كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

سَلَامَةُ الْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَالْمُضَارِبُ قَبَضَ تِلْكَ الْحِصَّةَ عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ ؛ فَلِهَذَا يَضْمَنُ نِصْفَهَا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَلِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ قَرْضٌ : خَمْسُمِائَةٍ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الْأَلْفِ بِحُكْمِ الْقَرْضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ .

وَلَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ عَلَيْك ، وَعَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنِصْفِهَا الْآخَرَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي فَهَذَا مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فَإِنَّهُ أَقْرَضَهُ نِصْفَ الْأَلْفِ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْعَمَلِ لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً } فَإِنْ عَمِلَ مَعَ هَذَا فَرَبِحَ ، أَوْ وَضَعَ فَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَالِ مِلْكُهُ فَقَدْ قَبَضَهُ بِجِهَةِ الْقَرْضِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِضَاعَةً فِي يَدِهِ ، فَقَدْ قَبَضَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ لِصَاحِبِهِ .
وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَنِصْفَهَا هِبَةً لِلْمُضَارِبِ وَقَبَضَهَا الْمُضَارِبُ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ فَهِيَ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ بَعْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهَا فَاسِدَةٌ ، بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلْمِلْكِ قَدْ وُجِدَ مَعَ الشُّيُوعِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَكِنْ شَرْطُ صِحَّتِهِ الْقِسْمَةُ فَلِانْعِدَامِ شَرْطِ الصِّحَّةِ تَكُونُ الْهِبَةُ فَاسِدَةً ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِهَا مَمْلُوكٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَهُوَ مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِلْفَسَادِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ بِهِبَةٍ صَحِيحَةٍ ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ ، أَوْ بَعْدَهُ ؛ ضَمِنَ نِصْفَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، فَإِنْ رَبِحَ فِي الْمَالِ ؛ كَانَ نِصْفُ الرِّبْحِ حِصَّةَ الْهِبَةِ لِلْمُضَارِبِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا فِي الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ وَضَعَ فَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ

الْمَالِ مَمْلُوكٌ لِلْمُتَصَرِّفِ فَلَهُ رِبْحُ ذَلِكَ النِّصْفِ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ .
وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا بِضَاعَةٌ ، وَنِصْفَهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً ، وَلَا صِحَّةَ دَفْعِهِ بِضَاعَةً .
وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا وَدِيعَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا سُمِّيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ، فَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ كَالْوَدِيعَةِ ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ ؛ كَانَ ضَامِنًا لِلنِّصْفِ حِصَّةَ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَرَبِحَ ذَلِكَ النِّصْفَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَإِنْ قَسَمَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ عَمِلَ بِأَحَدِ النِّصْفَيْنِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَرَبِحَ ، أَوْ وَضَعَ ؛ فَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالْقِسْمَةِ فَالنِّصْفُ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ النِّصْفَيْنِ جَمِيعًا نِصْفُهُ مِمَّا كَانَ مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ وَنِصْفُهُ كَانَ وَدِيعَةً فَلَهُ رِبْحُ حِصَّةِ الْوَدِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ وَضَيْعَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا ، وَالْبَعْضُ فِي هَذَا الْحُكْمِ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ نَقُولُ : فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمُضَارَبَةِ وَلَا يَضْمَنَ اشْتَرَى بِنِصْفِ الْأَلْفِ غَيْرَ مَقْسُومٍ ، وَكَانَ الْبَائِعُ شَرِيكًا فِي الْأَلْفِ حَتَّى يَحْضُرَ رَبُّ الْمَالِ فَيُقَاسِمُهُ ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنِصْفِهِ وَيُسَلِّمَهُ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا كَانَ يَلْزَمُهُ بِالتَّسْلِيمِ لَا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَطَلَبَ السَّلَامَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي كَانَ يَلْحَقُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَدْ صَارَ نِصْفُ الْمَالِ شَائِعًا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ ، وَنِصْفُهُ وَدِيعَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَالْمُودِعُ لَا يَمْلِكُ

الْمُقَاسَمَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ رَبُّ الْمَالِ لِيُقَاسِمَهُ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهَا قَرْضٌ يَتَوَثَّقُ بِذَلِكَ ، فَعَمِلَ الْمُضَارِبُ بِالْأَمْرِ فَإِنْ تَصَادَقُوا أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا شَهِدُوا بِالْقَرْضِ عَلَى جِهَةِ الثِّقَةِ ، فَالْمَالُ عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي حَقِّهِمَا .
وَكَذَلِكَ إنْ تَكَاذَبَا فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ دَفَعَهُ مُضَارَبَةً وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ ، وَقَالُوا : أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا إنَّمَا أَشْهَدَا بِالْقَرْضِ عَلَى وَجْهِ التَّوَثُّقِ ، وَلَيْسَ بِقَرْضٍ إنَّمَا هُوَ مُضَارَبَةٌ ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْمُضَارَبَةِ ، وَشَاهِدَانِ بِالْقَرْضِ ، وَلَمْ يُفَسِّرُوا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ؛ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي يَدَّعِي الْقَرْضَ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا ، وَالْقَرْضُ يُرَدُّ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارَبَةُ لَا تُرَدُّ عَلَى الْقَرْضِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً أَوَّلًا ، ثُمَّ أَقْرَضَهُ مِنْهُ ، وَفِي بَيِّنَةِ مَنْ يَدَّعِي الْقَرْضَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَرْضِ عَلَيْهِ

إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ جِرَابَ هَرَوِيٍّ فَبَاعَ نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ ، وَيَعْمَلَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَبَاعَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ الْجِرَابِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ عَمِلَ بِهَا وَبِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ، فَالرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِمَدْيُونٍ : اشْتَرِ لِي مَتَاعًا بِمَالِي عَلَيْك لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوَكُّلُ ، فَإِذَا اشْتَرَى الْمَدْيُونُ ؛ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَهُنَا أَمْرُهُ إيَّاهُ بِالشِّرَاءِ بِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي هِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ ، فَكَانَ هُوَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِتِلْكَ الْخَمْسِمِائَةِ ، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَأَمْرُهُ الْمَدْيُونَ بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ صَحِيحٌ ، ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ نِصْفُ مَا اشْتَرَى لِلْآمِرِ ، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمَالَيْنِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارَبَةِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَعَمِلَ بِهِ ؛ كَانَ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَا الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الرِّبْحِ بِذَلِكَ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ إنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بِثُلُثِ رِبْحِ هَذَا النِّصْفِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ؛ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالدَّيْنِ لِنَفْسِهِ ، فَنِصْفُ

الرِّبْحِ لَهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ نِصْفَ الْمُشْتَرِي ، وَقَدْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ ثُلُثَ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ ؛ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ النِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَابُ الْمَعْدُومِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ خَمْسَمِائَةٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلِطَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ يَعْمَلَ بِهَا عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَ الرِّبْحِ ، وَلِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَانِ فَعَمِلَ بِهَا فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) : وَإِذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِهِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ دَرَاهِمُ ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ بُدِئَ بِرَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْغُرَمَاءِ بِأَخْذِ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ، وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، ثُمَّ دَيْنُ الْمُضَارِبِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَتَرِكَتُهُ مَا كَانَ مَمْلُوكًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ ، فَأَمَّا مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ مِلْكُهُ لَيْسَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُضَارِبِ فِي شَيْءٍ ، فَإِنْ قَالَ وَرَثَةُ الْمُضَارِبِ وَالْغُرَمَاءُ : الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُضَارِبِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَكَذَّبَهُمْ رَبُّ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ مِلْكِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي هُوَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنَّمَا اُسْتُحْلِفَ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ .

وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ حِينَ مَاتَ الْمُضَارِبُ عُرُوضًا ، أَوْ دَنَانِيرَ فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُضَارِبِ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا عَنْ أَخْذِهَا وَبَيْعِهَا ؛ لِحَقِّ الْمُضَارِبِ ، وَحَقُّهُ بِمَوْتِهِ لَا يَبْطُلُ ، وَاَلَّذِي يَلِي بَيْعَهَا وَصِيُّ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَبِيعُهَا لِتَحْصِيلِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا بِبَيْعِهَا فَيُوَفِّي رَبَّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَيُعْطِي حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ غُرَمَاءَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ لَهُ بِنَصِيبِ الْوَصِيِّ ، وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّغِيرَةِ : يَبِيعُهَا وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَرَبُّ الْمَالِ ، وَوَجْهُهُ : أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا كَانَ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِ الْوَصِيِّ فِي مَالِهِ ، وَالْمَالُ وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ دَنَانِيرَ فَالْمِلْكُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ ثَابِتٌ ، فَلَا يَنْفَرِدُ الْوَصِيُّ بِبَيْعِهَا ، وَلَكِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَبِيعُهَا مَعَهُ وَمَا ذُكِرَ هُنَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَكَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهَا ، فَكَذَلِكَ لِوَصِيِّهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَمْلِكْ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ انْضِمَامِ رَأْيِهِ إلَى رَأْيِ الْوَصِيِّ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ لَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ فَرَبُّ الْمَالِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ ، وَلَا رِبْحَ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، وَقَدْ صَارَ مُجْمَلًا بِتَرْكِ التَّعْيِينِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، فَيَكُونُ مُتَمَلِّكًا ضَامِنًا لَهَا ، وَهَذَا دَيْنٌ لَزِمَهُ بِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، فَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مُزَاحِمًا لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ ، وَتَرِكَتُهُ مَا كَانَ فِي

يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِي الْمَجْهُولَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ .

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَأَقَرَّ الْمُضَارِبُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِالْمَالِ فَرَبِحَ أَلْفًا ، ثُمَّ مَاتَ وَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ، وَلِلْمُضَارِبِ مَالٌ فِيهِ وَفَاءً بِالْمُضَارَبَةِ وَبِالرِّبْحِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْمُضَارِبِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الرِّبْحَ وَصَلَ إلَيْهِ ، إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ رَبِحَ أَلْفًا وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ مَا لَمْ يَثْبُتْ وُصُولُهُ إلَى يَدِهِ .
وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ وَصَلَ إلَيْهِ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ ، وَقَدْ مَاتَ مُجْمَلًا لِلْمِلْكِ فَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ يَسْتَوْفِيهِ رَبُّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ .

وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ فِي مَرَضِهِ : قَدْ رَبِحْتُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَوَصَلَتْ إلَيَّ فَضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ ، وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَخْبَارِهِ بِضَيَاعِ الْمَالِ ، وَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ وَرَثَتَهُ عَلَى عِلْمِهِمْ بِضَيَاعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِمَا ادَّعَاهُ رَبُّ الْمَالِ كَانُوا ضَامِنِينَ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ ، فَإِذَا أَنْكَرُوا اسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ لِرَجَاءِ نُكُولِهِمْ وَهُوَ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ بِأَنَّ يَدَهُمْ مَا وَصَلَتْ إلَى الْمَالِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ : قَدْ دَفَعْتُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْحُكْمِ بِإِيصَالِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ حَقِيقَةً فَيَأْخُذُ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَالتَّاوِي حِينَ لَمْ يَثْبُتْ وُصُولُهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُضَارِبَ قَدْ رَبِحَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَوَصَلَتْ إلَيْهِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِحِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَدْ صَارَ دَيْنًا لَهُ فِي تَرِكَتِهِ بِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، فَيَكُونُ صَاحِبُهُ مُزَاحِمًا لِغُرَمَاءِ الْحِصَّةِ .

وَلَوْ أَقَرَّ الْمُضَارِبُ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَنَّهُ رَبِحَ فِي الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ وَالرِّبْحَ دَيْنٌ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ ، فَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَاءُ بِذَلِكَ فَلَا حَقَّ لِرَبِّ الْمَالِ فِيمَا تَرَكَ الْمُضَارِبُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صَيْرُورَةَ الْمَالِ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ ، وَلَكِنْ يَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ الْمَدْيُونَ بِرَأْسِ مَالِهِ فَيَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْهُ أَيْضًا حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ ، وَاقْتَسَمَ نِصْفَهُ غُرَمَاءُ الْمُضَارِبِ مَعَ مَالِهِ وَإِنْ قَالَ غُرَمَاءُ الْمُضَارِبِ : إنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَرْبَحْ فِي الْمَالِ شَيْئًا ، وَلَيْسَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مَعَ سَائِرِ تَرِكَتِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَرَبِّ الْمَالِ بِالْحِصَصِ يَضْرِبُ رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ ، وَلَا يَضْرِبُ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الدَّيْنَ وَاجِبٌ بِمُعَامَلَةِ الْمُضَارِبِ ، فَيَكُونُ فِي الظَّاهِرِ لَهُ كَالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ ، وَإِقْرَارُهُ بِهِ لِرَبِّ الْمَالِ كَإِقْرَارِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ ، وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِعَيْنٍ لِإِنْسَانٍ وَكَذَّبَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ، فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ، قَدْ عَلِمْنَا وُجُوبَهُ فِي تَرِكَتِهِ وَصَيْرُورَتُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يَعْمَلْ بَيَانُهُ ، فَهَذَا الْقَدْرُ دَيْنٌ لَزِمَهُ لِسَبَبٍ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، فَأَمَّا حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لَوْ لَزِمَهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ بِهِ ، وَإِقْرَارُ الْمُضَارِبِ بِالدَّيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي مُزَاحَمَةِ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ .

وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِمَالٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ مُضَارَبَةٌ لِفُلَانٍ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ بُدِئَ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ، وَالْعَيْنُ بِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالْمُضَارَبَةِ حَاصَّ رَبُّ الْمَالِ الْغَرِيمَ بِرَأْسِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمُضَارَبَةٍ بِعَيْنِهَا كَالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا ، ثُمَّ الْوَدِيعَةِ يَتَحَاصَّانِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ ، فَيَمْنَعُ ذَلِكَ سَلَامَةَ الْعَيْنِ لِلْمُقِرِّ لَهُ بِالْعَيْنِ ، وَيَصِيرُ هَذَا كَالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ مُسْتَهْلَكَةً .
وَلَوْ كَانَ بَدَأَ الْإِقْرَارَ بِالْمُضَارَبَةِ بِعَيْنِهَا بُدِئَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ ، فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ شَاغِلًا لِتَرِكَتِهِ لَا لِأَمَانَةِ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا تَحَاصَّا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُضَارَبَةِ الْمَجْهُولَةِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِي هَذِهِ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا تَحَاصَّا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْعَيْنِ كَانَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ، فَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَهُ بِالْعَيْنِ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ بَعْدَ مَا صَارَ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْمُقِرِّ لَهُ بِالدَّيْنِ .

وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ مُضَارَبَةً لِفُلَانٍ عِنْدِي ، وَلِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةُ كَذَا ، وَلِفُلَانٍ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ بُدِئَ بِالْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا فَبِنَفْسِ الْإِقْرَارِ صَارَتْ الْعَيْنُ مُسْتَحَقَّةً لِرَبِّ الْمَالِ ، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِوَدِيعَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا كَانَ جَمِيعُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَصَاحِبِ الْمُضَارَبَةِ بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَمَانَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَهِيَ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ ، وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الصُّنْدُوقِ شَيْءٌ ، كَانَ مَا تَرَكَهُ الْمُضَارِبُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْغَرِيمِ بِالْحِصَصِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ لَمْ يُوجَدْ فِي الصُّنْدُوقِ شَيْءٌ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَعْيِينَهُ كَانَ لَغْوًا بَقِيَ إقْرَارُهُ بِمُضَارَبَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَبِالدَّيْنِ .
وَلَوْ وُجِدَ فِي الصُّنْدُوقِ أَلْفٌ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَحَقَّ بِهَا ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ كَانَ صَحِيحًا ، فَإِنَّ التَّعْيِينَ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ ابْتِدَاءً بِالْمُضَارَبَةِ بِعَيْنِهَا ، فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الصُّنْدُوقِ شَيْءٌ أَنْ لَا يَكُونَ لِرَبِّ الْمَالِ شَيْءٌ لِفَوَاتِ مَحِلِّ حَقِّهِ ، قُلْنَا : هَذَا أَنْ لَوْ صَحَّ تَعْيِينُهُ مَعَ فَرَاغِ الصُّنْدُوقِ عَنْهُ ، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ بَلْ هُوَ تَجْهِيلٌ مِنْهُ ، وَالْمُضَارِبُ بِالتَّجْهِيلِ ضَامِنٌ .
وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّغِيرَةِ : إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَ كَانَتْ فِي الصُّنْدُوقِ يَوْمَ أَقَرَّ جَعَلْنَاهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَرَبِّ الْمَالِ بِالْحِصَصِ ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ ثَمَّةَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمُضَارِبِ تَعْيِينُ الصُّنْدُوقِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعْيِينُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَ

كَانَتْ فِي الصُّنْدُوقِ يَوْمَئِذٍ ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ ، وَمَا ذُكِرَ هُنَا اسْتِحْسَانٌ ؛ لِأَنَّ الصُّنْدُوقَ مَحِلٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ فَتَعْيِينُهُ كَتَعْيِينِ الْمَالِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَحَقَّ بِهَا .
وَلَوْ وُجِدَ فِي الصُّنْدُوقِ أَلْفَانِ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَلْفٌ مِنْهَا خَاصَّةً ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ صَحِيحٌ لِمَا وُجِدَ فِي الصُّنْدُوقِ مِنْ جِنْسِ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ مِقْدَارُ حَقِّهِ وَزِيَادَةٌ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَلْفَانِ مُخَلَّطَةً أَوْ غَيْرَ مُخَلَّطَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَاخْتِلَاطُ الْأَمَانَةِ بِمَالِ الْأَمِينِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الَّذِي خَلَطَ الْمَالَ بِغَيْرِ أَمْرِ رَبِّ الْمَالِ ؛ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَنِصْفُهُ لِلْغُرَمَاءِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ : أَنَّ الْأَمِينَ إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْمَخْلُوطِ ، وَصَارَتْ الْأَمَانَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ صَاحِبَ دَيْنٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَبِالْخَلْطِ يَصِيرُ ضَامِنًا ، وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَرْضَى بِالْخَلْطِ وَيَخْتَارَ الْمُشَارَكَةَ فَيَأْخُذُ نِصْفَ الْمَخْلُوطِ بِرَأْسِ مَالِهِ ، وَنِصْفُهُ لِلْغُرَمَاءِ .

وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً وَهِيَ الَّتِي عَلَى فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَذَلِكَ الدَّيْنُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ لِلْمُضَارَبَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ كَتَعْيِينِهِ أَلْفًا فِي صُنْدُوقِهِ ، أَوْ فِي كِيسِهِ ، أَوْ بَيْتِهِ ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ؛ اخْتَصَّ رَبُّ الْمَالِ بِهِ .

وَإِنْ جَحَدَ الْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَهِيَ دَيْنٌ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحِيحٌ ، وَلَكِنَّ الْأَمِينَ بِالْجُحُودِ يَصِيرُ ضَامِنًا ، فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ ، ثُمَّ أَقَرَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَمْ يَصِلْ إلَيَّ ضَمِنَ مَا جَحَدَ مِنْ الرِّبْحِ .
وَإِنْ كَانَ دَيْنًا قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا غَلَطٌ وَإِنْ جَحَدَ الدَّيْنَ لَمْ يَضْمَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَى الْجُحُودِ ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ إنَّمَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ ، وَأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ لَهُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ بِهَذَا الْجُحُودِ ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْغَيْرِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ قَبَضَهُ عَلَى الْجُحُودِ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِقْرَارِ ثُمَّ قَبَضَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ لِرَبِّ الْمَالِ لَك ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِي ثُلُثَاهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ لِلْكَافِي قَالَ : لَيْسَ إقْرَارُهُ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ ، وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ : إنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالثُّلُثِ ، ثُمَّ بِالنِّصْفِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالسُّدُسِ بَعْدَ الْجُحُودِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ : جُحُودُهُ الرِّبْحَ إقْرَارٌ بِإِبْرَاءِ الْغَرِيمِ .
وَلَوْ صَرَّحَ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الرِّبْحَ ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِهِ كَذَلِكَ ، هَذَا إقْرَارٌ بِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَيَكُونُ ضَامِنًا ، ثُمَّ سَلَّمَ بِمَا سَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يَقُولَ : حَقُّ الْقَبْضِ فِيمَا وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِ لَهُ خَاصَّةً فَكَوْنُهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ ، وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ صَارَ مُتَمَلِّكًا مِقْدَارَ مَا جَحَدَهُ مُتْوِيًا حَقَّ رَبِّ الْمَالِ فِيهِ ، فَكَانَ قَبْضُهُ عَلَى الْجُحُودِ وَعَلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ الْجُحُودِ فِي إيجَابِ

الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ .

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا مُضَارَبَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَقَالَ الْآخَرُ : هَلَكَ الْمَالُ صَدَقَ فِي نَصِيبِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا فِيهِ ، وَكَانَ نَصِيبُ الْآخَرِ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِنَصِيبِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ كَانَ أَوْدَعَ نَصِيبَهُ صَاحِبَهُ الْحَيَّ فَقَالَ الْحَيُّ : قَدْ هَلَكَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ ، فَقَوْلُ مُودِعِهِ قَدْ هَلَكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْمُضَارِبِ فِي حَيَاتِهِ إنَّهُ قَدْ هَلَكَ ، وَإِنْ قَالَ قَدْ دَفَعْت ذَلِكَ إلَى صَاحِبِي كَانَ مُصَدَّقًا مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِكَوْنِهِ أَمِينًا فِيهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي مَالِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مَاتَ مُجْهِلًا فَإِنَّهُ إنْ ثَبَتَ وُصُولُهُ إلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وُصُولُهُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْحَيِّ فَالْحَيُّ كَانَ مُسَلَّطًا مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الرَّدِّ ، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّسْلِيطِ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الْمَيِّتِ مُجْهِلًا لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَلِكَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ .

وَإِذَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِي الْمَالِ رِبْحًا فَأَقَرَّ بِهِ وَبِرَأْسِ الْمَالِ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ خَلَطْت مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِي قَبْلَ أَنْ أَعْمَلَ وَأَرْبَحَ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِرَبِّ الْمَالِ فَهُوَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ يُبْطِلُ اسْتِحْقَاقَهُ ، وَيَدَّعِي مِلْكَ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ بِالْخِلَافِ الْحَاصِلِ مِنْهُ بِالْخَلْطِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ وَلِأَنَّ الرِّبْحَ نَمَاءُ الْمَالِ ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ إلَّا بِالشَّرْطِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ ادَّعَى زِيَادَةً فِيمَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ ، فَإِذَا ادَّعَى سَبَبًا يَمْلِكُ بِهِ جَمِيعَ الرِّبْحِ فَلَأَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَانَ أَوْلَى ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَحَجَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ ، ثُمَّ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ مِلْكُهُ ، وَالْأَمِينُ إنْ ادَّعَى الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْأَمَانَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا .

وَإِذَا أَقَرَّ الْمُضَارِبُ بِدَيْنٍ فِي الْمُضَارَبَةِ لِوَلَدِهِ ، أَوْ وَالِدِهِ ، أَوْ زَوْجَتِهِ ، أَوْ مُكَاتَبِهِ ، أَوْ عَبْدِهِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ لِعَبْدِهِ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - إقْرَارُهُ لِهَؤُلَاءِ صَحِيحٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إلَّا لِعَبْدِهِ ، أَوْ لِمُكَاتَبِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ نَائِبٌ فِي التَّصَرُّفِ كَالْوَكِيلِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ ؛ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا فِي عَبْدِهِ ، وَمُكَاتَبِهِ ، فَالْمُضَارِبُ كَذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِهَؤُلَاءِ حَقٌّ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ؛ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الشَّاهِدِ لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِ بِمَالٍ ، وَشَهَادَتُهُ لِهَؤُلَاءِ لَا تُقْبَلُ فَكَذَلِكَ قَرَارُهُ ، إلَّا أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمُعَامَلَةِ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيمَا يَلْزَمُهُ لِهَؤُلَاءِ ، فَلِذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً فَأَمَّا الْعَبْدُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَوْجِبَ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَعِنْدَهُمَا إقْرَارُهُ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ كَإِقْرَارِهِ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ ، وَلَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ ، وَأَمَّا إقْرَارُهُ لِابْنِهِ وَأَبِيهِ كَإِقْرَارِهِ لِأَخِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي الْمُقِرِّ بِهِ مِلْكًا وَلَا حَقَّ مِلْكٍ ؛ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ ، وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّغِيرَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : إذَا كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ لَزِمَ الْمُضَارِبُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ حِصَّتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ

مُتَّهَمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُضَارِبُ فِي مَرَضِهِ بِمُضَارَبَةٍ بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا بِعَيْنِهَا وَدِيعَةً لِآخَرَ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ بُدِئَ بِالْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ عَيْنًا كَمَا أَقَرَّ بِهِ ، ثُمَّ هُوَ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِوَدِيعَةٍ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا بِإِقْرَارِهِ فِيهَا بِالْمُضَارَبَةِ ، وَالْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ، ثُمَّ بِدَيْنٍ فَيَتَحَاصَّ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهَا دَارًا تَسَاوِي أَلْفًا ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعًا بِدَارٍ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُضَارِبِ ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَيَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهَا لِرَبِّ الْمَالِ وَمَنْ اُشْتُرِيَ أَوْ اشْتَرَى لَهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ شُفْعَةُ مَنْ بَاعَ ، أَوْ بِيعَ لَهُ ، ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الدَّارَ عَلَيْهِ بِمَا يُعْطِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمُضَارِبِ دَارًا اشْتَرَاهَا لِلْمُضَارَبَةِ جَازَ شِرَاؤُهُ ؛ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ .

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ دَارًا بِبَعْضِ الْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ دَارًا لِنَفْسِهِ إلَى جَنْبِهَا فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَأْخُذُهَا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَرَبُّ الْمَالِ مُشْتَرٍ ، وَالشِّرَاءُ لَا يَكُونُ مُبْطِلًا شُفْعَةَ الشَّفِيعِ ، ثُمَّ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الْمُبْتَدَأِ ، وَشِرَاءُ الْمُضَارِبِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ يَكُونُ صَحِيحًا ؛ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ، وَيَخْرُجُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ مَا كَانَ فِيهَا .

وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ مُضَارَبَةً دَارًا تُسَاوِي أَلْفًا ، وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعًا فَتَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ بَاعَ الْمُضَارِبُ الدَّارَ فَلَا شُفْعَةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ نَائِبٌ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي بَيْعِهَا ، وَمَنْ بِيعَ لَهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الشُّفْعَةَ ، كَمَا لَا يَسْتَوْجِبُهَا مَنْ بَاعَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا شُفْعَةٌ بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا ؛ أَخَذَهَا لِلْمُضَارَبَةِ ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَرَبُّ الْمَالِ بَائِعٌ لِهَذِهِ الدَّارِ فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ أُخْرَى لَهُ ، لَا يَكُونُ لِمُضَارِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ .

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعًا فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُضَارِبُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا بِالشُّفْعَةِ ، أَمَّا مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ ؛ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَقَعَ مِنْ الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ وَأَمَّا حِصَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا رَبُّ الْمَالِ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُضَارِبِ فِي الرِّبْحِ تَبَعٌ ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَجِبُ فِي التَّبَعِ ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَحَقُّ الْبِنَاءُ بِدُونِ الْأَصْلِ فِي الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَمْنَعُ الْأَصْلَ .
وَلَوْ لَمْ يَبِعْهَا الْمُضَارِبُ ، وَلَكِنْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارِهِ فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي لَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا بَاعَ دَارِهِ لِلْمُضَارِبِ ، وَالْمُضَارِبُ حَازَ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنَّهُ تَمَلَّكَ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَقِيقَةً ؛ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ .

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِبَعْضِ الْمَالِ دَارًا فِي قِيمَتِهَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَبَاعَ رَجُلٌ إلَى جَنْبِهَا دَارًا ، وَفِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِثْلُ ثَمَنِ الدَّارِ الَّتِي بِيعَتْ إلَى جَنْبِ دَارِ الْمُضَارَبَةِ ، فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ أَوْ يَدَعُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ أَصْلٌ ، وَحَقُّ الْمُضَارِبِ تَبَعٌ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِهَا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ ، وَالتَّبَعُ لَا يَظْهَرُ مَعَ ظُهُورِ الْأَصْلِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِهَا لِلْمُضَارَبَةِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا : حَقُّ رَبِّ الْمَالِ ، وَحَقُّ الْمُضَارِبِ وَفِي أَخْذِهَا لِنَفْسِهِ إبْطَالُ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ ، وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُقَدِّمَ حَقَّ نَفْسِهِ فِي الرِّبْحِ ، وَيُبْطِلَ حَقَّ رَبِّ الْمَالِ فَتَسَلَّمَ الْمُضَارِبُ الشُّفْعَةَ فَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَصِحُّ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ جَمِيعًا ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ التِّجَارَةِ كَالْأَخْذِ ، قِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ ، كَمَا فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا سَلَّمَا شُفْعَةَ الصَّبِيِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، الْمُضَارِبُ نَائِبٌ عَنْ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَتَسَلُّمُ الشُّفْعَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْءٌ يَأْخُذُ بِهِ الدَّارَ الَّتِي بِيعَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ أَخْذِهَا لِلْمُضَارَبَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا لِلْمُضَارَبَةِ كَانَ اسْتِدَانَةً مِنْهُ عَلَى

الْمَالِ ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْحَقُّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ ظَهَرَ حُكْمُ التَّبَعِ ، وَهُوَ أَنَّهُ جَارٍ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِمِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَإِنَّمَا جِوَارُهُ مِنْ حَيْثُ الْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ وَبِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ ، وَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ حَقِيقَةً ، فَيَكُونُ بِهِ جَارًا لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ ، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُضَارِبُ الشُّفْعَةَ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ ، وَرَبُّ الْمَالِ عَلَى شُفْعَتِهِ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَالْمُضَارِبُ هُنَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأَخْذِ فَلَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ .
وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْءٌ فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ إلَى جَنْبِ دَارِ الْمُضَارَبَةِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَاهَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارٌ لَهَا بِمِلْكِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ دَارِ الْمُضَارَبَةِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ رُءُوسِ الشُّفَعَاءِ لَا بِاعْتِبَارِ مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ ، فَإِنْ سُلِّمَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّفِيعَيْنِ سَبَبًا تَامًّا لِاسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ ، وَلَكِنْ لِلْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ طَلَبِهِمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ ، فَإِذَا انْعَدَمَتْ هَذِهِ الْمُزَاحَمَةُ بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا ، كَانَ لِلْآخِرِ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ قَدْرُ

ثَمَنِ الدَّارِ الَّتِي بِيعَتْ فَأَرَادَ الْمُضَارِبُ ، أَوْ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُضَارَبَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُوَ الْأَصْلُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ لِمَا فِي الْأَخْذِ لِلْمُضَارَبَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْحَقَّيْنِ ، وَفِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا لِنَفْسِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ وَإِذَا كَانَ الْأَخْذُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِّ الْأَصْلِيِّ مُمْكِنًا يُوجِبُ تَرْجِيحَ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِلْمُضَارَبَةِ ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُضَارِبُ الشُّفْعَةَ ؛ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ لَهُمَا ، فَيَعْمَلُ تَسْلِيمُهُ أَيْضًا فِي حَقِّهِمَا ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَخَذَهَا لِلْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ ، أَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ أَمَا كَانَ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا رَدَّهَا عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ لَهُ .
وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُضَارِبُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى تَنَاقَضَا الْمُضَارَبَةَ وَاقْتَسَمَا الدَّارَ الَّتِي مِنْ الْمُضَارَبَةِ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ ، ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَأْخُذَا الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَقَرَّرُ بِالْقِسْمَةِ ، وَلَا يَنْعَدِمُ ، فَإِنَّ السَّبَبَ كَوْنُهُ جَارًا لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِمِلْكِهِ فِي دَارِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبِالْقِسْمَةِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، إلَّا أَنَّ حَقَّ الْمُضَارَبَةِ كَانَ مُقَدَّمًا ، فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ بِقِسْمَتِهَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ ، بِالشُّفْعَةِ كَالشَّرِيكِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ فَلِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهَا ، فَإِنْ طَلَبَاهَا جَمِيعًا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَأَيُّهُمَا سَلَّمَ أَخَذَ الْآخَرُ الدَّارَ كُلَّهَا ؛ لِمَا قُلْنَا .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلَيْنِ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَيَا بِهِ دَارًا ، وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا بِالشُّفْعَةِ دُونَ حِصَّةِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَفَرَّقُ بِتَعَدُّدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَيَاهَا لِأَنْفُسِهِمَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الشُّفْعَةِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِيَانِ مُضَارِبَيْنِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا فَإِنَّ الْمُضَارِبَيْنِ فِي شِرَائِهِمَا لِلْمُضَارَبَةِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْمُشْتَرِيَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا ، حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُمَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ رَبُّ الْمَالِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ وَاحِدًا فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ رَبَّ الْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلَانِ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا دَارًا ، وَأَحَدُ صَاحِبَيْ الْمَالِ شَفِيعُهَا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، إمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَوْ يَدَعَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا كَانَتْ الصَّفْقَةُ فِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ مُتَّحِدَةً ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِأَخْذِ الْبَعْضِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا ، أَوْ أَحَدُ رَبِّي الْمَالِ .
وَكَذَلِكَ الرَّجُلَانِ يُوَكِّلَانِ رَجُلًا بِشِرَاءِ دَارٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْوَكِيلِ جُمْلَةً ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرَانِ غَائِبَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْآمِرَيْنِ .
وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ اثْنَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْآمِرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَاجْتِمَاعِهَا حَالُ الْعَاقِدِ لَا حَالُ مَنْ وَقَّعَ الْعَقْدَ لَهُ ، وَإِذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارَبَةِ فَسَلَّمَ أَحَدُ الْمُضَارِبَيْنِ الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ ، وَأَحَدُ الْمُضَارِبَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالشِّرَاءِ دُونَ صَاحِبِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَخْذِ فِي الشُّفْعَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمَا فَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا أَوْلَى .

وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا الْمُضَارِبُ دَارًا تَسَاوِي أَلْفًا ، أَوْ أَقَلَّ ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَشَفِيعُهَا رَبُّ الْمَالِ بِدَارُ لَهُ ، وَرَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ أَيْضًا شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ ، أُخْرَى ، فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا الدَّارَ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَاسْتَحَقَّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا وَطَلَبَاهَا أَخَذَاهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَإِنْ سَلَّمَ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ ، وَأَرَادَ الْأَجْنَبِيُّ أَنْ يَأْخُذَهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَشِرَاءُ الشَّفِيعِ لِنَفْسِهِ يَكُونُ أَخْذًا بِالشُّفْعَةِ ، فَكَذَا شِرَاءُ غَيْرِهِ لَهُ ، وَأَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ إذَا سَلَّمَ بَعْدَ الْأَخْذِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا النِّصْفَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ قَبْلَ الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّ مُزَاحَمَتَهُ فِي الْأَخْذِ تَنْعَدِمُ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا بَعْدَهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ كُلَّهَا ، أَوْ يَدَعَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ ، وَذَلِكَ حَقٌّ آخَرُ غَيْرُ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ فِيمَا لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْمُزَاحِمَةُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِّ الْخَالِصِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ، أُخِذَ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَقِّ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ لَهُ فَإِنَّمَا سَلَّمَ قَبْلَ الْأَخْذِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ أَخْذِ النِّصْفِ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ كُلَّهَا أَوْ يَدَعُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ بِمَا عَمِلَ فِي الْمَالِ أَجْرٌ : عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ الرِّبْحِ أَجْرًا ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمَالِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي مَالٍ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَجْرًا فِيمَا عَمِلَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَوْجِبُ حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ أَيْضًا أَجْرًا مُسَمًّى عَلَيْهِ ، إذْ يَلْزَمُ عِوَضَانِ لِسَلَامَةِ عَمَلٍ وَاحِدٍ لَهُ ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ كَانَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَمَلَهُ وَرَأْسَ مَالِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَجْرًا ، فَإِنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَرَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَلَا أَجْرَ لِلْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَا سَلَّمَ عَمَلَهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَالْمُضَارَبَةُ شَرِكَةٌ ، وَالشَّرِكَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ لَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ بَعْدَ حُصُولِهِ ، وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَالَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى يُنَافِي مُوجَبَ الْمُضَارِبَةِ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَهَا ، وَاشْتِرَاطُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى يَجْعَلُ الْعَقْدَ لَازِمًا ، وَكُلُّ شَرْطٍ يُضَادُّ مُوجَبَ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْمُضَارَبَةِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ الرِّبْحِ ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَفْسُدُ ، وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا

: إنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنَّ لِلْمُزَارِعِ أَجْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَقُلْ : كُلَّ شَهْرٍ فَصَارَ الْأَجْرُ شَرْطًا عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي قَدْ اشْتَرَطَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَيْهِ ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ قَالَ : عَلَى أَنَّ لَهُ أَجْرًا : عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ ، فَالْأَجْرُ هُنَاكَ مَشْرُوطٌ بِمُقَابَلَةِ مَنَافِعِهِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بَعْدَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ شَيْئًا ، وَشَرَطَ الرِّبْحَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَكَانَا فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ ، إذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَفْسُدْ الْآخَرُ ، بِهِ وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا : الْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ ؛ وَلِهَذَا شَرَطَ التَّوْقِيتَ فِيهَا ، وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، فَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَشَرِكَةٌ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّوْقِيتُ ، وَالشَّرِكَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ قَوْلُهُ : هَذَا الشَّرْطُ يُضَادُّ مُوجَبَ الْمُضَارَبَةِ ، قُلْنَا : الشَّرْطُ لَا يُضَادُّ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ صِحَّةَ الشَّرْطِ وَاسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ بِهِ يُوجِبُ اللُّزُومَ ، وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا ، بَلْ هُوَ لَغْوٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا صَحِيحَةً كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْمُضَارَبَةِ ، وَلِذَلِكَ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ الْآجِرَ لِعَبْدٍ لَهُ يَعْمَلُ مَعَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ ، أَوْ لِبَيْتٍ يَشْتَرِي فِيهِ وَيَبِيعُ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَلَا أَجْرَ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ ، وَلَا لِبَيْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْبَيْتِ مَشْرُوطٌ لِلْمُضَارِبِ وَعَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي بَيْتِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حِفْظِ الْمَرْهُونِ ، وَعَبْدُ الْمُضَارِبِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَسْبُهُ لِمَوْلَاهُ ، فَالْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ كَالْمَشْرُوطِ لِلْمُضَارِبِ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، أَوْ كَانَ مُكَاتَبَ الْمُضَارِبِ ،

أَوْ وَلَدَهُ ، أَوْ وَالِدَهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَلِلَّذِي عَمِلَ بِالْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ مِنْ هَؤُلَاءِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ هَؤُلَاءِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمْ لِلْعَمَلِ مَعَهُ ، وَيَكُونُ أَجْرُهُمْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وَكَادَةً ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَبْدَهُ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، وَلَا بَيْتَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِيَبِيعَ فِيهِ وَيَشْتَرِيَ لِلْمُضَارَبَةِ ، فَكَانَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا فَاسِدًا .

وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ عَبْدُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ أَجْرًا : عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ مَا عَمِلَ مَعَهُ فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ إذًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَنَفْسِهِ .
وَلَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَهُ بِأَجْرٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ، وَلَا أَجْرَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَبِيهِ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ وَهُوَ بِغَيْرِ أَجْرٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ يُعْدِمُ التَّخْلِيَةَ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ ، وَهُنَا الشَّرْطُ لَا يُعْدِمُ التَّخْلِيَةَ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ أَجِيرُ الْمُضَارِبِ ، وَيَدُ الْأَجِيرِ كَيَدِهِ .
وَلَوْ كَانَ عَبْدُ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَاشْتَرَطَ لَهُ أَجْرًا : عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ ، أَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ لِابْنِهِ جَازَ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِيمَا يُشْتَرَطُ لَهُمْ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى الْعَمَلِ .

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا عَشَرَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي لَهُ الْبَزَّ وَيَبِيعُ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِهِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ الْأَشْهُرِ مَالًا يَعْمَلُ بِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَعَمِلَ بِهِ الْأَجِيرُ ؛ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ مِنْ الرِّبْحِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : رِبْحُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَلَا أَجْرَ لِلْأَجِيرِ مَا دَامَ يَعْمَلُ بِهَذَا ، وَإِذَا عَمِلَ بِغَيْرِهِ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ ؛ فَلَهُ أَجْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ هَذِهِ الشُّهُورُ ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَسْخِ مِنْهُمَا لِلْإِجَارَةِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْفَسْخَ فِي ضِمْنِ الْمُضَارَبَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَا تَتَعَدَّى إلَى مَا يَعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَوْجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ بِاعْتِبَارِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْأَجْرُ بِمَنَافِعِهِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى عَمَلِهِ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ شَرِكَةٌ .
وَلَوْ أَنَّ الْأَجِيرَ شَارَكَ رَبَّ الْمَالِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ خَلَطَهُ بِمَالِ رَبِّ الْمَالِ بِإِذْنِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِالْمَالَيْنِ ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَتْ الشَّرِكَةُ جَائِزَةً عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَلَا أَجْرَ لِلْأَجِيرِ مَا دَامَ يَعْمَلُ بِهَذَا الْمَالِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ ، فَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ ، وَلَا يُنْتَقَضُ الشَّيْءُ بِمَا هُوَ دُونَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ

مَنَافِعُهُ ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْعَمَلُ ، وَأَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ ، وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحِلٍّ لَا يُبْطِلُ عَقْدًا مُضَافًا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ، وَمَعَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ لَهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ الْأَجْرُ وَالشَّرِكَةُ فِي الْحَاصِلِ بِعَمَلِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ بِإِزَاءِ عَمَلِ نَفْسِهِ بِمَنَافِعَ هِيَ لَهُ ، وَهُنَا مَنَافِعُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ ، فَلَا يُوجَدُ مَا هُوَ مُوجِبُ اسْتِحْقَاقِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ لَا بِعَمَلِهِ ، فَبِالْإِجَارَةِ السَّابِقَةِ بَيْنَهُمَا لَا يَنْعَدِمُ مَا بِهِ يَسْتَحِقُّ الشَّرِيكُ ، وَلِأَنَّ الشَّرِيكَ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِهَذَا الْعَمَلِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَالْمُضَارِبُ يَعْمَلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَهُوَ بِعَمَلِهِ بِالْمَالِ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ هُنَا ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْجِبَ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يُرَدُّ عَلَى مَنَافِعِهِ كَمَا قَالَ ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَمَلُ ، فَإِذَا وَجَدَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ كَانَ الْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَمَلِ يُقَامُ مَقَامَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ كَالصَّدَاقِ ؛ فَإِنَّهُ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا قَدْ يُقَامُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي تَأْكِيدِ الْمَهْرِ بِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا .

وَلَوْ كَانَ الْأَجِيرُ دَفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَالًا مُضَارَبَةً يَعْمَلُ بِهِ عَلَى النِّصْفِ جَازَ وَالْأَجِيرُ عَلَى الْإِجَارَةِ ، وَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يُوجِبُ لِلْأَجِيرِ حَقًّا فِي مَنَافِعِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا فِي عَمَلِهِ ، فَدَفْعُهُ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً بَعْدَ الْإِجَارَةِ كَدَفْعِهِ إلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ ، فَإِنْ اسْتَبْضَعَ رَبُّ الْمَالِ الْأَجِيرَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ، يَشْتَرِي بِهِ وَيَبِيعُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَقَبَضَهُ الْأَجِيرُ فَاشْتَرَى بِهِ وَبَاعَ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا فِي الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَبْضِعِ كَعَمَلِ الْمُبْضِعِ ، كَمَا لَوْ أَبْضَعَهُ الْمُضَارِبُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَالْأَجْرُ عَلَى حَالِهِ لِلْأَجِيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ لِلْعَمَلِ بِهِ ، وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِذَلِكَ ، وَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ لَا يَفْسُدُ هُنَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ يُعْدِمُ التَّخْلِيَةَ .
فَأَمَّا الْإِبْضَاعُ فَلَا يُعْدِمُ التَّخْلِيَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ لِتَمَكُّنِ الْمُضَارِبِ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْمَالِ مِنْهُ مَتَى شَاءَ .

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ ، عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَجْرًا : عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَهَذَا الشَّرْطُ يُفْسِدُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْدِمُ التَّخْلِيَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَسَدَ الْعَقْدُ ، فَإِذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْمُضَارِبِ كَانَ أَوْلَى ، وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ كَانَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ ، وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَهُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَلَا أَجْرَ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَجِيرًا لِغَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ جَازَ ذَلِكَ ؛ لِكَوْنِ الْعَقْدِ مُفِيدًا بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُسَاوَمَةً بَاعَهُ كَيْفَ شَاءَ ، وَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ، وَهُوَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ دُونَ الْأَلْفِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا ، فَإِنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ مِلْكِ إنْسَانٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا كَانَ مُبَادَلَةَ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ بِمِلْكِهِ ، وَلَكِنْ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ مَا بَيْنَهُمَا ؛ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فِي حَقِّهِمَا .
فَأَمَّا فِي حُكْمِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَالْعَقْدُ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ شِرَاءُ رَبِّ الْمَالِ إيَّاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ بِالْمُسَامَحَةِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ ، وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بَيْعُ أَمَانَةٍ يَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَخِيَانَةٍ ، وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ فِي أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ ، فَبَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ ، فَحِينَئِذٍ يَبِيعُهُ كَيْفَ شَاءَ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَبِيعُهُ بِالْمَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْرَحَ رِبْحَ رَبِّ الْمَالِ عِنْدَ انْضِمَامِ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ إلَى آخَرَ ، وَرِبْحُ رَبِّ الْمَالِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَطْرَحُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ وَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا بَقِيَ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ ، وَاَلَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا عَقْدٌ فِي حَقِّهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ عَقْدًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا

الْجَانِبُ إذَا كَانَ أَقَلَّ الثَّمَنَيْنِ عِنْدَ اعْتِبَارِهِ ، وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ ، إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَقَلِّ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مَلَكَ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى هَذِهِ الْعَيْنِ شِرَاءٌ سِوَى هَذِهِ لِيَبِيعَهُ الْمُضَارِبُ بِهِ مُرَابَحَةً بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ ، فَإِنْ بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ .

وَلَوْ عَمِلَ الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَرَبِحَ فِيهَا أَلْفًا ، ثُمَّ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِالْأَلْفَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي رِبْحُ رَبِّ الْمَالِ ، فَيُطْرَحُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي إذَا لَمْ يُخْرَجْ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ رِبْحُ الْمُضَارِبِ فِيهِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَمَا اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ ، فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا يَبِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ رَأْسِ مَالِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلِهَذَا لَوْ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ فِي ذَلِكَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فَيُطْرَحُ مِقْدَارُ رِبْحِ رَبِّ الْمَالِ لِذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا الَّتِي اشْتَرَى بِهَا رَبُّ الْمَالِ الْعَبْدَ ، وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ .
فَأَمَّا أَلْفُ الْمُضَارِبِ الَّتِي طُرِحَتْ مِنْ الثَّمَنِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمَامُ رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَقْدُ فِي ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ فَتُطْرَحُ الزِّيَادَةُ إلَى تَمَامِ رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ ، وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ رِبْحُ رَبِّ الْمَالِ ، فَلَا يُحْتَسَبُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ ، وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ، فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إذَا كَانَتْ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا رِبْحَ لِلْمُضَارِبِ مِنْهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ ، وَرِبْحُ رَبِّ الْمَالِ يُطْرَحُ مِنْ بَيْعِ الْمُضَارِبِ ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ

مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِالْأَلْفَيْنِ بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ فِي قِيمَتِهِ ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ كُلَّهُ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَنْفُذُ هَذَا الشِّرَاءُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ الْمُضَارِبِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ، وَشِرَاؤُهُ بِالزِّيَادَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِهِ إنَّمَا لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِحَقِّ رَبِّ الْمَالِ ، فَإِذَا كَانَ الْعَامِلُ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ ؛ فَهُوَ رَاضٍ بِذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفَيْنِ ، بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ ، عَلَى أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَفِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ قِيمَتِهِ فَبَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ كَذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ ، وَالْمُضَارِبُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ كَذَلِكَ بِأَلْفَيْنِ ، فَقَوْلُكُمْ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ أَلْفٌ مِنْ أَيْنَ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ رَبُّ الْمَالِ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ ، وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ أَلْفٌ زَائِدَةٌ عَلَى قِيمَتِهِ بِالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ ، فَإِنَّمَا بَقِيَ لَهُ فِيهِ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَاعَهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ خَمْسُمِائَةٍ : نِصْفُ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رِبْحَ الْمَالِ يُطْرَحُ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحُ الْمُضَارَبَةِ ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِهَا عَبْدًا ، فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَيُطْرَحُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا كَانَ اشْتَرَى الْعَبْدَ لَهُ ، فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ ، وَذَلِكَ مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَهُوَ أَلْفٌ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ مُعْتَبَرَةٌ لَا مَحَالَةَ ، فَيَبِيعُهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، الثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ ، وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحُ الْمُضَارِبِ ، وَيُطْرَحُ عَنْهُ خَمْسُمِائَةٍ : رِبْحُ رَبِّ الْمَالِ ، وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحُ رَبِّ الْمَالِ أَيْضًا مِمَّا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ .
وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ خَمْسُمِائَةٍ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهَا فِي ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي حَقِّ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمَالِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُضَارَبَةِ غَيْرُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَمِائَةِ لَوْ ضَاعَتْ كَانَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ كُلُّهُ ثَمَنَ هَذَا الْعَبْدِ ؛ فَلِهَذَا حُسِبَ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ فِي ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ ، فَطُرِحَ تَمَامُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَرِبْحُ رَبِّ الْمَالِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَعَلَى رِبْحِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَيَشْتَرِي إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ أَكْثَرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمُضَارِبِ

فِي هَذَا الْوَجْهِ الثَّمَنُ دُونَ الْعَبْدِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً ، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مُسَاوَمَةً بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَلْفَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخَذَهُمَا مِنْ رَبّ الْمَالِ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ ، فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلًا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ : أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضُمُّ بَعْضَ الْعُقُودِ إلَى الْبَعْضِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى حَاصِلِ الضَّمَانِ فِيهِ ، فَعَلَى ذَلِكَ يُبَاعُ مُرَابَحَةً فَهُنَا الثَّمَنُ الْأَوَّلُ كَانَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمَّا بَاعَهُ الْمُضَارِبُ بِأَلْفَيْنِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارَ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ ، وَحِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَلَمَّا بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ؛ فَقَدْ رَبِحَ فِيهِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُطْرَحَ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا بَقِيَ ، وَإِذَا طَرَحْت ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ ؛ فَلِهَذَا لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا ، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُعْتَبَرُ ضَمُّ الْعُقُودِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، وَذَلِكَ أَلْفَا دِرْهَمٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِأَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ ، ثُمَّ عَمِلَ الْمُضَارِبُ بِالْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ ، حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ فَاشْتَرَى بِهَا

الْعَبْدَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِأَلْفٍ وَسِتُّمِائَةٍ ثُمَّ عَمِلَ الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ فَاشْتَرَى بِهَا الْعَبْدَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً فِي قَوْلِهِمَا عَلَى أَلْفَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ كَانَ رَبِحَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَكَانَ الْمُعْتَبَرُ رَأْسَ الْمَالِ ، وَحِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَحِينَ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ فَثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ مِنْ ذَلِكَ رِبْحُ الْمَالِ ، فَيُطْرَحُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَيْنِ ، وَيَطْرَحُ أَيْضًا مَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا ، فَإِذَا طَرَحْت ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَيْنِ ؛ يَبْقَى أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَعَلَى ذَلِكَ يَبِيعُهُ الْمُضَارِبُ مُرَابَحَةً ، وَإِنَّمَا يَطْرَحُ مَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَبِحَ ذَلِكَ فِي مُعَامَلَتِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بَيْعًا وَشِرَاءً لَكَانَ يَطْرَحُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، فَلَأَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عِنْدَ مُعَامَلَتِهِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى .

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِأَلْفٍ مِنْهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَوَلَّاهُ رَبُّ الْمَالِ ، فَهَذَا جَائِزٌ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْكِلُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ ، وَعِنْدَهُمَا بَيْعُهُ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَجُوزُ ؛ لِحَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ ، فَإِنْ بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مُرَابَحَةً ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مُرَابَحَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ حَطَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الثَّمَنِ ثَلَثَمِائَةٍ ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَحُطُّ عَنْ الْمُضَارِبِ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ ، وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا كَانَا مُرَابَحَةً فَإِذَا خَرَجَ الْقَدْرُ الْمَحْطُوطُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ بِحَطِّ رَبِّ الْمَالِ عَنْهُ ، يَخْرُجُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي عَقْدِ الْمُضَارِبِ أَيْضًا ، وَالْمَحْطُوطُ فِي عَقْدِ رَبِّ الْمَالِ خُمُسُ الثَّمَنِ ، وَفِي عَقْدِ الْمُضَارِبِ جُمْلَةُ الثَّمَنِ أَلْفَانِ ، فَيَحُطُّ عَنْهُ خُمُسَ الثَّمَنِ ، وَفِي عَقْدِ الْمُضَارِبِ جُمْلَةُ الثَّمَنِ أَلْفَانِ فَيَحُطُّ عَنْهُ خُمُسَهَا أَيْضًا ، وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ ، ثُمَّ يَبِيعُهُ لِمُضَارِبٍ مُرَابَحَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةٍ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ كَانَ رَبِحَ فِيهِ خَمْسَمِائَةٍ ، فَلَمَّا حَطَّ ثَلَثَمِائَةٍ كَانَ الْحَطُّ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ : ثُلُثَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَثُلُثُهُ مِنْ الرِّبْحِ ، فَبَقِيَ رِبْحُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَيَطْرَحُ الْمُضَارِبُ هَذِهِ الْأَرْبَعَمِائَةِ ، مَعَ الْأَرْبَعِمِائَةِ

الَّتِي سَقَطَتْ عَنْهُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً لِرَبِّ الْمَالِ ؛ فَلِهَذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ ، إلَّا أَنْ يَبِينَ الْأَمْرُ عَلَى وَجْهِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ حَطَّ عَنْ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَلَّاهُ بِهِ الْعَقْدَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَحُطُّ الْمِائَتَيْنِ وَحِصَّتَهَا مِنْ الرِّبْحِ ، وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ حَطَّ عَنْهُ خُمُسَ الثَّمَنِ ، وَبَيْعُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَانَ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، فَيَطْرَحُ عَنْهُ أَيْضًا خُمُسَ الثَّمَنِ ، وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ ، ثُمَّ يَحُطُّ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمُضَارِبِ هَذِهِ الثَّلَثَمِائَةِ : حِصَّتَهَا مِنْ الرِّبْحِ ، وَهُوَ مِائَةٌ لِمَا قُلْنَا ، فَيَبْقَى الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ شِرَاءً مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَطْرَحُ مَا رَبِحَ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ حَاصِلُ ضَمَانِهِ الْأَوَّلِ فِيهِ ثَمَانُمِائَةٍ ، وَحَاصِلُ مَا سُلِّمَ لَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ رِبْحَهُ كَانَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَيَحُطُّ الْمُضَارِبُ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً ، وَهُوَ عَلَى أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ لِمَا بَيَّنَّا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَعَمِلَ فَرَبِحَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ إنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَخَلَطَ هَذِهِ الْأَلْفَ الْأَخِيرَةَ بِالْأَلْفِ الْأُولَى ، ثُمَّ عَمِلَ بِالْمَالِ كُلِّهِ فَرَبِحَ أَلْفًا ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْأَخِيرَةِ بِرَأْيِهِ فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ لِلْأَلْفِ الْأَخِيرَةِ بِالْخَلْطِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسَمِائَةٍ ، فَهَذَا مِنْهُ خَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ ، فَإِنْ كَانَ رَبِحَ بَعْدَ هَذَا الْخَلْطِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَثُلُثُ ذَلِكَ حِصَّةُ الْأَلْفِ الْأَخِيرَةِ ، وَقَدْ ضَمِنَهَا الْمُضَارِبُ ، فَيَكُونُ رِبْحُهَا لَهُ ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَ ، وَرِبْحُهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى إنَّمَا خَلَطَ رَبُّ الْمَالِ بِمَالِهِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ ضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ إلَّا الْأَلْفَ الْأَخِيرَةَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ إنَّمَا وُجِدَ فِيهَا خَاصَّةً .
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ فِي الْأُولَى ، أَوْ أَمَرَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَالْمَالُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً عَلَى مَا اشْتَرَطَا ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأَخِيرَةِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ ، فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا بِالْخَلْطِ ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى إنَّمَا خَلَطَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ بِمَالِهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ

مُضَارَبَةً فِي يَدِهِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا .
وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ بِرَأْيِهِ فَخَلَطَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَرْبَحَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَطَ مَالَ رَبِّ الْمَالِ بِمَالِهِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ .
وَلَوْ كَانَ رَبِحَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ رِبْحًا ، ثُمَّ خَلَطَهُمَا ضَمِنَهُمَا جَمِيعًا مَعَ حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْخَلْطِ ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ خَلْطُ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ بِمِلْكِ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي كُلِّ مَالٍ ، وَمَا رَبِحَ فِيهِمَا بَعْدَ مَا خَلَطَهُمَا فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَيْنِ بِالضَّمَانِ ، فَمَا رَبِحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَرَامٍ إلَّا حِصَّةَ رِبْحِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلِطَهَا فَإِنَّهَا حَلَالٌ لَهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبٍ لَا حِنْثَ فِيهِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى ضَمَانِهِ ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْمُودِعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ ، وَإِذَا كَانَ أَمَرَهُ فِيهِمَا جَمِيعًا أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُضَارَبَةً بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِوُجُودِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى رَأْيِهِ فِي الْمُضَارَبَتَيْنِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَالْجَوَابُ فِي الْمُضَارِبَيْنِ إذَا خَلَطَا الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْبَحَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا ، أَوْ بَعْدَ مَا رَبِحَ أَحَدُهُمَا فِي مُضَارَبَتِهِ شَيْئًا ، نَحْوُ الْجَوَابِ فِي الْمُضَارِبِ الْوَاحِدِ لِاسْتِوَاءِ الْفَصْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ : الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ لِوَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مُفِيدٌ ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مُضَارَبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مُسَاوَمَةً كَيْفَ شَاءَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ ، فَإِنَّ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ، وَمَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ كُلُّهُ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلٌ لَهُ ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي دَفَعَهَا الْأَوَّلُ إلَى الْبَائِعِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً بَاعَهُ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ فَيَبِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ مُرَابَحَةً ، وَيَشْتَرِي النِّصْفَ الْآخَرَ لِلْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ فِيهِ ، وَثَمَنُ هَذَا النِّصْفِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَانَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، فَيَبِيعُ الْعَبْدَ كُلَّهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، فَإِنْ بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْجِنَايَةِ تَنْعَدِمُ بِبَيَانِ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْأَلْفَ عَبْدًا بِهَا ، وَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمِ الْمُضَارَبَةِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ رَبِحَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ خَمْسُمِائَةٍ ، إلَّا أَنَّ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ تُطْرَحُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَالْأَلِفُ الَّتِي غَرِمَهَا الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ فِي ثَمَنِهِ فِيهِ ، فَيَبِيعُهُ الْآخَرُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِهَذَا .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَبَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ : خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَدَ فِي الْعَبْدِ ، وَخَمْسُمِائَةٍ رِبْحُ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ بَطَلَتْ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى تَمَامُ رَأْسِ مَالِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا : أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رَأْسُ الْمَالِ فِي كُلِّ جِنْسٍ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ هَلَكَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى كَانَ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ مَحْسُوبًا مِنْ هَذَا الثَّمَنِ ، بِمِقْدَارِ مَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ ، وَيُطْرَحُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، كَمَا يُطْرَحُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْح ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ ، وَالْمُضَارِبُ الْآخَرُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ بَاعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَإِذَا ثَبَتَتْ أَنَّهُ يُطْرَحُ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي أَلْفُ دِرْهَمٍ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ

الْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ وَأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ ؛ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى ثُلُثَهُ لِنَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ، وَاشْتَرَى ثُلُثَيْهِ بِأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ ، وَرَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى فِيهِ ثُلُثَا الْأَلْفِ ، وَرِبْحُ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ فِيهِ خَمْسُمِائَةٍ ، فَإِذَا ضَمَمْت خَمْسَمِائَةٍ إلَى ثُلُثَيْ الْأَلْفِ ؛ يَكُونُ أَلْفًا وَمِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ ، وَيَضُمُّ إلَيْهِ الْأَلْفَ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ ثُلُثِ الْعَبْدِ ، فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ وَيُطْرَحُ مَا سِوَاهُ يَعْنِي : حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَمَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ مَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْمَالِ ، وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْرُوحَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ ثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ اشْتَرَى ثُلُثَهُ لِنَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ كُلُّهُ ، وَاشْتَرِي ثُلُثَهُ لِلْمُضَارَبَةِ ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ فِيهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَإِذَا جَمَعْت ذَلِكَ كَانَ مِقْدَارُهُ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَيُطْرَحُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَمَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ مَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، فَإِذَا طَرَحْت مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ أَلْفًا وَمِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ يَبْقَى أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةٍ

وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، ثُمَّ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَعَمِلَ الْآخَرُ بِالْمَالِ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ اشْتَرَى الْأَوَّلُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا فَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِالْأَلْفَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي يَدِهِ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ ، فَإِنَّ الثَّانِيَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ الْأَوَّلِ فِيهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ ، وَيُعْتَبَرُ حِصَّةُ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَتَبْطُلُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ؛ فَلِهَذَا بَاعَهُ الثَّانِي مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَبَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفٍ ، فَيَبِيعُ ذَلِكَ النِّصْفَ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ ، وَاشْتَرَى الْأَوَّلُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِأَلْفٍ ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّمَا يَبِيعُ هَذَا النِّصْفَ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ مِنْ عِنْدِهِ ، وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ؛ بَاعَهُ الْآخَرُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَيْهِ لِنَفْسِهِ ، وَبَاعَ ذَلِكَ مِنْ الْآخَرِ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَأَمَّا الثُّلُثُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلْمُضَارَبَةِ وَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ لِلْمُضَارَبَةِ بِمَا لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى ، فَإِنَّمَا يَبِيعُ هَذَا الثُّلُثَ

مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَإِذَا ضَمَمْت الْخَمْسَمِائَةِ إلَى الْأَلْفِ وَثَلَثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ؛ كَانَتْ جُمْلَتُهُ أَلْفًا وَثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ ؛ فَإِنَّ الْآخَرَ يَبِيعُهُ أَيْضًا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ثُلُثَهُ ، وَبَاعَهُ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ ، وَاشْتَرَى ثُلُثَهُ لِلْمُضَارَبَةِ ، وَبَاعَهُ بِثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، وَيَطْرَحُ حِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً ، وَإِذَا طَرَحْت مِنْ الْأَلْفَيْنِ مِائَةً وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ ؛ كَانَ الْبَاقِي أَلْفًا وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً ، وَإِلَى آخَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً ، فَاشْتَرَى الْأَوَّلُ بِأَلْفٍ عَبْدًا مِنْ مَالِهِ وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِثَلَاثَةٍ مِنْ مَالِهِ وَأَلْفَيْ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّ الْآخَرَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَيْ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ ، وَبَاعَهُ مِنْ الْآخَرِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَيُعْتَبَرُ جَمِيعُ ذَلِكَ ، وَاشْتَرَى ثُلُثَهُ لِلْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ إنَّ الْآخَرَ اشْتَرَى مِنْهُ ثُلُثَ هَذَا الثُّلُثِ لِنَفْسِهِ بِثَلَثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ، لَا يُنْتَقَصُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاشْتَرَى ثُلُثَيْ هَذَا الثُّلُثِ مِنْهُ لِلْمُضَارَبَةِ ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ ثُلُثُ الْأَلْفِ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَيَطْرَحُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ جَمَعْتَ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَسِتَّمِائَةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ، وَحَاصِلُ مَا طَرَحَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، وَذَلِكَ رِبْحُ ثُلُثَيْ هَذَا الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي .
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ اشْتَرَى الْعَبْدَ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ، بَاعَهُ الثَّانِي مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ ، وَبَاعَهُ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفٍ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ ، فَاشْتَرَى الثُّلُثَيْنِ لِلْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ إنَّ الْمُضَارِبَ الْآخَرَ اشْتَرَى مِنْهُ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ لِنَفْسِهِ بِسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ ، فَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَاشْتَرَى مِنْهُ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ لِلْمُضَارَبَةِ بِأَلْفٍ

وَثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ، فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ : مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، فَإِذَا جَمَعْت ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ ، وَالْمَطْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ : مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، وَمَا يَكْمُلُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى ، وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ .

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَدَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى الْأَوَّلُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ ، وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَبَاعَهَا مِنْ الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ : أَلْفٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ ؛ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثُلُثَيْهَا لِنَفْسِهِ ، وَبَاعَ ذَلِكَ مِنْ الثَّانِي بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَاشْتَرَى ثُلُثَهَا لِلْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ بَاعَ ثُلُثَيْ هَذَا الثُّلُثِ مِنْ الثَّانِي ، وَاشْتَرَى الثَّانِي لِنَفْسِهِ بِسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَاشْتَرَى ثُلُثُ هَذَا الثُّلُثِ لِلْمُضَارَبَةِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حِصَّةُ هَذَا الْجُزْءِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، فَإِذَا جَمَعْت هَذَا كُلَّهُ كَانَ أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا ، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ : أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَثُلُثُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُضَارِبِ الْآخَرِ .
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ؛ كَانَ لَهُ خَاصَّةً مِنْ ذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ جُزْءًا ، وَالْبَاقِي يَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ ، وَثَمَانُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ مَالُ الْمُضَارَبَةِ ، فَالسَّبِيلُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ وَسَهْمٍ ، فَصَارَ الْأَلْفَانِ اثْنَيْ عَشَرَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، لِلْمُضَارَبَةِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ ، وَلِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ اثْنَا عَشَرَ فَعَلَى ذَلِكَ يُقَسَّمُ الْأَرْبَعَةُ آلَافٍ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَدَفَعَ آخَرُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى الْأَوَّلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ ، وَبَاعَهَا مِنْ الْآخَرِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ وَبِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ اشْتَرَى ثُلُثَ الثُّلُثِ الْبَاقِي لِنَفْسِهِ ، وَبَاعَ ذَلِكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَالْأَوَّلُ كَانَ اشْتَرَى ثُلُثَ الثُّلُثِ الْبَاقِي لِنَفْسِهِ ، وَبَاعَ ذَلِكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ أَيْضًا ، وَكَانَ اشْتَرَى ثُلُثَيْ الثُّلُثِ لِلْمُضَارَبَةِ ، وَبَاعَهَا لِلْمُضَارِبِ بِثُلُثَيْ الْأَلْفِ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ رَأْسُ مَالِ هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ ، وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَيُطْرَحُ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ بِهَذَا ، فَإِذَا قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا الْجَوَابُ خَطَأٌ ، فَإِنَّمَا يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفَيْنِ وَسِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ بَاعَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ الثَّانِي لِلْمُضَارَبَةِ أَيْضًا ، فَلَا يُعْتَدُّ بِرِبْحِ رَبِّ الْمَالِ فِيهِ ، وَذَلِكَ إذَا تَأَمَّلْتَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْرُوحَ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ : مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ مَرَّتَيْنِ ، فَيَكُونُ الْبَاقِي أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ ، وَقِيلَ : إنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَهَب إلَيْهِ

عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَوْ كَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الثُّلُثِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ مُقَرَّرًا فِي مَمْلُوكٍ ، أَوْ فِي مَبِيعٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ مَمْلُوكٍ قَدْ بِيعَ بَيْعًا وَاحِدًا ، وَسَائِرُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ مُجْمَلٌ ، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَجِبُ اعْتِبَارُ جَمِيعِ ثَمَنِ الثُّلُثَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ الْآخَرَ اشْتَرَى الثُّلُثَيْنِ لِنَفْسِهِ بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ جَمِيعِ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ) وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ ، أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ فَاشْتَرَى بِالْأَلْفِ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالْمَالِ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِرْبَاحُ ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ لَهُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَيْعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ ، وَقَرِيبُ رَبِّ الْمَالِ لَوْ قَالَ جَازَ شِرَاؤُهُ مِنْهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ عَتَقَ وَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي جَارِيَةً أَطَؤُهَا فَاشْتَرَى أُخْتَ الْمُوَكِّلِ مِنْ الرَّضَاعِ ، أَوْ جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً ، لَمْ تَلْزَمْ الْآمِرَ لِهَذَا ، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ شِرَاؤُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرْجِعَ الْمُضَارِبُ عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ مِثْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِالْمُضَارَبَةِ دَيْنًا عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى دَيْنَ نَفْسِهِ ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، أَوْ أَقَلُّ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ عَبْدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْهُ ، وَلَا رِبْحَ فِيهِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَيْعِهِ ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي رَأْسِ الْمَالِ ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ مَلَكَ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الْفَضْلِ فَيُعْتِقُ ذَلِكَ الْجُزْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ قَرِيبِهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْمُضَارِبِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ ، بَلْ عَتَقَ حُكْمًا وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ ،

وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لِتَتْمِيمِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ ذَلِكَ الْقَدْرَ عِنْدَهُ مِنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى لَهُ فِي ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ مَالًا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، كَمَا يَنْفُذُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَلِرَبِّ الْمَالِ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَيَّهمَا شَاءَ ، كَمَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ : هَذَا ابْنُك ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : كَذَبْت فَإِنَّ الْغُلَامَ يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مَالِكٌ مِقْدَارَ رُبْعٍ مِنْهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِفَسَادِ الرِّقِّ فِيهِ حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ فَيُعْتَقُ لِذَلِكَ ، وَيَسْعَى الْغُلَامُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا : ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِرَبِّ الْمَالِ .
وَرُبْعُهَا لِلْمُضَارِبِ ، فَإِنْ قِيلَ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَقَ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُضَارِبَ كَاذِبٌ ، وَأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لَهُمَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارِبُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ ، قُلْنَا : نَعَمْ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ فِي الظَّاهِرِ مُشْتَرًى عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الظَّاهِرِ يَكُونُ الْمُضَارِبُ مُقِرًّا بِفَسَادِ الرِّقِّ فِيهِ ، وَرَبُّ الْمَالِ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمُضَارِبِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِهِ ، فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، أَحَدُهُمَا مُقِرٌّ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ فِي نَصِيبِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ هَذَا ابْنُك ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ هَذَا ابْنُك ، وَقَالَ صَدَقْت فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُضَارِبِ ، أَمَّا إذَا قَالَ

صَدَقْت فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ : بَلْ هُوَ ابْنُك فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ فَالْمُضَارِبُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ ابْنَهُ ، أَوْ ابْنَ رَبِّ الْمَالِ ، ثُمَّ كَانَ رَبُّ الْمَالِ شَاهِدًا عَلَى الْمُضَارِبِ لِلْعَبْدِ بِالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ ، وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ ؛ فَلِهَذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْمُضَارِبُ يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ كَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ؛ فَلِهَذَا يَفْسُدُ الرِّقُّ فِيهِ بِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ : هُوَ ابْنُك وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ فَالْعَبْدُ عَلَى حَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَلَا يَفْسُدُ الرِّقُّ فِيهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى زَادَ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ لِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ أَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، فَيَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْفَضْلُ فِي قِيمَتِهِ ، فَيَفْسُدُ الرِّقُّ فِيهِ لِذَلِكَ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّاهِدِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِالْعِتْقِ ، أَوْ فَسَادُ الرِّقِّ فِيهِ كَانَ حُكْمًا عِنْدَ ظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ ، فَلَا يُوجَبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ السِّعَايَةِ ؛ فَلِهَذَا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : صَدَقْت وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَالْغُلَامُ لِلْمُضَارِبِ ، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ كَذَبْت ، وَلَكِنَّهُ ابْنُك فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، إذْ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَالْمُضَارِبُ يَشْتَرِي ابْنَ نَفْسِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِيمَا يَقُولُ إنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى زَادَتْ قِيمَتُهُ فَصَارَ يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ اسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الشَّاهِدِ عَلَى

صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ ، وَالْمُضَارِبُ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ ، وَأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ قَدْ عَتَقَ وَرَبُّ الْمَالِ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ الْمُضَارِبِ ، وَأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ قَدْ عَتَقَ ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْهُمَا تُفْسِدُ الرِّقَّ ، فَلَا تُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ حَقِيقَةً فَيَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا : ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَرُبْعُهَا لِلْمُضَارِبِ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِأَلْفٍ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ : هَذَا ابْنُك ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ كَذَبْت ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسِمِائَةٍ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ ، فَلَا يَسْعَى الْعَبْدُ لَهُ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ ، وَإِنَّمَا سَعَى لِلْمُضَارِبِ فِي خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سِعَايَتَهُ ، وَيَقُولُ قَدْ فَسَدَ الرِّقُّ فِيهِ بِشَهَادَةِ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ كَاذِبًا وَلَمْ يَجِبْ لِي ضَمَانٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَقِّي فِي اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِي نَصِيبِي ؛ فَلِهَذَا يُسْتَسْعَى لَهُ فِي خَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ حُرًّا عَلَى الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا إيَّاهُ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْفَضْلِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي قِيمَتِهِ ، وَيَكُونُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ هُوَ ابْنُك ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ ، بَلْ هُوَ ابْنُك فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُضَارِبِ ، وَضَمِنَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ابْنَ رَبِّ الْمَالِ كَمَا ادَّعَاهُ الْمُضَارِبُ ؛

فَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ كَانَ ابْنَ الْمُضَارِبِ كَمَا زَعَمَ رَبُّ الْمَالِ ؛ فَقَدْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْفَضْلِ فِيهِ ؛ فَلِهَذَا ضَمِنَ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ فِيهِ ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِإِقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ لِرَبِّ الْمَالِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْتَقْ فَرَبُّ الْمَالِ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ ، وَبِشَهَادَتِهِ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ : هُوَ ابْنُك ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ كَذَبْت فَالْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِحَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ فَقَدْ صَارَ مُشْتَرِيًا لَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، إذْ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ إقْرَارُ رَبِّ الْمَالِ بِنَسَبِهِ لِلْمُضَارِبِ ، وَقَدْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، فَيَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِإِقْرَارِهِ بَعْدَ مَا زَادَتْ قِيمَتُهُ ، وَقَدْ صَارَ الرُّبْعُ مِنْهُ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ ، فَفِي زَعْمِ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ قَدْ فَسَدَ بِمِلْكِ الْمُضَارِبِ جُزْءًا مِنْهُ ؛ فَلِهَذَا عَتَقَ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا .
وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ صَدَّقَهُ وَلَا فَضْلَ فِي الْغُلَامِ ؛ فَهُوَ ابْنُهُ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ الْمَعْرُوفَ ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ؛ عَتَقَ وَسَعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهُ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُضَارِبِ ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْعِتْقَ حَصَلَ مِنْهُ حُكْمًا لِظُهُورِ الزِّيَادَةِ مِنْ

غَيْرِ صُنْعٍ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ ، فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ .

وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَالَ الْمُضَارِبُ : هُوَ ابْنِي ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كَذَبْتَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ بَعْدَ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ النَّسَبَ فِيهِ ، ثُمَّ هَذِهِ دَعْوَى تَحْرِيرٍ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ بِهِ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ .
وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُضَارِبُ عَتَقَ نَصِيبُهُ ، وَرَبُّ الْمَالِ فِي نَصِيبِهِ بِالْخِيَارِ - إنْ كَانَ الْمُضَارِبُ مُوسِرًا - : بَيْنَ الْإِعْتَاقِ ، وَالِاسْتِسْعَاءِ ، وَالتَّضْمِينِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَهُ الْخِيَارُ : بَيْنَ الْإِعْتَاقِ ، وَالِاسْتِسْعَاءِ ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ عَتَقَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ حِينَ أَعْتَقَهُ ، أَوْ اسْتَسْعَاهُ ، وَرُبْعَهُ عِتْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمُضَارِبِ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ عَتَقَ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ابْنَ رَبِّ الْمَالِ كَمَا زَعَمَ ؛ فَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ .
وَإِنْ كَانَ ابْنَ الْمُضَارِبِ فَكَذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ تَرَجَّحَتْ دَعْوَاهُ بِالسَّبْقِ ، وَبِالْمِلْكِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَيَضْمَنُ رَبُّ الْمَالِ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ : هُوَ ابْنِي وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ، وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ لَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ لِتَصِحَّ دَعْوَاهُ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ تَكْذِيبِ رَبِّ الْمَالِ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ، فَإِنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ عَتَقَ رُبْعُهُ ،

وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ بِظُهُورِ الْفَضْلِ صَارَ هُوَ مَالِكًا لِرُبْعِهِ ، وَهُوَ كَالْمُجَدِّدِ لِدَعْوَى النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ حُكْمًا بِظُهُورِ الْفَضْلِ فِي قِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ .
وَلَوْ كَانَ صَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ لِلْمُضَارِبِ ؛ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ ، فَإِنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ عَتَقَ رُبْعُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ صَارَ مَالِكًا رُبْعَهُ ، وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْنِ قَبْلَ دَعْوَى الْمُضَارِبِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرُبْعِهِ حِينَ ادَّعَى نَسَبَهُ ، وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ رُبْعِهِ ، فَيُخَيَّرُ رَبُّ الْمَالِ : بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ ، وَبَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ ، وَالْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمُضَارِبُ لَمْ يَرْجِعْ الْمُضَارِبُ بِهَا عَلَى الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بِالضَّمَانِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ ، وَإِذَا اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ أَوْ الْإِعْتَاقَ ؛ فَلِرَبِّ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَلَائِهِ ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ عَتَقَتْ مِنْ قِبَلِهِ .
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَدَّقَهُ ؛ فَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَلَهُ أَنْ يُسْتَسْعَى الْغُلَامَ ، أَوْ يُعْتِقَهُ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ عَتَقَ عَلَى الْمُضَارِبِ رُبْعُهُ حُكْمًا عِنْدَ ظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ مَعْرُوفٍ لَهُ .
وَلَوْ لَمْ تَزِدْ

قِيمَتُهُ عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ الْمُضَارِبُ : هُوَ ابْنِي ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كَذَبْت ، وَلَكِنَّهُ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُشْتَرًى عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ كُلُّهُ فَتَصِحُّ دَعْوَاهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ، وَيُعْتَقُ مِنْ مَالِهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ رَأْسَ مَالِهِ ، وَمُشْتَرِي الِابْنِ لِنَفْسِهِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَدَعْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ : هُوَ ابْنِي ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : كَذَبْت وَلَكِنَّهُ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ادَّعَى نَسَبه كَانَ مَالِكًا لِرُبْعِهِ فَثَبَتَ نَسَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ ادَّعَى نَسَبَهُ مِنْهُ ، بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَقَدْ عَتَقَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي أَنَّهُ لَا سِعَايَةَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ ، وَأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ بِإِقْرَارِ الْمُضَارِبِ ، وَأَنَّ حَقَّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُضَارِبِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي التَّضْمِينِ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَلَكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ كَالْمُعْتِقِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ، أَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ، وَرَبُّ الْمَالِ بِدَعْوَاهُ النَّسَبَ يَصِيرُ كَالْمُعْتِقِ لِنَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى نَسَبَ مَمْلُوكِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ يَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْهُ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ ، وَنَقَدَ ثَمَنَهُ ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : هُوَ ابْنِي وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ، وَعَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ بِدَعْوَاهُ إيَّاهُ ، وَالْمُضَارِبُ بِالْخِيَارِ فِي الرُّبْعِ كَمَا وَصَفْنَا فِي رَبِّ الْمَالِ ؛

لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتِقِ لَهُ ، فَإِنَّ دَعْوَى التَّحْرِيرِ كَالْإِعْتَاقِ وَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُضَارِبُ ، وَلَكِنْ صَدَّقَهُ فَالْغُلَامُ ابْنٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَعَبْدٌ لِلْمُضَارِبِ ، وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ رَأْسَ مَالِ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ ، وَلَكِنْ نَقَدَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَيَصِيرُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُضَارِبُ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : كَذَبْت بَلْ هُوَ ابْنِي ، فَهُوَ ابْنُ الْمُضَارِبِ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ ادَّعَى نَسَبَهُ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ ، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ كَانَ يُسَاوِي أَلْفًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : هُوَ ابْنِي ، وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِهِ فِي الظَّاهِرِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُضَارِبُ ، كَانَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنَسَبِهِ لِرَبِّ الْمَالِ فَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَكُونُ عَبْدًا لِلْمُضَارِبِ ، وَهُوَ ضَامِنٌ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُضَارِبُ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ كَذَبْت وَلَكِنَّهُ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ حُرٌّ مِنْ قِبَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَقَدْ ادَّعَى نَسَبَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ مَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا ، فَلَا يَضْمَنُ رَبُّ الْمَالِ لَهُ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهِ .
وَلَوْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : هُوَ ابْنِي ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ كَذَبْت ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَعَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِإِقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ ، وَالْمُضَارِبُ بِالْخِيَارِ فِي الرُّبْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ

، وَرَبُّ الْمَالِ صَارَ كَالْمُعْتِقِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُضَارِبُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا بَيَّنَّا .
وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُضَارِبُ بِمَا قَالَ فَهُوَ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ ، وَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُضَارِبِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَيَكُونُ ضَامِنًا لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّ الْمَالِ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : كَذَبْت بَلْ هُوَ ابْنِي فَالْغُلَامُ ابْنُ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ بِالدَّعْوَى فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَعَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِنْ قِبَلِهِ ، ثُمَّ الْمُضَارِبُ ادَّعَى نَسَبَهُ وَهُوَ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ صَارَ كَالْمُعْتِقِ لِنَصِيبِهِ فَلَا ضَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ) وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا ، ثُمَّ ضَاعَتْ الْأَلْفُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا الْمُضَارِبُ الْبَائِعَ ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ ، كَمَا قَبْلَهُ فَهَلَكَ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ الشِّرَاءُ بِهَلَاكِ الْأَلْفِ ، وَالْمُضَارِبُ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي هَذَا الشِّرَاءِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِأَلْفٍ أُخْرَى عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَدْفَعُهَا إلَى الْبَائِعِ ، فَإِنْ قَبَضَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْبَائِعِ حَتَّى ضَاعَ ، رَجَعَ بِمِثْلِهَا أَيْضًا .
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ضَاعَ مِمَّا يَقْبِضُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الْبَائِعَ كَانَ مَا يَقْبِضُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ عِنْدَ حُصُولِ الرِّبْحِ يُحَصِّلُ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مَا قَبَضَهُ فِي الْمَرَّاتِ كُلِّهَا ، وَرَأْسُ الْمَالِ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَرَّةً بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَرْجِعْ مَرَّةً أُخْرَى ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ يَجِبُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ ، وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُوَكِّلِ مُقْتَضِيًا دَيْنَ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَهُنَا قَبْضُ الْمُضَارِبِ لَا يَكُونُ اقْتِضَاءً لِدَيْنٍ وَجَبَ لَهُ ، كَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالْمَقْبُوضُ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهُ ، وَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً وَلَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَيْنِ حَتَّى ضَاعَا ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَيَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ خَمْسَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي شِرَاءِ رُبْعِ الْجَارِيَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِي ذَلِكَ الرُّبْعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَفِي شِرَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُهْدَةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ، فَإِذَا دَفَعَ الْأَلْفَيْنِ إلَى الْبَائِعِ وَقَبَضَ الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَهُ رُبْعُ ثَمَنِهَا وَهُوَ : حِصَّةُ مَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ثَمَنِهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيَأْخُذُ مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ غَرِمَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَ مَا يَأْخُذُ الْمُضَارِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ رَأْسَ مَالِهِ ، وَالرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَإِذَا أَخَذَ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِهِ كَانَ الْبَاقِي رِبْحًا عَلَى الشَّرْطِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا فَقَدْ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ بِالشِّرَاءِ تَحَوَّلَ إلَى الْمُشْتَرِي ، فَهَلَاكُ الْأَلْفِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ مَحِلَّ الْمُضَارَبَةِ .
وَإِنْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ جَارِيَةً فَضَاعَتْ الْأَلْفُ ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ بَعْدَ مَا اشْتَرَيْت بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : هَلَاكُ ذَلِكَ الْمَالِ عَارِضٌ ، وَرَبُّ الْمَالِ يَدَّعِي فِيهِ سَبْقَ تَارِيخٍ ، وَالْمُضَارِبُ يُنْكِرُهُ ، قُلْنَا : هَذَا مُتَعَارِضٌ ، فَالْمُضَارِبُ يَدَّعِي سَبْقَ التَّارِيخِ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ عَلَى هَلَاكِ الْمَالِ ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُهُ ، فَعِنْدَ التَّعَارُضِ كَانَ التَّرْجِيحُ فِيمَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ كَوْنَ هَلَاكِ الْمَالِ مُحَالًا بِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ نَوْعٌ مِنْ الظَّاهِرِ ، وَبِالظَّاهِرِ يُرْفَعُ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَحَاجَةُ الْمُضَارِبِ إلَى اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَإِنْ أَقَامَ رَبُّ الْمَالِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا ، وَأَقَامَ الْمُضَارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى بِهَا قَبْلَ أَنْ يَضِيعَ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ لِنَفْسِهِ بِبَيِّنَةٍ ، وَرَبُّ الْمَالِ يَنْفِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ الْأَلْفَ ، وَلَمْ يَنْقُدْهَا فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ ، وَلَكِنَّهُ اشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً أُخْرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَقَالَ : أَبِيعُهَا فَأَنْقُدُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ ، فَإِنَّمَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ لِنَفْسِهِ ، وَلَا تَكُونُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، فَقَدْ اشْتَرَى

الْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهَا ، فَلَوْ نَفَذَ شِرَاؤُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، كَانَ هَذَا اسْتِدَانَةً مِنْهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارِبُ بِمُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ وَلَوْ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ الَّتِي قَبَضَ جَارِيَةً أُخْرَى جَازَ ، وَكَانَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْأَلْفِ إلَى الْجَارِيَةِ ، فَإِنَّمَا أَضَافَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارِبُ كَمَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِالنَّقْدِ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالْعَرَضِ ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْأُخْرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ ثَمَنَهَا لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمُضَارِبِ فِي هَذَا الْفَصْلِ ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى دَيْنٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَلَوْ نَفَذَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَصَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفَا دِرْهَمٍ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرِي لِلْمُضَارَبَةِ ، وَرَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ جَارِيَتَيْنِ بِالْأَلْفَيْنِ ابْتِدَاءً .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ الْأَلْفِ ، وَقَالَ : أَرَدْت بِذَلِكَ الْمُضَارَبَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ لِلْمُضَارَبَةِ لَا إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ بِالتَّعْيِينِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَلْفُ لَمْ يَبْقَ فِي التَّعْيِينِ فَائِدَةٌ ، فَيَكْتَفِي بِبَيِّنَتِهِ لِلْمُضَارَبَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْوَكِيلِ ، وَمَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً سَنَةً يُرِيدُ بِهَا الْمُضَارَبَةَ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ ، وَالشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ وَبِالنَّقْدِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَيَمْلِكُ الْمُضَارِبُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ ، فَإِنْ قَبَضَهَا فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ إلَى الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ ، فَإِنَّمَا أَضَافَ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِالْجَارِيَةِ ، وَلَكِنَّهُ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ إلَى الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ ، فَلَمَّا أَضَافَ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ إلَى أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ مَحِلِّ الْمُضَارَبَةِ ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَلْفَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى عِنْدَ حِلِّ الْأَجَلِ ، فَلَوْ صَارَ مُشْتَرِيًا الْأُخْرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدَانَةً ، وَإِذَا اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ حِنْطَةً ، أَوْ غَيْرَهَا ، ثُمَّ اشْتَرَى مِمَّا فِي يَدَيْهِ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ ، وَيَنْقُدَ الْأَلْفَ ، وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ بِالْأَلْفِ وَفَضْلٌ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ غَيْرَ مَا

اشْتَرَى بِهِ يَعْنِي : أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ تَحَوَّلَ إلَى الْحِنْطَةِ ، وَهِيَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ بِالتَّعْيِينِ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ إذْ لَوْ جَازَ شِرَاؤُهُ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ كَانَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ مِنْهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ حِنْطَةً ، ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَسْطَ نَسِيئَةِ شَهْرٍ ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَفِي يَدِهِ حِنْطَةٌ مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَهُ فِي تَرْكِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعَيْنِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَهُوَ : ثُبُوتُ الْأَجَلِ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرَى ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ رَبِّ الْمَالِ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِتِلْكَ الْحِنْطَةِ بِعَيْنِهَا ، وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمِثْلِهَا مِنْ حِنْطَةٍ وَسَطٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَمْلِكُ إيفَاءَ الثَّمَنِ بِغَيْرِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ فَلِهَذَا نَفَذَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .

وَإِذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عَلَيْهَا جَارِيَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا ، وَقَبَضَهَا وَصَرَفَ الدَّرَاهِمَ فَنَقَدَهَا الْبَائِعُ ، فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالُوا : هُوَ مُشْتَرٍ لِلْمُضَارَبَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى عَلَيْهَا بِدَرَاهِمَ فَصَرَفَهَا ، وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ ، وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي الْفَصْلَيْنِ : أَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْر مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ ، وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا ، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِالْحِنْطَةِ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيفَاءَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِالْمُبَادَلَةِ ، أَوْ رِضَا الْبَائِعِ بِهِ كَمَا فِي الْمَكِيلِ ، وَالْمَوْزُونِ ، وَحُجَّةُ الِاسْتِحْسَانِ : أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ صُورَةً ، وَلَكِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى ، وَمَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ بِهِمَا الثَّمَنِيِّةُ ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ الرَّوَاجُ وَالنَّفَاقُ وَهُمَا فِي ذَلِكَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ .
وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ هُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ، تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهِمَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ بِهَا يَكُونُ شِرَاءً مَحْضًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، وَيَسِيرُ عَلَيْهِ إذْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ بِالْآخَرِ الَّذِي فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي مُصَارَفَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ كَثِيرَةٍ ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ دَرَاهِمَ بُخْتِيَّةً لَهَا فَضْلٌ فِي الصَّرْفِ ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ غَلَّةِ الْبَلَدِ جَارِيَةً ، وَصَرَفَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ ، ثُمَّ صَرَفَهَا بِدَرَاهِمَ غَلَّةِ الْبَلَدِ ، وَأَعْطَاهَا

الْبَائِعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا ، وَلَكِنْ مِنْ عَادَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِخَمْسِينَ دِينَارًا مِنْهَا جَارِيَةً ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا وَبِدَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسٍ طَعَامًا يَأْكُلُهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا بِالدَّنَانِيرِ ، أَوْ بِالدَّرَاهِمِ ، أَوْ بِالْفُلُوسِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِشَيْءٍ آخَرَ ، وَهَذَا فِي الْفُلُوسِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قُلْنَا : إنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْفُلُوسِ يَصِحُّ ، وَهُوَ كَالنُّقُودِ فِي الصَّلَاحِيَةِ لِرَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَيْهَا بِدَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ ، أَوْ صِنْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَى بِهِ فِي الصُّورَةِ ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ .

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهَا ، وَلَمْ يَنْقُدْ الدَّرَاهِمَ حَتَّى بَاعَ الْجَارِيَةَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضَ الْأَلْفَيْنِ ، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ ، وَهَلَكَتْ الْجَارِيَةُ مَعَ مَا فِي يَدِهِ مَعًا ، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُؤَدِّيَ أَلْفًا أُخْرَى مَكَانَ الْأَلْفِ الْأُولَى الَّتِي اشْتَرَى بِهَا الْجَارِيَةَ فَيَدْفَعُهَا الْمُضَارِبُ إلَى الَّذِي بَاعَهُ الْجَارِيَةَ ، وَيَغْرَمَ رَبُّ الْمَالِ أَيْضًا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، فَيَدْفَعُهَا إلَى الْمُضَارِبِ فَيُؤَدِّيهَا الْمُضَارِبُ مَعَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ إلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى كَانَتْ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ ، قَدْ هَلَكَتْ ، وَكَانَ الْمُضَارِبُ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى لِيُؤَدِّيَ مِنْهَا ثَمَنَهَا بِهِ حِينَ بَاعَ الْجَارِيَةَ ، وَقَبَضَ ثَمَنَهَا كَانَ هُوَ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ ، وَكَانَ فِي الرُّبْعِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَبِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَيَغْرَمُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مِقْدَارَ مَا كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَإِنْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْأُولَى أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَقْبُوضَةُ ، وَالْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالثَّلَاثَةُ الْآلَافُ كُلُّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْأُولَى حِينَ هَلَكَتْ اسْتَوْجَبَ الْمُضَارِبُ الرُّجُوعَ بِمِثْلِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِحَقِّ الْمُضَارِبِ ، وَيَصِيرُ رَأْسُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَلْفًا

أُخْرَى ، ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ ، وَرَبِحَ يُحَصِّلُ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ أَوَّلًا ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيمَا فِي يَدِهِ ، وَأَنَّهُ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْجَارِيَةِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعُهْدَةِ فِي جَمِيعِهِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ أَلْفًا مِنْ الْأَلْفَيْنِ الْمَقْبُوضَةِ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ ، وَالْأَلِفُ الْأُخْرَى مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيهَا ، وَالْمُضَارِبُ إنَّمَا يَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ .
وَلَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ مَعًا ، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَهَذَا هَلَاكُ الْمَالِ كُلِّهِ مَعًا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ لَا يَزْدَادُ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَلَا يَلْحَقُ الْمُضَارِبَ دَيْنٌ ، فَلَا يَخْرُجُ الْمُضَارِبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي قَبْضِ رُبْعِ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ .
وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ الْآخَرُ ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ الْأَوَّلُ ؛ فَهَذَا وَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَالَانِ بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ مَعًا سَوَاءٌ ؛ لِاسْتِوَاءِ الْفَصْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى .

وَإِذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عَلَيْهَا جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَكُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ فَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَ الْمُضَارِبِ ، فَالْمُضَارِبُ مُشْتَرٍ لِلْجَارِيَةِ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ جِنْسُ مَا اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ صُورَةً لَا مَعْنًى فَيَكُونُ شِرَاؤُهُ لِلْمُضَارَبَةِ اسْتِدَانَةٍ عَلَيْهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ لِنَفْسِهِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ لَا يَمَسُّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا ضَامِنًا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، عَلَى خِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَمَسَّ تَصَرُّفُهُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ؛ لَا يَكُونُ ضَامِنًا .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَبَضَهَا ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى ضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ ؛ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا اسْتِحْسَانًا ؛ لِمَا بَيَّنَّا : أَنَّ الْمُجَالَسَةَ بَيْنَ مَا اشْتَرَى بِهِ ، وَبَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَوْجُودٌ مَعْنًى ؛ فَصَارَ مُشْتَرِيًا لِلْمُضَارَبَةِ ، وَقَدْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِهِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ ؛ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا اشْتَرَى بِهِ الْجَارِيَةَ ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا فَيُعْطِيهَا بَائِعَ الْجَارِيَةِ ، فَإِذَا بَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ، أَوْ أَقَلَّ ، أَوْ أَكْثَرَ اسْتَوْفَى رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ : أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا ، وَالْبَاقِي رِبْحٌ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا ثَبَتَ الْمَالُ فَاشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ غَلَّةٍ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَ الْجَارِيَةَ وَلَمْ يَنْقُدْ الدَّرَاهِمَ حَتَّى بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ، فَقَبَضَهُمَا وَلَمْ يَدْفَعْ الْجَارِيَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَقَبَضَهَا ، وَلَمْ يَدْفَعْ الدَّرَاهِمَ فَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا ، وَالْجَارِيَتَانِ جَمِيعًا فَعَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ خَمْسَةَ آلَافٍ : إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، ثَمَنِهَا أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَيَرُدَّ عَلَى مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ الْأُولَى مَا قَبَضَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا ، وَذَلِكَ أَلْفَا دِرْهَمٍ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهَا بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَإِلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ثَمَنَهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قَبَضَهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ ، وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ بِقَبْضِهَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ : أَلْفٌ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ مِمَّا قَبَضَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى بَعْدَ بَيْعِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَلْفَيْنِ كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَفِي الرُّبْعِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَكَذَلِكَ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ وَقَبْضِهَا ، كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَفِي الرُّبْعِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ فَلِهَذَا يَغْرَمُ أَلْفًا مِنْ مَالِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ .
وَلَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْأُولَى ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْخَمْسَةِ آلَافٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْأَلْفِ الْأُولَى لَحِقَ الْمُضَارَبَةَ دَيْنٌ بِقَدْرِ أَلْفٍ ، وَصَارَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لِلطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيَّنَّاهُمَا ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي بَيْعِ

جَمِيعِ الْجَارِيَةِ ، وَقَبْضِ ثَمَنِهَا كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ .
وَكَذَلِكَ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ ؛ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْكُلِّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ الْأَخِيرَةُ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لَا يَلْحَقُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ ، فَلَا يَخْرُجُ الْمُضَارِبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الرُّبْعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ الْأُولَى أَوَّلًا ، أَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفَانِ أَوَّلًا ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ فَهَذَا وَمَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ مَعًا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا وَقَبَضَهَا وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ الْجَارِيَةَ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْعَبْدِ جِرَابَ هَرَوِيٍّ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ ، فَهَلَكَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا ، وَرَأْسُ مَالِ الْأَوَّلِ مَعًا فَعَلَى الْمُضَارِبِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ : أَلْفٌ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالْجَارِيَةِ ، وَقَدْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَبْدِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ ؛ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ ، وَالثَّلَاثَةُ آلَافٍ قِيمَةُ الْجِرَابِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْجِرَابَ بِالْعَبْدِ ، وَقَدْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجِرَابِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ ؛ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ كَانَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَفِي الرُّبْعِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ ، وَفِي شِرَاءِ الْجِرَابِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مَشْغُولٌ مِنْهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَالثُّلُثَانِ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَكَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي شِرَاءِ الْجِرَابِ فِي الثُّلُثِ ، فَحَاصِلُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَى الْمُضَارِبِ رُبْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَثُلُثُ قِيمَةِ الْجِرَابِ ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمَا سِوَى ذَلِكَ .
وَلَوْ هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ مَا سِوَاهُ مَعًا رَجَعَ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ

أَوَّلًا فَقَدْ لَحِقَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ : أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ ، فَهُوَ فِي شِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبْدِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَأَمَّا فِي شِرَاءِ الْجِرَابِ فَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِي السُّدُسِ : بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فَيَغْرَمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ سُدُسِ الْجِرَابِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، وَيَرْجِعُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ هَلَكَ الْجِرَابُ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا ؛ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لِهَلَاكِ الْجِرَابِ لَا يَلْحَقُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي رَأْسِ الْمَالِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَوْ هَلَكَتْ أَوَّلًا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُضَارِبِ قِيمَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْعَبْدَ حِينَ بَاعَهُ بِالْجِرَابِ ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَلَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَانَ فِي الْقِيمَةِ فَضْلُ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَذَلِكَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا ، فَعَلَيْهِ غُرْمُ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ : خَمْسُمِائَةٍ ، وَذَلِكَ رُبْعُهُ فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى ، ثُمَّ كَانَ مُشْتَرِيًا رُبْعَ الْجِرَابِ لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ عِنْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ ، وَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ، فَحَاصِلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْغُرْمِ فِي مَالِهِ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الْجِرَابِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ فِي الْجِرَابِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجِرَابِ دُونَ رَأْسِ مَالِهِ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا رِبْحَ فِيهَا ؛ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الْجِرَابِ ، وَذَلِكَ أَلْفَانِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ

مَعَ الْأَلْفَيْنِ وَالْخَمْسِمِائَةِ ، فَيَكُونُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَسَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ الْجَارِيَةِ ، وَغَرِمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَرْبَاعًا ، ثُمَّ بَاعَ الْجِرَابَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ؛ أَخَذَ الْمُضَارِبُ رُبْعَهَا لِنَفْسِهِ ، وَاحْتَاجَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ بَقِيَّةِ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ فَيَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَقَطْ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا رِبْحَ لَهُ فِي الْجِرَابِ .
وَلَوْ اشْتَرَى بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَهَا ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ جَارِيَتَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَقَبَضَهُمَا ، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَوَارِي وَرَأْسُ الْمَالِ الْأَوَّلُ مَعًا ، فَعَلَى الْمُضَارِبِ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ انْفَسَخَ فِيهِمَا بِهَلَاكِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهَا ؛ فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا ، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِرَأْسِ الْمَالِ ، إذْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُضَارِبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا ؛ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ ، فَكَانَ هُوَ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ اشْتَرَى بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَقَبَضَهَا فَهَلَكَتْ الْجَارِيَتَانِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَعًا ، فَإِنَّ عَلَى الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ : أَلْفٌ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْأُولَى وَأَلْفَانِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ فَضْلًا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بِقَدْرِ الْأَلْفِ ، فَكَانَ الْمُضَارِبُ فِي رُبْعِهَا عَامِلًا لِنَفْسِهِ ؛ فَيَغْرَمُ رُبْعَ

قِيمَتِهَا مِنْ مَالِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ الْأُولَى إنْ هَلَكَتْ أَوَّلًا فَبِهَلَاكِهَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَلَمْ يَلْحَقْ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْجَارِيَةِ الْأُولَى وَإِنْ هَلَكَتْ الْأُخْرَى أَوَّلًا لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ قَبَضَ لَهَا .
وَلَوْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْأُولَى أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مَعًا رَجَعَ بِالثَّلَاثَةِ آلَافٍ كُلِّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الْأَلْفِ الْأَوَّلِ لَحِقَ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنٌ : أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِهَا إذْ لَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا وَقَبَضَهَا ، ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَدْفَعْ الْجَارِيَةَ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى وَهِيَ فِي يَدَيْهِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَقَبَضَهَا ، ثُمَّ دَفَعَ رَأْسَ الْمَالِ الْأَوَّلَ إلَى صَاحِبِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، وَدَفَعَ الْأَلْفَيْنِ إلَى الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ غُرْمَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ : أَلْفَانِ مِنْهَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَهُمَا الْأَلْفَانِ الْأُخْرَيَانِ ، وَأَلْفٌ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، فَشِرَاؤُهُ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَصَارَ مُشْتَرِيًا ثُلُثَ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا ، وَثُلُثَاهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَ الْأُولَى حَتَّى هَلَكَ ، وَبَاعَ الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ بِسِتَّةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أَلْفَا دِرْهَمٍ حِصَّةُ ثُلُثِهَا الَّذِي كَانَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ، وَيَكُونُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، يُؤَدِّي مِنْهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى الَّذِي اشْتَرَى الْأَوَّلَ مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ الْبَاقِي ، وَمَا بَقِيَ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ لَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَيْنِ اللَّتَيْنِ اشْتَرَى بِهِمَا الْجَارِيَةَ الْأَخِيرَةَ حَتَّى ضَاعَتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ؛ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ ثُلُثَيْ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَلَا يَبْقَى فِيهِ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ ثَمَنِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ ، وَقَدْ دَفَعَ أَلْفًا مِنْ ذَلِكَ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، وَأَلْفَيْنِ إلَى بَائِعِ

الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَأَلْفٌ يَأْخُذُهُ رَبُّ الْمَالِ بِحِسَابِ رَأْسِ مَالِهِ .

وَلَوْ اشْتَرَى وَبَاعَ بِالْأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ حَتَّى صَارَ فِي يَدِهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً وَقَبَضَهَا ، ثُمَّ بَاعَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً مِنْهُ ، وَقِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ هَلَكَتْ الْأَلْفَانِ الْأُولَيَانِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بَائِعِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيُؤَدِّيهَا مَعَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي شِرَاءِ رُبْعِ الْجَارِيَةِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِذَا خَرَجَتْ الْأَرْبَعَةُ آلَافٍ كَانَ لِلْمُضَارِبِ رُبْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رُبْعُ ثَمَنِهَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُشْتَرِيًا رُبْعَهَا لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ ، وَيَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ رَأْسَ مَالِهِ : أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ غَرِمَ هَذَا الْمِقْدَارَ فِي دُفْعَتَيْنِ ، وَالْبَاقِي رِبْحٌ بَيْنَهُمَا .

وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَهَا بِجَارِيَةٍ تُسَاوِي أَلْفًا فَقَبَضَهَا ، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَتَانِ جَمِيعًا : فَعَلَى الْمُضَارِبِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهَا بِهَلَاكِ مَا يُقَابِلُهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَكَانَ هُوَ فِي شِرَائِهَا عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْكُلِّ ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى الْفَضْلِ فِيمَا اشْتَرَى بِهِ فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ ، وَلَا فَضْلَ فِيهَا .
وَلَوْ عَمِلَ بِالْمُضَارَبَةِ حَتَّى صَارَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ أَلْفَيْنِ ، وَقَبَضَهَا فَهَلَكَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَهُ مَعًا : فَعَلَى الْمُضَارِبِ أَلْفَا دِرْهَمٍ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَهَلَاكِهَا فِي يَدِهِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الْوَاجِبُ دُونَ قِيمَتِهَا ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ عَمِلَ بِالْمُضَارَبَةِ حَتَّى صَارَتْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ : أَلْفَانِ مِنْهَا دَيْنٌ ، وَأَلْفَانِ عَيْنٌ فِي يَدِهِ ، فَاشْتَرَى بِهَاتَيْنِ الْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى هَلَكَتْ الْأَلْفَانِ : فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِي هَاتَيْنِ الْأَلْفَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّ الدَّيْنَ ، وَالْعَيْنَ فِي مَعْنَى جِنْسَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ فِي كُلِّ جِنْسٍ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ تَوَى كَانَ رَأْسُ الْمَالِ كُلُّهُ فِي الْأَلْفَيْنِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ رِبْحَهُ فِي الْأَلْفَيْنِ بِقَدْرِ الرُّبْعِ ، فَكَانَ هُوَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي الشِّرَاءِ

بِرُبْعِهَا ، وَلِرَبِّ الْمَالِ فِي الشِّرَاءِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَإِذَا أَخَذَ الْجَارِيَةَ كَانَ لَهُ رُبْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى رُبْعَ ثَمَنِهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ ، فَرَأْسُ مَالِهِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَلَا يَرْجِعُ الْمُضَارِبُ فِي هَاتَيْنِ الْأَلْفَيْنِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ رُبْعُ الْجَارِيَةِ بِاعْتِبَارِ مَا نَقَدَ ، وَقَدْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ فَقَدْرُ الرُّبْعِ مِنْهَا هَلَكَ فِي ضَمَانِهِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَهْلِكْ ، وَبَاعَهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ كَانَ لَهُ رُبْعُ ثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي خَرَجَ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : ) وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ شِرَاءٌ بِالنَّسِيئَةِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } فَقَدْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلْمُوَكِّلِ جَازَ ، فَكَذَلِكَ النِّصْفُ فَإِنْ اشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ غُلَامًا ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنًا ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ الْمَالَ ثُمَّ هَلَكَ مَا قَبَضَ وَلَمْ يَدْفَعْ مَا بَاعَ وَمَا كَانَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَلْحَقُهُ نِصْفُ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ ، وَيَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ نِصْفُ ثَمَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا اسْتَدَانَ كَانَ مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ ، وَنِصْفَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّ الشَّرْطَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُنَاصَفَةُ وَلَا تَكُونُ الْمُنَاصَفَةُ فِي الرِّبْحِ فِي الْمُشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا لِنَفْسِهِ ؛ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِهَا ، وَنِصْفُ ثَمَنِهَا كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا لَهُ بِأَمْرِهِ وَلَوْ لَمْ تَهْلِكْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ يُؤَدِّيَانِ مِنْ ثَمَنِهَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَالْبَاقِي عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْمُضَارِبُ الْجَارِيَةَ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَهَا وَلَا فَضْلَ فِيهَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ فِي نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَهَا بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْمَالِ

إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَلَا يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُضَارِبِ فِيهِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا : لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَاهُ ، وَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُهُ ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْأَلْفِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فَإِنَّ ثَمَنَ الْجَارِيَةِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا : ثُلُثَاهُ لِلْمُضَارِبِ ، وَثُلُثُهُ لِرَبِّ الْمَالِ .
وَأَمَّا ثَمَنُ الْغُلَامِ فَيُؤَدِّي مِنْهُ ثَمَنَهُ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِدَانَةِ كَانَ مُطْلَقًا ، فَالْمُشْتَرَى بِالدَّيْنِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَمَعَ الْمُنَاصَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُشْتَرَى لَا يَصِحُّ شَرْطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ اشْتَرَكَا بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالدَّيْنِ وَيَبِيعَا ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَاشْتَرَيَا ، وَبَاعَا وَرَبِحَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَاشْتِرَاطُهُمَا الثُّلُثَيْنِ ، وَالثُّلُثُ فِي الرِّبْحِ يَكُونُ لَغْوًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَا ضَمِنَهُ صَاحِبُهُ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ إذَا أَمَرَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَشَرَطَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ فِي الرِّبْحِ لَا فِي أَصْلِ الِاسْتِدَانَةِ ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مِنْ شَيْءٍ فَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُهُ ، وَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثَاهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، وَاشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفٍ دَيْنًا تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ،

فَبَاعَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَحِصَّةُ جَارِيَةِ الْمُضَارَبَةِ يَأْخُذُ مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ : أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَكَّلَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ مَا يَسْتَدِينُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَثُلُثَاهُ لِلْمُضَارِبِ ، فَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ ، وَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِي الرِّبْحِ فِي هَذَا يَكُونُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ رِبْحَ مَا قَدْ ضَمِنَ صَاحِبُهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا ، فَاشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، ثُمَّ اشْتَرَى عَلَى الْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا بَعْدَ مَا يَسْتَوْفِي رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَحِصَّةُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ ، فَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الضَّمَانِ يَكُونُ بَاطِلًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اسْتَدِنْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَقَوْلُهُ اسْتَدِنْ عَلَى سَوَاءٍ فِي الْمَعْنَى ، وَمَا اسْتَدَانَ سَوَاءٌ كَانَ بِقَدْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَرِبْحُهُ وَوَضِيعَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِالدَّيْنِ كَانَ ضَمَانُ ثَمَنِهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى نَفْسِهِ ، كَانَ مَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِالدَّيْنِ لَهُ خَاصَّةً دُونَ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى نَفْسِهِ

يَسْتَغْنِي عَنْ أَمْرِ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ وُجُودُ أَمْرِهِ فِيهِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ أَوْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، أَوْ عَلَى الْمَالِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ أَمْرِ رَبِّ الْمَالِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ ، وَأَمْرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْمَالِ كَأَمْرِهِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَالْمَالُ مَحِلٌّ لِقَضَاءِ الْوَاجِبِ لَا لِلْوُجُوبِ فِيهِ ، فَالْوَاجِبُ يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، ثُمَّ أَمْرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَسْتَدِينُ ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَأْسِ مَالِ عَيْنٍ ، فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فِي مَعْنَى شَرِكَةِ الْوُجُوهِ ، فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا شَرْطُ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمَا فِي الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى .
وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ ، أَوْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَاشْتَرَى بِالْمُضَارَبَةِ جَارِيَةً ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الْمُضَارِبُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً ، وَالْقَرْضُ عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْهُمْ ، مَنْ يَقُولُ : إنَّ الِاسْتِدَانَةَ هُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ وَالِاسْتِقْرَاضُ غَيْرُهُ ؟ فَلَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يَقُولَ : الْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَسْتَقْرِضَ لَهُ أَلْفًا مِنْ فُلَانٍ فَاسْتَقْرَضَهَا كَمَا أَمَرَهُ كَانَ الْأَلْفُ لِلْمُسْتَقْرِضِ دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ ، وَإِذَا كَانَ الْبَدَلُ فِي ذِمَّتِهِ ؛ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي ذَلِكَ إلَى أَمْرِ الْآمِرِ ، وَمَا كَانَ الْأَمْرُ

بِالِاسْتِقْرَاضِ إلَّا نَظِيرَ الْأَمْرِ بِالتَّكَدِّي وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُتَكَدِّي يَكُونُ لَهُ دُونَ الْآمِرِ إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَنَقُولُ مَا اسْتَقْرَضَهُ الْمُضَارِبُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَقَدْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ فَكَانَ مُشْتَرِيًا الْجَارِيَةَ لِنَفْسِهِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ ، فَاشْتَرَى بِأَلْفٍ ثِيَابًا فَأَسْلَمَهَا إلَى صَبَّاغٍ يَصْبُغُهَا صُفْرًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَوَصَفَ لَهُ شَيْئًا مَعْرُوفًا فَصَبَغَهَا ، ثُمَّ إنَّ الْمُضَارِبَ بَاعَ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ : أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَيُؤَدِّي الْمُضَارِبُ أَجْرَ الصَّبَّاغِ : مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ قُسِّمَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا : عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الشَّرْطِ ، وَسَهْمٌ حِصَّةُ الْمِائَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ فَقَدْ مَلَكَ بِهِ خَلْطَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالٍ آخَرَ ، وَالصَّبْغُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ ، وَهُوَ فِي الصَّبْغِ مُسْتَدِينٌ بِأَمْرِهِ ، فَلَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِخَلْطِ مَا اسْتَدَانَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، ثُمَّ الثَّمَنُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يَكُونُ مَقْسُومًا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ كَانَ ثَمَنُ ثِيَابِ الْمُضَارَبَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَثَمَنُ الصَّبْغِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَيُحَصِّلُ مِنْ ثَمَنِ الْبَاقِي رَأْسَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَيُعْطِي الْمِائَةَ ثَمَنَ الصَّبْغِ ، وَالْبَاقِي رِبْحٌ ، فَيَكُونُ مَقْسُومًا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا : عَشَرَةٌ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ رِبْحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الشَّرْطِ ، وَسَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ رِبْحُ مَا اسْتَدَانَ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِاسْتِوَاءِ مِلْكَيْهِمَا فِيمَا اسْتَدَانَ .
وَلَوْ كَانَ بَاعَ الثِّيَابَ مُسَاوَمَةً قَسَّمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ ، وَعَلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ الثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ ، وَالْمِلْكُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ أَصْلُ الثِّيَابِ ، وَالصَّبْغُ الْقَائِمُ فِيهَا فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ جُمْلَةً عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ غَيْرِ مَصْبُوغَةٍ ،

وَعَلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا ، فَمَا يَخُصُّ قِيمَةَ الثِّيَابِ فَهُوَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ يُعْطَى مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الشَّرْطِ ، وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الصَّبْغِ يُعْطَى مِنْهُ أَجْرُ الصَّبَّاغِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ حِصَّةِ الِاسْتِدَانَةِ .

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ ثِيَابًا ، وَاسْتَقْرَضَ عَلَى الْمَالِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَى بِهَا زَعْفَرَانًا فَصَبَغَ بِهِ الثِّيَابَ ، ثُمَّ بَاعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَعَلَى مَا اسْتَقْرَضَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا : عَشَرَةُ أَسْهُمٍ مِنْهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَسَهْمٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً ، وَمَا اشْتَرَى بِهِ مِنْ الزَّعْفَرَانِ مَمْلُوكٌ لَهُ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا إذَا صَبَغَ الثِّيَابَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَالِ بِرَأْيِهِ ، وَالثَّمَنُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، فَيَكُونُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا : عَشَرَةُ أَسْهُمٍ حِصَّةُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَسَهْمٌ حِصَّةُ الصَّبْغِ وَهُوَ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ، فَيَكُونُ بَدَلُهُ لَهُ .
وَلَوْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ ، وَعَلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثِّيَابِ ، فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الثِّيَابِ كَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الصَّبْغِ كَانَ لِلْمُضَارِبِ ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ ، فَإِنَّمَا يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ .
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الزَّعْفَرَانَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَصَبَغَ الثِّيَابَ بِهِ ، كَانَ هَذَا وَاَلَّذِي كَانَ اسْتَأْجَرَ الصَّبَّاغُ بِمِائَةٍ لِيَصْبُغَهَا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الزَّعْفَرَانِ بِالنَّسِيئَةِ اسْتِدَانَةٌ ، فَيَنْفُذُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَعَلَى الْمُسْتَدِينِ ، وَيَكُونُ الصَّبْغُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَهُوَ وَمَسْأَلَةُ اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ لِنِصْفِهَا سَوَاءٌ .

وَلَوْ خَرَجَ الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ إلَى مِصْرٍ فَاشْتَرَى بِهَا كُلِّهَا ثِيَابًا ثُمَّ ، اسْتَكْرَى عَلَيْهَا بِغَالًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَعَلَهُ إلَى مِصْرِهِ ، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ مِمَّا جَرَى الرَّسْمُ بِهِ بَيْنَ التُّجَّارِ بِإِلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ إنَّمَا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ بَيْنَ التُّجَّارِ فِي إلْحَاقِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِهِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، وَعَلَى هَذَا أَجْرُ السِّمْسَارِ ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا عَشَرَةُ أَسْهُمٍ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَحِصَّةُ الْكِرَاءِ سَهْمٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ الَّتِي غَرِمَهَا فِي شِرَاءِ الثِّيَابِ ، وَالْمِائَةُ الَّتِي غَرِمَهَا فِي الْكِرَاءِ ، فَإِذَا جَعَلْتَ كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا ، كَانَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا : سَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْكِرَاءِ وَهُوَ اسْتِدَانَةٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً كَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ ، وَالْمِلْكُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ الثِّيَابُ دُونَ مَنْفَعَةِ الْحَمْلِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ ، وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ الثِّيَابِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، فَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَهُمَا ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ ، ثُمَّ غُرْمُ الْكِرَاءِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ كَانَ مُسْتَدِينًا فِيهَا بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ ، فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِمَا جَمِيعًا ؛ فَلِهَذَا كَانَ غُرْمُ الْكُلِّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتَكْرَى بِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِائَةَ دِرْهَمٍ

فَاسْتَكْرَى بِهَا بِأَعْيَانِهَا دَوَابَّ يَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ كَذَا وَكَذَا ثَوْبًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَبِيعُ الثِّيَابَ مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَلَا يُدْخِلُ فِي ذَلِكَ حِصَّةَ الْكِرَاءِ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا اكْتَرَى دَوَابَّ لِلثِّيَابِ بِمِائَةٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَقْرَضَ لَهُ خَاصَّةً ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا : أَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي الْكِرَاءِ .
وَلَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ آخَرُ بِحَمْلِ الثِّيَابِ عَلَى دَوَابِّهِ ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُلْحِقَ ذَلِكَ بِرَأْسِ الْمَالِ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَطَوَّعَ الْمُضَارِبُ بِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : الْمُضَارِبُ فِي حَمْلِ الثِّيَابِ كَالْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ حِصَّةِ الرِّبْحِ ، وَالْمَالِكُ لَوْ اسْتَكْرَى دَوَابَّ لِلثِّيَابِ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ ذَلِكَ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، فَكَذَلِكَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُلْحِقَ الْكِرَاءَ بِرَأْسِ الْمَالِ ، فَيَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ ، فَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا .
مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَسَهْمٌ وَاحِدٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ، وَإِنْ بَاعَهَا مُسَاوَمَةً كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الثِّيَابِ هُنَا ، وَالثِّيَابُ كُلُّهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ ، وَضَمَانُ الْكِرَاءِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَقْرِضُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا اسْتَقْرَضَهُ ، فَإِنْ قَالَ الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ : إنَّمَا اسْتَكْرَيْتُ الدَّوَابَّ لَكَ : تَحْمِلُ ثِيَابَكَ ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : إنَّمَا اسْتَكْرَيْتُ بِمَالِكَ لِنَفْسِكَ ، ثُمَّ حَمَلْتَ ثِيَابِي عَلَيْهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ

اسْتَكْرَى بِالْمِائَةِ الَّتِي اسْتَقْرَضَ بِعَيْنِهَا ، وَمِلْكُ الْمِائَةِ لِلْمُضَارِبِ ، فَإِضَافَتُهُ الْعَقْدَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَكْرَاهَا لِنَفْسِهِ .

وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ بِرَأْيِهِ فَاشْتَرَى بِهَا كُلِّهَا ثِيَابًا تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ عِنْدِهِ عُصْفُرًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَبَغَهَا ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثِّيَابِ ؛ لِأَنَّ مَا اشْتَرَى مِنْ الصَّبْغِ لَهُ ، وَقَدْ خَلَطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِهِ حِينَ صَبَغَ الثِّيَابَ ، وَالْمُضَارِبُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا يَمْلِكُ الْخَلْطَ ، فَيَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا ضَامِنًا ، وَصَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ثِيَابَهُ ، وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي ثِيَابِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثِيَابَهُ غَيْرَ مَصْبُوغَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ فَكَانَتْ الثِّيَابُ لِلْمُضَارِبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بَاقٍ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَالِ ، وَإِنْ صَارَ مُخَالِفًا وَنُفُوذُ بَيْعِ الْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا يَنْفِي جَوَازَ بَيْعِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ ، فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الثِّيَابِ ، وَمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهَا ، فَمَا أَصَابَ زِيَادَةَ الصَّبْغِ فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَمَا أَصَابَ الثِّيَابَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُضَارِبِ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِ الثِّيَابِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا ، وَالِاخْتِلَاطُ الَّذِي فِي الثَّمَنِ حُكْمِيٌّ ، وَبِهِ لَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ مُخَالِفًا ضَامِنًا ، فَإِنْ كَانَتْ الثِّيَابُ حِينَ اشْتَرَاهَا الْمُضَارِبُ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَصَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ ضَمَّنَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ قِيمَةِ الثِّيَابِ ، وَسَلَّمَ الثِّيَابَ لِلْمُضَارِبِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ ، وَأَعْطَى الْمُضَارِبَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الرُّبْعِ

عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِالصَّبْغِ ، فَإِنَّ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الثِّيَابِ ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا هُوَ مُخَالِفٌ لِعَمَلِهِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ بِالْخَلْطِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ ، فَتَكُونُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ نَظِيرَ جَمِيعِ الثِّيَابِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْخِيَارِ ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى بَاعَهَا الْمُضَارِبُ جَازَ بَيْعُهُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الصَّبْغِ ، وَكَانَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّةُ الصَّبْغِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَالْبَاقِي مُضَارَبَةً بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا .
وَلَوْ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَصْبُغْ الثِّيَابَ ، وَلَكِنْ قَصَّرَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عِنْدِهِ ، وَذَلِكَ يَزِيدُ فِيهَا أَوْ يَنْقُصُ مِنْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ بِهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْخَلْطِ لَا بِعَمَلِ الْقَصَّارَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَضْلٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ الثِّيَابَ بِهِ ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ زَادَتْ ، أَوْ نَقَصَتْ فَكَذَلِكَ إذَا قَصَّرَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ ، بِخِلَافِ الصَّبْغِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ ، فَيَصِيرُ بِخَلْطِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ ضَامِنًا هُنَاكَ ، فَإِنْ بَاعَهَا بِرِبْحٍ ، أَوْ وَضِيعَةٍ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا غَرِمَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي قَصَّارَتِهَا ، قِيلَ : هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي هَذَا كَالْجَوَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِرَاءِ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَصَّارَةِ جَرَى الرَّسْمُ بِإِلْحَاقِهَا بِرَأْسِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْكِرَاءِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا تُسَاوِي أَلْفًا فَصَبَغَهَا أَسْوَدَ فَهَذَا وَالْقَصَّارَةُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلِطْ مَالًا مِنْ عِنْدِهِ

بِالْمُضَارَبَةِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلسَّوَادِ فِي الثِّيَابِ ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثِّيَابِ ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ يَمْلِكُ أَنْ يَصْبُغَ الثِّيَابَ بِالسَّوَادِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَضَلَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَصَبَغَ الثِّيَابَ بِهَا سَوَادًا لَمْ يَضْمَنْ ، وَقِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسَّوَادُ كَالصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا فِي ثِيَابٍ يَنْقُصُ السَّوَادُ مِنْ قِيمَتِهَا ، فَأَمَّا فِي ثِيَابٍ يَزِيدُ السَّوَادُ فِي قِيمَتِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَبَغَهَا أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُضَارَبَةِ بِرَأْيِهِ فَاشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا ثُمَّ صَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الثِّيَابِ بِمَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخَلْطَ عِنْدَ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَأَصْلُ الثِّيَابِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَالصَّبْغُ فِيهِ مِلْكٌ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً .

وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى الْمَالِ ، فَاشْتَرَى بِهَا وَبِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَقَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَهَلَكَتْ الْمُضَارَبَةُ الْأُولَى ، وَالْجَارِيَةُ وَثَمَنُهَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ : فَعَلَى الْمُضَارِبِ تِسْعَةُ آلَافٍ : أَرْبَعَةُ آلَافٍ لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ، وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِمُشْتَرِي الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِهِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَثُلُثٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا اشْتَرَاهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ : فَأَلْفٌ مِنْهَا مَالُ الْمُضَارَبَةِ ، وَثَلَاثَةُ آلَافٍ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ : نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ، ثُمَّ بَاعَ الْجَارِيَةَ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَيَكُونُ هُوَ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي مِقْدَارِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ .
وَذَلِكَ فِي الْحَاصِلِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ : خَمْسَةُ آلَافٍ ، مِقْدَارُهُ أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ هَذِهِ : الْخَمْسَةُ الْآلَافُ كَانَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، مِقْدَارُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، حِصَّةُ أَلْفِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ ذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرِّبْحَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ، وَلِلْمُضَارِبِ ثَبَتَ ذَلِكَ ، وَثُلُثُهُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ ، فَإِذَا ضَمَمْت ذَلِكَ إلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَكُونُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَثُلُثًا ، فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ أَيْضًا

أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ وَثُلُثًا ، هَذَا حَاصِلُ مَا عَلَى الْمُضَارِبِ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ تِسْعَةِ آلَافٍ كُلُّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَوَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ ، وَإِذَا جَمَعْت حَاصِلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَفَرِّقًا بَلَغَ هَذَا الْمِقْدَارَ ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ الْمُضَارَبَةُ أَوَّلًا ، ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ ، وَالْخَمْسَةُ آلَافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَعًا ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا يُؤَدِّي تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا بَيَّنَّا ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأُولَى حِينَ هَلَكَتْ فَقَدْ لَحِقَ رَبَّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ : دَيْنٌ ، وَصَارَتْ الْمُضَارَبَةُ لَا رِبْحَ فِيهَا ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُضَارِبِ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَرِبْحُهَا ، فَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ : ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَيَتَحَوَّلُ غُرْمُ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ مَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَأَرْبَعِينَ وَثُلُثَيْنِ ، فَيَكُونُ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ خَمْسَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ) : وَإِذَا أَقَرَّ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ : لِي نِصْفُ الرِّبْحِ ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ ثُلُثَ الرِّبْحِ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ : فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَالثُّلُثُ غَيْرُ النِّصْفِ ، وَإِذَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ كَانَ لِلْمُضَارِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ السُّدُسُ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ عَلَى ثُلُثِ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ مَعْنًى ، وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الثُّلُثِ ، فَالشَّاهِدُ بِالنِّصْفِ شَاهِدٌ بِالثُّلُثِ وَزِيَادَةٍ فَيَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِثُلُثِ الرِّبْحِ ، وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِهِ وَاحِدٌ .
وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْمُضَارِبُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى نِصْفِ الرِّبْحِ ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ لَهُ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْمُضَارِبُ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ ، فَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا أَحَدَ شَاهِدَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : دَفَعْتُهُ إلَيْك بِضَاعَةً ، وَادَّعَى الْمُضَارِبُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ الرِّبْحِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُضَارِبُ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ

الْمَالِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ أَجْرٍ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا ؛ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى شَرْطِ الْمِائَةِ مَعْنًى ؛ فَيُوجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ لِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ لِفَسَادِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ أَنَّهُ شَرَطَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِهَا ، وَشَاهِدٌ بِمِائَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمِائَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ يَدَّعِي الْمِائَةَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ .

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَعَمِلَا بِهَا وَرَبِحَا رِبْحًا ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَرَطَ لَهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُمَا الثُّلُثَ ، وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ الرِّبْحِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِالشَّرْطِ ، فَهُمَا يَدَّعِيَانِ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، فَإِنْ أَقَامَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الرِّبْحِ ، وَالْآخَرُ بِثُلُثِ الرِّبْحِ ، فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ؛ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا ، يَكُونُ لِلْمُضَارِبَيْنِ أَجْرُ مِثْلِهِمَا فِيمَا عَمِلَا ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَقَرَّ لَهُمَا بِذَلِكَ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيَانِهِ ، وَعِنْدَهُمَا الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِلْمُضَارِبِ الَّذِي ادَّعَى نِصْفَ الرِّبْحِ ، وَيَكُونُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ سُدُسُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِلْأَكْثَرِ ، فَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا أَحَدَ شَاهِدَيْهِ ، وَلَكِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ لَهُ فِي مِقْدَارِ مَا اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ مَعْنًى ، وَهُوَ سُدُسُ الرِّبْحِ ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا أَحَدَ شَاهِدَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ .
فَإِذَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لَهُ ؛ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ رَبُّ الْمَالِ وَمِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ الصَّغِيرَةِ قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ خَادِمًا ، ثُمَّ هَلَكَتْ الْأَلْفُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَنَقَدَهَا ثُمَّ بَاعَ الْخَادِمَ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا مَتَاعًا فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ وَيُؤَدِّي مِنْ عِنْدِهِ خَمْسَمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ رَجَعَ بِمِثْلِ الْأَلْفِ

الَّتِي هَلَكَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَقَدْ لَحِقَ رَبَّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَصَارَ رَأْسُ مَالِهِ أَلْفَيْنِ فَلَمَّا بَاعَ الْغُلَامَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَأَلْفَانِ مِنْ ذَلِكَ مَشْغُولَانِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَأَلْفٌ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَحِينَ اشْتَرَى بِهَا مَتَاعًا كَانَ هُوَ فِي الشِّرَاءِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ فَيَغْرَمُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ ، وَفِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ ، وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ ، فَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ كَانَ لِلْمُضَارِبِ سُدُسُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ سُدُسَ الْمَتَاعِ كَانَ مَمْلُوكًا ، فَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ سُدُسُ الثَّمَنِ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَسْتَوْفِي مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ مَا غَرِمَ فِي الْمَرَّاتِ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ ، وَالْبَاقِي رِبْحٌ بَيْنَهُمَا .

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا عَمِلَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَوَضَعَ أَوْ رَبِحَ ، فَقَالَ عَمِلْتُ بِهِ مُضَارَبَةً فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي حَالِ الْوَضِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَلَّطًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَهُوَ بِمُقَابَلَتِهِ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي حَالِ الرِّبْحِ حَتَّى يَشْهَدَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ مُضَارَبَةً ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ نَمَاءُ الْمَالِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْيَتِيمِ بِمِلْكِ الْمَالِ ، وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمَانَةِ لِنَفْسِهِ ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا إقْرَارًا بِمَا مِنْهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا : أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً فَيَعْمَلَ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ اسْتَقْرَضْتُهُ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ حَتَّى يَشْهَدَ قَبْلَ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الرِّبْحِ مُسْتَحَقٌّ لِلْيَتِيمِ بِمِلْكِهِ أَصْلَ الْمَالِ فِي الظَّاهِرِ ، فَالْوَصِيُّ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ أَشْهَدَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ ، ضَامِنٌ لِمَالِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ ، وَلَكِنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْقَرْضِ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ ، فَيَكُونُ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ بِعَمَلٍ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ وَضِيعَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ قَبْلَ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ اسْتَقْرِضْهُ أَقَرَّ لِلْيَتِيمِ عَلَى نَفْسِهِ بِالضَّمَانِ وَفِي مِقْدَارِ الْوَضِيعَةِ وَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ فَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ قَالَ : دَفَعْتُهُ قَرْضًا لِيَعْمَلَ بِهِ ، وَصَدَّقَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَهُوَ يُقِرُّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ ، وَإِقْرَارُهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لَيْسَ

بِحُجَّةٍ ، وَإِنْ قَالَ : مُضَارَبَةً لِلْيَتِيمِ ، أَوْ بِضَاعَةً لَهُ وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ وَفِيهِ وَضِيعَةٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي تَصَادُقِهِمَا انْتِفَاءَ الضَّمَانِ عَنْ الْعَامِلِ ، لَا إثْبَاتَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلِلْوَصِيِّ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَإِنَّهُ يُودِعُ مَالَ الْيَتِيمِ وَيُبْضِعُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَهُوَ لِلْيَتِيمِ كُلُّهُ ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ الرِّبْحِ بِمِلْكِهِ أَصْلَ الْمَالِ ، فَإِقْرَارُ الْوَصِيِّ بِجُزْءٍ مِنْهُ لِلْعَامِلِ يَكُونُ إقْرَارًا فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَنْ الْوَصِيِّ ، وَكُلُّ هَذَا يَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي يَعْمَلُ عَلَى مَا قَالَ : إنْ كَانَ صَادِقًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِمَا ، عَالِمٌ بِمَا كَانَ مِنْهُمَا ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ ، وَأَصْلُهُ فِي الْوَصِيِّ إذَا عُرِفَ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلَكِنْ إنْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي ضَمَّنَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بَيِّنَةٌ عَلَى حَقِّهِ فَهَذَا قِيَاسُهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً : اعْلَمْ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ ، وَالِاكْتِسَابُ بِالزِّرَاعَةِ مَشْرُوعٌ ، أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ آدَم - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِحِنْطَةٍ وَأَمَرَهُ بِالزِّرَاعَةِ ، وَازْدَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُرْفِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : اُطْلُبُوا الرِّزْقَ تَحْتَ خَبَايَا الْأَرْضِ } يَعْنِي : عَمَلَ الزِّرَاعَةِ ، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ يُسَمَّى مُزَارَعَةً ، وَيُسَمَّى مُخَابَرَةً أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ : وَمَا الْمُخَابَرَةُ قَالَ : الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ } وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُخَابَرَةً مِنْ تَسْمِيَةِ الْعَرَبِ الزَّارِعَ خَبِيرًا وَقِيلَ : هَذَا الِاشْتِقَاقُ مِنْ مُعَامَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ فَسُمِّيَتْ مُخَابَرَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ ، وَبَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بُدِئَ الْكِتَابُ بِهِ ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْمُطَرِّفِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ حِينَ عَامَلَهُمْ عَلَى خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ } وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْسَلَ الْحَدِيثَ حِينَ لَمْ يُبَيِّنْ اسْمَ الرَّاوِي ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ ، فَقَدْ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ ،

وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلُ الْجَوَازِ ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ اسْتَرَقَّهُمْ وَتَمَلَّكَ أَرَاضِيَهُمْ وَنَخِيلَهُمْ ، ثُمَّ جَعَلَهَا فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبِيدِ فِي نَخِيلِ مَوَالِيهِمْ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِيَتَفَرَّغُوا لِلْجِهَادِ بِأَنْفُسِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا أَبْصَرَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ الْمُسْلِمَيْنِ ، وَمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ الشَّرْطِ بِطَرِيقِ النَّفَقَةِ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ مَمَالِيكُ لِلْمُسْلِمِينَ ، يَعْمَلُونَ لَهُمْ فِي نَخِيلِهِمْ فَيَسْتَوْجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ ، فَجَعَلَ نَفَقَتَهُمْ فِيمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ نِصْفَ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِمْ ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ ضَرِيبَةً عَلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى يُشَارِطُ عَبْدَهُ الضَّرِيبَةَ إذَا كَانَ مُكْتَسِبًا ، وَقَدْ نُقِلَ بَعْضُ هَذَا عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ وَنَخِيلِهِمْ ، وَجَعَلَ شَطْرَ الْخَارِجِ عَلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ ، وَلِلْإِمَامِ رَأْيٌ فِي الْأَرْضِ الْمَمْنُونِ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا إنْ شَاءَ جَعَلَ عَلَيْهَا خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ عَلَيْهَا خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ ، وَهَذَا أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْوُلَاةِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي رِقَابِهِمْ ، أَوْ رِقَابِ أَوْلَادِهِمْ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَمَالِيكِ ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْلَاهُمْ ، وَلَوْ كَانُوا عَبِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ لَمَا أَجْلَاهُمْ ، فَالْمُسْلِمُ إذَا كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إمْسَاكِهِ وَاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الثَّانِيَ أَصَحُّ ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ بِنَخِيلِهِمْ

وَأَرَاضِيهِمْ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ " وَهَذَا مِنْهُ شِبْهُ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمَقَامِ فِي نَخِيلِهِمْ عَلَى التَّأْيِيدِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِجْلَائِهِمْ فَتَحَرَّزَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ عَنْ نَقْضِ الْعَهْدِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَالْغَدْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ الْمَنَّ الْمُؤَقَّتَ صَحِيحٌ ، سَوَاءٌ كَانَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ ، وَأَنَّ الْغَدْرَ يَنْتَفِي بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ الْخَصْمُ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ صَحَّ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْغَدْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ ، قَالَ : وَإِنَّ بَنِي عُذْرَةَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ ، وَجَاءَتْهُ يَهُودُ وَادِي الْقُرَى : شُرَكَاءُ بَنِي عُذْرَةَ بِالْوَادِي فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَخَشَوْا أَنْ يَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَؤُلَاءِ كَانُوا بِالْقُرْبِ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ ، وَأَنَّ الْيَهُودَ بِالْحِجَازِ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ ، فَقَدْ كَانُوا أَعَزَّ الْيَهُودِ بِالْحِجَازِ ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ ، فَلَمَّا صَارُوا مَقْهُورِينَ ذَلَّتْ سَائِرُ الْيَهُودِ ، وَانْقَادُوا لِطَلَبِ الصُّلْحِ ، فَمِنْهُمْ يَهُودُ وَادِي الْقُرَى جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ أَيْ : انْقَادُوا لَهُ وَطَلَبُوا الْأَمَانَ ، وَخَشَوْا أَنْ يَغْزُوَهُمْ فَكَانَ هَذَا مِنْ النُّصْرَةِ بِالرُّعْبِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : نُصِرْت بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ } فَلَمَّا أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ ، وَالْوَادِي حِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ نِصْفَانِ : نِصْفٌ لِبَنِي عُذْرَةَ ، وَنِصْفٌ لِلْيَهُودِ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَادِيَ أَثْلَاثًا : ثُلُثًا لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ ، وَثُلُثًا خَاصَّةً لِبَنِي عُذْرَةَ ، وَثُلُثًا لِلْيَهُودِ فَكَانَ هَذَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ بَلَدِهِ عَلَى بَعْضِ الْأَمْوَالِ وَالْأَرَاضِي إذَا رَضُوا بِذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ هَمَّ بِإِجْلَاءِ الْيَهُودِ إلَى الشَّامِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ " وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } وَكَانَ فِي ذَلِكَ إظْهَارُ فَضِيلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ أُمَّتِهِ ، حَيْثُ إنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَوْلِدُهُ وَمَنْشَؤُهُ - طَهَّرَ اللَّهُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ عَنْ سُكْنَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِ فِيهَا - وَهِيَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْحَرَمُ ، وَبَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى حَرَمُ اللَّهِ تَعَالَى ، نَعَمْ مُشَارَكَةُ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ مَعَ الْمُؤْمِنِ فِي السُّكْنَى فِيهَا إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُتَمِّمَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَتَفَرَّغْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ ، وَقَدْ كَانَ مَشْغُولًا بِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ وَأَمَرَ يَهُودَ الْوَادِي أَنْ يَتَجَهَّزُوا بِالْجَلَاءِ إلَى الشَّامِ ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ إنَّمَا جَاءُوا مِنْ الشَّامِ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ ، وَكَانَ مَقْصُودُ رُؤَسَائِهِمْ مِنْ ذَلِكَ طَلَبَ الْحَنِيفِيَّةِ لِمَا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَعْتِ أُمَّتِهِ ، وَبِذَلِكَ كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمَّا

بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعُوا مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ الَّذِي دَعَا إلَيْهِ حَسَدًا وَكُفْرًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةُ فَجُوزُوا عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ بِأَنْ لَا يُمَكَّنُوا مِنْ الْمُقَامِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ ، وَأَنْ يَعُودُوا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ آبَاؤُهُمْ ، فَلِهَذَا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِ يَهُودُ الْوَادِي بِقَوْلِهِمْ : إنَّمَا نَحْنُ فِي أَمْوَالِنَا قَدْ أَقَرَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاسَمَنَا ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِشَارَةُ مِنْهُمْ إلَى الْفِرَاقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ ، فَإِنَّ خَيْبَرَ قَدْ افْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فَصَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ ، فَأَمَّا نَحْنُ فَصَالَحَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَرَاضِي فَأَقَرَّنَا فِي أَمْوَالِنَا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنَّا خِيَانَةٌ فَلَيْسَ لَك أَنْ تُجْلِيَنَا مِنْ أَرْضِنَا ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَكُمْ : " أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ " يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ ، فَلَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ إجْلَائِكُمْ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَهِدَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ ، وَإِنِّي مُجْلٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي : عَهْدًا خَاصًّا سِوَى ذَلِكَ الصُّلْحِ الْعَامِّ ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَأَنَا مُقَوِّمٌ أَمْوَالَكُمْ هَذِهِ فَمُعْطِيكُمْ أَثْمَانَهَا ، يَعْنِي بِهَذَا الْإِجْلَاءِ لَا أُبْطِلُ حَقَّكُمْ عَنْ أَمْوَالِكُمْ وَلَا أَتَمَلَّكُهَا عَلَيْكُمْ مَجَّانًا ،

وَلَكِنِّي أُعْطِيكُمْ قِيمَتَهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ لِمِلْكِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِمِلْكِ الْمُسْلِمِ ، وَأَنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ إيفَاءُ الْعَيْنِ فِي مِلْكِهِ يَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْقِيمَةِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ، وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ فِي الْقِيمَةِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَحَسَّ بِالْغَدْرِ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَأَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمَيْنِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى ، وَأَنَّهُ يُقَوِّمُ مِنْ أَمْلَاكِهِمْ مَا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ ، فَيُعْطِيهِمْ عِوَضَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، أَوْ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى إنْ كَانَتْ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمَيْنِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِأَمْوَالِهِمْ فَقُوِّمَتْ بِتِسْعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَأَجْلَاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِي عُذْرَةَ : " إنَّا لَنْ نَظْلِمَكُمْ ، وَلَنْ نَسْتَأْثِرَ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ شُفَعَاؤُنَا فِي أَمْوَالِ الْيَهُودِ ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُمْ نِصْفَ مَا أَعْطَيْنَاهُمْ ، وَأَعْطَيْتُكُمْ نِصْفَ أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ سَلَّمْتُمْ لَنَا الْبَيْعَ فَتَوَلَّيْنَا الَّذِي لَهُمْ " وَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِي الْعَقَارِ ، فَقَدْ كَانَتْ بَنُو عُذْرَةَ فِي الْوَادِي شُرَكَاءَ ، وَإِنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إذَا اشْتَرَى فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَى كَمَا لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِيهِ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَالِ بَيْتِ الْمُسْلِمِينَ لِيُسْتَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ ، وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا الشُّفْعَةَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَالشُّفْعَةُ تُبْطَلُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ ، فَقِيلَ : هُمْ قَدْ طَلَبُوا الشُّفْعَةَ وَأَظْهَرُوا ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ احْتَشَمُوا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ

يُجَاهِرُوهُ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ طَلَبُهُمْ قَالَ مَا قَالَ ، وَقِيلَ فَهِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ شَرْعِيٌّ ، وَأَنَّ لَهُمْ الشُّفْعَةَ بِذَلِكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبُوا الشُّفْعَةَ ، وَقَالُوا : بَلْ نُعْطِيكُمْ نِصْفَ الَّذِي أَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَالِ وَتُقَاسِمُونَا أَمْوَالَهُمْ فَبَاعَتْ بَنُو عُذْرَةَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ حَتَّى دَفَعُوا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقَسَمَ عُمَرُ الْوَادِيَ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْإِمَارَةِ وَبَيْنَ بَنِي عُذْرَةَ ، وَذَلِكَ زَمَانَ التَّحْظِيرِ حِينَ حَظَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْوَادِيَ نِصْفَيْنِ يَعْنِي : جَمَعَ أَنْصِبَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَانِبٍ ، وَأَنْصِبَاءَ بَنِي عُذْرَةَ فِي جَانِبٍ وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا عَظِيمًا ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْعَرَبِ حَتَّى جَعَلُوهُ تَارِيخًا ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ زَمَانَ التَّحْظِيرِ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : كُنْت زَمَانَ التَّحْظِيرِ ابْنَ كَذَا سَنَةٍ كَمَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا إذَا حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ فِي النَّاسِ يُجْعَلُ التَّارِيخُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ وَقْتِ الْوَبَاءِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَالَحَ أَهْلَ خَيْبَرَ أَعْطَاهُمْ النَّخْلَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا وَيُقَاسِمَهُمْ نِصْفَ الثِّمَارِ ، وَكَانَ يَبْعَثُ لِقِسْمَةِ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ : إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا } وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ حُكْمَيْنِ : حُكْمُ الْمُعَامَلَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ

، وَحُكْمُ الْخَرْصِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي يَكُونُ لِلْإِمَامِ خَرَاجُهَا خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ ، وَفِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَخْرُصُ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ عَلَى أَرْبَابِهَا ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا الْخَرْصُ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ ، حَتَّى إذَا ادَّعَوْا النُّقْصَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَعِنْدَنَا هَذَا الْخَرْصُ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُمْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُصُ إنَّمَا يَقُولُ شَيْئًا بِظَنٍّ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ فِي دَعْوَى النُّقْصَانِ ، وَعَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِمْ الْخِيَانَةَ وَالسَّرِقَةَ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْعَ الْعَرَايَا وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ عَلَى الْأَرْضِ خَرْصًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ، وَقَالَ : الْخَرْصُ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ ، وَلَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالُوا : الْخَرْصُ لَيْسَ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ تَظْهَرُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ فَيَكُونُ هَذَا بَيْعَ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ مُجَازَفَةً .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } ، وَتَأْوِيلُ مَا فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ حَتَّى يَتَحَرَّزَ الْيَهُودُ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ ، فَقَدْ كَانُوا فِي عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ ، بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّا يَقْدِرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَقِيلَ كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ حَتَّى كَانَ خَرْصُهُ بِمَنْزِلَةِ كَيْلِ غَيْرِهِ لَا يَتَفَاوَتُ ، قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ ، أَوْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَبِكَوْنِهِ مَبْعُوثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِيمَا رَوَاهُ بَعْدَ هَذَا ، وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : " إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا " أَيْ : إنْ شِئْتُمْ أَخَذْتُمْ مَا خَرَصْت وَأَعْطَيْتُمُونَا نِصْفَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْنَا ذَلِكَ وَأَعْطَيْنَاكُمْ نِصْفَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ ، فَهَذَا مِنْهُ بَيَانٌ ، أَنَّهُ عَدَلَ فِي الْخَرْصِ وَلَمْ يَمِلْ إلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا قَصَدَ الْحَيْفَ عَلَى الْيَهُودِ ، وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خَيْبَرَ إلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا ، فَإِذَا بَلَغَتْ الثِّمَارُ كَانَ لَهُمْ النِّصْفُ وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ ، فَبَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَائِدَةَ الْحَدِيثِ ، وَفِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَرَاضِيِهِمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ نِصْفَ الْخَارِجِ بِطَرِيقِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ ، وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ : سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ فَالنِّصْفِ فَقَالَ : أُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَأَهْلُوهُمْ إلَى يَوْمِهِمْ هَذَا يَفْعَلُونَهُ ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ ، فَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَجَوَازِهَا اسْتِدْلَالًا بِالْمُعَامَلَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ خَيْبَرَ فِي النَّخِيلِ ، وَقِيلَ : بَلْ كَانَتْ بِخَيْبَرَ نَخِيلٌ وَمَزَارِعُ ، فَقَدْ كَانَ عَقْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَقْدَ مُزَارَعَةٍ ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي جَوَازِ

الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ قَالَ لِلْيَهُودِ : أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ يَقُولُ : إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ } وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّلْحِ ، وَقَدْ يَجُوزُ مِنْ الْإِمَامِ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ بَيْتِ الْمَالِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ عَلَى طَرِيقِ الصُّلْحِ ، مَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَضْعُفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِمُعَامَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ ، وَفِيهِ دَلِيلُ هِدَايَةِ ابْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْخَرْصِ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ نَخْلٍ ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ أَصَابَ فِي الْخَرْصِ حِينَ رَغِبُوا فِي أَخْذِ ذَلِكَ ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ قَالَ : فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيًّا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا : هَذَا لَك وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسَمِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ إنَّكُمْ أَبْغَضُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ ، أَمَّا الَّذِي عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَهُوَ سُحْتٌ ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا فَقَالُوا : بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ } وَإِنَّمَا طَلَبُوا مِنْ ابْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَخْذِ الرِّشْوَةِ وَتَرْكِ بَيَانِ الْحَقِّ لِأَجْلِهِ ، فَإِنَّهُمْ كَتَمُوا بَعْثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْثَ أُمَّتِهِ مِنْ كِتَابِهِمْ ، وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِهَذَا

الطَّرِيقِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } وَمَا طَلَبُوا مِنْهُ التَّخْفِيفَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ وَخِيَانَةٍ ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِمْ وَبِهِ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِلْخَرَّاصِينَ : خَفِّفُوا فِي الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَارِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ } ثُمَّ إنَّهُ قَطَعَ طَمَعَهُمْ بِمَا قَالَ : " إنَّكُمْ مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ " وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي بُغْضِ الْيَهُودِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَإِنَّهُمْ فِي عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا خَلَا يَهُودِيٌّ بِمُسْلِمٍ إلَّا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِقَتْلِهِ } وَكَانَ شَكْوَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى قَالَ { : لَوْ آمَنَ بِي اثْنَا عَشَرَ مِنْهُمْ آمَنَ بِي كُلُّ يَهُودِيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ } يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْبُغْضَ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْحَيْفِ وَالظُّلْمِ عَلَيْهِمْ ، فَالْحَيْفُ هُوَ الظُّلْمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } فَكَيْفَ يَحْمِلُهُ مَا عَرَضُوا مِنْ الرِّشْوَةِ عَلَى الْمَيْلِ إلَيْهِمْ ؟ ، وَقَالَ : " أَمَّا الَّذِي عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ يَعْنِي تَنَاوُلَ السُّحْتِ مِنْ مُعَامِلِيكُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } وَالسُّحْتُ هُوَ الْحَرَامُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِئْصَالِ ، مَأْخُوذٌ مِنْ السُّحْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى } أَيْ يَسْتَأْصِلَكُمْ فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ

السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، يَعْنِي : مَا يَقُولُهُ حَقٌّ وَعَدْلٌ وَبِالْعَدْلِ قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَمْتِعَةَ النَّسَاءِ وَحُلِيَّهُنَّ لَمْ تَزَلْ عُرْضَةً لِحَوَائِجِ الرِّجَالِ ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ تَحَكَّمُوا عَلَى نِسَائِهِمْ فَجَمَعُوا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ ، وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ يَسَارٍ فَسَأَلَهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَأَبَتْ فَقَالَ : لَا تَكُونِي أَكْفَرَ مِنْ نِسَاءِ خَيْبَرَ كُنَّ يُوَاسِينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِحُلِيِّهِنَّ وَأَنْتِ تَأْبَيْنَ ذَلِكَ { ، وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى خَيْبَرَ فَقَالَ : بَعَثَنِي إلَيْكُمْ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي ، وَلَأَنْتُمْ عَلَيَّ أَهْوَنُ مِنْ الْخَنَازِيرِ ، وَلَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ هَكَذَا } يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ نَالَ الْعِزَّ فِي الدُّنْيَا ، وَالنَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } يَعْنِي بِمُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَنْزِلَةِ أَيْضًا ، فَهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَنَازِيرِ فِيمَا أَظْهَرُوا مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَدًا وَتَعَنُّتًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مُسِخَ مِنْهُمْ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ } وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ حِينَ حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَسَمِعَ مِنْ بَعْضِ سُفَهَائِهِمْ شَتِيمَةً فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتَشْتُمُونَنِي يَا إخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ " فَقَالُوا : " مَا كُنْت فَحَّاشًا يَا أَبَا الْقَاسِمِ " قَالَ : " وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُنِي مِنْ أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ " فَقَالُوا : " بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " أَيْ : بِالْحَقِّ وَمُخَالَفَتِهِ الْهَوَى وَالْمَيْلِ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : " قَدْ خَرَصْت عَلَيْكُمْ نَخِيلَكُمْ " فَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ النَّخِيلَ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ ، وَأَنَّ مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ شِئْتُمْ فَخُذُوهُ وَلِي عِنْدَكُمْ الشَّطْرُ ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخَذْته ، وَلَكُمْ عِنْدِي الشَّطْرُ فَخُذُوهُ فَإِنَّ لَكُمْ فِيهِ مَنَافِعُ فَأَخَذُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ فَضْلًا قَلِيلًا ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حَذَاقَتِهِ فِي بَابِ الْخَرْصِ ، وَأَنَّ خَرْصَهُ بِمَنْزِلَةِ كَيْلِ غَيْرِهِ حِينَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ الْفَضْلُ الْيَسِيرُ ، وَإِنَّمَا تَجَوَّزَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْخَرْصِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ النَّصِيحَةَ لَهُمْ فِي الْأَخْذِ مَعَ شِدَّةِ بُغْضِهِ إيَّاهُمْ ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ النَّصِيحَةَ لِأَحَدٍ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ عَدُوٍّ إذَا كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ نَصِيحَتَهُ بِحَقِّ الدَّيْنِ ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ وَقَالَ : لَكُمْ السَّوَاقِطُ } قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ السَّوَاقِطِ مَا يُكْسَرُ مِنْ الْأَغْصَانِ مِنْ النَّخِيلِ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحَطَبِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ مَا سَقَطَ مِنْ الثِّمَارِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُمْكِنْ ادِّخَارُهُ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ فَشُرِطَ ذَلِكَ لَهُمْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُمْ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُجْعَلُ عَفْوًا فِي حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالْمُعَامِلِ ؛

لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى التَّحَرُّزُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَصَ عَلَيْهِمْ مِائَةَ وَسْقٍ فَقَالَتْ الْيَهُودُ : أَشْطَطْتُمْ عَلَيْنَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : نَحْنُ نَأْخُذُهُ وَنُعْطِيكُمْ خَمْسِينَ وَسْقًا فَقَالَتْ : بِهَذَا تُنْصَرُونَ وَقَوْلُهُ : أَشْطَطْتُمْ عَلَيْنَا أَيْ : ظَلَمْتُمُونَا وَزِدْتُمْ فِي الْخَرْصِ } ، وَالشَّطَطُ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ } ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَذِبًا وَكَانُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَكِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ الْكَذِبُ ، وَقَوْلُ الزُّورِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } فَرَدَّ عَلَيْهِمْ تَعَنُّتَهُمْ بِمَا قَالَ : إنَّا نَأْخُذُهُ وَنُعْطِيكُمْ خَمْسِينَ وَسْقًا فَقَالُوا بِهَذَا تُنْصَرُونَ أَيْ : بِالْعَدْلِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الظُّلْمِ ، فَالنَّصْرُ مَوْعُودٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَادِلِينَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } يَعْنِي إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ تَعَالَى بِالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ وَالدُّعَاءِ إلَيْهِ وَإِظْهَارِ الْعَدْلِ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَا بَأْسَ بِالْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ "

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فِي جَوَازِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَكَانَ الْخِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالتَّابِعِينَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَهُمْ وَاشْتَبَهَتْ فِيهَا الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نُقِلَ مِنْ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ بَيَانَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَمِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْيَمَنَ وَنَحْنُ نُعْطِي أَرَاضِيَنَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْنَا ، وَفِيهِ بَيَانٌ : أَنَّ تَرْكَ التَّكَثُّرِ مِمَّنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ دَلِيلُ التَّقْرِيرِ ، فَقَدْ كَانَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَعَيَّنًا لِلْبَيَانِ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الْأَحْكَامَ ، وَاسْتَدَلَّ بِتَرْكِ التَّكَثُّرِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَا اُشْتُهِرَ هَذَا الْعَقْدُ بَيْنَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمْضَى ذَلِكَ ، وَفِي هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْفَتْوَى بِالْجَوَازِ وَعَنْ طَاوُسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُخَابَرَةِ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ : " خَابِرُوا عَلَى الشَّطْرِ ، وَالثُّلُثِ ، وَالرُّبُعِ ، وَلَا تُخَابِرُوا عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ " فَكَأَنَّ طَاوُسًا تَعَلَّمَ مِنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لَا تَجُوزُ ، وَبِهِ يَأْخُذُ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ بَعْدَ حُصُولِهِ ، وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ : أَقْطَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَالزُّبَيْرَ ،

وَخَبَّابًا وَرَأَيْت هَذَيْنِ يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَعَبْدَ اللَّهِ وَسَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْمُرَادُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ .
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُفَسَّرًا بَعْدَ هَذَا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ الْعَشَرَةِ ، وَكَانَا يُبَاشِرَانِ الْمُزَارَعَةَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ : أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ الْإِقْطَاعِ فِيمَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ ، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى ، كَمَا يَفْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ : إنَّا كُنَّا لَنُزَارِعُ عَلَى عَهْدِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَمَا يَعِيبَانِ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَهُمَا مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَفَتْوَاهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ فَتْوَى عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حُجَّةٌ أَيْضًا ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعِ بْن خَدِيجٍ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا إلَى قَوْمٍ يَطْمِسُ عَلَيْهِمْ نَخْلًا فَجَاءَ أَرْبَابُ النَّخِيلِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فُلَانًا قَدْ طَمَسَ عَلَيْنَا نَخْلَنَا فَقَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ بَعَثْت رَجُلًا فِي نَفْسِي أَمِينًا فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا نَصِيبَكُمْ بِمَا طَمَسَ ، وَإِلَّا أَخَذْنَا وَأَعْطَيْنَاكُمْ نَصِيبَكُمْ فَقَالُوا : هَذَا الْحَقُّ وَبِالْحَقِّ قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْمُرَادُ بِالطَّمْسِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ " الْحَزْرُ " وَالْمَذْكُورُ ثَانِيًا " الظُّلْمُ " فَالطَّمْسُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ وَمِنْهُ يُقَالُ عَيْنٌ مَطْمُوسَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { .
فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } وَكَانَ الْحَدِيثُ فِي ابْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَهْلِ خَيْبَرَ وَإِنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَعَثْت رَجُلًا فِي نَفْسِي أَمِينًا " فِي مَعْنَى الرَّدِّ لِتَعَنُّتِهِمْ عَلَيْهِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَارَ لِعَمَلِهِ مَنْ هُوَ أَمِينٌ عِنْدَهُ ، ثُمَّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ لِطَعْنِ الطَّاعِنِينَ ، فَالْقَائِلُ بِحَقٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَطْعَنَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ ، فَالنَّاسُ أَطْوَارٌ وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ الشَّكُورُ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ تَعَنُّتُهُمْ لَمَّا خَيَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : " هَذَا الْحَقُّ وَبِالْحَقِّ قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " وَبَيَانُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { : وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ } ، وَعَنْ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُكْرِي الْأَرْضَ الْجُرُزَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ، وَكَانَ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ } وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِمَّنْ يَرَى جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، { أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ فَالْحَقُّ مَعَهُ } رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجَوِّزُهَا { وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ : مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْ عُمُومَتِك فِي كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقَالَ : دَخَلَ عُمُومَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَيْنَا فَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ } فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَدْ كُنْت أَعْلَمُ إنَّا كُنَّا نُكُرِي الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ مَاءً فِي الرَّبِيعِ السَّاقِي الَّذِي يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الدَّيْنِ قَالَ : لَا أَدْرِي كَمْ هُوَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ

اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدَنَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَهَا بِشَيْءٍ لَا يَدْرُونَ كَمْ هُوَ وَلَا مَا يُخْرِجُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ النَّهْيَ الْعَامَّ يَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِالسَّبَبِ الْخَاصِّ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ ، فَقَدْ قَيَّدَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ بِمَا عُرِفَ مِنْ السَّبَبِ وَالْخُصُوصِيَّةِ ، وَهُوَ تَأْوِيلُ النَّهْيِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ قَالَ : الْمُزَارَعَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهَا فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَحْصُلَ الْخَارِجُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَالرَّبِيعُ السَّاقِي الْمَاءَ وَهُوَ مَاءُ السَّيْلِ يَنْحَدِرُ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ فَيَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ ، يَسْقِي مِنْهُ الْأَرْضَ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِعُمُومِ النَّهْيِ بِحَدِيثَيْنِ رُوِيَا فِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِحَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ رَافِعٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لِي اسْتَأْجَرْته فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ، وَالثَّانِي : مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقُلْت إنَّا نُكْرِيهَا بِمَا عَلَى الرَّبِيعِ السَّاقِي فَقَالَ لَا فَقُلْت إنَّا نَكْرِيهَا بِالتِّبْنِ فَقَالَ : لَا فَقُلْت إنَّا نُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَا ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاك } ، وَهَذَا إنْ ثَبَتَ فَهُوَ نَصٌّ وَكَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ الْقَدْرُ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ أَسَدَ بْنَ ظُهَيْرٍ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي خَارِجَةَ قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ مُصِيبَةٌ قَالُوا : مَا هِيَ ؟ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُكْرِيهَا بِمَا يَكُونُ عَلَى الرَّبِيعِ السَّاقِي مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَا ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاك } وَإِنَّمَا سَمَّى ذَلِكَ مُصِيبَةً لَهُمْ ؛ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُمْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ ، وَكَانُوا قَدْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّأْوِيلَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ مُصِيبَةٍ ؛ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِدَفْعِ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْخَارِجِ ، فَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاك " يَدُلُّ عَلَى سَدِّ بَابِ الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمْ بِالنَّهْيِ مُطْلَقًا ، وَبِهِ يَسْتَدِلُّ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمُتَعَسِّفَةِ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَقْصُودِ الزِّرَاعَةِ ، وَلَكِنْ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِي اسْتَأْجَرْته دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا آثَارًا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ ، وَالْمُرَادُ هَهُنَا الِانْتِدَابُ إلَى مَا هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ بِأَنْ يَمْنَحَ الْأَرْضَ غَيْرَهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْ زِرَاعَتِهَا بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ ، وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَجْرَانَ فَكَتَبَ إلَيْهِ يَذْكُرُ لَهُ أَرْضَ نَجْرَانَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ بَيْضَاءَ يَسْقِيهَا السَّمَاءُ ، أَوْ تُسْقَى سَحًّا فَادْفَعْهَا إلَيْهِمْ ، لَهُمْ الثُّلُثُ وَلَنَا الثُّلُثَانِ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ تُسْقَى بِالْغُرُوبِ

فَادْفَعْهَا إلَيْهِمْ ، لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَلَنَا الثُّلُثُ ، وَمَا كَانَ مِنْ كَرْمٍ يَسْقِيهِ السَّمَاءُ أَوْ يُسْقَى سَحًّا فَادْفَعْهُ إلَيْهِمْ لَهُمْ الثُّلُثُ ، وَلَنَا الثُّلُثَانِ ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالْغُرُوبِ فَادْفَعْهُ إلَيْهِمْ ، لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَلَنَا الثُّلُثُ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَرَاضِيِ الَّتِي هِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ مُزَارَعَةً .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ فَاوَتَ فِي نَصِيبِهِمْ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ عَمَلِهِمْ بَيْنَ مَا تَسْقِيهَا السَّمَاءُ ، أَوْ تُسْقَى بِالْغُرُوبِ وَهِيَ الدَّوَالِي ، فَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ قُلْت لِطَاوُسٍ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ تَرَكْت الْمُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فَقَالَ : أَخْبَرَنِي أَعْلَمُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : يَمْنَحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ خَرْجًا مَعْلُومًا ، أَوْ قَالَ خَرَاجًا مَعْلُومًا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : " أَعْلَمُهُمْ " ( مُعَاذٌ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ } أَوْ قَالَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُتَعَلِّمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي مُعَلِّمِهِ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَقْرَانِهِ لِيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ ، ثُمَّ قَدْ دَعَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إلَى الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ ، وَالتَّحَرُّزِ عَنْ مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَأَبَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهِ الْجَوَازَ كَمَا تَعَلَّمَهُ مِنْ أُسْتَاذِهِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مُبَاشَرَةِ مَا يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ تَرْكًا

لِلِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ ، وَقَوْلُهُ : " يَمْنَحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ " إشَارَةً إلَى الِانْتِدَابِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { لَمْ يَنْهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا حَتَّى تَظَالَمُوا كَانَ الرَّجُلُ يُكْرِي أَرْضَهُ وَيَشْتَرِطُ مَا يَسْقِيهِ الرَّبِيعُ وَالنُّطَفَ فَلَمَّا تَظَالَمُوا نَهَى عَنْهَا ، وَالنُّطَفُ جَوَانِبُ الْأَرْضِ } فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَّ النَّهْيَ كَانَ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْخُصُومَةِ ، فَكَانَ تَقْيِيدًا بِهَا ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنَّا نُخَابِرُ وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فَتَرَكْنَا مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ يَعْنِي : مِنْ أَجْلِ رِوَايَتِهِ وَابْنُ عُمَرَ كَانَ مَعْرُوفًا بِالزُّهْدِ وَالْفِقْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْجَوَازَ ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَهَا لِحَيْثِيَّةِ مُطْلَقِ النَّهْيِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَمْ مِنْ حَلَالٍ يَتْرُكُهُ الْمَرْءُ عَلَى طَرِيقِ الزُّهْدِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ الْجَوَازَ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : { لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ مَحْضَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : أَكْثَرَ رَافِعٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَفْسِهِ لِيُكْرِيَهَا كِرَاءَ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ : شَدَّدَ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ بِرِوَايَتِهِ النَّهْيَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ رُجُوعِهِ إلَى سَبَبِ النَّهْيِ ، وَلِأَجْلِ رِوَايَتِهِ يَتْرُكُ الْمُزَارَعَةَ وَيُكْرِي الْأَرْضَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كِرَاءَ الْإِبِلِ ، فَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرَاضِي لِمَقْصُودِ الزِّرَاعَةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا أَكْرَى الْأَرْضَ اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ لَا

يُدْخِلَهَا كَلْبًا ، وَلَا يَعْذِرَهَا وَهَذَا مِنْ الْمُتَقَرِّرِ الَّذِي اخْتَارَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ الْكَلْبِ الْأَرْضَ لِحِفْظِ الزَّرْعِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْحَدِيثَ جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَقَوْلُهُ : " لَا يَعْذِرَهَا " أَيْ : لَا يُلْقِي فِيهَا الْعَذِرَةَ وَهُوَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ بَنِي آدَمَ ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ ، فَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَنْهَى عَنْ إلْقَاءِ الْعَذِرَةِ فِي الْأَرْضِ وَعَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ ذَلِكَ ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَعَاتَبَهُ إنْسَانٌ عَلَى ذَلِكَ فَجَعَلَ يَقُولُ : مَكِيلُ بُرٍّ بِمَكِيلِ بُرٍّ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَجُوزُ إلْقَاؤُهَا فِي الْأَرْضِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالتُّرَابِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا مَخْلُوطًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا صَارَ مَغْلُوبًا بِالتُّرَابِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إلْقَاؤُهَا فِي الْأَرْضِ ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَخْلُوطَةٍ بِالتُّرَابِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ، وَلَا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْأَرْضِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِاحْتِرَامِ بَنِي آدَمَ فَبَيْعُ السِّرْقِينِ ، وَإِلْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ جَائِزٌ وَلَكِنْ لِاحْتِرَامِ بَنِي آدَمَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرَّجِيعِ وَهُوَ كَالشَّعْرِ فَإِنَّ شَعْرَ الْآدَمِيِّ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَا بَانَ عَنْهُ ، بِخِلَافِ شَعْرِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَصُوفِهَا ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَلْقَاهَا فِي الْأَرْضِ وَخَلَطَهَا بِالْأَرْضِ ،

وَصَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِيهَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا كَذَلِكَ ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا غَيْرَ مَخْلُوطَةٍ بِالتُّرَابِ ، وَعَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ : كُنْت عِنْدَ مُجَاهِدٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ فَرَفَعَ طَاوُسٍ يَدَهُ فَضَرَبَ صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْيَمَنَ وَكَانَ يُعْطِي الْأَرْضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَنَحْنُ نَعْمَلُ بِهِ إلَى الْيَوْمِ ، وَمَعْنَى مَا قَالَهُ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، وَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ النَّهْيُ الَّذِي رَوَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَقَدْ كَانَ يُبَاشِرُ الْمُزَارَعَةَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ، فَنَحْنُ نَتَبَرَّمُ فِي ذَلِكَ وَنَحْمِلُ النَّهْيَ عَلَى مَا حَمَلَهُ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَدْ كَانَ دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى لِمَا وَفَّقَهُ لِمَا يَرْضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ وَلَيْسَ لَهُ بَذْرٌ وَلَا بَقَرٌ أَعْطَانِي أَرْضَهُ بِالنِّصْفِ فَزَرَعْتهَا بِبَذْرِي وَبَقَرِي ، ثُمَّ قَاسَمْته فَقَالَ : حَسَنٌ وَفِيهِ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ يُفْتِي بِمَا يَعْتَقِدُ فِيهِ الْجَوَازَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُبَاشِرُهُ فَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَرَكَ الْمُزَارَعَةَ لِأَجْلِ النَّهْيِ ، ثُمَّ أَفْتَى بِحُسْنِهَا وَجَوَازِهَا لِلسَّائِلِ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ فَقَالَ يَا أُمَّ مُبَشِّرٍ مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ ؟ قَالَتْ : بَلْ مُسْلِمٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا سَبُعٌ وَلَا طَيْرٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي رِوَايَةٍ وَمَا

أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ يَعْنِي الطُّيُورَ الْخَارِجَةَ عَنْ أَوْكَارِهَا ، الطَّالِبَةَ لِأَرْزَاقِهَا ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْدُوبٌ إلَى الِاكْتِسَابِ بِطَرِيقِ الزِّرَاعَةِ ، وَالْغِرَاسَةِ وَلِهَذَا قَدَّمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الزِّرَاعَةَ عَلَى التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ نَفْعًا وَأَكْثَرُ صَدَقَةً ، وَقَدْ بَاشَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا رَوَيْنَا أَنَّهُ ازْدَرَعَ بِالْجُرْفِ ، وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ مِنْ الْمُتَعَسِّفَةِ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ وَقَالُوا : إنَّهُ يَرْكَنُ بِهِ إلَى الدُّنْيَا وَيُنْتَقَصُ بِقَدْرِهِ مِنْ رَغْبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى ، وَهَذَا غَلَطٌ ظَنُّوهُ فَإِنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهَذَا الِاكْتِسَابِ إلَى الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نِعْمَ مَطِيَّةُ الْمُؤْمِنِ الدُّنْيَا إلَى الْآخِرَةِ : الْغَرْسُ ، وَالْبِنَاءُ } وَإِنْ كَانَ حَسَنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ إذَا بَاشَرَهُ الْمُسْلِمُ دُونَ الْكَافِرِ ، فَإِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَابَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِتَقْدِيمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْغَرْسِ ، وَلَكِنْ قَدْ وَرَدَ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَأْثُرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { عَمَّرُوا بِلَادِي فَعَاشَ فِيهَا عِبَادِي } فَلِهَذَا قُلْنَا هَذَا الْفِعْلُ حَسَنٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ .
وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَعَنْ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِإِجَارَةِ الْأَرْضِ بِدَرَاهِمَ ، أَوْ بِطَعَامٍ مُسَمًّى ، وَقَالَ هَلْ ذَلِكَ إلَّا مِثْلُ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ ؟ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَأْجِرُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْأَرْضُ غَيْرُ

مُنْتَفَعٍ بِهَا كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ ، وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَصْلُحُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ ، وَتَأْوِيلُ النَّهْيِ الِاسْتِئْجَارُ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ مَعْدُومَةٍ هِيَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَمَا يَكُونُ فِي الْمُزَارَعَةِ وَهَذَا يَنْعَدِمُ فِي الِاسْتِئْجَارِ بِطَعَامٍ مُسَمًّى ، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي هَذَا نَوْعُ رِفْقٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ لِلزِّرَاعَةِ فَأَدَاءُ الطَّعَامِ أُجْرَةً أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ الدَّرَاهِمِ ؛ لِقِلَّةِ النُّقُودِ فِي أَيْدِي الدَّهَاقِينِ ، وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ ، وَالْمُزَابَنَةِ ، وَقَالَ : إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ ، أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ } ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ عَلَى الْأَرْضِ خَرْصًا فَالنَّهْيُ عَنْهَا حُجَّةٌ لَنَا فِي إفْسَادِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَالْمُحَاقَلَةُ قِيلَ : بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ الْحَقْلَةُ تُنْبِتُ الْحَقْلَةَ أَيْ : الْحِنْطَةُ تُنْبِتُ السُّنْبُلَةَ وَقِيلَ الْمُحَاقَلَةُ الْمُزَارَعَةُ وَهَذَا أَظْهَرُ فَقَدْ فَسَّرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ : " إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ " فَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ ، وَأَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ ، وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : إنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ يَسْتَكْرِيَ أَحَدُكُمْ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَامًا بِعَامٍ يَعْنِي : أَبْعَدَهَا عَنْ الْمُنَازَعَةِ ، وَالْجَهَالَةِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْأَمْثَلَ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ

إلَى الصَّوَابِ وَالصِّحَّةِ وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ شُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ .
، وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ { اشْتَرَكَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ : مِنْ عِنْدِي الْبَذْرُ ، وَقَالَ الْآخَرُ : مِنْ عِنْدِي الْعَمَلُ ، وَقَالَ الْآخَرُ : مِنْ عِنْدِي الْفَدَّانُ .
وَقَالَ الْآخَرُ : مِنْ عِنْدِي الْأَرْضُ فَقَضَى فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ أَجْرًا مُسَمًّى ، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ ، وَأَلْحَقَ الزَّرْعَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ، وَأَلْغَى الْأَرْضَ } وَبِهَذَا يَأْخُذُ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ فَيَقُولُ : الْمُزَارَعَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَاسِدَةٌ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَدَّانِ وَهِيَ الْبَقَرُ وَآلَاتُ الزِّرَاعَةِ عَلَى أَحَدِهِمْ مَقْصُودًا بِهِ وَبِمَا فِيهَا مِنْ دَفْعِ الْبَذْرِ مُزَارَعَةً عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ ، ثُمَّ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَا بَذَرَهُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَقَهُ بِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَأَلْغَى الْأَرْضَ يَعْنِي : لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ الْخَارِجِ شَيْئًا ، إلَّا أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ ، بَلْ يَسْتَوْجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَصَاحِبِ الْفَدَّانِ ، وَقَدْ أَعْطَاهُ أَجْرًا مُسَمًّى ، وَالْمُرَادُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَصَاحِبِ الْعَمَلِ فَقَدْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَجْرَ مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ ، وَكَمَا أَنَّهُ سَلَّمَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مَنْفَعَةَ الْفَدَّانِ ، وَالْعَامِلُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِلْغَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ ، فَكَانَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُصَحِّحُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُ : " الْخَارِجُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96