى قِيمَةِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْخُلْعِ يُصَارُ إلَى رَدِّ الْمَقْبُوضِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، ثُمَّ إذَا جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَوْلَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحَيِّ حُكْمًا حَتَّى يَصِيرَ مُعْتِقًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْمُكَاتَبُ حَيًّا حُكْمًا حَتَّى يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ فَيَصِيرُ حُرًّا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّعْفِ وَالْمَالِكِيَّةُ ضَرْبُ قُوَّةٍ وَالضَّعِيفُ بِحَالِ الْمَيِّتِ أَلْيَقُ مِنْ الْقُوَّةِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ إبْقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ أَنَّ كَفَنَ الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ وَلَا سَبَبَ لِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ سِوَى الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ نَحْنُ إنَّمَا نُبْقِي الْمَالِكِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي مَكَاسِبِهِ وَبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَتَبْقَى تِلْكَ الْمَالِكِيَّةُ
بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ فَوْقَ حَاجَةِ مَوْلَاهُ إلَى الْوَلَاءِ .
فَإِذَا جَازَ بَقَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ صِفَةُ الْمَمْلُوكِيَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ بَقَاءُ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ يَكُونُ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ لَا نَجْعَلُهُ حُرًّا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَكِنَّا نُسْنِدُ حُرِّيَّتَهُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّيْنُ بِالْمَوْتِ يَتَحَوَّلُ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْقَى مَحَلًّا صَالِحًا لِلدَّيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِهَذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِالْمَوْتِ فَإِذَا تَحَوَّلَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ إلَى التَّرِكَةِ فَرَغَتْ الذِّمَّةُ مِنْهُ وَفَرَاغُ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ مُوجِبٌ حُرِّيَّتَهُ .
إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ مَا لَمْ يَصِلْ الْمَالُ إلَى الْمَوْلَى فَإِذَا وَصَلَ الْمَالُ إلَيْهِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ( فَإِنْ قِيلَ ) لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ عِنْدَكُمْ وَلَوْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَحُدَّ قَاذِفُهُ ( قُلْنَا ) هَذَا شَيْءٌ نُثْبِتُهُ حُكْمًا لِلِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابَةِ وَلِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِيهِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا فَلَا يَظْهَرُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ مُطْلَقًا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَا يَصِيرُ مُحْصَنًا بِاعْتِبَارِ حُرِّيَّةٍ ثَبَتَتْ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِقَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ حُرًّا أَنْ يَكُونَ مَا بَقِيَ مِنْ كَسْبِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ
( قَالَ ) وَإِذَا اشْتَرَطَ الرَّجُلُ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مَالِكِيَّةَ الْيَدِ تُثْبِتُ لَهُ حَقَّ الِاسْتِبْدَادِ بِالْخُرُوجِ إلَى حَيْثُ شَاءَ ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ تَمَكُّنُهُ مِنْ ابْتِغَاءِ الْمَالِ وَذَلِكَ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ .
فَكُلُّ شَرْطٍ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَالْمَقْصُودِ بِهِ فَكَانَ بَاطِلًا ، وَعِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ لِلْمُودَعِ احْفَظْهَا فِي بَيْتِك دُونَ بَيْتِ غَيْرِك صَحَّ ، كَذَا هَذَا .
وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَرَاءَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي الْكِتَابَةِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِهِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي الِابْتِدَاءِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِ الْمَقْصُودِ بِالْأَدَاءِ فَيُوَفِّرُ حَظَّهَا عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهَا وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ احْتِمَالِهِ الْفَسْخَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فَلِتَحَقُّقِ مَعْنَى التَّوَسُّعِ قُلْنَا الشَّرْطُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ يَكُونُ لَغْوًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ ، وَلِمَعْنَى التَّوَسُّعِ قُلْنَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النِّكَاحِ
( قَالَ ) وَإِنْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمُكَاتَبَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ حُرٍّ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لَهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا لِلْمَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ
( قَالَ ) وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ وَجَعَلَ نُجُومَهُمَا وَاحِدَةً وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَهَذَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّهُ كَفَالَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَالَةِ ، وَلَكِنَّا نُجَوِّزُ هَذَا الْعَقْدَ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْإِرْفَاقِ وَقَدْ يَكُونُ اعْتِمَادُ الْمَوْلَى عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلِأَنَّهُ بِهَذَا الْعَقْدِ يَجْعَلُهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا إذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَعَلَّقَ بِهِ عِتْقَ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا صَحَّ ثَبَتَ مُوجَبُهُ وَهُوَ انْقِسَامُ الْبَدَلِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَبْقَى مَطْلُوبًا بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ شَرْطُ الْمَوْلَى وَمَقْصُودُهُ مُعْتَبَرٌ وَقَدْ شَرَطَ أَنْ لَا يَعْتِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جَمِيعُ الْمَالِ فَلِمُرَاعَاةِ شَرْطِهِ قُلْنَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جَمِيعُ الْمَالِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ : الَّذِي يَكْتُبُهُ الْمَوْلَى لَهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ مَوْلَاهُمَا .
وَإِنَّمَا يَكْتُبُ هَذَا لِلتَّوَثُّقِ فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لِتَحْقِيقِ ثُبُوتِ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَمْلِكُ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
( قَالَ ) وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى وَصِيفٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الصِّفَةِ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ
( قَالَ ) وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِنْ الْخِدْمَةِ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ حَتَّى يَصِحَّ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَكُونُ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَمَنَافِعِهِ فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا يُوَفِّيهِ مِنْ كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَعْلُومَةً يُوَفِّيهَا مِنْ مَنَافِعِهِ ، وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَجْهُولَةً بِغَيْرِ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَنْ تَخْدُمَهُ أَبَدًا أَوْ يُجَامِعَهَا أَبَدًا فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا شُرِطَ مَعَ الْأَلْفِ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا وَهَذَا الْمُفْسِدُ يَتَمَكَّنُ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ مُوجَبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ إثْبَاتُ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ لَهُ حَتَّى يَصِيرَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ وَاشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَاسْتِثْنَاءُ مُوجَبِ الْعَقْدِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ يَقُول : فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ .
قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَقَدْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ شَيْئًا آخَرَ فَكَيْف يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ وَاشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ لِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ إبْقَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ فِي الْخِدْمَةِ وَالْوَطْءِ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِمُوجَبِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْبَدَلُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَلْفُ فَإِذَا أَدَّاهُ يَعْتِقُ وَيَسْتَوِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنْ
كَانَ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْتهَا إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ .
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْتهَا إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَعْتِقُ ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْفَسَادِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْفَسَادِ فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْعَقْدِ فَلَا يُعْدَمُ أَصْلُهُ ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ كَانَ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَوَّلًا عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ عَلَى الْأَلْفِ إلَى مُكَاتَبَةِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَعَ الْأَلْفِ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً فَإِذَا لَمْ يَنَلْ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ مُكَاتَبَةُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا وَدَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ عَلَيْهِ فَضْلُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّقَبَةَ هُنَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِبَارِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُ قِيمَةِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِسَبَبِ الْفَسَادِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ الْأَلْفِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَوْلَى مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ جَمِيعِ الْأَلْفِ لَهُ وَاعْتِبَارُ الْقِيمَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى فَإِذَا كَانَ يَئُولُ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ سَقَطَ
اعْتِبَارُهُ
( قَالَ ) وَشِرَاءُ الْمُكَاتَبِ مِنْ مَوْلَاهُ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَمَا اسْتَهْلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَكَاسِبِ فَاخْتَصَّ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِي مَكَاسِبِهِ فَكَانَ حَالُ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَحَالِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى عَلَى النُّجُومِ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا كُلُّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَالْأَصْلُ مَمْلُوكٌ لَهُ فَكَذَا مَا يَتْبَعُهُ وَزُفَرُ يَقُولُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمْ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ وَفِي تَنْفِيذِ عِتْقِ الْمَوْلَى فِيهِمْ إبْطَالُ حَقِّهِ عَنْ كَسْبِهِمْ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثُمَّ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ مِنْ كَسْبِهِ حُكْمًا لِثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ لَا أَنْ يَكُونَ بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى وَقَصْدِهِ
( قَالَ ) وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا لَا يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ لِقِيَامِ الرِّقِّ الْمُنَافِي فِيهِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْيَدِ وَبِمِلْكِ الْيَدِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِسَبَبِهِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَقَدْ امْتَنَعَ بَيْعُهَا تَبَعًا لِثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ تَشْتَرِي زَوْجَهَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَقِيقَةً
( قَالَ ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ لَهُ وَلَا عِتْقُهُ لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَهُوَ مُنَافٍ لِوِلَايَةِ الشَّهَادَةِ وَالتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً وَبِاعْتِبَارِهِ يَصِحُّ التَّبَرُّعَاتُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ وَالْعِتْقُ بِغَيْرِ جُعْلٍ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ حَقِيقَةً وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ مِلْكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ
( قَالَ ) وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ مَآلَ هَذَا الْعَقْدِ عِتْقٌ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَلِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي التِّجَارَاتِ لِيَكْتَسِبَ الْمَالَ بِهَا فَيُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَذَا الْعَقْدِ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ عِنْدَ تَمَامِهِ بِالْأَدَاءِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكِتَابَةُ مِنْ عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تِجَارَةً فَكَذَلِكَ يُكَاتِبُ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ مِلْكَهُ بِنَفْسِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَمْلُوكِ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ فَكَانَ هَذَا أَنْفَعَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يُسَوِّي غَيْرَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لِمَمْلُوكِهِ مِثْلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ إعْتَاقُ مَمْلُوكِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِمَالٍ فَإِنَّ هُنَاكَ يُوجِبُ لِغَيْرِهِ فَوْقَ مَالِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ بِنَفْسِ الْقَبُولِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ
( قَالَ ) وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ مِنْ عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ فِي شَيْءٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوِضَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَا وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ ، وَالِاسْتِبْدَادُ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَالرِّقُّ يَنْفِي الْوِلَايَةَ وَلِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَيْسَ مِنْ عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ
( قَالَ ) وَإِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ سُرِقَ مِنْهُ يَجِبُ الْقَطْعُ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ تَتِمُّ مِنْهُ جِنَايَةُ السَّرِقَةِ وَحَقُّهُ فِي كَسْبِهِ كَمِلْكِ الْحُرِّ فِي مَالِهِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ كَذَلِكَ وَهُوَ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ أَوْ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ
( قَالَ ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ مُرَابَحَةً إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ، وَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَامِحُ صَاحِبَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَبْعُدُ مِنْهُ وَلِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَمَا يَغْرَمُهُ لِلْمُكَاتَبِ بِالشِّرَاءِ لَا يَتِمُّ خُرُوجُهُ وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَقَلِّ الشَّيْئَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَبَعْدَ الْبَيَانِ تَنْتَفِي التُّهْمَةُ وَالْغُرُورُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا وَالْمُكَاتَبُ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا كَمَا قَرَّرْنَا فَصَرِيحُ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى احْتِيَاطًا
( قَالَ ) وَإِذَا أَخَذَ بِالْمُكَاتَبَةِ رَهْنًا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ عَتَقَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى أَنْ يَتِمَّ ذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَإِذَا صَارَ مُسْتَوْفًى بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً
( قَالَ ) وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ فَأَتَاهُ الْمُكَاتَبُ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثَمَنَ الْوَصِيفِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهَا لِمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحَيَوَانَ فِي الْعُقُودِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَسُّعِ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الْوَصِيفِ وَأَنَّ قِيمَةَ الْوَصِيفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعُونَ دِينَارًا
( قَالَ ) وَإِذَا كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لِلْمَوْلَى بِالتَّسْمِيَةِ ، فَإِنْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَدَّيْته أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ الْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَذَكَر فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيُّهُمَا أَدَّى الْمَشْرُوطَ أَوْ قِيمَةَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ صُورَةً هُوَ الْمَشْرُوطُ وَالْعِتْقُ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْبَدَلُ الْقِيمَةُ فَأَيَّهُمَا أَدَّى يَعْتِقُ ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ
( قَالَ ) وَإِنْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالْمَالِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَأَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَقْبَلَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ ، وَإِنْ صَالَحَهُ الْمَوْلَى عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا لِيَحُطَّ مَا بَقِيَ فَهَذَا جَائِزٌ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ الرِّبَا فَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى عَبْدٍ مِثْلِهِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَهُوَ خَيَّاطٌ أَوْ شَبَهُ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْجِنْسِ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْوَصْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ خَيَّاطٍ أَجَزْتُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَمُرَادُهُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عِنْدَ تَرْكِ بَيَانِ الْوَصْفِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ فَإِنَّ فِي الْقِيَاسِ الْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ كَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ بِالْبَدَلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْإِرْفَاقُ دُونَ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْآجَالُ الْمَجْهُولَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْعَطَاءِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الصَّدَاقِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ الْمَالُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ حَلَّ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ أَجَلُ الْعَطَاءِ فِي مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَصْفِ لَا حَقِيقَةُ فِعْلِ الْعَطَاءِ ، وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْوَصْفِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ هَذَا
أَوْ دَابَّةِ فُلَانٍ هَذِهِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى مُعْتَبَرٌ لِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ مِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ هُنَاكَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيمَا يُقَابِلُهُ ثُمَّ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ
( قَالَ ) وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ أَبْيَضَ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَصِيفَيْنِ أَبْيَضَيْنِ أَوْ حَبَشِيَّيْنِ يَدًا بِيَدٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَمُبَادَلَةُ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالْمَثْنَى يَدًا بِيَدٍ صَحِيحٌ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا بَأْسَ بِبَيْعِ النَّجِيبَةِ بِالْإِبِلِ وَالْفَرَسِ بِالْأَفْرَاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ مَالِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ وَلَهُ أَوْلَادٌ أَحْرَارٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَوْلَادٌ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ مِنْ أَمَتِهِ وَأَوْلَادٌ اشْتَرَاهُمْ بُدِئَ بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ مَتَى اجْتَمَعَتْ فِي الْمُعَيَّنِ وَتَفَاوَتَتْ فِي الْقُوَّةِ يُبْدَأُ بِالْأَقْوَى فَالْأَقْوَى كَمَا يُبْدَأُ فِي التَّرِكَةِ بِالْجِهَازِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } وَالدَّيْنُ أَقْوَى مِنْ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالًا مُتَقَرِّرًا فِي ذِمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَالْجِنَايَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِفَوْتِ الدَّفْعِ بِمَوْتِهِ وَالْمَالُ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهِ فَمَا كَانَ أَسْبَقَ تَعَلُّقًا بِذِمَّتِهِ وَكَانَ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ فَهُوَ أَقْوَى ثُمَّ الْجِنَايَةُ أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ مُتَقَرِّرٍ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ وَالضَّعِيفُ لَا يُزَاحِمُ الْقَوِيَّ فَلِهَذَا قُدِّمَتْ الْجِنَايَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا الْكِتَابَةُ ، وَإِذَا أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَحُرِّيَّةِ كُلِّ مَنْ كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا كَانَ الْبَاقِي مِيرَاثًا لِجَمِيعِ أَوْلَادِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ مُكَاتَبٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَتُسْنَدُ حُرِّيَّةُ هَذَا الِابْنِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي اُسْتُنِدَ حُرِّيَّةُ أَبِيهِ ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَرِث مِنْهُ شَيْئًا إذَا أَدَّى مُكَاتَبَتَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ مُكَاتَبَةِ أَبِيهِ ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْأَبِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الِابْنِ إذَا كَانَ مُكَاتَبًا عَلَى
حِدَةٍ بَلْ تَقْتَصِرُ حُرِّيَّتُهُ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ هُوَ رَقِيقًا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَا يَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَهْرٌ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ كَانَ دَيْنُهَا بَعْدَ قَضَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَهَا مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّ سَبَبَهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَالْمَرْأَةُ رَاضِيَةٌ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا حِينَ زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَمَا لَمْ يُسْقِطْ حَقَّ الْمَوْلَى عَنْ كَسْبِهِ لَا يُظْهِرُ الْمَهْرَ ، فَلِهَذَا كَانَ بَعْدَ دَيْنِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الرِّضَا بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ .
وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَسْعَى وَلَدُهُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ فِيهَا حَتَّى يُؤَدُّوهَا ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَمَّنْ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَيُجْعَلُ كَمَوْتِهِ عَمَّا يُؤَدِّي بِهِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمَالُ ، فَإِذَا أَدَّوْا عَتَقَ كُلُّ مَنْ كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النُّجُومَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَبْقَى إلَّا بِاعْتِبَارِ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَعِنْدَهُمَا يَبْقَى بِبَقَاءِ كُلِّ مَنْ كَانَ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْأَوْلَادُ الَّذِينَ اشْتَرَاهُمْ فَإِنَّهُمْ يُبَاعُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا لَمْ يُؤَدُّوا الْمَالَ حَالًا ، وَيَكُونُ ثَمَنُهُمْ تَرِكَةً لَهُ تُؤَدَّى مِنْهُ كِتَابَتُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ وَلَدٌ مَوْلُودٌ فِي الْكِتَابَةِ لَمْ يُبَعْ هَؤُلَاءِ لِبَقَاءِ النُّجُومِ بِاعْتِبَارِهِ يَسْعَوْنَ بِهِ ، فَإِنْ حَلَّ عَلَى الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ أَوَّلُ نَجْمٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَلَا غَائِبٌ يُنْتَظَرُ رُدُّوا جَمِيعًا فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ وَلَوْ كَسَرَ أَبُوهُ نَجْمًا رُدَّ فِي الرِّقِّ ، فَكَذَلِكَ
هُوَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً بَعْضُهُمْ غَائِبٌ وَعَجَزَ الشَّاهِدُ لَمْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَجَزَ جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ فَيَبْقَى النُّجُومُ بِبَقَاءِ الْغَائِبِ وَلَا يَظْهَرُ عَجْزُهُ عَنْ الْأَدَاءِ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَلِأَنَّ كُلَّ وَلَدٍ مَوْلُودٍ فِي الْكِتَابَةِ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَعْتِقُونَ بِأَدَاءِ أَحَدِهِمْ سَوَاءٌ أَدَّى الْغَائِبُ أَوْ الشَّاهِدُ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَجْزُهُمْ لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ ، وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ مَا لَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ فَيُؤَدِّي الْكِتَابَةَ ، أَمَّا بَقَاءُ الْكِتَابَةِ فَلِمَالِهِ الْمُنْتَظَرِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ بِاعْتِبَارِ مَالِهِ ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكِتَابَةَ وَمَا لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ لَا يَظْهَرُ لِوَلَدِهِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ أَبِيهِ فَيَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ فَإِذَا أُدِّيَتْ ظَهَرَ لَهُ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ أَبِيهِ فَيُنَجَّزُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَلَا يَرْجِعُ مَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا مِنْ جِنَايَتِهِ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ الْأَبِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَلَا يَسْتَنِدُ عِتْقُهُ إلَى أَوَّلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَكَانَ مَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَ جِنَايَتِهِ مَوَالِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ .
فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُونَ بِمَا عَقَلُوا عَلَى مَوَالِي الْأَبِ وَيَرْجِعُونَ بِمَا عَقَلُوا مِنْ جِنَايَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَ الْأَبِ يَسْتَنِدُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَلَاءَهُ كَانَ لِمَوَالِي الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَوَالِي الْأُمِّ كَانُوا مُجْبَرِينَ عَلَى الْأَدَاءِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا أَدَّوْا كَالْمُلَاعِنِ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَا جَنَى الْوَلَدُ وَعَقَلَ جِنَايَتَهُ قَوْمُ أُمِّهِ رَجَعُوا بِهِ عَلَى قَوْمِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْ
ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ فَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فِي مِيرَاثِهِ قُضِيَ بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ بَعْدُ ، وَإِذَا قُضِيَ بِذَلِكَ بَطَلَتْ الْمُكَاتَبَةُ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ إذْ لَوْ لَمْ تَبْطُلْ لَكَانَ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ وَلَاءَهُ لِقَوْمِ الْأَبِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَإِبْطَالُ الْكِتَابَةِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي بَقَائِهَا أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ حُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبْطِلَ لِلْكِتَابَةِ وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ حِلِّ الْمَالِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ ، وَالْمَنْفِيُّ وَهُوَ قُدْرَتُهُ بِخُرُوجِ الدَّيْنِ مَوْهُومٌ وَالظَّاهِرُ إذَا تَأَيَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِم لَا يُعْتَبَرُ الْمَوْهُومُ فِي مُقَابَلَتِهِ ، فَإِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي الْكِتَابَةِ فَقَدْ بَقِيَ النُّجُومُ بِبَقَائِهِمْ فَمَتَى مَا خَرَجَ دَيْنُ الْمُكَاتَبِ أُدِّيَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَجَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا ، وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ بِوَدِيعَةٍ فَقَالَ هَذِهِ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِفَسْخِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ أَوْ يَتَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي نَوَادِرِهِ ثُمَّ إقْرَارُ الرَّجُلِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ